Translate

الجمعة، 22 نوفمبر 2024

كتاب الاغاني للاصفهاني ج1و2و3.

 
 ج1وج2وج3* كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني

كتاب الاغاني للاصفهاني ج1و2و3.

 ذكر المائة الصوت المختارة الرشيد يأمر المغنين باختيار ثلاثة أصوات أخبرنا أبو أحمد يحيى بن علي بن يحيى المنجم قال حدثني أبي قال حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي أن أباه أخبره أن الرشيد رحمة الله عليه أمر المغنين وهم يومئذ متوافرون أن يختاروا له ثلاثة أصوات من جميع الغناء فأجمعوا على ثلاثة أصوات أنا أذكرها بعد هذا إن شاء الله قال إسحاق فجرى هذا الحديث يوما وأنا عند أمير المؤمنين الواثق بالله فأمرني باختيار أصوات من الغناء القديم فاخترت له من غناء أهل كل عصر ما اجتمع علماؤهم على براعته وإحكام صنعته ونسبته إلى من شدا به ثم نظرت إلى ما أحدث الناس بعد ممن شاهدناه في عصرنا وقبيل ذلك فاجتبيت منه ما كان مشبها لما تقدم أو سالكا طريقه فذكرته ولم أبخسه ما يجب له وإن كان قريب العهد لأن الناس قد يتنازعون الصوت في كل حين وزمان وإن كان السبق للقدماء إلى كل إحسان وأخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني هارون بن الحسن بن سهل وأبو العبيس بن حمدون وابن دقاق وهو محمد بن أحمد بن يحيى المعروف بابن دقاق بهذا الخبر فزعم أن الرشيد أمر هؤلاء المغنين أن يختاروا له مائة صوت فاختاروها ثم أمرهم باختيار عشرة منها فاختاروها ثم أمرهم أن يختاروا منها ثلاثة ففعلوا وذكر نحو ما ذكره يحيى بن علي ووافقه في صوت من الثلاثة الأصوات وخالفه في صوتين وذكر يحيى بن علي بإسناده المذكور أن منها لحن معبد في شعر أبي قطيفة وهو من خفيف الثقيل الأول ( القَصْرُ فالنَّخْلُ فالجَمَّاءُ بينهما ... أَشْهى إلى القلب من أبواب جَيْرُونِ ) ولَحْنَ ابن سريج في شعر عمر بن أبي ربيعة ولحنه من الثقيل الثاني ( تَشَكَّى الكُمَيْتُ الجَرْي لمّا جَهدْتُه ... وبَيَّن لو يَسْتطيعُ أن يتكلَّما ) ولَحْن ابن محرز في شعر نصيب وهو من الثَّقيل الثاني أيضا ( أهَاجَ هواكَ المنزلُ المتقادِمُ ... نَعَمْ وبه ممّن شَجَاك مَعَالِمُ ) وذكر جحظة عمن روى عنه أن من الثلاثة الأصوات لحن ابن محرز في شعر المجنون وهو من الثقيل الثاني ( إذا ما طَوَاكِ الدهرُ يا أُمّ مالك ... فشأنَ المنايا القاضياتِ وشانِيا ) ولحن إبراهيم الموصلي في شعر العرجي وهو من خفيف الثقيل الثاني ( إلى جَيْداء قد بَعثوا رسولاً ... ليُحْزِنَها فلا صُحِب الرسولُ ) ولحن ابن محرز في شعر نُصيَب وهو على ما ذكر هزج ( أهاج هواك المنزل المتقادمُ ... نعم وبه ممن شجاك معالمُ ) وحكي عن أصحابه أن هذه الثلاثة الأصوات على هذه الطرائق لا تبقي نغمة في الغناء إلا وهي فيها المغنون يختارون لحن ابن محرز أخبرني الحسن بن علي الأدمي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مَهْرُويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد الوراق قال حدثني أبو توبة صالح بن محمد قال حدثني محمد بن جبر المغني قال حدثني إبراهيم بن المهدي أن الرشيد أمر المغنين أن يختاروا له أحسن صوت غُنِّيَ فيه فاختاروا له لحن ابن مُحرز في شعر نُصَيب ( أهاج هواك المنزل المتقادمُ ... ) قال وفيه دور كثير أي صنعة كثيرة والذي ذكره أبو أحمد يحيى بن علي أصح عندي ويدل على ذلك تباين ما بين الأصوات التي ذكرها والأصوات الأُخر في جودة الصنعة وإتقانها وإحكام مباديها ومقاطعها وما فيها من العمل وأن الأخرى ليست مثلها ولا قريبة منها وأخرى هي أن جحظة حكى عمن روى عنه أن فيها صوتا لإبراهيم الموصلي وهو أحد من كان اختار هذه الأصوات للرشيد وكان معه في اختيارها إسماعيل بن جامع وفُليح بن أبي العوراء وليس أحد منهما دونه إن لم يَفُقُه فكيف يمكن أن يقال إنهما ساعدا إبراهيم على اختيار لحن من صنعته في ثلاثة أصوات اختيرت من سائر الأغاني وفضلت عليها ألم يكونا لو فعلا ذلك قد حكما لإبراهيم على أنفسهما بالتقدم والحِذق والرياسة وليس هو كذلك عندهما اختلاف وجهتي نظر إبراهيم بن ميمون وولده في غناء ابن جامع ولقد أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم عن حَمّاد بن إسحاق عن أبيه أنه أتى أباه إبراهيم بن ميمون يوما مسلِّما فقال له أبوه يا بني ما أعلم أحدا بلغ من بر ولده ما بلغته من برك وإني لأستقل ذلك لك فهل من حاجة أصير فيها إلى محبتك قلت قد كان جعلت فداك كل ما ذكرت فأطال الله لي بقاءك ولكني أسألك واحدة يموت هذا الشيخ غدا أو بعد غد ولم أسمعه فيقول الناس لي ماذا وأنا أحل منك هذا المحل قال لي ومن هو قلت ابن جامع قال صدقت يا بني أسرجوا لنا فجئنا ابن جامع فدخل عليه أبي وأنا معه فقال يا أبا القاسم قد جئتك في حاجة فإن شئت فاشتمني وإن شئت فاقذفني غير أنه لا بد لك من قضائها هذا عبدك وابن أخيك إسحاق قال لي كذا وكذا فركبت معه أسألك أن تُسعفه فيما سأل فقال نعم على شريطة تقيمان عندي أطعمكما مَشُوشةً وقَلِيّة وأسقيكما من نبيذي التمري وأغنيكما فإن جاءنا رسول الخليفة مضينا إليه وإلا أقمنا يومنا فقال أبي السمع والطاعة وأمر بالدواب فردت فجاءنا ابن جامع بالمشوشة والقلية ونبيذه التمري فأكلنا وشربنا ثم اندفع فغنانا فنظرت إلى أبي يقل في عيني ويعظم ابن جامع حتى صار أبي في عيني كلا شيء فلما طربنا غاية الطرب جاء رسول الخليفة فركبا وركبت معهما فلما كنا في بعض الطريق قال لي أبي كيف رأيت ابن جامع يا بني قلت له أو تعفيني جعلت فداك قال لست أعفيك فقل فقلت له رأيتك ولا شيء أكبر عندي منك قد صغرت عندي في الغناء معه حتى صرت كلا شيء ثم مضينا إلى الرشيد وانصرفت إلى منزلي وذلك لأني لم أكن بعد وصلت إلى الرشيد فلما أصبحت أرسل إلي أبي فقال يا بني هذا الشتاء قد هجم عليك وأنت تحتاج فيه إلى مؤونة وإذا مال عظيم بن يديه فاصرف هذا المال في حوائجك فقمت فقبلت يده ورأسه وأمرت بحمل المال واتبعته فصوت بي يا إسحاق ارجع فرجعت فقال لي أتدري لم وهبت لك هذا المال قلت نعم جعلت فداك قال لم قلت لصدقي فيك وفي ابن جامع قال صدقت يا بني امض راشدا ولهما في هذا الجنس أخبار كثيرة تأتي في غير هذا الموضع متفرقة في أماكن تحسن فيها ولا يستغنى بما ذكر هاهنا عنها فإبراهيم يحل ابن جامع هذا المحل مع ما كان بينهما من المنافسة والمفاخرة ثم يقدم على أن يختار فيما هو معه فيه صوتا لنفسه يكون مقدما على سائر الغناء ويطابقه هو وفليح عليه خطأ لا يتخيل وعلى ما به فإنا نذكر الصوتين اللذين رويناهما عن جحظة المخالفين لرواية يحيى بن علي بعد ذكرنا ما رواه يحيى ثم نتبعهما باقي الاختيار فأول ذلك من رواية أبي الحسن علي بن يحيى الكلام على أحد هذه الأصوات الثلاثة صوت فيه لحنان ( القَصْرُ فالنَّخْلُ فالجَمَّاءُ بينهما ... أَشْهَى إلى القلب من أبواب جَيْرُونِ ) ( إلى البَلاطِ فما حازت قَرَائنُهُ ... دُورٌ نَزَحْن عن الفَحْشاء والهُونِ ) ( قد يَكْتُم الناسُ أسراراً فأعلمُها ... ولا يَنَالون حتى الموتِ مَكْنوني ) عروضه من أول البسيط القصر الذي عناه هاهنا قصر سعيد بن العاص بالعرصة والنخل الذي عناه نخل كان لسعيد هناك بين قصره وبين الجماء وهي أرض كانت له فصار جميع ذلك لمعاوية بن أبي سفيان بعد وفاة سعيد ابتاعه من ابنه عمرو باحتمال دينه عنه ولذلك خبر يذكر بعد وأبواب جيرون بدمشق ويروى حاذت قرائنه من المحاذاة والقرائن دور كانت لبني سعيد بن العاص متلاصقة سميت بذلك لاقترانها ونزحن بعدن والنازح البعيد يقال نزح نزوحا والهون الهوان قال الراجز ( لم يُبْتَذلْ مثلُ كريمٍ مَكْنونْ ... أبيضَ ماضٍ كالسِّنان المَسنْون ) ( كان يُوَقِّي نفسَه من الهُونْ ... ) والمكنون المستور الخفي وهو مأخوذ من الكن الشعر لأبي قطيفة المعيطي والغناء لمعبد وله فيه لحنان أحدهما خفيف ثقيل أول بالوسطى في مجراها من رواية إسحاق وهو اللحن المختار والآخر ثقيل أول بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة خبر أبي قطيفة ونسبه هو عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط واسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب هذا الذي عليه النسابون وذكر الهيثم بن عدي في كتاب المثالب أن أبا عمرو بن أمية كان عبدا لأمية اسمه ذكوان فاستلحقه وذكر أن دغفلا النَّسابة دخل على معاوية فقال له من رأيت من علية قريش فقال رأيت عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس فقال صفهما لي فقال كان عبد المطلب أبيض مديد القامة حسن الوجه في جبينه نور النبوة وعز الملك يطيف به عشرة من بنيه كأنهم أسد غاب قال فصف أمية قال رأيته شيخا قصيرا نحيف الجسم ضريرا يقوده عبده ذكوان فقال مه ذاك ابنه أبو عمرو فقال هذا شيء قلتموه بعد وأحدثتموه وأما الذي عرفت فهو الذي أخبرتك به ثم نعود إلى سياقة النسب من لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة والنضر عند أكثر النَّسابين أصل قريش فمن ولده النضر عد منهم ومن لم يلده فليس منهم وقال بعض نسّابي قريش بل فهر بن مالك أصل قريش فمن لم يلده فليس من قريش ثم نعود للنسب إلى النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار وولد إلياس يقال له خِنْدَفُ لهم سموا بأمهم خندف وهو لقبها واسمها ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وهي أم مدركة وطابخة وقمعة بني إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن يشجب وقيل أشجب بن نبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم هذا النسب الذي رواه نسّابو العرب وروي عن ابن شهاب الزهري وهو من علماء قريش وفقهائها وقال قوم آخرون من النسابين ممن أخذ فيما يزعم عن دغفل وغيره معد بن عدنان بن أدد بن آمين بن شاجيب بن نبت بن ثعلبة بن عنز بن سريج بن محلم بن العوام بن المحتمل بن رائمة بن العقيان بن غلة بن شحدود بن الضرب بن عيفر بن إبراهيم بن إسماعيل بن رزين بن أعوج بن المطعم بن الطمح بن القسور بن عتود بن دعدع بن محمود بن الرائد بن بدوان بن أمامة بن دوس بن حصين بن النَّزّال بن الغمير بن محشر بن معذر بن صيفي بن نبت بن قيدار بن إسماعيل ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله صلى الله عليهما وعلى أنبيائه أجميعن وسلم تسليما ثم أجمعوا أن إبراهيم بن آزر وهو اسمه بالعربية كما ذكره الله تعالى في كتابه وهو في التوراة بالعبرانية تارح بن ناحور وقيل الناحر بن الشارع وهو شاروع بن أرغو وهو الرامح بن فالغ وهو قاسم الأرض الذي قسمها بين أهلها بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ وهو الرافد بن سام بن نوح صلى الله عليه و سلم بن لامك وهو في لغة العرب ملكان بن المتوشلخ وهو المنوف بن أخنخ وهو إدريس نبي الله عليه السلام بن يارد وهو الرائد بن مهلايل بن قينان وهو قنان بن أنوش وهو الطاهر بن شيث وهو هبة الله ويقال له أيضا شاث بن آدم أبي البشر صلى الله عليه وعلى سائر الأنبياء وعلى نبينا محمد خاصة وسلم تسليما هذا الذي في أيدي الناس من النسب على اختلافهم فيه وقد روي عن النبي تكذيب للنسابين ودفع لهم وروي أيضا خلاف لأسماء بعض الآباء وقد شرحت ذلك في كتاب النسب شرحا يستغنى به عن غيره العنابس والأعياص وأبو قطيفة وأهله من العنابس من بني أمية وكان لأمية من الولد أحد عشر ذكرا كل واحد منهم يكنى باسم صاحبه وهم العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص وعمرو وأبو عمرو وحرب وأبو حرب وسفيان وأبو سفيان والعويص لا كنى له فمنهم الأعياص فيما أخبرنا حرمي بن أبي العلاء واسمه أحمد بن محمد بن إسحاق والطوسي واسمه أحمد بن سليمان قالا حدثنا الزبير بن بكار عن محمد بن الضحاك الحزامي عن أبيه قال الأعياص العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص والعويص ومنهم العنابس وهم حرب وأبو حرب وسفيان وأبو سفيان وعمرو وأبو عمرو وإنما سموا العنابس لأنهم ثبتوا مع أخيهم حرب بن أمية بعكاظ وعقلوا أنفسهم وقاتلوا قتالا شديدا فشبهوا بالأسد والأسد يقال لها العنابس واحدها عنبسة وفي الأعياص يقول عبد الله بن فضالة الأسدي ( مِن الأعياص أو مِن آل حربٍ ... أغَرَّ كغُرة الفرس الجَوَادِ ) والسبب في قوله هذا الشعر ما أخبرنا به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة وحدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني وابن غزالة قالوا أتى عبد الله بن فضالة بن شريك الوالبي ثم الأسدي من بني أسد بن خزيمة عبد الله بن الزبير فقال له نفدت نفقتي ونقبت راحلتي قال أحضرها فأحضرها فقال أقبل بها أدبر بها ففعل فقال ارقعها بسبت واخصفها بهلب وأنجد بها يبرد خفها وسر البردين تصح فقال ابن فضالة إني أتيتك مستحملا ولم آتك مستوصفا فلعن الله ناقة حملتني إليك قال ابن الزبير إن وراكبها فانصرف عنه ابن فضالة وقال عبد الله بن فضالة يهجو ابن الزبير ( أقول لغِلْمتي شُدُّوا ركابِي ... أُجَاوِزْ بَطْنَ مكةَ في سَوَادِ ) ( فما لي حينَ أقْطَع ذات عِرْقٍ ... إلى ابن الكَاهِليَّة من مَعَاد ) ( سيُبْعِدُ بينَنا نَصُّ المَطَايا ... وتعليقُ الأدَاوَى والمَزادِ ) ( وكلُّ مُعَبَّدٍ قد أعْلَمْته ... مَنَاسِمُهُن طُلاَّعَ النِّجَادِ ) ( أرَى الحاجاتِ عند أبي خُبَيْبٍ ... نُكِدْنَ ولا أُميَّةَ بالبلادِ ) ( من الأعْياص أو من آل حربٍ ... أغرَّ كغُرَّة الفرس الجوادِ ) أبو خبيب عبد الله بن الزبير كان يكنى أبا بكر وخبيب ابن له هو أكبر ولده ولم يكن يكنيه به إلا من ذمه يجعله كاللقب له قال فقال ابن الزبير لما بلغه هذا الشعر علم أنها شر أمهاتي فعيرني بها وهي خير عماته قال اليزيدي إن هاهنا بمعنى نعم كأنه إقرار بما قال ومثله قول ابن قيس الرقيات ( ويَقُلْنَ شيَبٌ قد علاكَ ... وقد كَبِرتَ فقلتُ إنَّه ) وأم أبي معيط آمنة بنت أبان بن كليب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ولها يقول نابغة بني جعدة ( وشارَكْنا قريشاً في تُقاها ... وفي أنسابها شِرْكَ العِنَانِ ) ( بما وَلدتْ نساءُ بني هِلاَلٍ ... وما ولدت نساءُ بني أبَانِ ) وكانت آمنة هذه تحت أمية بن عبد شمس فولدت له العاص وأبا العاص وأبا العيص والعويص وصفية وتوبة وأروى بني أمية فلما مات أمية تزوجها بعده ابنه أبو عمرو وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك يتزوج الرجل امرأة أبيه بعده فولدت له أبا معيط فكان بنو أمية من آمنة إخوة أبي معيط وعمومته أخبرني بذلك كله الطوسي عن الزبير بن بكار قال الزبير وحدثني عمي مصعب قال زعموا أن ابنها أبا العاص زوّجها أخاه أبا عمرو وكان هذا نكاحا تنكحه الجاهلية فأنزل الله تعالى تحريمه قال الله تعالى ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ) فسمي نكاح المقت مقتل عقبة والحارث وأسر عقبة بن أبي معيط في يوم بدر فقتله رسول الله صبرا حدثنا بذلك محمد بن جرير الطبري قال حدثنا محمد بن حميد الرازي قال حدثنا سلمة ابن الفضل عن محمد بن إسحاق في خبر ذكره طويل وحدثني به أحمد بن محمد بن الجعد قال حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري قالوا جميعا قتله رسول الله صبرا فقال له وقد أمر بذلك فيه يا محمد أأنا خاصة من قريش قال نعم قال فمن للصبية بعدي قال النار فلذلك يسمى بنو أبي معيط صبية النار واختلف في قاتله فقيل إن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه تولى قتله وهذا من رواية بعض الكوفيين حدثني به أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال أخبرني المنذر بن محمد اللخمي قال حدثنا سليمان بن عباد قال حدثني عبد العزيز بن أبي ثابت المدني عن أبيه عن محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليهم السلام أن النبي أمر عليّاً يوم بدر فضرب عنق عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وروى ابن إسحاق أن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري قتله وأن الذي قتله علي بن أبي طالب عليه السلام النضر بن الحارث بن كلدة أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني الحسن بن عثمان قال حدثني ابن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن أصحابه وحدثنا محمد بن جرير قال حدثنا أحمد بن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن أصحابه قالوا قُتيلة بنت الحارث ترثي أخاها قتل رسول الله يوم بدر عقبة بن أبي معيط صبرا أمر عاصم بن ثابت فضرب عنقه ثم أقبل من بدر حتى إذا كان ب الصفراء قتل النضر بن الحارث بن كلدة أحد بني عبد الدار أمر عليّاً عليه السلام أن يضرب عنقه قال عمر بن شبة في حديثه ب الأُثَيل فقالت أخته قُتيلة بنت الحارث ترثيه ( يا راكباً إنّ الأُثَيْلَ مِظَنَّةٌ ... مِن صُبْحِ خامسةٍ وأنتَ مُوفَّقُ ) ( أبلِغْ به مَيْتاً بأنّ تحيّةً ... ما إن تزالُ بها النجائبُ تخْفُقُ ) ( مِنِّي إليكَ وعَبْرةً مسفوحةً ... جادتْ بِدرَّتها وأخرى تَخْنَقُ ) ( هل يسمَعَنَّ النضرُ إن ناديتُه ... إن كان يسمعُ هالكٌ لا يَنطِقُ ) ( ظَلّتْ سيوفُ بني أبيهِ تنوشُه ... للهِ أرحامٌ هناكَ تُشَقَّقُ ) ( صبراً يُقادُ إلى المنيّة متُعَباً ... رَسْفَ المقيَّدِ وهو عانٍ مُوثَقُ ) ( أمُحمدٌ ولأنتَ نَسْلُ نَجِيبةٍ ... في قومها والفحلُ فَحلٌ مُعْرِقُ ) ( ما كان ضرّكَ لو مَنَنْتَ وربّما ... مَنَّ الفتى وهو المَغيظُ المُحْنَقُ ) ( أوْ كُنتَ قابلَ فديةٍ فَليأْتِينْ ... بأعزِّ ما يَغْلو لديكَ ويَنفُقُ ) ( والنضرُ أقربُ مَنْ أخذتَ بِزَلّةٍ ... وأحقُّهم إن كان عِتقٌ يُعْتَقُ ) فبلغنا أن النبي قال لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته فيقال إن شعرها أكرم شعر موتورة وأعفه وأكفه وأحلمه قال ابن إسحاق وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر أن رسول الله لما كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط قال حين أمر به أن يقتل فمن للصبية يا محمد قال النار فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أحد بني عمرو بن عوف حدثني أحمد بن الجعد قال حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الأدمي قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثني الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم التيمي قال حدثني عروة بن الزبير قال سألت عبد الله بن عمرو فقلت أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله فقال بينا رسول الله يصلي في حجر الكعبة إذا أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنق رسول الله فخنقه به خنقا شديدا فأقبل أبو بكر رحمة الله عليه حتى أخذ بمنكبه فدفعه عن رسول الله وقال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله الوليد بن عقبة يتولى الكوفة وكان الوليد بن عقبة أخا عثمان بن عفان لأمه أمهما أروى بنت عامر بن كريز وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف والبيضاء وعبد الله أبو رسول الله توءمان وكان عقبة بن أبي معيط تزوج أروى بعد وفاة عفان فولدت له الوليد وخالدا وعمارة وأم كلثوم كل هؤلاء أخوه عثمان لأمه وولى عثمان الوليد بن عقبة في خلافته الكوفة فشرب الخمر وصلى بالناس وهو سكران فزاد في الصلاة وشهد عليه بذلك عند عثمان فجلده الحد وسيأتي خبره بعد هذا في موضعه وأبو قطيفة عمرو بن الوليد يكنى أبا الوليد وأبو قطيفة لقبٌ لُقِّب به وأمه بنت الربيع بن ذي الخمار من بني أسد بن خزيمة وقال أبو قطيفة هذا الشعر حين نفاه ابن الزبير مع بني أمية عن المدينة مع نظائر له تشوقا إليها حدثني بالسبب في ذلك أحمد بن محمد بن شبيب بن أبي شيبة البزار قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائنيّ وأخبرني ببعضه أحمد بن محمد بن الجعد قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثني أبي قال حدثني وهب بن جرير عن أبيه في كتابه المسمى كتاب الأزارقة ونسخت بعضه من كتاب منسوب إلى الهيثم بن عدي واللفظ للمدائنيّ في الخبر ما اتسق فإذا انقطع أو اختلف نسبت الخلاف إلى راويه قال الهيثم بن عدي أخبرنا ابن عياش عن مجالد عن الشعبي وعن ابن أبي الجهم ومحمد بن المنتشر خروج ابن الزبير على بني أمية أن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه وعلى أبيه السلام لما سار إلى العراق شمر ابن الزبير للأمر الذي أراده ولبس المعافري وشبر بطنه وقال إنما بطني شِبْرٌ وما عسى أن يسع الشّبرُ وجعل يظهر عيب بني أمية ويدعو إلى خلافهم فأمهله يزيد سنة ثم بعث إليه عشرة من أهل الشام عليهم النعمان بن بشير وكان أهل الشام يسمون أولئك العشرة النفر الركب منهم عبد الله بن عضاه الأشعري وروح بن زنباع الجذامي وسعد بن حمزة الهَمْدانيّ ومالك ابن هبيرة السكوني وأبو كبشة السكسكي وزمل بن عمرو العذري وعبد الله بن مسعود وقيل ابن مسعدة الفزاري وأخوه عبد الرحمن وشريك بن عبد الله الكناني وعبد الله بن عامر الهمداني وجعل عليهم النعمان بن بشير فأقبلوا حتى قدموا مكة على عبد الله بن الزبير وكان النعمان يخلو به في الحجر كثيرا فقال له عبد الله بن عضاه يوما يابن الزبير إن هذا الأنصاري والله ما أمر بشيء إلا وقد أمرنا بمثله إلا أنه قد أمر علينا إني والله ما أدري ما بين المهاجرين والأنصار فقال ابن الزبير يابن عضاه مالي ولك إنما أنا بمنزلة حمامة من حمام مكة أفكنت قاتلا حماما من حمام مكة قال نعم وما حرمة حمام مكة يا غلام ائتني بقوسي وأسهمي فأتاه بقوسه وأسهمه فأخذ سهما فوضعه في كبد القوس ثم سدده نحو حمامة من حمام المسجد وقال يا حمامة أيشرب يزيد بن معاوية الخمر قولي نعم فوالله لئن فعلت لأرمينك يا حمامة أتخلعين يزيد بن معاوية وتفارقين أمة محمد وتقيمين في الحرم حتى يستحل بك والله لئن فعلت لأرمينك فقال ابن الزبير ويحك أو يتكلم الطائر قال لا ولكنك يا بن الزبير تتكلم أقسم بالله لتبايعن طائعا أو مكرها أو لتتعرفن راية الأشعريين في هذه البطحاء ثم لا أعظم من حقها ما تعظم فقال ابن الزبير أو تستحل الحرم قال إنما يستحله من ألحد فيه فحبسهم شهرا ثم ردهم إلى يزيد بن معاوية ولم يجبه إلى شيء وفي رواية أحمد بن الجعد وقال بعض الشعراء وهو أبو العباس الأعمى واسمه السائب بن فروخ يذكر ذلك وشبر ابن الزبير بطنه ( ما زال في سُورة الأعراف يدرسُها ... حتى بدا ليَ مثلَ الخزِّ في الليِّن ) ( لو كان بطنُكَ شِبْراً قد شَبِعتَ وقد ... أفْضلتَ فضلاً كثيراً للمساكين ) قال الهيثم ثم إن ابن الزبير مضى إلى صفية بنت أبي عبيد زوجة عبد الله ابن عمر فذكر لها أن خروجه كان غضبا لله تعالى ورسوله والمهاجرين والأنصار من أثرة معاوية وابنه وأهله بالفيء وسألها مسألته أن يبايعه فلما قدمت له عشاءه ذكرت له أمر ابن الزبير واجتهاده وأثنت عليه وقالت ما يدعو إلا إلى طاعة الله جل وعز وأكثرت القول في ذلك فقال لها أما رأيت بغلات معاوية اللواتي كان يحج عليهن الشهب فإن ابن الزبير ما يريد غيرهن قال المدائنيّ في خبره وأقام ابن الزبير على خلع يزيد ومالأه على ذلك أكثر الناس فدخل عليه عبد الله بن مطيع وعبد الله بن حنظلة وأهل المدينة المسجد وأتوا المنبر فخلعوا يزيد فقال عبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي خلعت يزيد كما خلعت عمامتي ونزعها عن رأسه وقال إني لأقول هذا وقد وصلني وأحسن جائزتي ولكن عدو الله سكير خمير وقال آخر خلعته كما خلعت نعلي وقال آخر خلعته كما خلعت ثوبي وقال آخر قد خلعته كما خلعت خفي حتى كثرت العمائم والنعال والخفاف وأظهروا البراءة منه وأجمعوا على ذلك وامتنع منه عبد الله بن عمر ومحمد بن علي بن أبي طالب عليهما السلام وجرى بين محمد خاصة وبين أصحاب ابن الزبير فيه قول كثير حتى أرادوا إكراهه على ذلك فخرج إلى مكة وكان هذا أول ما هاج الشر بينه وبين ابن الزبير وقعة الحرة قال المدائني واجتمع أهل المدينة لإخراج بني أمية عنها فأَخذوا عليهم العهود ألا يعينوا عليهم الجيش وأن يردوهم عنهم فإن لم يقدروا على ردهم لا يرجعوا إلى المدينة معهم فقال لهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان أنشدكم الله في دمائكم وطاعتكم فإن الجنود تأتيكم وتطؤكم وأعذر لكم ألا تخرجوا أميركم إنكم إن ظفرتم وأنا مقيم بين أظهركم فما أيسر شأني وأقدركم على إخراجي وما أقول هذا إلا نظرا لكم أريد به حقن دمائكم فشتموه وشتموا يزيد وقالوا لا نبدأ إلا بك ثم نخرجهم بعدك فأتى مروان عبد الله بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن إن هؤلاء القوم قد ركبونا بما ترى فضم عيالنا فقال لست من أمركم وأمر هؤلاء في شيء فقام مروان وهو يقول قبح الله هذا أمرا وهذا دينا ثم أتى علي بن الحسين عليهما السلام فسأله أن يضم أهله وثقله ففعل ووجههم وامرأته أم أبان بنت عثمان إلى الطائف ومعها ابناه عبد الله ومحمد فعرض حريث رقاصة وهو مولى لبني بهز من سليم كان بعض عمال المدينة قطع رجله فكان إذا مشى كأنه يرقص فسمي رقاصة لثقل مروان وفيه أم عاصم بنت عاصم ابن عمر بن الخطاب فضربته بعصا فكادت تدق عنقه فولى ومضى ومضوا إلى الطائف وأخرجوا بني أمية فحس بهم سليمان بن أبي الجهم العدوي وحريث رقاصة فأراد مروان أن يصلي بمن معه فمنعوه وقالوا لا يصلي والله بالناس أبدا ولكن إن أراد أن يصلي بأهله فليصل فصلى بهم ومضى فمر مروان بعبد الرحمن بن أزهر الزهري فقال له هلم إلي يا أبا عبد الملك فلا يصل إليك مكروه ما بقي رجل من بني زهرة فقال له وصلتك رحم قومنا على أمر فأكره أن أعرضك لهم وقال ابن عمر بعد ذلك لما أخرجوا وندم على ما كان قاله لمروان لو وجدت سبيلا إلى نصر هؤلاء لفعلت فقد ظلموا وبغي عليهم فقال ابنه سالم لو كلمت هؤلاء القوم فقال يا بني لا ينزع هؤلاء القوم عما هم عليه وهم بعين الله إن أراد أن يغير غير قال فمضوا إلى ذي خشب وفيهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان والوليد بن عتبة بن أبي سفيان واتبعهم العبيد والصبيان والسفلة يرمونهم ثم رجع حريث رقاصة وأصحابه إلى المدينة وأقامت بنو أمية ب ذي خُشُب عشرة أيام وسرحوا حبيب بن كرة إلى يزيد بن معاوية يعلمونه وكتبوا إليه يسألونه الغوث وبلغ أهل المدينة أنهم وجهوا رجلا إلى يزيد فخرج محمد بن عمرو بن حزم ورجل من بني سليم من بهز وحريث رقاصة وخمسون راكبا فأزعجوا بني أمية منها فنخس حريث بمروان فكاد يسقط عن ناقته فتأخر عنها وزجرها وقال اعلي واسلمي فلما كانوا بالسويداء عرض لهم مولى لمروان فقال جعلت فداك لو نزلت فأرحت وتغديت فالغداء حاضر كثير قد أدرك فقال لا يدعني رقاصة وأشباهه وعسى أن يمكن الله منه فتقطع يده ونظر مروان إلى ماله ب ذي خُشُب فقال لا مال إلا ما أحرزته العياب فمضوا فنزلوا حقيلا أو وادي القرى وفي ذلك يقول الأحوص ( لا تَرْثِيَنَّ لحَزْمِيٍّ رأيتَ به ... ضُرّاً ولو سقَط الحزميُّ في النارِ ) ( الناخسين بمَرْوانٍ بذي خُشُبٍ ... والمُقْحِمِينَ على عثمانَ في الدارِ ) قال المدائني فدخل حبيب بن كرة على يزيد وهو واضع رجله في طست لوجع كان يجده بكتاب بني أمية وأخبره الخبر فقال أما كان بنو أمية ومواليهم ألف رجل قال بلى وثلاثة آلاف قال أفعجزوا أن يقاتلوا ساعة من نهار قال كثرهم الناس ولم تكن لهم بهم طاقة فندب الناس وأمر عليهم صخر بن أبي الجهم القيني فمات قبل أن يخرج الجيش فأمر مسلم بن عقبة الذي يسمى مسرفا قال وقال ليزيد ما كنت مرسلا إلى المدينة أحدا إلا قصر وما صاحبهم غيري إني رأيت في منامي شجرة غرقد تصيح على يدي مسلم فأقبلت نحو الصوت فسمعت قائلا يقول أدرك ثأرك أهل المدينة قتلة عثمان فخرج مسلم وكان من قصة الحرة ما كان على يده وليس هذا موضعه فقال أبو قطيفة في ذلك لما أخرجوا عن المدينة حنين أبي قطيفة إلى المدينة وأهلها صوت من غير المائة فيه لحنان ( بَكَى أُحُدٌ لمّا تحمَّل أهلُه ... فكيفَ بذي وَجْدٍ من القوم آلِفِ ) ( من اْجل أبي بَكْرٍ جَلَتْ عن بلادها ... أُميَّةُ والأيّامُ ذاتُ تَصَارِفِ ) عروضه من الطويل وفيه ثقيل أول والغناء لسائب خاثر خفيف ثقيل أول بالوسطى ذكر ذلك حماد عن أبيه وذكر أن فيه لحنا آخر لأهل المدينة لا يعرف صاحبه قال الهيثم في خبره وقال أبو العباس الأعمى في ذلك ( قد حَلَّ في دار البَلاَطِ مُجَوّعٌ ... ودارِ أبي العَاصِ التَّميميُّ حَنْتَفُ ) ( فلم أرَ مثلَ الحيّ حين تحمَّلوا ... ولا مثلَنا عن مثلِهم يَتَنكَّفُ ) وقال أبو قطيفة أيضا صوت من غير المائة فيه ثلاثة ألحان ( بَكَى أحُدُ لمّا تحمَّل أهلُه ... فسَلْعٌ فدارُ المال أمستْ تصَدَّعُ ) ( وبالشام إخواني وجُلُّ عَشِيرتي ... فقد جَعَلتْ نفسِي إليهم تَطَلَّعُ ) عروضه من الطويل غنى فيه دحمان ولحنه ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر من رواية إسحاق وفيه لمعبد ثقيل أول بالوسطى من رواية حبش وذكر إسحاق أن فيه لحنا فيه خفيف الثقيل الأول بالخنصر في مجرى البنصر مجهول الصانع وقال أبو قطيفة أيضا صوت من غير المائة المختارة ( ليتَ شِعْري هَلِ البَلاَطُ كعهْدي ... والمُصَلَّى إلى قصور العَقِيق ) ( لاَمَنِي في هَواكِ يا أُمَّ يحيى ... من مُبِينٍ بغشِّه أو صَدِيقِ ) عروضه من الخفيف غناه معبد ويقال دحمان ولحنه ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى وذكر إسحاق أنه لا يعرف صاحبه حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني محمد بن يونس بن الوليد قال كان ابن الزبير قد نفى أبا قطيفة مع من نفاه من بني أمية عن المدينة إلى الشأم فلما طال مقامه بها ( ألا ليتَ شِعْرِي هل تغير بعدَنا ... قُبَاءٌ وهل زَالَ العقِيقُ وحاضِرُهْ ) ( وهل بَرِحَتْ بَطْحَاء قبرِ محمدٍ ... أراهِطُ غُرٌّ من قُريشٍ تُباكِرُهْ ) ( لهم منتَهى حُبِّي وصَفْوُ مودَّتي ... ومَحْضُ الهَوَى منِّي وللناسِ سائرُهْ ) قال وقال أيضا صوت من غير المائة المختارة ( ليتَ شِعْرِي وأينَ منّيَ لَيْتٌ ... أعَلَى العَهْد يَلْبَنٌ فبَرامُ ) ( أم كعَهْدِي العَقيقُ أم غيَّرْتُه ... بَعْدِيَ الحادثاتُ والأيَّامُ ) ( وبأهلي بُدِّلْتُ عَكّاً ولخماً ... وجُذَاماً وأينَ منِّي جُذَامُ ) ( وتبدَّلْتُ مِنْ مساكنِ قَوْمِي ... والقُصُورِ التي بها الآطَامُ ) ( كلَّ قَصْرٍ مُشَيَّدٍ ذي أَوَاسٍ ... يتغنَّى على ذُرَاهُ الحَمَامُ ) ( اقْرَ مِنِّي السَّلامَ إن جئت قومي ... وقليلٌ لهمْ لَديّ السلامُ ) عروضه من الخفيف غناه معبد ولحنه ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر ويَلْبَنُ وبَرامُ موضعان والآطام جمع أطم وهي القصور والحصون وقال الأصمعي الآطام الدور المسطحة السقوف وفي رواية ابن عمار ذي أواش بالشين معجمة كأنه أراد به أن هذه القصور موشية أي منقوشة ورواه إسحاق أواس بالسين غير معجمة وقال واحدها آسي وهو الأصل قال ويقال فلان في آسيه أي في أصله والآسي والأساس واحد وذرا كل شيء أعاليه وهو جمع واحدته ذروة ويروى ( أبْلِغَنَّ السَّلامَ إن جئتَ قَوْمِي ... ) وروى الزبير بن بكار هذه الأبيات لأبي قطيفة وزاد فيها ( أَقْطَعُ الليلَ كلَّه باكتئابٍ ... وزَفِيرٍ فما أكادُ أنَامُ ) ( نحوَ قَوْمي إذ فرَّقَتْ بيننا الدارُ ... وحادتْ عن قَصْدها الأحلامُ ) ( خشيةً أن يُصيبَهم عنتُ الدّهر ... وحربٌ يَشِيبُ منها الغلامُ ) ( فلقدْ حانَ أن يكونَ لهذا الدَّهر ... عنَّا تباعُدٌ واْنْصِرَامُ ) ابن الزبير يعفو عن أبي قطيفة رجع الخبر إلى سياقته من رواية ابن عمار وأخبرنا بمثله من هذا الموضع الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن الحزامي وهو إبراهيم بن المنذر عن مطرفْ بن عبد الله المدني قالا إن ابن الزبير لما بلغه شعر أبي قطيفة هذا قال حنَّ والله أبو قطيفة وعليه السلام ورحمة الله من لقيه فليخبره أنه آمن فليرجع فأخبر بذلك فانكفأ إلى المدينة راجعا فلم يصل إليها حتى مات قال ابن عمار فحدثت عن المدائنيّ أن امرأة من أهل المدينة تزوجها رجل من أهل الشام فخرج بها إلى بلده على كره منها فسمعت منشدا ينشد شعر أبي قطيفة هذا فشهقت شهقة وخرت على وجهها ميتة هكذا ذكر ابن عمار في خبره وأخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على أبي عن أيوب بن عباية قال قال حدثني سعيد بن عائشة مولى آل المطلب بن عبد مناف قال خرجت امرأة من بني زهرة في خف فرآها رجل من بني عبد شمس من أهل الشام فأعجبته فسأل عنها فنسبت له فخطبها إلى أهلها فزوجوه إياها بكره منها فخرج بها إلى الشام وخرجت مخرجا فسمعت متمثلا يقول صوت من غير المائة المختارة ( ألا ليتَ شعرِي هل تغيَّر بعدنا ... جَبُوبُ المصلَّى أم كعهْدي القرائنُ ) ( وهل أَدْؤُرٌ حولَ البلاط عَوَامِرٌ ... من الحَيِّ أم هل بالمدينة ساكنُ ) ( إذا برقَتْ نحوَ الحِجاز سحابةٌ ... دعا الشوق منِّي برقُها المتيامِنُ ) ( فلَمْ أتْرُكْنها رغْبةً عن بلادها ... ولكنَّه ما قدَّر اللهُ كائنُ ) عروضه من الطويل يقال إن لمعبد فيه لحنا قال فتنفست بين النساء فوقعت ميتة قال أيوب فحدثت بهذا الحديث عبد العزيز بن أبي ثابت الأعرج فقال أتعرفها قلت لا قال هي والله عمتي حميدة بنت عمر بن عبد الرحمن بن عوف أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الرياشي قال أخبرني ابن عائشة قال لما أجلى ابن الزبير بني أمية عن الحجاز قال أيمن بن خريم الأسدي ( كأنّ بني أُميّةَ يومَ رَاحُوا ... وعُرِّي عن منازلهم صِرَارُ ) ( شَمَارِيخُ الجبالِ إذا تردَّتْ ... بزينتها وجادَتْها القِطَارُ ) وأخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي قال كتب أبو قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة إلى أبيه وهو متولي الكوفة لعثمان بن عفان ( مَنْ مُبْلِغٌ عنِّي الأميرَ بأنني ... أرِقٌ بلا داء سوَى الإِنْعاظِ ) ( إن لم تُغِثْني خِفْتُ إثمَك أو أرَى ... في الدار محدوداً بزُرْقِ لِحَاظِ ) يعني دار عثمان التي تقام فيها الحدود فابتاع له جارية بالكوفة وبعث بها إليه أخبرني عبد الله بن محمد الرازي قال حدثنا الخراز عن المدائنيّ قال كان أبو قطيفة من شعراء قريش وكان ممن نفاه ابن الزبير مع بني أمية إلى الشام فقال في ذلك ( وما أَحْرَجتْنا رغْبةٌ عن بلادنا ... ولكنَّه ما قدَّر اللهُ كائنُ ) ( أَحِنُّ إلى تلك الوجوه صَبَابةً ... كأنّي أسيرٌ في السَّلاسِل راهنُ ) وكان يتحرق على المدينة فأتى عباد بن زياد ذات يوم عبد الملك فقال له إن خاله أخبره أن العراقين قد فتحا فقال عبد الملك لأبي قطيفة لما يعلمه من حبه المدينة أما تسمع ما يقوله عباد عن خاله قد طابت لك المدينة الآن فقال أبو قطيفة ( إنِّي لأَحْمَقُ مَنْ يَمْشِي على قَدَمٍ ... إن غَرَّنِي من حياتي خالُ عَبَّاد ) ( أَنْشَا يقول لنا المِصْرانِ قد فُتِحا ... ودونَ ذلك يومٌ شَرُّهُ بَادِي ) قال وأذِنَ له ابن الزبير في الرجوع فرجع فمات في طريقه وصية سعيد بن العاص وأما خبر القصر الذي تقدم ذكره وبيعه من معاوية فأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال ذكر مصعب بن عمار بن مصعب بن عروة بن الزبير أن سعيد بن العاص لما حضرته الوفاة وهو في قصره هذا قال له ابنه عمرو لو نزلت إلى المدينة فقال يا بني إن قومي لن يضنوا علي بأن يحملوني على رقابهم ساعة من نهار وإذا أنا مت فآذنهم فإذا واريتني فانطلق إلى معاوية فانعني له وانظر في ديني واعلم أنه سيعرض عليك قضاءه فلا تفعل واعرض عليه قصري هذا فإني إنما اتخذته نزهة وليس بمال فلما مات آذن به الناس فحملوه من قصره حتى دفن بالبقيع ورواحل عمرو بن سعيد مناخة فعزاه الناس على قبره وودعوه فكان هو أول من نعاه لمعاوية فتوجع له وترحم عليه ثم قال هل ترك دينا قال نعم قال كم هو قال ثلثمائة ألف درهم قال هي علي قال قد ظن ذلك وأمرني ألا أقبله منك وأن أعرض عليك بعض ماله فتبتاعه فيكون قضاء دينه منه قال فاعرض علي قال قصره بالعرصة قال قد أخذته بدينه قال هو لك على أن تحملها إلى المدينة وتجعلها بالوافية قال نعم فحملها له إلى المدينة وفرقها في غرمائه وكان أكثرها عدات فأتاه شاب من قريش بصك فيه عشرون ألف درهم بشهادة سعيد على نفسه وشهادة مولى له عليه فأرسل إلى المولى فاقرأه الصك فلما قرأه بكى وقال نعم هذا خطه وهذه شهادتي عليه فقال له عمرو من أين يكون لهذا الفتى عليه عشرون ألف درهم وإنما هو صعلوك من صعاليك قريش قال أخبرك عنه مرسعيد بعد عزله فاعترض له هذا الفتى ومشى معه حتى صار إلى منزله فوقف له سعيد فقال ألك حاجة قال لا إلا أني رأيتك تمشي وحدك فأحببت أن أصل جناحك فقال لي ائتني بصحيفة فأتيته بهذه فكتب له على نفسه هذا الدين وقال إنك لم تصادف عندنا شيئا فخذ هذا فإذا جاءنا شيء فأتنا فقال عمرو لا جرم والله لا يأخذها إلا بالوافية أعطه إياها فدفع إليه عشرين ألف درهم وافية أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الصلت بن مسعود قال حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا هارون المدائني قال كان الرجل يأتي سعيد بن العاص يسأله فلا يكون عنده فيقول ما عندي ولكن اكتب علي به فيكتب عليه كتابا فيقول تروني أخذت منه ثمن هذا لا ولكنه يجيء فيسألني فينزو دم وجهه في وجهي فأكره رده فأتاه مولى لقريش بابن مولاه وهو غلام فقال إن أبا هذا قد هلك وقد أردنا تزويجه فقال ما عندي ولكن خذ ما شئت في أمانتي فلما مات سعيد بن العاص جاء الرجل إلى عمرو بن سعيد فقال إني أتيت أباك بابن فلان وأخبره بالقصة فقال له عمرو فكم أخذت قال عشرة آلاف فأقبل عمرو على القوم فقال من رأى أعجز من هذا يقول له سعيد خذ ما شئت في أمانتي فيأخذ عشرة آلاف لو أخذت مائة ألف لأديتها عنك أبو قطيفة يهجو عبد الملك بن مروان أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن ابن الكلبي قال قال أبو قطيفة وكانت أمه وأم خالد بن الوليد بن عقبة عمة أروى بنت أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب ( أنا اْبن أبي مُعَيْطٍ حينَ أُنْمى ... لأكرَمِ ضِئْضىءٍ وأعزِّ جِيِلِ ) ( وأُنْمَى للعَقائل من قُصَيٍّ ... وَمَخْزُومٍ فما أنا بالضَّئِيل ) ( وأرْوَى من كُرَيْزٍ قد نَمتْنِي ... وأّرْوَى الخيرِ بنتُ أبي عَقِيلِ ) ( كِلاَ الحَيَّيْن من هذا وهذا ... لعمرُ أبيك في الشَّرَفِ الطويلِ ) ( فعدِّدْ مثلَهن أبا ذُبَابٍ ... ليَعْلَمَ ما تقولُ ذوو العقولِ ) ( فما الزَّرْقاءُ لي أُمّاً فأَخْزَى ... ولا لِيَ في الأَزارقِ مِنْ سبيلِ ) قال يعني بأبي الذباب عبد الملك والزرقاء إحدى أمهاته من كندة وكان يعير بها أخبرني الحسن بن علي قال أخبرني محمد بن زكريا قال حدثنا قعنب بن المحرز قال حدثنا المدائني قال بلغ أبا قطيفة أن عبد الملك بن مروان يتنقصه فقال ( نُبِّئْتُ أنّ اْبنَ العَمَلَّس عابَنِي ... ومَنْ ذامن الناس البَريءُ المسلَّمُ ) ( مَن أنتمْ من انتم خبِّرونا مَنَ أنتُم ... فقد جَعَلتْ أشياء تبدو وتُكْتَم ) فبلغ ذلك عبد الملك فقال ما ظننت أنا نجهل والله لولا رعايتي لحرمته لألحقته بما يعلم ولقطعت جلده بالسياط أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن العتبي قال طلق أبو قطيفة امرأته فتزوجها رجل من أهل العراق ثم ندم بعد أن رحل بها الرجل وصارت له فقال ( فيا أسَفَا لفُرْقة أُمّ عمرو ... ورِحْلةِ أهلِها نحوَ العِرَاقِ ) ( فليس إلى زيارتها سبيلٌ ... ولا حتَّى القيامةِ من تَلاَقِي ) ( وَعَلَّ اللهَ يَرْجِعُها إلينا ... بموتٍ من حَلِيلٍ أو طلاق ) ( فأَرْجِع شامتاً وتَقَرَّ عيني ... ويُجْمَعَ شملُنا بعدَ اْفتراق ) مقتل سعيد بن عثمان أخبرني عمي ومحمد بن جعفر قالا حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا محمد بن علي بن أبي حسان عن هشام بن محمد عن خالد بن سعيد عن أبيه قال استعمل معاوية سعيد بن عثمان على خُراسان فلما عزله قدم المدينة بمال وسلاح وثلاثين عبدا من السغد فأمرهم أن يبنوا له دارا فبينا هو جالس فيها ومعه ابن سيحان وابن زينة وخالد بن عقبة وأبو قطيفة إذ تآمروا بينهم فقتلوه فقال أبو قطيفة يرثيه وقيل إنها لخالد بن عقبة ( يا عينُ جُودِي بدمعٍ منكِ تَهْتَانَا ... وابْكي سعيدَ بنَ عثمانَ بنِ عفّانا ) ( إن ابنَ زينَةَ لم تَصْدُقْ مودّتُه ... وفرّ عنه ابنُ أَرْطَاةَ بنِ سَيْحَانَا ) ذكر معبد وبعض أخباره هو معبد بن وهب وقيل ابن قطني مولى ابن قطر وقيل ابن قطن مولى العاص بن وابصة المخزومي وقيل بل مولى معاوية بن أبي سفيان أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري قال معبد المغني ابن وهب مولى عبد الرحمن بن قطر وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال قال ابن الكلبي معبد مولى ابن قطر والقطريون موالي معاوية بن أبي سفيان وأخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان قال معبد بن وهب مولى ابن قطن وهم موالي آل وابصة من بني مخزوم وكان أبوه أسود وكان هو خلاسيا مديد القامة أحول وذكر ابن خُرْداذبه أنه غنى في أول دولة بني أمية وأدرك دولة بني العباس وقد أصابه الفالج وارتعش وبطل فكان إذا غنى يضحك منه ويهزأ به وابن خُرْدَاذْبَه قليل التصحيح لما يرويه ويضمنه كتبه والصحيح أن معبدا مات في أيام الوليد بن يزيد بدمشق وهو عنده وقد قيل إنه أصابه الفالج قبل موته وارتعش وبطل صوته فأما إدراكه دولة بني العباس فلم يروه أحد سوى ابن خُرْدَاذْبه ولا قاله ولا رواه عن أحد وإنما جاء به مجازفة سلامة القس ترثي معبدا أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أيوب ابن عمر أبو سلمة المديني قال حدثنا عبد الله بن عمران بن أبي فروة قال حدثني كردم بن معبد المغني مولى ابن قطن قال مات أبي وهو في عسكر الوليد بن يزيد وأنا معه فنظرت حين أُخْرِجَ نعشه إلى سلامة القس جارية يزيد بن عبد الملك وقد أضرب الناس عنه ينظرون إليها وهي آخذة بعمود السرير وهي تبكي أبي وتقول ( قد لَعَمْرِي بِتُّ لَيْلي ... كأخي الدّاءِ الوَجيعِ ) ( ونِجَيُّ الهَمِّ منِّي ... بات أدنى من ضَجيِعِي ) ( كُلَّما أبصرتُ ربعاً ... خالياً فاضتْ دموعي ) ( قد خَلاَ من سَيِّدٍ كان ... لنا غيرَ مُضِيعِ ) ( لا تَلُمْنا إن خَشَعْنا ... أو هَمَمْنا بخُشُوع ) قال كردم وكان يزيد أمر أبي أن يعلمها هذا الصوت فعلمها إياه فندبته به يومئذ قال فلقد رأيت الوليد بن يزيد والغمر أخاه متجردين في قميصين ورداءين يمشيان بين يدي سريره حتى أخرج من دار الوليد لأنه تولى أمره وأخرجه من داره إلى موضع قبره فأما نسبة هذا الصوت فإن الشعر للأحوص والغناء لمعبد ذكره يونس ولم يجنسه وذكر الهشامي أنه ثاني ثقيل بالوسطى قال وفيه لحبابة خفيف ثقيل ولابن المكي ثقيل أول نشيد وفيه لسلامة القس عن إسحاق لحن من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالوسطى في مجراها أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال قال أبو عبيدة ذكر مولى لآل الزبير وكان منقطعا إلى جعفر ومحمد ابني سليمان بن علي أن معبدا عاش حتى كبر وانقطع صوته فدعاه رجل من ولد عثمان فلما غنى الشيخ لم يطرب القوم وكان فيهم فتيان نزول من ولد أسيد بن أبي العيص بن أمية فضحكوا منه وهزئوا به فأنشأ يغني ( فضَحْتم قريشاً بالفِرار وأنتمُ ... قُمُدُّونَ سُودَانٌ عِظَامُ المَنَاكِبِ ) ( فأمّا القتالُ لا قتالَ لديكمُ ... ولكنَّ سيراً في عِرَاضِ المَوَاكِبِ ) وهذا شعر هجوا به قديما فقاموا إليه ليتناولوه فمنعهم العثماني من ذلك وقال ضحكتم منه حتى إذا أحفظتموه أردتم أن تتناولوه لا والله لا يكون ذلك قال إسحاق فحدثني ابن سلام قال أخبرني من رآه على هذه الحال فقال له أصرت إلى ما أرى فأشار إلى حلقه وقال إنما كان هذا فلما ذهب ذهب كل شيء معبد أمير الغناء قال إسحاق كان معبد من أحسن الناس غناء وأجودهم صنعة وأحسنهم حلقا وهو فحل المغنين وإمام أهل المدينة في الغناء وأخذ عن سائب خاثر ونشيط مولى عبد الله بن جعفر وعن جميلة مولاة بهز بطن من سليم وكان زوجها مولى لبني الحارث بن الخزرج فقيل لها مولاة الأنصار لذلك وفي معبد يقول الشاعر ( أجاد طُوَيْسٌ والسُّرَيْجيُّ بعدَه ... وما قَصَبَاتُ السَّبْقِ إلا لمَعْبَدِ ) قال إسحاق قال ابن الكلبي عن أبيه كان ابن أبي عتيق خرج إلى مكة فجاء معه ابن سريج إلى المدينة فأسمعوه غناء معبد وهو غلام وذلك في أيام مسلم بن عقبة المري وقالوا ما تقول فيه فقال إن عاش كان مغني بلاده ولمعبد صنعة لم يسبقه إليها من تقدم ولا زاد عليه فيها من تأخر وكانت صناعته التجارة في أكثر أيام رقه وربما رعى الغنم لمواليه وهو مع ذلك يختلف إلى نشيط الفارسي وسائب خاثر مولى عبد الله بن جعفر حتى اشتهر بالحذق وحسن الغناء وطيب الصوت وصنع الألحان فأجاد واعترف له بالتقدم على أهل عصره أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على أبي قال الجمحي بلغني أن معبدا قال والله لقد صنعت ألحانا لا يقدر شبعان ممتلىء ولا سقاء يحمل قربة على الترنم بها ولقد صنعت ألحانا لا يقدر المتكىء أن يترنم بها حتى يقعد مستوفزا ولا القاعد حتى يقوم قال إسحاق وبلغني أن معبدا أتى ابن سريج وابن سريج لا يعرفه فسمع منه ما شاء ثم عرض نفسه عليه وغناه وقال له كيف كنت تسمع جعلت فداءك فقال له لو شئت كنت قد كفيت بنفسك الطلب من غيرك قال وسمعت من لا أحصي من أهل العلم بالغناء يقولون لم يكن فيمن غنى أحد أعلم بالغناء من معبد قال وحدثني أيوب بن عباية قال دخلت على الحسن بن مسلم أبي العراقيب وعنده جاريته عاتكة فتحدث فذكر معبدا فقال أدركته يلبس ثوبين ممشقين وكان إذا غنى علا منخراه فقالت عاتكة يا سيدي أو أدركت معبدا قال إي والله وأقدم من معبد فقالت استحييت لك من هذا الكبر أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حماد قرأت على أبي أخبرني محمد بن سلام قال حدثني جرير قال قال معبد قدمت مكة فقيل لي إن ابن صفوان قد سبق بين المغنين جائزة فأتيت بابه فطلبت الدخول فقال لي آذنه قد تقدم إلي ألا آذن لأحد عليه ولا أؤذنه به قال فقلت دعني أدنو من الباب فأغني صوتا قال أما هذا فنعم فدنوت من الباب فغنيت صوتا فقالوا معبد وفتحوا لي فأخذت الجائزة يومئذ أخبرني الحسين قال نسخت من كتاب حماد قال أبي وذكر عورك وهو الحسن بن عتبة اللهبي أن الوليد بن يزيد كان يقول ما أقدر على الحج فقيل له وكيف ذاك قال يستقبلني أهل المدينة بصوتي معبد ( القصرُ فالنخلُ فالجَمَّاءُ بينهما ... ) وقتيلة يعني حنه ( يوم تُبْدِي لنا قُتَيْلةُ عن جِيدٍ ... تَلِيعٍ تزينُه الأطْواقُ ) كيف يغني معبد قال إسحاق قيل لمعبد كيف تصنع إذا أردت أن تصوغ الغناء قال أرتحل قعودي وأوقع بالقضيب على رحلي وأترنم عليه بالشعر حتى يستوي لي الصوت فقيل له ما أبين ذلك في غنائك قال إسحاق وقال مصعب الزبيري قال يحيى بن عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير حدثني أبي قال قال معبد كنت غلاما مملوكا لآل قطن مولى بني مخزوم وكنت أتلقى الغنم بظهر الحرة وكانوا تجارا أعالج لهم التجارة في ذلك فآتي صخرة بالحرة ملقاة بالليل فأستند إليها فأسمع وأنا نائم صوتا يجري في مسامعي فأقوم من النوم فأحكيه فهذا كان مبدأ غنائي أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حماد قال أبي قال محمد بن سعيد الدوسي عن أبيه ومحمد بن يزيد عن سعيد الدوسي عن الربيع بن أبي الهيثم قال كنا جلوسا مع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقال إنسان لمالك أنشدك الله أنت أحسن غناء أم معبد فقال مالك والله ما بلغت شراكه قط والله لو لم يغن معبد إلا قوله ( لَعَمْرُ أبيها لا تقولُ حَلِيلَتي ... ألاَ فَرَّ عَنِّي مالكُ بن أبي كَعْبِ ) ( وهُمْ يضرِبون الكبْشَ تَبْرُقُ بيضُه ... تَرَى حَوْلَه الأبطالَ في حَلَقٍٍ شُهْبِ ) لكان حسبه قال وكان مالك إذا غنى غناء معبد يخفف منه ثم يقول أطال الشعر معبد ومططه وحذفته أنا وتمام هذا الصوت صوت من غير المائة المختارة ( لعمر أبيها لا تقول حليلتي ... أَلاَ فَرَّ عَنِّي مالكُ بن أبي كعبِ ) ( وهُمْ يضربون الكبشَ تَبْرُقُ بيضُه ... تَرَى حولَه الأبطالَ في حَلَق شُهْبِ ) ( إذا أنْفَدُوا الزِّقَّ الرَّوِيَّ وصُرِّعُوا ... نَشَاوَى فلم أَقْطَعْ بقولي لهم حسْبي ) ( بَعثتُ إلى حانُوتها فَسبأْتُها ... بغيرِ مكاسٍ في السُّوَام ولا غَضْبِ ) عروضه من الطويل والشعر لمالك بن أبي كعب بن القين الخزرجي أحد بني سلمة هكذا ذكر إسحاق وغيره يذكر أنه من مراد ولهذا الشعر خبر طويل يذكر بعد هذا والغناء في البيتين الأولين لمعبد ثقيل أول بالوسطى ومن الناس من ينسبه إلى ابن سريج ولمالك في الثالث والرابع من الأبيات لحن من الثقيل الأول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق ومن الناس من ينسب هذا اللحن إلى معبد ويقول إن مالكا أخذ لحنه منه فحذف بعض نغمه وانتحله وإن اللحن لمعبد في الأبيات الأربعة وقد ذكر أن هذا الشعر لرجل من مراد وروي له فيه حديث طويل وقد أخرج خبره في ذلك وخبر مالك بن أبي كعب الخزرجي أبي كعب بن مالك صاحب رسول الله في موضع آخر أفرد له إذ كانت له أخبار كثيرة ولأجله لا تصلح أن تذكر هاهنا رجع الخبر إلى معبد أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان عن يونس الكاتب قال أقبلت من عند معبد فلقيني ابن محرزٍ ببطحان فقال من أين أقبلت قلت من عند أبي عباد فقال ما أخذت عنه قلت غنى صوتا فأخذته قال وما هو قلت ( ماذا تأمَّلَ واقفٌ جَمَلاً ... في رَبْع دارٍ عابَه قِدَمُهْ ) الشعر لخالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد فقال لي ادخل معي دار ابن هرمة وألقه علي فدخلت معه فما زلت أردده عليه حتى غناه ثم قال إرجع معي إلى أبي عباد فرجعنا فسمعه منه ثم لم تفترق حتى صنع فيه ابن محرز لحنا آخر نسبة هذا الصوت صوت ( ماذا تأمّل واقفٌ جَمَلاً ... في رَبْع دارٍ عابَه قِدَمُهْ ) ( أقْوَى وأقْفَرَ غيرَ مُنْتَصِبٍ ... لِبَدِ الرَّمادَةِ ناصعٍ حُمَمُهْ ) غناه معبد ولحنه ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى وفيه خفيف ثقيل أول بالوسطى ينسب إلى الغريض وإلى ابن محرز وذكر عمرو بن بانة أن الثقيل الأول للغريض وذكر حبش أن فيه لمالك ثاني ثقيل بالوسطى وفيه رمل بالوسطى ينسب إلى سائب خاثر وذكر حبش أنه لإسحاق غناء معبد يصدم ابن سريج والغريض أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حماد قال أبي قال ابن الكلبي قدم ابن سريج والغريض المدينة يتعرضان لمعروف أهلها ويزوران من بها من صديقهما من قريش وغيرهم فلما شارفاها تقدما ثقلهما ليرتادا منزلا حتى إذا كانا بالمغسلة وهي جبانة على طرف المدينة يغسل فيها الثياب إذا هما بغلام ملتحف بإزار وطرفه على رأسه بيده حبالة يتصيد بها الطير وهو يتغنى ويقول ( القصرُ فالنخلُ فالجَمَّاء بينهما ... أَشْهَى إلى النفس من أبواب جَيْرونِ ) وإذا الغلام معبد قال فلما سمع ابن سريج والغريض معبدا مالا إليه واستعاداه الصوت فأعاده فسمعا شيئا لم يسمعا بمثله قط فأقبل أحدهما على صاحبه فقال هل سمعت كاليوم قط قال لا والله فما رأيك قال ابن سريج هذا غناء غلام يصيد الطير فكيف بمن في الجوبة يعني المدينة قال أما أنا فثكِلته والدته إن لم أرجع قال فكرا راجعين قال وقال معبد قدمت مكة فذهب بي بعض القرشيين إلى الغريض فدخلنا عليه وهو متصبح فانتبه من صحبته وقعد فسلم عليه القرشي وسأله فقال له هذا معبد قد أتيتك به وأنا أحب أن تسمع منه قال هات فغنيته أصواتا فقال بمدرى معه في رأسه ثم قال إنك يا معبد لمليح الغناء قال فأحفظني ذلك فجثوت على ركبتي ثم غنيته من صنعتي عشرين صوتا لم يسمع بمثلها قط وهو مطرق واجم قد تغير لونه حسدا وخجلا معبد وحكم الوادي والعبد الأسود قال إسحاق وأخبرت عن حكم الوادي قال كنت أنا وجماعة من المغنين نختلف إلى معبد نأخذ عنه ونتعلم منه فغنانا يوما صوتا من صنعته وأعجب به وهو ( القصرُ فالنخلُ فالجَمَّاء بينهما ... ) فاستحسناه وعجبنا منه وكنت في ذلك اليوم أول من أخذه عنه واستحسنه مني فأعجبتني نفسي فلما انصرفت من عند معبد عملت فيه لحنا آخر وبكرت على معبد مع أصحابي وأنا معجب بلحني فلما تغنينا أصواتا قلت له إني قد عملت بعدك في الشعر الذي غنيتناه لحنا واندفعت فغنيته صوتي فوجم معبد ساعة يتعجب مني ثم قال قد كنت أمس أرجى مني لك اليوم وأنت اليوم عندي أبعد من الفلاح قال حكم فأُنسيت يعلم الله صوتي ذلك منذ تلك الساعة فما ذكرته إلى وقتي هذا قال إسحاق وقال معبد بعث إلي بعض أمراء الحجاز وقد كان جمع له الحرمان أن أشخص إلى مكة فشخصت قال فتقدمت غلامي في بعض تلك الأيام واشتد علي الحر والعطش فانتهيت إلى خِباء فيه أسود وإذا حِباب ماء قد بُرِّدت فملت إليه فقلت يا هذا اسقني من هذا الماء فقال لا فقلت فأذن لي في الكِنِّ ساعة قال لي فأنخت ناقتي ولجأت إلى ظلها فاستترت به وقلت لو أحدثت لهذا الأمير شيئا من الغناء أقدم به عليه ولعلي إن حركت لساني أن يبل حلقي ريقي فيخفف عني بعض ما أجده من العطش فترنمت بصوتي ( القصرُ فالنخلُ فالجَمَّاء بينهما ... ) فلما سمعني الأسود ما شعرت به إلا وقد احتملني حتى أدخلني خباءه ثم قال أي بأبي أنت وأمي هل لك في سَويق السُّلت بهذا الماء البارد فقلت قد منعتني أقل من ذلك وشربة ماء تجزئني قال فسقاني حتى رويت وجاء الغلام فأقمت عنده إلى وقت الرواح فلما أردت الرحلة قال أي بأبي أنت وأمي الحر شديد ولا آمن عليك مثل الذي أصابك فأذن لي في أن أحمل معك قربة من ماء على عنقي وأسعى بها معك فكلما عطشت سقيتك صحنا وغنيتني صوتا قال قلت ذاك لك فوالله ما فارقني يسقيني وأغنيه حتى بلغت المنزل نسخت من كتاب جعفر بن قدامة بخطه حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن الزبير عن جرير قال التقاء معبد وابن سريج ببطن مر كان معبد خارجا إلى مكة في بعض أسفاره فسمع في طريقه غناء في بطن مر فقصد الموضع فإذا رجل جالس على حرف بركة فارق شعره حسن الوجه عليه دُرَّاعةٌ قد صبغها بزعفران وإذا هو يتغنى صوت ( حَنَّ قِلبِي من بعد ما قد أَنَابَا ... ودَعَا الهَمَّ شَجْوُه فأَجَابا ) ( ذاكَ مِنْ منزلٍ لسَلْمَى خَلاء ... لاَبِسٍ من خَلائِهِ جِلبابا ) ( عُجْتُ فيه وقلتُ للرَّكْبِ عُوجُوا ... طَمَعاً أن يَرُدّ ربعٌ جوابا ) ( فاسْتَثَار المنسِيَّ من لَوْعة الحب ... وأبْدَى الهمومَ والأوْصَابَا ) فقرع معبد بعصاه وغنى ( مَنَع الحياةَ من الرجالِ ونَفْعَها ... حَدَقٌ تُقَلِّبُها النساءُ مِرَاضُ ) ( وكأنَّ أفئدةَ الرجالِ إذا رَأوْا ... حَدَقَ النِّساءِ لنَبْلها أَغْرَاضُ ) فقال له ابن سريج بالله أنت معبد قال نعم وبالله أنت ابن سريج قال نعم ووالله لو عرفتك ما غنيت بين يديك نسبة هذين الصوتين وأخبارهما صوت ( حَنَّ قلبي من بعد ما قد أنابا ... ودعا الهمَّ شجْوُهُ فأجابا ) ( فاستثار المنسيَّ من لوعة الحبِّ ... وأَبْدَى الهمومَ والأوصابا ) ( ذاك من منزلٍ لسَلْمى خَلاَءٍ ... مُكْتَسٍ من عَفَائه جِلْبَابا ) ( عُجْتُ فيه وقلت للرَّكْب عُوجُوا ... طمعاً أن يَرُدَّ رَبْعٌ جوابا ) ( ثانياً من زِمَامِ وَجْنَاء عَنْسٍ ... قَانِياً لونُها يُخَال خِضَابا ) ( جَدُّها الفَالِجُ الأشَمُّ من البُخْتِ ... وخَالاَتُها انْتُخِبْنَ عِرَابا ) الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج وله فيه لحنان رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وخفيف ثقيل أول بالبنصر عن عمرو صوت ( مَنع الحياةَ من الرجال ونَفْعَها ... حَدَقٌ تُقلِّبها النساءُ مِرَاضُ ) ( وكأنَّ أفئدةَ الرجال إذا رأوْا ... حَدَقَ النّساء لنَبلِها أغراضُ ) الشعر للفرزدق والغناء لمعبد ثقيل أول عن الهشامي أخبرني محمد بن مزبد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن سياط قال حدثني يونس الكاتب قال معبد مع الجواري في السفينة كان معبد قد علم جارية من جواري الحجاز الغناء تدعى ظبية وعني بتخريجها فاشتراها رجل من أهل العراق فأخرجها إلى البصرة وباعها هناك فاشتراها رجل من أهل الأهواز فأعجب بها وذهبت به كل مذهب وغلبت عليه ثم ماتت بعد أن أقامت عنده برهة من الزمان وأخذ جواريه أكثر غنائها عنها فكان لمحبته إياها وأسفه عليها لا يزال يسأل عن أخبار معبد وأين مستقره ويظهر التعصب والميل إليه والتقديم لغنائه على سائر أغاني أهل عصره إلى أن عرف ذلك منه وبلغ معبدا خبره فخرج من مكة حتى أتى البصرة فلما وردها صادف الرجل قد خرج عنها في ذلك اليوم إلى الأهواز فاكترى سفينة وجاء معبد يلتمس سفينة ينحدر فيها إلى الأهواز فلم يجد غير سفينة الرجل وليس يعرف أحد منهما صاحبه فأمر الرجل الملاح أن يجلسه معه في مؤخر السفينة ففعل وانحدروا فلما صاروا في فم نهر الأبلة تغدوا وشربوا وأمر جواريه فغنين ومعبد ساكت وهو في ثياب السفر وعليه فرو وخفان غليظان وزي جاف من زي أهل الحجاز إلى أن غنت إحدى الجواري صوت ( بانت سُعادُ وأمْسَى حبلُها انْصرَمَا ... واحْتَلَّت الغَوْرَ فالأجْزَاعَ من إضَما ) ( إحْدَى بَليٍّ هام الفؤادُ بها ... إلاَّ السّفَاه وإلاَّ ذُكْرَةً حُلُمَا ) قال حماد والشعر للنابغة الذبياني والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالبنصر وفيه لغيره ألحان قديمة ومحدثة فلم تجد أداءه فصاح بها معبد يا جارية إن غناءك هذا ليس بمستقيم قال فقال له مولاها وقد غضب وأنت ما يدريك الغناء ما هو ألا تمسك وتلزم شأنك فأمسك ثم غنت أصواتا من غناء غيره وهو ساكت لا يتكلم حتى غنت صوت ( بابنةِ الأزْدِيّ قَلْبي كَئِيبُ ... مُسْتَهامٌ عندها ما يُنِيبُ ) ( ولقد لاموا فقلتُ دَعُوني ... إنّ مَنْ تَنْهَوْن عنه حَبِيبُ ) ( إنَّما أَبْلَى عِظَامِي وجِسْمي ... حُبُّها والحبُّ شيءٌ عَجِيبُ ) ( أيُّها العائبُ عندِي هَوَاها ... أنت تَفْدِي مَنْ أرَاكَ تَعِيبُ ) والشعر لعبد الرحمن بن أبي بكر والغناء لمعبد ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر قال فأخلت ببعضه فقال لها معبد يا جارية لقد أخللت بهذا الصوت إخلالا شديدا فغضب الرجل وقال له ويلك ما أنت والغناء ألا تكف عن هذا الفضول فأمسك وغنى الجواري مليا ثم غنت إحداهن صوت ( خَلِيليَّ عُوجَا فأبكيَا ساعةً معي ... على الرَّبْع نَقْضي حاجةً ونُوَدِّعِ ) ( ولا تُعْجِلاَني أنْ أُلِمَّ بِدمْنَةٍ ... لِعَزّةَ لاحَتْ لي بِبَيْدَاءَ بَلْقَعِ ) ( وقُولاَ لِقلبٍ قد سَلا راجِع الهَوى ... ولِلعَيْن أَذْرِي من دموعكِ أو دَعِي ) ( فلا عَيْشَ إلا مثلُ عيشٍ مضَى لنا ... مَصِيفاً أقَمْنَا فيه مِن بعد مَرْبَعِ ) الشعر لكثير والغناء لمعبد خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى وفيه رمل للغريض إعجاب الجواري بغناء معبد قال فلم تصنع فيه شيئا فقال لها معبد يا هذه أما تقوين على أداء صوت واحد فغضب الرجل وقال له ما أراك تدع هذا الفضول بوجه ولا حيلة وأقسم بالله لئن عاودت لأخرجنك من السفينة فأمسك معبد حتى إذا سكتت الجواري سكتة اندفع يغني الصوت الأول حتى فرغ منه فصاح الجواري يا رجل فأعده فقال لا والله ولا كرامة ثم اندفع يغني الثاني فقلن لسيدهن ويحك هذا والله أحسن الناس غناء فسله أن يعيده علينا ولو مرة واحدة لعلنا نأخذه عنه فإنه إن فاتنا لم نجد مثله أبدا فقال قد سمعتن سوء رده عليكن وأنا خائف مثله منه وقد أسلفناه الإساءة فاصبرن حتى نداريه ثم غنى الثالث فزلزل عليهم الأرض فوثب الرجل فخرج إليه وقبل رأسه وقال يا سيدي أخطأنا عليك ولم نعرف موضعك فقال له فهبك لم تعرف موضعي قد كان ينبغي لك أن تتثبت ولا تسرع إلي بسوء العشرة وجفاء القول فقال له قد أخطأت وأنا أعتذر إليك مما جرى وأسألك أن تنزل إلي وتختلط بي فقال أما الآن فلا فلم يزل يرفق به حتى نزل إليه فقال له الرجل ممن أخذت هذا الغناء قال من بعض أهل الحجاز فمن أين أخذه من جارية كانت لي ابتاعها رجل من أهل البصرة من مكة وكانت قد أخذت عن أبي عباد معبد وعني بتخريجها فكانت تحل مني محل الروح من الجسد ثم استأثر الله عز و جل بها وبقي هؤلاء الجواري وهن من تعليمها فأنا إلى الآن أتعصب لمعبد وأفضله على المغنين جميعا وأفضل صنعته على كل صنعة فقال له معبد أو إنك لأنت هو أفتعرفني قال لا قال فصك معبد بيده صلعته ثم قال فأنا والله معبد وإليك قدمت من الحجاز ووافيت البصرة ساعة نزلت السفينة لأقصدك بالأهواز ووالله لا قصرت في جواريك هؤلاء ولأجعلن لك في كل واحدة منهن خلفا من الماضية فأكب الرجل والجواري على يديه ورجليه يقبلونها ويقولون كتمتنا نفسك طول هذا اليوم حتى جفوناك في المخاطبة وأسأنا عشرتك وأنت سيدنا ومن نتمنى على الله أن نلقاه ثم غير الرجل زيه وحاله وخلع عليه عدة خلع وأعطاه في وقته ثلثمائة دينار وطيبا وهدايا بمثلها وانحدر معه إلى الأهواز فأقام عنده حتى رضي حذق جواريه وما أخذنه عنه ثم ودعه وانصرف إلى الحجاز معبد يغني للوليد بن يزيد أخبرني الحسن بن علي الخفاف وعبد الباقي بن قانع قالا حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال حدثني مهدي بن سابق قال حدثني سليمان بن غزوان مولى هشام قال حدثني عمر القاري بن عدي قال قال الوليد بن يزيد يوما لقد اشتقت إلى معبد فوجه البريد إلى المدينة فأتى بمعبد وأمر الوليد ببركة قد هيئت له فملئت بالخمر والماء وأتي بمعبد فأمر به فأجلس والبركة بينهما وبينهما ستر قد أرخي فقال له غنني يا معبد صوت ( لَهْفِي على فِتْية ذَلَّ الزمانُ لهمْ ... فما أصابَهُمُ إلا بما شاؤوا ) ( ما زال يَعْدُو عليهم رَيْبُ دَهْرِهِمُ ... حتى تَفَانَوْا وريبُ الدهر عَدَّاءُ ) ( أَبْكَى فِراقَهُمُ عَيْني وأرّقها ... إنّ التفرُّق للأحباب بَكَّاءُ ) الغناء لمعبد خفيف ثقيل وفيه ليحيى المكي رمل ولسليمان هزج كلها رواية الهشامي قال فغناه إياه فرفع الوليد الستر ونزع ملاءة مطيبة كانت عليه وقذف نفسه في تلك البركة فنهل فيها نهلة ثم أتي بأثواب غيرها وتلقوه بالمجامر والطيب ثم قال غنني صوت ( يا رَبْعُ مالكَ لا تُجِيبُ متيّما ... قد عاج نحوَك زائراً ومُسَلِّما ) ( جادتْكَ كلُّ سحابةٍ هَطَّالةٍ ... حتى تُرَى عن زَهْرةٍ متبسِّما ) الغناء لمعبد ثاني ثقيل بالوسطى والخنصر عن ابن المكي وفيه لعلوية ثاني ثقيل آخر بالبنصر في مجراها عنه قال فغناه فدعا له بخمسة عشر ألف دينار فصبها بين يديه ثم قال انصرف إلى أهلك واكتم ما رأيت وأخبرني بهذا الخبر عمي فجاء ببعض معانيه وزاد فيه ونقص قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني سليمان بن سعد الحلبي قال سمعت القاري بن عدي يقول اشتاق الوليد بن يزيد إلى معبد فوجه إليه إلى المدينة فأحضر وبلغ الوليد قدومه فأمر ببركة بين يدي مجلسه فملئت ماء ورد قد خلط بمسك وزعفران ثم فرش للوليد في داخل البيت على حافة البركة وبسط لمعبد مقابله على حافة البركة ليس معهما ثالث وجيء بمعبد فرأى سترا مرخى ومجلس رجل واحد فقال له الحجاب يا معبد سلم على أمير المؤمنين واجلس في هذا الموضع فسلم فرد عليه الوليد السلام من خلف الستر ثم قال له حياك الله يا معبد أتدري لم وجهت إليك قال الله أعلم وأمير المؤمنين قال ذكرتك فأحببت أن أسمع منك قال معبد أأغني ما حضر أم ما يقترحه أمير المؤمنين قال بل غنني ( ما زال يَعْدُو عليهم ريبُ دهرِهِمُ ... حتى تفانَوْا وريبُ الدهر عَدّاءُ ) فغناه فما فرغ منه حتى رفع الجواري السجف ثم خرج الوليد فألقى نفسه في البركة فغاص فيها ثم خرج منها فاستقبله الجواري بثياب غير الثياب الأولى ثم شرب وسقى معبدا ثم قال له غنني يا معبد ( يا رَبْعُ مالك لا تُجيِبُ متيّما ... قد عاج نحوَك زائراً ومسلِّما ) ( جادتكَ كلُّ سحابة هَطَّالة ... حتى تُرَى عن زَهْرةٍ متبسِّما ) ( لو كنتَ تَدْرِي مَنْ دعاك أجبتَه ... وبكيتَ من حُرَقٍ عليه إذاً دَما ) قال فغناه وأقبل الجواري فرفعن الستر وخرج الوليد فألقى نفسه في البركة فغاص فيها ثم خرج فلبس ثيابا غير تلك ثم شرب وسقى معبدا ثم قال له غنني فقال بماذا يا أمير المؤمنين قال غنني ( عَجِبَتْ لمّا رأتنِي ... أندبُ الربعَ المُحيِلا ) ( واقفاً في الدار أبكِي ... لا أرى إلا الطُّلولا ) ( كيف تَبْكِي لأُناسٍ ... لا يَمَلُّون الذَّمِيلاَ ) ( كلَّما قلتُ اطمأنَّتْ ... دارُهم قالوا الرَّحيلا ) قال فلما غناه رمى نفسه في البركة ثم خرج فردوا عليه ثيابه ثم شرب وسقى معبدا ثم أقبل عليه الوليد فقال له يا معبد من أراد أن يزداد عند الملوك حظوة فليكتم أسرارهم فقلت ذلك ما لا يحتاج أمير المؤمنين إلى إيصائي به فقال يا غلام احمل إلى معبد عشرة آلاف دينار تُحَصَّلُ له في بلده وألفي دينار لنفقة طريقه فحملت إليه كلها وحمل على البريد من وقته إلى المدينة معبد والرجل الشامي قال إسحاق وقال معبد أرسل إلي الوليد بن يزيد فأُشْخِصتُ إليه فبينا أنا يوما في بعض حمامات الشأم إذ دخل علي رجل له هيبة ومعه غلمان له فاطَّلى واشتغل به صاحب الحمام عن سائر الناس فقلت والله لئن لم أُطْلِع هذا على بعض ما عندي لأكونن بمزجر الكلب فاستدبرته حيث يراني ويسمع مني ثم ترنمت فالتفت إلي وقال للغلمان قدموا إليه جميع ما هاهنا فصار جميع ما كان بين يديه عندي قال ثم سألني أن أسير معه إلى منزله فأجبته فلم يدع من البر والإكرام شيئا إلا فعله ثم وضع النبيذ فجعلت لا آتي بحسن إلا خرجت إلى ما هو أحسن منه وهو لا يرتاح ولا يَحْفِلُ لما يرى مني فلما طال عليه أمري قال يا غلام شيخنا شيخنا فأتي بشيخ فلما رآه هش إليه فأخذ الشيخ العود ثم اندفع يغني ( سِلَّوْرُ في القِدْرِ ويْلي عَلُوْه ... جاء القِطُّ أكلَهْ وَيْلي عَلُوهْ ) السِّلَّوْرُ السمك الجِرِّيُّ بلغة أهل الشأم قال فجعل صاحب المنزل يصفق ويضرب برجله طربا وسرورا قال ثم غناه ( وتَرْمِيني حَبِيبةُ بالدُّرَاقِنْ ... وتَحْسَبُني حبيبةُ لا أراها ) الدُّراقِن اسم الخَوْخ بلغة أهل الشأم قال فكاد أن يخرج من جلده طربا قال وانسللت منهم فانصرفت ولم يعلم بي فما رأيت مثل ذلك اليوم قط غناء أضيع ولا شيخا أجهل ابن عائشة يقتبس من غناء معبد قال إسحاق وذكر لي شيخ من أهل المدينة عن هارون بن سعد أن ابن عائشة كان يلقي عليه وعلى ربيحة الشماسية فدخل معبد فألقى عليهما صوتا فاندفع ابن عائشة يغنيه وقد أخذه منه فغضب معبد وقال أحسنت يابن عاهرة الدار تفاخرني فقال لا والله جعلني الله فداءك يا أبا عباد ولكني أقتبس منك وما أخذته إلا عنك ثم قال أنشدك الله يا ابن شماس هل قلت لك قد جاء أبو عباد فاجمع بيني وبينه أقتبس منه قال اللهم نعم أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال قيل لابن عائشة وقد غنى صوتا أحسن فيه فقال أصبحت أحسن الناس غناء فقيل له وكيف أصبحت أحسن الناس غناء قال وما يمنعني من ذلك وقد أخذت من أبي عباد أحد عشر صوتا وأبو عباد مغني أهل المدينة والمقدم فيهم أخبرنا وكيع قال حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أبي قال حدثني أيوب ابن عباية عن رجل من هذيل قال معبد مع المغنين في مكة قال معبد غنيت فأعجبني غنائي وأعجب الناس وذهب لي به صِيتٌ وذكر فقلت لآتين مكة فلأسمعن من المغنين بها ولأغنينهم ولأتعرفن إليهم فابتعت حمارا فخرجت عليه إلى مكة فلما قدمتها بعت حماري وسألت عن المغنين أين يجتمعون فقيل بقعيقعان في بيت فلان فجئت إلى منزله بالغلس فقرعت الباب فقال من هذا فقلت انظر عافاك الله فدنا وهو يسبح ويستعيذ كأنه يخاف ففتح فقال من أنت عافاك الله قلت رجل من أهل المدينة قال فما حاجتك قلت أنا رجل أشتهي الغناء وأزعم أني أعرف منه شيئا وقد بلغني أن القوم يجتمعون عندك وقد أحببت أن تنزلني في جانب منزلك وتخلطني بهم فإنه لا مؤونة عليك ولا عليهم مني فلوى شيئا ثم قال انزل على بركة الله قال فنقلت متاعي فنزلت في جانب حجرته ثم جاء القوم حين أصبحوا واحدا بعد واحد حتى اجتمعوا فأنكروني وقالوا من هذا الرجل قال رجل من أهل المدينة خفيف يشتهي الغناء ويطرب عليه ليس عليكم منه عناء ولا مكروه فرحبوا بي وكلمتهم ثم انبسطوا وشربوا وغنوا فجعلت أعجب بغنائهم وأظهر ذلك لهم ويعجبهم مني حتى أقمنا أياما وأخذت من غنائهم وهم لا يدرون أصواتا وأصواتا وأصواتا ثم قلت لابن سريج أي فديتك أمسك علي صوتك ( قُلْ لهندٍ وتِرْبِها ... قبلَ شَحْطِ النَّوَى غَدا ) قال أو تحسن شيئا قلت تنظر وعسى أن أصنع شيئا واندفعت فيه فغنيته فصاح وصاحوا وقالوا أحسنت قاتلك الله قلت فأمسك علي صوت كذا فأمسكوه علي فغنيته فازدادوا عجبا وصياحا فما تركت واحدا منهم إلا غنيته من غنائه أصواتا قد تخيرتها قال فصاحوا حتى علت أصواتهم وهرفوا بي وقالوا لأنت أحسن بأداء غنائنا عنا منا قال قلت فأمسكوا علي ولا تضحكوا بي حتى تسمعوا من غنائي فأمسكوا علي فغنيت صوتا من غنائي فصاحوا بي ثم غنيتهم آخر وآخر فوثبوا إلي وقالوا نحلف بالله إن لك لصيتا واسما وذكرا وإن لك فيما هاهنا لسهما عظيما فمن أنت قلت أنا معبد فقبلوا رأسي وقالوا لفقت علينا وكنا نتهاون بك ولا نعدك شيئا وأنت أنت فأقمت عندهم شهرا آخذ منهم ويأخذون مني ثم انصرفت إلى المدينة نسبة هذا الصوت صوت ( قُلْ لِهندٍ وتِرْبِها ... قبلَ شَحْطِ النَّوَى غَدَا ) ( إنْ تجُودِي فطالما ... بِتُّ ليْلي مُسهَّدَا ) ( أنتِ في وُدِّ بينِنا ... خيرُ ما عندَنا يدا ) ( حينَ تُدْلِي مُضَفَّراً ... حالِكَ اللَّونِ أسْودا ) الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج عن حماد ولم يجنسه وفيه لمالك خفيف ثقيل أول بالبنصر في مجراها عن إسحاق وقال الهشامي فيه لابن محرز خفيف ثقيل بالوسطى ومن الثلاثة الأصوات المختارة صوت فيه أربعة ألحان من رواية علي بن يحيى ( تَشَكَّى الكُمَيتُ الجَرْيَ لمّا جَهَدْتُهُ ... وبَيَّنَ لو يَسْطِيعُ أن يتكلَّما ) ( لذلك أُدْني دونَ خَيْلي مَكَانَهُ ... وأُوصي به ألاَّ يُهَانَ ويُكرمَا ) ( فقلتُ له إنْ ألقَ للعين قُرَّةً ... فهان عليّ أن تَكِلَّ وتَسْأمَا ) ( عَدِمتُ إذاً وفْرِي وفارقتُ مُهجتي ... لئن لم أقِلْ قَرْناً إنِ اللهُ سَلَّمَا ) عروضه من الطويل قوله لئن لم أقل قرنا يعني أنه يجد في سيره حتى يقيل بهذا الموضع وهو قرن المنازل وكثيرا ما يذكره في شعره الشعر لعمر بن أبي ربيعة المخزومي والغناء في هذا اللحن المختار لابن سريج ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى وفيه لإسحاق أيضا ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو بن بانة وفيه ثقيل أول يقال إنه ليحيى المكي وفيه خفيف رمل يقال إنه لأحمد بن موسى المنجم وفيه للمعتضد ثاني ثقيل آخر في نهاية الجودة وقد كان عمرو بن بانة صنع فيه لحنا فسقط لسقوط صنعته أخبرني جحظة قال حدثني أبو عبد الله الهشامي قال صنع عمرو بن بانة لحنا في تَشَكَّى الكميتُ الجريَ فأخبرني بعض عجائزنا بذلك قالت فأردنا أن نعرضه على مُتَيَّمَ لنعلم ما عندها فيه فقلنا لبعض من أخذه عن عمرو غنِّ تشكَّى الكميتُ الجريَ في اللحن الجديد فقالت متيَّمُ أيش هذا اللحن الجديد والكَميْت المحدث قلنا لحن صنعه عمرو بن بانة فغنته الجارية فقالت متيَّمُ لها اقطعي اقطعي حسبك حسبك هذا والله لحمار حنين المكسور أشبه منه بالكُمَيْت ذكر خبر عمر بن أبي ربيعة ونسبه هو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة واسم أبي ربيعة حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وقد تقدم باقي النسب في نسب أبي قطيفة ويكنى عمر بن أبي ربيعة أبا الخطاب وكان أبو ربيعة جده يسمى ذا الرُّمْحَين سمي بذلك لطوله كان يقال كأنه يمشي علي رمحين أخبرني بذلك الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي ومحمد بن الضحاك عن أبيه الضحاك عن عثمان بن عبد الرحمن اليربوعي وقيل إنه قاتل يوم عكاظ برمحين فسمي ذا الرُّمْحين لذلك وأخبرني بذلك أيضا علي بن صالح بن الهيثم قال حدثني أبو هفان عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن مصعب الزبيري والمدائني والمُسَيَّبيّ ومحمد بن سلام قالوا وفيه يقول عبد الله بن الزِّبَعْرَى ( ألاَ للّهِ قومٌ ولَدَتْ ... أُختُ بني سَهْمِ ) ( هِشَامٌ وأبو عَبْدِ ... مَنَافٍ مِدْرَهُ الخَصْمِ ) ( وذو الرُّمْحين أشْباكَ ... على القوّة والحَزْمِ ) ( فهذان يَذُودَانِ ... وذا مِنْ كَثَبٍ يَرْمي ) ( أُسُودٌ تَزْدَهي الأقرانَ ... مَنَّاعُونَ للهَضْمِ ) ( وهم يومَ عُكاظٍ منعوا ... الناسَ من الهَزْمِ ) ( وهم مَنْ وَلَدُوا أشْبَوْا ... بسِرِّ الجَسَبِ الضَّخْمِ ) ( فإن أحلِفْ وبيتِ الله ... لا أحلفْ على إثمِ ) ( لما مِنْ إخوَةٍ بين ... قصورِ الشأم والرَّدْمِ ) ( بأزْكى من بني رَيْطَةَ ... أو أوْزَنَ في الحِلْمِ ) أبو عبد مناف الفاكه بن المغيرة وريطة هذه التي عناها هي أم بني المغيرة وهي بنت سعيد بن سعد بن سهم ولدت من المغيرة هشاما وهاشما وأبا ربيعة والفاكه وأخبرني أحمد بن سليمان بن داود الطُّوسيّ والحرمي بن أبي العلاء قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن أبي ثابت قال أخبرني محمد بن عبد العزيز عن ابن أبي نهشل عن أبيه قال قال لي أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وجئته أطلب منه مغرما يا خال هذه أربعة آلاف درهم وأنشد هذه الأبيات الأربعة وقل سمعت حسان ينشدها رسول الله فقلت أعوذ بالله أن أفتري على الله ورسوله ولكن إن شئت أن أقول سمعت عائشة تنشدها فعلت فقال لا إلا أن تقول سمعت حسان ينشدها رسول الله ورسول الله جالس فأبى علي وأبيت عليه فأقمنا لذلك لا نتكلم عدة ليال فأرسل إلي فقال قل أبياتا تمدح بها هشاما يعني ابن المغيرة وبني أمية فقلت سمهم لي فسماهم وقال اجعلها في عكاظ واجعلها لأبيك فقلت ( ألا للهِ قومٌ ولدتْ ... أُختُ بني سَهْمِ ) الأبيات قال ثم جئت فقلت هذه قالها أبي فقال لا ولكن قل قالها ابن الزِّبَعْرَى قال فهي إلى الآن منسوبة في كتب الناس إلى ابن الزِّبَعْرى قال الزبير وأخبرني محمد بن الحسن المخزومي قال أخبرني محمد بن طلحة أن عمر بن أبي ربيعة قائل هذه الأبيات ( ألا للهِ قومٌ ولدتْ ... أُختُ بني سهْمِ ) أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن عمران قال حدثني محمد بن عبد العزيز عن ابن أبي نهشل عن أبيه بمثل ما رواه الزبير عنه وزاد فيه عمر بن شبة قال محمد بن يحيى وأخت بني سهم التي عناها رَيْطةُ بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هُصَيص بن كعب بن لؤي بن غالب وهي أم بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهم هشام وهاشم وأبو ربيعة والفاكه وعدة غيرهم لم يعقبوا وإياهم يعني أبو ذؤيب بقوله عبد الله بن أبي ربيعة يكسو الكعبة من ماله ( صَخِبُ الشَّوارِبِ لا يزالُ كأنه ... عبدٌ لآل أبي رَبِيعةَ مُسْبَعُ ) ضرب بعزهم المثل قال وكان اسم عبد الله بن أبي ربيعة في الجاهلية بحيرا فسماه رسول الله عبد الله وكانت قريش تلقبه العدل لأن قريشا كانت تكسو الكعبة في الجاهلية بأجمعها من أموالها سنة ويكوسوها هو من ماله سنة فأرادوا بذلك أنه وحده عدل لهم جميعا في ذلك وفيه يقول ابن الزِّبَعْرَى ( بَحِيرُ بنُ ذي الرُّمحين قرَّب مجلسي ... وراح عليّ خيرُه غيرَ عاتِمِ ) وقد قيل إن العدل هو الوليد بن المغيرة وكان عبد الله بن أبي ربيعة تاجرا موسرا وكان متجره إلى اليمن وكان من أكثرهم مالا وأمه أسماء بنت مخربة وقيل مخرمة وكانت عطارة يأتيها العطر من اليمن وقد تزوجها هشام بن المغيرة أيضا فولدت له أبا جهل والحارث ابني هشام فهي أمهما وأم عبد الله وعياش ابني أبي ربيعة أخبرني الحرمي والطوسي قالا حدثنا الزبير قال حدثني عمي عن الواقدي قال كانت أسماء بنت مخربة تبيع العطر بالمدينة فقالت الربيع بنت معوذ بن عفراء الأنصارية وكان أبوها قتل أبا جهل بن هشام يوم بدر واحتز رأسه عبد الله ابن مسعود وقيل بل عبد الله بن مسعود هو الذي قتله فذكرت أن أسماء بنت مخربة دخلت عليها وهي تبيع عطرا لها في نسوة قالت فسألت عنا فانتسبنا لها فقالت أأنت ابنة قاتل سيده تعني أبا جهل قلت بل أنا بنت قاتل عبده قالت حرام علي أن أبيعك من عطري شيئا قلت وحرام علي أن أشتري منه شيئا فما وجدت لعطر نتنا غير عطرك ثم قمت لا والله ما رأيت عطرا أطيب من عطرها ولكني أردت أن أعيبه لأغيظها رأي النبي في حبش بني المغيرة وكان لعبد الله بن أبي ربيعة عبيد من الحبشة يتصرفون في جميع المهن وكان عددهم كثيرا فروي عن سفيان بن عيينة أنه قيل لرسول الله حين خرج إلى حنين هل لك في حبش بني المغيرة تستعين بهم فقال لا خير في الحبش إن جاعوا سرقوا وإن شبعوا زنوا وإن فيهم لخلتين حسنتين إطعام الطعام والبأس يوم البأس واستعمل رسول الله عبد الله بن أبي ربيعة على الجند ومخاليفها فلم يزل عاملا عليها حتى قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا من رواية الزبير عن عمه قال وحدثني ابن الماجشون عن عمه أن عثمان بن عفان رحمه الله استعمله أيضا عليها وأم عمر بن أبي ربيعة أم ولد يقال لها مجد سبيت من حضرموت ويقال من حمير قال أبو محلم ومحمد بن سلام هي من حمير ومن هناك أتاه الغزل يقال غزل يمان ودل حجازي وقال عمر بن شبة أم عمر بن أبي ربيعة أم ولد سوداء من حبش يقال لهم فرسان وهذا غلط من أبي زيد تلك أم أخيه الحارث بن عبد الله الذي يقال له القُبَاعُ وكانت نصرانية وكان الحارث بن عبد الله شريفا كريما دينا وسيدا من سادات قريش قال الزبير بن بكار ذكره عبد الملك بن مروان يوما وقد ولاه عبد الله بن الزبير فقال أرسل عوفا وقعد لا حر بوادي عوف فقال له يحيى بن الحكم ومن الحارث بن السوداء فقال له عبد الملك ما ولدت والله أمة خيرا مما ولدت أمه وأخبرني عليّ بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق بن إبراهيم عن الزبير والمدائني والمسيبي أن أمه ماتت نصرانية وكانت تسر ذلك منه فحضر الأشراف جنازتها وذلك في عهد عمر بن الخطاب رحمة الله عليه فسمع الحارث من النساء لغطا فسأل عن الخبر فعرف أنها ماتت نصرانية وأنه وجد الصليب في عنقها وكانت تكتمه ذلك فخرج إلى الناس فقال انصرفوا رحمكم الله فإن لها أهل دين هم أولى بها منا ومنكم فاستحسن ذلك منه وعجب الناس من فعله نسبة ما في هذه الأخبار من الغناء صوت ( ألاَ لله قومٌ ولدتْ ... أُختُ بني سَهْمِ ) ( هِشَامٌ وأبو عَبْدِ ... مَنَافٍ مِدْرَهُ الخَصْمِ ) ( وذو الرُّمْحين أشْبَاكَ ... على القوّة والحَزْمِ ) ( فهذان يَذُودان ... وذا من كَثَب يَرْمي ) عروضه من مكفوف الهزج الغناء لمعبد خفيف رمل من رواية حماد أخبرني محمد بن خلف وكيع قال قال إسماعيل بن مجمع أخبرنا المدائني عن رستم بن صالح قال رأي يزيد بن عبد الملك في غناء معبد وابن سريج قال يزيد بن عبد الملك يوما لمعبد يا أبا عباد إني أريد أن أخبرك عن نفسي وعنك فإن قلت فيه خلاف ما تعلم فلا تتحاش أن ترده علي فقد أذنت لك قال يا أمير المؤمنين لقد وضعك ربك بموضع لا يعصيك إلا ضال ولا يرد عليك إلا مخطئ قال إن الذي أجده في غنائك لا أجده في غناء ابن سريج أجد في غنائك متانة وفي غنائه انخناثا ولينا قال معبد والذي أكرم أمير المؤمنين بخلافته وارتضاه لعباده وجعله أمينا على أمة نبيه ما عدا صفتي وصفة ابن سريج وكذا يقول ابن سريج وأقول ولكن إن رأى أمير المؤمنين أن يعلمني هل وضعني ذاك عنده فعل قال لا والله ولكني أوثر الطرب على كل شيء قال يا سيدي فإذا كان ابن سريج يذهب إلى الخفيف من الغناء وأذهب أنا إلى الكامل التام فأغرب أنا ويشرق هو فمتى نلتقي قال أفتقدر أن تحكي رقيق ابن سريج قال نعم فصنع من وقته لحنا من الخفيف في ( ألاَ للّه قومٌ ولَدتْ ... أُختُ بني سَهْمِ ) الأربعة الأبيات فغناه فصاح يزيد أحسنت والله يا مولاي أعد فداك أبي وأمي فأعاد فرد عليه مثل قوله الأول فأعاد ثم قال أعد فداك أبي وأمي فأعاد فاستخفه الطرب حتى وثب وقال لجواريه افعلن كما أفعل وجعل يدور في الدار ويدرن معه وهو يقول ( يا دارُ دَوِّرِيني ... يا قَرْقَرُ امْسِكِيني ) ( آلَيْتِ مُنْذُ حينِ ... حقّاً لَتَصْرِمِيني ) ( ولا تُوَاصِلِيني ... باللّهِ فَارْحَمِيني ) ( لَمْ تَذْكُري يَمِيني ... ) قال فلم يزل يدور كما يدور الصبيان ويدرن معه حتى خر مغشيا عليه ووقعن فوقه ما يعقل ولا يعقلن فابتدره الخدم فأقاموه وأقاموا من كان على ظهره من جواريه وحملوه وقد جادت نفسه أو كادت ولدا عمر جوان وأمة الواحد رجع الخبر إلى ذكر عمر بن أبي ربيعة وكان لعمر بن أبي ربيعة ابن صالح يقال له جوان وفيه يقول العرجي ( شَهِيدي جُوَانٌ على حبِّها ... أليس بعَدْلٍ عليها جُوَان ) فأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا يحيى بن محمد بن عبد الله بن ثوبان قال جاء جوان بن عمر بن أبي ربيعة إلى زياد بن عبد الله الحارثي وهو إذ ذاك أمير على الحجاز فشهد عنده بشهادة فتمثل ( شَهِيدي جُوانٌ على حبّها ... أليس بعدلٍ عليها جُوَان ) وهذا الشعر للعرجي ثم قال قد أجزنا شهادتك وقبله وقال غير الزبير إنه جاء إلى العرجي فقال له يا هذا ما لي ومالك تشهرني في شعرك متى أشهدتني على صاحبتك هذه ومتى كنت أنا أشهد في مثل هذا قال وكان أمرأً صالحا وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني بكار بن عبد الله قال استعمل بعض ولاة مكة جوان بن عمر على تبالة فحمل على خثعم في صدقات أموالهم حملا شديدا فجعلت خثعم سنة جوان تاريخا فقال ضبارة بن الطفيل ( أتَلْبَسُنا ليلَى على شَعَثٍ بنا ... من العامِ أو يُرمَى بنا الرَّجَوانِ ) صوت ( رأتْني كأَشْلاءِ اللِّجامِ وراقَها ... أخو غَزَلٍ ذو لِمَّةٍ ودِهَانِ ) ( ولو شَهِدَتْني في ليالٍ مَضَيْنَ لي ... لِعَامَيْن مرّا قبلَ عامِ جُوَانِ ) ( رأتْنا كريمي معشرٍ حُمَّ بينَنا ... هَوىٍّ فحفِظْنَاه بحُسْنِ صِيَانِ ) ( نَذُودُ النفوسَ الحائِمَاتِ عن الصِّبا ... وهُنَّ بأعناقٍ إليه ثَوَاني ) ذكر حبش أن الغناء في هذه الأبيات للغريض ثاني ثقيل بالبنصر وذكر الهشامي أنه لقراريط قالوا وكان لعمر أيضا بنت يقال لها أمة الواحد وكانت مسترضعة في هذيل وفيها يقول عمر بن أبي ربيعة وقد خرج يطلبها فضل الطريق ( لم تَدْرِ ولْيَغْفِر لها ربُّها ... ما جَشَّمَتْنا أَمَةُ الواحدِ ) ( جَشَّمَتِ الهَوْلَ براذِينَنا ... نسألُ عن بيتِ أبي خالدِ ) ( نسألُ عن شيخِ بني كاهلٍ ... أعْيا خَفَاءً نِشْدَةَ الناشدِ ) أخبرني بذلك محمد بن خلف بن المرزبان عن أبي بكر العامري أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني يعقوب بن القاسم قال حدثني أسامة بن زيد بن الحكم بن عوانة عن عوانة بن الحكم قال أراه عن الحسن قال ولد عمر بن أبي ربيعة ليلة قتل عمر بن الخطاب رحمة الله عليه فأي حق رفع وأي باطل وضع قال عوانة ومات وقد قارب السبعين أو جاوزها أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني يعقوب بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن الحارث عن ابن جريج عن عطاء قال كان عمر بن أبي ربيعة أكبر مني كأنه وُلد في أول الإسلام عمر ينشد ابن العباس أمن آل نعم في المسجد الحرام أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني هارون بن عبد الله الزهري قال حدثنا ابن أبي ثابت وحدثني به علي بن صالح بن الهيثم عن أبي هفان عن إسحاق عن المسيبي والزبيري والمدائني ومحمد بن سلام قالوا قال أيوب بن سيار وأخبرني به الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الحسن المخزومي عن عبد العزيز بن عمران عن أيوب بن سيار عن عمر الركاء قال بينا ابن عباس في المسجد الحرام وعنده نافع بن الأزرق وناس من الخوارج يسألونه إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين موردين أو ممصرين حتى دخل وجلس فأقبل عليه ابن عباس فقال أنشدنا فأنشده ( أمِن آل نُعْمٍ أنت غَادٍ فمُبْكِرُ ... غداةَ غدٍ أم رائحٌ فمُهَجِّرُ ) حتى أتى على آخرها فأقبل عليه نافع بن الأزرق فقال الله يا ابن عباس إنا نضرب إليك أكباد الإبل من أقاصي البلاد نسألك عن الحلال والحرام فتتثاقل عنا ويأتيك غرلام مترف من مترفي قريش فينشدك ( رأتْ رجُلاً أمّا إذا الشمسُ عارضت ... فَيخْزَى وأمّا بالعشِيِّ فَيَخْسَرُ ) فقال ليس هكذا قال قال فكيف قال فقال قال ( رأتْ رجُلاً أمّا إذا الشمسُ عارضتْ ... فَيَضْحَى وأمّا بالعَشِيّ فَيَخْصَرُ ) فقال ما أراك إلا وقد حفظت البيت قال أجل وإن شئت أن أنشدك القصيدة أنشدتك إياها قال فإني أشاء فأنشده القصيدة حتى أتى على آخرها وفي غير رواية عمر بن شبة أن ابن عباس أنشدها من أولها إلى آخرها ثم أنشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة وما سمعها قط إلا تلك المرة صفحا قال وهذا غاية الذكاء فقال له بعضهم ما رأيت أذكى منك قط فقال لكني ما رأيت قط أذكى من علي بن أبي طالب عليه السلام وكان ابن عباس يقول ما سمعت شيئا قط إلا رويته وإني لأسمع صوت النائحة فأسد أذني كراهة أن أحفظ ما تقول قال ولامه بعض أصحابه في حفظ هذه القصيدة أمن آل نعم فقال إنا نستجيدها وقال الزبير في خبره عن عمه فكان ابن عباس بعد ذلك كثيرا ما يقول هل أحدث هذا المغيري شيئا بعدنا قال وحدثني عبد الله بن نافع بن ثابت قال كان عبد الله بن الزبير إذا سمع قول عمر بن أبي ربيعة ( فيَضْحَى وأمّا بالعَشِيّ فيَخْصَر ... ) قال لا بل ( فيَخزَى وأمَّا بالعشيّ فيخسَرُ ... ) قال عمر بن شبة وأبو هفان والزبير في حديثهم ثم أقبل على ابن أبي ربيعة فقال أنشد فأنشده ( تَشُطُّ غداً دارُ جيرانِنا ... ) وسكت فقال ابن عباس ( وَللدّارُ بعدَ غدٍ أبعدُ ... ) فقال له عمر كذلك قلت أصلحك الله أفسمعته قال لا ولكن كذلك ينبغي اختلاف الآراء في شعر عمر أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني يعقوب ابن إسحاق قال العرب تقر لقريش بالتقدم في كل شيء عليها إلا في الشعر فإنها كانت لا تقر لها به حتى كان عمر بن أبي ربيعة فأقرت لهما الشعراء بالشعر أيضا ولم تنازعها شيئا قال الزبير وسمعت عمي مصعبا يحدث عن جدي أنه قال مثل هذا القول قال وحدثني عدة من أهل العلم أن النصيب قال لعمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربات الحجال قال المدائني قال سليمان بن عبد الملك لعمر بن أبي ربيعة ما يمنعك من مدحنا قال إني لا أمدح الرجال إنما أمدح النساء قال وكان ابن جريج يقول ما دخل على العواتق في حجالهن شيء أضر عليهن من شعر عمر بن أبي ربيعة قال الزبير وحدثني عمي عن جدي وذكره أيضا إسحاق فيما رويناه عن أبي هفان عنه عن المدائني قال قال هشام بن عروة لا ترووا فتياتكم شعر عمر بن أبي ربيعة لا يتورطن في الزنا تورطا وأنشد ( لقد أرسلتُ جاريتي ... وقلتُ لها خُذِي حَذَرَكْ ) ( وقُولي في مُلاطفةٍ ... لزينَب نَوِّلي عُمَرَكْ ) أخبرنا علي بن صالح قال حدثني أبو هفان عن إسحاق عن الزبيري قال حدثني أبي عن سمرة الدوماني من حمير قال إني لأطوف في بالبيت فإذا أنا بشيخ في الطواف فقيل لي هذا عمر بن أبي ربيعة فقبضت على يده وقلت له يابن أبي ربيعة قال ما تشاء قلت أكل ما قلته من شعرك فعلته قال إليك عني قلت أسألك بالله قال نعم وأستغفر الله قال إسحاق وحدثني الهيثم بن عدي عن حماد الرواية أنه سئل عن شعر عمر بن أبي ربيعة فقال ذاك الفستق المقشر أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن عمه قال سمع الفرزدق شيئا من نسيب عمر فقال هذا الذي كانت الشعراء تطلبه فأخطأته وبكت الديار ووقع هذا عليه قال وكان بالكوفة رجل من الفقهاء تجتمع إليه الناس فيتذاكرون العلم فذكر يوما شعر عمر بن أبي ربيعة فهجنه فقالوا له بمن ترضى ومر بهم حماد الراوية فقال قد رضيت بهذا فقالوا له ما تقول فيمن يزعم أن عمر بن أبي ربيعة لم يحسن شيئا فقال أين هذا اذهبوا بنا إليه قالوا نصنع به ماذا قال ننزو على أمه لعلها تأتي بمن هو أمثل من عمر قال إسحاق وقال أبو المقوم الأنصاري ما عصي الله بشيء كما عصي بشعر عمر بن أبي ربيعة قال إسحاق وحدثني قيس بن داود قال حدثني أبي قال سمعت عمر بن أبي ربيعة يقول لقد كنت وأنا شاب أُعْشَق ولا أَعْشَق فاليوم صرت إلى مداراة الحسان إلى الممات ولقد لقيتني فتاتان مرة فقالت لي إحداهما ادن مني يابن أبي ربيعة أسر إليك شيئا فدنوت منها ودنت الأخرى فجعلت تعضني فما شعرت بعض هذه من لذة سرار هذه قال إسحاق وذكر عبد الصمد بن المفضل الرقاشي عن محمد بن فلان الزهري سقط اسمه عن إسحاق عن عبد الله بن مسلمة بن أسلم قال لقيت جريرا فقلت له يا أبا حزرة إن شعرك رفع إلى المدينة وأنا أحب أن تسمعني منه شيئا فقال إنكم يا أهل المدينة يعجبكم النسيب وإن أنسب الناس المخزومي يعني ابن أبي ربيعة قال إسحاق وذكر محمد بن إسماعيل الجعفري عن أبيه عن خاله عبد العزيز بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قال أشرف عمر بن أبي ربيعة على أبي قبيس وبنو أخيه معه وهم محرمون فقال لبعضهم خذ بيدي فأخذ بيده وقال ورب هذه البنية ما قلت لامرأة قط شيئا لم تقله لي وما كشفت ثوبا عن حرام قط قال ولما مرض عمر مرضه الذي مات فيه جزع أخوه الحارث جزعا شديدا فقال له عمر أحسبك إنما تجزع لما تظنه بي والله ما أعلم أني ركبت فاحشة قط فقال ما كنت أشفق عليك إلا من ذلك وقد سليت عني قال إسحاق حدثني مصعب الزبيري قال قال مصعب بن عروة بن الزبير خرجت أنا وأخي عثمان إلى مكة معتمرين أو حاجين فلما طفنا في بالبيت مضينا إلى الحجر نصلي فيه فإذا شيخ قد فرج بيني وبين أخي فأوسعنا له فلما قضى صلاته أقبل علينا فقال من أنتما فأخبرناه فرحب بنا وقال يا ابني أخي إني موكل بالجمال أتبعه وإني