ج22و23و24.كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني
أخبار ابن الغريزة ونسبه كثير بن الغريزة التميمي أحد بني نهشل والغريزة
أمه وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام وقال الشعر فيهما وهذا الشعر يقوله ابن
الغريزة في غزاة غزاها الأقرع بن حابس وأخوه بالطالقان وجوزجان وتلك البلاد فأصيب
من أصحابه قوم بالطالقان فرثاهم ابن الغريزة قصيدته في يوم الطالقان أخبرني الصولي
عن الحزنبل عن ابن أبي عمرو الشيباني عن أبيه قال بعث عمر بن الخطاب الأقرع بن
حابس وأخاه على جيش إلى الطالقان وجوزجان وتلك البلاد فأصيب من أصحابه قوم
بالطالقان فقال ابن الغريزة النهشلي وقد شهد تلك الوقعة يرثيهم ويذكر ذلك اليوم ( سَقَى
مُزْنُ السَّحَابِ إذا اسْتهلّتْ ... مَصَارِعَ فِتْيةٍ بالجُوزَجانِ ) ( إلى
القَصْرَيْنِ من رُسْتاق خُوطٍ ... أبادَهُمُ هناكَ الأَقْرَعانِ ) ( وما
بي أنْ أكونَ جَزِعْتُ إلاّ ... حنينَ القلبِ للبَرْقِ اليَمَانِي ) ( ومَحْبُورٍ
بِرُؤْيَتِنا يُرَجِّي اللقاءَ ... ولن أَراه ولن يَرَانِي ) ( ورُبَّ
أخٍ أصاب الموتُ قَبْلي ... بَكَيْتُ ولو نُعِيتُ له بَكَانِي ) ( دعاني
دعوةً والخيلُ تَرْدِي ... فمَا أدْرِي أبِاسْمِي أمْ كَنَانِي ) ( فكان
إجابَتي إيَّاهُ أنِّي ... عَطَفْتُ عليه خَوَّارَ العِنَانِ ) ( وأيَّ
فَتًى دَعَوْتَ وقد تَوَلَّتْ ... بهنّ الخيلُ ذاتُ العنظوان ) ( وأيَّ
فَتًى إذا ما مُتُّ تدعُو ... يُطَرّفُ عنكَ غاشيةَ السِّنانِ ) ( فإنْ
أَهْلِكْ فلم أَكُ ذا صُدُوفٍ ... عن الأَقْرانِ في الحَرْبِ العَوَانِ ) ( ولم
أُدلِجُ لأَطْرُقَ عِرْسَ جاري ... ولم أجْعَلْ على قَوْمِي لِسَاني ) ( ولكنِّي
إذا ما هَايَجُونِي ... مَنِيعُ الجارِ مُرْتَفِعُ البَنَانِ ) ( ويَكْرَهُني
إذا اسْتَبْسَلْتُ قِرْني ... وأَقضِي واحداً ما قد قضاني ) ( فلا
تَسْتَبْعِدَا يَوْمِي فإنِّي ... سأُوشِكُ مَرّةً أنْ تَفْقِداني ) ( ويُدْركُني
الَّذي لا بُدَّ منه ... وإنْ أشْفقْتُ من خوفِ الجَنَانِ ) ( وتَبْكِيني
نوائحُ مُعْوَلاتٌ ... تُركْنَ بدار مُعْتَرَكِ الزَّمان ) ( حَبَائسُ
بالعراقِ مُنَهْنَهاتٌ ... سَوَاجي الطَّرْفِ كالبَقَرِ الهِجَانِ )
( أَعاذِلَتَيَّ مِنْ لَوْمٍ دَعَاني
... وللرَّشَدِ المُبَيَّنِ فَاهْدِياني ) ( وعَاذِلَتَيَّ
صَوْتُكما قريبٌ ... ونَفْعُكُما بعيدُ الخَيْرِ وانِي ) ( فَرُدّا
الموت عنِّي إن أتاني ... ولاَ وأبِيكُما لا تَفْعَلانِ ) صوت
( دارٌ لقاتلةِ الغَرانِق ما بها ... غيرُ الوُحوشِ خلتْ له وخلاَ لهَا ) ( ظَلَّتْ
تُسائل بالمُتَيَّمِ ما به ... وهِيَ الّتي فعلتْ به أفعالَها ) الشعر
لأعشى بني تغلب من قصيدة يمدح بها مسلمة بن عبد الملك ويهجو جريرا ويعين الأخطل
عليه ويروى ربع لقانصة الغرانق وهو الصحيح هكذا ويغنى دار لقاتلة لأنه يقول في آخر
البيت خلت له وخلا لها والغناء لعبد الله بن العباس ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو بن
بانة وابن المكي وفيه لمخارق رمل من جميع أغانيه أخبار أعشى بني تغلب ونسبه قال
أبو عمرو الشيباني اسمه ربيعة وقال ابن حبيب اسمه النعمان بن يحيى بن معاوية أحد
بني معاوية بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى
بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار شاعر من شعراء الدولة الأموية وساكني
الشأم إذا حضر وإذا بدا نزل في بلاد قومه بنواحي الموصل وديار ربيعة وكان نصرانيا
وعلى ذلك مات خبره مع الحر بن يوسف أخبرني علي بن سليمان الأخفش عن أبي سعيد
السكري قال حدثنا محمد بن حبيب عن أبي عمرو الشيباني قال كان أعشى بني تغلب ينادم
الحر بن يوسف بن يحيى بن الحكم فشربا يوما في بستان له بالموصل فسكر الأعشى فنام
في البستان ودعا الحر بجواريه فدخلن عليه قبته واستيقظ الأعشى فأقبل ليدخل القبة
فمانعه الخدم ودافعهم حتى كاد أن يهجم على الحر مع جواريه فلطمه خصي منهم فخرج إلى
قومه فقال لهم لطمني الحر فوثب معه رجل من بني تغلب يقال له ابن أدعج وهو شهاب بن
همام بن ثعلبة بن أبي سعد فاقتحما الحائط وهجما على الحر حتى لطمه الأعشى ثم رجعا فقال
الأعشى ( كأنِّي وابنَ أدْعَجَ إذ دَخَلْنا
... على قُرَشِيِّكَ الوَرَعِ الجَبَانِ ) ( هِزَبْرَا
غَابةٍ وَقَصَا حِماراً ... فَظلاَّ حَوْلَه يَتَناهشان ) ( أنا
الجُشَمِيُّ من جُشَمَ بنِ بَكْرٍ ... عَشِيَّةَ رُعْتُ طَرْفَكَ بالبَنَانِ ) أي
لطمتك وقوله أنا الجشمي أي مثلي يفعل ذلك بمثلك ( فما
يسطيع ذو مُلْكٍ عِقَابِي ... إذا اجتَرمتْ يَدِي وجَنَى لِسَانِي ) ( عَشِيَّةَ
غاب عنك بنو هشامٍ ... وعثمانُ اسْتُها وبنو أَبَانِ ) ( تَرُوحُ
إلى مَنَازِلها قُرَيْشٌ ... وأنت مُخَيِّمٌ بالزَّرَّقان ) والزرقان
قرية كانت للحر بسنجار مدح وأسيء ثوابه قال ابن حبيب مدح أعشى بني تغلب مدرك بن
عبد الله الكناني أحد بني أقيشر بن جذيمة بن كعب فأساء ثوابه فقال الأعشى ( لَعَمْرُكَ
إنّي يَوْمَ أمْدَحُ مُدْرِكاً ... لَكَالْمُبْتَني حَوْضاً على غيرِ مَنْهَلِ ) ( أمَرَّ
الهَوَى دُوني وفَيَّلَ مِدْحَتِي ... ولَوْ لكَريمٍ قُلْتُها لم تُفَيَّلِ ) قال
ابن حبيب كان شمعلة بن عامر بن عمرو بن بكر أخو بني فائد وهم رهط الفرس نصرانيا
وكان ظريفا فدخل على بعض خلفاء بني أمية فقال أسلم يا شمعلة قال لا والله أسلم
كارها أبدا ولا أسلم إلا طائعا إذا شئت فغضب فأمر به فقطعت بضعة من فخذه وشويت
بالنار وأطعمها فقال أعشى بني تغلب في ذلك ( أمِنْ
خُذَّةٍ بالفَخْذ منك تباشرتْ ... عُدَاكَ فلا عارٌ عليك ولا وزْرُ ) ( وإنّ
أميرَ المؤمنين وجَرْحَه ... لَكَا لدَّهْرِ لا عارٌ بما فعل الدهرُ ) وقال
ابن حبيبَ قال أبو عمرو كان الوليد بن عبد الملك محسنا إلى أعشى بني تغلب فلما ولي
عمر بن عبد العزيز الخلافة وفد إليه ومدحه فلم يعطه شيئا وقال ما أرى للشعراء في
بيت المال حقا ولو كان لهم فيه حق لماكان لك لأنك امرؤ نصراني فانصرف الأعشى وهو
يقول ( لَعَمْرِي لقد عاش الوليدُ حياتَه
... إمامَ هُدًى لا مُسْتزادٌ ولا نَزْرُ ) ( كأنّ
بني مَرْوانَ بعدَ وفاته ... جلاميدُ لا تَنْدَى وإنْ بَلَّها القَطْرُ ) وقال
ابن حبيب عن أبي عمرو كانت بين بني شيبان وبين تغلب حروب فعاون مالك بن مسمع بني
شيبان في بعضها ثم قعد عنهم فقال أعشى بني تغلب في ذلك ( بني
أُمِّنا مَهْلاً فإنّ نفوسَنا ... تُمِيتُ عليكم عَتْبَها ومَصَالَها ) ( وترعَى
بلا جهلٍ قَرَابةَ بَيْنِنا ... وبَيْنِكُمُ لَمّا قَطَعْتُمْ وِصَالَها ) ( جزى
اللهُ شيباناً وتَيْماً مَلاَمةً ... جزاءَ المُسِيءِ سَعْيَها وفِعَالَها ) ( أبَا
مِسْمَعٍ مَنْ تُنْكِرِ الحقَّ نَفْسُه ... وتَعْجِزْ عن المعروفِ يَعْرِفْ
ضَلاَلَها ) ( أأوقدتَ نارَ الحرب حتّى إذا بَدَا
... لنفسِكَ ما تجني الحروبُ فهالَها ) ( نَزَعْتَ
وقد جَرّدْتَها ذاتَ مَنْظَرٍ ... قَبِيحٍ مُهِينٍ حيثُ ألقتْ حِلاَلَها ) ( ألَسْنا
إذا ما الحربُ شَبَّ سعيرُها ... وكان صَفِيحُ المَشْرَفيِّ صلاَلَها ) ( أجارتنا
حِلٌّ لكم أنْ تَنَاولوا ... مَحَارِمَها وأن تَمِيزُوا حَلاَلَها ) ( كذبتم
يَمِينُ اللهِ حتى تَعاوَرُوا ... صُدورَ العوالي بيننا وَنِصَالَها ) ( وحتى
ترى عينُ الذي كان شامتاً ... مَزَاحِفَ عَقْرَى بيننا ومَجالها ) صوت
( ويَفْرَحُ بالمولود من آل بَرْمَكٍ ... بُغَاةُ النَّدَى والرُّمْحِ والسَّيْفِ
والنَّصْلِ ) ( وتَنْبَسِطُ الآمالُ فيه لِفَضْلِه
... ولا سِيَّمَا إنْ كان من وَلَدِ الفَضْلِ ) الشعر
لأبي النضير والغناء لإسحاق ثقيل أول بالبنصر عن عمرو بن بانة من مجموع اسحاق وقال
حبش فيه لإبراهيم الموصلي ثقيل أول بالبنصر عن عمرو بن بانة من مجموع إسحاق وقال
حبش فيه لابراهيم الموصلي ثقيل آخر بالوسطى ولقضيب وبراقش جاريتي يحيى بن خالد فيه
لحنان أخبار أبي النضير ونسبه أبو النضير اسمه عمر بن عبد الملك بصري مولى لبني جمح
أخبرنا بذلك عمي عن ابن مهرويه عن إسحاق بن محمد النخعي عن إسحاق بن خلف الشاعر
قال قلت لأبي النضير بن أبي الياس لمن أنت فقال لبني جمح وذكر أبو يحيى اللاحقي أن
اسمه الفضل بن عبد الملك شاعر من شعراء البصريين صالح المذهب ليس من المعدودين
المتقدمين ولا من المولدين الساقطين وكان يغني بالبصرة على جوار له مولدات ويظهر
الخلاعة والمجون والفسق ويعاشر جماعة ممن يعرف بذلك الشأن وكان أبان اللاحقي
يعاشره ثم تصارما وهجاه وهجا جواريه وافترقا على قلى ثم انقطع أبو النضير إلى
البرامكة فأغنوه إلى أن مات اسحاق الموصلي يشهد على ظرفه أخبرنا ابن أبي الأزهر عن
حماد بن إسحاق قال سمعت أبي يقول لو قيل لي من أظرف من رأيته قط أو عاشرته لقلت
أبو النضير أخبرني عيسى الوراق عن الفضل اليزيدي عن إسحاق وأخبرني محمد بن مزيد عن
حماد عن أبيه قال ولد للفضل بن يحيى مولود فوفد عليه أبو النضير ولم يكن عرف الخبر
فيعد له تهنئة فلما مثل بين يديه ورأى الناس يهنئونه نثرا ونظما قال ارتجالا ( ويَفْرحُ
بالمولودِ من آلِ بَرْمَكٍ ... بُغَاةُ النَّدَى والسَّيْف والرُّمْحِ والنَّصْلِ ) ( وتَنْبَسِطُ
الآمالُ فيه لِفَضْلِه ... ) ثم
أرتج عليه فلم يدر ما يقول فقال الفضل يلقنه ( ولا
سِيَّمَا إنْ كان من وَلَدِ الفَضْلِ ... ) فاستحسن
الناس بديهة الفضل في هذا وأمر لأبي النضير بصلة وأخبرني حبيب بن نصر عن هارون بن
محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني بعض الموالي قال حضرت الفضل بن يحيى وقد قال
لأبي النضير يا أبا النضير أنت القائل فينا ( إذا
كنتُ من بَغْدادَ في رَأْسِ فَرْسَخ ... وجدتُ نسيمَ الجُودِ من آل بَرْمَكِ ) لقد
ضيقت علينا جدا قال أفلأجل ذلك أيها الأمير ضاقت علي صلتك وضاقت عني مكافأتك وأنا
الذي أقول ( تشاغلَ النّاسُ ببُنْيانِهِمْ ...
والفضلُ في بُنْيانه جَاهِدُ ) ( كلُّ
ذوي الفَضْلِ وأهلِ النُّهَى ... للفَضْلِ في تدبيره حامدُ ) وعلى
ذلك فما قلت البيت الأول كما بلغ الأمير وإنما قلت ( إذا
كنتُ من بَغْدادَ مُنْقَطِعَ الثَّرَى ... وجدتُ نسيمَ الجُودِ من آل برمك ) فقال
الفضل إنما أخرت عنك لأمازحك وأمر له بثلاثين ألف درهم خبره مع عنان الجارية
أخبرني ابن عمار عن أبي إسحاق الطلحي عن أبي سهيل قال كان أبو النضير يهوى عنان
جارية الناطفي وكتب إليها ( إنَّ
لي حاجةً فرَأْيَكِ فيها ... لَكِ نفسي الفِدَا مِنَ الأوصاب ) ( وهْيَ
ليستْ ممّا يُبَلِّغُه غيرِي ... ولا أستطيعُه بكتابِ ) ( غيرَ
أنِّي أقولُها حين ألقاكِ ... رُوَيْداً أُسِرُّها من ثِيابي ) فأجابته
وقالت ( أنا مشغولةٌ بمَنْ لستُ أهْوَاهُ
... وقلبي مِنْ دونِه في حِجَابِ ) ( فإذا
ما أردتَ أَمْراً فأسْرِرْهُ ... ولا تجعلنَّه في كتاب ) قال
وقال أبو النضير فيها صوت ( أنا واللهِ أهْوَاكِ ... وأهواكِ وأهواكِ ) ( وأهوَى
قُبْلةً مِنْكِ ... على بَرْدِ ثَنَاياك ) ( وأهوَى
لكِ ما أهْوَى ... لِنَفْسِي وكَفَى ذاكِ ) ( فهَلْ
يَنْفَعُني ذلِكِ ... يوماً حين ألقاكِ ) ( أنا
والله أهواك ... وما يَشْعُرُ مولاك ) ( فإيّاك
بأنْ يَعْلَمَ ... إيّاكِ وإيّاكِ ) فيه
لعلي بن المارقي رمل بالبنصر عن الهشامي حدثنا ابن عمار عن الطلحي عن أبي سهيل قال
كان أبو النضير يغني غناء صالحا فغنى ذات يوم صوتا كان استفاده ببغداد فقالت له
قينة كانت ببغداد يقال لها مكتومة اطرح علي هذا الصوت يا أبا النضير فقال لا تطيب
نفسي به محابيا ولكني أبيعك إياه قالت بكم قال برأس ماله قالت وما رأس ماله قال
ناكني فيه الذي أخذته منه فغطت وجهها وقالت عليك وعلى هذا الصوت الدمار أخبرني ابن
عمار عن الطلحي عن أبي سهيل قال قال أبو النضير وفيه غناء لإبراهيم صوت ( أيصحو
فُؤادُكَ أمْ يَطْرَبُ ... وكيف وقد شَحَطتْ زينبُ ) ( جرى
الناسُ قبل أبي جعفرٍ ... زماناً فلم يُدْرَ مَنْ غَلَّبُوا ) ( فلمَّا
جرى بأبي جعفرٍ ... بنو تَغْلِبٍ سَبَقتْ تَغْلِبُ ) قال
أبو سهيل وأبو جعفر الذي عناه أبو النضير هو عبد الله بن هشام بن عمرو التغلبي
الذي يذكره العتابي في شعره ورسائله وكان جوادا سخيا وكان ابن هشام ولي السند وفيه
يقول أبو النضير ( ألاَ
أيُّها الغيثُ الّذي سحَّ وَبْلُه ... كأنّك تَحْكِي راحةَ ابنِ هشامِ ) ( كأنّك
تَحْكِيها ولكنّ جُودَه ... يدومُ وقد تأتي بغير دوامِ ) ( وفيك
جَهَامٌ ربَّما كان مُخْلِفاً ... وراحتُه تَغدُو بغير جَهَامِ ) خالفه
ابراهيم الموصلي في قوله ان الغناء على تقطيع العروض أخبرني ابن عمار عن الطلحي عن
أبي سهيل قال كان أبو النضير يزعم أن الغناء على تقطيع العروض ويقول هكذا كان
الذين مضوا يقولون وكان مستهزئا بالغناء حتى تعاطى أن يغني وكان ابراهيم الموصلي يخالفه
في ذلك ويقول العروض محدث والغناء قبله بزمان فقال إسحاق بن إبراهيم ينصر أباه ( سَكَتُّ
عن الغِناء فلا أُمَارِي ... بَصِيراً لاَ ولا غيرَ البصيرِ ) ( مخافةَ
أنْ أُجَنِّنَ فيه نَفْسِي ... كما قد جُنَّ فيه أبو النَّضِيرِ ) أخبرني
الحسن بن علي عن ابن مهرويه قال حدثني أبو طلحة الخزاعي عن اللاحقي قال كان جدي
أبان يشرب مع إخوان له على شاطىء دجلة بعد مصارمته أبا النضير وكان القوم أصدقاء
له ولأبي النضير فذكروه فقال جدي إن حضر انصرفت فأمسكوا فقال جدي فيه ( رُبَّ
يومٍ بشَطِّ دِجْلةَ لَذٍّ ... ولَيَالٍ نَعِمتُ فِيها لِذَاذِ ) ( غَيْبةٌ
لم تَطُلْ عليّ وماذا ... خيرُ قُرْبِ المُطَرْمِذِ المَلاَّذِ ) ( تركَ
الأشْرِباتِ ليس بعَاطٍ ... لِرَساطُوِنها ولا الرّاقياذ ) ( وحكَى
الأحْمَقَ الذي ليس يَدْرِي ... أنَّ خيرَ الشرابِ هذا اللذاذ ) ( ضَلَّ
رَأْيٌّ أَراِه ذاك كما ضَلّ ... غُوَاةٌ لاذُوا بشَرِّ مَلاَذِ ) ( أنت
أعْمَى فيما ادَّعَيْتَ كما لَسْتَ ... لِصَوْغِ الألحانِ بالأُسْتاذ ) ( كان
ذنباً أتوبُ منه إلى الله ... اختيارِيكَ صاحباً وأتِّخاذي ) ( إنّ
للهِ صومَ شَهْرَيْنِ شُكْراً ... أنْ قَضَى منك عاجلاً إنْقَاذي ) ( لا
لِدينٍ ولا لِدُنْيَا ولا يَصْلُحُ ... في علم ما ادَّعَى بنَفَاذِ ) حدثني
ابن عمار عن الطلحي عن أبي سهيل قال كتب أبو النضير الى حماد عجرد يسأل عن حاله في
الشراب وشربه إياه ومن يعاشر عليه فكتب إليه حماد ( أبَا
النَّضِيرِ اسْمَعْ كَلامِي ولا ... تَجْعَلْ سوَى الإِنصافِ من بالكا ) ( سألتَ
عن حالي وما حالُ مَنْ ... لم يَلْقَ إلاّ عابداً ناسكا ) ( يُظْهِرُ
لي ذا فمتى يَفْتَرضْ ... شيئاً تِجِدْه عادياً فاتكا ) يعني
حريث بن عمرو وكان حماد نزل عليه وكان حريث هذا مشهورا بالزندقة وكذلك حماد هذا
كان مشهورا بها فنزل عليه لذلك أخبرني الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن أبي طلحة
الخزاعي عن أبي يحيى اللاحقي قال كتب أبو النضير إلى عمي حمدان بن أبان وكان له
صديقا يشكو إليه عمر بن يحيى الزيادي وكان عربد عليه وشتمه ( أَقْرِ
حمْدانَ سلامَ اللّهِ ... مِن فَضْلٍ وقُلْ لَهْ ) ( يا
فَتًى لستُ بحمدِ اللّهِ ... أَخْشَى أنْ أَمَلَّهْ ) ( ذاك
أنّ اللهَ قد أنْهَله ... الظَّرْفَ وعَلَّهْ ) ( وذُرَا
بيت رَقَاشٍ ... وعُلاَها قد أحَلَّهْ ) ( إنّ
شَتْمَ السِّفلَةِ الكَشخان ... ذي القَرْنَيْنِ ضَلَّهْ ) ( ولَو
أنّ القلبَ هاجَى ... عُمَراً يوماً لَغَلَّهْ ) ( ذاك
أنّ الله قد أخزى ... ابنَ يحيى وأذَلَّهْ ) ( مَنْ
يُهاجِي رَجُلاً يَسْتوعِبُ ... الجُرْدانَ كُلَّهْ ) ( ما
يسيلُ الأَيْرُ إلاّ ... أدخلَ الأَيْرَ وبَلَّهْ ) ( وإذا
عايَنَ أَيْراً ... وَافِيَ الفَيْشَةِ غَلَّهْ ) ( هذه
قِصَّةُ مَنْ قد ... جعَل المُرْدانَ شُغْلَهْ ) شعره
في طليقته حدثني عمى عن أبي العيناء عن أبي النضير قال دخلت على الفضل بن الربيع
فقال هل أحدثت بعدي شيئا قلت نعم قلت أبياتا في امرأة تزوجتها وطلقتها لغير علة
إلا بغضي لها وإنها لبيضاء بضة كأنها سبيكة فضة فقال لي وما قلت فيها فقلت قلت ( رَحَلتْ
سُكَيْنةُ بالطَّلاَقِ ... فأَرَحْتُ من غُلِّ الوَثاقِ ) ( رحلتْ
فَلَمْ تَأْلَمْ لها ... نَفْسي ولم تَدْمَعْ مَآقِي ) ( لو
لَمْ تَبِنْ بطَلاَقِها ... لأبنتُ نفسي بالإِباقِ ) ( وشِفاءُ
ما لا تَشْتَهِيهِ ... النَّفْسُ تعجيلُ الفِرَاقِ ) فقال
يا غلام الدواة والقرطاس فأتي بهما فأمرني فكتبت له الأبيات ثم قلت له أنت والله
تبغض بنت أبي العباس الطوسي فقال اسكت أخزاك الله ثم ما لبث أن طلقها صوت ( ما
بالُ عَيْنِكَ جائلاً أقذاؤها ... شَرِقتْ بعَبْرَتِها وطال بُكاؤها ) ( ذكرتْ
عَشِيرتَها وفُرْقةَ بَيْنِها ... فطوتْ لذلك غُلَّةً أحشاؤها ) الشعر
لعبد الله بن عمر العبلي والغناء لأبي سعيد مولى فائد رمل مطلق في مجرى الوسطى عن
ابن المكي وذكره إسحاق في هذه الطريقة ولم ينسبه إلى أحد وقيل إنه من منحول يحيى
الى أبي سعيد أخبار العبلي ونسبه اسمه عبد الله بن عمر بن عبد الله بن علي بن عدي
بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف ويكنى أبا عدي شاعر مجيد من شعراء
قريش ومن مخضرمي الدولتين وله أخبار مع بني أمية وبني هاشم تذكر في غير هذا الموضع
ويقال له عبد الله بن عمر العبلي وليس منهم لأن العبلات من ولد أمية الأصغر بن عبد
شمس سموا بذلك لأن أمهم عبلة بنت عبيد بن حارك بن قيس بن مالك بن حنظلة بن مالك بن
زيد مناة بن تميم وهؤلاء يقال لهم براجم بني تميم ولدت لعبد شمس بن عبد مناف أمية
الأصغر وعبد أمية ونوفلا وأمه من بني عبد شمس فهؤلاء يقال لهم العبلات ولهم جميعا
عقب أما أمية الأصغر فإنهم بالحجاز وهم بنو الحارث بن أمية منهم علي بن عبد الله
بن الحارث ومنهم الثريا صاحبة ابن أبي ربيعة وأما بنو نوفل وعبد أمية فإنهم بالشام
كثير وعبد العزى بن عبد شمس كان يقال له أسد البطحاء وإنما أدخلهم الناس في
العبلات لما صار الأمر لبني أمية الأكبر وسادوا وعظم شأنهم في الجاهلية والإسلام
وكثر أشرافهم فجعل سائر بني عبد شمس من لا يعلم قبيلة واحدة فسموهم أمية الصغرى ثم
قيل لهم العبلات لشهرة الاسم وعلي بن عدي جد هذا الشاعر شهد مع عائشة يوم الجمل وله
يقول شاعر بني ضبة لعنة الله عليه ( يا
رَبِّ اكْبُبْ بِعَليٍّ جَمَلَهْ ... ولا تُبَارِكْ في بعيرٍ حَمَلَهْ ) ( إِلاَّ
عليَّ بن عَدِيٍّ ليس له ... ) ميله
إلى بني هاشم حرمه من عطاء الخلفاء فأما عبد الله بن عمر هذا الشاعر فكان في أيام
بني أمية يميل إلى بني هاشم ويذم بني أمية ولم يكن منهم إليه صنع جميل فسلم بذلك
في أيام بني العباس ثم خرج على المنصور في أيامه مع محمد بن عبد الله بن الحسن أخبرني
الحسن بن علي عن أحمد بن زهير عن مصعب الزبيري قال العبلي عبد الله بن عمر بن عبد
الله بن علي بن عدي بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس ويكنى أبا عدي وله أخبار
كثيرة مع بني هاشم وبني أمية وقسم هشام بن عبد الملك أموالا وأجاز بجوائز فلم يعطه
شيئا فقال ( خَسَّ حَظِّي أنْ كنتُ من عبد شمسٍ
... ليتنِي كنتُ من بني مَخْزُومِ ) ( فأفوزَ
الغداةَ منهم بسَهْمٍ ... وأبِيعَ الأبَ الشريفَ بلُومِ ) فلما
استخلف المنصور كتب إلى السري بن عبد الله أن يوجه به إليه ففعل فلما قدم عليه قال
له أنشدني ما قلت في قومك فاستعفاه فقال لا أعفيك فقال أعطني الأمان فأعطاه فأنشده
( ما بال عَنْك جائلاً أقذاؤها ... شَرِقتْ
بعَبْرَتِها فطال بُكاؤها ) حتى
انتهى إلى قوله ( فبنو
أمَيّةَ خيرُ مَنْ وَطِىء الحَصَى ... شَرَفاً وأفضلُ ساسةٍ أمراؤها ) فقال
له اخرج عني لا قرب الله دارك فخرج حتى قدم المدينة فألفى محمد بن عبد الله بن حسن
قد خرج فبايعه مدح السفاح فأكرمه أخبرني عمي الكراني عن العمري عن العتبي عن أبيه
قال كان أبو عدي الذي يقال له العبلي مجفوا في أيام بني مروان وكان منقطعا إلى بني
هاشم فلما أفضت الدولة اليهم لم يبقوا على أحد من بني أمية وكان الأمر في قتلهم
جدا إلا من هرب وطار على وجهه فخاف أبو عدي أن يقع به مكروه في تلك الفورة فتوارى
وأخذ داود بن علي حرمه وماله فهرب حتى أتى أبا العباس السفاح فدخل عليه في غمار
الناس متنكرا وجلس حجرة حتى تقوض القوم وتفرقوا وبقي أبو العباس مع خاصته فوثب
إليه أبو عدي فوقف بين يديه وقال ( أَلاَ
قُلْ للمَنَازل بالسِّتَارِ ... سُقِيتِ الغَيْثَ من دِمَنٍ قِفَار ) ( فهل
لك بَعْدَنا عِلْمٌ بِسَلْمَى ... وأتْرَابٍ لها شبهِ الصِّوار ) ( أوانِسُ
لا عَوَابِسُ جافياتٌ ... عن الخُلُق الجميلِ ولا عَوَارِي ) ( وفيهنّ
ابنةُ القُصَويِّ سَلْمَى ... كَهَمِّ النَّفْسِ مُفْعَمةُ الإزَار ) ( تلوثُ
خِمَارَها بِأحَمَّ جَعْدٍ ... تُضِلُّ الفَالِياتُ به المَدَارِي ) ( بَرَهْرَهَةٌ
مُنَعّمةٌ نَمَتْهَا ... أُبُوَّتُها إلى الحَسَبِ النُّضَارِ ) ( فدَعْ
ذِكرَ الشبابِ وعهدَ سَلْمَى ... فما لَكَ منهما غيرُ ادِّكار ) ( وأَهْدِ
لهاشمٍ غُرَرَ القَوَافِي ... تَنَخَّلُها بعلمٍ وأخْتِيَارِ ) ( لَعَمْرُكَ
إِنَّني ولُزومَ نَجْدٍ ... ولا ألْقَى حِبَاءَ بني الخِيارِ ) ( لَكَالْبَادِي
لأبْرَدَ مُسْتَهِلٍّ ... بِحَوْباء كبطن العَيْر عار ) ( سأرْحَلُ
رِحْلةً فيها اعتزامٌ ... وجِدٌّ في رَوَاحٍ وابْتِكَارِ ) ( إلى
أهل الرسول غَدَتْ برَحْلِي ... عُذَافِرةٌ تَرَامَى بالصَّحَارِي ) ( تَؤُمُّ
المَعْشَرَ الأَبرَارَ تبغِي ... فَكَاكَاً للنّساء من الإِسار ) ( أيا
أهلَ الرسولِ وصِيدَ فِهْرٍ ... وخيرَ الواقفين على الجِمَارِ ) ( أتُؤْخَذ
نِسْوتي ويُحَازُ مالِي ... وقد جاهرتُ لو أَغْنَى جِهَارِي ) ( واذْعَرُ
أن دُعِيتُ لعبد شَمْسٍ ... وقد أمسكتُ بالحَرَمِ الصَّوَارِي ) ( بنُصْرَةِ
هاشمٍ شَهَّرتُ نفسي ... بداري للعِدَا وبغير داري ) ( بقُرْبَى
هاشمٍ وبحقِّ صِهْرٍ ... لأحمدَ لفَّه طِيبُ النِّجارِ ) ( ومنزلُ
هاشم من عبد شمسٍ ... مكانَ الجِيدِ من عُلْيَا الفَقَارِ ) فقال
له السفاح من أنت فانتسب له فقال له حق لعمري أعرفه قديما ومودة لا أجحدها وكتب له
إلى داود بن علي بإطلاق من حبسه من أهله ورد أمواله عليه وإكرامه وأمر له بنفقة
تبلغه المدينة عبد الله بن حسن يحسن وفادته وإكرامه أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد
الهمداني قال حدثنا يحيى بن الحسن العلوي عن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله
بن حسن قال حدثني أبي قال قال سعيد بن عقبة الجهني إني لعند عبد الله بن الحسن إذ
أتاه آت فقال له هذا رجل يدعوك فخرجت فإذا أنا بأبي عدي الأموي الشاعر فقال أعلم
أبا محمد فخرج إليه عبد الله بن حسن وابناه وقد ظهرت المسودة وهم خائفون فأمر له
عبد الله بن حسن بأربعمائة دينار وابناه بينهما بأربعمائة دينار وهند بنت أبي عبيدة
أمهما بمائتي دينار فخرج من عندهم بألف دينار وأخبرني حرمي عن الزبير وأخبرني
الأخفش عن المبرد عن المغيرة ابن محمد المهلبي عن الزبير عن سليمان بن عياش السعدي
قال جاء عبد الله بن عمر بن عبد الله العبلي إلى سويقة وهو طريد بني العباس وذلك
بعقب أيام بني أمية وابتداء خروج ملكهم إلى بني العباس فقصده عبد الله والحسن أبنا
الحسن بسويقة فاستنشده عبد الله شيئا من شعره فأنشده فقال له أريد أن تنشدني شيئا
مما رثيت به قومك فأنشده ( تقول
أُمَامةُ لمَّا رأتْ ... نُشُوزِي عن المَضْجَعِ الأنْفَسِ ) ( وقِلّةَ
نومي على مَضْجَعِي ... لدى هَجْعَةِ الأعْيُنِ النُّعَّسِ ) ( أبِي
ما عَرَاكَ فقلتُ الهمومُ ... عَرَوْنَ أباك فلا تُبْلِسِي ) ( عَرَوْنَ
أباكِ فَحَبَّسْنَهُ ... من الذُّلِّ في شَرِّ ما مَحْبِس ) ( لِفَقْدِ
العشيرةِ إذ نالَها ... سِهامٌ من الحَدَث المُبْئِسِ ) ( رَمَتْهَا
المنونُ بلا نُصَّلٍ ... ولا طائشاتٍ ولا نُكَّسِ ) ( بأَسْهُمِها
الخالساتِ النُّفوسَ ... متى ما اقتضتْ مُهْجةً تَخْلِسِ ) ( فصَرْعاهُمُ
في نواحي البِلادِ ... تُلْقَى بأرضٍ ولم تُرْمِسِ ) ( كريمٌ
أُصِيب وأثوابُه ... من العار والذَّامِ لم تَدْنَسِ ) ( وآخَرُ
قد طار خوفَ الرَّدَى ... وكان الهُمَامَ فلم يُحْسَسِ ) ( فكم
غادروا من بَوَاكِي العيونِ ... مَرْضَى ومن صِبْية بُؤَّس ) ( إذا
ما ذكرنهُمُ لم تَنَمْ ... لحَرّ الهمومِ ولم تَجْلِسِ ) ( يُرَجِّعْنَ
مثلَ بُكاء الحَمَامِ ... في مأتَمٍ قَلِقِ المَجْلِسِ ) ( فذاكِ
الذي غالني فاعْلَمِي ... ولا تسأليني فَتَسْتَنْحِسِي ) ( وأشياءُ
قد ضِفْنَني بالبلاد ... ولستُ لهنّ بمُسْتَحْلِسِ ) ( أفاض
المَدَامِع قَتْلَى كُدىً ... وقتلَى بكُثْوةَ لم تُرْمَسِ ) ( وقتلَى
بوَجٍّ وباللاَّبَتَينِ ... من يَثْرِبٍ خيرُ ما أَنْفُسِ ) ( وبالزَّابِييْنِ
نفوسٌ ثوتْ ... وقَتْلَى بنهر أبي فُطْرُس ) ( أولئك
قومٌ تداعتْ بهم ... نوائب من زمن مُتْعِسِ ) ( أذلّتْ
قِيَادِي لمن رَامني ... وأَلْزقتِ الرَّغْمَ بالمَعْطِسِ ) ( فما
أَنْسَ لا أنسَ قتلاهُم ... ولا عاش بعدَهُم مَنْ نَسِي ) قال
فلما أتى عليها بكى محمد بن عبد الله بن حسن فقال له عمه الحسن بن حسن بن علي
عليهم السلام أتبكي على بني أمية وأنت تريد ببني العباس ما تريد فقال والله يا عم
لقد كنا نقمنا على بني أمية ما نقمنا فما بنو العباس إلا أقل خوفا لله منهم وإن
الحجة على بني العباس لأوجب منها عليهم ولقد كانت للقوم أخلاق ومكارم وفواضل ليست
لأبي جعفر فوثب حسن وقال أعوذ بالله من شرك وبعث إلى أبي عدي بخمسين دينارا وأمر له
عبد الله بن حسن بمثلها وأمر له كل واحد من محمد وإبراهيم ابنيه بخمسين خمسين
وبعثت إليه أمهما هند بخمسين دينارا وكانت منفعته بها كثيرة فقال أبو عدي في ذلك ( أقام
ثَوِيُّ بيتِ أبي عديٍّ ... بخير مَنَازِلِ الجِيران جارَا ) ( تَقَوّض
بيتُه وَجَلاَ طَرِيداً ... فصادَفَ خيرَ دُور النّاسِ دارَا ) ( وإنّي
إن نزلتُ بدار قومٍ ... ذكرتُهُمُ ولم أذمُمْ جِوَارَا ) فقالت
هند لعبد الله وابنيها منه أقسمت عليكم إلا أعطيتموه خمسين دينارا أخرى فقد أشركني
معكم في المدح فأعطوه خمسين دينارا أخرى عن هند أخبرني عيسى بن الحسين الوراق عن
أبي أيوب المديني قال ذكر محمد ابن موسى مولى أبي عقيل قال قدم أبو عدي العبلي
الطائف واليا من قبل محمد بن عبد الله بن حسن أيام خروجه على أبي جعفر ومعه أعراب
من مزينة وجهينة وأسلم فأخذ الطائف وأتى محمد بن أبي بكر العمري حتى بايع وكان مع
أبي عدي أحد عشر رجلا من ولد أبي بكر الصديق فقدمها بين أذان الصبح والإقامة فأقام
بها ثلاثا ثم بلغه خروج الحسن بن معاوية من مكة فاستخلف على الطائف عبد الملك بن
أبي زهير وخرج ليتلقى الحسن بالعرج فركب الحسن البحر ومضى أبو عدي هاربا على وجهه
إلى اليمن فذلك حين يقول ( هُيِّجْتَ
للأجْزاع حول عرابِ ... واعتاد قلبكَ عائد الأطرابِ ) ( وذكرتَ
عهدَ مَعَالمٍ بِلوى الثَّرَى ... هيهاتَ تلك معالمُ الأحبابِ ) ( هيهاتَ
تلك معالمٌ من ذاهبٍ ... أمسى بحَوْضى أو بحَقْلِ قِبَابِ ) ( قد
حلَّ بين أَبارِقٍ ما إنْ له ... فيه مِنِ اخْوانٍ ولا أصحاب ) ( شَطَّتْ
نَوَاهُ عن الأليف وساقَه ... لِقُرىً يَمَانيةٍ حَمَامُ كِتَابِ ) ( يا
أُختَ آل أبي عَدِيٍّ أَقْصِرِي ... وذَرِي الخِضَابَ فما أوانُّ خضاب ) ( أَتَخَضَّبِينَ
وقد تَخَرَّم غالباً ... دهرٌ أضَرَّ بها حديدُ الناب ) ( والحربُ
تَعْرُك غالباً بجِرَانها ... وتَعَضُّ وهي حديدةُ الأنيابِ ) ( أم
كيف نَفْسُكِ تَسْتَلِذُّ معيشةً ... أو تَنْقَعين لها أَلَذَّ شراب ) وذكر
العباس بن عيسى العقيلي عن هارون بن موسى الفروي عن سعيد ابن عقبة الجهني قال حضرت
عبد الله بن عمر المكني أبا عدي الأموي ينشد عبد الله بن حسن قوله ( أفاض
المدامعَ قَتْلَى كُدىً ... وقَتْلى بكُثْوَةَ لم تُرْمَسِ ) قال
فرأيت عبد الله بن حسن وإن دموعه لتجري على خده وقد أخبرني محمد بن مزيد عن حماد
عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن أبي سعيد مولى فائد قال لما أتانا قتل عبد الله بن
علي من قتل من بني أمية كنت أنا وفتى من ولد عثمان وأبو عدي العبلي متوارين في
موضع واحد فلحقني من الجزع ما يلحق الرجل على عشيرته ولحق صاحبي كما لحقني فبكينا
طويلا ثم تناولنا هذه القصيدة بيننا فقال كل واحد منا بعضها غير محصل ما لكل واحد
منا فيها قال ثم أنشدنيها فأخذتها من فيه ( تقول
أُمامةُ لمّا رأتْ ... نُشوزي عن المضجع الأنْفَسِ ) قصيدته
في مدح بني هاشم أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا محمد بن زكريا الغلابي عن
ابن عائشة قال كان أبو عدي الأموي الشاعر يكره ما يجري عليه بنو أمية من ذكر علي
بن أبي طالب صلوات الله عليه وسبه على المنابر ويظهر الإنكار لذلك فشهد عليه قوم من
بني أمية بمكة بذلك ونهوه عنه فانتقل إلى المدينة وقال في ذلك ( شَرَّدوا
بي عند امتداحي عَلِيًّا ... ورأوا ذاك فيَّ داءً دَوِيَّا ) ( فَوَربِّي
لا أبْرَحُ الدَّهْرَ حتّى ... تُخْتَلَى مهجتي بحبِّي عَلِيّا ) ( وبَنِيهِ
لحُبّ أحمدَ إِنِّي ... كنت أحببتُهم بحبِّي النبيَّا ) ( حُبُّ
دِينٍ لا حُبُّ دُنْيَا وشَرُّ الحبِّ ... حُبٌّ يكون دُنْيَاوِيَّا ) ( صاغني
اللَّه في الذُّؤابة منهم ... لا زَنِيماً ولا سَنِيداً دَعِيّا ) ( عَدَوِيًّا
خالِي صَرِيحاً وَجَدِّي ... عبدُ شمس وهاشمٌ أَبَوَيَّا ) ( فسواءٌ
عليَّ لستُ أُبالي ... عَبْشَمِيًّا دُعِيْتُ أمْ هَاشِمِيّا ) هشام
بن عبد الملك يفضل شعر بني مخزوم على شعره أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا
العمري عن العتبي عن أبيه قال وفد أبو عدي الأموي إلى هشام بن عبد الملك وقد
امتدحه بقصيدته التي يقول فيها ( عبدُ
شمسٍ أبوك وهو أبونَا ... لا نُنَادِيكَ من مكانٍ بعيدِ ) ( والقرابات
بيننا واشجاتٌ ... مُحْكَمَاتُ القُوَى بحَبْلٍ شديد ) فأنشده
إياها وأقام بباه مدة حتى حضر ببابه وفود قريش فدخل فيهم وأمر لهم بمال فضل فيه
بني مخزوم أخواله وأعطى أبا عدي عطية لم يرضها فانصرف وقال ( خَسّ
حَظِّي أنْ كنتُ من عبد شمسٍ ... ليتني كنتُ من بني مخزومِ ) ( فأفوزَ
الغداةَ فيهم بسَهْمٍ ... وأبيعَ الأبَ الكريم بلومِ ) غنى
في البيتين المذكورين في هذا الخبر اللذين أولهما ( عبدُ
شمس أبوك وهو أبونا ... ) ابن
جامع ولحنه ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وأول هذه القصيدة التي
قالها في هشام ( ليلتي
من كنودَ بالغَوْرِ عُودِي ... بصَفاء الهوى مِنُ امّ أَسِيدِ ) ( ما
سمعنا ذاك الهوى ونَسِينَا ... عهدَه فارجِعِي به ثم زِيدِي ) ( قد
تولَّى عصرُ الشباب فقيدا ... رُبَّ جارٍ يَبين غيرَ فقيد ) ( خُلَق
الثَّوبُ من شَبابٍ ولِبْسٍ ... وجديدُ الشَّبابِ غيرُ جديدِ ) ( فاسْرِعنك
الهمومَ حين تداعتْ ... بعَلاَةٍ مثلِ الفَنِيق وَخُودِ ) ( عَنْتَرِيسٍ
تُوفِي الزِّمامَ بفَعْمٍ ... مثلِ جِذْعِ الأشاءة المجرود ) ( وارْمِ
جَوْزَ الفَلاَ بها ثم سُمْها ... عَجْرَفيَّ النَّجاءِ بالتوخيدِ ) ( وهِشَاماً
خليفةَ اللَّه فاعْمِدْ ... واصْرِ مَنْ مِرَّةَ القَوِيّ الجليدِ ) ( تَلْقَهُ
مُحْكَمِ القُوَى أرْيَحِيًّا ... ذَا قِرَىً عاجلٍ وسَيْبٍ عتيدِ ) ( مَلِكاً
يَشْمَلُ الرعيّةَ منه ... بأيادٍ ليست بذات خُمود ) ( أخضرُ
الرَّبعِ والجنابُ خَصِيبٌ ... أَفْيَحُ المُسْتَرَادِ للُمُسْتَرِيدِ ) ( ذكرتْ
ناقتي البِطَاحَ فحنَّتْ ... حين أنْ وَرَّكتْ قبورَ ثمودِ ) ( قلتُ
بعضَ الحنينِ يا ناقُ سِيرِي ... نحوَ بَرْقٍ دعا لغيثٍ عميدِ ) ( فأغذَّتْ
في السَّيْرِ حتى أتتكم ... وهي قوداءُ في سَوَاهِمَ قُودِ ) ( قد
براها السُّرَى إليك وسَيَرِي ... تحت حَرِّ الظَّهيرِة الصَّيْخودِ ) ( وَطَوَى
طائدَ العَرَائِكِ منها ... غَوْلُ بِيدٍ تجتابُها بعدَ بِيدِ ) ( وأتتكم
حُدْبَ الظُّهور وكانت ... مُسْنَمَاتٍ مَمَرَّها بالكَدِيدِ ) ( واطمأنّتْ
أرضَ الرَّصَافةِ بالخِصْبِ ... ولم تُلْقِ رَحْلَها بالصَّعِيدِ ) ( نزلتْ
بامرِىءٍ يرى الحمدَ غُنْماً ... باذلٍ مُتْلفٍ مُفِيدٍ مُعِيدِ ) ( بذل
العدلَ في القِصَاصِ فأضحى ... لا يخاف الضعيفُ ظُلْمَ الشديدِ ) ( من
بني النَّضْرِ من ذُرَا مَنْبِتِ النَّضْرِ ... بأوْرَى زَنْدٍ وأكرِمِ عودِ ) ( فهو
كالقَلْب في الجوانِحِ منها ... واسطٌ سِرَّ جِذْمَها والعديد ) ( بين
مَرْوَانَ والوليدِ فَبَخْ بَخْ ... للكريمِ المَجِيدِ غيرِ الزَّهِيدِ ) ( لو
جرى الناسُ نحوَ غاية مجدٍ ... لِرهَانٍ في المَحْفِلِ المشهودِ ) ( لَعَلاَهُمْ
بسابغَيْنِ من المجدِ ... على الناس طارفٍ وتليدِ ) ( إِنّكُمْ
مَعْشَرٌ أبى اللَّهُ إِلاَّ ... أنْ تفوزوا بدَرِّها المحشود ) ( لم
ير اللَّهُ مَعْشَراً من بني مَرْوانَ ... أوْلَى بالمُلْكِ والتسويدِ ) ( قادةٌ
سادةٌ ملوكٌ بِحَارٌ ... وبَهَالِيلُ للقُروم الصِّيدِ ) ( أَرْيَحِيُّون
ماجدون خِضَمُّونَ ... حُمَاةٌ عند ارْبِداد الجُلُودِ ) ( يقطَعون
النهارَ بالرأي والحَزْمِ ... ويُحْيُون ليلَهم بالسُّجودِ ) ( أهلُ
رِفْدٍ وسُؤْدُدٍ وحَيَاءٍ ... ووَفَاءٍ بالوعد والموعود ) ( ويَرَوْنَ
الجِوَارَ من حُرَم اللَّهِ فما الجارُ فيهمُ بوحيدِ ) ( لو
بمجدٍ نال الخُلُودَ قَيلٌ ... آلَ مَرْوَانَ فُزْتُمُ بالخُلُودِ ) ( يا
بنَ خيرِ الأخيار من عبد شمسٍ ... يا إمامَ الوَرَى ورَبَّ الجنودِ ) ( عبدُ
شمسٍ أبوك وهو أبونا ... لا نُنادِيك من مكانٍ بعيدِ ) ( ثم
جَدِّي الأدْنَى وعَمُّكَ شَيْخِيْ ... وأبو شَيْخِكَ الكريم الجُدودِ ) ( فالقَرَابَاتُ
بيننا واشجاتٌ ... مُحْكَمَاتُ القُوَى بحبلٍ شديد ) ( فأثِبْني
ثَوَابَ مِثْلِكَ مِثْلِي ... تَلْقَني للثَّوابِ غيرَ جَحُودِ ) ( إِنَّ
ذا الجَدِّ مَنْ حَبَوْتَ بوُدٍّ ... ليس مَنْ لا تَوَدّ بالمجدودِ ) ( وبِحَسْبِ
امرىءٍ من الخير يُرْجَى ... كونُهُ عند ظِلِّك الممدود ) وأما
قصيدته التي أولها ( ما
بالُ عَيْنِكَ جائلاً أقذاؤها ... ) وهي
التي فيها الغناء المذكور فإنه قالها في دولة بني أمية عند اختلاف كلمتهم ووقوع
الفتنة بينهم يندب بينهم وفيها يقول ( واعتادها
ذِكْرُ العَشِيرة بالأَسَى ... فصَبَاحُها ثابٍ بها وَمَساؤها ) ( شَرِكُوا
العِدَا في أمرهم فتفاقمت ... منها الفُتُون وفُرِّقَتْ أهواؤها ) ( ظَلَّتْ
هناكَ وما يُعاتِبُ بعضُها ... بعضاً فيَنْفَعَ ذا الرّجاء رجاؤها ) ( إِلاَّ
بمُرْهَفَةِ الظُّبَاتِ كأنّها ... شُهُبٌ تَقِلُّ إذا هَوَتْ أخطاؤها ) ( وبعُسَّلٍ
زُرْقٍ يكون خِضَابُها ... عَلَقَ النُّحور إذا تَفيضُ دماؤها ) ( فبذاكُمُ
أمستْ تَعَاتَبُ بينها ... فلقد خَشِيتُ بأن يُحَمَّ فَنَاؤها )
( ماذا أَؤمِّلُ إِنْ أُمَيَّةُ
وَدّعتْ ... وبقاءُ سُكَّان البلادِ بقاؤها ) ( أهلُ
الرِّياسةِ والسِّياسةِ والنَّدَى ... وأسُودُ حَرْبٍ لا يَخيمُ لِقاؤها ) ( غيثُ
البلادِ هُمُ وهُمْ أُمَرَاؤها ... سُرُجٌ يُضِيء دُجَى الظَّلاَمِ ضياؤها ) ( فلئنْ
أمَيَّةُ وَدّعتْ وَتَتَايَعَتْ ... لغَوَايةٍ حَمِيتْ لها خُلَفاؤها ) ( لَيُوَدِّعنّ
من البَرِيَّة عِزُّها ... ومن البلادِ جَمَالُها ورجاؤها ) ( ومن
البَلِيّةِ أنْ بَقِيتَ خَلاَفَهمْ ... فَرْداً تَهِيجُك دُورُهم وخلاؤها ) ( لَهفِي
علىحرب العَشِيرةِ بينَها ... هَلاَّ نَهَى جُهَّالَها حُلَمَاؤها ) ( هَلاَّ
نُهىً تَنْهَى الغَوِيّ عن التي ... يُخْشَى على سُلْطَانها غَوْغَاؤها ) ( وتُقىً
وأحلامٌ لها مُضَرِيَّةٌ ... فيها إذا تَدْمَى الكلومُ دواؤها ) ( لمّا
رأيتُ الحربَ تُوقَدُ بينَها ... ويَشُبُّ نارَ وَقودها إذكاؤها ) ( نوّهتُ
بالمَلِكِ المُهَيمِنِ دعوةً ... وَرَوَاحُ نفسي في البَلاَءِ دُعَاؤها ) ( لِيَرُدَّ