رأيتكما فراقني حسنكما وجمالكما فاستمتعا بشبابكما قبل أن تندما عليه ثم قام فسألنا عنه فإذا هو عمر بن أبي ربيعة أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن الضحاك قال عاش عمر بن أبي ربيعة ثمانين سنة فتك منها أربعين سنة ونسك أربعين سنة قال الزبير وحدثني إبراهيم بن حمزة ومحمد بن ثابت عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه قال حججت مع أبي وأنا غلام وعلي جمة فلما قدمت مكة جئت عمر بن أبي ربيعة فسلمت عليه وجلست معه فجعل يمد الخصلة من شعري ثم يرسلها فترجع على ما كانت عليه ويقول واشباباه حتى فعل ذلك مرارا ثم قال لي يابن أخي قد سمعتني أقول في شعري قالت لي وقلت لها وكل مملوك لي حر إن كنت كشفت عن فرج حرام قط فقمت وأنا متشكك في يمينه فسألت عن رقيقه فقيل لي أما في الحوك فله سبعون عبدا سوى غيرهم أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثتني ظبية مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب قالت مررت بجدك عبد الله بن مصعب وأنا داخلة منزله وهو بفنائه ومعي دفتر فقال ما هذا معك ودعاني فجئته وقلت شعر عمر بن أبي ربيعة فقال ويحك تدخلين على النساء بشعر عمر بن أبي ربيعة إن لشعره لموقعا من القلوب ومدخلا لطيفا لو كان شعر يسحر لكان هو فارجعي به قالت ففعلت قال إسحاق وأخبرني الهيثم بن عدي قال قدمت امرأة مكة وكانت من أجمل النساء فبينا عمر بن أبي ربيعة يطوف إذ نظر إليها فوقعت في قلبه فدنا منها فكلمها فلم تلتفت إليه فلما كان في الليلة الثانية جعل يطلبها حتى أصابها فقالت له إليك عني يا هذا فإنك في حرم الله وفي أيام عظيمة الحرمة فألح عليها يكلمها حتى خافت أن يشهرها فلما كان في الليلة الأخرى قالت لأخيها اخرج معي يا أخي فأرني المناسك فإني لست أعرفها فأقبلت وهو معها فلما رآها عمر أراد أن يعرض لها فنظر إلى أخيها معها فعدل عنها فتمثلت المرأة بقول النابعة ( تَعْدُو الذئابُ على مَنْ لا كِلاَبَ له ... وتَتّقي صَوْلَةَ المُسْتأسِدِ الحامي ) قال إسحاق فحدثني السندي مولى أمير المؤمنين أن المنصور قال وقد حدث بهذا الخبر وددت أنه لم تبق فتاة من قريش في خدرها إلا سمعت بهذا الحديث قال إسحاق قال لي الأصمعي عمر حجة في العربية ولم يؤخذ عليه إلا قوله ( ثم قالوا تُحِبُّها قلْتُ بَهْراً ... عَدَدَ الرَّمْلِ والحَصَى والتُّرابِ ) وله في ذلك مخرج إذ قد أتى به على سبيل الاخبار قال ومن الناس من يزعم أنه إنما قال ( قيل لي هل تُحبُّها قلت بهرا ... ) نسبة ما مضى من في هذه الأخبار من الأشعار التي قالها عمر بن أبي ربيعة وغنى فيها المغنون إذ كانت لم تنسب هناك لطول شرحها منها ما يغنى فيه من قوله صوت ( أمِنْ آلِ نُعْمٍ أنتَ غادٍ فمُبْكِرُ ... غداةَ غدٍ أم رائحٌ فمهجِّرُ ) ( لحاجةِ نفسٍ لم تَقُلْ في جَوَابِها ... فتُبْلِغَ عُذراً والمقالةُ تُعْذِرُ ) ( أشارتْ بمِدْرَاهَا وقالت لأُختِها ... أهذا المُغِيريُّ الذي كان يُذْكَرُ ) ( فقالتْ نعمْ لا شكَّ غيَّر لونَه ... سُرَى الليلِ يَطوِي نصَّه والتهجُّرُ ) ( رأتْ رجلاً أمّا إذا الشمسُ عارضتْ ... فيَضْحَى وأمّا بالعشيّ فيَخْصَرُ ) ( أخا سفرٍ جَوّابَ أرضٍ تقاذفتْ ... به فَلَواتٌ فَهْوَ أَشْعَثُ أغْبَرُ ) ( وليلةَ ذي دَوْران جَشَّمْتِني السُّرَى ... وقد يَجْشَمُ الهولَ المُحِبُّ المغرِّرُ ) ( فقلتُ أُباديهِم فإمَّا أفُوتُهم ... وإمّا يَنَالُ السيفُ ثأراً فيثْأرُ ) هذه الأبيات جمعت على غير توال لأنه إنما ذكر منها ما فيه صنعة غنى في الأول والثاني من الأبيات ابن سريج خفيف رمل بالبنصر عن أحمد بن المكيّ وذكر حبش أن فيهما لمعبد لحنا من الثقيل الأول بالبنصر وغنى ابن سريج في الثالث والرابع أيضا خفيف ثقيل بالوسطى وذكر حبش أن فيهما لحنا من الهزج بالوسطى لحكم وغنى ابن سريج في الخامس والسادس لحنا من الرمل بالوسطى عن عمرو بن بانة وذكر يونس أن في السابع والثامن لابن سريج لحنا ولم يذكر طريقته وذكر حبش أن فيهما لمالك لحنا من الثقيل الثاني بالبنصر أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرني محمد بن إسحاق قال أخبرني محمد بن حبيب عن هشام بن الكلبي أن عمر بن أبي ربيعة أتى عبد الله بن عباس وهو في المسجد الحرام فقال متعني الله بك إن نفسي قد تاقت إلى قول الشعر ونازعتني إليه وقد قلت منه شيئا أحببت أن تسمعه وتستره علي فقال أنشدني فأنشده ( أمِن آلِ نُعْمٍ أنتَ غادٍ فمُبْكِرُ ... ) فقال له أنت شاعر يابن أخي فقل ما شئت قال وأنشد عمر هذه القصيدة طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري وهو راكب فوقف وما زال شانقا ناقته حتى كتبت له أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني الحسين بن إسماعيل قال حدثنا ابن عائشة عن أبيه قال كان جرير إذا أنشد شعر عمر بن أبي ربيعة قال هذا شعر تهامي إذا أنجد وجد البرد حتى أنشد قوله ( رأتْ رجُلاً أمّا إذا الشمسُ عارضَتْ ... فَيَضْحَى وأمّا بالعشِيّ فَيَخْصَرُ ) ( قليلاً على ظَهر المطيَّة ظِلُّه ... سِوى ما نَفَى عنه الرداءُ المُحَبَّرُ ) ( وأعجَبها من عَيشها ظِلُّ غُرفةٍ ... ورَيّانُ مُلتفُّ الحدائقِ أخضَرُ ) ( وَوَالٍ كَفَاها كلَّ شيء يَهُمُّها ... فليستْ لشيءٍ آخر الليلِ تَسهَرُ ) فقال جرير ما زال هذا القرشي يهذي حتى قال الشعر أخبرني محمد بن خلف قال أخبرني أبو عبد الله اليمامي قال حدثني الأصمعي قال قال لي الرشيد أنشدني أحسن ما قيل في رجل قد لوحه السفر فأنشدته قول عمر بن أبي ربيعة ( رأتْ رجلاً أمّا إذا الشمسُ عارضت ... فيضحَى وأمّا بالعشيّ فَيَخْصَرُ ) ( أخا سَفَرٍ جَوّابَ أرضٍ تقاذفتْ ... به فَلَواتٌ فهو أَشْعَثُ أغبرُ ) الأبيات كلها قال فقال لي الرشيد أنا والله ذلك الرجل قال وهذا بعقب قدومه من بلاد الروم أخبرني الفضل بن الحباب الجمحي أبو خليفة في كتابه إلي قال حدثنا محمد ابن سلام قال أخبرني شعيب بن صخر قال كان بين عائشة بنت طلحة وبين زوجها عمر بن عبيد الله بن معمر كلام فسهرت ليلة فقالت إن ابن أبي ربيعة لجاهل بليلتي هذه حيث يقول ( ووالٍ كَفاها كلَّ شيءٍ يَهُمُّها ... فليستْ لشيءٍ آخرَ الليل تَسْهَرُ ) أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان قال حدثني إسحاق عن المدائني قال عرض يزيد بن معاوية جيش أهل الحرة فمر به رجل من أهل الشام معه ترس خلق سمج فنظر إليه يزيد وضحك وقال له ويحك ترس عمر بن أبي ربيعة كان أحسن من ترسك يريد قول عمر ( فكان مِجَنِّي دونَ مَنْ كنتُ أتَّقي ... ثلاثُ شُخُوصٍ كَاعِبَانِ ومُعْصِرُ ) أخبرنا جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي قال سمع أبو الحارث جميز مغنية تغني ( أشارت بِمِدْراها وقالت لأُختها ... أهذا المُغِيريّ الذي كان يُذكَرُ ) فقال جميز امرأته طالق إن كانت أشارت إليها بمدراها إلا لتفقأ بها عينه هلا أشارت إليه بنقانق مطرف بالخردل أو سَنْبُوسَجَة مغموسة في الخل أو لَوْزِينَجَة شرقة بالدهن فإن ذلك أنفع له وأطيب لنفسه وأدل على مودة صاحبته أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد العزيز بن أبي أويس عن عطاف بن خالد الوابصي عن عبد الرحمن بن حرملة قال أنشد سعيد بن المسيب قول عمر بن أبي ربيعة ( وغابَ قُمَيْرٌ كنتُ أرجو غُيُوبَه ... ورَوَّحَ رُعْيانٌ ونَوَّمَ سُمَّرُ ) فقال ما له قاتله الله لقد صغر ما عظم الله يقول الله عز و جل ( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ) شعر عمر في فاطمة الكندية ومنها ما فيه غناء لم ينسب في موضعه من الأخبار فنسب هاهنا صوت ( تَشِطُّ غداً دارُ جيرانِنا ... ولَلدَّارُ بعدَ غدٍ أبعدُ ) ( إذا سَلَكَتْ غَمْرَ ذِي كِنْدَةٍ ... مع الصُّبْحِ قَصْدٌ لها الفَرْقَدُ ) ( عِرَاقِيَّةٌ وتِهَامِي الهَوَى ... يَغُورُ بمكةَ أو يُنْجِدُ ) ( وحَثَّ الحُدَاةُ بها عِيرَها ... سِرَاعاً إذا ما وَنَتْ تُطْرَدُ ) ( هُنالِكَ إمّا تُعَزِّي الفؤادَ ... وإمّا على إِثْرِها تَكْمَدُ ) ( وليستْ بِبِدْعٍ إذا دارُها ... نأتْ والعَزَاءُ إذاً أَجْلَدُ ) ( صَرَمْتُ وواصلتُ حتّى علمتُ ... أين المَصادِرُ والمَوْرِدُ ) ( وجَرَّبْتُ من ذاك حتّى عرفتُ ... ما أتوقّى وما أحمَدُ ) ( فلما دَنَوْنا لجَرْسِ النُّبَاحِ ... والضوءِ والحيُّ لم يَرْقُدُوا ) ( نأيْنَا عن الحَيِّ حتّى إذا ... تَوَدَّعَ من نارِها المَوْقِدُ ) ( بَعَثْنا لها باغياً ناشِداً ... وفي الحيّ بُغْيِةُ مَنْ يَنْشُدُ ) ( أتَتْنَا تَهَادَى على رِقْبَةٍ ... من الخوف أحشاؤها تُرْعَدُ ) ( تقول وتُظْهِر وَجْداً بنا ... وَوَجْدِي وإن أظهرتْ أَوْجَدُ ) ( لَمِمَّا شَقَائِي تَعَلَّقْتُكم ... وقد كان لي عندكُمْ مَقْعَدُ ) ( وَكَفَّتْ سَوَابِقَ من عَبْرةٍ ... على الخَدِّ يَجْرِي بها الإِثْمدُ ) ( فإنّ الّتي شَيَّعَتْنا الغَدَاةَ ... مع الفجرِ قلبي بها مُقْصَدُ ) ( كأنَّ أَقَاحِيَّ مَوْلِيَّةً ... تَحَدَّرُ من ماء مُزْنٍ نَدِي ) غنى معبد في الأول والثاني والثالث من الأبيات خفيف ثقيل من أصوات قليلات الأشباه عن إسحاق وغنى فيها أشعب المعروف بالطامع ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي وللغريض في الأبيات الأربعة الأول ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو ولابن سريج في الرابع عشر وهو ( وكفَّتْ سوابقَ من عَبْرة ... ) ثم الأول والتاسع رمل بالوسطى عن ابن المكي ولمالك ويقال إنه لمعبد خفيف ثقيل في الرابع عشر والثالث عشر والأول عن الهشامي وفي السابع والثامن والأول لابن جامع ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وفي الأول والحادي عشر لابن سريج رمل بالبنصر في مجراها عن إسحاق وفيهما ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق ولم ينسبه إلى أحد وذكر أحمد بن المكي أنه لأبيه وفي الرابع والخامس رمل لمعبد عن ابن المكي وقيل إنه من منحول أبيه إلى معبد وفي الثالث عشر والسادس ليونس خفيف رمل عن الهشامي وفي الأول والثاني عشر ثاني ثقيل تشترك فيه الأصابع عن ابن المكي وقال أيضا فيه للأبجر لحن آخر من الثقيل الثاني ولمعبد في الرابع والسادس ثاني ثقيل آخر عنه وفيهما أيضا رمل لابن سريج عنه وعن حبش ولإسحاق في الأول والثاني رمل من كتابه ولعلية بنت المهدي في الثالث عشر والأول ثقيل أول ولابن مسجح في الثاني عشر والأول رمل ويقال إنه للرطاب وذكر حبش أنه لابن سريج وفي الخمسة الأبيات الأولى متوالية خفيف رمل بالوسطى ينسب إلى معبد وإلى يحيى المكي وزعم حبش أن فيها رملا بالوسطى لابن محرز والذي ذكره يونس في كتابه أن في ( تَشُطُّ غداً دارُ جيرانِنا ... ) خمسة ألحان اثنان لمعبد واثنان لمالك وواحد ليونس وذكر أحمد بن عبيد أن الذي عرف صحته من الغناء فيه سبعة ألحان ثقيل أول وثاني ثقيل وخفيف ثقيل ورمل وخفيفه أخبرني بعض أصحابنا عن أبي عبد الله بن المرزبان أن الذي أحصي فيه إلى وقته ستة عشر لحنا والذي وجدته فيه مما جمعته هاهنا سوى ما لم يذكر يونس طريقته تسعة عشر لحنا منها في الثقيل الأول لحنان وفي خفيف الثقيل لحنان وفي الثقيل الثاني ستة وفي الرمل سبعة وفي خفيف الرمل لحنان وهذا الشعر يقوله عمر بن أبي ربيعة في امرأة من ولد الأشعث بن قيس حجت فهويها وراسلها فواصلته ودخل إليها وتحدث معها وخطبها فقالت أما هاهنا فلا سبيل إلى ذلك ولكن إن قدمت إلى بلدي خاطبا تزوجتك فلم يفعل أخبرني بهذا الخبر الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثنا محمد ابن الحسن المخزومي عن محرز بن جعفر مولى أبي هريرة عن أبيه قال سمعت بديحا يقول حجت بنت محمد بن الأشعث الكندية فراسلها عمر بن أبي ربيعة ووعدها أن يتلقاها مساء الغد وجعل الآية بينه وبينها أن تسمع ناشداً ينشد إن لم يمكنه أن يرسل رسولا يعلمها بمصيره إلى المكان الذي وعدها قال بديح فلم أشعر به إلا متلثما فقال لي يا بديح ائت بنت محمد ابن الأشعث فأخبرها أني قد جئت لموعدها فأبيت أن أذهب وقلت مثلي لا يعين على مثل هذا فغيب بغلته عني ثم جاءني فقال لي قد أضللت بغلتي فانشدها لي في زقاق الحاج فذهبت فنشدتها فخرجت علي بنت محمد بن الأشعث وقد فهمت الآية فأتته لموعده وذلك قوله ( وآيةُ ذلكِ أن تسمَعي ... إذا جئتُكم ناشداً يَنْشُد ) قال بديح فلما رأيتها مقبلة عرفت أنه قد خدعني بنشدي البغلة فقلت له يا عمر لقد صدقت التي قالت لك ( فهذا سِحْرُكَ النِّسْوانَ ... قد خَبَّرْنَنِي خَبرَكْ ) قد سحرتني وأنا رجل فكيف برقة قلوب النساء وضعف رأيهن وما آمنك بعدها ولو دخلت الطواف ظننت أنك دخلته لبلية قال وحدثها بحديثي فما زالا ليلتهما يفصلان حديثهما بالضحك مني قال الزبير فحدثني أبو الهندام مولى الربعيين عن أبي الحارث بن عبد الله الربعي قال لقي ابن أبي عتيق بديحا فقال له يا بديح أخدعك ابن أبي ربيعة أنه قرشي فقال بديح نعم وقد أخطأه ذلك عند القسري وصواحبه فقال ابن أبي عتيق ويحك يا بديح إن من تغابى لك ليغبى عنك فقد ضمت عليه قبضتك إن كان لك ذهن أما رأيت لمن كانت العاقبة والله ما بالى ابن أبي ربيعة أوقع عليهن أم وقعن عليه أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال حدثنا العمري عن كعب ابن بكر المحاربي أن فاطمة بنت محمد بن الأشعث حجت فراسلها عمر بن أبي ربيعة فواعدته أن تزوره فأعطى الرسول الذي بشره بزيارتها مائة دينار أخبرني علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق عن رجاله المذكورين قالوا حجت بنت لمحمد بن الأشعث هكذا قال إسحاق وهو عندي الصحيح وكانت معها أمها وقد سمعت بعمر بن أبي ربيعة فأرسلت إليه فجاءها فاستنشدته فأنشدها ( تَشُطُّ غَداً دارُ جيرانِنا ... ولَلدّارُ بعدَ غدٍ أبعدُ ) وذكر القصة بطولها قال وقد كانت لما جاءها أرسلت بينها وبينه سترا رقيقا تراه من ورائه ولا يراها فجعل يحدثها حتى استنشدته فأنشدها هذه القصيدة فاستخفها الشعر فرفعت السجف فرأى وجها حسنا في جسم ناحل فخطبها وأرسل إلى أمها بخمسمائة دينار فأبت وحجبته وقالت للرسول تعود إلينا فكأن الفتاة غمها ذلك فقالت لها أمها قد قتلك الوجد به فتزوجيه قالت لا والله لا يتحدث أهل العراق عني أني جئت ابن أبي ربيعة أخطبه ولكن إن أتاني إلى العراق تزوجته قال ويقال إنها راسلته وواعدته أن تزوره فأجمر بيته وأعطى المبشر مائة دينار فأتته وواعدته إذا صدر الناس أن يشيعها وجعلت علامة ما بينهما أن يأتيها رسوله ينشدها ناقة له فلما صدر الناس فعل ذلك عمر وفيه يقول وقد شيعها صوت ( قال الخَلِيطُ غداً تَصَدُّعُنا ... أو بعدَه أفلا تُشَيِّعُنا ) ( أمّا الرَّحيلُ فدونَ بعدِ غدٍ ... فمتى تقولُ الدارَ تَجْمَعُنا ) ( لِتَشُوقَنا هندٌ وقد علمتْ ... علماً بأنّ البين يُفْزِعُنا ) ( عجباً لمَوْقفنا وموقِفها ... وبسَمْعِ تِرْبَيْها تُرَاجِعُنا ) ( وَمَقالِها سِرْ ليلةً معنا ... نَعْهَدْ فإنّ البينَ فاجِعُنا ) ( قلتُ العيونُ كثيرةٌ معكم ... وأظنُّ أنَّ السَّيْرَ مانِعُنا ) ( لا بل نَزورُكُم بأرضكُم ... فيُطاعُ قائلُكم وشافِعُنا ) ( قالتْ أشيءٌ أنت فاعلُه ... هذا لعَمْرُك أم تُخادِعُنا ) ( بالله حَدِّثْ ما تُؤمِّلُه ... واصدُقْ فإنّ الصِّدْق واسعُنا ) ( إِضْرِبْ لنا أجَلاً نَعُدُّ له ... إخْلاَفُ مَوْعِده تَقَاطُعُنا ) الغناء لابن سريج ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر عمرو أنه للغريض بالوسطى وفيه لابن سريج خفيف رمل عن الهشامي وذكر حبش أنه لموسى شهوات شعر عمر في زينب الجمحية ومنها مما لم ينسب أيضا صوت ( لقد أرْسلتُ جاريتي ... وقلتُ لها خُذِي حَذَرَكْ ) ( وقُولِي في مُلاطفةٍ ... لزينبَ نَوِّلي عُمَرَكْ ) ( فَهزَّتْ رأسَها عجباً ... وقالت مَنْ بِذَا أَمَركْ ) ( أهذا سِحْرُكَ النِّسوانَ ... قد خبَّرنَنِي خَبَرَكْ ) غنى فيها ابن سريج خفيف رمل بالبنصر عن عمرو وقال قوم إنه للغريض وفيها لمالك خفيف ثقيل عن ابن المكي وفي هذا الشعر ألحان كثيرة والشعر فيها على غير هذه القافية لأن هذه الأبيات لعمر من قصيدة رائية موصولة الراءات بألف إلا أن المغنين غيروا هذه الأبيات في هذين اللحنين فجعلوا مكان الألف كافا وإنما هي ( لقد أرسلتُ جاريتي ... وقلتُ لها خُذي حَذَرَا ) وأول القصيدة صوت ( تَصَابَى القلبُ وادَّكَرا ... صِبَاهُ ولم يكن ظَهرا ) ( لزينبَ إذ تُجِدُّ لنا ... صفاءً لم يكن كَدِرا ) ( أليستْ بالتي قالتْ ... لمولاةٍ لها ظُهُرَا ) ( أَشِيري بالسَّلامِ له ... إذا هُوَ نحوَنا خَطَرا ) ( لقد أَرْسلتُ جاريتي ... وقلتُ لها خُذِي حَذَرا ) ( وقُولي في مُلاطفةٍ ... لزينبَ نوِّلي عُمَرا ) ( فهَزَّتْ رأسَها عجباً ... وقالت مَنْ بِذَا أمَرا ) ( أهذا سِحْرُكَ النسوانَ ... قد خبَّرْنني الخبرَا ) غنى ابن سريج في الثالث والرابع والخامس والأول خفيف ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر من رواية إسحاق وذكر عمرو بن بانة في نسخته الأولى أنه لابن سريج وأبو إسحاق ينسبه في نسخته الثانية إلى دحمان وللغريض في الأول من الأبيات لحن من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالوسطى في مجراها أضاف إليه بيتين ليسا من هذه القصيدة وهما ( طَرِبتَ وَرَدَّ مَنْ تَهوَى ... جِمالُ الحَيِّ فابتَكرا ) ( فقُلْ للمالكيَّةِ لا ... تلومي القلبَ إن جَهَرا ) وذكر يونس أن لمعبد في هذا الشعر الذي أوله ( تَصَابَى القلبُ وادّكرا ... ) لحنين لم يذكر جنسيهما وذكر الهشامي أن أحدهما خفيف ثقيل والآخر رمل وفي الأبيات التي غنى فيها الغريض رمل لدحمان عن الهشامي قال ويقال إنه لابنة الزبير وزينب التي ذكرها عمر بن أبي ربيعة هاهنا يقال لها زينب بنت موسى أخت قدامة بنت موسى الجمحي أخبرني بذلك محمد بن خلف بن المرزبان عن أبي بكر العامري وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز الزهري قال حدثني عمي عمران بن عبد العزيز قال شبب عمر بن أبي ربيعة بزينب بنت موسى الجمحية في قصيدته التي يقول فيها صوت ( يا خَلِيليَّ مِنْ مَلامٍ دَعَانِي ... وأَلِمَّا الغَدَاةَ بالأَظْعانِ ) ( لا تلومَا في آل زينَب إنّ القلبَ ... رَهْنٌ بآلِ زينبَ عانِي ) ( ما أَرَى ما بقيتُ أنْ أذكُر الموقِفَ ... منها بالخَيْفِ إلاّ شجانِي ) غنى في هذه الأبيات الغريض خفيف رمل بالبنصر عن عمرو ( لم تَدَعْ للنساءِ عندِيَ حظًّا ... غيرَ ما قلتُ مازِحاً بلساني ) ( هي أهلُ الصَّفَاء والوُدِّ منِّي ... وإليها الهَوَى فلا تَعْذُلاني ) ( حين قالت لأُختها ولأُخرى ... من قَطينٍ مُوَلَّدٍ حَدِّثاني ) ( كيفَ لي اليومَ أن أَرَى عُمَرَ المُرْسِلَ ... سِراًّ في القول أن يَلْقَانِي ) ( قالتَا نَبْتَغِي رسولاً إليه ... ونُميتُ الحديثَ بالكِتمانِ ) ( إنّ قلبي بعدَ الذي نِلْتُ منها ... كالمُعَمَّى عن سائر النِّسْوانِ ) قال وكان سبب ذكره لها أن ابن أبي عتيق ذكرها عنده يوما فأطراها ووصف من عقلها وأدبها وجمالها ما شغل قلب عمر وأماله إليها فقال فيها الشعر وشبب بها فبلغ ذلك ابن أبي عتيق فلامه فيه وقال له أتنطق الشعر في ابنة عمي فقال عمر صوت ( لا تَلُمْنِي عتيقُ حَسْبِي الذي بي ... إنّ بي يا عتيقُ ما قد كَفَانِي ) ( لا تَلُمْنِي وأنتَ زَيَّنْتَها لي ... أنتَ مثلُ الشيطانِ للإِنسانِ ) ( إنّ بي داخلاً من الحبّ قد أَبْلَى ... عِظَامي مكنونُهُ وبَرَانِي ) ( لو بعينيكَ يا عتيقُ نَظَرْنا ... ليلةَ السَّفْح قَرَّتِ العينانِ ) ( إذا بدا الكَشْحُ والوِشاحُ من الدُّرّ ... وَفَصْلٌ فيه من المَرْجانِ ) ( قد قَلَى قلبيَ النساءَ سواها ... غيرَ ما قلتُ مازحاً بلساني ) وأول هذه القصيدة ( إنَّني اليومَ عاد لي أحزاني ... وتَذكَّرتُ ما مضَى من زماني ) ( وتَذكَّرتُ ظبيةً أُمَّ رِئمٍ ... هاج لي الشوقَ ذِكرُها فشجاني ) غنى أبو العبيس بن حمدون في لا تلمني عتيق لحنا من الثقيل الأول المطلق وفيه رمل طُنْبُورِيٌّ مجهول أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال أخبرني عبد الملك بن عبد العزيز عن يوسف بن الماجشون قال أنشد عمر بن أبي ربيعة قوله ( يا خليليَّ من ملامٍ دعاني ... وألِمَّا الغداةَ بالأَظْعانِ ) ( لا تلومَا في آل زينَب إنّ القَلبَ ... رَهْنٌ بآل زينبَ عانِي ) القصيدة قال فبلغ ذلك أبا وداعة السهمي فأنكره وغضب وبلغ ذلك ابن أبي عتيق وقيل له إن أبا وداعة قد اعترض لابن أبي ربيعة من دون زينب بنت موسى وقال لا أقر لابن أبي ربيعة أن يذكر امرأة من بني هصيص في شعره فقال ابن أبي عتيق لا تلوموا أبا وداعة أن ينعظ من سمرقند على أهل عدن قال الزبير وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز الزهري قال حدثني عمي عمران بن عبد العزيز قال شبب عمر بن أبي ربيعة بزينب بنت موسى في أبياته التي يقول فيها ( لا تلوما في آل زيِنبَ إنّ القلبَ ... رهنٌ بآل زينبَ عاني ) فقال له ابن أبي عتيق أما قلبك فقد غيب عنا وأما لسانك فشاهد عليك قال عبد الرحمن بن عبد الله قال عمران بن عبد العزيز عذل ابن أبي عتيق عمر في ذكره زينب في شعره فقال عمر ( لا تَلُمْني عتيقُ حَسْبِي الذي بي ... إنّ بي يا عَتيقُ ما قد كفاني ) ( لا تلمني وأنت زينتها لي ... ) قال فبدره ابن أبي عتيق فقال ( أنَت مثلُ الشيطان للإِنسانِ ... ) فقال ابن أبي ربيعة هكذا ورب البيت قلته فقال ابن أبي عتيق إن شيطانك ورب القبر ربما ألم بي فيجد عندي من عصيانه خلاف ما يجد عندك من طاعته فيصيب مني وأصيب منه أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز قال حدثني قدامة بن موسى قال خرجت بأختي زينب إلى العمرة فلما كنت بسرف لقيني عمر بن أبي ربيعة على فرس فسلم علي فقلت له إلى أين أراك متوجها يا أبا الخطاب فقال ذكرت لي امرأة من قومي برزة الجمال فأردت الحديث معها فقلت هل علمت أنها أختي فقال لا واستحيا وثنى عنق فرسه راجعا إلى مكة أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن الهيثم قال حدثنا العمري عن لقيط بن بكر المحاربي قال أنشدني ابن أبي عتيق قول عمر صوت ( مَنْ لسَقِيمٍ يكتُم الناسَ ما به ... لزينبَ نَجْوَى صدرِه والوَساوِسُ ) ( أقولُ لمن يَبْغِي الشِّفاءَ متى تَجِىْء ... بزينبَ تُدرِكْ بعضَ ما أنتَ لامِسُ ) ( فإنّكَ إن لم تَشْفِ من سَقَمِي بها ... فإِنِّيَ من طِبِّ الأطبَّاء آيِسُ ) ( ولستُ بناسٍ ليلةَ الدار مجلساً ... لزينبَ حتى يَعْلُوَ الرأسَ رَامِسُ ) ( خَلاَءً بَدَتْ قَمْراؤُه وتَكشَّفَتْ ... دَجُنَّتُه وغابَ مَنْ هو حارِسُ ) ( وما نِلتُ منها مَحْرَماً غير أنّنا ... كِلانا من الثوبِ المورَّدِ لابِسُ ) ( نَجِيَّيْنِ نَقْضِي اللهوَ في غير مَأْثمٍ ... وإن رَغِمَتْ مِ الكاشِحِينَ المَعَاطِسُ ) قال فقال ابن أبي عتيق أمنا يسخر ابن أبي ربيعة فأي محرم بقي ثم أتى عمر فقال له يا عمر ألم تخبرني أنك ما أتيت حراما قط قال بلى قال فأخبرني عن قولك ( كِلاَنا من الثَّوْبِ المورَّد لابسُ ... ) ما معناه قال والله لأخبرنك خرجت أريد المسجد وخرجت زينت تريده فالتقينا فاتعدنا لبعض الشعاب فلما توسطنا الشعب أخذتنا السماء فكرهت أن يرى بثيابها بلل المطر فيقال لها ألا استترت بسقائف المسجد أن كنت فيه فأمرت غلماني فسترونا بكساء خز كان علي فذلك حين أقول ( كلانا مِنَ الثوب المَطَارِفِ لابسُ ... ) فقال له ابن أبي عتيق يا عاهر هذا البيت يحتاج إلى حاضنة الغناء في هذه الأبيات التي أولها ( مَنْ لِسَقِيم يكتُم النّاسَ ما به ... ) لرذاذ ثقيل أول وكان بعض المحدثين ممن شاهدناه يدعي أنه له ولم يصدق أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز عن يوسف بن الماجشون قال قال عمر بن أبي ربيعة في زينب بنت موسى الصبي العاشق صوت ( طال من آل زينبَ الإِعراضُ ... للتعدِّي وما بها الإِبغاضُ ) ( ووَليَديْنِ كان عُلِّقَها القلبُ ... إلى أن علا الرؤوسَ بياضُ ) ( حبلُها عندَنا متينٌ وحَبْلي ... عندها واهِنُ القُوَى أَنْقَاضُ ) الغناء في هذه الأبيات لابن محرز خفيف رمل بالبنصر عن عمرو وقال الهشامي فيه لابن جامع خفيف رمل آخر أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال عبد الرحمن بن عبد الله وحدثني إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز عن أبيه قال لما قال عمر بن أبي ربيعة في زينب ( لم تَدَعْ للنساء عندي نصيباً ... غيرَ ما قلتُ مازحاً بلساني ) قال له ابن أبي عتيق رضيت لها بالمودة وللنساء بالدَّهْفَشَة قال والدهفشة التَّجْميشُ والخديعة بالشيء اليسير وقال غير الزبير في هذا الخبر الدهقشة مكان الدهفشة عمر يقول في زينت صوت ( أيُّها الكَاشِحُ المعيِّر بالصُّرْمِ ... تَزَحْزَحْ فما لها الهِجْرَانُ ) ( لا مُطَاعٌ في آل زينبَ فارجعْ ... أو تَكلَّمْ حتّى يَمَلَّ اللِّسانُ ) ( نجعلُ الليلَ موعِداً حينَ نُمْسِي ... ثم يُخْفِي حديثَنا الكِتْمانُ ) ( كيفَ صَبْرِي عن بعض نَفْسِي وهل يَصْبِرُ ... عن بعضِ نفسه الإِنسانُ ) ( ولقد أشهَدُ المحدَّثَ عند القَصْر ... فيه تَعَفُّفٌ وبَيَانُ ) ( في زمانٍ من المعيشة لَدْنٍ ... قد مضى عَصْرُه وهذا زمانُ ) الغناء في هذه الأبيات لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو ودنانير وذكر يونس أن فيه لحنا لابن محرز ولحنا لابن عباد الكاتب أول لحن ابن عباد الكاتب ( لا مُطَاعٌ في آل زينبَ ... ) وأول لحن ابن محرز ( ولقد أشهد المحدَّث ... ) ومما غني فيه لابن محرز من أشعار عمر بن أبي ربيعة في زينب بنت موسى قوله صوت ( يا مَنْ لقلبٍ مُتَيَّمٍ كَلِف ... يَهْذِي بخَوْدٍ مريضةِ النَّظَرِ ) ( تمشي الهُوَيْنَى إذا مشتْ فُضُلاً ... وهْيَ كمِثْلِ العُسْلُوج في الشَّجَرِ ) للغريض في هذين البيتين خفيف رمل بالوسطى ولابن سريج رمل بالبنصر عن الهشامي وحبش براعة الوصف عند عمر ( ما زال طَرْفِي يحَار إذ بَرَزَت ... حتى رأيتُ النقصانَ في بَصري ) ( أبصرتُها ليلةً ونسْوَتَها ... يَمْشين بين المَقَامِ والحَجَرِ ) ( ما إن طمِعْنا بها ولا طَمِعَتْ ... حتّى التقينا ليلاً على قَدر ) ( بِيضاً حساناً خَرَائِداً قُطُفاً ... يَمْشِينَ هَوْناً كمِشْية البقر ) ( قَد فُزْنَ بالحسن والجَمال معاً ... وفُزَن رسْلاً بالدَّلِّ والخَفَرِ ) ( يُنْصِتْنَ يوماً لها إذا نطقتْ ... كيْما يُشَرِّفْنها على البَشَرِ ) ( قالت لتربٍ لها تُحَدّثها ... لنُفْسِدَنّ الطَّوَافَ في عُمر ) ( قُومِي تَصَدَّيْ له ليعرفنا ... ثم اغمِزيه يا أُخت في خَفَرِ ) ( قالت لها قد غمزتهُ فأبى ... ثم اسْبَطَّرتْ تسعَى على أَثري ) ( من يُسْقَ بعد المنامِ ريقتَها ... يُسْقَ بمِسْكٍ وباردٍ خَصِر ) غنى في هذا الشعر الغريض خفيف رمل بالوسطى عن عمرو وغنى فيه ابن سريج رملا بالبنصر عن الهشامي وحبش ومنها خيال زينب الجمحية يقض مضجع عمر صوت ( ألا يا بَكْرُ قد طَرَقا ... خيالٌ هاج لي الأرقَا ) ( لزينبَ إنها همِّي ... فكيفَ بحبلها خَلَقا ) ( خَدَلَّجةٌ إذا انصرفتْ ... رأيتَ وِشَاحَها قَلِقَا ) ( وسَاقاً تمْلأ الخَلْخالَ ... فيه تَراه مُخْتَنِقا ) ( إذا ما زينبٌ ذُكِرَتْ ... سكَبتُ الدمع مُتَّسقا ) ( كأنَّ سحابةً تَهْمِي ... بماءٍ حُمَّلَتْ غَدَقَا ) الغناء لحنين رمل عن الهشامي وفيه لابن عباد خفيف ثقيل ويقال إنه ليونس ومما قاله فيها أيضا وغنى فيه عمر يغالي في مدح نفسه على لسان زينب صوت ( ألْمِمْ بزينبَ إنّ البَيْنَ قد أَفِدَا ... قَلَّ الثَّواءُ لَئِن كان الرَّحيلُ غَدَا ) ( قد حَلَفتْ ليلةَ الصَّوْرَينِ جاهدة ... وما على المرءِ إلا الحِلْفُ مجتهِدَا ) ( لأُختها ولأخرى من مَنَاصِفِها ... لقد وَجدتُ به فوقَ الذي وَجَدا ) ( لو جُمِّعَ الناسُ ثم اختير صَفْوهُمُ ... شخصاً من الناس لم أعدِلْ به أحدا ) الغناء لابن سريج رمل بالسبابة والبنصر في الأول والثاني عن يحيى المكي وله فيه أيضا خفيف رمل بالوسطى في الثاني والثالث والرابع عن عمرو ولمعبد ثقيل أول في الأول والثاني عن الهشامي وفيه خفيف ثقيل ينسب إلى الغريض ومالك أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق عن مصعب الزبيري قال اجتمع نسوة فذكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه ومجلسه وحديثه فتشوقن إليه وتمنينه فقالت سكينة أنا لكن به فبعثت إليه رسولا أن يوافي الصورين ليلة سمتها فوافاهن على رواحله فحدثهن حتى طلع الفجر وحان انصرافهن فقال لهن والله إني لمحتاج إلى زيارة قبر النبي والصلاة في مسجده ولكني لا أخلط بزيارتكن شيئا ثم انصرف إلى مكة وقال في ذلك ( ألمِمْ بزينبَ إنّ البينَ قد أفدا ... ) وذكر الأبيات المتقدمة أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن لقيط قال أنشد جرير قول عمر بن أبي ربيعة عمر يصيب شعره ما أخطأ الآخرون صوت ( سَائِلاَ الربعَ بالبُليّ وقُولا ... هِجْتَ شوقاً لي الغداةَ طويلا ) ( أين حَيٌّ حَلُّوكَ إذ أنت مَحْفُوفٌ ... بهم آهِلٌ أراكَ جَمِيلا ) ( قال سَارُوا فأَمْعَنُوا واسْتَقلُّوا ... وبرَغْمِي لو استطعتُ سبيلا ) ( سئمُونا وما سئمنا مُقَاماً ... وأحبُّوا دماثَة وسُهُولا ) فقال جرير إن هذا الذي كنا ندور عليه فأخطأناه وأصابه هذا القرشي وفي هذه الأبيات رملان أحدهما لابن سريج بالسبابة في مجرى الوسطى والآخر لإسحاق مطلق في مجرى البنصر جميعا من روايته وذكر عمرو أن فيها رملا ثالثا بالوسطى لابن جامع وقال الهشامي فيها ثلاثة أرمال لابن سريج وابن جامع وإبراهيم ولأبي العبيس بن حمدون فيها ثاني ثقيل وفيها هزج لإبراهيم الموصلي من جامع أغانيه أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال وجدت كتابا بخط محمد بن الحسن ذكر فيه أن فليح بن إسماعيل حدثه عن معاذ صاحب الهروي أن النصيب قال عمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربات الحجال أخبرني الطوسي قال حدثنا الزبير قال حدثتني ظمياء مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب قالت سمعت جدك يقول وقد أنشد قول عمر بن أبي ربيعة سلام بن الغساني يغني لعمر صوت ( يا ليتني قد أَجَزْتُ الحبلَ نَحْوَكُمُ ... حَبْلَ المُعَرَّفِ أو جاوزت ذا عُشَرِ ) ( إنّ الثَّوَاءَ بأرضٍ لا أراكِ بها ... فاسْتيقنيه ثَواءٌ حَقُّ ذي كَدَرِ ) ( وما مَلِلْتُ ولكن زاد حُبُّكُمُ ... وما ذكرتُكِ إلا ظَلْتُ كالسَّدِرِ ) ( ولا جَذِلْتُ بشيءٍ كان بعدَكُمُ ... ولا مَنَحْتُ سواكِ الحبَّ من بَشَر ) الغناء في هذه الأربعة الأبيات لسلام بن الغساني رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه لابن جامع وقفا النجار لحنان من كتاب إبراهيم ولم يجنسهما وتمام الأبيات ( أَذْرِي الدموعَ كذي سُقْم يُخَامِرُه ... وما يُخامرني سُقْم سوى الذِّكر ) ( كم قد ذكرتُكِ لو أَجْدَى تذكُّركُمْ ... يا أشبهَ الناسِ كلِّ الناسِ بالقمرِ ) قالت فقال جدك إن لشعر عمر بن أبي ربيعة لموقعا في القلب ومخالطة للنفس ليسا لغيره ولو كان شعر يسحر لكان شعره سحرا أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمامة بن عمر قال رأيت عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير يسأل المسور بن عبد الملك عن شعر عمر بن أبي ربيعة فجعل يذكر له شيئا لا يعرفه فيسأله أن يكتبه إياه فيفعل فرأيته يكتب ويده ترعد من الفرح ابن أبي عتيق يقول رأيه في شعر عمر أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون عن عمه يوسف قال ذكر شعر الحارث بن خالد وشعر عمر بن أبي ربيعة عن ابن أبي عتيق في مجلس رجل من ولد خالد بن العاصي بن هشام فقال صاحبنا يعني الحارث ابن خالد أشعرهما فقال له ابن أبي عتيق بعض قولك يابن أخي لشعر عمر بن أبي ربيعة نوطة في القلب وعلوق بالنفس ودرك للحاجة ليست لشعر وما عصي الله جل وعز بشعر أكثر مما عصي بشعر ابن أبي ربيعة فخذ عني ما أصف لك أشعر قريش من دق معناه ولطف مدخله وسهل مخرجه ومتن حشوه وتعطفت حواشيه وأنارت معانيه وأعرب عن حاجته فقال المفضل للحارث أليس صاحبنا الذي يقول ( إنِّي وما نَحَرُوا غَدَاةَ مِنىً ... عند الجِمَار يؤودها العَقْل ) ( لو بُدِّلَتْ أعلَى مساكِنها ... سُفْلاً وأصبح سُفْلُها يَعْلُو ) ( فَيَكادُ يعرِفها الخَبِيرُ بها ... فَيُردُّه الإِقْواءُ والمَحْلُ ) ( لعَرفْتُ مَغْنَاها بما احتمَلَتْ ... منِّي الضلوعُ لأهلها قَبْلُ ) فقال له ابن أبي عتيق يابن أخي استر على نفسك واكتم على صاحبك ولا تشاهد المحافل بمثل هذا أما تطير الحارث عليها حين قلب ربعها فجعل عاليه سافله ما بقي إلا أن يسأل الله تبارك وتعالى لها حجارة من سجيل ابن أبي ربيعة كان أحسن صحبة للربع من صاحبك وأجمل مخاطبة حيث يقول ( سائلاَ الربعَ بالبُلَيِّ وقولاَ ... هِجْتَ شوقاً لِيَ الغداةَ طويلا ) وذكر الأبيات الماضية قال فانصرف الرجل خجلا مذعنا أخبرني علي بن صالح قال حدثني أبو هفان عن إسحاق عن رجاله المسمين وأخبرني به الحرمي عن الزبير عن عمه عن جده قالوا كان الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة أخو عمر بن أبي ربيعة رجلا صالحا دينا من سروات قريش وإنما لقب القباع لأن عبد الله بن الزبير كان ولاه البصرة فرأى مكيالا لهم فقال إن مكيالكم هذا لقباع قال وهو الشيء الذي له قعر فلقب بالقباع وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان وأحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالوا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني عبد الله بن محمد الطائي قال حدثنا خالد بن سعيد قال أبو الأسود الدؤلي يهجو الحارث بن عبد الله استعمل ابن الزبير الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة على البصرة فأتوه بمكيال لهم فقال لهم إن مكيالكم هذا لقباع فغلب عليه وقال أبو الأسود الدؤلي وقد عتب عليه يهجوه ويخاطب ابن الزهير ( أميرَ المؤمنين جُزِيْتَ خيراً ... أرِحْنَا من قُبَاع بني المُغِيرهْ ) ( بَلَوْناه ولُمْنَاه فأعْيَا ... علينا ما يُمِرُّ لنا مرِيرَهْ ) ( على أنّ الفتى نِكْحٌ أكولٌ ... ووَلاَّجٌ مذاهبُه كثيرهْ ) قالوا وكان الحارث ينهى أخاه عن قول الشعر فيأبى أن يقبل منه فأعطاه ألف دينار على ألا يقول شعرا فأخذ المال وخرج إلى أخواله بلحج وأبين مخافة أن يهيجه مقامه بمكة على قول الشعر فطرب يوم فقال صوت ( هيهاتَ من أمَةِ الوَهَّاب منزلُنا ... إذا حَلَلْنا بسيفِ البحر من عَدَنِ ) ( واحتلَّ أهلُكِ أجْياداً وليس لنا ... إلا التذكُّرُ أو حظٌّ من الحَزَنِ ) ( لو أنَها أبصرتْ بالجَزْع عَبْرتَه ... من أنْ يُغَرِّد قُمْرِيٌّ على فَنَنِ ) ( إذاً رأتْ غير ما ظنَّتْ بصاحبها ... وأيقنتْ أنّ لحجاً ليس من وطَني ) ( ما أنْسَ لا أَنْسَ يومَ الخَيْفِ موقفَها ... وموقفي وكلانا ثَمَّ ذو شجَنِ ) ( وقولَها للثُّريَّا وهي باكيةٌ ... والدمع منها على الخدّين ذو سُنَن ) ( بالله قُولِي له في غير مَعْتَبَةٍ ... ماذا أردتَ بطول المُكْث في اليمنِ ) ( إن كنتَ حاولتَ دنيا أو ظَفِرْتَ بها ... فما أخذتَ بتْرك الحج من ثمنِ ) قال فسارت القصيدة حتى سمعها أخوه الحارث فقال هذا والله شعر عمر قد فتك وغدر قال وقال ابن جريج ما ظننت أن الله عز و جل ينفع أحدا بشعر عمر بن أبي ربيعة حتى سمعت وأنا باليمن منشدا ينشد قوله ( بالله قولي له في غير معتبة ... ماذا أردتَ بطول المكث في اليمنِ ) ( إن كنتَ حاولتَ دنيا أو ظفرت بها ... فما أخذتَ بترك الحج من ثمنِ ) فحركني ذلك على الرجوع إلى مكة فخرجت مع الحاج وحججت غنى في أبيات عمر هذه ابن سريج ولحنه رمل بالبنصر في مجراها عن إسحاق وفيها للغريض ثقيل أول بالوسطى عن عمرو الوليد بن عبد الملك يسأل عمر عن سبب الأثر الذي في منكبه أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان قال حدثني إسحاق عن السعدي قال قدم الوليد بن عبد الملك مكة فأراد أن يأتي الطائف فقال هل لي في رجل علم بأموال الطائف فيخبرني عنها فقالوا عمر بن أبي ربيعة قال لا حاجة لي به ثم عاد فسأل فذكروه له فرده ثم عاد فسأل فذكروه له ثم رده ثم عاد فسأل فذكروه له فقال هاتوه فركب معه يحدثه ثم حرك عمر رداءه ليصلحه على كتفه فرأى على منكبه أثرا فقال ما هذا الأثر فقال كنت عند جارية إذ جاءتني جارية برسالة من عند جارية أخرى فجعلت تسارني فغارت التي كنت أحدثها فعضت منكبي فما وجدت ألم عضها من لذة ما كانت تلك تنفث في أذني حتى بلغت ما ترى والوليد يضحك فلما رجع عمر قيل له ما الذي كنت تضحك أمير المؤمنين به فقال ما زلنا في حديث الزنا حتى رجعنا أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن عبد الله البكري وغيره عن عبد الجبار بن سعيد المساحقي عن أبيه قال دخلت مسجد رسول الله مع نوفل بن مساحق فإنه لمعتمد على يدي إذ مررنا بسعيد بن المسيب في مجلسه وحوله جلساؤه فسلمنا عليه فرد علينا ثم قال لنوفل يا أبا سعيد من أشعر صحابنا أم صاحبكم يريد عبد الله ابن قيس أو عمر بن أبي ربيعة فقال نوفل حين يقولان ماذا يا أبا محمد قال حين يقول صاحبنا ( خليليّ ما بال المَطايا كأنَّما ... نَرَاها على الأَدْبَار بالقوم تَنْكِصَ ) ( وقد قُطِعَتْ أعناقُهن صَبَابةً ... فأنفُسُنا مما يُلاقِينَ شخَّصُ ) ( وقد أتعبَ الحادي سُراهُنَّ وانْتَحَى ... بِهِنّ فما يَأْلُو عَجولٌ مُقَلِّصُ ) ( يَزِدْنَ بنا قرباً فيزدادُ شَوْقُنا ... إذا زاد طولُ العهد والبعدُ يَنْقُصُ ) ويقول صاحبك ما شئت فقال له نوفل صاحبكم أشعر في الغزل وصاحبنا أكثر أفانين شعر فقال سعيد صدقت فلما انقضى ما بينهما من ذكر الشعر جعل سعيد يستغفر الله ويعقد بيده حتى وفى مائة فقال البكري في حدثيه عن عبد الجبار قال مسلم فلما انصرفنا قلت لنوفل أتراه استغفر الله من إنشاد الشعر في مسجد رسول الله فقال كلا هو كثير الإنشاد والاستنشاد للشعر فيه ولكن أحسب ذلك للفخر بصاحبه الوليد بن يزيد يفضل غزل عمر على غزل جميل بن معمر أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال قال أبو عبيدة حدثنا عوانة بن الحكم وأبو يعقوب الثقفي أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك قال لأصحابه ذات ليلة أي بيت قالته العرب أغزل فقال بعضهم قول جميل ( يموتُ الهوى منِّي إذا ما لَقِيتُها ... ويَحْيا إذا فارقتُها فيعودُ ) وقال آخر قول عمر بن أبي ربيعة ( كأنَّني حينَ أُمْسِي لا تُكلِّمُنِي ... ذُو بُغْيةٍ يَبْتَغِي ما ليس موجودا ) فقال الوليد حسبك والله بهذا أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم بن عبد الحميد عن شيخ من أهله عن أبي الحارث مولى هشام بن الوليد بن المغيرة قال وهو الذي يقول فيه عمر بن أبي ربيعة ( يا أبا الحارثِ قلبي طائرٌ ... فأْتَمِرْ أمرَ رَشيدٍ مُؤْتَمنْ ) قال شهدت عمر بن أبي ربيعة وجميل بن عبد الله بن معمر العذري وقد اجتمعا بالأبطح فأنشد جميل قصيدته التي يقول فيها ( لقد فَرِحَ الوَاشُونَ أنْ صَرَمَتْ حبلِي ... بُثَينةُ أو أبدتْ لنا جانبَ البُخْلِ ) ( يقولون مَهْلاً يا جميلُ وإِنَّني ... لأُقْسِمُ مالي عن بُثَيْنَةَ من مَهْلِ ) حتى أتى على آخرها ثم قال لعمر يا أبا الخطاب هل قلت في هذا الروي شيئا قال نعم قال فأنشدنيه فأنشده قوله ( جَرَى ناصحٌ بالوُدِّ بيني وبينَها ... فَقرَّبنِي يومَ الحِصَابِ إلى قَتْلِي ) ( فطارتْ بحَدٍّ من فؤادي وقارنتْ ... قرينتُها حبلَ الصَّفَاء إلى حبلي ) ( فلمّا تَوَاقَفْنا عرفتُ الذي بها ... كمثل الذي بي حَذْوَكَ النعلَ بالنعلِ ) ( فقُلْنَ لها هذا عِشَاءٌ وأهلُنا ... قريبٌ ألَمَّا تَسْأَمي مَركَبَ البَغْل ) ( فقالتْ فما شئِتُنّ قلن لها انزِلي ... فلَلأَرضُ خيرٌ من وقوفٍ على رَحْلِ ) ( نُجومٌ دَراريٌّ تَكَنَّفْنَ صورةً ... من البدر وافتْ غيرَ هُوجٍ ولا عُجْلِ ) ( فسلَّمْتُ واْستأنستُ خِيفَةَ أن يَرى ... عدوُّ مُقَامِي أو يَرى كاشحٌ فِعْلِي ) ( فقالتْ وأرْخَتْ جانبَ السِّتْر إنّما ... معي فَتَكَّلَّمْ غيرَ ذي رِقْبَةٍ أَهْلِي ) ( فقلتُ لها ما بي لهم من تَرَقُّبٍ ... ولكنّ سِرِّي ليس يَحْمِلُه مثلي ) ( فلمّا اقتصرْنا دونهنّ حديثَنا ... وهُنّ طَبيبَاتٌ بحاجة ذي الشِّكْلِ ) ( عَرَفْنَ الذي تَهْوَى فقلنَ ائذَنِي لنا ... نَطُفْ ساعةً في بَرْدِ ليلٍ وفي سَهْلِ ) ( فقالتْ فلا تَلْبَثْنَ قُلْنَ تَحَدَّثِي ... أتينَاكِ وانْسَبْنَ انسِيَابَ مَهَا الرَّمْلِ ) ( وقُمْنَ وقد أفهمْنَ ذا اللُّبِّ أنّما ... أَتَيْنَ الذي يَأْتِينَ من ذاك من أَجْلي ) فقال جميل هيهات يا أبا الخطاب لا أقول والله مثل هذا سجيس الليالي والله ما يخاطب النساء مخاطبتك أحد وقام مشمرا قال أبو عبد الله الزبير قال عمي مصعب كان عمر يعارض جميلا فإذا قال هذا قصيدة قال هذا مثلها فيقال إنه في الرائية والعينية أشعر من جميل وإن جميلا أشعر منه في اللامية وكلاهما قد قال بيتا نادرا ظريفا قال جميل ( خليليَّ فيما عِشْتُما هل رأيتُما ... قتيلاً بكى من حبِّ قاتِله قبلي ) وقال عمر ( فقالتْ وأرختْ جانبَ السِّتْر إنّما ... معي فتكلّم غيرَ ذي رِقْبةٍ أهلي ) الفرزدق يشهد لعمر أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق عن المدائني قال سمع الفرزدق عمر بن أبي ربيعة ينشد قوله ( جَرَى ناصحٌ بالوُدِّ بيني وبينها ... فقرّبني يوم الحِصابِ إلى قتلي ) ولما بلغ قوله ( فَقُمْنَ وقد أفهمنَ ذا اللبّ أنما ... أَتَيْنَ الذي يأتينَ من ذاك من أجلي ) صاح الفرزدق هذا والله الذي أرادته الشعراء فأخطأته وبكت على الديار نسبة ما في هذه الأشعار من الغناء منها في قصيدة جميل التي أنشدها عمر واستنشده ماله في وزنها صوت ( خليليَّ فيما عشْتُما هل رأيتُما ... قتيلاً بكى من حبِّ قاتِله قبلي ) ( أبِيتُ مع الهُلاَّك ضيفاً لأهلِها ... وأهلي قريبٌ مُوسِعُون ذوو فضلِ ) ( أفِقْ أيها القلبُ اللَّجُوجُ عن الجَهْلِ ... ودَعْ عنك جُمْلاً لا سبيلَ إلى جُمْلِ ) ( فلو تركتْ عقلي معي ما طلبتُها ... ولكنْ طِلاَبِيها لِمَا فات من عَقْلي ) الغناء للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو في الأول والثاني من الأبيات وذكر الهشامي الأبيات كلها ووصف أن الثقيل الثاني الذي يغنى به فيها لمعبد وذكر يحيى المكي أن لابن محرز في الثالث وما بعده من الأبيات ثاني ثقيل بالخنصر والبنصر وفي هذه الأبيات التي أولها الثالث هزج بالبنصر يمان عن عمرو وفي الرابع والخامس لابن طُنْبُورة خفيف رمل عن الهشامي وفيها لإسحاق ثقيل أول عن الهشامي أيضا وذكر حماد عن أبيه أن لنافع الخير مولى عبد الله بن جعفر في هذه الأبيات لحنا ولم يحبسنه وذكر حبش أن الثقيل الأول لابن طُنْبورة ومنها في شعر جميل أيضاً صوت ( لقد فَرِح الواشونَ أنْ صَرَمَتْ حبلي ... بُثَينةُ أو أبدتْ لنا جانبَ البخلِ ) ( فلو تركتْ عقلي معي ما طلبتُها ... ولكن طِلاَبِيها لِمَا فات من عقلي ) الغناء لابن مِسْجَح ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي ومنها في شعر عمر بن أبي ربيعة المذكور في أول الخبر صوت ( فقالتْ وأَرْخَتْ جانبَ السِّتر إنّما ... معي فتحدّثْ غَيرَ ذي رِقْبةٍ أهلي ) ( فقلتُ لها ما بي لهم من تَرقُّبٍ ... ولكنّ سرِّي ليس يحمله مثلي ) ( جرى ناصحٌ بالوُدّ بيني وبينها ... فقرَّبني يوم الحِصَابِ إلى قتلي ) غنى في هذه الأبيات ابن سريج ولحنه رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وعمرو وذكر يونس أن فيه لحنا لمالك لم يجنسه وذكر الهشامي أن لحن مالك خفيف ثقيل وذكر حبش أن لمعبد فيه لحنا من الثقيل الأول بالبنصر ولابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى وليس حبش ممن يعتمد في هذا على روايته أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أدركت مشيخة من قريش لا يزنون بعمر بن أبي ربيعة شاعرا من أهل دهره في النسيب ويستحسنون منه ما كانوا يستقبحونه من غيره من مدح نفسه والتحلي بمودته والإبتيار في شعره والابتيار أن يفعل الإنسان الشيء فيذكره ويفخر به والابتهار أن يقول ما لم يفعل أخبرني محمد بن خلف قال أخبرني عبد الله بن عمر وغيره عن إبراهيم بن المنذر الحزامي عن عبد العزيز بن عمران قال قال ابن أبي عتيق لعمر وقد أنشده قوله صوت ( بينَما يَنْعَتْنَني أبْصَرْنَنِي ... دونَ قِيدِ المِيلِ يَعْدُو بي الأغَرْ ) ( قالتِ الكبرى أتَعْرِفْنَ الفَتَى ... قالتِ الوُسْطَى نعم هذا عمرْ ) ( قالتِ الصغرى وقد تَيَّمْتُها ... قد عرفناه وهل يَخْفَى القمرْ ) الغناء في هذه الأبيات لابن سريج خفيف رمل بالبنصر فقال له ابن أبي عتيق وقد أنشدها أنت لم تنسب بها وإنما نسبت بنفسك كان ينبغي أن تقول قلت لها فقالت لي فوضعت خدي فوطئت عليه أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال تفضيل شعر عمر على شعراء عصره لم يذهب على أحد من الرواة أن عمر كان عفيفا يصف ولا يقف ويحوم ولا يرد أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا أحمد بن منصور عن ابن الأعرابي وحدثني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق الموصلي عن رجاله قالوا قالوا كان ابن أبي ربيعة قد حج في سنة من السنين فلما انصرف من الحج ألفى الوليد بن عبد الملك وقد فرش له في ظهر الكعبة وجلس فجاءه عمر فسلم عليه وجلس إليه فقال له أنشدني شيئا من شعرك فقال يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير وقد تركت الشعر ولي غلامان هما عندي بمنزلة الولد وهما يرويان كل ما قلت وهما لك قال ائتني بهما ففعل فأنشده قوله ( أَمِنْ آلِ نُعْمٍ أنتَ غادٍ فمُبْكِرُ ... ) فطرب الوليد واهتز لذلك فلم يزالا ينشدانه حتى قام فأجزل صلته ورد الغلامين إليه حدثني علي بن صالح بن الهيثم الأنباري الكاتب الملقب كِيلجَة قال حدثني أبو هفان قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن مصعب بن عبد الله الزبيري وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار عن عمه مصعب أنه قال خصائص شعر عمر ومميزاته راق عمر بن أبي ربيعة الناس وفاق نظراءه وبرعهم بسهولة الشعر وشدة الأسر وحسن الوصف ودقة المعنى وصواب المصدر والقصد للحاجة واستنطاق الربع وإنطاق القلب وحسن العزاء ومخاطبة النساء وعفة المقال وقلة الانتقال وإثبات الحجة وترجيح الشك في موضع اليقين وطلاوة الاعتذار وفتح الغزل ونهج العلل وعطف المساءة على العذال وأحسن التفجع وبخل المنازل واختصر الخبر وصدق الصفاء إن قدح أورى وإن اعتذر أبرا وإن تشكى أشجى وأقدم عن خبرة ولم يعتذر بغرة وأسر النوم وغم الطير وأغذ السير وحيرماء الشباب وسهل وقول وقاس الهوى فأربى وعصى وأخلى وحالف بسمعه وطرفه وأبرم نعت الرسل وحذر وأعلن الحب وأسر وبطن به وأظهر وألح وأسف وأنكح النوم وجنى الحديث وضرب ظهره لبطنه وأذل صعبه وقنع بالرجاء من الوفاء وأعلى قاتله واستبكى عاذله ونفض النوم وأغلق رهن منى وأهدر قتلاه وكان بعد هذا كله فصيحا فمن سهولة شعره وشدة أسره قوله صوت ( فلمّا تَوَاقَفْنا وسلّمتُ أشرقَتْ ... وجوهٌ زهاها الحسنُ أن تَتَقنَّعا ) ( تَبَالَهْنَ بالعِرْفان لَمّا رأينَنِي ... وقُلْنَ امرؤٌ باغٍ أَكَلَّ وأَوْضَعا ) الغناء لابن عباد رمل عن الهشامي وفيه لابن جامع لحن غير مجنس عن إبراهيم ومن حسن وصفه قوله ( لها من الرِّيم عيناه وسُنَّتُهُ ... ونَخْوةُ السابق المُخْتَال إذ صَهَلا ) ومن دقة معناه وصواب مصدره قوله صوت ( عُوجَا نُحَيِّ الطَّلَلَ المُحْولاَ ... والرَّبْعَ مِنْ أسماء والمنزلاَ ) ( بسَابِغِ البَوْبَاةِ لم يَعْدُه ... تَقَادُمُ العهدِ بأن يُؤْهَلاَ ) الغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق قال إسحاق ابن إبراهيم يعني أنه لم يؤهل فيعدوه تقادم العهد وقال الزبير قال بعض المدنيين يحييه بأن يؤهل أي يدعو له بذلك ومن قصده للحاجة قوله الثريا وسهيل صوت ( أيّها المُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلاً ... عَمْرَكَ اللهَ كيف يلتقيانِ ) ( هي شاميّةٌ إذا ما اسْتَقلَّتْ ... وسُهَيْلٌ إذا استقلَّ يَمانِي ) ويروى هي غَوْرِيَّة الغناء للغريض خفيف ثقيل بالبنصر عن عمرو وابن المكي ومن استنطاقه الربع قوله صوت ( سائلاَ الرَّبْعَ بالبُلَيّ وقُولاَ ... هِجتَ شوقاً ليَ الغداةَ طويلا ) ( أين حيٌّ حلُّوكَ إذ أنت محفوفٌ ... بهم آهلٌ أراكَ جميلا ) ( قال ساروا فأمْعَنوا واستقلُّوا ... وبِرَغْمِي لو قد وجدتُ سبيلا ) ويروى ( وبِكُرْهِي لَو استطعتُ سبيلا ... ) ( سئِمُونا وما سَئِمْنا جِوَاراً ... وأحبُّوا دَمَاثَةً وسُهولا ) فيه رملان أحدهما لابن سريج بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق والآخر لإسحاق مطلق في مجرى البنصر وفيه لأبي العبيس بن حمدون ثاني ثقيل وقد شرحت نسبته مع خبره في موضع آخر قال إسحاق أنشد جرير هذه الأبيات فقال إن هذا الذي كنا ندور عليه فأخطأناه المقال المبكي والقلب المتكلم ( قال لي فيها عَتِيقٌ مقالاً ... فجرتْ مما يقولُ الدموعُ ) ( قال لي وَدِّعْ سُلَيْمَى ودَعْها ... فأجاب القلبُ لا أستطيعُ ) الغناء للهذلي ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي قال وفيه ليحيى المكي ثقيل أول نسب إلى معبد وهو من منحوله ومن حسن عزائه قوله صوت ( أألحقُّ إنْ دارُ الرَّباب تباعدتْ ... أو انْبَتَّ حبلٌ أنّ قلبَك طائرُ ) ( أَفِقْ قد أفاق العاشقون وفارقوا الهوى ... واستمرَّتْ بالرِّجال المرائرُ ) ( زَعِ النفسَ واستبقِ الحياءَ فإنّما ... تُباعِدُ أو تُدنِي الرَّبابَ المَقَادِرُ ) ( أمِتْ حُبَّها واجعلْ قَدِيمَ وِصَالِها ... وعِشْرَتِها كمثل مَنْ لا تُعاشِرُ ) ( وهَبْها كشيءٍ لم يكن أو كنازحٍ ... به الدارُ أو مَنْ غَيَّبتْه المقابرُ ) ( وكالناسِ عُلِّقْتَ الرَّبابَ فلا تكن ... أحاديثَ مَنْ يَبْدُو ومن هو حاضرُ ) الغناء في بعض هذه الأبيات وأوله زع النفس لابن سريج ثقيل أول بالبنصر عن عمرو وفيه لعمر الوادي رمل بالبنصر عن ابن المكي وفيه ل قُدَارٍ لحن من كتاب إبراهيم غير مجنس وهذه الأبيات يرويها بعض أهل الحجاز لكثير ويرويها الكوفيون للكميت بن معروف الأسدي وذكر بعضها الزبير بن بكار عن أبي عبيدة لكثير في أخباره ومن حسن غزله في مخاطبة النساء قال مصعب الزبيري وقد أجمع أهل بلدنا ممن له علم بالشعر أن هذه الأبيات أغزل ما سمعوا قوله عمر يتودد للرباب صوت ( تقولُ غَدَاةَ التقَيْنا الرَّبَابُ ... أياذا أفَلْتَ أفولَ السِّماكِ ) ( وكَفَّتْ سوابقَ من عَبْرةٍ ... كما ارْفَضَّ نظمٌ ضعيفُ السِّلاَكِ ) ( فقلتُ لها مَنْ يُطِعْ في الصَّديقِِ ... أعداءه يَجْتَنِبْه كذاكِ ) ( أغَرَّكِ أنّي عصَيتُ المَلاَمَ ... فيكِ وأنّ هَوَانا هواكِ ) ( وألاَّ أرى لَذّةً في الحياةِ ... تَقَرُّ بها العينُ حتى أراكِ ) ( فكان من الذنب لي عندكم ... مُكَارَمتِي واتِّباعِي رِضَاكِ ) ( فليتَ الذي لاَمَ في حُبّكم ... وفي أن تُزارِي بقَرْن وَقَاكِ ) ( هُمُومَ الحياة وأسقامَها ... وإن كان حَتْفٌ جَهِيزٌ فَداكِ ) الغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى وذكر إبراهيم أن فيه لحنا لحكم وقيل إن فيه لحنا آخر لابن جامع ومن عفة مقاله قوله صوت ( طَالَ لَيْلِي واعتادَنِي اليومَ سُقْمُ ... وأصابتْ مَقَاتِلَ القلبِ نُعْمُ ) ( حُرَّةُ الوجهِ والشمائلِ والجوهرِ ... تكليمُها لمن نال غُنْمُ ) ( وحديث بمثله تُنْزَلُ العُصْمُ ... يَشُوبُ ذلك حِلْمُ ) ( هكذا وَصْفُ ما بدا لِيَ منها ... ليس لي بالذي تَغيَّبَ عِلْمُ ) ( إن تَجُودي أو تَبْخَلي فبحَمْدٍ ... لستِ يا نُعْمُ فيهما مَنْ يُذَمُّ ) الغناء لابن سريج رمل عن الهشامي ومن قلة انتقاله قوله صوت ( أيها القائلُ غيرَ الصوابِ ... أمْسِكِ النُّصْحَ وأَقلِلْ عِتَابِي ) ( واجتَنِبني واعلَمَنْ أن ستُعْصَى ... ولخَيْرٌ لك طولُ اجتنابِي ) ( إن تَقُلْ نُصْحاً فعن ظهرِ غِشٍّ ... دائِم الغِمْرِ بعيدِ الذَّهَابِ ) ( ليس بي عِيٌّ بما قلتَ إنِّي ... عالمٌ أفقهُ رَجْعَ الجوابِ ) ( إنّما قُرَّةُ عيني هواها ... فدَعِ اللّومَ وكِلْنِي لِمَا بِيْ ) ( لا تَلُمْنِي في الرَّبَابِ وأمستْ ... عَدَلتْ للنفس بَرْدَ الشَّرَابِ ) ( هي واللهِ الذي هو رَبِّي ... صادقاً أحلِفُ غيرَ الكِذَابِ ) ( أكرمُ الأحياء طُرًّا علينا ... عند قُرْبٍ منهمُ واجتنابِ ) ( خاطبتْني ساعةً وهي تبكِي ... ثم عَزَّتْ خُلَّتي في الخِطَابِ ) ( وَكَفَى بي مِدْرَهاً لخُصُومٍ ... لِسوَاها عند حَدِّ تَبَابِي ) الغناء لكردم ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق في الأول والخامس ثم الثاني والثالث وفيه لمعبد خفيف ثقيل بالبنصر عن يحيى المكي ومن إثباته الحجة قوله ( خليليَّ بعضَ اللوم لا تَرْحَلا به ... رفيقَكما حتى تَقُولاَ على عِلْمِ ) ( خليليّ مَنْ يَكْلَفْ بآخَرَ كالذي ... كَلِفْتُ به يَدْمُلْ فؤاداً على سُقْمِ ) ( خليليّ ما كانت تُصَابُ مَقَاتِلِي ... ولا غِرَّتِي حتى وَقَعْتُ على نُعْمِ ) ( خليليّ حتى لُفَّ حَبْلِي بخادِعٍ ... مُوَقَّى إذا يُرْمَى صَيُودٍ إذا يَرْمِي ) ( خليليّ لو يُرْقَى خليلٌ من الهوى ... رُقيتُ بما يُدْنِي النَّوارَ من العُصْمِ ) ( خليليّ إن باعدتُ لانَتْ وإن أَلِنْ ... تُبَاعِدْ فلم أَنْبُلْ بحَرْبٍ ولا سِلْمِ ) المعاصم الفضة والوجه النضير صوت ( نظرتُ إليها بالمُحصَّب من مِنىً ... ولي نظرٌ لولا التَّحَرُّجُ عارمُ ) ( فقلتُ أشمسٌ أم مصابيحُ بِيعَةٍ ... بدتْ لك خَلْفَ السَّجف أم أنت حالمُ ) ( بعيدةُ مَهْوَى القُرْطِ إمّا لَنَوْفَلٌ ... أبوها وإمّا عبدُ شمسٍ وهاشمُ ) ( ومَدَّ عليها السَّجْفَ يومَ لَقِيتُها ... عَلَى عَجَلٍ تُبَّاعها والخَوادِمُ ) ( فلم أَسْتَطِعْها غيرَ أنْ قد بدا لنا ... عَشيّةَ راحتْ وجهُها والمعاصُم ) ( مَعَاصِمُ لم تَضرِبْ على البَهم بالضُّحَى ... عَصَاها ووجهٌ لم تَلُحْهُ السَّمَائِمُ ) ( نُضَارٌ تَرَى فيه إِساريعَ مائه ... صَبِيحٌ تُغاديه الأَكُفُّ النَّواعمُ ) ( إذا ما دَعتْ أترابَها فاكْتنفْنَها ... تَمَايَلْنَ أو مالتْ بهنَّ المآكِم ) ( طَلَبن الصِّبا حتى إذا ما أصَبْنه ... نَزَعْنَ وهنّ المُسْلِمَات الظّوالمُ ) الغناء لمعبد ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وابن المكي وفيها لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق أيضا وفيها للغريض خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشامي الاعتذار اللطيف ومن طلاوة اعتذاره قوله صوت ( عاودَ القلبَ بعضُ ما قد شَجَاهُ ... مِن حبيبٍ أمسى هَوانَا هواه ) ( يا لقَومِي فكيف أصبِرُ عمَّنْ ... لا تَرى النفسُ طِيبَ عيشٍ سِواهُ ) ( أرسَلتْ إذ رأتْ بِعادِيَ ألاّ ... يَقْبَلَنْ بي مُحَرِّشاً إن أتاه ) ( دونَ أن يسمَع المقالةَ مِنّا ... ولْيُطِعْنِي فإنّ عندي رضاه ) ( لا تُطِعْ بي فَدَتْك نَفْسِي عدواًّ ... لحديثٍ على هَواهُ افْتَرَاه ) ( لا تُطِعْ بي مَنْ لو رآني وإِيَّاكَ ... أَسِيرَيْ ضَرُورةٍ ما عَنَاه ) ( ما ضِرارِي نفسي بهَجْريَ مَنْ ليس ... مُسيئاً ولا بعيداً ثَرَاه ) ( واجتنابي بيتَ الحبيبِ وما الخُلْدُ ... بأَشْهَى إليّ من أن أَرَاه ) الغناء لمعبد خفيف ثقيل بالخنصر في مجرى الوسطىعن إسحاق وفيه لابن جامع ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو وقال عمرو فيه خفيف ثقيل بالوسطى للهذلي وفيه لابن محرز ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو وابتداؤه نشيد أوله ما ضراري نفسي وقال الهشامي وفيه لعلية بنت المهدي وسعيد بن جابر لحنان من الثقيل الثاني الدليل الصادق ( وآيةُ ذلكِ أنْ تسمَعي ... إذا جئتُكم ناشداً يَنْشُدُ ) ( فرُحْنا سِرَاعاً وراح الهوى ... دليلاً إليها بنا يَقْصِدُ ) ( فلمّا دَنَوْنا لِجَرس النباح ... والصوتِ والحيُّ لم يَرْقُدوا ) ( بَعَثْنا لها باغياً ناشداً ... وفي الحيّ بُغْيَةُ من ينْشُدُ ) وقد نسبت هذه الأبيات إلى من غنى فيها مع ( تَشُطُّ غداً دارُ جيراننا ... ) ومن فتحه الغزل قوله ( إذا أنت لم تَعْشَقْ ولم تَدْرِ ما الهوى ... فكُنَّ حجراً من يابس الصَّخْر جَلْمَدَا ) ومن عطفه المساءة على العذال قوله صوت ( لا تَلُمْني عَتِيقُ حَسْبي الذي بي ... إنّ بي يا عَتِيقُ ما قَد كَفَانِي ) ( لا تَلُمْني وأنت زيَّنْتَها لي ... أنت مثلُ الشيطان للإِنسان ) الغناء لأبي العبيس بن حمدون ثقيل أول مطلق من مجموع أغانيه وفيه رمل طُنْبورِيّ محدث وفيه هزج لأبي عيسى بن المتوكل الهجر القاسي ومن حسن تفجعه قوله صوت ( هَجرتَ الحبيبَ اليومَ من غير ما اجْتَرمْ ... وقَطَّعْتَ من ذي وُدِّكَ الحبلَ فانصرم ) ( أطعتَ الوُشاةَ الكاَشحين ومن يُطِعْ ... مَقالةَ واشٍ يَقْرَعِ السِّنَّ مِنْ نَدَمْ ) ( أتاني رسولٌ كنتُ أحسَبُ أنه ... شَفِيقٌ علينا ناصحٌ كالذي زَعَمْ ) ( فلما تَبَاثَثْنَا الحديثَ وصَرَّحَتْ ... سَرَائِرُه عن بعض ما كان قد كَتَمْ ) ( تَبَيَّنَ لي أنّ المُحَرِّشَ كاذبٌ ... فعندي لكِ العُتْبَى على رَغْمِ مَنْ رَغَمْ ) ( فمِلآنَ لُمْتُ النفسَ بعد الذي مَضَى ... وبعد الذي آلتْ وآليتُ مِنْ قَسَمْ ) ( ظلمْتَ ولم تُعْتِبْ وكان رسولُها ... إليك سريعاً بالرِّضا لكَ إذ ظَلَمْ ) الغناء لابن سريج رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وقال يونس فيه لابن سريج لحنان وذكر الهشامي أن لحنه الآخر ثقيل أول وأن لعلوية فيه رملا آخر ومن تبخيله المنازل قوله صوت ( عَرَفْتُ مَصِيفَ الحيِّ والمُتَرَبَّعا ... ببَطْنِ حُلَيَّاتٍ دَوَارِسَ بَلْقعا ) ( إلى السَّرْح من وادي المُغَمَّسِ بُدِّلَتْ ... مَعالِمُها وَبْلاً وَنَكْبَاءَ زَعْزَعا ) ( فيَبْخَلْنَ أو يُخْبِرنَ بالعلم بعدما ... نَكَأنَ فؤاداً كان قِدْماً مُفَجَّعا ) الغناء للغريض ثاني ثقيل بالوسطى ومن اختصاره الخبر قوله صوت ( أمِن آلِ نُعْمٍ أنت غادٍ فمُبكِرُ ... غَداةَ غدٍ أم رائحٌ فمُهَجِّرُ ) ( بحاجةِ نفسٍ لم تَقُلْ في جوابها ... فتُبلِغَ عذراً والمقالةُ تُعْذر ) ( أشارت بمِدْراها وقالت لترْبها ... أهذا المُغِيريُّ الذي كان يُذكَرُ ) ( لئن كان إيّاه لقد حال بعدَنا ... عن العهد والإِنسانُ قد يَتَغيَّرُ ) الغناء لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر وله في بيتين آخرين من هذه القصيدة وهما ( وليلةَ ذي دَوْرَانَ جَشّمتِنِي السُّرَى ... وقد يَجْشَمُ الهولَ المحبُّ المُغَرِّرُ ) ( فقلتُ أبادِيهم فإمّا أفوتُهم ... وإمّا ينالُ السَّيفُ ثأراً فيثأر ) رمل آخر بالوسطى عن عمرو قال الزبير حدثني إسحاق الموصلي قال قلت لأعرابي ما معنى قول ابن أبي ربيعة ( بحاجة نفسٍ لم تَقُلْ في جوابها ... فتُبلِغَ عُذْراً والمقالةُ تُعذِرُ ) فقال قام كما جلس ومن صدقه الصفاء قوله ( كلُّ وصلٍ أمسى لديك لأُنثَى ... غيرِها وصلُها إليها أَداءُ ) ( كلُّ أُنثَى وإن دنتْ لوصالٍ ... أو نأتْ فَهْيَ للرَّباب الفِداءُ ) تذللُه في الحب وقوله صوت ( أُحِبُّ لحبِّكِ مَن لم يكنْ ... صَفِياً لنفسي ولا صاحِبَا ) ( وأَبذُلُ مالي لمَرْضاتِكم ... وأُعْتِبُ مَنْ جاءكم عاتَبا ) ( وأرغَبُ في وُدّ مَنْ لم أكن ... إلى وُده قبلَكم راغَبا ) ( ولو سَلَكَ الناسُ في جانبٍ ... من الأرض واعتزلتْ جانِبَا ) ( لَيَمَّمْتُ طيَّتَها إنّني ... أرى قُرْبَها العجبَ العاجِبَا ) الغناء لابن القفاص رمل عن الهشامي ويحيى المكي وفيه للربعي لحن من كتاب إبراهيم غير مجنس صوت ( طالَ لَيْلي وتَعَنَّاني الطَّرَب ... واعتراني طولُ هَمٍّ ووَصَبْ ) ( أرْسَلتْ أسماءُ في مَعْتَبَة ... عَتَبَتْها وهي أحلَى مَنْ عَتَبْ ) ( أَنْ أَتى منها رسولٌ مَوْهناً ... وجَد الحيَّ نياماً فانقلبْ ) ( ضربَ البابَ فلم يَشْعُرْ به ... أحدٌ يفتَح باباً إذ ضَرَب ) ( قال أيقاظٌ ولكن حاجةٌ ... عَرَضَتْ تُكْتَمُ منّا فاحتجبْ ) ( ولَعَمْداً ردَّني فاجْتَهدَتْ ... بِيَمينٍ حَلْفَةً عند الغضبْ ) ( يشهَد الرحمنُ لا يجمعُنا ... سَقْفُ بيتٍ رَجَباً بعد رجبْ ) ( قلتُ حِلاَّ فاقْبَلي مَعْذِرتي ... ما كذا يَجْزِي مُحبٌّ مَنْ أحبْ ) ( إنّ كَفِّي لكِ رَهْنٌ بالرِّضا ... فاقْبَلي يا هندُ قالت قد وجَبْ ) الغناء لمالك خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه لدحمان ثقيل أول بالبنصر عن عمرو وفيه لمعبد لحن من كتاب يونس لم يجنسه وذكر الهشامي أنه خفيف ثقيل وفيه لابن سريج رمل عن الهشامي قال من حكينا عنه في صدر أخبار عمر روايته التي رواها علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق عن رجاله والحرمي عن الزبير عن عمه كان عمر بن أبي ربيعة يهوى امرأة يقال لها أسماء فكان الرسول يختلف بينهما زمانا وهو لا يقدر عليها ثم ودعته أن تزوره فتأهب لذلك وانتظرها فأبطأت عنه حتى غلبته عينه فنام وكانت عنده جارية له تخدمه فلم تلبث أن جاءت ومعها جارية لها فوقفت حجرة وأمرت الجارية أن تضرب الباب فضربته فلم يستيقظ فقالت لها تطلعي فانظري ما الخبر فقالت لها هو مضطجع وإلى جنبه امرأة فحلفت لا تزوره حولا فقال في ذلك ( طال لَيلي وتَعَنّاني الطَّرَبْ ... ) قال أبو هفان في حديثه وبعث إليها امرأة كانت تختلف بينه وبين معارفه وكانت جزلة من النساء فصدقتها عن قصته وحلفت لها أنه لم يكن عنده إلا جاريته فرضيت وإياها يعني عمر بقوله ( فأتتها طَبَّةٌ عالمةٌ ... تَخلِطُ الجِدَّ مِراراً باللَّعِبْ ) ( تُغْلِظُ القولَ إذا لانتْ لها ... وتُراخي عندَ سَوْراتِ الغضبَ ) ( لم تَزَلْ تَصْرِفُها عن رأيِها ... وتأنَّاها برِفْقٍ وأدبُ ) الوليد بن يزيد يطرب لقصيدة عمر قال إسحاق في خبره وحدثني ابن كناسة قال أخبرني حماد الراوية قال استنشدني الوليد بن يزيد فانشدته نحوا من ألف قصيدة فما استعادني إلا قصيدة عمر بن أبي ربيعة ( طال ليلي وتعنَّاني الطربْ ... ) فلما انشدته قوله ( فأتتْها طَبَّةٌ عالمَةٌ ... تَخْلِطُ الجِدّ مِراراً باللَّعِبْ ) إلى قوله ( إنّ كفِّي لك رَهْنَّ بالرِّضا ... فاقبَلي يا هندُ قالت قد وجبْ ) فقال الوليد ويحك يا حماد اطلب لي مثل هذه أرسلها إلى سلمى يعني امرأته سلمى بنت سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان وكان طلقها ليتزوج أختها ثم تتبعتها نفسه قال إسحاق وحدثني جماعة منهم الحرمي والزبيري وغيرهما أن عمر أنشد ابن أبي عتيق هذه القصيدة فقال له ابن أبي عتيق الناس يطلبون خليفة مذ قتل عثمان في صفة قوادتك هذه يدبر أمورهم فما يجدونه رجع إلى خبر عمر الطويل لقاء فترحيب فصفاء ( فالتقينا فرَحَّبَتْ حين سلَّمتُ ... وكَفَّتْ دمعاً من العين مَارَا ) ( ثم قالتْ عند العِتَابِ رَأَيْنا ... منكَ عنَّا تَجَلُّداً وازْورارا ) ( قلتُ كلاَّلاهِ ابنُ عمِّكَ بل خِفْنا أُموراً كنَّا بها أَغْمَارا ) ( فجعلْنا الصُّدُودَ لمّا خَشِينا ... قَالَة الناسِ للهوى أَسْتَارَا ) ( ليس كالعهدِ إذ عَهِدْتِ ولكن ... أوقد الناسُ بالنميمة نارا ) ( فلِذاكِ الإِعراضُ عنكِ وما آثَر َ قلبي عليكِ أخرى اختيارا ) ( ما أُبَالي إذا النَّوَى قَرَّبتْكم ... فدنَوْتُم مَنْ حَلَّ أو مَنْ سارا ) ( فاللّيالي إذا نَأَيتِ طِوَالٌ ... وأَرَاها إذا قَرُبْتِ قصَارا ) ومن تشكيه الذي أشجى فيه قوله صوت ( لَعَمْرُكِ ما جاورتُ غُمْدانَ طائعاً ... وقَصْرَ شَعُوبٍ أن أكون به صَبَّا ) ( ولكنَّ حُمَّى أَضْرَعَتْني ثلاثةً ... مُجَرَّمَةً ثم استمرَّتْ بنا غِبَّا ) ( وحتَّى لَو ان الخُلْدَ تَعْرِضُ إن مشت ... إلى الباب رِجْلي ما نقلتُ لها إرْبا ) ( فإنّكِ لو أبصرتِ يومَ سُوَيْقَةٍ ... مُنَاخِي وحَبْسِي العيس داميةً حُدْبَا ) ( ومَصْرَعَ إخوان كأنّ أَنينَهم ... أنينُ المَكَاكي صادفتْ بلداً خِصْبَا ) ( إذا لاقْشَعَرَّ الرَّأْسُ منك صَبَابةً ... ولاستفرغتْ عيناكِ من سَكْبةٍ غَرْبا ) غنى في الأول والثاني من هذه الأبيات معبد ولحنه خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وفيهما لمالك ثقيل أول عن الهشامي ونسبه يونس إلى مالك ولم يجنسه ومن إقدامه عن خبرة ولم يعتذر بغرة قوله ( صَرَمْتُ وواصلتُ حتّى عرفت ... ُ أين المَصَادِرُ والمَوْرِدُ ) ( وجَرَّبتُ من ذاك حتّى عرفت ... ُ ما أتوقَّى وما أَعمَدُ ) ومن أسره النوم قوله ( نام صَحْبِي وبات نومي أسيراً ... أرقُب النَّجمَ مَوْهِناً أن يغُورا ) ومن غمه الطير قوله ( فَرُحْنَا وقلنا للغلام اقض حاجةً ... لنا ثم أَدْرِكْنا ولا تتغبَّرِ ) ( سِراعاً نَغُمُّ الطيرَ إن سَنَحَتْ لنا ... وإن تَلْقَنا الرُّكْبانُ لا نَتَخَبِّرِ ) نتغبر من قولهم غبر فلان أي لبث الغاية والهدف ( قلتُ سِيرا ولا تُقيما ببُصْرى ... وحَفِيرٍ فما أُحِبّ حَفِيراً ) ( وإذا ما مررتُما بمَعَانٍ ... فأقِلا به الثَّواءَ وسِيرا ) ( إنّما قَصْرُنا إذا حَسَّر السير ... ُ بعيراً أن نَستجِدَّ بَعِيرَا ) ومن تحييره ماء الشباب قوله صوت ( أبرَزوها مثلَ المَهَاةِ تَهَادَى ... بين خَمْسٍ كَوَاعبٍ أَتْرابِ ) ( ثم قالوا تحبُّها قلتُ بَهْراً ... عددَ القَطْر والحَصَى والترابِ ) ( وهي مكنونةٌ تحيَّر منها ... في أَدِيم الخَدَّيْنِ ماءُ الشباب ) الغناء لمحمد بن عائشة خفيف ثقيل بالبنصر وفيه لمالك خفيف ثقيل آخر عن الهشامي وقيل بل هو هذا ومن تقويله وتسصله قوله ( قالتْ على رِقْبةٍ يوماً لجارتها ... ما تأْمُرينَ فإنْ القلبَ قد تُبِلاَ ) ( وهل ليَ اليومَ مِنْ أختٍ مُوَاخِيةٍ ... منكنَّ أَشْكُو إليها بعضَ ما فَعلا ) ( فراجعتْها حَصَانٌ غيرُ فاحشةٍ ... بَرجعِ قولٍ ولُبٍّ لم يكن خَطِلا ) ( لا تذكُري حُبَّه حتى أُراجِعَه ... إنِّي سَأَكْفِيكه إنْ لم أمُتْ عَجَلا ) ( فاقْنَىْ حياءَك في سَتْرٍ وفي كَرَمٍ ... فلستِ أَوّلَ أُنثى عُلِّقتْ رجُلا ) وأما ما قاس فيه الهوى فقوله ( وقَرَّبْنَ أسبابَ الهوى لمتيم ... يَقِيسُ ذراعاً كلّما قِسْنَ إصبعَا ) ومن عصيانه وإخلائه قوله ( وأنُصُّ المَطِيَّ يَتْبَعْنَ بالرَّكْبِ ... سِرَاعاً نَوَاعِمَ الاظْعَان ) ( فَنَصِيدُ الغَرِيرَ من بقر الوَحش ... ِ ونَلْهُو بلذّة الفِتْيِانِ ) ( في زمانٍ لو كنتِ فيه ضَجِيعِي ... غيرَ شَكٍّ عَرَفتِ لي عِصياني ) ( وتَقَلّبتِ في الفِراش ولا تَدْرِينَ ... إلا الظُّنونَ أَين مكاني ) ومن مخالفته بسمعه وطرفه قوله ( سَمْعِي وطَرْفِي حَلِيفَاها على جسدي ... فكيف أصْبِرُ عن سَمْعي وعن بَصَرِي ) ( لو طاوعاني على ألاّ أُكَلِّمَها ... إذاً لَقَضَّيْتُ من أَوْطَارِها وَطَرِي ) ومن إبرامه نعت الرسل قوله ( فبعثتُ كاتمةَ الحديثِ ... رَفِيقةً بجَوَابِها ) ( وحْشِيَّةً إنسيَّةً ... خَرَّاجةً من بابها ) ( فَرَقَتْ فسهَّلتِ المَعَارِضَ ... من سبيل نِقَابِها ) ومن تحذيره قوله صوت ( لقد أرسلتُ جاريتي ... وقلتُ لها خُذِي حَذَرَكْ ) ( وقُولِي في مُلاَطَفَةٍ ... لزينبَ نَوِّلي عُمَرَكْ ) ( فإِنْ داويتِ ذا سَقَمٍ ... فأخزَى اللهُ مَنْ كَفَرَكْ ) ( فَهزَّتْ رأسَها عجباً ... وقالتْ مَنْ بذا أمَركْ ) ( أهذا سِحْرُك النِّسْوان ... َ قد خَبرنْني خَبَرَكْ ) ( وقُلْنَ إذا قضَى وطَراً ... وأَدْرَك حاجةً هَجَرَكْ ) غنى ابن سريج في هذه الأبيات ولحنه خفيف ثقيل ولابن المكي فيها هزج بالوسطى وفيها رمل ذكر ذكاء وجه الرزة عن أحمد بن أبي العلاء عن مخارق أنه لابن جامع وذكر قمري أنه له وأن ذكاء أبطل في هذه الحكاية تحذير النساء من رواية شعر عمر قال الزبير حدثني عمي قال حدثني أبي قال قال شيخ من قريش لا ترووا نساءكم شعر عمر بن أبي ربيعة لا يتورطن في الزنا تورطا وأنشد ( لقد أرسلتُ جاريتي ... وقلتُ لها خُذِي حَذَرَكْ ) الأبيات ومن إعلانه الحب وإسراره قوله ( شكوتُ إليها الحبَّ أُعْلِنُ بعضَه ... وأخفيتُ منه في الفؤاد غَلِيلاَ ) ومما بطن به وأظهر قوله ( حُبُّكم يا آل لَيْلَى قاتِلي ... ظهرَ الحبُّ بجسمي وبَطَنْ ) ( ليس حُبٌّ فوقَ ما أحببتُكُم ... غيرَ أنْ أَقْتل نفسي أو أُجَنْ ) ومما ألح فيه وأسف قوله ( ليت حَظِّي كَطرْفة العين منها ... وكثيرٌ منها القليلُ المُهَنّا ) ( أو حديثٌ على خَلاَءٍ يُسَلِّي ... ما يُجِنُّ الفؤادُ منها ومِنّا ) ( كَبُرَتْ رَبِّ نعمةً منكَ يوماً ... أنْ أراها قبل المماتِ ومَنّا ) العاشقة المتسللة ومن إنكاحه النوم قوله صوت ( حتّى إذا ما الليلُ جَنّ ظلامُه ... ونظرتُ غَفْلةَ كاشحٍ أن يَعْقِلاَ ) ( واستَنكَح النومُ الذين نَخَافُهم ... وسَقَى الكَرَى بَوَّابَهُمْ فاستُثْقِلاَ ) ( خرجتْ تَأَطَّرُ في الشباب كأنّها ... أَيْمٌ يَسيبُ على كَثِيبٍ أَهْيَلاَ ) الغناء لمعبد خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه ألحانٌ لغيره وقد نسبت في غير هذا الموضع مع قوله ( وَدِّعْ لُبَابَةَ قبل أن تترحَّلا ... ) ومن جنيه الحديث قوله ( وجَوارٍ مُسَاعِفَاتٍ على اللّهو ... مُسِرَّاتِ باطنِ الأَضغانِ ) ( صُيَّدٍ للرجال يَرْشُقْن بالطَّرْف ... ِ حِسَانٍ كخُذَّل الغِزْلاَنِ ) ( قد دَعَانِي وقد دَعَاهُنَّ لِلَّهو ... ِ شُجُونٌ مُهِمَّةُ الأَشجانِ ) ( فاجتنَيْنا من الحديث ثِماراً ... ما جنَى مثلها لعَمرُك جَانِي ) ومن ضربه الحديث ظهره لبطنه قوله ( في خَلاَء من الأَنِيسِ وأَمْنٍ ... فَبَثَثْنَا غَلِيلَنا واشْتَفَيْنا ) ( وضربْنا الحديثَ ظهراً لبطنِ ... وأتينا من أمرنا ما اشْتَهيْنا ) ( فمكثنا بذاك عَشْرَ ليالٍ ... في قضاءٍ لِدَيْنِنَا واقتضَيْنا ) ومن إذلاله صعب الحديث قوله ( فلمنا أَفَضْنَا في الهوى نستبينهُ ... وعاد لنا صعبُ الحديث ذَلُولاَ ) ( شكوتُ إليها الحبَّ أُظْهِرُ بعضَه ... وأخفيتُ منه في الفؤاد غَلِيلاَ ) ومن قناعته بالرجاء من الوفاء قوله ( فعِدِي نائلاً وإن لم تُنِيلي ... إنه ينفع المُحِبَّ الرجاءُ ) قال الزبير هذا أحسن من قول كثير ( ولستُ براضٍ من خليلٍ بنائلٍ ... قليلٍ ولا أرضَى له بقليلِ ) ومن إعلائه قاتله قوله ( فبعثتُ جاريتي وقلتُ لها اذهَبي ... فاشْكِي إليها ما علمتِ وسَلِّمِي ) ( قُولي يقولُ تَحرَّجِي في عاشقٍ ... كَلِفٍ بكم حتّى المماتِ مُتَيَّمِ ) الهوى المتجدد ( ويقول إنّكِ قد علمتِ بأنَّكُمْ ... أصبحتُمُ يا بِشْرُ أَوْجَهَ ذي دمٍ ) ( فُكِّي رَهِينَتَه فإِنْ لم تَفْعَلي ... فاعْلَيْ على قَتْلِ ابنِ عمِّك واسْلمي ) ( فتضاحكتْ عَجَباً وقالتْ حقُّه ... ألاّ يُعَلِّمَنا بما لم نَعْلم ) ( علمي به واللهُ يَغْفِرُ ذنبه ... فيما بدا لي ذو هَوىً مُتَقَسَّمِ ) ( طَرِفٌ يُنازِعُه إلى الأدْنَى الهوى ... ويَبُتُّ خُلَّةَ ذي الوِصَالِ الأَقْدَمِ ) ومن تنفيضه النوم قوله ( فلمّا فَقَدْتُ الصوتَ منهم وأُطفئتْ ... مَصَابِيحُ شُبَّتْ بالعِشَاء وأَنْوُرُ ) ( وغاب قُمَيْرٌ كنتُ أرجو غُيوبَه ... وروَّح رُعْيانٌ ونَوَّم سُمَّرُ ) ( ونَفَّضْتُ عنِّي النومَ أقبلْتُ مِشْيةَ الحُبَاب ... وركُني خَشْيةَ القومِ أزْوَرُ ) ومن إغلاقه رهن منىً وإهداره قتلاه قوله ( فكم من قَتِيلٍ ما يُبَاءُ به دمٌ ... ومن غَلِقٍ رَهْناً إذا لفَّه مِنَى ) ( ومن مالىءٍ عينيه من شيءِ غيره ... إذا راح نحو الجَمْرةِ البِيضُ كالدُّمى ) وكان بعد هذا كله فصيحا شاعرا مقولا عمر ينظر إلى رجل يكلم امرأة في الطواف فيعيب عليه ذلك وينكره أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي وأخبرنا به علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق عن رجاله أن عمر بن أبي ربيعة نظر إلى رجل يكلم امرأة في الطواف فعاب ذلك عليه وأنكره فقال له إنها ابنة عمي قال ذاك أشنع لأمرك فقال إني خطبتها إلى عمي فأبى علي إلا بصداق أربعمائة دينار وأنا غير مطيق ذلك وشكا إليه من حبها وكلفه بها أمرا عظيما وتحمل به على عمه فسار معه إليه فكلمه فقال له هو مملق وليس عندي ما أصلح به أمره فقال له عمر وكم الذي تريده منه قال أربعمائة دينار فقال له هي علي فزوجه ففعل ذلك وقد كان عمر حين أسن حلف ألا يقول بيت شعر إلا أعتق رقبة فانصرف عمر إلى منزله يحدث نفسه فجعلت جارية له تكلمه فلا يرد عليها جوابا فقالت له إن لك لأمرا وأراك تريد أن تقول شعرا فقال صوت ( تقولُ وَليدتي لمّا رأتْني ... طَرِبْتُ وكنتُ قد أقصرتُ حِينَا ) ( أراكَ اليومَ قد أحدثَت شوقاً ... وهاج لك الهوى داءً دَفِينَا ) ( وكنتَ زعمتَ أنّك ذو عَزَاءٍ ... إذا ما شئتَ فارقتَ القَرِيَنا ) بعض ما قاله عمر من شعر بعد أن أسن ( بربِّكَ هل أتاك لها رسولٌ ... فشاقَك أم لَقِيتَ لها خَدِينَا ) ( فقلتُ شكا إليّ أخٌ مُحِبٌّ ... كبَعضِ زَمانِنا إذ تَعْلَمِينَا ) ( فقَصَّ عليّ ما يَلْقَى بهندٍ ... فذكَّر بعضَ ما كنَّا نَسِينَا ) ( وذو الشَّوْقِ القديم وإنْ تَعَزَّى ... مَشُوقٌ حين يلقَى العاشقينَا ) ( وكم من خُلَّةٍ أعرضتُ عنها ... لغير قِلىً وكنتُ بها ضَنِينَا ) ( أردتُ بِعادَها فصَدَدْتُ عنها ... ولو جُنَّ الفؤادُ بها جنونَا ) ثم دعا تسعة من رقيقه فأعتقهم لكل بيت واحد الغناء لابن سريج رمل بالبنصر عن عمرو والهشامي وفيه ثقيل أول يقال إنه للغريض وذكر عبد الله بن موسى أن فيه لدحمان خفيف رمل أخبرني الحرمي قال حدثنا أحمد بن عبيد أبو عصيدة قال ذكر ابن الكلبي أن عمر بن أبي ربيعة كان يساير عروة بن الزبير ويحادثه فقال له وأين زين المواكب يعني ابنه محمد بن عروة وكان يسمى بذلك لجماله فقال له عروة هو أمامك فركض يطلبه فقال له عروة يا أبا الخطاب أولسنا أكفاء كراما لمحادثتك ومسايرتك فقال بلى بأبي أنت وأمي ولكني مغرى بهذا الجمال أتبعه حيث كان ثم التفت إليه وقال ( إنِّي امرؤ مُولَعٌ بالحسن اتبعُه ... لاحظَّ لي فيه إلا لَذَّةُ النَّظَرِ ) ثم مضى حتى لحقه فسار معه وجعل عروة يضحك من كلامه تعجبا منه أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب بن عبد الله قال رأى عمر بن أبي ربيعة رجلا يطوف بالبيت قد بهر الناس بجماله وتمامه فسأل عنه فقيل له هذا مالك بن أسماء بن خارجة فجاءه فسلم عليه وقال له يابن أخي ما زلت أتشوقك منذ بلغني قولك ( إنَّ لي عند كلِّ نَفْحَةِ بستان ... ٍ من الوَرْد أو من اليَاسِمِينَا ) ( نظرةً والتفاتةً أَتمنَّى ... أنْ تكوني حَلْلتِ فيما يَليِنَا ) ويروى ( أترجَّى أن تكوني حللت ... ) عمر يتعرض لامرأة أبي الأسود الدؤلي في الطواف أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا العباس بن هشام عن أبيه قال أخبرني مولى لزياد قال حج أبو الأسود الدؤلي ومعه امرأته وكانت جميلة فبينا هي تطوف بالبيت إذ عرض لها عمر بن أبي ربيعة فأتت أبا الأسود فأخبرته فأتاه أبو الأسود فعاتبه فقال له عمر ما فعلت شيئا فلما عادت إلى المسجد عاد فكلمها فأخبرت أبا الأسود فأتاه في المسجد وهو مع قوم جالس فقال له ( وإنِّي ليَثْنِيني عن الجهل والخَنَا ... وعن شَتْم أقوامٍ خلائقُ أربعُ ) ( حياءٌ وإسلامٌ وبُقْيَا وأَنَّني ... كريمٌ ومثلي قد يَضُرُّ وينفع ) ( فشَتَّانَ ما بيني وبينك إنَّني ... على كل حالٍ أتسقيمُ وتَظْلَعُ ) فقال له عمر لست أعود يا عم لكلامها بعد هذا اليوم ثم عاود فكلمها فأتت أبا الأسود فأخبرته فجاء إليه فقال له ( أنت الفتى وابنُ الفتى وأخو الفتى ... وسَيِّدُنا لولا خَلائِقُ أربع ) ( نُكُولٌ عن الجُلَّى وقُرْبٌ من الخَنَا ... وبُخْلٌ عن الجَدْوَى وأنك تُبَّعُ ) ثم خرجت وخرج معها أبو الأسود مشتملا على سيف فلما رآهما عمر أعرض عنها فتمثل أبو الأسود ( تَعْدُو الذِّئَابُ على من لا كِلاَبَ له ... وتتَّقِي صَوْلَةَ المستأسِدِ الحامي ) أخبرني ابن المرزبان قال حدثنا أحمد بن الهيثم الفراسي قال حدثنا العمري قال أخبرنا الهيثم بن عدي قال قدم الفرزدق المدينة وبها رجلان يقال لأحدهما صُوَيْمٌ وللآخر ابن أسماء وصفا له فقصدهما وكان عندهما قيان فسلم عليهما وقال لهما من أنتما فقال أحدهما أنا فرعون وقال الآخر أنا هامان قال فأين منزلكما في النار حتى أقصدكما فقالا نحن جيران الفرزدق الشاعر فضحك ونزل فسلم عليهما وسلما عليه وتعاشروا مدة ثم سألهما أن يجمعا بينه وبين عمر بن أبي ربيعة ففعلا واجتمعا وتحادثا وتناشدا إلى أن أنشد عمر قصيدته التي يقول فيها ( فلماّ التَقيْنا واطمأنَّتْ بنا النَّوَى ... وغُيِّب عنَّا مَنْ نخافُ ونُشْفِقُ ) حتى انتهى إلى قوله الفرزدق يعترف بأن عمر أغزل الناس ( فقُمْنَ لكي يُخْلِينَنا فترقرقتْ ... مَدامِعُ عَيْنَيْها وظلَّتْ تَدَفَّقُ ) ( وقالت أمَا ترحَمْنَنِي لا تَدَعْنَنِي ... لَدَى غَزِلٍ جَمِّ الصَّبَابة يَخْرُقُ ) ( فقلنَ اسْكُتِي عنَّا فلَسْتِ مُطَاعةً ... وخِلُّكِ منَّا فاعلمي بكِ أَرْفَقُ ) فصاح الفرزدق أنت والله يا أبا الخطاب أغزل الناس لا يحسن والله الشعراء أن يقولوا مثل هذا النسيب ولا أن يرقوا مثل هذه الرقية وودعه وانصرف أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الجبار بن سعيد المساحقي عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه أنه حج مع أبيه الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة فأتى عمر بن أبي ربيعة وقد أسن وشاخ فسلم عليه وسأله ثم قال له أي شيء أحدثت بعدي يا أبا الخطاب فأنشده مما قاله عمر في شيخوخته ( يقولون إنِّي لستُ أصدُقُكِ الهوى ... وإنِّيَ لا أرعاكِ حين أَغيبُ ) ( فما بالُ طَرْفِي عَفَّ عما تَسَاقطتْ ... له أعينٌ من مَعْشَرٍ وقُلوبُ ) ( عَشِيَّةَ لا يَسْتَنْكِفُ القومُ أن يَرَوْا ... سَفَاهَ امرىءٍ ممن يقال لبيبُ ) ( ولا فِتْنَةً من ناسكٍ أوْمَضَتْ له ... بعين الصِّبَا كَسْلَى القيامِ لَعُوبُ ) ( تَرَوَّحَ يَرْجُو أن تُحَطَّ ذُنوبُه ... فآبَ وقد زِيدتْ عليه ذنوبُ ) ( وما النُّسْكُ أسْلاَنِي ولكنَّ للهوى ... على العين منِّي والفؤادِ رقيبُ ) عمر والكساء والبردين أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل عن القحذمي قال واعد عمر بن أبي ربيعة نسوة من قريش إلى العقيق ليتحدثن معه فخرج إليهن ومعه الغريض فتحدثوا مليا ومطروا فقام عمر والغريض وجاريتان للنسوة فأظلوا عليهن بمطرفه وبردين له حتى استترن من المطر إلى أن سكن ثم انصرفن فقال له الغريض قل في هذا شعرا حتى أغني فيه فقال عمر صوت ( ألم تسألِ المنزلَ المُقْفِرا ... بياناً فيكتُمَ أو يُخْبِرَا ) ( ذكرتَ به بعض ما قد شَجَاكَ ... وحُقَّ لذي الشَّجْو أن يَذْكُرَا ) ( مُقَامَ المُحِبَّيْن قد ظاهَرا ... كِسَاءً وبُرْدَيْنِ أن يُمْطَرَا ) ( ومَمْشَى الثلاثِ به مَوْهِناً ... خرجن إلى زائرٍ زُوَّرَا ) ( إلى مجلسٍ من وراء القِبَاب ... ِ سَهْلِ الرُّبَا طيِّبٍ أَعْفَرَا ) ( غَفَلْنَ عن اللَّيل حتّى بدتْ ... تَباشيرُ من واضحٍ أَسْفَرَا ) ( فقُمْنَ يُعَفِّينَ آثارَنا ... بأكسية الخَزِّ أن تُقْفَرَا ) ( مهَاتانِ شيَّعتا جُؤْذُراً ... أَسِيلاً مُقَلَّدُه أحْوَرَا ) ( وقُمْنَ وقُلْنَ لَوَ انّ النهار ... َ مُدَّ له اللَّيلُ فاستأخَرَا ) ( قَضَيْنا به بعضَ أَشْجانِنا ... وكان الحديثُ به أَجْدَرَا ) ذكر ابن المكي أن الغناء في الخمسة الأبيات الأولى لابن سريج ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر وذكر الهشامي أن هذا اللحن للغريض وأن لحن ابن سريج رمل بالوسطى قال ولدحمان فيه أيضا ثاني ثقيل آخر بالوسطى وفيها لابن الهربذ خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى وقال حبش فيها لمعبد خفيف ثقيل بالوسطى أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو العباس المديني قال أخبرنا ابن عائشة قال حضر ابن أبي عتيق عمر بن أبي ربيعة وهو ينشد قوله ( ومَنْ كان مَحْزوناً بإِهراق عَبْرةٍ ... وَهَى غَرْبُها فَلْيأتِنا نُبْكِه غَدَا ) ( نُعِنْه على الإِثْكَال إنْ كان ثاكلاً ... وإن كان مَحْرُوباً وإن كان مُقْصَداً ) ابن أبي عتيق وخالد بن عبد الله القسري يأتيان عمر قال فلما أصبح ابن أبي عتيق أخذ معه خالدا الخِرِّيتَ وقال له قم بنا إلى عمر فمضيا إليه فقال له ابن أبي عتيق قد جئناك لموعدك قال وأي موعد بيننا قال قولك فليأتنا نبكه غدا قد جئناك والله لا نبرح أو تبكي إن كنت صادقا في قولك أو ننصرف على أنك غير صادق ثم مضى وتركه قال ابن عائشة خالد الخريت هو خالد بن عبد الله القسري أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا دماذ عن الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش الهمداني قال لقيت عمر بن أبي ربيعة فقلت له يا أبا الخطاب أكل ما قلته في شعرك فعلته قال نعم وأستغفر الله عمر ينزل عند عبد الله بن هلال في الكوفة أخبرني علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق عن عبد الله بن مصعب قال قدم عمر بن أبي ربيعة الكوفة فنزل على عبد الله بن هلال الذي كان يقال له صاحب إبليس وكان له قينتان حاذقتان وكان عمر يأتيهما فيسمع منهما فقال في ذلك ( يا أهلَ بَابِلَ ما نَفِسْتُ عليكُمُ ... من عَيْشِكم إلاّ ثلاثَ خِلاَلِ ) ( ماءَ الفُرَاتِ وطِيبَ ليلٍ باردٍ ... وغِناءَ مُسْمِعَتيْنِ لابن هِلاَلِ ) عمر وبعض الشعراء يصفون البرق أخبرني علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق عن رجاله أن عمر بن أبي ربيعة والحارث بن خالد وأبا ربيعة المصطلقي ورجلا من بني مخزوم وابن أخت الحارث بن خالد خرجوا يشيعون بعض خلفاء بني أمية فلما انصرفوا نزلوا بسرف فلاح لهم برق فقال الحارث كلنا شاعر فهلموا نصف البرق فقال أبو ربيعة ( أرِقْتُ لبرقٍ آخِرَ الليلِ لامِعٍ ... جَرَى من سَنَاه ذو الرُّبَا فيُنَابِعُ ) فقال الحارث ( أرِقتُ له ليلَ التِّمَامِ ودونَه ... مَهَامِهُ مَوْمَاةٍ وأرضٌ بَلاَقِعُ ) فقال المخزومي ( يُضِيءُ عِضَاهَ الشَّوْكِ حتّى كأنّه ... مَصَابِيحُ أو فجرٌ من الصُّبْح ساطِعُ ) فقال عمر ( أيا ربِّ لا آلُو المودَّةَ جاهِداً ... لأسماءَ فاصْنَعْ بي الذي أنتَ صانعُ ) ثم قال ما لي وللبرق والشوك هند وأسماء وخالد القسري وعمر أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي قال كان عمر بن أبي ربيعة وخالد القسري معه وهو خالد الخِرِّيتُ ذات يوم يمشيان فإذا هما بهند وأسماء اللتين كان يشبب بهما عمر بن أبي ربيعة تتماشيان فقصداهما وجلسا معهما مليا فأخذتهم السماء ومطروا ثم ذكر مثل خبر تقدم ورويته آنفا عن هاشم بن محمد الخزاعي وذكر الأبيات الماضية ولم يذكر فيها خبر الغريض وحكى أنه قال في ذلك عمر يذكر البرق والمطر والفتاة والكساء صوت ( أفِي رَسْمِ دارٍ دَمْعُكَ المُتَرَقْرِقُ ... سَفَاهاً وما استنطاقُ ما ليس يَنْطِقُ ) ( بحيثُ الْتَقَى جَمْعٌ ومفضى مُحسَّرٍ ... مَغانيَ قد كادتْ على العَهْدِ تَخْلَقُ ) ( ذكرتُ به ما قد مضى من زماننا ... وذِكْرُكَ رَسْمَ الدارِ ممَّا يُشَوِّقُ ) ( مَقَاماً لنا عند العِشاء ومجلساً ... به لم يُكدِّرْه علينا مُعَوِّقُ ) ( ومَمْشَى فَتَاةٍ بالكِساء تَكُنُّنا ... به تحت عَيْنٍ بَرْقُها يتألَّقُ ) ( يَبُلُّ أعالي الثوبِ قَطْرٌ وتحتَه ... شعَاعٌ بَدَا يُعْشِي العيونَ ويُشْرقُ ) ( فأحسنُ شيءٍ بَدْءُ أوّلِ ليلِنا ... وآخِرُه حُزْنٌ إذا نتفرّقُ ) ذكر يحيى بن المكي أن الغناء في ستة أبيات متوالية من هذا الشعر لمعبد خفيف ثقيل بالسبابة والوسطى وذكر الهشامي أنه من منحول يحيى عمر يقول الشعر في ليلى البكرية أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني مصعب قال لقي عمر بن أبي ربيعة ليلى بنت الحارث بن عمرو البكرية وهي تسير على بغلة لها وقد كان نسب بها فقال جعلني الله فداك عرجي هاهنا أسمعك بعض ما قلته فيك قالت أوقد فعلت قال نعم فوقفت وقالت هات فأنشدها صوت ( ألاَ يالَيْلُ إنّ شِفَاءَ نفسي ... نَوَالُكِ إن بَخِلْتِ فَنَوِّلِينَا ) ( وقد حضر الرَّحِيلُ وحان منَّا ... فِرَاقُكِ فانْظُرِي ما تأمُرِينَا ) فقالت آمرك بتقوى الله وإيثار طاعته وترك ما أنت عليه ثم صاحت ببغلتها ومضت وفي هذين البيتين لابن سريج خفيف ثقيل بالوسطى عن يحيى المكي وذكر الهشامي أنه من منحوله إلى ابن سريج وفيهما رمل طُنْبُورِيٌّ لأحمد بن صدقة ليلى بنت الحارث البكرية تعنف عمر لتشبيبه بالنساء أخبرني بذلك جحظة عنه وأخبرني بهذا الخبر عبد الله بن محمد الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن ابن الأعرابي أن ليلى هذه كانت جالسة في المسجد الحرام فرأت عمر بن أبي ربيعة فوجهت إليه مولى لها فجاءها به فقالت له يابن أبي ربيعة حتى متى لا تزال سادرا في حرم الله تشبب بالنساء وتشيد بذكرهن أما تخاف الله قال دعيني من ذاك واسمعي ما قلت قالت ما قلت فأنشدها الأبيات المذكورة فقالت له القول الذي تقدم أنها أجابته به قال وقال لها اسمعي أيضا ما قلت فيك ثم أنشدها قوله ( أمِنَ الرَّسْمِ وأَطْلاَلِ الدِّمَنْ ... عَاد لي وَجْدِي وعاودتُ الحَزَنْ ) ( إنّ حبِّي آلَ ليلَى قاتلي ... ظهر الحبُّ بجسمي وبَطَنْ ) ( يا أبا الحارث قلبي طائرٌ ... فأْتَمِرْ أمرَ رشيدٍ مؤتَمنْ ) ( الْتَمِسْ للقلب وصلاً عندها ... إنّ خيرَ الوَصْلِ ما ليس يُمَنْ ) ( عَلِقَ القلبُ وقد كان صَحا ... من بني بَكْرٍ غزالاً قد شَدَنْ ) ( أحورَ المُقْلةِ كالبدر إذا ... قُلِّد الدُّرَّ فقلبي مُمْتَحَنْ ) ( ليس حُبٌّ فوقَ ما أحببتُكم ... غيرَ أنْ أَقتُلَ نفسي أو أُجَنّ ) ( خُلِقَتْ للقلب مِنِّي فِتْنَةً ... هكذا يُخْلَقُ معروضُ الفِتَنْ ) قال وفيها يقول ( إنّ ليلَى وقد بلغتُ المَشيبا ... لم تَدَعْ للنساء عندي نصيبَا ) ( هاجِرٌ بيتَها لأَنْفِيَ عنها ... قولَ ذي العيب إن أرادَ عيوبا ) اجتماع المغنين على شعر عمر الغناء في الأبيات الأولى النونية لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو وفيها لابن عائشة ثقيل أول يقال إنه أول ثقيل غناه كان يغني الخفيف فعيب بذلك فصنع هذا اللحن وفيه لعبد الله بن يونس الأُبُلِّي رمل عن الهشامي والغناء في ( إنّ لَيلَى وقد بلغتُ المشيبا ... ) لابن سريج رمل بالوسطى عن عمر وفيه لكردم ثقيل أول بالوسطى عن عمرو أيضا وذكر إبراهيم أن فيه لحنا لعَطَرَّد ولم يجنسه عمر يشبب بالنوار أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني محمد بن منصور الأزدي قال حدثني أبي عن الهيثم بن عدي قال بينما عمر بن أبي ربيعة منصرف من المزدلفة يريد منى إذ بصر بامرأة في رحالة ففتن وسمع عجوزاً معها تناديها يا نوار استتري لا يفضحك ابن أبي ربيعة فاتبعها عمر وقد شغلت قلبه حتى نزلت بمنى في مضرب قد ضرب لها فنزل إلى جنب المضرب ولم يزل يتلطف حتى جلس معها وحادثها وإذا أحسن الناس وجها وأحلاه منطقا فزاد ذلك في إعجاب عمر بها ثم أراد معاودتها فتعذر ذلك عليه وكان آخر عهده فقال فيها صوت ( عَلِق النَّوارَ فُؤادُهُ جَهْلاَ ... وصَبَا فلم تترك له عقلا ) ( وتعرّضتْ لي في المَسيرِ فما ... أمسى الفؤادُ يَرى لها مِثْلا ) ( ما نعجةٌ من وحش ذِي بَقَرٍ ... تَغْذُو بسَقْط صَرِيمةٍ طِفْلا ) ( بألَذَّ منها إذ تقول لنا ... وأردتُ كَشْفَ قِناعها مَهْلا ) ( دعْنا فإنك لا مُكارمةً ... تَجزي ولَسْتَ بواصلٍ حَبْلا ) ( وعليكَ مَنْ تَبَلَ الفؤادَ وإن ... أمسَى لقلبك ذِكرهُ شُغْلا ) ( فأجبتُها إنّ المحبّ مُكَلَّفٌ ... فدَعِي العِتَابَ وأحدِثِي بَذْلا ) الغناء لابن محرز خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه ثاني ثقيل بالبنصر ينسب إلى ابن عائشة قصة عمر مع أم الحكم الأموية وما قاله فيها من الشعر أخبرني محمد بن خلف قال حدثني أبو عبد الله السدوسي عن عيسى بن إسماعيل العتكي عن هشام بن الكلبي عن أبيه قال حجت امرأة من بني أمية يقال لها أم الحكم فقدمت قبل أوان الحج معتمرة فبينا هي تطوف على بغلة لها إذ مرت على عمر بن أبي ربيعة في نفر من بني مخزوم وهم جلوس يتحدثون وقد فرعهم طولا وجهرهم جمالا وبهرهم شارة وعارضة وبيانا فمالت إليهم ونزلت عندهم فتحدثت معهم طويلا ثم انصرفت ولم يزل عمر يتردد إليها إلى أن انقضت أيام الحج فرحلت إلى الشأم وفيها يقول عمر ( تأوب لَيْلى بنَصبٍ وهَمّْ ... وعاودتُ ذِكْرَى لأُمّ الحَكَمْ ) ( فبِتُّ أراقِبُ ليلَ التِّمام ... مَنْ نام من عاشقٍ لم أنَمْ ) ( فإنما تَرَيْني على ما عَزَا ... ضعيفَ القيامِ شديدَ السَّقَمْ ) ( كثير التقلّب فوقَ الفِرَاش ... ِ ما إن تُقِلُّ قيامِي قَدَمْ ) ( بآنسةٍ طيب نشرها ... هَضيم الحَشَا عَذْبةِ المُبتَسَمْ ) في أول الأبيات الثلاثة غناء وقبلها وهو أول الصوت صوت ( وفتيانِ صدقٍ صِباحِ الوجوه ... لا يَجِدُون لشيءٍ ألَمْ ) ( مِن آل المُغِيرة لا يَشْهدُون ... عند المَجَازِرِ لَحْمَ الوَضَمْ ) الغناء في هذه الأبيات لمالك خفيف ثقيل الثاني بالبنصر وهو الذي يقال له المَاخُورِيُّ عن عمرو وفيه ثاني ثقيل ينسب إلى ابن سريج والغريض ودحمان وفيه لابن المكي خفيف رمل رسول سكينة بنت الحسين ( ع ) إلى عمر أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق عن أبي عبد الله الزبيري قال اجتمع نسوة من أهل المدينة من أهل الشرف فتذاكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن حديثه فتشوقن إليه وتمنينه فقالت سكينة بنت الحسين عليهما السلام أنا لكن به فأرسلت إليه رسولا وواعدته الصورين وسمت له الليلة والوقت وواعدت صواحباتها فوافاهن عمر على راحلته فحدثهن حتى أضاء الفجر وحان انصرافهن فقال لهن والله إني لمحتاج إلى زيارة قبر رسول الله والصلاة في مسجده ولكن لا أخلط بزيارتكن شيئا ثم انصرف إلى مكة وقال صوت ( قالت سُكَينةُ والدموعُ ذَوَارِفٌ ... منها على الخَدَّيْنِ والجِلْبابِ ) ( ليتَ المُغِيريَّ الذي لم أجزه ... فيما أطال تصيُّدي وطِلاَبِي ) ( كانت تردُّ لنا المُنَى أيّامنا ... إذ لا نُلاَمُ على هَوًى وتَصَابِي ) ( خُبِّرتُ ما قالتْ فبِتُّ كأنّما ... تَرْمِي الحَشَا بنَوافِذِ النُّشَّابِ ) ( أسُكَيْنُ ما ماءُ الفُراتِ وطِيبُه ... مِنِّي على ظمأٍ وفَقْد شَرَابِ ) ( بألذَّ منكِ وإن نأيتِ وقَلَّما ... ترعَى النساءُ أمانةَ الغُيَّابِ ) الغناء للهذلي رمل بالوسطى عن الهشامي وفيه للغريض خفيف ثقيل بالوسطى عن حبش قال وقال فيها عمر يقول الشعر في سكينة صوت ( أُحِبُّ لحبِك مَنْ لم يكن ... صَفِيًّا لنفسي ولا صاحبَا ) ( وأَبذُلُ نفسي لمَرْضاتكم ... وأُعتِبُ مَنْ جاءكم عَاتِبا ) ( وأرغَبُ في وُدِّ مَنْ لم أكن ... إلى ودِّه قبلَكم راغبا ) ( ولو سلَك الناسُ في جانبٍ ... مِن الأرض واعتزلتْ جانبا ) ( ليَمَّمْتُ طِيَّتَها إنَّني ... أرى قُرْبَها العَجَبَ العاجبا ) ( فما نَعْجةٌ من ظباء الأراك ... ِ تَقْرُو دَمِيثَ الرُّبَا عاشِبا ) ( بأحسنَ منها غَدَاةَ الغَمِيم ... وقد أبدتِ الخَدَّ والحاجبا ) ( غداةَ تقولُ على رِقْبَةٍ ... لخادمِها يا احْبسي الراكبا ) ( فقالت لها فيمَ هذا الكلامُ ... وأبدت لها عابساً قاطِبا ) ( فقالت كريمٌ أتى زائراً ... يَمُرُّ بكم هكذا جانبا ) ( شريفٌ أتى رَبْعَنا زائراً ... فأَكْرَهُ رجعتَه خائبَا ) غنى في الأول والثاني والرابع والخامس من هذه الأبيات ابن القفاص المكي ولحنه رمل من رواية الهشامي وحدثني وكيع وابن المرزبان وعمي قالوا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال حدثنا محمد بن معن الغفاري قال حدثني سفيان بن عيينة قال بينا أنا ومسعر بن كدام مع إسماعيل بن أمية بفناء الكعبة إذا بعجوز قد طلعت علينا عوراء متكئة على عصا يصفق أحد لَحْيَيْها على الآخر فوقفت على إسماعيل فسلمت عليه فرد عليها السلام وسألها فأحفى المسألة ثم انصرفت فقال إسماعيل لا إله إلا الله ماذا تفعل الدنيا بأهلها ثم أقبل علينا فقال أتعرفان هذه قلنا لا والله ومن هي قال هذه بَغُومُ ابن أبي ربيعة التي يقول فيها ( حَبَّذا أنتِ يا بَغُومُ وأسماءُ ... وعِيصٌ يَكُنُّنا وخَلاَءُ ) انظرا كيف صارت وما كان بمكة امرأة أجمل منها قال فقال له مسعر لا ورب هذه البنية ما أرى أنه كان عند هذه خير قط وفي هذه الأبيات يقول عمر عمر والبغوم وأسماء والرباب صوت ( صَرَمتْ حَبْلَكَ البغومُ وصَدَّتْ ... عنكَ في غير رِيبَةٍ أسماءُ ) ( والغَوَانِي إذا رأينَكَ كَهْلاً ... كان فيهنّ عن هَواكَ الْتِوَاءُ ) ( حَبَّذَا أنتِ يا بَغُومُ وأسما ... ءُ وعِيصٌ يكنُّنا وخَلاَءُ ) ( ولقد قلتُ ليلةَ الجَزْلِ لمّا ... أخضلتْ رَيْطتي عليّ السماءُ ) ( ليتَ شِعْرِي وهل يَرُدَّنَّ لَيْتٌ ... هل لهذا عند الرَّبَاب جزاءُ ) ( كُلُّ وَصْلٍ أَمْسَى لديَّ لأنثى ... غيرِها وَصْلُها إليها أداءُ ) ( كل خَلْقٍ وإنْ دنا لوِصَالٍ ... أو نأى فهو للرَّبَاب الفِدَاءُ ) ( فعِدِي نائلاً وإن لم تُنِيلي ... إنّما يَنْفَعُ المحب الرجاءُ ) لمعبد في ولقد قلت ليلة الجزل والذي بعده خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن يونس وإسحاق ودنانير وهو من مشهور غنائه أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثتني ظبية مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب عن ذهيبة مولاة محمد بن مصعب بن الزبير قالت البغوم وأسماء تغنيان لعمر كنت عند أمة الواحد أو أمة المجيد بنت عمر بن أبي ربيعة في الجنبذ الذي في بيت سكينة بنت خالد بن مصعب أنا وأبوها عمر وجاريتان له تغنيان يقال لإحداهما البغوم والأخرى أسماء وكانت أمة المجيد بنت عمر تحت محمد ابن مصعب بن الزبير قالت فقال عمر بن أبي ربيعة وهو معهم في الجنبذ هذه الأبيات فلما انتهى إلى قوله ( ولقد قلتُ ليلةَ الجَزْل لمّا ... أَخْضَلتْ رَيْطتِي عليَّ السماءُ ) خرجت البغوم ثم رجعت إليه فقالت ما رأيت أكذب منك يا عمر تزعم أنك بالجزل وأنت في جنبذ محمد بن مصعب وتزعم أن السماء أخضلت ريطتك وليس في السماء قزعة قال هكذا يستقيم هذا الشأن وأخبرني علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق عن المسيبي ومحمد بن سلام أن عمر أنشد ابن أبي عتيق قوله ( حَبّذا أنتِ يا بغومُ وأسماءُ ... وعِيصٌ يَكُنُّنا وخلاءُ ) فقال له ما أبقيت شيئا يتمنى يا أبا الخطاب إلا مرجلا يسخن لكم فيه الماء للغسل أخبرني ابن المرزبان قال حدثني إسماعيل بن جعفر عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي قال حجت أم محمد بنت مروان بن الحكم فلما قضت نسكها أتت عمر بن أبي ربيعة وقد أخفت نفسها في نسوة فحدثها مليا فلما انصرفت أتبعها عمر رسولا عرف موضعها وسأل عنها حتى أثبتها فعادت إليه بعد ذلك فأخبرها بمعرفته إياها فقالت نشدتك الله أن تشهرني بشعرك وبعثت إليه بألف دينار فقبلها وابتاع بها حللا وطيبا فأهداه إليها فردته فقال لها والله لئن لم تقبليه لأنهبنه فيكون مشهورا فقبلته ورحلت فقال فيها صوت ( أيُّها الراكبُ المُجِدُّ ابْتِكَارَا ... قد قَضَى من تِهَامَةَ الأَوْطَارَا ) ( من يَكُنْ قلبُه صَحِيحاً سَلِيماً ... ففُؤَادِي بالخَيْفِ أَمْسَى مُعَارَا ) ( ليتَ ذا الدهرَ كان حَتْماً علينا ... كلَّ يومين حِجَّةً واعتِمارَا ) الغناء لابن محرز ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه أيضا له خفيف ثقيل بالوسطى عن ابن المكي وفيه لذكاء وجه الرزة المعتمدي ثقيل أول من جيد الغناء وفاخر الصنعة ليس لأحد من طبقته وأهل صنعته مثله وأنشد ابن أبي عتيق قول عمر هذا فقال الله أرحم بعباده أن يجعل عليهم ما سألته ليتم لك فسقك القسم الكاذب أخبرني ابن المرزبان قال أخبرني أحمد بن يحيى القرشي عن أبي الحسن الأزدي عن جماعة من الرواة أن عمر كان يهوى حميدة جارية ابن تفاحة وفيها يقول صوت ( حُمِّلَ القلبُ من حُمَيدةَ ثِقْلاَ ... إنّ في ذاك للفؤاد لشُغْلاَ ) ( إنْ فعلتُ الذي سألتِ فقُولِي ... حَمْدُ خيراً وأَتْبِعِي القولَ فِعْلا ) ( وصِلِينِي فأُشْهِدُ اللهَ أنِّي ... لستُ أُصْفِي سواكِ ما عشتَ وَصلاَ ) الغناء لمعبد خفيف ثقيل بالوسطى عن يحيى المكي والهشامي وفيها يقول صوت ( يا قلبُ هل لك عن حُمَيدةَ زاجرُ ... أم أنت مُدَّكِرُ الحياء فصابر ) ( فالقلبُ من ذِكْرَى حمَيدةَ مُوجَعٌ ... والدَّمْعُ مُنْحَدِرٌ وعَظْمِي فاترُ ) ( قد كنتُ أحسِبُ أنَّني قبل الذي ... فعلتْ على ما عند حَمْدَةَ قادرُ ) ( حتى بَدَا لي من حُمَيدةَ خُلَّتِي ... بَيْنٌ وكنتُ من الفِراق أُحاذرُ ) الغناء لمعبد خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق عمر وبعض جواري بني أمية في موسم الحج وما دار بينهم من حديث أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أبو مسلم المستملي عن ابن أخي زرقان عن أبيه قال أدركت مولى لعمر بن أبي ربيعة شيخا كبيراً فقلت له حدثني عن عمر بحديث غريب فقال نعم كنت معه ذات يوم فاجتاز به نسوة من جواري بني أمية قد حججن فتعرض لهن وحادثهن وناشدهن مدة أيام حجهن ثم قالت له إحداهن يا أبا الخطاب إنا خارجات في غد فابعث مولاك هذا إلى منزلنا ندفع إليه تذكرة تكون عندك تذكرنا بها فسر بذلك ووجه بي إليهن في السحر فوجدتهن يركبن فقلن لعجوز معهن يا فلانة ادفعي إلى مولىأبي الخطاب التذكرة التي أتحفناه بها فأخرجت إلي صندوقا لطيفا مقفلا مختوما فقلن ادفعه إليه وارتحلن فجئته به وأنا أظن أنه قد أودع طيبا أو جوهرا ففتحه عمر فإذا هو مملوء من المضارب وهي الكيرِنْجَاتُ وإذا على كل واحد منها اسم رجل من مجان مكة وفيها اثنان كبيران عظيمان على أحدهما الحارث بن خالد وهو يومئذ أمير مكة وعلى الآخر عمر بن أبي ربيعة فضحك وقال تماجن علي ونفذ لهن ثم أصلح مأدبة ودعا كل واحد ممن له اسم في تلك المضارب فلما أكلوا واطمأنوا للجلوس قال هات يا غلام تلك الوديعة فجئته بالصندوق ففتحه ودفع إلى الحارث الكِيرِنْجَ الذي عليه اسمه فلما أخذه وكشف عنه غطاءه فرع وقال ما هذا أخزاك الله فقال له رويدا اصبر حتى ترى ثم أخرج واحدا واحدا فدفعه إلى من عليه اسمه حتى فرقها فيهم ثم أخرج الذي باسمه وقال هذا لي فقالوا له ويحك ما هذا فحدثهم بالخبر فعجبوا منه وما زالوا يتمازحون بذلك دهرا طويلا ويضحكون منه المرأة التي تأمر تربها بالتصدي لعمر في طوافه قال وحدثني هذا المولى قال كنت مع عمر وقد أسن وضعف فخرج يوما يمشي متوكئا على يدي حتى مر بعجوز جالسة فقال لي هذه فلانة وكانت إلفا لي وعدل إليها فسلم عليها وجلس عندها وجعل يحادثها ثم قال هذه التي أقول فيها صوت ( أبصرْتُها ليلةً ونِسْوَتَها ... يَمْشِينَ بين المَقَام والحَجَرِ ) ( بِيضاً حِسَاناً نَوَاعِماً قُطُفاً ... يَمْشِينَ هَوْناً كمِشْيَةِ البَقَرِ ) ( قالت لِتِرْبٍ لها تُلاطِفُها ... لَنُفْسِدَنَّ الطَّوافَ في عُمَرِ ) ( قُومِي تَصَدَّيْ له ليعرفنا ... ثم اغمزيه يا أُختِ في خَفَرِ ) ( قالتْ لها قد غَمَزْتُه فأَبَى ... ثم اسبَطَرَّتْ تَشْتَدُّ في أَثَرِي ) ( بل يا خليليَّ عادني ذِكَرِي ... بل اعترتْنِي الهُمُومُ بالسَّهَرِ ) الغناء لابن سريج في السادس والأول والثاني خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو وفيها لسنان الكاتب رمل بالوسطى عنه وعن يونس وفيه للأبجر خفيف رمل بالوسطى عنه وفي ( قالت لتربٍ لها تُلاطِفها ... ) لعبد الله بن العباس خفيف رمل بالبنصر عن الهشامي وفيه للدلال خفيف ثقيل عنه أيضا ولأبي سعيد مولى فائد في الأول والثاني ثقيل أول عن الهشامي أيضا ومن الناس من ينسب لحنه إلى سنان الكاتب وينسب لحن سنان إليه حكاية عمر مع البنات اللاتي ينظرن إليه من ثقب المضرب قال وجلس معها يحادثها فأطلعت رأسها إلى البيت وقالت يا بناتي هذا أبو الخطاب عمر بن أبي ربيعة عندي فإن كنتن تشتهين أن ترينه فتعالين فجئن إلى مضرب قد حجزن به دون بابها فجعلن يثقبنه ويضعن أعينهن عليه يبصرن فاستسقاها عمر فقالت له أيُّ الشراب أحب إليك قال الماء فأتي بإناء فيه ماء فشرب منه ثم ملأ فمه فمجه عليهن في وجوههن من وراء الحاجز فصاح الجواري وتهاربن وجعلن يضحكن فقالت له العجوز ويلك لا تدع مجونك وسفهك مع هذه السن فقال لا تلوميني فما ملكت نفسي لما سمعت من حركاتهن أن فعلت ما رأيت عمر يرتحل إلى العراق في طلب امرأة رآها في الطواف ثم يعود خائبا أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أحمد بن منصور بن أبي العلاء الهمداني قال حدثني علي بن طريف الأسدي قال سمعت أبي يقول بينما عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت إذ رأى امرأة من أهل العراق فأعجبه جمالها فمشى معها حتى عرف موضعها ثم أتاها فحادثها وناشدها وناشدته وخطبها فقالت إن هذا لا يصلح هاهنا ولكن إن جئتني إلى بلدي وخطبتني إلى أهلي تزوجتك فلما ارتحلوا جاء إلى صديق له من بني سهم وقال له إن لي إليك حاجة أريد أن تساعدني عليها فقال له نعم فأخذ بيده ولم يذكر له ما هي ثم أتى منزله فركب نجيبا له وأركبه نجيبا آخر وأخذ معه ما يصلحه وسارا لا يشك السهميَّ في أنه يريد سفر يوم أو يومين فما زال يحفد حتى لحق بالرفقة ثم سار بسيرهم يحادث المرأة طول طريقه ويسايرها وينزل عندها إذا نزلت حتى ورد العراق فأقام أياما ثم راسلها يتنجزها وعدها فأعلمته أنها كانت متزوجة ابن عم لها وولدت منه أولادا ثم مات وأوصى بهم وبماله إليها ما لم تتزوج وأنها تخاف فرقة أولادها وزوال النعمة وبعثت إليه بخمسة آلاف درهم واعتذرت فردها عليها ورحل إلى مكة وقال في ذلك قصيدته التي أولها صوت ( نام صَحْبِي ولم أَنَمْ ... من خَيال بنا أَلَمّْ ) ( طافَ بالركبِ مَوْهِناً ... بين خَاخٍ إلى إضَمْ ) ( ثم نَبّهتُ صاحباً ... طَيِّبَ الخِيم والشِّيَمْ ) ( أَرْيَحِيَّا مُساعِداً ... غيرَ نِكْسٍ ولا بَرَمْ ) ( قلتُ يا عَمْرُو شَفَّني ... لاعجُ الحُبِّ والألَمْ ) ( إِيتِ هِنداً فقُلْ لها ... ليلةَ الخَيْف ذي السَّلَمْ ) الغناء لمالك خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ويونس وفيه لعبد الله بن العباس الربيعي خفيف رمل من رواية عمرو بن بانة وذكر حبش أن لحن عبد الله بن العباس رمل آخر عن الهشامي جرير يشهد لعمر بالشعر أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا الحسين بن إسماعيل عن ابن عائشة عن أبيه قال كان جرير إذا أنشد شعر عمر بن أبي ربيعة قال شعر تهامي إذا أنجد وجد البرد حتى أنشد قوله ( رأتْ رجُلاً أمّا إذا الشمسُ عارضتْ ... فَيضْحَى وأمّا بالعَشِيِّ فيَخْصَرُ ) الأبيات فقال مازال هذا يهذي حتى قال الشعر حنين عمر إلى الماضي أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي عن عثمان بن إبراهيم الخاطبي وأخبرني به محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني إسحاق بن إبراهيم عن محمد بن أبان قال أخبرني العتبي عن أبي زيد الزبيري عن عثمان بن إبراهيم الخاطبي قال أتيت عمر بن أبي ربيعة بعد أن نسك بسنين وهو في مجلس قومه من بني مخزوم فانتظرت حتى تفرق القوم ثم دنوت منه ومعي صاحب لي ظريف وكان قد قال لي تعال حتى نهيجه على ذكر الغزل فننظر هل بقي في نفسه منه شيء فقال له صاحبي يا أبا الخطاب أكرمك الله لقد أحسن العذري وأجاد فيما قال فنظر عمر إليه ثم قال له وماذا قال قال حيث يقول ( لو جُدَّ بالسَّيف رأْسي في مَوَدَّتها ... لمَرَ يَهْوي سريعاً نحوَها رَاسِي ) قال فارتاح عمر إلى قوله وقال هاه لقد أجاد وأحسن فقلت ولله در جنادة العذري فقال عمر حيث يقول ماذا ويحك فقلت حيث يقول ( سَرَتْ لِعَيْنِكَ سَلْمَى بعد مَغْفَاها ... فبِتَّ مُستنبِهاً من بعد مَسْرَاها ) ( وقلتُ أهلاً وسهلاً مَنْ هدَاكِ لنا ... إن كنتِ تِمْثَالها أو كنتِ إيَّاها ) ( مِن حبِّها أتمنَّى أن يلاقينِي ... مِنْ نَحْوِ بلدتها ناعٍ فيَنْعَاها ) ( كيما أقول فراقٌ لا لِقَاءَ له ... وتُضْمِرُ النفسُ يأساً ثم تَسْلاَها ) ( ولو تموتُ لراعتْني وقُلْتُ أَلاَ ... يا بُؤْسَ للموتِ ليتَ الموتَ أبقاها ) قال فضحك عمر ثم قال وأبيك لقد أحسن وأجاد وما أبقى ولقد هيجتما علي ساكنا وذكرتماني ما كان عني غائبا ولأحدثنكما حديثا حلوا عمر يجتمع متنكرا مع هند بنت الحارث المرية ورفيقاتها بينا أنا منذ أعوام جالس إذ أتاني خالد الخريت فقال لي يا أبا الخطاب مرت بي أربع نسوة قبيل العشاء يردن موضع كذا وكذا لم أر مثلهن في بدو ولا حضر فيهن هند بنت الحارث المرية فهل لك أن تأتيهن متنكرا فتسمع من حديثهن وتتمتع بالنظر إليهن ولا يعلمن من أنت فقلت له ويحك وكيف لي أن أخفي نفسي قال تلبس لبسة أعرابي ثم تجلس على قعود ثم ائتهن فسلم عليهن فلا يشعرن إلا بك قد هجمت عليهن ففعلت ما قال وجلست على قعود ثم أتيتهن فسلمت عليهن ثم وقفت بقربهن فسألنني أن أنشدهن وأحدثهن فأنشدتهن لكثير وجميل والأحوص ونصيب وغيرهم فقلن لي ويحك يا أعرابي ما أملحك وأظرفك لو نزلت فتحدثت معنا يومنا هذا فإذا أمسيت انصرفت في حفظ الله قال فأنخت بعيري ثم تحدثت معهن وأنشدتهن فسررن بي وجذلن بقربي وأعجبهن حديثي قال ثم إنهن تغامزن وجعل بعضهن يقول لبعض كأنا نعرف هذا الأعرابي ما أشبهه بعمر بن أبي ربيعة فقالت إحداهن فهو والله عمر فمدت هند يدها فانتزعت عمامتي فألقتها عن رأسي ثم قالت لي هيه يا عمر أتراك خدعتنا منذ اليوم بل نحن والله خدعناك واحتلنا عليك بخالد فأرسلناه إليك لتأتينا في أسوإ هيئة ونحن كما ترى قال عمر ثم أخذنا في الحديث فقالت هند ويحك يا عمر اسمع مني لو رأيتني منذ أيام وأصبحت عند أهلي فأدخلت رأسي في جيبي فنظرت إلى حري فإذا هو ملء الكف ومنية المتمني فناديت يا عمراه يا عمراه قال عمر فصحت يا لبيكاه يا لبيكاه ثلاثا ومددت في الثالثة صوتي فضحكت وحادثتهن ساعة ثم ودعتهن وانصرفت فذلك قولي صوت ( عَرَفتُ مَصِيفَ الحيِّ والمتربَّعا ... ببَطْنِ حُلَيَّاتٍ دوارسَ بَلْقَعَا ) ( إلى السَّفْحِ من وادي المُغَمَّس بُدِّلتْ ... مَعالمُهُ وَبْلاً ونَكْباءَ زَعْزَعَا ) ( لهندٍ وأترابٍ لهندٍ إذِ الهوى ... جميعٌ وإِذ لم نَخْشَ أن يَتَصدَّعَا ) ( وإذ نحن مثلُ الماء كان مِزاجُه ... كما صَفَّقَ الساقي الرحيقَ المُشَعْشَعَا ) ( وإذ لا نُطِيعُ الكاشحين ولا نرى ... لواشٍ لدينا يطلب الصُّرْمَ موضِعَا ) الغناء للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي ومن نسخة عمرو الثانية وفيه لابن جامع وابن عباد لحنان من كتاب إبراهيم وفيها يقول وفيه غناء صوت ( فلمّا تواقفنا وسلَّمتُ أشرقتْ ... وجوهٌ زَهَاها الحسنُ أن تَتَقنَّعَا ) ( تَبَالَهْنَ بالعِرْفانِ لمّا رَأَيْنَني ... وقُلْنَ امرؤ باغٍ أَكَلَّ وأَوضعَا ) ( وقَرَّبْنَ أسبابَ الهوى لِمُتَيَّمٍ ... يقيسُ ذِراعاً كلّما قِسْنَ إصبَعا ) الغناء لابن عباد رمل عن الهشامي وفيه لابن جامع لحن من كتاب إبراهيم غير مجنس هذه الأبيات مقرونة بالأولى والصنعة في جميعها مختلفة يغني المغنون بعض هذه وبعض تلك ويخلطونهما والصنعة لمن قدمت ذكره وهي قصيدة طويلة ذكرت منها ما فيه صنعة ومما قاله في هند هذه وغني فيه قوله صوت ( ألم تسألِ الأَطْلالَ والمنزِلَ الخَلَق ... ببُرْقَةِ ذي ضَالٍ فَيُخبِرَ إنْ نَطَقْ ) ( ذكرتُ به هنداً فَظِلْتُ كأنّني ... أخو نَشْوةٍ لاقَى الحوانيت فاغتَبَقْ ) الغناء لعطرد ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لمعبد ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وذكر حبش أن فيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى ومنها من بديع شعره في هند صوت ( أصبحَ القلبُ مَهِيضا ... رَاجَعَ الحُبَّ الغَرِيضَا ) ( وأجدَّ الشوقَ وَهْناً ... أَن رأى بَرْقاً ومِيضَا ) ( ثم باتَ الرَّكْبُ نُوَّاماً ... ولم أَطْعَمْ غُموضَا ) ( ذاك من هندٍ قديماً ... تَرْكُها القلبَ مَهِيضَا ) ( وتَبدَّتْ ثم أَبْدتْ ... واضحَ اللَّوْنِ نَحِيضَا ) ( وعِذَابَ الطَّعْمِ غُرَّاً ... كأَقَاحِي الرّملِ بِيضَا ) الغناء لابن محرز خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر وفيه لحكم هزج بالوسطى عن عمرو وقيل إنه يمان ومن الناس من ينسب لحن ابن محرز إلى ابن مسجح ومنها صوت ( أَرِبْتُ إلى هندٍ وتِرْبَيْنِ مرةً ... لها إذ تواقَفْنا بِفَرْع المُقطَّعِ ) ( لِتَعْريج يومٍ أو لتَعْرِيس ليلةٍ ... علينا بَجْمع الشَّمْل قبلَ التَّصَدُّعِ ) ( فقُلْنَ لها لولا ارتقابُ صَحَابةٍ ... لنا خَلْفَنا عُجْنا ولم نَتَوَرَّعِ ) ( وقالت فتاةٌ كنتُ أحَسِبُ أنّها ... مُغَفَّلةٌ في مِئْزَرٍ لم تُدَرَّعِ ) ( لهنّ وما شاوَرْنَها ليس ما أرى ... بحُسْن جزاءٍ للحبيبِ المودِّعِ ) ( فقلن لها لا شَبَّ قَرْنُكِ فافْتَحي ... لنا باب ما يَخْفَى من الأمرِ نَسْمَعِ ) وهي أبيات الغناء للغريض ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر ابن المكي أنه لابن سريج ومنها صوت ( لمَّا ألَمَّتْ بأصحابي وقد هَجَعُوا ... حَسِبْتُ وَسْطَ رِحَالِ القوم عَطَّارَا ) ( فقلتُ مَنْ ذا المُحَيِّي وانتبهتُ له ... ومَنْ مُحَدِّثُنا هذا الذي زارَا ) ( ألا انزِلوا نَعِمَتْ دارٌ بقربكُمُ ... أهلاً وسَهلاً بكم مِنْ زائرٍ زارَا ) ( فَبُدِّلَ الرَّبْعُ ممّن كان يَسْكُنُهُ ... عُفْرَ الظِّباء به يَمْشينَ أَسْطَارَا ) الغناء لابن سريج رمل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه ليونس خفيف ثقيل وفيه لأبي فارة هزج بالنبصر وأول هذه القصيدة التي فيها ذكر هند قوله هند التي لا شبيه لها ( يا صاحبيِّ قِفَا نَسْتَخْبِرِ الدارا ... أَقْوتْ وهاجتْ لنا بالنَّعْفِ تَذْكَارَا ) ( وقد أرَى مَرَّةً سِرْباً بها حَسَناً ... مثلَ الجَآذِر لم يُمْسَسْنَ أبكارا ) ( فِيهنّ هندٌ وهندٌ لا شبيهَ لها ... فيمَنْ أقام من الأحياء أو سَارَا ) ( تقول ليت أبا الخَطَّاب وافقنا ... كي نَلْهُوَ اليومَ أو نُنْشَدَ أشعارا ) ( فلم يَرُعْهُنَّ إلاّ العيِسُ طالعةً ... بالقوم يَحمِلْنَ رُكْباناً وأَكْوَارا ) ( وفارسٌ يَحْمِلُ البازِي فقُلْنَ لها ... هَاهُمْ أولاءِ وما أكثرْنَ إكْثَارَا ) ( لما وَقَفْنا وَعنَّنَّا ركائبَنا ... بُدِّلن بالعُرْفِ بعد الرَّجْع إنكارَا ) ومنها صوت ( الَمْ تَرْبَعْ على الطَّلَلِ ... ومَغْنَى الحيِّ كالخِلَلِ ) ( لهندٍ إنّ هنداً حُبُّها ... قد كان من شُغُلِي ) ( فلمَّا أن عرَفْتُ الدارَ ... عُجْتُ لِرَسْمِها جَمَلِي ) ( وقلتُ لصُحْبَتي عُوجُوا ... فعَاجُوا هِزَّة الإِبلِ ) ( وقالوا قِفْ ولا تَعْجَلْ ... وإن كُنَّا على عَجَل ) ( قليلٌ في هواكَ اليومَ ... ما تَلْقَى من العَمَلِ ) الغناء لابن سريج ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه له أيضا رمل عن الهشامي وحبش ومنها صوت ( هاج ذا القلبَ منزلُ ... بالْبُلَيَّيْنِ مُحْوِلُ ) ( غيَّرتْ آيَهُ الصَّبا ... وجَنُوبٌ وشَمْأَلُ ) ( إنّ هنداً قَدَ ارسَلتْ ... وأخو الشوقِ مُرْسِلُ ) ( أرسَلتْ تَسْتَحِثُّنِي ... وتُفَدِّي وتَعْذُلُ ) ( أَيُّنَا باتَ ليله ... بين غُصْنَيْن يُوبَلُ ) ( تحتَ عَيْنٍ يكُنُّنَا ... بُرْدُ عَصْبٍ مُهَلْهَلُ ) في هذه الأبيات خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر ذكر إسحاق أنه لمالك وذكر عمرو أنه لابن محرز وذكر يونس أن فيها لحنا لابن محرز ولحنا لمالك وقال عمر في نسخته الثانية أنه لابن زرزر الطائفي خفيف ثقيل بالوسطى وروت مثل ذلك دنانير عن فليح وفيها لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيها لعبد الله بن موسى الهادي ثاني ثقيل من مجموعة ورواية الهشامي وفيه لحكم هزج بالخنصر والبنصر عن ابن المكي وفيه للحجبي رمل عن الهشامي وفيه ثقيل أول نسبه ابن المكي إلى ابن محرز وذكر الهشامي أنه منحول وفيه خفيف رمل ذكر الهشامي أنه لحن ابن محرز ومنها صوت ( يا صَاحِ هل تَدْرِي وقد جَمَدتْ عينِي ... بما أَلْقَى من الوَجْدِ ) ( لمّا رأيتُ دِيارَها دَرَستْ ... وتَبدَّلَتْ اعلامُها بَعْدِي ) ( وذكرتُ مَجْلِسَها ومجلسنا ... ذاتَ العِشاء بمَهْبِط النَّجْدِ ) ( ورسالةً منها تُعَاتبني ... فردَدْتُ مَعْتَبَةً على هِنْدِ ) الغناء ليحيى المكي رمل بالوسطى وفيه لغيره ألحان أخر ومنها عمر يتغزل بهند صوت ( ليتَ هنداً أنْجَزَتْنا ما تَعِدْ ... وشَفَتْ أنفسَنا مما تَجِدْ ) ( واسْتَبدَّتْ مرّةً واحدةً ... إنّما العاجزُ مَنْ لا يَستَبِدّ ) ( ولقد قالتْ لجاراتٍ لها ... ذات يومٍ وتَعَرَّتْ تَبْتَرِدْ ) ويروى ( زعَمُوها سألتْ جاراتها ... ) ( أكَمَا يَنْعَتُنِي تُبْصرْنَنِي ... عَمْرَكُنَّ اللهَ أم لا يَقْتَصِدْ ) ( فَتَضَاحَكْنَ وقد قُلْنَ لها ... حَسَنٌ في كلِّ عينٍ من تَوَدّ ) ( حسداً حُمِّلْنَه من أَجْلِها ... وقديماً كان في الناسِ الحَسَدْ ) الغناء لابن سريج رمل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لحن لمالك من كتاب يونس غير مجنس وفيه لابن سريج خفيف رمل بالبنصر عن عمرو وذكره إسحاق في خفيف الثقيل بالخنصر في مجرى البنصر ولم ينسبه إلى أحد وفيه ثاني ثقيل يقال إنه لحن لمالك ويقال إنه لمتيم ومنها صوت ( هاج القَرِيضَ الذِّكَرُ ... لمَا غَدَوْا فانْشَمَرُوا ) ( على بِغَالٍ شُحَّج قد ضَمَّهُنَّ السَّفَرُ ) ( فيهنّ هندٌ ليتني ... ما عُمِّرتْ أعَمَّرُ ) ( حتّى إذا ما جاءها ... حَتْفٌ أتانِي القَدَرُ ) لابن سريج فيه لحنان رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وخفيف رمل عن الهشامي ومنها صوت ( يا مَنْ لِقْلبٍ دَنِفٍ مُغْرَمِ ... هَامَ إلى هِنْدٍ ولم يَظْلِم ) ( هَامَ إلى رِيمٍ هَضِيمِ الحَشا ... عذبِ الثَّنَايا طَيِّبِ المَبْسِمِ ) ( لم أحْسَبِ الشمسَ بليلٍ بَدَتْ ... قَبْلِي لِذِي لَحْمٍ ولا ذي دَمِ ) ( قالت ألاَ إنَّكَ ذو مَلَّة ... يَصْرِفُكَ الأدْنَى عن الأَقْدَمِ ) ( قلتُ لها بل أنتِ مُعْتَلَّةٌ ... في الوَصْل يا هندُ لكي تَصْرِمِي ) الغناء لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه لبديح لحن قديم وقيل إن فيه رملا آخر لعمارة مولاة عبد الله بن جعفر ومنها الحب المقيم صوت ( تَصَابَى وما بعضُ التَّصَابِي بطَائِلِ ... وعاوَد من هندٍ جَوًى غيرُ زائِلِ ) ( عَشِيَّةَ قالتْ صَدَّعَتْ غَرْبةُ النَّوَى ... فما من تَلاَقٍ قد أَرَى دونَ قَابِلِ ) ( وما أنْسَ مِ الأشياءِ لا أنْسَ مَجْلِساً ... لنا مَرّةً منها بَقْرنِ المنازلِ ) ( بنَخْلةَ بين النَّخْلتين يَكُنُّنا ... من العَيْن عند العَيْن بُرْدُ المَرَاجِلِ ) الغناء للغريض ثقيل أول بالبنصر عن عمرو وفيه للعماني خفيف ثقيل عن دنانير والهشامي ومنها صوت ( لَجَّ قلبي في التَّصَابي ... وازْدَهَى عنِّي شَبَابِي ) ( ودَعَانِي لِهَوىَ هندٍ ... فوادٌ غيرُ نابي ) ( قلتُ لَمّا فاضَتِ العَيْنانِ ... دَمْعاً ذا انْسِكَاب ) ( إنْ جفَتْني اليومَ هندٌ ... بعدَ وُّدٍ واقترابِ ) ( فسبيلُ الناس طُرَّا ... لفَناءٍ وذهابِ ) الغناء لأهل مكة رمل بالوسطى عمر وفاطمة بنت عبد الملك بن مروان أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو علي الأسدي وهو بشر بن موسى بن صالح قال حدثني أبي موسى بن صالح عن أبي بكر القرشي قال كان عمر بن أبي ربيعة جالسا بمنى في فناء مضربه وغلمانه حوله إذ أقبلت امرأة برزة عليها أثر النعمة فسلمت فرد عل يها عمر السلام فقالت له أنت عمر بن أبي ربيعة فقالت لها أنا هو فما حاجتك قالت له حياك الله وقربك هل لك في محادثة أحسن الناس وجها وأتمهم خلقا وأكملهم أدبا وأشرفهم حسبا قال ما أحب إلي ذلك قالت على شرط قال قولي قالت تمكنني من عينيك حتى أشدهما وأقودك حتى إذا توسطت الموضع الذي أريد حللت الشد ثم أفعل ذلك بك عند إخراجك حتى انتهي بك إلى مضربك قال شأنك ففعلت ذلك به قال عمر فلما انتهت بي إلى المضرب الذي أرادت كشفت عن وجهي فإذا أنا بامرأة على كرسي لم أر مثلها قط جمالا وكمالا فسلمت وجلست فقالت أأنت عمر بن أبي ربيعة قلت أنا عمر قالت أنت الفاضح للحرائر قلت وما ذاك جعلني الله فداءك قالت ألست القائل صوت ( قالت وعَيْشِ أخي ونعمةِ والدي ... لأُنَبِّهنّ الحيَّ إن لم تَخْرُج ) ( فخرجتُ خَوْفَ يمينِها فتبسَّمَتْ ... فعلِمتُ أن يمينَها لم تَحْرَجِ ) ( فتناولتْ رأسي لِتعرِفَ مَسَّه ... بَمُخَضَّبِ الأطراف غيرِ مُشَنَّجِ ) ( فَلثمْتُ فاها آخِذاً بقُرونِها ... شُرْبَ النَّزِيف ببَرْد ماء الحَشْرَج ) الغناء لمعبد ثقيل أول بالبنصر عن يونس وعمرو ثم قالت قم فاخرج عني ثم قامت من مجلسها وجاءت المرأة فشدت عيني ثم أخرجتني حتى انتهت بي إلى مضربي وانصرفت وتركتني فحللت عيني وقد دخلني من الكآبة والحزن ما الله به أعلم وبت ليلتي فلما أصبحت إذا أنا بها فقالت هل لك في العود فقلت شأنك ففعلت بي مثل فعلها بالأمس حتى انتهت بي إلى الموضع فلما دخلت إذا بتلك الفتاة على كرسي فقالت إيه يا فضَّاح الحرائر قلت بماذا جعلني الله فداءك قالت بقولك صوت ( ونَاهِدَةِ الثَدْيَيْنِ قلتُ لها اتَّكِي ... على الرملِ من جَبَّانةٍ لم تَوَسَّدِ ) ( فقالتْ على اسمِ اللهِ أمرُك طاعةٌ ... وإن كنتُ قد كُلِّفتُ ما لم أُعَوَّدِ ) ( فلمّا دنا الإِصباحُ قالت فضحتني ... فُقْم غيرَ مطرودٍ وإن شئتَ فازدَدِ ) الغناء لأهل مكة ثقيل أول عن الهشامي ثم قالت قم فاخرج عني فقمت فخرجت ثم رددت فقالت لي لولا وشك الرحيل وخوف الفوت ومحبتي لمناجاتك والاستكثار من محادثتك لأقصيتك هات الآن كلمني وحدثني وأنشدني فكلمت آدب الناس وأعلمهم بكل شيء ثم نهضت وأبطأت العجوز وخلا لي البيت فأخذت أنظر فإذا أنا بتور فيه خلوق فأدخلت يدي فيه ثم خبأتها في ردني وجاءت تلك العجوز فشدت عيني ونهضت بي تقودني حتى إذا صرت على باب المضرب أخرجت يدي فضربت بها على المضرب ثم صرت إلى مضربي فدعوت غلماني فقلت أيكم يقفني على باب مضرب عليه خلوق كأنه أثر كف فهو حر وله خمسائمة درهم فلم ألبث أن جاء بعضهم فقال قم فنهضت معه فإذا أنا بالكف طرية وإذا المضرب مضرب فاطمة بنت عبد الملك ابن مروان فأخذت في أهبة الرحيل فلما نفرت نفرت معها فبصرت في طريقها بقباب ومضرب وهيئة جميلة فسألت عن ذلك فقيل لها هذا عمر بن أبي ربيعة فساءها أمره وقالت للعجوز التي كانت ترسلها إليه قولي له نشدتك الله والرحم أن تصحبني ويحك ما شأنك وما الذي تريد انصرف ولا تفضحني وتشيط بدمك فسارت العجوز إليه فأدت إليه ما قالت لها فاطمة فقال لست بمنصرف أو توجه إلي بقميصها الذي يلي جلدها فأخبرتها ففعلت ووجهت إليه بقميص من ثيابها فزاده ذلك شغفا ولم يزل يتبعهم لا يخالطهم حتى إذا صاروا على أميال من دمشق انصرف وقال في ذلك ( ضاق الغَدَاةَ بحاجتِي صَدْرِي ... ويئستُ بعد تَقَارُبِ الأمرِ ) ( وذكرتُ فاطمةَ التي عُلِّقتُها ... عَرَضاً فيا لِحَوَادث الدَّهْرِ ) وفي هذه القصيدة مما يغنى فيه قوله صوت ( مَمْكُورةٌ رَدْعُ العَبِيرِ بها ... جَمُّ العِظَام لطيفةٌ الخصرِ ) ( وكأنَّ فَاهَا عند رَقْدَتِها ... تَجْرِي عليه سُلاَفَةُ الخَمْرِ ) الغناء لإبراهيم بن المهدي ثاني ثقيل من جامعه وفيه لمتيم رمل من جامعها أيضا وتمام الأبيات وليست فيه صنعة ( فسَبَتْ فؤادي إذ عَرضْتُ لها ... يومَ الرَّحِيلِ بساحة القَصْرِ ) ( بمُزَيَّنٍ رَدْعُ العَبِير به ... حَسَنِ التَّرَائِبِ واضِح النَّحْرِ ) ( وبِجيدِ آدَمَ شَادِنٍ خَرق ... يَرْعَى الرِّيَاض ببلدةٍ قَفْرِ ) ( لمّا رأيتُ مَطِيّها حِزَقاً ... خَفَقَ الفؤادُ وكنتُ ذا صبرِ ) ( وتبادرَتْ عَيْنَايَ بعدهُم ... وانهلَّ دمعُهما على ا لصَّدْرِ ) ( ولقد عَصَيتُ ذَوِي القَرَابَةِ فيكمُ ... طُرّاً وأهلَ الوُدِّ والصِّهْر ) ( حتى لقد قالوا وما كَذبوا ... أجُنِنتَ أم بك داخلُ السِّحْرِ ) أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني إسحاق عن محمد بن أبان قال حدثني الوليد بن هشام القحذمي عن أبي معاذ القرشي قال لما قدمت فاطمة بنت عبد الملك بن مروان مكة جعل عمر بن أبي ربيعة يدور حولها ويقول فيها الشعر ولا يذكرها باسمها فرقا من عبد الملك بن مروان ومن الحجاج لأنه كان كتب إليه يتوعده إن ذكرها أو عرض باسمها فلما قضت حجها وارتحلت أنشأ يقول صوت ( كِدْتُ يومَ الرَّحِيل أقضِي حياتي ... ليتَني مُتُّ قبلَ يوم الرَّحِيلِ ) ( لا أطِيقُ الكلامَ من شدّة الخوفِ ... ودَمْعِي يَسِيلُ كلَّ مَسِيلِ ) ( ذَرَفَتْ عينُها وفاضتْ دُموعِي ... وكِلانَا يَلْقَى بلُبٍّ أصِيلِ ) ( لو خَلَتْ خُلَّتِي أصبتُ نَوالاً ... أَوْ حدِيثاً يَشْفِي مِنَ التَّنْوِيلِ ) ( ولَظَلَّ الخَلْخَالُ فوقَ الحَشَايَا ... مثلَ أثناءِ حَيَّةٍ مَقْتُولِ ) ( فلقَدْ قالَتِ الحبيبَةُ لولاَ ... كثرةُ الناسِ جُدْتُ بالتَّقْبِيلِ ) غنى فيه ابن محرز ولحنه ثقيل أول من أصوات قليلة الأشباه عن إسحاق وفيه لعبادل خفيف ثقيل بالبنصر عن عمرو ويقال إنه للهذلي وفيه لعبيد الله بن أبي غسان ثاني ثقيل عن الهشامي أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرني أبو علي الحسن بن لصباح عن محمد بن حبيب أنه أخبره أن عمر بن أبي ربيعة قال في فاطمة بنت عبد الملك بن مروان صوت ( يا خَلِيلي شَفَّنِي الذِّكَرُ ... وحُمُولُ الحيّ إذ صَدَرُوا ) ( ضَرَبُوا حُمْرَ القِبَابِ لها ... وأُدِيرتْ حولَها الحُجَرُ ) ( سلَكُوا شِعْبَ النِّقَابِ بها ... زُمَراً تَحْتَثُّها زُمَرُ ) ( وطَرَقْتُ الحيَّ مُكتَتِماً ... ومَعِي عَضْبٌ به أثرُ ) ( وأخٌ لم أخشَ نَبْوتَه ... بنَوَاحي أمرِهِمْ خَبِرُ ) ( فإذا رِيمٌ على فُرُشٍ ... في حِجَال الخَزّ مُخْتَدِرُ ) ( حَوْلَه الأحْراسُ ترقُبه ... نُوّمٌ من طول ما سَهِرُوا ) ( شَبَهُ القَتْلى وما قُتِلُوا ... ذاكَ إلاّ أنهم سَمَرُوا ) ( فدَعَتْ بالوَيْل ثم دَعَتْ ... حُرَّةً من شأنها الخَفَرُ ) ( ثم قالتْ للّتي مَعَها ... وَيْحَ نَفْسِي قد أتى عمرُ ) ( مَا لَه قد جاء يَطْرُقُنا ... ويَرَى الأعداءَ قد حَضَرُوا ) ( لِشَقائِي كانَ عُلِّقنَا ... ولِحَيْنِي ساقه القَدَرُ ) ( قلتُ عِرضِي دُونَ عِرضِكُمُ ... ولِمَنْ نَاوَاكُمُ الحَجَرُ ) هذا البيت الأخير مما فيه غناء مع ( وطرَقْتُ الحيَّ مكتتِما ... ) للغريض وفي ( يا خَليلي شَفَّني الذِّكَرُ ... ) وفي ( قلتُ عِرْضِي دونَ عِرْضِكُم ) وفي ( ثمَّ قالتْ للتي معها ... ) وفي ( ما له قد جاء يطرقُنا ... ) ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو وفي ( ضرَبُوا حُمْرَ القِبَاب لها ... ) وما بعده أربعة متوالية خفيف رمل بالوسطى للهذلي وفي وطرقت وبعده فإذا ريم وبعده حوله الأحراس والبيتين اللذين بعده لابن سريج خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو وفيها بعينها ثقيل أول يقال إنه للأبجر وينسب إلى غيره عن الهشامي أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني عبد الملك بن عبد العزيز عن رجل من قريش قال بينا عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت إذ رأى عائشة بنت طلحة بن عبيد الله وكانت من أجمل أهل دهرها وهي تريد الركن تستلمه فبهت لما رآها ورأته وعلمت أنها قد وقعت في نفسه فبعثت إليه بجارية لها وقالت قولي له اتق الله ولا تقل هجرا فإن هذا مقام لا بد فيه مما رأيت فقال للجارية أقرئيها السلام وقولي لها ابن عمك لا يقول إلا خيرا وقال فيها صوت ( لعائشة ابنةِ التَّيْميّ عندي ... حِمىً في القلبِ ما يُرْعَى حِمَاها ) ( يُذَكِّرُني ابنةَ التَّيْمي ظبيٌ ... يَرُودُ بَروْضَةٍ سَهْلٍ رُبَاها ) ( فقلتُ له وكاد يُرَاعُ قلبي ... فلم أرَ قَطُّ كاليوم اشتبِاهَا ) ( سِوَى حَمْشٍ بِساقِكَ مُستبينٍ ... وأن شَوَاك لم يُشْبِهْ شَوَاها ) ( وأنَّكَ عاطلٌ عارٍ وليستْ ... بعاريةٍ ولا عُطُلٍ يَدَاها ) ( وأنّكَ غيرُ أفْرَع وهي تُدْلِي ... على المَتْنَيْنِ أَسْحَمَ قد كَسَاها ) ( ولو قَعَدتْ ولم تكْلَفْ بوُدٍّ ... سوَى ما قد كَلِفتُ به كفَاهَا ) ( أظَلُّ إذا أُكَلِّمُها كأنِّي ... أُكَلِّم حيّةً غَلَبَتْ رُقَاها ) ( تَبِيتُ إليَّ بعد النوم تَسْرِي ... وقد أمسيت لا أخشَى سُراهَا ) الغناء في البيتين الأولين من هذه الأبيات لأبي فارة ثقيل أول وفيهما لعبد الله بن العباس الربيعي خفيف ثقيل جميعا عن الهشامي وذكر إسحاق أن هذا الصوت مما ينسب إلى معبد وهو يشبه غناءه إلا أنه لم يروه عن ثبت ولم يذكر طريقته قال وقال فيها أشعاراً كثيرة فبلغ ذلك فتيان بني تيم أبلغهم إياه فتى منهم وقال لهم يا بني تيم من مرة هالله ليقذفن بنو مخزوم بناتنا بالعظائم وتغفلون فمشى ولد أبي بكر وولد طلحة بن عبيد الله إلى عمر بن أبي ربيعة فأعلموه بذلك وأخبروه بما بلغهم فقال لهم والله لا أذكرها في شعر أبدا ثم قال بعد ذلك فيها وكنى عن اسمها قصيدته التي أولها صوت ( يا أمّ طَلْحَة إنّ البَيْنَ قد أَفِدَا ... قَلَّ الثَّواءُ لَئِن كان الرحيلُ غَدَا ) ( أمسَى العِراقيّ لا يَدْرِي إذا بَرَزتْ ... مَنْ ذا تَطَوّفَ بالأركان أو سَجَدا ) الغناء لمعبد ثقيل أول بالبنصر عن عمرو ويونس قال ولم يزل عمر ينسب بعائشة أيام الحج ويطوف حولها ويتعرض لها وهي تكره أن يرى وجهها حتى وافقها وهي ترمي الجمار سافرة فنظر إليها فقالت أما والله لقد كنت لهذا منك كارهة يا فاسق فقال صوت ( إنِّي وأوّلَ ما كَلِفْتُ بذِكْرها ... عَجَبٌ وهل في الحبِّ من مُتَعَجَّبِ ) ( نَعَتَ النساءُ فقلتُ لستُ بمُبْصِرٍ ... شَبَهاً لها أبداً ولا بمُقَرِّبِ ) ( فمكَثْنَ حِيناً ثم قُلْنَ تَوجَّهَتْ ... للحَجِّ موعِدُها لِقَاءُ الأَخْشَبِ ) ( أقبلتُ أنظرُ ما زَعَمْنَ وقُلْنَ لي ... والقلبُ بين مُصَدِّقٍ ومُكَذِّبِ ) ( فلَقِيتُها تَمْشِي تَهَادَى مَوْهِناً ... ترمِي الجِمَار عَشيَّةً في مَوْكِبِ ) ( غَرَّاءَ يُعْشِي الناظرين بياضُها ... حَوْرَاءَ في غُلَوَاءِ عيشٍ مُعْجِبِ ) ( إنّ الَّتي مِنْ أرضِها وسمائها ... جُلِبَتْ لحَيْنِك ليتَها لم تُجْلَبِ ) الغناء لمعبد في الأول والثاني والرابع والسابع ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وفيها للغريض خفيف ثقيل عن الهشامي يبدأ فيه بالثالث أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق قال أخبرني مصعب الزبيري أن عمر بن أبي ربيعة لقي عائشة بنت طلحة بمكة وهي تسير على بغلة لها فقال لها قفي حتى أسمعك ما قلت فيك قالت أوقد قلت يا فاسق قال نعم فوقفت فأنشدها صوت ( يا ربَّةَ البغلة الشَّهْباءِ هل لكِ في ... أن تُنْشِري مَيِّتاً لا تُرْهِقي حَرَجَا ) ويروى ( هل لكُمُ ... في عاشقٍ دَنِفٍ ) ( قالتْ بدائك مُتْ أو عِشْ تُعَالِجُه ... فما نَرَى لكَ فيما عندنا فَرَجا ) ( قد كنتَ حمَّلتَنا غيظاً نُعالِجُه ... فإن تُقِدْنا فقد عَنَّيْتَنا حِجَجَا ) ( حتَّى لَو أستطيعُ مما قد فعلتَ بنا ... أكلتُ لحمَكَ من غيظٍ وما نَضِجَا ) الغناء لابن سريج ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لابن سريج ثلاثة ألحان ذكرها إسحاق ولم يجنس منها إلا واحدا وذكر الهشامي أن أحدها خفيف رمل بالوسطى وذكر عمرو أن الثالث هزج بالوسطى ولإسحاق فيها هزج من مجموع صنعته فقالت لا ورب هذه البنية ما عنيتنا طرفة عين قط ثم قالت لبغلتها عدس وسارت وتمام هذه الأبيات ( فقلتُ لا والذي حَجَّ الحَجِيجُ له ... ما مَحَّ حُبَّكِ من قلبي ولا نَهِجَا ) ( ولا رأى القلبُ من شيءٍ يُسَرُّ به ... مُذْ بَانَ منزلُكم منَّا ولا ثَلِجا ) ( ضَنَّتْ بنائلها عنه فقد ترَكتْ ... في غير ذنبٍ أبا الخَطَّاب مُخْتَلجَا ) قال فلم تزل عائشة تداريه وترفق به خوفا من أن يتعرض لها حتى قضت حجها وانصرفت إلى المدينة فقال في ذلك ( إنّ من تَهْوَى مع الفجر ظَعَنْ ... لِلْهَوى والقلبُ مِتْبَاعُ الوَطَنْ ) ( بانتِ الشمسُ وكانت كلَّما ... ذُكرتْ للقلبِ عاودتُ الدَّدَنْ ) صوت ( يا أبا الحارثِ قلبي طائرٌ ... فأتَمِرْ أمرَ رشيدٍ مُؤْتَمَنْ ) ( نَظَرَتْ عَيني إليها نظرةً ... تَركتْ قلبي لَديْها مُرتَهَنْ ) ( ليس حبٌّ فوقَ ما أَحببتُها ... غيرَ أنْ أقتُلَ نفسي أو أُجَنّ ) فيها ثاني ثقيل بالوسطى نسبه عمرو بن بانة إلى ابن سريج ونسبه ابن المكي إلى الغريض وفيها رمل لأهل مكة ومما يغنى فيه من أشعاره في عائشة بنت طلحة قوله في قصيدته التي أولها صوت ( مَنْ لقلبٍ أَمْسَى رهيناً مُعَنَّى ... مُستكيناً قد شَفَّه ما أَجَنَّا ) ( إثْرَ شخصٍ نفسي فَدَتْ ذاك شخصاً ... نازحِ الدَّارِ بالمدينة عنّا ) ( ليتَ حَظِّي كطَرْفةِ العينِ منها ... وكثيرٌ منها القليلُ المُهَّنا ) الغناء لإبراهيم خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق أخبرني الحسن بن علي الخفاف ومحمد بن خلف قالا حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال حدثني محمد بن عبد الرحمن التيمي عن هشام بن سليمان بن عكرمة بن خالد المخزومي قال كان عمر بن أبي ربيعة يهوى كلثم بنت سعد المخزومية فأرسل إليها رسولا فضربتها وحلقتها وأحلفتها ألا تعاود ثم أعادها ثانية ففعلت بها مثل ذلك فتحاماها رسله فابتاع أمة سوداء لطيفة رقيقة وأتى بها إلى منزله فأحسن إليها وكساها وآنسها وعرفها خبره وقال لها إن أوصلت لي رقعة إلى كثلم فقرأتها فأنت حرة ولك معيشتك ما بقيت فقالت اكتب لي مكاتبة واكتب حاجتك في آخرها ففعل ذلك فأخذتها ومضت بها إلى باب كلثم فاستأذنت فخرجت إليها أمة لها فسألتها عن أمرها فقالت مكاتبة لبعض أهل مولاتك جئت أستعينها في مكاتبتي وحادثتها وناشدتها حتى ملأت قلبها فدخلت إلى كلثم وقالت إن بالباب مكاتبة لم أر قط أجمل منها ولا أكمل ولا آدب فقالت ائذني لها فدخلت فقالت من كاتبك قالت عمر بن أبي ربيعة الفاسق فاقرئي مكاتبتي فمدت يدها لتأخذها فقالت لها لي عليك عهد الله أن تقرئيها فإن كان منك إلى شيء مما أحبه وإلا لم يلحقني منك مكروه فعاهدتها وفطنت وأعطتها الكتاب فإذا أوله ( من عاشقٍ صَبٍّ يُسِرُّ الهوى ... قد شَفَّه الوجدُ إلى كَلْثَمِ ) ( رأتكِ عَيْنِي فدعاني الهوى ... إليكِ للحَيْن ولم أعْلَمِ ) ( قَتَلِتَنا يا حبَّذا أنتُم ... في غيرِ ما جُرْمٍ ولا مَأْثَمِ ) ( واللهُ قد أنْزَلَ في وَحْيِه ... مُبَيناً في آيِهِ المُحْكَمِ ) ( مَنْ يَقْتُلِ النفسَ كذا ظالماً ... ولم يُقِدْها نفسَه يَظْلمِ ) ( وأنتِ ثأْرِي فَتَلافَي دَمِي ... ثم اجعلِيه نعمةً تُنْعِمِي ) ( وحَكِّمي عَدْلاً يكُنْ بينَنا ... أو أنتِ فيما بينَنا فاحْكُمِي ) ( وجالِسينِي مَجْلِساً واحداً ... من غيرِ ما عارٍ ولا محْرَم ) ( وخبِّريني ما الذي عندكم ... باللهِ في قتلٍ امرئٍ مُسْلِمِ ) قال فلما قرأت الشعر قالت لها إنه خداع ملق وليس لما شكاه أصل قالت يا مولاتي فما عليك من امتحانه قالت قد أذنت له وما زال حتى ظفر ببغيته فقولي له إذا كان المساء فليجلس في موضع كذا وكذا حتى يأتيه رسولي فانصرفت الجارية فأخبرته فتأهب لها فلما جاءه رسولها مضى معه حتى دخل إليها وقد تهيأت أجمل هيئة وزينت نفسها ومجلسها وجلست له من وراء ستر فسلم وجلس فتركته حتى سكن ثم قالت له أخبرني عنك يا فاسق ألست القائل ( هلاَّ اسْتَحيْتِ فتَرْحَمِي صَبَّا ... صَدْيَانَ لم تَدَعي له قَلْبَا ) ( جَشِمَ الزيارةَ في مودّتكم ... وأراد ألاّ تُرْهِقِي ذَنْبَا ) ( ورَجَا مُصَالَحَةً فكان لكم ... سَلْماً وكنتِ تَرَيْنَه حَرْبَا ) ( يا أيها المُعْطِي مودّتَه ... مَنْ لا يَرَاك مُسامِياً خِطْبَا ) ( لا تَجْعَلَنْ أحداً عليك إذا ... أحببتَه وهَوِيتَه رَبَّا ) ( وصِلِ الحبيبَ إذا شُغِفَتْ به ... واطوِ الزيارةَ دونَه غِبَّا ) ( فلَذَاكَ أحسنُ من مُوَاظَبةٍ ... ليستْ تَزِيدُكَ عنده قُرْبَا ) ( لا بل يَملُّكَ عند دَعْوته ... فيقولُ هَاهِ وطَالمَا لبَّى ) فقال لها جعلت فداك إن القلب إذا هوي نطق اللسان بما يهوى فمكث عندها شهرا لا يدري أهله أين هو ثم استأذنها في الخروج فقالت له بعد أن فضحتني لا والله لا تخرج إلا بعد أن تتزوجني ففعل وتزوجها فولدت منه ابنين أحدهما جوان وماتت عنده أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الجبار بن سعيد قال حدثني إبراهيم بن يعقوب بن أبي عبد الله عن أبيه عن جده أن عمر رأى لبابة بنت عبد الله بن العباس امرأة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان تطوف بالبيت فرأى أحسن خلق الله فكاد عقله يذهب فسأل عنها فأخبر بنسبها فنسب بها وقال فيها صوت ( وَدِّعْ لُبَابَةَ قبلَ أن تَتَرحَّلا ... واسْأَلْ فإنَّ قُلالَه أن تَسْأَلاَ ) ( إلبَثْ بعَمْرِك ساعةً وتأنَّها ... فلعلَّ ما بَخِلَتْ به أن يُبْذَلاَ ) ( قال ائتَمِرْ ما شئتَ غيرَ مُخَالفٍ ... فيما هَوِيتَ فإنّنا لن نَعْجَلاَ ) ( لَسْنَا نُبالِي حين تَقْضي حاجةً ... ما باتَ أو ظَلَّ المَطِيّ مُعَقَّلا ) ( حتى إذا ما اللَّيلُ جَنَّ ظَلاَمُه ... ورقَبْتُ غفلةَ كاشحِ أن يَمحُلاَ ) ( خرجتْ تأطَّرُ في الثياب كأنّها ... أَيْمٌ يَسيبُ على كثِيبٍ أهْيَلا ) ( رحَّبْتُ حينَ رأيتُها فتَبسَّمَتْ ... لتحيَّتِي لمّا رأتْني مُقْبِلاَ ) ( وجَلاَ القِنَاعُ سَحَابةً مشهورةً ... غَرَّاءَ تُعْشِي الطَّرْفَ أَن يتأمّلاَ ) ( فَلبِثْتُ أرْقيها بما لو عاقِلٌ ... يُرْقَى به ما اسْطاعَ ألاّ يَنْزِلاَ ) غنى في هذه الأبيات معبد خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق ابتداؤه نشيد وفيها لابن سريج ثقيل أول بالوسطى في مجراها عن إسحاق أيضا وفيها لابن سريج في الأول والرابع من الأبيات رمل عن ابن المكي ولابي دلف القاسم بن عيسى في هذين البيتين خفيف ثقيل بالسبابة والبنصر وابتداؤه نشيد من رواية ابن المكي وفيه لمحمد بن الحسن بن مصعب هزج أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال لما حج الغمر بن يزيد بن عبد الملك دخل إليه معبد فغناه ( وَدِّعْ لبابةَ قبل أن تترحَّلا ... ) فلم يزل يردده عليه ثم أخرجه معه لما رحل عن المدينة فغناه في المنزل به حتى أراد الرحيل فحمله على بغلة له وذهب غلام له يتبعه فقال إلى أين فقال أمضي معه حتى أجيء بالبغلة فقال هيهات ارجع يا بني ذهبت والله لبابة ببغلة مولاك وقد روي هذا الخبر لغير الغمر بن يزيد نسب الثريا بنت علي وهذه الأبيات التي فيها الغناء المختار وهو ( تشكَّى الكُميَتُ الجَرْيَ لمّا جَهَدْتُه ... ) يقولها عمر بن أبي ربيعة في الثريا بنت علي بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف وهم الذين يقال لهم العبلات سموا بذلك لجدة لهم يقال لها عبلة بنت عبيد بن خالد بن خازل بن قيس بن مالك بن حنظلة ابن مالك بن زيد مناة بن تميم وهي من بطن من تميم يقال لهم البراجم غير براجم بني أسد أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال كانت عبلة بنت عبيد بن خالد بن خازل بن قيس بن حنظلة عند رجل من بني جُشَم بن معاوية فبعثها بأنحاء سمن تبيعها له بعكاظ فباعت السمن وراحلتين كان عليهما وشربت بثمنها الخمر فلما نفد ثمنها رهنت ابن أخيه وهربت فطلقها وقالت في شربها الخمر ( شَرِبتُ براحلَتَيْ مِحْجَنٍ ... فيَا وَيْلتِي مِحْجَنٌ قاتِلي ) ( وبابنِ أخيه على لذّةٍ ... ولم أحْتَفِلْ عَذَلَ العاذِلِ ) قال فتزوجها عبد شمس بن عبد مناف فولدت له أمية الأصغر وعبد أمية ونوفلا وهم العبلات وقد ذكر الزبير بن بكار عن عمه أن الثريا بنت عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر وأنها أخت محمد بن عبد الله المعروف بأبي جراب العبلي الذي قتله داود بن علي وهو الذي يقول فيه ابن زياد المكي ( ثلاثُ حوائجٍ ولهُنَّ جِئنا ... فقُمْ فيهنَّ يابن أبي جِرابِ ) ( فإنّكَ ماجدٌ في بيت مجدٍ ... بقِيّةُ مَعْشَرٍ تحتَ التراب ) قال وله يقول ابن زياد المكي أيضا ( إذا مُتَّ لم تُوصَلْ بعُرْفٍ قرابةٌ ... ولم يَبْقَ في الدنيا رجاءٌ لسَائِل ) قال الزبير وهذا أشبه من أن تكون بنت عبد الله بن الحارث وعبد الله إنما أدرك سلطان معاوية وهو شيخ كبير وورث بقُعْدُدِه في النسب دار عبد شمس ابن عبد مناف وحج معاوية في خلافته فجعل ينظر إلى الدار فخرج إليه عبد الله بن الحارث بمحجن ليضربه به وقال لا أشبع الله بطنك أما تكفيك الخلافة حتى تطلب هذه الدار فخرج معاوية يضحك قال مؤلف هذا الكتاب وهذا غلط من الزبير عندي والثريا أن تكون بنت عبد الله بن الحارث أشبه من أن تكون أخت الذي قتله داود بن علي لأنها ربت الغريض المغني وعلمته النوح بالمراثي على من قتله يزيد بن معاوية من أهلها يوم الحرة وإذا كانت قد ربت الغريض حتى كبر وتعلم النوح على قتلى الحرة وهو رجل وهي وقعة كانت بعقب موت معاوية فقد كانت في حياة معاوية امرأة كبيرة وبين ذلك وبين من قتله داود بن علي من بني أمية نحو ثمانين سنة وقد شبب بها عمر بن أبي ربيعة في حياة معاوية وأنشد عبد الله بن عباس شعره فيها فكيف تكون أخت الذي قتله داود بن علي وقد أدركت عبد الله بن عباس وهي امرأة كبيرة وقد اعترف الزبير أيضا في خبره بأن عبد الله بن الحارث أدرك خلافة معاوية وهو شيخ كبير فقول من قال إنها بنته أصوب من قول من قرنها بمن قتله داود بن علي وهذا القول الذي قلته قول ابن الكلبي وأبي اليقظان أخبرني به الحسن بن علي عن أحمد بن الحارث عن المدائني عن أبي اليقظان قال وحدثني به جماعة من أهل العلم بنسب قريش الثريا تختبر عمر في مدى حبه إياها أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني مسلمة ابن إبراهيم بن هشام المخزومي عن أيوب بن مسلمة أنه أخبره أن عمر بن أبي ربيعة كان مُسْهَباً بالثريا بنت علي بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر وكانت عرضة ذلك جمالا وتماما وكانت تصيف بالطائف وكان عمر يغدو عليها كل غداة إذا كانت بالطائف على فرسه فيسأل الركبان الذين يحملون الفاكهة من الطائف عن الأخبار قبلهم فلقي يوما بعضهم فسأله عن أخبارهم فقال ما استطرفنا خبرا إلا أنني سمعت عند رحيلنا صوتا وصياحا عاليا على امرأة من قريش اسمها اسم نجم في السماء وقد سقط عني اسمه فقال عمر الثريا قال نعم وقد كان بلغ عمر قبل ذلك أنها عليلة فوجه فرسه على وجهه إلى الطائف يركضه ملء فروجه وسلك طريق كداء وهي أخشن الطرق وأقربها حتى انتهى إلى الثريا وقد توقعته وهي تتشوف له وتشرف فوجدها سليمة عميمة ومعها أختاها رُضَيّا وأم عثمان فأخبرها الخبر فضحكت وقالت أنا والله أمرتهم لأختبر مالي عندك فقال عمر في ذلك هذا الشعر ( تَشَكَّى الكُمَيْتُ الجَرْيَ لمّا جَهَدْتُه ... وبيَّن لو يَسْطِيعُ أن يَتَكَلَّما ) ( فقلتُ له إنْ ألْقَ للعَيْن قُرَّةً ... فَهَانَ عليّ أن تَكِلَّ وَتَسْأَمَا ) ( لذلك أُدْني دونَ خَيْلي رِبَاطَه ... وأوصِي به ألاّ يُهَانَ ويُكْرمَا ) ( عَدِمْتُ إذاً وَفْرِي وفارقتُ مُهْجَتِي ... لئن لم أَقِلْ قَرْناً إن اللهُ سلَّما ) قال مسلمة بن إبراهيم قلت لأيوب بن مسلمة أكانت الثريا كما يصف عمر بن أبي ربيعة فقال وفوق الصفة كانت والله كما قال عبد الله بن قيس ( حَبَّذَا الحجُّ والثُّريَّا ومَنْ بالخَيْفِ ... من أجلِها ومُلْقَى الرِّحَالِ ) ( يا سليمانُ إن تُلاَقِ الثريّا ... تَلْقَ عَيْشَ الخُلُودِ قبلَ الهِلالِ ) ( دُرَّةٌ من عَقَائِل البحر بِكْرٌ ... لم تشِنْها مَثَاقِبُ الّلآلِ ) ( تَعْقِد المِئْزَرَ السُّخَامَ من الخَزِّ ... على حَقْوِ بَادنٍ مِكْسَالِ ) شعر عمر في رملة الخزاعية قال إسحاق في خبره عمن أسند إليه أخبار عمر بن أبي ربيعة وذكر مثله الزبير بن بكار فيما حدثنا به عنه الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني مؤمن بن عمر ابن أفلح مولى فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد الله بن عمر ابن مخزوم قال حدثني بلال مولى ابن أبي عتيق أن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قدم للحج فأتاه ابن أبي عتيق فسلم عليه وأنا معه فلما قضى سلامه ومساءلته عن حجه وسفره قال له كيف تركت أبا الخطاب عمر بن أبي ربيعة قال تركته في بُلَهْنِيَةٍ من العيش قال وأنى ذلك قال حجت رملة بنت عبد الله بن خلف الخزاعية فقال فيها صوت ( أصْبَحَ القلبُ في الحِبالِ رَهِينَا ... مُقْصَداً يومَ فارَقَ الظَّاعنِينَا ) ( قلتُ مَنْ أنتُمُ فصَدَّتْ وقالتْ ... أَمُبِدٌّ سؤالَك العَالَمِينَا ) ( نحن من ساكني العِرَاق وكُنَّا ... قبلَه قاطنين مكةَ حِيِنَا ) ( قد صَدَقْنَاكَ إذ سألتَ فمن أنتَ ... عسى أن يَجُرّ شأنٌ شُؤونا ) ( ونَرَى أننا عَرَفْنَاك بالنَّعْتِ ... بظَنٍّ وما قَتَلْنَا يَقينَا ) ( بسَوَادِ الثَّنيَّتينِ ونَعْتٍ ... قد نَرَاه لناظرٍ مُسْتَبِينَا ) هجران الثريا عمر بعد أن بلغها شعره في رملة غنى معبد في البيتين الأولين خفيف ثقيل أول بالوسطى في مجراها عن إسحاق وغنى في الثاني وما بعده ابن سريج خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عنه أيضا وذكر حبش أن فيه للغريض أيضا لحنا من الثقيل الأول بالبنصر قال فبلغ ذلك الثريا بلغتها إياه أم نوفل وكانت غضبى عليه وقد كان انتشر خبره عن الثريا حتى بلغها من جهة أم نوفل وأنشدتها قوله ( أصْبَح القلبُ في الحِبال رَهِينَا ... مُقْصداً يومَ فارَق الظاعنينَا ) فقالت إنه لوقاح صنع بلسانه ولئن سلمت له لأردن من شأوه ولأثنين من عنانه ولأعرفنه نفسه فلما بلغت إلى قوله ( قُلتُ من أنتُمُ فصدَّتْ وقالتْ ... أمُبِدٌّ سُؤالك العالِمَينا ) فقالت إنه لسأل ملح قبحا له ولقد أجابته إن وفت فلما بلغت إلى قوله ( نحن من ساكني العراقِ وكنّا ... قلبَه قاطنين مكةَ حِيِنا ) قالت غمزته الجهمة فلما بلغت إلى قوله ( قد صَدقْناك إذ سألتَ فمن أنتَ ... عسى أن يَجُرَّ شأنٌ شُؤونا ) قالت رمته الورهاء بآخر ما عندها في مقام واحد وهجرت عمر أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب أن رملة بنت عبد الله بن خلف حجت فتعرض لها عمر بن أبي ربيعة فقال فيها ( أصبح القلب في الحبال رهينا ... مُقصَداً يوم فارق الظاعنينا ) وقال في هذه القصيدة ( فرأتْ حِرْصِيَ الفتاةُ فقالتْ ... خَبِّريهِ من أجْلِ من تَكْتُمِينا ) ( نحن من ساكني العراق وكنّا ... قلبه قاطنين مكة حينا ) ( قد صدقناك إذ سألت فمن أنت ... عسى أن يجرّ شأن شؤونا ) قال الزبير ورملة هذه أم طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي وهي أخت طلحة الطلحات بن عبد الله بن خلف الخزاعي كثير يغضب إثر سماعه شعر عمر في رملة قال فبلغت هذه الأبيات كثيرا فغضب لذلك وقال وأنا والله لا أتمارى أن سيجر شأن شؤونا ثم ذكر نسوة من قريش فساقهن في شعره من الحج حتى بلغ بهن إلى ملل ثم أشفق فجاز ولم يزد على ذلك وهو قوله في قصيدته التي أولها ( ما عَنَاكَ الغَداةَ من أَطْلالِ ... دَارِسَاتِ المُقَامِ مُذْ أَحْوالِ ) صوت ( قُمْ تأمَّلْ فأنتَ أَبْصَرُ منِّي ... هل تَرَى بالغَمِيمِ من أَجْمَالِ ) ( قاضياتٍ لُبَانةً من مُنَاخٍ ... وطَوَافٍ ومَوْقِفٍ بالجِبَالِ ) ( قِلْنَ عُسْفَانَ ثمّ رُحْنَ سِراعاً ... هابطاتٍ عَشِيَّةً من غَزَالِ ) ( وارداتِ الكَدِيد مُجْترعاتٍ ... جُزْنَ وَادي الحَجُونِ بالأَثْقَالِ ) ( قَصْدَ لِفْتٍ وهُنّ مُتَّسِقَاتٌ ... كالعَدْوَلِيّ لاحِقَاتِ التَّوَالِي ) ( طالعاتِ الغمِيس من عَبُّودٍ ... سالكاتِ الخَوِيِّ من أمْلالِ ) ( فَسقَى اللهُ منْتَوى أُمِّ عمروٍ ... حيث أَمَّتْ بها صُدورُ الرِّحالِ ) ( حَبَّذَا هُنّ مِنْ لُبَانَةِ قَلِبي ... وجَدِيدُ الشَّباب من سِرْبالِي ) ( رُبَّ يومٍ أتيتهُنّ جميعاً ... عند بَيْضاءَ رَخْصَةٍ مِكْسَالِ ) ( غيرَ أنِّي امرؤٌ تَعَمَّمْتُ حِلْماً ... يَكْرَه الجهلَ والصِّبَا أمثالي ) غنى ابن سريج في الثلاثة الأبيات الأول خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو ويونس وذكر الهشامي أن فيها للحجبي رملاً بالبنصر قالوا فلما هجرت الثريا عمر قال في ذلك ( مَنْ رَسُولِي إلى الثُّريَّا فإنِّي ... ضِقْتُ ذَرْعاً بهَجْرِها والكتابِ ) ابن أبي عتيق يسعى للصلح بين عمر والثريا فبلغ ابن أبي عتيق قوله فمضى حتى أصلح بينهما وهذه الأبيات تذكر مع ما فيها من الغناء ومع خبر إصلاح ابن أبي عتيق بينهما بعد انقضاء خبر رملة التي ذكرها عمر في شعره قال مصعب بن عبد الله في خبره وكانت رملة جهمة الوجه عظيمة الأنف حسنة الجسم وتزوجها عمر بن عبيد الله بن معمر وتزوج عائشة بنت طلحة بن عبيد الله وجمع بينهما فقال يوما لعائشة فعلت في محاربة الخوارج مع أبي فُدَيْكٍ كذا وصنعت كذا يذكر له شجاعته وإقدامه فقالت له عائشة أنا أعلم أنك أشجع الناس وأعرف لك يوما هو أعظم من هذا اليوم الذي ذكرته قال وما هو قالت يوم اجتليت رملة وأقدمت على وجهها وأنفها قال مصعب وحدثني يعقوب بن إسحاق قال لما بلغ الثريا قول عمر بن أبي ربيعة في رملة ( وجَلاَ بُرْدُها وقد حَسَرتْه ... نُورَ بدرٍ يُضيء للناظرينَا ) قالت أف له ما أكذبه أو ترتفع حسناء بصفته لها بعد رملة خبر عمر مع المرأة الجمحية وذكر ابن أبي حسان عن الرياشي عن العباس بن بكار عن ابن دأب أن هذا الشعر قاله عمر في امرأة من بني جمح كان أبوها من أهل مكة فولدت له جارية لم يولد مثلها بالحجاز حسنا فقال أبوها كأني بها وقد كبرت فشبب بها عمر بن أبي ربيعة وفضحها ونوه باسمها كما فعل بنساء قريش والله لا أقمت بمكة فباع ضيعة له بالطائف ومكة ورحل بابنته إلى البصرة فأقام بها وابتاع هناك ضيعة ونشأت ابنته من أجمل نساء زمانها ومات أبوها فلم تر أحدا من بني جمح حضر جنازته ولا وجدت لها مُسْعِداً ولا عليها داخلا فقالت لداية لها سوداء من نحن ومن أي البلاد نحن فخبرتها فقالت لا جرم والله لا أقمت في هذا البلد الذي أنا فيه غريبة فباعت الضيعة والدار وخرجت في أيام الحج وكان عمر يقدم فيعتمر في ذي القعدة ويحل ويلبس تلك الحلل والوشي ويركب النّجَائِبَ المخضوبة بالحناء عليها القُطُوع والديباج ويسبل لمته ويلقى العراقيات فيما بينه وبين ذات عرق محرمات ويتلقى المدنيات إلى مر ويتلقى الشاميات إلى الكديد فخرج يوما للعراقيات فإذا قبة مكشوفة فيها جارية كأنها القمر تعادلها جارية سوداء كالسُّبْجة فقال للسوداء من أنت ومن أين أنت يا خالة فقالت لقد أطال الله تعبك إن كنت تسأل هذا العالم من هم ومن أين هم قال فأخبريني عسى أن يكون لذلك شأن قالت نحن من أهل العراق فأما الأصل والمنشأ فمكة وقد رجعنا إلى الأصل ورحلنا إلى بلدنا فضحك فلما نظرت إلى سواد ثنيتيه قالت قد عرفناك قال ومن أنا قالت عمر بن أبي ربيعة قال وبم عرفتني قالت بسواد ثنيتيك وبهيئتك التي ليست إلا لقريش فأنشأ يقول ( قلتُ من أنتم فصَدَّتْ وقالتْ ... أُمِبدٌّ سؤالك العالَمينا ) وذكر الأبيات فلم يزل عمر بها حتى تزوجها وولدت له قال فلما صرمت الثريا عمر قال فيها صوت ( مَنْ رَسُولي إلى الثريا فإِنِّي ... ضِقْتُ ذَرْعاً بهَجْرِها والكتابِ ) ( سلبتْني مَجَّاجَةُ المِسْكِ عَقْلِي ... فسَلُوها ماذا أحَلَّ اغتصابِي ) ( وهي مَكنونَةٌ تحيَّر منها ... في أَدِيم الخَدَّينِ ماءُ الشبابِ ) ( أَبْرَزُوها مثلَ المَهَاةِ تَهَادَى ... بين خَمْسٍ كَوَاعبٍ أَتْرابِ ) ( ثم قالوا تُحِبُّها قلتُ بَهْراً ... عددَ القَطْر والحَصَى والترابِ ) الغناء لابن عائشة خفيف ثقيل أول بالبنصر عن عمرو وذكر حبش أنه لمالك نجاح الصلح الذي سعى به ابن أبي عتيق أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني مؤمن بن عمر بن أفلح مولى فاطمة بنت الوليد قال أخبرني بلال مولى ابن أبي عتيق قال أنشد ابن أبي عتيق قول عمر ( مَنْ رسولي إلى الثريّا فإني ... ضقتُ ذَرْعاً بهجرها والكتابِ ) فقال ابن أبي عتيق إياي أراد وبي نوه لا جرم والله لا أذوق أكلا حتى أشخص فأصلح بينهما ونهض ونهضت معه فجاء إلى قوم من بني الديل بن بكر لم تكن تفارقهم نجائب لهم فره يكرهونها فاكترى منهم راحلتين وأغلى لهم فقلت له استوضعهم أو دعني أماكسهم فقد اشتطوا عليك فقال ويحك أما علمت أن المكاس ليس من أخلاق الكرام ثم ركب إحداهما وركبت الأخرى فسار سيرا شديدا فقلت أبق على نفسك فإن ما تريد ليس يفوتك فقال ويحك ( أُبَادِرُ حَبْلَ الوُدّ أن يَتَقَضَّبا ... ) وما حلاوة الدنيا إن تم الصدع بين عمر والثريا فقدمنا مكة ليلا غير محرمين فدق على عمر بابه فخرج إليه وسلم عليه ولم ينزل عن راحلته فقال له اركب أصلح بينك وبين الثريا فأنا رسولك الذي سألت عنه فركب معنا وقدمنا الطائف وقد كان عمر أرضى أم نوفل فكانت تطلب لها الحيل لإصلاحها فلا يمكنها فقال ابن أبي عتيق للثريا هذا عمر قد جشمني السفر من المدينة إليك فجئتك به معترفا لك بذنب لم يجنه معتذرا إليك من إساءته إليك فدعيني من التعداد والترداد فإنه من الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون فصالحته أحسن صلح وأتمه وأجمله وكررنا إلى مكة فلم ينزلها ابن أبي عتيق حتى رحل وزاد عمر في أبياته ( أَزْهَقَتْ أُمُّ نوفلٍ إذ دَعَتْها ... مُهْجَتِي ما لِقَاتِلي مِنْ مَتَابِ ) ( حين قالتْ لها أَجيِبي فقالتْ ... مَنْ دعانِي قالت أبو الخَطَّابِ ) ( فاستجابتْ عند الدعاء كما لبَّى ... رجالٌ يَرْجُون حسنَ الثوابِ ) قال الزبير وما دعتها أم نوفل إلا لابن أبي عتيق ولو دعتها لعمر ما أجابت قال وسألت عمي عن أم نوفل فقال هي أم ولد عبد الله بن الحارث أبي الثريا وسألته عن قوله ( كما لبَّى رجال يرجون حسنَ الثوابِ ... ) فقال كررت في التلبية كما يفعل المحرم فقالت لبيك لبيك ==================================================== ج2. كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني وأخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا الزبير بن بكار عن عمه أن بعض المكيين قال كانت الثريا تصب عليها جرة ماء وهي قائمة فلا يصيب ظاهر فخذيها منه شيء من عظم عجيزتها وأخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان محمد ابن يحيى بخبر الثريا هذا مع عمر فذكر نحوا مما ذكره الزبير وقال فيه لما أناخ ابن أبي عتيق بباب الثريا أرسلت إليه ما حاجتك قال أنا رسول عمر بن أبي ربيعة وأنشدها الشعر فقالت ابن أبي ربيعة فارغ ونحن في شغل وقد تعبت فانزل بنا فقال ما أنا إذا برسول ثم كر راجعا إلى ابن أبي ربيعة بمكة فأخبره الخبر فأصلح بينهما حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن نعيم قال حدثني إبراهيم بن إسحاق العنزي قال حدثني عبد الله بن إبراهيم الجمحي وأخبرني به الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أيوب بن عباية وأخبرني به الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير عن مؤمن بن عمر بن أفلح بن عبد العزيز بن عمران قالوا قدم عمر بن أبي ربيعة المدينة فنزل على ابن أبي عتيق وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر فلما استلقى قال أوه ( مَنْ رسولِي إلى الثريّا فإِنِّي ... ضِقْتُ ذَرْعاً بهَجْرِها والكتابِ ) ابن أبي عتيق يبلغ رسالة نصيب إلى سلمى في طريقه إلى الثريا فقال ابن أبي عتيق كل مملوك لي حر إن بلغها ذاك غيري فخرج حتى إذا كان بالمصلى مر بنصيب وهو واقف فقال يا أبا محجن قال لبيك قال أتودع إلى سلمى شيئا قال نعم قال وما ذاك قال تقول لها يابن الصديق إنك مررت بي فقلت لي أتودع إليها شيئا فقلت ( أتَصْبِرُ عن سَلْمَى وأنت صَبُورُ ... وأنت بحُسْنِ العَزْمِ منكَ جَدِيرُ ) ( وكِدْتُ ولم أُخْلَقْ من الطير إن بَدا ... سَنَى بَارِقٍ نحوَ الحِجَازِ أطيرُ ) قال فمر بسلمى وهي في قرية يقال لها القَسْرِيَّةُ فأبلغها الرسالة فزفرت زفرة كادت أن تفرق أضلاعها فقال ابن أبي عتيق كل مملوك لي حر إن لم يكن جوابك أحسن من رسالته ولو سمعك الآن لنعق وصار غرابا ثم مضى إلى الثريا فأبلغ الكتاب فقالت له أما وجد رسولا أصغر منك انزل فأرح فقال لست إذا برسول وسألها أن ترضى عنه ففعلت وقال الزبير في خبره فقال لها أنا رسول ابن أبي ربيعة إليك وأنشدها الأبيات وقال لها خشيت أن تضيع هذه الرسالة قالت أدى الله عنك أمانتك قال فما جواب ما تجشمته إليك قالت تنشده قوله في رملة ( وَجَلاَ بُرْدُها وقد حَسَرتْهُ ... ضوءَ بدرٍ أضاء للناظرينَا ) فقال أعيذك بالله يابنة أخي أن تغلبيني بالمثل السائر قالت وما هو قال حريص لا يرى عمله قالت فما تشاء قال تكتبين إليه بالرضا عنه كتابا يصل على يدي ففعلت فأخذ الكتاب ورجع من فوره حتى قدم مكة فأتى عمر فقال له من أين أقبلت قال من حيث أرسلتني قال وأنى ذلك قال من عند الثريا أفرخ روعك هذا كتابها بالرضا عنك إليك حسن بن حسن بن علي يطلب إلى ابن عائشة أن يغني له أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أيوب بن عباية قال اجتمع ابن عائشة ويونس ومالك عند حسن بن حسن بن علي عليهم السلام فقال الحسن لابن عائشة غنني من رسولي إلى الثريا فسكت عنه فلم يجبه فقال له جليس له أيقول لك غنني فلا تجيبه فسكت فقال له الحسن ما لك ويحك أبك خبال كان والله ابن أبي عتيق أجود منك بما عنده فإنه لما سمع هذا الشعر قال لابن أبي ربيعة أنا رسولك إليها فمضى نحو الثريا حتى أدى رسالته وأنت معنا في المجلس تبخل أن تغنيه لنا فقال له لم أذهب حيث ظننت إنما كنت أتخير لك أي الصوتين أغني أقوله ( مَنْ رسولِي إلى الثريّا فإِنِّي ... ضَافني الهَمُّ واعتَرَتْني الهُمُومُ ) ( يَعْلَمُ اللهُ أنَّنِي مُسْتَهامٌ ... بهَوَاكُمْ وأنَّنِي مرحومُ ) أم قوله ( مَنْ رسولي إلى الثريّا فإِنِّي ... ضِقْتُ ذَرْعاً بهَجْرها والكتابِ فقال له الحسن أسأنا بك الظن أبا جعفر غنِّ بهما جميعا فغناهما فقال له الحسن لولا أنك تغضب إذا قلنا لك أحسنت لقلت لك أحسنت والله قال ولم يزل يرددهما بقية يومه عمر ينشد ابن أبي عتيق شعره في الثريا أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني يعقوب بن إسحاق الربعي عن أبيه قال أنشد عمر بن أبي ربيعة ابن أبي عتيق قوله ( لم تَرَ العينُ للثريّا شَبِيهاً ... بمسيلِ التِّلاَع يومَ التَقَيْنَا ) فلما بلغ إلى قوله ( ثم قالتْ لأُختها قد ظَلَمْنا ... إن رَدَدْناه خائباً واعتدَيْنَا ) قال أحسنت والهدايا وأجادت ثم أنشده ابن أبي عتيق متمثلا قول الشاعر ( أَرِينِي جَوَاداً مات هُزْلاً لعلَّنِي ... أَرَى ما تَرَيْنَ أو بخيلاً مُخَلَّدَا ) فلما بلغ عمر إلى قوله في الشعر ( في خَلاَءٍ من الأَنِيسِ وأَمْنِ ... ) قال ابن أبي عتيق أمكنت للشارب الغدر من عال بعدها فلا انجبر فلما بلغ إلى قوله ( فمكَثْنَا كذاك عَشْراً تِبَاعاً ... في قضاءٍ لِدَيْنِنَا واقْتَضَيْنَا ) قال أما والله ما قضيتها ذهبا ولا فضة ولا اقتضيتها إياه فلا عرفكما الله قبيحا فلما بلغ إلى قوله ( كان ذا في مَسِيرنا إذ حَجَجْنا ... علِم الله فيه ما قد نَوَيْنَا ) قال إن ظاهر أمرك ليدل على باطنه فأرود التفسير ولئن مت لأموتن معك أف للدنيا بعدك يا أبا الخطاب فقال له عمر بل عليها بعدك العفاء يا أبا محمد قال فلقي الحارث بن خالد ابن أبي عتيق فقال قد بلغني ما دار بينك وبين ابن أبي ربيعة فكيف لم تتحللا مني فقال له ابن أبي عتيق يغفر الله لك يا أبا عمرو إن ابن أبي ربيعة يبرئ القرح ويضع الهناء مواضع النقب وأنت جميل الخفض فضحك الحارث بن خالد وقال حبك الشيء يعمي ويصم فقال هيهات أنا بالحسن عالم نظار خبر السواد في ثنيتي عمر وأما خبر السواد في ثنيتي عمر فإن الزبير بن بكار ذكره عن عمه مصعب في خبره أن امرأة غارت عليه فاعترضته بمسواك كان في يدها فضربت به ثنيتيه فاسودتا وذكر إسحاق الموصلي عن أبي عبد الله المسيبي وأبي الحسن المدائني أنه أتى الثريا يوما ومعه صديق له كان يصاحبه ويتوصل بذكره في الشعر فلما كشفت الثريا الستر وأرادت الخروج إليه رأت صاحبه فرجعت فقال لها إنه ليس ممن أحتشمه ولا أخفي عنه شيئا واستلقى فضحك وكان النساء إذ ذاك يتختمن في أصابعهن العشر فخرجت إليه فضربته بظاهر كفها فأصابت الخواتيم ثنيتيه العُلْيَيَيْن فَنَغَضَتَا وكادتا تسقطان فقدم البصرة فعولجتا له فثبتتا واسودتا فقال الحزين الكناني يعيره بذلك وكان عدوه وقد بلغه خبره ( ما بالُ سِنَّيْكَ أمْ ما بالُ كَسْرِهما ... أهكذا كُسِرَا في غيرِ ما بَاسِ ) ( أم نَفْحَةٌ من فتاةٍ كنتَ تألَفُها ... أم نالَها وَسْطَ شَرْبٍ صَدْمةُ الكاسِ ) قال ولقيه الحزين الكناني يوما فأنشده هذين البيتين فقال له عمر اذهب اذهب ويلك فإنك لا تحسن أن تقول صوت ( ليتَ هنداً أنجزتْنا ما تَعِدْ ... وشَفَتْ أنفسَنا مما تَجِدْ ) ( واستبدّتْ مرةً واحدةً ... إنّما العاجزُ مَنْ لا يَستبدّ ) لابن سريج في هذا الشعر رمل بالخنصر في مجرى البصر عن إسحاق وخفيف رمل أيضا في هذه الإصبع وهذا المجرى عن ابن المكي ولمالك فيه ثقيل أول عن الهشامي ولمتيم ثاني ثقيل عن ابن المعتز وذكر أحمد ابن أبي العلاء عن مخارق أن خفيف الرمل ليحيى المكي صنعه وحكى فيه لحن هذا الصوت ( اسْلَمِي يا دارُ مِنْ هند ... ) خبر الثريا مع الحارث القباع حدثني علي بن صالح قال حدثني أبو هفان عن إسحاق الموصلي عن رجاله المذكورين أن الثريا واعدت عمر بن أبي ربيعة أن تزوره فجاءت في الوقت الذي ذكرته فصادفت أخاه الحارث قد طرقه وأقام عنده ووجه به في حاجة له ونام مكانه وغطى وجهه بثوبه فلم يشعر إلا بالثريا قد ألقت نفسها عليه تقبله فانتبه وجعل يقول اعزبي عني فلست بالفاسق أخزاكما الله فلما علمت بالقصة انصرفت ورجع عمر فأخبره الحارث بخبرها فاغتم لما فاته منها وقال أما والله لا تمسك النار أبدا وقد ألقت نفسها عليك فقال له الحارث عليك وعليها لعنة الله وأخبرني بهذه القصة الحرمي ابن أبي العلاء عن الزبير بن بكار عن يعقوب ابن إسحاق الربعي عن الثقة عنده عن ابن جريج عن عثمان بن حفص الثقفي أن الحارث بن عبد الله زار أخاه ثم ذكر نحوا من الذي ذكره إسحاق وقال فيه فبلغ عمر خبرها فجاء إلى أخيه الحارث وقال له جعلت فداءك ما لك ولأمة الوهاب ابنتك أتتك مسلمة عليك فلعنتها وزجرتها وتهددتها وها هي تيك باكية فقال وإنها لهي قال ومن تراها تكون قال فانكسر الحارث عنه وعن لومه خبر زواج الثريا أخبرني علي بن صالح قال حدثني أبو هفان عن إسحاق بن إبراهيم عن جعفر ابن سعيد عن أبي سعيد مولى فائد هكذا قال إسحاق وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني جعفر بن سعيد عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار ورواه أيضا حماد بن إسحاق عن أبيه عن جعفر بن سعيد فقال فيه عن أبي عبيدة العماري ولم يذكر أبا سعيد مولى فائد قالوا تزوج سهيل بن عبد العزيز بن مروان الثريا وقال الزبير بل تزوجها أبو الأبيض سهيل بن عبد الرحمن بن عوف فحملت إليه وهو بمصر والصواب قول من قال سهيل بن عبد العزيز لأنه كان هناك منزله ولم يكن لسهيل بن عبد الرحمن هناك موضع فقال عمر صوت ( أيُّها المُنْكِحُ الثريَّا سُهَيلاً ... عَمْرَكَ اللهَ كيف يَلْتقيانِ ) ( هي شاميَّةٌ إذَا ما اسْتَقَلَّتْ ... وسُهَيلٌ إذا استقَلَّ يَمَانِي ) الغناء للغريض خفيف ثقيل بالبنصر وفيه لعبد الله بن العباس ثاني ثقيل بالبنصر وأول هذه القصيدة ( أيُّها الطارِق الذي قد عَنَانِي ... بعد ما نام سَامِرُ الرُّكْبانِ ) ( زار مِنْ نازِحٍ بغير دليلٍ ... يَتَخَطَّى إليَّ حتى أَتَانِي ) عمر يعلم بزواج الثريا وهو في اليمن وذكر الرياشي عن ابن زكريا الغلابي عن محمد بن عبد الرحمن التيمي عن أبيه عن هشام بن سليمان بن عكرمة بن خالد المخزومي قال كان عمر بن أبي ربيعة قد ألح على الثريا بالهوى فشق ذلك على أهلها ثم إن مسعدة بن عمرو أخرج عمر إلى اليمن في أمر عرض له وتزوجت الثريا وهو غائب فبلغه تزويجها وخروجها إلى مصر فقال ( أيّها المنكح الثريّا سهيلاً ... عمرَك الله كيف يلتقيانِ ) وذكر الأبيات وقال في خبره ثم حمله الشوق على أن سار إلى المدينة فكتب إليها ( كتبتُ إليكِ من بلدي ... كتابَ مُوَلَّهٍ كَمِدِ ) ( كَئِيبٍ وَاكِفِ العينين ... بالحَسَراتِ منفردِ ) ( يُؤَرِّقُه لَهِيبُ الشَّوقِ ... بين السَّحْرِ والكِبِدِ ) ( فيُمْسِكُ قلبَه بيدٍ ... ويَمْسَحُ عينَه بيدِ ) وكتبه في قوهية وشنفه وحسنه وبعث به إليها فلما قرأته بكت بكاء شديدا ثم تمثلت ( بنفسيَ مَنْ لا يستقِلُّ بنفسِه ... ومَنْ هو إن لم يَحْفَظِ اللهُ ضائعُ ) وكتبت إليه تقول ( أتاني كتابٌ لم يَرَ الناسُ مثلَه ... أُمِدَّ بكَافُورٍ ومِسْكٍ وعَنْبَرِ ) ( وقِرْطَاسُه قُوهِيَّةٌ ورِيَاطُه ... بعِقْدٍ من الياقوتِ صافٍ وجَوْهرِ ) ( وفي صَدْرِه مِنِّي إليكِ تحيَّةٌ ... لقد طال تَهْيَامِي بكم وتذكُّرِي ) ( وعُنْوانُه منْ مُسْتَهامٍ فؤادُه ... إلى هائمٍ صَبٍّ من الحُزْنِ مُسْعَرِ ) قال مؤلف هذا الكتاب وهذا الخبر عندي مصنوع وشعره مضعف يدل على ذلك ولكني ذكرته كما وقع إلي قال أبو سعيد مولى فائد ومن ذكر خبره مع الثريا فمات عنها سهيل أو طلقها فخرجت إلى الوليد بن عبد الملك وهو خليفة بدمشق في دين عليها فبينا هي عند أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان إذ دخل عليها الوليد فقال من هذه فقالت الثريا جاءتني تطلب إليك في قضاء دين عليها وحوائج لها فأقبل عليها الوليد فقال أتروين من شعر عمر بن أبي ربيعة شيئا قالت نعم أما إنه يC كان عفيفا عفيف الشعر أروي قوله صوت ( ما عَلَى الرَّسْمِ بالبُلَيَّيْنِ لو بيَّن ... رَجْعَ السَّلاَمِ أو لو أَجَابَا ) ( فإلى قَصْرِ ذي العُشَيرةِ فالصائِفِ ... أَمْسَى من الأنيس يَبَابَا ) ( وبما قد أَرَى به حَيَّ صِدْقٍ ... ظاهري العيشِ نَعْمةً وشبابَا ) ( إذ فؤادي يَهْوَى الرَّبَابَ وأنَّى الدَّهرَ ... حتَّى المَمَاتِ أَنْسَى الرَّبَابَا ) ( وحِسَاناً جَوَارِياً خَفِرَاتٍ ... حافظاتٍ عند الهوى الأَحْسَابَا ) ( لا يُكَثِّرْنَ في الحديثِ ولا يتبعن ... يَنْعِقْنَ بالبِهَامِ الظِّرَابَا ) فقضى حوائجها وانصرفت بما أرادت منه فلما خلا الوليد بأم البنين قال لها لله درُّ الثريا أتدرين ما أرادت بإنشادها ما أنشدتني من شعر عمر قالت لا قال إني لما عرضت لها به عرضت لي بأن أمي أعرابية وأم الوليد وسليمان ولادة بنت العباس بن جزي بن الحارث بن زهير بن جذيمة العبسي الغناء في الأبيات التي أنشدتها الثريا الوليد بن عبد الملك لمالك بن أبي السمح خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر وفيها لابن سريج رمل بالخنصر في مجرى البنصر وفيه لإبراهيم خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر حبش أيضا أن فيها لابن مسجح خفيف رمل بالوسطى وذكر عمرو بن بانة أن لابن محرز فيها خفيف ثقيل بالوسطى ومما يغنى فيه من أشعار عمر بن أبي ربيعة التي قالها في الثريا من القصيدة التي أولها من رسولي صوت ( وَتَبَدَّتْ حتّى إذا جُنَّ قلبي ... حال دونِي وَلاَئِدٌ بالثِّيَابِ ) ( يا خليليَّ فاعلَما أنّ قلبي ... مُسْتَهامٌ برَبَّةِ المِحْرابِ ) الغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو ومنها صوت ( أُقْتُلِيني قتلاً سَرِيعاً مُرِيحاً ... لا تَكُونِي عليَّ سَوْطَ عَذَابِ ) ( شَفَّ عنها مُحَقَّقٌ جَنَدِيٌّ ... فهي كالشمس من خِلاَلِ السَّحَاب ) الغناء للغريض ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو ومنها صوت ( قال لي صاحبي ليَعْلَمَ ما بي ... أتُحِبُّ البَتُولَ أُختَ الرَّبَابِ ) ( قلتُ وَجْدِي بها كَوَجْدِك بالماءِ ... إذا ما مُنِعْتَ بَرْدَ الشَّرَابِ ) الغناء لمالك رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق ومنها صوت ( أَذْكَرَتْني من بَهْجةِ الشمسِ لَمَّا ... بَرَزَت من دُجُنَّةٍ وسَحَابِ ) ( أَزْهَقَتْ أمُّ نَوْفَلٍ إذ دعتْها ... مُهْجَتي ما لقاتلي مِنْ مَتَابِ ) ( حين قالت لها أجيبي فقالتْ ... مَنْ دعاني قالتْ أبو الخَطَّابِ ) الغناء للغريض خفيف رمل عن الهشامي وحماد بن إسحاق ومنها صوت ( مَرْحَباً ثم مرحباً بالّتي قالتْ ... غَدَاةَ الوَدَاعِ عند الرَّحِيلِ ) ( للثُّرَيَّا قُولِي له أنتَ هَمِّي ... ومُنَى النَّفْسِ خالياً وخَلِيلي ) الغناء لابن محرز ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لابن سريج خفيف رمل بالوسطى عن عمرو ومنها صوت ( زَعَمُوا بأنّ البَيْنَ بعدَ غَدٍ ... فالقلبُ مما أَزْمعُوا يجفُ ) ( تَشْكُو ويشكو ما أَشَتَّ بنا ... كلٌّ لِوَشْكِ البَيْن يَعْترِفُ ) ( حَلَفُوا لقد قَطَعُوا ببَيْنِهمُ ... وحَلَفْتُ ألفاً مثلَ ما حلَفُوا ) الغناء للغريض خفيف ثقيل بالوسطى ومنها صوت ( فَلَوتْ رأسَها ضِرَاراً وقالتْ ... لا وَعَيْشِي ولو رأيتُك مِتَّا ) ( حِينَ آثَرْتَ بالمودّةِ غَيْرِي ... وَتَنَاسَيْتَ وَصْلَنا ومَلِلْتَا ) ( قد وَجَدْنَاكَ إذ خُبِرْتَ مَلُولاً ... طَرِفاً لم تَكُنْ كما كنتَ قُلْتَا ) الغناء لمالك رمل ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وفيه لابن سريج خفيف ثقيل عن الهشامي وكذا روته دنانير عن فليح وقد نسب قوم لحن مالك إلى الغريض ومنها صوت ( يا خَلِيلَيَّ سائلا الأَطْلالا ... ومَحَلاًّ بالرَّوْضَتَيْنِ أَحَالا ) ويروى ( بالبُلَيَّيْنِ إن أَحَرْنَ سُؤالاَ ... ) ( وسَفَاهٌ لولا الصَّبَابَةُ حَبْسِي ... في رُسُومِ الدِّيارِ رَكْباً عِجَالاَ ) ( بعدَما أَقْفَرتْ من آلِ الثريَّا ... وأجَدَّتْ فيها النِّعَاجُ ظِلاَلاَ ) الغناء لابن سريج هزج خفيف مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لحكم الوادي ثقيل أول من جامع أغانيه وذكر ابن دينار أن فيه لابن عائشة لحنا لم يذكر طريقته وذكر إبراهيم أن فيه لدحمان لحنا ولم يجنسه وقال حبش فيه لإسحاق ثقيل أول بالوسطى عمر يتبع الثريا في أثناء ارتحالها إلى الشام مع زوجها أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أبو عبد الله التميمي يعني أبا العيناء عن القحذمي عن أبي صالح السعدي قال لما تزوج سهيل بن عبد العزيز الثريا ونقلها إلى الشأم بلغ عمر بن أبي ربيعة الخبر فأتى المنزل الذي كانت الثريا تنزله فوجدها قد رحلت منه يومئذ فخرج في أثرها فلحقها على مرحلتين وكانت قبل ذلك مهاجرته لأمر أنكرته عليه فلما أدركهم نزل عن فرسه ودفعه إلى غلامه ومشى متنكرا حتى مر بالخيمة فعرفته الثريا وأثبتت حركته ومشيته فقالت لحاضنتها كلميه فسلمت عليه وسألته عن حاله وعاتبته على ما بلغ الثريا عنه فاعتذر وبكى فبكت الثريا فقالت ليس هذا وقت العتاب مع وشك الرحيل فحادثها إلى وقت طلوع الفجر ثم ودعها وبكيا طويلا وقام فركب فرسه ووقف ينظر إليهم وهم يرحلون ثم أتبعهم بصره حتى غابوا وأنشأ يقول ( يا صاحبيَّ قِفَا نَسْتَخبِرِ الطَّلَلاَ ... عن حالِ مَنْ حَلَّه بالأمسِ ما فَعَلاَ ) ( فقال لي الرَّبْعُ لمّا أن وَقَفْتُ به ... إنّ الخَلِيطَ أَجَدَّ البَيْنَ فاحْتَمَلاَ ) ( وخادَعتْكَ النَّوَى حتى رأيتَهمُ ... في الفَجْرِ يَحْتَثُّ حَادِي عِيسِهم زَجِلا ) ( لمّا وَقَفْنا نُحَيِّيهم وقد صَرَخَتْ ... هَوَاتِفُ البَيْنِ واستولتْ بهم أصُلاَ ) ( صَدّتْ بِعَاداً وقالتْ لِلّتي معها ... بالله لُومِيهِ في بعضِ الذي فَعَلاَ ) ( وحَدِّثِيه بما حُدِّثْتِ واسْتَمِعي ... ماذا يقول ولا تَعْيي به جَدَلاَ ) ( حتى يَرى أنّ ما قال الوُشَاةُ له ... فينا لَدَيْه إلينا كلُّه نُقَلاَ ) ( وعَرِّفِيهِ به كالهَزْلِ واحتفظي ... في بعضِ مَعْتَبةٍ أن تُغْضِبي الرجُلاَ ) ( فإِنَّ عَهْدِي بهِ واللهُ يَحْفَظُه ... وإن أَتَى الذنبَ ممن يَكْرَه العَذَلا ) ( لو عندنا اغْتِيبَ أو نِيلَتْ نقيصتُه ... ما آبَ مُغتابُه من عندِنا جَذِلاَ ) ( قلتُ اسمَعِي فلقد أَبْلَغَتِ في لَطَفٍ ... وليس يَخْفَى على ذي اللُّبِّ مَنْ هَزَلاَ ) ( هذا أرادتْ به بُخْلاَّ لأَعْذِرَها ... وقد أَرَىَ أنها لن تَعْدَمَ العِللاَ ) ( ما سُمِّي القلبُ إلاّ من تَقَلُّبه ... ولا الفؤاد فؤاداً غيرَ أَنْ عَقَلاَ ) ( أمّا الحديث الذي قالت أُتيتَ به ... فما عَبَأْتُ به إذ جاءني حِوَلاَ ) ( ما إن أَطَعْتُ بها بالغَيْبِ قد عَلِمتْ ... مقالهَ الكاشح الواشي إذا مَحُلاَ ) ( إني لأَرْجِعُه فيها بسَخْطَته ... وقد يرىَ أنّه قد غرّني زَلَلاَ ) وهي قصيدة طويلة مذكورة في شعره الغريض يطلب شعرا ينوح به على الثريا أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر ومحمد بن خلف بن المرزبان قالوا حدثنا عمر بن شبة قال أخبرنا محمد بن يحيى قال زعم عبيد بن يعلى قال حدثني كثير بن كثير السهمي قال لما ماتت الثريا أتاني الغريض فقال لي قل أبيات شعر أنح بها على الثريا فقلت صوت ( أَلا يا عينُ مالَكِ تَدْمَعِينا ... أمن رَمَدٍ بَكَيْتِ فتُكْحَلِينَا ) ( أمَ أنت حَزِينةٌ تَبْكِينَ شَجْواً ... فشَجْوُكِ مثلُه أَبْكَى العيونَا ) غنى الغريض في هذين البيتين لحنا من خفيف الثقيل الأول بالوسطى عن عمرو ويحيى المكي والهشامي وغيرهم أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الجبار بن سعيد المساحقي قال حدثني إبراهيم بن يعقوب بن أبي عبد الله عن أبيه عن جده عن ثعلبة بن عبد الله بن صعير أن عمر بن أبي ربيعة نظر في الطواف إلى امرأة شريفة فرأى أحسن خلق الله صورة فذهب عقله عليها وكلمها فلم تجبه فقال فيها ( الرَّيحُ تَسْحَب أَذْيالاً وتَنْشُرها ... يا ليتني كنتُ ممَّن تَسحَب الريحُ ) ( كَيْما تَجُرُّ بنا ذَيْلاً فتَطْرَحُنا ... على التي دونَها مُغْبَرَّةٌ سُوحُ ) ( أَنَّى بقُرْبِكُم أم كيفَ لي بِكُمُ ... هَيْهاتَ ذلكَ ما أَمْسَتْ لنا رُوحُ ) ( فليتَ ضِعُفَ الذي أَلْقَى يكونُ بها ... بل ليت ضِعْفَ الذي أَلْقَى تَبَارِيحُ ) ( إحْدَى بُنَيَّاتِ عَمِّي دون منزلها ... أرضٌ بقيعانها القَيْصُومُ والشِّيحُ ) فبلغها شعره فجزعت منه فقيل لها اذكريه لزوجك فإنه سينكر عليه قوله فقالت كلا والله لا أشكوه إلا إلى الله ثم قالت اللهم إن كان نوه باسمي ظالما فاجعله طعاما للريح فضرب الدهر من ضربه ثم إنه غدا يوما على فرس فهبت ريح فنزل فاستتر بسلمة فعصفت الريح فخدشه غصن منها فدمي وورم به ومات من ذلك أخبار ابن سريج ونسبه نسب ابن سريج هو عبيد بن سريج ويكنى أبا يحيى مولى بني نوفل بن عبد مناف وذكر ابن الكلبي عن أبيه وأبي مسكين أنه مولى لبني الحارث بن عبد المطلب وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان قال ابن سريج مولى لبني الحارث بن عبد المطلب وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان قال ابن سريج مولى لبني ليث ومنزله مكة وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال سألت الحسن بن عتبة اللهبي عن ابن سريج فقال هو مولى لبني عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وفي بني عائذ يقول الشاعر ( فإِن تَصْلُحْ فإِنّكَ عائِذيٌّ ... وصُلْحُ العائِذِيِّ إلى فَسَادِ ) قال إسحاق وقال سلمة بن نوفل بن عمارة بن سريج مولى عبد الرحمن ابن أبي حسين بن الحارث بن نوفل أو ابن عامر بن الحارث بن نوفل بن عبد مناف أخبرني أحمد بن عبد العزيز عن أبي أيوب المديني قال ذكر إبراهيم بن زياد بن عنبسة بن سعيد بن العاص بعض من أوصافه أن ابن سريج كان آدم أحمر ظاهر الدم سِنَاطاً في عينيه قَبَلٌ بلغ خمسا وثمانين سنة وصلع فكان يلبس جمة مركبة وكان أكثر ما يرى مقنعا وكان منقطعا إلى عبد الله بن جعفر وقال ابن الكلبي عن أبيه قال كان ابن سريج مخنثا أحول أعمش يلقب وجه الباب وصلع فكان يلبس جمة وكان لا يغني إلا مقنعا يسبل القناع على وجهه وقال ابن الكلبي عن أبيه وأبي مسكين كان ابن سريج أحسن الناس غناء وكان يغني مرتجلا ويوقع بقضيب وغنى في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه ومات في خلافة هشام بن عبد الملك قال إسحاق وكان الحسن بن عتبة اللهبي يروي مثل ذلك فيه وذكر أن قبره بنخلة قريبا من بستان ابن عامر قال إسحاق وحدثني الهيثم بن عدي عن صالح بن حسان قال كان عبيد بن سريج من أهل مكة وكان أحسن الناس غناء قال إسحاق قال عمارة بن أبي طرفة الهذلي سمعت ابن جريج يقول عبيد بن سريج من أهل مكة مولى آل خالد ابن أسيد قال إسحاق وحدثني إبراهيم بن زياد عن أيوب بن سلمة المخزومي قال كان في عين ابن سريج قبل حلو لا يبلغ أن يكون حولا وغنى في خلافة عثمان رضي الله عنه ومات بعد قتل الوليد بن يزيد وكان له صلع في جبهته وكان يلبس جمة مركبة فيكون فيها أحسن شيء وكان يلقب وجه الباب ولا يغضب من ذلك وكان أبوه تركيا وقال أبو أيوب المديني كان ابن سريج فيما روينا عن جماعة من المكيين مولى بني جندع بن ليث بن بكر وكان إذا غنى سدل قناعه على وجهه حتى لا يرى حوله وكان يوقع بقضيب وقيل إنه كان يضرب بالعود وكانت علته التي مات منها الجذام قال إسحاق وحدثني أبي قال أخبرني من رأى عود ابن سريج وكان على صنعة عيدان الفرس وكان ابن سريج أول من ضرب به على الغناء العربي بمكة وذلك أنه رآه مع العجم الذين قدم بهم ابن الزبير لبناء الكعبة فأعجب أهل مكة غناؤهم فقال ابن سريج أنا أضرب بهم على غنائه فضرب به فكان أحذق الناس قال إسحاق وذكر الزبيري أن أم ابن سريج مولاة لآل المطلب يقال لها رائقة وقيل بل أمه هند أخت رائقة فمن ثم قيل إنه مولى بني المطلب بن حنطب وكان ابن سريج بعد وفاة عبد الله بن جعفر قد انقطع إلى الحكم بن المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب أحد بني مخزوم وكان من سادة قريش ووجوهها وأخذ ابن سريج الغناء عن ابن مسجح المغنون الأربعة المعدودون أصولا للغناء العربي قال إسحاق وأصل الغناء أربعة نفر مكيان ومدنيان فالمكيان ابن سريج وابن محرز والمدنيان معبد ومالك قال إسحاق وقال سلمة بن نوفل بن عمارة أخبرني بذلك من شئت من مشيختنا أن يوما شهر فيه ابن سريج بالغناء في ختان ابن مولاه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين قال لأم الغلام خفضي عليك بعض الغرم والكلفة فوالله لألهين نساءك حتى لا يدرين ما جئت به ولا ما عزمت عليه قال إسحاق وسألت هشام بن المرية وكان قد عمر وكان عالما بالغناء فلا يبارى فيه فقلت له من أحذق الناس بالغناء فقال لي أتحب الإطالة أم الاختصار فقلت أحب الاختصار الذي يأتي على سؤالي قال ما خلق الله تعالى بعد داود النبي عليه الصلاة و السلام أحسن صوتا من ابن سريج ولا صاغ الله عز و جل أحدا أحذق منه بالغناء ويدلك على ذلك أن معبدا كان إذا أعجبه غناؤه قال أنا اليوم سريجي قال وأخبرني إبراهيم يعني أباه قال أدركت يونس بن محمد الكاتب فحدثني عن الأربعة ابن سريج وابن محرز والغريض ومعبد فقلت له من أحسن الناس غناء فقال أبو يحيى قلت عبيد بن سريج قال نعم قلت وكيف ذاك قال إن شئت فسرت لك وإن شئت أجملت قلت أجمل قال كأنه خلق من كل قلب فهو يغني لكل إنسان ما يشتهي أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال قال حماد بن إسحاق أخبرني أبي عن الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك قال سألت إبراهيم الموصلي ليلة وقد أخذ منه النبيذ من أحسن الناس غناء فقال لي من الرجال أم من النساء فقلت من الرجال فقال ابن محرز قلت ومن النساء قال ابن سريج ثم قال لي إن كان ابن سريج إلا كأنه خلق من كل قلب فهو يغني له ما يشتهي أخبرني جحظة قال حدثني علي بن يحيى المنجم قال أرسلني محمد بن الحسين بن مصعب إلى إسحاق أسأله عن لحنه ولحن ابن سريج في ( تَشَكَّى الكُمَيتُ الجَرْي لمَّا جَهَدْتُه ... ) أيهما أحسن فصرت إليه فسألته عن ذلك فقال لي يا أبا الحسن والله لقد أخذت بخطام راحلته فزعزعتها وأنختها وقمت بها فما بلغته فرجعت إلى محمد بن الحسين فأخبرته فقال والله إنه ليعلم أن لحنه أحسن من لحن ابن سريج ولقد تحامل لابن سريج على نفسه ولكن لا يدع تعصبه للقدماء وقد أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى هذا الخبر عن أبيه فذكر نحو ما ذكره جحظة في خبره ولم يقل أرسلني محمد بن الحسين إلى إسحاق وقال جحظة في خبره قال علي بن يحيى وقد صدق محمد بن الحسين لأنه قلما غني في صوت واحد لحنان فسقط خيرهما والذي في أيدي الناس الآن من اللحنين لحن إسحاق وقد ترك لحن ابن سريج فقل من يسمعه إلا من العجائز المتقدمات ومشايخ المغنين هذا أو نحوه وأخبرني يحيى بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني عن إبراهيم بن علي بن هشام قال يقولون إن ابتداء غناء إسحاق الذي في ( تَشَكَّى الكُمَيْتُ الجَرْيَ لمّا جَهَدْتُه ... ) إنما أخذه من صوت الأبجر ( يقولون ما أَبْكاكَ والمالُ غَامِرٌ ... ) نسبة هذا الصوت صوت ( يقولون ما أبكاكَ والمالُ غامرٌ ... عليكَ وضاحِي الجلدِ منكَ كَنِينُ ) ( فقلتُ لهم لا تَسْألُونِيَ وانظُروا ... إلى الطَّرِبِ النَّزَّاعِ كيفَ يكونُ ) غناه الأبحر ثقيلا أول بالبنصر عن عمرو ودنانير وذكر الهشامي أن فيه لعزة المرزوقية ثاني ثقيل بالوسطى اشتغال ابن سريج بالغناء بعد أن كان نائحا أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلاني قال حدثنا يوسف بن إبراهيم قال حدثني إبراهيم بن المهدي قال حدثني إسماعيل بن جامع عن سياط قال كان ابن سريج أول من غنى الغناء المتقن بالحجاز بعد طويس وكان مولده في خلافة عمر بن الخطاب وأدرك يزيد بن عبد الملك وناح عليه ومات في خلافة هشام قال وكان قبل أن يغني نائحا ولم يكن مذكورا حتى ورد الخبر مكة بما فعله مسرف بن عقبة بالمدينة فعلا على أبي قبيس وناح بشعر هو اليوم داخل في أغانيه وهو ( يا عينُ جُودِي بالدُّمُوعِ السِّفَاح ... وابكي على قَتْلَى قُرَيْشِ البِطَاح ) فاستحسن الناس ذلك منه وكان أول ما ندب به سكينة بنت الحسين وابن سريج قال بن جامع وحدثني جماعة من شيوخ أهل مكة أنهم حدثوا أن سكينة بنت الحسين عليهما السلام بعثت إلى ابن سريج بشعر أمرته أن يصوغ فيه لحنا يناح به فصاغ فيه وهو الآن داخل في غنائه والشعر ( يا أرضُ وَيْحكِ اكْرِمِي أمواتِي ... فلقد ظَفِرْتِ بسادتِي وحُمَاتِي ) فقدمه ذلك عند أهل الحرمين على جميع ناحة مكة والمدينة والطائف قال وحدثني ابن جامع وابن أبي الكنات جميعا أن سكينة بعثت إليه بمملوك لها يقال له عبد الملك وأمرته أن يعلمه النياحة فلم يزل يعلمه مدة طويلة ثم توفي عمها أبو القاسم محمد بن الحنفية عليه السلام وكان ابن سريج عليلا علة صعبة فلم يقدر على النياحة فقال لها عبدها عبد الملك أنا أنوح لك نوحا أنسيك به نوح ابن سريج قالت أو تحسن ذاك قال نعم فأمرته فناح فكان نوحه في الغاية من الجودة وقال النساء هذا نوح غريض فلقب عبد الملك الغريض وأفاق ابن سريج من علته بعد أيام وعرف خبر وفاة ابن الحنفية فقال لهم فمن ناح عليه قالوا عبد الملك غلام سكينة قال فهل جوز الناس نوحه قالوا نعم وقدمه بعضهم عليك فحلف ابن سريج ألا ينوح بعد ذلك اليوم وترك النوح وعدل إلى الغناء فلم ينح حتى ماتت حبابة وكانت قد أخذت عنه وأحسنت إليه فناح عليها ثم ناح بعدها على يزيد بن عبد الملك ثم لم ينح بعده حتى هلك قال ولما عدل ابن سريج عن النوح إلى الغناء عدل معه الغريض إليه فكان لا يغني صوتا إلا عارضه فيه ابن سريج وعطاء بن أبي رباح أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلاني قال حدثنا يوسف بن إبراهيم قال حدث إسحاق بن إبراهيم الموصلي أبا إسحاق إبراهيم بن المهدي وأنا حاضر أن يحيى المكي حدثه أن عطاء بن أبي رباح لقي ابن سريج بذي طوى وعليه ثياب مصبغة وفي يده جرادة مشدودة الرجل بخيط يطيرها ويجذبها به كلما تخلفت فقال له عطاء يا فتان ألا تكف عما أنت عليه كفى الله الناس مؤنتك فقال ابن سريج وما على الناس من تلويني ثيابي ولعبي بجرادتي فقال له تفتنهم أغانيك الخبيثة فقال له ابن سريج سألتك بحق من تبعته من أصحاب رسول الله وبحق رسول الله عليك إلا ما سمعت مني بيتا من الشعر فإن سمعت منكرا أمرتني بالإمساك عما أنا عليه وأنا أقسم بالله وبحق هذه البنية لئن أمرتني بعد استماعك مني بالإمساك عما أنا عليه لأفعلن ذلك فأطمع ذلك عطاء في ابن سريج وقال قل فاندفع يغني بشعر جرير صوت ( إنّ الذين غَدَوْا بُلبِّكَ غادَرُوا ... وَشَلاً بِعينِك لا يزال مَعِينَا ) ( غَيَّضْنَ مِن عَبَراتهنّ وقُلْنَ لي ... ماذا لَقِيتَ من الهوى ولَقِينَا ) لحن ابن سريج هذا ثقيل أول بالوسطى عن ابن المكي والهشامي وله أيضا فيه رمل ولإسحاق فيه رمل آخر بالوسطى وفيه هزج بالوسطى ينسب إلى ابن سريج والغريض قال فلما سمعه عطاء اضطرب إضطراباً شديدا ودخلته أريحية فحلف ألا يكلم أحدا بقية يومه إلا بهذا الشعر وصار إلى مكانه من المسجد الحرام فكان كل من يأتيه سائلا عن حلال أو حرام أو خبر من الأخبار لا يجيبه إلا بأن يضرب إحدى يديه على الأخرى وينشد هذا الشعر حتى صلى المغرب ولم يعاود ابن سريج بعد هذا ولا تعرض له ابن سريج ويزيد بن عبد الملك أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه وأخبرني الحسن بن علي قال حدثني الفضل بن محمد اليزيدي قال حدثني إسحاق عن ابن جامع عن سياط عن يونس الكاتب قال لما قال عمر بن أبي ربيعة ( نظَرتُ إليها بالمُحَصَّبِ من مِنًى ... ولي نَظَرٌ لولا التَّحَرُّجُ عَارِمُ ) غني فيه ابن سريج قال وحج يزيد بن عبد الملك في تلك السنة بالناس وخرج عمر بن أبي ربيعة ومعه ابن سريج على نجيبين رحالتاهما ملبستان بالديباج وقد خضبا النجيبين ولبسا حلتين فجعلا يتلقيان الحاج ويتعرضان للنساء إلى أن أظلم الليل فعدلا إلى كثيب مشرف والقمر طالع يضيء فجلسا على الكثيب وقال عمر لابن سريج غنني صوتك الجديد فاندفع يغنيه فلم يستتمه إلا وقد طلع عليه رجل راكب على فرس عتيق فسلم ثم قال أيمكنك أعزك الله أن ترد هذا الصوت قال نعم ونعمة عين على أن تنزل وتجلس معنا قال أنا أعجل من ذلك فإن أجملت وأنعمت أعدته وليس عليك من وقوفي شيء ولا مؤنة فأعاده فقال له بالله أنت ابن سريج قال نعم قال حياك الله وهذا عمر بن أبي ربيعة قال نعم قال حياك الله يا أبا الخطاب فقال له وأنت فحياك الله قد عرفتنا فعرفنا نفسك قال لا يمكنني ذلك فغضب ابن سريج وقال والله لو كنت يزيد بن عبد الملك لما زاد فقال له أنا يزيد بن عبد الملك فوثب إليه عمر فأعظمه ونزل ابن سريج إليه فقبل ركابه فنزع حلته وخاتمه فدفعهما إليه ومضى يركض حتى لحق ثقله فجاء بهما ابن سريج إلى عمر فأعطاه إياهما وقال له إن هذين بك أشبه منهما بي فأعطاه عمر ثلثمائة دينار وغدا فيهما إلى المسجد فعرفهما الناس وجعلوا يتعجبون ويقولون كأنهما والله حلة يزيد بن عبد الملك وخاتمه ثم يسألون عمر عنهما فيخبرهم أن يزيد بن عبد الملك كساه ذلك ابن سريج يغني في طريق الحاج وأخبرني بهذا الخبر جعفر بن قدامة أيضا قال وحدثني ابن عبد الله بن أبي سعيد قال حدثني علي بن الصباح عن ابن الكلبي قال حج عمر بن أبي ربيعة في عام من الأعوام على نجيب له مخضوب بالحناء مشهر الرحل بقراب مذهب ومعه عبيد بن سريج على بغلة له شقراء ومعه غلامه جناد يقود فرسا له أدهم أغر محجلا وكان عمر بن أبي ربيعة يسميه الكوكب في عنقه طوق ذهب وجناد هذا هو الذي يقول فيه صوت ( فقلتُ لجَنَّادٍ خُذِ السيفَ واشتملْ ... عليه برِفْقٍ وارقُبِ الشمسَ تَغْرُبِ ) ( وأسْرِجْ لي الدَّهْمَاءَ واعجَلُ بممطري ... ولا تُعلِمَنْ خَلْقاً مِن الناس مَذْهَبي ) الغناء لزرزر غلام المارقي خفيف ثقيل وهو أجود صوت صنعه قال ومع عمر جماعة من حشمه وغلمانه ومواليه وعليه حلة موشية يمانية وعلى ابن سريج ثوبان هرويان مرتفعان فلم يمرّوا بأحد إلا عجب من حسن هيئتهم وكان عمر من أعطر الناس وأحسنهم هيئة فخرجوا من مكة يوم التروية بعد العصر يريدون منى فمروا بمنزل رجل من بني عبد مناف بمنى قد ضربت عليه فساطيطه وخيمه ووافى الموضع عمر فأبصر بنتا للرجل قد خرجت من قبتها وستر جواريها دون القبة لئلا يراها من مر فأشرف عمر على النجيب فنظر إليها وكانت من أحسن النساء وأجملهن فقال لها جواريها هذا عمر بن أبي ربيعة فرفعت رأسها فنظرت إليه ثم سترتها الجواري وولائدها عنه وبطن دونها بسجف القبة حتى دخلت ومضى عمر إلى منزله وفساطيطه بمنى وقد نظر من الجارية إلى ما تيمه ومن جمالها إلى ما حيره فقال فيها ( نظَرتُ إليها بالمُحَصَّبِ من مِنى ... ولي نَظَرٌ لولا التَّحَرُّج عَارِمُ ) ( فقلتُ أشمسٌ أم مصَابِيحُ بِيعَةٍ ... بدتْ لك خَلْفَ السَّجْفِ أم أنت حالمُ ) ( بعيدةُ مهْوى القُرْطِ إمّا لَنَوْفَلٌ ... أبوها وإما عبدُ شمسٍ وهاشمُ ) ( ومَدّ عليها السّجْفَ يومَ لَقِيتُها ... على عَجَلٍ تُبَّاعُها والخَوَادِمُ ) ( فلم استطِعْها غير أن قد بدا لنا ... على الرّغْم منها كَفُّها والمَعَاصِمُ ) ( معاصِمُ لم تَضْرِبْ على البَهْم بالضُّحَى ... عَصَاها ووجهٌ لم تَلحْه السَّمَائِمُ ) ( نَضِيرٌ تَرَى فيه أسَارِيعَ مائه ... صَبيحٌ تُغَادِيه الأكُفُّ النَّواعِمُ ) ( إذا ما دعتْ أترابَها فاكتَنَفْنَها ... تَمَايَلْنَ أو مالتْ بهنَّ المآكِمُ ) ( طَلَبْنَ الصِّبَا حتى إذا ما أَصَبْنَه ... نَزَعْنَ وهنّ المُسْلِماتُ الظَّوَالمُ ) ثم قال عمر لابن سريج يا أبا يحيى إني تفكرت في رجوعنا مع العشية إلى مكة مع كثرة الزحام والغبار وجلبة الحاج فثقل علي فهل لك أن تروح رواحا طيبا معتزلا فنرى فيه من راح صادرا إلى المدينة من أهلها ونرى أهل العراق وأهل الشام ونتعلل في عشيتنا وليلتنا ونستريح قال وأنى ذلك يا أبا الخطاب قال على كثيب أبي شحوة المشرق على بطن يأجج بين منى وسرف فنبصر مرور الحاج بنا ونراهم ولا يرونا قال ابن سريج طيب والله يا سيدي فدعا بعض خدمه فقال اذهبوا إلى الدار بمكة فاعملوا لنا سفرة واحملوها مع شراب إلى الكثيب حتى إذا أبردنا ورمينا الجمرة صرنا إليكم قال والكثيب على خمسة أميال من مكة مشرف على طريق المدينة وطريق الشام وطريق العراق وهو كثيب شامخ مستدق أعلاه منفرد عن الكثبان فصارا إليه فأكلا وشربا فلما انتشيا أخذ ابن سريج الدف فنقره وجعل يغني وهم ينظرون إلى الحاج فلما أمسيا رفع ابن سريج صوته يغني في الشعر الذي قاله عمر فسمعه الركبان فجعلوا يصيحون به يا صاحب الصوت أما تتقي الله قد حبست الناس عن مناسكهم فيسكت قليلا حتى إذا مضوا رفع صوته وقد أخذ فيه الشراب فيقف آخرون إلى أن مرت قطعة من الليل فوقف عليه في الليل رجل على فرس عتيق عربي مرح مستن فهو كأنه ثمل حتى وقف بأصل الكثيب وثنى رجله على قربوس سرجه ثم نادى يا صاحب الصوت أيسهل عليك أن ترد شيئا مما سمعته قال نعم ونعمة عين فأيها تريد قال تعيد علي ( ألاَ يا غُرَابَ البَيْنِ مالكَ كلما ... نَعَبْتَ بِفقْدانٍ عليَّ تَحُومُ ) ( أبِالبين من عَفْرَاءَ أنت مُخَبِّري ... عَدِمْتُك مِنْ طيرٍ فأنت مَشُومُ ) قال والغناء لابن سريج فأعاده ثم قال ابن سريج ازدد إن شئت فقال غني ( أمَسْلَم إنِّي يابنَ كلّ خَلِيفَةٍ ... ويا فارسَ الهَيْجَا ويا قَمَر الأرضِ ) ( شكرتُك إنّ الشكر حَبْلٌ من التُّقَى ... وما كلُّ مَنْ أَقْرَضْتَه نعمةً يَقْضِي ) ( ونَوَّهْتَ لي باسْمي وما كان خاملاً ... ولكنّ بعضَ الذكر أَنْبَهُ من بعضِ ) فغناه فقال له الثالث ولا أستزيدك فقال قل ما شئت فقال تغنيني ( يا دارُ أَقْوَتْ بالجِزعِ فالكَثَبِ ... بين مَسِيلِ العُذَيْبِ فالرُّحَبِ ) ( لم تَتَقَنَّعْ بَفْضلِ مِئْزَرِها ... دَعْدُ ولم تُسْقَ دَعْدٌ في العُلَبِ ) فغناه فقال له ابن سريج أبقيت لك حاجة قال نعم تنزل إلي لأخاطبك شفاها بما أريد فقال له عمر انزل إليه فنزل فقال له لولا أني أريد وداع الكعبة وقد تقدمني ثقلي وغلماني لأطلت المقام معك ولنزلت عندكم ولكني أخاف أن يفضحني الصبح ولو كان ثقلي معي لما رضيت لك بالهوينى ولكن خذ حلتي هذه وخاتمي ولا تخدع عنهما فإن شراءهما ألف وخمسمائة دينار وذكر باقي الخبر مثل ما ذكره حماد بن إسحاق نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني صوت ( نظَرتُ إليها بالمحصَّب من مِنًى ... ولي نظرٌ لولا التَّحَرُّجُ عارِمُ ) ( فقلت أشمسٌ أم مصابيحُ بِيعَةٍ ... بدتْ لك خلفَ السَّجْفِ أم أنت حالم ) ( بعيدةُ مَهْوَى القُرط إمّا لنَوْفَلٌ ... أبوها وإمّا عبدُ شمس وهاشمُ ) الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لمعبد ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر عنه وقد نسب في مواضع من هذا الكتاب صوت ( ألا يا غُرابَ البَيْنِ مالكَ كُلَّمَا ... نَعَبْتَ بِفقْدَانٍ عليَّ تَحُومُ ) ( أبِالبَيْنِ من عَفْراءَ أنت مُخَبِّري ... عَدِمْتُك من طيرٍ فأنت مَشُومُ ) الشعر لقيس بن ذريح وقيل إنه لغيره والغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن الهشامي صوت ( أمَسْلَم إنّي يابنَ كلِّ خليفةٍ ... ويا فارسَ الهَيْجا ويا قمر الأرضِ ) ( شكرتُك إنّ الشكر حَبْلٌ من التُّقَى ... وما كلُّ مَنْ أوليتَه نعمةً يَقْضي ) ( ونوّهتَ لي باسمي وما كان خاملاً ... ولكنّ بعضَ الذكر أنبهُ من بعضِ ) الشعر لأبي نخيلة الحماني والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى وقد أخرج هذا الصوت مع سائر أخبار أبي نخيلة في موضع آخر مكانة ابن سريج بين المغنين حدثني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد ابن سلام الجمحي قال حدثني عمر بن أبي خليفة قال كان أبي نازلا في علو فكان المغنون يأتونه قال فقلت فأيهم كان أحسن غناء قال لا أدري إلا أني كنت أراهم إذا جاء ابن سريج سكتوا ابن الزبير يؤخذ بغناء ابن سريج أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال حدثني الزبيري يعني عبد الله بن مصعب عن عمرو بن الحارث قال إسحاق وحدثنيه المدائني ومحمد بن سلام عن المحرز ابن جعفر عن عمر بن سعد مولى الحارث بن هشام قال خرج ابن الزبير ليلة إلى أبي قبيس فسمع غناء فلما انصرف رآه أصحابه وقد حال لونه فقالوا إن بك لشرا قال إنه ذاك قالوا ما هو قال لقد سمعت صوتا إن كان من الجن إنه لعجب وإن كان من الإنس فما انتهى منتهاه شيء قال فنظروا فإذا هو ابن سريج يتغنى صوت ( أمِنْ رَسْمِ دارٍ بوادِي غُدَرْ ... لجاريةٍ مِن جَوَارِي مُضَرْ ) ( خَدَلَّجةِ السَّاقِ مَمْكُورَةٍ ... سَلُوسِ الوِشَاحِ كمثلِ القَمَرْ ) ( تَزِينُ النساءَ إذا ما بَدَتْ ... ويُبْهَتُ في وجهها مَنْ نَظَرْ ) الشعر ليزيد بن معاوية والغناء لابن سريج رمل بالبنصر عن يونس وحبش قال إسحاق وذكر المدائني في خبره أن عمر بن عبد العزيز مر أيضا فسمع صوت ابن سريج وهو يتغنى ( بَتَّ الخليِطُ قُوَى الحَبْلِ الذي قَطَعُوا ... ) فقال عمر لله در هذا الصوت لو كان بالقرآن قال المدائني وبلغني من وجه آخر أنه سمعه يغني ( قَرَّبَ جِيِرَانُنا جِمَالَهُمُ ... ليلاً فأضْحَوا معاً قَد ارتْفَعَوُا ) ( ما كنتُ أَدْرِي بَوشْكِ بَيْنِهمُ ... حتى رأيتُ الحُدَاة قد طَلَعُوا ) فقال هذه المقالة نسبة هذين الصوتين صوت ( بَتَّ الخَلِيطُ قُوَى الحَبْلِ الذي قَطَعُوا ... إذ وَدَّعُوك فَولَّوْا ثم ما رجَعُوا ) وآذَنُوكَ بَبَيْنٍ من وِصَالِهمُ ... فما سَلوْتَ ولا يُسْلِيكَ ما صَنَعوا ) ( يابنَ الطَّويلِ وكم آثَرْتَ من حَسَنٍ ... فينا وأنت بما حُمِّلْتَ مُضْطَلِعُ ) ( نَحْظَى ونبقَى بخيرٍ ما بَقِيتَ لنا ... فإِن هلَكْتَ فما في مَلْجَأٍ طَمَعُ ) الشعر للأحوص والغناء لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر حبش أن فيه رملا بالوسطى عن الهشامي نسبة الصوت الآخر صوت ( قَرَّبَ جِيِرانُنا جِمَالَهُمُ ... ليلاً فأضْحَوْا معاً قد ارتفَعُوا ) ( ما كنتُ أدْرِي بوشكِ بَيْنِهمُ ... حتى رأيتُ الحُدَاةَ قد طلعوا ) ( على مِصَكَّيْنِ من جِمَالِهم ... وعَنْتَرِيِسَيْن فيهما خَضَعُ ) ( يا قلبُ صَبْراً فإِنه سَفَهٌ ... بالحُرِّ أن يَسْتَفِزَّه الجَزَعُ ) الغناء لان سريج ثقيل أول من أصوات قليلة الأشباه عن إسحاق وفيه رمل بالسبابة في مجرى الوسطى ذكره إسحاق ولم ينسبه إلى أحد وذكر أيضا فيه خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى ولم ينسبه وذكر الهشامي أن الرمل للغريض وخفيف الرمل لابن المكي وذكرت دنانير والهشامي أن فيه لمعبد ثاني ثقيل وذكر عمرو بن بانة أن الثقيل الأول للغريض وذكر عبد الله بن موسى أن لحن ابن سريج خفيف ثقيل عدد الأصوات التي غنى فيها ابن سريج أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلاني قال حدثني يوسف بن إبراهيم قال حضرت أبا إسحاق إبراهيم بن المهدي وعنده إسحاق الموصلي فقال إسحاق غنى ابن سريج ثمانية وستين صوتا فقال له أبو إسحاق ما تجاوز قط ثلاثة وستين صوتا فقال بلى ثم جعلا ينشدان أشعار الصحيح منها حتى بلغا ثلاثة وستين صوتا وهما يتفقان على ذلك ثم أنشد إسحاق بعد ذلك أشعار خمسة أصوات أيضا فقال أبو إسحاق صدقت هذا من غنائه ولكن لحن هذا الصوت نقله من لحنيه في الشعر الفلاني ولحن الثاني من لحنه الفلاني حتى عد له الخمسة الأصوات فقال له إسحاق صدقت ثم قال له إبراهيم إن ابن سريج كان رجلا عاقلا أديبا وكان يغني الناس بما يشتهون فلا يغنيهم صوتا مدح به أعداؤهم ولا صوتا عليهم فيه عار أو غضاضة ولكنه يعدل بتلك الألحان إلى أشعار في أوزانها فالصوتان واحد لا ينبغي أن نعدهما اثنين عند التحصيل منا لغنائه فصدقه إسحاق فقال له إبراهيم فأيها أولى عندك بالتقدمة فقال ( وإذا ما عَثَرتْ في مِرْطها ... نَهَضَتْ باسمِي وقالتْ يا عُمَرْ ) فقال له إبراهيم أحسبك يا أبا محمد متعت بك ما أردت إلا مساعدتي فقال لا والله ما إلى هذا قصدت وإن كنت أهوى كل ما قربني من محبتك فقال له هذا أحب أغانيه إلي وما أحسبه في مكان أحسن منه عندي ولا كان ابن سريج يتغناه أحسن مما يتغناه جواري ولئن كان كذلك فما هو عندي في حسن التجزئة والقسمة وصحتهما مثل لحنه في صوت من المائة المختارة من رواية جحظة ( حَيِّيَا أُمَّ يَعْمَرا ... قبلَ شَحْطٍ من النَّوَى ) ( أَجْمَعَ الحيُّ رِحْلةً ... ففُؤَادِي كَذي الأَسَى ) ( قلتُ لا تُعجِلُوا الرَّوَاحَ ... فقالوا ألا بَلَى ) الغناء لابن سريج من القدر الأوسط من الثقيل الأول مطلق في مجرى الوسطى وفيه للهذلي خفيف ثقيل بالبنصر عن ابن المكي وفيه لمالك ثقيل أول بالبنصر عن عمرو وفيه لحنان من الثقيل الثاني أحدهما لإسحاق والآخر لأبيه ونسبه قوم إلى ابن محرز ولم يصح ذلك قال فاجتمعا معا على أنه أول أغانيه وأحقها بالتقديم وأمرني أبو إسحاق بتدوين ما يجري بينهما ويتفقان عليه فكتبت هذا الشعر ثم اتفقا على أن الذي يليه ( وإِذا ما عَثَرتْ في مِرْطِها ... نَهَضَتْ باسمِي وقالتْ يا عُمَرْ ) فأثبته أيضا ثم تناظرا في الثالث فاجتمعا على أنه ( فتركتُه جَزَرَ السِّباع يَنُشْنَهُ ... ما بين قُلَّة رأسِه والمِعْصَمِ ) فقال إسحاق لو قدمناه على الأغاني التي تقدمته كلها لكان يستحق ذلك فقال أبو إسحاق ما سمعته منذ عرفته إلا أبكاني لأني إذا سمعته أو ترنمت به وجدت غمرا على فؤادي لا يسكن حتى أبكي فقال إسحاق إن مذهبه فيه ليوجب ذلك فدونته ثالثا ثم اتفقا على الرابع وأنه ( فلم أر كالتَّجْمِير مَنَظَر ناظِرٍ ... ولا كلَيالِي الحجِّ أَفْتَنَّ ذَا هَوَى ) وتحدثا بأحاديث لهذا الصوت مشهورة ثم تناظرا في الخامس فاتفقا على أنه ( عُوجِي علينا رَبَّة الهَوْدَجِ ... إنّكِ إلاَّ تَفْعلِي تَحْرَجِي ) فأثبته ثم تناظرا في السادس واتفقا على أنه ( ألاَ هلْ هَاجَكَ الأظْعَانُ ... إذ جَاوَزْنَ مُطَّلحَا ) فأثبته ثم تناظرا في السابع فاتفقا على أنه ( غَيَّضْنَ من عَبَراتِهنَّ وقَلْن لي ... ماذا لَقِيتَ من الهَوى ولَقِينَا ) فأثبته وتناظرا في الثامن فاتفقا على أنه ( تُنْكِرُ الإِثْمِدَ لا تَعْرِفهُ ... غيرَ أنْ تَسْمَعَ منهُ بخَبَرْ ) فأثبته وتناظرا في التاسع فاتفقا على أنه ( ومِن أَجْل ذاتِ الخالِ أعملْتُ ناقتي ... أُكَلِّفُها سَيْرَ الكَلاَلِ مع الظَّلْعِ ) نسبة هذه الأصوات وأجناسها منها صوت ( وإذا ما عَثَرتْ في مِرْطِها ... نَهَضَتْ باسمِي وقالتْ يا عُمَرْ ) الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج خفيف رمل بالوسطى عن الهشامي ومنها صوت ( فتركْتُه جَزَرَ السِّباع يَنُشْنَُ ... ما بين قُلَّة رأسِه والمِعصَمِ ) الشعر لعنترة بن شداد العبسي والغناء لابن سريج ثقيل أول بالوسطى عن عمرو ومنها صوت ( فَلمْ أَرَ كالتَّجْمِيرِ مَنْظَرَ ناظرٍ ... ولا كليالي الحجِّ أفْتَنَّ ذا هَوَى ) الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو ومنها صوت ( عُوجِي علينا رَبَّةَ الهَوْدجِ ... إنّكِ إلاَّ تفعَلي تَحْرَجِي ) الشعر للعرجي والغناء لابن سريج ثقيل بالوسطى عن عمرو ومنها صوت ( أَلاَ هَلْ هاجكَ الأظعانُ ... إذ جاوَزْنَ مُطَّلَحَا ) الشعر لعمر والغناء لابن سريج ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه للغريض لحنان ثقيل ثقيل أول بالوسطى في مجراها عن إسحاق وخفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو وفيه لمعبد ثقيل أول ثالث بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق ومنها صوت ( غَيَّضْنَ من عَبَراتِهنَّ وقُلْنَ لي ... ماذا لَقِيتَ من الهوى ولَقِينَا ) الشعر لجرير والغناء لابن سريج رمل بالبنصر وفيه لإسحاق رمل بالوسطى وفيه للهذلي ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي ومنها صوت ( تُنْكِر الإِثْمدَ لا تَعْرِفُه ... غيرَ أن تَسْمَعَ منه بخَبَرْ ) الشعر لعبد الرحمن بن حسان والغناء لابن سريج رمل بالوسطى ومنها صوت ( ومنْ أجلِ ذاتِ الخَالِ أعملتُ ناقتي ... أُكَلِّفُها سَيْرَ الكَلاَلِ مع الظَّلْعِ ) الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج رمل بالبنصر وفيه لإسحاق رمل بالوسطى مالك ومعبد يحتكمان إلى ابن سريج في صوتين لهما أخبرني رضوان بن أحمد قال حدثنا يوسف بن إبراهيم قال حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي قال حدثني الزبير بن دحمان أن أباه حدثه أن معبدا تغنى ( آب لَيْلِي بهُمُومٍ وفِكَرْ ... من حَبِيبٍ هاج حُزْنِي والسَّهَرْ ) ( يومَ أبصرتُ غراباً واقعاً ... شَرَّ ما طارَ على شَرِّ الشَّجَرْ ) فعارضه مالك فغنى في أبيات من هذا الشعر وهي ( وجَرَتْ لي ظبيةٌ يتبَعُها ... لَيِّنُ الأَظْلاَفِ من حُورِ البَقَرْ ) ( كلَّما كَفْكَفْتُ منِّي عَبْرَةً ... فاضتِ العينُ بمُنْهَلٍّ دِرَر ) قال فتلاحيا جميعا فيما صنعناه من هذين الصوتين فقال كل واحد منهما لصاحبه أنا أجود صنعة منك فتنافرا إلى ابن سريج فمضيا إليه بمكة فلما قدماها سألا عنه فأخبرا أنه خرج يتطرف بالحناء في بعض بساتينها فاقتفيا أثره حتى وقفا عليه وفي يده الحناء فقالا له إنا خرجنا إليك من المدينة لتحكم بيننا في صوتين صنعناهما فقال لهما ليغن كل واحد منكما صوته فابتدأ معبد يغني لحنه فقال له أحسنت والله على سوء اختيارك للشعر يا ويحك ما حملك على أن ضيعت هذه الصنعة الجيدة في حزن وسهر وهموم وفكر أربعة ألوان من الحزن في بيت واحد وفي البيت الثاني شران في مصراع واحد وهو قولك ( شَرَّ ما طار على شَرِّ الشَّجَرْ ... ) ثم قال لمالك هات ما عندك فغناه مالك فقال له أحسنت والله ما شئت فقال له مالك هذا وإنما هو ابن شهره فكيف تراه يا أبا يحيى يكون إذا حال عليه الحول قال دحمان فحدثني معبد أن ابن سريج غضب عند ذلك غضبا شديدا ثم رمى بالحناء من يديه وأصابعه وقال له يا مالك إلي تقول ابن شهره اسمع مني ابن ساعته ثم قال يا أبا عباد أنشدني القصيدة التي تغنيتما فيها فأنشدته القصيدة حتى انتهيت إلى قوله ( تُنْكِر الإِثْمِدَ لا تَعْرِفُه ... غيرَ أن تَسْمَع منه بخَبَرْ ) فصاح بأعلى صوته هذا خليلي وهذا صاحبي ثم تغنى فيه فانصرفنا مفلولين مفضوحين من غير أن نقيم بمكة ساعة واحدة نسبة هذه الأغاني كلها صوت ( آبَ لَيْلِي بهُمُومٍ وفِكْر ... من حَبيبٍ هاج حُزْنِي والسَّهَرْ ) ( يومَ أبصرتُ غراباً واقعاً ... شَرَّ ما طارَ على شَرِّ الشَّجَرْ ) ( يَنْتِف الرِّيشَ على عُبْريَّةٍ ... مُرَّةِ المَقْضَم من دَوْحِ العُشَرْ ) الشعر لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت يقوله في رملة بنت معاوية بن أبي سفيان وله معها ومع أبيها وأخيها في تشبيبه بها أخبار كثيرة ستذكر في موضعها إن شاء الله ومن الناس من ينسب هذا الشعر إلى عمر بن أبي ربيعة وهو غلط وقد بين ذلك مع أخبار عبد الرحمن في موضعه والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالوسطى عن يحيى المكي وذكر عمرو بن بانة أنه للغريض وله لحن آخر في هذه الطريقة صوت ( وجَرَتْ لي ظَبْيَةٌ يتبعُها ... ليِّنُ الأظلاف من حُورِ البَقَرْ ) ( خلفَها أطْلَسُ عَسَّالُ الضُّحَى ... صادفتْه يوم طَلٍّ وخَصَرْ ) الغناء لمالك خفيف ثقيل بالبنصر في مجراها عن إسحاق صوت ( إنّ عَيْنَيْها لعَيْنَا جُؤْذَرٍ ... أهْدَبِ الأشْفَارِ من حُورِ البَقَرْ ) ( تُنْكِرُ الإِثْمِدَ لا تعرِفُه ... غيرَ أنْ تسمَعَ منه بخَبَرْ ) الغناء لابن سريج رمل بالسبابة عن عمرو ويحيى المكي نقائض الغريض وابن سريج أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قال أبي قال محمد بن سعيد لما ضاد ابن سريج الغريض وناوأه جعل ابن سريج لا يغني صوتا إلا عارضه فيه الغريض فغنى فيه لحنا غيره وكانت ببعض أطراف مكة دار يأتيانها في كل جمعة ويجتمع لهما ناس كثير فيوضع لكل واحد منهما كرسي يجلس عليه ثم يتناقضان الغناء ويترادانه قال فلما رأى ابن سريج موقع الغريض وغنائه من الناس لقربه من النوح وشبهه به مال إلى الأرمال والأهزاج فاستحفها الناس فقال له الغريض يا أبا يحيى قصرت الغناء وحذفته وأفسدته فقال له نعم يا مخنث جعلت تنوح على أبيك وأمك ألي تقول هذا والله لأغنين غناء ما غنى أحد أثقل منه ولا أجود ثم تغنى ( تشكَّى الكُمَيْتُ الجَرْيَ لمّا جَهَدْتُه ... ) قال حماد وقرأت على أبي عن هشام بن المرية قال كان ابن أبي عتيق يسوق في كل عام عن ابن سريج بدنة وينحرها عنه ويقول هذا أقل حقه علينا معبد يعترف لابن سريج بالسبق قال حماد قال أبي وقال مخلد بن خداش المهلبي كنا بالمدينة في مجلس لنا ومعنا معبد فقدم قادم من مكة إلى المدينة فدخل علينا ليلا فجلس معبد يسائله عن الأخبار وهو يخبره ولا نسمع ما يقول فالتفت إلينا معبد فقال أصبحت أحسن الناس غناء فقيل له أو لم تكن كذلك قال لا حيث كان ابن سريج حيا إن هذا أخبرني أن ابن سريج قد مات ثم كان بعد ذلك إذا غنى صوتا فأعجبه غناؤه قال أصبحت اليوم سريجيا أبو السائب المخزومي وأغاني ابن سريج قال حماد حدثني أبي قال حدثني أبو الحسن المدائني قال قال معبد أتيت أبا السائب المخزومي وكان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة فلما رآني تجوز وقال ما معك من مبكيات ابن سريج قلت قوله ( ولَهُنَّ بالبيتِ العَتِيقِ لُبَانَةٌ ... والبيتُ يَعْرِفُهنّ لو يَتَكَلَّمُ ) ( لو كان حَيّا قبلَهن ظَعَائناً ... حَيّا الحَطِيمُ وجوهَهنّ وزَمْزَمُ ) ( لَبِثُوا ثلاثَ مِنىً بمنزلِ غِبْطَةٍ ... وهُمُ على سَفَرٍ لعَمْرُكَ ما هُمُ ) ( مُتجاوِرِينَ بغير دار إقامةٍ ... لو قد أجدَّ تفرّقٌ لم يَنْدَمُوا ) فقال لي غنه فغنيته ثم قام يصلي فأطال ثم تجوز إلي فقال ما معك من مطرباته ومشجياته فقلت قوله ( لسنا نُبَالِي حين نُدرِكُ حاجةً ... ما بات أو ظَلَّ المَطِيُّ مُعَقَّلاَ ) فقال لي غنه فغنيته ثم صلى وتجوز إلي وقال ما معك من مرقصاته فقلت ( فلم أَرَ كالتَّجْمِيرِ منْظَرَ ناظرٍ ... ولا كَليالي الحجِّ أفْتَنَّ ذا هَوى ) فقال كما أنت حتى أتحرم لهذا بركعتين تفضيل عطاء بن أبي رباح ابن سريج على الغريض قال حماد وأخبرني أبي عن إبراهيم بن المنذر الحزامي وذكر أبو أيوب المديني عن الحزامي قال حدثني عبد الرحمن بن إبراهيم المخزومي قال أرسلتني أمي وأنا غلام أسأل عطاء بن أبي رباح عن مسألة فوجدته في دار يقال لها دار المعلى وقال أبو أيوب في خبره دار المقل وعليه ملحفة مُعَصْفَرةٌ وهو جالس على منبر وقد ختن ابنه والطعام يوضع بين يديه وهو يأمر به أن يفرق في الخلق فلهوت مع الصبيان ألعب بالجوز حتى أكل القوم وتفرقوا وبقي مع عطاء خاصته فقالوا يا أبا محمد لو أذنت لنا فأرسلنا إلى الغريض وابن سريج فقال ما شئتم فأرسلوا إليهما فلما أتيا قاموا معهما وثبت عطاء في مجلسه فلم يدخل فدخلوا بهما بيتا في الدار فتغنيا وأنا أسمع فبدأ ابن سريج فنقر بالدف وتغنى بشعر كثير ( بلَيْلَى وجاراتٍ لِليلَى كأنّها ... نِعاجُ المَلا تُحْدَى بهن الأباعِرُ ) ( أمُنقطعٌ يا عَزّ ما كان بينَنا ... وشَاجَرَنِي يا عَزّ فِيك الشَّواجِرُ ) ( إذا قِيلَ هذا بيتُ عزّة قَادَنِي ... إليه الهَوى واستعجلتني البوادِرُ ) ( أصُدُّ وبي مثلُ الجُنون لكي يَرى ... رُواةُ الخنَا أنِّي لِبيتِك هاجرُ ) فكأن القوم قد نزل عليهم السبات وأدركهم الغشي فكانوا كالأموات ثم أصغوا إليه بآذانهم وشخصت إليه أعينهم وطالت أعناقهم ثم غنى الغريض بصوت أنسيته بلحن آخر ثم غنى ابن سريج وأوقع بالقضيب وأخذ الغريض الدف فغنى بشعر الأخطل ( فَقلتُ اصْبَحُونا لا أبَا لأبيكُمُ ... وما وَضَعُوا الأثقالَ إلا ليَفْعَلُوا ) ( وقلتُ اقتُلوها عنكُمُ بِمزاجِها ... فأكْرِمْ بها مَقْتُولةً حين تُقْتَلُ ) ( أَنَاخُوا فجَرُّوا شاصِياتٍ كأنها ... رِجَالٌ من السُّودانِ لَم يَتَسرْبَلُوا ) فوالله ما رأيتهم تحركوا ولا نطقوا إلا مستمعين لما يقول ثم غنى الغريض بشعر آخر وهو ( هل تعرِف الرَّسْمَ والأطْلاَلَ والدِّمَنَا ... زِدْنَ الفؤادَ على ما عندَه حَزَنَا ) ( دارٌ لصَفْرَاءَ إذ كانت تَحُلُّ بها ... وإذ تَرَى الوَصْلَ فيما بينَنا حَسَنَا ) ( إذ تَسْتَبِيك بمَصْقُولٍ عوارضُه ... ومُقْلَتَيْ جُؤْذُرٍ لم يَعْدُ أن شَدَنَا ) ثم غنيا جميعا بلحن واحد فلقد خيل لي أن الأرض تميد وتبينت ذلك في عطاء أيضا وغنى الغريض في شعر عمر بن أبي ربيعة وهو قوله ( كَفَى حَزَناً أن تجمَعَ الدارُ شَمْلَنا ... وأُمْسِي قريباً لا أَزُورُكِ كَلثما ) ( دَعِي القلبَ لا يَزْدَدْ خَبَالاً مع الذي ... به منكِ أو دَاوي جَواه المُكَتَّما ) ( ومَنْ كان لا يَعْدُو هواه لسانَه ... فقد حَلَّ في قلبي هواك وخَيَّما ) ( وليس بتَزْوِيقِ اللسانِ وصَوْغِه ... ولكنَّه قد خالطَ اللحمَ والدَّمَا ) وغنى ابن سريج أيضا ( خَلِيلَيَّ عُوجَا نَسْأل اليومَ مَنْزِلاَ ... أبَى بالبِراقِ العُفْرِ أن يَتَحَوَّلاَ ) ( ففُرْع النَّبِيتِ فالشَّرَى خَفَّ أهلُه ... وبُدِّلَ أرْوَاحاً جَنُوباً وشَمْأَلا ) ( أرادتْ فلم تَسْطِعْ كلاماً فأومأتْ ... إلينا ولم تأمَنْ رَسُولاً فتُرْسِلاَ ) ( بأنْ بِتْ عَسَى أن يستُرَ الليلُ مجلساً ... لنا أو تنامَ العين عنَّا فتُقْبِلاَ ) وغنى الغريض أيضا ( يا صاحِبَيّ قِفَا نُقَضِّ لُبَانَةً ... وعلى الظَّعائِنِ قبلَ بَيْنِكما اعْرِضَا ) ( لا تُعْجِلانِي أن أقولَ بحاجةٍ ... رِفْقاً فقد زوِّدْتُ زاداً مُجْرِضاَ ) ( ومقالَها بالنَّعْفِ نَعْفِ مُحَسِّرٍ ... لِفَتاتِها هل تِعْرِفينَ المُعْرِضَا ) ( هذا الذي أَعْطَى مَوَاثِقَ عهدِهِ ... حتى رَضِيتُ وقُلتِ لي لن يَنْقُضَا ) وأغاني أنسيتها وعطاء يسمع على منبره ومكانه وربما رأيت رأسه قد مال وشفتيه تتحركان حتى بلغته الشمس فقام يريد منزله فما سمع السامعون شيئا أحسن منهما وقد رفعا أصواتهما وتغنيا بهذا ولما بلغت الشمس عطاء قام وهم على طريقة واحدة في الغناء فاطلع في كوة البيت فلما رأوه قالوا يا أبا محمد أيهما أحسن غناء قال الرقيق الصوت يعني ابن سريج نسبة ما في هذه الأخبار من الأصوات صوت ( ولَهُنَّ بالبيتِ العَتِيق لُبَانَةٌ ... والبيتُ يعرِفهنّ لو يتكلَّمُ ) ( لو كان حَيّا قبلَهنّ ظعائناً ... حيّا الحَطِيمُ وجُوههَنّ وزمزمُ ) ( وكأنهنَّ وقد حَسَرْنَ لَوَاغِباً ... بَيْضٌ بأكنافِ الحَطِيم مُرَكَّمُ ) ( لَبِثُوا ثلاثَ مِنَىً بمنزلِ غِبْطَةٍ ... وهمُ على سَفَرٍ لعمركُ ما همُ ) ( مُتَجَاوِرِينَ بغير دارِ إقامةٍ ... لو قد أجدَّ رحِيلُهم لم يَنْدَمُوا ) عروضه من الكامل الشعر لابن أذينة والغناء لابن سريج ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وأخبار ابن أذينة تأتي بعد هذا في موضعها إن شاء الله ومنها الصوت الذي أوله في الخبر ( لسنا نُبَالِي حين نُدْرِكُ حاجةً ... ) صوت ( وَدِّعْ لُبَابَةَ قبلَ أن تَتَرحَّلاَ ... واسألْ فإن قَلِيلَه أن تَسْألا ) ( وانظُرْ بعينكَ ليلةً وتأنَّها ... فلعلَّ ما بَخِلَتْ به أن يُبْذَلا ) ( لسنا نُبَالِي حين نُدْرِكُ حاجةً ... ما راح أو ظلَّ المَطِيُّ مُعَقَّلا ) ( حتّى إذا ما الليلُ جَنَّ ظلامُه ... ورجوْتُ غفلةَ حارسٍ أن يَعْقِلا ) ( خرجَتْ تأطَّرُ في الثيابِ كأنَّها ... أيْمٌ يَسِيبُ على كثيبٍ أَهْيَلا ) الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج ثقيل أول بالوسطى في مجراها وفيه لمعبد لحن من خفيف الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى وهو من مختار أغانيه ونادرها وصدور صنعته وما يقدم على كثير منها الغمر بن يزيد وشعر عمر بن أبي ربيعة أخبرني أحمد بن محمد بن إسحاق الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري عن عبد الله بن عمران بن أبي فروة قال كنت أسير مع الغمر بن يزيد فاستنشدني فأنشدته لعمر بن أبي ربيعة ( وَدِّعْ لُبَابَةَ قبلَ أن تترحَّلا ... واسألْ فإنّ قَلِيلَه أن تَسألا ) ( قال ائْتَمِرْ ما شئتَ غيرَ مُخَالَفٍ ... فيما هَوِيت فإنّنا لن نَعْجَلا ) ( نَجْزِي أيادِي كنتَ تَبْذُلُها لنا ... حقٌّ علينا واجبٌ أن نَفْعَلا ) ( حتّى إذا ما الليلُ جنّ ظلامُه ... ورجوتُ غفلةَ حارسٍ أن يَعْقِلا ) ( خرجتْ تأطَّرُ في الثيابِ كأنَّها ... أيْمٌ يسِيبُ على كثيبٍ أَهْيَلا ) ( رَحَّبْتُ لمّا أقبلتْ فتَعلَّلتْ ... لتحيَّتِي لمّا رأَتْنِي مُقْبِلا ) ( فجَلا القِنَاعُ سحابةً مشهورةً ... غَرَّاءَ تُعْشِي الطَّرْفَ أن يتأمَّلا ) ( فظَلِلْتُ أرْقِيها بما لو عَاقِلٌ ... يُرْقى به ما اسْطاعَ ألاّ يَنْزِلا ) ( تَدْنُو فأطْمَعُ ثم تمنعُ بَذْلَها ... نفسٌ أبتْ للجُودِ أن تتبخَّلا ) قال فأمر غلامه فحملني على بغلته التي كانت تحته فلما أراد الانصراف طلب الغلام مني البغلة فقلت لا أعطيكها هو أكرم وأشرف من أن يحملني عليها ثم ينتزعها مني فقال للغلام دعه يا بني ذهبت والله لبابة ببغلة مولاك أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه وأخبرنيه الحسن بن علي عن هارون بن الزيات عن حماد عن أبيه قال حدثني عثمان بن حفص الثقفي عن إبراهيم بن عبد السلام بن أبي الحارث عن ابن تيزن المغني قال قال أبو نافع الأسود وكان آخر من بقي من غلمان ابن سريج إذا أعجزك أن تطرب القرشي فغنه غناء ابن سريج في شعر عمر بن أبي ربيعة فإنك ترقصه قال وأبو نافع هذا أحذق غلمان ابن سريج ومن أخذ عنه وكان أحسن رواته صوتا ومنها صوت ( بلَيْلَى وجاراتٍ لِلَيلَى كأنَّها ... نِعَاجُ المَلا تُحْدَى بهنَّ الأبَاعِرُ ) ( أمُنقطعٌ يا عزّ ما كان بينَنا ... وشَاجَرَنِي يا عزّ فيكِ الشَّوَاجِرُ ) ( إذا قيل هذا بيتُ عَزّةَ قادني ... إليه الهوى واستعجلتني البَوَادِرُ ) ( أصُدّ وبي مثلُ الجنون لكي يَرى ... رُوَاةُ الخَنَا أنّي لبيتكِ هاجِرُ ) ( ألاَ ليتَ حَظِّي منكِ يا عزّ أنَّني ... إذا بِنْتِ باع الصبرَ لي عنكِ تاجرُ ) عروضه من الطويل الشعر لكثير والغناء لمعبد ثقيل أول بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمرو وفيه لابن سريج لحن أوله أصد وبي مثل الجنون خفيف رمل بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق ومنها صوت ( أناخُوا فجَرُّوا شَاصِيَاتٍ كأنَّها ... رجالٌ من السُّودانِ لم يَتَسَرْبَلُوا ) ( فقلتُ اصبَحُوني لا أبا لأبيكُمُ ... وما وضَعُوا الأثقالَ إلاّ ليفعَلُوا ) ( تمُرّ بها الأيْدِي سَنِيحاً وبارِحاً ... وتُرْفَع باللَّهُمَّ حيِّ وتُنْزَلُ ) عروضه من الطويل الشاصيات الشائلات قوائمها من امتلائها يعني الزقاق يقال شصا يشصو وشصا ببصره إذا رفعه كالشاخص وأنشد ( وَرَبْرَبٍ خِمَاصِ ... يَطْعَنُ بالصَّيَاصِي ) ( ينظُر من خَصَاصِ ... بأعْيُنٍ شَوَاصِي ) ( كَفِلَقِ الرَّصَاصِ ... تَسْمُو إلى القَنَّاصِ ) الشعر للأخطل وذكره يأتي في غير هذا الموضع من قصيدة يمدح بها خالد بن عبد الله بن أسيد بن أبي العيص بن أمية والغناء لمالك وله فيه لحنان أحدهما في الأول والثاني رمل بالبنصر في مجراها عن إسحاق والآخر في الثالث والأول والثاني خفيف رمل بالوسطى عن عمرو وفيه لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو وفيه لابن محرز خفيف ثقيل أول بالبنصر في مجراها وفيه رمل آخر لإبراهيم عن عمرو أيضا ومنها صوت ( هل تعرِفُ الرسمَ والأَطْلالَ والدِّمَنَا ... ) وذكر الأبيات الثلاثة وقد تقدمت عروضه من البسيط الشعر لذي الإصبع العدواني والغناء لابن عائشة ثاني ثقيل بالبنصر ومنها صوت ( كَفَى حَزَناً أن تجمعَ الدارُ شَمْلَنَا ... ) صوت وهو من المائة المختارة في رواية جحظة عن أصحابه ( دَعِي القلبَ لا يَزْدَدْ خَبَالاً مع الذي ... به مِنْكِ أو دَاوِي جَوَاه المُكَتَّما ) ( وَمَنْ كان لا يَعْدُو هواه لِسَانَه ... فقد حلَّ في قلبِي هَواكِ وخَيَّما ) ( وليس بتَزْويقِ اللسانِ وصَوْغِه ... ولكنَّه قد خَالَطَ اللَّحمَ والدَّما ) عروضه من الطويل الشعر للأحوص وقيل إنه لسعيد بن عبد الرحمن ابن حسان والغناء لمعبد ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر وذكر يونس أن لمالك لحنا فيه ( أكَلْثَمُ فُكِّي عانياً بكِ مُغْرَمَا ... وشُدِّي قُوَى حَبْلٍ لنا قد تَصَرَّما ) ( فإن تُسْعِفيه مَرَّةً بنَوَالِكم ... فقد طَالَما لم يَنْجُ منكِ مُسَلَّمَا ) ( كَفَى حَزَناً أن تَجْمَعَ الدارُ شَمْلَنا ... وأُمْسي قريباً لا أَزُورُك كَلْثَما ) وبعده هذه الأبيات التي مضت إجماع المغنين على تفضيل لحن ابن سريج وليس بتزويق اللسان أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد وذكر الثقفي عن دحمان قال تذاكرنا ونحن في المسجد أنا والربيع بن أبي الهيثم الغناء أيه أحسن فجعل يقول وأقول فلا نجتمع على شيء فقلت اذهب بنا إلى مالك بن أبي السمح فذهبنا إليه فوجدناه في المسجد فقال ما جاء بكما فأخبرناه فقال قد جرى هذا بيني وبين معبد وقال وقلت فجاءني معبد يوما وأنا في المسجد وقال قد جئتك بشيء لا ترده فقلت وما هو قال لحن ابن سريج ( وليس بتزويقِ اللسانِ وصَوْغِه ... ولكنَّه قد خالَط اللحمَ والدَّمَا ) ثم قال لي معبد أسمعكه قلت نعم وأريته أني لم أسمعه قبل فقال اسمعه مني فغنى فيه ونحن في المسجد فما سمعت شيئا قط أحسن منه فافترقنا وقد اجتمعنا عليه وقرأت في فصل لإبراهيم بن المهدي إلى إسحاق الموصلي وكتبت رقعتي هذه وأنا في غمرة من الحمى تصدف عن المفترضات ولولا خوفي في تشنيعك وتجنيك لم يكن في للإجابة فضل غير أني قد تكلفت الجواب على ما الله به عالم من صعوبة علتي وما أقاسيه من الحرارة الحادثة بي ( وليس بتزويقِ اللّسانِ وصَوغِه ... ولكنَّه قد خالطَ اللّحمَ والدّما ) تفضيل غناء ابن سريج على غناء معبد ومالك وقال إسحاق حدثني شيخ من موالي المنصور قال قدم علينا فتيان من بني أمية يريدون مكة فسمعوا معبدا ومالكا فأعجبوا بهما ثم قدموا مكة فسألوا عن ابن سريج فوجدوه مريضا فأتوا صديقا له فسألوه أن يسمعهم غناءه فخرج معهم حتى دخلوا عليه فقالوا نحن فتيان من قريش أتيناك مسلمين عليك وأحببنا أن نسمع منك فقال أنا مريض كما ترون فقالوا إن الذي نكتفي منك به يسير وكان ابن سريج أديبا طاهر الخلق عارفا بأقدار الناس فقال يا جارية هاتي جلبابي وعودي فأتته خادمه بخامة فسدلها على وجهه وكان يفعل ذلك إذا تغنى لقبح وجهه ثم أخذ العود فغناهم فأرخى ثوبه على عينيه وهو يغني حتى إذا اكتفوا ألقى عوده وقال معذرة فقالوا نعم قد قبل الله عذرك فأحسن الله إليك ومسح ما بك وانصرفوا يتعجبون مما سمعوا فمروا بالمدينة منصرفين فسمعوا من معبد ومالك فجعلوا لا يطربون لهما ولا يعجبون بهما كما كانوا يطربون فقال أهل المدينة نحلف بالله لقد سمعتم بعدنا ابن سريج قالوا أجل لقد سمعناه فسمعنا ما لم نسمع مثله قط ولقد نغص علينا ما بعده ذكر العتابي أن زكريا بن يحيى حدثه قال حدثني عبد الله بن محمد بن عثمان العثماني عن بعض أهل الحجاز قال التقى قنديل الجصاص وأبو الجديد بشعب الصفراء فقال قنديل لأبي الجديد من أين وإلى أين قال مررت برقطاء الحبطية رائحة تترنم برمل ابن سريج في شعر ابن عمارة السلمي صوت ( سَقَى مَأْزِمَيْ نَجْدٍ إلى بئر خَالدٍ ... فوادِي نِصَاع فالقُرُون إلى عَمْدِ ) ( وجادتْ بُرُوقُ الرائحاتِ بمُزْنَةٍ ... تَسُحُّ شَآبِيباً بمُرْتَجِز الرَّعْدِ ) ( منازلَ هِنْدٍ إذ تُوَاصِلُني بها ... ليالِيَ تَسْبِيني بمُسْتَطْرَفِ الوُدِّ ) ( يُنِيرُ ظلامُ الليلِ من حسنِ وجهِها ... وتَهْدِي بطِيبِ الرِّيح مَنْ جاء مِنْ نَجْدِ ) الغناء لابن سريج رمل بالبنصر عن الهشامي فزففت خلفها زفيف النعامة فما انجلت غشاوتي إلا وأنا بالمشاش حسير فأودعتها قلبي وخلفته لديها وأقبلت أهوي كالرخمة بغير قلب فقال لي قنديل ما دفع أحد من المزدلفة أسعد منك سمعت شعر ابن عمارة في غناء ابن سريج من رقطاء الحبطية لقد أوتيت جزءا من النبوة قال وكانت رقطاء هذه من أضرب الناس فدخل رجل من أهل المدينة منزلها فغنته صوتا فقال له بعض من حضر هل رأيت قط أو ترى أفصح من وتر هذه فطرب المدني وقال علي العهد إن لم يكن وترها من معي بشكست النحوي فكيف لا يكون فصيحا وبشكست هذا كان نحويا بالمدينة وقتل مع الشراة الخارجين مع أبي حمزة صاحب عبد الله بن يحيى الكندي الشاري المعروف بطالب الحق غناء ابن سريج مخلوق من قلوب الناس جميعا قال محمد بن الحسن وحدث عن إسحاق عن أبيه أنه كان يقول غناء كل مغن مخلوق من قلب رجل واحد وغناء ابن سريج مخلوق من قلوب الناس جميعا وكان يقول الغناء على ثلاثة أضرب فضرب مله مطرب يحرك ويستخف وضرب ثان له شجا ورقة وضرب ثالث حكمة وإتقان صنعة قال وكل هذا مصنوع في غناء ابن سريج قال العتابي وحدثني زكريا بن يحيى عن عبد الله بن محمد العثماني قال ذكر بعض أصحابنا الحجازيين قال التقى ابن سلمة الزهري والأخضر الجدي ببئر الفصح فقال ابن سلمة هل لك في الاجتماع نستمتع بك فقال له الأخضر لقد كنت إلى ذلك مشتاقا قال فقعدا يتحدثان فمر بهما أبو السائب فقال يا مطرب الحجاز ألشيء كان اجتماعكما فقالا لغير موعد كان ذلك أفتؤنسنا قال فقعدوا يتحدثون فلما مضى بعض الليل قال الأخضر لابن سلمة يا أبا الأزهر قد ابهار الليل وساعدك القمر فأوقع بقهقهة ابن سريج وأصب معناك فاندفع يغني صوت ( تَجَنَّتْ بلا جُرْمٍ وصَدّتْ تغضُّباً ... وقالت لِتِرْبَيْها مقالةَ عاتِب ) ( سَيَعْلَمُ هذا أنَّنِي بنتُ حُرَّةٍ ... سأمنَعُ نَفْسِي من ظُنُونٍ كَوَاذِبِ ) ( فقُولِي له عنَّا تَنَحَّ فإنّنا ... أَبِيَّاتُ فُحْشٍ طَاهِرَاتُ المَنَاسِبِ ) الغناء لابن سريج ولم يذكر طريقته قال فجعل أبو السائب يزفن ويقول أبشر حبيبي فلأنت أفضل من شهداء قزوين قال ثم قال ابن سلمة للأخضر نعم المساعد على هم الليل أنت فأوقع بنوح ابن سريج ولا تعد معناك فاندفع يغني صوت ( فلمّا التَقَيْنا بالحَجُون تَنَفَّسَتْ ... تَنَفُّسَ محزونِ الفُؤَاد سَقِيمِ ) ( وقالتْ وما يَرْقَا من الخَوْفِ دمعُها ... أقَاطِنُها أم أنتَ غيرُ مُقِيم ) ( فإنّا غداً تُحْدَى بنا العِيسُ بالضُّحَى ... وأنت بما نَلْقَاه غيرُ عَلِيمِ ) ( فقَطَّعَ قَلْبي قولُها ثم أَسْبَلَتْ ... مَحَاجِرُ عَيْني دمعَها بسُجُومِ ) قال فجعل أبو السائب يتأفف ويقول أعتق ما أملك إن لم تكن فردوسية الطينة وإنها بعلمها لأفضل من آسية امرأة فرعون تغني الذلفاء بلحن ابن سريج أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال بلغني أن أبا دهبل الجمحي قال كنت أنا وأبو السائب المخزومي عند مغنية بالمدينة يقال لها الذلفاء فغنتنا بشعر جميل بن معمر العذري واللحن لابن سريج صوت ( لَهُنّ الوَجَى لِمْ كُنّ عَوناً على النَّوَى ... ولا زالَ منها ظالعٌ وكَسِير ) ( كَأنِّي سُقِيتُ السَّمَ يومَ تحمَّلوا ... وجَدّ بهم حادٍ وحانَ مَسِيرُ ) فقال أبو السائب يا أبا دهبل نحن والله على خطر من هذا الغناء فنسأل الله السلامة وأن يكفينا كل محذور فما آمن أن يهجم بي على أمر يهتكني قال وجعل يبكي غناء ابن سريج في موسم الحج أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثنا الزبير بن بكار عن بكار بن رباح عن إسحاق بن مقمة عن أمه قالت سمعت ابن سريج على أخشب منى غداة النفر وهو يغني ( جَدّدِي الوصلَ يا قريبَ وجُودِي ... لمحبٍّ فِرَاقُه قد أَلَمَّا ) ( ليسَ بينَ الحياةِ والموتِ إلاَّ ... أن يَرُدُّوا جِمَالَهُمْ فتُزَمَّا ) ونسبة هذا الصوت تأتي بعد هذه الأخبار قالت فما تشاء أن تسمع من خباء ولا مضرب حنينا ولا أنينا إلا سمعته ذكر يوسف بن إبراهيم أنه حضر إسحاق بن إبراهيم الموصلي ليلة وهو يذاكر إبراهيم بن المهدي إلا أن قال إسحاق في بعض مخاطبته إياه هذا صوت قد تمعبد فيه ابن سريج فقال له إبراهيم ما ظننت أنك يا أبا محمد مع علمك وتقدمك تقول مثل هذا في ابن سريج فكيف يجوز أن تقول تمعبد ابن سريج وإنما معبد إذا أحسن قال أصبحت سريجيا قد أغنى الله ابن سريج عن هذا ورفع قدره عن مثله وأعيذك بالله أن تستشعر مثله في ابن سريج قال فما رأيت إسحاق دفع ذلك ولا أباه ولا زاد على أن قال هي كلمة يقولها الناس لم أقلها اعتقادا لها فيه وإنما تكلمت بها على العادة تفوق ابن سريج على سائر المغنين أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن سلام قال قال لي شعيب بن صخر كان معبد إذا غنى فأجاد قال أنا اليوم سريجي حدثني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد ابن سلام قال حدثنا شعيب بن صخر قال كان نعمان المغني عندي نازلا وكان يغني وكنت أراه يأتيه قوم قال أبو عبد الله فقلت له فأيهم كان أحذق قال لا أدري إلا أنهم كانوا إذا جاء ابن سريج سكتوا أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني الهيثم بن عياش قال حدثني عبد الرحمن بن عيينة قال بينما نحن بمنى ونحن نريد الغدو إلى عرفات إذ أتانا الأحوص فقال أبيت بكم الليلة قلنا بالرحب والسعة فلما جنه الليل لم يلبث أن غاب عنا ثم عاد ورأسه يقطر ماء قلت ما لك قال صوت ( تَعَرَّضُ سَلْمَاكَ لماّ حَرَمتَ ... ضَلَّ ضَلاَلُكَ مِنْ مُحْرِمِ ) ( تُريد به البِرَّ يا لَيْتَه ... كَفَافاً من البِرِّ والمَأْثم ) الغناء لابن سريج ولم يجنسه قال قلت زنيت ورب الكعبة قال قل ما بدا لك ثم لقي ابن سريج فقال إني قد قلت بيتين حسنين أحب أن تغنيني بهما قال ما هما فأنشده إياهما فغنى بهما من ساعته ففتن من حضر ممن سمع صوته أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني إسحاق بن يحيى ابن طلحة قال قدوم جرير المدينة وارتحاله إلى مكة ليسمع ابن سريج قدم جرير بن الخطفي المدينة ونحن يومئذ شباب نطلب الشعر فاحتشدنا له ومعنا أشعب فبينا نحن عنده إذ قام لحاجة وأقمنا لم نبرح وجاء الأحوص بن محمد الشاعر من قباء على حمار فقال أين هذا فقلنا قام لحاجة فما حاجتك إليه قال أريد والله أن أعلمه أن الفرزدق أشعر منه وأشرف قلنا ويحك لا تعرض له وانصرف فانصرف وخرج فجاء جرير فلم يكن بأسرع من أن أقبل الأحوص الشاعر فأقبل عليه فقال السلام عليك يا جرير قال جرير وعليك السلام فقال الأحوص يابن الخطفي الفرزدق أشرف منك وأشعر قال جرير من هذا أخزاه الله قلنا الأحوص بن محمد بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فقال نعم هذا الخبيث ابن الطيب أأنت القائل ( يَقَرُّ بعَيْني ما يَقَرُّ بعَيْنِها ... وأحسنُ شيء ما به العينُ قرَّتِ ) قال نعم قال فإنه يقر بعينها أن يدخل فيها مثل ذراع البكر أفيقر ذلك بعينك قال وكان الأحوص يرمي بالحلاق فانصرف فبعث إليهم بتمر وفاكهة وأقبلنا على جرير نسائله وأشعب عند الباب وجرير في مؤخر البيت فألح عليه أشعب يسأل فقال والله إني لأراك أقبحهم وجها وأراك ألأمهم حسبا فقد أبرمتني منذ اليوم قال إني والله أنفعهم وخيرهم لك فانتبه جرير وقال ويحك كيف ذاك قال إني أملح شعرك وأجيد مقاطعه ومبادئه فقال قل ويحك فاندفع أشعب فنادى بلحن ابن سريج ( يا أُختَ نَاجِيَةَ السلامُ عليكُم ... قبلَ الرَّحِيل وقبل عَذْلِ العُذَّلِ ) ( لو كنتُ أعلمَ أنَّ آخرَ عهدِكم ... يومُ الرَّحيل فعَلتُ ما لم أفعلِ ) فطرب جرير وجعل يزحف نحوه حتى ألصق بركبته ركبته وقال لعمري لقد صدقت إنك لأنفعهم لي وقد حسنته وأجدته وزينته أحسنت والله ثم وصله وكساه فلما رأينا إعجاب جرير بذلك الصوت قال له بعض أهل المجلس فكيف لو سمعت واضع هذا الغناء قال أو إن له لواضعا غير هذا فقلنا نعم قال فأين هو قلنا بمكة قال فلست بمفارق حجازكم حتى أبلغه فمضى ومضى معه جماعة ممن يرغب في طلب الشعر في صحابته وكنت فيهم فأتيناه جمعيا فإذا هو في فتية من قريش كأنهم المها مع ظرف كثير فأدنوا ورحبوا وسألوا عن الحاجة فأخبرناهم الخبر فرحبوا بجرير وأدنوه وسروا بمكانه وأعظم عبيد بن سريج موضع جرير وقال سل ما تريد جعلت فداءك قال أريد أن تغنيني لحنا سمعته بالمدينة أزعجني إليك قال وما هو قال ( يا أُختَ ناجيةَ السلامُ عليكُمُ ... قبلَ الرَّحيل وقبلَ عَذْل العُذَّلِ ) فغناه ابن سريج وبيده قضيب يوقع به وينكت فوالله ما سمعت شيئا قط أحسن من ذلك فقال جرير لله دركم يا أهل مكة ما أعطيتم والله لو أن نازعا نزع إليكم ليقيم بين أظهركم فيسمع هذا صباح مساء لكان أعظم الناس حظا ونصيبا فكيف ومع هذا بيت الله الحرام ووجوهكم الحسان ورقة ألسنتكم وحسن شارتكم وكثرة فوائدكم الوليد بن عبد الملك وابن سريج أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن جده إبراهيم قال كتب الوليد بن عبد الملك إلى عامل مكة أن أشخص إلي ابن سريج فأشخصه فلما قدم مكث أياما لا يدعو به ولا يلتفت إليه قال ثم إنه ذكره فقال ويلكم أين ابن سريج قالوا هو حاضر قال علي به فقالوا أجب أمير المؤمنين فتهيأ ولبس وأقبل حتى دخل عليه فسلم فأشار إليه أن اجلس فجلس بعيدا فاستدناه فدنا حتى كان منه قريبا وقال ويحك يا عبيد لقد بلغني عنك ما حملني على الوفادة بك من كثرة أدبك وجودة اختيارك مع ظرف لسانك وحلاوة مجلسك فقال جعلت فداءك يا أمير المؤمنين تسمع بالمعيدي خير من أن تراه قال الوليد إني لأرجو ألا تكون أنت ذاك ثم قال هات ما عندك فاندفع ابن سريج فغنى بشعر الأحوص ( أمَنزلَتَيْ سَلْمَى على القِدَمِ اسْلَمَا ... فقد هِجْتُما للشوقِ قلباً متيَّما ) ( وذَكَّرْتُما عَصْرَ الشَّبَابِ الذي مَضى ... وجِدَّة وَصْلٍ حَبْلُه قد تَجذَّما ) ( وإني إذا حَلَّتْ ببيشٍ مقِيمَةً ... وحَلَّ بوج جالساً أو تَتهَّمَا ) ( يَمَانِيَةٌ شَطَّتْ فأصبحَ نَفْعُها ... رَجَاءً وظَنّاً بالمَغِيبِ مُرَجَّمَا ) ( أُحِبُّ دُنُوِّ الدارِ منها وقد أبَى ... بها صَدْعُ شَعْبِ الدار إلاّ تَثلُّما ) ( بَكَاها وما يَدْري سِوَى الظَنِّ مَنْ بَكَى ... أحيّاً يُبَكِّي أم تُراباً وأعظُمَا ) ( فدَعْها وأخْلِفْ للخَلِيفَةِ مِدْحَةً ... تُزِلْ عنكَ بُؤْسَى أو تُفِيدُكَ أنْعُمَا ) ( فإنّ بكَفَّيْه مَفَاتِيحَ رحمةٍ ... وغيْثَ حَياً يحْيا به الناس مُرْهِمَا ) ( إمامٌ أتاه المُلْكُ عفواً ولم يُثِبْ ... على مُلْكِه مالاً حَرَاماً ولا دَمَا ) ( تَخَيَّرُه ربُّ العِبَاد لخَلْقِه ... وَلِيّاً وكان اللهُ بالناسِ أعْلَمَا ) ( فلمّا قَضَاه اللهُ لم يَدْعُ مُسْلِماً ... لبَيْعَتِه إلاّ أجابَ وسَلَّمَا ) ( يَنَالُ الغِنَى والعِزَّ مَنْ نال وُدّه ... ويَرْهَبُ موتاً عاجلاً مَنْ تَشَأّما ) فقال الوليد أحسنت والله وأحسن الأحوص علي بالأحوص ثم قال يا عبيد هيه فغناه بشعر عدي بن الرقاع العاملي يمدح الوليد صوت ( طَارَ الكَرَى وأَلَمَّ الهَمُّ فاكْتَنَعا ... وحِيلَ بَيْني وبينَ النَّوم فامتنَعا ) ( كان الشَّبابُ قِنَاعاً أَسْتَكِنُّ به ... وأَسْتَظِلُّ زماناً ثُمَّتَ انْقَشَعَا ) ( فاسْتَبْدَل الرأسُ شَيْباً بعد دَاجِيَةٍ ... فَيْنَانةِ ما تَرَى في صُدْغِها نَزَعَا ) ( فإن تكُنْ مَيْعَةٌ من باطِلٍ ذَهَبَتْ ... وأَعْقَبَ اللّهُ بعد الصَّبْوةِ الوَرَعا ) ( فقد أبِيتُ أُراعِي الخَوْدَ راقدةً ... على الوَسَائِدِ مسروراً بها وَلِعَا ) ( بَرَّاقَةَ الثَّغْر تَشْفِي القلبَ لذَّتُها ... إذا مُقَبِّلُها في ريقِها كَرَعَا ) ( كالأُقْحُوانِ بضاَحِي الرَّوْضِ صَبَّحه ... غَيْثٌ أرَشَّ بتَنْضَاحٍ وما نَقَعا ) ( صَلَّى الذي الصَّلواتُ الطَّيِّباتُ له ... والمؤمِنُونَ إذا ما جَمَّعُوا الجُمَعَا ) ( على الذي سَبَق الأقوامَ ضَاحِيَةً ... بالأجْرِ والحَمْدِ حتى صاحبَاه مَعا ) ( هو الذي جَمع الرحمنُ أُمَّتَه ... على يَدَيْه وكانوا قبلَه شِيعَا ) ( عُذْنَا بذي العَرْشِ أن نَحْيَا ونَفْقِدَه ... وأنْ نكونَ لِرَاعٍ بعدَه تَبَعا ) ( إنّ الوليدَ أميرَ المؤمنين له ... مُلْكٌ عليه أعان اللهُ فارتَفَعا ) ( لا يَمْنَع الناسُ ما أَعْطَى الذين هُم ... له عِبَدٌ ولا يُعْطُونَ ما مَنَعا ) فقال له الوليد صدقت يا عبيد أنّى لك هذا قال هو من عند الله قال الوليد لو غير هذا قلت لأحسنت أدبك قال ابن سريج ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء قال الوليد يزيد في الخلق ما يشاء قال ابن سريج هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر قال الوليد لعلمك والله أكبر وأعجب إلي من غنائك غنني فغناه بشعر عدي بن الرقاع العاملي يمدح الوليد ( عرَف الدِّيَارَ تَوَهُّماً فاعتَادَها ... من بعدِ ما شَمِلَ البِلَى أَبْلاَدَها ) ( ولربَّ واضحةِ العَوَارِضِ طَفلةٍ ... كالرِّيم قد ضَرَبَتْ بها أوتادَها ) ( إنِّي إذا ما لم تَصِلْنِي خُلَّتِي ... وتباعَدتْ منِّي اغتفرتُ بِعَادَها ) ( صلى الإِلهُ على امرىءٍ ودّعْتُه ... وأتَمَّ نِعْمَته عليه وزَادَهَا ) ( وإذا الرَّبِيعُ تتابعتْ أنْواؤُه ... فسَقَى خُنَاصِرَةَ الأحَصِّ فجادَها ) ( نزَل الوليدُ بها فكان لأهلِها ... غيثاً أغاثَ أنيسَها وبِلادَها ) ( أوَ لا تَرَى أنّ البَرِيَّةَ كلَّها ... ألقتْ خزَائِمَها إليه فقادَها ) ( ولقد أراد اللهُ إذ وَلاَّكَها ... من أُمَّةٍ إصلاَحها ورشَادَها ) ( أَعْمَرْتَ أرضَ المسلمين فأقْبَلَتْ ... وكَفَفْتَ عنها مَنْ يَرُومُ فسادَها ) ( وأصَبْتَ في أرضِ العَدُوِّ مُصِيبةً ... عَمَّتْ أقَاصِيَ غَوْرِها ونِجَادَها ) ( ظَفَراً ونَصْراً ما تناولَ مثلَه ... أحدٌ من الخُلَفاءِ كان أرادَها ) ( فإذا نَشَرْتُ له الثناءَ وجدتُه ... جَمع المَكَارِمِ طِرْفَها وتِلاَدَها ) الوليد يأمر بإحضار الأحوص وعدي بن الرقاع فأشار الوليد إلى بعض الخدم فغطوه بالخلع ووضعوا بين يديه كيسا من الدنانير وبدرا من الدراهم ثم قال الوليد بن عبد الملك يا مولى بني نوفل بن الحارث لقد أوتيت أمرا جليلا فقال ابن سريج يا أمير المؤمنين لقد آتاك الله ملكا عظيما وشرفا عاليا وعزا بسط يدك فيه فلم يقبضه عنك ولا يفعل إن شاء الله فأدام الله لك ما ولاك وحفظك فيما استرعاك فإنك أهل لما أعطاك ولا نزعه منك إذ رآك له موضعا قال يا نوفلي وخطيب أيضا قال ابن سريج عنك نطقت وبلسانك تكلمت وبعزك بينت وقد كان أمر بإحضار الأحوص بن محمد الأنصاري وعدي بن الرقاع العاملي فلما قدما عليه أمر بإنزالهما حيث ابن سريج فأنزلا منزلا إلى جنب ابن سريج فقالا والله لقرب أمير المؤمنين كان أحب إلينا من قربك يا مولى بني نوفل وإن في قربك لما يلذنا ويشغلنا عن كثير مما نريد فقال لهما ابن سريج أو قلة شكر فقال له عدي كأنك يابن اللخناء تمن علينا علي وعلي إن جمعنا وإياك سقف بيت أو صحن دار إلا عند أمير المؤمنين وأما الأحوص فقال أو لا تحتمل لأبي يحيى الزلة والهفوة وكفارة يمين خير من عدم المحبة وإعطاء النفس سؤلها خير من لجاج في غير منفعة فتحول عدي وبقي عنده الأحوص وبلغ الوليد ما جرى بينهم فدعا ابن سريج وأدخله بيتا وأرخى دونه سترا ثم أمره إذا فرغ الأحوص وعدي من كلمتيهما أن يغني فلما دخلا وأنشداه مدائح فيه رفع ابن سريج صوته من حيث لا يرونه وضرب بعوده فقال عدي يا أمير المؤمنين أتأذن لي أن أتكلم فقال قل يا عاملي قال أمثل هذا عند أمير المؤمنين ويبعث إلى ابن سريج يتخطى به رقاب قريش والعرب من تهامة إلى الشأم ترفعه أرض وتخفضه أخرى فيقال من هذا فيقال عبيد بن سريج مولى بني نوفل بعث أمير المؤمنين إليه ليسمع غناءه فقال ويحك يا عدي أو لا تعرف هذا الصوت قال لا والله ما سمعته قط ولا سمعت مثله حسنا ولولا أنه في مجلس أمير المؤمنين لقلت طائفة من الجن يتغنون فقال اخرج عليهم فخرج فإذا ابن سريج فقال عدي حق لهذا أن يحمل حق لهذا أن يحمل ثلاثا ثم أمر لهما بمثل ما أمر به لابن سريج وارتحل القوم وكان الذي غناه ابن سريج من شعر عمر بن أبي ربيعة ( بالله يا ظَبْيَ بني الحَارِثِ ... هل مَنْ وَفَى بالعَهْدِ كالنَّاكِثِ ) ( لا تَخْدَعَنِّي بالمُنَى باطِلاً ... وأنت بي تَلعَبُ كالعَابِث ) ( حتّى متى أنتَ لنا هكذا ... نَفْسِي فِداءٌ لكَ يا حارثي ) ( يا مُنْتَهى هِّمي ويا مُنْيتي ... ويا هَوَى نَفْسي ويا وَارِثي ) عودة الناس عن لوم ابن سريج على صنعة الغناء بعد سماع صوته ) قال وبلغني أن رجلا من الأشراف من قريش من موالي ابن سريج عاتبه يوما على الغناء وأنكره عليه وقال له لو أقبلت على غيره من الآداب لكان أزين بمواليك وبك فقال جعلت فداك امرأته طالق إن أنت لم تدخل الدار فقال الشيخ ويحك ما حملك على هذا قال جعلت فداك قد فعلت فالتفت النوفلي إلى بعض من كان معه متعجبا مما فعل فقال له القوم قد طلقت امرأته إن أنت لم تدخل الدار فدخل ودخل القوم معه فلما توسطوا الدار قال امرأته طالق إن أنت لم تسمع غنائي قال اعزب عني يا لكع ثم بدر الشيخ ليخرج فقال له أصحابه أتطلق امرأته وتحمل وزر ذلك قال فوزر الغناء أشد قالوا كلا ما سوى الله عز و جل بينهما فأقام الشيخ مكانه ثم اندفع ابن سريج يغني في شعر عمر بن أبي ربيعة في زينب ( ألَيستْ بالَّتِي قالتْ ... لمولاةٍ لهَا ظهرا ) ( أشِيري بالسَّلاَمِ لهُ ... إذا هُو نحونَا خَطَرَا ) ( وقُولِي في مُلاَطفةٍ ... لِزينبَ نَوِّلي عمرَا ) ( أهذا سِحرُك النِّسوانَ ... قد خَبَّرنَني الخَبَرا ) فقال للجماعة هذا والله حسن ما بالحجاز مثله ولا في غيره وانصرفوا أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الأصمعي قال قال عبد الله ابن عمير الليثي لابن سريج لو تركت الغناء وعاتبه على ذلك فقال جعلت فداك لو سمعته ما تركته ثم قال امرأته طالق ثلاثا إن لم تدخل الدار حتى تسمع غنائي فالتفت عبد الله إلى رفيق له كان معه فقال ما تنتظر أدخل بنا وإلا طلقت امرأة الرجل فدخلا مع ابن سريج فغنى بشعر الأحوص صوت ( لقدْ شاقَكَ الحيُّ إذ ودعوا ... فعينُك في إثْرهم تَدْمَعُ ) ( وناداكَ للبَيْنِ غِرْبانُه ... فَظَلتَ كأنَّكَ لا تَسمَعُ ) ثم قال امرأته طالق إن أنت لم تستحسنه لأتركنه فتبسم عبد الله وخرج نسبة ما في هذه الأخبار من الأصوات منها الصوت الذي أوله في الخبر ( جَدّدِي الوَصْلَ يا قريب وجُودي ... ) قوله صوت ( إنَّ طَيْفَ الخَيَالِ حينَ ألَّما ... هاجَ لي ذُكْرَةً وأحدثَ هَمَّا ) ( جَدِّدِي الوَصْلَ يا قريب وجُودِي ... لمُحِبٍّ فِرَاقُه قد ألمَّا ) ( ليس بينَ الحياةِ والموتِ إلاَّ ... أن يَرُدُّوا جِمَالَهم فتُزَمَّا ) ( ولقد قُلْتُ مُخْفِياً لِغَريضٍ ... هل تَرَى ذلك الغَزَال الأحَمَّا ) ( هل تَرَى مثلَه من الناسِ شَخْصاً ... أكمَل الناسِ صورةً وأتَمَّا ) عروضه من الخفيف الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وفيه للغريض أيضا ثقيل أولُ بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير قال أنشد جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام قول عمر ( ليس بين الحياة والموت إلاَّ ... أن يَرُدُّوا جِمَالَهم فتُزَمَّا ) فطرب وارتاح وجعل يقول لقد عجلوا البين أفلا يوكون قربة أفلا يودعون صديقا أفلا يشدون رحلا حتى جرت دموعه وحدثنا الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير فذكر مثله ومنها صوت ( يا أختَ نَاجِيةَ السلامُ عليكُم ... قبلَ الرَّحِيل وقبلَ عَذْلِ العُذَّلِ ) ( لو كنتُ أعلمُ أنّ آخرَ عَهْدِكم ... يومُ الرَّحِيل فعلتُ ما لم أفعَلِ ) عروضه من الكامل الشعر لجرير والغناء لابن سريج ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن ابن المكي وذكر إسحاق في هذه الطريقة ولم ينسبه إلى أحد وفيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن ابن المكي أيضا ومما يشك فيه أنه لمعبد أو لكردم ابنه في البيت الثاني والأول ثاني ثقيل ولعريب في هذين البيتين لحن من رواية ابن المعتز غير مجنس ومنها صوت ( أمَنزِلَتَيْ سَلْمَى على القِدَم أَسلَمَا ... فقد هِجْتُما للشوق قلباً مُتَيَّما ) ( وذَكَّرتُما عصرَ الشَّباب الذي مضَى ... وجِدَّةَ وَصْلٍ حَبْلُه قد تَجَذَّمَا ) عروضه من الطويل والشعر للأحوص والغناء لكردم ثاني ثقيل بالوسطى وقيل إن هذا الثقيل الثاني لمحمد الرف وإن فيه لحنا من الثقيل الأول لكردم ومنها صوت ( عَرَفَ الديارَ توهُّماً فاعتادَها ... من بَعْدِ ما شَمِلَ البِلَى أَبْلاَدَهَا ) ( إلاّ رَوَاكِدَ كُلُّهنّ قَدِ اصْطَلَى ... حَمْرَاءَ أكثَر أهلُهَا إيقادَها ) عروضه من الكامل الشعر لعدي بن الرقاع العاملي والغناء لابن محرز ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لمالك ثقيل أول بالبنصر عن عمرو وفيه لحن لإبراهيم وفي هذه الأخبار أنه لابن سريج وذكر حماد في كتاب ابن محرز أنه مما ينسب إلى ابن مسجح أو إلى ابن محرز ومنها صوت ( باللهِ يا ظَبْيَ بني الحارِثِ ... هل مَنْ وَفَى بالعهدِ كالنَّاكِثِ ) ( لا تَخْدَعَنِّي بالمُنَى بَاطِلاً ... وأنت بي تلعَب كالعَابِثِ ) عروضه من السريع الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج ولحنه خفيف ثقيل أول بالوسطى وذكر عمرو بن بانة أنه لسياط وذكر الهشامي وبذل أن فيه لإبراهيم الموصلي لحنا آخر وفيه خفيف رمل بالبنصر ذكر حبش أنه لإبراهيم بن المهدي وغيره ينسبه إلى إسحاق ومنها صوت وهو الذي أوله في الخبر أليست بالتي قالت لمولاة لها ظهرا ( تَصَابَى القلبُ فادَّكَرا ... هَوَاه ولم يَكُن ظَهَرَا ) ( لزينبَ إذ تُجِدُّ لنا ... صَفَاء لم يكن كَدِرَا ) ( أليستْ بالتي قالتْ ... لموْلاةٍ لها ظهرا ) ( أشِيري بالسَّلاَمِ له ... إذا هو نحوَنا نَظَرا ) ( وقُولِي في مُلاَطَفَةٍ ... لزينبَ نَوِّلي عُمَرا ) ( فهزَّتْ رأسَها عَجَباً ... وقالتْ مَنْ بِذَا أمَرا ) ( أهذا سِحْرُكَ النِّسْوانَ ... قد خَبَّرْنَني الخَبَرا ) ( طَرِبْتَ وَرَدّ مَنْ تَهْوَى ... جِمَالُ الحَيِّ فابتكَرا ) ( فقُلْ للبَرْبَرِيَّةِ لا ... تلُومِي القلبَ إن جَهَرا ) ( بَطِرْتَ وهكذا الإنسانُ ... ذو بَطَرٍ إذا ظَفِرَا ) ( فأينَ العَهْدُ والميثاقُ ... لا تُخْبِرْ بنا بَشَرا ) عروضه من الوافر الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج في الثالث والرابع والخامس والأول خفيف ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وللغريض في السابع والثامن والأول لحن من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالوسطى في مجراها عن إسحاق ولمعبد في هذه الأبيات كلها لحن عن يونس ودنانير ولم يجنساه وذكر الهشامي أنه خفيف ثقيل وفي السابع والثامن والتاسع رمل لدحمان ويقال إنه للزبير ابنه ولمالك لحن أوله صوت ( لقدْ أرسلتُ جَارِيَتِي ... وقلتُ لها خُذِي حَذَرَكْ ) ( وقُولِي في مُلاَطَفةٍ ... لزينَبَ نَوّلي عُمَرَكْ ) ( فهزَّتْ رَأسَها عَجَباً ... وقالتْ مَن بذا أمَرَكْ ) ( أهذا سحرُك النسوان ... قد خبّرنني خبرَكْ ) ولحن مالك هذا خفيف ثقيل بالوسطى من رواية ابن المكي وهذا يروي الشعر ويجعل قوافيه كلها على الكاف وفي هذه الأبيات بعينها على هذه القافية خفيف رمل ينسب إلى ابن سريج وإلى الغريض وذكر حبش أن فيه لمعبد لحنا من الرمل أوله الثالث من الأبيات الأول المذكورة رجع الخبر إلى سِيَاقة أحاديث ابن سريج ابن سريج أحسن الناس غناء أخبرنا يحيى بن علي ووكيع وجحظة قالوا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال قال لي الفضل بن يحيى سألت أباك ليلة وقد أخذ منه الشراب عن أحسن الناس غناء فقال لي من النساء أم من الرجال قلت من الرجال قال ابن محرز فقلت فمن النساء قال ابن سريج قال إسحاق لي ويقال أحسن الرجال غناء من تشبه بالنساء وأحسن النساء غناء من تشبه بالرجال قال يحيى بن علي خاصة ثم كان ابن سريج كأنه خلق من قلب كل واحد فهو يغني له بما يشتهي أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على أبي عن الهيثم بن عدي قال قال ابن سريج مررت ببعض أندية مكة وفيه جماعة فحصرت فقلت كيف أجوزهم مع تعبي وما أنا فيه فسمعتهم يقولون قد جاء ابن سريج فقال بعضهم ممن لم يعرفني ومن ابن سريج فقال الذي ينغني ( أَلاَ هل هاجَكَ الأظعانُ ... إذ جَاوَزْنَ مُطَّلَحَا ) قال ابن سريج فلما سمعت ذلك قويت نفسي واشتدت منتي ومررت بها أخطر في مصبغاتي فلما حاذيتهم قاموا بأجمعهم فسلموا علي ثم قالوا لأحداثهم امشوا مع أبي يحيى ابن سريج يغني فتية من بني مروان وقد حدثني عمي بهذا الخبر فقال حدثني أبو أيوب المديني قال حدثني محمد بن سلام عن جرير قال قال لي ابن سريج دعاني فتية من بني مروان فدخلت إليهم وأنا في ثياب الحجاز الغلاظ الجافية وهم في القوهي والوشي يرفلون كأنهم الدنانير الهرقلية فغنيتهم وأنا محتقر لنفسي عندهم لحنا لي وهو صوت ( أبِالفُرْعِ لم تَظْعَنْ مع الحيِّ زينبُ ... بِنَفْسِي عن النَّأْيِ الحَبِيبُ المُغَيَّبُ ) ( بوَجْهِكِ عن مَسِّ التُّرَابِ مَضَنَّةٌ ... فلا تَبْعَدِي إذ كلُّ حَيّ سَيَعْطَبُ ) ولحن ابن سريج هذا رمل بالخنصر في مجرى البنصر قال فتضاءلوا في عيني حتى ساويتهم في نفسي لما رأيتهم عليه من الإعظام لي ثم غنيتهم ( وَدِّعْ لُبَابَةَ قبل أن تَترحَّلاَ ... واسألْ فإن قُلاَلَه أن تَسْأَلاَ ) فطربوا وعظموني وتواضعوا لي حتى صرت في نفسي بمنزلتهم لما رأيتهم عليه وصاروا في عيني بمنزلتي ثم غنيتهم ( ألاَ هَلْ هاجكَ الأَظْعَانُ ... إذ جَاوَزْنَ مُطَّلَحَا ) فطربوا ومثلوا بين يدي ورموا بحللهم كلها علي حتى غطوني بها فمثلت لي نفسي أنها نفس الخليفة وأنهم لي خول فما رفعت طرفي إليهم بعد ذلك تيها وقد مضت نسبة ودّعْ لُبَابَةَ في أخبار عمر بن أبي ربيعة وغيره وأما ( ألاَ هَلْ هَاجَكَ الأَظْعانُ ... ) فنذكر نسبته نسبة هذا الصوت صوت ( ألاَ هَلْ هاجَكَ الأظعانُ ... إذ جاوَزْنَ مُطَّلَحَا ) ( نَعَمْ ولوَشْكِ بينهِمُ ... جَرَى لكَ طائرٌ سُنُحَا ) ( أَجَزْنَ الماءَ من رَكَكٍ ... وضوءُ الفَجْرِ قد وَضَحا ) ( فقُلْنَ مَقِيلُنا قَرْنٌ ... نُبَاكِرُ ماءه صبُحَا ) ( تَبِعْتُهُم بطَرْفِ العَيْنِ ... حتَّى قِيلَ لي افتَضَحَا ) ( يُوَدِّع بَعْضُنا بعضاً ... وكلٌّ بالهَوَى جُرِحَا ) ( فمَنْ يَفْرَحْ بِبَيْنِهمُ ... فغَيْرِي إذ غَدَوْا فَرِحَا ) عروضه من الوافر الشعر لأبي دهبل الجمحي والغناء لمالك وله فيه لحنان ثقيل أول بالبنصر عن إسحاق وخفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو ولمعبد فيه ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى ولابن سريج في الخامس وما بعده ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش جرير يمدح غناء ابن سريج أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال قدم جرير المدينة أو مكة فجلس مع قوم فجعلوا يعرضون عليه غناء رجل رجل من المغنين حتى غنوه لابن سريج فطرب وقال هذا أحسن ما أسمعتموني من الغناء كله قالوا وكيف قلت ذاك يا أبا حزرة قال مخرج كل ما أسمعتموني من الغناء من الرأس ومخرج هذا من الصدر أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أبي قال حدثني إبراهيم بن محمد الشافعي قال جاء سندة الخياط المغني إلى الأفلح المخزومي وكان يوصف بعقل وفضل فقال له من أين أقبلت وإلى أين تمضي فقال إليك قصدت من مجلس لبعض القرشيين أقبلت محاكما إليك قال فيماذا قال كنت عند هذا الرجل وحضرت مجلسه رقطاء الحبطيين وصفراء العلقميين فتناولتا بينهما رمل ابن سريج ( ليتَ شِعْرِي كيفَ أَبْقَى ساعةً ... مع ما أَلْقَى إذا الليلُ حَضَرْ ) ( من يَذُقْ نوماً ويَهْدأْ ليلَه ... فلقد بُدِّلْتُ بالنومِ السَّهَرْ ) ( قلتُ مَهْلاً إنها جِنِّتَّةٌ ... إن تُخَالِطْها تَفُزْ منها بِشَرّ ) فغنتاه جميعا واختلفنا في تفضيلهما ففضل كل فريق منا إحداهما فرضينا جميعا بحكمك فاحكم بيننا وبينهما فوجم ساعة وأهل الحجاز إذا أرادوا أن يحكموا تأملوا ساعة ثم حكموا فإذا حكم المحكم مضى حكمه كائنا ما كان ففضل من فضله وأسقط من أسقطه إذا تراضى الخصمان به فكره الأفلح أن يرضي قوما ويسخط آخرين فقال لسندة صفهما أنت لي كيف كانتا إذ غنتاه واشرح لي مذهبهما فيه كما سمعت وأنا أحكم بعد ذلك فقال سندة أما جارية الحبطيين فإنها كانت تلوك لحنه كما يلوك الفرس العتيق لجامه ثم تلقيه في هامة لدنة ثم تخرجه من منخر أغن والله ما ابتدأته فتوسطته وأنا أعقل ولا فرغت منه فأفقت إلا وأنا أظن أني رأيته في نومي وأما صفراء العلقميين فإنها أحسنهما حلقا وأصحهما صوتا وألينهما تثنيا والله ما سمعها أحد قط فانتفع بنفسه ولا دينه هذا ما عندي فاحكم أنت يا أخا بني مخزوم فقال قد حكمت بأنهما بمنزلة العينين في الرأس فبأيهما نظرت أبصرت ولو كان في الدنيا من عبيد بن سريج خلف لكانتا قال فانصرفوا جميعا راضين بحكمه أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن محمد بن سلام قال سألت جريرا المديني عن ابن سريج فقال أتذكره ويحك باسمه ولا تقول سيد من غنى وواحد من ترنم قال حماد وحدثني أبي عن هارون بن مسلم عن محمد بن زهير السعدي الكوفي عن أبي بكر بن عياش عن الحسن بن عمرو الفقيمي قال دخلت على الشعبي فبينا أنا عنده في غرفته إذ سمعت صوت غناء فقلت أهذا في جوارك فأشرف بي على منزله فإذا بغلام كأنه فلقة قمر يتغنى قال إسحاق وهذا الغناء لابن سريج ( وقُمَيرٌ بَدَا ابنَ خمسٍ وعشرين ... له قالت الفَتَاتَانِ قُومَا ) قال فقال لي الشعبي أتعرف هذا قلت لا فقال هذا الذي أتي الحكم صبيا هذا ابن سريج وأخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني أبو أيوب المديني قال حدثني الهشامي الربعي عن إسحاق الموصلي قال تغنى ابن سريج في شعر لعمر بن أبي ربيعة وهو صوت ( خَانَكَ مَنْ تَهْوَى فلا تَخُنْهُ ... وكُنْ وَفِيّاً إن سَلَوْتَ عنهُ ) ( واسلُكْ سَبَيلَ وَصْلِه وصُنْهُ ... إن كان غَدَّاراً فلا تكُنْهُ ) ( عسى تَبَارِيحُ تَجِيءُ منه ... فيرجِعَ الوَصْلُ ولم تَشِنْهُ ) قال المكيون قال ابن سريج ما تغنيت بهذا الشعر قط إلا ظننت أني أحل محل الخليفة قال مؤلف هذا الكتاب أبو الفرج الأصفهاني وجدت في هذا الشعر لحنين أحدهما ثقيل أول والآخر رمل مجهولين جميعا فلا أدري أيهما لحنه ابن سريج يعدد صفات المغني المحسن والمصيب ونسخت من كتاب العتابي أخبرني عون بن محمد قال حدثني عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع عن جده الفضل عن ابن جامع عن سياط عن يونس الكاتب عن مالك بن أبي السمح قال سألت ابن سريج عن قول الناس فلان يصيب وفلان يخطئ وفلان يحسن وفلان يسيء فقال المصيب المحسن من المغنين هو الذي يشبع الألحان ويملأ الأنفاس ويعدل الأوزان ويفخم الألفاظ ويعرف الصواب ويقيم الإعراب ويستوفي النغم الطوال ويحسن مقاطيع النغم القصار ويصيب أجناس الإيقاع ويختلس مواقع النبرات ويستوفي ما يشاكلها في الضرب من النقرات فعرضت ما قال على معبد فقال لو جاء في الغناء قرآن ما جاء إلا هكذا أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثني أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثني الزبير بن بكار عن ظبية أن يزيد بن عبد الملك قال لحبابة يوما أتعرفين أحدا هو أطرب مني قالت نعم مولاي الذي باعني فأمر بإشخاصه فأُشخص إليه مقيدا وأعلم بحاله فأذن في إدخاله فمثل بين يديه وحبابة وسلامة تغنيان فغنته سلامة لحن الغريض في ( تَشُطُّ غداً دارُ جيراننا ... ) فطرب وتحرك في أقياده ثم غنته حبابة لحن ابن سريج المجرد في هذا الشعر فوثب وجعل يحجل في قيده ويقول هذا وأبيكما ما لا تعذلاني فيه حتى دنا من الشمعة فوضع لحيته عليها فاحترقت وجعل يصيح الحريق الحريق يا أولاد الزنا فضحك يزيد وقال هذا والله أطرب الناس حقا ووصله وسَرَّحه إلى بلده ابن سريج يطلب إلى عطاء وابن جريج أن يسمعاه أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا فضل اليزيدي عن إسحاق أن ابن سريج كان جالسا فمر به عطاء وابن جريج فحلف عليهما بالطلاق أن يغنيهما على أنهما إن نهياه عن الغناء بعد أن يسمعا منه تركه فوقفا له وغناهما ( إخوتي لا تبْعُدُوا أبداً ... وابَلَى والله قد بعِدُوا ) فغشي على ابن جريج وقام عطاء فرقص ونسبة هذا الصوت وخبره يذكر في موضع آخر أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا فضل اليزيدي عن إسحاق أن ابن سريج كان عند بستان ابن عامر يغني ( لِمَنْ نارٌ بأعلى الخَيْفِ ... دونَ البئر ما تَخْبُو ) ( أرِقْتُ لذكرِ موقِعها ... فحَنَّ لذكرِها القَلْبُ ) ( إِذا ما أخْمِدتْ أُلْقِي ... عليها المَنْدَلُ الرَّطْبُ ) فجعل الحاج يركب بعضهم بعضا حتى جاء إنسان من آخر القطرات فقال يا هذا قد قطعت على الحاج وحبستهم والوقت قد ضاق فاتق الله وقم عنهم فقام وسار الناس استحق جائزة سليمان بن عبد الملك لسبقه في الغناء أخبرني الحسن قال حدثني محمد بن زكريا قال حدثني يزيد بن محمد عن إسحاق الموصلي أن سليمان بن عبد الملك لما حج سبق بين المغنين بَدْرَةً فجاء ابن سريج وقد أغلق الباب فلم يأذن له الحاجب فأمسك حتى سكتوا وغنى ( سَرَى هَمِّي وهَمُّ المرء يَسْري ... ) فأمر سليمان بدفع البدرة إليه نسبة هذا الصوت صوت ( سَرَى همِّي وهَمُّ المرءِ يْسِرِي ... وغاب النَّجْمُ إلا قِيسَ فِتْر ) ( أُراقِبُ في المَجَرَّة كلَّ نَجْمٍ ... تعرَّض للمَجَرَّة كيفَ يَجْرِي ) ( لِهَمٍّ لا أزالُ له مُدِيماً ... كأنّ القلبَ أُسْعِر حَرَّ جَمْرِ ) ( على بَكْرٍ أخي ولَّى حَمِيداً ... وأيُّ العَيْش يَصْفُو بعدَ بَكْرِ ) الشعر لعروة بن أذينة والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى وفيه لأبي عباد رمل بالوسطى وذكر الهشامي أن هذا اللحن لصاحب الحرون مرض ابن سريج وموته أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال قال ابن مِقَمَّةَ دخلت على ابن سريج في مرضه الذي مات فيه فقلت كيف أصبحت يا أبا يحيى فقال أصبحت والله كما قال الشاعر ( كأنِّي من تَذَكُّرِ ما أُلاَقي ... إذا ما أَظْلَم الليلُ البهِيمُ ) ( سَقيمٌ مَلَّ منه أَقْرَبُوه ... وأسْلَمَه المُدَاوِي والحمِيمُ ) ثم مات قال إسحاق قال ابن مِقَمَّةَ لما احتضر ابن سريج نظر إلى ابنته تبكي فبكى وقال إن من أكبر همي أنت وأخشى أن تضيعي بعدي فقالت لا تخف فما غنيت شيئا إلا وأنا أغنيه فقال هاتي فاندفعت تغني أصواتا وهو مصغ إليها فقال قد أصبت ما في نفسي وهونت علي امرك ثم دعا سعيد بن مسعود الهذلي فزوجه إياها فأخذ عنها أكثر غناء أبيها وانتحله فهو الآن ينسب إليه قال إسحاق فقال كثر بن كثير السهمي يرثيه ( ما اللهوُ بعدَ عُبَيْد حين يَخْبُرُه ... مَنْ كانَ يَلْهُو به منه بمُطَّلَبِ ) ( للهِ قبرُ عُبَيدٍ ما تضمَّن من ... لَذَاذَة العَيْشِ والإِحسانِ والطرب ) ( لولا الغَرِيضُ ففيه من شَمَائِلهِ ... مَشَابِهٌ لم أكُن فيها بذي أَرَب ) قال إسحاق وحدثني هشام بن المرية أن قادما قدم المدينة فسار معبدا بشيء فقال معبد أصبحت أحسن الناس غناء فقلنا أو لم تكن كذلك فقال ألا تدرون ما أخبرني به هذا قالوا لا قال أعلمني أن عبيد بن سريج مات ولم أكن أحسن الناس غناء وهو حي وفي ابن سريج يقول عمر بن أبي ربيعة صوت ( قالتْ وَعيْنَاها تَجُودَانِها ... صُوِحِبْتَ واللهُ لكَ الرَّاعِي ) ( يابنَ سُرَيج لا تُذِعْ سِرِّنا ... قد كنتَ عِندي غيرَ مِذْيَاع ) غنى فيه ابن سريج من رواية يونس قال أبو أيوب المديني توفي ابن سريج بالعلة التي أصابته من الجذام بمكة في خلافة سليمان بن عبد الملك أو في آخر خلافة الوليد بمكة ودفن في موضع بها يقال له دَسْمٌ رجلان يسألان الوقوف على قبر ابن سريج أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني هارون ابن أبي بكر قال حدثني إسحاق بن يعقوب العثماني مولى آل عثمان عن أبيه قال إنا لبفناء دار عمرو بن عثمان بالأَبْطَح في صبح خامسة من الثمان يعني أيام الحج قال كنت جالسا أيام الحج فما إن دريت إلا برجل على راحلة على رحل جميل وأداة حسنة معه صاحب له على راحلة قد جنب إليها فرسا وبغلا فوقفا علي وسألاني فانتسبت لهما عثمانيا فنزلا وقالا رجلان من أهلك لهما حاجة ونحب أن تقضيها قبل أن نشده بأمر الحج فقلت ما حاجتكما قالا نريد إنساناً يقفنا على قبر عبيد بن سريج قال فنهضت معهما حتى بلغت بهما محلة بني أبي قارة من خزاعة بمكة وهم موالي عبيد بن سريج فالتمست لهما إنسانا يصحبهما حتى يقفهما على قبره بدَسْم فوجدت ابن أبي دُبَاكلٍ فأنهضته معهما فأخبرني بعد أنه لما وقفهما على قبره نزل أحدهما عن راحلته فحسر عمامته عن وجهه فإذا هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان فعقر ناقته واندفع يندبه بصوت شجي كليل حسن ويقول ( وقَفْنَا على قبرٍ بدَسْمٍ فَهاجَنَا ... وذَكَّرنا بالعَيْشِ إذ هو مُصْحِبُ ) ( فجالتْ بأرجاءِ الجُفُونِ سَوافِحٌ ... من الدَّمْع تَسْتَتْلِي الذي يَتَعقَّبُ ) ( إذا أبطأتْ عن ساحةِ الحدّ ساقَها ... دمٌ بعدَ دمعٍ إثْرَه يَتَصبَّبُ ) ( فإِن تُسْعِدَا نَنْدُبْ عُبَيداً بَعْوَلةٍ ... وقَلَّ له منَّا البُكَا والتَّحَوُّبُ ) ثم نزل صاحبه فعقر ناقته وقال له القرشي خذ في صوت أبي يحيى فاندفع يتغنى ( أَسْعِدَانِي بعبْرَةٍ أسْرَابِ ... من دُمُوعٍ كَثِيرةِ التَّسْكَابِ ) ( إنّ أَهْلَ الحِصَابِ قد تركُونِي ... مُولَهاً مُولَعاً بأهل الحِصَابِ ) ( أهل بيتٍ تتابَعُوا للمَنَايَا ... ما على الموت بعدَهم من عِتَابِ ) ( فَارَقُونِي وقد علمتُ يقيناً ... ما لِمَنْ ذَاقَ مِيتَةً من إيَاب ) ( كم بذاكَ الحَجُونِ من أهل صِدْقٍ ... وكُهُولٍ أَعِفَّةٍ وشَبَابِ ) ( سكَنُوا الجَزْع جَزْعَ بيتِ أبي موسى ... إلى النَّخْل من صُفِيِّ السِّبَابِ ) ( فلِيَ الويلُ بعدَهم وعليهمْ ... صِرْتُ فرداً ومَلَّنِي أَصْحَابِي ) قال ابن أبي دُبَاكِلٍ فوالله ما تمم صاحبه منها ثلاثا حتى غشي على صاحبه وأقبل يصلح السرج على بغلته وهو غير معرج عليه فسألته من هو فقال رجل من جذام قلت بمن تعرف قال بعبد الله بن المنتشر قال ولم يزل القرشي على حاله ساعة ثم أفاق ثم جعل الجذامي ينضح الماء على وجهه ويقول كالمعاتب له أنت أبدا مصبوب على نفسك ومن كلفك ما ترى ثم قرب إليه الفرس فلما علاه استخرج الجذامي من خرج على بغل قدحا وإداوَةَ ماء فجعل في القدح ترابا من تراب قبر ابن سريج وصب عليه ماء من الإداوة ثم قال هاك فاشرب هذه السَّلْوَةَ فشرب ثم فعل هو مثل ذلك وركب على البغل وأردفني فخرجا والله ما يعرضان بذكر شيء مما كنا فيه ولا أرى في وجوههما شيئا مما كنت أرى قبل ذلك فلما اشتمل علينا أبطح مكة قالا انزل يا خزاعي فنزلت وأومأ الفتى إلى الجذامي بكلام فمد يده إلي وفيها شيء فأخذته فإذا هو عشرون دينارا ومضيا فانصرفت إلى قبره ببعيرين فاحتملت عليهما أداة الراحلتين اللتين عقراهما فبعتها بثلاثين دينارا صوت من المائة المختارة وهو الثالث من الثلاثة المختارة ( أهاجَ هواكَ المنزلُ المُتَقَادم ... نعمْ وبه مِمَّنْ شَجَاكَ مَعَالِمُ ) ( مَضَارِبُ أَوْتادٍ وأشْعَثُ داثِرٌ ... مُقِيمٌ وسُفْعٌ في المَحَلِّ جَوَاثِمُ ) عروضه من الطويل الشعر لنصيب والغناء في اللحن المختار لابن محرز ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر وله فيه أيضا هزج بالسبابة في مجرى البنصر وذكر جحظة عن أصحابه أنه هو المختار وحكى عن أصحابه أنه ليس في الغناء كله نغمة إلا وهي في الثلاثة الأصوات المختارة التي ذكرها ومن قصيدة نصيب هذه مما يغني فيه قوله ( لقد راعَنِي للبَيْنِ نَوْحُ حمامةٍ ... على غُصْن بَانٍ جاوَبَتْها حَمَائمُ ) ( هَوَاتِفُ أمّا منْ بَكَيْنَ فعهدُه ... قَديمٌ وأمّا شَجْوُهُنَّ فَدائِمُ ) الغناء لابن سريج ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن يونس ويحيى المكي وإسحاق وأظنه مع البيتين الأولين وأن الجميع لحن واحد ولكنه تفرق لصعوبة اللحن وكثرة ما فيه من العمل فجعلا صوتين ذكر نُصَيْبٍ وأخباره هو نصيب بن رباح مولى عبد العزيز بن مروان وكان لبعض العرب من بني كنانة السكان بودان فاشتراه عبد العزيز منهم وقيل بل كانوا أعتقوه فاشترى عبد العزيز ولاءه منهم وقيل بل كاتب مواليه فأدى عنه مكاتبته وقال ابن دأب كان نصيب من قضاعة ثم من بلي وكانت أمه سوداء فوقع عليها سيدها فحبلت بنصيب فوثب عليه عمه بعد وفاة أبيه فباعه من عبد العزيز وقال أبو اليقظان كان أبوه من كنانة من بني ضمرة وكان شاعرا فحلا فصيحا مقدما في النسيب والمديح ولم يكن له حظ في الهجاء وكان عفيفا وكان يقال إنه لم ينسب قط إلا بامرأته أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال كتب إلي عبد الله بن عبد العزيز بن محجن بن نصيب بن رباح يذكر عن عمته غرضة بنت النصيب أن النصيب كان ابن نوبيين سبيين كانا لخزاعة ثم اشترت سلامة أم نصيب امرأة من خزاعة ضمرية حاملا بالنصيب فأعتقت ما في بطنها أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن محمد بن كناسة قال كان نصيب من أهل ودان عبدا لرجل من كنانة هو وأهل بيته وكان أهل البادية يدعونه النصيب تفخيما له ويروون شعره وكان عفيفا كبير النفس مقدما عند الملوك يجيد مديحهم ومراثيهم أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن ابن الكلبي قال كان نصيب من بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة وكانت أمه أمة سوداء وقع فحملت ثم مات فباعه عمه أخو أبيه من عبد العزيز بن مروان النصيب يقول شعرا ثم ينسبه إلى شعراء قال حماد وأخبرني أبي عن أيوب بن عباية وأخبرنا الحرمي عن الزبير عن عمه وعن إسحاق بن إبراهيم جميعا عن أيوب بن عباية قال حدثني رجل من خزاعة من أهل كلية وهي قرية كان فيها النصيب وكثير قال بلغني أن النصيب قال قلت الشعر وأنا شاب فأعجبني قولي فجعلت آتي مشيخة من بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة وهم موالي النصيب ومشيخة من خزاعة فأنشدهم القصيدة من شعري ثم أنسبها إلى بعض شعرائهم الماضِين فيقولون أحسن والله هكذا يكون الكلام وهكذا يكون الشعر فلما سمعت ذلك منهم علمت أني محسن فأزمعوا وأزمعت الخروج إلى عبد العزيز بن مروان وهو يومئذ بمصر فقلت لأختي أمامة وكانت عاقلة جلدة أي أخية إني قد قلت شعرا وأنا أريد عبد العزيز بن مروان وأرجو أن يعتقك الله عز و جل به وأمك ومن كان مرقوقا من أهل قرابتي قالت إنا لله وإنا إليه راجعون يابن أم أتجتمع عليك الخصلتان السواد وأن تكون ضحكة للناس قال قلت فاسمعي فأنشدتها فسمعت فقالت بأبي أنت أحسنت والله في هذا والله رجاء عظيم فاخرج على بركة الله فخرجت على قعود لي حتى قدمت المدينة فوجدت بها الفرزدق في مسجد رسول الله فعرجت إليه فقلت أنشده وأستنشده وأعرض عليه شعري فأنشدته فقال لي ويلك أهذا شعرك الذي تطلب به الملوك قلت نعم قال فلست في شيء إن استطعت أن تكتم هذا على نفسك فافعل فانفضخت عرقا فحصبني رجل من قريش كان قريبا من الفرزدق وقد سمع إنشادي وسمع ما قال لي الفرزدق فأومأ إلي فقمت إليه فقال ويحك أهذا شعرك الذي أنشدته الفرزدق قلت نعم فقال قد والله أصبت والله لئن كان هذا الفرزدق شاعرا لقد حسدك فإنا لنعرف محاسن الشعر فامض لوجهك ولا يكسرنك قال فسرني قوله وعلمت أنه قد صدقني فيما قال فاعتزمت على المضي قال فمضيت فقدمت مصر وبها عبد العزيز ابن مروان فحضرت بابه مع الناس فنحيت عن مجلس الوجوه فكنت وراءهم ورأيت رجلا جاء على بغلة حسن الشارة سهل المدخل يؤذن له إذا جاء فلما انصرف إلى منزله انصرفت معه أماشي بغلته فلما رآني قال ألك حاجة قلت نعم أنا رجل من أهل الحجاز شاعر وقد مدحت الأمير وخرجت إليه راجيا معروفه وقد ازدريت فطردت من الباب ونحيت عن الوجوه قال فأنشدني فأنشدته فأعجبه شعري فقال ويحك أهذا شعرك فإياك أن تنتحل فإن الأمير راوية عالم بالشعر وعنده رواة فلا تفضحني ونفسك فقلت والله ما هو إلا شعري فقال ويحك فقل أبياتا تذكر فيها حوف مصر وفضلها على غيرها والقني بها غدا فغدوت عليه من غد فأنشدته قولي ( سَرَى الهَمُّ تَثْنِينِي إليكَ طَلائعهْ ... بمصرَ وبالخَوْف اعتَرَتْنِي رَوَائعُهْ ) ( وبات وسِادِي ساعدٌ قَلَّ لحمُه ... عن العَظْمِ حتى كاد تَبْدُو أَشَاجعُهْ ) قال وذكرت فيها الغيث فقلت ( وكم دونَ ذاكَ العاَرِضِ البَارِقِ الذي ... له اشتَقْتُ مِن وَجْهٍ أسيلَ مَدَامِعُهْ ) ( تمَشِّي به أفْنَاءُ بَكْرٍ ومَذْحِجٍ ... وأفناءُ عَمْرٍو وهو خِصْبٌ مَرابِعُهْ ) ( فكلُّ مسِيلٍ من تِهَامَةَ طيِّبٌ ... دَمِيثُ الرُّبَا تَسْقِي البِحارَ دَوَافِعه ) ( أعنِّي على بَرْقٍ أُرِيكَ وَمِيضَه ... تُضِيءُ دُجُنَّاتِ الظَّلاَمِ لَواَمِعُهْ ) ( إذا اكْتَحَلْت عَيْنَا مُحِبٍّ بضَوْئِه ... تَجَافَتْ به حتَّى الصَّبَاحَ مَضَاجِعُهُ ) ( هَنِيئاً لأُمِّ البَخْتَرِيِّ الرِّوَى به ... وإن أَنْهَجَ الحَبْلَ الذي أنا قَاطِعُهْ ) ( وما زِلْتُ حتَّى قُلْتُ إنِّي لَخالِعٌ ... وَلاَئِيَ مِنْ مَوْلىً نَمَتَنيِ قَوَارِعُه ) ( ومانِحُ قومٍ أنتَ منهم مَوَدَّتِي ... ومتَّخِذٌ مَوْلاَكَ مَوْلىً فتابِعُهْ ) عبد العزيز بن مروان يقول لأيمن بن خريم والله لنصيب أشعر منك قال أنت والله شاعر احضر بالباب حتى أذكرك للأمير قال فجلست على الباب ودخل فما ظننت أنه أمكنه أن يذكرني حتى دعي بي فدخلت فسلمت على عبد العزيز فصعد في بصره وصوب ثم قال أنت شاعر ويلك قلت نعم أيها الأمير قال فأنشدني فأنشدته فأعجبه شعري وجاء الحاجب فقال أيها الأمير هذا أيمن بن خريم الأسدي بالباب فقال ائذن له فدخل فاطمأن فقال له الأمير يا أيمن بن خريم كم ترى ثمن هذا العبد فنظر إلي فقال والله لنعم الغادي في أثر المخاض هذا أيها الأمير أرى ثمنه مائة دينار قال فإنَّ له شعرا وفصحاحة فقال لي أيمن أتقول الشعر قلت نعم قال قيمته ثلاثون دينارا قال يا أيمن أرفعه وتخفضه أنت قال لكونه أحمق أيها الأمير ما لهذا وللشعر أمثل هذا يقول الشعر أو يحسن شعراً فقال أنشده يا نصيب فأنشدته فقال له عبد العزيز كيف تسمع يا أيمن قال شعر أسود هو أشعر أهل جلدته قال هو والله أشعر منك قال أمني أيها الأمير قال إي والله منك قال والله أيها الأمير إنك لملول طرف قال كذبت والله ما أنا كذلك ولو كنت كذلك ما صبرت عليك تنازعني التحية وتؤاكلني الطعام وتتكىء على وسائدي وفرشي وبك ما بك يعني وضحا كان بأيمن قال ائذن لي أن أخرج إلى بشر بالعراق واحملني على البريد قال قد أذنت لك وأمر به فحمل على البريد قال قد أذنت له وأمر به فحمل على البريد إلى بشر فقال أيمن بن خريم ( ركبتُ من المُقَطَّمِ في جُمَادَى ... إلى بِشْرِ بنِ مَرْوان البَرِيدَا ) ( ولو أعطاكَ بِشْرٌ أَلْفَ أَلْفٍ ... رَأَى حَقّاً عليه أن يَزِيدَا ) ( أميرَ المؤمنين أَقِمْ بِبشْرٍ ... عَمُودَ الحق إنّ له عَمُودَا ) ( ودَعْ بِشْراً يُقَوِّمْهُمْ ويُحْدِثْ ... لأهلِ الزَّيْغِ إسلاماً جَديدَا ) ( كأنّ التاجَ تاجَ بني هِرقْلٍ ... جَلَوْه لأعْظَمِ الأيّامِ عِيدَا ) ( عَلى دِيبَاجِ خَدَّيْ وَجْهِ بِشْرٍ ... إذا الألوانُ خالفتِ الخُدُودَا ... ) قال أيوب يعني بقوله ( إذا الألوان خَالَفتِ الخُدُودَا ) أنه عرض بكلف كان في وجه عبد العزيز ( وأعْقَبَ مِدْحِتِي سَرْجاً مليحاً ... وأبْيضَ جُوزَجانِياً عَقُودَا ) ( وإنّا قد وَجَدْنا أُمَّ بِشْرٍ ... كأُمِّ الأُسْدِ مِذْكَاراً وَلُودَا ) قال فأعطاه بشر مائة ألف درهم عبد الله بن أبي فروة أول من وصل النصيب بعبد العزيز بن مروان أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري عن عبد الله بن عمران بن أبي فروة قال أول من نوه باسم نصيب وقدم به على عبد العزيز بن مروان عبد الله بن أبي فروة قدم به عليه وهو وصيف حين بلغ وأول ما قال الشعر قال أصلح الله الأمير جئتك بوصيف نوبي يقول الشعر وكان نصيب ابن نوبيين فأدخله عليه فأعجبه شعره وكان معه أيمن بن خريم الأسدي فقال عبد العزيز إذا دعوت بالغداء فأدخلوه علي في جبة صوف محتزما بعقال فإذا قلت قوموه فقوموه وأخرجوه وردوه علي في جبة وشيٍ ورداء وشيٍ فلما جلس للغداء ومعه أيمن بن خريم أدخل نصيب في جبة صوف محتزما بعقال فقال قوموا هذا الغلام فقالوا عشرة عشرون ثلاثون ديناراً فقال ردوه فأخرجوه ثم ردوه في جبة وشيٍ ورداء وشي فقال أنشدنا فأنشدهم فقال قوموه قالوا ألف دينار فقال أيمن والله ما كان قط أقل في عيني منه الآن وإنه لنعم راعي المخاض فقال له فكيف شعره قال هو أشعر أهل جلدته فقال له عبد العزيز هو والله أشعر منك قال أمني أيها الأمير قال نعم فقال أيمن إنك لملول طرف فقال له والله ما أنا بملول وأنا أنازعك الطعام منذ كذا وكذا تضع يدك حيث أضعها وتلتقي يدك مع يدي على مائدة كل ذلك احتملك وكان بأيمن بياض فقال له أيمن ائذن لي أن أخرج إلى بشر فأذن له فخرج وقال أبياته التي أولها ( رَكِبْتُ من المقطَّم في جُمَادَى ) وقد مضت الأبيات قال فلما جاز بعبد الملك بن مروان قال أين تريد قال أريد أخاك بشرا قال أتجوزني قال إي والله أجوزك إلى من قدم إلي وطلبني قال فلم فارقت صاحبك قال رأيتكم يا بني مروان تتخذون للفتى من فتيانكم مؤدبا وشيخكم والله محتاج إلى خمسة مؤدبين فسر ذلك عبد الملك وكان عازما على أن يخلعه ويعقد لابنه الوليد عبد العزيز بن مروان يبتاع نصيبا ويعتقه ) أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال يقال إن نصيبا أضل إبلا له فخرج في بغائها فلم يصبها وخاف مواليه أن يرجع إليهم فأتى عبد العزيز بن مروان فمدحه وذكر له قصته فأخلف عليه ما ضل لمواليه وابتاعه وأعتقه أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا عبد الله بن إبراهيم الهلالي ثم الدوسي قال أراد النصيب الخروج إلى عبد العزيز بن مروان وهو عبد لبني محرز الضمري فقالت أمه له إنك سترقد ويأخذك ابن محرز يذهب بك فذهب ولم يبال بقولها حتى إذا كان بمكان ماء يعرف بالدَّوِّ فبينا هو راقد إذ هجم عليه ابن محرز فقال حين رآه ( إنِّي لأَخْشَى من قِلاَصِ ابن مُحْرِزٍ ... إذا وَخَدَتْ بالدَّوِّ وَخْذَ النَّعَائِمِ ) ( يَرُعْنَ بَطِينَ القَوْمِ أيَّةَ رَوْعَةٍ ... ضُحَيَّا إذا اسْتَقْبَلْنَهُ غير نائِم ) فأطلقوه فرجع فأتى أمه فقالت أخبرتك يا بني أنه ليس عندك أن تعجز القوم فإن كنت يا بني قد غلبتني أنك ذاهب فخذ بنت الفلانة فإني رأيتها وطئت أفحوص بيضات قطاة فلم تفلقهن فركبها فهي التي بلغته ابن مروان قال أبو عبد الله بن الزبير عندنا أن التي اعتقته امرأة من بني ضمرة ثم من بني حنبل حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد قال حدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم قال حدثنا كليب بن إسماعيل مولى بني أمية وكان حدثا أي حسن الحديث قال بلغني أن نصيبا كان حبشيا يرعى إبلا لمواليه فأضل منها بعيرا فخرج في طلبه حتى أتى الفسطاط وبه إذ ذاك عبد العزيز بن مروان وهو ولي عهد عبد الملك بن مروان فقال نصيب ما بعد عبد العزيز واحد أعتمده لحاجتي فأتى الحاجب فقال استأذن لي على الأمير فإني قد هيأت له مديحا فدخل الحاجب فقال أصلح الله الأمير بالباب رجل أسود يستأذن عليك بمديح قد هيأه لك فظن عبد العزيز أنه ممن يهزأ به ويضحكهم فقال مره بالحضور ليوم حاجتنا إليه فغدا نصيب وراح إلى باب عبد العزيز أربعة أشهر وأتاه آت من عبد الملك فسره فأمر بالسرير فأبرز للناس وقال علي بالأسود وهو يريد أن يضحك منه الناس فدخل فلما كان حيث يسمع كلامه قال ( لعبد العزيز على قومِه ... وغيرِهمُ نِعَمٌ غَامِرَهْ ) ( فبابُكَ ألينُ أبوابِهم ... ودارُك مأهولةٌ عامِرَهْ ) ( وكلبُك آنَسُ بالمُعْتَفِينَ ... من الأمِّ بالإِبْنَة الزائرهْ ) ( وكَفُّكَ حينَ تَرَى السائلين ... أَنْدَى من اللّيلةِ الماطرهْ ) ( فمنكَ العَطَاءُ ومنِّي الثَّنَاءُ ... بكلِّ مُحَبَّرةٍ سائرهْ ) فقال أعطوه أعطوه فقال إني مملوك فدعا الحاجب فقال اخرج فابلغ في قيمته فدعا المقومين فقال قوموا غلاما أسود ليس به عيب قالوا مائة دينار قال إنه راع للإبل يبصرها ويحسن القيام عليها قالوا حينئذ مائتا دينار قال إنه يبري القسي ويثقفها ويرمي النبل ويريشها قالوا أربعمائة