ألْفَتَهَا ويجمعَ أَمْرَها ... بِخِيَارِها فخيارُها رُحَمَاؤها ) ( فأجاب
ربِّي في أمَيّةَ دَعْوَتِي ... وَحَمى أُمَيّة أنْ يُهَدّ بِناؤها ) ( وَحَبَا
أُمَيَّةَ بالخلافةِ إِنّهُم ... نُورُ البلادِ وزَيْنُها وبَهَاؤها ) ( فبنو
أُمَيّةَ خيرُ مَنْ وَطِىء الثَّرَى ... شَرَفاً وأفضلُ ساسةٍ أمَراؤها ) وهي
قصيدة طويلة أقتصرت منها على ما ذكرته صوت ( مَهْلاً ذَرينِي فإِنِّي غَالَني
خُلُقِي ... وقد أَرَى في بلاد اللَّه مُتَّسَعَا ) ( ما
عَضَّنِي الدَّهرُ إِلاَّ زادني كَرَماً ... ولا أستكنتُ له إن خانَ أو خَدَعَا ) الشعر
لأبي جلدة اليشكري من قصيدة يمدح بها مسمع بن مالك بن مسمع والغناء لعلويه رمل
بالوسطى عن عمرو أخبار أبي جلدة ونسبه أبو جلدة بن عبيد بن منقذ بن حجر بن عبيد
الله بن مسلمة بن حبيب بن عدي بن جشم بن غنم بن حبيب بن كعب بن يشكر بن بكر بن
وائل شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية ومن ساكني الكوفة وكان ممن خرج مع ابن
الأشعث فقتله الحجاج انقلب على الحجاج بعد أن كان حليفا له أخبرني بخبره في جملة
ديوان شعره محمد بن العباس اليزيدي وقرأته عليه قال حدثني عمي عبد الله قال حدثني
محمد بن حبيب وأخبرني به علي ابن سليمان الأخفش أيضا عن الحسن بن الحسن اليشكري عن
ابن الأعرابي قال كان أبو جلدة اليشكري من أخص الناس بالحجاج حتى إنه بعثه وبعث
معه عبد الله بن شداد بن الهادي الليثي إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه
السلام فخطب الحجاج منه ابنته أم كلثوم ثم خرج بعد ذلك مع ابن الأشعث وكان من أشد
الناس تحريضا على الحجاج فلما أتي الحجاج برأسه ووضع بين يديه مكث ينظر إليه طويلا
ثم قال كم من سر أودعته في هذا الرأس فلم يخرج حتى أتيت به مقطوعا فلما كان يوم
الزاوية خرج أبو جلدة بين الصفين ثم أقبل على أهل الكوفة فأنشدهم قصيدته التي يقول
فيها ( فقُلْ للحَوَارِيّات يبكين غيرَنا
... ولا تَبْكِنا إِلاَّ الكِلاَبُ النوابحُ ) ( بَكَيْنَ
إلينا خَشْيةً أن تُبِيحَها ... رِماحُ النَّصارَى والسيوفُ الجوارح ) ( بكينَ
لكيما يمنَعوهنّ منهمُ ... وتأبَى قلوبٌ أضمرتْها الجوانح ) ( ونادّيْنَنَا
أينَ الفِرَارُ وكنتمُ ... تَغَارُونَ أن تبدُو البُرَى والوشائحُ ) ( أأسلمتمونا
للعَدُوِّ على القَنَا ... إذا أنْتُزِعتْ منها القُرونُ النواطحُ ) ( فما
غار منكم غائرٌ لحليلةٍ ... ولا عَزَبٌ عَزّتْ عليه المَنَاكِحُ ) قال
فلما أنشدهم هذه الأبيات أنفوا وثاروا فشدوا شدة تضعضع لهم عسكر الحجاج وثبت لهم
الحجاج وصاح بأهل الشأم فتراجعوا وثبتوا فكانت الدائرة له فجعل يقتل الناس بقية
يومه حتى صاح به رجل والله يا حجاج لئن كنا قد أسأنا في الذنب لما أحسنت في العفو
ولقد خالفت الله فينا وما أطعته فقال له وكيف ويلك قال لأن الله تعالى يقول ( فإذا
لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء
حتى تضع الحرب أوزارها ) وقد قتلت فأثخنت حتى تجاوزت الحد فأسر ولا تقتل ثم قال أو
أمنن فقال أولى لك ألا كان هذا الكلام منك قبل هذا الوقت ثم نادى برفع السيف وأمن
الناس جميعا قال ابن حبيب قال أبن الأعرابي فبلغني أن الحجاج قال يوما لجلسائه ما
حرض علي أحد كما حرض أبو جلدة فإنه نزل على سرحة في وسط عسكر لابن الأشعث ثم نزع
سراويله فوضعه وسلح فوقه والناس ينظرون إليه فقالوا له ما لك ويلك أجننت ما هذا
الفعل قال كلكم قد فعلتم مثل هذا إلا أنكم سترتموه وأظهرته فشتموه وحملوا علي فما
أنساهم وهو يقدمهم ويرتجز ( نحن
جَلَبْنَا الخَيْلَ من زَرَنْجَا ... ما لَكَ يا حَجَّاجُ مِنّا مَنْجَى ) ( لَتُبْعَجَنَّ
بالسيوفِ بَعْجَا ... أوْ لَتَفِرَّنَّ فذاك أَحْجَى ) فوالله
لقد كاد أهل الشأم يومئذ يتضعضعون لولا أن ا لله تعالى أيد بنصره قال وقال أبو
جلدة يومئذ ( أيَا
لَهْفِي ويا حُزْنِي جميعاً ... ويا غَمَّ الفُؤادِ لِمَا لَقِينَا ) ( تَرَكْنَا
الدِّينَ والدُّنْيَا جميعاً ... وَخَلَّيْنَا الحلائل والبَنِينا ) ( فما
كُنَّا أنَاساً أهلَ دِينٍ ... فنصبِرَ للبلاء إذا بُلِينَا ) ( ولا
كنّا أُناساً أهلَ دُنْيَا ... فنمنَعَهَا وإن لم نَرْجُ دِينا ) ( تركنا
دُورَنا لطَغامِ عَكٍّ ... وأنْبَاطِ القُرَى والأشْعَرِينا ) قال
ابن حبيب وكان أبو جلدة مع القعقاع بن سويد المنقري بسجستان فذم منه بعض ما عامله
به فقال فيه ( سَتَعْلَمُ
أَنّ رَأيكَ رأيُ سَوْءٍ ... إذا ظِلُّ الإِمارةِ عنك زَالاَ ) ( وراح
بنو أبيكَ ولستَ فيهم ... بِذي ذِكْرٍ يَزيدُهُمُ جَمالا ) ( هناك
تَذَكَّرُ الأَسلافَ منهمْ ... إذا اللَّيلُ القصيرُ عليك طالا ) فقال
له القعقاع ومتى يطول علي الليل القصير قال إذا نظرت إلى السماء مربعة فلما عزل
وحبس أخرج رأسه ليلة فنظر فإذا هو لا يرى السماء إلا بقدر تربيع السجن فقال هذا
والله الذي حذرنيه أبو جلدة مدح مسمع بن مالك حين ولي سجستان ورثاه حين وفاته قال
وولي مسمع بن مالك سجستان وكان مكث أبي جلدة بها فخرج إليه فتلقاه ومدحه بقصيدته
التي أولها ( بانتْ
سُعَادُ وأَمْسَى حَبْلُها أنْقَطَعَا ... وَلَيْتَ وَصْلاً لها من حَبْلِها
رَجَعَا ) ( شَطَّتْ بها غُرْبةٌ زَوْراء
نازحةٌ ... فطارتِ النَّفْسُ من وَجْدٍ بِهَا قطَعَا ) ( ما
قَرّتِ العينُ إذ زالتْ فينفعَها ... طعمُ الرقَاد إذا ما هاجعٌ هَجَعَا ) ( منعتُ
نفسيَ من رَوْحٍ تعيش به ... وقد أكونُ صحيحَ الصَّدْرِ فأنصدعا ) ( غدتْ
تَلُوم على ما فاتَ عاذلتي ... وقبلَ لَوْمِكِ ما أغنيتِ مَنْ مَنَعَا ) ( مَهْلاً
ذَرِيني فإِنِّي غالَني خُلُقي ... وقد أَرى في بلاد اللَّه مُتَّسَعَا ) ( فَخْرِي
تليدٌ وما أنفقتُ أَخْلَفه ... سيبُ الإِله وخيرُ المال ما نَفَعَا ) ( ما
عَضّني الدهرُ إِلاَّ زادني كَرَماً ... ولا أستكنتُ له إنْ خان أو خَدَعا ) ( ولا
تَلِينُ على العِلاّتِ مَعْجَمتِي ... في النائبات إذا ما مسّنِي طَبَعَا ) ( ولا
تُلَيِّن من عُودِي غمائزُهُ ... إذا المُغَمَّزُ منها لاَنَ أو خَضَعا ) ( ولا
أخاتِلُ ربَّ البيتِ غَفْلَتَهَ ... ولا أقول لشيءٍ فاتَ ما صَنَعَا ) ( إِنِّي
لأمدَح أقواماً ذوي حَسَبٍ ... لم يجعلِ اللَّهُ في أقوالهم قَذعا ) ( الطيِّبين
على العِلاّت مَعْجَمةً ... لو يُعْصَرُ المِسْكُ من أطرافهم نَبَعا ) ( بني
شِهَابٍ بها أَعْنِي وإِنّهمُ ... لأكرمُ النّاسِ أخلاقاً ومُصْطَنَعَا ) قال
فوصله مسمع بن مالك وحمله وكساه وولاه ناشيتكين وكان مكتبه قال ثم توفي مسمع بن
مالك بسجستان فقال أبو جلدة يرثيه ( أقولُ
للنَّفْسِ تَأساءً وتَعْزِيةً ... قد كان من مِسْمَعٍ في مالكٍ خَلَفُ ) ( يا
مِسْمَعَ الخيرِ مَنْ ندعو إذا نزلتْ ... إحْدَى النَّوائب بالأقوامِ واختلفوا ) ( يا
مِسْمَعَاً لِعِرَاقٍ لا زعيمَ لها ... بمن تُرَى يُؤْمَنُ المُسْتَشِرِفُ
النَّطِفُ ) ( تلك العيوُن بحيث المصر سادمة ...
تبكيك إذ غالك الأكفانُ والجُرُفُ ) ( قد
وسّدوك يميناً غير موسدة ... وبذل جود لما أودى بك التلف ) ( كنتَ
الشِّهابَ الذي يُرْمَى العّدُوّ به ... والبَحْرَ منه سِجَالُ الجُودُ تغترفُ ) قال
ابن حبيب عن ابن الأعرابي قال كان أبو جلدة ينادم شقيق بن سليط بن بديل السدوسي
أخا بسطام بن سليط وكان لهما أخ يقال له ثعلبة بن سليط وكان ثقيلا بخيلا مبغضا
وكان يطفل عليهم ويؤذيهم فقال فيه أبو جلدة ( أُحِبُّ
على لَذَاذتنا شَقِيقاً ... وأُبْغِضُ مثلَ ثعلبةَ الثَّقيل ) ( له
غَمٌّ على الجُلَسَاءِ مُؤْذٍ ... نَوَافِلُهُ إذا شربوا قليلُ ) مسمع
بن مالك يكرمه على شعره قال ابن حبيب عن ابن الأعرابي وفرق مسمع بن مالك في عشيرته
بني قيس بن ثعلبة عطايا كثيرة وقربهم وجفا سائر بطون بكر بن وائل فقال أبو جلدة ( إذا
نِلْتَ مالاً قلتَ قيسٌ عَشِيرَتِي ... تجورُ علينا عامداً في قَضَائكَا ) ( وإنْ
كانتِ الأُخْرَى فبكرُ بن وائلٍ ... بزَعْمِكَ يُخْشَى داؤها بدوائكا ) ( هُنَالِكَ
لا نَمْشِي الضَّرَاءَ إليكُمُ ... بَنِي مِسْمَعٍ إِنّا هناك أولئكا ) ( عسى
دولةُ الذُّهْلَيْنِ يوماً ويَشْكُرٍ ... تِكُسرَّ علينا سَبْغةً من عطائكا ) قال
فبعث إليه مسمع فترضاه ووصله وفرق في سائر بطون بكر بن وائل على جذمين جذم يقال له
الذهلان وجذم يقال له اللهازم فالذهلان بنو شيبان بن ثعلبة بن يشكر بن وائل وبنو
ضبيعة بن ربيعة واللهازم قيس ابن ثعلبة وتيم اللات بن ثعلبة وعجل بن لجيم وعنزة بن
أسد بن ربيعة قال الفرزدق ( وأرضَى
بحُكْم الحَيِّ بكرِ بن وائلٍ ... إذّا كان في الذُّهْلَيْنِ أو في اللَّهازِمِ ) قال
وقد دخل بنو قيس بن عكابة مع إخوتهم بني قيس بن ثعلبة بن عكابة وأما حنيفة فلم
تدخل في شيء من هذا لانقطاعهم عن قومهم باليمامة في وسط دار مضر وكانوا لا ينصرون
بكرا ولا يستنصرونهم فلما جاء الإسلام ونزل الناس مع بني حنيفة ومع بني عجل بن
لجيم فتلهزموا ودخل معهم حلفاؤهم بنو مازن بن جدي بن مالك بن صعب بن علي فصاروا
جميعا في اللهازم وقال موسى بن جابر الحنفي السحيمي بعد ذلك في الإسلام ( وجدنا
أبانا كان حَلّ ببَلْدةٍ ... سُوىً بين قَيْسٍ قَيْسِ عَيْلاَنَ والفِزْرِ ) ( فلمّا
نأتْ عنَّا العشيرةُ كلُّها ... أقَمْنَا وحالَفْنا السيوفَ على الدهر ) ( فما
أسلمتْنا بَعْدُ في يومِ وَقْعةٍ ... ولا نحن أَغْمَدْنَا السيوف على وِتْرِ ) هجا
جاره سيفا لأنه كان يعربد وقال ابن حبيب عن ابن الأعرابي قال كان لأبي جلدة
بسجستان جار يقال له سيف من بني سعد وكان يشرب الخمر ويعربد على أبي جلدة فقال
يهجوه ( قُلْ لذَوِي سَيْفٍ وَسَيْفٍ
أَلَسْتُمُ ... أَقَلَّ بني سعدٍ حَصَاداً ومَزْرَعَا ) ( كأنّكُمُ
جِعْلاَنُ دارِ مُقَامةٍ ... عَلَى عَذِرَاتِ الحيِّ أصبحنَ وُقَّعَا ) ( لقد
نال سيفٌ في سِجِسْتَانَ نُهْزةً ... تَطَاوَلَ منها فوق ما كان إصْبَعا ) ( أصابَ
الزِّنَا والخمرَ حتّى لقد نَمَتْ ... له سُرَّةٌ تُسْقَى الشَّرابَ المُشَعْشَعا ) ( فلولا
هَوَانُ الخمرِ ما ذُقْتَ طَعْمَهَا ... ولا سُقْتَ إبريقاً بكَفِّكَ مُتْرَعا ) ( كما
لم يَذُقْها أنْ تكونَ عزيزةً ... أبوك ولم يُعْرَضْ عليها فَيَطْمَعَا ) ( وكان
مَكَانَ الكلبِ أو مِنْ ورائه ... إذا ما المُغَنِّي لِلَّذَاذِة أسْمَعا ) قال
ابن حبيب وكان أبو جلدة قد استعمله القعقاع بن سويد حين تولى سجستان على بست
والرخج فأرجف الناس بالقعقاع وأرجف به أبو جلدة معهم وكتب القعقاع إليه يتهدده
فكتب إليه أبو جلدة ( يُهَدِّدني
القعقاعُ في غير كُنْهِهِ ... فقلتُ له بَكْرٌ إذا رُمْتَني تُرْسِي ) ( كأنّا
وإيَّاكُمْ إذَا الحربُ بيننا ... أُسودٌ عليها الزَّعْفَرانُ مع الوَرْسِ ) ( تُرَى
كمصابيح الدَّيَاجِي وُجُوهُنا ... إذا ما لُقِينَا والهِرَقْلِيّةِ المُلْسِ ) ( هناك
السُّعودُ السانحاتُ جَرَتْ لنا ... وتجرِي لكم طيرُ البَوَارِحِ بالنَّحْسِ ) ( وما
أنتَ يا قَعْقَاعُ إِلاَّ كَمَنْ مَضَى ... كأنكَ يوماً قد نُقِلتَ إلى الرَّمْسِ ) ( أظُنّ
بِغالَ البُرْدِ تَسْرِي إليكُمُ ... به غَطَفَانِيًّا وإِلاَّ فَمِنْ عَبْسِ ) ( وإِلاَّ
فبالبسّال يا لَكَ إِنْ سَرَتْ ... به غيرَ مَغْموِز القَناة ولا نِكْسِ ) ( فعُمّالُنا
أوْفَى وخيرٌ بَقِيّةً ... وعُمَّالُكم أهلُ الخِيَانِةِ واللَّبْسِ ) ( وما
لبني عَمْروٍ عليّ هَوَادةٌ ... ولا لِلرّبَابِ غيرُ تَعْسٍ من التَّعْسِ ) قال
فلما انتهت هذه القصيدة إلى القعقاع وجه برسول إلى أبي جلدة وقال انظر فإن كان كتب
هذا الكتاب بالغداة فاعزله وإن كان كتبه بالليل فأقرره على عمله ولا تعزله ولا
تضربه وكان أبو جلدة صاحب شراب فقال للرسول والله ما كتبته إلا بالعشي فسأله
البينة على ذلك فأتاه بأقوام شهدوا له بما قال فأقره على عمله وانصرف عنه تشبيبه
ببنت رجل من الدهاقين قال ابن حبيب ومر أبو جلدة بقصر من قصور بست ينزله رجل من
الدهاقين فرأى ابنته تشرف من أعلى القصر فأنشأ يقول ( إِنَّ
في القَصْرِ ذي الخِبَا بَدْرَ تِمٍّ ... حَسَنَ الدَّلِّ للفُؤاد مُصِيبَا ) ( وَلِعاً
بالخَلُوق يَأْرَجُ منه ... ريحُ رَنْدٍ إذا اسْتَقَلَّ مُنِيبَا ) ( يَلْبَس
الخَزَّ وَالمَطَارِفَ والقَزَّ ... وَعَصْباً من اليَمَانِي قَشِيبَا ) ( ورأيتُ
الحبيبَ يُبْرِزُ كَفًّا ... ما رآه المُحِبُّ إِلاَّ خَضِيبَا ) فبلغ
ذلك من قوله الدهقان فأهدى له وبره وسأله ألا يذكر ابنته في شعر بعد ذلك قال ابن
حبيب ولحق أبا جلدة ضيم من بعض الولاة فهتف بقومه فلم يقدروا على منعه منه ولا
معونته رهبة للسلطان فهتف بأعلى صوته يا مسمع ابن مالك يا أمير بن أحمر ثم أنشأ
يقول ( ولمّا أنْ رَأيتُ سَرَاةَ قومِي
... سُكوتاً لا يثوبُ لهم زعيمُ ) ( هتفتُ
بمِسْمَعٍ وَصَدَى أمِيرٍ ... وقَبْرِ مُعَمَّرٍ تلك القرومُ ) قال
فأبكى جميع من حضر وقاموا جميعا إلى الوالي فسألوه في أمره حتى كف عنه قال وأمير
بن أحمر رجل من بني يشكر وكان سيدا جوادا وفيه يقول زياد الأعجم ( لولاَ
أَمِيرٌ هَلَكتْ يَشْكُرٌ ... ويَشْكُرٌ هَلْكَى على كلِّ حالْ ) قال
أبن الأعرابي كان أمير بن أحمر واليا على خراسان في أيام معاوية ومعمر الذي عناه
أبو جلدة معمر بن شمير بن عامر بن جبلة بن ناعب بن صريم وكان أمير سجستان وكان
سيدا شريفا شعره بعد ان ابت خليعة بنت صعب الزواج منه وقال خطب أبو جلدة أمرأة من
بني عجل يقال لها خليعة بنت صعب فأبت أن تتزوجه وقالت أنت صعلوك فقير لا تحفظ مالك
ولا تلفي شيئا إلا أنفقته في الخمر وتزوجت غيره فقال أبو جلدة في ذلك صوت ( لمّا
خَطَبتُ إلى خَلِيعةَ نفسَها ... قالت خليعةُ ما أرَى لك مالا ) ( أوْدَى
بمالِي يا خَلِيعُ تَكَرُّمِي ... وَتَخَرُّقِي وَتَحَمُّلِي الأثقالاَ ) ( إِنِّي
وَجَدِّكِ لو شَهِدْتِ مَوَاقِفي ... بالسَّفْحِ يومَ أُجَلِّلُ الأبطالاَ ) ( سَيْفِي
لَسَرَّكِ أنْ تكوني خادماً ... عندي إذا كَرِه الكُماةُ نِزَالاَ ) الغناء
لإبراهيم الموصلي ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي من كتاب علي بن يحيى قال أبو سعيد
السكري وعمر بن سعيد صاحب الواقدي إن أبا جلدة كان في قرية من قرى بست يقال لها
الخيزران ومعهم عمرو ابن صوحان أخو صعصعة في جماعة يتحدثون ويشربون إذ قام أبو
جلدة ليبول فضرط وكان عظيم البطن فتضاحك القوم منه فسل سيفه وقال لأضربن من لا
يضرط في مجلسه هذا ضربة بسيفي أمني تضحكون لا أم لكم فما زال حتى ضرطوا جميعا غير
عمرو بن صوحان فقال له قد علمت أن عبد القيس لا تضرط ولك بدلها عشر فسوات قال لا
والله أو تفصح بها فجعل عمرو يجثي وينحني فلا يقدر عليها فتركه وقال أبو جلدة في
ذلك ( أمِنْ ضَرْطةٍ بالخَيْزُرَانِ
ضَرَطْتُها ... تَشَدّد منِّي دارةً وتَلِينُ ) ( فما
هُوَ إِلاَّ السيفُ أو ضَرْطةٌ لها ... يثور دُخَانٌ ساطعٌ وطنينُ ) قال
ولعمرو بن صوحان يقول أبو جلدة اليشكري وطالت صحبته إياه فلم يظفر منه بشيء ( صاحبت
عمراً زماناً ثم قلتُ له ... الْحَقْ بقومك يا عمرُو بنَ صُوحانا ) ( فإِنْ
صَبَرْت فإِنّ الصبرَ مَكْرُمةٌ ... وإنْ جَزِعت فقد كان الّذي كانا ) تهاجى
هو وزياد الأعجم قال ابن سعيد وحدثني أبو صالح قال بلغ أبا جلدة أن زيادا الأعجم
هجا بني يشكر فقال فيه ( لا
تَهْجُ يَشْكُرَ يا زيادُ ولا تكنْ ... غَرَضاً وأنت عن الأذى في مَعْزِلِ ) ( واعْلَمْ
بأنّهم إذا ما حُصِّلُوا ... خيرٌ وأكرمُ من أبيك الأعْزَلِ ) ( لولا
زعيمُ بني المُعَلَّى لم نَبِتْ ... حتَّى نُصَبِّحَكم بجيشٍ جحْفَل ) ( تمشِي
الضَّرَاءَ رجالُهم وكأنّهم ... أُسْدُ العَرِينِ بكلّ عَضْبٍ مُنْصُلِ ) ( فاحْذَرْ
زِيادُ ولا تكنْ ذا تُدْرَأٍ ... عند الرِّجالِ ونُهْزةً للخُتَّلِ ) وقال
ابن حبيب كان سليمان بن عمرو بن مرثد البكري صديقا لأبي جلدة وكان فارسا شجاعا
وقتله ابن خازم لشيء بلغه فأنكره وفيه يقول أبو جلدة ( إذا
كنتَ مُرْتاداً نديماً مُكَرَّراً ... نَمَاه سَرَاةٌ من سَرَاةِ بني بكرِ ) ( فلا
تَعْدُ ذا العَلْيَا سُلَيمانَ عامداً ... تَجِدْ ماجداً بالجُودِ مُنْشَرِحَ
الصدرِ ) ( كريماً على عِلاَّتِه يبذُلِ
النَّدَى ... ويَشْرَبها صهباءَ طَيِّبةَ النَّشْرِ ) ( مُعَتَّقةً
كالمِسْكِ يُذْهِبُ ريحُها الزُّكَامَ ... وتدعو المرءَ للجُود بالوَفْرِ ) ( وتترك
حاسي الكأسِ منها مُرَنَّحاً ... يَمِيدُ كما مادَ الأثيمُ من السكرِ ) ( تلوحُ
كعَيْنِ الدِّيكِ ينزُو حَبَابُها ... إذا مُزِجتْ بالماء مثلَ لَظَى الجَمْرِ ) ( فتِلك
إذا نادمتُ من آلِ مَرْثَدٍ ... عليها نديماً ظلَّ يَهْرِف بالشِّعْر ) ( يُغَنِّيكَ
تاراتٍ وطوراً يَكُرُّها ... عليكَ بحَيَّاكَ الإِلهُ ولا يدرِي ) ( تَعَوَّد
أَلاَّ يَجْهَلَ الدَّهْرَ عندها ... وأن يبذُلَ المعروفَ في العُسْرِ واليسر ) ( وإنّ
سليمانَ بن عَمْرِو بن مَرْثَدٍ ... تَأَلَّى يميناً أن يَرِيِشَ ولا يَبْرِي ) ( فهِمَّتُهُ
بَذْلُ النَّدَى وأبْتِنَا العُلاَ ... وضربُ طُلَى الأبطالِ في الحرب بالبُتْرِ ) ( وفي
الأمْنِ لا ينفكُّ يَحْسُو مُدَامةً ... إذا ما دجا ليلٌ إلى وَضَح الفَجْرِ ) قال
فلما بلغت سليمان هذه الأبيات قال هجاني أخي وما تعمد لكنه يرى أن الناس جميعا
يؤثرون الصهباء كما يؤثرها هو ويشربونها كما يشربها وبلغ قوله أبا جلدة فأتاه
فاعتذر إليه وحلف أنه لم يتعمد بذلك ما يكرهه وينكره قال قد علمت بذلك وشهدت لك به
قبل أن تعتذر وقبل عذره وقال ابن حبيب سأل أبو جلدة الحضين بن المنذر الرقاشي شيئا
فلم يعطه إياه وقال لا أعطيه ما يشرب به الخمر فقال أبو جلدة يهجوه ( يا
يومَ بُؤْسٍ طلعتْ شَمْسُه ... بالنَّحْسِ لا فارقتَ رأسَ الحُضَيْنِ ) ( إِنّ
حُضَيْناً لم يَزَلْ باخلاً ... مُذْ كان بالمعروفِ كَزَّ اليَدَيْنِ ) فبلغ
الحضين قول أبي جلدة فقال يجيبه ( عَضَّ