دينار قال إنه راوية للشعر بصير به قالوا ستمائة دينار قال إنه شاعر لا يلحق حذقا قالوا ألف دينار قال عبد العزيز ادفعوا إليه قال أصلح الله الأمير ثمن بعيري الذي أضللت قال وكم ثمنه قال خمسة وعشرون دينارا قال ادفعوا إليه قال أصلح الله الأمير جائزتي لنفسي عن مديحي إياك قال اشتر نفسك ثم عد إلينا فأتى الكوفة وبها بشر بن مروان فاستأذن عليه فاستصعب الدخول إليه وخرج بشر بن مروان متنزها فعارضه فلما ناكبه أي صار حذاء منكبه ناداه ( يا بشرُ يابنَ الجَعْفَرِيَّة ما ... خلَق الإلهُ يَدَيْك للبُخْلِ ) ( جاءتْ به عُجُزٌ مُقَابَلةٌ ... ما هُنّ من جَرْمٍ ولا عُكْلِ ) قال فأمر له بشر بعشرة آلاف درهم الجعفرية التي عناها نصيب أم بشر ابن مروان وهي قطية بنت بشر بن عامر ملاعب الأسنة بن مالك بن جعفر بن كلاب أخبرنا اليزيدي عن الخراز عن المدائني عن عبد الله بن مسلم وعامر بن حفص وغيرهما أن مروان بن الحكم مر ببادية بني جعفر فرأى قطية بنت بشر تنزع بدلو على إبل لها وتقول ( ليس بنا فَقْرٌ إلى التَّشكِّي ... جَرَبَّةٌ كحُمُرِ الأَبَكِّ ... لا ضَرَعٌ فيها ولا مُذَكِّي ) ثم يقول ( عَامانِ تَرْقيقٌ وعامٌ تَمَّمَا ... لم يَتَّرِكْ لَحْماً ولم يتْرُكْ دمَا ) ( ولم يَدَعْ في رأسِ عَظْمٍ ملدما ... إلا رَذَايَا ورجالاً رُزَّمَا ) فخطبها مروان فتزوجها فولدت له بشر بن مروان أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أحمد بن معاوية عن إسحاق بن أيوب عن خليل بن عجلان في خبر النصيب مثل ما ذكره الزبير وإسحاق سواء أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي قال دعا النصيب مواليه أن يستلحقوه فأبى وقال والله لأن أكون مولى لائقا أحب إلي من أن أكون دعيا لاحقا وقد علمت أنكم تريدون بذلك مالي ووالله لا أكسب شيئا أبدا إلا كنت أنا وأنتم فيه سواء كأحدكم لا استأثر عليكم منه بشيء أبدا قال وكان كذلك معهم حتى مات إذا أصاب شيئا قسمه فيهم فكان فيه كأحدهم النصيب يلتقي الفرزدق عند سليمان بن عبد الملك ) أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبيري وحدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال حدثنا الزبير قال حدثنا محمد بن إسماعيل الجعفري قال دخل النصيب على سليمان بن عبد الملك وعنده الفرزدق فاستنشد الفرزدق وهو يرى أنه سينشده مديحا له فأنشده قوله يفتخر ( ورَكْبٍ كأنَّ الريح تطلُب عندهم ... لها تِرَةً من جَذْبِها بالعَصَائبِ ) ( سَرَوْا يَرْكَبُون الريحَ وهي تَلُفُّهم ... على شُعَبِ الأَكْوارِ من كلِّ جانبِ ) ( إذا اسْتَوْضَحُوا ناراً يقولون ليتَها ... وقد خَصِرَتْ أيديهم نارُ غالبِ ) قال وعمامته على رأسه مثل المنسف فغاظ سليمان وكلح في وجهه وقال لنصيب قم فأنشد مولاك ويلك فقام نصيب فأنشده قوله ( أقولُ لرَكْبِ صَادِرِينَ لَقِيتُهم ... قَفَا ذاتِ أَوْشالٍ ومَوْلاَك قارِبُ ) ( قِفُوا خبِّروني عن سليمانَ إنّني ... لمعروفِه من أهلِ وَدَّانَ طالبُ ) ( فعَاجُوا فأثْنَوْا بالذي أنت أهلهُ ... ولو سكتوا أَثْنتْ عليكَ الحقائبُ ) ( وقالوا عَهِدْناهُ وكلَّ عشيَّةٍ ... بأبوابه من طالبِ العُرْفِ راكبُ ) ( هو البدرُ والناسُ الكَوَاكِبُ حولَه ... ولا تُشْبِهُ البدرَ المضيءَ الكواكبُ ) فقال له سليمان أحسنت والله يا نصيب وأمر له بجائزة ولم يصنع ذلك بالفرزدق فقال الفرزدق وقد خرج من عنده ( وخيرُ الشِّعْرِ أكرمُه رجالاً ... وشرٌّ الشعرِ ما قال العَبِيدُ ) أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري عن عمه موسى بن عبد العزيز قال حمل عبد العزيز بن مروان النصيب بالمقطم مقطم مصر على بختي قد رحله بغبيط فوقه وألبسه مقطعات وشي ثم أمره أن ينشد فاجتمع حوله السودان وفرحوا به فقال لهم أسررتكم قالوا إي والله قال والله ما لما يسوءكم من أهل جلدتكم أكثر جرير يعترف بشاعرية النصيب أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال حدثني أبو العراف قال مر جرير بنصيب وهو ينشد فقال له اذهب فأنت أشعر أهل جلدتك قال وجلدتك يا أبا حزرة أخبرنا الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني أيوب بن عباية قال بلغني أن النصيب كان إذا قدم على هشام بن عبد الملك أخلى له مجلسه واستنشده مراثي بني أمية فإذا أنشده بكى وبكى معه فأنشده يوما قصيدة له مدحه بها يقول فيها ( إذا اسْتَبَق الناسُ العُلاَ سَبَقَتْهمُ ... يَمِينُك عَفْواً ثم صَلَّتْ شِمالُها ) فقال له هشام يا أسود بلغت غاية المدح فسلني فقال يدك بالعطية أجود وأبسط من لساني بمسألتك فقال هذا والله أحسن من الشعر وحباه وكساه وأحسن جائزته النصيب يعتق ذوي قرابته أخبرني الحسين بن يحيى قال أخبرنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب بن عباية قال أصاب نصيب من عبد العزيز بن مروان معروفا فكتمه ورجع إلى المدينة في هيئة بذةٍ فقالوا لم يصب بمدحه شيئا فمكث مدة ثم ساوم بأمه فابتاعها وأعتقها ثم ابتاع أم أمه بضعف ما ابتاع به أمه فأعتقها وجاءه ابن خالة له اسمه سحيم فسأله أن يعتقه فقال له ما معي والله شيء ولكني إذا خرجت أخرجتك معي لعل الله أن يعتقك فلما أراد الخروج دفع غلاما له إلى مولى سحيم يرعى إبله وأخرجه معه فسأل في ثمنه فأعطاه وأعتقه فمر به يوما وهو يزفن ويزمر مع السودان فأنكر ذلك عليه وزجره فقال له إن كنت أعتقتني لأكون كما تريد فهذا والله ما لا يكون أبدا وإن كنت أعتقتني لتصل رحمي وتقضي حقي فهذا والله الذي أفعله هو الذي أريده أزفن وأزمر وأصنع ما شئت فانصرف النصيب وهو يقول ( إنِّي أرانِي لِسُحَيْم قائلاَ ... إن سُحيماً لم يثبني طائلا ) ( نَسِيتَ إعْمالي لكَ الرَّواحلاَ ... وضَرْبيَ الأبوابَ فيك سَائلاَ ) ( عند الملوك أسْتَثِيبُ النائلا ... حتى إذا آنستَ عتْقاً عاجلاَ ) ( ولَّيتنَي منك القَفَا والكاهِلاَ ... أخُلُقاً شكْساً ولوناً حَائِلاَ ) النصيب يستعجل جائزة عند عبد العزيز بن مروان قال إسحاق وأبطأت جائزة النصيب عند عبد العزيز فقال ( وإنّ وراءَ ظَهْرِي يابنَ لَيْلَى ... أُنَاساً يَنْظُرونَ متى أَؤُوبُ ) ( أُمَامَةُ منهمُ ولِمَأْقَييها ... غَدَاةَ البَيْنِ في أَثَرِي غُرُوبُ ) ( تركتُ بِلاَدَها ونأيتُ عنها ... فأشبهُ ما رأيتُ بها السَّلُوب ) ( فأتْبِعْ بعضَنا بعضاً فلَسْنا ... نُثِيبُك لكِن اللهُ المُثِيبُ ) فعجل جائزته وسرحه قال إسحاق فحدثني ابن كناسة قال ليلى أم عبد العزيز كلبية وبلغني عنه أنه قال لا أعطي شاعرا شيئا حتى يذكرها في مدحي لشرفها فكان الشعراء يذكرونها باسمها في أشعارهم أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن ابن عباية قال وقفت سوداء بالمدينة على نصيب وهو ينشد الناس فقالت بأبي أنت يابن عمي وأمي ما أنت والله علي بخزي فضحك وقال والله لمن يخزيك من بني عمك أكثر ممن يزينك قال إسحاق وحدثني ابن عباية وغيره أن ابنا لنصيب خطب بعد وفاة سيده الذي أعتقه بنتا له من أخيه فأجابه إلى ذلك وعرف أباه فقال له اجمع وجوه الحي لهذا الحال فجمعهم فلما حضروا أقبل نصيب على أخي سيده فقال أزوجت ابني هذا من ابنة أخيك قال نعم فقال لعبيد له سود خذوا برجل ابني هذا فجروه فاضربوه ضربا مبرحا ففعلوا وضربوه ضربا مبرحا وقال لأخي سيده لولا أني أكره أذاك لألحقتك به ثم نظر إلى شاب من أشراف الحي فقال زوج هذا ابنة أخيك وعلي ما يصلحهما في مالي ففعل أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني قال دخل نصيب على عبد الملك فتغدى معه ثم قال هل لك فيما نتنادم عليه فقال تؤمنني ففعل فقال لوني حائل وشعري مفلفل وخلقتي مشوهة ولم أبلغ ما بلغت من إكرامك إياي بشرف أب أو أم أو عشيرة وإنما بلغته بعقلي ولساني فأنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تحول بيني وبين ما بلغت به هذه المنزلة منك فأعفاه سبب تسمية النصيب بهذا الاسم أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثني محمد بن صالح بن النطاح قال بلغني عن خلاد بن مرة عن أبي بكر بن مزيد قال لقيت النصيب يوما بباب هشام فقلت له يا أبا محجن لم سميت نصيبا ألقولك في شعرك عاينها النصيب فقال لا ولكني ولدت عند أهل بيت من ودان فقال سيدي إيتونا بمولودنا هذا لننظر إليه فلما رآني قال إنه لمنصب الخلق فسميت النصيب ثم اشتراني عبد العزيز بن مروان فأعتقني أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن محمد بن كناسة أبي يحيى الأسدي قال قال أبو عبد الله بن أبي إسحاق البصري لإن وليت العراق لأستكتبن نصيبا لفصاحته وتخلصه إلى جيد الكلام أخبرني الأسدي قال حدثني محمد بن صالح عن أبيه عن محمد بن عبد العزيز الزهري قال حدثني نصيب قال دخلت على عبد العزيز بن مروان فقال أنشدني قولك ( إذا لم يكن بينَ الخليلَيْنِ رِدّةٌ ... سِوى ذكرِ شيء قد مضَى دَرَسَ الذِّكْرُ ) فقلت ليس هذا لي هذا لأبي صخر الهذلي ولكني الذي أقول ( وقَفْتُ بذي دَوْران أَنْشُدُ ناقَتِي ... وما إنْ بها لِي مِنْ قَلُوصٍ ولا بَكْرِ ) فقال لي عبد العزيز لك جائزة على صدق حديثك وجائزة على شعرك فأعطاني على صدق حديثي ألف دينار وعلى شعري ألف دينار أوصاف نصيب الجسدية أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن عثمان بن حفص عن أبيه قال رأيت النصيب وكان أسود خفيف العارضين ناتىء الحنجرة أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير قال حدثني إبراهيم بن يزيد السعدي عن جدته جمال بنت عون بن مسلم عن أبيها عن جدها قال رأيت رجلا أسود مع امرأة بيضاء فجعلت أعجب من سواده وبياضها فدنوت منه وقلت من أنت قال أنا الذي أقول ( ألا ليتَ شِعْرِي ما الذي تُحْدِثِينَ بي ... غداً غُرْبةَ النأيِ المفرّق والبعدِ ) ( لَدَى أُمِّ بَكْرٍ حين تَقتَرِبُ النَّوَى ... بنا ثم يَخْلُو الكاشحون بها بَعْدِي ) ( أتَصْرِمُنِي عند الأُلَى هُمْ لنا العِدَا ... فتُشْمِتَهم بي أم تدومُ على العهد ) قال فصاحت بل والله تدوم على العهد فسألت عنهما فقيل هذا نصيب وهذه أم بكر عبد الله بن جعفر يسخو في عطائه للنصيب أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثنا محمد بن صالح بن النطاح قال حدثني أبو اليقظان عن جويرية بن أسماء قال أتى النصيب عبد الله بن جعفر فحمله وأعطاه وكساه فقال له قائل يا أبا جعفر أعطيت هذا العبد الأسود هذه العطايا فقال والله لئن كان أسود إن ثناءه لأبيض وإن شعره لعربي ولقد استحق بما قال أكثر مما نال وما ذاك إنما هي رواحل تُنضى وثياب تبلى ودراهم تفنى وثناء يبقى ومدائح تروى أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن المدائنيّ قال قال أبو الأسود امتدح نصيب عبد الله بن جعفر وذكر مثله أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الخراز عن المدائني قال قيل لنصيب إن هاهنا نسوة يردن أن ينظرن إليك ويسمعن منك شعرك قال وما يصنعن بي يرين جلدة سوداء وشعرا أبيض ولكن ليسمعن شعري من وراء ستر أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن عثمان بن حفص عن رجل ذكره قال أتاني منقذ الهلالي ليلا فضرب علي الباب فقلت من هذا فقال منقذ الهلالي فخرجت إليه فزعا فقال البشرى فقلت وأي بشرى أتتني بك في هذا الليل فقال خير أتاني أهلي بدجاجة مشوية بين رغيفين فتعشيت بها ثم أتوني بقنينة من نبيذ قد التقى طرفاها صفاء ورقة فجعلت أشرب وأترنم بقول نصيب ( بزينبَ ألْمِمْ قبلَ أن يَظْعَنَ الرَّكْبُ ... ) ففكرت في إنسان يفهم حسنه ويعرف فضله فلم أجد غيرك فأتيتك مخبرا بذلك فقلت ما جاء بك إلا هذا فقال أولا يكفى ثم انصرف أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال قال مسلمة لنصيب أنت لا تحسن الهجاء فقال بلى والله أتراني لا أحسن أن أجعل مكان عافاك الله أخزاك الله قال فإن فلانا قد مدحته فحرمك فاهجه قال لا والله ما ينبغي أن أهجوه وإنما ينبغي أن أهجو نفسي حين مدحته فقال مسلمة هذا والله أشد من الهجاء عمر بن عبد العزيز يطلب إلى النصيب إنشاده أخبرني الحسين قال قال حماد قرأت على أبي عن ابن عباية عن الضحاك الحزامي قال دخل نصيب مسجد رسول الله وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يومئذ أمير المدينة وهو جالس بين قبر النبي ومنبره فقال أيها الأمير ائذن لي أن أنشدك من مراثي عبد العزيز فقال لا تفعل فتحزنني ولكن أنشدني قولك قفا أخوي فإن شيطانك كان لك فيها ناصحا حين لقنك إياها فأنشده صوت ( قِفا أخَوَيَّ إنّ الدارَ ليستْ ... كما كانتْ بعهدِكُما تكونُ ) ( ليالي تَعْلمانِ وآلُ لَيْلَى ... قَطِينُ الدارِ فاحتملَ القَطِينُ ) ( فعُوجَا فانظرا أتُبِينُ عمَّا ... سألناها به أم لا تُبِينُ ) ( فظَلاَّ واقفَيْنِ وظَلَّ دَمْعِي ... على خَدِّي تجودُ به الجُفُونُ ) ( فلولا إذ رأيتَ اليأسَ منها ... بَدا أنْ كِدْتَ تَرْشُقُك العيونُ ) ( بَرِحْتَ فلم يَلُمْكَ الناسُ فيها ... ولم تغْلَقْ كما غَلِقَ الرَّهينُ ) في البيتين الأولين من هذه الأبيات والأخيرين لابن سريج خفيف رمل بالوسطى عن عمرو وفيه للغريض خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو ويونس قصة النصيب مع ابنة العجوز في الجحفة أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن أيوب بن عباية قال كان نصيب ينزل على عجوز بالجحفة إذا قدم من الشام وكان لها بنية صفراء وكان يستحليها فإذا قدم وهب لها دراهم وثيابا وغير ذلك فقدم عليهما قدمة وبات بهما فلم يشعر إلا بفتى قد جاءها ليلا فركضها برجله فقامت معه فأبطأت ثم عادت وعاد إليها بعد ساعة فركضها برجله فقامت معه فأبطأت ثم عادت فلما أصبح نصيب رأى أثر معتركهما ومغتسلهما فلما أراد أن يرتحل قالت له العجوز وبنتها بأبي أنت عادتك فقال لها ( أَرَاكِ طَمُوحَ العينِ مَيَّالةَ الهوى ... لهذا وهذا منك وُدٌّ مُلاَطِفُ ) ( فإن تحْمِلي رِدْفَيْن لا أكُ منهما ... فَحُبِّيَ فردٌ لستُ ممن يُرادِفُ ) ولم يعطها شيئا ورحل قال أيوب وكانت بملل امرأة ينزل بها الناس فنزل بها أبو عبيدة بن عبد الله ابن زمعة وعمران بن عبد الله بن مطيع ونصيب فلما رحلوا وهب لها القرشيان ولم يكن مع نصيب شيء فقال لها اختاري إن شئت أن أضمن لك مثل ما أعطياك إذا قدمت وإن شئت قلت فيك أبياتا تنفعك قالت بل الشعر أحب إلي فقال ( ألاَ حَيِّ قبلَ البَيْن أُمَّ حَبِيبِ ... وإن لم تكُنْ منَّا غداً بقَرِيبِ ) ( لئن لم يكن حُبِّيك حُبّاً صَدقْتُه ... فما أحدٌ عندي إذاً بحَبِيبِ ) ( تَهَامٍ أصابتْ قلبَه ملَليَّةٌ ... غَرِيبُ الهَوَى يا وَيْحَ كلِّ غَريبِ ) فشهرها بذلك فأصابت بقوله ذلك فيها خيرا النصيب يعاهد الله ألا يقول نسيبا قال أيوب ودخل النصيب على عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه بعد ما ولي الخلافة فقال له إيه يا أسود أنت الذي تشهر النساء بنسيبك فقال إني قد تركت ذلك يا أمير المؤمنين وعاهدت الله عز و جل ألا أقول نسيبا وشهد له بذلك من حضر وأثنوا عليه خيرا فقال أما إذ كان الأمر هكذا فسل حاجتك فقال بنيات لي نفضت عليهن سوادي فكسدن أرغب بهن عن السودان ويرغب عنهن البيضان قال فتريد ماذا قال تفرض لهن ففعل قال ونفقة لطريقي قال فأعطاه حلية سيفه وكساه ثوبيه وكانا يساويان ثلاثين درهما أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة عن إسحاق الموصلي عن ابن كناسة قال اجتمع النصيب والكميت وذو الرمة فأنشدهما الكميت قوله ( هل أنتَ عن طلبِ الأيْفَاعِ مُنْقَلِبُ ... ) حتى بلغ إلى قوله فيها ( أم هلْ ظَعَائِنُ بالعَلياءِ نافعةٌ ... وإن تكَاملَ فيها الأُنْسُ والشَّنَبُ ) فعقد نصيب واحدة فقال له الكميت ماذا تصحي قال خطأك باعدت في القول ما الأنس من الشنب ألا قلت كما قال ذو الرمة ( لَمْيَاءُ في شَفَتَيْها حُوَّةٌ لَعَسٌ ... وفي اللِّثاثِ وفي أنْيابِها شَنَبُ ) ثم أنشدهما قوله ( أَبَتْ هذه النفسُ إلاّ ادِّكَارا ... ) حتى بلغ إلى قوله ( إذا ما الهَجَارِسُ غَنَّيْنَها ... تُجَاوِبْنَ بالفَلَوَات الوِبَارا ) فقال له النصيب وبالوبار لا تسكن الفلوات ثم أنشد حتى بلغ منها ( كأنّ الغُطَامِط من غَلْيِها ... أَراجِيزُ أسْلَمَ تَهْجُو غِفَارا ) فقال النصيب ما هجت أسلم غفارا قط فانكسر الكميت وأمسك النصيب يمدح عبد الرحمن بن الضحاك أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن ابن الكلبي أن نصيبا مدح عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري فأمر له بعشر قلائص وكتب بها إلى رجلين من الأنصار واعتذر إليه وقال له والله ما أملك إلا رزقي وإني لأكره أن أبسط يدي في أموال هؤلاء القوم فخرج حتى أتى الأنصاريين فأعطاهما الكتاب مختوما فقرآه وقالا قد أمر لك بثمان قلائص ودفعا ذلك إليه ثم عزل وولي مكانه رجل من بني نصر بن هوازن فأمر بأن يتتبع ما أعطى ابن الضحاك ويرتجع فوجد باسم نصيب عشر قلائص فأمر بمطالبته بها فقال والله ما دفع إلي إلا ثماني قلائص فقال والله ما تخرج من الدار حتى تؤدي عشر قلائص أو أثمانها فلم يخرج حتى قبض ذلك منه فلما قدم على هشام سمر عنده ليلة وتذاكروا النصري فأنشده قوله فيه ( أفِي قلائِص جُرْبٍ كُنَّ من عملٍ ... أُرْدَى وتُنْزَعُ من أحشائي الكَبِدُ ) ( ثمانياً كُنَّ في أهلي وعندهُم ... عَشْرٌ فأيَّ كتابٍ بعدَنا وَجَدُوا ) ( أخانَنِي أخَوَا الأنصارِ فانتقصا ... منها فعندهما الفَقْدُ الذي فَقَدُوا ) ( وإنّ عامِلَك النَّصْرِيّ كلَّفَنِي ... في غير نائرةٍ دَيْناً له صَعَدُ ) ( أذَنْبَ غيرِي ولم أُذْنبْ يُكلّفُني ... أم كيف أُقْتَلُ لا عَقْلٌ ولا قَوَدُ ) قال فقال هشام لا جرم والله لا يعمل لي النصري عملا أبدا فكتب بعزله عن المدينة أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرنا الزبير بن بكار إجازة عن هارون بن عبد الله الزبيري عن شيخ من الجفر قال قدم علينا النصيب فجلس في هذا المجلس وأومأ إلى مجلس حذاءه فاستنشدناه فأنشدنا قوله ( ألا يا عُقَابَ الوَكْرِ وَكْر ضَرِيّة ... سَقَتْك الغَوَادِي من عُقَاب ومن وكْر ) ( تَمُرّ الليالي ما مَرَرْنَ ولا أَرَى ... مُرُورَ الليالي مُنْسِياتي ابنةَ النَّضْر ) ( وَقفتُ بذي دَوْرَانَ أنشُد ناقَتِي ... ومالي لَدَيْها من قُلوصٍ ولا بَكْر ) ( وما أنشُد الرُّعْيَان إلاّ تَعِلَّةً ... بواضحةِ الأنْيابِ طَيِّبةِ النَّشْرِ ) ( أما والذي نادَى من الطُّورِ عبدَه ... وعلَّم أيّام المَنَاسِكِ والنَّحْر ) ( لقد زَادَنِي للجَفْرِ حبّاً وأهلِه ... لَيَالٍ أقامتْهُنَّ لَيْلَى على الجَفْرِ ) النصيب يصف ابنة عم له نوبية أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال أخبرني عمر بن إبراهيم السعدي عن يوسف بن يعقوب بن العلاء بن سليمان عن سلمة بن عبد الله بن أبي مسروح قال قال عبد الملك بن مروان لنصيب أنشدني فأنشده قصيدته التي يقول فيها ( ومُضْمَرِ الكَشْحِ يَطْوِيه الضَّجيعُ به ... طَيَّ الحَمَائِل لا جَافٍ ولا فَقِرُ ) ( وَذِي رَوَادِفَ لا يُلْفَى الإِزارُ بها ... يُلْوَى ولو كان سبعاً حين يَأْتزِرُ ) فقال له عبد الملك يا نصيب من هذه قال بنت عم لي نوبية لو رأيتها ما شربت من يدها الماء فقال له لو غير هذا قلت لضربت الذي فيه عيناك أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا الحارث بن محمد بن أسامة قال حدثنا المدائني قال كان عبد العزيز بن مروان اشترى نصيبا وأهله وولده فأعتقهم وكان نصيب يرحل إليه في كل عام مستميحا فيجيزه ويحسن صلته فقال فيه نصيب ( يقولُ فيُحسن القولَ ابنُ ليلَى ... ويفعَلُ فَوقَ أحْسنِ ما يقُولُ ) ( فتىً لا يَرْزأُ الخُلاّنَ إلاّ ... مَوَدَّتَهمْ ويَرْزَؤُهُ الخليلُ ) ( فبَشِّرْ أهلَ مصرَ فقدْ أتاهُمْ ... مَعَ النِّيلِ الذي في مصرَ نِيلُ ) شاعر من أهل الحجاز يهجو النصيب أخبرني هاشم بن محمد بن هارون بن عبد الله بن مالك الخزاعي أبو دلف قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال كان نصيب يكنى أبا الحجناء فهجاه شاعر من أهل الحجاز فقال ( رَأيتُ أبا الحَجْنَاءِ في الناسِ حائراً ... ولونُ أبي الحَجْناء لونُ البهائمِ ) ( تراه على ما لاَحَه من سَوَادِهِ ... وإن كانَ مظلُوماً لهُ وجهُ ظالِم ) فقيل لنصيب ألا تجيبه فقال لا ولو كنت هاجيا لأحد لأجبته ولكن الله أوصلني بهذا الشعر إلى خير فجعلت على نفسي ألا أقوله في شر وما وصفني إلا بالسواد وقد صدق أفلا أنشدكم ما وصفت به نفسي قالوا بلى فأنشدهم قوله ( ليس السوادُ بناقصي ما دام لي ... هذا اللسانُ إلى فؤادٍ ثابتِ ) ( مَنْ كان ترفَعُه مَنَابتُ أصلِه ... فبيوتُ أشعاري جُعِلْنَ مَنَابِتي ) ( كم بين أسودَ ناطقٍ ببيانِه ... ماضي الجَنانِ وبين أبيضَ صامتِ ) ( إني لَيَحْسُدني الرفيعُ بناؤُه ... من فضل ذاكَ وليس بي مِنْ شامِت ) ويروى مكان من فضل ذاك فضل البيان وهو أجود أخبرني عمي ومحمد بن خلف قالا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني سعيد بن يحيى الأموى قال حدثني عمي عن محمد بن سعد قال قال قائل للنصيب أيها العبد مالك وللشعر فقال أما قولك عبد فما ولدت إلا وأنا حر ولكن أهلي ظلموني فباعوني وأما السواد فأنا الذي أقول ( وإِنْ أكُ حَالِكاً لَوْنِي فإنِّي ... لِعَقْلٍ غير ذي سَقَطٍ وعَاءُ ) ( وما نزلتْ بيَ الحاجاتُ إلاّ ... وفي عِرْضِي من الطَّمَعِ الحياءُ ) النصيب يشبب بجارية سقته ماء أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد عن أبيه قال حدثت عن السدوسي قال وقف نصيب على أبيات فاستسقى ماء فخرجت إليه جارية بلبن أو ماء فسقته وقالت شبب بي فقال وما اسمك فقالت هند ونظر إلى جبل وقال ما اسم هذا العلم قالت قنا فأنشأ يقول ( أُحِبُّ قَناً من حُبِّ هندٍ ولم أكُنْ ... أبالِي أقُرْباً زادَه الله أم بُعْدَا ) ( ألاَ إنَّ بالقِيعانِ من بطن ذي قَناً ... لنا حاجةً مالتْ إليه بنا عَمْدَا ) ( أَرُونِي قَناً أنظُرْ إليه فإنَّني ... أُحِبُّ قَناً إنِّي رأيتُ بَه هِنْدا ) قال فشاعت هذه الأبيات وخطبت هذه الجارية من أجلها وأصابت بقول نصيب فيها خيرا كثيرا أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل بن نبيه قال حدثنا محمد بن سلام قال دخل نصيب على يزيد بن عبد الملك فقال له حدثني يا نصيب ببعض ما مر عليك فقال نعم يا أمير المؤمنين علقت جارية حمراء فمكثت زمانا تمنيني بالأباطيل فلما ألححت عليها قالت إليك عني فوالله لكأنك من طوارق الليل فقلت لها وأنت والله لكأنك من طوارق النهار فقالت ما أظرفك يا أسود فغاظني قولها فقلت لها هل تدرين ما الظرف إنما الظرف العقل ثم قالت لي انصرف حتى أنظر في أمرك فأرسلت إليها هذه الأبيات ( فإن أكُ حالِكاً فالمِسْكُ أحوَى ... وما لِسَوَاد جِلْدِي من دَواءِ ) ( ولي كَرَمٌ عن الفَحْشاء ناء ... كبُعْدِ الأرض من جَوّ السَّماءِ ) ( ومِثْلي في رِجالكُم قليلٌ ... ومثلُك ليس يُعْدَم في النِّساءِ ) ( فإنْ تَرضي فَرُدِّي قولَ رَاضٍ ... وإن تأبي فنحنُ على السَّواءِ ) قال فلما قرأت الشعر قالت المال والشعر يأتيان على غيرهما فتزوجتني الأصمعي ينشد شعرا للنصيب أخبرنا هاشم بن محمد قال حدثنا الرياشي قال أنشدنا الأصمعي لنصيب وكان يستجيد هذه الأبيات ويقول إذا أنشدها قاتل الله نصيبا ما أشعره ( فإنْ يَكُ من لوني السّوادُ فإنَّني ... لَكا لمسكِ لا يَرْوَى من المِسْكِ ذائقُهْ ) ( وما ضَرّ أثوابي سَوادِي وتحتَها ... لِباسٌ من العَلْياء بِيضٌ بنائقُهْ ) ( إذا المرءُ لم يَبْذُلْ من الودّ مثلَ ما ... بذلتُ له فاعلمْ بأنِّي مَفارقُهْ ) أخبرني الفضل بن الحباب أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام عن خلف أن نصيبا أنشد جريرا شيئا من شعره فقال له كيف ترى يا أبا حزرة فقال له أنت أشعر أهل جلدتك أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد ابن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران بن محمد عن المسور بن عبد الملك قال قال نصيب لعبد الرحمن بن أزهر أنشدت الوليد بن عبد الملك فقال لي أنت أشعر أهل جلدتك والله ما زاد عليها فقال لي عبد الرحمن يا أبا محجن أفرضيت منه أن جعلك أشعر السودان فقط فقال له وددت والله يابن أخي أنه أعطاني أكثر من هذا ولكنه لم يفعل ولست بكاذبك النصيب يصنف شعره وشعر معاصريه أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال أخبرنا أبو عبيدة قال قال لي محمد بن عبد ربه دخلت مسجد الكوفة فرأيت رجلا لم أر قط مثله ولا أشد سوادا منه ولا أنقى ثيابا منه ولا أحسن زيا فسألت عنه فقيل هذا نصيب فدنوت منه فحدثته ثم قلت له أخبرني عنك وعن أصحابك فقال جميل إمامنا وعمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربات الحجال وكثير أبكانا على الدمن وأمدحنا للملوك وأما أنا فقد قلت ما سمعت فقلت له إن الناس يزعمون أنك لا تحسن أن تهجو فضحك ثم قال أفتراهم يقولون إني لا أحسن أن أمدح فقلت لا فقال أفما تراني أحسن أن أجعل مكان عافاك الله أخزاك الله قال قلت بلى قال فإني رأيت الناس رجلين إ ما رجل لم أسأله شيئا فلا ينبغي أن أهجوه فأظلمه وإما رجل سألته فمنعني فنفسي كانت أحق بالهجاء إذ سولت لي أن أسأله وأن أطلب ما لديه نصيب وكثير والأحوص ينزلون في مجلس امرأة من بني أمية أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني عبد الله بن إسماعيل بن أبي عبيد الله كاتب المهدي قال وجدت في كتاب أبي بخطه حدثني أبو يوسف التجيبي قال حدثني إسماعيل بن المختار مولى آل طلحة وكان شيخا كبيرا قال حدثني النصيب أبو محجن أنه خرج هو وكثير والأحوص غب يوم أمطرت فيه السماء فقال هل لكم في أن نركب جميعا فنسير حتى نأتي العقيق فنمتع فيه أبصارنا فقالوا نعم فركبوا أفضل ما يقدرون عليه من الدواب ولبسوا أحسن ما يقدرون عليه من الثياب وتنكروا ثم ساروا حتى أتوا العقيق فجعلوا يتصفحون ويرون بعض ما يشتهون حتى رفع لهم سواد عظيم فأموه حتى أتوه فإذا وصائف ورجال من الموالي ونساء بارزات فسألنهم أن ينزلوا فاستحيوا أن يجيبوهن من أول وهلة فقالوا لا نستطيع أو نمضي في حاجة لنا فحلفنهم أن يرجعوا إليهن ففعلوا وأتوهن فسألنهم النزول فنزلوا ودخلت امرأة من النساء فاستأذنت لهم فلم تلبث أن جاءت المرأة فقالت ادخلوا فدخلنا على امرأة جميلة برزة على فرش لها فرحبت وحيت وإذا كراسي موضوعة فجلسنا جميعا في صف واحد كل إنسان على كرسي فقالت إن أحببتم أن ندعو بصبي لنا فنصيحه ونعرك أذنه فعلنا وإن شئتم بدأنا بالغداء فقلنا بل تدعين بالصبي ولن يفوتنا الغداء فأومأت بيدها إلى بعض الخدم فلم يكن إلا كلا ولا حتى جاءت جارية جميلة قد سترت بمطرف فأمسكوه عليها حتى ذهب بهرها ثم كشف عنها وإذا جارية ذات جمال قريبة من جمال مولاتها فرحبت بهم وحيتهم فقالت لها مولاتها خذي ويحك من قول النصيب عافى الله أبا محجن ( ألاَ هل من البَيْن المُفَرِّق من بُدِّ ... وهل مثلُ أيّامٍ بمُنْقَطَع السَّعْد ) ( تمَنَّيتُ أيّامِي أُولئكَ والمُنَى ... على عَهد عَادٍ ما تُعِيدُ ولا تُبْدِي ) فغنته فجاءت به كأحسن ما سمعته قط بأحلى لفظ وأشجى صوت ثم قالت لها خذي أيضا من قول أبي محجن عافى الله أبا محجن ( أَرِقَ المُحِبُّ وعادَه سَهَدُهْ ... لِطَوَارِقِ الهمِّ التي تَرِدُهْ ) ( وذكرتُ مَنْ رَقَّتْ له كَبِدِي ... وأَبَى فليس تَرِقُّ لي كَبِدُهْ ) ( لا قَومُه قَومِي ولا بلَدِي ... فَنَكُونَ حيناً جِيرة بَلدُهْ ) ( وَوجدْتُ وَجْداً لم يكن أحدٌ ... قَبْلِي مِنَ اجْلِ صَبابةٍ يَجِدُهْ ) ( إلاّ ابنُ عَجْلاَنَ الذي تَبَلَتْ ... هِنْدٌ فَفَاتَ بنفسِه كَمَدُهْ ) قال فجاءت به أحسن من الأول فكدت أطير سرورا ثم قالت لها ويحك خذي من قول أبي محجن عافى الله أبا محجن ( فَيَا لَك من ليلٍ تمتَّعتُ طُولَه ... وهل طائفٌ من نائمٍ مُتَمَتِّعُ ) ( نَعَمْ إنّ ذا شَجْوٍ متى يَلْقَ شَجْوَه ... ولو نائماً مُسْتَعْتِبٌ أو مُوَدّعُ ) ( له حاجةٌ قد طَالَمَا قد أَسَرَّها ... من الناسِ في صَدْرٍ بها يَتَصدَّعُ ) ( تحمَّلَها طُولَ الزمانِ لعلَّها ... يكونُ لها يوماً من الدهرِ مَنْزَعُ ) ( وقد قُرِعتْ في أُمّ عمرٍو لِي العَصَا ... قَدِيماً كما كانتْ لذِي الحِلْم تُقْرَعُ ) قال فجاءت والله بشيء حيرني وأذهلني طربا لحسن الغناء وسرورا باختيارها الغناء في شعري وما سمعت فيه من حسن الصنعة وجودتها وإحكامها ثم قالت لها خذي أيضا من قول أبي محجن عافى الله أبا محجن ( يا أيُّها الرَّكبُ إنِّي غيرُ تابِعِكُمْ ... حتى تُلِمُّوا وأنتُمْ بِي مُلِمُّونا ) ( فَمَا أَرَى مِثلَكُمْ رَكْباً كشَكْلِكُمُ ... يَدعوهُمُ ذُو هوًى إلاّ يَعُوجُونا ) ( أم خبِّرونِيَ عن دائي بعلمِكُمُ ... وأعلمُ النّاسِ بالداءِ الأَطَبُّونَا ) غضب الأحوص وكثير لأن المرأة لم تهتم بهما قال نصيب فوالله لقد زهيت بما سمعت زهوا خيل إلي أني من قريش وأن الخلافة لي ثم قالت حسبك يا بنية هات الطعام يا غلام فوثب الأحوص وكثير وقالا والله لا نطعم لك طعاما ولا نجلس لك في مجلس فقد أسأت عشرتنا واستخففت بنا وقدمت شعر هذا على أشعارنا واستمعت الغناء فيه وإن في أشعارنا لما يفضل شعره وفيها من الغناء ما هو أحسن من هذا فقالت على معرفة كل ما كان مني فأي شعركما أفضل من شعره أقولك يا أحوص ( يَقَرُّ بعينِي ما يقَرّ بعينها ... وأحسنُ شيء ما به العينُ قَرّتِ ) أو قولك يا كثير في عزة ( وما حَسِبَتْ ضَمْرِيَّةٌ جُدَويَّةٌ ... سِوَى التَّيْسِ ذي القَرْنينِ أنّ لها بَعْلاَ ) أم قولك فيها ( إذا ضَمْرِيَّةٌ عطَستْ فنِكْهَا ... فإن عُطَاسَها طَرَفُ السِّفَادِ ) قال فخرجنا مغضبين واحتبستني فتغديت عندها وأمرت لي بثلثمائة دينار وحلتين وطيب ثم دفعت إلي مائتي دينار وقالت ادفعها إلى صاحبيك فإن قبلاها وإلا فهي لك فأتيتهما منازلهما فأخبرتهما القصة فأما الأحوص فقبلها وأما كثير فلم يقبلها وقال لعن الله صاحبتك وجائزتها ولعنك معها فأخذتها وانصرفت فسألت النصيب ممن المرأة فقال من بني أمية ولا أذكر اسمها ما حييت لأحد رثاء نصيب عبد العزيز بن مروان وقد مات بسكر من قرى الصعيد أخبرني عيسى بن يحيى الوراق عن أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني قال وقع الطاعون بمصر في ولاية عبد العزيز بن مروان إياها فخرج هاربا منه فنزل بقرية من الصعيد يقال لها سُكَرُ فقدم عليه حين نزلها رسول لعبد الملك فقال له عبد العزيز ما اسمك فقال طالب بن مدرك فقال أوه ما أراني راجعا إلى الفسطاط أبدا ومات في تلك القرية فقال نصيب يرثيه ( أصِبتُ يومَ الصعيد من سُكَر ... مصيبةً ليس لي بها قِبَلُ ) ( تاللهِ أَنْسَى مصيبتي أبداً ... ما أسمَعْتِني حَنِينَها الإِبلُ ) ( ولا التَّبَكِّي عليه أعْوِلُه ... كلُّ المصيباتِ بعدَه جَلَلُ ) ( لم يعلمِ النَّعْشُ ما عليه من العُرْفِ ... ولا الحاملون ما حمَلُوا ) ( حتى أجَنُّوه في ضَرِيحِهمُ ... حِيِنَ انتهى من خليلِكَ الأَملُ ) غنى في هذه الأبيات ابن سريج ولحنه رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وذكر الهشامي أن له فيه لحنا من الهزج وذكر ابن بانة أن الرمل لابن الهربذ نصيب ينشد عبد الملك بن مروان رثاء في أخيه عبد العزيز أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن مصعب الزبيري عن مشيخة من أهل الحجاز أن نصيبا دخل على عبد الملك بن مروان فقال له أنشدني بعض ما رثيت به أخي فأنشده قوله ( عرفتُ وجرّبتُ الأُمورَ فما أَرَى ... كماضٍ تَلاَه الغابرُ المتأخِّر ) ( ولكنَّ أهلَ الفضل من أهل نِعْمَتِي ... يمرُّون أَسْلافاً أمامِي وأَغْبُرُ ) ( فإن أَبْكِهِ أُعْذَر وإن أَغلِبِ الأَسَى ... بصبرٍ فمِثْلي عندما اشتدَّ يَصْبِرُ ) ( وكانت رِكَابِي كلّما شئتُ تَنْتَحِي ... إليكَ فَتَقْضِي نَحْبَها وهي ضُمَّرُ ) ( تَرَى الوِرْدَ يُسْراً والثَّوَاءَ غنيمةً ... لديكَ وتُثْنَى بالرِّضَا حين تَصْدُرُ ) ( فقد عَرِيتْ بعدَ ابن لَيْلَى فإنَّما ... ذُرَاها لمن لاقتْ من الناس مَنْظَرُ ) ( ولو كان حيًّا لم يَزَلْ بدُفُوفِها ... مَرَادٌ لغِرْبَانِ الطريق ومَنْقَرُ ) ( فإن كُنَّ قد نِلْنَ ابنَ ابنَ لَيْلَى فإنّه ... هو المصطفَى من أهلِه المُتَخَيَّرُ ) فلما سمع عبد الملك قوله ( فإن أبكِه أُعْذَرْ وإن أَغلِبِ الأَسَى ... بصبرٍ فمِثلي عندَما اشتدّ يصبِرُ ) قال له ويلك أنا كنت أحق بهذه الصفة في أخي منك فهلا وصفتني بها وجعل يبكي نصيب وعبد الله بن إسحاق البصري أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي يحيى محمد بن كناسة قال قال لي عبد الله بن إسحاق البصري لو وليت العراق لاستكتبت نصيبا قالت لماذا قال لفصاحته وحسن تخلصه إلى جيد الكلام ألم تسمع قوله ( فلا النفسُ مَلَّتْها ولا العينُ تنتهي ... إليها سوام الطَّرْف عنها فتَرْجعُ ) ( رأتْها فما تَرْتَدُّ عنها سآمةً ... ترى بدلاً منها به النَّفْسُ تَقْنَعُ ) نصيب يمدح إبراهيم بن هشام فلا يعجبه المديح أخبرني الحرمي عن الزبير عن محمد بن الحسن قال دخل نصيب على إبراهيم بن هشام فأنشده مديحا له فقال إبراهيم ما هذا بشيء أين هذا من قول أبي دهبل لصاحبنا ابن الأزرق حيث يقول ( إن تَغْدُ من مَنْقَلَيْ نَخْلاَنَ مُرْتَحِلاً ... يَرْحَلْ من اليمنِ المعروفُ والجودُ ) قال فغضب نصيب ونزع عمامته وبرك عليها وقال لئن تأتونا برجال مثل ابن الأزرق نأتكم بمثل مديح أبي دهبل أو أحسن إن المديح والله إنما يكون على قدر الرجال قال فأطرق ابن هشام وعجبوا من إقدام نصيب عليه ومن حلم ابن هشام وهو غير حليم نصيب وأم بكر الخزاعية أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري أن نصيبا كان ربما قدم من الشام فيطرح في حجر أم بكر الخزاعية أربعمائة دينار وأن عبد الملك بن مروان ظهر على تعلقه بها ونسيبه فيها فنهاه عن ذلك حتى كف نصيب ينشد شعرا في مديح ابن هشام في مجلس ثقيف أخبرني محمد بن يزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن عثمان بن حفص الثقفي عن أبيه قال رأيت النصيب بالطائف فجاءنا وجلس في مجلسنا وعليه قميص قوهي ورداء وحبرة فجعل ينشدنا مديحا لابن هشام ثم قال إن الوادي مسبعة فمن أهل المجلس قالوا ثقيف فعرف أنا نبغض ابن هشام ويبغضنا فقال إنا لله أبعد ابن ليلى أمتدح ابن جيداء فقال له أهل المجلس يا أبا محجن أتطلب القريض أحيانا فيعسر عليك فقال إي والله لربما فعلت فآمر براحلتي فيشد بها رحلي ثم أسير في الشعاب الخالية وأقف في الرباع المقوية فيطربني ذلك ويفتح لي الشعر والله إني على ذلك ما قلت بيتا قط تستحي الفتاة الحيية من إنشاده في ستر أبيها قال إسحاق قال عثمان بن حفص فوصفه أبي وقال كأني أراه صدعا خفيف العارضين ناتىء الحنجرة نصيب وابن أبي عتيق أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد عن أبيه عن محمد بن كناسة قال أنشد نصيب قوله ( وكِدْتُ ولم أُخْلَقْ من الطيرِ إن بدا ... لها بارقٌ نحوَ الحجاز أطيرُ ) فسمعه ابن أبي عتيق فقال يابن أم هل غاق فإنك تطير يعني أنه غراب أسود أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال أخبرني أحمد بن محمد الأسدي أسد قريش قال قال ابن أبي عتيق لنصيب إني خارج أفترسل إلى سعدى بشيء قال نعم بيتي شعر قال قل فقال ( أتصبِرُ عن سُعْدَى وأنت صَبُورُ ... وأنت بحُسْنِ الصبر منك جديرُ ) ( وكدتُ ولم أُخْلَق من الطير إن بدا ... سَنَى بارقٍ نحوَ الحجاز أطيرُ ) قال فأنشد ابن أبي عتيق سعدى البيتين فتنفست تنفسة شديدة فقال ابن أبي عتيق أوه أجبته والله بأجود من شعره ولو سمعك خليلك لنعق وطار إليك نصيب والحكم بن المطلب أخبرني علي بن صالح بن الهيثم الكاتب قال حدثني أبو هفان عن إسحاق الموصلي عن المسيبي قال قال أبو النجم أتيت الحكم بن المطلب فمدحته وخرج إلى السعاية فخرجنا معه ومعه عدة من الشعراء فبينا هو مع أصحابه يوما واقف إذا براكب يوضع في السراب وإذا هو نصيب فتقدم إليه فمدحه فأمر بإنزاله فمكث أياما حتى أتاه فقال إني قد خلفت صبية صغارا وعيالا ضعافا فقال له ادخل الحظيرة فخذ منها سبعين فريضة فقال له جعلني الله فداك قد أحسنت ومعي ابن لي أخاف أن يثلمها علي قال فادخل فخذ له سبعين فريضة أخرى فانصرف بمائة وأربعين فريضة أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير عن محمد بن الضحاك عن عثمان عن أبيه قال قيل لنصيب هرم شعرك قال لا والله ما هرم ولكن العطاء هرم ومن يعطيني مثل ما أعطاني الحكم بن المطلب خرجت إليه وهو ساع على بعض صدقات المدينة فلما رأيته قلت ( أبا مَرْوانَ لستَ بخارجيٍّ ... وليس قديمُ مجدِك بانتحال ) ( أَغَرُّ إذا الرِّوَاقُ انجابَ عنه ... بَدَا مثلَ الهلالِ على المِثَالِ ) ( تَرَاءاه العيونُ كما تَرَاءى ... عَشِيَّة فِطْرِها وَضَحَ الهلالِ ) قال فأعطاني أربعمائة ضائنة ومائة لقحة وقال ارفع فراشي فرفعته فأخذت من تحته مائتي دينار نصيب وكثير عند أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا الزبير قال حدثني أسعد بن عبد الله المري عن إبراهيم بن سعيد بن بشر بن عبد الله بن عقيل الخارجي عن أبيه قال والله إني لمع أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة في حواء له إذ جاءه كثير فحياه فاحتفى به ودعا بالغداء فشرعنا فيه وشرع معنا كثير وجاء رجل فسلم فرددنا عليه السلام واستدنيناه فإذا نصيب في بزة جميلة قد وافى الحج قادما من الشام فأكب على أبي عبيدة فعانقه وسأله ثم دعاه إلى الغداء فأكل مع القوم فرفع كثير يده وأقلع عن الطعام وأقبل عليه أبو عبيدة والقوم جميعا يسألونه أن يأكل فأبى فتركوه وأقبل كثير على نصيب فقال والله يا أبا محجن إن أثر أهل الشام عليك لجميل لقد رجعت هذه الكرة ظاهر الكبر قليل الحياء فقال له نصيب لكن أثر الحجاز عليك يا أبا صخر غير جميل لقد رجعت وإنك لزائد النقص كثير الحماقة فقال كثير أنا والله أشعر العرب حيث أقول لمولاتك ( إذا أَمْسبتُ بَطْنُ مَجَاحَ دُونِي ... وعَمْقٌ دون عَزَّةَ فالبَقِيعُ ) ( فليس بلاَئِمي أحدٌ يُصَلِّي ... إذا أخذتْ مَجَارِيَهَا الدموعُ ) فقال له نصيب أنا والله أشعر منك حيث أقول لابنة عمك ( خَلِيليَّ إنْ حَلّتْ كُليَّةَ فالرُّبَا ... فذا أَمَجٍ فالشِّعْبَ ذا الماء والحَمْض ) ( فأصبَح من حَوْرَانَ رَحْلِي بمنزلٍ ... يُبَعِّده من دونِها نازحُ الأرضِ ) ( وأَيْأَسْتما أنْ يجمَع الدهرُ بينَنا ... فخُوضَا لِيَ السمَّ المُصَرِّحَ بالمَحْض ) ( ففي ذاك من بعضِ الأُمور سلامةٌ ... ولَلْمَوْتُ خيرٌ من حياةٍ على غَمْضِ ) قال فاقتحم إليه كثير وثبت له النصيب فلما نالته رجلاه رمحه نصيب بساقه رمحة طاح منها بعيداً عنه فما زال راقدا حتى أيقظناه عشيا لرمي الجمار أخبرني الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير عن محمد بن موسى بن طلحة عن عبد الله بن عمر بن عثمان النحوي عن أنيس بن ربيعة الأسلمي أنه قال غدوت يوما إلى أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة وهو محتل بالرحبة فألفيت عنده جماعة منا ومن غيرنا فأتاه آت فقال له ذاك النصيب منذ ثلاث بالفرش من ملل متلدد كأنه واله في أثر قوم ظاعنين فنهض أبو عبيدة ونهضنا معه فإذا نصيب على المنحر من صفر فلما عايننا وعرف أبا عبيدة هبط فسأله عن أمره فأخبره أنه تبع قوما سائرين وأنه وجد آثارهم ومحلهم بالفرش فاستولهه ذلك فضحك به أبو عبيدة والقوم وقالوا له إنما يهتر إذا عشق من انتسب عذريا فأما أنت فما لك ولهذا فاستحيا وسكن وسأله أبو عبيدة هل قلت في مقامك شعرا قال نعم وأنشد ( لعَمْرِي لئن أَمْسيتَ بالفَرشِ مُقْصَداً ... ثَوِيَّاكَ عَبُّودٌ وعُدْنَةُ أو صَفَرْ ) ( ففَرَّع صَبًّا أو تَيَمَّم مُصْعِداً ... لِرَبْعٍ قدِيم العهدِ ينَتَكِفُ الأَثَرْ ) ( دَعَا أهلَه بالشام بَرْقٌ فأَوْجَفُوا ... ولم أَرَ متبوعاً أضَرَّ من المَطَرْ ) ( لتَسْتَبْدِلَنْ قلباً وعيناً سِوَاهُما ... وإلا أَتَى قصداً حُشَاشَتَكَ القَدرْ ) ( خَلِيليَّ فيما عِشْتُما أو رأيتُما ... هل اشتاق مَضْرورٌ إلى من به أَضرّْ ) ( نعمْ رُبَّما كان الشَّقاءُ مُتَيَّحاً ... يُغَطِّي على سَمْعِ ابنِ آدمَ والبَصَرْ ) قال فانصرف به أبو عبيدة إلى منزله وأطعمه وكساه وحمله وانصرف وهو يقول ( أصابَ دواءَ عِلَّتِك الطبيبُ ... وخاض لَكَ السُّلُوَّ ابنُ الرَّبِيبِ ) ( وأَبْصَرَ مِنْ رُقَاك مُنَفِّثاتٍ ... وداؤك كان أعْرَفَ بالطَّبِيبِ ) نصيب ويزيد بن عبد الملك أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال دخل نصيب على يزيد بن عبد الملك ذات يوم فأنشده قصيدة امتدحه بها فطرب لها يزيد واستحسنها فقال له أحسنت يا نصيب سلني ما شئت فقال يدك يا أمير المؤمنين بالعطاء أبسط من لساني بالمسألة فأمر به فملىء فمه جوهرا فلم يزل به غنيا حتى مات هشام بن محمد يكرم نصيبا أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثنا أبو غزبة عن عبد الرحمن بن أبي الزناد قال دخل نصيب على إبراهيم بن هشام وهو وال على المدينة فأنشده قوله ( يابنَ الهِشَامَيْن لا بَيْتٌ كَبَيْتِهما ... إذا تَسَامَتْ إلى أحسابِها مُضَرُ ) فقال له إبراهيم قم يا أبا محجن إلى تلك الراحلة المرحولة فخذها برحلها فقام إليها نصيب متباطئا والناس يقولون ما رأينا عطية أهنأ من هذه ولا أكرم ولا أعجل ولا أجزل فسمعهم نصيب فأقبل عليهم وقال والله إنكم قلما صاحبتم الكرام وما راحلة ورحل حتى ترفعوهما فوق قدرهما هشام بن عبد الملك يعفو عن نصيب ويصله أخبرني الحرمي وعيسى بن الحسين قالا حدثنا الزبير عن عبد الله بن محمد ابن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان عن أبيه قال استبطأ هشام بن عبد الملك حين ولي الخلافة نصيبا ألا يكون جاءه وافدا عليه مادحا له ووجد عليه وكان نصيب مريضا فبلغه ذلك حين برأ فقدم عليه وعليه أثر المرض وعلى راحلته أثر النصب فأنشده قصيدته التي يقول فيها ( حَلَفتُ بمَنْ حَجَّت قريشٌ لبيتِه ... وأَهْدَتْ له بُدْناً عليها القلائدُ ) ( لئن كنتُ طالتْ غَيْبتِي عنكَ إنَّني ... بمَبْلغِ حَوْلِي في رِضاكَ لجَاهِدُ ) ( ولكنَّني قد طال سُقْمي وأكثرتْ ... عليّ العِهادَ المُشْفِقَاتُ العَوائِدُ ) ( صَرِيعُ فِرَاشٍ لا يَزَلْنَ يَقُلْنَ لي ... بنُصْحٍ وإشفاقٍ متى أنت قاعدُ ) ( فلمّا زَجَرْتُ العِيسَ أَسْرَتْ بحاجتي ... إليكَ وذلَّتْ للِّسانِ القصائدُ ) ( وإنِّي فلا تَسْتَبْطِنِي بمَوَدّتِي ... ونُصْحِي وإشْفَاقِي إليكَ لعَامِدُ ) ( فلا تُقْصِنِي حتى أكونَ بصَرْعَةٍ ... فييأسَ ذو قُرْبَى ويَشْمَتَ حاسدُ ) ( أنِلْنِي وقَرِّبني فإِنِّيَ بالغٌ ... رِضَاكَ بعَفْوٍ من نَدَاكَ وزائدُ ) ( أبِتْ نائماً أمّا فؤادِي فهَمُّه ... قليلٌ وأمّا مَسُّ جِلْدِي فبارِدُ ) ( وقد كان لي منكم إذا ما لَقِيتُكُمْ ... لَيَانٌ ومعروف وللخيرِ قائدُ ) ( إليك رَحَلْتُ العِيسَ حتّى كأنَّها ... قسِيُّ السُّرَى ذُبْلاً بَرَتْها الطَّرَائِدُ ) ( وحتّى هَوَادِيها دِقَاقٌ وشِكْوُها ... صَريفٌ وباقي النِّقْي منها شَرَائِدُ ) ( وحتى وَنَتْ ذاتُ المِرَاحِ فأذعنتْ ... إليكَ وكَلَّ الرَّاسِمَاتُ الحَوَافِدُ ) قال فرق له هشام وبكى وقال له ويحك يا نصيب لقد أضررنا بك وبرواحلك ووصله وأحسن صلته واحتفل به نصيب عند عبد الواحد النصري أمير المدينة أخبرنا الحرمي عن الزبير عن عمه عن أيوب بن عباية قال قدم نصيب على عبد الواحد النصري وهو أمير المدينة بفرش من أمير المؤمنين يضعه في قومه من بني ضمرة فأدخلهم عليه ليفرض لهم وفيهم أربعة غلمة لم يحتلموا فردهم النصري فكلمه نصيب كلاما غليظا إدلالا بمنزلته عند الخليفة فأشار إليه إبراهيم بن عبد الله بن مطيع أن اسكت وكف واخرج فإني كافيك فلما خرج إبراهيم لقيه نصيب فقال له أشرت إلي فكرهت أن أغضبك فما كرهت لي من مراجعته والصلابة له ومن ورائي المستعتب من أمير المؤمنين فقال إبراهيم هو رجل عربي حديد غلق وخشيت إن جاذبته شيئا ألا يرجع عنه وأن يمضي عليه ويلج فيه وهو مالك للأمر وله فيه سلطان فأردت أن تخرج قبل أن يلج ويظهر منه ما لا يرجع عنه فيمضى عليه ويلج فيه فتنتظر لتصادف منه طيب نفس فتكلمه ونرفدك عنده فقال نصيب ( يَوْمانِ يومٌ لِرُزَيْقٍ فَسْلُ ... ويومُه الآخرُ سَمْحٌ فَضْلُ ) أنا جعلت فداءك فاعل ذلك فإذا رأيت القول فأشر إلي حتى أكلمه قال ودخل إليه نصيب عشيات كل ذلك يشير إليه ابن مطيع ألا يكلمه حتى صادف عشية من العشيات منه طيب نفس فأشار إليه أن كلمه فكلمه نصيب فأصاب مختله بكلامه ثم قال إني قد قلت شعرا فاسمعه أيها الأمير وأجزه ثم قال ( أهاجَ البُكَا رَبْعٌ بأَسْفَلِ ذي السِّدْرِ ... عَفَاهُ اختِلافُ العَصْرِ بعدَك والقَطْرِ ) ( نَعمْ فَثَنانِي الوجدُ فاشتقتُ لِلّذي ... ذكرت وليس الشوقُ إلا معَ الذِّكرِ ) ( حَلفتُ بِربّ المُوضِعِين لِربِّهمْ ... وحُرمةِ ما بينَ المَقَامِ إلى الحِجْرِ ) ( لئن حاجتي يوماً قَضَيتَ ورِشْتَنِي ... بِنَفْحة عُرْف من يَديْكَ أبا بِشْرِ ) ( لَتَعْتَرِفَنَّ الدَّهرَ مِنِّي مودَّةً ... ونُصْحاً على نُصْح وشُكْراً على شُكرِ ) ( سَقَى اللهُ صَوْب المُزْنِ أَرضاً عَمَرْتَها ... بِرِيٍّ وأسْقَاها بِلادَ بنِي نَصْرِ ) ( بوجهِك فاستُعْمِلْتَ ما دُمْتَ خائفاً ... لِربِّك تَقْضِي رَاشِداً آخَر الدَّهْرِ ) ( لِتُنْقِذَ أصحابِي وتَستُرَ عَورةً ... بَدتْ لكَ من صَحْبِي فإنكَ ذو سَتْرِ ) ( فما بأمير المؤمنين إلى الّتي ... سَألتُ فأعطاني لقومِيَ من فَقْرِ ) ( وقد خرجتْ منهُ إليك فلا تكنْ ... بموضِع بَيْضَاتِ الأنُوقِ من الوَكْرِ ) قال فقال عثمان بن حيان المري وهو عنده وكان قد جاءه بالقود من ابن حزم قد احتلم الآن القوم أيها الأمير واستوجبوا الفرض ورفده ابن مطيع فأحسن واشتد عليه أن شركه ابن حيان في رفده وتشييعه وقال النصري لابن مطيع وابن حيان صدقتما ما قد احتلموا واستوجبوا الفرض افرض لهم يا فلان لكاتب من كتابه ففرض لهم حديث نصيب عن نفسه أنه عشق أمة لبني مدلج وشعره فيها أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني جعفر بن علي اليشكري قال حدثني الرياشي عن العتبي قال دخل نصيب على عبد العزيز بن مروان فقال له عبد العزيز وقد طال الحديث بينهما هل عشقت قط قال نعم أمة لبني مدلج قال فكنت تصنع ماذا قال كانوا يحرسونها مني فكنت أقنع أن أراها في الطريق وأشير إليها بعيني أو حاجبي وفيها أقول ( وقَفْتُ لها كَيْما تَمُرَّ لعلّنِي ... أُخالِسُها التّسليمَ إن لم تُسَلِّمِ ) ( ولمّا رأتنِي والوُشَاةَ تحدّرتْ ... مَدامعُها خَوفاً ولم تتكلَّمِ ) ( مَساكينُ أهلُ العِشق ما كُنتُ أشتَرِي ... جميعَ حَياةِ العاشقِين بِدِرْهَمِ ) فقال عبد العزيز ويحك فما فعلت قال بيعت فأولدها سيدها قال فهل في نفسك منها شيء قال نعم عقابيل أحزان عبد العزيز بن مروان يحمل دينا عن نصيب أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني بهلول بن سليمان بن قرضاب البلوي أن إبلا لنصيب أجدبت وحالت وكان لرجل من أسلم عليه ثمانية آلاف درهم قال فأخبرني أبي وعمي أنه وفد على عبد العزيز بن مروان فقال له جعلني الله فداءك إني حملت دينا في إبل ابتعتها مجدبات حيال وقد قلت فيها شعرا قال أنشده فأنشده ( فلمّا حَمَلْتُ الدَّيْنَ فيها وأصبحتْ ... حِيَالاً مُسُنَّاتِ الهوى كِدْتُ أندَمُ ) ( على حينِ أن رَاثَ الرَّبيعُ ولم يكن ... لها بصَعِيدٍ من تِهَامَةَ مَقْضَمُ ) ( ثمانيةٌ للأَسْلَميِّ وما دَنَا ... لفُحْشٍ ولا تدنو إلى الفُحْشِ أَسْلَمُ ) فقال له عبد العزيز فما دينك ويحك قال ثمانية آلاف فأمر له بثمانية آلاف درهم فلما رجع أنشد الأسلمي الشعر فترك ماله عليه وقال الثمانية الآلاف لك نصيب ونسوة كن يتناشدن الشعر في المسجد الحرام أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني الموصلي عن ابن أبي عبيدة قال أتى نصيب مكة فأتى المسجد الحرام ليلا فبينما هو كذلك إذ طلع ثلاث نسوة فجلسن قريبا منه وجعلن يتحدثن ويتذاكرن الشعر والشعراء وإذا هن من أفصح النساء وآدبهن فقالت إحداهن قاتل الله جميلا حيث يقول ( وبينَ الصَّفا والمَرْوتين ذكرتُكم ... بمخْتَلِفٍ ما بين سَاعٍ ومُوجِف ) ( وعند طَوَافِي قد ذكرتُكِ ذُكْرةً ... هي الموتُ بل كادتْ على الموتِ تَضْعُف ) فقالت الأخرى بل قاتل الله كثير عزة حيث يقول ( طلَعْنَ علينا بين مَرْوةَ والصَّفَا ... يَمُرْنَ على البَطْحَاءِ مَوْرَ السحائب ) ( فكِدْنَ لعَمْرُ الله يُحْدِثْنَ فتنةً ... لمُخْتَشِعٍ من خَشْيةِ الله تائِب ) فقالت الأخرى قاتل الله ابن الزانية نصيبا حيث يقول ( ألاَمُ على لَيْلَى ولو أستطيعُها ... وحُرْمةِ ما بين البَنِيَّةِ والسِّتْرِ ) ( لمِلْتُ على لَيْلَى بنفسيَ مَيْلةً ... ولو كان في يوم التَّحَالُق والنَّحْرِ ) فقام نصيب إليهن فسلم عليهن فرددن عليه السلام فقال لهن إني رأيتكن تتحادثن شيئا عندي منه علم فقلن ومن أنت فقال اسمعن أولا فقلن هات فأنشدهن قصيدته التي أولها ( ويومَ ذي سَلَمٍ شَاقَتْكَ نائحةٌ ... وَرْقَاءُ في فَنَنٍ والريحُ تضطربُ ) فقلن له نسألك بالله وبحق هذه البنية من أنت فقال أنا ابن المظلومة المقذوفة بغير جرم نصيب فقمن إليه فسلمن عليه ورحبن به واعتذرت إليه القائلة وقالت والله ما أردت سوءا وإنما حملني الاستحسان لقولك على ما سمعك فضحك وجلس إليهن فحادثهن إلى أن انصرفن أخبار ابن محرز ونسبه نسب ابن محرز هو مسلم بن محرز فيما روى ابن المكي ويكنى أبا الخطاب مولى بني عبد الدار بن قصي وقال ابن الكلبي اسمه سلم قال ويقال اسمه عبد الله وكان أبوه من سدنة الكعبة أصله من الفرس وكان أصفر أحنى طويلا أخذه عن الفرس والروم وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني أخي هارون عن عبد الملك ابن الماجشون قال اسم ابن محرز سلم وهو مولى بني مخزوم وذكر إسحاق أنه كان يسكن المدينة مرة ومكة مرة فإذا أتى المدينة أقام بها ثلاثة أشهر يتعلم الضرب من عزة الميلاء ثم يرجع إلى مكة فيقيم بها ثلاثة أشهر ثم شخص إلى فارس فتعلم ألحان الفرس وأخذ غناءهم ثم صار إلى الشام فتعلم ألحان الروم وأخذ غناءهم فأسقط من ذلك ما لا يستحسن من نغم الفريقين وأخذ محاسنها فمزج بعضها ببعض وألف منها الأغاني التي صنعها في أشعار العرب فأتى بما لم يسمع مثله وكان يقال له صناج العرب ابن محرز أول من غنى الرمل أخبرني عمي قال حدثني أبو أيوب المديني عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال قال أبي أول من غنى الرمل ابن محرز وما غني قبله فقلت له ولا بالفارسية قال ولا بالفارسية وأول من غنى رملا بالفارسية سلمك في أيام الرشيد استحسن لحنا من ألحان ابن محرز فنقل لحنه إلى الفارسية وغنى فيه بعده عن الناس وخمول ذكره إلا غناءه قال أبو أيوب وقال إسحاق كان ابن محرز قليل الملابسة للناس فأخمل ذلك ذكره فما يذكر منه إلا غناؤه وأخذت أكثر غنائه جارية كانت لصديق له من أهل مكة كانت تألفه فأخذه الناس عنها ومات بداء كان به وسقط إلى فارس فأخذ غناء الفرس وإلى الشام فأخذ غناء الروم فتخير من نغمهم ما تغنى به غناءه وكان يقدم بما يصيبه فيدفعه إلى صديقه ذاك فينفقه كيف شاء لا يسأله عن شيء منه حتى إذا كاد أن ينفد جهزه وأصلح من أمره وقال له إذا شئت فارحل فيرحل ثم يعود فلم يزل كذلك حتى مات قال وهو أول من غنى بزوج من الشعر وعمل ذلك بعده المغنون اقتداء به وكان يقول الأفراد لا تتم بها الألحان وذكر أنه أول ما أخذ الغناء أخذه عن ابن مسجح قال إسحاق وكانت العلة التي مات به الجذام فلم يعاشر الخلفاء ولا خالط الناس لأجل ذلك قال أبو أيوب قال إسحاق قدم ابن محرز يريد العراق فلما نزل القادسية لقيه حنين فقال له كم منتك نفسك من العراق قال ألف دينار قال فهذه خمسمائة دينار فخذها وانصرف واحلف ألا لا تعود أخبار في حسن غنائه وقال إسحاق وقلت ليونس من أحسن الناس غناء قال ابن محرز قلت وكيف قلت ذاك قال إن شئت فسرت وإن شئت أجملت قلت أجمل قال كأنه خلق من كل قلب فهو يغني لكل إنسان بما يشتهي وهذه الحكاية بعينها قد حكيت في ابن سريج ولا أدري أيهما الحق قال إسحاق وأخبرني الفضل بن يحيى بن خالد أنه سأل بعض من يبصر الغناء من أحسن الناس غناء فقال أمن الرجال أم من النساء فقلت من الرجال فقال ابن محرز فقلت فمن النساء فقال ابن سريج قال وكان إسحاق يقول الفحول ابن سريج ثم ابن محرز ثم معبد ثم الغريض ثم مالك أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على أبي حدثنا بعض أهل المدينة وأخبرني بهذا الخبر الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أخي هارون عن عبد الملك بن الماجشون قال كان ابن محرز أحسن الناس غناء فمر بهند بنت كنانة بن عبد الرحمن بن نضلة بن صفوان بن أمية بن محرث الكناني حليف قريش فسألته أن يجلس لها ولصواحب لها ففعل وقال أغنيكن صوتا أمرني الحارث بن خالد بن العاص ابن هشام أن أغنيه عائشة بنت طلحة بن عبيد الله في شعر له قاله فيها وهو يومئذ أمير مكة قلن نعم فعناهن صوت ( فَودِدْتُ إذ شَحَطُوا وشَطَّتْ دارُهُمْ ... وَعَدَتْهُمُ عَنَّا عَوَادٍ تَشْغَلُ ) ( أنّا نُطَاعُ وأن تُنَقَّلَ أرضُنا ... أو أنَّ أرضَهُم إلينا تُنْقَلُ ) ( لِتُردَّ مِنْ كَثَبٍ إليكِ رَسَائِلي ... بجَوابها ويعودَ ذاكَ المُرْسَلُ ) عروضه من الكامل الغناء في هذه الأبيات خفيف رمل مطلق في مجرى البنصر ذكر عمرو بن بانة أنه لابن محرز وذكر إسحاق أنه لابن سريج ابن محرز وحنين الحيري وقال أبو أيوب المديني في خبره بلغني أن ابن محرز لما شخص يريد العراق لقيه حنين فقال له غنني صوتا من غنائك فغناه صوت ( وحُسْنُ الزَّبَرْجَدِ في نَظْمِه ... على وَاضِح اللَّيتِ زانَ العُقُودَا ) ( يُفَصِّلُ ياقوتُه دُرَّه ... وكالجَمْرِ أبصرتَ فيه الفَرِيدَا ) عروضه من المتقارب الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن محرز ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر قال فقال له حنين حينئذ كم أملت من العراق قال ألف دينار فقال له هذه خمسمائة دينار فخذها وانصرف ولما شاع ما فعل لامه أصحابه عليه فقال والله لو دخل العراق لما كان لي معه فيه خبز آكله ولا طرحت وسقطت إلى آخر الدهر وهذا الصوت أعني ( وحسنُ الزبرجدِ في نظمه ... ) من صدور أغاني ابن محرز وأوائلها وما لا يتعلق بمذهبه فيه ولا يتشبه به أحد ومما يغنى فيه من قصيدة نصيب التي أولها ( أهاجَ هواكَ المنزلُ المتقادمُ ... ) صوت ( لقد رَاعَنِي لِلْبيْن نَوْحُ حمامةٍ ... على غُصْنِ بانٍ جاوَبَتْها حَمَائِمُ ) ( هَواتِفُ أمّا مَنْ بَكيْن فعهدُه ... قديمٌ وأمّا شَجْوُهنّ فدائمُ ) الغناء لابن سريج من رواية يونس وعمرو وابن المكي وهو ثاني ثقيل بالبنصر وهو من جيد الألحان وحسن الأغاني وهو مما عارض ابن سريج فيه ابن محرز وانتصف منه ذكر الأصوات التي رواها جحظة عن أصحابه وحكى أنها من الثلاثة المختارة صوت ( إلى جَيْدَاءَ قد بَعثُوا رسولاً ... ليَحْزُنَها فلا صُحِبَ الرَّسُولُ ) ( كأنّ العامَ ليس بعامِ حَجٍّ ... تغيَّرتِ المواسمُ والشُّكُولُ ) الشعر للعرجي والغناء لإبراهيم الموصلي ولحنه المختار ماخوري بالوسطى وهو من خفيف الثقيل الثاني على مذهب إسحاق وفيه لابن سريج ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر وذكر عمرو بن بانة أن الماخوري لابن سريج أخبار العرجي ونسبه نسب العرجي من قبل أبويه هو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس وقد شرح هذا النسب في نسب أبي قطيفة وأم عفان وجميع بني أبي العاصي آمنة بنت عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب وأم عثمان أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وأمها البيضاء أم حكيم بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وهي أخت عبد الله بن عبد المطلب أبي رسول الله لأمه وأبيه ولدا في بطن واحد وأم عمرو بن عثمان أم أبان بنت جندب الدوسية خبر أم أبان جدة أبيه عمر أخبرني الحرمي بن أبي العلاء والطوسي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني علي بن صالح عن يعقوب بن محمد عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال حدثني محرز بن جعفر عن أبيه عن جده قال قدم جندب بن عمرو بن حممة الدوسي المدينة مهاجرا في خلافة عمر بن الخطاب ثم مضى إلى الشأم وخلف ابنته أم أبان عند عمر وقال له يا أمير المؤمنين إن وجدت لها كفئا فزوجه بها ولو بشراك نعله وإلا فأمسكها حتى تلحقها بدار قومها بالسراة فكانت عند عمر واستشهد أبوها فكانت تدعو عمر أباها ويدعوها ابنته قال فإن عمر على المنبر يوما يكلم الناس في بعض الأمر إذ خطر على قلبه ذكرها فقال من له في الجميلة الحسيبة بنت جندب بن عمرو بن حممة وليعلم امرؤ من هو فقام عثمان فقال أنا يا أمير المؤمنين فقال أنت أنا لعمر الله كم سقت إليها قال كذا وكذا قال قد زوجتكها فعجله فإنها معدة قال ونزل عن المنبر فجاء عثمان رضي الله عنه بمهرها فأخذه عمر في ردنه فدخل به عليها فقال يا بنية مدي حجرك ففتحت حجرها فألقى فيه المال ثم قال يا بنية قولي اللهم بارك لي فيه فقالت اللهم بارك لي فيه وما هذا يا أبتاه قال مهرك فنفحت به وقالت واسوأتاه فقال احتبسي منه لنفسك ووسعي منه لأهلك وقال لحفصة يا بنتاه أصلحي من شأنها وغيري بدنها واصبغي ثوبها ففعلت ثم أرسل بها مع نسوة إلى عثمان فقال عمر لما فارقته إنها أمانة في عنقي أخشى أن تضيع بيني وبين عثمان فلحقهن فضرب على عثمان بابه ثم قال خذ أهلك بارك الله لك فيهم فدخلت على عثمان فأقام عندها مقاما طويلا لا يخرج إلى حاجة فدخل عليه سعيد بن العاص فقال له يا أبا عبد الله لقد أقمت عند هذه الدوسية مقاما ما كنت تقيمه عند النساء فقال أما إنه ما بقيت خصلة كنت أحب أن تكون في امرأة إلا صادفتها فيها ما خلا خصلة واحدة قال وما هي قال إني رجل قد دخلت في السن وحاجتي في النساء الولد وأحسبها حديثة لا ولد فيها اليوم قال فتبسمت فلما خرج سعيد من عنده قال لها عثمان ما أضحكك قالت قد سمعت قولك في الولد وإني لمن نسوة ما دخلت امرأة منهن على سيد قط فرأت حمراء حتى تلد سيد من هو منه قال فما رأت حمراء حتى ولدت عمرو بن عثمان وأم عمر بن عمرو بن عثمان أم ولد وأم العرجي آمنة بنت عمر بن عثمان وقال إسحاق بنت سعيد بن عثمان وهي لأم ولد سبب تلقبه بالعرجي ونحوه نحو عمر بن أبي ربيعة في شعره أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي أنه إنما لقب العرجي لأنه كان يسكن عرج الطائف وقيل بل سمي بذلك لماء كان له ومال عليه بالعرج وكان من شعراء قريش ومن شهر بالغزل منها ونحا نحو عمر بن أبي ربيعة في ذلك وتشبه به فأجاد وكان مشغوفا باللهو والصيد حريصا عليهما قليل المحاشاة لأحد فيهما ولم يكن له نباهة في أهله وكان أشقر أزرق جميل الوجه وجيداء التي شبب بها هي أم محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي وكان ينسب بها ليفضح ابنها لا لمحبة كانت بينهما فكان ذلك سبب حبس محمد إياه وضربه له حتى مات في السجن وأخبرني محمد بن مزيد إجازة عن حماد بن إسحاق فذكر أن حمادا حدثه عن إسحاق عن أبيه عن بعض شيوخه أن العرجي كان أزرق كوسجا ناتىء الحنجرة وكان صاحب غزل وفتوة وكان يسكن بمال له في الطائف يسمى العرج فقيل له العرجي ونسب إلى ماله وكان من الفرسان المعدودين مع مسلمة بن عبد الملك بأرض الروم وكان له معه بلاء حسن ونفقة كثيرة قال إسحاق قد ذكر عتبة بن إبراهيم اللهبي أن العرجي فيما بلغه باع أموالا عظاما كانت له وأطعم ثمنها في سبيل الله حتى نفد ذلك كله وكان قد اتخذ غلامين فإذا كان الليل نصب قدره وقام الغلامان يوقدان فإذا نام واحد قام الآخر فلا يزالان كذلك حتى يصبحا يقول لعل طارقا يطرق العرجي خليفة عمر بن أبي ربيعة أخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال حدثني مصعب وأخبرنا الحرمي عن الزبير عن عمه مصعب وعن محمد بن الضحاك بن عثمان عن أبيه قال دخل حديث بعضهم في بعض وأخبرني محمد بن مزيد عن حماد عن أبيه عن مصعب قال كانت حبشية من مولدات مكة ظريفة صارت إلى المدينة فلما أتاهم موت عمر بن أبي ربيعة اشتد جزعها وجعلت تبكي وتقول من لمكة وشعابها وأباطحها ونزهها ووصف نسائها وحسنهن وجمالهن ووصف ما فيها فقيل لها خفضي عليك فقد نشأ فتى من ولد عثمان رضي الله عنه يأخذ مأخذه ويسلك مسلكه فقالت أنشدوني من شعره فأنشدوها فمسحت عينها وضحكت وقالت الحمد لله الذي لم يضيع حرمه العرجي وكلابة مولاة عبد الله بن القاسم العبلي أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب وأخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن عورك اللهبي أن مولاة لثقيف يقال لها كلابة كانت عند عبد الله بن القاسم الأموي العبلي وكان يبلغها تشبيب العرجي بالنساء وذكره لهن في شعره وكانت كلابة تكثر أن تقول لشد ما اجترأ العرجي على نساء قريش حين يذكرهن في شعره ولعمري ما لقي أحدا فيه خير ولئن لقيته لأسودن وجهه فبلغه ذلك عنها قال إسحاق في خبره وكان العبلي نازلا على ماء لبني نصر بن معاوية يقال له الفتق على ثلاثة أميال من مكة على طريق من جاء من نجران أو تبالة إلى مكة والعرج أعلاها قليلا مما يلي الطائف فبلغ العرجي أنه خرج إلى مكة فأتى قصره فأطاف به فخرجت إليه كلابة وكان خلفها في أهله فصاحت به إليك ويلك وجعلت ترميه بالحجارة وتمنعه أن يدنو من القصر فاستسقاها ماء فأبت أن تسقيه وقالت لا يوجد والله أثرك عندي أبدا فيلصق بي منك شر فانصرف وقال ستعلمين وقال صوت ( حُورٌ بعَثْنَ رسولاً في مُلاَطَفَةٍ ... ثَقْفاً إ ذا غَفَل النَّسَّاءةُ الوَهِمُ ) ( إليَّ أنْ إيتِنَا هدأً إذا غَفَلتْ ... أحراسُنا وافتضحْنا إنْ همُ عَلِمُوا ) ( فجئتُ أمْشِي على هَوْلٍ أُجشمهُ ... تَجَشُّمُ المرءِ هولاً في الهوى كَرَمُ ) ( إذا تخوّفتُ من شيءٍ أقولُ له ... قد جفَّ فامْضِ بشيءٍ قُدّر القلَمُ ) ( أَمْشِي كما حَرّكتْ رِيحٌ يمَانِيَةٌ ... غُصْناً من البانِ رَطْباً طَلَّه الدِّيمُ ) ( في حُلَّةٍ من طِرازِ السُّوسِ مُشْرَبةٍ ... تَعْفُو بهُدّابِها ما أَثَّرتْ قَدَمُ ) ( خَلَّتْ سَبِيلِي كما خَلَّيْتُ ذا عُذُرٍ ... إذا رأته عِتَاقُ الخيلِ ينتحمُ ) ( وهُنّ في مجلسٍ خالٍ وليس له ... عينٌ عليهنّ أخْشَاهَا ولا نَدَمُ ) ( حتى جلستُ إزاءَ البابِ مكتتِماً ... وطالبُ الحاجِ تحت الليلِ مُكْتَتِمُ ) ( أَبْدَيْنَ لي أعيُناً نُجْلاً كما نَظَرتْ ... أُدْمٌ هِجَانٌ أتاها مُصْعَبٌ قَطِمُ ) ( قالتْ كُلاَبةُ من هذا فقلتُ لها ... أنا الذي أنتِ من أعدائه زَعَمُوا ) ( أنا امرؤٌ جدَّ بي حبٌّ فأحْرَضَنِي ... حتى بَلِيتُ وحتى شَفَّنِي السَّقَمُ ) ( لا تَكِليني إلى قومٍ لَو انَّهُم ... من بُغْضِنا أُطْعِمُوا لحمِي إذاً طَعِمُوا ) ( وأنْعِمي نِعْمةً تُجْزَيْ بأحسنِها ... فطالما مَسَّني من أهلِك النِّعمُ ) ( سَتْرُ المُحِبِّينَ في الدنيا لعَلّهُم ... أن يُحْدِثُوا توبةً فيها إذا أثمُوا ) ( هذِي يَمِيني رَهْنٌ بالوَفاء لكم ... فارْضَيْ بها ولأنْفِ الكاشح الرَّغَمُ ) ( قالت رَضِيتُ ولكن جئتَ في قمرٍ ... هَلاَّ تلبَّثْتَ حتى تدخُلَ الظُّلَمُ ) ( فبِتُّ أُسْقَى بأكْواسٍ أُعَلُّ بها ... من باردٍ طابَ منها الطَّعْمُ والنَّسَمُ ) ( حتَّى بدَا ساطعٌ للفجر نَحْسَبُه ... سَنَى حريقٍ بلَيْلٍ حين يَضْطَرمُ ) ( كَغُرَّة الفرسِ المَنْسُوبِ قد حُسِرَتْ ... عنه الجِلاَلُ تَلاَلاَ وهو يَلْتَجِمُ ) ( ودّعتهنّ ولا شيءٌ يُراجعني ... إلا البَنَانُ وإِلا الأعينُ السُّجُمُ ) ( إذا أَرَدْنَ كلامِي عندَه اعترضتْ ... من دُونِه عَبَراتٌ فانثَنَى الكَلِمُ ) ( تكاد إذ رُمْنَ نَهْضاً للقيام معي ... أعجازُهنّ من الأنْصافِ تنْقصمُ ) قال فسمع ابن القاسم العبلي بالشعر يغني به وكان العرجي قد أعطاه جماعة من المغنين وسألهم أن يغنوا فيه فصنعوا في أبيات منه عدة ألحان وقال والله لا أجد لهذه الأمة شيئا أبلغ من إيقاعها تحت التهمة عند ابن القاسم ليقطع مأكلتها من ماله قال فلما سمع العبلي بالشعر يغنى به أخرج كلابة واتهمها ثم أرسل بها بعد زمان على بعير بين غزارتي بعر فأحلفها بمكة بين الركن والمقام أن العرجي كذب فيما قاله فحلفت سبعين يمينا فرضي عنها وردها فكان بعد ذلك إذا سمع قول العرجي ( فطالما مَسَّني من أهلِك النِّعَمُ ... ) قال كذب والله ما مسه ذلك قط وقال إسحاق وقد قيل إن صاحب هذه القصيدة والقصة أبو حراب العبلي وأن كلابة كانت أمة لسعدة بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان وكان العرجي قد خطبها وسميت به ثم خطبها يزيد بن عبد الملك أو الوليد بن يزيد فزوجته فقال العرجي هذا الشعر فيها غنى في قوله ( أَمْشِي كما حَرَّكَتْ رِيحٌ يَمانية ... ) علي بن هشام هزجا مطلقا بالبنصر وفيه للمسدود هزج آخر طنبوري ذكر ذلك جحظة وفي ( لا تَكِليني إلى قومٍ لوَ انهُمُ ... ) رمل لابن سريج عن ابن المكِّي وإسحاق في السبابة في مجرى الوسطى وفي قالت كلابة والذي بعده لعبيد الله بن أبي غسان لحن من خفيف الرمل ولنبيه في أنا امرؤ جد بي وما بعده هزج بالوسطى ولدحمان في حور بعثن وما بعده هزج بالوسطى وروى عنه الهشامي فيه ثقيلا أول ولأبي عيسى بن المتوكل في وأنعمي نعمة وبيتين بعده ثقيل أول وأخبرني بخبر العرجي وكلابة هذه الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير بن بكار عن عمه مصعب وأخبرني به وكيع عن أبي أيوب المديني عن مصعب وذكر نحوا مما ذكره إسحاق وزعما أن كلابة كانت قيمة لأبي حراب العبلي وهو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس أيوب بن مسلمة وأشعب يتذكران شعرا للعرجي أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني مسلمة ابن إبراهيم بن هشام قال كنت عند أيوب بن مسلمة ومعنا أشعب فذكر قول العرجي ( أينَ ما قلتِ مُتُّ قبلَكَ أيَنَا ... أين تصديقُ ما وَعَدْتِ إلينا ) ( فلقد خِفْتُ منكِ أن تَصْرِمي الحَبْلَ ... وأن تَجمعي مع الصُّرْمِ بَيْنَا ) ( ما تقولين في فتىً هامَ إذ هامَ ... بمن لا يُنَالُ جهلاً وحَيْنَا ) ( فاجْعَلِي بيننا وبينك عَذْلاً ... لا تَحِيفي ولا يَحيفُ علينَا ) ( واعلَمي أنّ في القَضَاء شُهوداً ... أو يَميناً فأَحْضِرِي شاهِدَيْنا ) ( خُلّتي لو قَدرتُ منكِ على ما ... قُلْتِ لي في الخَلاَء حينَ التقَينا ) ( ما تَحرّجتُ من دَمِي عَلِمَ اللّهُ ... ولو كنتُ قد شهدتُ حُنَيْنا ) قال فقال أيوب لأشعب ما تظن أنها وعدته قال أخبرك يقينا لا ظنّاً أنها وعدته أن تأتيه في شعب من شعاب العرج يوم الجمعة إذا نزل الرجال إلى الطائف للصلاة فعرض لها عارض شغل فقطعها عن موعده قال فمن كان الشاهدان قال كسير وعوير وكل غير خير فند أبو زيد مولى عائشة بنت سعد وزور الفرق مولى الأنصار قال فمن العدل الحكم قال حصين بن غرير الحميري قال فما حكم به قال أدت إليه حقه وسقطت المؤنة عنه قال يا أشعب لقد أحكمت صناعتك قال سل علامة عن علمه شعره في عاتكة زوجة طريح بن إسماعيل الثقفي أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن عورك اللهبي قال قال العرجي في امرأة من بني حبيب بطن من بني نصر بن معاوية يقال لها عاتكة وكانت زوجة طريح بن إسماعيل الثقفي ( يا دارَ عاتِكةَ التي بالأزْهَرِ ... أو فَوْقَه بقَفَا الكَثِيب الأحْمَرِ ) ( لم ألقَ أهلك بعدَ عامَ لقِيتُهمْ ... يا ليتَ أنّ لِقاءهم لم يُقْدَرِ ) صوت ( بِفنَاء بيتك وابنُ مِشْعَبَ حاضرٌ ... في سامِرٍ عَطِرٍ وليلٍ مُقْمِرِ ) ( مَستشعرِينَ مَلاَحفاً هَرَويّةً ... بالزَّعْفَران صِبَاغُها والعُصْفُرِ ) ( فتَلاَزَما عندَ الفراقِ صَبَابةً ... أخْذَ الغَريم بفَضْل ثَوبِ المُعْسِرِ ) الأزهر على ثلاثة أميال من الطائف وابن مشعب الذي عناه مغن من أهل مكة كان في زمن ابن سريج والغناء في هذه الأبيات له رمل بالوسطى قال إسحاق كان ابن مشعب من أحسن الناس وجها وغناء ومات في تلك الأيام فأدخل الناس غناءه في غناء ابن سريج والغريض قال وهذا الصوت ينسبه من لا يعلم إلى ابن محرز يعني ( بِفناءِ بيتك وابن مشعب حاضرٌ ... ) قال وهو الذي غنى ( أَقْفَر ممّن يَحُلُّه السَّنَدُ ... فالمُنحَنَى فالعَقِيقُ فالجُمُدُ ) ( وَيْحي غداً إنْ غَدَا عليّ بمَا ... أحذَرُ من فُرقة الحَبيب غَدُ ) والناس ينسبونه إلى ابن سريج العرجي يواقع امرأة في عرج الطائف أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثنا محمد بن ثابت بن إبراهيم الأنصاري قال حدثني ابن مخارق قال واعد العرجي هوى له شعبا من شعاب عرج الطائف إذا نزل رجالها يوم الجمعة إلى مسجد الطائف فجاءت على أتان لها معها جارية لها وجاء العرجي على حمار معه غلام له فواقع المرأة وواقع الغلام الجارية ونزا الحمار على الأتان فقال العرجي هذا يوم قد غاب عذاله أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا النضر بن عمرو عن ابن داحة قال كان العرجي يستقي على إبله في شملتين ثم يغتسل ويلبس حلتين بخمسمائة دينار ثم يقول ( يَوماً لأصْحابي ويوماً للمالْ ... مِدرَعةٌ يوماً ويوماً سِرْبالْ ) أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن بعض رجاله أن العرجي كان غازيا فأصابت الناس مجاعة فقال للتجار أعطوا الناس وعلي ما تعطون فلم يزل يعطيهم ويطعم الناس حتى أخصبوا فبلغ ذلك عشرين ألف دينار فألزمها العرجي نفسه وبلغ الخبر عمر بن عبد العزيز فقال بيت المال أحق بهذا فقضى التجار ذلك المال من بيت المال العرجي وأم الأوقص أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن عمه وأخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الزبيري وغيره أن العرجي خرج إلى جنبات الطائف متنزها فمر ببطن النقيع فنظر إلى أم الأوقص وهو محمد بن عبد الرحمن المخزومي القاضي وكان يتعرض لها فإذا رآها رمت بنفسها وتسترت منه وهي امرأة من بني تميم فبصر بها في نسوة جالسة وهن يتحدثن فعرفها وأحب أن يتأملها من قرب فعدل عنها ولقي أعرابيا من بني نصر على بكر له ومعه وطبا لبن فدفع إليه دابته وثيابه وأخذ قعوده ولبنه ولبس ثيابه ثم أقبل على النسوة فصحن به يا أعرابي أمعك لبن قال نعم ومال إليهن وجلس يتأمل أم الأوقص وتواثب من معها إلى الوطبين وجعل العرجي يلحظها وينظر أحيانا إلى الأرض كأنه يطلب شيئا وهن يشربن من اللبن فقالت له امرأة منهن أي شيء تطلب يا أعرابي في الأرض أضاع منك شيء قال نعم قلبي فلما سمعت التميمية كلامه نظرت إليه وكان أزرق فعرفته فقالت العرجي بن عمر ورب الكعبة ووثبت وسترها نساؤها وقلن انصرف عنا لا حاجة بنا إلى لبنك فمضى منصرفا وقال في ذلك ( أقول لصاحبَيَّ ومثلُ ما بي ... شكاهُ المرءُ ذو الوَجْدِ الألِيم ) ( إلى الأخَوَيْنِ مثلِهما إذا ما ... تأوّبه مُؤرِّقةُ الهمومِ ) ( لِحَيني والبلاءِ لقيتُ ظُهْراً ... بأعلَى النَّقْع أُختَ بني تمِيم ) ( فلمّا أن رأتْ عينايَ منها ... أسِيلَ الخَدّ في خَلْقٍ عَمِيم ) ( وعَيْنَيْ جُؤذَرٍ خَرقٍ وثَغْراً ... كلَونِ الأُقْحُوانِ وجيدَ رِيم ) ( حَنَا أترابُها دُوني عليها ... حُنوّ العائداتِ على السَّقيمِ ) قال إسحاق في خبره فقال رجل من بني جمح يقال له ابن عامر للأوقص وقضى عليه بقضية فتظلم منه والله لو كنت أنا عبد الله بن عمر العرجي لكنت قد أسرفت علي فضربه الأوقص سبعين سوطاً أبو السائب المخزومي وشعر العرجي أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب بن عبد الله عن أبيه قال أتاني أبو السائب المخزومي ليلة بعد ما رقد السامر فأشرفت عليه فقال سهرت وذكرت أخا لي أستمتع به فلم أجد سواك فلو مضينا إلى العقيق فتناشدنا وتحدثنا فمضينا فأنشدته في بعض ذلك بيتين للعرجي ( باتَا بأنعَم ليلةٍ حتّى بدا ... صُبْحٌ تَلوّح كالأغَرّ الأشقَرِ ) ( فتَلازَما عندَ الفِراق صبابةً ... أخْذَ الغَرِيم بفَضل ثوب المعُسِرِ ) فقال أعده علي فأعدته فقال أحسن والله امرأته طالق إن نطق بحرف غيره حتى يرجع إلى بيته قال فلقينا عبد الله بن حسن بن حسن فلما صرنا إليه وقف بنا وهو منصرف من ماله يريد المدينة فسلم ثم قال كيف أنت يا أبا السائب فقال ( فتلازما عند الفِراق صبابةً ... أخْذَ الغريم بفَضل ثوب المعسر ) فالتفت إلي فقال متى أنكرت صاحبك فقلت منذ الليلة فقال إنا لله وأي كهل أصيبت منه قريش ثم مضينا فلقينا محمد بن عمران التيمي قاضي المدينة يريد مالا له على بغلة له ومعه غلام على عنقه مخلاة فيها قيد البغلة فسلم ثم قال كيف أنت يا أبا السائب فقال ( فتلازما عندَ الفِراق صبابةً ... أخْذَ الغريمِ بفَضل ثوبِ المُعسر ) فالتفت إلي فقال متى أنكرت صاحبك قلت آنفا فلما أراد المضي قلت أفتدعه هكذا والله ما آمن أن يتهور في بعض آبار العقيق قال صدقت يا غلام قال قيد البغلة فأخذ القيد فوضعه في رجله وهو ينشد البيت ويشير بيده إليه يري أنه يفهم عنه قصته ثم نزل الشيخ وقال لغلامه يا غلام احمله على بغلتي وألحقه بأهله فلما كان بحيث علمت أنه قد فاته أخبرته بخبره فقال قبحك الله ماجنا فضحت شيخا من قريش وغررتني ابن أبي عتيق وشعر العرجي أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عروة بن عبد الله بن عروة بن الزبير عن عروة بن أذينة قال أنشد ابن جندب الهذلي ابن أبي عتيق قول العرجي ( وما أنْسَ مِ الأشياءِ لا انْسَ قولَها ... لخادمها قُومي اسْألي لي عن الوِتْرِ ) ( فقالت يقول الناسُ في سِتَّ عَشْرةً ... فلا تعجَلي منهُ فإنّكِ في أجْرِ ) ( فمَا ليلةٌ عندي وإن قيل جمعةٌ ... ولا ليلةُ الأضْحَى ولا ليلةُ الفِطْرِ ) ( بعادلةِ الاثنينِ عندي وبِالحَرَى ... يكونُ سواءً منهما ليلةُ القَدْرِ ) فقال ابن أبي عتيق أشهدكم أنها حرة من مالي إن أجاز ذلك أهلها هذه والله أفقه من ابن شهاب شعر العرجي في زوجته أم عثمان أخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال تزوج العرجي أم عثمان بنت بكير بن عمرو بن عثمان بن عفان وأمها سكينة بنت مصعب بن الزبير فقال فيها ( إنّ عثمانَ والزُّبَيْرَ أحلاَّ ... دَارها باليَفاعِ إذ ولَداها ) ( إنَّها بنتُ كلِّ أَبْيضَ قَرْمٍ ... نال في المجد من قُصَيٍّ ذُرَاها ) ( سَكَنَ الناسُ بالظَّواهِر منها ... وتَبَوَّا لنفسِه بَطْحَاها ) قال إسحاق ولما تزوج الرشيد زوجته العثمانية أعجب بها فكان كثيرا ما يتمثل بهذه الأبيات العرجي وأبو عدي العبلي أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثت أن أبا عدي العبلي خرج يريد واديا نحو الطائف يقال له جلدان فمر بعبد الله بن عمر العرجي وهو نازل هناك بواد يقال له العرج فأرسل إليه غلاماً له فأعلمه بمكانه فأتاه الغلام فقال له هذا أبو عدي فأمر أن ينزله في مسجد الخيف فأنزله وأبطأ عليه في الخروج فقال للغلام ويحك ما يحبس مولاك قال عنده ابن وردان مولى معاوية وهما يأكلان القسب والجلجلان ثم بعث إليه بخبز ولبن وبعث لرواحله بحمض وقدم إلى رواحل ابن وردان القت والشعير فكتب إليه أبو عدي ( أبا عُمَرٍ لمْ تُنْزِل الركبَ إذ أتَوْا ... منازلَهم والرَّكْبُ يَحْفُونَ بالرَّكْب ) ( رفعتَ لِئَامَ الناسِ فوق كِرَامهمْ ... وآثَرْتَهُمْ بالجلجُلانِ وبالقَسْبِ ) ( فأمّا بَعِيرانَا فبالحمْض غُذِّيَا ... وأُوثِرَ عَبَّادُ بنُ وَرْدَان بالقَضْبِ ) فكتب إليه العرجي ( أتانا فلم نَشْعُرْ به غيرَ أنّه ... له لِحيَةٌ طالتْ على حَمِقِ القلَبِ ) ( كَرايةِ بَيْطارٍ بأعْلَى حديدةٍ ... إذا نُصِبتْ لم تَكْسِبِ الحمدَ بالنَّصْبِ ) ( أتانا على سَغْبٍ يُعَرِّض بالقِرَى ... وهل فوق قُرْصٍ مِن قِرَى صَاحبِ السَّغْبِ ) قال فارتحل أبو عدي مغضبا وقال مزحت معه فهجاني وأنشأ يقول في العرجي ( سَرتْ ناقَتِي حتَّى إذا مَلّتِ السُّرَى ... وعارَضها عَرْجُ الجبَانة والخِصْبِ ) ( طَوَاها الكَرى بعدَ السُّرَى بمُعَرَّسٍ ... جَديبٍ وشيخٍ بئس مُسْتَعْرِضُ الرَّكْبِ ) ( وهمَّتْ بتعريسٍ فحلَّتْ قُيُودَها ... إلى رجلٍ بالعَرْج ألأمَ من كَلْبِ ) ( تَمَطَّى قليلاً ثم جاء بصَرْبةٍ ... وقُرْصِ شعيرٍ مثلِ كِرْكِرةِ السَّقْبِ ) ( فقلتُ له أُرْدُدْ قِرَاكَ مُذَمَّمًا ... فلستُ إليه بالفَقِيرِ ولا صَحْبِي ) ( جَزَى اللهُ خيراً خيرَنا عند بيتِه ... وأنْحَرَنا للكُومِ في اليومِ ذي السَّغْبِ ) ( لقد عَلِمَتْ فِهْرٌ بأنّك شرُّها ... وآكَلُ فهرٍ للخبيثِ من الكَسْبِ ) ( وتلبَس للجاراتِ إتْباً ومِئْزَراً ... ومِرْطاً فبئس الشيخُ يَرْفُل في الإِتب ) ( يُدَخِّنَّ بالعُود اليَلَنْجُوجِ مرّةً ... وبِالضرْوِ والسَّوْداءِ والمائع الرَّطْبِ ) ( فإنْ قلتَ عثمانُ بنُ عَفَّان والدي ... فقد كان عثمانٌ بريئاً من الوِشْبِ ) ( وقِدْماً يَجيءُ الحيُّ بالنَّسْل مَيّتاً ... ويأتي كريمُ الناسِ بالوَكَلِ الثِّلْبِ ) ( له لِحْيَةٌ قد مُزِّقَتْ فكأنّها ... مِقَمَّةُ حَشَّاشٍ مُحَالِفَهُ العُشْب ) فلما بلغ ذلك العرجي أتى عمه علي بن عبد الله بن علي العبلي فشق قميصه بين يديه وشكاه إليه فبعث إلى أبي عدي فنهاه عنه وقال لئن عدت لا كلمتك أبدا فكف عنه كان العرجي من أفرس الناس وأرماهم أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن سليمان بن عثمان بن يسار رجل من أهل مكة وكان هيبا أديبا قال كان للعرجي حائط يقال له العرج في وسط بلاد بني نصر بن معاوية فكانت إبلهم وغنمهم تدخل فيه فيعقر كل ما دخل منها فكانت تضر به ويضر بأهلها ويشكونه ويشكوهم وكان من أفرس الناس وأرماهم وأبراهم لسهم فكان ربما برى مائة سهم من الرمان ثم يقول والله لا أنقلب حتى أقتل بها مائة خلفة من إبل بني نصر فيفعل ذلك حبس العرجي قال إسحاق فحدثني ابن غرير قال لما حبس العرجي وضرب وأقيم على البلس قال ( مَعِي ابنُ غُرَيْرٍ واقِفاً في عَبَاءةٍ ... لعَمْرِي لقدْ قَرّتْ عُيُونُ بني نَصْرِ ) فقال فتى من بني نصر يجيبه وكان حاضرا لضربه وإقامته ( أجَلْ قد أقَرّ اللهُ فيك عُيُونَنا ... فبِئسَ الفتَى والجارُ في سالفِ الدّهْرِ ) وقال إسحاق في خبره قال رجل للعرجي جئتك أخطب إليك مودتك قال بل خذها زنا فإنها أحلى وألذ امرأة تمثلت بشعر العرجي وقد ليمت على رفثها في الحج أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا إسماعيل بن مجمع عن المدائني عن عبد الله بن سلم قال قال عبد الله بن عمر العمري خرجت حاجاً فرأيت امرأة جميلة تتكلم بكلام أرفثت فيه فأدنيت ناقتي منها ثم قلت لها يا أمة الله ألست حاجة أما تخافين الله فسفرت عن وجه يبهر الشمس حسنا ثم قالت تأمل يا عم فإنني ممن عنى العرجي بقوله صوت ( أماطَتْ كِسَاءَ الخَزِّ عن حُرّ وجْهِها ... وأدْنَتْ على الخَدَّيْن بُرْداً مُهَلْهَلاَ ) ( مِن اللاءِ لم يَحْجُجْنَ يَبْغِينَ حِسْبةً ... ولكِنْ لِيقتُلْنَ البَرِيءَ المُغَفَّلاَ ) قال فقلت لها فإني أسأل الله ألا يعذب هذا الوجه بالنار قال وبلغ ذلك سعيد بن المسيب فقال أما والله لو كان من بعض بغضاء العراق لقال لها أعزبي قبحك الله ولكنه ظرف عباد أهل الحجاز وقد رويت هذه الحكاية عن أبي حازم الأعرج وهو سلمة بن دينار وقد روى أبو حازم عن أبي هريرة وسهل بن سعد وغيرهما وروى عنه مالك وابن أبي أيوب والحكاية عنه في هذا أصح منها عن عبد الله العمري حدثنا بهذا وكيع والغناء في هذه الأبيات لعرار المكي ثاني ثقيل وفيه خفيف ثقيل لمعبد وفيها لعبد الله بن العباس الربيعي ثقيل أول ويقال إن خفيف الثقيل لابن سريج ويقال للغريض غناء عبد الله بن العباس الربيعي في شعر العرجي أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أبو توبة قال قال عبد الله بن العباس دعاني المتوكل فلما جلست مجلس المنادمة قال لي يا عبد الله تغن فغنيته في شعر مدحته به فقال أين هذا من غنائك في ( أماطَتْ كِسَاءَ الخَزِّ عن حُرِّ وجهِها ... ) ومن صنعتك في ( أقْفَر ممَّنْ يَحُلُّه سَرِفُ ... ) فقلت يا أمير المؤمنين إن صنعتي حينئذ كانت وأنا شاب عاشق فإن استطعت رد شبابي وعشقي صنعت مثل تلك الصنعة فقال هيهات وقد لعمري صدقت ووصلني والأبيات التي فيها الغناء المذكور من شعر العرجي يقوله في جيداء أم محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي وكان يهجوه ويشبب بأمه وبامرأته وكان محمد تياها شديد الكبر جبارا فلم يزل يتطلب عليه العلل حتى حبسه وقيده بعد أن ضربه بالسوط وأقامه على البلس للناس واختلف الرواة في السبب الذي اعتل به عليه وقد ذكرت ذلك في رواياتهم هجاء العرجي محمد بن هشام المخزومي وتشبيبه بأمه أخبرني بخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة وأخبرنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب ومحمد بن الضحاك الحزامي عن الضحاك بن عثمان وذكره حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب بن عباية ونسخته أيضا من رواية محمد بن حبيب قالوا كان محمد بن هشام خال هشام بن عبد الملك فلما ولي الخلافة ولاه مكة وكتب إليه أن يحج بالناس فهجاه العرجي بأشعار كثيرة منها قوله فيه ( كأنّ العامَ ليس بعامِ حَجٍّ ... تَغيَّرتِ المواسمُ والشُّكُولُ ) ( إلى جَيْدَاء قد بعثوا رسولاً ... ليُخْبِرَها فلا صُحِبَ الرّسولُ ) ويروى ليحزنها وهكذا يغنى ومنها قوله ( ألاَ قُلْ لِمنْ أِمْسَى بمكة قاطناً ... ومن جاء من عَمْقٍ ونَقْب المُشَلَّلِ ) ( دَعُوا الحَجَّ لا تَسْتَهْلِكُوا نفقاتِكم ... فما حَجُّ هذا العامِ بالمُتقَبَّلِ ) ( وكيف يُزَكَّى حَجُّ مَنْ لم يكنْ له ... إمامٌ لدى تجْمِيره غيرُ دُلْدُلِ ) ( يَظلُّ يُرائِي بالصِّيام نَهَارَه ... ويَلبَسُ في الظَّلماءِ سِمْطَيْ قرنْفُلِ ) فلم يزل محمد يطلب عليه العلل حتى وجدها فحبسه قال الزبير في خبره عن عمه ومحمد بن الضحاك وقال إسحاق في خبره عن أيوب بن عباية كان العرجي يشبب بأم محمد بن هشام وهي من بني الحارث بن كعب ويقال لها جيداء صوت ( عُوجِي علينا رَبَّةَ الهَوْدَجِ ... إنَّكِ إن لا تفْعَلِي تحْرِجِي ) ( إنّي أُتيحتْ لي يمانيةٌ ... إحْدى بني الحارث من مَذْحِج ) ( نَلْبَثُ حولاً كاملاً كلَّه ... ما نلتقي إلا على مَنْهَجِ ) ( في الحَجِّ إن حَجَّتْ وماذا منىً ... وأهلهُ إن هي لم تُحْجُجِ ) ( أيسرُ ما نال مُحِبٌّ لدَى ... بَيْنِ حَبيبٍ قولُه عَرِّجِ ) ( نَقْض إليكم حاجةً أو نَقُلْ ... هل لي ممَّا بِيَ من مَخْرِجِ ) تعليق عطاء بن أبي رباح على هذا الشعر قال إسحاق في خبره فحدثني حمزة بن عتبة اللهبي قال أنشد عطاء بن أبي رباح قول العرجي ( في الحَجِّ إن حَجّتْ وماذا مِنىً ... وأهلُه إنْ هي لم تَحْجُجِ ) فقال الخير والله كله بمنى وأهله حجت أو لم تحج قال ولقي ابن سريج عطاء وهو راكب بمنى على بغلته فقال له سألتك بالله إلا وقفت لي حتى أسمعك شيئا قال ويحك دعني فإني عجل قال امرأته طالق لئن لم تقف مختارا للوقوف لأمسكن بلجام بغلتك ثم لا أفارقها ولو قطعت يدي حتى أغنيك وأرفع صوتي لا أسره قال هات وعجل فغناه ( في الحجِّ إن حَجَّتْ وماذا مِنىً ... وأهلُه إن هي لم تَحْجُجِ ) فقال الخير كله والله بمنى لا سيما وقد غيبها الله عن مشاعره خل سبيل البغلة أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثني حمزة بن عتبة اللهبي عن عبد الوهاب بن مجاهد أو غيره قال كنت مع عطاء بن أبي رباح فجاءه رجل فأنشده قول العرجي ( إنِّي أتِيحتْ لي يمانِيَةٌ ... إحدى بني الحارثِ من مَذْحج ) ( نلبَث حولاً كاملاً كلَّه ... لا نلتقي إلا على مَنْهَجِ ) ( في الحجِّ إن حجَّتْ وماذا مِنىً ... وأهلُه إنْ هي لم تَحْجُجِ ) فقال عطاء خير كثير بمنى إذ غيبها الله عن مشاعره تشبيبه بزوجة محمد بن هشام قال وقال في زوجته جبرة المخزومية يعني زوجة محمد بن هشام صوت ( عُوجي عليّ فسلِّمي جَبْرُ ... فِيمَ الصدودُ وأنتمُ سَفْرُ ) ( ما نلْتَقِي إلا ثلاثَ مِنىً ... حتى يُفرِّقَ بينَنا النَّفْرُ ) ( الحولُ بعد الحول يَتْبَعُه ... ما الدهرُ إلا الحولُ والشهرُ ) قال حماد بن إسحاق في خبره حدثني ابن أبي الحويرث الثقفي عن ابن عم لعمارة بن حمزة قال حدثنا سليمان الخشاب عن داود المكي قال كنا في حلقة ابن جريج وهو يحدثنا وعنده جماعة فيهم عبد الله بن المبارك وعدة من العراقيين إذ مر به ابن تيزن المغني وقد ائتزر بمئزر على صدره وهي إزرة الشطار عندنا فدعاه ابن جريج فقال له أحب أن تسمعني قال إني مستعجل فألح عليه فقال امرأته طالق إن غناك أكثر من ثلاثة أصوات فقال له ويحك ما أعجلك إلى اليمين غنني الصوت الذي غناه ابن سريج في اليوم الثاني من أيام منى على جمرة العقبة فقطع طريق الذاهب والجائي حتى تكسرت المحامل فغناه ( عُوجِي عليّ فسلِّمي جَبْرُ ... ) فقال له ابن جريج أحسنت والله ثلاث مرات ويحك أعده قال من الثلاثة فإني قد حلفت قال أعده فأعاده فقال أحسنت فأعده من الثلاثة فأعاده وقام ومضى وقال لولا مكان هؤلاء الثقلاء عندك لأطلت معك حتى تقضي وطرك فالتفت ابن جريج إلى أصحابه فقال لعلكم أنكرتم ما فعلت فقالوا إنا لننكره عندنا بالعراق ونكرهه قال فما تقولون في الرجز يعني الحداء قالوا لا بأس به عندنا قال فما الفرق بينه وبين الغناء حقد محمد بن هشام على العرجي وحبسه حتى مات قال إسحاق في خبره بلغني أن محمد بن هشام كان يقول لأمه جيداء بنت عفيف أنت غضضت مني بأنك أمي وأهلكتني وقتلتني فتقول له ويحك وكيف ذاك قال لو كانت أمي من قريش ما ولي الخلافة غيري قالوا فلم يزل محمد بن هشام مضطغنا على العرجي من هذه الأشعار التي يقولها فيه ومتطلبا سبيلا عليه حتى وجده فيه فأخذه وقيده وضربه وأقامه للناس ثم حبسه وأقسم لا يخرج من الحبس ما دام لي سلطان فمكث في حبسه نحوا من تسع سنين حتى مات فيه روايات أخرى في سبب الخصومة بين محمد بن هشام والعرجي وذكر إسحاق في خبره عن أيوب بن عباية ووافقه عمر بن شبة ومحمد بن حبيب أن السبب في ذلك أن العرجي لاحى مولى كان لأبيه فأمضه العرجي فأجابه المولى بمثل ما قاله له فأمهله حتى إذا كان الليل أتاه مع جماعة من مواليه وعبيده فهجم عليه في منزله وأخذه وأوثقه كتافا ثم أمر عبيده أن ينكحوا امرأته بين يديه ففعلوا ثم قتله وأحرقه بالنار فاستعدت امرأته على العرجي محمد بن هشام فحبسه وذكر الزبير في خبره عن الضحاك بن عثمان أن العرجي كان وكل بحرمه مولى له يقوم بأمورهن فبلغه أنه يخالف إليهن فلم يزل يرصده حتى وجده يحدث بعضهن فقتله وأحرقه بالنار فاستعدت عليه امرأة المولى محمد بن هشام المخزومي وكان والياً على مكة في خلافة هشام وكان العرجي قد هجاه قبل ذلك هجاء كثيرا لما ولاه هشام الحج فأحفظه فلما وجد عليه سبيلا ضربه وأقامه على البُلُسِ للناس وسجنه حتى مات في سجنه وذكر الزبير أيضا في خبره عن عمه وغيره أن أشعب كان حاضرا للعرجي وهو يشتم مولاه هذا وأنه طال شتمه إياه فلما أكثر رد المولى عليه فاختلط من ذلك فقال لأشعب اشهد على ما سمعت قال أشعب وعلام أشهد قد شتمته ألفا وشتمك واحدة والله لو أن أمك أم الكتاب وأمه حمالة الحطب ما زاد على هذا شعر للعرجي قاله في تعذيب محمد بن هشام له قال الزبير وحدثني حمزة بن عتبة اللهبي قال لما أخذ محمد بن هشام المخزومي العرجي أخذه وأخذ معه الحصين بن غرير الحميري فجلدهما وصب على رؤوسهما الزيت وأقامهما في الشمس على البُلُسِ في الحناطين بمكة فجعل العرجي ينشد ( سينصُرني الخليفةُ بعد رَبِّي ... ويغضَب حين يُخْبَر عن مَسَاقِي ) ( عليَّ عَبَاءةٌ بَلْقَاءُ ليستْ ... مع البَلْوَى تُغَيِّب نِصْفَ سَاقِي ) ( وتغضَب لي بأجْمَعها قُصَيٌّ ... قَطِينُ البيتِ والدُّمْثِ الرِّقَاق ) ثم يصيح يا غرير أجياد يا غرير أجياد فيقول له الحميري المجلود معه ألا تدعنا ألا ترى ما نحن فيه من البلاء يعني بقوله يا غرير الحصين بن غرير الحميري المجلود معه وكان صديقا للعرجي وخليطا وذكر إسحاق تمام هذه الأبيات وأولها ( وكَمْ مِنْ كَاعِبٍ حَوْرَاء بِكْرٍ ... أَلُوف السِّتْرِ واضحةِ التَّراقِي ) ( بَكَتْ جَزَعاً وقد سُمِرَتْ كُبُولٌ ... وجامِعَةٌ يُشَدُّ بها خِنَاقِي ) ( على دَهْمَاءَ مُشْرِفَةٍ سَمُوقٍ ... ثَناها القَمْحُ مُزْلَقَةِ التَّرَاقي ) ( عليَّ عَبَاءةٌ بَلْقَاءُ ليستْ ... مع البَلْوَى تُغَيِّب نصفَ سَاقِي ) ( كأنّ على الخدُود وهُنّ شُعْثٌ ... سِجَالَ الماءِ يُبْعَث في السَّوَاقِي ) ( فقلتُ تجلُّداً وحَلفتُ صبراً ... أبَالي اليومَ ما دَفعتْ مآقِي ) ( سَيَنْصُرنِي الخليفةَ بعد ربِّي ... ويغضَب حين يُخْبَر عن مَسَاقي ) ( وتغضَب لي بأَجْمَعِها قُصَيٌّ ... قَطِينُ البيت والدُّمْثِ الرِّقَاق ) ( بِمُجْتَمَع السُّيُول إذا تَنَحَّى ... لِئَامُ الناسِ في الشُّعَبِ العِمَاقِ ) قال فكان إذا أنشد هذا البيت التفت إلى ابن غرير فصاح به يا غرير أجياد يا غرير أجياد يعني بني مخزوم وكانت منازلهم في أجياد فعيرهم بأنهم ليسوا من أهل الأبطح وقال الزبير في خبره ووافقه إسحاق فذكر أن رجلا مر بالعرجي وهو واقف على البلس ومعه ابن غرير وقد جلدا وحلقا وصب الزيت على رؤوسهما وألبسا عباءتين واجتمع الناس ينظرون إليهما قال وكان الرجل صديقا للعرجي وكان فأفاء فوقف عليه فأراد أن يتوجع لما ناله ويدعو له فلجلج لما كان في لسانه كما يفعل الفأفاء فقال له ابن غرير عني لا خرجت من فيك أبدا فقال له الرجل فمكانك إذا لا برحت منه أبدا قال ومر به صبيان يلقطون النوى فوقفوا ينظرون إليه فالتفت إلى ابن غرير وقال له ما أعرف في الدنيا سخلين أشأم مني ومنك إن هؤلاء الصبيان لأهلهم عليهم في كل يوم على كل واحد منهم مد نوى فقد تركوا لقطهم للنوى وقد وقفوا ينظرون إلي وإليك وينصرفون بغير شيء فيضربون فيكون شؤمنا قد لحقهم قال وقال العرجي في حبسه صوت ( أَضَاعُونِي وأيَّ فتىً أَضَاعُوا ... ليومٍ كَرِيهةٍ وسِدَادِ ثَغْرِ ) ( وصبرٍ عند مُعْتَرَكِ المَنَايَا ... وقد شُرِعَتْ أسِنَّتُها بنَحْرِي ) ( أُجَرَّرُ في الجَوَامِع كلَّ يومٍ ... فيَا للهِ مَظْلِمتي وصَبْرِي ) ( كأنِّي لم أكُنْ فيهم وَسِيطاً ... ولم تَكُ نِسْبتي في آلِ عَمْرِو ) أبو حنيفة وجار له كان يغني بشعر العرجي أخبرني محمد بن زكريا الصحاف قال حدثنا قعنب بن المحرز الباهلي عن الأصمعي قال كان لأبي حنيفة جار بالكوفة يغني فكان إذا انصرف وقد سكر يغني في غرفته ويسمع أبو حنيفة غناءه فيعجبه وكان كثيرا ما يغني ( أَضَاعُونِي وأيَّ فتًى أضاعُوا ... ليومِ كَرِيهةٍ وسِدَادِ ثَغْرِ ) فلقيه العسس ليلة فأخذوه وحبس ففقد أبو حنيفة صوته تلك الليلة فسأل عنه من عد فأخبر فدعا بسواده وطويلته فلبسهما وركب إلى عيسى بن موسى فقال له إن لي جارا أخذه عسسك البارحة فحبس وما علمت منه إلا خيرا فقال عيسى سلموا إلى أبي حنيفة كل ما أخذه العسس البارحة فأطلقوا جميعا فلما خرج الفتى دعا به أبو حنيفة وقال له سرا ألست كنت تغني يا فتى كل ليلة ( أضَاعُونِي وأيَّ فَتًى أَضَاعُوا ... ) فهل أضعناك قال لا والله أيها القاضي ولكن أحسنت وتكرمت أحسن الله جزاءك قال فعد إلى ما كنت تغنيه فإني كنت آنس به ولم أر به بأسا قال أفعل عبد الله بن علي كان كثير التمثل في حبسه بقول العرجي أضاعوني وقال إسحاق في خبره لما حبس المنصور عبد الله بن علي كان يكثر التمثل بقول العرجي ( أضاعونِي وأيَّ فتًى أضاعوا ... ليوم كريهةٍ وسِدَادِ ثَغْرِ ) فبلغ ذلك المنصور فقال هو أضاع نفسه بسوء فعله فكانت أنفسنا عندنا آثر من نفسه الأصمعي وكناس بالبصرة كان يتمثل بهذا البيت قال إسحاق وقال الأصمعي مررت بكناس بالبصرة يكنس كنيفا ويغني ( أَضاعُونِي وأيَّ فتًى أضاعوا ... ليوم كريهةٍ وسِدَادِ ثَغْرِ ) فقلت له أما سداد الكنيف فأنت مليء به وأما الثغر فلا علم لي بك كيف أنت فيه وكنت حديث السن فأردت العبث به فأعرض عني مليا ثم أقبل علي فأنشد متمثلا ( وأُكْرِمُ نفسِي إِنَّنِي إن أهنتُها ... وحَقِّك لم تَكْرُمْ على أحدٍ بَعْدِي ) قال فقلت له والله ما يكون من الهوان شيء أكثر مما بذلتها له فبأي شيء أكرمتها فقال بلى والله إن من الهوان لشرا مما أنا فيه فقلت وما هو فقال الحاجة إليك وإلى أمثالك من الناس فانصرفت عنه أخزى الناس قال محمد بن مزيد فحدثني حماد قال قال لي أبي اختصر الأصمعي فيما أرى الجواب وستر أقبحه على نفسه وإلا فكناس كنيف قائم يكنسه ويعبث به هذا العبث فيرضى بهذا الجواب الذي لا يجيب بمثله الأحنف بن قيس لو كانت المخاطبة له اقتصاص الوليد بن يزيد من محمد وإبراهيم ابني هشام وقال إسحاق في خبره كان الوليد بن يزيد مضطغنا على محمد بن هشام لأشياء كانت تبلغ عنه في حياة هشام فلما ولي الخلافة قبض عليه وعلى أخيه إبراهيم بن هشام وأشخصا إليه إلى الشام ثم دعا بالسياط فقال له محمد أسألك بالقرابة قال وأي قرابة بيني وبينك وهل أنت إلا من أشجع قال فأسألك بصهر عبد الملك قال لم تحفظه فقال له يا أمير المؤمنين قد نهى رسول الله أن يضرب قرشي بالسياط إلا في حد قال ففي حد أضربك وقود أنت أول من سن ذلك على العرجي وهو ابن عمي وابن أمير المؤمنين عثمان فما رعيت حق جده ولا نسبه بهشام ولا ذكرت حينئذ هذا الخبر وأنا ولي ثأره اضرب يا غلام فضربهما ضربا مبرحا وأثقلا بالحديد ووجه بهما إلى يوسف بن عمر بالكوفة وأمره باستصفائهما وتعذيبهما حتى يتلفا وكتب إليه احبسهما مع ابن النصرانية يعني خالدا القسري ونفسك نفسك إن عاش أحد منهم فعذبهم عذابا شديدا وأخذ منهم مالا عظيما حتى لم يبق فيهم موضع للضرب فكان محمد بن هشام مطروحا فإذا أرادوا أن يقيموه أخذوا بلحيته فجذبوه بها ولما اشتدت عليهما الحال تحامل إبراهيم لينظر في وجه محمد فوقع عليه فماتا جميعا ومات خالد القسري معهما في يوم واحد فقال الوليد بن يزيد لما حملهما إلى يوسف بن عمر ( قد راحَ نحو العِرَاقِ مَشْخَلَبَهْ ... قُصَارُه السِّجْنُ بعدَه الخَشَبَهْ ) ( يركَبُها صاغِراً بلا قَتَبٍ ... ولا خِطَامٍ وحَوْلَه جَلَبَهْ ) ( فَقُلْ لدَعْجَاءَ إن مررتَ بها ... لن يُعْجِزَ اللهَ هاربٌ طَلَبَهْ ) ( قد جَعَل اللهُ بعدَ غَلْبَتِكم ... لنا عليكم يا دُلْدُلُ الغَلَبَهْ ) ( لستَ إلى هاشمٍ ولا أَسَدٍ ... ولا إلى نَوْفَلٍ ولا الحَجَبَهْ ) ( لكنَّما أشْجَعٌ أبوكَ سَلِ الكَلْبِيَّ ... لا ما يُزَوِّقُ الكَذَبَةْ ) الرشيد وإسحاق حين غناه قول العرجي أضاعوني قال إسحاق في خبره غنيت الرشيد يوما في عرض الغناء ( أضَاعُوني وأيَّ فتًى أضاعُوا ... ليوم كريهةٍ وسِدَادِ ثَغْرِ ) فقال لي ما كان سبب هذا الشعر حتى قاله العرجي فأخبرته بخبره من أوله إلى أن مات فرأيته يتغيظ كلما مر منه شيء فأتبعته بحديث مقتل ابني هشام فجعل وجهه يسفر وغيظه يسكن فلما انقضى الحديث قال لي يا إسحاق والله لولا ما حدثتني به من فعل الوليد لما تركت أحداً من أماثل بني مخزوم إلا قتلته بالعرجي والصوت الآخر من رواية جحظة عن أصحابه صوت ( إذا ما طَوَاكِ الدهرُ يا أُمَّ مالكٍ ... فشأنَ المنايا القاضِيَاتِ وشَانيَا ) ( تمرُّ الليالي والشهورُ وتَنْقَضِي ... وحُبُّكِ ما يَزْدَادُ إلا تَمَادِيَا ) ( خليليَّ إن دارتْ على أُمّ مالكٍ ... صُرُوفُ الليالي فابغِيا لِي نَاعيَا ) ( ولا تترُكَانِي لا لخيرٍ مُعَجَّلٍ ... ولا لبقاء تَنْظُرَانِ بَقَائِيَا ) الشعر للمجنون ومن الناس من يروي البيت الأول منها لقيس بن الحدادية وهو جاهلي والغناء لابن محرز ثاني ثقيل بالوسطى وذكر حبش وابن المكي أن فيه لإسحاق لحنا آخر من الثقيل الثاني بالخنصر والبنصر إلى هنا انتهى الجزء الأول من كتاب الأغاني ويليه الجزء الثاني منه وأوله أخبار مجنون بني عامر ونسبه بسم الله الرحمن الرحيم أخبار مجنون بني عامر ونسبه هو على ما يقول من صحح نسبه وحديثه قيس وقيل مهدي والصحيح أنه قيس بن الملوح بن مزاحم بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ومن الدليل على أن اسمه قيس قول ليلى صاحبته فيه ( ألا ليتَ شِعْرِي والخطوبُ كثيرةٌ ... متى رَحْلُ قَيْسٍ مُستِقلُّ فراجعُ ) وأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال سمعت من لا أحصي يقول اسم المجنون قيس بن الملوح وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي وأخبرني الجوهري عن عمر بن شبة أنهما سمعا الآصمعي يقول وقد سئل عنه لم يكن مجنونا ولكن كانت به لوثة كلوثة أبي حية النميري اختلاف الرواة في وجود قيس وجنونه وأخبرني حبيب ابن نصر المهلبي وأحمد بن عبد عزيز الجوهري عن ابن شبة عن الحزامي قال حدثني أيوب بن عباية قال سألت بني عامر بطنا بطنا عن مجنون بني عامر فما وجدت أحدا يعرفه وأخبرني عمي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني عن ابن دأب قال قلت لرجل من بني عامر أتعرف المجنون وتروي من شعره شيئا قال أوقد فرغنا من شعر العقلاء حتى نروي أشعار المجانين إنهم لكثير فقلت ليس هؤلاء أعني إنما أعني مجنون بني عامر الشاعر الذي قتله العشق فقال هيهات بنو عامر أغلظ أكبادا من ذاك إنما يكون هذا في هذه اليمانية الضعاف قلوبها السخيفة عقولها الصعلة رؤوسها فأما نزار فلا أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا الرياشي قال سمعت الآصمعي يقول رجلان ما عرفا في الدنيا قط إلا بالاسم مجنون بني عامر وابن القرية وإنما وضعهما الرواة وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني عبد الله بن أبي سعد عن الحزامي قال ولم أسمعه من الحزامي فكتبته عن ابن أبي سعد قال أحمد وحدثنا به ابن أبي سعد عن الحزامي قال حدثنا عبد الجبار بن سعيد بن سليمان بن نوفل بن مساحق عن أبيه عن جده قال سعيت على بني عامر فرأيت المجنون وأتيت به وأنشدني أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أبو سعيد السكري قال حدثنا إسماعيل بن مجمع عن المدائني قال المجنون المشهور بالشعر عند الناس صاحب ليلى قيس بن معاذ من بني عامر ثم من بني عقيل أحد بني نمير بن عامر ابن عقيل قال ومنهم رجل آخر يقال له مهدي بن الملوح من بنى جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وأخبرني عمي عن الكراني قال حدثنا ابن أبي سعد عن علي بن الصباح عن ابن الكلبي قال حدثت أن حديث المجنون وضعه فتى من بني أمية كان يهوى ابنة عم له وكان يكره أن يظهر ما بينه وبينها فوضع حديث المجنون وقال الأشعار التي يرويها الناس للمجنون ونسبها إليه أخبرني الحسين بن يحيى وأبو الحسن الأسدي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال اسم المجنون قيس بن معاذ أحد بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة اختلاف الآراء حول اسم المجنون وأخبرني أبو سعد الحسن بن علي بن زكريا العدوي قال حدثنا حماد بن طالوت بن عباد أنه سأل الآصمعي عنه فقال لم يكن مجنونا بل كانت به لوثة أحدثها العشق فيه كان يهوى امرأة من قومه يقال لها ليلى واسمه قيس بن معاذ وذكر عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه أن اسمه قيس بن معاذ وذكر شعيب بن السكن عن يونس النحوي أن اسمه قيس بن الملوح قال أبو عمرو الشيباني وحدثني رجل من أهل اليمن أنه رآه ولقيه وسأله عن اسمه ونسبه فذكر أنه قيس بن الملوح وذكر هشام بن محمد الكلبي أنه قيس بن الملوح وحدث أن أباه مات قبل اختلاطه فعقر على قبره ناقته وقال في ذلك ( عقرتُ على قبر الملوّح ناقتي ... بذي السَّرْح لما أن جفاه الأقاربُ ) ( وقلتُ لها كُونِي عَقِيراً فإنني ... غداً راجلٌ أمشِي وبالأمسِ راكبُ ) ( فلا يُبعِدَنْكَ اللّهُ يابنَ مُزُاحِمٍٍ ... فكلٌّ بكأس الموت لاشكَّ شارِبُ ) وذكر إبراهيم بن المنذر الحزامي وأبو عبيدة معمر بن المثنى أن اسمه البحتري بن الجعد وذكر مصعب الزبيري والرياشي وأبو العالية أن اسمه الأقرع بن معاذ وقال خالد بن كلثوم اسمه مهدي بن الملوح وأخبرني الأخفش عن السكري عن أبي زياد الكلابي قال ليلى صاحبة المجنون هي ليلى بنت سعد بن مهدي بن ربيعة بن الحريش بن كعب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أبو قلابة الرقاشي قال حدثني عبد الصمد بن المعدل قال سمعت الأصمعي وقد تذاكرنا مجنون بني عامر يقول لم يكن مجنونا وإنما كانت به لوثة وهو القائل ( أَخذَتْ محاسنَ كلِّ ما ... ضَنَّتْ محاسنُه بحُسنِهْ ) ( كادَ الغزالُ يكونُها ... لولاالشَّوَى ونُشُوزُ قَرنِهْ ) وأخبرني عمر بن عبد الله بن جميل العتكي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الأصمعي قال سألت أعرابيا من بني عامر بن صعصعة عن المجنون العامري فقال عن أيهم تسألني فقد كان فينا جماعة رموا بالجنون فعن أيهم تسأل فقلت عن الذي كان يشبب بليلى فقال كلهم كان يشبب بليلى قلت فأنشدني لبعضهم فأنشدني لمزاحم بن الحارث المجنون ( ألا أيُّها القلبُ الذي لجَّ هائماً ... بلَيْلى وليداً لم تُقطِّعْ تمائِمُهْ ) ( أفِقْ قد أفاق العاشقون وقد أنَى ... لَكَ اليومَ أن تَلَقَى طبيباً تُلائِمُهْ ) ( أجدّكَ لا تُنسِيكَ لَيْلَى مُلِمَّةٌ ... تُلِمُّ ولا عهدٌ يطُولُ تَقَادُمُهْ ) قلت فأنشدني لغيره منهم فأنشدني لمعاذ بن كليب المجنون ( ألا طَالَما لاعَبْتُ لَيْلَى وقادَني ... إلى اللَّهو قلبٌ للحِسَان تَبُوعُ ) ( وطال امتراءُ الشّوقِ عينَي كلّما ... نَزَفتُ دُموعاً تَسْتَجْدُّ دُموعُ ) ( فقد طال إمساكِي على الكَبِد التي ... بها مِن هَوَى لَيْلَى الغَدَاةَ صُدُوعُ ) قلت فأنشدني لغير هذين ممن ذكرت فأنشدني لمهدي بن الملوح ( لو أنّ لك الدنيا وما عُدِلتْ به ... سِوَاهَا وليلى بائنٌ عنك بينُها ) ( لكنتَ إلى ليلى فقيراً وإنما ... يقود إليها وُدَّ نفسِك حَينُها ) قلت له فأنشدني لمن بقي من هؤلاء فقال حسبك فوالله إن في واحد من هؤلاء لمن يوزن بعقلائكم اليوم أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال قال ابن الأعرابي كان معاذ بن كليب مجنونا وكان يحب ليلى وشركه في حبها مزاحم بن الحارث العقيلي فقال مزاحم يوما للمجنون ( كِلانا يا مُعاذُ يُحِبُّ لَيْلَى ... بِفيّ وفيكَ مِن لَيْلَى التُّرَابُ ) ( شَرِكتُكَ في هَوَى من كان حظِّي ... وحظّكَ مِن مودّتها العَذَابُ ) ( لقد خَبَلَتْ فؤادَك ثم ثَنَّت ... بقلبي فهو مخبولٌ مُصابُ ) قال فيقال إنه لما سمع هذه الأبيات التبس وخولط في عقله وذكر أبو عمرو الشيباني أنه سمع في الليل هاتفا يهتف بهذه الأبيات فكانت سبب جنونه وذكر إبراهيم بن المنذر الحزامي عن أيوب بن عباية أن فتى من بني مروان كان يهوى امرأة منهم فيقول فيها الشعر وينسبه إلى المجنون وأنه عمل له أخبارا وأضاف إليها ذلك الشعر فحمله الناس وزادوا فيه إنكار وجود المجنون وأخبرني عمي عن الكوراني عن العمري عن العتبي عن عوانة أنه قال المجنون اسم مستعار لا حقيقة له وليس له في بني عامر أصل ولا نسب فسئل من قال هذه الأشعار فقال فتى من بني أمية وقال الجاحظ ما ترك الناس شعرا مجهول القائل قيل في ليلى إلا نسبوه إلى المجنون ولا شعرا هذه سبيله قيل في لبنى إلا نسبوه إلى قيس بن ذريح وأخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني أبو أيوب المديني قال حدثني الحكم بن صالح قال قيل لرجل من بني عامر هل تعرفون فيكم المجنون الذي قتله العشق فقال هذا باطل إنما يقتل العشق هذه اليمانية الضعاف القلوب أخبرنا أحمد بن عمر بن موسى قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال حدثني أيوب بن عباية قال حدثني من سأل بني عامر بطنا بطنا عن المجنون فما وجد فيهم أحدا يعرفه أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا أحمد بن الحارث عن ابن الأعرابي أنه ذكر عن جماعة من بن عامر أنهم سئلوا عن المجنون فلم يعرفوه وذكروا أن هذا الشعر كله مولد عليه أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ عن أبيه عن محمد بن الحكم عن عوانة قال ثلاثة لم يكونوا قط ولا عرفوا ابن أبي العقب صاحب قصيدة الملاحم وابن القرية ومجنون بنى عامر أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثنا الرياشي قال سمعت الأصمعي يقول الذي ألقي على المجنون من الشعر وأضيف أليه أكثر مما قاله هو أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق قال أنشدت أيوب بن عباية هذين البيتين ( وخبَّرتُماني أنّ تَيمَاءَ منزِلٌ ... لِلَيْلَى إذا ما الصَّيفُ أَلْقَى المَرَاسِيَا ) ( فهذِه شهورُ الصَّيْفِ عنّا قد انقضَتْ ... فما لِلنّوَى تَرمِي بلَيْلَى المَرامِيَا ) وسألته عن قائلهما فقال جميل فقلت له إن الناس يروونهما للمجنون فقال ومن هو المجنون فأخبرته فقال ما لهذا حقيقة ولا سمعت به وأخبرني عمي عن عبد الله بن شبيب عن هارون بن موسى الفروي قال سألت أبا بكر العدوي عن هذين البيتين فقال هما لجميل ولم يعرف المجنون فقلت فهل معهما غيرهما قال نعم وأنشدني ( وإِنِّي لأخشى أن أموتَ فُجَاءةً ... وفي النفس حاجاتٌ إليكِ كما هِيَا ) ِ ( وإِني ليُنْسِينِي لِقاؤكِ كلَّما ... لقِيتُكِ يوماًأنْ أَبُثَّكِ ما بِيَا ) ( وقالوا به داءٌ عَيَاءٌأصابه ... وقد علِمتْ نفسي مكانَ دوائِيا ) وأنا أذكر مما وقع إلي من أخباره جملا مستحسنة متبرئا من العهدة فيها فإن أكثر أشعاره المذكورة في أخباره ينسبها بعض الرواة إلى غيره وينسبها من حكيت عنه إليه وإذا قدمت هذه الشريطة برئت من عيب طاعن ومتتبع للعيوب أخبرني بخبره في شغفه بليلى جماعة من الرواة ونسخت ما لم أسمعه من الروايات وجمعت ذلك في سياقة خبره ما اتسق ولم يختلف فإذا اختلف نسبت كل رواية إلى راويها العاشقان الصغيران ليلى والمجنون فممن أخبرني بخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة عن رجاله وإبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة ونسخت أخباره من رواية خالد بن كلثوم وأبي عمرو الشيباني وابن دأب وهشام بن محمد الكلبي وإسحاق بن الجصاص وغيرهم من الرواة وقال أبو عمرو الشيباني وأبو عبيدة كان المجنون يهوى ليلى بنت مهدي بن سعد بن مهدي بن ربيعة بن الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وتكنى أم مالك وهما حينئذ صبيان فعلق كل واحد منهما صاحبه وهما يرعيان مواشي أهلهما فلم يزالا كذلك حتى كبرا فحجبت عنه قال ويدل على ذلك قوله صوت ( تَعَلّقتُ لَيْلَى وهي ذاتُ ذُؤَابةٍ ... ولم يَبْدُ للأتراب من ثَدْيِها حجمُ ) ( صغيريْن نَرعَى البَهْمَ ياليتَ أننا ... إلى اليوم لم نَكْبَرْ ولم تَكْبَرِِالبَهْمُ ) في هذين البيتين للأخضر الجدي لحن من الثقيل الثاني بالوسطى ذكره هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات والهشامي أخبرنا الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أيوب بن عباية ونسخت هذا الخبر بعينه من خط هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي سعد قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثني أبو عتاب البصري عن إبراهيم بن محمد الشافعي قال بينا ابن مليكة يؤذن إذ سمع الأخضر الجدي يغني من دار العاص بن وائل ( وعُلِّقتُها غَرَّاءَ ذاتَ ذوائبٍ ... ولم يَبدُ للأتراب من ثديها حجمُ ) ( صغيرينِ نرعى البَهْمَ ياليتَ أننا ... إلى اليوم لم نكْبَرْ ولم تَكبر البَهمُ ) قال فأراد أن يقول حي على الصلاة فقال حي على البهم حتى سمعه أهل مكة فغدا يعتذر إليهم وقال ابن الكلبي حدثني معروف المكي والمعلى بن هلال وإسحاق بن الجصاص قالوا كان سبب عشق المجنون ليلى أنه أقبل ذات يوم على ناقة له كريمة وعليه حلتان من حلل الملوك فمر بامرأة من قومه يقال لها كريمة وعندها جماعة نسوة يتحدثن فيهن ليلى فأعجبهن جماله وكماله فدعونه إلى النزول والحديث فنزل وجعل يحدثهن وأمر عبدا له كان معه فعقر لهن ناقته وظل يحدثهن بقية يومه فبينا هو كذلك إذ طلع عليهم فتى عليه بردة من برد الأعراب يقال له منازل يسوق معزى له فلما رأينه أقبلن عليه وتركن المجنون فغضب وخرج من عندهن وأنشأ يقول ( أأعقِرُ مِنْ جَرَّا كَرِيمةَ ناقَتِي ... وَوَصْليَ مَفْروشٌ لِوَصْلِ مُنَازِلِ ) ( إذا جاء قَعْقَعْنَ الُحليَّ ولم أكُنْ ... إذا جئتُ أرضَى صوتَ تلكَ الخلاخِلِ ) ( متى ما انتضَلْنا بالسِّهام نَضَلتُه ... وإن نَرْمِِ رَشْقاً عندها فهو ناضِلي ) قال فلما أصبح لبس حلته وركب ناقة له أخرى ومضى متعرضا لهن فألفى ليلى قاعدة بفناء بيتها وقد علق حبه بقلبها وهويته وعندها جويريات يتحدثن معها فوقف بهن وسلم فدعونه إلى النزول وقلن له هل لك في محادثة من لا يشغله عنك منازل ولا غيره فقال إي لعمري فنزل وفعل مثل ما فعله بالأمس فأرادت أن تعلم هل لها عنده مثل ما له عندها فجعلت تعرض عن حديثه ساعة بعد ساعة وتحدث غيره وقد كان علق بقلبه مثل حبها إياه وشغفته واستملحها فبينا هي تحدثه إذا أقبل فتى من الحي فدعته وسارته سرارا طويلا ثم قالت له انصرف ونظرت إلى وجه المجنون قد تغير وانتقع لونه وشق عليه فعلها فأنشأت تقول ( كلانا مُظهرٌ للناس بغضاً ... وكلٌّ عندَ صاحبهِ مَكِينُ ) ( تُبلِّغُنَا العيونُ بما أردنا ... وفي القلبين ثَمَّ هَوىً دَفِينُ ) فلما سمع البيتين شهق شهقة شديدة وأغمي عليه فمكث على ذلك ساعة ونضحوا الماء على وجهه حتى أفاق وتمكن حب كل واحد منهما في قلب صاحبه حتى بلغ منه كل مبلغ المجنون يخطب ليلى وأهلها يزوجونها وردا أخبرني الحسن بن علي قال حدثني هارون بن محمد بن عبدالملك قال حدثني عبد الرحمن بن إبراهيم عن هشام بن محمد بن موسى المكي عن محمد بن سعيد المخزومي عن أبي الهيثم العقيلي قال لما شهر أمر المجنون وليلى وتناشد الناس شعره فيها خطبها وبذل لها خمسين ناقة حمراء وخطبها ورد بن محمد العقيلي وبذل لها عشرا من الأبل وراعيها فقال أهلها نحن مخيروها بينكما فمن اختارت تزوجته ودخلوا إليها فقالوا والله لئن لم تختاري وردا لنمثلن بك فقال المجنون ( ألا يا لَيلَ إن مُلِّكْتِ فينا ... خِيارَكِ فانظُرِي لِمَن الِخيارُ ) ( ولا تَسْتَبْدِلِي منّي دَنيّاً ... ولا بَرَماً إذا حُبَّ القُتَارُ ) ( يُهَرْوِل في الصغير إذا رآه ... وتُعجِزُه مُلِمَّاتٌ كِبَارُ ) ( فمثلُ تأيُّم منه نكاحٌ ... ومثلُ تَمَوُّلٍ منه افتِقَارُ ) فاختارت وردا فتزوجته على كره منها وأخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر قالا حدثنا عمر بن شبة قال ذكر الهيثم بن عدي عن عثمان بن عمارة بن حريم المري قال خرجت إلى أرض بني عامر لألقى المجنون فدللت عليه وعلى محلته فلقيت أباه شيخا كبيرا وحوله إخوة للمجنون مع أبيهم رجالا فسألتهم عنه فبكوه وقال الشيخ أما والله لهو كان آثر عندي من هؤلاء جميعا وإنه عشق امرأة من قومه والله ما كانت تطمع في مثله فلما فشا أمره وأمرها كره أبوها أن يزوجه إياها بعد ما ظهر من أمرهما فزوجها غيره وكان أول ما كلف بها يجلس إليها في نفر من قومها فيتحدثون كما يتحدث الفتيان وكان أجملهم وأظرفهم وأرواهم لأشعار العرب فيفيضون في الحديث فيكون أحسنهم فيه إفاضة فتعرض عنه وتقبل على غيره وقد وقع له في قلبها مثل ما وقع لها في قلبه فظنت به ما هو عليه من حبها فأقبلت عليه يوما وقد خلت فقالت صوت ( كِلانا مُظهِرٌ للناس بغضاً ... وكلٌّ عند صاحبه مَكِينُ ) ( وأسرارُ الَملاَحِظِ ليس تَخْفَى ... إذا نَطَقتْ بما تُخْفِي العيونُ ) غنت في الأول عريب خفيف رمل وقيل إن هذا الغناء لشارية والبيت الأخير ليس من شعره قال فخر مغشيا عليه ثم أفاق فاقدا عقله فكان لا يلبس ثوبا إلا خرقه ولا يمشي إلا عاريا ويلعب بالتراب ويجمع العظام حوله فإذا ذكرت له ليلى أنشأ يحدث عنها عاقلا ولا يخطىء حرفا وترك الصلاة فإذا قيل له مالك لا تصلي لم يرد حرفا وكنا نحبسه ونقيده فيعض لسانه وشفته حتى خشينا عليه فخلينا سبيله فهو يهيم المجنون الهائم وعمر بن عبد الرحمن بن عوف قال الهيثم فولى مروان بن الحكم عمر بن عبد الرحمن بن عوف صدقات بني كعب وقشير وجعدة والحريش وحبيب وعبد الله فنظر إلى المجنون قبل أن يستحكم جنونه فكلمه وأنشده فأعجب به فسأله أن يخرج معه فأجابه إلى ذلك فلما أراد الرواح جاءه قومه فأخبروه خبره وخبر ليلى وأن أهلها استعدوا السلطان عليه فأهدر دمه إن أتاهم فأضرب عما وعده وأمر له بقلائص فلما علم بذلك وأتي بالقلائص ردها عليه وانصرف وذكر أبو نصر أحمد بن حاتم عن جماعة من الرواة أن المجنون هو الذي سأل عمر بن عبد الرحمن أن يخرج به قال له أكون معك في هذا الجمع الذي تجمعه غدا فأرى في أصحابك وأتجمل في عشيرتي بك وأفخر بقربك فجاءه رهط من رهط ليلى وأخبروه بقصته وأنه لا يريد التجمل به وإنما يريد أن يدخل عليهم بيوتهم ويفضحهم في امرأة منهم يهواها وأنهم قد شكوه إلى السلطان فأهدر دمه إن دخل عليهم فأعرض عما أجابه إليه من أخذه معه وأمر له بقلائص فردها وقال في ذلك ( رددتُ قلائصْ القرشيّ لمّا ... بدا لي النقضُ منه للعهودِ ) ( وراحوا مُقْصِرينَ وخلَّفُوني ... إلى حُزنٍ أُعالجُه شديد ) قال ورجع آيسا فعاد إلى حاله الأولى قال فلم تزل تلك حاله إلا أنه غير مستوحش إنما يكون في جنبات الحي منفردا عاريا لا يلبس ثوبا إلا خرقه ويهذي ويخطط في الأرض ويلعب بالتراب والحجارة ولا يجيب أحدا سأله عن شيء فإذا أحبوا أن يتكلم أو يثوب عقله ذكروا له ليلى فيقول بأبي هي وأمي ثم يرجع إليه عقله فيخاطبونه ويجيبهم ويأتيه أحداث الحي فيحدثونه عنها وينشدونه الشعر الغزل فيجيبهم جوابا صحيحا وينشدهم أشعارا قالها حتى سعى عليهم في السنة الثانية بعد عمر بن عبد الرحمن نوفل بن مساحق فنزل مجمعا من تلك المجامع فرآه يلعب بالتراب وهو عريان فقال لغلام له يا غلام هات ثوبا فأتاه به فقال لبعضهم خذ هذا الثوب فالقه على ذلك الرجل فقال له أتعرفه جعلت فداك قال لا قال هذا ابن سيد الحي لا والله ما يلبس الثياب ولا يزيد على ما تراه يفعله الآن واذا طرح عليه شيء خرقه ولو كان يلبس ثوبا لكان في مال أبيه ما يكفيه وحدثه عن أمره فدعا به وكلمه فجعل لا يعقل شيئا يكلمه به فقال له قومه إن أردت أن يجيبك جوابا صحيحا فاذكر له ليلى فذكرها له وسأله عن حبه إياها فأقبل عليه يحدثه بحديثها ويشكو إليه حبه إياها وينشده شعره فيها فقال له نوفل الحب صيرك إلى ما أرى قال نعم وسينتهي بي إلى ما هو أشد مما ترى فعجب منه وقال له أتحب أن أزوجكها قال نعم وهل إلى ذلك من سبيل قال انطلق معي حتى أقدم على أهلها بك وأخطبها عليك وأرغبهم في المهر لها قال أتراك فاعلا قال نعم قال انظر ما تقول قال لك علي أن أفعل بك ذلك ودعا له بثياب فألبسه إياها وراح معه المجنون كأصح أصحابه يحدثه وينشده فبلغ ذلك رهطها فتلقوه في السلاح وقالوا له يابن مساحق لا والله لا يدخل المجنون منازلنا أبدا أو يموت فقد أهدر لنا السلطان دمه فأقبل بهم وأدبر فأبوا فلما رأى ذلك قال للمجنون انصرف فقال له المجنون والله ما وفيت لي بالعهد قال له انصرافك بعد أن آيسني القوم من إجابتك أصلح من سفك الدماء فقال الممجنون صوت ( أيا وَيْح مَنْ أَمْسى تُخُلِّسَ عقلُه ... فأصبح مذهوباً به كلَّ مذهب ) ( خليّاً من الخُلاَّنِ إلا مُعَذِّراً ... يُضَاحِكني مَنْ كان يَهوَى تَجنُّبي ) الغناء للحسين بن محرز ثقيل أول بالوسطى من جامع أغانيه ( إذا ذُكرتْ ليلى عَقَلتُ وراجعَتْ ... روائعُ عقلي مِن هَوىَ مُتَشَعِّب ) ( وقالوا صحيحٌ ما به طيفُ جِنَّةٍ ... ولا الهمُّ إلا بافتراء التكذّبِ ) ( وشاهدُ وجْدِي دمعُ عيني وحُبُّها ... بَرَى اللحمَ عن أحناءِ عظمي ومنكِبي ) صوت ( تجنَّبتَ ليلى أن يَلِجَّ بكَ الهوى ... وهيهاتَ كان الحبُ قبل التجنُّبِ ) ( ألا إنّما غادرْتِ يا أمّ مالكٍ ... صدىً أينما تذْهبْ به الريحُ يَذْهبِ ) الغناء لإسحاق خفيف ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر وفيه لابن جامع هزج من رواية الهشامي وهي قصيدة طويلة ومما يغنى فيه منها قوله صوت ( فلم أرَ لَيلَى بعد مَوْقفِ ساعةٍ ... بخَيْفِ مِنْى تَرِمي جمارَ المحصَّبِ ) ( ويُبدِي الحصَى منها إذا قَذَفتْ به ... من البُرْدِ أطرافَ البَنانِ المخضَّب ) ( فأصبحتُ من لَيْلَى الغَداةَ كناظرٍ ... مع الصبح في أعقابِ نجمٍ مُغرِّبِ ) ( ألا إنما غادرتِ يا أمَّ مالكٍ ... صَدىً أينما تذهبْ به الريحُ يذهب ) فيه ثقيل أول مطلق باستهلال ذكر ابن المكي أنه لأبيه يحيى وذكر الهشامي أنه للواثق وذكر حبش أنه لابن محرز وهو في جامع أغاني سليمان منسوب إليه أنشدني الأخفش عن أبي سعيد السكري عن محمد بن حبيب للمجنون ( فواللهِ ثم اللهِ إِنِّي لدائبٌ ... أُفَكِّر ما ذنبِي إليها وأعجَبُ ) ( وواللهِ ماأدرِي عَلاَمَ قتلتِني ... وأيَّ أموري فيكِ يا ليلَ أركبُ ) ( أأقطَعُ حبل الوصلِ فالموتُ دونه ... أَم أشربُ رَنْقاً منكُم ليس يُشرَبُ ) ( أم أهرُبُ حتى لا أرَى لي مجاوراً ... أَم أصنعُ ماذا أَم أبوح فَأُغلَبُ ) ( فأيهما يا ليلَ ما ترتضِينَه ... فإنّي لمظلومٌ وإنّي لَمُعْتِبُ ) المجنون في الحج اللهم زدني لليلى حبا وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال ذكر هشام ابن الكلبي ووافقه في روايته أبو نصر أحمد بن حاتم وأخبرنا الحسن بن علي حدثنا ابن أبي سعد قال حدثني علي بن الصباح عن هشام بن الكلبي عن أبيه أن أبا المجنون وأمه ورجال عشيرته اجتمعوا إلى أبي ليلى فوعظوه وناشدوه الله والرحم وقالوا له إن هذا الرجل لهالك وقبل ذلك ففي أقبح من الهلاك بذهاب عقله وإنك فاجع به أباه وأهله فنشدناك الله والرحم أن تفعل ذلك فوالله ما هي أشرف منه ولا لك مثل مال أبيه وقد حكمك في المهر وإن شئت أن يخلع نفسه إليك من ماله فعل فأبى وحلف بالله وبطلاق أمها إنه لا يزوجه إياها أبدا وقال أفضح نفسي وعشيرتي وآتي ما لم يأته أحد من العرب وأسم ابنتي بميسم فضيحة فانصرفوا عنه وخالفهم لوقته فزوجها رجلا من قومها وأدخلها إليه فما أمسى إلا وقد بنى بها وبلغه الخبر فأيس منها حينئذ وزال عقله جملة فقال الحي لأبيه احجج به إلى مكة وادع الله عز و جل له ومره أن يتعلق بأستار الكعبة فيسأل الله أن يعافيه مما به ويبغضها إليه فلعل الله أن يخلصه من هذا البلاء فحج به أبوه فلما صاروا بمنى سمع صائحا في الليل يصيح يا ليلى فصرخ صرخة ظنوا أن نفسه قد تلفت وسقط مغشيا عليه فلم يزل كذلك حتى أصبح ثم أفاق حائل اللون ذاهلا فأنشأ يقول صوت ( عَرَضتُ على قلبي العزاءَ فقال لي ... من الآنَ فايأسْ لا أعزّك مِن صَبْرِ ) ( إذا بان مَنْ تهوَى وأصبح نائياً ... فلا شيءَ أجدَى من حُلُولكَ في القبر ) ( وداع دعا إذ نحن بالَخْيفِ مِن منىًفهيَّجَ أطرابَ الفؤاد وما يدرِي ) ( دعا باسم ليلى غيرِهَا فكأنَّما ... أطاراً بليلى طائراَ كان في صدرِي ) ===================================================== ج3. كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ( دعا باسم ليلى ضلَّل اللهُ سعيَه ... وليلَى بأرضٍ عنه نازحةٍ قفرِ ) الغناء لعريب خفيف ثقيل ثم قال له أبوه تعلق بأستار الكعبة واسأل الله أن يعافيك من حب ليلى فتعلق بأستار الكعبة وقال اللهم زدني لليلى حبا وبها كلفا ولا تنسني ذكرها أبدا فهام حينئذ وأختلط فلم يضبط قالوا فكان يهيم في البرية مع الوحش ولا يأكل إلا ما ينبت في البرية من بقل ولا يشرب إلا مع الظباء إذا وردت مناهلها وطال شعر جسده ورأسه وألفته الظباء والوحوش فكانت لا تنفر منه وجعل يهيم حتى يبلغ حدود الشأم فإذا ثاب إليه عقله سأل من يمر به من أحياء العرب عن نجد فيقال له وأين أنت من نجد قد شارفت الشام أنت في موضع كذا فيقول فأروني وجهة الطريق فيرحمونه ويعرضون عليه أن يحملوه أو يكسوه فيأبى فيدلونه على طريق نجد فيتوجه نحوه وريح الخزامى هل تهب على نجد أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي وأخبرنا حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال ذكر الهيثم بن عدي عن أبي مسكين قال خرج منا فتى حتى إذا كان ببئر ميمون إذا جماعة فوق بعض تلك الجبال وإذا معهم فتى أبيض طوال جعد كأحسن من رأيت من الرجال على هزال منه وصفرة وإذا هم متعلقون به فسألت عنه فقيل لي هذا قيس المجنون خرج به أبوه يستجير له بالبيت وهو على أن يأتي به قبر رسول اللهليدعو له هناك لعله يكشف ما به فإنه يصنع بنفسه صنيعا يرحمه منه عدوه يقول أخرجوني لعلني أتنسم صبا نجد فيخرجونه فيتوجهون به نحو نجد ونحن مع ذلك نخاف أن يلقي نفسه من الجبل فإن شئت الأجر دنوت منه فأخبرته أنك أقبلت من نجد فدنوت منه وأقبلوا عليه فقالوا له يا أبا المهدي هذا الفتى أقبل من نجد فتنفس تنفسة ظننت أن كبده قد انصدعت ثم جعل يسألني عن واد واد وموضع موضع وأنا أخبره وهو يبكي أحر بكاء وأوجعه للقلب ثم أنشأ يقول ( ألا ليت شِعري عن عُوَارِضَتَيْ قناً ... لطول الليالِي هل تغيَّرتَا بعدِي ) ( وهل جارتانا بالبَتِيل إلى الِحمَى ... على عَهْدِنا أم لم تَدُوما على العهدِ ) ( وعن عُلُوِيَّاتِ الرياح أذا جرتْ ... بريح الخُزَامَى هل تَهُبُّ على نجد ) ( وعن أُقْحُوانِ الرمل ما هو فاعلٌ ... إذا هو أَسْرَى ليلةً بِثَرىً جَعد ) ( وهل أنفُضَنَّ الدهرَ أفنانَ لِمَّتي ... على لاحقِ المتنينِ مُندَلِقِ الوَخْدِ ) ( وهل أسمعنّ الدهرَ أصواتَ هَجْمةِ ... تحدَّرُ من نَشْزٍ خَصِيبٍ إلى وَهْدِ ) أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي والعتبي قالا مر المجنون بزوج ليلى وهو جالس يصطلي في يوم شات وقد أتى ابن عم له في حي المجنون لحاجة فوقف عليه ثم أنشأ يقول صوت ( بِربِّك هل ضَمَمْتَ إليكَ لَيلَى ... قُبيلَ الصبح أو قَبَّلْتَ فاها ) ( وهل رَفَّتْ عليك قُرونُ ليلى ... رَفِيفَ الأُقْحُوانة في نَدَاها ) فقال اللهم إذ حلفتني فنعم قال فقبض المجنون بكلتا يديه قبضتين من الجمر فما فارقهما حتى سقط مغشيا عليه وسقط الجمر مع لحم راحتيه وعض على شفته فقطعها فقام زوج ليلى مغموما بفعله متعجبا منه فمضى غنى في البيتين المذكورين في هذا الخبر الحسين بن محرز ولحنه رمل بالوسطى عن الهشامي أخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال قال محمد بن الحكم عن عوانة إنه حدثه ووافقه ابن نصر وابن حبيب قالوا إن أهل المجنون خرجوا به معهم إلى وادي القرى قبل توحشه ليمتاروا خوفا عليه من أن يضيع أو يهلك فمروا في طريقهم بجبلي نعمان فقال له بعض فتيان الحي هذان جبلا نعمان وقد كانت ليلى تنزل بهما قال فأي الرياح يأتي من ناحيتهما قالوا الصبا قال فوالله لا أريم هذا الموضع حتى تهب الصبا فأقام ومضوا فامتاروا لأنفسهم ثم أتوا عليه فأقاموا معه ثلاثة أيام حتى هبت الصبا ثم انطلق معهم فأنشأ يقول صوت ( أيا جَبَلَيْ نَعمانَ باللهِ خَلِّيَا ... سبيل الصَّبا يَخْلُص إليّ نَسيمُها ) ( أجِدَّ بردَها أو تَشْفِ منّي حرارَةً ... على كَبدٍ لم يبقَ إلا صَمِيمُها ) ( فإنّ الصَّبَا ريحٌ إذا ما تنسّمَتْ ... على نَفْسِ محزونٍ تجلَّتْ هُمُومُها ) المجنون والديار الخوالي أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن الحسين بن الحرون قال حدثني الكسروي عن جماعة من الرواة قال لما منع أبو ليلى المجنون وعشيرته من تزويجه بها كان لا يزال يغشى بيوتهم ويهجم عليهم فشكوه إلى السلطان فأهدر دمه لهم فأخبروه بذلك فلم يرعه وقال الموت أروح لي فليتهم قتلوني فلما علموا بذلك وعرفوا أنه لا يزال يطلب غرة منهم حتى إذا تفرقوا دخل دورهم فارتحلوا عنها وأبعدوا وجاء المجنون عشية فأشرف على دورهم فإذا هي منهم بلاقع فقصد منزل ليلى الذي كان بيتها فيه فألصق صدره به وجعل يمرغ خديه على ترابه ويبكي ثم أنشأ يقول وذكر هذه الأبيات ابن حبيب وأبو نصر له بغير خبر ( أيا حَرَجَاتِ الحيّ حيث تحمّلوا ... بذي سَلَمٍ لا جَادَكُنَّ رَبيعُ ) ( وخَيماتُكِ اللاتي بمُنعَرَج اللِّوَى ... بَلِينَ بِلىً لم تَبلَهنّ رُبُوعُ ) ( نَدِمتُ على ما كان مِنّي ندامةً ... كما يَندَمُ المغبونُ حين يبيعُ ) ( فَقَدتُكِ من نفسٍ شَعَاعٍ فإِنّني ... نهيتُكِ عن هذا وأنتِ جمِيع ) ( فقرّبْتِ لي غيِر القريب وأشرفتْ ... إليكِ ثَنايا ما لهنّ طُلُوعُ ) وذكر خالد بن جميل وخالد بن كلثوم في أخبارهما التي صنعاها أن ليلى وعدته قبل أن يختلط أن تستزيره ليلة إذا وجدت فرصة لذلك فمكث مدة يراسلها في الوفاء وهي تعده وتسوفه فأتى أهلها ذات يوم والحي خلوف فجلس إلى نسوة من أهلها حجرة منها بحيث تسمع كلامه فحادثهن طويلا ثم قال ألا أنشدكن أبياتا أحدثتها في هذه الأيام قلن بلى فأنشدهن صوت ( يا للرِّجالِ لِهَمٍّ باتَ يَعُروني ... مُستَطْرَفٍ وقَدِيمٍ كاد يُبْلِيني ) ( مَنْ عاذِري من غريم غيِر ذي عُسُرٍ ... يأبى فيمطُلُني دَينِي ويَلْوِينِي ) ( لا يُبعِدُ النقدَ مِنْ حقّي فينكرَه ... ولا يُحدِّثُني أنْ سوفَ يَقْضِيني ) ( وما كشُكرِيَ شكرٌ لو يوافِقُني ... ولا مُنايَ سواه لو يُوافِيني ) ( أطعتُه وعصيتُ الناس كلَّهُمُ ... في أمرِه وهواه وهو يَعْصِيني ) قال فقلن له ما أنصفك هذا الغريم الذي ذكرته وجعلن يتضاحكن وهو يبكي فاستحيت ليلى منهن ورقت له حتى بكت وقامت فدخلت بيتها وانصرف هو في الثلاثة الأبيات الأول من هذه الأبيات هزج طنبوري للمسدود قالا في خبرهما هذا وكان للمجنون ابنا عم يأتيانه فيحدثانه ويسليانه ويؤانسانه فوقف عليهما يوما وهما جالسان فقالا له يا أبا المهدي ألا تجلس قال لا بل أمضي إلى منزل ليلى فأترسمه وأرى آثارها فيه فأشفي بعض ما في صدري بها فقالا له فنحن معك فقال إذا فعلتما أكرمتما وأحسنتما فقاما معه حتى أتى دار ليلى فوقف بها طويلا يتتبع آثارها ويبكي ويقف في موضع موضع منها ويبكي ثم قال صوت ( يا صاحِبيّ ألِمَّا بِي بمنزلةٍ ... قد مرّ حينٌ عليها أيُّمَا حينِ ) ( إني أرَى رَجَعَاتِ الحبّ تَقتُلُني ... وكان في دبدئها ما كان يَكْفِينِي ) ( لا خيرَ في الحبّ ليسَتْ فيه قَارعَةٌ ... كأنّ صاحبَها في نَزْع مَوتون ) ( إن قال عُذَّالُهُ مَهْلاً فَلاَن لهم ... قال الهَوى غيرُ هذا القولِ يَعْنِينِي ) ( ألْقَى من اليأس تاراتٍ فتقتُلُني ... وللرجاء بشاشاتٌ فتُحْيينِي ) الغناء لإبراهيم خفيف ثقيل من جامع غنائه إذا جاء قعقعن الحلي وقال هشام بن الكلبي عن أبي مسكين إن جماعة من بني عامر حدثوه قالوا كان رجل من بني عامر بن عقيل يقال له قيس بن معاذ وكان يدعى المجنون وكان صاحب غزل ومجالسة للنساء فخرج على ناقة له يسير فمر بامرأة من بني عقيل يقال لها كريمة وكانت جميلة عاقلة معها نسوة فعرفنه ودعونه إلى النزول والحديث وعليه حلتان له فاخرتان وطيلسان وقلنسوه فنزل فظل يحدثهن وينشدهن وهن أعجب شيء به فيما يرى فلما أعجبه ذلك منهن عقر لهن ناقته وقمن إليها فجعلن يشوين ويأكلن إلى أن أمسى فأقبل غلام شاب حسن الوجه من حيهن فجلس إليهن فأقبلن عليه بوجوههن يقلن له كيف ظللت يا منازل اليوم فلما رأى ذلك من فعلهن غضب فقام وتركهن وهو يقول ( أَأَعِقُر من جَرَّا كريمةَ ناقتي ... وَوَصْلِيَ مَفْرُوشٌ لِوَصْلِ مُنَازِلِ ) ( إذا جاء قَعْقَعْنَ الحُليَّ ولم أَكُنْ ... إذا جئتُ أرضيَ صوتَ تلكَ الخلاخِل ) قال فقال له الفتى هلم نتصارع أو نتناضل فقال له إن شئت ذلك فقم إلى حيث لا تراهن ولا يرينك ثم ما شئت فافعل وقال ( إذا ما انتضَلْنا في الخلاء نَضَلْتُه ... وإِن يَرْمِ رشْقاً عندها فهو ناضِلي ) وقال ابن الكلبي في هذا الخبر فلما أصبح لبس حلته وركب ناقته ومضى متعرضا لهن فألفى ليلى جالسة بفناء بيتها وكانت معهن يومئذ جالسة وقد علق بقلبها وهويته وعندها جويريات يحدثنها فوقف بهن وسلم فدعونه إلى النزول وقلن له هل لك في محادثة من لا يشغله عنك منازل ولا غيره قال إي لعمري فنزل وفعل فعلته بالأمس فأرادت أن تعلم هل لها عنده مثل ما عندها فجعلت تعرض عن حديثه ساعة بعد ساعة وتحدث غيره وقد كان علق حبها بقلبه وشغفه واستملحها فبينما هي تحدثه إذ أقبل فتى من الحي فدعته فسارته سرارا طويلا ثم قالت له انصرف فانصرف ونظرت إلى وجه المجنون قد تغير وامتقع وشق عليه ما فعلت فأنشأت تقول ( كلاَنَا مُظهِرٌ للناس بُغضاً ... وكلٌّ عند صاحبه مَكِينُ ) ( تُبَلِّغُنَا العيونُ مَقَالَتَيْنا ... وفي القلبين ثمَّ هَوىً دَفِينُ ) قد نسبت هذا الشعر متقدما فلما سمع هذين البيتين شهق شهقة عظيمة وأغمي عليه فمكث كذلك ساعة ونضحوا الماء على وجهه حتى أفاق وتمكن حب كل واحد منهما في قلب صاحبه وبلغ منه كل مبلغ حدثني عمي عن عبد الله بن أبي سعد عن إبراهيم بن محمد بن إسماعيل القرشي قال حدثنا أبو العالية عن أبي ثمامة الجعدي قال لا يعرف فينا مجنون إلا قيس بن الملوح خبر اتصال المجنون بليلى قال وحدثني بعض العشيرة قال قلت لقيس بن الملوح قبل أن يخالط ما أعجب شيء أصابك في وجدك بليلى قال طرقنا ذات ليلة أضياف ولم يكن عندنا لهم أدم فبعثني أبي إلى منزل أبي ليلى وقال لي اطلب لنا منه أدما فأتيته فوقفت على خبائه فصحت به فقال ما تشاء فقلت طرقنا ضيفان ولا أدم عندنا لهم فأرسلني أبي نطلب منك أدما فقال يا ليلى أخرجي إليه ذلك النحي فاملئي له إناءه من السمن فأخرجته ومعي قعب فجعلت تصب السمن فيه ونتحدث فألهانا الحديث وهي تصب السمن وقد امتلأ القعب ولا نعلم جميعا وهو يسيل حتى استنقعت أرجلنا في السمن قال فأتيتهم ليلة ثانية أطلب نارا وأنا متلفع ببرد لي فأخرجت لي نارا في عطبة فأعطتنيها ووقفنا نتحدث فلما احترقت العطبة خرقت من بردي خرقة وجعلت النار فيها فكلما احترقت خرقت أخرى وأذكيت بها النار حتى لم يبق علي من البرد إلا ما وارى عورتي وما أعقل ما أصنع وأنشدني ( أمُسْتَقْبِلي نَفْحُ الصَّبَا ثم شَائقي ... ببَرْدِ ثَنَايَا أُمِّ حَسّانَ شائِق ) ( كأنَّ على أنيابها الخمرَ شَجَّهَا ... بماء الندى من آخرِ الليلِ عَاتِقُ ) ( وما شِمْتُهُ إلا بعيني تَفَرُّساً ... كما شِيم في أعلى السّحابةِ بَارِقٌ ) ومن الناس من يروي هذه الأبيات لنصيب ولكن هكذا روي في هذا الخبر أخبرنا محمد بن خلف وكيع عن عبد الملك بن محمد الرقاشي عن عبد الصمد بن المعذل قال سمعت الأصمعي يقول وقد تذاكرنا مجنون بني عامر قال هو قيس بن معاذ العقيلي ثم قال لم يكن مجنونا إنما كانت به لوثة وهو القائل ( أَخذَتْ محاسنَ كلِّ ما ... ضَنَّتْ محاسنُه بحُسنِهْ ) ( كادَ الغزالُ يكونُها ... لولاالشَّوَى ونُشُوزُ قَرنِهْ ) قال وهو القائل صوت ( ولم أرَ لَيلَى بعد مَوْقفِ ساعةٍ ... بخَيْفِ مِنْى تَرِمي جمارَ المحصَّبِ ) ( ويُبدِي الحصَى منها إذا قَذَفتْ به ... من البُرْدِ أطرافَ البَنانِ المخضَّب ) ( فأصبحتُ من لَيْلَى الغَداةَ كناظرٍ ... مع الصبح في أعقابِ نجمٍ مُغرِّبِ ) ( ألا إنما غادرتِ يا أمَّ مالكٍ ... صَدىً أينما تذهبْ به الريحُ يذهب ) في هذه الأبيات لحن من الثقيل الأول ابتداؤه نشيد من صنعة الواثق وهو المشهور وذكره ابن المكي لأبيه يحيى وهو في جامع غناء سليم بن سلام له وذكره حبش في موضعين من كتابه فنسبه في طريقة الثقيل الأول في أحدهما إلى ابن محرز والآخر إلى يحيى المكي وزعم الهشامي أن فيه لسليم بن سلام لحنا آخر من الثقيل الأول أخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار الصوفي قال حدثني إبراهيم بن سعد الزهري قال أتاني رجل من عذرة لحاجة فجرى ذكر العشق والعشاق فقلت له أنتم أرق قلوبا أم بنو عامر قال إنا لأرق الناس قلوبا ولكن غلبتنا بنو عامر بمجنونها أخبرني أحمد بن عمر بن موسى بن زكويه القطان إجازة قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال أخبرني عبد الجبار بن سليمان بن نوفل بن مساحق عن أبيه عن جده قال أنا رأيت مجنون بني عامر وكان جميل الوجه أبيض اللون قد علاه شحوب واستنشدته فأنشدني قصيدته التي يقول فيها ( تَذَكَّرْتُ لَيْلَى والسِّنينَ الخواليا ... وأَيامَ لا أُعْدِي على اللَّهوِ عادِيا ) أخبرني محمد بن الحسن الكندي خطيب مسجد القادسية قال حدثنا الرياشي قال سمعت أبا عثمان المازني يقول سمعت معاذا وبشر بن المفضل جميعا ينشدان هذين البيتين وينسبانهما لمجنون بني عامر ( طمِعْتُ بليلَى أن تَرِيعَ وإِنَّما ... تُقَطِّعُ أعناقَ الرجالِ المطامِعُ ) ( وداينتُ ليلَى في خَلاَءٍ ولم يكن ... شهودٌ على ليلى عُدُولٌ مَقَانِعُ ) وحدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب عن ابن سلام قال قضى عبيد الله بن الحسن بن الحصين بن أبي الحر العنبري على رجل من قومه قضية أوجبها الحكم عليه وظن العنبري أنه تحامل عليه وانصرف مغضبا ثم لقيه في طريق فأخذ بلجام بغلته وكان شديدا أيدا ثم قال له إيه يا عبيد الله ( طمِعْتُ بليلى أن تَريعَ وإِنَّما ... تُقَطِّعُ أعناقَ الرجالِ المطامِعُ ) فقال عبيد الله ( وبايعتُ ليلَى في خلاءٍ ولم يكنْ ... شهودٌ عدولٌ عند ليلى مَقَانِعُ ) خل عن البغلة قال الصولي في خبره هذا والبيتان للبعيث هكذا قال فلا أدري أمن قوله هو أم حكاية عن أبي خليفة ليلى للمجنون ابق الله وأتقِِ على نفسك أخبرنا محمد بن القاسم الأنباري عن عبد الله بن خلف الدلال قال حدثنا زكريا بن موسى عن شعيب بن السكن عن يونس النحوي قال لما اختلط عقل قيس بن الملوح وترك الطعام والشراب مضت أمه إلى ليلى فقالت لها إن قيسا قد ذهب حبك بعقله وترك الطعام والشراب فلو جئته وقتا لرجوت أن يثوب إليه بعض عقله فقالت ليلى أما نهارا فلا لأنني لا آمن قومي على نفسي ولكن ليلا فأتته ليلا فقالت له يا قيس إن أمك تزعم أنك جننت من أجلي وتركت المطعم والمشرب فاتق الله وأبق على نفسك فبكى وأنشأ يقول ( قالتْ جُنِنتَ على أيْشٍ فقلتُ لها ... الحبُّ أعظمُ ممّا بالمجانين ) ( الحبُّ ليس يُفيقُ الدهرَ صاحبُه ... وإِنما يُصرَعُ المجنونُ في الحِينِ ) قال فبكت معه وتحدثا حتى كاد الصبح أن يسفر ثم ودعته وانصرفت فكان آخر عهده بها هل جن قيس بن الملوح أخبرنا ابن المرزبان قال قال القحذمي لما قال المجنون ( قضاها لغيري وابتلاني بحبُها ... فهلاَّ بشيءٍ غير ليلى ابتلانِيَا ) سلب عقله الغناء لحكم ثقيل أول وقيل إنه لابن الهربذ وفيه لمتيم خفيف ثقيل أول من جامع أغانيها وحدثني جحظة بهذا الخبر عن ميمون بن هارون أنه بلغه أنه لما قال هذا البيت برص أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن طاهر القرشي عن ابن عائشة قال إنما سمي المجنون بقوله ( ما بالُ قلبِكَ يا مجنونُ قد خُلِعَا ... في حبِّ مَنْ لا تَرَى في نَيْلِه طَمَعَا ) ( الحبُّ والودّ نِيطا بالفؤاد لها ... فأصبحا في فؤادِي ثابتَيْنِ معَا ) حدثنا وكيع عن ابن يونس قال قال الأصمعي لم يكن المجنون مجنونا إنما جننه العشق وأنشد له ( يُسَمُّونني المجنونَ حين يَرَوْنَنْي ... نعم بِيَ مِن ليلى الغداةَ جنونُ ) ( لَيَالِيَ يُزْهَى بِي شَبَابٌ وشِرَّةٌ ... وإذا بِي مِنْ خَفْضِ المَعيشةِ لِينُ ) أخبرني محمد بن المرزبان عن إسحاق بن محمد بن أبان قال حدثني علي ابن سهل عن المدائنى أنه ذكر عنده مجنون بني عامر فقال لم يكن مجنونا وإنما قيل له المجنون بقوله ( وإِنِّي لمجنونٌ بليلَى مُوَكَّلٌ ... ولستُ عَزُوفاً عن هواها ولا جَلْدَا ) ( إِذا ذُكِرَتْ ليلَى بكيتُ صَبَابةً ... لِتَذْكِارها حتى يَبُلَّ البُكَا الخدَّا ) أخبرني عمر بن جميل العتكي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عون ابن عبد الله العامري أنه قال ما كان والله المجنون الذي تعزونه إلينا مجنونا إنما كانت به لوثة وسهو أحدثهما به حب ليلى وأنشد له ( وبي مِنْ هوى ليلَى الذي لو أبُثُّه ... جماعةَ أعدائِي بكتْ لي عُيونُها ) ( أَرى النفس عن ليلى أبتْ أن تُطِيعَني ... فقد جُنَّ مِن وَجْدِي بليلَى جُنونُها ) أخبرني ابن المرزبان قال قال العتبي إنما سمي المجنون بقوله ( يقولُ أُناسٌ عَلَّ مجنونَ عامرٍ ... يرومُ سُلُوُّا قلتُ أَنّى لِمَا بِيَا ) ( وقد لامني في حُبِّ ليلَى أقاربي ... أخِي وابنُ عمّي وابنَ خالِي وخالِيَا ) ( يقولون ليلَى أهلُ بيتِ عَدَاوةٍ ... بنفسيَ ليلِى مِن عَدُوٍّ ومالِيَا ) ( ولو كان في ليلى شَذاً مِن خصومةٍ ... لَلوَّيتُ أعناقَ المَطِيّ المَلاوِيَا ) أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي عن عيسى بن إسماعيل قال قال ابن سلام لو حلفت أن مجنون بني عامر لم يكن مجنونا لصدقت ولكن توله لما زوجت ليلى وأيقن اليأس منها ألم تسمع إلى قوله ( أيا ويحَ مَنْ أمسى تُخُلِّسَ عَقلُه ... فأصبح مذهوباًِ به كلَّ مذهبِ ) ( خَلِيعاَ مِنَ الخُلاَّنِ إلا مُجَامِلا ... يُساعِدني مَنْ كان يَهْوَى تَجنُّبي ) ( إذا ذُكِرْت ليلَى عَقَلتُ وراجَعَتْ ... عَوازِبُ قلبي مِنْ هَوىً مُتَشَعِّبِ ) أخبرني به الحسن بن علي عن دينار بن عامر التغلبي عن مسعود بن سعد عن ابن سلام ونحوه أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أنشدني صالح بن سعيد قال أنشدني يعقوب بن السكيت للمجنون ( يُسَمُّونَنِي المجنونَ حين يَرونَنِي ... نَعَمْ بيَ مِن ليلَى الغداةَ جُنُونُ ) قال وأنشدنا له أيضا صوت ( وشُغِلْتُ عن فهم الحديثِ سِوَى ... ما كان فيكِ فإِنه شُغْلي ) ( وأُدِيمُ لَحْظَ مُحَدِّثي لِيَرَى ... أنْ قَد فهِمتُ وعِندكُم عَقْلي ) شجون المجنون مع أم مالك أخبرني ابن المرزبان عن محمد بن الحسن بن دينار الأحول عن علي بن المغيرة الأثرم عن أبي عبيدة أن صاحبة مجنون بني عامر التي كلف بها ليلى بنت مهدي بن سعد بن مهدي بن ربيعة بن الحريش وكنيتها أم مالك وقد ذكر هذه الكنية المجنون في شعره فقال ( تكادُ بِلادُ اللهِ يا أمَّ مالكٍ ... بما رَحُبَتْ يوماَ عليَّ تَضِيقُ ) وقال أيضا ( فإنّ الذي أمّلتُ مِن أُمّ مالكٍ ... أشابَ قَذَالي واستَهَامَ فُؤادِيَا ) ( خليلَيَّ أن دارَتْ على أمِّ مالكٍ ... صُرُوفُ اللّيالِي فابغِيَا ليَ ناعِيَا ) وقال أبو عمرو الشيباني علق المجنون ليلى بنت مهدي بن سعد من بني الحريش وكنيتها أم مالك فشهر بها وعرف خبره فحجبت عنه فشق ذلك عليه فخطبها إلى أبيها فرده وأبى أن يزوجه إياها فاشتد به الأمر حتى جن وقيل له مجنون بني عامر فكان على حاله يجلس في نادي قومه فلا يفهم ما يحدث به ولا يعقله إلا إذا ذكرت ليلى وأنشد له أبو عمرو صوت ( ألا ما لِليلَى لا تُرَى عند مَضْجَعِي ... بليلٍ ولا يَجْرِي بذلكَ طائرُ ) ( بَلَىْ إنّ عُجْمَ للطيرَ تَجرِيِ إذا جَرَتْ ... بليلَى ولكنْ ليس الطير زاجزُ ) ( أزالَتْ عن العهد الذي كان بيننا ... بِذِي الأثْلِ أم قد غيَّرتْها المقادِرُ ) ( فواللهِ ما في القرب لي منكِ راحةٌ ... ولا البعدُ يُسْلِينِي ولا أنا صابرُ ) ( وواللهِ ما أدرِي بأيَّةِ حِيلَةٍ ... وأيِّ مَرَامٍ أو خِطارٍ أُخاطِرُ ) ( وتاللهِ إِنَّ الدهرَ في ذاتِ بينِنا ... عليّ لها في كلِّ حالٍ لجائِرُ ) ( فلو كنتِ إِذا أزمعتِ هَجري تركتِني ... جميعَ القُوَى والعقلُ مِنِّيَ وافرُ ) ( ولكنَّ أيامِي بِحَقْلِ عُنَيزَةٍ ... وبالرَّضْم أيامٌ جناها التَّجَاوُرُ ) ( وقد أصبح الوُدُّ الذي كان بيننا ... أمانِيَّ نفسٍ والمؤمِّلُ حائِرُ ) ( لَعَمْرِي لقد رَنَّقْتِ يا أمّ مالكٍ ... حياتي وساقَتْني إليكِ المقادرُ ) قال أبو عمرو وأخبرني بعض الشاميين قال دخلت أرض بني عامر فسألت عنه المجنون الذي قتله الحب فخبروني عن أنه كان عاشقا لجارية منهم يقال لها ليلى ربا معها ثم حجبت عنه فاشتد ذلك عليه وذهب عقله فأتاه إخوان من إخوانه يلومونه على ما يصنع بنفسه فقال صوت ( يا صاحِبيّ ألِمَّا بي بمنزلةٍ ... قد مرَّ حينٌ عليها أَيُّما حيِنِ ) ( في كل منزلةٍ ديوانُ مَعْرِفةٍ ... لم يُبقِ باقيةً ذكرُ الدواوينِ ) ( إني أرَى رَجَعَاتِ الحبِّ تقتُلُني ... وكان في بدئها ما كان يكفيني ) الغناء لابن جامع خفيف ثقيل قيس الهائم على وجهه أخبرني هاشم الخزاعي عن العباس بن الفرج الرياشي قال ذكر العتبي عن أبيه قال كان المجنون في بدء أمره يرى ليلى ويألفها ويأنس بها ثم غيبت عن ناظره فكان أهله يعزونه عنها ويقولون نزوجك أنفس جارية في عشيرتك فيأبى إلا ليلى ويهذي بها ويذكرها فكان ربما استراح إلى أمانيهم وركن إلى قولهم وكان ربما هاج عليه الحزن والهم فلا يملك مما هو فيه أن يهيم على وجهه وذلك قبل أن يتوحش مع البهائم في القفار فكان قومه يلومونه ويعذلونه فأكثروا عليه في الملامة والعذل يوما فقال صوت ( يا لَلرِّجال لهمٍّ بات يَعْرُونِي ... مُستطرفٍ وقديٍم كان يَعْنِيني ) ( على غَرِيم مَليء غيرِذِي عُدُمٍ ... يأبَى فيمْطُلُني دَيْنِي ويَلْوِينِي ) ( لا يذكُر البعضَ من دَينِي فَيُنكِره ... ولا يُحَدِّثنِي أنْ سوف يَقْضِيني ) ( وما كَشُكْرِي شُكرٌ لو يُوافِقُنِي ... ولا مُنًى كَمُنَاهُ إذ يُمَنّينِي ) ( أطعتُه وعَصَيتُ الناسَ كُلّهُمُ ... في أمره ثم يأبَى فهو يَعْصِينِي ) ( خَيرِي لمن يبتغِي خيري ويأمُلُه ... من دون شَرّي وشَرِّي غيرُ مأمونِ ) ( وما أُشارِكُ في رأيِي أخا ضَعَفٍ ... ولا أقولُ أخِي مَنْ لا يُوَاتِينِي ) في هذه الأبيات هزج طنبوري للمسدود من جامعه وقال أبو عمرو الشيباني حدثني رباح العامري قال كان المجنون أول ما علق ليلى كثير الذكر لها والإتيان بالليل إليها والعرب ترى ذلك غير منكر أن يتحدث الفتيان إلى الفتيات فلما علم أهلها بعشقه لها منعوه من إتيانها وتقدموا إليه فذهب لذلك عقله ويئس منه قومه واعتنوا بأمره واجتمعوا إليه ولاموه وعذلوه على ما يصنع بنفسه وقالوا والله ما هي لك بهذه الحال فلو تناسيتها رجونا أن تسلوا قليلا فقال لما سمع مقالتهم وقد غلب عليه البكاء صوت ( فواكبِدَا مِن حب من لا يُحِبّنِي ... ومِن زَفَرَاتٍ مالهنَّ فَنَاءُ ) ( أَرَيْتِكِ إن لم أُعطِكِ الحبَّ عن يدٍ ... ولم يكُ عندي إذ أبيْتِ إباءُ ) ( أتارِكَتِي للموت أنتِ فميِّتٌ ... وماللنفوس الخائفاتِ بَقَاءُ ) ثم أقبل على القوم فقال إن الذي بي ليس بهّين فأقلوا من ملامكم فلست بسامع فيها ولا مطيع لقول قائل أخبرني عمي ومحمد بن حبيب وابن المرزبان عن عبد الله بن أبي سعد عن عبد العزيز بن صالح عن أبيه عن ابن دأب عن رباح بن حبيب العامري أنه سأله عن حال المجنون وليلى فقال كانت ليلى من بني الحريش وهي بنت مهدي بن سعيد بن مهدي بن ربيعة بن الحريش وكانت من أجمل النساء وأظرفهن وأحسنهن جسما وعقلا وأفضلهن أدبا وأملحهن شكلا وكان المجنون كلفا بمحادثة النساء صباًبهن فبلغه خبرها ونعتت له فصبا إليها وعزم على زيارتها فتأهب لذلك ولبس أفضل ثيابه ورجل جمته ومس طيبا كان عنده وارتحل ناقة له كريمة برحل حسن وتقلد سيفه وأتاها فسلم فردت عليه السلام وتحفت في المسألة وجلس إليها فحادثته وحادثها فأكثرا وكل واحد منهما مقبل على صاحبه معجب به فلم يزالا كذلك حتى أمسيا فانصرف إلى أهله فبات بأطول ليلة شوقا إليها حتى إذا أصبح عاد إليها فلم يزل عندها حتى أمسى ثم انصرف إلى أهله فبات بأطول من ليلته الأولى واجتهد أن يغمض فلم يقدر على ذلك فأنشأ يقول ( نَهارِي نهارُ الناسِ حتى إذا بدا ... ليَ الليلُ هَزَّتْني إِليكِ المضاجعُ ) ( أُقَضِّي نهارِي بالحديث وبِالمُنَى ... ويَجمَعُنِي والهمَّ بالليلِ جامِعُ ) ( لَقَد ثَبَتَتْ في القلب منكِ محبَّةٌ ... كما ثَبَتَتْ في الراحتينِ الأصابعُ ) عروضه من الطويل والغناء لإبراهيم الموصلي رمل بالوسطى عن عمرو قال وأدام زيارتها وترك من كان يأتيه فيتحدث إليه غيرها وكان يأتيها في كل يوم فلا يزال عندها نهاره أجمع حتى إذا أمسى انصرف فخرج ذات يوم يريد زيارتها فلما قرب من منزلها لقيته جارية عسراء فتطير منها وأنشأ يقول ( وكيف يُرَجَّى وصلُ لَيْلَى وقد جرى ... بِجَدِّ القُوَى والوصلِ أعسرُ حاسرُ ) ( صَدِيعُ العَصَا صَعْبُ المرام إذا انتحى ... لوصلِ امرىءٍ جُذَّت عليه الأواصِرُ ) ثم سار إليها في غد فحدثها بقصته وطيرته ممن لقيه وأنه يخاف تغير عهدها وانتكاثه وبكى فقالت لا ترع حاش لله من تغير عهدي لا يكون والله ذلك أبدا إن شاء الله فلم يزل عندها يحادثها بقية يومه ووقع له في قلبها مثل ما وقع لهافي قلبه فجاءها يوما كما كان يجيء وأقبل يحدثها فأعرضت عنه وأقبلت على غيره بحديثها تريد بذلك محنته وأن تعلم ما في قلبه فلما رأى ذلك جزع جزعا شديدا حتى بان في وجهه وعرف فيه فلما خافت عليه أقبلت عليه كالمسرة إليه فقالت ( كِلاَنا مُظهرٌ للناس بغضا ... وكلٌّ عند صاحبه مَكِينُ ) فسري عنه وعلم ما في قلبها فقالت له إنما أردت أن أمتحنك والذي لك عندي أكثر من الذي لي عندك وأعطي الله عهدا إن جالست بعد يومي هذا رجلا سواك حتى أذوق الموت إلا أن أكره على ذلك قال فانصرفت عنه وهو من أشد الناس سرورا وأقرهم عينا وقال ( أظُنُّ هواها تارِكِي بِمَضَلَّةٍ ... من الأرض لا مالٌ لديَّ ولا أهلُ ) ( ولا أحدٌ أُفضِي إليه وصيّتي ... ولا صاحبٌ إلا المطيَّةُ والرَّحْلُ ) ( مَحَا حبُّها حبَّ الأُلَى كُنَّ قبلها ... وحَلَّتْ مكانا لم يكن حُلَّ مِنْ قبلُ ) زواج ليلى ودعاء المجنون بطلاقها أخبرني جعفر بن قدامة عن أبي العيناء عن العتبي قال لما حجبت ليلى عن المجنون خطبها جماعة فلم يرضهم أهلها وخطبها رجل من ثقيف موسر فزوجوه وأخفوا ذلك عن المجنون ثم نمي إليه طرف منه لم يتحققه فقال ( دعَوْتُ إلهي دعوةً ما جهِلتُها ... وربِّي بما تُخفِي الصدورُُ بصيرُ ) ( لئن كنتَ تُهدِي بردَ أنيابها العُلا ... لأفقرَ مِنِّي إنَّني لَفَقِيرُ ) ( فقد شاعتِ الأخبارُ أنْ قد تَزَوجَتْ ... فهل يأتِيَنِّي بالطلاق بشِيرُ ) وقال أيضا ( ألا تِلك لَيلَى العامِريَّةُ أصبَحَتْ ... تَقَطَّعُ إلا من ثَقِيفٍ حِبالُها ) ( هُم حبسوُها محْبس البُدْن وابتغى ... بها المال أقوامٌ ألا قلَّ مالُها ) ( إذا التفتتْ والعيِسُ صُعْرٌ من البُرى ... بنخلة جلّت عبرة العينِ حالُها ) قال وجعل يمر ببيتها فلا يسأل عنها ولا يلتفت إليه ويقول إذا جاوزه صوت ( ألا أَيُّها البيتُ الذي لا أَزُوره ... وإِن حَلَّه شخصٌ إليّ حبيبُ ) ( هجرتُكَ إشفاقاً وزرتُك خائفاً ... وفيك عليّ الدهرَ منكَ رقيبُ ) ( سأستعتِبُ الأيامَ فيكَ لعلّها ... بيومِ سُرورٍ في الزمان تؤوبُ ) الغناء لعريب ثاني ثقيل بالوسطى قال وبلغه أن أهلها يريدون نقلها إلى الثقفي فقال صوت ( كأنّ القلبَ ليلةَ قِيلَ يُغدَى ... بلَيْلَى العامريَّةِ أو يُرَاحُ ) ( قَطَاةٌ عَزَّها شَرَكٌ فباتَتْ ... تُجاذِبُه وقد عَلِقَ الجَناحُ ) عروضه من الوافر الغناء لابن المكي خفيف ثقيل أول بالوسطى في مجراها عن إسحاق وفيه خفيف ثقيل آخر لسليمان مطلق في مجرى البنصر وفيه لإبراهيم رمل بالوسطى في مجراها عن الهشامي قال فلما نقلت ليلى إلى الثقفي قال ( طرِبتَ وشاقتكَ الحُمُولُ الدّوافعُ ... غَداةَ دعا بالبين أسْفَعُ نازعُ ) ( شَحَا فَاهُ نعباً بالفراق كأنه ... حريبٌ سلِيبٌ نازحُ الدار جازعُ ) ( فقلتُ ألا قد بَيَّنَ الأمرُ فانصرِف ... فقد راعَنا بالبِينِ قبلَك رائعُ ) ( سُقِيتَ سُمُوما من غراب فإِنّني ... تبيّنتُ ما خبَّرتَ مذ أنتَ واقعُ ) ( ألم تَرَ أنِّي لا مُحِبٌّ ألومُه ... ولا بِبدِيلٍ بعدهم أنا قانُع ) ( ألم تر دارَ الحيّ في رونقِ الضحى ... بحيثُ انحنتْ للهَضْبتين الأَجَارعُ ) ( وقد يتناءى الإِلْفُ من بعد أُلْفةٍ ... ويصدَعُ ما بين الخليطين صادِعُ ) ( وكم من هَوىً أو جيِرةٍ قد ألِفتُهم ... زمانا فلم يمنعهُم البَين مانِعُ ) ( كأنِّي غداةَ البين مَيِّتُ جوبةٍ ... أخو ظمأ سُدّتْ عليه المشارعُ ) ( تَخَلَّسَ من أوشال ماءٍ صُبَابةً ... فلا الشُّربُ مبذولٌ ولا هو ناقِعُ ) ( وبيضٍ تَطَلَّى بالعَبِير كأنها ... نِعُاج المَلاَ جِيبَتْ عليها البراقعُ ) ( تحمّلنَ من وادي الأراكِ فأومَضَت ... لهنّ بأطراف العيون المدامِعُ ) ( فما رِمْنَ ربعَ الدار حتى تشابهتْ ... هجائنُهَا والجُونُ منها الخواضعُ ) ( وحتى حملنَ الحُورَ من كُلّ جانب ... وخاضت سُدُولَ الرَّقْم منها الأكارعُ ) ( فلما استوتْ تحتَ الخدورِ وقد جرى ... عَبِيرٌ ومسكٌ بالعرانِين رَادعُ ) ( أَشَرْنَ بأن حُثُّو الجِمالَ فقد بدا ... من الصيف يومٌ لافحُ الحرِّ ماتِعُ ) ( فلمّا لَحِقْنَا بالحُمول تباشَرَتْ ... بنا مُقْصِرَاتٌ غاب عنها المطامِعُ ) ( يُعرِّضنَ بالدَّلِّ المَلِيح وإِن يُرِدْ ... جَنَاهُنَّ مشغوفٌ فهنّ مَوَانعُ ) ( فقلتُ لأصحابي ودَمعِيَ مُسْبَلٌ ... وقد صَدَعَ الشملَ المشتَّتَ صَادعُ ) ( أليلَى بأبواب الُخدورِ تعرّضتْ ... لِعَيني أم قرنٌ من الشمس طالعُ ) حمام الأيك يهيج أحزان المجنون أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا الهيثم بن فراس قال حدثني العمري عن الهيثم بن عدي أن أبا المجنون حج به ليدعو الله عز و جل في الموقف أن يعافيه فسار ومعه ابن عمه زياد بن كعب بن مزاحم فمر بحمامة تدعو على أيكة فوقف يبكي فقال له زياد أي شيء هذا ما يبكيك أيضا سر بنا نلحق الرفقة فقال ( أأن هَتَفَتْ يوماً بوادٍ حمامةٌ ... بكيتَ ولم يَعْذِرك بالجهل عاذِرُ ) ( دَعَتْ ساقَ حُرٍّ بعد ما عَلَتِ الضُّحَى ... فهاج لكَ الأحزانَ أن ناح طائرُ ) ( تُغنِّي الضُّحَى والصبُّحَ في مُرْجَحِنَّةٍ ... كِثافِ الأعالِي تحتها الماءُ حائرُ ) ( كأن لم يكن بالغَيْل أو بطنِ أيْكةٍ ... أو الجزعِ من تول الأشاءةِ حاضِرُ ) ( يقول زيادٌ إذ رأى الحيَّ هَجَّرُوا ... أرَى الحيّ قد ساروا فهل أنتَ سائرُ ) ( وإِنّي وإِن غالَ التقادُمُ حاجتي ... مُلِمٌّ على أوطان لَيْلَى فَناظِرُ ) أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر عن الزبير عن محمد بن عبد الله البكري عن موسى بن جعفر بن أبي كثير وأخبرني عمي عن عبد الله بن شبيب عن هارون بن موسى الفروي عن موسى بن جعفر بن أبي كثير وأخبرني ابن المرزبان عن ابن الهيثم عن العمري عن العتبي قالوا جميعا يا جبل التوباد كان المجنون وليلى وهما صبيان يرعيان غنما لأهلهما عند جبل في بلادهما يقال له التوباد فلما ذهب عقله وتوحش كان يجيء إلى ذلك الجبل فيقيم به فإذا تذكر أيام كان يطيف هو وليلى به جزع جزعاً شديدا واستوحش فهام على وجهه حتى يأتي نواحي الشأم فإذا ثاب إليه عقله رأى بلدا لا يعرفه فيقول للناس الذين يلقاهم بأبي أنتم أين التوباد من أرض بني عامر فيقال له وأين أنت من أرض بني عامر أنت بالشام عليك بنجم كذا فأمه فيمضي على وجهه نحو ذلك النجم حتى يقع بأرض اليمن فيرى بلادا ينكرها وقوما لا يعرفهم فيسألهم عن التوباد وأرض بني عامر فيقولون وأين أنت من أرض بني عامر عليك بنجم كذا و كذا فلا يزال كذلك حتى يقع على التوباد فإذا رآه قال في ذلك ( وأجْهَشْتُ للتَّوبادِ حين رأيتُه ... وكَبَّرَ للرحمن حينَ رآنِي ) ( وأذرَيتُ دمعَ العين لمّا عرفتُه ... ونادى بأعلى صوته فدعانِي ) ( فقلتُ له قد كان حولَك جيرةٌ ... وعهدِي بذاكَ الصّرم منذ الزمانِ ) ( فقال مَضَوْا واستودَعُوني بلادَهم ... ومَنْ ذا الذي يبقَى على الحَدَثانِ ) ( وإِني لأبكي اليومَ من حَذَرِي غداً ... فِراقَكَ والحيَّانِ مُجْتَمِعانِ ) ( سِجَالاً وَتْهتَاناً وَوبْلاً ودِيمَةً ... وسَحًّا وتَسْجاماً إلى هَمَلانِ ) أخبرني عمي عن عبد الله بن شبيب عن هارون بن موسى الفروي عن موسى بن جعفر بن أبي كثير قال لما قال المجنون ( خليليّ لا واللهِ لا أملكُ الذي ... قضى اللهُ في ليلى ولا ما قَضَى لِيَا ) ( قضاها لغيري وابتلانِي بحبّها ... فَهَلاَّ بشيءٍ غير لَيلى ابتلانِيَا ) سلب عقله وحدثني جحظة عن ميمون بن هارون عن إسحاق الموصلي أنه لما قالهمابرص قال موسى بن جعفر في خبره المذكور وكان المجنون يسير مع أصحابه فسمع صائحا يصيح يا ليلى في ليلة ظلماء أو توهم ذلك فقال لبعض من معه أما تسمع هذا الصوت فقال ما سمعت شيئا قال بلى والله هاتف يهتف بليلى ثم أنشأ يقول ( أقولُ لأدْنى صاحِبَيَّ كُلَيمةٌ ... أُسِرَّتْ من الأقصى أجِبْ ذا المَنادِيَا ) ( إذا سِرْتُ في الأرْضِ الفَضاءِ رأيتِني ... أُصانِعُ رَحْلي أن يَمِيلَ حِيَالِيَا ) ( يميناً إذا كانت يميناً وإِن تكن ... شِمالاً يُنازِعْني الهوَى عن شِمَالِيَا ) وقال ابن شبيب وحدثني هارون بن موسى قال قلت لغرير بن طلحة الخزومي من أشعر الناس ممن قال شعرا في منى ومكة وعرفات فقال أصحابنا القرشيون ولقد أحسن المجنون حيث يقول ( وداعٍ دعا إذ نحن بالخَيفِ من مِنىً ... فهيَّجَ أحزانَ الفؤادِ وما يدري ) ( دعا باسم ليلى غيرَها فكأنما ... أطارَ بليلى طائراً كان في صدري ) فقلت له هل تروي للمجنون غير هذا قال نعم وأنشدني له ( أما والذي أرْسَى ثَبِيراً مكانه ... عليه السَّحابُ فوقه يَتَنَصَّبُ ) حذف ( وما سَلَكَ المومَاةَ من كلّ جَسْرةٍ ... طليحٍ كجفن السّيف تَهْوِي فتُركبُ ) ( لقد عِشْتُ مِنْ ليلى زمانا أُحِبُها ... أخا الموت إذ بعضُ المِحبين يكذِبُ ) أخبرني محمد بن مزيد عن حماد بن أسحاق عن أبيه قال كانت كنية ليلى أم عمرو وأنشد للمجنون صوت ( أبى القلبُ إلا حُبَّهُ عامريَّةً ... لها كنيةٌ عمرٌو وليس لها عمرُو ) ( تكادُ يدي تَنْدَى إذا ما لمستُها ... ويُنبتُ في أطرافها الورقُ الخُضْرُ ) الغناء لعريب ثقيل أول وقال حبش فيه لإسحاق خفيف ثقيل ليلى المنيحة أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي عن دماذ عن أبي عبيدة قال خطب ليلى صاحبة المجنون جماعة من قومها فكرهتهم فخطبها رجل من ثقيف موسر فرضيته وكان جميلا فتزوجها وخرج بها فقال المجنون في ذلك ( ألا إنّ ليلى كالمَنيحةِ أصبحَتْ ... تَقَطَّعُ إلا من ثقيفٍ حِبالُها ) ( فقد حبسوها مَحْبَسَ البُدْنِ وابتغَى ... بها الريحَ أقوامٌ تساحت مالُها ) ( خليليّ هل مِنْ حيلةٍ تعلمانها ... يُدَنِّي لنا تكليم ليلى احتيالُها ) ( فإن أنتما لم تَعْلَمَاها فلستُما ... بأوّلِ باغٍ حاجةً لا ينالُها ) ( كأنّ مع الركب الذين أغتَدَوْا بها ... غمامةَ صيفٍ زعزعَتْها شَمَالُها ) ( نظرتُ بمُفْضَى سَيلِ جَوْشَنَ إذ غَدَوْا ... تَخُبُّ بأطراف المَخَارِم آلُها ) ( بشافيةِ الأحزان هيَّج شوقَها ... مُجَامَعَةُ الأُلاَّفِ ثم زِيَالُها ) ( إذا التفتتْ من خَلْفِها وهي تَعْتَلي ... بها العِيسُ جَلَّى عَبْرَة العينِ حَالُها ) أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال أنشدني أحمد بن يحيى ثعلب عن أبي نصر أحمد بن حاتم قال وأنشدناه المبرد للمجنون فقال صوت ( وأَحْبِسُ عنكِ النفسَ والنفسُ صَبَّةٌ ... بِذِكْراكِ وَالمَمْشَى إليكِ قريبُ ) ( مخافةَ أن تسعى الوُشَاةُ بِظنَّةِ ... وأَحْرُسُكم أن يستريبَ مُرِيبُ ) ( فقد جعلتْ نفسي وأنتِ اجترمتِه ... وكنتِ أعزَّ الناسِ عنكِ تَطِيبُ ) ( فلو شئتِ لم أَغْضَبْ عليكِ ولم يزل ... لكِ الدهرَ منِّى ما حييتُ نصيبُ ) ( أمَا والذي يَبْلو السرائرِ كُلَّها ... ويعلَمُ ما تُبْدِي به وتَغِيبُ ) ( لقد كنتِ ممن تَصْطَفِي النفسُ خُلَّةً ... لها دون خُلاَّنِ الصَّفاء حُجُوبُ ) ذكر يحيى المكي أنه لابن سريج ثقيل أول وقال الهشامي إنه من منحول يحيى إليه أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الحسن بن محمد بن طالب الديناري قال حدثني إسحاق الموصلي وأخبرني به محمد بن مزيد والحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني سعيد بن سليمان عن أبي الحسن الببغاء قال بينا أنا وصديق لي من قريش نمشي بالبلاط ليلا إذا بظل نسوة في القمر فسمعت إحداهن تقول أهو هو فقالت لها أخرى معها إي والله إنه لهو هو فدنت مني ثم قالت يا كهل قل لهذا الذي معك ( ليستْ لياليكَ في خاخٍ بعائدةٍ ... كما عهدتَ ولا أيامُ ذي سَلَمِ ) فقلت أجب فقد سمعت فقال قد والله قطع بي وأرتج علي فأجب عني فقلت ( فقلتُ لها يا عزّ كلُّ مصيبةٍ ... إذا وُطّنتْ يوماً لها النفسُ ذَلَّتِ ) ثم مضينا حتى إذا كنا بمفرق طريقين مضى الفتى إلى منزله ومضيت إلى منزلي فإذا أنا بجويرية تجذب ردائي فالتفت فقالت لي المرأة التي كلمتها تدعوك فمضيت معها حتى دخلت دارا واسعة ثم صرت إلى بيت فيه حصير وقد ثنت لي وسادة فجلست عليها ثم جاءت جارية بوسادة مثنية فطرحتها ثم جاءت المرأة فجلست عليها فقالت لي أنت المجيب قلت نعم قالت ما كان أفظ لجوابك وأغلظه فقلت لها ما حضرني غيره فسكتت ثم قالت لا والله ما خلق الله خلقا أحب إلي من إنسان كان معك فقلت لها أنا الضامن لك عنه ما تحبين فقالت هيهات أن يقع بذلك وفاء فقلت أنا الضامن وعلي أن آتيك به في الليلة القابلة فانصرفت فإذا الفتى ببابي فقلت ما جاء بك قال ظننت أنها سترسل إليك وسألت عنك فلم أعرف لك خبرا فظننت أنك عندها فجلست أنتظرك فقلت له وقد كان الذي ظننت وقد وعدتها أن آتيك فأمضي بك إليها في الليلة المقبلة فلما أصبحنا تهيأنا وانتظرنا المساء فلما جاء الليل رحلنا إليها فإذا الجارية منتظرة لنا فمضت أمامنا حين رأتنا حتى دخلت تلك الدار ودخلنا معها فإذا رائحة طيبة ومجلس قد أعد ونضد فجلسنا على وسائد قد ثنيت لنا وجلست مليا ثم أقبلت عليه فعاتبته مليا ثم قالت صوت ( وأنتَ الذي أخلفتَني ما وعدتَني ... وأشْمَتَّ بي مَنْ كان فيكَ يلومُ ) ( وأبرزتني للناس ثم تركْتَنِي ... لهم غَرَضاً أُرمَى وأنتَ سَليمُ ) ( فلو كان قولُ يَكلُمُ الجلدَ قد بدا ... بِجِلْديَ من قول الوشاة كُلُومُ ) هذه الأبيات لأميمة امرأة ابن الدمينة وفيها غناء لإبراهيم الموصلي ذكره إسحاق ولم يجنسه وقال الهشامي هو خفيف رمل وفيه لعريب خفيف ثقيل أول ينسب إلى حكم الوادي وإلى يعقوب قال ثم سكتت وسكت الفتى هنيهة ثم قال ( غَدَرْتِ ولم أغدِر وخُنْتِ ولم أخُنْ ... وفي بعض هذا للمحبّ عَزَاءُ ) ( جزيتُكِ ضِعْفَ الودّ ثم صَرَمتِني ... فحبُّكِ من قلبي إليكِ أَداءُ ) فالتفتت إلي فقالت ألا تسمع ما يقول قد خبرتك فغمزته أن كف فكف ثم أقبلت عليه وقالت صوت ( تجاهَلْتَ وَصلي حيَن جَدّتْ عَمَايتي ... فهلاّ صرَمتَ الحبلَ إذ أنا أُبصِرُ ) ( ولي من قُوَى الحبل الذي قد قطعتَه ... نصيب وإذ رأيي جميعُ مُوفَّرُ ) ( ولكنما آذنتَ بالصَّرْم بغتَةً ... ولستُ على مثل الذي جئتَ أَقدِرُ ) الغناء لإبراهيم ثقيل أول بالوسطى عن عمرو فقال ( لقد جعلتْ نفسِي وأنتِ اجترمتِه ... وكنت أعزَّ الناس عنكِ تطيبُ ) قال فبكت ثم قالت أو قد طابت نفسك لا والله ما فيك بعدها خير ثم التفتت إلي وقالت قد علمت أنك لا تفي بضمانك ولا يفي به عنك وهذا البيت الأخير للمجنون وإنما ذكر هذا الخبر هنا وليس من أخبار المجنون لذكره فيه رجع الخبر إلى سياقة أخبار المجنون أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن العمري عن الهيثم بن عدي أن رهط المجنون اجتازوا في نجعة لهم بحيّ ليلى وقد جمعتْهم نُجعهٌ فرأى أبيات أهل ليلى ولم يقدم على الإلمام بهم وعدل أهله إلى جهة أخرى فقال المجنون ( لعمرُكَ إنّ البيتَ بالقِبَل الذي ... مررتُ ولم أُلْمِم عليه لَشَائِقُ ) حذف ( وبالجَزْعِ مِن أعلى الجنيبةِ منزلٌ ... شَجَا حَزنٍ صدرِي به مُتَضايِقُ ) ( كأني إذا لم أَلق ليلى مُعَلَّقٌ ... بِسِبَّينِ أهْفُو بين سَهْلٍ وحَالِق ) ( على أنني لو شئتُ هاجت صبابتي ... عليّ رسومٌ عيّ فيها التَّناطُقُ ) ( لَعمْرُكِ إن الحبَّ يا أمَّ مالكٍ ... بقلبي براني اللهُ منه لَلاَصِقُ ) ( يَضمُّ عليّ الليلُ أطرافَ حُبِّكم ... كما ضَمَّ أطرافَ القمِيص البَنَائِقُ ) صوت ( وماذا عسى الواشونَ أن يتحدّثوا ... سوى أن يقولوا إنني لكِ عاشِقُ ) ( نَعَم صدق الواشونَ أنتِ حبيبةٌ ... إليّ وإن لم تَصْفُ منكِ الخلائِقُ ) الغناء لمتيم ثقيل أول من جامعها وفيه لدعامة رمل عن حبش أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني أحمد بن الطيب قال قال ابن الكلبي دخلت ليلى على جارة لها من عقيل وفي يدها مسواك تستاك به فتنفست ثم قالت سقى الله من أهدى لي هذا المسواك فقالت لها جارتها من هو قالت قيس بن الملوح وبكت ثم نزعت ثيابها تغتسل فقالت ويحه لقد علق مني ما أهلكه من غير أن أستحق ذلك فنشدتك الله أصدق في صفتي أم كذب فقالت لا والله بل صدق قال وبلغ المجنون قولها فبكى ثم انشأ يقول ( نُبِّئْتُ ليلى وقد كنَّا نبخّلها ... قالت سقى المزنُ غيثاً منزلا خرِبَا ) ( وحبَّذَا راكبٌ كُنَّا نَهَشُّ به ... يُهدِي لنا من أَراكِ الموسم القُضُبَا ) ( قالتْ لجارتها يوما تُسَائِلُها ... لَمَّا استَحَمَّت وألقَتْ عندها السَّلَبَا ) ( يا عَمْرُكِ الله أَلاّ قُلْتِ صادقةً ... أَصَدَقَتْ صِفةُ المجنون أم كذبَا ) ويروى نشدتك الله ويروى أصادقا وصف المجنون أم كذبا وقال أبو نصر في أخباره لما زوجت ليلى بالرجل الثقفي سمع المجنون رجلا من قومها يقول لآخر أنت ممن يشيع ليلى قال ومتى تخرج قال غدا ضحوة أو الليلة فبكى المجنون ثم قال صوت ( كأنّ القلبَ ليلةَ قيل يُغدَى ... بليلى العامريّةِ أو يُراحُ ) ( قطاةٌ عَزَّها شرَكٌ فباتتْ ... تُجاذِبه وقد عَلِقَ الجناحُ ) الغناء ليحيى المكي خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو وفيه رمل ينسب إلى إبراهيم وإلى أحمد بن يحيى المكي وقال حبش فيه خفيف ثقيل بالوسطى لسليم غريب الدار وقال الهيثم بن عدي في خبره حدثني عبد الله بن عياش الهمداني قال حدثني رجل من بني عامر قال مطرنا مطرا شديدا في ربيع ارتبعناه ودام المطر ثلاثا ثم أصبحنا في اليوم الرابع على صحو وخرج الناس يمشون على الوادي فرأيت رجلا جالسا حجرة وحده فقصدته فإذا هو المجنون جالس وحده يبكي فوعظته وكلمته طويلا وهو ساكت لم يرفع رأسه إلي ثم أنشدني بصوت حزين لا أنساه أبدا وحرقته صوت ( جَرى السَّيلُ فاستبكانِيَ السيلُ إذا جرى ... وفاضَتْ له من مُقْلَتَيَّ غُروبُ ) ( وما ذَاكَ إلا حينَ أيقنتُ أنه ... يكون بوادٍ أنتِ فيه قريبُ ) ( يكون أُجَاجاً دونكم فإذا انتهى ... إليكم تَلَقَّى طيبَكم فيطيبُ ) ( أَظَلُّ غريبَ الدارِ في أرض عامرٍ ... ألا كلُّ مهجورٍ هناكَ غَرِيبُ ) ( وإن الكثيبَ الفردَ من أيمن الحمى ... إليّ وإن لم آته لحبيبُ ) ( فَلا خَيرَ في الدنيا إذا أنتَ لم تَزُر ... حبيباًُ ولم يَطرَبْ إليكَ حبيبُ ) وأول هذه القصيدة وفيه أيضا غناء صوت ( ألا أيّها البيتُ الذي لا أزوره ... وهِجْرانُه منّي إليه ذُنوبُ ) ( هجرتُكَ مشتاقاً وزرتُكَ خائفاً ... وفيكَ عليّ الدهرَ منكَ رقيبٌ ) ( سأستَعْطِفُ الأيامَ فيكَ لعلّها ... بيوم سرورٍ في هواكَ تُثِيبُ ) هذه الأبيات في شعر محمد بن أمية مروية ورويت هاهنا للمجنون في هذه القصيدة وفيها لعريب ثقيل أول ولعبد الله بن العباس ثاني ثقيل ولأحمد بن المكي خفيف ثقيل ( وأُفرِدْتُ إفرادَ الطرِيد وباعدتْ ... إلى النفس حاجاتٌ وهنّ قريبُ ) صوت ( جَرى السَّيلُ فاستبكانِيَ السيلُ إذا جرى ... وفاضَتْ له من مُقْلَتَيَّ غُروبُ ) ( وما ذَاكَ إلا حينَ أيقنتُ أنه ... يكون بوادٍ أنتِ فيه قريبُ ) ( يكون أُجَاجاً دونكم فإذا انتهى ... إليكم تَلَقَّى طيبَكم فيطيبُ ) ( أَظَلُّ غريبَ الدارِ في أرض عامرٍ ... ألا كلُّ مهجورٍ هناكَ غَرِيبُ ) ( وإن الكثيبَ الفردَ من أيمن الحمى ... إليّ وإن لم آته لحبيبُ ) ( فَلا خَيرَ في الدنيا إذا أنتَ لم تَزُر ... حبيباًُ ولم يَطرَبْ إليكَ حبيبُ ) وأول هذه القصيدة وفيه أيضا غناء صوت ( ألا أيّها البيتُ الذي لا أزوره ... وهِجْرانُه منّي إليه ذُنوبُ ) ( هجرتُكَ مشتاقاً وزرتُكَ خائفاً ... وفيكَ عليّ الدهرَ منكَ رقيبٌ ) ( سأستَعْطِفُ الأيامَ فيكَ لعلّها ... بيوم سرورٍ في هواكَ تُثِيبُ ) هذه الأبيات في شعر محمد بن أمية مروية ورويت هاهنا للمجنون في هذه القصيدة وفيها لعريب ثقيل أول ولعبد الله بن العباس ثاني ثقيل ولأحمد بن المكي خفيف ثقيل ( وأُفرِدْتُ إفرادَ الطرِيد وباعدتْ ... إلى النفس حاجاتٌ وهنّ قريبُ ) ( لئن حال يأسٌ دون لَيْلَى لربّما ... أتى اليأسُ دون الأمر فهو عَصِيبُ ) ( ومنّيتِني حتى إذا ما رأيتِني ... على شَرَفٍ للناظرين يُرِيبُ ) ( صدَدتِ وأشمَتِّ العدوَّ بصرْمِنا ... أثابكِ يا لَيْلَى الجزاءَ مُثيبُ ) أبلغيها السلام وقولي لها هيهات أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال حدثنا مهدي بن سابق قال حدثنا بعض مشايخ بني عامر أن المجنون مر في توحشه فصادف حي ليلى راحلا ولقيها فجأة فعرفها وعرفته فصعق وخر مغشيا على وجهه وأقبل فتيان من حي ليلى فأخذوه ومسحوا التراب عن وجهه وأسندوه إلى صدورهم وسألوا ليلى أن تقف له وقفة فرقت لما رأته به وقالت أما هذا فلا يجوز أن أفتضح به ولكن يا فلانة لأمة لها اذهبي إلى قيس فقولي له ليلى تقرأ عليك السلام وتقول لك أعزز علي بما أنت فيه ولو وجدت سبيلا إلى شفاء دائك لوقيتك بنفسي منه فمضت الوليدة إليه وأخبرته بقولها فأفاق وجلس وقال أبلغيها السلام وقولي لها هيهات إن دائي ودوائي أنت وإن حياتي ووفاتي لفي يديك ولقد وكلت بي شقاء لازما وبلاء طويلا ثم بكى وأنشأ يقول ( أقول لأصحابي هي الشمس ضوءُها ... قريبٌ ولكن في تَنَاوُلِها بُعدُ ) ( لقد عرضتْنا الريحُ منها بنفحةٍ ... على كَبِدِي من طيبِ أرواحها بَرْدُ ) ( فما زلتُ مَغْشيّاً عليَّ وقد مَضتْ ... أناةٌ وما عندي جوابٌ ولا رَدُّ ) ( أُقَلَّبُ بالأيدي وأهلي بِعَوْلةٍ ... يُفدُّونني لو يستطيعون أن يَفْدُوا ) ( ولم يبق إلا الجلدُ والعظمُ عاريا ... ولا عظمَ لي إن دام ما بي ولا جِلدُ ) ( أَدُنيايَ مالي في انقطاعي وغُربتي ... إليكِ ثوابٌ منكِ دَينٌ ولا نَقْدُ ) ( عِدِينِي بنفسِي أنتِ وعداً فربّما ... جلاَ كُربَةَ المكروب عن قلبه الوعدُ ) وقد يُبتلَى قومٌ ولا كَبليّتِي ... ولا مثلَ جَدِّي في الشقاء بكم جَدُّ ) ( غَزَتنِي جنودُ الحّب من كلِّ جانبٍ ... إذا حان من جندٍ قُفُولٌ أتى جُندُ ) وقال أبو نصر أحمد بن حاتم كان أبو عمرو المدني يقول قال نوفل بن مساحق أخبرت عن المجنون أن سبب توحشه أنه كان يوما بضرية جالسا وحده إذ ناداه مناد من الجبل ( كِلاَنَا يا أُخَيّ يُحِبُ لَيْلَى ... بفِيَّ وفِيكَ من لَيْلَى الترابُ ) ( لقد خَبَلتْ فؤادكَ ثم ثنَّتْ ... بقلبي فهو مَهمومٌ مُصاب ( شَرِكتُكَ في هَوَى مَن ليس تُبدِي ... لنا الأيامُ منه سِوَى اجتنابِ ) نوفل بن مساحق يروي أخبار المجنون قال فتنفس الصعداء وغشي عليه وكان هذا سبب توحشه فلم ير له أثر حتى وجده نوفل بن مساحق قال نوفل قدمت البادية فسألت عنه فقيل لي توحش ومالنا به عهد ولا ندري إلى أين صار فخرجت يوما أتصيد الأروى ومعي جماعة من أصحابي حتى إذا كنت بناحية الحمى إذا نحن بأراكة عظيمة قد بدا منها قطيع من الظباء فيها شخص إنسان يرى من خلل تلك الأراكة فعجب أصحابي من ذلك فعرفته وأتيته وعرفت أنه المجنون الذي أخبرت عنه فنزلت عن دابتي وتخففت من ثيابي وخرجت أمشي رويدا حتى أتيت الأراكة فارتقيت حتى صرت على أعلاها وأشرفت عليه وعلى الظباء فإذا به وقد تدلى الشعر على وجهه فلم أكد أعرفه إلا بتأمل شديد وهو يرتعي في ثمر تلك الأراكة فرفع رأسه فتمثلت ببيت من شعره ( أَتَبكي على ليلى ونفسُك باعَدتْ ... مَزَارَكَ من ليلى وشِعْبَاكُما معَا ) قال فنفرت الظباء واندفع في باقي القصيدة ينشدها فما أنسى حسن نغمته وحسن صوته وهو يقول ( فما حَسَنٌ أن تأتيَ الأمرَ طائعا ... وتَجْزَعَ أن داعي الصبابةِ أسمعا ) ( بكتْ عَينيَ اليسرى فلما زجرتُها ... عن الجهل بعد الحلم أسبلَتا معَا ) ( وأذكرُ أيامَ الحِمَى ثم أَنثَني ... على كبدي من خَشيةٍ أن تَصدَّعا ) ( فليسَتْ عَشِيَّاتُ الحِمَى برواجعٍ ... عليك ولكن خَلّ عينيكَ تَدمَعَا ) ( معي كلُ غِرٍّ قد عصَى عاذلاته ... بوصل الغَوانِي من لَدُنْ أن تَرعرَعَا ) ( إذ راحَ يمشِي في الرداءينِ أسرَعتْ ... إليه العيونُ الناظراتُ التطلُّعَا ) قال ثم سقط مغشيا عليه فتمثلت بقوله ( يا دارَ ليلى بسِقْطِ الحيّ قد دَرَسَتْ ... إلا الثُّمَامَ وإلا مَوْقِدَ النَّارِ ) ( ما تفتأ الدهرَ من ليلى تموت كذا ... في موقف وقفتْه أو على دارِ ) ( أبْلَى عظامَكَ بعد اللحمِ ذِكْرُكَهَا ... كما يُنَحِّتُ قِدْحَ الشَّوْحَطِ البارِي ) فرفع رأسه إلي وقال من أنت حياك الله فقلت أنا نوفل بن مساحق فحياني فقلت له ما أحدثت بعدي في يأسك منها فأنشدني يقول ( ألا حُجِبَتْ ليلى وآلى أميُرها ... عليّ يميناً جاهداً لا أزورُها ) ( وأوعدني فيها رجالٌ أبوهُمُ ... أبي وأبوها خُشِّنَتْ لي صُدورُها ) ( على غير جُرمٍ غيرَ أني أُحِبُّها ... وأنَّ فؤادي رهنُها وأسيرُها ) قال ثم سنحت له ظباء فقام يعدو في أثرها حتى لحقها فمضى معها حدثني الحسن بن علي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي بن الصباح عن ابن الكلبي قال لما قال مجنون بني عامر ( قضاها لغيرِي وابتلاني بحبّها ... فهلاَّ بشيءٍ غيرِ ليلى ابتلانيا ) نودي في الليل أنت المتسخط لقضاء الله والمعترض في أحكامه واختلس عقله فتوحش منذ تلك الليلة وذهب مع الوحش على وجهه وهذه القصيدة التي قال فيها هذا البيت من أشهر أشعاره والصوت المذكور بذكره أخبار المجنون هاهنا منها وفيها أيضا عدة أبيات يغنى فيها فمن ذلك صوت ( أَعُدُّ الليالي ليلةً بعد ليلةٍ ... وقد عِشتُ دهراً لا أَعُدُّ اللّيالِيَا ) ( أَرَاني إذا صَلّيتُ يمّمْتُ نحوَها ... بوجْهِي وإن كان المصلَّى ورائِيَا ) ( وما بيَ إِشراكٌ ولكنَّ حبَّها ... كعُود الشجَا أعيا الطبيبَ المُداوِيَا ) ( أُحِبُّ من الأسماء ما وافق اسمَها ... وأشبَهه أو كان منه مُدَانِيَاي ) في هذه الأبيات هزج خفيف لمعان معزفي صوت ( وخبّرتمانِي أنّ تيماءَ منزلٌ ... لليلى إذا ما الصيفُ ألقَى المراسيَا ) ( فهذي شهورُ الصيّف عنّي قد انقضَتْ ... فما للنَّوى تَرمِي بليلَى المراميَا ) في هذين البيتين لحن من الرمل صنعته عجوز عمير الباذغيسي على لحن إسحاق ( أَمَاوِيَّ إنّ المالَ غادٍ ورائحُ ... وله حديث قد ذكر في أخبار إسحاق وهذا اللحن إلى الآن يغنى لأنه أشهر في أيدي الناس وإنما هو لحن إسحاق أخذ فجعل على هذه الأبيات وكيد بذلك صوت ( فلو كان واشٍٍ باليمامة بيتُه ... وداري بأعلَى حَضْرَمَوْتَ أهتدَي لِيَا ) ( وماذا لهم لا أحسنَ اللهُ حالَهُمْ ... من الحظّ في تَصْريم ليلى حِباليَا ) ( فأنتِ التي إن شئتِ أشقَيتِ عِيشتي ... وإن شئتِ بعدَ اللهِ أنعمتِ باليَا ) ( وأَنتِ التي ما من صديقٍ ولا عِداً ... يَرى نِضْوَ ما أبقيتِ إلا رَثَي لِيَا ) ( أمَضروبةٌ ليلى على أن أزورَها ... ومُتَّخَذٌ ذنباً لها أن تَرانيَا ) ي ( إذا سِرْتُ في الأرض الفضاءِ رأيتُني ... أٌصانِعُ رَحْلي أن يَميلَ حِيَاليَا ) ( يميناً إذا كانت يميناً وإن تكن ... شِمالاً يُنازِعْنِي الهوى عن شمِالِيَا ) ( أُحِبُّ من ألاسماء ما وافق اسمَها ... وأشبَههُ أو كان منه مُدانيَا ) ( هي السحرُ إلا أنّ للحسر رُقْيَةً ... وإِنِّيَ لا أُلْفِي لها الدهرَ راقِيَا ) وأنشد أبو نصر للمجنون وفيه غناء صوت ( تكاد يدِي تَنْدَى إذا ما لمستُها ... وينبُتُ في أطرافها الورَقُ الخُضرُ ) ( أبى القلبُ إلا حبَّها عامريَّةً ... لها كنيةٌ عمرو وليس لها عمرُو ) الغناء لعريب ثقيل أول وذكر الهشامي أن فيه لإسحاق خفيف ثقيل المجنون بعد موت أبيه كنت سيفا لا تفل مضاربه أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال أنشدني جماعة من بني عقيل للمجنون يرثي أباه ومات قبل اختلاطه وتوحشه فعقر على قبره ورثاه بهذه الأبيات ( عقَرتُ على قبر الملوّّح ناقتي ... بِذي السَّرْحِ لمّا أن جَفتْه أقاربُهْ ) ( وقلتُ لها كوني عقيراً فإنّني ... غداةَ غدٍ ماشٍ وبالأمس راكبُهْ ) ( فلا يُبعِدَنْكَ اللهُ يابنَ مزاحمٍ ... وكلُّ امرىءٍ لِلْموتِ لا بدّ شاربُهْ ) ( فقد كنتَ طَلاّع النِّجادِ ومُعْطِيَ الْجياد ... وسيفاً لا تُفَلُّ مَضَارِبُهْ ) أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن شبيب عن الحزامي عن محمد بن معن قال بلغني أن رجلا من بني جعدة بن كعب كان أخا وخلا للمجنون مر به يوما وهو جالس يخط في الأرض ويعبث بالحصى فسلم عليه وجلس عنده فأقبل يخاطبه ويعظه ويسليه وهو ينظر إليه ويلعب بيده كما كان وهو مفكر قد غمره ما هو فيه فلما طال خطابه إياه قال يا أخي أما لكلامي جواب فقال له والله يا أخي ما علمت أنك تكلمني فاعذرني فإني كما ترى مذهوب العقل مشترك اللب وبكى ثم أنشأ يقول صوت ( وشُغِلتُ عن فَهم الحديث سِوى ... ما كان منكِ فإنه شُغْلي ) ( وأُدِيمُ لَحْظَ مُحَدِّثي ليَرى ... أنْ قد فهمتُ وعندكم عَقْلِي ) الغناء لعلويه وقال الهيثم مر المجنون بواد في أيام الربيع وحمامه يتجاوب فأنشأ يقول صوت ( ألا يا حَمَامَ الأيكِ ما لَكَ باكياً ... أفارقْتَ إِلفاً أم جفاك حبيب ( دعاكَ الهوى والشوقُ لما ترنَّمَتْ ... هَتُوفُ الضحى بين الغصون طَروبُ ) ( تُجاوِبُ وُرْقاً قد أذِنَّ لصوتها ... فكلٌّ لِكلّ مُسْعِدٌ ومُجيبُ ) الغناء لرذاذ ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى وقال خالد بن حمل حدثني رجال من بني عامر أن زوج ليلى وأباها خرجا في أمر طرق الحي إلى مكة فأرسلت ليلى بأمة لها إلى المجنون فدعته فأقام عندها ليلة فأخرجته في السحر وقالت له سر إلي في كل ليلة ما دام القوم سفرا فكان يختلف إليها حتى قدموا وقال فيها في آخر ليلة لقيها وودعته ( تمتّعْ بليلى إنما أنتَ هامةٌ ... من الهام يدنو كلَّ يوم حِمَامُها ) ( تمتّعْ إلى أن يرجعَ الركبُ إنهم ... متى يرجعوا يَحْرُمْ عليكَ كلامُها ) مرض المجنون ولم تعده ليلى وقال الهيثم مرض المجنون قبل أن يختلط فعاده قومه ونساؤهم ولم تعده ليلى فيمن عاده فقال صوت ( ألا ما لِليلَى لا تُرَى عند مَضْجَعي ... بليلٍ ولا يَجْرِي بها لِيَ طائرُ ) ( بلى إنّ عُجْمَ الطير تجري إذا جَرَتْ ... بليلَى ولكن ليس للطير زاجرُ ) ( أحالَتْ عن العهد الذي كان بيننا ... بذي الرِّمْثِ أم قد غيّبتْها المقابرُ ) الغناء لسليم ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي ( فوالله ما في القرب لي منكِ راحةٌ ... ولا البُعدُ يُسْلِيني ولا أنا صابرُ ) ( ووالله ما أدرِي بأيّةِ حِيلةٍ ... وأيّ مَرَامٍ أو خِطارٍ أُخاطرُ ) ( ووالله إنّ الدهرَ في ذات بينِنا ... عليّ لها في كلّ أمرٍ لجائرُ ) ( فلوكنتِ إذا أزمَعْتِ هَجْري تركتِني ... جميعَ القُوى والعقلُ منّيَ وافرُ ) ( ولكنَّ أيامي بحَفْل عُنَيزَةٍ ... وذِي الرِّمثِ أيامٌ جناها التجاوُرُ ) ( فقد أصبح الودُّ الذي كان بيننا ... أمانيَّ نفس إن تَخَبَّرّ خابرُ ) ( لَعَمْرِي لقد أَرْهَقْتِ يا أمَّ مالكٍ ... حياتي وساقَتْني إِليكِ المقادرُ ) أخبرني عمي قال حدثني محمد بن عبد الله الأصبهاني المعروف بالحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه قال حدثني بعض بني عقيل قال قيل للمجنون أي شيء رأيته أحب إليك قال ليلى قيل دع ليلى فقد عرفنا ما لها عندك ولكن سواها قال والله ما أعجبني شيء قط فذكرت ليلى إلا سقط من عيني وأذهب ذكرها بشاشته عندي غير أني رأيت ظبيا مرة فتأملته وذكرت ليلى فجعل يزداد في عيني حسنا ثم إنه عارضه ذئب وهرب منه فتبعته حتى خفيا عني فوجدت الذئب قد صرعه وأكل بعضه فرميته بسهم فما أخطأت مقتله وبقرت بطنه فأخرجت ما أكل منه ثم جمعته إلى بقية شلوه ودفنته وأحرقت الذئب وقلت في ذلك ( أبى اللُه أن تبقَى لحيّ بشاشةٌ ... فصبراً على ما شاءه اللُه لي صبرَا ) ( رأيتُ غزالاً يرتَعِي وَسْطَ روضةٍ ... فقلتُ أَرَى ليلى تراءتْ لنا ظُهْرا ) ( فيا ظبيُ كُلْ رَغْداً هنيئاً ولا تخف ... فإنكَ لي جارٌ ولا تَرْهَبِ الدهرَا ) ( وعندي لكم حِصنٌ حصينٌ وصارمٌ ... حُسَامٌ إذا أعملتهُ أحسنَ الهَبْرَا ) ( فما راعني إلا وذئبٌ قدانتَحَى ... فأعلقَ في أحشائه النابَ والظُّفْرا ) ( ففوّقتُ سهمي في كَتُوم غَمَزْتُها ... فخالط سهمي مُهجَةَ الذئبِ والنَّحْرَا ) ( فأذهب غيظي قتلُه وشفى جَوًى ... بقلبَي إن الحرَّ قد يُدركُ الَوِتْرا ) قال أبو نصر بلغ المجنون قبل توحشه أن زوج ليلى ذكره وعضهه وسبه وقال أو بلغ من قدر قيس بن الملوح أن يدعي محبة ليلى وينوه باسمها فقال ليغيظه بذلك ( فإن كان فيكم بعلُ ليلى فإنّني ... وذي العرش قد قبّلتُ فاها ثمانِيا ) ( وأشهَدُ عند الله أنّي رأيتُها ... وعشرون منها أصبعا مِنْ وَرَائِيا ) ( أليس من البلوى التي لا شَوَى لها ... بأن زُوِّجتْ كلباً وما بُذِلتْ لِيا ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن ابن الكلبي قال خرج المجنون في عدة من قومه يريدون سفرا لهم فمروا في طريق يتشعب وجهتين إحداهما ينزلها رهط ليلى وفيها زيادة مرحلة فسألهم أن يعدلوا معه إلى تلك الوجهة فأبوا فمضى وحده وقال صوت ( أأتركُ ليلى ليس بيني وبينها ... سوَى ليلةٍ إني إِذاً لَصَبُورُ ) ( هَبُوني امرأً منكم أضلَّ بعيَره ... له ذِمَّةٌ إنّ الذِّمام كبيُر ) ( وَللصَّاحبُ المتروكُ أعظمُ حرمةً ... على صاحبٍ مِنْ أن يَضِلَّ بعيُر ) ( عفا اللهُ عن ليلَىالغداةَ فإنها ... إذا وَلِيَتْ حُكماً عليّ تَجُورُ ) الغناء لابن سريج خفيف رمل بالوسطى عن عمرو وفيه للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش وفيه لابن المارقي خفيف ثقيل عن الهشامي وفيه لعلويه رمل بالبنصر وذكر عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه أن المجنون كان ذات ليلة جالسا مع أصحاب له من بني عمه وهو وله يتلظى ويتململ وهم يعظونه ويحادثونه حتى هتفت حمامة من سرحة كانت بإزائهم فوثب قائما وقال صوت ( لقد غَرَّدَتْ في جنح ليل حمامةٌ ... على إلفها تبكي وإني لنائمُ ) ( كَذبتُ وبيتِ اللهِ لو كنتُ عاشقاً ... لمَاَ سَبَقَتْني بالبكاء الحمائمُ ) ثم بكى حتى سقط على وجهه مغشيا عليه فما أفاق حتى حميت الشمس عليه من غد الغناء في هذين البيتين لعبد الله بن ذحمان ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى وذكر أبو نصر عن أصحابه أن رجلا مر بالمجنون وهو برمل يبرين يخطط فيه فوقف عليه متعجبا منه وكان لا يعرفه فقال له ما بك يا أخي فرفع رأسه إليه وأنشأ يقول ( بِي اليأسُ والداءُ الهُيَامُ أصابني ... فَإِياكَ عنّي لايكُنْ بكَ ما بِيَا ) ( كَانّ جفونَ العينِ تهمي دموعُها ... غداةَرأتْ أظعانَ ليلى غوادِيَا ) ( غُروبٌ أمرَّتْها نواضحُ بُزَّلٌ ... على عَجَلٍ عُجْم يُروِّينَ صادِيا ) وقال خالد بن جمل ذكر حماد الرواية أن نفرا من أهل اليمن مروا بالمجنون فوقفوا ينظرون إليه فأنشأ يقول ( ألا أيها الركبُ اليَمَانُونَ عرِّجوا ... علينا فقد أمسى هوانَا يمانِيَا ) ( نُسائِلْكُم هل سالَ نَعْمانُ بعدنا ... وحَبَّ إلينا بطنُ نَعْمانَ وادِيَا ) يقول في هذه القصيدة صوت ( ألا يا حَمَامَيْ قَصْرِ وَدّانَ هِجْتُما ... عليّ الهوَى لمَّا تغنَّيتُما لِيَا ) ( فأبكيتُماني وسْطَ صَحْبي ولم أُكن ... أبالِي دُموعَ العينِ لو كنتُ خالِيَا ) غنى في هذين البيتين علويه غناء لم ينسب ( فواللهِ إِنّي لا أُحبُّ لغير أن ... تَحُلّ بها ليلى البِرَاقَ الأَعَاليَا ) ( ألا يا خليلي حُبُّ لَيْلَى مُجشِّمِي ... حياضَ المنايا أو مُقِيدي الأعادِيَا ) ( ويا أيُّها القُمْريَّتان تَجاوَبَا ... بلَحْنيكما ثم اسجَعَا عَلِّلاَ نِيِا ) ( فإن أنتما استَطْربتما وأردتُمَا ... لَحَاقاً بأطراف الغَضَى فاتْبعانِيَا ) نشيج العاشقين قال أبو نصر وذكر خالد بن كلثوم أن زوج ليلى لما أراد الرحيل بها إلى بلده بلغ المجنون أنه غاد بها فقال صوت ( أمُزمِعةٌ للبين ليلَى ولم تَمُتْ ... كأنكَ عما قد أظلَّك غافِلُ ) ( ستَعلم إن شطَّتْ بهم غُرْبةُ النّوَى ... وزالوا بليلَى أنّ لُبّك زائل ) الغناء للزبير بن دحمان