أبو جِلْدَةَ من أُمِّهِ ... مُعْتَرِضاً ما جاوزَ الأَسْكَتَيْنِ ) ( بَظْراً
طويلاً غاشياً رأسُه ... أعْقَف كالمِنْجَلِ ذَا شُعْبَتيْنِ ) وقال
أبو جلدة في حضين أيضا ( لَعَمْرُكَ
إِنِّي يوم أُسْنِدُ حاجتي ... إِليكَ أبا سَاسَانَ غيرُ مُسَدَّدِ ) ( فلا
عالمٌ بالغَيْبِ مِنْ أين ضَرُّه ... ولا خائفٌ بَثَّ الأحاديثِ في غَدِ ) ( فليتَ
المَنَايَا حَلَّقتْ بي صُروفُها ... فلم أطْلُبِ المعروفَ عند المُصَرِّدِ ) ( فلو
كنتَ حُرًّا يا حُضَيْنُ بنَ مُنْذِرٍ ... لَقُمْتَ بحاجاتي ولم تَتَبَلَّد ) ( تَجَهَّمْتني
خوف القِرَى واطَّرَحْتني ... وكنتَ قصيرَ الباعِ غير المُقَلَّد ( ولم
تَعْدُ ما قد كنتَ أهلاً لِمِثْلهِ ... من اللُّؤْمِ يابن المُسْتَذَلِّ
المُعَبَّدِ ) هجا
الحضين بن المنذر فتهدده بنو رقاش قال فبلغ أبا جلدة أن بني رقاش تهددوه بالقتل
لهجائه الحضين بن منذر فقال ( تُهَدِّدُني
جهلاً رَقَاشِ وليتَني ... وكلَّ رقاشيٍّ على الأرض في الحَبْلِ ) ( فبِاسْتِ
حُضَيْنٍ واسْتِ أُمٍّ رمتْ به ... فبئس مَحَلُّ الضَّيْفِ في الزَّمنِ المَحْلِ ) ( وإِنْ
أنا لم أتْرُكْ رَقَاشِ وَجَمْعَهُمْ ... أذَلَّ على وَطْء الهَوَانِ من النَّعْلِ ) ( فَشَلَّتْ
يَداي واتبعْتُ سوى الهُدَى ... سبيلاً ولا وُفِّقْتُ للخير والفضلِ ) ( عِظَامُ
الخُصَى ثُطُّ اللِّحَى مَعْدِنُ الخَنَا ... مَبَاخِيلُ بالأْزوادِ في الخِصْبِ
والأَزْلِ ) ( إِذا أمنوا ضَرَّاء دهرٍ
تَعَاظَلُوا ... عِظال الكلابِ في الدُّجُنَّة والوَبْلِ ) ( وإنْ
عَضَّهُمْ دهرٌ بنَكْبَةِ حادثٍ ... فأَخْوَرُ عِيداناً من المَرْخِ والأَثْلِ ) ( أسُودُ
شَرىً وَسْطَ النَّدِيِّ ثَعَالِبٌ ... إذا خَطَرتْ حربٌ مَرَاجِلُها تَغْلِي ) وصفه
لدهقانة كان يختلف إليها أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني محمد بن عبد الله
الأصبهاني المعروف بالحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه قال عشق أبو
جلدة اليشكري دهقانة ببست وكان يختلف إليها ويكون عندها دائما وقال فيها ( وكأسٍ
كأنّ المِسْكَ فيها حسوتُها ... وَنَازَعَنِيها صاحبٌ لي مُلَوَّمُ ) ( أغَرُّ
كأنّ البَدْرِ سُنَّةُ وَجْهِهِ ... له كَفَلٌ وافٍ وَفَرْعٌ وَمَبْسِمُ ) ( يُضِيء
دُجَى الظَّلْمَاءِ رَوْنَقُ خَدِّه ... وينجابُ عنه الليلُ والليلُ مظلمُ ) ( وثَدْيانِ
كالحُقَّيْن والمَتْنُ مُدْمَجٌ ... وجِيدٌ عليه نسْقُ دُرٍّ مُنَظَّمُ ) ( وبطنٌ
طواه اللَّه طَيًّا ومَنْطِقٌ ... رَخِيمٌ ورِدْفٌ نِيطَ بِالحَقْوِ مُفْأمُ ) ( به
تَبَلَتْني واسْتَبَتْني وغادرتْ ... لَظَىً في فُؤادي نارُها تتضَرمُ ) ( أبِيتُ
بها أَهِذِي إذا الليلُ جَنَّني ... وأُصْبِحُ مبهوتاً فما أتكلّم ) ( فمَنْ
مُبْلِغٌ قَومِي الدُّنَا أنّ مُهْجَتِي ... تَبِينُ لئن بانت أَلاَ تَتَلَوّم ) ( وَعَهْدِي
بها واللَّهُ يُصْلِحُ بالَهَا ... تجودُ على مَنْ يَشْتَهِيها وتُنْعِمُ ) ( فما
بالُها ضَنَّتْ عليَّ بوُدّها ... وقلبي لها يا قوم عانٍ مُتَيَّمُ ) قال
فلما بلغها الشعر سألت عن تفسيره ففسر لها فلما انتهى المفسر إلى هذين البيتين
الأخيرين غضبت فقالت أنا زانية كما زعم إن كلمته كلمة أبدا أو كلما اشتهاني إنسان
بذلت له نفسي وأنعمت من روحي إذا أي أنا إذا زانية فصرمته فلم يقدر عليها وعذب بها
زمانا ثم قال فيها لما يئس منها ( صحا
قلبي وأقْصَرَ بعد غَيٍّ ... طويلٍ كان فيه من الغَوَانِي ) ( بأنْ
قصَد السبيلَ فباع جهلاً ... بُرْشدٍ وارتَجَى عُقْبَى الزَّمانِ ) ( وخاف
الموتَ واعتصَم ابنُ حُجْرٍ ... من الحُبِّ المبرِّح بالجَنَانِ ) ( وقِدْماً
كان مُعْتَرِماً جَمُوحاً ... إلى لَذّاتِهِ سَلِسَ العِنَانِ ) ( وأقلعَ
بعد صَبْوَتِهِ وأضحَى ... طويلَ اللَّيلِ يَهْرِف بالقُرَانِ ) ( ويدعو
اللَّهَ مجتهداً لكيما ... ينالَ الفَوْزَ من غُرَفِ الجِنَانِ ) قال
ابن حبيب قال أبو عبيدة كان يزيد بن المهلب يتهم بالنساء فقال فيه أبو جلدة ( إذا
اعتكرتْ ظلماءُ ليلٍ ونَوَّمتْ ... عيونُ رجالٍ واستلذُّوا المَضَاجِعَا ) ( سما
نحوَ جارِ البيتِ يَسْتامُ عِرْسَه ... يزيدُ دبيباً للمعاناة قابعا ) ( وإنْ
أمكنتْه جارةُ البيتِ أوْ رَنتْ ... إليه أتاها بعد ذلك طائعا ) فشاعت
الأبيات ورواها الناس لقتادة بن معرب فقال أبو جلدة ( أبا
خالدٍ رُكْنِي ومَنْ أنا عبدُه ... لقد غالني الأعداءُ عمداً لِتَغْضَبا ) ( فإنْ
كنتُ قلتُ اللَّذْ أتاك به العِدَا ... فشَلَّتْ يدي اليُمْنَى وأصبحتُ أَعْضبَا ) ( ولا
زِلتُ محمولاً عليَّ بَلِيّةٌ ... وأمسيتُ شِلواً للسِّباع مُتَرَّبَا ) ( فلا
تَسْمَعَنْ قولَ العِدَا وَتَبَيَّنَنْ ... أبا خالدٍ عُذْراً وإنْ كنتَ مُغْضَبا ) البعيث
يحيل رأيه فيه إلى قتادة بن معرب وقال ابن حبيب قال رجل للبعيث أي رجل هو أبو جلدة
فقال قتادة بن معرب أعرف به حيث يقول ( إِنّ
أبا جِلْدَةَ من سُكْرِهِ ... لا يعرِف الحقَّ من الباطلِ ) ( يزدادُ
غَيًّا وانْهِماكاً ولا ... يسمَع قولَ الناصحِ العاذلِ ) ( أعيا
أبوه وبنو عَمِّه ... وكان في الذِّرْوَة مِنْ وائل ) ( فليتَه
لم يَكُ من يَشْكُرٍ ... فبئسَ خِدْنُ الرجلِ العاقلِ ) ( أعْمَى
عَن الحقِّ بصيرٌ بما ... يعرفه كلُّ فتىً جاهلِ ) ( يُصْبِحُ
سَكْرَانَ ويُمْسي كما ... أصْبَحَ لا أُسْقِي مِنَ الوابل ) ( شَدّ
رِكَابَ الغَيّ ثم اغتدَى ... إلى التي تُجْلَبُ من بابِلِ ) ( فالسِّجْنُ
إِنْ عاش له مَنْزِلٌ ... والسِّجْنُ دارُ العاجِزِ الخامِلِ ) مناقضته
لقتادة بن معرب وقال أبو جلدة يجيبه ( قَبُحْتَ
لو كنتَ امرأً صالحاً ... تَعْرِفُ ما الحقُّ من الباطِلِ ) ( كَفَفْتَ
عن شَتْمِي بلا إِحنةٍ ... ولم تَوَرَّط كِفّةَ الحابِلِ ) ( لكنْ
أبتْ نَفْسُك فعلَ النُّهَى ... والحَزْمِ والنَّجْدَةِ والنائِلِ ) ( فتحتَ
لي بالشَّتْم حتى بَدَا ... مكنونُ غِشٍّ في الحَشَا داخِلِ ) ( فاجْهَدْ
وَقُلْ لا تَتَّرِكْ جاهداً ... شَتْمَ امرىءٍ ذي نَجْدةٍ عاقِلِ ) ( تَعْذُِلني
في قَهْوةٍ مُزَّةٍ ... دِرْيَاقةٍ تُجْلَبُ من بابِلِ ) ( ولَوْ
رآها خَرَّ مِنْ حُبِّها ... يَسْجُدُ للشيطانِ بالباطلِ ) ( يا
شَرَّ بَكْرٍ كلِّها مَحْتِداً ... ونُهْزَةَ المختلِس الآكِلِ ) ( عِرْضَكَ
وَفِّرْهُ وَدَعْنِي وما ... أهواهُ يا أحْمَقَ من باقِلِ ) قال
ابن حبيب كان أبو جلدة يشرب مع ابن عم له من بكر بن وائل فسكر نديمه فعربد عليه
وشتمه فاحتمله أبو جلدة وسقاه حتى نام وقال في ذلك ( أبَى
لِيَ أنْ ألْحَى نَدِيمي إذا انْتَشَى ... وقال كلاماً سيِّئاً لي على السُّكْرِ ) ( وَقَارِي
وعلْمِي بالشَّرابِ وأهلِهِ ... وما نادمَ القومَ الكرامَ كَذِي الحِجْر ) ( فلستُ
بِلاَحٍ لِي نديماً بزَلَّةٍ ... ولا هَفْوَةٍ كانت ونحن على الخمرِ ) ( عَرَكْتُ
بجَنْبِي قول خِدْنِي وصاحبي ... ونحنُ على صَهْبَاءَ طَيِّبةِ النَّشْرِ ) ( فلمّا
تمادَى قلتُ خُذْهَا عَرِيقةً ... فإنّك من قومٍ جَحَاجِحَةٍ زُهْرِ ) ( فما
زِلْتُ أَسْقِيهِ وأشرَب مثلَ ما ... سَقَيْتُ أَخِي حتّى بَدَا وَضَحُ الفَجرِ ) ( وأيقنتُ
أنّ السُّكْرَ طارَ بلُبِّهِ ... فأغرقَ في شَتْمِي وقال وما يَدْرِي ) وَلاَكَ
لِساناً كان إذْ كان صاحياً يقلِّبه في كلِّ فَنٍّ من الشِّعْرِ أبى رجل من قومه
أن ينادمه فقال شعرا أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم
بن الحدثان قال كان أبو جلدة اليشكري قد خرج إلى تستر في بعث فشرب بها في حانة مع
رجل من قومه كان ساكنا بها ثم خرج عنها بعد ذلك وعاد إلى بست والرخج وكان مكتبه
هناك فأقام بها مدة ثم لقي بها ذلك الرجل الذي نادمه بتستر ذات يوم فسلم عليه
ودعاه إلى منزله فأكلا ثم دعا بالشراب ليشربا فامتنع الرجل وقال إني قد تركتها لله
فقال أبو جلدة وهو يشرب ( ألاَ
رُبَّ يومٍ لي ببُسْتَ وليلةٍ ... ولا مِثْلَ أيّامِي المَوَاضِي بتُسْتَرِ ) ( غَنِيتُ
بها أَسْقِي سُلاَفَ مُدَامَةٍ ... كريمَ المُحَيَّا مِنْ عَرَانِينِ يَشْكُرِ ) ( نُبَادِرُ
شُرْبَ الراحِ حتّى نَهُرَّها ... وتَتْرُكَنَا مثلَ الصَّرِيعِ المُعَفَّرِ ) ( فذلك
دهرٌ قد تولَّى نعيمُهُ ... فأصبحتُ قد بُدِّلْتُ طولَ التَّوَقُّرِ ) ( فَرَاجَعني
حِلْمِي وأصبحتُ منهج الشّراب ... وقِدْماً كنتُ كالمتحيِّر ) ( وكل
أوان الحق أبصرتُ قَصْدَه ... فلستُ وإن نُبِّهتُ عنه بِمُقْصِرِ ) ( سأرْكُضُ
في التَّقَوى وفي العِلْمِ بعدَما ... ركضتُ إلى أمر الغَوِيِّ المُشَهَّرِ ) ( وباللَّه
حَوْلِي واحْتِيالي وقُوّتي ... ومَنْ عَندَه عُرْفِي الكثيرُ ومُنْكَرِي ) أخبرني
محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا محمد بن الحارث المدائني قال مر مسمع بن مالك
بأبي جلدة فوثب إليه وأنشأ يقول ( يا
مِسْمَعُ بنَ مالكٍ يا مِسْمَعُ ... أنت الجوادُ والخطيبُ المِصْقَعُ ) ( فاصْنَعْ
كما كان أبوك يَصْنَعُ ... ) فقال
له رجل كان جالسا هناك إن قبل منك والله يا أبا جلدة ناك أمه فقال له وكيف ذلك
ويحك قال لأنك أمرته أن يصنع كما كان أبوه يصنع هجا مقاتل بن مسمع لأنه لم يعطِه وقال
أبو عمرو الشيباني كان مسمع بن مالك يعطي أبا جلدة فقال فيه ( يسعَى
أُناسٌ لكَيْما يُدْرِكوكَ ولو ... خاضُوا بِحارَك أو ضَحْضَاحَها غرِقوا ) ( وأنت
في الحربِ لا رَثُّ القُوَى بَرِمٌ ... عند اللِّقاءِ ولا رِعْدِيدةٌ فَرِقُ ) ( كلُّ
الخِلاَل الَّتي يسعَى الكرامُ لها ... إِنْ يمدَحوكَ بها يوماً فقد صدَقُوا ) ( ساد
العِرَاقَ فحالُ الناسِ صالحةٌ ... وسادَهم وزمانٌ الناسِ مُنْخَرِقُ ) ( لا
خارجيٌّ ولا مُسْتَحْدثٌ شَرَفاً ... بل مجدُ آلِ شِهابٍ كان مذ خُلِقوا ) قال
ثم مدح مقاتل بن مسمع طمعا في مثل ما كان مسمع يعطيه فلم يلتفت إليه وأمر أن يحجب
عنه فقيل له تعرضت للسان أبي جلدة وخبثه فقال ومن هو الكلب وما عسى أن يقول قبحه
الله وقبح من كان منه فليجهد جهده فبلغ ذلك من قوله أبا جلدة فقال يهجوه ( قَرَى
ضَيْفَه الماءَ القَراحَ أبنُ مِسْمَعٍ ... وكان لئيماً جارُه يَتَذَلَّل ) ( فلمّا
رأى الضيفُ القِرَى غيرَ راهنٍ ... لديه تولَّى هارباً يَتَعَلَّلُ ) ( يُنَادِي
بأعلَى الصوتِ بَكْرَ بْنَ وائِلٍ ... ألاَ كُلُّ مَن يرجو قِراكم مَضَلَّلُ ) ( عَمِيدُكُمُ
هَرَّ الضيوفَ وكنتمُ ... ربيعةُ أمسى ضيفُكم يتحوَّل ) ( وختْتُمْ
بأنْ تَقْرُوا الضيوفَ وكنتمُ ... زماناً بِكُمْ يَحْيَا الضَّرِيكُ المُعَيِّلُ ) حذف
( فما بالُكُمْ باللَّه أنتم
بَخِلْتُمُ ... وقَصَّرتُمُ والضيفُ يُقْرَى ويُنْزَلِ ) ( وَيُكْرَمُ
حَتّى يُقْتَرَى حين يُقْتَرَى ... يقول إذا ولَّى جميلاً فيُجْمِلُ ) ( فَمَهْلاً
بني بَكْرٍ دَعُوا آلَ مِسْمَعٍ ... ورَأْيَهُمُ لا يَسْبِقُ الخيلَ مُحْثَلُ ) ( ودُونَكُمُ
أضيافَكُمْ فَتحدَّبُوا ... عليهمْ ووَاسُوهُمْ فذلك أجملُ ) ( ولا
تُصْبِحُوا أُحْدوثةً مثلَ قائلٍ ... به يَضرِبُ الأمثالَ مَنْ يَتَمَثَّلُ ) ( إذا
ما التقَى الرُّكْبَانُ يوماً تذاكروا ... بَنِي مِسْمَعٍ حتَّى يُحَمُّوا
ويَثْقُلُوا ) ( فلا
تَقْرَبُوا أبياتَهم إنّ جارَهُمْ ... وَضَيْفَهُمُ سِيَّانِ أَنَّى تَوَسّلوا ) ( هُمُ
القومُ غَرَّ الضيفَ منهم رُوَاؤهُمْ ... وما فيهمُ إِلاَّ لئيمٌ مُبَخَّلُ ) ( فلَوْ
ببني شَيْبَانَ حَلَّتْ رَكَائبي ... لكان قِرَاهُمْ راهناً حين أَنْزِلُ ) ( أُولئك
أَوْلَى بالمَكَارِمِ كلِّها ... وأجْدَرُ يوماً أن يُوَاسُلوا وَيُفْضِلُوا ) ( بني
مِسْمَعٍ لا قرَّب اللَّهُ دارَكم ... ولا زال واديكم من الماء يُمْحِلُ ) ( فلم
تَرْدَعُوا الأبطالَ بالبِيضِ والقَنَا ... إذا جعلتْ نارُ الحُرُوبِ تَاكَّلُ ) أخبار
علويه ونسبه هو علي بن عبد الله بن سيف وكان جده من السغد الذين سباهم الوليد بن
عثمان بن عفان واسترق منهم جماعة اختصهم بخدمته وأعتق بعضهم ولم يعتق الباقين
فقتلوه وذكر ابن خرداذبه وهو ممن لا يحصل قوله ولا يعتمد عليه أنه من أهل يثرب مولى
بني أمية والقول الأول أصح ويكنى علويه أبا الحسن وكان مغنيا حاذقا ومؤدبا محسنا
وصانعا متفننا وضاربا متقدما مع خفة روح وطيب مجالسة وملاحة نوادر وكان إبراهيم
الموصلي علمه وخرجه وعني به جدا فبرع وغنى لمحمد الأمين وعاش إلى أيام المتوكل
ومات بعد إسحاق الموصلي بمديدة يسيرة وكان سبب وفاته أنه خرج به جرب فشكاه إلى
يحيى بن ماسويه فبعث إليه بدواء مسهل وطلاء فشرب الطلاء واطلى بالدواء المسهل
فقتله ذلك وكان إسحاق يتعصب له في أكثر أوقاته على مخارق فأما التقديم والوصف فلم
يكن إسحاق يرى أحدا من جماعته لهما أهلا فكانوا يتعصبون عليه لإبراهيم بن المهدي
فلا يضره ذلك مع تقدمه وفضله رأي إسحاق الموصلي فيه وفي مخارق أخبرني محمد بن مزيد
قال حدثنا حماد بن إسحاق قال قلت لأبي إيما أفضل عندك مخارق أو علويه فقال يا بني
علويه أعرفهما فهما بما يخرج من رأسه وأعلمهما بما يغنيه ويؤديه ولو خيرت بينهما من
يطارح جواري أو شاورني من يستنصحني لما أشرت إلا بعلويه لأنه كان يؤدي الغناء وصنع
صنعة محكمة ومخارق بتمكنه من حلقه وكثرة نغمه لا يقنع بالأخذ منه لأنه لا يؤدي
صوتا واحدا كما أخذه ولا يغنيه مرتين غناء واحدا لكثرة زوائده فيه ولكنهما إذا
اجتمعا عند خليفة أو سوقة غلب مخارق على المجلس والجائزة لطيب صوته وكثرة نغمه حدثني
جحظة قال حدثني أبو عبد الله بن حمدون قال حدثني أبي قال اجتمعت مع إسحاق يوما في
بعض دور بني هاشم وحضر علويه فغنى أصواتا ثم غنى من صنعته صوت ( ونُبِّئْتُ ليلَى
أرسلتْ بشفاعةٍ ... إليَّ فهَلاَّ نَفْسُ ليلى شَفِيعُها ) ولحنه
ثاني ثقيل فقال له إسحاق أحسنت والله يا أبا الحسن أحسنت ما شئت فقام علويه من
مجلسه فقبل رأس إسحاق وعينيه وجلس بين يديه وسر بقوله سرورا شديدا ثم قال أنت سيدي
وابن سيدي وأستاذي وابن أستاذي ولي إليك حاجة قال قل فوالله إني أبلُغُ فيها ما
تُحِبّ قال أيما أفضل عندك أنا أو مخارق فإني أحب أن أسمع منك في هذا المعنى قولا يؤثر
ويحكيه عنك من حضر فتشرفني به فقال إسحاق ما منكم إلا محسن مجمل فلا ترد أن ترى في
هذا شيئا قال سألتك بحقي عليك وبتربية أبيك وبكل حق تعظمه إلا حكمت فقال ويحك
والله لو كنت أستجيز أن أقول غير الحق لقلته فيما تحب فأما إذ أبيت إلا ما ذكرت
فهاك ما عندي فلو خيرت أنا من يطارح جواري أو يغنيني لما اخترت غيرك ولكنما إذا
غنيتما بين يدي خليفة أو أمير غلبك على إطرابه واستبد عليك بجائزته فغضب علويه
وقام وقال أف من رضاك ومن غضبك حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني علي بن يحيى المنجم
قال قدمت من سر من رأى قدمة إلى بغداد فلقيت أبا محمد إسحاق بن إبراهيم الموصلي فجعل
يسألني عن أخبار الخليفة وأخبار الناس حتى انتهى إلى ذكر الغناء فقال أي شيء رأيت
الناس يستحسونه في هذه الأيام من الأغاني فإن الناس ربما لهجوا بالصوت بعد الصوت
فقلت صوتا من صنعتك فقال أي شيء هو فقلت صوت ( ألاَ
يا حَمَامَيْ قَصْرِ دُورَانَ هِجْتُما ... بقَلْبِي الهَوَى لَمّا تَغَنَّيْتُمَا
لِيَا ) ( وأبْكَيْتُمَانِي وَسْطَ صَحْبِي
ولم أكُنْ ... أُبالِي دموعَ العينِ لو كنتُ خاليا ) فضحك
وقال ليس هذا لي هذا لعلويه ولقد لعمري أحسن فيه وجود ما شاء لحن علويه في هذين
البيتين ثاني ثقيل بالوسطى كان أصحابه يتحلقون حوله فيغنيهم حدثني عمي قال حدثنا
عبد الله بن عمرو قال حدثني أحمد بن محمد بن عبد الله الأبزاري قال أتيت علويه
يوما بالعشي فوجدت عنده خاقان بن حامد وعبد الله بن صالح صاحب المصلى وكنت حملت
معي قفص فراريج كسكرية مسمنة وجرابي دقيق سميذ فسلمته إلى غلامه وبعث إلى بشر بن
حارثة أطعمنا ما عندك فلم يزل يطعمنا فضلات حتى أدرك طعامه ثم بعث إلى عبد الوهاب
بن الخصيب بن عمرو فحضر وقدم الطعام فأكل وأكلنا أكل معذرين ثم قال إني صنعت
البارحة لحنا أعجبني فاسمعوه وقولوا فيه ما عندكم وغنانا فقال صوت ( هَزِئتْ
عُمَيْرَةُ أنْ رأتْ ظهري انْحَنَى ... وذُؤابتي عُلّتْ بماء خِضَابِ ) ( لا
تَهْزَئِي منّي عُمَيْرَُ فإِنّني ... مَحْضٌ كريمٌ شيبتي وَشَبابي ) لحن
علويه في هذين البيتين من الثقيل الثاني بالوسطى فقلنا له حسن والله جميل يا أبا
الحسن وشربنا عليه أقداحا ثم استؤذن لعثعث غلام أحمد بن يحيى بن معاذ فأذن له ومع
عثعث كتاب من مولاه أحمد بن يحيى سمعت يا سيدي منك صوتا عند أمير المؤمنين يعني
المعتصم فأحب أن تتفضل وتطرحه على عبدك عثعث وهو صوت ( فواحَسْرَتَا
لم أَقضِ منكِ لُبانةً ... ولم أَتَمَتَّعْ بالجِوارِ وبالقُرْبِ ) ( يقولون
هذا آخرُ العهدِ منهمُ ... فقلتُ وهذا آخِرُ العهدِ من قلبي ) لحن
علويه في هذا الشعر ثقيل أول وهو من مقدم أغانيه وصدورها وأوّل هذا الصوت ( ألا
يا حَمَامَ الشِّعْبِ شِعْب مُوَرّقٍ ... سقتْكَ الغَوادِي من حمامٍ ومن شِعْبِ ) قال
وإذا مع حسين رقعة من مولاه سمعتك يا سيدي تغني عند الأمير أبي إسحاق إبراهيم بن
المهدي ( ألاَ يَا حَمَامَيْ قَصْرِ
دُورَانَ هِجْتُمَا ... بقلبي الهَوَى لَمّا تَغَنَّيْتُمَا لِيَا ) أحب
أن تطرحه على عبدك حسين قال فدعا بغلام له يسمى عبد آل فطرحه عليهما حتى أحكماه ثم
عرضاه عليه حتى صح لهما فما أعلم أنه مر لنا يوم يقارب طيب ذلك اليوم وحسنه حدثني
جعفر بن قدامة قال حدثني عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال سمعت أبي يقول سمعت
الواثق يقول علويه أصح الناس صنعة بعد إسحاق وأطيب الناس صوتا بعد مخارق وأضرب
الناس بعد ربرب وملاحظ فهو مصلي كل سابق قادر وثاني كل أول واصل متقدم قال وكان
الواثق يقول غناء علويه مثل نقر الطست يبقى ساعة في السمع بعد سكوته نسخت من كتاب
أبي العباس بن ثوابة بخطه حدثني أحمد بن إسماعيل أبو حاتم قال حدثني عبد الله بن
العباس الربيعي قال اجتمعت يوما بين يدي المعتصم وحضر إسحاق الموصلي فغنىعلويه ( لِعَبْدَةَ
دارٌ ما تكلِّمنا الدارُ ... تلوح مَغَانِيها كما لاح أَسْطَارُ ) فقال
إسحاق أخطأت فيه ليس هو هكذا فغضب علويه وقال أم من أخذنا عنه هكذا زانية فقال
إسحاق وشتمنا قبحه الله وسكت وبان ذلك فيه قال وكان علويه أخذه من أبيه كان أعسر
وعوده مقلوب الأوتار حدثني عمي قال حدثنا هارون بن مخارق قال كان علويه أعسر وكان
عوده مقلوب الأوتار البم أسفل الأوتار كلها ثم المثلث فوقه ثم المثنى ثم الزير
وكان عوده إذا كان في يد غيره مقلوبا على هذه الصفة وإذا كان معه أخذه باليمنى
وضرب باليسرى فيكون مستويا في يده ومقلوبا في يد غيره أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال
كان الخلنجي القاضي واسمه عبد الله ابن محمد ابن اخت علويه المغني وكان تياها صلفا
فتقلد في خلافة الأمين قضاء الشرقية فكان يجلس إلى أسطوانة من أساطين المسجد
فيستند إليها بجميع جسده ولا يتحرك فإذا تقدم إليه الخصمان أقبل عليهما بجميع جسده
وترك الاستناد حتى يفصل بينهما ثم يعود لحاله فعمد بعض المجان إلى رقعة من الرقاع
التي يكتب فيها الدعاوى فألصقها في موضع ذنبته بالدبق ومكن منها الدبق فلما تقدم
إليه الخصوم وأقبل عليهم بجميع جسده كما كان يفعل انكشف رأسه وبقيت الذنبة موضعها
مصلوبة ملتصقة فقام الخلنجي مغضبا وعلم أنها حيلة وقعت عليه فغطى رأسه بطيلسانه
وقام فانصرف وتركها مكانها حتى جاء بعض أعوانه فأخذها وقال بعض شعراء ذلك العصر
فيه هذه الأبيات ( إِنّ
الخَلَنْجِيَّ من تَتَايُهِهِ ... أثقلُ بادٍ لنا بِطَلْعَتِهِ ) ( ما
إنْ لِذِي نَخْوَةٍ مُنَاسَبةٌ ... بين أخاوينه وقَصْعته ) ( يُصالح
الخَصْمُ مَنْ يُخَاصِمُه ... خوفاً من الجَوْرِ في قَضيَّتِهِ ) ( لو
لَمْ تُدَبِّقْهُ كَفُّ قَانِصِهِ ... لطارَ تِيهاً على رَعِيّتِهِ ) قال
وشهرت الأبيات والقصة ببغداد وعمل له علويه حكاية أعطاها للزفانين والمخنثين
فأحرجوه فيها وكان علويه يعاديه لمنازعة كانت بينهما ففضحه واستعفى الخلنجي من
القضاء ببغداد وسأل أن يولى بعض الكور البعيدة فولي جند دمشق أو حمص فلما ولي
المأمون الخلافة غناه علويه بشعر الخلنجي فقال ( بَرِئتُ
مِنَ الإِسْلاَمِ إِنْ كان ذا الّذي ... أتاكِ به الواشون عنِّي كما قالوا ) ( ولكنَّهم
لمَّا رأوكِ غَرِيَّةً ... بهجْرِي تَوَاصَوا بالنميمةِ واحتالوا ) ( فقد
صِرْتِ أُذْناً للوُشَاةِ سميعةً ... ينالُون من عِرْضِي وإن شئتِ ما نالوا ) فقال
له المأمون من يقول هذا الشعر فقال قاضي دمشق فأمر المأمون بإحضاره فكتب إلى صاحب
دمشق بإشخاصه فأشخص وجلس المأمون للشرب وأحضر علويه ودعا بالقاضي فقال له أنشدني
قولك ( بَرِئْتُ من الإِسلامِ إن كان ذا
الذي ... أتاكِ به الواشون عني كما قالوا ) فقال
له يا أمير المؤمنين هذه أبيات قلتها منذ أربعين سنة وأنا صبي والذي أكرمك
بالخلافة وورثك ميراث النبوة ما قلت شعرا منذ أكثر من عشرين سنة إلا في زهد أو
عتاب صديق فقال له أجلس فجلس فناوله قدح نبيذ التمر أو الزبيب فقال لا والله يا
أمير المؤمنين ما أعرف شيئا منها فأخذ القدح من يده وقال أما والله لو شربت شيئا
من هذا لضربت عنقك وقد ظننت أنك صادق في قولك كله ولكن لا يتولى لي القضاء رجل بدأ
في قوله بالبراءة من الإسلام انصرف إلى منزلك وأمر علويه فغير الكلمة وجعل مكانها
حرمت مناي منك تقربه من المأمون بعد خلافه مع الأمين حدثني جعفر بن قدامة قال
حدثني محمد بن عبد الله بن مالك قال كان علويه يغني بين يدي الأمين فغنى في بعض
غنائه ( ليتَ هنداً أنجزتنا ما تَعِدْ ...
وشَفَتْ أنْفُسَنَا مما تَجِد ) وكان
الفضل بن الربيع يطعن عليه فقال للأمين إنما يعرض بك ويستبطىء المأمون في محاربته
فأمر به فضرب خمسين سوطا وجر برجله وجفاه مدة حتى ألقى نفسه على كوثر فترضاه له
ورد إلى خدمته وأمر له بخمسة آلاف دينار فلما قدم المأمون تقرب إليه بذلك فلم يقع
له بحيث يحب وقال له إن الملك بمنزلة الأسد أو النار فلا تتعرض لما يغضبه فإنه
ربما جرى منه ما يتلفك ثم لا تقدر بعد ذلك على تلافي ما فرط منه ولم يعطه شيئا ومثل
هذا من فعل الأمين ما حدثني به محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن
إسحاق قال حدثني أبي قال دخلت على الأمين فرأيته مغضبا كالحا فقلت له ما لأمير
المؤمنين تمم الله سروره ولا نغصه أراه كالحائر قال غاظني أبوك الساعة لا رحمه
الله والله لو كان حيا لضربته خمسمائة سوط ولولاك لنبشت الساعة قبره وأحرقت عظامه فقمت
على رجلي وقلت أعوذ بالله من سخطك يا أمير المؤمنين ومن أبي وما مقداره حتى تغتاظ
منه وما الذي غاظك فلعل له فيه عذرا فقال شدة محبته للمأمون وتقديمه إياه علي حتى
قال في الرشيد شعرا يقدمه فيه علي وغناه فيه وغنيته الساعة فأورثني هذا الغيظ فقلت
والله ما سمعت بهذا قط ولا لأبي غناء إلا وأنا أرويه ما هو فقال قوله ( أبو
المأمونِ فينا والأمينِ ... له كَنَفانِ من كَرَمٍ ولِينِ ) فقلت
له يا أمير المؤمنين لم يقدم المأمون في الشعر لتقديمه إياه في الموالاة ولكن
الشعر لم يصح وزنه إلا هكذا فقال كان ينبغي له إذ لم يصح الشعر إلا هكذا أن يدعه
إلى لعنة الله فلم أزل أداريه وأرفق به حتى سكن فلما قدم المأمون سألني عن هذا
الحديث فحدثته به فجعل يضحك ويعجب منه حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني عبيد الله بن
عبد الله بن طاهر قال سمعت أبي يقول لو خيرت لونا من الطعام لا أزيد عليه غيره
لاخترت الدراجة لأني إن زدت في خلها صارت سكباجة وإن زدت في مائها صارت إسفيدباجة
وإن زدت في تصبيرها بل في تشييطها صارت مطجنة ولو اقتصرت على رجل واحد لما اخترت
سوى علوية لأنه إن حدثني ألهاني وإن غناني أشجاني وإن رجعت إلى رأيه كفاني وفد على
سعيد بن عجيف فأكرمه حدثني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن
محمد الأبزاري قال كنت عند سعيد بن عجيف أنا وعبد الوهاب بن الخصيب وعبد الله بن
صالح صاحب المصلى إذ دخل عليه حاجبه فقال له علويه بالباب فأذن له فدخل فقال له لا
تحمدني فإني لم يجئني رسول رجل اليوم فعرضت إخواني جميعا على قلبي فلم يقع عليه
غيرك فدعا له ببرذون ادهم بسرجه ولجامه فأهداه إليه وجلسنا نشرب وعلويه يغني فلما
توسطنا أمرنا جاء رسول عجيف يطلبه في منزله فقالوا له هو عند ابنه سعيد فأتاه
الرسول فقال له أجب الأمير فقلنا هذا شيء ليس فيه حيلة وقد جاء الرسول وهو يغني صوت
( ألم تَرَ أَنِّي يومَ جَوِّ سُوَيْقةٍ ... بكيتُ فنادتْني هُنَيْدةُ ما لِيَا ) ( فقلتُ
لها إنّ البكاء لَراحةٌ ... به يَشتفِي مَنْ ظَنّ أنْ لاَ تَلاَقِيَا ) لحن
علوية في هذا رمل والشعر للفرزدق قال فقام علوية ثم قال هوذا أمضي إلى الأمير
فأحدثه بحديثنا وأستأذنه في الانصراف بوقت يكون فيه فضل لكم فانصرف بعد المغرب
ومعه جام فيه مسك وعشرة آلاف درهم ومنيان فيهما رماطون فقال جئت أشرب عندكم وآخذه
وأنصرف إلى إنسان له عندي أياد يعني علي بن معاذ أخا يحيى بن معاذ فلم يزل عندنا
حتى هم بالانصراف فلما رأيت ذلك فيه قمت قبله فأتيت منزل علي ابن معاذ فقيل له ابن
الأبزاري بالباب فبعث إلي إن أردت مضاء فخذه يعني غلاما كان يغني فقلت له لست
أريده إنما أريدك أنت فأذن لي فدخلت فقال ألك حاجة في هذا الوقت فقلت الساعة يجيئك
علوية فقال وما يدريك فحدثته بالحديث ودخل علويه فقال لي ما جاء بك إلى ها هنا
فقلت ما كنت لأدع بقية ليلتي هذه تضيع فما زال يغنينا ونشرب حتى نام الناس ثم
انصرفنا حدثني جعفر بن قدامة قال حدثنا هارون بن مخارق قال حدثني أبي قال قلت
لعمرو بن بانة أيما أجود صنعتك أم صنعة علويه فقال صنعة علويه لأنه ضارب وأنا
مرتجل ثم أطرق ساعة وقال لاأكذبك يا أبا المهنأ والله ما أحسن أن أصنع مثل صنعة علويه
( فواحسرتَا لم أفضِ منكِ لُبانةً
... ولم أَتمتَّعْ بالجِوِارِ وبالقُرْبِ ) ولا
مثل صنعته ( هزِئتْ أُمَيْمَةُ أنْ رأتْ ظهري
انحنَى ... وذُؤابتي عُلَّتْ بماء خضابِ ) ولا
مثل صنعته ( ألاَ يا حَمَامَيْ قصرِ دُورانَ
هِجْتُما ... لقلبي الهوَى لَمّا تَغَنَّيْتُما لِيَا ) وقد
مضت نسبة هذه الأصوات حدثني جحظة قال حدثني أحمد بن الحسين بن هشام أبو عبد الله
قال حدثني أحمد بن الخليل بن هشام قال كان بين علويه وبين علي بن الهيثم جونقا شر
في عربدة وقعت بينهما بحضرة الفضل بن الربيع وتمادى الشر بينهما فغنى علويه في شعر
هجاه به أبو يعقوب في حاجة فهجاه وذكر أنه دعي وكان جونقا يدعي أنه من بني تغلب
فقال فيه أبو يعقوب ( يا
عليُّ بنَ هَيْثَمٍ يا جَوَنْقَا ... أنت عندي من الأراقمِ حَقّا ) ( عربيٌّ
وجَدُّه نَبَطِيٌّ ... فَدَبَنْقَا لِذَا الحَديث دَبَنْقَا ) ( قد
أصابتْك في التقرُّب عينٌ ... فاستنارتْ لشهبها الفلك برقا ) ( وإذا
قال إني عربيٌّ ... فانتهِزْه وقل له أنت شفقا ) وللخريمي
فيه أهاج نبطية فغنى علويه لحنا صنعه في هذه الأبيات بحضرة الأمين وكان الفضل بن
الربيع حاضرا فقال يا أمير المؤمنين علي بن الهيثم كابني وإذا استخف به فإنما
استخف بي فقال الأمين خذوه فأخذوه وضرب ثلاثين درة وأمر بإخراجه فطرح علويه نفسه
على كوثر فاستصلح له الفضل بن الربيع وترضى له الأمين حتى رضي عنه عنه ووهب له
خمسة آلاف دينار غنى بحضرة الواثق فأطربه حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن
عبد الله بن مالك قال حدثني مخارق قال غنى علويه يوما بحضرة الواثق هذا الصوت ( مَنْ
صاحبَ الدَّهْرِ لم يَحْمَدْ تَصَرُّفَه ... عَناً وللّدهرِ إحلاءٌ وإمرارُ ) ولحنه
ثقيل أول فأستحسنه الواثق وطرب عليه فقال علويه والله لو شئت لجعلت الغناء في أيدي
الناس أكثر من الجوز وإسحاق حاضر بين يدي الواثق فتضاحك ثم قال يا أبا الحسن إذا
تكون قيمته مثل قيمة الجوز ليتك إذ قللته صنعت شيئا فكيف إذا كثرته فخجل علويه حتى
كأنما ألقمه إسحاق حجرا وما انتفع بنفسه يومئذ حدثني محمد بن يحيى الصولي قال
حدثني عبد الله بن المعتز قال حدثني عبد الله الهشامي قال قال لي علويه أمرنا
المأمون أن نباكره لنصطبح فلقيني عبد الله بن إسماعيل المراكبي مولى عريب فقال
أيها الظالم المعتدي أما ترحم ولا ترق عريب هائمة من الشوق إليك تدعو الله
وتستحكمه عليك وتحلم بك في نومها في كل ليلة ثلاث مرات قال علوية فقلت أم الخلافة
زانية ومضيت معه فحين دخلت قلت استوثق من الباب فأنا أعرف الناس بفضول الحجاب فإذا
عريب جالسة على كرسي تطبخ ثلاث قدور من دجاج فلما رأتني قامت فعانقتني وقبلتني
وقالت أي شيء تشتهي فقلت قدرا من هذه القدور فأفرغت قدرا بيني وبينها فأكلنا ودعت
بالنبيذ فصبت رطلا فشربت نصفه وسقتني نصفه فما زلت أشرب حتى كدت أن أسكر ثم قالت
يا أبا الحسن غنيت البارحة في شعر لأبي العتاهية أعجبني أفتسمعه مني وتصلحه فغنت صوت
( عَذِيري مِنَ الإِنسانِ لا إِنْ جَفَوْتُه ... صَفَا لي ولا إنْ صِرْتُ طَوْعَ
يَدَيْهِ ) ( وإنّي لَمشتاقٌ إلى ظِلِّ صاحبٍ
... يَرُوقُ ويصفُو إن كَدَرتُ عليه ) فصيرناه
مجلسا وقالت قد بقي فيه شيء فلم أزل أنا وهي حتى اصلحناه ثم قالت وأحب أن تغني أنت
فيه أيضا لحنا ففعلت وجعلنا نشرب على اللحنين مليا ثم جاء الحجاب فكسروا الباب
واستخرجوني فدخلت إلى المأمون فأقبلت أرقص من أقصى الإيوان وأصفق وأغني بالصوت
فسمع المأمون والمغنون ما لم يعرفوه فاستظرفوه وقال المأمون ادن يا علويه ورده
فرددته عليه سبع مرات فقال لي في آخرها عند قولي ( يروق
ويصفو إن كدرت عليه ... ) يا
علويه خذ الخلافة وأعطني هذا الصاحب لحن عريب في هذا الشعر رمل وفيه لعلويه لحنان
ثاني ثقيل وماخوري ابراهيم بن المهدي يحسده على صوتين غناهما وقال العتابي حدثني
أحمد بن حمدون قال غاب عنا علويه مدة ثم صار إلينا فقال له إبراهيم بن المهدي
مالذي أحدثت بعدي من الصنعة يا أبا الحسن قال صنعت صوتين قال فهاتهما إذا فغناه صوت
( أَلاَ إنّ لي نَفْسَيْنِ نفساً تقولُ لي ... تَمَتَّع بليلى ما بدا لك لِينُها ) ( ونفساً
تقول اسْتَبْقِ وُدَّكَ واتَّئدْ ... ونَفْسَك لا تَطْرَحْ على مَنْ يُهينها ) لحن
علويه في هذين البيتين خفيف ثقيل قال فرأيت إبراهيم بن المهدي قد كاد يموت من حسده
وتغير لونه ولم يدر ما يقول له لأنه لم يجد في الصوت مطعنا فعدل عن الكلام في هذا
المعنى وقال هذا يدل على أن ليلى هذه كانت من لينها مثل الموم بالبنفسج فسكت علويه
ثم سأله عن الصوت الآخر فغناه صوت ( إذا
كان لي شيئان يا أُمَّ مالكٍ ... فإنّ لِجارِي منهما ما تَخَيَّرَا ) ( وفي
واحدٍ إِنْ لم يَكُنْ غيرُ واحدٍ ... أراه له أهلاً إذا كان مُقْتِرا ) والشعر
لحاتم الطائي لحن علويه في هذين البيتين أيضا خفيف ثقيل وقد روي أن إبراهيم
الموصلي صنعه ونحله إياه وأنا أذكر خبره بعقب هذا الخبر قال أحمد بن حمدون فأتى
والله بما برز على الأول وأوفى عليه وكاد إبراهيم يموت غيظا وحسدا لمنافسته في
الصنعة وعجزه عنها فقال له وإن كانت لك امرأتان يا أبا الحسن حبوت جارك منهما
واحدة فخجل علويه وما نطق بصوت بقية يومه وحدثني عمي عن علي بن محمد عن جده حمدون
هذا لخبر ولفظه أقل من هذا نحله إبراهيم الموصلي صوتا فشاع فأما الخبر الذي ذكرته
عن علويه أن إبراهيم الموصلي نحله هذا الصوت فحدثني جحظة قال حدثني أبن المكي
المرتجل وهو محمد بن أحمد ابن يحيى قال حدثني علويه قال قال إبراهيم الموصلي يوما
إني قد صنعت صوتا وما سمعه مني أحد بعد وقد أحببت أن أنفعك وأرفع منك بأن القيه
عليك وأهبه لك ووالله ما فعلت هذا بإسحاق قط وقد خصصتك به فانتحله وادعه فلست
أنسبه إلى نفسي وستكسب به مالا فألقى علي قوله ( إذا
كان لي شيئانِ يا أُمَّ مالكٍ ... فإنّ لجاري منهما ما تخيَّرا ) فأخذته
وادعيته وسترته طوال أيام الرشيد خوفا من أن أتهم فيه وطول أيام الأمين حتى حدث
عليه ما حدث وقدم المأمون من خراسان وكان يخرج إلى الشماسية دائما يتنزه فركبت في
زلال وجئت أتبعه فرأيت حراقة علي بن هشام فقلت للملاح اطرح زلالي على الحراقة ففعل
وأستؤذن لي فدخلت وهو يشرب مع الجواري وما كانوا يحجبون جواريهم في ذلك الوقت ما
لم يلدن فإذا بين يديه متيم وبذل من جواريه فغنيته الصوت فاستحسنه جدا وطرب عليه
وقال لمن هذا فقلت هذا صوت صنعته وأهديته لك ولم يسمعه أحد قبلك فازداد به عجبا
وطربا وقال لها خذيه عنه فألقيته عليها حتى أخذته فسر بذلك وطرب وقال لي ما أجد لك
مكافأة على هذه الهدية إلا أن أتحول عن هذه الحراقة بما فيها وأسلمه إليك أجمع فتحول
إلى أخرى وسلمت الحراقة بخزانتها وجميع آلاتها إلي وكل شيء فيها فبعت ذلك بمائة
وخمسين ألف درهم وأشتريت بها ضيعتي الصالحية غنى المأمون بيتا مجهولا حدثني جحظة
قال حدثني ابن المكي المرتجل عن أبيه قال قال إسحاق ابن حميد كاتب أبي الرازي
وحدثني به عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني حسان بن محمد الحارثي عن
إسحاق بن حميد كاتب أبي الرازي قال غنى علويه الأعسر يوما بين يدي المأمون ( تَخَيَّرتُ
من نَعْمَانَ عُودَ أَراكةٍ ... لهندٍ فمَنْ هذَا يُبَلِّغه هِنْدَا ) فقال
المأمون اطلبوا لهذا البيت ثانيا فلم يعرف وسأل كل من بحضرته من أهل الأدب والرواة
والجلساء عن قائل هذا الشعر فلم يعرفه أحد فقال إسحاق بن حميد لما رأيت ذلك عنيت
بهذا الشعر وجهدت في المسألة وطلبته ببغداد عند كل متأدب وذي معرفة فلم يعرفه وقلد
المأمون أبا الرازي كور دجلة وأنا أكتب له ثم نقله إلى اليمامة والبحرين قال إسحاق
بن حميد فلما خرجنا ركبت مع أبي الرازي في بعض الليالي على حمارة فأبتدأ الحادي
يحدو بقصيدة طويلة وإذا البيت الذي كنت أطلبه فسألته عنها فذكر أنها للمرقش الأكبر
فحفظت منها هذه الأبيات ( خَلِيَلىَّ
عُوجَا بارَك اللَّه فيكما ... وإنْ لم تَكُنْ هندٌ لأرضِكما قَصْدَا ) ( وقُولاَ
لها ليس الضَّلاَلُ أجازَنا ... ولكنّنا جُزْنَا لِنَلْقَاكُمُ عمْداً ) ( تَخَيّرتُ
من نَعْمَانَ عودَ أراكةٍ ... لهندٍ فمَنْ هذا يبلِّغه هْندَا ) ( وأَنْطَيتُه
سيفي لكيمَا أُقيمَه ... فلا أَوَداً فيه أستَبنتُ ولا خَضْدَا ) ( ستَبْلُغُ
هنداً إِنْ سَلِمْنا قَلاَئصٌ ... مَهَارَى يُقَطِّعن الفَلاَةَ بنا وَخْدَا ) ( فلمّا
أنْخْنا العيسَ قد طار سيرُها ... إليهم وجدْنَاهم لنا بالقِرَى حَشْدَا ) ( فناولتُها
المِسْوَاكَ والقلبُ خائفٌ ... وقلتُ لها يا هندُ أهْلَكْتِنا وَجْدَا ) ( فمدّت
يداً في حُسْنِ دَلٍّ تَنَاوُلاً ... إليه وقالتْ ما أرى مثلَ ذا يُهْدَى ) ( وأقبلتُ
كالمُجتازِ أدَّى رسالةً ... وقامتْ تَجُرّ المَيْسَنانيَّ والبُرْدَا ) ( تَعَرَّضُ
للحيّ الذين أريدهم ... وما التمست إِلاَّ لِتقتُلَني عَمْدَا ) ( فما
شِبْهُ هندٍ غيرُ أدماءَ خاذِلٍ ... من الوَحْشِ مُرْتاعٍ مُرَاعٍ طَلاً فردا ) قال
فكتب بها إلى المأمون فاستحسنت ورويت وأمر علويه فصنع في البيتين الأولين منها
غناء يشبه أغاني علويه في هذه الأبيات اللحن الأول في قوله ( تخيّرت
من نَعمانَ عودَ أراكةٍ ... ) غناه
علويه وليس اللحن له اللحن لإبراهيم خفيف ثقيل بالبنصر ولحنه الثاني الذي أمره أن
يصنعه في ( خَلِيليّ عُوجَا بارك اللَّه فيكما ... ) رمل
غنى المعتصم بشعر ابن هرمة حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن عبد الله بن
مالك قال عرض علويه على المعتصم رقعة في أمر رزقه وإقطاعه وهو يشرب دفعها إليه من يده
فلما أخذها اندفع علويه يغني صوت ( إِنّي اسْتحيتُكَ أنْ أفُوهَ بحاجتِي ... فإذا
قرأتَ صحيفتي فَتَفهَّمِ ) ( وعليكَ
عهدُ اللَّه إِنْ خَبَّرتَه ... أحداً
ولا أظهرتَه بِتَكَلُّمِ ) فقرأ