ثقيل بالوسطى قال أبو نصر قال خالد وحدثني جماعة من بني قشير أن المجنون سقم سقاما شديدا قبل اختلاطه حتى أشفى على الهلاك فدخل إليه أبوه يعلله فوجده ينشد هذه الأبيات ويبكي أحر بكاء وينشج أحر نشيج ( ألا أيُّها القلبُ الذي لَّج هائِماً ... بليلَى وليداً لم يُقطّع تمائمُه ) ( أَفِقْ قد أفاقَ العاشقون وقد أَنَي ... لحالكَ أن تلقَى طبيبا تلائمُه ) ( فمالَكَ مسلوبَ العَزاء كأَنّما ... تَرى نأيَ ليلَى مَغْرَماً أنتَ غارِمُه ) ( أَجِدَّكَ لا تُنسيكَ لَيْلَى مُلِمَّةٌ ... تُلِمُّ ولا يُنسيك عهدا تقادُمُه ) قال ووقف مستترا ينظر إلى أظعان ليلى وقد رحل بها زوجها وقومها فلما رآهم يرتحلون بكى وجزع فقال له أبوه ويحك إنما جئنا بك متخفيا ليتروح بعض ما بك بالنظر إليهم فإذا فعلت ما أرى عرفت وقد أهدر السلطان دمك إن مررت بهم فأمسك أو فانصرف فقال مالي سبيل إلى النظر إليهم يرتحلون وأنا ساكن غير جازع ولا باك فانصرف بنا فانصرف وهو يقول صوت ( ذُدِ الدّمعَ حتى يظعَنَ الحيّ إنّما ... دموعُكَ إن فاضت عليكَ دليلُ ) ( كأنَّ دموعَ العين يومَ تحمَّلوا ... جُمانٌ على جَيب القميص يسيلُ ) أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أنشدني إسحاق بن محمد عن بعض أصحابه عن ابن الأعرابي للمجنون صوت ( ألا ليتَ ليلَى أطفأتْ حَرَّ زَفْرَةٍ ... أُعالجها لا أستطيع لها رَدَّاً ) ( إذا الرّّيحُ من نَحوِ الحِمَى نَسَمَتْ لنا ... وجدتُ لمسراها وَمَنْسَمها بَرْدََا ) ( على كَبِد قد كاد يُبِدي بها الهَوى ... نُدُوباً وبعضُ القوم يحسَبُني جَلْدَا ) هذا البيت الثالث خاصة يروى لابن هرمة في بعض قصائده وهو من المائة المختارة التي رواها إسحاق أوله ( أفاطم إنّ النّأيَ يُسلي من الهَوى ... ) وقد أخرج في موضع آخر غنى في هذين البيتين عبد آل الهذلي ولحنه المختار على ما ذكره جحظة ثاني ثقيل وهما في هذه القصيدة ( وإنّي يَمَانيُّ الهوى مُنجِدُ النّوَى ... سبيلان ألقى من خلافهما جُهْدَا ) ( سقَى اللهُ نَجداً من رَبيعٍ وصَيِّفٍ ... وماذا يُرَجَّى من ربيع سقَى نَجْدَا ) ( بلى إنّه قد كانَ للعيش قُرّةً ... وللصَّحب والرُّكبان منزلةً حَمْدَا ) ( أبَى القلبُ أن ينفكَّ من ذِكرِ نِسوَةٍ ... رِقاقٍ ولم يُخلقَن شُؤْمَاً ولا نُكْدا ) ( إذا رُحْنَ يَسحَبنَ الذُّيولَ عَشيّةً ... ويقتُلْنَ بالألحاظ أنفُسَنا عَمْداَ ) ( مَشَى عَيطَلاتٌ رُجَّحٌ بخصورها ... رَوادفُ وَعْثاتٌ تردُّ الخُطَا رَدَّا ) ( وتَهتزّ ليلَى العامريّةُ فوقَها ... ولاثتْ بسِبّ القَزّ ذا غُدُرٍ جَعْدَا ) ( إذا حَرَّك المِدرَى ضَفَائرها العُلاَ ... مَجَجْن نَدَى الريحانِ والعنبرَ الوَرْدَا ) وأخبار الهذليين تذكر في غير هذا الموضع إن شاء الله لئلا تنقطع أخبار المجنون ولهما في المائة الصوت المختارة أغان تذكر أخبارها معا إن شاء الله أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني ميمون بن هارون قال ذكر الهيثم بن عدي وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان عن أحمد بن الهيثم عن العمري عن الهيثم بن عدي قال مر المجنون برجلين قد صادا ظبية فربطاها بحبل وذهبا بها فلما نظر إليها وهي تركض في حبالهما دمعت عيناه وقال لهما حلاها وخذا مكانها شاة من غنمي وقال ميمون في خبره وخذا مكانها قلوصا من إبلي فأعطاهما وحلاها فولت تعدو هاربة وقال المجنون للرجلين حين رآها في حبالهما ( يا صاحِبيّ اللّذَينِ اليومَ قد أخذا ... في الحبل شِبْهاً لليلى ثم غَلاَّها ) ( إني أَرى اليوم في أعطاف شاتِكُما ... مَشَابِهاً أشبَهتْ ليلَى فَحُلاَّها قال وقال فيها وقد نظر إليها وهي تعدو أشد عدو هاربة مذعورة ( أيا شبهَ ليلَى لا تُراعِي فإنّني ... لكِ اليومَ من وَحْشيِّةٍ لَصَديقُ ) ( ويا شِبهَ ليلى لو تَلَبّثتِ ساعةً ... لعلّ فؤادي من جَوَاه يُفِيقُ ) ( تَفِرُّ وقد أطلقتُها من وَثَاقِها ... فأنتِ لليلى لو علِمْتِ طَلِيقُ ) قمرٌ توسَّط جنح ليلٍ مبردِ وذكر أبو نصر عن جماعة من الرواة وذكر أبو مسلم ومحمد بن الحسن الأحولُ أن ابن الأعرابيّ أخبرهما أن نسوةً جلسن إلى المجنون فقلن له ما الذي دعاك إلى أن أحللتَ بنفسك ما ترى في هَوَى ليلى وإنما هي امرأة من النساء هل لك في أن تصرِفَ هواك عنها إلى إحدانا فنُسَاعِفَكَ ونَجزيَكَ بهواكَ ويَرجِعَ إليك ما عَزَبَ من عقلك وجسمك فقال لهنَّ لو قَدَرتُ على صرف الهوى عنها إليكنَّ لصرفتهُ عنها وعن كلّ أحد بعدها وعِشتُ في الناس سويّاً مستريحاً فقلن له ما أعجبك منها فقال كل شيء رأيتُه وشاهدتُه وسمعتُه منها أعجبني والله ما رأيتُ شيئاً منها قطّ إلا كان في عيني حَسَناً وبقلبي عَلِقاً ولقد جَهَدتُ أن يَقبُحَ منها عندي شيءُ أو يَسمُجَ أو يُعاب لأسلُو عنها فلم أجده فقلن له فَصِفها لنا فأنشأ يقول ( بيضاءُ خالصةُ البياض كأنها ... قمرٌ توسّط جُنح ليلٍ مُبرَدِ ) ( موسومةٌ بالحسن ذاتُ حواسدٍ ... إنَّ الجمالَ مظنةٌ للحسَّد ) ( وترى مدامعها ترقرُقَ مقلةٍ ... سوداءَ ترغبُ عن سواد الأثمد ) ( خودٌ إذا كثر الكلامُ تعوّذتْ ... بِحمى الحياء وإن تكلَّم تقصِدِ ) ( إذا رُحْنَ يَسحَبنَ الذُّيولَ عَشيّةً ... ويقتُلْنَ بالألحاظ أنفُسَنا عَمْداَ ) ( مَشَى عَيطَلاتٌ رُجَّحٌ بخصورها ... رَوادفُ وَعْثاتٌ تردُّ الخُطَا رَدَّا ) ( وتَهتزّ ليلَى العامريّةُ فوقَها ... ولاثتْ بسِبّ القَزّ ذا غُدُرٍ جَعْدَا ) ( إذا حَرَّك المِدرَى ضَفَائرها العُلاَ ... مَجَجْن نَدَى الريحانِ والعنبرَ الوَرْدَا ) وأخبار الهذليين تذكر في غير هذا الموضع إن شاء الله لئلا تنقطع أخبار المجنون ولهما في المائة الصوت المختارة أغان تذكر أخبارها معا إن شاء الله أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني ميمون بن هارون قال ذكر الهيثم بن عدي وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان عن أحمد بن الهيثم عن العمري عن الهيثم بن عدي قال مر المجنون برجلين قد صادا ظبية فربطاها بحبل وذهبا بها فلما نظر إليها وهي تركض في حبالهما دمعت عيناه وقال لهما حلاها وخذا مكانها شاة من غنمي وقال ميمون في خبره وخذا مكانها قلوصا من إبلي فأعطاهما وحلاها فولت تعدو هاربة وقال المجنون للرجلين حين رآها في حبالهما ( يا صاحِبيّ اللّذَينِ اليومَ قد أخذا ... في الحبل شِبْهاً لليلى ثم غَلاَّها ) ( إني أَرى اليوم في أعطاف شاتِكُما ... مَشَابِهاً أشبَهتْ ليلَى فَحُلاَّها قال وقال فيها وقد نظر إليها وهي تعدو أشد عدو هاربة مذعورة قال ثم قال ابن الأعرابي هذا والله من حسن الكلام ومنقح الشعر وأنشد أبو نصر للمجنون أيضا وفيه غناء قال ( كأنّ فؤادي في مخالبِ طائرٍ ... إذا ذُكِرتْ ليلَى يَشُدُّ بها قَبْضَا ) ( كأنّ فِجَاجَ الأرض حَلْقة خاتَمٍ ... عليّ فما تزدادُ طولاً ولا عَرضَاً ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا أبو مسلم عن القحذمي قال قال رجل من عشيرة المجنون له إني أريد الإلمام بحي ليلى فهل تودعني إليها شيئا فقال نعم قف بحيث تسمعك ثم قل صوت ( اللهُ يعلمُ أنّ النفسَ هالكةٌ ... باليأس منكِ ولكنّي أُعنِّيها ) ( مَنّيتُكِ النفسَ حتى قد أضرَّ بها ... واستيقَنَتْ خُلُفاً مماّ أُمنِّيها ) ( وساعةٌ منك أَلهُوهَا وإن قَصُرَتْ ... أشْهَى إليّ من الدنيا وما فيها ) قال فمضى الرجل ولم يزل يرقب خلوة حتى وجدها فوقف عليها ثم قال لها يا ليلى لقد أحسن الذي يقول ( اللهُ يعلم أنّ النفسَ هالكةٌ ... باليأس مِنك ولكنيّ أُعَنّيها ) وأنشد الأبيات فبكت بكاء طويلا ثم قالت أبلغه السلام وقل له ( نفسِي فداؤكَ لو نفسي ملكتُ إذاً ... ما كان غيرُك يَجْزِيها ويُرضِيها ) ( صبراً على ما قضاه الله فيكَ على ... مرارةٍ في اصطباري عنكَ أخفِيها ) قال فأبلغه الفتى البيتين وأخبره بحالها فبكى حتى سقط على وجهه مغشيا عليه ثم أفاق وهو يقول ( عَجِبتُ لعُروةَ العُذْرِيّ أضحى ... أحاديثاً لقومٍ بعد قومِ ) ( وعروةُ مات موتاً مُسْتَريحاً ... وها أنا ميّتٌ في كلّ يومِ ) أخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب عن أبي نصر للمجنون صوت ( أيا زينةَ الدنيا التي لا ينالهُا ... مُنايَ ولا يبدو لقلبي صرِيمُها ) ( بعيني قَذاةٌ من هواكِ لَوَ أنّها ... تَداوَى بمن تَهَوى لصحَّ سقيمها ) ( وما صبَرَت عن ذكرِك النفسُ ساعةً ... وإن كنتُ أحياناً كثيرًا ألومها ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن ابن الكلبي قال سأل الملوح أبو المجنون رجلا قدم من الطائف أن يمر بالمجنون فيجلس إليه فيخبره أنه لقي ليلى وجلس إليها ووصف له صفات منها ومن كلامها يعرفها المجنون وقال له حدثه بها فإذا رأيته قد اشرأب لحديثك واشتهاه فعرفه أنك ذكرته لها ووصفت ما به فشتمته وسبته وقالت إنه يكذب عليها ويشهرها بفعله وإنها ما اجتمعت معه قط كما يصف ففعل الرجل ذلك وجاء إليه فأخبره بلقائه إياها فأقبل عليه وجعل يسائله عنها فيخبره بما أمره به الملوح فيزداد نشاطا ويثوب إليه عقله إلى أن أخبره بسبها إياها وشتمها له فقال وهو غير مكترث لما حكاه عنها صوت ( تمرّ الصَّبَا صَفْحاً بساكن ذي الغَضَى ... ويَصَدَعُ قلبي أن يَهُبَّ هُبُوبُها ) ( إذا هبَّتِ الريحُ الشَّمَالُ فإِنّما ... جوايَ بما تُهدِى إليّ جَنُوبُها ) ( قريبةُ عهدٍ بالحبيب وإنما ... هَوَى كلِّ نفسٍ حيثُ كان حبيبُها ) ( وحسبُ الليالي أن طَرَحْنَكَ مَطْرَحاً ... بدار قِلىً تُمِسي وأنتَ غَرِيبُها ) حلال لليلى شتمنا وانتقصنا ... هنيئا ومغفورٌ لليلى ذنوبها ذكر أبو أيوب المديني أن الغناء في هذا الشعر لابن سريج ولم يذكر طريقته وفيه لمتيم غناء ينسب وذكر الهيثم بن عدي أن المجنون قال وفيه غناء صوت ( كأن لم تكن ليلى تُزارُ بِذي الأَثْلِ ... وبالجِزْعِ من أجزاع وَدّانَ فالنخلِ ) ( صديقٌ لنا فيما نَرَى غير أنها ... تَرى أن حبّي قد أحلّ لها قَتلي ) تبكي وتقول أنا ليلى أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن عثمان بن عمارة بن حريم عن أشياخ من بني مرة قالوا خرج منا رجل إلى ناحية الشام والحجاز وما يلي تيماء والسراة وأرض نجد في طلب بغية له فإذا هو بخيمة قد رفعت له وقد أصابه المطر فعدل إليها وتنحنح فإذا امرأة قد كلمته فقالت انزل فنزل قال وراحت إبلهم وغنمهم فإذا أمر عظيم فقالت سلوا هذا الرجل من أين أقبل فقلت من ناحية تهامة ونجد فقالت ادخل أيها الرجل فدخلت إلى ناحية من الخيمة فأرخت بيني وبينها سترا ثم قالت لي يا عبد الله أي بلاد نجد وطئت فقلت كلها قالت فبمن نزلت هناك قلت ببني عامر فتنفست الصعداء ثم قالت فبأي بني عامر نزلت فقلت بني الحريش فاستعبرت ثم قالت فهل سمعت بذكر فتى منهم يقال له قيس بن الملوح ويلقب بالمجنون قلت بلى والله وعلى أبيه نزلت وأتيته فنظرت إليه يهيم في تلك الفيافي ويكون مع الوحش لا يعقل ولا يفهم إلا أن تذكر له امرأة يقال لها ليلى فيبكي وينشد أشعارا قالها فيها قال فرفعت الستر بيني وبينها فإذا فلقة قمر لم ترعيني مثلها فبكت حتى ظننت والله أن قلبها قد انصدع فقلت أيتها المرأة اتقي الله فما قلت بأسا فمكثت طويلا على تلك الحال من البكاء والنحيب ثم قالت ( ألا ليتَ شِعرِي والخُطُوبُ كثيرةٌ ... متى رَحْلُ قيسٍ مُسْتقِلٌّ فراجعُ ) ( بنفسي مَنْ لا يستقلّ بِرَحْلِه ... ومَنْ هو إن لم يحفَظِ اللهُ ضائعُ ) ثم بكت حتى سقطت مغشيا عليها فقلت لها من أنت يا أمة الله وما قصتك قالت أنا ليلى صاحبته المشؤومة والله عليه غير المؤنسة له فما رأيت مثل حزنها ووجدها عليه قط نهاية عاشق أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال ذكر الهيثم بن عدي عن عثمان بن عمارة وأخبرني عثمان عن الكراني عن العمري عن لقيط وحدثنا إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم قال ذكر الهيثم بن عدي عن عثمان بن عمارة وذكر أبو نصر أحمد بن حاتم صاحب الأصمعي وأبو مسلم المستملي عن ابن الأعرابي يزيد بعضهم على بعض أن عثمان بن عمارة المري أخبرهم أن شيخا منهم من بني مرة حدثه أنه خرج إلى أرض بني عامر ليلقى المجنون قال فدللت على محلته فأتيتها فإذا أبوه شيخ كبير وإخوة له رجال وإذا نعم كثير وخير ظاهر فسألتهم عنه فاستعبروا جميعا وقال الشيخ والله لهو كان آثر في نفسي من هؤلاء وأحبهم إلي وإنه هوي امرأة من قومه والله ما كانت تطمع في مثله فلما أن فشا أمره وامرها كره أبوها أن يزوجها منه بعد ظهور الخبر فزوجها من غيره فذهب عقل ابني ولحقه خبل وهام في الفيافي وجدا عليها فحبسناه وقيدناه فجعل يعض لسانه وشفتيه حتى خفنا عليه أن يقطعها فخلينا سبيله فهو يهيم في هذه الفيافي مع الوحوش يذهب إليه كل يوم بطعامه فيوضع له حيث يراه فإذا تنحوا عنه جاء فأكل منه قال فسألتهم أن يدلوني عليه فدلوني على فتى من الحي كان صديقا له وقالوا إنه لا يأنس إلا به ولا يأخذ أشعاره عنه غيره فأتيته فسألته أن يدلني عليه فقال إن كنت تريد شعره فكل شعر إلى أمس عندي وأنا ذاهب إليه غدا فإن كان قال شيئا أتيتك به فقلت بل أريد أن تدلني عليه لآتيه فقال لي إنه إن نفر منك نفر مني فيذهب شعره فأبيت إلا أن يدلني عليه فقال اطلبه في هذه الصحارى فإذا رأيته فادن منه مستأنسا ولا تره أنك تهابه فإنه يتهددك ويتوعدك أن يرميك بشيء فلا يروعنك واجلس صارفا بصرك عنه والحظه أحيانا فإذا رأيته قد سكن من نفاره فأنشده شعرا غزلا وإن كنت تروي من شعر قيس بن ذريح شيئا فأنشده إياه فإنه معجب به فخرجت فطلبته يومي إلى العصر فوجدته جالسا على رمل قد خط فيه بأصبعه خطوطا فدنوت منه غير منقبض فنفر مني نفور الوحش من الإنس وإلى جانبه أحجار فتناول حجرا فأعرضت عنه فمكث ساعة كأنه نافر يريد القيام فلما طال جلوسي سكن وأقبل يخط بأصبعه فأقبلت عليه وقلت أحسن والله قيس بن ذريح حيث يقول ( ألا يا غرابَ البينِ ويحك نبِّني ... بعلمك في لبُنى وأنت خبيرُ ) ( فإن أنتَ لم تُخبِر بشيءٍ علمته ... فلا طِرْتَ إلا والجناحُ كسيُر ) ( ودُرْتَ بأعداد حبيبُك فيهمُ ... كما قد تَراني بالحبيب أَدورُ ) فأقبل علي وهو يبكي فقال أحسن والله وأنا أحسن منه قولا حيث أقول ( كأنّ القلبَ ليلةَ قِيلَ يغُدَى ... بليلى العامريَّةِ أو يُراحُ ) ( قطاةٌ عزّها شَرَكٌ فباتت ... تُجاذِبه وقد عَلِقَ الجناحُ ) فأمسكت عنه هنيهة ثم أقبلت عليه فقلت وأحسن والله قيس بن ذريح حيث يقول ( وإني لَمُفْنٍ دمعَ عَيْنَيَّ بالبكا ... حِذَاراً لِمَا قد كان أو هو كائنُ ) ( وقالوا غداً أو بعد ذاكَ بليلةٍ ... فراقُ حبيبٍ لم يَبِن وهو بائنُ ) ( وما كنتُ أخشى أن تكونَ مَنِيّتِي ... بكفّيكِ إلا أن مَنْ حَانَ حَائِنُ ) قال فبكى والله حتى ظننت أن نفسه قد فاضت وقد رأيت دموعه قد بلت الرمل الذي بين يديه ثم قال أحسن لعمر الله وأنا والله أشعر منه حيث أقول صوت ( وأدْنيتِني حتى إذا ما سَبَيتِني ... بقولٍ يُحِلُ العُصْمَ سَهْلَ الأباطِحِ ) ( تناءيْتِ عنّي حِينَ لا لِيَ حيلةٌ ... وخلّفتِ ما خلّفتِ بين الجوانحِ ) ويروى وغادرت ما غادرت ثم سنحت له ظبية فوثب يعدو خلفها حتى غاب عني وانصرفت وعدت من غد فطلبته فلم أجده وجاءت امرأة كانت تصنع له طعامه إلى الطعام فوجدته بحاله فلما كان في اليوم الثالث غدوت وجاء أهله معي فطلبناه يومنا فلم نجده وغدونا في اليوم الرابع نستقري أثره حتى وجدناه في واد كثير الحجارة خشن وهو ميت بين تلك الحجارة فاحتمله أهله فغسلوه وكفنوه ودفنوه ما علمنا أن الأمر يبلغ كل هذا قال الهيثم فحدثني جماعة من بني عامر أنه لم تبق فتاة من بني جعدة ولا بني الحريش إلا خرجت حاسرة صارخة عليه تندبه واجتمع فتيان الحي يبكون عليه أحر بكاء وينشجون عليه أشد نشيج وحضرهم حي ليلى معزين وأبوها معهم فكان أشد القوم جزعا وبكاء عليه وجعل يقول ما علمنا أن الأمر يبلغ كل هذا ولكني كنت امرأ عربيا أخاف من العار وقبح الأحدوثة ما يخافه مثلي فزوجتها وخرجت عن يدي ولو علمت أن أمره يجري على هذا ما أخرجتها عن يده ولا احتملت ما كان علي في ذلك قال فما رئي يوم كان أكثر باكية وباكيا على ميت من يومئذ نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني منها الصوت الذي أوله ( أَلاَ يا غرابَ البين ويحكَ نَبِّني ... بعِلمكَ في لُبْنَى وأنتَ خبيُر ) الغناء لابن محرز ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وذكر إبراهيم أن فيه لحنا لحكم وفي رواية ابن الأعرابي أنه أنشده مكان ( أَلاَ يا غرابَ البينِ ويحكَ نَبِّني ... بعلمكَ في لُبنَى وأنتَ خبيُر ) صوت ( أَلاَ يا غرابَ البينِ هل أنتَ مُخْبِري ... بخيرٍ كما خَبَّرْتَ بالنأي ِوالشَّرِّ ) ( وخبّرتَ أن قد جَدّ بَيْنٌ وقَرَّبُوا ... جِمالاً لبينٍ مُثْقَلاتٍ من الغَدْرِ ) ( وهِجتَ قذَى عينٍ بلُبنَى مريضةٍ ... إذا ذُكرَتْ فاضتْ مدامعها تجرِي ) ( وقلتَ كذاكَ الدهرُ ما زال فاجعاً ... صدقتَ وهل شيءٌ بباقٍ على الدهرِ ) الشعر لقيس بن ذريح والغناء لابن جامع ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لبحر ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وفيه لدحمان ثاني ثقيل عن الهشامي وعبد الله بن موسى ومنها صوت الذي أوله ( كأنّ القلبَ ليلةَ قِيلَ يُغْدَى ... بليلى العامريّةِ أو يُرَاحُ ) ومنها الصوت الذي أوله ( وأدنيتنِي حتى إذا ما سبيتِني ... بقولٍ يُحلّ العُصْمَ سهلَ الأباطِحِ ) الغناء لإبراهيم خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشامي أخبرنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثنا الفضل الربعي عن محمد بن حبيب قال لما مات مجنون بني عامر وجد في أرض خشنة بين حجارة سود فحضر أهله وحضر معهم أبو ليلى المرأة التي كان يهواها وهو متذمم من أهله فلما رآه ميتا بكى واسترجع وعلم أنه قد شرك في هلاكه فبينما هم يقلبونه إذ وجدوا خرقة فيها مكتوب ( أَلاَ أيها الشيخُ الذي ما بنا يرضَى ... شَقِيتَ ولا هُنِّيتَ من عَيشِكَ الغَضّا ) ( شَقِيَت كما أشقيتَني وتركتَني ... أهِيمُ مع الهُلاّكِ لا أَطْعَمُ الغَمْضَا ) صوت ( كأنّ فؤادي في مخالب طائرٍ ... إذا ذُكِرَتْ ليلَى يَشُدّ بها قَبْضَا ) ( كأن فِجاجَ الأرضِ حَلْقَةٌ خاتَمٍ ... عليّ فما تزدادُ طُولاً ولا عَرْضا ) في هذين البيتين رمل ينسب إلى سليم وإلى ابن محرز وذكر حبش والهشامي أنه لإسحاق أخبرني محمد بن خلف قال حدثني أبو سعيد السكري عن محمد ابن حبيب قال حدثني بعض القشيريين عن أبيه قال مررت بالمجنون وهو مشرف على واد في أيام الربيع وذاك قبل أن يختلط وهو يتغنى بشعر لم أفهمه فصحت به يا قيس أما تشغلك ليلى عن الغناء والطرب فتنفس تنفسا ظننت أن حيازيمه قد انقدت ثم قال صوت ( وما أُشرِفُ الأيْفاعَ إلا صبابَةً ... ولا أُنشِدُ الأشعارَ إلا تداويا ) ( وقد يجمعُ اللهُ الشتيتَينِ بعدما ... يظنّان جهد الظنّ أن لا تلاقِيا ) ( لحى الله أقواماً يقولون إنّني ... وجدتُ طَوَالَ الدّهرِ للحبّ شافِيا ) والتقى القيسان ابن الملوح وابن ذريح أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال اجتاز قيس بن ذريح بالمجنون وهو جالس وحده في نادي قومه وكان كل واحد منهما مشتاقا إلى لقاء الآخر وكان المجنون قبل توحشه لا يجلس إلا منفردا ولا يحدث أحدا ولا يرد على متكلم جوابا ولا على مسلم سلاما فسلم عليه قيس بن ذريح فلم يرد عليه السلام فقال له يا أخي أنا قيس بن ذريح فوثب إليه فعانقه وقال مرحبا بك يا أخي أنا والله مذهوب بي مشترك اللب فلا تلمني فتحدثا ساعة وتشاكيا وبكيا ثم قال له المجنون يا أخي إن حي ليلى منا قريب فهل لك أن تمضي إليها فتبلغها عني السلام فقال له أفعل فمضى قيس بن ذريح حتى أتى ليلى فسلم وانتسب فقالت له حياك الله ألك حاجة قال نعم ابن عمك أرسلني إليك بالسلام فأطرقت ثم قالت ما كنت أهلا للتحية لو علمت أنك رسوله قل له عني أرأيت قولك ( أبَتْ ليلةُ بالغَيلِ يا أمّ مالكٍ ... لكم غيرَ حب صادقٍ ليس يكذبُ ) ( ألا إنما أبقيتِ يا أُمَّ مالكٍ ... صَدىً أينما تذهبْ به الريحُ يذهبِ ) أخبرني عن ليلة الغيل أي ليلة هي وهل خلوت معك في الغيل أو غيره ليلا أو نهارا فقال لها قيس يا ابنة عم إن الناس تأولوا كلامه على غير ما أراد فلا تكوني مثلهم إنما أخبر أنه رآك ليلة الغيل فذهبت بقلبه لا أنه عناك بسوء قال فأطرقت طويلا ودموعها تجري وهي تكفكفها ثم انتحبت حتى قلت تقطعت حيازيمها ثم قالت اقرأ على ابن عمي السلام وقل له بنفسي أنت والله إن وجدي بك لفوق ما تجد ولكن لا حيلة لي فيك فانصرف قيس إليه ليخبره فلم يجده أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عمي عن ابن الصباح عن ابن الكلبي عن أبيه قال مر المجنون بعد اختلاطه بليلى وهي تمشي في ظاهر البيوت بعد فقد لها طويل فلما رآها بكى حتى سقط على وجهه مغشيا عليه فانصرفت خوفا من أهلها أن يلقوها عنده فمكث كذلك مليا ثم أفاق وأنشأ يقول ( بكى فرحاً بليلى إذ رآها ... محبُّ لا يرى حَسَنَاً سواها ) ( لقد ظفِرَتْ يداه ونال مُلكاً ... لئن كانتْ تراه كما يراها ) الغناء لابن المكي رمل بالبنصر وفيه لعريب ثقيل أول عن الهشامي وفيه خفيف رمل ليزيد حوراء وقد نسب لحنه إلى ابن المكي ولحن ابن المكي إليه صوت من المائة المختارة من رواية علي بن يحيى ( رُبَّ ركبٍ قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمرَ بالماء الزّلالِ ) ( عَصَفَ الدّهرُ بهم فانقرضوا ... وكذاكَ الدهرُ حالاً بعد حالِ ) الشعر لعدي بن زيد العبادي والغناء لابن محرز ولحنه المختار خفيف رمل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه خفيف رمل آخر بالبنصر ابتداؤه نشيد ذكر عمرو بن بانة أنه لابن طنبورة وذكر أحمد بن المكي أنه لأبيه وهذه الأبيات قالها عدي بن زيد العبادي على سبيل الموعظة للنعمان بن المنذر فيقال إنها كانت سبب دخوله في النصرانية حدثني بذلك أحمد بن عمران المؤدب قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن عمرو قال حدثني علي بن الصباح عن ابن الكلبي قال خرج النعمان بن المنذر إلى الصيد ومعه عدي بن زيد فمروا بشجرة فقال له عدي بن زيد أيها الملك أتدري ما تقول هذه الشجرة قال لا قال تقول ( رُبَّ ركبٍ قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمرَ بالماء الزُّلالِ ) ( عَصَفَ الدهْرُ بهم فانقرضوا ... وكذاك الدهرُ حالاً بعد حالِ ) قال ثم جاوز الشجرة فمر بمقبرة فقال له عدي أيها الملك أتدري ما تقول هذه المقبرة قال لا قال تقول ( أيها الركبُ المُخبُونَ ... على الأرض المُجِدّون ) ( فكما أنتم كُنّا ... وكما نحن تكونونَ ) فقال له النعمان إن الشجرة والمقبرة لا يتكلمان وقد علمت أنك إنما أردت عظتي فما السبيل التي تدرك بها النجاة قال تدع عبادة الأوثان وتعبد الله وتدين بدين المسيح عيسى بن مريم قال أوفي هذا النجاة قال نعم فتنصر يومئذ وقد قيل إن هذه القصة كانت لعدي مع النعمان الأكبر بن المنذر وإن النعمان الذي قتله هو ابن المنذر بن النعمان الأكبر الذي تنصر وخبر هذا يأتي مع أحاديث عدي ذكر عدى بن زيد ونسبه وقصته ومقتله هو عدي بن زيد بن حماد بن زيد بن أيوب بن محروف بن عامر بن عصية بن امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار وكان أيوب هذا فيما زعم ابن الأعرابي أول من سمي من العرب أيوب شاعر فصيح من شعراء الجاهلية وكان نصرانيا وكذلك كان أبوه وأمه وأهله وليس ممن يعد في الفحول وهو قروي وكانوا قد أخذوا عليه أشياء عيب فيها وكان الأصمعي وأبو عبيدة يقولان عدي بن زيد في الشعراء بمنزلة سهيل في النجوم يعارضها ولا يجري معها مجراها وكذلك عندهم أمية بن أبي الصلت ومثلهما كان عندهم من الإسلاميين الكميت والطرماح قال العجاج كانا يسألاني عن الغريب فأخبرهما به ثم أراه في شعرهما وقد وضعاه في غير مواضعه فقيل له ولم ذاك قال لأنهما قرويان يصفان ما لم يريا فيضعانه في غير موضعه وأنا بدوي أصف ما رأيت فأضعه في مواضعه وكذلك عندهم عدي وأمية آل عدي في الحيرة قال ابن الأعرابي فيما أخبرني به علي بن سليمان الأخفش عن السكري عن محمد بن حبيب عنه وعن هشام بن الكلبي عن أبيه قال سبب نزول آل عدي بن زيد الحيرة أن جده أيوب بن محروف كان منزله اليمامة في بني امرىء القيس بن زيد مناة فأصاب دما في قومه فهرب فلحق بلبن قلام أحد بني الحارث بن كعب بالحيرة وكان بين أيوب بن محروف وبين أوس بن قلام هذا نسب من قبل النساء فلما قدم عليه أيوب بن محروف أكرمه وأنزله في داره فمكث معه ما شاء الله أن يمكث ثم أن أوسا قال له يا بن خال أتريد المقام عندي وفي داري فقال له أيوب نعم فقد علمت أني أن أتيت قومي وقد أصبت فيهم دما لم أسلم وما لي دار إلا دارك آخر الدهر قال أوس إني إن قد كبرت وأنا خائف أن أموت فلا يعرف ولدي لك من الحق مثل ما أعرف وأخشى أن يقع بينك وبينهم أمر يقطعون فيه الرحم فانظر أحب مكان في الحيرة إليك فأعلمني به لأقطعكه أو أبتاعه لك قال وكان لأيوب صديق في الجانب الشرقي من الحيرة وكان منزل أوس في الجانب الغربي فقال له قد أحببت أن يكون المنزل الذي تسكننيه عند منزل عصام بن عبدة أحد بني الحارث بن كعب فابتاع له موضع داره بثلثمائة أوقية من الذهب وأنفق عليها مائتي أوقية ذهب وأعطاه مائتين من الإبل برعائها وفرسا وقينة فمكث في منزل أوس حتى هلك ثم تحول إلى داره التي في شرقي الحيرة فهلك بها وقد كان أيوب اتصل قبل مهلكه بالملوك الذين كانوا بالحيرة وعرفوا حقه وحق ابنه زيد بن أيوب وثبت أيوب فلم يكن منهم ملك يملك إلا ولولد أيوب منه جوائز وحملان مقتل زيد بن أيوب ثم إن زيد بن أيوب نكح امرأة من آل قلام فولدت له حمادا فخرج زيد بن أيوب يوما من الأيام يريد الصيد في ناس من أهل الحيرة وهم منتدون بحفير المكان الذي يذكره عدي بن زيد في شعره فانفرد في الصيد وتباعد من أصحابه فلقيه رجل من بني امرىء القيس الذين كان لهم الثأر قبل أبيه فقال له وقد عرف فيه شبه أيوب ممن الرجل قال من بني تميم قال من أيهم قال مرئي قال له الأعرابي وأين منزلك قال الحيرة قال أمن بني أيوب أنت قال نعم ومن أين تعرف بني أيوب واستوحش من الأعرابي وذكر الثأر الذي هرب أبوه منه فقال له سمعت بهم ولم يعلمه أنه قد عرفه فقال له زيد بن أيوب فمن أي العرب أنت قال أنا امرؤ من طيىء فأمنه زيد وسكت عنه ثم إن الأعرابي اغتفل زيد بن أيوب فرماه بسهم فوضعه بين كتفيه ففلق قلبه فلم يرم حافر دابته حتى مات فلبث أصحاب زيد حتى إذا كان الليل طلبوه وقد افتقدوه وظنوا أنه قد أمعن في طلب الصيد فباتوا يطلبونه حتى يئسوا منه ثم غدوا في طلبه فاقتفوا أثره حتى وقفوا عليه ورأوا معه أثر راكب يسايره فاتبعوا الأثر حتى وجدوه قتيلا فعرفوا أن صاحب الراحلة قتله فاتبعوه وأغدوا السير فأدركوه مساء الليلة الثانية فصاحوا به وكان من أرمى الناس فامتنع منهم بالنبل حتى حال الليل بينهم وبينه وقد أصاب رجلا منهم في مرجع كتفيه بسهم فلما أجنه الليل مات وأفلت الرامي فرجعوا وقد قتل زيد بن أيوب ورجلا آخر معه من بني الحارث بن كعب فمكث حماد في أخواله حتى أيفع ولحق بالوصفاء فخرج يوما من الأيام يلعب مع غلمان بني لحيان فلطم اللحياني عين حماد فشجه حماد فخرج أبو اللحياني فضرب حمادا فأتى حماد أمه يبكي فقالت له ما شأنك فقال ضربني فلان لأن ابنه لطمني فشججته فجزعت من ذلك وحولته إلى دار زيد بن أيوب وعلمته الكتابة في دار أبيه فكان حماد أول من كتب من بنى أيوب فخرج من أكتب الناس وطلب حتى صار كاتب الملك النعمان الأكبر فلبث كاتبا له حتى ولد له ابن من امرأة تزوجها من طيىء فسماه زيدا باسم أبيه وكان لحماد صديق من الدهاقين العظماء يقال له فروخ ماهان وكان محسنا إلى حماد فلما حضرت حمادا الوفاة أوصى بابنه زيد إلى الدهقان وكان من المرازبة فأخذه الدهقان إليه فكان عنده مع ولده وكان زيد قد حذق الكتابة والعربية قبل أن يأخذه الدهقان فعلمه لما أخذه الفارسية فلقنها وكان لبيبا فأشار الدهقان على كسرى أن يجعله على البريد في حوائجه ولم يكن كسرى يفعل ذلك إلا بأولاد المرازبة فمكث يتولى ذلك لكسرى زمانا ثم إن النعمان النصري اللخمي هلك فاختلف أهل الحيرة فيمن يملكونه إلى أن يعقد كسرى الأمر لرجل ينصبه فأشار عليهم المرزبان بزيد بن حماد فكان على الحيرة إلى أن ملك كسرى المنذر بن ماء السماء ونكح زيد بن حماد نعمة بنت ثعلبة العدوية فولدت له عديا وملك المنذر وكان لا يعصيه في شيء وولد للمرزبان ابن فسماه شاهان مرد فلما تحرك عدي بن زيد وأيفع طرحه أبوه في الكتاب حتى إذا حذق أرسله المرزبان مع ابنه شاهان مرد إلى كتاب الفارسية فكان يختلف مع ابنه ويتعلم الكتابة والكلام بالفارسية حتى خرج من أفهم الناس بها وأفصحهم بالعربية وقال الشعر وتعلم الرمي بالنشاب فخرج من الأساورة الرماة وتعلم لعب العجم على الخيل بالصوالجة وغيرها ثم إن المرزبان وفد على كسرى ومعه ابنه شاهان مرد فبينما هما واقفان بين يديه إذ سقط طائران على السور فتطاعما كما يتطاعم الذكر والأنثى فجعل كل واحد منقاره في منقار الآخر فغضب كسرى من ذلك ولحقته غيرة فقال للمرزبان وابنه ليرم كل واحد منكما واحدا من هذين الطائرين فإن قتلتماهما أدخلتكما بيت المال وملأت أفواهكما بالجوهر ومن أخطأ منكما عاقبته فاعتمد كل واحد منهما طائرا منهما ورميا فقتلاهما جميعا فبعثهما إلى بيت المال فملئت أفواهما جوهرا وأثبت شاهان مرد وسائر أولاد المرزبان في صحابته فقال فروخ ماهان عند ذلك للملك عدي كاتب كسرى وموفده إلى ملك الروم إن عندي غلاما من العرب مات أبوه وخلفه في حجري فربيته فهو أفصح الناس وأكتبهم بالعربية والفارسية والملك محتاج إلى مثله فإن رأى أن يثبته في ولدي فعل فقال ادعه فأرسل إلى عدي بن زيد وكان جميل الوجه فائق الحسن وكانت الفرس تتبرك بالجميل الوجه فلما كلمه وجده أظرف الناس وأحضرهم جوابا فرغب فيه وأثبته مع ولد المرزبان فكان عدي أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى فرغب أهل الحيرة إلى عدي ورهبوه فلم يزل بالمدائن في ديوان كسرى يؤذن له عليه في الخاصة وهو معجب به قريب منه وأبوه زيد بن حماد يومئذ حي إلا أن ذكر عدي قد ارتفع وخمل ذكر أبيه فكان عدي إذا دخل على المنذر قام جميع من عنده حتى يعقد عدي فعلا له بذاك صيت عظيم فكان إذا أراد المقام بالحيرة في منزله ومع أبيه وأهله استأذن كسرى فأقام فيهم الشهر والشهرين وأكثر وأقل ثم إن كسرى أرسل عدي بن زيد إلى ملك الروم بهدية من طرف ما عنده فلما أتاه عدي بها أكرمه وحمله إلى عماله على البريد ليريه سعة أرضه وعظيم ملكه وكذلك كانوا يصنعون فمن ثم وقع عدي بدمشق وقال فيها الشعر فكان مما قاله بالشأم وهي أول شعر قاله فيما ذكر ( رُبَّ دارٍ بأسفلِ الجِزْع مِنْ دُومَةَ ... أشْهَى إليّ مِنْ جَيرُون ) ( ونَدَامَى لا يَفرحونَ بما نالُوا ... ولا يرهَبُونَ صَرْفَ المَنُونِ ) ( قد سُقِيتُ الشَّمُولَ في دارِ بِشْرٍ ... قَهْوَةً مُرَّةً بماء سَخِينِ ) ثم كان أول ما قاله بعدها قوله ( لمِن الدارُ تعفَّتْ بخِيَمْ ... أصبحَتْ غيَّرها طولُ القِدَمْ ) ( ما تَبِينُ العينُ من آياتها ... غيرَ نُؤْيٍ مثل خطٍّ بالقَلَمْ ) ( صالحا قد لفَّها فاستَوسقَتْ ... لفَّ بازيِّ حَمَاماً في سَلَمْ ) قال وفسد أمر الحيرة وعدي بدمشق حتى أصلح أبوه بينهم لأن أهل الحيرة حين كان عليهم المنذر أرادوا قتله لأنه كان لا يعدل فيهم وكان يأخذ من أموالهم ما يعجبه فلما تيقن أن أهل الحيرة قد أجمعوا على قتله بعث إلى زيد بن حماد بن زيد بن أيوب وكان قبله على الحيرة فقال له يا زيد أنت خليفة أبي وقد بلغني ما أجمع عليه أهل الحيرة فلا حاجة لي في ملككم دونكموه ملكوه من شئتم فقال له زيد إن الأمر ليس إلي ولكني أسبر لك هذا الأمر ولا آلوك نصحا فلما أصبح غدا إليه الناس فحيوه تحية الملك وقالوا له ألا تبعث إلى عبدك الظالم يعنون المنذر فتريح منه رعيتك فقال لهم أولا خير من ذلك قالوا أشر علينا قال تدعونه على حاله فإنه من أهل بيت ملك وأنا آتيه فأخبره أن أهل الحيرة قد اختاروا رجلا يكون أمر الحيرة إليه إلا أن يكون غزوٌ أو قتال فلك اسم الملك وليس إليك سوى ذلك من الأمور قالوا رأيك أفضل فأتى المنذر فأخبره بما قالوا فقبل ذلك وفرح وقال إن لك يا زيد علي نعمة لا أكفرها ما عرفت حق سبد وسبد صنم كان لأهل الحيرة فولى أهل الحيرة زيدا على كل شيء سوى اسم الملك فإنهم أقروه للمنذر وفي ذلك يقول عدي ( نحن كنّا قد علِمْتُمْ قبلَكُمْ ... عَمَدَ البيتِ وأوتادَ الإِصَارِ ) قال ثم هلك زيد وابنه عدي يومئذ بالشأم وكانت لزيد ألف ناقة الحمالات كان أهل الحيرة أعطوه إياها حين ولوه ما ولوه فلما هلك أرادوا أخذها فبلغ ذلك المنذر فقال لا واللات والعزى لا يؤخذ مما كان في يد زيد ثفروق وأنا أسمع الصوت ففي ذلك يقول عدي بن زيد لابنه النعمان بن المنذر ( وأبوكَ المرءُ لم يُشْنأُ به ... يومَ سِيمَ الخَسْفَ منّا ذو الخَسَارِ ) قال ثم إن عديا قدم المدائن على كسرى بهدية قيصر فصادف أباه والمرزبان الذي رباه قد هلكا جميعا فاستأذن كسرى في الإلمام بالحيرة فأذن له فتوجه إليها وبلغ المنذر خبره فخرج فتلقاه في الناس ورجع معه وعدي أنبل أهل الحيرة في أنفسهم ولو أراد أن يملكوه لملكوه ولكنه كان يؤثر الصيد واللهو واللعب على الملك فمكث سنين يبدو في فصلي السنة فيقيم في جفير ويشتو بالحيرة ويأتي المدائن في خلال ذلك فيخدم كسرى فمكث كذلك سنين وكان لا يؤثر على بلاد بني يربوع مبدى من مبادي العرب ولا ينزل في حي من أحياء بني تميم غيرهم وكان أخلاؤه من العرب كلهم بني جعفر وكانت إبله في بلاد بني ضبة وبلاد بني سعد و كذلك كان أبوه يفعل لا يجاوز هذين الحيين بإبله ولم يزل على حاله تلك حتى تزوج هند بنت النعمان بن المنذر وهي يومئذ جارية حين بلغت أو كادت وخبره يذكر في تزويجها بعد هذا قال ابن حبيب وذكر هشام بن الكلبي عن إسحاق بن الجصاص وحماد الراوية وأبي محمد بن السائب قال كان لعدي بن زيد أخوان أحدهما اسمه عمار ولقبه أبي والآخر اسمه عمرو ولقبه سمي وكان لهم أخ من أمهم يقال له عدي بن حنظلة من طيىء وكان أبي يكون عند كسرى وكانوا أهل بيت نصارى يكونون مع الأكاسرة ولهم معهم أكل وناحية يقطعونهم القطائع ويجزلون صلاتهم وكان المنذر لما ملك جعل ابنه النعمان بن المنذر في حجر عدي بن زيد فهم الذين أرضعوه وربوه وكان للمنذر ابن آخر يقال له الأسود أمه مارية بنت الحارث بن جلهم من تيم الرباب فأرضعه ورباه قوم من أهل الحيرة يقال لهم بنو مر ينا ينتسبون إلى لخم وكانوا أشرافا وكان للمنذر سوى هذين من الولد عشرة وكان ولده يقال لهم الأشاهب من جمالهم فذلك قول أعشى بن قيس بن ثعلبة ( وبنو المنذرِ الأشاهب في الحِيْرَة ... ِيمشونَ غُدْوَةً كالسيوفِ ) دهاء عدي وسعيه في ولاية النعمان وكان النعمان من بينهم أحمر أبرش قصيرا وأمه سلمى بنت وائل بن عطية الصائغ من أهل فدك فلما احتضر المنذر وخلف أولاده العشرة وقيل بل كانوا ثلاثة عشر أوصى بهم إلى إياس بن قبيصة الطائي وملكه على الحيرة إلى أن يرى كسرى رأيه فمكث مملكا عليها أشهرا وكسرى في طلب رجل يملكه عليهم وهو كسرى بن هرمز فلم يجد أحدا يرضاه فضجر فقال لأبعثن إلى الحيرة اثني عشر الفا من الأساورة ولأملكن عليهم رجلا من الفرس ولآمرنهم أن ينزلوا على العرب في دورهم ويملكوا عليهم أموالهم ونساءهم وكان عدي بن زيد واقفا بين يديه فأقبل عليه وقال ويحك يا عدي من بقي من آل المنذر وهل فيهم أحد فيه خير فقال نعم أيها الملك السعيد إن في ولد المنذر لبقية وفيهم كلهم خير فقال ابعث إليهم فأحضرهم فبعث عدي إليهم فأحضرهم وأنزلهم جميعا عنده ويقال بل شخص عدي بن زيد إلى الحيرة حتى خاطبهم بما أراد وأوصاهم ثم قدم بهم على كسرى قال فلما نزلوا على عدي بن زيد أرسل إلى النعمان لست أملك غيرك فلا يوحشنك ما أفضل به إخوتك عليك من الكرامة فإني إنما أغترهم بذلك ثم كان يفضل إخوته جميعا عليه في النزل والإكرام والملازمة ويريهم تنقصا للنعمان وأنه غير طامع في تمام أمر على يده وجعل يخلو بهم رجلا رجلا فيقول أذا أدخلتكم على الملك فالبسوا أفخر ثيابكم وأجملها وإذا دعا لكم بالطعام لتأكلوا فتباطؤوا في الأكل وصغروا اللقم ونزروا ما تأكلون فأذا قال لكم أتكفونني العرب فقولوا نعم فإذا قال لكم فإن شذ أحدكم عن الطاعة وأفسد أتكفوننيه فقولوا لا إن بعضنا لا يقدر على بعض ليهابكم ولا يطمع في تفرقكم ويعلم أن للعرب منعة وبأسا فقبلوا منه وخلا بالنعمان فقال له البس ثياب السفر وادخل متقلدا بسيفك وإذا جلست للأكل فعظم اللقم وأسرع المضغ والبلع وزد في الأكل وتجوع قبل ذلك فإن كسرى يعجبه كثرة الأكل من العرب خاصة ويرى أنه لا خير في العربي إذا لم يكن أكولا شرها ولا سيما إذا رأى غير طعامه وما لا عهد له بمثله وإذا سألك هل تكفيني العرب فقل نعم فإذا قال لك فمن لي بإخوتك فقل له إن عجزت عنهم فإني عن غيرهم لأعجز قال وخلا ابن مرينا بالأسود فسأله عما أوصاه به عدي فأخبره فقال غشك والصليب والمعمودية وما نصحك ولئن أطعتني لتخالفن كل ما أمرك به ولتملكن ولئن عصيتني ليملكن النعمان ولا يغرنك ما أراكه من الإكرام والتفضيل على النعمان فإن ذلك دهاء فيه ومكر وإن هذه المَعَدِّيّة لا تخلو من مكرٍ وحيلةٍ فقال له إن عدياً لم يألُني نصحاً وهو أعلم بِكسْرى منك وإن خالفُته أوحشُته وأفسد عليّ وهو جاء بنا ووصَفَنا وإلى قوله يرجع كسْرى فلمَّا أيِسَ ابن مَرِينَا من قبوله منه قال ستَعلمُ ودعا بهم كسْرى فلما دخلوا عليه أعجبه جمالُهم وكمالُهم ورأى رجالاً قَلَّما رأى مثلَهم فدعا لهم بالطعام ففعلوا ما أمرهم به عديّ فجعل ينظر إلى النعمان مِنْ بينهم ويتأمّلُ أكله فقال لعديّ بالفارسية إن يكن في أحد منهم خيرٌ ففي هذا فلما غسلوا أيديَهم جعل يدعو بهم رجلا رجلا فيقول له أتكفيني العرب فيقول نعم أكفيكها كلها إلا إخوتي حتى انتهى إلى النعمان آخرهم فقال له أتكفيني العرب قال نعم قال كلها قال نعم قال فكيف لي بإخوتك قال إن عجزت عنهم فأنا عن غيرهم أعجز فملكه وخلع عليه وألبسه تاجا قيمته ستون ألف درهم فيه اللؤلؤ والذهب توعد ابن مرينا لعدي وتدبير المكيدة له فلما خرج وقد ملك قال ابن مرينا للأسود دونك عقبى خلافك لي ثم إن عديا صنع طعاما في بيعة وأرسل إلى ابن مرينا أن ائتني بمن أحببت فإن لي حاجة فأتى في ناس فتغدوا في البيعة فقال عدي بن زيد لابن مرينا ياعدي إن أحق من عرف الحق ثم لم يلم عليه من كان مثلك وإني قد عرفت أن صاحبك الأسود بن المنذر كان أحب إليك أن يملك من صاحبي النعمان فلا تلمني على شيء كنت على مثله وأنا أحب ألا تحقد علي شيئا لو قدرت عليه ركبته وأنا أحب أن تعطيني من نفسك ما أعطيك من نفسي فإن نصيبي في هذا الأمر ليس بأوفر من نصيبك وقام إلى البيعة فحلف ألا يهجوه أبدا ولا يبغيه غائلة ولا يزوي عنه خيرا أبدا فلما فرغ عدي بن زيد قام عدى بن مرينا فحلف مثل يمينه ألا يزال يهجوه أبدا ويبغيه الغوائل ما بقي وخرج النعمان حتى نزل منزل أبيه بالحيرة فقال عدي بن مرينا لعدي بن زيد ( ألا أبلغ عديّاً عن عديٍّ ... فلا تجزَعْ وإِن رَثَّتْ قُوَاكا ) ( هياكلَنا تَبَرَّ لغير فَقْرٍ ... لِتُحمَدَ أو يَتِمَّ به غِنَاكَا ) ( فإِن تظفَرْ فلم تظفر حميداً ... وإن تَعطَبْ فلا يَبْعُدْ سِوَاكا ) ( نَدِمتَ نَدامةً الكُسعيّ لمَّا ... رأتْ عيناكَ ما صنعتْ يداكا ) قال ثم قال عدي بن مرينا للأسود أما إذا لم تظفر فلا تعجزن أن تطلب بثأرك من هذا المعدي الذي فعل بك ما فعل فقد كنت أخبرك أن معدا لا ينام كيدها ومكرها وأمرتك أن تعصيه فخالفتني قال فما تريد قال أريد ألا تأتيك فائدة من مالك وأرضك إلا عرضتها علي ففعل وكان ابن مرينا كثير المال والضيعة فلم يكن في الدهر يوم يأتي إلا على باب النعمان هدية من ابن مرينا فصار من أكرم الناس عليه حتى كان لا يقضي في ملكه شيئا إلا بأمر ابن مرينا وكان إذا ذكر عدي بن زيد عند النعمان أحسن الثناء عليه وشيع ذلك بأن يقول إن عدي بن زيد فيه مكر وخديعة والمعدي لا يصلح إلا هكذا فلما رأى من يطيف بالنعمان منزلة ابن مرينا عنده لزموه وتابعوه فجعل يقول لمن يثق به من أصحابه إذا رأيتموني أذكر عديا عند الملك بخير فقولوا إنه لكذلك ولكنه لا يسلم عليه أحد وإنه ليقول إن الملك يعني النعمان عامله وإنه هو ولاه ما ولاه فلم يزالوا بذلك حتى أضغنوه عليه فكتبوا كتابا على لسانه إلى قهرمان له ثم دسوا إليه حتى أخذوا الكتاب منه وأتوا به النعمان فقرأه فاشتد غضبه فأرسل إلى عدي بن زيد عدي في حبس النعمان يقول شعرا عزمت عليك إلا زرتني فإني قد اشتقت إلى رؤيتك وعدي يومئذ عند كسرى فاستأذن كسرى فأذن له فلما أتاه لم ينظر إليه حتى حبسه في محبس لا يدخل عليه فيه أحد فجعل عدي يقول الشعر وهو في الحبس فكان أول ما قاله وهو محبوس من الشعر ( ليتَ شِعْرِي عن الهمام ويأتيكَ ... بخُبْرِ الأنباء عطفُ السُّؤالِ ) ( أين عنَّا إخطارُنا المالَ والأنفُسَ ... إذ ناهَدُوا لِيومِ المِحال ) ( ونِضَالي في جنبكَ الناسَ يرمُون ... وأَرْمِي وكُلُّنا غَيرُ آلي ) ( فأُصيبُ الذي تُريد بلا غِشٍّ ... وأُرْبي عليهِمُ وأُوالِي ) ( ليتَ أَنِّي أخذتُ حَتْفِي بكَفَّيّ ... ولم ألْقَ مِيتَةَ الأَقْتَالِ ) ( مَحَلوا مَحْلَهُمْ لصَرْعَتِنَا العامَ ... فقد أوقَعُوا الرحَا بالثِّفَال ) وهي قصيدة طويلة قالوا وقال أيضا وهو محبوس ( أرِقْتُ لمكفَهِرٍّ بات فيه ... بَوَارِقُ يَرْتَقِينَ رُؤُوسَ شِيبِ ) ( تَلُوح المشرَفيَّةُ في ذُرَاه ... ويجلو صفحَ دَخدار قَشيبِ ) ويروى تخال المشرفية الدخدار فارسية معربة وهو الثوب المصون يقول فيها ( سعى الأعداءُ لا يألون شرّاً ... عليّ وربِّ مكة والصليبِ ) ( أرادوا كي تُمهِّلَ عن عدِيٍّ ... ليُسجنَ أو يُدهْدَه في القليبِ ) ( وكنتُ لِزازَ خَصمِكَ لم أُعَرِّدْ ... وقد سَلكوكَ في يومٍ عصِيب ) ( أُعَالِنُهمْ وأُبطِنُ كلّ سرٍّ ... كما بينَ اللِّحاء إلى العَسِيبِ ) ( فَفُزْتُ عليهمُ لمّا التَقينَا ... بتاجِكَ فوزَة القِدْح الأرِيبِ ) ( وما دَهْرِي بأن كُدِّرتُ فضلاً ... ولكن ما لقيتُ من العَجِيبِ ) ( ألا مَنْ مُبلِغُ النعمانِ عنّي ... وقد تُهْدَى النَّصيحةُ بالمغيبِ ) ( أحظّي كان سِلْسِلةً وقَيْداً ... وغُلاًّ والبيانُ لَدى الطبيبِ ) ( أتاكَ بأنّني قد طالَ حبسِي ... ولم تَسْأَم بمسجونٍ حَرِيبِ ) ( وبَيْتي مُقْفِرٌ إلا نساءً ... أراملَ قد هَلَكْنَ من النّحيبِ ) ( يُبَادِرْنَ الدموعَ على عَديٍّ ... كَشَنٍّ خانَه خَرْزُ الرَّبيبِ ) ( يُحاذِرْنَ الوُشاةَ على عَدِيّ ... وما اقترفُوا عليه من الذُّنُوبِ ) ( فإن أخطأتُ أو أوهمْتُ أمراً ... فقد يهِمُ المصافي بالحبيبِ ) ( وإن أظْلِمْ فقد عاقَبْتُموني ... وإِن أُظْلَمْ فذلِكَ من نصيبي ) ( وإن أهلِكْ تجدْ فقدي وتُخذَلْ ... إذا التَقتِ العَوالي في الحروبِ ) ( فهل لكَ أن تَداركَ ما لدينا ... ولا تُغْلَبْ على الرأي المصيبِ ) ( فإِني قد وَكَلْتُ اليومَ امري ... إلى ربٍّ قريبٍ مستجيبِ ) قالوا وقال فيه أيضا طال ذا الليلُ علينا واعتكَرْ ... وكأني ناذرُ الصبح سَمَرْ ) ( مِنْ نجّي الهمّ عندي ثاوياً ... فوقَ ما أُعْلِنُ منه وأُسِرُّ ) ( وكأن الّليل فيه مثلُه ... ولَقدْماً ظُنَّ بالليلِ القِصَرْ ) ( لم أُغَمِّضْ طولَه حتى انقضى ... أتمنّى لو أَرَى الصُّبحَ جَشَرْ ) ( غير مَا عِشْقٍ ولكن طارَقٌ ... خَلَسَ النومَ وأجداني السَّهَرْ ) وفيها يقول ( أبِلغِ النُّعمانَ عَنِّي مَأْلُكاً ... قولَ مَنْ قد خافَ ظَنّاً فاعتذَرْ ) ( أنّنِي والله فاقبلْ حَلِفِي ... لأَبِيلٌ كُلَّمَا صَلَّى جَأَرْ ) ( مُرْعَدٌ أحشاؤُه في هَيكَلٍ ... حَسَن لِمتُه وافي الشَّعَرْ ) ( ما حَمَلْتُ الغِلَّ مِنْ أعدائِكم ... ولَدَى اللهِ مِنَ العِلْمِ المُسَرّْ ) ( لا تكونَنَّ كَآسِي عَظْمِه ... بِأَساً حتى إِذا العَظْمُ جَبَرْ ) ( عَادَ بعدَ الجَبْرِ يَبْغي وَهْنَهُ ... يَنْحُوَنَّ المَشيَ مِنه فانكَسَرْ ) ( واذْكُرِ النُّعمَى التي لم أنَسَها ... لكَ في السَّعي إِذا العبدُ كَفَرْ ) وقا ل له أيضا وهي قصيدة طويلة ( أَبلِغِ النُّعمانَ عنّي مَأْلُكاً ... أنه قد طال حَبسِي وانتِظَارِي ) ( لو بغير الماءِ حَلْقِي شَرِقٌ ... كنتُ كالغَصَّان بالماءِ اعِتِصَارِي ) ( ليتَ شِعري عن دخيلٍ يفترِي ... حيثما أدركَ لَيلي ونَهاري ) ( قاعِداً يكرُبُ نفسي بَثُّها ... وحراماً كان سِجْني واحتِصَارِي ) ( أَجْلَ نُعْمَى ربَّها أوَّلُكُمْ ... ودُنُوّي كان مِنكم واصْطِهَاري ) في قصائد كثيرة كان يقولها فيه ويكتب بها إليه فلا تغني عنده شيئا هذه رواية الكلبي لماذا حبس النعمان عديا وأما المفضل الضبي فإنه ذكر أن عدي بن زيد لما قدم على النعمان صادفه لا مال عنده ولا أثاث ولا ما يصلح لملك وكان آدم إخوته منظرا وكلهم أكثر مالا منه فقال له عدي كيف أصنع بك ولا مال عندك فقال له النعمان ما أعرف لك حيلة إلا ما تعرفه أنت فقال له قم بنا نمض إلى ابن قردس رجل من أهل الحيرة من دومة فأتياه ليقترضا منه مالا فأبى أن يقرضهما وقال ما عندي شيء فأتيا جابر بن شمعون وهو الأسقف أحد بني الأوس بن قلام بن بطين بن جمهير ابن لحيان من بني الحارث بن كعب فاستقرضا منه مالا فأنزلهما عنده ثلاثة أيام يذبح لهم ويسقيهم الخمر فلما كان في اليوم الرابع قال لهما ما تريدان فقال له عدي تقرضنا أربعين ألف درهم يستعين بها النعمان على أمره عند كسرى فقال لكما عندي ثمانون ألفا ثم أعطاهما إياها فقال النعمان لجابر لا جرم لا جرى لي درهم إلا على يديك إن أنا ملكت قال وجابر هو صاحب القصر الأبيض بالحيرة ثم ذكر من قصة النعمان وإخوته وعدي وابن مرينا مثل ما ذكره ابن الكلبي وقال المفضل خاصة إن سبب حبس النعمان عدي بن زيد أن عديا صنع ذات يوم طعاما للنعمان وسأله أن يركب إليه ويتغدى عنده هو وأصحابه فركب النعمان إليه فاعترضه عدي بن مرينا فاحتبسه حتى تغدى عنده هو وأصحابه وشربوا حتى ثملوا ثم ركب إلى عدي ولا فضل فيه فأحفظه ذلك ورأى في وجه عدي الكراهة فقام فركب ورجع إلى منزله فقال عدي بن زيد في ذلك من فعل النعمان ( أحَسِبْتَ مجلِسَنا وحُسْنَ حديثِنا يُودِي بمالِكْ ... ) ( فالمالُ والأهلون مَصْرَعَةُ لأمرِكَ أو نَكَالِك ... ْ ) ( ما تأمُرَنْ فينا فأمرُكَ في يمينكَ أو شِمالِكْ ... ) قال وأرسل النعمان ذات يوم إلى عدي بن زيد فأبى أن يأتيه ثم أعاد رسوله فأبى أن يأتيه وقد كان النعمان شرب فغضب وأمر به فسحب من منزله حتى انتهي به إليه فحبسه في الصنين ولج في حبسه وعدي يرسل إليه بالشعر فما قاله له ( لَيس شيءٌ على المنونِ ببَاقِ ... غيرُ وجه المسبَّح الخَلاَّقِ ) ( إن نَكُنْ آمِنِينَ فاجأنا شَرٌّ ... مُصيبٌ ذَا الوُدِّ والإِشفَاقِ ) ( فَبريءٌ صدرِي من الظلم للرَّبّ ... وحِنْثٍ بِمُعْقَدِ الميثاقِ ) ( ولقد ساءني زيارةُ ذي قُرْبى ... حبيبٍ لودّنا مُشتاقِ ) ( ساءه ما بنا تَبَيَّنَ في الأيدي ... وإشناقُها إلى الأعناق ) ( فاذهبِي يا أُمَيمَ غيرَ بعيدٍ ... لايُؤَاتِي العِنَاقُ مَنْ في الوَثاقِ ) ( واذهَبِي يا أمَيمَ إن يشأ اللّهُ ... يُنْفِّسْ مِنْ أَزْمِ هذا الخِناق ) ( أو تَكنْ وِجهَةٌ فتلكَ سبيلُ الناس ... لا تَمَنعُ الحتوفَ الرَّواقِي ) ويقول فيها ( وتقول العُداةُ أَودَى عديٌّ ... وبنوه قد أيقنوا بغَلاَقِ ) ( يا أبا مُسْهِرٍ فَأبلِغْ رسولاً ... إخوتي إن أتيتَ صَحْنَ العِرَاق ) ( أبلِغاً عامراً وأَبلِغْ أخاه ... أننّي مُوثقٌ شديدُ وَثاَقِي ) ( في حديد القِسْطَاس يرقُبني الحارسُ ... والمرءُ كلَّ شيءٍ يُلاَقي ) ( في حديدٍ مُضَاعَف وغُلُولٍ ... وثيابٍ مُنَضَّحَاتٍ خِلاَقِ ) ( فَاركبُوا في الحرام فُكُّوا أخاكم ... إنَّ عِيراً قد جُهِّزَتْ لانِطَلاَقِ ) يعني الشهر الحرام قالوا جميعا وخرج النعمان إلى البحرين فأقبل رجل من غسان فأصاب في الحيرة ما أحب ويقال إنه جفنة بن النعمان الجفني فقال عدي بن زيد في ذلك ( سما صَقْرٌ فَأَشْعَلَ جانِبَيْها ... وألهاك المروَّحُ والعَزِيبُ ) المروح الإبل المروحة إلى أعطانها والعزيب ما ترك في مراعيه ( وثَبْنَ لدي الثَّوِيّة مُلْجَمَاتٍ ... وصبَّحْنَ العِبَادَ وهُنَّ شِيبُ ) ( ألا تلكَ الغَنِيمةُ لا إفالٌ ... تُرَجِّيها مُسَوَّمَةٌ ونِيبُ ) ( تُرَجِّيها وقد صابَتْ بِقُرِّ ... كما ترجُو أصاغرَها عَتِيبُ ) عدي يخاطب أخاه شعرا وأخوه يرد وقالوا جميعا فلما طال سجن عدي بن زيد كتب إلى أخيه أبي وهو مع كسرى بهذا الشعر ( أَبلِغْ أٌبَيّاً على نَأْيهِ ... وهل ينفعُ المرءَ ما قد عَلِمْ ) ( بأنّ أخاكَ شقيقَ الفُؤَاد ... ِ كنتَ به واثقاً ما سَلِمْ ) ( لَدَى مَلِكٍ مُوثَقٌ في الحديدِ ... إمّا بحقّ وإمّا ظُلِمْ ) ( فلا أَعْرِفَكْ َ كذات الغُلام ... ما لم تجِدْ عارِماً تَعْتَرِمْ ) ( فأَرضَكَ أرضَكَ إن تأتِنَا ... تَنَمْ نومةً ليَس فيها حُلُمْ ) قال فكتب إليه أخوه أبي ( إن يكن خانك الزمانُ فلا عاجزُ ... باعٍ ولا أَلَفُّ ضعيفُ ) ( ويمينِ الإِله لو أنّ جَأْوَاء ... طَحُونا تُضيءُ فيها السيوفُ ) ( ذاتَ رِزٍّمجتابةً غمرةَ الموتِ ... صَحيحٌ سِرْبالُها مكفُوفُ ) ( كنتَ في حَمْيها لجئتُكَ أسعى ... فاعلمن لو سمعتُ إذ تَستَضِيف ) ( أو بمالٍ سألتَ دونكَ لم يُمنَعْ ... تِلادٌ لحاجةٍ أو طَرِيفُ ) ( أو بأرضٍ أستطِيعُ آتِيكَ فيها ... لم يَهُلْنِي بُعْدٌ بها أو مَخُوف ) ( إن تَفُتْنِي واللهِ إِلْفَاً فَجُوعاً ... لا يُعَقِّبْك ما يَصوبُ الخريفُ ) ( في الأعادي وأنتَ منّي بعيدٌ ... عزَّ هذا الزمانُ والتعّنِيفُ ) ( ولعَمْري لئن جزِعتُ عليه ... لجزوعٌ على الصديق أَسُوفُ ) ( ولعَمْري لئن ملكتُ عَزائي ... لقليلٌ شَرْوَاكَ فيما أطُوفُ ) كسرى يأمر باطلاق عدي والنعمان يقتله قالوا جميعا فلما قرأ أبي كتاب عدي قام إلى كسرى فكلمه في أمره وعرفه خبره فكتب إلى النعمان يأمره بإطلاقه وبعث معه رجلا وكتب خليفة النعمان إليه إنه قد كتب إليك في أمره فأتى النعمان أعداء عدي من بني بقيلة وهم من غسان فقالوا له اقتله الساعة فأبى عليهم وجاء الرسول وقد كان أخو عدي تقدم إليه ورشاه وأمره أن يبدأ بعدي فيدخل إليه وهو محبوس بالصنين فقال له ادخل عليه فانظر ما يأمرك به فامتثله فدخل الرسول على عدي فقال له إني قد جئت بإرسالك فما عندك قال عندي الذي تحب ووعده بعدة سنية وقال له لا تخرجن من عندي وأعطني الكتاب حتى أرسله إليه فإنك والله إن خرجت من عندي لأقتلن فقال لا أستطيع إلا أن آتي الملك بالكتاب فأوصله إليه فانطلق بعض من كان هناك من أعدائه فأخبر النعمان أن رسول كسرى دخل على عدي وهو ذاهب به وإن فعل والله لم يستبق منا أحدا أنت ولا غيرك فبعث إليه النعمان أعداءه فغموه حتى مات ثم دفنوه ودخل الرسول إلى النعمان فأوصل الكتاب إليه فقال نعم وكرامة وأمر له بأربعة آلاف مثقال ذهبا وجارية حسناء وقال له إذا أصبحت فادخل أنت بنفسك فأخرجه فلما أصبح ركب فدخل السجن فأعلمه الحرس أنه قد مات منذ أيام ولم نجترىء على إخبار الملك خوفا منه وقد عرفنا كراهته لموته فرجع إلى النعمان وقال له إني كنت أمس دخلت على عدي وهو حي وجئت اليوم فجحدني السجان وبهتني وذكر أنه قد مات منذ أيام فقال له النعمان أيبعث بك الملك إلي فتدخل إليه قبلي كذبت ولكنك أردت الرشوة والخبث فتهدده ثم زاده جائزة وأكرمه وتوثق منه ألا يخبر كسرى إلا أنه قد مات قبل أن يقدم عليه فرجع الرسول إلى كسرى وقال إني وجدت عديا قد مات قبل أن أدخل عليه وندم النعمان على قتل عدي وعرف أنه احتيل عليه في أمره واجترأ أعداؤه عليه وهابهم هيبة شديدة ثم إنه خرج إلى صيده ذات يوم فلقي ابنا لعدي يقال له زيد فلما رآه عرف شبهه فقال له من أنت فقال أنا زيد بن عدي بن زيد فكلمه فإذا غلام ظريف ففرح به فرحا شديدا وقربه وأعطاه ووصله واعتذر إليه من أمر أبيه وجهزه ثم كتب إلى كسرى إن عديا كان ممن أعين به الملك في نصحه ولبه فأصابه ما لابد منه وانقطعت مدته وانقضى أجله ولم يصب به أحد أشد من مصيبتي وأما الملك فلم يكن ليفقد رجلا إلا جعل الله له منه خلفا لما عظم الله من ملكه وشأنه وقد بلغ ابن له ليس بدونه رأيته يصلح لخدمة الملك فسرحته إليه فإن رأى الملك أن يجعله مكان أبيه فليفعل وليصرف عمه عن ذلك إلى عمل آخر وكان هو الذي يلي المكاتبة عن الملك إلى ملوك العرب في أمورها وفي خواص أمور الملك وكانت له من العرب وظيفة موظفة في كل سنة مهران أشقران يجعلان له هلاما والكمأة الرطبة في حينها واليابسة والأقط والإدم وسائر تجارات العرب فكان زيد بن عدي يلي ذلك له وكان هذا عمل عدي فلما وقع زيد بن عدي عند الملك هذا الموقع سأله كسرى عن النعمان فأحسن الثناء عليه ومكث على ذلك سنوات على الأمر الذي كان أبوه عليه وأعجب به كسرى فكان يكثر الدخول عليه والخدمة له صفات نساء ملوك العجم وكانت لملوك العجم صفة من النساء مكتوبة عندهم فكانوا يبعثون في تلك الأرضين بتلك الصفة فإذا وجدت حملت إلى الملك غير أنهم لم يكونوا يطلبونها في أرض العرب ولا يظنونها عندهم ثم إنه بدا للملك في طلب الصفة وأمر فكتب بها إلى النواحي ودخل إليه زيد بن عدي وهو في ذلك القول فخاطبه فيما دخل إليه فيه ثم قال إني رأيت الملك قد كتب في نسوة يطلبن له وقرأت الصفة وقد كنت بآل المنذر عارفا وعند عبدك النعمان من بناته وأخواته وبنات عمه وأهله أكثر من عشرين امرأة على هذه الصفة قال فاكتب فيهن قال أيها الملك إن شر شيء في العرب وفي النعمان خاصة أنهم يتكرمون زعموا في أنفسهم عن العجم فأنا أكره أن يغيبهن عمن تبعث إليه أو يعرض عليه غيرهن وإن قدمت أنا عليه لم يقدر على ذلك فابعثني وابعث معي رجلا من ثقاتك يفهم العربية حتى أبلغ ما تحبه فبعث معه رجلا جلدا فهما فخرج به زيد فجعل يكرم الرجل ويلطفه حتى بلغ الحيرة فلما دخل عليه أعظم الملك وقال إنه قد احتاج إلى نساء لنفسه وولده وأهل بيته وأراد كرامتك بصهره فبعث إليك فقال ما هؤلاء النسوة فقال هذه صفتهن قد جئنا بها وكانت الصفة أن المنذر الأكبر أهدى إلى أنوشروان جارية كان أصابها إذ أغار على الحارث الأكبر بن أبي شمر الغساني فكتب إلى أنوشروان بصفتها وقال إني قد وجهت إلى الملك جارية معتدلة الخلق نقية اللون والثغر بيضاء قمراء وطفاء كحلاء دعجاء حوراء عيناء قنواء شماء برجاء زجاء أسيلة الخد شهية المقبل جثلة الشعر عظيمة الهامة بعيدة مهوى القرط عيطاء عريضة الصدر كاعب الثدي ضخمة مشاش المنكب والعضد حسنة المعصم لطيفة الكف سبطة البنان ضامرة البطن خميصة الخصر غرثى الوشاح رداح الأقبال رابية الكفل لفاء الفخذين ريا الروادف ضخمة المأكمتين مفعمة الساق مشبعة الخلخال لطيفة الكعب والقدم قطوف المشي مكسال الضحى بضة المتجرد سموعا للسيد ليست بخنساء ولا سفعاء رقيقة الأنف عزيزة النفس لم تغذ في بؤس حيية رزينة حليمة ركينة كريمة الخال تقتصر على نسب أبيها دون فصيلتها وتستغني بفصيلتها دون جماع قبيلتها قد أحكمتها الأمور في الأدب فرأيها أهل الشرف وعملها عمل أهل الحاجة صناع الكفين قطيعة اللسان رهوة الصوت ساكنته تزين الولي وتشين العدو إن أردتها اشتهت وإن تركتها انتهت تحملق عيناها وتحمر وجنتاها وتذبذب شفتاها وتبادرك الوثبة إذا قمت ولا تجلس إلا بأمرك إذا جلست قال فقبلها أنوشروان وأمر بإثبات هذه الصفة في دواوينه فلم يزالوا يتوارثونها حتى أفضى ذلك إلى كسرى ابن هرمز فقرأ زيد هذه الصفة على النعمان فشقت عليه وقال لزيد والرسول يسمع أما في مها السواد وعين فارس ما يبلغ به كسرى حاجته فقال الرسول لزيد بالفارسية ما المها والعين فقال له بالفارسية كاوان أي البقر فأمسك الرسول وقال زيد للنعمان إنما أراد الملك كرامتك ولو علم أن هذا يشق عليك لم يكتب إليك به فأنزلهما يومين عنده ثم كتب إلى كسرى إن الذي طلب الملك ليس عندي وقال لزيد اعذرني عند الملك فلما رجعا إلى كسرى قال زيد للرسول الذي قدم معه أصدق الملك عما سمعت فإني سأحدثه بمثل حديثك ولا أخالفك فيه فلما دخلا على كسرى قال زيد هذا كتابه إليك فقرأه عليه فقال له كسرى وأين الذي كنت خبرتني به قال قد كنت خبرتك بضنتهم بنسائهم على غيرهم وإن ذلك من شقائهم واختيارهم الجوع والعري على الشبع والرياش وإيثارهم السموم والرياح على طيب أرضك هذه حتى إنهم ليسمونها السجن فسل هذا الرسول الذي كان معي عما قال فإني أكرم الملك عن مشافهته بما قال وأجاب به قال للرسول وما قال فقال له الرسول أيها الملك إنه قال أما كان في بقر السواد وفارس ما يكفيه حتى يطلب ما عندنا فعرف الغضب في وجهه ووقع في قلبه منه ما وقع لكنه لم يزد على أن قال رب عبد قد أراد ما هو أشد من هذا ثم صار أمره إلى التباب وشاع هذا الكلام حتى بلغ النعمان وسكت كسرى أشهرا على ذلك النعمان يستجير بقبائل العرب وجعل النعمان يستعد ويتوقع حتى أتاه كتابه أن أقبل فإن للملك حاجة إليك فانطلق حين أتاه كتابه فحمل سلاحه وما قوي عليه ثم لحق بجبلي طيىء وكانت فرعة بنت سعد بن حارثة بن لأم عنده وقد ولدت له رجلا وامرأة وكانت أيضا عنده زينب بنت أوس بن حارثة فأراد النعمان طيئا على أن يدخلوه الجبلين ويمنعوه فأبوا ذلك عليه وقالوا له لولا صهرك لقتلناك فإنه لا حاجة بنا إلى معاداة كسرى ولا طاقة لنا به وأقبل يطوف على قبائل العرب ليس أحد منهم يقبله غير أن بني رواحة بن قطيعة بن عبس قالوا إن شئت قاتلنا معك لمنة كانت له عندهم في أمر مروان القرظ قال ما أحب أن أهلككم فإنه لا طاقة لكم بكسرى فأقبل حتى نزل بذي قار في بني شيبان سرا فلقي هانىء بن قبيصة وقيل بل هانىء بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان وكان سيدا منيعا والبيت يومئذ من ربيعة في آل ذي الجدين لقيس بن مسعود بن قيس بن خالد ذي الجدين وكان كسرى قد أطعم قيس بن مسعود الأبلة فكره النعمان أن يدفع إليه أهله لذلك وعلم أن هانئا يمنعه مما يمنع منه نفسه وقال حماد الراوية في خبره إنه إنما استجار بهانىء كما استجار بغيره فأجاره وقال له قد لزمني ذمامك مما أمنع نفسي وأهلي وولدي منه ما بقي من عشيرتي الأدنين رجل وإن ذلك غير نافعك لأنه مهلكي ومهلكك وعندي رأي لك لست أشير به عليك لأدفعك عما تريده من مجاورتي ولكنه الصواب فقال هاته فقال إن كل أمر يجمل بالرجل أن يكون عليه إلا أن يكون بعد الملك سوقة والموت نازل بكل واحد ولأن تموت كريما خير من أن تتجرع الذل أو تبقى سوقة بعد الملك هذا إن بقيت فامض إلى صاحبك وأرسل إليه هدايا ومالا وألق نفسك بين يديه فإما أن صفح عنك فعدت ملكا عزيزا وإما أن أصابك فالموت خير من أن يتلعب بك صعاليك العرب ويتخطفك ذئابها وتأكل مالك وتعيش فقيرا مجاورا أو تقتل مقهورا فقال كيف بحرمي قال هن في ذمتي لا يخلص إليهن حتى يخلص إلى بناتي فقال هذا وأبيك الرأي الصحيح ولن أجاوزه ثم أختار خيلا وحللا من عصب اليمن وجوهرا وطرفا كانت عنده ووجه بها إلى كسرى وكتب إليه يعتذر ويعلمه أنه صائر إليه ووجه بها مع رسوله فقلبها كسرى وأمره بالقدوم فعاد إليه الرسول فأخبره بذلك وأنه لم ير له عند كسرى سوءا فمضى إليه حتى إذا وصل إلى المدائن لقيه زيد بن عدي على قنطرة ساباط فقال له انج نعيم إن استطعت النجاء فقال له أفعلتها يا زيد أما والله لئن عشت لك لأقتلنك قتلة لم يقتلها عربي قط ولألحقنك بأبيك فقال له زيد امض لشانك نعيم فقد والله أخيت لك أخية لا يقطعها المهر الأرن نهاية النعمان في سجن كسرى فلما بلغ كسرى أنه بالباب بعث إليه فقيده وبعث به إلى سجن كان له بخانقين فلم يزل فيه حتى وقع الطاعون هناك فمات فيه وقال حماد الراوية والكوفيون بل مات بساباط في حبسه وقال ابن الكلبي ألقاه تحت أرجل الفيلة فوطئته حتى مات واحتجوا بقول الأعشى ( فذاك وما أنجى من الموت ربَّه ... بساباطَ حتى ماتَ وهو مُحَزْرَقُ ) قال المحزرق المضيق عليه وأنكر هذا من زعم أنه مات بخانقين وقالوا لم يزل محبوسا مدة طويلة وإنه إنما مات بعد ذلك لحين قبيل الإسلام وغضبت له العرب حينئذ وكان قتله سبب وقعة ذي قار عدي يتزوج هند بنت النعمان أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح وأخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن القاسم بن ممهرويه قال قال علي بن الصباح حدثني هشام بن الكلبي عن أبيه قال كان عدي بن زيد بن حماد بن زيد بن أيوب الشاعر العبادي يهوى هند بنت النعمان بن المنذر بن المنذر بن امرىء القيس بن النعمان بن امرىء القيس ابن عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحارث بن مسعود بن مالك بن غنم بن نمارة بن لخم وهو مالك بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ولها يقول ( عَلِقَ الأحشاءَ من هِندٍ عَلَقْ ... مُستسِرٌّ فيه نَصْبٌ وأَرَقْ ) وهي قصيدة طويلة وفيها أيضا يقول ( مَنْ لِقَلب دَنِفٍ أو مُعتَمَدْ ... قد عَصَى كُلَّ نَصُوحٍ ومُفَدّْ ) وهي طويلة وفيها أيضا يقول ( يا خليليّ يَسِّرَا التعسِيرَا ... ثم رُوحَا فهجِّرا تهجِيرَا ) ( عرِّجا بي على ديارٍ لهندٍ ... ليس أن عُجْتُما المَطِيَّ كبيرَا ) قال ابن الكلبي وقد تزوجها عدي وقال ابن أبي سعد وذكر ذلك خالد ابن كلثوم أيضا قالا كان سبب عشقه إياها أن هندا كانت من أجمل نساء أهلها وزمانها وأمها مارية الكندية فخرجت في خميس الفصح وهو بعد السعانين بثلاثة أيام تتقرب في البيعة ولها حينئذ أحدى عشرة سنة وذلك في ملك المنذر وقد عدي حينئذ بهدية من كسرى إلى المنذر والنعمان يومئذ فتى شاب فاتفق دخولها البيعة وقد دخلها عدي ليتقرب وكانت مديدة القامة عبلة الجسم فرآها عدي وهي غافلة فلم تنتبه له حتى تأملها وقد كان جواريها رأين عديا وهو مقبل فلم يقلن لها ذلك كي يراها عدي وإنما فعلن هذا من أجل أمة لهند يقال لها مارية وقد كانت أحبت عديا فلم تدر كيف تأتي له فلما رأت هند عديا ينظر إليها شق ذلك عليها وسبت جواريها ونالت بعضهن بضرب فوقعت هند في نفس عدي فلبث حولا لا يخبر بذلك أحدا فلما كان بعد حول وظنت مارية أن هندا قد أضربت عما جرى وصفت لها بيعة دومة وقال خالد بن كلثوم بيعة توما وهو الصحيح ووصفت لها من فيها من الرواهب ومن يأتيها من جواري الحيرة وحسن بنائها وسرجها وقالت لها سلي أمك الإذن لك في إتيانها فسألتها ذلك فأذنت لها وبادرت مارية إلى عدي فأخبرته الخبر فبادر فلبس يلمقا كان فرخانشاه مرد قد كساه إياه وكان مذهبا لم ير مثله حسنا وكان عدي حسن الوجه مديد القامة حلو العينين حسن المبسم نقي الثغر وأخذ معه جماعة من فتيان الحيرة فدخل البيعة فلما رأته مارية قالت لهند انظري إلى هذا الفتى فهو والله أحسن من كل ما ترين من السرج وغيرها قالت ومن هو قالت عدي بن زيد قالت أتخافين أن يعرفني إن دنوت منه لأراه من قريب قالت ومن أين يعرفك وما رآك قط من حيث يعرفك فدنت منه وهو يمازح الفتيان الذين معه وقد برع عليهم بجماله وحسن كلامه وفصاحته وما عليه من الثياب فذهلت لما رأته وبهتت تنظر إليه وعرفت مارية ما بها وتبينته في وجهها فقالت لها كلميه فكلمته وانصرفت وقد تبعته نفسها وهويته وانصرف بمثل حالها فلما كان الغد تعرضت له مارية فلما رآها هش لها وكان قبل ذلك لا يكلمها وقال لها ما غدا بك قالت حاجة إليك قال اذكريها فوالله لا تسأليني شيئا إلا أعطيتك إياه فعرفته أنها تهواه وأن حاجتها الخلوة به على أن تحتال له في هند وعاهدته على ذلك فأدخلها حانوت خمار في الحيرة ووقع عليها ثم خرجت فأتت هندا فقالت أما تشتهين أن تري عديا قالت وكيف لي به قالت أعده مكان كذا وكذا في ظهر القصر وتشرفين عليه قالت افعلي فواعدته إلى ذلك المكان فأتاه وأشرفت هند عليه فكادت تموت وقالت إن لم تدخليه إلي هلكت فبادرت الأمة إلى النعمان فأخبرته خبرها وصدقته وذكرت أنها قد شغفت به وأن سبب ذلك رؤيتها إياه في يوم الفصح وأنه إن لم يزوجها به افتضحت في أمره أو ماتت فقال لها ويلك وكيف أبدؤه بذلك فقالت هو أرغب في ذلك من أن تبدأه أنت وأنا أحتال في ذلك من حيث لا يعلم أنك عرفت أمره وأتت عديا فأخبرته الخبر وقالت ادعه فإذا أخذ الشراب منه فاخطب إليه فإنه غير رادك قال أخشى أن يغضبه ذلك فيكون سبب العداوة بيننا قالت ما قلت لك هذا حتى فرغت منه معه فصنع عدي طعاما واحتفل فيه ثم أتى النعمان بعد الفصح بثلاثة أيام وذلك في يوم الإثنين فسأله أن يتغدى عنده هو وأصحابه ففعل فلما أخذ منه الشراب خطبها إلى النعمان فأجابه وزوجه وضمها إليه بعد ثلاثة أيام هند حبيسة الدير قال خالد بن كلثوم فكانت معه حتى قتله النعمان فترهبت وحبست نفسها في الدير المعروف بدير هند في ظاهر الحيرة وقال ابن الكلبي بل ترهبت بعد ثلاث سنين ومنعته نفسها واحتبست في الدير حتى ماتت وكانت وفاتها بعد الإسلام بزمان طويل في ولاية المغيرة بن شعبة الكوفة وخطبها المغيرة فردته أخبرني عمي قال حدثني ابن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن هشام ابن محمد بن الكلبي عن أبيه والشرفي بن القطامي قالا مر المغيرة بن شعبة لما ولاه معاوية الكوفة بدير هند فنزله ودخل على هند بنت النعمان بعد أن استأذن عليها فأذنت له وبسطت له مسحا فجلس عليه ثم قالت له ما جاء بك قال جئتك خاطبا قالت والصليب لو علمت أن في خصلة من جمال أو شباب رغبتك في لأجبتك ولكنك أردت أن تقول في المواسم ملكت مملكة النعمان بن المنذر ونكحت ابنته فبحق معبودك أهذا أردت قال أي والله قالت فلا سبيل إليه فقام المغيرة وانصرف وقال فيها ( أدركتِ ما منَّيتُ نفسِيَ خالياً ... للهِ درُّكِ يا بنة النعمانِ ) ( فلقد رَدَدْتِ على المغيرة ذِهْنَهُ ... إنّ الملوكَ نَقِيَّةُ الأَذهانِ ) وفي رواية أخرى ( إنَّ الملوكَ بَطِيَّةُ الإِذعانِ ... ) ( يا هندُ حسبُكِ قد صَدَقتِ فأمسِكِي ... فالصِّدقُ خيرُ مَقَالَةِ الإِنسانِ ) وقد روى عن ابن الكلبي غير علي بن الصباح في هند أنها كانت تهوى زرقاء اليمامة وأنها أول امرأة أحبت امرأة في العرب فإن الزرقاء كانت ترى الجيش من مسيرة ثلاثين ميلا فغزا قوم من العرب اليمامة فلما قربوا من مسافة نظرها قالوا كيف لكم بالوصول مع الزرقاء فاجتمع رأيهم على أن يقتلعوا شجرا تستر كل شجرة منها الفارس إذا حملها فقطع كل واحد منهم بمقدار طاقته وساروا بها فأشرفت كما كانت تفعل فقال لها قومها ما ترين يا زرقاء وذلك في آخر النهار قالت أرى شجرا يسير فقالوا كذبت أو كذبتك عينك واستهانوا بقولها فلما أصبحوا صبحهم القوم فاكتسحوا أموالهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأخذوا الزرقاء فقلعوا عينها فوجدوا فيها عروقا سوداء فسئلت عنها فقالت إني كنت أديم الإكتحال بالإثمد فلعل هذا منه وماتت بعد ذلك بأيام وبلغ هندا خبرها فترهبت ولبست المسوح وبنت ديرا يعرف بدير هند إلى الآن فأقامت فيه حتى ماتت وروى ابن حبيب عن ابن الأعرابي أن النعمان لما حبس عديا أكرهه في أمرها على طلاقها ولم يزل به حتى طلقها قال ابن حبيب وذكر عدي بن زيد صهره هذا للنعمان في قصائده وكان زوج أخته هكذا العلماء من أهل الحيرة وقالت رواة العرب إنه كان زوج ابنته هند فمن ذلك قوله في قصيدته التي أوله ( أبصَرَتْ عينِي عِشَاءً ضَوءَ نَارِ ... ) فقال فيها ( أَجْلَ نُعمَى رَبَّهَا أَولُكُمْ ... ودُنُوِّي كان منكم واصْطِهَارِي ) ( نحن كنَّا قد علِمتُم قبلها ... عَمَدَ البيتِ وأوتادَ الإِصَارِ ) سبب تنصر النعمان أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا إبراهيم بن فهد قال حدثنا خليفة ابن خياط شباب العصفري قال حدثنا هشام بن محمد قال حدثني يحيى بن أيوب البجلي قال حدثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي قال سمعت جدي جرير بن عبد الله يقول وأخبرني به عمي قال حدثنا أحمد بن عبيد الله قال أخبرنا محمد بن يزيد بن زياد الكلبي أبو عبد الله قال حدثني معروف بن خربوذ عن يحيى بن أيوب عن أبي زرعة بن عمرو قال سمعت جدي جرير بن عبد الله ولفظ هذا الخبر لأحمد بن عبيد الله وروايته أتم قال كان سبب تنصر النعمان وكان يعبد الأوثان قبل ذلك وقال أحمد بن عبيد الله في خبره النعمان بن المنذر الأكبر أنه كان قد خرج يتنزه بظهر الحيرة ومعه عدي بن زيد فمر على المقابر من ظهر الحيرة ونهرها فقال له عدي بن زيد أبيت اللعن أتدري ما تقول هذه المقابر قال لا وقال أحمد بن عبيد الله في خبره فقال له تقول صهره هذا للنعمان في قصائده وكان زوج أخته هكذا العلماء من أهل الحيرة وقالت رواة العرب إنه كان زوج ابنته هند فمن ذلك قوله في قصيدته التي أولها ( أبصَرَتْ عينِي عِشَاءً ضَوءَ نَارِ ... ) فقال فيها ( أَجْلَ نُعمَى رَبَّهَا أَولُكُمْ ... ودُنُوِّي كان منكم واصْطِهَارِي ) ( نحن كنَّا قد علِمتُم قبلها ... عَمَدَ البيتِ وأوتادَ الإِصَارِ ) سبب تنصر النعمان أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا إبراهيم بن فهد قال حدثنا ( أيُّها الركبُ المخِبُّونَ ... على الأرض المجدُّونْ ) ( كما أنتُمُ كُنَّا ... كما نحن تكونُونْ ) وقال الصولي في خبره فقال له تقول ( كُنَّا كما كنتُمُ حيناً فَغيَّرنَا ... دهرٌ فسوفَ كما صِرنَا تصيرونَا ) قال فانصرف وقد دخلته رقة فمكث بعد ذلك يسيرا ثم خرج خرجة أخرى فمر على تلك المقابر ومعه عدي فقال له أبيت اللعن أتدري ما تقول هذه المقابر قال لا قال فإنها تقول ( مَنْ رآنا فَلْيُحَدِّثْ نفْسَه ... أنه مُوفٍ على قَرْنِ زَوَالِ ) ( وصُروفُ الدَّهرِ لا يَبقَى لها ... ولِمَا تأتِي به صُمُّ الجبالِ ) ( رُبَّ ركبٍ قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمرَ بالماء الزُّلالِ ) ( والأبارِيقُ عليها فُدُمٌ ... وجيادُ الخيلِ تَرْدِي في الحِلاَلِ ) ( عَمِرُوا دهراً بِعيشٍ حَسَنٍ ... آمِنِي دَهْرِهِمُ غير عِجَالِ ) ( ثم أضْحَوْا عصفَ الدَّهر بهم ... وكذاكَ الدهرُ يُودِي بالرِّجالِ ) ( وكذاكَ الدهرُ يرمِي بالفتى ... في طِلاَبِ العيشِ حالاً بعدَ حال ) قال الصولي في خبره وهو الصحيح فرجع النعمان فتنصر وقال أحمد بن عبيد الله في خبره عن الزيادي الكلبي فرجع النعمان من وجهه وقال لعدي ائتني الليلة إذا هدأت الرجل لتعلم حالي فأتاه فوجده قد لبس المسوح وتنصر وترهب وخرج سائحا على وجهه فلا يدرى ما كانت حاله فتنصر ولده بعده وبنوا البيع والصوامع وبنت هند بنت النعمان بن المنذر بن النعمان بن المنذر الدير الذي بظهر الكوفة ويقال له دير هند فلما حبس كسرى النعمان الأصغر أباها ومات في حبسه ترهبت هند ولبست المسوح وأقامت في ديرها مترهبة حتى ماتت فدفنت فيه رأي المؤلف في تنصر النعمان قال مؤلف هذا الكتاب إنما ذكرت الخبر الذي رواه الزيادي على ما فيه من التخليط لأني إذا أتيت بالقصة ذكرت كل ما يروى في معناها وهو خبر مختلط لأن عدي بن زيد إنما كان صاحب النعمان بن المنذر وهو المحبوس والنعمان الأكبر لا يعرفه عدي ولا رآه ولا هو جد النعمان الذي صحبه عدي كما ذكر ابن زياد وقد ذكرت نسب النعمان آنفا ولعل هذا النعمان الذي ذكره عم النعمان بن المنذر الأصغر بن المنذر الأكبر والمتنصر السائح على وجهه ليس عدي بن زيد أدخله في النصرانية وكيف يكون هو المدخل له في النصرانية وقد ضربه مثلا للنعمان في شعره لما حبسه مع من ضربه مثلا له من الملوك السالفة حدثنا بخبر ذلك الملك جعفر بن محمد الفريابي وأحمد بن عبد العزيز ابن الجعد الوشاء قالا حدثنا إسحاق بن البهلول الأنباري قال حدثنا أبي البهلول ابن حسان التنوخي قال حدثني إسحاق بن زياد من بني سامة بن لؤي عن شبيب بن شيبة عن خالد بن صفوان بن الأهتم قال أوفدني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك في وفد أهل العراق قال فقدمت عليه وقد خرج بقرابته وحشمه وغاشيته وجلسائه فنزل في أرض قاع صحصح منيف أفيح في عام قد بكر وسميه وتتابع وليه وأخذت الأرض فيه زينتها على اختلاف ألوان نبتها من نور ربيع مونق فهو في أحسن منظر وأحسن مختبر وأحسن مستمطر بصعيد كأن ترابه قطع الكافور قال وقد ضرب له سرادق من حبرة كان يوسف بن عمر صنعه له باليمن فيه فسطاط فيه أربعة أفرشة من خز أحمر مثلها مرافقها وعليه دراعة من خز أحمر مثلها عمامتها وقد أخذ الناس مجالسهم قال فأخرجت رأسي من ناحية السماط فنظر إلي شبه المستنطق لي فقلت أتم الله عليك يا أمير المؤمنين نعمه وجعل ما قلدك من هذا الأمر رشدا وعاقبة ما يؤول إليه حمدا وأخلصه لك بالتقى وكثره لك بالنماء ولا كدر عليك منه ما صفا ولا خالط سروره بالردى فلقد أصبحت للمؤمنين ثقة ومستراحا إليك يقصدون في مظالمهم ويفزعون في أمورهم وما أجد شيئا يا أمير المؤمنين هو أبلغ في قضاء حقك وتوقير مجلسك وما من الله جل وعز علي به من مجالستك من أن أذكرك نعم الله عليك وأنبهك لشكرها وما أجد في ذلك شيئا هو أبلغ من حديث من سلف قبلك من الملوك فإن أذن أمير المؤمنين أخبرته به قال فاستوى جالسا وكان متكئا ثم قال هات يابن الأهتم قال قلت يا أمير المؤمنين إن ملكا من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامك هذا إلى الخورنق والسدير في عام قد بكر وسميه وتتابع وليه وأخذت الأرض فيه زينتها على اختلاف ألوان نبتها في ربيع مونق فهو في أحسن منظر وأحسن مختبر بصعيد كأن ترابه قطع الكافور وقد كان أعطي فتاء السن مع الكثرة والغلبة والقهر فنظر فأبعد النظر ثم قال لجلسائه لمن مثل هذا هل رأيتم مثل ما أنا فيه وهل أعطي أحد مثل ما أعطيت قال وعنده رجل من بقايا حملة الحجة والمضي على أدب الحق ومنهاجه قال ولم تخل الأرض من قائم لله بحجة في عباده فقال أيها الملك إنك سألت عن أمر أفتأذن في الجواب عنه قال نعم قال أرأيت هذا الذي أنت فيه أشيء لم تزل فيه أم شيء صار إليك ميراثا وهو زائل عنك وصائر إلى غيرك كما صار إليك قال كذلك هو قال فلا أراك إلا عجبت بشيء يسير تكون فيه قليلا وتغيب عنه طويلا وتكون غدا بحسابه مرتهنا قال ويحك فأين المهرب وأين المطلب قال إما أن تقيم في ملكك فتعمل فيه بطاعة الله ربك على ما ساءك وسرك وأومضك وأرمضك وإما أن تضع تاجك وتخلع أطمارك وتلبس أمساحك وتعبد ربك حتى يأتيك أجلك قال فإذا كان السحر فاقرع علي بابي فإني مختار أحد الرأيين وربما قال إحدى المنزلتين فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيرا لا يعصى و إن اخترت فلوات الأرض وقفر البلاد كنت رفيقا لا يخالف قال فقرع عليه عند السحر بابه فإذا هو قد وضع تاجه وخلع أطماره ولبس أمساحه و تهيأ للسياحه فلزما و الله الجبل حتى أتاهما أجلهما وهو حيث يقول عدي بن زيد أخو بني تميم ( أيُّها الشَّامِتُ المَعَيِّرُ بالدَّهرِ ... أأنتَ المبرَّأُ الموفُورُ ) ( أم لديكَ العهدُ الوثيقُ من الأيام ... بل أنتَ جاهلٌ مغرورُ ) ( مَنْ رأيتَ المَنُونَ خَلَّدْنَ أم مَنْ ذا ... عليه مِنْ أن يُضَامَ خفيرُ ) ( أين كسرى كسرى الملوك أنُو شِيرْوانُ ... أم أينَ قبله سَابورُ ) ( وبنو الأَصفر الكرامُ ملوكُ الروم ... لم يبق منهمُ مَذْكورُ ) ( وأخو الحَضرِ إذ بناه و إذ دْجْلَةُ ... تُجْبَى إليه والخَابُورُ ) ( شَادَهُ مَرْمراً وجَلَّلَه كِلْساً فَلِلطيرِ في ذُراه وكُورُ ... ) ( لم يَهَبْه رَيُب المنونِ فبادَ الْمُلكُ عنه فبابُه مَهجُورُ ... ) ( وتَذَكَّرْ رَبَّ الخَوَرْنَقِ إذ ا أشْرَفَ يوماً وللهُدَى تَفكيرُ ... ) ( سرَّه مالُهُ وكثرةُ ما يملِكُ والبحرُ مُعرِضاً والسديرُ ... ) ( فَارعوَى قلبُه فقال و ما غِبْطَهُ حيٍّ إلى المماتِ يصيرُ ... ) ( ثم بعد الفلاح و الملكِ و الإِمةِ ارَتهمُ هُناكَ القُبُورُ ... ) ( ثم صاروا كأنهم ورقٌ جَفّ فألوَت به الصَّبا و الدَّبُورُ ... ) قال فبكى و الله هشام حتى أخضل لحيته وبل عمامته وأمر بنزع أبنيته و بنقلان قرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه و لزم قصره فأقبلت الموالي والحشم على خالد بن صفوان فقالوا ما أردت إلى أمير المؤمنين أفسدت عليه لذته و نغصت عليه مأدبته فقال إليكم عني فإني عاهدت الله عز و جل ألا أخلو بملك إلا ذكرته الله عز و جل أخبار الحضر والخورنق فأما خبر الحضر وصاحبه والخورنق وصاحبه فإني أذكر خبرهما هاهنا لأنه مما يحسن ذكره بعقب هذه الأخبار ولايستغنى عنه والشيء يتبع الشىء أخبري بخبره إبراهيم بن السري عن أبيه عن شعيب عن سيف و أخبرني به الحسن بن علي قال حدثنا الحارث بن محمد قال حدثنا محمد بن سعد عن الواقدي و أخبرني به علي بن سليمان الأخفش في كتاب المغتالين عن السكري عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل بن سلمه الضبي و هشام بن الكلبي عن أبيه و إسحاق بن الجصاص عن الكوفيين أن الحضر كان قصرا بحيال تكريت بين دجله والفرات وأن أخا الحضر الذي ذكره عدي بن زيد هو الضيزن بن معاوية بن العبيد بن الأجرام بن عمرو بن النخع بن سليح من بني تزيد بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعه و أمه جبهلة امرأة من بني تزيد بن حلوان أخي سليح بن حلوان وكان لا يعرف إلا بأمه هذه وكان ملك تلك الناحية وسائر أرض الجزيرة وكان معه من بني الأجرام ثم من بني العبيد بن الأجرام وسائر قبائل قضاعة ما لا يحصى وكان ملكه قد بلغ الشأم فأغار الضيزن فأصاب أختا لسابور ذي الأكتاف وفتح مدينة نهر شير و فتك فيهم فقال في ذلك عمرو بن السليح بن حدي بن الدها بن غنم بن حلوان ابن عمران بن الحاف بن قضاعة ( لَقِينَاهم بجَمْع من عِلاَفٍ ... وبالخيل الصَّلادِمه الذكور ) ( فلاقتْ فارسٌ منّا نَكالاً ... وقَتَّلنا هَرَابِذَ شَهْرَزُورِ ) ( دَلَفْنَا للاعاجم من بعيدٍ ... بجمع مِ الجزيرة كالسَّعِيرِ ) قالوا ثم إن سابور ذا الأكتاف جمع لهم وسار إليهم فأقام على الحضر أربع سنين لا يستغل منهم شيئا ثم إن النضيرة بنت الضيزن عركت أي حاضت فأخرجت إلى الربض وكانت من أجمل أهل دهرها وكذلك كانوا يفعلون بنسائهم إذا حضن وكان سابور من أجمل أهل زمانه فراها وراته وعشقها وعشقته فأرسلت إليه ما تجعل لي إن دللتك على ما تهدم به هذه المدينة وتقتل أبي قال أحكمك وأرفعك على نسائي وأخصك بنفسي دونهن قالت عليك بحمامة مطوقة ورقاء فاكتب في رجليها بحيض جارية بكر تكون زرقاء ثم أرسلها فإنها تقع على حائط المدينة فتتداعى المدينة وكان ذلك طلسمها لايهدمها إلا هو ففعل و تأهب لهم و قالت له أنا أسقي الحرس الخمر فإذا صرعوا فاقتلهم وادخل المدينة ففعل فتداعت المدينة وفتحها سابور عنوة فقتل الضيزن يومئذ وأباد بني العبيد وأفنى قضاعة الذين كانوا مع الضيزن فلم يبق منهم باق يعرف إلى اليوم وأصيب قبائل حلوان و انقرضوا و درجوا فقال في ذلك عمرو بن آلة وكان مع الضيزن ( ألَمْ يحْزُنْك و الأنباءُ تنْمِي ... بما لاقتْ سَرَاةُ بَنِي العَبيِدِ ) ( ومصْرعُ ضيْزَنٍ وبنِي أبيه ... وأحْلاسِ الكتائبِ مِنْ تَزِيدِ ) ( أتاهُم بالفُيُولِ مجلَّلاتٍ ... و بالأبطال سابورُ الجنود ) ( فهدَّمَ من أواسِي الحضْر صخْرا ... كأنّ ثِقَالَه زُبَرُ الحديدِ ) قال فأخرب سابور المدينة واحتمل النضيرة بنت الضيزن فأعرس بها بعين التمر فلم تزل ليلتها تتضور من خشانة في فرشها وهي من حرير محشو بالقز فالتمس ما كان يؤذيها فإذا هي ورقة آس ملتصقة بعكنة من عكنها قد أثرت فيها قال وكان ينظر إلى مخها من لين بشرتها فقال لها سابور ويحك بأي شيء كان أبوك يغذيك قالت بالزبد والمخ وشهد الأبكار من النحل وصفوة الخمر فقال وأبيك لأنا أحدث عهدا بمعرفتك وآثر لك من أبيك الذي غذاك بما تذكرين ثم أمر رجلا فركب فرسا جموحا وضفر غدائرها بذنبه ثم استركضه فقطعها قطعا فذلك قول الشاعر ( أقفرَ الحَضْرُ من نضيرةَ فالمِرْبَاعُ ... مِنهَا فجانبُ الثَّرْثَارِ ) قالوا وكان الضيزن صاحب الحضر يلقب الساطرون وقال غيرهم بل الساطرون صاحب الحضر كان رجلا من أهل باجرمى والله أعلم أي ذلك كان هذا خبر صاحب الحضر الذي ذكره عدي وأما صاحب الخورنق فهو النعمان بن الشقيقة وهو الذي ساح على وجهه فلم يعرف له خبر والشقيقة أمه بنت أبي ربيعة بن زهر بن شيبان وهو النعمان ابن امرىء القيس بن عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن الضخم اللخمي وهو صاحب الخورنق فذكر ابن الكلبي في خبره الذي قدمنا ذكره ورواية علي بن الصباح إياه عنه أنه كان سبب بنائه الخورنق أن يزدجرد بن سابور كان لا يبقى له ولد فسأل عن منزل مريء صحيح من الأدواء والأسقام فدل على ظهر الحيرة فدفع ابنه بهرام جور بن يزدجرد إلى النعمان بن الشقيقة وكان عامله على أرض العرب وأمره بأن يبني الخورنق مسكنا له ولابنه وينزله إياه معه وأمره بإخراجه إلى بوادي العرب وكان الذي بنى الخورنق رجلا يقال له سنمار فلما فرغ من بنائه عجبوا من حسنه وإتقان عمله فقال لو علمت أنكم توفوني أجرتي وتصنعون بي ما أستحقه لبنيته بناء يدور مع الشمس حيثما دارت فقالوا وإنك لتبني ما هو أفضل منه ولم تبنه ثم أمر به فطرح من أعلى الجوسق وقال في بعض الروايات أنه قال له إني لأعرف في هذا القصر موضع عيب إذا هدم تداعى القصر أجمع فقال له أما والله لا تدل عليه أحدا أبدا ثم رمي به من أعلى القصر فقالت الشعراء في ذلك أشعارا كثيرة منها قول أبي الطمحان القيني ( جَزَاءَ سِنِمَّارٍ جَزَوْها ورَبِّها ... وبالَّللاتِ والعُزَّى جزاءَ المكفَّرِ ) ومنها قول سليط بن سعد ( جزى بنوه أبا الغِيلان عن كِبَرٍ ... وحُسْنِ فعلٍ كما يُجَزى سِنِمَارُ ) وقال عبد العذى بن امرىء القيس الكلبي وكان أهدى إلى الحارث بن مارية الغساني أفراسا ووفد إليه فأعجب به واختصه وكان للملك ابن مسترضع في بني عبد ود من كلب فنهشته حية فظن الملك أنهم اغتالوه فقال لعبد العزى جئني بهؤلاء القوم فقال هم قوم أحرار ليس لي عليهم فضل في نسب ولا فعل فقال لتأتيني بهم أو لأفعلن وأفعلن فقال له رجونا من حبائك أمرا حال دونه عقابك ودعا ابنيه شراحيل وعبد الحارث فكتب معهما إلى قومه ( جزاني جزاه اللهُ شَرَّ جزائه ... جزاءَ سِنِمَّارٍ وما كان ذَا ذنبِ ) ( سوى رَصِّه البنيانَ عِشرينَ حِجةً ... يُعَلِّي عليه بالقَرَامِيدِ والسَّكْبِ ) وهي أبيات قال فقتله النعمان وكان أمره قد عظم وحعل معه كسرى كتيبتين إحداهما يقال لها دوسر وهي لتنوخ والأخرى الشهباء وهي للفرس وكانتا أيضا تسميان القبيلتين وكان يغزو بهما بلاد الشأم وكل من لم يدن له من العرب فجلس يوما يشرف من الخورنق فأعجبه ما رأى من ملكه ثم ذكر باقي خبره مثل ما ذكره خالد بن صفوان لهشام من مخاطبة الواعظ وجوابه وما كان من اختياره السياحة وتركه ملكه رثاء النابغة للنعمان أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عبد الله بن عمرو قال ذكر ابن حمزة عن مشايخه أن النعمان بن المنذر لما نعي إلى النابغة الذبياني وحدث بما صنع به كسرى قال طلبه من الدهر طالب الملوك ثم تمثل ( مَنْ يَطْلُبِ الدهرُ تدكه مَخالِبُه ... والدَّهرُ بالوِتْر ناجٍ غيرُ مطلوبِ ) ( ما منْ أُناسٍ ذَوِي مجدٍ ومَكرُمةٍ ... إلا يَشُدُّ عليهم شَدَّةَ الذِّيبِ ) ( حتى يبُيِدَ على عَمْدٍ سَرَاتَهُمُ ... بالنافذاتِ من النَّبْل المَصَايِيبِ ) ( إني وجدتُ سهَامَ الموت مُعرِضَةً ... بكلّ حَتْفٍ من الآجال مكتوبِ ) وفي سائر قصائد عدي بن زيد التي كتب بها إلى النعمان يستعطفه ويعتذر إليه أغان منها صوت ( لم أر مثلَ الفِتيانِ في غَبَنِ الْأيام ... يَنْسَوْنَ ما عواقِبُها ) ( ينسَوْنَ إخوانَهُم ومصرعَهُم ... وكيف تَعْتَاقُهُمْ مَخَالِبُها ) ( ماذا تُرجِّي النفوسُ مِن طلبِ الخير ... وحبُّ الحياةِ كارِبُها ) ( تظنّ أن لن يصيبها عَنَتُ الدهرِ ... ورَيبُ المنونِ صَائِبُها ) ويروى عقب الدهر يقول الأيام تغبن الناس فتخدعهم وتختلهم مثل الغبن في البيع وتعتاقهم تحبسهم يقال اعتاقه واعتقاه وكاربها هاهنا غامها وهو في موضع آخر القريب منها يقال كربه الأمر وكرثه وبهضه وغنظه إذا غمه الغناء في هذه الأبيات لابن محرز خفيف رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة وفيها رمل بالبنصر نسبه حبش ودنانير إلى حنين ونسبه الهشامي وابن المكي إلى الهذلي ومنها صوت ( يا لُبينَي أوقِدِي النَّارَا ... إنّ مَنْ تَهْوَيْنَ قد حَارَا ) ( رُبَّ نارٍ بِتُّ أَرْمُقُهَا ... تَقْضِمُ الهِندِيَّ والغَارَا ) ( عندها ظبيٌ يؤرّثها ... عاقِدٌ في الجيدِ تِقْصَارَا ) عروضه من المديد حار يحير هنا ضل وحار في موضع آخر رجع والغار شجر طيب الريح والغار أيضا شجر السوس والغار الغيرة ويؤرثها يوقدها ويكثر حطبها والتقصار المخنقة الغناء لحنين خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه خفيف رمل يقال إنه لعريب أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق وأخبرنا به يحيى بن علي عن داود بن محمد عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن ابن عائشة عن يونس النحوي قال مات رجل من جند أهل الشأم عظيم القدر له فيهم عز وعدد فحضر الحجاج جنازته وصلى عليه وجلس على قبره وقال لينزل إليه بعض إخوانه فنزل نفر منهم فقال أحدهم وهو يسوي عليه رحمك الله أبا قنان إن كنت ما علمت لتجيد الغناء وتسرع رد الكأس ولقد وقعت في موضع سوء لا تخرج منه والله إلى يوم القيامة قال فما تمالك الحجاج أن ضحك وكان لا يكثر الضحك في جد ولا هزل فقال له أهذا موضع هذا لا أم لك فقال أصلح الله الأمير فرسه حبيس في سبيل الله لو سمعه الأمير وهو يغني ( يا لُبَيْنَى أوقِدي النارا ... إن مَنْ تَهَوَين قد حارَا ) لانتشر الأمير على سعنة وكان الميت يلقب بسعنة فقال إنا لله أخرجوه من القبر ما أبين حجة أهل العراق في جهلكم يا أهل الشأم قال وكان سعنة هذا الميت من أوحش خلق الله كلهم صورة وأذمهم قامة فلم يبق أحد حضر القبر إلا استفرغ ضحكا ومنها من قصيدة التي أولها ( لِمَنْ الدارُ تَعفَّتْ بِخِيَمْ ... ) صوت ( وثلاثٍ كالحماماتِ بها ... بين مجْثَاهُنَّ توشيمُ االحُممْ ) ( أسأل الدارَ وقد أنكرتُها ... عن حبيبي فإِذا فيها صممْ ) ويروى توشيم العجم والتوشيم أراد به آثار الوقود قد صار فيها كالوشم والثلاث يعني الأثافي التي تنصب عليها القدر الغناء لإبراهيم خفيف ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن عمرو وابن المكي وفيه لحكم لحن من كتاب إبراهيم غير مجنس وهذه القصيدة التي أولها ( لمن الدارُ تعفَّتْ بخِيَمْ ... أصبحت غيَّرها طولُ القِدَمْ ) ( ما تبِينُ العينُ من آياتها ... غيرَ نُؤْي مثل خطٍّ بالقلمْ ) وبعده ( وثلاثٍ كالحمامات بها ... بين مَجثاهنَّ توشيمُ الحُمَمْ ) وعلى هذا خفض قوله وثلاث كالحمامات ومنها قوله ( كفى غِيَرُ الأيام للمرءِ وازعا ... ) صوت ( بناتٍ كِرَامٍ لم يُرَبْنَ بضُرَّةٍ ... دُمًى شَرِقاتٍ بالعَبِيرِ رَوادِعَا ) ( يُسارِقْنَ مِ الأستارِ طَرْفاً مُفَتَّراً ... ويُبرِزْنَ من فَتْقِ الخدُورِ الأصابعَا ) بنات كرام موضعه نصب وهو يتبع ما قبله وينصب به وهو قوله ( وأُصْبِي ظِباءً في الدِّمَقْسِ خواضِعَا ... ) بنات كرام هكذا في القصيدة على تواليها وقد يجوز رفعه على الابتداء ويروى بضرة وبضرة جمعا بالضم والفتح والدمى الصور واحدتها دمية الغناء في هذين البيتين لابن قندح ثقيل أول بالبنصر عن عمرو وذكر الهشامي أنه لمحمد ابن إسحاق بن عمرو بن بزيع وذكر حبش أنه لإبراهيم ومنها صوت ( أَرِقْتُ لمكفهِرٍّ بات فيه ... بَوَارِقُ يَرتَقِينَ رُؤوس شِيبِ ) ( تروحُ المشرَفِيَّةُ في ذُراهُ ... وَيَخْلُو صفحةَ الذَّيلِ القَشِيبِ ) والمكفهر والمكرهف السحاب المتوالي المتراكب والشيب السحائب التي فيها سواد وبياض شبهها بالرؤوس الشيب وقال قوم بل شيب جبل معروف شبه البرق في السحاب بلمعان السيوف ورواه ابن الأعرابي ( ويجلو صفحَ دَخْدَارٍ قَشِيبِ ... ) وقال الدخدار الثوب المصون وهو أعجمي معرب أصله تخت دار والقشيب الجديد الغناء لعريب ثقيل أول بالبنصر ومنها من قصيدة التي أولها ( الأيا طالَ ليلِي والنِهارُ ... ) صوت ( ألا مَنْ مُبلغُ النعمانِ عنِّي ... علانيةً فقد ذهب السِّرارُ ) ( بأنّ المَرءَ لم يُخلَقْ حَديداً ... ولا هَضْباً تَوَقَّاه الوِبارُ ) ( ولكنْ كالشِّهاب فثمَّ يَخْبُو ... وحادِي الموتِ عنه مايحارُ ) ( فهل مِن خالدٍ إما هلكنا ... وهل بالموتِ ياللنَّاسِ عارُ ) الهضب الجبل الوبارجمع وبر والشهاب السراج ويخبو يطفأ الغناء لبابويه ثقيل أول بالبنصر عن حبش والهشامي صوت ( ألا مَن مُبلِغُ النعمانِ عنِّي ... فبينَا المرءُ أَغْرَبَ إذ أَرَاحَا ) ( أَطَعْتَ بني بُقَيْلَةَ في وَثَاقي ... وكنا في حُلوقِهِمُ ذُبَاحاً ) ( مَنَحتَهُم الفُرَاتَ وجانبيْه ... وتَسقِينَا الأواجِنَ والمِلاَحَا ) الغناء لحنين خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ومنها صوت ( مَنْ لقلبٍ دَنِفٍ أو مُعْتَمَدْ ... قَد عَصَى كلَّ نَصِيحٍ ومُفَدّْ ) ( لستُ إن سَلْمَى نأتني دارُها ... سامعاً فيها إلى قول أحدْ ) المعتمد الذي عمده الوجع يعمده عمدا غناه ابن محرز ولحنه خفيف ثقيل الوبارجمع وبر والشهاب السراج ويخبو يطفأ الغناء لبابويه ثقيل أول بالبنصر عن حبش والهشامي ومنها صوت ( ألا مَن مُبلِغُ النعمانِ عنِّي ... فبينَا المرءُ أَغْرَبَ إذ أَرَاحَا ) ( أَطَعْتَ بني بُقَيْلَةَ في وَثَاقي ... وكنا في حُلوقِهِمُ ذُبَاحاً ) ( مَنَحتَهُم الفُرَاتَ وجانبيْه ... وتَسقِينَا الأواجِنَ والمِلاَحَا ) الغناء لحنين خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ومنها صوت ( مَنْ لقلبٍ دَنِفٍ أو مُعْتَمَدْ ... قَد عَصَى كلَّ نَصِيحٍ ومُفَدّْ ) ( لستُ إن سَلْمَى نأتني دارُها ... سامعاً فيها إلى قول أحدْ ) المعتمد الذي عمده الوجع يعمده عمدا غناه ابن محرز ولحنه خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى النصر عن إسحاق وفيه لمالك خفيف ثقيل أخر بالوسطى عن عمرو وذكر يونس أن فيه لمالك لحنا ولسنان الكاتب لحنا وهو ثقيل أول بالوسطى عن حبش ومنها صوت ( أرَوَحٌ أرَوَاحٌ مُوَدَّعٌ أم بُكورُ ... لك فاعمِدْ لأيّ حالٍ تصِيرُ ) ( ويقولُ العُداةَ أوْدى عديٍّ ... وعديٍّ بسُخْطِ ربٍّ أسِيرُ ) ( أيّها الشامتُ المعيِّرُ بالدهر ... أأنت المبرَأُ الموفورُ ) ( أم لديك العهدُ الوثيق من ألأيام ... بل أنت جاهلٌ مغرُورُ ) يريد أرواح نودعك فيه أم بكور أيهما تريد فاعمد للذي تصير إليه من أمر آخرتك والموفور الذي لم تصبه نوائب الدهر الغناء لحنين من كتاب يونس ولم يذكر طريقته وذكر حماد بن إسحاق عن أبيه أن حنينا غناه خالدا القسري أيام حرم الغناء فرق له وقال غني ولا تعاشر سفيها ولا معربدا والخبر في ذلك يذكر في أخبار حنين ومما يغنى فيه أيضا من شعر عدي صوت ( ألا يَّا ربما عزَّ خليلي فتهاونْتُ ... ) ( ولو شئتُ على مَقْدرةٍ مِنِّي لعاقبتُ ... ) ( ولكن سَرَّني أن يعلَمُوا ... قَدْرِي فأَقْلعتُ ) ( أَلاَ لا فاسألوا الفتية ... ما قالوا وقد قمتُ ) الغناء لسياط رمل عن الهشامي وفيه ليحيى المكي خفيف ثقيل نسبه إلى مالك وليس له ولعريب في البيتين الأولين ثقيل أول وبعدهما بيت ليس من الشعر وهو ( ولكنَّ حبيبى جلّ عندي فتغَافلتُ ... ) ومما يغنى فيه شعره صوت ( تَعرِفُ أمْسِ منْ لَمِيسَ الطَّلَلْ ... مثلَ الكتاب المدارِس الأحْوَلْ ) الذي قد درس فلا يقرأ ( أنعِمْ صَباحاً عَلْقمَ بنَ عَدِيّ ... أثَوَيْتَ اليومَ أم تَرْحَلْ ) ( قد رحَّلَ الفِتيانُ عِيَرهُمُ ... واللحمُ بالغِيطانِ لم يُنْشَلْ ) ( إذ هي تَسْبِي الناظرِين وتجلوا ... واضحاً كالأُقْحُوانِ رَتِلْ ) الرتل المستوي البنية ( عذباً كما ذقتُ الجَنِيَّ من التفاح ... مَسْقِيًّا ببردِ الطَّلْ ) هكذا يغنى والذي قاله عدي يسقيه برد الطل الغناء لحنين رمل بالوسطى عن عمرو أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن ابن الكلبي أن عمرو بن امرىء القيس المكنى بأبي سريح وعلقمة بن عدي وقيل علقم بن عدي بن كعب وعمرو بن هند خرجوا إلى الصيد فأتوا قصر ابن مقاتل فمكثوا فيه يتصيدون فزعموا أن علقمة بن عدي تبع حمارا فصرعه والشمس لم تطلع ثم لحق آخر فطعنه فانقصف الرمح فيه ومر به فرسه يركض فجال به العير فضربه فأصاب صدره فقتله وقيل إن الرمح المنقصف دخل في صدره فقتله وذلك في أيام الربيع وكان عدي بن زيد معهم وإليه قصدوا وكان نازلا في قصر ابن مقاتل فقال عدي هذه القصيدة يرثيه بها صوت من المائة المختارة ( عَفَا مِنْ سُلَيمَى مُسحُلاَنُ فحامِرُهْ ... تَمَشَّى به ظُلْمَانُه وجاذِرُهْ ) ( بمستأسِدِ القُرْيَانِ عاف نَبَاتُه ... فَنُوَّارُه مِيلٌ إلى الشمس زاهِرُهْ ) ( رأتْ عارضاً جَوْناً فقامَتْ غرِيرةً ... بمِسْحَاتها قبل الظلامِ تبادِرهُْ ) ( فما بَرِحَتْ حتى أتى الماءُ دونها ... وسُدّت نواحِيه ورُفِّعَ دابِرُهْ ) عروضه من الطويل عفا درس مسحلان موضع وحامره موضع أضافه إلى مسحلان والظلمان ذكور النعام واحدها ظليم والجآذر أولاد البقر وأحدها جؤذر وجؤذر بضم الذال وفتحها وتمشى تكثر المشي والقريان مجاري الماء إلى الرياض واحدها قري والمستأسد ما ألتف منها وطال والنوار يقال إنه يكون أبدا حيال الشمس يستقبلها بوجهه فيقول إن نوار هذه الروضة يميل زاهره حيال الشمس والعارض السحاب والجون الأسود والغريرة الناعمة التي لم تجرب الأمور يقول لما رأت هذه المرأة السحابة السوداء قامت بمسحاتها تصلح النؤي حوالي بيتها وهو الحاجز بينه وبين الأرض المستوية وقوله رفع دابره أي مؤخره الذي يلي الماء من النؤي الشعر للحطيئة يهجو الزبرقان بن بدر والغناء لابن عائشة ولحنه المختار خفيف رمل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وذكر حبش أن له فيه لحنا آخر من الثقيل الثاني خبر الحطيئة ونسبه والسبب الذي من أجله هجا الزبرقان بن بدر الحطيئة لقب لقب به وامه جرول بن أوسمه بن مالك بن جؤية بن مخزوم ابن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد ابن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار وهو من فحول الشعراء ومتقدميهم وفصحائهم متصرف في جميع فنون الشعر من المديح والهجاء والفخر والنسيب مجيد في ذلك أجمع وكان ذا شر وسفه ونسبه متدافع بين قبائل العرب وكان ينتمي إلى كل واحدة منها إذا غضب على الآخرين وهو مخضرم أدرك الجاهلية والأسلام فأسلم ثم ارتد وقال في ذلك ( أطعنا رسول الله إذ كان بيننا ... فيا لَعِبادِ الله ما لأبي بكْرِ ) ( أيُورِثُها بكراً إذا مات بعده ... وتلك لعمرُ الله قاصِمةُ الظهرِ ) ويكنى الحطيئة أبا مليكة وقيل إن الحطيئة غلب عليه ولقب به لقصره وقربه من الأرض وقال حماد الراوية قال أبو نصر الأعرابي سمي الحطيئة لأنه ضرط ضرطة بين قوم فقيل له ما هذا فقال إنما هي حطيئة فسمي الحطيئة وقال المدائني قال أبو اليقظان كان الحطيئة يدعي أنه ابن عمرو بن علقمة أحد بني الحارث بن سدوس قال وسمي الحطيئة لقربه من الأرض أخبرني الفضل بن الحباب الجمحي أبو خليفة في كتابه إلي بإجازته لي يذكر عن محمد بن سلام أن الحطيئة كان ينتمي إلى بني ذهل بن ثعلبة فقال ( إنّ اليمامةَ خيرُ ساكنِها ... أهلُ القُرَيَّةِ من بني ذُهْل ) قال والقرية منازلهم ولم ينبت الحطيئة في هؤلاء وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن ابن الكلبي قال سمعت خراش بن إسماعيل وخالد بن سعيد يقولان كان الحطيئة إذا غضب على بني عبس يقول أنا من بني ذهل وإذا غضب على بني ذهل قال أنا من بني عبس أخبرني الحسين بن يحيى الرداسي قال قال حماد بن إسحاق قال أبي قال ابن الكلبي كان الحطيئة مغموز النسب وكان من أولاد الزنا الذين شرفوا قال إسحاق وقال الأصمعي كان الحطيئة يضرب بنسبه إلى بكر بن وائل فقال في ذلك ( قومي بنُو عَوْفِ بن عمرٍو إِن أراد العلمَ عالِمْ ... ) ( قومٌ إذاذَهَبَتْ خَضَرِمُ ... منهمُ خَلَفَتْ خَضَارِمْ ... ) ( لا يفشَلُون ولا تَبيتُ على أُنوفِهِمُ المَخَاطِمْ ... ) قال الأصمعي وقدم الحطيئة الكوفة فنزل في بني عوف بن عامر بن ذهل يسألهم وكان يزعم أنه منهم وقال في ذلك ( سِيرِي أُمامَ فإنَّ المالَ يجمعُه ... سَيْبُ الإِله وإِقْبَالي وإدبَارِي ) ( إلى معاشرَ منهم يا أُمَامَ أبي ... من آ ' ل عَوْف بُدُوءٍ غيرِ أَشْرارِ ) ( نمشي على ضوء أحسابٍ أضَأْنَ لنا ... ما ضَوّأْتْ ليلةُ القَمْرَاءِ لِلسَّارِي ) الحطيئة وقصته مع اخوته وأمه وقال ابن دريد في خبره عن عمه عن ابن الكلبي عن أبيه وحماد بن إسحاق عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبيه قال كان أوس بن مالك بن جؤية بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس تزوج بنت رياح بن عمرو بن عوف ابن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة وكان له أمة يقال لها الضراء فأعلقها بالحطيئة ورحل عنها وكان لبنت رياح أخ يقال له الأفقم وكان طويلا أفقم صغير العينين مضغوط اللحيين فولدت الضراء الحطيئة فجاءت به شبيها بالأفقم فقالت لها مولاتها من أين هذا الصبي فقالت لها من أخيك وهوابت أن تقول لها من زوجك فشبهته بأخيها فقالت لها صدقت ثم مات أوس وترك ابنين من الحرة وتزوج الضراء رجل من بني عبس فولدت له رجلين فكانا أخوي الحطيئة من أمه فأعتقت بنت رياح الحطيئة وربته فكان كأنه أحدهما وترك الأفقم نخلا باليمامة فأتى الحطيئة أخويه من أوس بن مالك وقد كانت أمه لما أعتقتها بنت رياح اعترفت أنها اعتلقت من أوس بن مالك فقال لهم أفردوا إلي من مالكم قطعة فقالا لا ولكن أقم معنا فنحن نواسيك فقال ( أأمَرْتُماني أن أُقِيمَ عليكما ... كلاَّ لَعَمْرُ أبيكما الحَبَّاقِ ) ( عبدَانِ خيرُهما يُشَلُّ بضَبْعِه ... شَلَّ الأجير قلائصَ الوَرَّاقِ ) قال وسأل الحطيئة أمه من أبوه فخلطت عليه فقال ( تقول ليَ الضَّرَّاءُ لستَ لواحِدٍ ... ولا اثنين فانظر كيفَ شِرْكُ أُولئكَا ) ( وأنتَ امرؤ تَبغِي أباً قد ضَلَلْتَه ... هَبِلْتَ ألمَّا تَستَفِقْ مِن ضَلاَلِكَا ) قال وغضب عليها فلحق بإخوته بني الأفقم فقال ( سِيري أُمَامَ فإن المال يجمعُه ... سَيبُ الإِله وإقبالي وإدباري ) قال فلم يدفعوه ولم يقبلوه فقال ( إنّ اليمامةَ خيرُ ساكِنها ... أهلُ القُرَيَّةِ من بني ذُهلِ ) وسألهم ميراثه من الأفقم فأعطوه نخلات من نخل أبيهم تدعى نخلات أم مليكة وأم مليكة امرأة الحطيئة فقال ( لِيَهْنِى تُراثِي لامرىءٍ غيرَ ذِلَّةٍ ... صَنَابيرُ أُحْدَانٌ لهنّ حَفيفُ ) قال ثم لم تقنعه النخيلات وقد أقام فيهم زمانا فسألهم ميراثه كاملا من الأفقم فلم يعطوه شيئا وضربوه فغضب عليهم وقال ( تمنَّيتُ بكراً أن يكونوا عِمارتي ... وقومِي وبكرٌ شرُّ تلك القبائلِ ) ( إذا قلتُ بَكْرِيُّ نَبوْتُمْ بحاجتي ... فياليتني مِن غيِر بكرِ بنِ وائِل ) فعاد إلى بني عبس وانتسب إلى أوس بن مالك وقال الأصمعي في خبره لما أتى أهل القرية وهم بنو ذهل يطلب ميراثه من الأفقم مدحهم فقال ( إنّ اليمامة خيرُ ساكنِها ... أهلُ القُرَيَّة من بني ذُهْلِ ) ( الضامنون لمالِ جارهِمُ ... حتى يتمّ نواهضُ البقلِ ) ( قوم إذا انتسبوا ففرعُهُم ... فَرعِي وأثبتُ أصْلِهم أَصْلِي ) قال فلم يعطوه شيئا فقال يهجوهم ( إنّ اليمامة شَرُّ ساكنها ... أهلُ القُريَّة من بني ذُهْلِ ) وقال أبو اليقظان في خبره كان الرجل الذي تزوج أم الحطيئة أيضا ولد زنا اسمه الكلب بن كنيس بن جابر بن قطن بن نهشل وكان كنيس زنى بأمة لزرارة يقال لها رشية فولدت له الكلب ويربوعا فطلبهم من زرارة فمنعه منهم فلما مات طلبهم من أبيه لقيط فمنعه وقال لقيط في ذلك ( أفي نصفْ شهر ما صَبَرتم لحقِّنا ... ونحن صبرنا قبل ذاك سِنِينَا ) وهي ابيات فتزوج الكلب الضراء أم الحطيئة فهجاه الحطيئة وهجا أمه فقال ( ولقد رأيتُكِ في النساء فسُؤتِني ... وأَبا بنيكِ فساءني في المجلِس ) ( أنّ الذليل لمن تَزُور ركابُه ... رهطَ ابن جَحْشٍ في الخطوب الحُوّس ) ( قَبح الإِلهُ قبيلةً لم يمنَعُوا ... يومَ المُجَيْمِر جارَهم مِن فَقْعَسِ ) ( أبلغ بني جَحْش بأنّ نِجَارَهُم ... لؤم وأنّ أباهمُ كالهِجْرِسِ ) وقال الحطيئة يهجو أمه ( جزاكِ اللهُ شرًّا من عجوزٍ ... ولقَّاكِ العُقُوقَ من البنينِ ) ( فقد مُلِّكتِ أمرَ بنيك حتى ... تركتِهِمُ أدقَّ من الطَّحينِ ) ( فإن تُخْلَيْ وأمرَك لا تَصُولي ... بمشْتدٍّ قُواهُ ولا مَتينِ ) ( لسانُكِ مبْردٌ لا خيرَ فيه ... ودَرُّكِ دَرُّ جاذبةٍ دَهِينِ ) وقال يهجو أمه أيضا ( تَنَحَّيْ فاجلِسي مِنّي بعيداً ... أراحَ اللهُ منك العالَمينا ) ( أغِرْبالاً إذا استُودِعْتِ سِرًّا ... وكانوناً على المتحدّثينا ) ( حياتُكِ ما علمتُ حياةُ سُوءٍ ... وموتُكِ قد يسرُّ الصالحِينا ) أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال كان الحطيئة جشعا سؤولا ملحفا دنيء النفس كثير الشر قليل الخير بخيلا قبيح المنظر رث الهيئة مغموز النسب فاسد الدين وما تشاء أن تقول في شعر شاعر من عيب إلا وجدته وقلما تجد ذلك في شعره أخبرني ابن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال بخلاء العرب أربعة الحطيئة وحميد الأرقط وأبو الأسود الدؤلي وخالد بن صفوان أخبرنا ابن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال قال أبوعبيدة كان الحطيئة بذيا هجاء فالتمس ذات يوم إنسانا يهجوه فلم يجده وضاق عليه ذلك فأنشأ يقول ( أبَتْ شَفَتَايَ اليومَ إلا تكلُّماً ... بشرٍّ فما أَدْرِي لِمن أنا قَائِلُهْ ) وجعل يدهور هذا البيت في أشداقه ولا يرى إنسانا إذ اطلع في ركي أو حوض فرأى وجهه فقال ( أَرَى لِيَ وجهاً شَوّهَ اللهُ خَلْقَه ... فقُبِّحَ من وجهٍ وقُبِّحَ حَامِلُهْ ) هجاء الحطيئة يخيف قريش وسادات العرب نسخت من كتاب الحرمي بن أبي العلاء حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي قال قدم الحطيئة المدينة فأرصدت قريش له العطايا خوفا من شره فقام في المسجد فصاح من يحملني على بغلين أخبرني أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال قال أبو عبيدة والمدائني ومصعب كان الحطيئة سؤولا جشعا فقدم المدينة وقد أرصدت له قريش العطايا والناس في سنة مجدبة وسخطة من خليفة فمشى أشراف أهل المدينة بعضهم إلى بعض فقالوا قد قدم علينا هذا الرجل وهو شاعر والشاعر يظن فيحقق وهو يأتي الرجل من أشرافكم يسأله فإن أعطاه جهد نفسه بهرها وإن حرمه هجاه فأجمع رأيهم على أن يجعلوا له شيئا معدا يجمعونه بينهم له فكان أهل البيت من قريش والأنصار يجمعون له العشرة والعشرين والثلاثين دينارا حتى جمعوا له اربعمائة دينار وظنوا أنهم قد أغنوه فأتوه فقالوا له هذه صلة آل فلان وهذه صلة آل فلان وهذه صلة فلان فأخذها فظنوا أنهم قد كفوه عن المسألة فإذا هو يوم الجمعة وقد استقبل الإمام مائلا ينادي من يحملني على بغلين وقاه الله كبة جهنم ووصف أبو عبيدة ومحمد بن سلام شعر الحطيئة فجمعت متفرق ما وصفاه به في هذا الخبر أخبرنا به أبو خليفة عن محمد بن سلام وابن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قالا كان الحطيئة متين الشعر شرود القافية وكان دنيء النفس وما تشاء أن تطعن في شعر شاعر إلا وجدت فيه مطعنا وما أقل ما تجد ذلك في شعره قالا فبلغ من دناءة نفسه أنه أتى كعب بن زهير وكان الحطيئة راوية زهير وآل زهير فقال له قد علمت روايتي لكم أهل البيت وانقطاعي إليكم وقد ذهب الفحول غيري وغيرك فلو قلت شعرا تذكر فيه نفسك وتضعني موضعا بعدك وقال أبو عبيدة تبدأ بنفسك فيه ثم تثني بي فإن الناس لأشعاركم أروى وإليها أسرع فقال كعب ( فمن للقوافي شَانَها مَنْ يَحوكُها ... إذا ما ثَوَى كعبٌ وفَوّزَ جَرْوَلُ ) ( كَفَيتُكَ لا تلقَى من الناس واحداً ... تَنَخَّلَ منها مثل ما نَتَنخَّلُ ) ( نقولُ فلا نعيا بشيْءٍ نقولُه ... ومِن قائليها مَنْ يُسيء ويُجْمِلُ ) ( نُثَقِّفها حتى تَلِينَ مُتُونُها ... فيقصُرُ عنها كلّ ما يُتمثَّلُ ) قال فاعترضه مزرد بن ضرار واسمه يزيد وهو أخو الشماخ وكان عريضا أي شديد العارضة كثيرها فقال ( باستك إذ خلّفتَني خلفَ شاعرٍ ... من الناس لم أُكْفِىء ولم أتنحّلِ ) ( فإن تَخْشِبا أَخْشِب وإن تتنخَّلا ... وإن كنتُ أَفْتَى منكما أتنخَّلِ ) ( فلستَ كحَسّانَ الحُسَامِ ابنِ ثابتٍ ... ولست كَشمّاخٍ ولا كالمُخَبَّلِ ) نسخت من كتاب الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الضحاك قال أنشد الحطيئة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قصيدة نال فيها من قومه ومدح إبله فقال ( مَهارِيُس يُرْوِي رِسْلُها ضيفَ أهلها ... إذا الريحُ أبدتْ أوجُهَ الخَفِرَات ) ( يُزِيلُ القَتادَ جذبُها بأصوله ... إذا أصبحتْ مُقْوَرَّةً خَرِصَاتِ ) الحطيئة مكرم أينما حل أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن التوزي عن أبي عبيدة قال بينا سعيد ابن العاص يعشي الناس بالمدينة والناس يخرجون أولا أولا إذ نظر على بساطه إلى رجل قبيح المنظر رث الهيئة جالس مع أصحاب سمره فذهب الشرط يقيمونه فأبى أن يقوم وحانت من سعيد التفاتة فقال دعوا الرجل فتركوه وخاضوا في أحاديث العرب وأشعارها مليا فقال لهم الحطيئة والله ما أصبتم جيد الشعر ولا شاعر العرب فقال له سعيد أتعرف من ذلك شيئا قال نعم قال فمن أشعر العرب قال الذي يقول ( لا أَعُدُّ الإِقتارَ عُدماً ولكن ... فَقْدُ مَنْ قد رُزِئتُه الإِعدَامُ ) وأنشدها حتى أتى عليها فقال له من يقولها قال أبو داود الإيادي قال ثم من قال الذي يقول ( أَفْلِحْ بما شئتَ فقد يُدرَكُ بالجهل ... وقد يُخدَّعُ الأريبُ ) ثم أنشدها حتى فرغ منها قال ومن يقولها قال عبيد بن الأبرص قال ثم من قال والله لحسبك بي عند رغبة أو رهبة إذا رفعت إحدى رجلي علي الأخرى ثم عويت في أثر القوافي عواء الفصيل الصادي قال ومن أنت قال الحطيئة قال فرحب به سعيد ثم قال أسأت بكتماننا نفسك منذ الليلة ووصله وكساه ومضى لوجهه إلى عتيبة بن النهاس العجلي فسأله فقال له ما أنا على عمل فأعطيك من عدده ولا في مالي فضل عن قومي قال له فلا عليك وانصرف فقال له بعض قومه لقد عرضتنا ونفسك للشر قال وكيف قالوا هذا الحطيئة وهو هاجينا أخبث هجاء فقال ردوه فردوه إليه فقال له لم كتمتنا نفسك كأنك كنت تطلب العلل علينا اجلس فلك عندنا ما يسرك فجلس فقال له من أشعر الناس قال الذي يقول ( ومَنْ يَجعَلِ المعروفَ من دون عِرْضِه ... يَفِرْهُ ومَنْ لا يَتَّقِ الشَّتمَ يُشتَمِ ) فقال له عتيبة إن هذا من مقدمات أفاعيك ثم قال لوكيله اذهب معه إلى السوق فلا يطلب شيئا إلا اشتريته له فجعل يعرض عليه الخز ورقيق الثياب فلا يريدها ويومىء إلى الكرابيس والأكسية الغلاظ فيشتريها له حتى قضى أربه ثم مضى فلما جلس عتيبة في نادي قومه أقبل الحطيئة فلما رآه عتيبة قال هذا مقام العائذ بك يا أبا مليكة من خيرك وشرك قال قد كنت قلت بيتين فاستمعهما ثم أنشأ يقول ( سُئِلتَ فلم تبخَل ولم تُعْطِ طائلاً ... فَسِيّانِ لا ذمٌّ عليكَ ولا حمدُ ) ( وأنتَ امرؤ لا الجودُ منكَ سَجيّةٌ ... فتُعطِي ولا يُعدِي على النائل الوُجْدُ ) ثم ركض فرسه فذهب أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد البوشنجي قالا حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني محمد بن عمرو الجرجرائي عن أبي صفوان الأحوزي قال ما من أحد إلا لو أشاء أن أجد في شعره مطعنا لوجدته إلا الحطيئة قال حماد وسمعت أبي يقول وقد أنشد قول الحطيئة ( وفتيانِ صدقٍ من عَدِيٍّ عليهمُ ... صفائحُ بُصْرَى عُلِّقتْ بالعَواتِقِ ) ( إذا ما دُعُوا لم يَسأَلوا مَنْ دعاهمُ ... ولم يُمْسِكوا فَوقَ القلوبِ الخَوافِق ) ( وطارُوا إلى الجُرْدِ العِتَاقِ فأَلْجموا ... وشَدُّوا على أوساطهم بالمَنَاطق ) ( أولئك آباءُ الغَريب وغَاثَةُ الصَّرِيخِ ... ومأوَى المُرْمِلين الدَّرَادِق ) ( أَحَلُّوا حِياضَ الموت فوق جِباههم ... مكانَ النَّواصي من وجوه السَّوابِق ) ويروى ( إذا استلحموا . . . . ... . وإذا ركبوا لم ينظروا عن شِمالهم ) ويروى أولئك أبناء العزيف ثم قال أما إني ما أزعم أن أحدا بعد زهير أشعر من الحطيئة أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال بلغني أنه لما قال ابن ميادة ( تَمشَّى به ظُلْمَانه وجآذِرُهْ ... ) قيل له لقد سبقك الحطيئة إلى هذا فقال والله ما علمت أن الحطيئة قال هذا قط والآن علمت والله أني شاعر حين واطأت الحطيئة قال حماد قال أبي وقال لي الأصمعي وقد أنشدني شيئا من شعر الحطيئة أفسد مثل هذا الشعر الحسن بهجاء الناس وكثرة الطمع قال حماد قال أبي وبلغني عن عبد الرحمن بن أبي بكرة أنه قال لقيت الحطيئة بذات عرق فقلت له يا أبا مليكة من أشعر الناس فأخرج لسانه كأنه لسان الحية ثم قال هذا إذا طمع ونسخت من كتاب أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير قال حدثني يحيى بن محمد بن طلحة وكان قد قارب ثمانين سنة قال أخبرني بعض أشياخنا أن أعرابيا وقف على حسان بن ثابت وهو ينشد فقال له حسان كيف تسمع يا أعرابي قال ما أسمع بأسا قال حسان أما تسمعون إلى الأعرابي ما كنيتك أيها الرجل قال أبو مليكة قال ما كنت قط أهون علي منك حين اكتنيت بامرأة فما اسمك قال الحطيئة فأطرق حسان ثم قال له أمض بسلام بعض صفات الحطيئة أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن المدائني قال مر ابن الحمامة بالحطيئة وهو جالس بفناء بيته فقال السلام عليكم فقال قلت ما لا ينكر قال إني خرجت من عند أهلي بغير زاد فقال ما ضمنت لأهلك قراك قال أفتأذن لي أن آتي ظل بيتك فأتفيأ به قال دونك الجبل يفيء عليك قال أنا ابن الحمامة قال انصرف وكن ابن أي طائر شئت وأخبرنا بهذا الخبر اليزيدي عن الخزاز عن المدائني فحكى ما ذكرناه من قول الحطيئة عن أبي الأسود الدؤلي وأخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن أبي عبيدة والمدائني قالا أتى رجل الحطيئة وهو في غنم له فقال له يا صاحب الغنم فرفع الحطيئة العصا وقال إنها عجراء من سلم فقال الرجل إني ضيف فقال للضيفان أعددتها فانصرف عنه قال إسحاق وقال غيرهما إن الرجل قال له السلام عليكم فقال له عجراء من سلم فقال السلام عليكم فقال أعددتها للطراق فأعاد السلام فقال له إن شئت قمت بها إليك فانصرف الرجل عنه أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد قال زعم الجاحظ أن الحطيئة كان يقول إنما أنا حسب موضوع فسمع عمرو بن عبيد رجلا يحكي ذلك عنه يقال له عبد الرحمن بن صديقة فقال عمرو كذب ترحه الله إنما ذلك التقوى أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال قال الأصمعي لم ينزل ضيف قط بالحطيئة إلا هجاه فنزل به رجل من بني أسد لم يسمه الأصمعي وذكر أبو عبيدة أنه صخر بن أعيى ألأسدي أحد بني أعيى بن طريف بن عمرو بن قعين فسقاه شربة من لبن فلما شربها قال ( لما رأيتُ أنّ مَنْ يبتغِي القِرَى ... وأنَ ابن أعْيَى لا محالةَ فاضِحِي ) ( شَدَدْتُ حَيَازِيمَ ابنِ أعيى بشربةٍ ... على ظَمَإ سَدَّتْ أصولَ الجوانحِ ) وروى الأصمعي شدت بالشين المعجمة ( ولم أَكُ مثلَ الكاهِليِّ وعِرْسِه ... بَغَى الوُدَّ من مطْروفَةِ العينِ طَامِحِ ) ( غدا باغيا يَبْغِي رضاهاوودَّها ... وغابت له غيبَ امرىء غيِر ناصِحِ ) ( دعَتْ ربَّها ألاّ يزالَ بفاقةٍ ... ولا يغتدِي إلا على حدِّ بارِحِ ) قال فأجابه صخر بن أعيى فقال ( ألا قَبّحَ اللهُ الحطيئةَ إنه ... على كلّ ضيف ضافه هو سَالحُ ) ( دُفِعْتُ إليه وهو يخنُقُ كلبَه ... ألا كلّ كلبٍ لا أبَا لَكَ نابحُ ) ( بَكَيتَ على مَذْقٍ خبيثٍ قَرَيْتَه ... ألا كلُّ عَبْسِيٍّ على الزاد شَائِحُ ) قال أبو عبيدة وهجا الحطيئه أيضا رجلا من أضيافه فقال ( وسَلَّمَ مرّتيِن فقلتُ مهلاً ... كفتكَ المرّةُ الأولى السَّلامَا ) ( ونقْنَقَ بطنُه ودعا رُؤَاساً ... لِمَا قد نالَ من شِبَع ونامَا ) وأخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام عن يونس أن الحظيئة خرج في سفر له ومعه امراته أمامة وابنته مليكة فنزل منزلا وسرح ذودا له ثلاثا فلما قام للرواح فقد إحداها فقال ( أذئبُ القفرِ أم ذئبٌ أَنيسٌ ... أصاب البَكْرَ أم حَدَثُ الليالي ) ( ونحن ثلاثةٌ وثَلاثُ ذَوْدٍ ... لقد جارَ الزمانُ على عِيالِي ) لا يذهب العرف بين الله والناس أخبرني محمد بن خلف وكيع والحسين بن يحيى قالا حدثنا حماد عن أبيه قال قال أبو عمرو بن العلاء لم تقل العرب بيتا قط أصدق من بيت الحطيئة ( مَنْ يَفعِل الخيرَ لاَ يعدَمْ جَوَازِيَه ... لا يَذْهَبُ العُرفُ بينَ اللهِ والنّاسِ ) فقيل له فقول طرفة ( سَتُبدي لَك الأيامُ ما كنتَ جاهلاً ... ويأتيكَ بالأخبار مَنْ لم تُزوِّدِ ) فقال من يأتيك بها ممن زودت أكثر وليس بيت مما قالته الشعراء إلا وفيه مطعن إلا قول الحطيئة ( لا يذهبُ العرفُ بين الله والناسِ ... ) قال إسحاق قال المدائني قال سلم بن قتيبة ما أعلم قافية تستغني عن صدرها وتدل عليه وإن لم ينشد مثل قول الحطيئة ( لا يذهبُ العرفُ بين الله والناسِ ) أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا الرياشي قال سمعت الأصمعي يقول كتبت للحطيئة في ليلة أربعين قصيدة أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي عبيدة قال بلغني أن هذا البيت في التوراة ذكره غير واحد عن أبي بن كعب يعني قول الحطيئة ( لا يذهب العرف بين الله والناسِ ... ) قال إسحاق وذكر عبد الله بن مروان عن أيوب بن عثمان الدمشقي عن عثمان ابن أبي عائشة قال سمع كعب الحبر رجلا ينشد بيت الحطيئة ( من يفعلِ الخيرَ لا يَعدَمْ جوازيَه ... لا يذهبُ العُرفُ بين اللهِ والناسِ ... ) فقال والذي نفسي بيده إن هذا البيت لمكتوب في التوراة قال إسحاق قال العمري والذي صح عندنا في التوراة لا يذهب العرف بين الله والعباد أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه قال قال أبو عدنان لما حضرت عبيد الله ابن شداد الوفاة دعا ابنه محمد فأوصاه وقال له يا بني أرى داعِي الموت لا يقلع وبحق أن من مضى لا يرجع ومن بقي فإليه ينزع يا بني ليكن أولى الأمور بك تقوى الله في السر والعلانية والشكر لله وصدق الحديث والنية فإن للشكر مزيدا والتقوى خير زاد كما قال الحطيئة ( ولست أرى السعادة َجمعَ مال ... ولكنّ التقيّ هو السعيدُ ) ( وتقوَى الله خيرُ الزاد ذخرا ... وعند الله للأتقَى مَزِيدُ ) ( وما لا بدّ أن يأتي قريبٌ ... ولكنّ الذي يمضي بعيدُ ) أخبرني ابو خليفة عن محمد بن سلام قال أخبرني أبو عبيدة عن يونس قال قدم حماد الراوية البصرة على بلال بن أبي بردة وهو عليها فقال له ما أطرفتني شيئا يا حماد قال بلى ثم عاد إليه فأنشده للحطيئة في أبي موسى الأشعري يمدحه ( جمعتَ من عامرٍ فيه ومن جُشَمٍ ... ومن تَميم ومن حاءٍ ومن حَامِ ) ( مُسْتَحقباتٍ رَوَاياها جَحافِلَها ... يَسْمُو بها أَشْعَريٌّ طَرْفُه سَامِي ) فقال له بلال ويحك أيمدح الحطيئة أبا موسى الأشعري وأنا أروي شعر الحطيئة كله فلا أعرفها ولكن أشعها تذهب في الناس وذكر المدائني أن الحطيئة قال هذه القصيدة في أبي موسى وأنها صحيحة قالها فيه وقد جمع جيشا للغزو فأنشده ( جمعتَ من عامرٍ فيه ومن أَسَدٍ ... ) وذكر البيتين وبينهما هذا البيت وهو ( فما رضيتَهمُ حتى رَفدْتَهُم ... بوائلٍ رهطِ ذي الجَدَّين بِسْطامِ ) فوصله أبو موسى فكتب إليه عمر رضي الله عنه يلومه على ذلك فكتب إليه إني اشتريت عرضي منه بها فكتب إليه عمر إن كان هذا هكذا وإنما فديت عرضك من لسانه ولم تعطه للمدح والفخر فقد أحسنت ولما ولى بلال بن أبي بردة أنشده إياها حماد الراوية فوصله أيضا ونسخت من كتاب لحماد بن إسحاق حدثني به أبي وأخبرني به عمي عن الكراني عن الرياشي قال حدثني محمد بن الطفيل عن أبي بكر بن عياش عن الحارث بن عبد الرحمن عن مكحول قال سبق رسول اللهعلى فرس له فجثا على ركبتيه وقال إنه لبحر قال عمر كذب الحطيئة حيث يقول ( وإنّ جيادَ الخيل لا تستفِزُّنا ... ولا جاعلاتُ الرَّيْطِ فوقَ المَعَاصمِ ) لو ترك هذا أحد لتركه الرسول أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي عبيدة أن الحطيئة أراد سفرا فأتته امرأته وقد قدمت راحلته ليركب فقالت ( أذكرْ تحنُّنَنَا إليك وشوقَنا ... واذكرْ بناتِك إنهنّ صِغَارُ ) فقال حطوا لا رحلتُ لسفر ابدا أخبرني محمد بن العباس اليزيدي ومحمد بن الحسن بن دريد قالا حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه عن أبيه قال قال رجل ضفت قوما في سفر وقد ضللت الطريق فجاؤوني بطعام أجد طعمه في فمي وثقله في بطني ثم قال شيخ منهم لشاب أنشد عمك فأنشدني ( عفا من سُلَيمى مُسْحُلاَنُ فَحامِرُهْ ... تَمَشَّى به ظُلْمانُه وجَآذِرُهْ ) فقلت له أليس هذا للحطيئة فقال بلى وأنا صاحبه من الجن أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال قال ابن عيينة سمعت ابن شبرمة يقول أنا والله أعلم بجيذ الشعر لقد أحسن الحطيئة حيث يقول ( أولئك قوم إن بَنَوْا أحسنوا البُنَى ... وإن عاهدوا أوفَوْا وإن عقَدوا وشَدُّوا ) ( وإن كانتِ النَّعْماءُ فيهم جَزَوْا بها ... وإن أَنْعموا لا كدَّرُوها ولا كَدُّوا ) ( وإن قال مَوْلاهم على جُلٍّ حادثٍ ... من الدهر رُدُّوا فضلَ أحلامكم رَدُّوا ) قال وقال الأصمعي وقد سأله أبو عدنان عن هذا البيت ما واحد البنى قال بنية فقال له أتجمع فعلة على فعل قال نعم مثل رشوة ورشى وحبوة وحبى حدثنا أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني محمد بن أحمد بن صدقة الأنباري قال حدثنا ابن الأعرابي عن المفضل إن الحطيئة أقحمته السنة فنزل ببني مقلد بن يربوع فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا إنِ هذا الرجل لا يسلم أحد من لسانه فتعالوا حتى نسأله عما يحب فنفعله وعما يكره فنجتنبه فأتوه فقالوا له يا أبا مليكة إنك اخترتنا على سائر العرب ووجب حقك علينا فمرنا بما تحب أن نفعله وبما تحب أن ننتهي عنه فقال لا تكثروا زيارتي فتملوني ولا تقطعوها فتوحشوني ولا تجعلوا فناء بيتي مجلسا لكم ولا تسمعوا بناتي غناء شبانكم فإن الغناء رقية الزنا قال فأقام عندهم وجمع كل رجل منهم ولده وقال أمكم الطلاق لئن تغنى أحد منكم والحطيئة مقيم بين أظهرنا لأضربنه ضربة بسيفي أخذت منه ما أخذت فلم يزل مقيما فيما يرضى حتى انجلت عنه السنة فارتحل وهو يقول ( جاورتُ آلَ مُقَلِّدٍ فَحمِدتُهم ... إذ ليس كلُّ أخي جِوارٍ يُحْمَدُ ) ( أيامَ مَنْ يُرِدِ الصنيعةَ يَصْطنعْ ... فينا ومن يُرِدِ الزَّهادةَ يَزْهَدُ ) الحطيئة والزبرقان فأما خبره مع الزبرقان بن بدر والسبب في هجائه إياه فأخبرني به أبو خليفة عن محمد بن سلام ولم يتجاوزه به وأخبرني الحسين ين يحيى عن حماد عن أبيه عن محمد بن سلام عن يونس وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة وأخبرني اليزيدي عن عمه عبيد الله عن أبي حبيب عن ابن الأعرابي وقد جمعت رواياتهم وضممت بعضها إلى بعض أن النبيكان ولى الزبرقان بن بدر بن امرىء القيس بن خلف بن بهدلة بن عوف ببن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم عملا وذكر مثل ذلك الأصمعي وقال الزبرقان القمر والزبرقان الرجل الخفيف اللحية قال وأقره أبو بكر رضي الله عنه بعد النبيعلى عمله ثم قدم على عمر في سنة مجدبة ليؤدي صدقات قومه فلقيه الحطيئة بقرقرى ومعه ابناه أوس وسوادة وبناته وامرأته فقال له الزبرقان وقد عرفه ولم يعرفه الحطيئة أين تريد قال العراق فقد حطمتنا هذه السنة قال وتصنع ماذا قال وددت أن أصادف بها رجلا يكفيني مؤونة عيالي وأصفيه مدحي أبدا فقال له الزبرقان قد أصبته فهل لك فيه يوسعك لبنا وتمرا ويجاورك أحسن جوار وأكرمه فقال له الحطيئة هذا وأبيك العيش وما كنت أرجو هذا كله قال فقد أصبته قال عند من قال عندي قال ومن أنت قال الزبرقان بن بدر قال وأين محلك قال اركب هذا الإبل واستقبل مطلع الشمس وسل عن القمر حتى تأتي منزلي قال يونس وكان اسم الزبرقان الحصين بن بدر وإنما سمي الزبرقان لحسنه شبه بالقمر وقيل بل لبس عمامة مزبرقة بالزعفران فسمي الزبرقان لذلك وقال أبو عبيدة في خبره فقال له سر إلى أم شذرة وهي أم الزبرقان وهي أيضا عمة الفرزدق وكتب إليها أن أحسني إليه وأكثري له من التمر واللبن وقال آخرون بل وكله إلى زوجته فلحق الحطيئة بزوجته على رواية ابن سلام وهي بنت صعصعة بن ناجية المجاشعية واسمها هنيدة وعلى رواية أبي عبيدة أنها أمه وذلك في عام صعب مجدب فأكرمته المرأة وأحسنت إليه فبلغ ذلك بغيض بن عامر بن شماس بن لأي بن جعفر وهو أنف الناقه بن قريع بن عوف ابن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم وبلغ إخوته وبني عمه فاغتنموها وفي خبر اليزيدي عن عمه قال ابن حبيب عن ابن الأعرابي وكانوا يغضبون من أنف الناقة وإنما سمي جعفر أنف الناقة لأن أباه قريعا نحر ناقة فقسمها بين نسائه فبعثت جعفرا هذا أمه وهي الشموس من وائل ثم من سعد هذيم فأتى أباه ولم يبق من الناقة إلا رأسها وعنقها فقال شأنك بهذا فأدخل يده في أنفها وجر ما أعطاه فسمي أنف الناقة وكان ذلك كاللقب لهم حتى مدحهم الحطيئة فقال ( قوم هم الأنفُ والأذنابُ غيرُهُمُ ... ومن يسوِّي بأنفِ الناقة الذنَبا ) فصار بعد ذلك فخرا لهم ومدحا وكانوا ينازعون الزبرقان الشرف يعني بغيضا وإخوته وأهله وكانوا أشرف من الزبرقان إلا أنه قد كان استعلاهم بنفسه وقال أبو عبيدة في خبره كان الحطيئة دميما سيء الخلق لا تأخذه العين ومعه عيال كذلك فلما رأت أم شذرة حاله هان عليها وقصرت به ونظر بغيض وبنو أنف الناقة إلى ما تصنع به أم شذرة فأرسلوا إليه إن ائتنا فأبى عليهم وقال إن من شأن النساء التقصير والغفلة ولست بالذي أحمل على صاحبها ذنبها فلما ألح عليه بنو أنف الناقة وكان رسولهم إليه شماس بن لأي وعلقمة بن هوذة وبغيض ابن شماس والمخبل الشاعر قال لهم لست بحامل على الرجل ذنب غيره فإن تركت وجفيت تحولت إليكم فأطمعوه ووعدوه وعد عظيما وقال ابن سلام في خبره فلما لم يجبهم دسوا إلى هنيدة زوجة الزبرقان إنما يريد أن يتزوج ابنته مليكة وكانت جميلة كاملة فظهرت من المرأة للحطيئة جفوة وهي في ذاك تداريه ثم أرادوا النجعة قال أبو عبيدة فقالت له أم شذرة وقال ابن سلام فقالت له هنيدة قد حضرت النجعة فاركب أنت وأهلك هذا الظهر إلى مكان كذا وكذا ثم اردده إلينا حتى نلحقك فإنه لا يسعنا جميعا فأرسل إليها بل تقدمي أنت فأنت أحق بذلك ففعلت وتثاقلت عن ردها إليه وتركته يومين أو ثلاثة وألح بنو أنف الناقة عليه وقالوا له قد تركت بمضيعة وكان أشدهم في ذلك قولا بغيض بن شماس وعلقمة بن هوذة وكان الزبرقان قد قال في علقمة ( لي ابنُ عمِّ لا يزال ... يَعِيبُني ويُعينُ عائبْ ) ( وأعينُه في النائبات ... ولا يُعين على النوائبْ ) ( تَسْري عَقَاربُه إليَّ ... ولا تَدِبُّ له عقاربُ ) ( لاَهِ ابنُ عَمِّكَ لا يَخَاف ... المُحْزناتِ من العواقبْ ) قال فكان علقمة ممتلئا غيظا عليه فلما ألحوا على الحطيئة أجابهم وقال أما الآن فنعم أنا صائر معكم فتحمل معهم فضربوا له قبة وربطوا بكل طنب من أطنابها جلة هجرية وأراحوا عليه إبلهم وأكثروا له من التمر واللبن وأعطوه لقاحا وكسوة قال فلما قدم الزبرقان سأل عنه فأخبر بقصته فنادى في بني بهدلة بن عوف وهم لأم دون قريع أمهم السفعاء بنت غنم بن قتيبة من باهلة فركب الزبرقان فرسه وأخذ رمحه وسار حتى وقف على نادي بني شماس القريعيين فقال ردوا علي جاري فقالوا ما هو لك بجار وقد اطرحته وضيعته فألم أن يكون بين الحيين حرب فحضرهم أهل الحجا من قومهم فلاموا بغيضا وقالوا اردد على الرجل جاره فقال لست مخرجه وقد آويته وهو رجل حر مالك لأمره فخيروه فإن اختارني لم أخرجه وإن اختاره لم أكرهه فخيروا الحطيئة فاختار بغيضا ورهطه فجاء الزبرقان ووقف عليه وقال له أبا مليكة أفارقت جواري عن سخط وذم قال لا فانصرف وتركه هذه رواية ابن سلام وأما أبو عبيدة فإنه ذكر أنه كان بين الزبرقان ومن معه من القريعيين تلاح وتشاح وزعم غيرهما أن الزبرقان استعدى عمر بن الخطاب على بغيض فحكم عمر بأن يخرج الحطيئة حتى يقام في موضع خال بين الحيين وحده ويخلى سبيله ويكون جار أيهما اختار ففعل ذلك به فاختار القريعيين قال وجعل الحطيئة يمدحهم من غير أن يهجو الزبرقان وهم يحضونه على ذلك ويحرضونه فيأبى ويقول لا ذنب للرجل عندي حتى أرسل الزبرقان إلى رجل من النمر بن قاسط يقال له دثار بن شيبان فهجا بغيضا فقال ( أرَى إبِلي بجَوْف الماء حَلَّتْ ... وأَعْوزها به الماءُ الرَّواءُ ) ( وقد وَرَدَتْ مِيَاهَ بني قُرَيع ... فما وصلُوا القرابةَ مذ أساؤوا ) ( تُحَلأّ يومَ وِرْد الناس إبْلِي ... وتَصْدُرُ وهي مُحْنِقةُ ظِمَاءُ ) ( ألم أكُ جارَ شمّاس بن لأْي ... فأسلمني وقد نزل البَلاءُ ) ( فقلتُ تحوَّّلي يا أمّ بَكْرٍ ... إلى حيثُ المكارمُ والعَلاَءُ ) ( وجدنا بيتَ بَهْدَلةَ بنِِ عَوْفٍ ... تعالى سَمْكُه ودَحَا الفَنَاءُ ) ( وما أَضْحى لشَمَّاسِ بن لأْي ... قَدِيمٌ في الفَعال ولا رَبَاءُ ) ( سِوَى أن الحطيئَة قال قولاً ... فهذا من مقالتِه جزاءُ ) فحينئذ قال الحطيئة يهجو الزبرقان ويناضل عن بغيض قصيدته التي يقول فيها ( والله ما مَعْشرٌ لامُوا امْرأَ جُنُباً ... في آل لأْي بن شَمَّاس بأَكْياسِ ) ( ما كان ذنبُ بَغِيضٍ لا أبالكُم ... في بائسٍ جاء يَحْدُو آخرَ الناسِ ) ( لقد مَرَيْتُكُم لو أن دِرَّتَكم ... يوماً يَجيء بها مَسْحِي وإِبْسَاسِي ) ( وقد مدحتُكُم عمداً لأُرْشِدكم ... كيما يكون لكم مَتْحِي وإِمراسي ) ( لما بدا لي منكم غيبُ أنفِسكم ... ولم يكن لجِراحي فيكمُ آسي ) ( أزمعتُ يأساً مُبِيناً من نَوَالِكُمُ ... ولن يُرَى طارداً للحُرِّ كالياسِ ) ( جارٌ لقومٍ أَطَالُوا هُونَ منزِلِه ... وغادرُوه مقيماً بينَ أَرْماسِ ) ( مَلُّوا قِرَاه وهَرَّتْه كلابُهُم ... وجَرَّحُوه بأنيابٍ وأَضْراسِ ) ( دَعِ المكارمَ لا ترحلْ لبُغْيتها ... واقعُدْ فإِنكَ أنت الطاعمُ الكاسِي ) ( مَن يَفْعَلِ الخَيرَ لا يَعْدَمْ جَوَازِيَه ... لا يذهبُ العُرْف بين الله والناسِ ) ( ما كان ذنبي أن فَلَّتْ مَعَاوِلَكم ... من آلِ لأْي صَفَاةٌ أصلُها رَاسِي ) ( قد ناضَلُوكَ فسَلُّوا من كنَائِنهم ... مجداً تَلِيداً ونَبْلاً غير أَنْكاسِ ) الجنب الغريب الإبساس أن يسكنها عند الحلب والماتح المستقي الذي يجذب الدلو من فوق والإمراس أن يقع الحبل في جانب البكرة فيخرجه فاستعدى عليه الزبرقان عمر بن الخطاب فرفعه عمر إليه واستنشده فأنشده فقال عمر لحسان أتراه هجاه قال نعم وسلح عليه فحبسه عمر الحطيئة وعمر أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن معاوية عن أبي عبد الرحمن الطائي عن عبد الله بن عياش عن الشعبي قال شهدت زيادا وأتاه عامر بن مسعود بأبي علاثة التيمي فقال إنه هجاني قال وما قال لك قال قال ( وكيف أرجِّي ثَرْوها ونماءها ... وقد سار فيها خُصْيةُ الكلبِ عامرُ ) فقال أبو علاثة ليس هكذا قلت قال فكيف قلت قال قلت ( وإِِني لأرجو ثَرْوها ونماءها ... وقد سار فيها ناجذ الحقِّ عامرُ ) قال زياد قاتل الله الشاعر ينقل لسانه كيف شاء والله لولا أن تكون سنة لقطعت لسانك فقام قيس بن فهد الأنصاري فقال أصلح الله الأمير ما أدري من الرجل فإن شئت حدثتك عن عمر بما سمعت منه قال وكان زياد يعجبه الحديث عن عمر رضي الله عنه قال هاته قال شهدته وأتاه الزبرقان بن بدر بالحطيئة فقال إنه هجاني قال وما قال لك قال قال لي ( دَعِ المكارمَ لا ترحلْْ لبُغيتها ... واقعدْْ فإِنك أنت الطاعم الكاسِي ) فقال عمر ما أسمع هجاء ولكنهامعاتبة فقال الزبرقان أو ما تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس فقال عمر علي بحسان فجيء به فسأله فقال لم يهجه ولكن سلح عليه قال ويقال إنه سأل لبيدا عن ذلك فقال ما يسرني أنه لحقني من هذا الشعر ما لحقه وأن لي حمر النعم فأمر به عمر فجعل في نقير في بئر ثم ألقي عليه شيء فقال ( ماذا تقولُ لأفراخٍ بذي مَرَخٍ ... زُغْبِ الحَواصِل لا ماءٌ ولا شَجَرُ ) ( ألقيتَ كاسِبَهم في قعرِ مُظْلِمَةٍ ... فاغفرْ عليكَ سلامُ الله يا عمرُ ) ( أنت الإِمامِ الذي من بعدِ صاحبهِ ... ألقَى إليك مقاليدَ النُّهَى البَشَرُ ) ( لم يُؤْثِروكَ بها إذ قدَّموك لها ... لكن لأنفسِهم كانتْ بكَ الأُثَرُ ) فأخرجه وقال له إياك وهجاء الناس قال إذا يموت عيالي جوعا هذا مكسبي ومنه معاشي قال فإياك والمقذع من القول قال وما المقذع قال أن تخاير بين الناس فتقول فلان خير من فلان وآل فلان خير من آل فلان قال فأنت والله أهجى مني ثم قال والله لولا أن تكون سنة لقطعت لسانك ولكن اذهب فأنت له خذه يا زبرقان فألقى الزبرقان في عنقه عمامة فاقتاده بها وعارضته غطفان فقالوا له يا أبا شذرة إخوتك وبنو عمك هبه لنا فوهبه لهم فقال زياد لعامر بن مسعود قد سمعت ما روي عن عمر وإنما هي السنن فاذهب به فهو لك فألقى في عنقه حبلا أو عمامة وعارضته بكر بن وائل فقالوا له أخوالك وجيرانك فوهبه لهم أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة أن الحطيئة لما حبسه عمر قال وهو أول ما قاله ( أَعُوُذ بجَدّك إنّي امرؤٌ ... سَقتْني الأعادي إليكَ السِّجَالاَ ) ( فإِنك خيرٌ من الزبرقان ... أشدُّ نَكَالاً وأَرْجَى نَوَالاَ ) ( تحنَّنْ عليَّ هَدَاك المليكُ ... فإِنّ لكلِّ مقامٍ مَقَالاَ ) ( ولا تأخُذَنِّي بقول الوُشَاةِ ... فإِنّ لكلِّ زمانٍ رِجَالاَ ) ( فإِن كان ما زَعَمُوا صادقاً ... فسِيقَتْ إليكَ نسائي رِجَالاَ ) ( حَوَاسِرَ لا يشتكينَ الوَجَا ... يُخفِّضْنَ ألاّ ويرفَعْنَ آلاَ ) فلم يلتفت عمر إليه حتى قال أبياته التي أولها ( ماذا تقول لأفراخ بذي مَرَخٍ ... ) أخبرني الحرمي بن أبي العلاء ومحمد بن العباس اليزيدي وعمر بن عبد العزيز بن أحمد وطاهر بن عبد الله الهشامي قالوا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الضحاك بن عثمان الحزامي قال حدثني عبد الله بن مصعب عن ربيعة بن عثمان عن زيد بن أسلم عن أبيه قال أرسل عمر إلى الحطيئة وأنا جالس عنده وقد كلمه فيه عمرو بن العاص وغيره فأخرجه من السجن فانشده قوله ( ماذا تقول لأفراخ بذي مَرَخٍ ... زغبِ الحواصِل لا ماء ولا شجرُ ) ( ألقيت كاسبَهم في قعر مظلمةٍ ... فاغفرْ عليك سلامُ الله يا عمرُ ) ( أنت الإِمامُ الذي من بعد صاحبِهِ ... ألقى إليك مقاليدَ النُّهَى البشرُ ) ( لم يؤثروك بها إذ قدَّموك لها ... لكن لأنفسِهم كانت بك الأُثَرُ ) ( فامنُنْ على صِبيةٍ بارزمل مسكنُهم ... بين الأباطح تَغْشاهم بها القِرَرُ ) ( أهلي فدَاؤُكَ كم بيني وبينهُم ... من عَرْض داوِيةً تَعْمَى بها الخُبُرُ ) قال فبكى حين قال ( ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ ... ) فقال عمرو بن العاص ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أعدل من رجل يبكي على تركه الحطئية فقال عمر علي بالكرسي فأتي به فجلس عليه ثم قال أشيروا علي في الشاعر فإنه يقول الهجر وينسب الحرم ويمدح الناس ويذمهم بغير ما فيهم ما أراني إلا قاطعا لسانه ثم قال علي بالطست فأتي بها ثم قال علي بالمخصف علي بالسكين لا بل علي بالموسى فهو أوجى فقالوا لا يعود يا أمير المؤمنين فأشاروا إليه أن قل لا أعود فقال لا أعود يا أمير المؤمنين فقال له النجاء قال فلما ولى قال له عمر يا حطيئة كأني بك عند فتى من قريش قد بسط لك نمرقة وكسر لك أخرى وقال غننا يا حطيئة فطفقت تغنيه بأعراض الناس قال ابن أسلم فما انقضت الدنيا حتى رأيت الحطيئة عند عبيد الله بن عمر قد بسط له نمرقة وكسر له أخرى وقال غننا يا حطيئة فجعل يغنيه فقلت له يا حطيئة أتذكر قول عمر ففزع وقال يرحم الله ذلك المرء أما إنه لو كان حيا ما فعلت قال وقلت لعبيد الله سمعت أباك يقول كذا وكذا فكنت أنت ذلك الرجل وروي عن عبد الله بن المبارك أن عمر رضي الله عنه لما أطلق الحطيئة أراد أن يؤكد عليه الحجة فاشترى منه أعراض المسلمين جميعا بثلاثة آلاف درهم فقال الحطيئة في ذلك ( وأخذتَ أطرافَ الكلام فلم تَدَعْ ... شَتْما يضُرّ ولا مَدِيحاً ينفعُ ) ( وحَميْتِني عِرْضَ اللئيم فلم يخَفْ ... دَمِّي وأصبح آمناً لا يَفْزَعُ ) خبر الحطيئة مع ابن عوف وبني قريع أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه عن نافع بن أبي نعيم أن عبد الرحمن بن عوف هو الذي استرضى عمر بن الخطاب وكلمه في أمر الحطيئة حتى أخرجه من السجن قال حماد وأخبرني أبي عن أبي عبيدة أن عمر رضي الله عنه لما أطلقه قال الشاعر النمري الذي كان الزبرقان حمله على هجاء بغيض ( دَعَانِي الأثْبَجانِ ابنا بَغِيضٍ ... وأَهْلي بالعَلاَةِ فَمنَّيانِي ) ( وقالوا سِرْ بأهلك فأْتِيَنَّا ... ألى حَبٍّ وأنَعْامٍ سِمَانِ ) ( فسرتُ إليهمُ عشرين شهراً ... وأربعةً فذلك حِجَّتَانِ ) ( فلما أن أتيتُ ابنَيْ بغيضٍ ... وأسلمني بدائي الداعيانِ ) ( يبِيتُ الذئبُ والعَثْواءُ ضيفاً ... لنا بالليل بئس الضائفانِ ) ( أُمارِسُ منهما ليلاً طويلاً ... أُهَجْهِجُ عن بنيّ ويَعْرُوانِ ) ( تقولُ حليلتي لما اشتكينا ... سيدرِكُنا بنو القَرِمْ الهِجَانِ ) ( سيُدْرِكُنا بنو القمر بن بَدْرٍ ... سراج الليلِ للشمس الحَصَانِ ) ( فقلتُ ادْعي وأَدْعُو إن أَندى ... لصوتٍ أن ينادِيَ داعيانِ ) ( فمن يَكُ سائلاً عنِّي فإِنِّي ... أنا النَّمرِيُّ جارُ الزِّبْرِقانِ ) ( طَريدُ عَشِيرةُ وطريدُ حربٍ ... بما اجترمتْ يدي وجنَى لساني ) ( كأَنِّي إذ نزلتُ به طرِيداً ... نزلتُ على الممنَّع من أَبَانِ ) ( أتيتُ الزِّبْرِقانَ فلم يُضِعْني ... وضيَّعَني بِتريم مَنْ دَعَانِي ) أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عبيدة قال لم يزل الحطيئة في بني قريع يمدحهم حتى إذا أحيوا قالوا لبغيض ف لي بما كنت تضمنت فأتى بغيض علقمة بن هوذة فقال له قد جاء الله بالحيا فف لي بما قلت وكان قد ضمن له مائة بعير وأبرئني مما تضمنته عهدتي فقال نعم سل في بني قريع فمهما فضل بعد عطائهم أن يتم مائة أتممته ففعل فجمعوا له أربعين أو خمسين بعيرا كان الرجل يعطيه على قدر ماله البعير والبعيرين قال فأتمها علقمة له مائة وراعيين فدفعت إليه فلم يزل يمدحهم وهو مقيم بينهم حتى قال كلمته السينية واستعدى الزبرقان عليه عمر رضي الله عنه فلما رحل عنهم قال ( لا يُبْعِدِ اللهُ إذ ودّعتُ أرضَهُم ... أخي بَغِيضاً ولكن غيرُه بعدا ) ( لا يُبْعِدِ الله من يُعْطي الجزيلَ ومن ... يَحْبو الجليلَ وما أَكْدى ولا نَكِدَا ) ( ومن تُلاَقِيه بالمعروف مبتهِجاً ... إذا اجْرَهَّد صَفَا المذمومِ أو صلَدا ) ( لاقيتُه ثَلِجاً تَنْدَى أناملُه ... إن يُعْطِك اليومَ لا يمنعَك ذاك غَدا ) ( إنّي لرافدُه وُدّي ومَنْصَرَتي ... وحافظٌ غيبَه إن غاب أو شهِدا ) الحطيئة لابن عباس أعلي جناح في هجاء الناس أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني عن ابن دأب عن عبد الله بن عياش المنتوف قال بينا ابن عباس جالس في مجلس رسول الله كف بصره وحوله ناس من قريش إذ أقبل أعرابي يخطر وعليه مطرف وجبة وعمامة خز حتى سلم على القوم فردوا عليه السلام فقال يا بن عم رسول الله أفتني قال فيماذا قال أتخاف علي جناحا إن ظلمني رجل فظلمته وشتمني فشتمته وقصر بي فقصرت به فقال العفو خير ومن انتصر فلا جناح عليه فقال يا بن عم رسول الله أرأيت امرأ أتاني فوعدني وغرني ومناني ثم أخلفني و استخف بحرمتي أيسعني أن أهجوه قال لا يصلح الهجاء لأنه لا بد لك من أن تهجو غيره من عشيرته فتظلم من لم يظلمك وتشتم من لم يشتمك وتبغي على من لم يبغ عليك والبغي مرتع وخيم وفي العفو ما قد علمت من الفضل قال صدقت وبررت فلم ينشب أن أقبل عبد الرحمن بن سيحان المحاربي حليف قريش فلما رأى الأعرابي أجله وأعظمه وألطف في مسألته وقال قرب الله دارك يا أبا مليكة فقال ابن عباس أجرول قال جرول فإذا هو الحطيئة فقال ابن عباس لله أنت أي مردي قذاف وذائد عن عشيرة ومثن بعارفه تؤتاها أنت يا أبا مليكة والله لو كنت عركت بجنبك بعض ما كرهت من أمر الزبرقان كان خيرا لك ولقد ظلمت من قومه من لم يظلمك وشتمت من لم يشتمك قال إني والله بهم يا أبا العباس لعالم قال ما أنت بأعلم بهم من غيرك قال بلى والله يرحمك الله ثم أنشأ يقول ( أنا ابنُ بَجْدتِهم علماً وتجربةً ... فسَلْ بسعدٍ تَجدْنِي أعلمَ الناسِ ) ( سعدُ بن زيد كثيرٌ إن عددْتَهُم ... ورأسُ سعدِ بن زيد آلُ شَمَّاسِ ) ( والزبرقان ذُنَاباهم وشرّهُم ... ليس الذُّنابَى أبا العباس كالراسِ ) فقال ابن عباس أقسمت عليك ألا تقول إلا خيرا قال أفعل ثم قال ابن عباس يا أبا مليكة من أشعر الناس قال أمن الماضين أم من الباقين قال من الماضين قال الذي يقول ( ومن يجعل المعروفَ من دون عرضه ... يَفِرْهُ ومن لا يَتَّقِ الشتم يُشْتَمِ ) وما بدونه الذي يقول ( ولستَ بمستبقٍ أخّا لا تَلُمُّه ... على شَعَثٍ أيُّ الرجال المهذَّبُ ) ولكن الضراعة أفسدته كما أفسدت جرولا يعنى نفسه والله يا بن عم رسول الله لولا الطمع والجشع لكنت أشعر الماضين فأما الباقون فلا تشك أني أشعرهم وأصردهم سهما إذا رميت أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال روي لنا عن أبي عبيدة والهيثم بن عدي وغيرهما أن عبد الله بن أبي ربيعة لما قدم من البحرين نزل على الزبرقان بن بدر بمائه فحلأه وهو الماء الذي يقال له بنيان فنزل على بني أنف الناقة بمائهم وهو الذي يقال له وشيع فأكرموه وذبحوا له شاة وقالوا لو كانت إبلنا منا قريبة لنحرنا لك فراح من عندهم يتغنى فيهم بقوله ( وما الزّبرقانُ يومَ يمنَع ماءه ... بمُحْتَسِبِ التَّقْوى ولا متوكِّلِ ) ( مقيمٌ على بُنْيانَ يمنع ماءه ... وماءُ وَشِيعٍ ماءُ ظمآنَ مُرْمِلِ ) قال فركب الزبرقان إلى عمر رضي الله عنه فاستعداه على عبد الله وقال إنه هجاني يا أمير المؤمنين فسأل عمر عن ذلك عبد الله فقال له ياأمير المؤمنين إني نزلت على مائه فحلأني عنه فقال عمر رضوان الله عليه يا زبرقان أتمنع ماءك من ابن السبيل قال يا أمير المؤمنين ألا أمنع ماء حفر آبائي مجاريه ومستقره وحفرته أنا بيدي فقال عمر والذي نفسي بيده لئن بلغني أنك منعت ماءك من أبناء السبيل لا ساكنتني بنجد أبدا فقال بعض بني أنف الناقة يعير الزبرقان ما فعله ( أتدري مِنْ منعت ورودَ حوضٍ ... سَليل خَضارمٍ مَنعوا البِطَاحَا ) ( أَزادَ الركبِ تمنَع أم هِشَاماً ... وذا الرُّمْحين أمنعَهم سلاحَا ) ( هُم مَنعوا الأباطحَ دون فِهْرٍ ... ومَنْ بالخَيْف والبُدْنَ اللِّقَاحَا ) ( بضربٍ دونَ بَيْضَتِهم طِلَخْفٍ ... إذ الملهوفُ لاذ بهم وَصَاحَا ) ( وما تَدْرِي بأيِّهِمُ تُلاَقي ... صدورَ المَشْرَفِيّة والرِّمَاحَا ) وصية الحطيئة الظريفة وللحطيئة وصية ظريفة يأتي كل فريق من الرواة ببعضها وقد جمعت ما وقع إلي منها في موضع واحد وصدرت بأسانيدها أخبرني بها محمد بن العباس اليزدي قال حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال حدثنا عيينة بن المنهال عن الأصمعي وأخبرني بها أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة ونسختها من كتاب محمد بن الليث عن محمد بن عبد الله العبدي عن الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبيه وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عبيدة وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قالوا لما حضرت الحطيئة الوفاة اجتمع إليه قومه فقالوا يا أبا مليكة أوص فقال ويل للشعر من راوية السوء قالوا أوص رحمك الله يا حطيء قال من الذي يقول ( إذا أَنْبَض الرامون عنها تَرَنَّمَتْ ... ترنُّمَ ثَكْلَى أَوجعتَها الجنائزُ ) قالوا الشماخ قال أبلغوا غطفان أنه أشعر العرب قالوا ويحك أهذه وصية أوص بما ينفعك قال أبلغوا أهل ضابىء أنه شاعر حيث يقول ( لِكلِّ جَديدٍ لذَّةٌ غيرَ أنّني ... رأيتُ جديدَ الموتِ غيرَ لذيذ ) قالوا أوص ويحك بما ينفعك قال أبلغوا أهل امرىء القيس أنه أشعر العرب حيث يقول ( فَيَا لَكَ من لَيْلٍ كأنَّ نجومَهُ ... بكلِّ مُغَارِ الفَتْل شُدَّتْ بِيَذْبُلِ ) قالوا اتق الله ودع عنك هذا فقال أبلغوا الأنصار أن صاحبهم أشعر العرب حيث يقول ( يُغْشَوْنَ حتىّ ما تَهِرُّ كلابُهم ... لا يَسْْألون عن السَّوَاد المُقْبِل ) قالوا هذا لا يغني عنك شيئا فقل غير ما أنت فيه فقال ( الشِّعْرُ صَعْبٌ وطويلٌ سُلَّمُهْْ ... إذا ارتقَى فيه الذي لا يَعْلَمُهْ ) ( زَلَّت به إلى الحَضِيض قَدَمُه ... يريدُ أن يعربه فَيُعْجِمُهْ ) قالوا هذا مثل الذي كنت فيه قال ( قد كنتُ أحياناً شديدَ المعتَمَدْ ... وكنتُ ذا غربٍ على الخَصْمِ أَلَدّ ) ( فَوَرَدَتْ نفسي وما كادتْ تَرِدِْ ... ) قالوا يا أبا مليكة ألك حاجة قال لا والله و لكن أجزع على المديح الجيد يمدح به من ليس له أهلا قالوا فمن أشعر الناس فأومأ بيده إلى فيه وقال هذا الحجير إذا طمع في خير يعني فمه واستعبر باكيا فقالوا له قل لا إله إلا الله فقال ( قالتْ وفيها حَيْدَةٌ وذُعْرُ ... عَوْذٌ بِرَبِّي مِنْكُمُ وحُجْرُ ) فقالوا له ما تقول في عبيدك وإمائك فقال هم عبيد قن ما عاقب الليل النهار قالوا فأوص للفقراء بشيء قال أوصيهم بالإلحاح في المسألة فإنها تجارة لا تبور وآست المسؤول أضيق قالوا فما تقول في مالك قال للأنثى من ولدي مثل حظ الذكر قالوا ليس هكذا قضى الله جل وعز لهن قال لكني هكذا قضيت قالوا فما توصي لليتامى قال كلوا أموالهم ونيكوا أمهاتهم قالوا فهل شيء تعهد فيه غير هذا قال نعم تحملونني على أتان وتتركونني راكبها حتى أموت فإن الكريم لا يموت على فراشه والأتان مركب لم يمت عليه كريم قط فحملوه على أتان وجعلوا يذهبون به ويجيئون عليها حتى مات وهو يقول ( لا أحدٌ ألأمُ من حُطَيَّهْْ ... هجا بَنِيهِ وهجا المُرَيَّهْْ ) ( من لُؤمِه ماتَ على فُرَيَّهْْ ... ) والفرية الأتان شعر الحطيئة المغنى ذكر ما غني فيه من القصائد التي مدح بها الحطيئة بغيضا وقومه وهجا الزبرقان وقومه منها صوت ( أَلاَ طَرَقَتْنَا بعدَ ما هَجَعُوا هِنْدُ ... وقد جُزْنَ غَوْراً واستَبانَ لنا نَجْدُ ) ( وإِنّ التي نَكَّبْتُها عن مَعَاشِرٍ ... عَلَيَّ غِضَابٍ أَنْ صَدَدْتُ كما صَدُّوا ) الغناء لعلويه ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وهذه القصيدة التي يقول فيها ( أتتْ آلَ شَمَّاس بنِ لأْيَ وإِنما ... أتاهم بها الأحلامُ والحَسَبُ العِدُّ ) ( فإِنّ الشقيَّ من تُعادِي صدورُهم ... وذو الجَدِّ مَن لاَنُوا إليه ومَن وَدُّوا ) ( يُسوسون أحلاماً بعيداً أناتُها ... فإِن غَضِبُوا جاءَ الحَفِيظَةُ والجِدُّ ) ( أَقِلُّوا عليهم لا أبا لأبِيكُمُ ... مِن اللوم أو سُدُّوا المكانَ الذي سَدُّوا ) ( أولئك قومٌ إن بَنْوا أحسنوا البُنَي ... وإِن عاهدُوا أَوْفَوْا وإِن عَقَدُوا شَدُّوا ) ( وإِن كانت النُّعْمى عليهم جَزَوْا بها ... وإِن أنعمُوا لا كدَّروها ولا كَدُّوا ) ( وإِن قال مَوْلاَهُمْ على جُلِّ حادثٍ ... من الدهر رُدُّوا فَضْلَ أحلاِمُكم ردُّوا ) ( مَطَاعيِنُ في الهَيْجا مَكَاشِيفُ للدُّجَى ... بَنىَ لهُم آباؤْهم وبَنَى الجَدُّ ) ومنها صوت ( وأدَماءَ حَرْجُوجٍ تَعَالَلْتُ مَوْهِناً ... بسَوْطِيَ فارمَدَّتْ نَجَاءَ الخَفيْدَدِ ) ( إذا آنَسَتْ وقْعاً من السَّوْط عارضَتْ ... به الجَوْرَ حتى يستقيم ضُحَى الغَدِ ) ( وتشربُ بالقَعْب الصغير وإِن تُقَدْ ... بمِشْفَرِها يوماً إلى الحَوْض تَنْقَدِ ) الموهن وقت من الليل بعد مضى صدر منه وارمدت نجت والارمداد النجاء والخفيدد الظليم الغناء لابن محرزخفيف رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر الهشامي أن فيه لإبراهيم خفيف رمل آخر وهو في جامع إبراهيم غير مجنس وفيه خفيف ثقيل مجهول وذكر حبش أنه لمعبد ويشبه أن يكون ليحيى المكي أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني إبراهيم بن المنذر عن ابن عباية عن محمد بن مسلم الجوسق عن رجل من كعب قال جئت سوق الظهر فإذا بكثير وإذا الناس متقصفون عليه فتخلصت حتى دنوت منه فقلت أبا صخر قال ما تشاء قلت من أشعر الناس قال الذي يقول ( وآثرتُ إِدلاَجِي على لَيْلِ حُرَّة ... هَضِيم الحشا حُسَّانَة المتَجَرَّدِ ) ( تُفَرِّق بالمِدْرَى أثِيثاً نباتُه ... على واضح الذِّفْرَى أسيل المُقَلَّدِ ) قال قلت هذا الحطيئة قال هو ذاك أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى قال حدثنا أحمد بن الحارث الخزاز عن المدائني عن علي بن مجاهد عن هشام بن عروة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنشد قول الحطيئة ( مَتَى تأتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْء نارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نارٍ عندها خَيْرُ مُوقِدِ ) فقال عمر كذب بل تلك نار موسى نبي الله أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية أن رجلا دخل على الحطيئة وهو مضطجع على فراشه وإلى جانبه سوداء قد أخرجت رجلها من تحت الكساء فقال له ويحك أفي رجلك خف قال لا والله ولكنها رجل سوداء أتدري من هي قال لا قال وهي والله التي أقول فيها ( وآثرتُ إدلاجِي علي ليلِ حُرَّةٍ ... ) وذكر البيتين والله لو رأيتها يابن أخي لما شربت الماء من يدها قال فجعلت تسبه أقبح سب وهو يضحك ومنها صوت ( ما كان ذنبُ بغيضٍ لا أبَا لَكُمُ ... في بائسٍ جاء يحدو أَيْنُقاً شُزُبَا ) ( طافتْ أُمامةُ بالرُّكبان آونةً ... يا حُسْنها من خَيَالٍ زارَ مُنْتَقِبَا ) ( إذ تَسْتَبِيكَ بمصقولٍ عَوَارِضُهُ ... حَمْشِ اللَّتات تَرَى في مائِهِ شَنَبَا ) ( قد أخلقتْ عهدَها من بعد جِدّته ... وكذَّبَتْ حُبَّ مَلْهوفٍ وما كَذَبَا ) الغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة ومنها صوت ( جَزَى اللهُ خيرا والجزاءُ بكفّه ... بأحسنِ ما يَجْزِي الرجالَ بغيضا ) ( فلو شاءَ إذ جئناه صَدَّ فلم يُلَمْ ... وصَادف مَنْأَى في البلاد عريضا ) الغناء للهذلي ثقيل أول بالبنصر عن الهشامي أخبار ابن عائشة ونسبه محمد بن عائشة ويكنى أبا جعفر ولم يكن يعرف له أب فكان ينسب إلى أمه ويلقبه من عاداه أو أراد سبه ابن عاهة الدار وكان هو يزعم أن اسم أبيه جعفر وليس يعرف ذلك وعائشة أمه مولاة لكثير بن الصلت الكندي حليف قريش وقيل إنها مولاة لآل المطلب بن أبي وداعة السهمي ذكر ذلك إسحاق عن محمد بن سلام وحكى ابن الكلبي القول الأول وقال إسحاق هو الصحيح يعني قول ابن الكلبي وقال إسحاق فيما رواه لنا الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه إن محمد بن معن الغفاري ذكر له عن أبي السائب المخزومي أن ابن عائشة مولى المطلب بن أبي وداعة السهمي وإنه كان لغير رشدة فأدركت المشيخة وهم إذا سمعوا له صوتا حسنا قالوا أحسن ابن المرأة قال إسحاق وقال عمران بن هند الأرقمي بل كان مولى لكثير بن الصلت قال إسحاق قال عبيد الله بن محمد بن عائشة قال الوليد بن يزيد لابن عائشة يا محمد ألغية أنت قال كانت أمي يا أمير المؤمنين ماشطة وكنت غلاما فكانت إذا دخلت إلى موضع قالوا ارفعوا هذا لابن عائشة فغلبت على نسبي المغني الذي يصلح لمنادمة الخلفاء والملوك قال إسحاق وكان ابن عائشة يفتن كل من سمعه وكان فتيان من المدينة قد فسدوا في زمانه بمحادثته ومجالسته وقد أخذ عن معبد ومالك ولم يموتا حتى ساواهما على تقديمه لهما واعترافه بفضلهما وقد قيل إنه كان ضاربا ولم يكن بالجيد الضرب وقيل بل كان مرتجلا لم يضرب قط و ابتداؤه بالغناء كان يضرب به المثل فيقال للإبتداء الحسن كائنا ما كان من قراءة قرآن أو إنشاد شعر أو غناء يبدأ به فيستحسن كأنه ابتداء ابن عائشة قال إسحاق وسمعت علماءنا قديما وحديثا يقولون ابن عائشة أحسن الناس ابتداء وأنا أقول إنه أحسن الناس ابتداء وتوسطا وقطعا بعد أبي عباد معبد وقد سمعت من يقول إن ابن عائشة مثله وأما أنا فلا أجسر على أن أقول ذلك وكان ابن عائشة غير جيد اليدين فكان أكثر ما يغني مرتجلا وكان أطيب الناس صوتا قال إسحاق وحدثني محمد بن سلام قال قال لي جرير لا تخدعن عن أبي جعفر محمد بن عائشة فلولا صلف كان فيه لما كان بعد أبي عباد مثله أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني محمد بن أحمد بن يحيى المكي عن أبيه عن جده قال ثلاثة من المغنين كانوا أحسن الناس حلوقا ابن عائشة وابن تيزن وابن أبي الكنات حدثني عمي قال حدثنا محمد بن داود بن الجراح قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني مصعب الزبيري عن أبيه قال رأى ابن أبي عتيق حلق ابن عائشة مخدشا فقال من فعل هذا بك قال فلان فمضى فنزع ثيابه وجلس للرجل على بابه فلما خرج أخذ بتلبيبه وجعل يضربه ضربا شديدا والرجل يقول له مالك تضربني أي شيء صنعت وهو لا يجيبه حتى بلغ منه ثم خلاه وأقبل على من حضر فقال هذا أراد أن يكسر مزامير داود شد على ابن عائشة فخنقه وخدش حلقه قال إسحاق في خبره وحدثني أبي عن سياط عن يونس الكاتب قال ما عرفنا بالمدينة أحسن ابتداء من ابن عائشة إذا غنى ولو كان آخر غنائه مثل أوله لقدمته على ابن سريج قال إبراهيم هو كذاك عندي وقال إسحاق مثل قولهما قال وقال يونس كان ابن عائشة يضرب بالعود ولم يكن مجيدا وكان غناؤه أحسن من ضربه فكان لا يكاد يمس العود إلا أن تجتمع جماعة من الضراب فيضربون عليه ويضرب هو ويغني فناهيك به حسنا أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن صالح بن حسان أنه ذكر يوما المغنين بالمدينة فقال لم يكن بها أحد بعد طويس أعلم من ابن عائشة ولا أظرف مجلسا ولا أكثر طيبا وكان يصلح أن يكون نديم خليفة أو سمير ملك قال إسحاق فأذكرني هذا القول قول جميلة له وأنت يا أبا جعفر فمع الخلفاء تصلح أن تكون قال إسحاق وحدثني المدائني قال حدثني جرير قال كان ابن عائشة تائها سيىء الخلق فإن قال له إنسان تغن قال ألمثلي يقال هذا وإن قال له إنسان وقد ابتدأ هو بغناء احسنت قال ألمثلي يقال أحسنت ثم يسكت فكان قليلا ما ينتفع به فسال العقيق مرة فدخل عرصة سعيد بن العاصي الماء حتى ملأها فخرج الناس إليها وخرج ابن عائشة فيمن خرج فجلس على قرن البئر فبينا هم كذلك إذ طلع الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام على بغلة و خلفه غلامان أسودان كأنهما من الشياطين فقال لهما امضيا رويدا حتى تقفا بأصل القرن الذي عليه ابن عائشة فخرجا حتى فعلا ذلك ثم ناداه الحسن كيف أصبحت يا بن عائشة قال بخير فداك أبي وأمي قال انظر من إلى جنبك فنظر فإذا العبدان فقال له أتعرفهما قال نعم قال فهما حران لئن لم تغنني مائة صوت لآمرنهما بطرحك في البئر وهما حران لئن لم يفعلا لأقطعن أيديهما فاندفع ابن عائشة فكان أول ما ابتدأ به صوتا له وهو ( ألا لله درُّكَ من ... فَتى قومٍ إذا رَهِبُوا ) ثم لم يسكت حتى غنى مائة صوت فيقال إن الناس لم يسمعوا من ابن عائشة أكثر مما سمعوا في ذلك اليوم وكان آخر ما غنى صوت ( قل للمنازل بالظَّهْرَانِ قد حانا ... أن تنطقي فتُبِينِي القول تِبْيَانَا ) قال جرير فما رئي يوم أحسن منه ولقد سمع الناس شيئا لم يسمعوا مثله وما بلغني أن أحدا تشاغل عن استماع غنائه بشيء ولا انصرف أحد لقضاء حاجة ولا لغير ذلك حتى فرغ ولقد تبادر الناس من المدينة وما حولها حيث بلغهم الخبر لاستماع غنائه فيقال إنه ما رئي جمع في ذلك الموضع مثل ذلك الجمع ولقد رفع الناس أصواتهم يقولون له أحسنت والله أحسنت والله ثم انصرفوا حوله يزفونه إلى المدينة زفا نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني منها صوت ( ألا لله درُّكَ مِنْ ... فتى قومٍ إذا رَهِبُوا ) ( وقالوا مَنْ فتىً للحرب ... يَرْقُبُنا ويَرْتَقبُ ) ( فكنتَ فتاهمُ فيها ... إذا تُدْعَى لها تَثِبُ ) ( ذكرتُ أخي فعاوَدَنِي ... رُدَاعُ السُّقْمِ والوَصَبُ ) ( كما يعتاد ذات البَوّه ... ِبعد سُلُوّها الطَّربُ ) ( على عَبْد بن زُهْرةَ بتّ ... طولَ الليل أنتتحبُ ) الشعر لأبي العيال الهذلي والغناء لمعبد وله فيه لحنان أحدهما ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق يبدأ فيه بقوله ( ذكرتُ أخي فعاودَني ... رداعُ السقم والوصبُ ) والآخر خفيف رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة وفيه لابن عائشة خفيف رمل آخر وقيل بل هو لحن معبد وذكر حماد بن إسحاق أن خفيف الرمل لمالك البو جلد يحشى تبنا ويجفف ليكلا تخبث رائحته ويدنى إلى الناقة التي قد نحر فصيلها أو مات لتشمه فتدر عليه ومنها صوت ( قل للمنازل بالظَّهْرانِ قد حانا ... أن تنطقي فتُبِيني القول تِبْيانَا ) ( قالت ومن أنت قل لي قلتُ ذو شَغفٍ ... هِجْتِ له من دَوَاعِي الحبِّ أحْزانَا ) الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن عائشة خفيف ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وحبش وقال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات حدثني عبد الرحمن بن سليمان عن علي بن الجهم الشاعر قال حدثني رجل أن ابن عائشة كان واقفا بالموسم متحيرا فمر به بعض أصحابه فقال له ما يقيمك هاهنا فقال إني أعرف رجلا لو تكلم لحبس الناس هاهنا فلم يذهب أحد ولم يجىء فقال له الرجل ومن ذاك قال أنا ثم اندفع يغني ( جرتْ سُنُحاً فقلتُ لها أَجِيزِي ... نَوىً مشمولةً فمتى اللقاءُ ) قال فحبس الناس واضطربت المحامل ومدت الإبل أعناقها وكادت الفتنة أن تقع فأتي به هشام بن عبد الملك فقال له يا عدو الله أردت أن تفتن الناس قال فأمسك عنه وكان تياها فقال له هشام ارفق بتيهك فقال حق لمن كانت هذه مقدرته على القلوب أن يكون تياها فضحك منه وخلى سبيله نسبة هذا الصوت الذي غناه ابن عائشة صوت ( جرتْ سُنُحاً فقلتُ لها أَجِيزِي ... نَوىً مشمولةً فمتى اللقاءُ ) ( بنَفْسِي مَنْ تذكُّره سَقَامٌ ... أُعانيه ومَطْلَبُه عَنَاءُ ) السانح ما أقبل من شمالك يريد يمينك والبارح ضده وقال أبو عبيدة سمعت يونس بن حبيب يسأل رؤبة عن السانح والبارح فقال السانح ما ولاك ميامنه والبارح ما ولاك مشائمه وقوله أجيزي أي انفدي قال الأصمعي يقال أجزت الوادي إذا قطعته وخلفته وجزته أي سرت فيه فتجاوزته وجاوزته مثله قال أوس بن مغراء ( ولا يَرِيمُون في التعريف موقفهم ... حتى يقالَ أَجِيزُوا آلَ صوفانا ) ومشمولة سريعة الانكشاف أخذه من السحابة المشمولة وهي التي تصيبها الشمال فتكشفها ومن شأن الشمال أن تقطع السحاب واستعارها هاهنا في النوى لسرعة انكشافهم فيها عن بلدهم وأجرى ذلك مجرى الذم للسانح لأنه يتشاءم به البيت الأول من الشعر لزهير بن أبي سلمى والثاني محدث ألحقه المغنون به لا أعرف قائله والغناء لابن عائشة ولحنه خفيف ثقيل أول بالبنصر الوليد يشرب وابن عائشة يغني ومعبد بمزجر الكلب أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا إسحاق وأخبرني به محمد بن مزيد والحسين بن يحيى قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية قال كتب الوليد بن يزيد إلى يوسف بن عمر أما بعد فإذا قرأت كتابي هذا فسرح إلي حمادا الراوية على ما أحب من دواب البريد وأعطه عشرة آلاف درهم يتهيأ بها قال فأتاه الكتاب وأنا عنده فنبذه إلى فقلت السمع والطاعة فقال يادكين مر شجرة يعطيه عشرة آلاف درهم فأخذتها فلما كان اليوم الذي أردت الخروج فيه أتيت يوسف بن عمر فقال يا حماد أنا بالموضع الذي قد عرفته من أمير المؤمنين ولست مستغنيا عن ثنائك فقلت أصلح الله الأمير إن العوان لا تعلم الخمرة وسيبلغك قولي وثنائي فخرجت حتى انتهيت إلى الوليد وهو بالبخراء فاستأذنت عليه فأذن لي فإذا هو على سرير ممهد وعليه ثوبان أصفران إزار ورداء يقيئان الزعفران قيئا وإذا عنده معبد ومالك بن أبي السمح وأبو كامل مولاه فتركني حتى سكن جأشي ثم قال أنشدني ( أمِنَ المنونَ ورَيْبِها تتوجّع ... ) فأنشدته حتى أتيت على آخرها فقال لساقيه يا سبرة اسقه فسقاني ثلاثة أكؤس خثرن ما بين الذؤابة والنعل ثم قال يا مالك غنني ( أَلاَ هل هاجَكَ الأظعانُ ... إذ جاوزْنَ مُطَّلَحا ) ففعل ثم قال له غنني ( جَلاَ أُمَيَّةُ عنِّي كلَّ مظْلَمَةٍ ... سَهْل الحجابِ وأوفى بالذي وَعَدا ) ففعل ثم قال له غنني ( أتَنسى إذ تُوِّدعنا سُلَيْمَى ... بفَرْعِ بَشَامةٍ سُقِيَ البَشَامُ ) ففعل ثم قال ياسبرة أو يا أبا سبرة اسقني بزب فرعون فأتاه بقدح معوج فسقاه به عشرين ثم أتاه الحاجب فقال أصلح الله أمير المؤمنين الرجل الذي طلبت بالباب قال ادخله فدخل شاب لم أر شابا أحسن وجها منه في رجله بعض الفدع فقال يا سبرة اسقه فسقاه كأسا ثم قال له غنني ( وهْي إذ ذاكَ عليها مِئْزَرٌ ... ولها بيتٌ جَوَارٍ من لُعَبْ ) فغناه فنبذ إليه الثوبين ثم قال له غنني ( طاف الخيالُ فَمرْحَبا ... ألفاً برؤية زينَبا ) فغضب معبد وقال يا أمير المومنين إنا مقبلون عليك بأقدارنا وأسناننا وإنك تركتنا بمزجر الكلب وأقبلت على هذا الصبي فقال والله يا أبا عباد ما جهلت قدرك ولا سنك ولكن هذا الغلام طرحني في مثل الطناجير من حرارة غنائه قال حماد الراوية فسألت عن الغلام فقيل لي هو ابن عائشة نسبه ما في هذا الخبر من الأغاني صوت ( جَلاَ أميَّةُ عنِّي كل مظْلِمَةٍ ... سَهْلُ الحجابِ وأَوْفَى بالذي وَعَدَا ) ( إِذا حَلَلْتُ بأرضٍ لا أراكَ بها ... ضاقتْ عليّ ولم أعرفْ بها أحدا ) الغناء لابن عباد الكاتب خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر عمرو بن بانة أنه لعمر الوادي وذكر حبش أن فيه لمالك لحنا من خفيف الثقيل الأول بالوسطى ومنها صوت ( أتَنْسَى إذ تودِّعُنا سُلَيْمَى ... بفَرْعِ بَشامةٍ سُقيَ البَشَامُ ) ( متى كان الخِيَامُ بذي طُلُوحٍ ... سُقِيتِ الغيثَ أيتُها الخِيَامُ ) ( أتَمْضُون الخيامَ ولم نُسلِّم ... كلامُكُم عليّ إِذاً حرامُ ) ( بنفسي مَنْ تجنُّبُه عزيزٌ ... عليّ ومَنْ زيارتُه لِمَامُ ) ( ومن أُمسِي وأُصبِح لا أَراه ... ويَطْرُقُني إذا رَقَدَ النِّيَامُ ) الشعر لجرير والغناء لابن سريج وله في هذه الأبيات ثلاثة الحان أحدهما في الأول والرابع ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق والآخر في الثاني ثم الأول ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو والآخر في الثالث وما بعده رمل بالبنصر عن الهشامي وحبش وللدلال في الثاني والثالث ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق والمكي وللغريض في الأول والثاني والثالث خفيف رمل بالبنصر عن عمرو وفيها لمالك ثقيل أول بالبنصر عن الهشامي ولابن جامع في الأول والثاني والرابع والخامس هزج عن الهشامي وفيها لابن جندب خفيف ثقيل بالبنصر ومنها الصوت الذي أوله في الخبر ( وهي إذ ذاك عليها مِئْزَرٌ ... ) وأوله صوت ( عَهِدَتْنِي ناشئاً ذا غِرَّة ... رَجِلَ الجُمَّةِ ذا بَطْنٍ أقبّ ) ( أتَبعُ الوِلدانَ أُرخِي مِئزَرِي ... ابنَ عَشْرذَا قُرَيْطٍ من ذهبْ ) ( وهي إذ ذاك عليها مئزرٌ ... ولها بيتُ جَوَارٍ من لُعَبْ ) الشعر لامرىء القيس ويقال إنه أول شعر شبب فيه بالنساء والغناء لابن عائشة ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشامي ودنانير وحماد بن إسحاق وفيه خفيف ثقيل بالبنصر ذكر حماد في أخبار جميلة أنه لها وذكر حبش والهشامي أنه لابن سريج وقيل إنه لغيرهما ومنها صوت ( أَلاَ هل هاجكَ الأظعا ... نُ إذ جاوزْن مُطَّلَحَا ) ( نعمْ ولِوَشك بَيْنِهمُ ... جَرى لكَ طائرٌ سُنُحَا ) ( أَخَذْن الماءَ من رَكَك ... وضوءُ الفجر قد وضَحا ) ( يَقُلْنَ مَقِيلُنا قَرْنٌ ... نُباكِرُ ماءَه صُبُحَا ) ( تبعتُهمُ بِطَرْف العي ... ن حتى قيل لي افتضَحا ) ( وهي إذ ذاك عليها مئزرٌ ... ولها بيتُ جَوَارٍ من لُعَبْ ) الشعر لامرىء القيس ويقال إنه أول شعر شبب فيه بالنساء والغناء لابن عائشة ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشامي ودنانير وحماد بن إسحاق وفيه خفيف ثقيل بالبنصر ذكر حماد في أخبار جميلة أنه لها وذكر حبش والهشامي أنه لابن سريج وقيل إنه لغيرهما ومنها صوت ( أَلاَ هل هاجكَ الأظعانُ ... إذ جاوزْن مُطَّلَحَا ) ( نعمْ ولِوَشك بَيْنِهمُ ... جَرى لكَ طائرٌ سُنُحَا ) ( أَخَذْن الماءَ من رَكَك ... وضوءُ الفجر قد وضَحا ) ( يَقُلْنَ مَقِيلُنا قَرْنٌ ... نُباكِرُ ماءه صُبُحَا ) ( تبعتُهمُ بِطَرْف العين ... حتى قيل لي افتضَحا ) ( يودِّع بعضُنا بعضاً ... وكلٌّ بالهوى جُرِحا ) ( فمن يفرَحْ ببينِهمُ ... فغيري إذ غَدَوْا فَرِحَا ) الشعر ترويه الرواة جميعا لعمر بن أبي ربيعة سوى الزبير بن بكار فإنه رواه عن عمه وأهله لجعفر بن الزبير بن العوام وقد ذكر خبره في هذا مع أخباره المذكورة في آخر الكتاب ورواه الزبير إذ جاوزن من طلحا وقال ليس على وجه الأرض موضع يقال له مطلح والغناء لمالك وله فيه لحنان ثقيل أول بالبنصر عن إسحاق وخفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو وفيه لمعبد ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه لابن سريج في الخامس وهو تبعتهم بطرف العين إلى آخر الأبيات ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وفيها للغريض ثان ثقيل بالوسطى عن الهشامي قال وهو الذي فيه استهلال وذكر ابن المكي أن الثقيل الثاني لمالك وخفيف الثقيل للغريض ومنها صوت ( طرَق الخيالُ فَمرْحبَا ... ألفاً برؤية زينبَا ) ( أَنَّي اهتديتَ لِفتْيةٍ ... سَلَكُوا السَّلِيل فعلْيَبَا ) عندما يغني ابن عائشة ينسى الناسك زهده أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة عن محمد بن سلام قال حدثني جرير قال أخذ بعض ولاة المدينة المغنين والمخنثين والسفهاء بلزوم مسجد رسول اللهوكان في المسجد رجل ناسك يكنى أبا جعفر مولى لابن عياش بن أبي ربيعة المخزومي يقرىء الناس القرآن وكان ابن عائشة يلازمه فخلا لابن عائشة يوما الموضع مع أبي جعفر فقرأ له فطرب ورجع فسمع الشيخ صوتا لم يسمع مثله قط فقال له يابن أخي أفسدت نفسك وضيعتها فلو أنك لزمت المسجد وتعلمت القرآن لأقمت للناس في مسجد رسول اللهفي شهر رمضان ولأصبت بذلك من الولاة خير فوالله ما دخل أذني قط صوت أحسن من صوتك فقال ابن عائشة فكيف لو سمعت يا أبا جعفر صوتي في الأمر الذي صنع له قال وما هو قال انطلق معي حتى أسمعكه فخرج معه إلى ميضأة ببقيع الغرقد عند دار المغيرة بن شعبة وكان أبو جعفر يتوضأ عندها كل يوم فاندفع ابن عائشة يغني ( ألآنَ أبصرت الهدى ... وعلا المَشِيبُ مَفَارِقِي ) فبلغ ذلك من الشيخ كل مبلغ وقال يابن أخي هذا حسن وأنا أشتهي أن أسمعه ولكن لا أطلبه ولا أمشي إليه قال ابن عائشة فعلي أن أسمعكه فكان يرصده فإذا خرج أبو جعفر يتوضأ خرج ابن عائشة في أثره حتى يقف خلف جدار الميضأة بحيث يسمع غناءه فيغنيه أصواتا حتى يفرغ أبو جعفر من وضوئه فلم يزل يفعل ذلك حتى أطلقوا من لزوم المسجد نسبه هذا الصوت صوت ( طَرق الخيالُ المُعْترِي ... وَهْنَاً فؤادَ العاشقِ ) ( طَيْفٌ ألمّ فهاجَنِي ... للبَيْنِ أُمَّ مُسَاحِقِ ) ( ألآنَ أبصرتُ الهدى ... وعلا المَشِيبُ مفارقِي ) ( وتركتُ أمر غَوَايتي ... وسلكتُ قصدَ طرائقي ) ( ولقد رضيتُ بعيشنا ... إذ نحن بين حدائِق ) ( وركائبٌ تَهْوِي بنا ... بين الدُّروبِ فدَابقِ ) الشعر للوليد بن يزيد ويقال إنه لابن رهيمة والغناء لابن عائشة رمل بالبنصر عن عمرو وذكره يونس أيضا له في كتابه وفيه لأبي زكار الأعمى خفيف رمل بالوسطى عن عمرو والهشامي وذكر ابن خرداذبه أنه لأبي زكار الأعمى وهو قديم وأنه وجد ذلك في كتاب يونس وفيه لحكم الوادي في كتاب يونس غير مجنس ولا أدري أيها هو وفي هذه الأبيات خفيف ثقيل متنازع فيه نسب إلى معبد وإلى مالك ولم أجده لهما عن ثقة وأظنه لحن حكم الحسن بن الحسن مع ابن عائشة في البغيبغة أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر البوشنجي والحسين بن يحيى الأعور المرداسي قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن سلام عن أبيه قال كان الحسن بن الحسن مكرما لابن عائشة محبا له وكان ابن عائشة منقطعا إليه وكان من أتيه خلق الله وأشده ذهابا بنفسه فسأله الحسن أن يخرج معه إلى البغيبغة فامتنع ابن عائشة من ذلك فأقسم عليه فأبى فدعا بغلمان له حبشان وقال نفيت من أبي لئن لم تسر معي طائعا لتسيرن كارها ونفيت من أبي لئن لم ينفذوا أمري فيك لأقطعن أيديهم فلما رأى ابن عائشة ما ظهر من الحسن علم أنه لابد من الذهاب فقال له بأبي أنت وأمي أنا أمضي معك طائعا لا كارها فأمر الحسن بإصلاح ما يحتاج إليه وركب وأمر لابن عائشة ببغلة فركبها ومضيا حتى صارا إلى البغيبغة فنزلا الشعب وجاءهم ما أعدوا فأكلوا ثم أمر الحسن بأمره وقال يا محمد فقال له لبيك يا سيدي قال غنني فاندفع فغناه صوت ( يدعو النبَّي بعمِّه فيُجِيبُه ... يا خيرَ من يدعو النبيَّ جَلاَلاَ ) ( ذهب الرجالُ فلا أُحِسّ رجالا ... وأرى الإِقامةَ بالعراق ضلالاَ ) ( وأرى المرجِّيَ للعراق وأهله ... ظَمْآنَ هاجِرةٍ يؤمِّل آلاَ ) ( وطَرِبتُ إذ ذكر المدينةَ ذاكرٌ ... يوم الخميس فهاج لي بَلبْالاَ ) ( فَظَلِلْتُ أنظر في السماء كأنني ... أبغي بناحية السماء هلالاَ ) الشعر لابن المولى من قصيدة طويلة قالها وقد قدم إلى العراق لبعض أمره فطال مقامه بها واشتاق إلى بلده وقد ذكر خبره في موضعه من هذا الكتاب والغناء لابن عائشة ثقيل أول بالبنصر عن حماد والهشامي وحبش وقال الهشامي خاصة فيه لحن لقراريط فقال له الحسن أحسنت والله يابن عائشة فقال ابن عائشة والله لا غنيتك في يومي هذا شيئا فقال الحسن فوالله لا برحت البغيبغة ثلاثة أيام فاغتم ابن عائشة ليمينه وندم وعلم أنه لا حيلة له إلا المقام فأقاموا فلما كان اليوم الثاني قال له الحسن هات ما عندك فقد برت يمينك وكانوا جلوسا على شيء مرتفع فنظروا إلى ناقة تقدم جماعة إبل فاندفع ابن عائشة فغنى ( تَمُرّ كجَنْدلة المَنْجنيقِ ... يُرْمى بها السورُ يوم القتالِ ) ( فماذا تُخَطرِف من قَلّة ... ومن حَدَبٍ وإكامٍ توالي ) ( ومن سيرها العَنَقُ المُسْبِطرُّ ... والعَجْرِفيّة بعد الكَلاَلِ ) فقال له الحسن ويلك يا محمد لقد أحسنت الصنعة فسكت ابن عائشة ثم قال له غنني فغناه ( إذا ما انتشيتُ طَرَحْتُ اللِّجامَ ... في شَدْقِ مُنْجَرِدٍ سَلْهَبِ ) ( يبُذّ الجِياد بتَقْريبِهِ ... ويَأْوِي إلى حُضُرٍ مُلْهِبِ ) ( كُمَيْتٌ كَأَنّ على مَتْنِهِ ... سبائكَ من قِطَع المُذْهَبِ ) ( كأنّ القَرَنْفُل والزنجبيل ... يُعَلَّ على رِيقها الأَطيبِ ) فقال له الحسن أحسنت يا محمد فقال له ابن عائشة لكنك بأبي أنت وأمي قد ألجمتني بحجر فما أطيق الكلام فأقاموا باقي يومهم يتحدثون فلما كان اليوم الثالث قال الحسن هذا آخر أيامك يا محمد فقال ابن عائشة عليه وعليه إن غناك إلا صوتا واحدا حتى تنصرف وعليه عليه إن حلفت ألا أبر قسمك ولو في ذهاب روحه فقال له الحسن فلك الأمان على محبتك فاندفع فغناه صوت ( أنعم الله لي بذا الوجهِ عيناً ... وبه مرحباً وأهلاً وسهلاً ) ( حين قالت لا تذكرنّ حديثي ... يابن عمّي أقسمتُ قلتُ أجلْ لا ) ( لا أخون الصديقَ في السرّ حتّى ... يُنقلَ البحرُ بالغرابيل نقلا ) قال ثم انصرف القوم فما رأى الحسن بن الحسن ابن عائشة بعدها نسبة ما لم تمض نسبته في الخبر من هذه الأصوات منها صوت ( تَمُرّ كجَنْدلة المَنْجنيقِ ... يُرْمى بها السورُ يوم القتالِ ) ( فماذا تُخَطرِف من قَلّة ... ومن حَدَبٍ وإكامٍ توالي ) ( ومن سيرها العَنَقُ المُسْبِطرُّ ... والعَجْرِفيّة بعد الكَلاَلِ ) ( ألا يا لَقومِ لِطَيْف الخيالِ ... أرَّق من نازح ذي دَلالِ ) ( يُثَنِّي التحيّة بعد السلا ... م ثمَّ يُفَدِّي بعمَّ وخالِ ) ( خيالٌ لسَلْمَى فقد عاد لِي ... بنُكْسٍ من الحبّ بعد اندمال ) أما الذي قاله الشاعر في هذا الشعر فإنه قال يمر بالياء لأنه وصف به حمارا وحشيا ولكن المغنين جميعا يغنونه بالتاء على لفظ المؤنث وقد وصف في هذه القصيدة الناقة ولم يذكر من صفتها إلا قوله ( ومن سيرها العَنَقُ المُسْبطرّ ... ) ولكن المغنين أخذوا من صفة العير شيئا ومن صفة الناقة شيئا فخلطوهما وغنوا فيهما وقوله ( فماذا تَخَطْرَف من قُلّة ... ) يعني أنه يمر بالموضع المرتفع فيطفره وروي الأصمعي ( فماذا تَخَطْرَف من حالقٍ ... ومن قُلّة وحجابٍ وجال ) فالحالق ما أشرف والحجاب ما حجب عنك ما بين يديك من ألارض والجال حرف الشيء يقال له جال وجول والعنق المسبطر المسترسل السهل والعجرفية التعسف والإسراع يقول إذا كلت وتعبت تعجرفت في السير من بقية نفسها وشدتها وروى الأصمعي فيها ( خَيالٌ لجَعْدةَ قد هاج لِي ... نُكاساً من الحبّ بعد اندمالِ ) يقال نكس ونكاس بمعنى واحد وهو عود المرض بعد الصحة والأندمال الإفاقة من العلة واندمال الجرح برؤه فأما الأبيات التي يصف فيها الناقة فقوله ( فسَلّ الهمومَ بعَيْرانةٍ ... مُواشِكةِ الرَّجْع بعد انتقالِ ) ( ذَمُولٍ تَزِفّ زفيفَ الظَّليم ... شمرّ بالنَّعْفِ وَسْط الرِّئالِ ) ( وتَرْمَدّ هَمْلَجةً زَعْزعاً ... كما انخرط الحبلُ فوق المَحالِ ) ( ومن سيرها العَنَق المُسْبَطِرّ ... والعَجْرفيّةُ بعد الكَلالِ ) ( كأني ورحلي إذا رعتها ... على جمزى جازىٍء بالرمال ) وأما صفة الحمار في هذه القصيدة فقوله فيه وفي الأتن ( فظَلّ يُسوّف أبوالَها ... ويُوفي زيازِيَ حُدْبَ التِّلالِ ) ( فطاف بتعشيره وانتحى ... جَوائَلها وهو كالمُسْتَجالِ ) ( تَهَادى حوافرُها جَنْدَلاً ... زواهقَ ضربَ قُلاتٍ بِقالِ ) ( رمَى بالجَرَامِيزِ عُرْضَ الوَجِينِ ... وارمدّ في الجري بعد انفتال ) ( بشأوٍ له كضَريم الحريقِ ... أو شِقّة البرق في عُرْض خالِ ) ( يمُر كجَنْدلة المَنْجَنيقِ ... يُرْمَى بها السورُ يوم القتالِ ) ( فماذا تَخَطْرف من حالقٍ ... ومن حَدَبٍ وحجابٍ وَجالِ ) الشعر لأمية بن أبي عائذ الهذلي والغناء لابن عائشة ولحن ابن عائشة مشكوك فيه أي الألحان المصنوعة في هذا الشعر هو فيقال إنه خفيف الرمل ويقال إنه هو الثقيل الأول ويقال إنه الرمل فأما خفيف الرمل فهو بالخنصر في مجرى الوسطى وذكره إسحاق في موضع فتوقف عنه ولم ينسبه ونسبه في موضع آخر إلى ابن أبي يزن المكي ونسبه عمرو بن بانة إلى معبد وقال فيه خفيف رمل آخر لمالك وذكره يونس في أغاني ابن أبي يزن المكي ونسبه ولم يجنسه وذكر ابن خرداذبه والهشامي أن فيه لهشام بن المرية لحنا من الثقيل الأول ورأيت ذلك أيضا في بعض الكتب بخط علي بن يحيى المنجم كما ذكرا وذكر إسحاق أن الرمل مطلق في مجرى الوسطى وأنه لابن عائشة وذكر أحمد بن المكي أنه لأبيه وذكر غيره أنه غلط وأن لحن أبيه هو الثقيل الأول والرمل لابن عائشة وقال حبش فيه لابن سريج هزج خفيف بالوسطى ومنها وقد مضى تفسيره في الخبر واقتصر على البيت الأول منه صوت ( إذا ما انتشيتُ طَرحتُ اللِّجامَ ... في شَدْق مُنْجَرِدٍ سَلْهَبِ ) الشعر للنابغة الجعدي والغناء لابن عائشة خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشامي وحماد ومنها الصوت الذي أوله ( أنعَم الله بذا الوجهِ عيناً ... ) وقد جمع مع سائر ما يغنى فيه من القصيدة وهو ( أثْلَ جُودِي على المتيَّم أثْلالا ... تَزِيدي فؤادَه أثْلَ خَبْلاَ ) ( أثْلَ إنّي والراقصات بجَمْع ... يتبارَيْن في الأزِمّة فُتْلا ) ( سابحاتٍ يَقْطعْن من عرفاتٍ ... بين أيدي المَطِيّ حَزْنا وسهلا ) ( والأكفَّ المُطهّراتِ على الرُّكنِ ... لِشُعْثٍ سعَوْا إلى البيت رَجْلا ) ( لا أخون الصديق في السرّ حتّى ... يُنْقلَ البحر بالغرابيل نَقْلا ) ( أو تمورَ الجبالُ مَوْرَ سَحابٍ ... مُرْتَقٍ قد وَعَى من الماء ثِقْلا ) ( أنعم الله لي بذا الوجهَ عيناً ... وبه مرحباً وأهلاً وسهلاً ) ( حين قالت لا تُفْشِيَنّ حديثي ... يابن عمّي أقسمتُ قلتُ أجَلْ لا ) ( فاتقي الله واقبلي العذر منيّ ... وتجافيَ عن بعض ما كان زَلاّ ) ( إن أكن سؤتُكم به فلكِ العُتْبَى ... لَدَنيا وحَقَّ ذاك وقلاّ ) ( لم أُرحِّب بأن سَخِطتِ ولكنْ ... مرحباً أن رضيتِ عنّا وأهلا ) ( إنّ شخصاً رأيتُه ليلة البدر ... عليه ابتنَى الجمالُ وَحَلاّ ) ( جعل الله كلّ أنثى فِداءً ... لكِ بل خدَّها لرجليْكِ نعلا ) ( وجهُكِ الوجهُ لو سألتِ به المزنَ ... من الحسن والجمال استهلاّ ) الشعر للحارث بن خالد املخزومي والغناء لمعبد في الأربعة الأبيات الأول خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو بن بانة لابن هوبر في الأول والثاني ثقيل أول عن إسحاق ولاابن سريج في الأول والثاني والخامس ثقيل أول وآخر بالبنصر أوله استهلال وللغريض في الخامس وما بعده إلى التاسع خفيف ثقيل بالوسطى ولدحمان في التاسع والثالث عشر والرابع عشر خفيف ثقيل أول بالبنصر ولمالك في التاسع إلى آخر الثاني عشر لحن من كتاب يونس ولم يقع إلي من يجنسه ولابن سريج فيها بعينها رمل بالوسطى عن الهشامي وفيها أيضا للغريض خفيف رمل بالبنصر ولابن عائشة في السابع والثامن لحن ذكره حماد عن أبيه ولم يجنسه الوليد بن يزيد يطرب لغنائه أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وإسماعيل بن يونس الشيعي وحبيب بن نصر المهلبي قالوا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن سلام وأخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر والحسين بن يحيى قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن سلام عن أبيه عن شيخ من تنوخ ولم يقل عمر بن شبة في خبره محمد بن سلام عن أبيه ورواه عن محمد عن شيخ من تنوخ قال كنت صاحب ستر الوليد بن يزيد فرأيت ابن عائشة عنده وقد غناه صوت ( إِنِّي رأيتُ صَبِيحةَ النَّفْرِ ... حُوراً نَفَيْنَ عزيمةَ الصبرِ ) ( مثلَ الكواكب في مطالعها ... بعد العشاء أطفْنَ بالبدرِ ) ( وخرجتُ أبغِي الأجْرَ مُحتسباً ... فرجَعتُ مَوْفوراً من الوِزْرِ ) قال إسحاق في خبره والشعر لرجل من قريش والغناء لمالك هكذا في خبر إسحاق وما وجدته ذكره لمالك في جامع أغانيه ووجدته في غناء ابن سريج خفيف رمل بالوسطى عن الهشامي قال فطرب الوليد حتى كفر وألحد وقال يا غلام اسقنا بالسماء الرابعة وكان الغناء يعمل فيه عملا ضل عنه من بعده ثم قال أحسنت والله يا أميري أعد بحق عبد شمس فأعاد ثم قال أحسنت والله يا أميري أعد بحق أمية فأعاد ثم قال أعد بحق فلان أعد بحق فلان حتى بلغ من الملوك نفسه فقال أعد بحياتي فأعاده قال فقام إليه فأكب عليه فلم يبق عضو من أعضائه إلا قبله وأهوى إلى هنه فجعل ابن عائشة يضم فخذية عليه فقال والله العظيم لا تريم حتى أقبله فأبداه له فقبل رأسه ثم نزع ثيابه فألقاها عليه وبقي مجردا إلى أن أتوه بمثلها ووهب له ألف دينار وحمله على بغلة وقال اركبها بأبي أنت وانصرف فقد تركتني على مثل المقلى من حرارة غنائك فركبها على بساطه وانصرف الوليد يكرم المحتاجين من متذوقي الغناء أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن الحسن النخعي قال حدثني محمد بن الحارث بن كليب بن زيد الربعي قال خرج ابن عائشة المدني من عند الوليد بن يزيد وقد غناه ( أبعَدَك مَعْقِلاً أرجو وحِصْناً ... قَد اعْيتِني المَعاقلُ والحُصونُ ) وهي أربعة أبيات هكذا في الخبر ولم يذكر غير هذا البيت منها قال فأطربه فأمر له بثلاثين ألف درهم وبمثل كارة القصار كسوة فبينا ابن عائشة يسير إذ نظر إليه رجل من أهل وادي القرى كان يشتهي الغناء ويشرب النبيذ فدنا من غلامه وقال من هذا الراكب قال ابن عائشة المغني فدنا منه وقال جعلت فداءك أنت ابن عائشة أم المؤمنين قال لا أنا مولى لقريش وعائشة أمي وحسبك هذا فلا عليك أن تكثر قال وما هذا الذي أراه بين يديك من المال والكسوة قال غنيت أمير المؤمنين صوتا فأطربته فكفر وترك الصلاة وأمر لي بهذا المال وهذه الكسوة قال جعلت فداءك فهل تمن علي بأن تسمعني ما أسمعته إياه فقال له ويلك أمثلي يكلم بمثل هذا في الطريق قال فما أصنع قال الحقني بالباب ُ وحرك ابن عائشة بغلة شقراء كانت تحته لينقطع عنه فعدا معه حتى وافيا الباب كفرسي رهان ودخل ابن عائشة فمكث طويلا طمعا في أن يضجر فينصرف فلم يفعل فلما أعياه قال لغلامه أدخله فلما دخل قال له هل ويلك من أين صبك الله علي قال أنا رجل من أهل وادي وادي القرى أشتهي هذا الغناء فقال له هل لك فيما هو أنفع لك منه قال وما ذاك قال مائتا دينار وعشرة أثواب تنصرف بها إلى أهلك فقال له جعلت فداءك والله إن لي لبنية ما في أذنها علم الله حلقة من الورق فضلا عن الذهب وإن لي لزوجة ما عليها يشهد الله قميص ولو أعطيتني جميع ما أمر لك به أمير المؤمنين على هذه الخلة والفقر اللذين عرفتكهما وأضعفت لي ذلك لكان الصوت أعجب إلي وكان ابن عائشة تائها لا يغني إلا لخليفة أو لذي قدر جليل من إخوانه فتعجب ابن عائشة منه ورحمه ودعا بالدواة وكان يغني مرتجلا فغناه الصوت فطرب له طربا شديدا وجعل يحرك رأسه حتى ظن أن عنقه سينقصف ثم خرج من عنده ولم يرزأه شيئا وبلغ الخبر الوليد بن يزيد فسأل ابن عائشة عنه فجعل يغيب عن الحديث ثم جد الوليد به فصدقه عنه وأمر بطلب الرجل فطلب حتى أحضر ووصله صلة سنية وجعله في ندمائه ووكله بالسقي فلم يزل معه حتى مات أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثنا محمد بن سلام قال حدثني عمر بن أبي خليفة قال كان الشعبي مع أبي في أعلى الدار فسمعنا تحتنا غناء حسنا فقال له أبي هل ترى شيئا قال لا فنظرنا فإذا غلام حسن الوجه حديث السن يتغنى ( قالتْ عُبَيْد تَجَرُّماً ... في القول فعلَ المازِح ) فما سمعت غناء كان أحسن منه فإذا هو ابن عائشة فجعل الشعبي يتعجب من غنائه ويقول يؤتي الحكمة من يشاء نسبة هذا الصوت صوت ( قالتْ عُبَيْد تَجَرُّماً ... في القول فعلَ المازِح ) ( أنجِزْ بعَمْرك وعدَنا ... فأظنّ حبَّك فاضحِي ) ( فأجبتُها لو تعلمينَ ... بما تُجِنّ جوانحي ) ( فما أرى لَرَحْمتِنِي ... من حَمْل حُبٍّ فادحِ ) ( ما في البرية لي هوىً ... فاسمعْ مقالة ناصحِ ) ( أشكو إليه جَفاءكم ... إلاّ سلام مُصافِحي ) زعم حبش أن الغناء لابن عائشة خفيف ثقيل بالبنصر ابن عائشة يتصدر المجلس ويغني أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني بعض أهل المدينة قال حدثني من رأى ابن عائشة حاجا وقد دعاه فتية من بني هاشم فأجابهم قال وكنت فيهم فلما دخلنا جعلوا صدر المجلس لابن عائشة فجلس فتحدثوا حتى حضر الطعام فلما طعموا دعا بشراب فشربوا وكان ابن عائشة إذا سئل أن يغني أبى ذلك وغضب فإذا تحدث القوم بحديث ومضى فيه شعر قد غني فيه ابتدأ هو فغناه فكان من فطن له يفعل ذلك به فقال رجل منهم حدثني اليوم رجل من الأعراب ممن كان يصاحب جميلا بحديث عجيب فقال القوم و ما هو فقال حدثني أن جميلا بينما هو يحدثه كما كان يحدثه إذ أنكره ورأى منه غير ما كان يرى فثار نافرا مقشعر الشعر متغير اللون الى ناقلة له مجتمعة قريبة من الارض موثقة الخلق فشد عليها رحله ثم أتاها بمحلب فيه لبن فشربته ثم ثنى فشربت حتى رويت ثم قال اشدد أداة رحلك واشرب واسق جملك فإني ذاهب بك إلى بعض مذاهبي ففعلت فجال في ظهر ناقته وركبت ناقتي فسرنا بياض يومنا وسواد ليلتنا ثم أصبحنا فسرنا يومنا لا والله ما نزلنا إلا للصلاة فلما=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج34وج35وج36..كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني

  ج34وج35وج36..كتاب:الأغاني لأبي  الفرج الأصفهاني   إن قبر ذي الرمة بأطراف عناق من وسط الدهناء مقابل الأواعس وهي أجبل شوارع يقابلن الصري...