المعتصم الرقعة وهو يضحك ثم وقع له فيها بما أراد الشعر لابن هرمة كتب به إلى بعض
آل أبي طالب وهو إبراهيم بن الحسن يطلب منه نبيذا وقد خرج هو وأصحابه إلى السيالة
فكتب إليه البيت الأول على ما رويناه والثاني غيره المغنون وهو ( وعليكَ
عهدُ اللَّه إِنْ أعلمتَه ... أهلَ السَّيَالةِ إِنْ فَعلتَ وإنْ لَمِ ) فلما
قرأ الرقعة قال علي عهد الله إن لم أعلم به عامل السيالة وكتب الى عامل السيالة إن
ابن هرمة وأصحابا له سفهاء يشربون بالسيالة فاركب إليهم حتى تأخذهم فركب إليهم
ونذروا به فهرب وقال يهجو إبراهيم ( كتبتُ
إليكَ أستهدِي نَبِيذاً ... وأُدْلِي بالمَودّةِ والحقوقِ ) ( فخَبَّرْتَ
الأميرَ بذاك جهلاً ... وكنتَ أخا مُفَاضَحةٍ ومُوقِ ) حدثني
بذلك الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير وقد ذكرته في أخبار ابن هرمة والغناء
لعبادل حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني موسى بن هارون الهاشمي قال حدثني أبي قال كنت
واقفا بين يدي المعتصم وهو جالس على حير الوحش والخيل تعرض عليه وهو يشرب وبين
يديه علويه ومخارق يغنيان فعرض عليه فرس كميت أحمر ما رأيت مثله قط فتغامز علويه
ومخارق وغناه علويه ( وإذا
ما شربوها وانتشَوْا ... وَهَبُوا كلّ جَوَادٍ وطِمِرّ ) فتغافل
عنه وغناه مخارق ( يَهَبُ
البِيضَ كالظِّباءِ وجُرْداً ... تحت أجْلاَلِها وعِيسَ الرِّكابِ ) فضحك
ثم قال اسكتا يا ابني الزانيتين فليس يملكه والله واحد منكما قال ثم دار الدور
فغنى علويه ( وإذا
ما شرِبوها وانتَشَوْا ... وَهَبُوا كلَّ بِغالٍ وحُمُرْ ) فضحك
وقال أما هذا فنعم وأمر لأحدهما ببغل وللآخر بحمار حدثني عمي قال حدثنا عبد الله
بن أبي سعد قال حدثني محمد بن محمد الأبزاري قال كنا عند زلبهزة النخاس وكانت عنده
جارية يقال لها خشف ابتاعها من علويه وذلك في شهر رمضان ومعنا رجل هاشمي من ولد
عبد الصمد بن علي يقال له عبد الصمد وإبراهيم بن عمرو بن نهبون وكان يحبها فأعطى
بها زلبهزة أربعة آلاف دينار فلم يبعها منه وبقيت معه حتى توفيت فغنتنا أصواتا كان
فيها ( أشارتْ بطَرْفِ العين خِيفَةَ
أهلِها ... إشارةَ محزونٍ ولم تَتَكَلَّمِ ) ( فأيقنتُ
أنّ الطَّرْفَ قَد قال مَرْحَبَاً ... وأهلاً وسَهْلاً بالحبيبِ المُسَلِّمِ ) ( وأبرزتُ
طَرْفي نحَوَها لأُجِيبَها ... وقلتُ لها قولَ امرىء غيرِ مُعْجِمِ ) ( هنيئاً
لكم قتلي وَصَفْوُ مَودّتي ... وقد سِيطَ في لحمي هواكِ وفي دمي ) الغناء
لابن عائشة ثقيل أول عن الهشامي قال فلما وثبنا للانصراف قال لنا وقد اشتد الحر
أقيموا عندي فوجهت غلاما معي وأعطيته دينارا وقلت له ابتع فراريج بعشرة دراهم
وثلجا بخمسة دراهم وعجل فجاء بذلك فدفعه إلى زلبهزة وأمره بإصلاح الفراريج ألوانا وكتبت
إلى علويه فعرفته خبرنا فجاءنا وأقام وأفطرنا عند زلبهزة وشرب منا من كان يستجيز
الشراب وغنى علويه لحنا ذكر أنه لابن سريج ثقيل أول فاستغربه الجماعة وهو صوت ( يا
هندُ إِنّ الناسَ قد أفسدوا ... وُدّكِ حتى عَزّني المَطْلَبُ ) ( يا
ليتَ مَنْ يسعَى بنا كاذباً ... عاشَ مُهَاناً في أذىً يَتْعَبُ ) ( هَبِيهِ
ذنباً كنتُ أذنبتُه ... قد يغفِر اللَّهُ لِمَنْ يُذْنِبُ ) ( وقد
شَجَاني وجرتْ دَمْعَتي ... أنْ أرسلتْ هندٌ وهِي تَعْتِبُ ) ( ما
هَكَذَا عاهدتَنا في مِنىً ... ما أنتَ إِلاَّ سَاحرٌ تَخْلُبُ ) ( حلفتَ
لِي باللَّه لا نَبْتَغِي ... غيرَكِ ما عشتِ ولا تَطْلُبُ ) قال
وقام عبد الصمد الهاشمي ليبول فقال علويه كل شيء قد عرفت معناه أما أنت فصديق
الجماعة وهذا يتعشق هذه وهذا مولاها وأنا ربيتها وعلمتها وهذا الهاشمي أيش معناه فقلت
لهم دعوني أحكه وآخذ لزلبهزة منه شيئا فقال لا والله ما أريد فقلت له أنت أحمق أنا
آخذ منه شيئا لا يستحي القاضي من أخذه فقال إن كان هكذا فنعم فقلت له إذا جاء عبد
الصمد فقل لي ما فعل الآجر الذي وعدتني به فإن حائطي قد مال وأخاف أن يقع ودعني
والقصة فلما جاء الهاشمي قال لي زلبهزة ما أمرته به فقلت ليس عندي آجر ولكن اصبر حتى
أطلب لك من بعض أصدقائي وجعلت أنظر إلى الهاشمي نظر متعرض به قال الهاشمي يا غلام
دواة ورقعة فأحضر ذلك فكتب له بعشرة آلاف آجرة إلى عامل له وشربنا حتى السحر
وانصرفنا فجئت برقعته إلى الآجري ثم قلت بكم تبيعه الآجر فقال بسبعة وعشرين درهما الألف
قلت فبكم تشتريه مني قال بنقصان ثلاثة دراهم في الألف فقلت فهات فأخذت منه مائتين
وأربعين درهما واشتريت منها نبيذا وفاكهة وثلجا ودجاجا بأربعين درهما وأعطيت
زلبهزة مائتي درهم وعرفته الخبر ودعونا علويه والهاشمي وأقمنا عند زلبهزة ليلتنا
الثانية فقال علويه نعم الآن صار للهاشمي عندكم موضع ومعنى رتبته بين المغنين
أخبرني جحظة قال حدثني أحمد بن حمدون قال حدثني أبي قال قال لنا الواثق يوما من
أحذق الناس بالصنعة قلنا إسحاق قال ثم من قلنا علويه قال فمن أضرب الناس قلنا ثقيف
قال ثم من قلنا علويه قال فمن أطيب الناس صوتا قلنا مخارق قال ثم من قلنا علويه قال
أعترفتم له بأنه مصلي كل سابق وقد جمع الفضائل كلها وهي متفرقة فيهم فما ثم ثان
لهذا الثالث وحدثني جحظة قال حدثني محمد بن أحمد المكي المرتجل قال حدثني أبي قال دخلت
إلى علويه أعوده من علة أعتلها ثم عوفي منها فجرى حديث المأمون فقال لي كدت علم
الله أذهب دفعة ذات يوم وأنا معه لولا أن الله تعالى سلمني ووهب لي حلمه فقلت كيف
كان السبب في ذلك فقال كنت معه لما خرج الى الشأم فدخلنا دمشق فطفنا فيها وجعل
يطوف على قصور بني أمية ويتبع آثارهم فدخل صحنا من صحونهم فإذا هو مفروش بالرخام
الأخضر كله وفيه بركة ماء يدخلها ويخرج منها من عين تصب اليها وفي البركة سمك وبين
يديها بستان على أربع زواياه أربع سروات كأنها قصت بمقراض من التفافها أحسن ما
رأيت من السرو قط قدا وقدرا فاستحسن ذلك وعزم على الصبوح وقال هاتوا لي الساعة
طعاما خفيفا فأتي ببزماورد فأكل ودعا بشراب وأقبل علي وقال غنني ونشطني فكأن الله
عز و جل أنساني الغناء كله إلا هذا الصوت ( لو
كان حَوْلِي بنو أُميّةَ لَمْ ... تَنْطِقْ رجالٌ أراهُمُ نَطَقُوا ) فنظر
إلي مغضبا وقال عليك وعلى بني أمية لعنة الله ويلك أقلت لك سؤني أو سرني ألم يكن
لك وقت تذكر فيه بني أمية إلا هذا الوقت تعرض بي فتحيلت عليه وعلمت أني قد أخطأت
فقلت أتلومني على أن أذكر بني أمية هذا مولاكم زرياب عندهم يركب في مائتي غلام
مملوك له ويملك ثلاثمائة ألف دينار وهبوها له سوى الخيل والضياع والرقيق وأنا
عندكم أموت جوعا فقال أولم يكن لك شيء تذكرني به نفسك غير هذا فقلت هكذا حضرني حين
ذكرتهم فقال اعدل عن هذا وتنبه على إرادتي فأنساني الله كل شيء أحسنه إلا هذا
الصوت ( الحَيْنُ ساق إلى دِمَشْقَ ولم
أَكُنْ ... أرضَى دمَشْقَ لأهلِنا بَلَدَا ) فرماني
بالقدح فأخطأني فانكسر القدح وقال قم عني إلى لعنة الله وحر سقر وقام فركب فكانت
والله تلك الحال آخر عهدي به حتى مرض ومات قال ثم قال لي يا أبا جعفر كم تراني
أحسن أغني ثلاثة آلاف صوت أربعة آلاف صوت خمسة آلاف صوت أنا والله أغني أكثر من
ذلك ذهب علم الله كله حتى كأني لم أعرف غير ما غنيت ولقد ظننت أنه لو كانت لي ألف
روح ما نجت منه واحدة منها ولكنه كان رجلا حليما وكان في العمر بقية نسبة هذين
الصوتين المذكورين في الخبر صوت ( لو
كان حولي بنو أُمَيَّةَ لم ... تَنْطِقْ رجالٌ أراهُمُ نَطَقُوا ) ( مِنْ
كلّ قَرْمٍ مَحْضٍ ضرائبُه ... عن مَنْكِبَيْه القميصُ يَنخَرِق ) الشعر
لعبد الله بن قيس الرقيات والغناء لمعبد ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وذكر الهشامي
أنه لابن سريج وذكر ابن خرداذبه أن فيه لدكين بن عبد الله بن عنبسة بن سعيد بن
العاصي لحنا من الثقيل الأول وأن دكينا مدني كان منقطعا إلى جعفر بن سليمان صوت ( الحَيْنُ
ساقَ إلى دِمَشْقَ وما ... كانت دمشقُ لأهلِنا بَلَدَاً ) ( قادتْك
نَفْسُك فاستقدتَ لها ... وأُرِيتَ أمرَ غَوَايةٍ رَشَدَا ) لعمر
الوادي في هذا الشعر ثقيل أول بالوسطى عن ابن المكي قال وفيه ليعقوب الوادي رمل
بالبنصر حدثني عمي قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال سمعت الحسن بن
وهب الكاتب يحدث أن علويه كان يصطبح في يوم خضابه مع جواريه وحرمه ويقال أجعل
صبوحي في أحسن ما يكون عند جواري فقيل له إن ابن سيرين كان يقول لا بأس بالخضاب ما
لم تغرر به امرأة مسلمة فقال إنما كره لئلا يتصنع به لمن لا يعرفه من الحرائر
فيتزوجها على أنه شاب وهو شيخ فأما الإماء فهن ملكي وما أريد أن أغرهن قال الحسن
فتعالل علويه على المعتصم ثلاثة أيام متوالية واصطبح فيها فدعاني وكان صوته على
جواريه في شعر الأخطل ( كأنّ
عَطَّارةً باتتْ تُطِيفُ به ... حتى تَسَرْبَلَ مثلَ الوَرْسِ وانْتَعَلاَ ) فقال
لي كيف رويته فقلت له قرأت شعر الأخطل وكان أعلم الناس به كان يختار تسرول ويقول
إنما وصف ثورا دخل روضة فيها نوار أصفر فأثر في قوائمه وبطنه فكان كالسراويل لا
أنه صار له سربال ولو قال تسربل أيضا لم يكن فاسدا ولكن الوجه تسرول أخبرني جعفر
بن قدامة قال حدثني علي بن يحيى المنجم قال قدمت من سر من رأى قدمة بعد طول غيبة
فدخلت إلى إسحاق الموصلي فسلم علي وسألني خبري وخبر الناس حتى أنتهينا إلى ذكر
الغناء فسألني عما يتشاغل الناس من الأصوات المستجادة فقلت له تركت الناس كلهم
مغرمين بصوت لك قال وما هو فقلت ( أَلاَ
يا حَمَامَيْ قَصْرِ دُورَانَ هِجْتُما ... ) فقال
ليس ذلك لي ذاك لعلويه وقد لعمري أحسن فيه وجود ما شاء غنى المأمون بأبيات معه
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي قال حدثني علويه
قال خرج المأمون يوما ومعه أبيات قد قالها وكتبها في رقعة بخطه وهي صوت ( خرجْنا
إلى صَيْد الظِّباءِ فصادَني ... هناك غَزالٌ أدعجُ العَيْنِ أحْوَرُ ) ( غزالٌ
كأنّ البدرَ حلّ جبينَه ... وفي خدّه الشِّعْرَى المنيرةُ تَزْهَرُ ) ( فصاد
فُؤادِي إذْ رمانِي بِسَهْمه ... وسهمُ غزالِ الإِنْسِ طَرْفٌ ومِحْجَرُ ) ( فيا
مَنْ رأى ظبياً يَصِيدُ ومَنْ رأى ... أخَا قَنَصٍ يُصْطَادُ قَهْراً ويُقْسَرُ ) قال
فغنيته فيها فأمر لي بعشرة آلاف درهم قال أبو القاسم جعفر بن قدامة لحن علويه في
هذا الشعر ثقيل أول ابتداؤه نشيد غنى الرشيد في مجلسه فأغضبه أخبرني محمد بن مزيد
قال حدثني حماد عن أبيه قال غنيت الرشيد يوما ( هما
فَتَاتَانِ لَمّا يَعْرِفَا خُلُقي ... وبالشَّبابِ على شَيْبِي يُدِلاّنِ ) فطرب
وأمر لي بألف دينار فقال له ابن جامع وكان أحسد الناس اسمع غناء العقلاء ودع غناء
المجانين وكنت أخذت هذا الصوت من مجنون بالمدينة كان يجيده ثم غنى قوله ( ولقد
قالتْ لأترابٍ لها ... كالمَهَا يَلْعَبْنَ في حُجْرتها ) ( خُذْنَ
عني الظِّلَّ لا يَتْبَعُني ... وغدتْ تسعَى إلى قُبَّتها ) فطرب
وأمر له بألف وخمسمائة دينار ثم تغنى وجه القرعة ( يَمشُون
فيها بكلِّ سابغةٍ ... أُحْكِمَ فيها القَتِيرُ والحِلَقُ ) فاستحسنه
وشرب عليه وأمر له بخمسمائة دينار ثم تغنى علويه ( وأرَى
الغَوانِي لا يُواصِلْنَ أمرَأً ... فَقَدَ الشّبابَ وقد يَصِلْنَ الأمْرَدَا ) فدعاه
الرشيد وقال له يا عاض بظر أمه تغني في مدح المرد وذم الشيب وستارتي منصوبة وقد
شبت كأنك إنما عرضت بي ثم دعا بمسرور فأمره أن يأخذ بيده فيخرجه فيضربه ثلاثين درة
ولا يرده إلى مجلسه ففعل ذلك ولم ينتفع الرشيد يومئذ بنفسه ولا أنتفعنا به بقية
يومنا وجفا علويه شهرا فلم يأذن له حتى سألناه فأذن له نسبة هذه الأصوات التي
تقدمت صوت ( هما فتاتانِ لمّا يَعْرِفا خُلُقِي ... وبالشّبابِ على شَيْبي يُدِلاّنِ ) ( كلُّ
الفَعَالِ الّذي يفعلنَه حَسَنٌ ... يُضْنِي فؤادي ويُبْدِي سِرَّ أشجاني ) ( بَلِ
أحْذَرَا صَوْلةً من صَوْلِ شَيْخِكما ... مَهْلاً عنِ الشَّيْخِ مهلاً يا فتاتانِ ) لم
يقع إلي شاعره فيه لابن سريج ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه
لابن سريج رمل بالبنصر عن عمرو وفيه لسليمان المصاب رمل كان يغنيه فدس الرشيد إليه
إسحاق حتى أخذه منه وقيل بل دس عليه ابن جامع إسحاق يأخذ صوتا من سليمان المصاب
أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال دعاني الرشيد لما حج
فقال صر إلى موضع كذا وكذا من المدينة فإن هناك غلاما مجنونا يغني صوتا حسنا وهو ( هُمَا
فتاتانِ لمّا يعرِفا خُلُقي ... وبالشبابِ على شيبي يُدِلاّنِ ) وله
أم فصر إليها وأقم عندها واحتل حتى تأخذه فجئت أستدل حتى وقفت على بيتها فخرجت إلي
فوهبت لها مائتي درهم وقلت لها أريد أن تحتالي على ابنك حتى آخذ منه الصوت الفلاني
فقالت نعم وأدخلتني دارها وأمرتني فصعدت إلى علية لها فما لبثت أن جاء ابنها فدخل فقالت
له يا سليمان فدتك نفسي أمك قد أصبحت اليوم خاثرة مغرمة فاحب أن تغني ذلك الصوت ( هما
فتاتان لمّا يعرفا خُلُقِي ... ) فقال
لها ومتى حدث لك هذا الطرب قالت ما طربت ولكنني أحببت أن أتفرج من هم قد لحقني فاندفع
فغناه فما سمعت أحسن من غنائه فقالت له أمه أحسنت فديتك فقد والله كشفت عني قطعة
من همي فأسألك أن تعيده قال والله ما لي نشاط ولا أشتري غمي بفرجك فقالت أعده
مرتين ولك درهم صحيح تشتري به ناطفا قال ومن أين لك درهم ومتى حدث لك هذا السخاء
فقالت هذا فضول لا تحتاج إليه وأخرجت إليه درهما فأعطته إياه فأخذه وغناه مرتين
فدار لي وكاد يستوي فأومأت إليها من فوق أن تستزيده فقالت يا بني بحقي عليك إلا
أعدته فقال أظن أنك تريدين أن تأخذيه فتصيري مغنية فقالت نعم كذا هو قال لا وحق
القبر لا أعدته إلا بدرهم آخر فأخرجت له درهما آخر فأخذه وقال أظنك والله قد
تزندقت وعبدت الكبش فهو ينقد لك هذه الدراهم أو قد وجدت كنزا فغناه مرتين وأخذته
واستوى لي ثم قام فخرج يعدو على وجهه فجئت إلى الرشيد فغنيته به وأخبرته بالقصة
فطرب وضحك وأمر لي بألف دينار وقال لي هذه بدل مائتي الدرهم صوت ( ولقد قالتْ
لأترابٍ لها ... كالمَهَا يَلْعَبْنَ في حُجْرَتِها ) ( خُذْنَ
عنِّي الظِّلَّ لا يتَبعني ... وعَدَتْ سَعْياً إلى قُبَّتها ) ( لم
يُصِبْها نَكَدٌ فيما مَضَى ... ظَبْيةٌ تختالُ في مَشْيَتها ) في
هذه الأبيات رمل بالبنصر ذكر الهشامي أنه لابن جامع المكي وذكر ابن المكي أنه لابن
سريج وهو في أخبار ابن سريج وأغانيه غير مجنس صوت ( يمشون
فيها بكلّ سابغةٍ ... أُحْكِمَ فيها القَتِيرُ والحِلَقُ ) ( تعرِف
إنْصافَهُمْ إذا شَهِدوا ... وصَبْرَهم حين تَشْخَصُ الحَدَقُ ) الغناء
لابن محرز خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشامي وحبش صوت ( يَجْحَدْنَنِي دَيْنِي النهارَ
وأقتضِي ... دَيْني إذا وَقَذَ النُّعاسُ الرُّقَّدَا ) ( وأرى
الغواني لا يُواصِلْنَ امرأً ... فَقَد الشبابَ وقد يَصِلْنَ الأمْرَدَا ) الشعر
للأعشى والغناء لمعبد خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو صوت ( أيَّةُ
حالٍ يابنَ رَامِينِ ... حالُ المُحِبِّينَ المَسَاكِينِ ) ( تركتهم
مَوْتَى وما مُوِّتوا ... قد جُرِّعُوا منكَ الأَمَرِّينِ ) ( وسِرْتَ
في رَكْبٍ على طِّيةٍ ... رَكْبٍ تَهَامٍ وَيَمَانِيِنِ ) ( يا
راعَيَ الذَّوْدِ لقد رُعْتَهُمْ ... وَيْلَك من رَوْعِ المُحِبِّينِ ) الشعر
لإسماعيل بن عمار الأسدي والغناء لمحمد بن الأشعث بن فجوة الزهري الكوفي ولحنه
خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن الهشامي وأحمد بن المكي نسب إسماعيل بن عمار
وأخباره هو إسماعيل بن عمار بن عيينة بن الطفيل بن جذيمة بن عمرو بن خلف بن زبان
بن كعب بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة أخبرني بذلك علي بن سليمان
الأخفش عن السكري عن ابن حبيب وإسماعيل بن عمار شاعر مقل مخضرم من شعراء الدولتين
الأموية والهاشمية وكان ينزل الكوفة قال ابن حبيب كان في الكوفة صاحب قيان يقال له
ابن رامين قدمها من الحجاز فكان من يسمع الغناء ويشرب النبيذ يأتونه ويقيمون عنده
مثل يحيى بن زياد الحارثي وشراعة بن الزندبوذ ومطيع بن إياس وعبد الله ابن العباس
المفتون وعون العبادي الحيري ومحمد بن الأشعث الزهري المغني وكان نازلا في بني أسد
في جيران إسماعيل بن عمار فكان إسماعيل يغشاه ويشرب عنده ثم انتقل من جواره إلى
بني عائذ الله فكان إسماعيل يزوره هناك على مشقة لبعد ما بينهما وكان لابن رامين
جوار يقال لهن سلامة الزرقاء وسعدة وربيحة وكن من أحسن الناس غناء واشترى بعد ذلك محمد
بن سليمان سلامة الزرقاء التي يقول فيها محمد بن الأشعث ( أمسى
لِسَلاّمَةَ الزرقاءِ في كَبِدِي ... صَدْعٌ مُقِيمٌ طَوَالَ الدَّهرِ والأَبَد ) ( لا
يستطيعُ صَنَاعُ القومِ يَشْعَبُه ... وكيف يُشْعَبُ صَدْعُ الحُبِّ في كبِدِ ) تشبيبه
بجواري ابن رامين وفي جواريه يقول إسماعيل بن عمار ( هَلْ
مِنْ شِفَاءٍ لِقلبٍ لَجَّ محزونِ ... صَبَا وصَبَّ إلى رئْم ابن رامينِ ) ( إلى
رُبَيْحَةَ إِنّ اللَّه فَضّلها ... بحُسْنِها وسَماعٍ ذي أفانينِ ) ( وهاجَ
قلبيَ منها مَضْحَكٌ حسنٌ ... وَلَثْغةٌ بعدُ في زَايٍ وفي سينِ ) ( نَفْسِي
تأبَّى لكمْ إِلاَّ طَوَاعِيةً ... وأنتِ تأبَيْنَ لُؤماً أنْ تُطِيعيني ) ( وتلك
قِسْمةُ ضِيزَي قد سمعتِ بها ... وأنت تَتْلِينَها ما ذاك في الدِّينِ ) ( إِنْ
تُسْعِفِيني بذاك الشيء أرضَ به ... وإنْ ضَنَنْتِ به عنِّي فَزَنِّيني ) ( أنتِ
الطبيبُ لداءِ قد تلبَّس بي ... من الجَوَى فانْفُثِي في فيّ وارْقِيني ) ( نَعَمْ
شِفَاؤكَ منها أن تقولَ لها ... أضْنَيْتَنِي يوم دَيْرِ اللُّجِ فاشْفِيني ) ( يا
ربِّ إِنَّ ابنَ رَامينٍ له بَقَرٌ ... عِينٌ وليس لنا غيرُ البراذين ) ( لو
شئتَ أعطيتَه مالاً على قَدَرٍ ... يرضَى به منكَ غيرَ الرَّبْرَب العِين ) ( لا
أَنْسَ سَعْدَةَ والزَّرْقَاءَ يومَ هُمَا ... باللُّجِّ شَرْقِيَّةُ وفوق
الدَّكاكينِ ) ( يُغَنِّيان
ابنَ رامينٍ على طَرَبٍ ... بالمِسْجَحيّ وتشبيبِ المحبِّينِ ) ( أذاك
أنْعَمُ أم يومٌ ظلِلتُ به ... فِرَاشِيَ الوَرْدُ في بُسْتَان شُورِينِ ) ( يَشْوِي
لنا الشيخُ شُورِينٌ دَوَاجنهَ ... بالجَرْدَناج وسحّاج الشقابين ) ( نُسْقَى
طِلاءً لِعِمْرانٍ يُعَتِّقُه ... يَمْشِي الأصِحَّاءُ منه كالمجانينِ ) ( يُزِلّ
أقدَامنا من بعد صِحّتها ... كأنّها ثِقَلاً يُقْلَعْنَ من طِينِ ) ( نمشِي
وأرجلُنا مطويّةٌ شَلَلاً ... مَشْيَ الإِوَزِّ التي تأتي من الصينِ ) ( أو
مَشْيَ عُمْيانِ دَيْرٍ لا دليلَ لهم ... سِوَى العِصِيِّ إلى يومِ السَّعانينِ ) ( في
فِتيةٍ من بني تَيْمٍ لهوتُ بهم ... تَيمِ بن مُرّةَ لا تَيْمِ العَدِيِّينِ ) ( حُمْرُ
الوُجوهِ كأنّا من تَحَشُّمنا ... حسناءُ شمطاء وافتْ من فلَسْطِينِ ) ( ما
عائذ اللَّه لولا أنتِ من شجَنِي ... ولا ابنُ رامينَ لولا ما يُمَنِّينِي ) ( في
عائذ اللَّه بيتٌ ما مررتُ به ... إِلاّ وُجِئْتُ علي قلبي بِسِكينِ ) ( يا
سَعْدَةُ القَيْنَةُ الخضراءُ أنتِ لنا ... أُنْسٌ لأنّك في دار ابن رامينِ ) ( ما
كنتُ أحْسِبُ أنّ الأُسْدَ تُؤْنِسني ... حتى رأيتُ إليكِ القلبَ يدعونِي ) ( لولا
رُبَيْحَةُ ما استأنستُ ما عَمَدتْ ... نفسي إليك ولو مُثِّلتِ من طينِ ) محمد
بن سليمان اشترى سلامة الزرقاء بمائة ألف درهم قال وحج ابن رامين وحج بجواريه معه
وكان محمد بن سليمان إذ ذاك على الحجاز فاشترى منه سلامة الزرقاء بمائة ألف درهم فقال
إسماعيل بن عمار ( أيّةُ
حالٍ يا ابنَ رَامينِ ... حالُ المُحِبِّين المساكينِ ) ( تركتَهَم
مَوْتَى وما مُوِّتُوا ... قد جُرِّعوا منك الأَمَرِّينِ ) ( وسِرْتَ
في ركبٍ على طِيَّةٍ ... رَكْبٍ تَهامٍ وَيَمَانينِ ) ( حَجَجْتَ
بيتَ اللَّه تبغي به البِرَّ ... ولم تَرْثِ لمحزونِ ) ( يا
راعيَ الذَّوْدِ لقد رُعْتَهُمْ ... وَيْلَكَ من رَوْعِ المُحِبِّينِ ) ( فرّقتَ
قوماً لا يُرَى مِثْلُهم ... ما بين كُوفانٍ إلى الصّينِ ) رثاؤه
لابن له مات أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا السكري عن محمد قال كان
لإسماعيل بن عمار ابن يقال له معن فمات فقال يرثيه ( يا
مَوْتُ ما لكَ مُولَعاً بِضِرَارِي ... إِنِّي عليكَ وإنْ صَبَرْتُ لزاري ) ( تعدو
عليّ كأنّني لك واترٌ ... وأؤول منكَ كما يؤولُ فِرَارِي ) ( نَفْسَ
البعيدِ إذا أردتَ قريبةٌ ... ليستْ بناجيةٍ مع الأقدارِ ) ( والمرءُ
سوف وإنْ تطاولَ عُمْرُه ... يوماً يصيرُ لحُفْرَة الحَفَّارِ ) ( لَمّا
غَلاَ عَظمٌ به فكأنَّه ... من حسن بِنْيتِه قَضِيبُ نُضَارِ ) ( فجّعْتني
بأعَزِّ أهلي كُلِّهم ... تعدو عليه عَدْوَة الجبَّار ) ( هَلاَّ
بنفسي أو ببعض قَرَابتي ... أوقعتَ أوْ ما كنتَ للمُختار ) ( وتركتَ
ربتي التي مِنْ أجلِها ... عِفْتُ الجِهادَ وصِرْتُ في الأمصار ) رفض
العمل عندما رأى العمال يعذبون أخبرني علي بن سليمان قال حدثني السكري عن محمد بن
حبيب قال قال رجل من بني أسد كان وجها لإسماعيل بن عمار هلم أركب معك إلى يوسف بن
عمر فإنه صديق حتى أكلمه فيك يستعملك على عمل تنتفع به فقال له إسماعيل دعني حتى
يحول الحول فنظر إسماعيل إلى عمال يوسف يعذبون فقال في ذلك ( رأيتُ
صَبِيحةَ النَّيْروزِ أمراً ... فظيعاً عن إمارتهم نَهَانِي ) ( فَرَرتُ
من العِمالةِ بعد يَحْيَى ... وبعد النَّهْشَليّ أبي أبَانِ ) ( وبعد
الزور وابن أبي كَثِيرٍ ... وفيقدِ أشْجَعٍ وأبي بِطَانِ ) ( فحَابِ
بها أبا عُثَمانَ غيري ... فما شأنُ الإِمارةِ لي بِشانِ ) ( أُحَاذِرُ
أنْ أُقَصِّر في خَرَاجي ... إلى النَّيْروزِ أو في المِهْرَجانِ ) ( أُعَجَّلُ
إنْ أتى أجلي بوقتٍ ... وَحَسْبِي بالمُجَرِّحةِ المِتَانِ ) ( فما
عُذْرِي إذا عَرّضتُ ظهري ... لأِلفٍ من سِياطِ الشَّاهِجَانِ ) ( تُعَدُّ
ليوسفٍ عدًّا صحيحاً ... ويحفَظها عليه الجالدانِ ) ( وأُسْحَبُ
في سَراويلي بقَيْدِي ... إلى حَسّانَ مُعْتَقَلَ اللِّسانِ ) ( فمنهم
قائلٌ بُعْداً وسُحْقاً ... ومنهم آخَرَانِ يُفَدِّيانِ ) ( كفاني
من إمارتهم عَطَائي ... وما أُحْذِيتُ من سَبَق الرِّهانِ ) ( كفاني
ذاك منهم ما بَقِينا ... كما فيما مَضَى لي قد كفاني ) وقال
ابن حبيب في الإسناد الذي ذكرناه إنه كانت لعبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاصي
وصيفة مغنية يؤدبها ويصنعها ليهديها إلى هشام بن عبد الملك يقال لها بوبة فقال
فيها إسماعيل بن عمار ( بُوبَ
حُيِّيتِ عن جليسِكِ بُوبَا ... مُخطئاً في تحيِّتي أو مصيبا ) ( ما
رأينا قتيلَ حيٍّ حبا القاتلَ ... بالوِتْرِ أنْ يكونَ حبيبا ) ( غيرَ
ما قد رُزقت يا بُوبَ منِّي ... فهنيئاً وإنْ أتيتِ عجيبا ) ( غيرَ
مَنٍّ به عليكِ وإنْ كُنْتُ ... بقَدْرِ القِيَانِ طَبًّا طبيبا ) ( بنتُ
عَشْرٍ أديبةٌ في قُرَيْشٍ ... بَخْ فأَكْرِمْ بهم أباً ونَسِيبا ) ( أُدِّبتْ
في بني أمَيّةَ حتّى ... كَمَلتْ في حُجورهم تأديبا ) قال
ثم أهداها ابن عنبسة إلى هشام فقال إسماعيل بن عمار ( أَلاَ
حُيِّيتِ عنّا ثُمَّ ... سَقْياً لكِ يا بُوبَه ) ( وأَكْرِمْ
بكِ مُهْداةً ... وأَحْبِبْ بِك مَطْلوبه ) ( ووَاهاً
لكِ من بِكْرٍ ... وواهاً لكِ مثقوبَه ) ( وواهاً
لك مُلْقاةً ... وواهاً لك مكبوبه ) ( لقد
عايَنَ مَنْ يَلْقاكِ ... من حُسْنِك أُعجوبه ) ( ويا
وَيْلِي ويا عَوْلي ... فنَفْسِي الدَّهْرَ مكروبه ) ( على
هَيْفاءَ حَوْراء ... على جَيْداءَ رُعْبوبه ) ( إذا
ضاجَعها المَوْلَى ... فقد أدركَ محبوبه ) هجاؤه
لجارية له قال ابن حبيب في هذه الرواية كان لإسماعيل بن عمار جارية قد ولدت منه
وكانت سيئة الخلق قبيحة المنظر وكان يبغضها وتبغضه فقال فيها ( بُلِيتُ
بزَمَّرْدَةٍ كالعَصَا ... ألَصَّ وأخبثَ من كُنْدُشِ ) ( تُحِبّ
النساءَ وتأبَى الرجالَ ... وتمشِي مع الأسْفَهِ الأطْيش ) ( لها
وجهُ قِرْدٍ إذا ازَّيَّنَتْ ... ولونٌ كبَيْضِ القَطَا الأبْرَش ) ( ومِن
فوقِه لِمَّةٌ جَثْلَةٌ ... كمثلِ الخوافِي مِنَ المَرْعَشِ ) ( وبطنٌ
خَوَاصِرُه كالوِطَاب ... زادَ على كَرِشِ الأكْرَشِ ) ( وإنْ
نَكَهتْ كِدتُ من نَتْنِها ... أَخِرُّ على جانِبِ المَفْرَشِ ) ( وثَدْيٌ
تدلَّى على بطنِها ... كقِرْبَةِ ذي الثَّلَّةِ المُعْطِشِ ) ( وَفَخْذَانِ
بينَهما بَسْطةٌ ... إذا ما مشتْ مِشْيَة المُنْتَشِي ) ( وساقٌ
يُخَلْخِلُها خاتمٌ ... كساق الدَّجاجةِ أو أحمشُ ) ( وفي
كلِّ ضِرْسٍ لها أَكْلَةٌ ... أصَلُّ من القبر ذي المَنْبَشِ ) ( ولمّا
رأيتُ خَوَا أنفها ... وفِيها وإصْلاَلَ ما تحتشِي ) ( إلى
ضامرٍ مثلِ ظِلْفِ الغَزَالِ ... أشَدَّ اصفراراً من المِشْمِشْ ) ( فَرَرتُ
منَ البيتِ من أجلِها ... فِرار الهَجِينِ من الأعمش ) ( وأبردُ
من ثَلْج سَاتِيدَمَا ... إذا راح كالعُطُبِ المُنْفَش ) ( وأرْسَحُ
من ضِفْدَعٍ عَثّةٍ ... تَنِقُّ على الشَّطّ من مَرْعَشِ ) ( وأوْسَعُ
من باب جِسْرِ الأميرِ ... تُمِرُّ المَحَامِلَ لم تَخْدِشِ ) ( فهذِي
صِفاتِي فلا تَأْتِها ... فقد قلتُ طَرْداً لها كَشْكِشِي ) وقال
ابن حبيب كان في جوار إسماعيل بن عمار رجل من قومه ينهاه عن السكر وهجاء الناس
ويعذله وكان إسماعيل له مغضبا فبنى ذلك الرجل مسجدا يلاصق دار إسماعيل وحسنه وشيده
وكان يجلس فيه هو وقومه وذوو التستر والصلاح منهم عامة نهارهم فلا يقدر إسماعيل أن
يشرب في داره ولا يدخل إليه أحد ممن كان يألفه من مغن أو مغنية أو غيرهما من أهل الريبة
فقال اسماعيل يهجوه وكان الرجل يتولى شيئا من الوقوف للقاضي بالكوفة ( بَنَى
مسجداً بُنْيَانُه من خِيانةٍ ... لَعَمْرِي لَقِدْماً كنتَ غيرَ مُوَفَّقِ ) ( كصاحبةِ
الرُّمّان لمَّا تَصَدّقتْ ... جَرَتْ مَثَلاً للخائن المتصدِّق ) ( يقولُ
لها أهلُ الصَّلاح نصيحةً ... لكِ الوَيْلُ لا تَزْنِي ولا تَتَصَدَّقي ) وقال
ابن حبيب ولي العسس رجل غاضري فأخذ بني مالك وهم رهط إسماعيل بن عمار بان كانوا
معه فطافوا الى الغداة فلما أصبح غدا على الوالي مستعديا على الغاضري فقال له
الوالي وكان رجلا من همدان ماذا صنع بك فأنشأ يقول ( عَسَّ
بنا ليلتَه كُلَّها ... ما نحن في دُنْيَا ولا آخِرَهْ ) ( يأمُر
أشياخَ بني مالكٍ ... أن يحرُسوا دون بني غَاضِرَهْ ) ( واللَّهُ
لا يرضَى بذا كائناً ... من حُكْم هَمْدَانَ إلى الساهره ) قال
فقال له الوالي قد لعمري صدقت ووظف على سائر البطون أن يطوفوا مع صاحب العسس في
عشائرهم ولا يتجاوزوا قبيلة إلى قبيلة ويكون ذلك بنوائب بينهم انقطع إلى خالد بن
خالد بن الوليد ورثاه حين مات وقال ابن حبيب كان اسماعيل بن عمار منقطعا إلى خالد
بن خالد بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان إليه محسنا وكان ينادمه فولي خالد بن
خالد عملا للوليد بن يزيد بن عبد الملك فخرج إليه وكان إسماعيل عليلا فتأخر عنه ثم
لم يلبث خالد أن مات في عمله فورد نعيه الكوفة في يوم فطر فقال إسماعيل بن عمار
يرثيه ( ما لِعَيْنِي تَفِيضُ غيرَ جَمُودِ
... ليس تَرْقَا ولا لها من هُجودِ ) ( فإذا
قَرّتِ العيونُ اسْتَهلّتْ ... فإذا نِمْنَ أُولِعتْ بالسُّهود ) ( ألِنَعْيِ
ابنِ خالدٍ خالدِ الخَيْرات ... في يومِ زينةٍ مشهود ) ( سَنَحَتْ
لي يومَ الخميسِ غداةَ الفِطْرِ ... طيرٌ بالنَّحْس لا بالسُّعود ) ( فتعيَّفتُ
أنَّهنّ لأمرٍ ... مُفْظِعٍ مّا جَرَيْنَ في يومِ عيدِ ) ( فنعتْ
خالدَ بنَ أرْوَى وجَلّ الخطبُ ... فِقْدانُ خالدِ بن الوليدِ ) حبسه
السلطان عندما وشي به وقال ابن حبيب كان لإسماعيل بن عمار جار يقال له عثمان بن
درباس فكان يؤذيه ويسعى به الى السلطان في كل حال ثم سعى به أنه يذهب مذهب الشراة
فأخذ وحبس فقال يهجوه ( مَنْ
كان يحسُدني جاري ويَغْبِطني ... مِنَ الأنامِ بعثمانَ بنِ دِرْبَاسِ ) ( فقرَّب
اللَّه منه مثلَه أبداً ... جاراً وأبْعَدَ منه صالحَ النّاسِ ) ( جارٌ
له بابُ ساجٍ مُغْلَقٌ أبداً ... عليه من داخلٍ حُرَّاسُ أحْرَاسِ ) ( عَبْدٌ
وعبدٌ وبنتاهُ وخادِمُه ... يدعُون مثلَهُمُ ما ليس من ناس ) ( صُفْرُ
الوجوهِ كأنَّ السُّلَّ خَامَرَهُمْ ... وما بهم غيرَ جَهْدِ الجوعِ من باس ) ( له
بَنُونَ كأطْباءٍ مُعَلَّقةٍ ... في بطن خِنزيرةٍ في دار كَنَّاسِ ) ( إن
يُفْتَحِ البابُ عنهم بعد عاشرةٍ ... تظنُّهم خرجوا من قَعْرِ أرماس ) ( فليتَ
دارَ ابنِ دِرْباسٍ مُعَلَّقَةٌ ... بالنَّجْمِ بين سَلاَليم وأمْرَاس ) ( فكان
آخِرَ عَهْدِي منهمُ أبداً ... وابتعتُ داراً بغِلْمانِي وأفْراسي ) قال
وقال فيه أيضا ( لَيْتَ
بِرْذَوْنِي وبَغْلِي ... وَجَوَادي وَحِمَارِي ) ( كُنَّ
في الناس وأُبْدِلتُ ... غداً جاراً بجار ) ( جارَ
صِدْقِ بابنِ دِرْباسٍ ... وإلاّ بِعْتُ دارِي ) ( فَتَبَدّلتُ
به مِنْ ... يَمَنٍ أو من نِزَارِ ) ( بَدَلاً
يَعْرِف ما اللَّهُ ... وما حَقُّ الجِوَارِ ) ( لو
تَبَدَّلتُ سِواهُ ... طاب ليلي وَنَهارِي ) ( واسْتَرَحْنا
من بَلاَيَاهُ ... صغارٍ أو كِبارِ ) ( لو
جزيناهُ بها كُنّا ... جميعاً في فَجَارِ ) ( أو
سكتْنا كان ذُلاًّ ... داخلاً تحت الشِّعارِ ) قال
فلما قال فيه الشعر استعدى عليه السلطان وذكر أنه من الشراة وأنهم مجتمعون عنده
وأنه من دعاة عبد الله بن يحيى وأبي حمزة المختار فكتب من السجن إلى ابن أخ له
يقال له معان ( أبْلِغْ
مُعَاناً عنِّي وإخوتَه ... قولاً وما عالِمٌ كَمَنْ جَهِلاَ ) ( بأنَّني
والمُصَبِّحات مِنىً ... يعدُون طَوْراً وتارةً رَمَلاَ ) ( لخَائفٌ
أنْ يكونَ وُدُّكُمُ ... إيَّايَ بعد الصفاء قد أفَلاَ ) ( أئنْ
عَرَانِي دَهْرِي بنائبةٍ ... أصبحَ منها الفؤادُ مشتعلا ) ( حاولتُمُ
الصُّرْمَ أوْ لَعَلّكُمُ ... ظَننتُمُ ما أصابني جَلَلا ) ( لا
تُغْفِلونا بني أخِي فلقدْ ... أصبحتُ لا أبتغِي بكم بَدَلاَ ) ( تمسَّكوا
بالّذي امتسكتُ به ... فإنّ خيرَ الإِخوانِ مَنْ وَصَلا ) قال
فكتب إليه ابن أخيه ( يا
عَمِّ عُوفِيتَ من عذابِهِمُ النُّكْرِ ... وفارقتَ سِجْنَهم عَجِلاَ ) ( كتبتَ
تشكو بني أخيك وقد ... أرسلَ من كان قبلَنا مَثَلاَ ) ( ابْدَأْهُمُ
بالصُّرَاخِ يَنْهَزِموا ... فأنت يا عَمِّ تبتغِي العِللا ) ( زعمتَ
أنّا نرى بلاءك في ... دارِ بلاءٍ مُكَبَّلاً جَلَلاَ ) ( يا
عَمِّ بئس الفِتْيَانُ نحن إذاً ... أمَّا وفي رِجْلك الكُبُولُ فَلاَ ) ( عليَّ
إنْ كنتَ صادقاً حِجَجٌ ... للبيتِ عامَيْنِ حافياً رَجُلاَ ) ( بُعِّدَ
عنكَ الهمومُ فارْجُ من اللَّهِ ... خَلاَصاً وأحْسِنِ الأمَلاَ ) شعره
في الحكم بن الصلت بعد ان اطلقه من السجن قال ثم ولي الحكم بن الصلت فأطلقه وأحسن
إليه فلم يزل يشكره ويمدحه ثم عزل الحكم بعد ذلك فقال إسماعيل فيه ( تباركَ
اللَّهُ كيف أَوْحشتِ الكوفةُ ... أنْ لم يَكُنْ بها الحَكَمُ ) ( الحَكَمُ
العَدْلُ في رعيّتِهِ الكاملُ ... فيه العفافُ والفَهَمُ ) ( فأصبح
القصرُ والسَّريرانِ والمِنْبَرُ ... كالكل من أبٍ يَتَمُ ) ( يُذْرِي
عليه السريرُ عَبْرَتَه ... والمِبْتَرُ المَشْرَفيُّ يَلتدِمُ ) ( والناسُ
من حُسْنِ سِيرةِ الْحَكَمِ بنِ ... الصَّلْتِ يبكون كُلَّما ظُلِموا ) ( مثلُ
السّكَارَى في فَرْطِ وَجْدِهِمُ ... إِلاَّ عَدُوًّا عليه يُتَّهَمُ ) ( يومَ
جَرَى طائرُ النُّحوسِ لهم ... يُنْزَعُ منه القِرْطَاسُ والقَلَمُ ) ( فأرغمَ
اللَّهُ حاسِدِيهِ كما ... أرغمَ هُودَ القُرودِ إذْ رَغِمُوا ) ( في
سَبْتِهِم يوم نابَ خَطْبُهُم ... واللَّهُ ممّنْ عصاهُ ينتقمُ ) ( إنا
إلى اللَّه راجِعون أمَا ... لِلنّاسِ عهدٌ يُوفَى ولا ذِمَمُ ) ( حَوْلٌ
علينا وليلتانِ لنا ... من لَذّةِ العيش بئسَما حَكَمُوا ) ( لا
حُكْم إِلاَّ للَّه يُظْهِرُه ... يَقْضِي لِضيزَائها الَّتي قَسَموا ) ( ماذا
تُرَجِّي من عَيْشِها مُضَرٌ ... إنْ كان من شأنِها الّذي زعموا ) وقال
ابن حبيب سمع اسماعيل بن عمار رجلا ينشد أبياتا للفرزدق يهجو بها عمر بن هبيرة
الفزاري لما ولي العراق ويعجب من ولايته إياها وكان خالد القسري قد ولي في تلك
الأيام العراق فقال إسماعيل أعجب والله مما عجب منه الفرزدق من ولاية ابن هبيرة
وهو ما لست أراه يعجب منه ولاية خالد القسري وهو مخنث دعي ابن دعي ثم قال ( عَجِب
الفرزدقُ من فَزارَةَ أنْ رأى ... عنها أُمَيّةَ بالمَشَارِقِ تَنْزِعُ ) ( فلقدْ
رأى عَجَباً وأُحْدِث بعده ... أمرٌ تطيرُ له القلوبُ وتفزَع ) ( بَكَتِ
المنابرُ من فَزَارَةَ شَجْوَها ... فالآن من قَسْرٍ تصيحُ وتجزَع ) ( فملوكُ
خِنْدِفَ أضْرَعونا للعِدَا ... لِلَّهِ دَرُّ مُلوكِنا ما تَصْنَع ) ( كانوا
كقاذفةٍ بَنِيها ضَلّةً ... سَفَهاً وغيرُهُمُ تَرُبُّ وتُرْضِع ) أخبرني
حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا عبد الله بن سعيد بن
أسيد العامري قال حدثني محمد بن أنس الأسدي قال جلست إلى إسماعيل بن عمار وإذا هو
يفتل أصابعه متأسفا فقلت علام هذا التأسف والتلهف فقال ( عينايَ
مشؤومتان وَيْحَهما ... والقلبُ حَرّانُ مُبْتَلىً بهما ) ( عرَّفتاه
الهَوَى لِظُلْمهما ... يا ليتَني قبلَ ذا عَدِمْتُهما ) ( هُمَا
إلى الحَيْنِ دَلَّتَا وهما ... ذَلّ على مَنْ أُحِبُّ دَمْعُهما ) ( سأَعْذِرُ
القلبَ في هواه وما ... سَبَّبَ كلَّ البَلاَءِ غيرُهما ) صوت
( فكَعْبَةُ نَجْرَانَ حَتْمٌ عليكِ ... حتَّى تُنَاخِي بأبوَابِها ) ( نَزورُ
يَزِيدَ وعبدَ المَسِيحِ ... وَقَيْساً همُ خيرُ أربابِها ) ( وشَاهِدُنا
الجُلُّ واليَاسَمِينُ ... والمُسْمِعاتُ بقُصَّابِها ) ( وبَرْبَطُنا
دائمٌ مُعْمَلٌ ... فأيُّ الثلاثةِ أزْرَى بها ) ( إذا
الحَبَرات ناحت بهم ... وجَرُّوا أَسافِل هُدَّابها ) ( فلمّا
التَقينا على آيةٍ ... ومَدّتْ إليّ بأسبابها ) عروضه
من المتقارب الشعر للأعشى يمدح بني عبد المدان الحارثيين من بني الحارث بن كعب والغناء
لحنين خفيف ثقيل بالوسطى في مجراها عن إسحاق وذكر يونس أن فيه لحنا لمالك وزعم
عمرو بن بانة أنه خفيف ثقيل وزعم أبو عبد الله الهشامي أن فيه لابن المكي خفيف رمل
بالوسطى أوله ( تُنازِعني
إذ خلت بُرْدَها ... ) ومعه
باقي الأبيات مخلطة مقدمة ومؤخرة والكعبة التي عناها الأعشى ها هنا يقال إنها بيعة
بناها بنو عبد المدان على بناء الكعبة وعظموها مضاهاة للكعبة وسموها كعبة نجران
وكان فيها أساقفة يقيمون وهم الذين جاؤوا إلى النبي ودعاهم إلى المباهلة وقيل بل
هي قبة من أدم سموها الكعبة وكان إذا نزل بها مستجير أجير أو خائف أمن أو طالب
حاجة قضيت أو مسترفد أعطي ما يريده والمسمعات القيان والقصاب أوتار العيدان وقال
الأصمعي قلت لبعض الأعراب أنشدني شيئا من شعرك قال كنت أقول الشعر وتركته فقلت ولم
ذاك قال لأنني قلت شعرا وغنى فيه حكم الوادي وسمعته فكاد يذهل عقلي فآليت ألا أقول
شعرا وما حرك حكم قصابه إلا توهمت أن الله عز و جل مخلدي بها في النار بسم الله
الرحمن الرحيم أخبار الأعشى وبني عبد المدان وأخبارهم مع غيره أخبرني محمد بن خلف
بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي
عن حماد الراوية عن سماك بن حرب عن يونس بن متى راوية الأعشى قال كان لبيد مجبرا
حيث يقول ( مَنْ هَدَاهُ سُبُلَ الخَيْرِ
اْهْتَدى ... ناعمَ البال ومَنْ شاءَ أضَلّ ) وكان
الأعشى قدريا حيث يقول ( اِستأثر
الله بالوَفاء وبِالعدلْ ... ِ وولَّى المَلاَمةَ الرَّجُلاَ ) فقلت
له من أين أخذ هذا فقال أخذه من أساقفة نجران وكان يعود في كل سنة إلى بني عبد
المدان فيمدحهم ويقيم عندهم يشرب الخمر معهم وينادمهم ويسمع من أساقفة نجران قولهم
فكل شيء في شعره من هذا فمنهم أخذه خبر أساقفة نجران مع النبي فأما خبر مباهلتهم
النبي فأخبرني به علي بن العباس بن الوليد البجلي المعروف بالمقانعي الكوفي قال
أنبأنا بكار بن أحمد بن اليسع الهمداني قال حدثنا عبد الله بن موسى عن أبي حمزة عن
شهر بن حوشب قال بكار وحدثنا إسماعيل بن أبان العامري عن عيسى بن عبد الله بن محمد
بن عمر بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام وحديثه أتم الأحاديث وحدثني به
جماعة آخرون بأسانيد مختلفة وألفاظ تزيد وتنقص فممن حدثني به علي بن أحمد بن حامد التميمي
قال حدثنا الحسن بن عبد الواحد قال حدثنا حسن بن حسين عن حيان بن علي عن الكلبي عن
أبي صالح عن ابن عباس وعن الحسن بن الحسين عن محمد بن بكر عن محمد بن عبد الله بن
علي بن أبي رافع عن أبيه جده عن أبي رافع وأخبرني علي بن موسى الحميري في كتابه
قال حدثنا جندل بن والق قال حدثنا محمد بن عمر عن عباد الكليبي عن كامل أبي العلاء
عن أبي صالح عن ابن عباس وأخبرني أحمد بن الحسين بن سعد بن عثمان إجازة قال حدثنا
أبي قال حدثنا حصين بن مخارق عن عبد الصمد بن علي عن أبيه عن ابن عباس قال الحصين
وحدثني أبو الجارود وأبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر قال وحدثني حمد بن سالم وخليفة
بن حسان عن زيد بن علي عليه السلام قال حصين وحدثني سعيد بن طريف عن عكرمة عن ابن
عباس وممن حدثني أيضا بهذا الحديث علي بن العباس عن بكار عن إسماعيل بن أبان عن
أبي أويس المدني عن جعفر بن محمد وعبد الله والحسن ابني الحسن وممن حدثني به أيضا
محمد بن الحسين الأشناني قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق الراشدي قال حدثني يحيى بن
سالم عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام وممن أخبرني به أيضا الحسين بن حمدان بن
أيوب الكوفي عن محمد بن عمرو الخشاب عن حسين الأشقر عن شريك عن جابر عن أبي جعفر
وعن شريك عن المغيرة عن الشعبي واللفظ للحديث الأول قالوا قدم وفد نصارى نجران
وفيهم الأسقف والعاقب وأبو حبش والسيد وقيس وعبد المسيح وابن عبد المسيح الحارث وهو
غلام وقال شهر بن حوشب في حديثه وهم أربعون حبرا حتى وقفوا على اليهود في بيت المدارس
فصاحوا بهم يابن صوريا يا كعب بن الأشرف انزلوا يا إخوة القرود والخنازير فنزلوا
إليهم فقالوا لهم هذا الرجل عندكم منذ كذا وكذا سنة قد غلبكم أحضروا الممتحنة
لنمتحنه غدا فلما صلى النبي الصبح قاموا فبركوا بين يديه ثم تقدمهم الأسقف فقال يا
أبا القاسم موسى من أبوه قال عمران قال فيوسف من أبوه قال يعقوب قال فأنت من أبوك
قال أبي عبد الله بن عبد المطلب قال فعيسى من أبوه فسكت رسول الله وآله فانقض عليه
جبريل عليه السلام فقال ( إن
مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ) فتلاها رسول الله فنزا الاسقف ثم دير
به مغشيا عليه ثم رفع رأسه إلى النبي فقال له أتزعم أن الله جل وعلا أوحى إليك أن
عيسى خلق من تراب ما نجد هذا فيما أوحي إليك ولا نجده فيما أوحي إلينا ولا تجده
هؤلاء اليهود فيما أوحي إليهم فأوحى الله تبارك وتعالى إليه ( فمن حاجك فيه من
بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا
وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) فقال أنصفتنا يا أبا القاسم فمتى
نباهلك فقال بالغداة إن شاء الله تعالى وانصرف النصارى وانصرفت اليهود وهي تقول
والله ما نبالي أيهما أهلك الله الحنيفية أو النصرانية فلما صارت النصارى إلى
بيوتها قالوا والله إنكم لتعلمون أنه نبي ولئن باهلناه إنا لنخشى أن نهلك ولكن
استقيلوه لعله يقيلنا وغدا النبي من الصبح وغدا معه بعلي وفاطمة والحسن والحسين
صلوات الله عليهم فلما صلى الصبح انصرف فاستقبل الناس بوجهه ثم برك باركا وجاء
بعلي فأقامه بين يديه وجاء بفاطمة فأقامها بين كتفيه وجاء بحسن فأقامه عن يمينه
وجاء بحسين فأقامه عن يساره فأقبلوا يستترون بالخشب والمسجد فرقا أن يبدأهم
بالمباهلة إذا رآهم حتى بركوا بين يديه ثم صاحوا يا أبا القاسم أقلنا أقالك الله
عثرتك فقال النبي نعم قال ولم يسأل النبي شيئا قط إلا أعطاه فقال قد أقلتكم فولوا
فلما ولوا قال النبي أما والذي بعثني بالحق لو باهلتهم ما بقي على وجه الأرض
نصراني ولا نصرانية إلا أهلكهم الله تعالى وفي حديث شهر بن حوشب أن العاقب وثب
فقال أذكركم الله أن نلاعن هذا الرجل فوالله لئن كان كاذبا ما لكم في ملاعنته خير
ولئن كان صادقا لا يحول الحول ومنكم نافخ ضرمة فصالحوه ورجعوا قبة الأدم بنجران
وأما خبر القبة الأدم التي ذكرها الأعشى فأخبرني بخبرها عمي وحبيب بن نصر المهلبي
قالا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي بن عمرو الأنصاري عن هشام بن محمد
عن أبيه قال كان عبد المسيح بن دارس بن عربي بن معيقر من أهل نجران وكانت له قبة
من ثلاثمائة جلد أديم وكان على نهر بنجران يقال النحيردان قال ولم يأت القبة خائف
إلا أمن ولا جائع إلا شبع وكان يستغل من ذلك النهر عشرة آلاف دينار وكانت القبة
تستغرق ذلك كله وكان أول من نزل نجران من بني الحارث بن كعب يزيد بن عبد المدان بن
الديان وذلك أن عبد المسيح بن دارس زوج يزيد بن عبد المدان ابنته رهيمة فولدت له
عبد الله بن يزيد فهم بالكوفة ومات عبد المسيح فانتقل ماله إلى يزيد فكان أول
حارثي حل في نجران وفي ذلك يقول أعشى قيس بن ثعلبة ( فكعبةُ
نجرانَ حَتْمٌ عَلَيكْ ... ِ حتَّى تُنَاجِي بأَبوابِها ) ( نزورُ
يزيدَ وعبدَ المسيحِ ... وقيساً همُ خير أربابِها ) أخبرني
محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن العباس بن هشام عن أبيه قال حدثني بعض بني
الحارث بن كعب وأخبرني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني عبد الله بن
الصباح عن ابن الكلبي عن أبيه قال اجتمع يزيد بن عبد المدان وعامر بن الطفيل بموسم
عكاظ وقدم أمية بن الأسكر الكناني ومعه ابنة له من أجمل أهل زمانها فخطبها يزيد
وعامر فقالت أم كلاب امرأة أمية بن الأسكر من هذان الرجلان فقال هذا يزيد بن عبد
المدان بن الديان وهذا عامر بن الطفيل فقالت أعرف بني الديان ولا أعرف عامرا فقال
هل سمعت بملاعب الأسنة فقالت نعم قال فهذا ابن أخيه وأقبل يزيد فقال يا أمية أنا
ابن الديان صاحب الكثيب ورئيس مذحج ومكلم العقاب ومن كان يصوب أصابعه فتنطف دما
ويدلك راحتيه فتخرجان ذهبا فقال أمية بخ بخ فقال عامر جدي الأخرم وعمي ملاعب
الأسنة وأبي فارس قرزل فقال أمية بخ بخ مرعى ولا كالسعدان فأرسلها مثلا فقال يزيد
يا عامر هل تعلم شاعرا من قومي رحل بمدحة إلى رجل من قومك قال اللهم لا قال فهل
تعلم أن شعراء قومك يرحلون بمدائحهم إلى قومي قال اللهم نعم قال فهل لكم نجم يمان
أو برد يمان أو سيف يمان أو ركن يمان قال لا قال فهل ملكناكم ولم تملكونا قال نعم
فنهض يزيد وأنشأ يقول ( أُميَّ
يابنَ الأسكر بنِ مُدْلِجِ ... لا تَجْعَلَنْ هَوَازِناً كمَذْحجِ ) ( إنَّك
إنْ تَلْهَجُ بأمرٍ تَلْجج ... ما النبع في مَغْرسِه كالعَوْسَجِ ) ( ولا
الصَّرِيحُ المَحْضُ كالمُمَزَّجِ ... ) قال
قال مرة بن دودان النفيلي وكان عدوا لعامر ( يا
ليت شِعْري عنك يا يزيدُ ... ماذا الَّذِي من عامرٍ تِرِيدُ ) ( لِكُلِّ
قومٍ فَخْرُكم عتِيدُ ... أمُطلَقُون نحنُ أم عَبِيدُ ) ( لا
بل عَبِيدٌ زَادُنا الَهبيدُ ... ) قال
فزوج أمية يزيد بن عبد المدان ابنته فقال يزيد في ذلك ( يا
للرِّجال لِطارق الأحزان ... ولِعامِرِ بنِ طُفَيْلٍ الوَسْنان ) ( كانت
إتاوة قومِه لمُحَرِّقٍ ... زمناً وصارتْ بعدُ لِلنُّعْمانِ ) ( عدَّ
الفَوَارِسَ من هَوَازِنَ كُلِّها ... فخراً عليّ وجئتُ بالديّان ) ( فإذا
ليَ الشَّرَفُ المُبِينُ بوالدٍ ... ضخْم الدَّسيعةِ زانني ونَمَاني ) ( يا
عامُ إنك فارسٌ ذو مَيْعةٍ ... غَضُّ الشَّباب أخو نَدًى وقِيَان ) ( واعلمْ
بأنك بابن فارِس قُرْزُلٍ ... دون الذي تسعَى له وتُدَاني ) ( ليست
فوارسُ عامرٍ بمُقِرّةٍ ... لكَ بالفضيلةِ في بني عَيْلان ) ( فإذا
لَقِيتَ بني الحِمَاسِ ومالكٍ ... وبني الضِّباب وحيّ آلِ قَنَان ) ( فاسألْ
عن الرَّجُلِ المُنَوَّهِ باسمِه ... والدافع الأعداءِ عن نَجْران ) ( يُعْطَى
المَقَادةَ في فوارسِ قَوْمِه ... كَرَماً لَعَمْرُك والكريمُ يَمَاني ) فقال
عامر بن الطفيل ( عجباً
لواصفِ طارقِ الأحزانِ ... ولِمَا يَجِيء به بنو الدَّيّان ) ( فَخَرُوا
عليَّ بحَبْوةٍ لِمُحَرِّقٍ ... وإتاوةٍ سيقتْ إلى النُّعْمانِ ) ( ما
أنتَ وابنَُ مُحَرِّقٍ وقَبيُلَهُ ... وإتاوةَُ اللَّخْمِيِّ في عَيْلانِ ) ( فاقْصِدْ
بفَخْرِكَ قَصْدَ قومِك قُصْرةً ... ودَعِ القَبائلَ من بني قَحْطان ) ( إنْ
كان سالفةُ الإتاوةِ فيكمُ ... أوْ لاَ ففَخْرُكَ فخرُ كلِّ يَمَاني ) ( وافْخَرْ
برَهْطِ بني الحِمَاسِ ومالكٍ ... وبني الضِّباب وزَعْبَلٍ وقَنَان ) ( فأنا
المُعَظَّمُ وابنُ فارسِ قُرْزُلٍ ... وأبو بَرَاءٍ زانني ونماني ) ( وأبو
جُزَيْءٍ ذو الفَعَالِ ومالكٌ ... مَنَعا الذِّمارَ صباحَ كلِّ طِعَان ) ( وإذا
تَعَاظمتِ الأمورَ هَوازنٌ ... كنتُ المُنَوَّهَ باسمِه والباني ) مرة
بن دودان يرفض هجاء بني الديان فلما رجع القوم إلى بني عامر وثبوا على مرة بن
دودان وقالوا له أنت من بني عامر وأنت شاعر ولم تهج بني الديان فقال مرة ( تُكَلِّفُني
هوازنُ فخرَ قوْمٍ ... يقولون الأنامُ لنا عبيدُ ) ( أبونا
مَذْحِجٌ وبنو أبِيهِ ... إذا ما عُدَّتِ الآباءُ هُودُ ) ( وهل
لِي إن فَخَرْتُ بغير حقٍّ ... مَقالٌ والأنامُ لهم شُهودُ ) ( فأنَّى
تَضْرِبُ الأعلامُ صَفْحاً ... عن العَلْياء أم مَنْ ذا يَكِيدُ ) ( فقولوا
يا بني عَيْلانَ كنَّا ... لهم قِنّاً فما عنها مَحِيدُ ) وقال
ابن الكلبي في هذه الرواية قدم يزيد بن عبد المدان وعمرو بن معد يكرب ومكشوح
المرادي على ابن جفنة زوارا وعنده وجوه قيس ملاعب الأسنة عامر بن مالك ويزيد بن
عمرو بن الصعق ودريد بن الصمة فقال ابن جفنة ليزيد بن عبد المدان ماذا كان يقول
الديان إذا أصبح فإنه كان ديانا فقال كان يقول آمنت بالذي رفع هذه يعني السماء
ووضع هذه يعني الأرض وشق هذه يعني أصابعه ثم يخر ساجدا ويقول سجد وجهي للذي خلقه
وهو عاشم وما جشمني من شيء فإني جاشم فإذا رفع رأسه قال ( إنْ
تَغْفِرِ اللَّهمِّ تَغْفِرْ جَمَّا ... وأيُّ عَبْدٍ لك ما أَلمَّا ) فقال
ابن جفنة إن هذا لذو دين ثم مال على القيسيين وقال ألا تحدثوني عن هذه الرياح
الجنوب والشمال والدبور والصبا والنكباء لم سميت بهذه الأسماء فإنه قد أعياني
علمها فقال القوم هذه أسماء وجدنا العرب عليها لا نعلم غير هذا فيها فضحك يزيد بن
عبد المدان ثم قال يا خير الفتيان ما كنت أحسب أن هذا يسقط علمه على هؤلاء وهم أهل
الوبر إن العرب تضرب أبياتها في القبلة مطلع الشمس لتدفئهم في الشتاء وتزول عنهم
في الصيف فما هب من الرياح عن يمين البيت فهي الجنوب وما هب عن شماله فهي الشمال
وما هب من أمامه فهي الصبا وما هب من خلفه فهي الدبور وما استدار من الرياح بين
هذه الجهات فهي النكباء فقال ابن جفنة إن هذا للعلم يابن عبد المدان وأقبل على
القيسيين يسألهم عن النعمان بن المنذر فعابوه وصغروه فنظر ابن جفنة إلى يزيد فقال
له ما تقول يابن عبد المدان فقال يزيد يا خير الفتيان ليس صغيرا من منعك العراق
وشركك في الشام وقيل له أبيت اللعن وقيل لك يا خير الفتيان وألفى أباه ملكا كما
ألفيت أباك ملكا فلا يسرك من يغرك فإن هؤلاء لو سألهم عنك النعمان لقالوا فيك مثل
ما قالوا فيه وايم الله ما فيهم رجل إلا ونعمة النعمان عنده عظيمة فغضب عامر بن
مالك وقال له يابن الديان أما والله لتحتلبن بها دما فقال له ولم أزيد في هوازن من
لا أعرفه فقال لا بل هم الذين تعرف فضحك يزيد ثم قال ما لهم جرأة بني الحارث ولا
فتك مراد ولا بأس زبيد ولا كيد جعفي ولا مغار طيئ وما هم ونحن يا خير الفتيان
بسواء ما قتلنا أسيرا قط ولا اشتهينا حرة قط ولا بكينا قتيلا حتى نسيء به وإن
هؤلاء ليعجزون عن ثأرهم حتى يقتل السمي بالسمي والكني بالكني والجار بالجار وقال يزيد
بن عبد المدان فيما كان بينه وبين القيسيين شعرا غدا به على ابن جفنة ( تَمَالاَ
على النُّعمان قومٌ إليهمُ ... مَوَارِدُهُ في مُلْكِهِ ومَصَادِرُهْ ) ( على
غير ذنبٍ كان منه إليهمُ ... سِوَى أَنَّه جادتْ عليهم مَوَاطِره ) ( فباعَدَهُمْ
مِن كلِّ شَرٍّ يَخَافُه ... وقَرّبَهم من كلِّ خيرٍ يُبَادِره ) ( فظَنُّوا
وأعراضُ الظنون كثيرةٌ ... بأنّ الّذي قالوا من الأمر ضائرُه ) ( فلم
يَنْقُصوه بالّذي قِيلَ شَعْرةً ... ولا فُلِّلَتْ أنيابُه وأظافرُه ) ( وَللْحارِثُ
الجَفْنِيُّ أعلمُ بالّذِي ... يَنُوءُ به النُّعْمانُ إن خَفَّ طائِرُهْ ) ( فيا
حارُِكَمْ فيهمْ لِنُعْمانَ نِعْمةٍ ... من الفضل والمَنِّ الذي أنا ذَاكِرُه ) ( ذُنوباً
عفَا عنها ومالاً أفادَه ... وعَظْماً كسيراً قَوّمَتْه جَوَابِرُه ) ( ولو
سَالَ عنك العائبين ابنُ مُنْذِرٍ ... لقالوا له القولَ الذي لا يُحَاوِره ) قال
فلما سمع ابن جفنة هذا القول عظم يزيد في عينه وأجلسه معه على سريره وسقاه بيده
وأعطاه عطية لم يعطها أحدا ممن وفد عليه قط فلما قرب يزيد ركائبه ليرتحل سمع صوتا
إلى جانبه وإذا هو رجل يقول ( أمَا
مِنْ شفيعٍ من الزائرين ... يُحِبّ الثَّنَا زَنْدُه ثاقِبُ ) ( يُريد
ابنُ جفنة إكرامه ... وقد يمسَح الضَّرَّةَ الحَالِبُ ) ( فيُنْقِذَني
من أَظافيرِه ... وإلاّ فإنِّي غداً ذاهبُ ) ( فقد
قلتُ يوماً على كُرْبةٍ ... وفي الشَّرْب في يَثْرِب غالِبُ ) ( ألا
ليتَ غَسَّانَ في مُلْكِها ... كلَخْمٍ وقَد يُخْطئُ الشاربُ ) ( وما
في ابن جَفْنةَ من سُبَّةٍ ... وقد خَفّ حِلْمِي بها العازبُ ) ( كأنِّي
غريبٌ من الأْبعَدِينَ ... وفي الحَلْقِ مِنِّي شَجاً ناشِبُ ) فقال
يزيد علي بالرجل فأتي به فقال ما خطبك أنت تقول هذا الشعر قال لا بل قاله رجل من
جذام جفاه ابن جفنة وكانت له عند النعمان منزلة فشرب فقال على شرابه شيئا أنكره
عليه ابن جفنة فحبسه وهو مخرجه غدا فقاتله فقال له يزيد أنا أغنيك فقال له ومن أنت
حتى أعرفك فقال أنا يزيد بن عبد المدان فقال أنت لها وأبيك قال أجل قد كفيتك أمر
صاحبك فلا يسمعنك أحد تنشد هذا الشعر وغدا يزيد على ابن جفنة ليودعه فقال له حياك
الله يابن الديان حاجتك قال تلحق قضاعة الشأم بغسان وتؤثر من أتاك من وفود مذحج
وتهب لي الجذامي الذي لا شفيع له إلا كرمك قال قد فعلت أما إني حبسته لأهبه لسيد
أهل ناحيتك فكنت ذلك السيد ووهبه له فاحتمله يزيد معه ولم يزل مجاورا له بنجران في
بني الحارث بن كعب وقال ابن جفنة لأصحابه ما كانت يميني لتفي إلا بقتله أو هبته لرجل
من بني الديان فإن يميني كانت على هذين الأمرين فعظم بذلك يزيد في عين أهل الشام
ونبه ذكره وشرف يزيد يتدخل لدى قيس بن عاصم لفك أسير وقال ابن الكلبي في هذه
الرواية عن أبيه جاور رجلان من هوازن يقال لهما عمرو وعامر في بني مرة بن عوف بن
ذبيان وكانا قد أصابا دما في قومهما ثم إن قيس بن عاصم المنقري أغار على بني مرة
بن عوف بن ذبيان فأصاب عامرا أسيرا في عدة اسارى كانوا عند بني مرة ففدى كل قوم
أسيرهم من قيس بن عاصم وتركوا الهوازني فاستغاث أخوه بوجوه بني مرة سنان بن أبي
حارثة والحارث بن عوف والحارث بن ظالم وهاشم بن حرملة والحصين بن الحمام فلم
يغيثوه فركب إلى موسم عكاظ فأتى منازل مذحج ليلا فنادى ( دعوتُ
سِناناً وابنَ عوفٍ وحارثاً ... وعالَيتُ دَعْوَى بالحُصَيْنِ وهاشِم ) ( أعَيِّرهم
في كلِّ يومٍ وليلةٍ ... بتَرْكِ أسيرٍ عند قيس بن عاصم ) ( حَلِيفِهمُ
الأَدْنَى وجارِ بيوتهم ... ومَنْ كان عما سرَّهم غيرَ نائم ) ( فَصَمُّوا
وأحداثُ الزمانِ كثيرةٌ ... وكَمْ في بني العَلاّتِ من مُتَصامِم ) ( فيا
ليتَ شِعْرِي مَنْ لإِطلاقِ غُلِّهِ ... ومَنْ ذا الذي يَحْظَى به في المَوَاسِمِ ) قال
فسمع صوتا من الوادي ينادي بهذه الأبيات ( ألاَ
أيُّهذَا الّذي لم يُجَبْ ... عليكَ بحَيٍّ يُجَلِّي الكُرَبْ ) ( عليكَ
بذَا الحيّ من مَذْحِجٍ ... فإنَّهمُ للرِّضَا والغَضَب ) ( فنَادِ
يزيدَ بن عبدِ المَدَانِ ... وقَيْساً وعمرَو بنَ مَعْدِ يكَرِب ) ( يَفُكُّوا
أخاكَ بأموالهمْ ... وأَقْلِلْ بمِثْلِهِمُ في العَرب ) ( أُولاكَ
الرؤوس فلا تَعْدُهُمْ ... ومَنْ يجعلُ الرأسَ مثلَ الذَّنَب ) قال
فاتبع الصوت فلم ير أحدا فغدا على المكشوح واسمه قيس بن عبد يغوث المرادي فقال له
إني وأخي رجلان من بني جشم بن معاوية أصبنا دما في قومنا وإن قيس بن عاصم أغار على
بني مرة وأخي فيهم مجاور فأخذه أسيرا فاستغثت بسنان بن أبي حارثة والحارث بن عوف
والحارث بن ظالم وهاشم بن حرملة فلم يغيثوني فأتيت الموسم لأصيب به من يفك أخي
فانتهيت إلى منازل مذحج فناديت بكذا وكذا فسمعت من الوادي صوتا أجابني بكذا وكذا
وقد بدأت بك لتفك أخي فقال له المكشوح والله إن قيس بن عاصم لرجل ما قارضته معروفا
قط ولا هو لي بجار ولكن اشتر أخاك منه وعلي الثمن ولا يمنعك غلاؤه ثم أتى عمرو بن
معد يكرب فقال له مثل ذلك فقال هل بدأت بأحد قبلي قال نعم بقيس المكشوح قال عليك بمن
بدأت به فتركه وأتى يزيد بن عبد المدان فقال له يا أبا النضر إن من قصتي كذا وكذا
فقال له مرحبا بك وأهلا أبعث إلى قيس بن عاصم فإن هو وهب لي أخاك شكرته وإلا أغرت
عليه حتى يتقيني بأخيك فإن نلتها وإلا دفعت إليك كل أسير من بني تميم بنجران
فاشتريت بهم أخاك قال هذا الرضا فأرسل يزيد إلى قيس بن عاصم بهذه الأبيات ( يا
قَيْسُ أَرْسِلْ أسيراً من بني جُشَمٍ ... إنِّي بكلِّ الذي تأتي به جَازي ) ( لا
تأْمَنِ الدَّهْرَ أن تَشْجَى بغُصّتِه ... فاخْتَرْ لنفسِك إحْمادِي وإعْزازي ) ( فافْكُكْ
أخَا مِنْقَرٍ عنه وقُلْ حَسَناً ... فيما سُئِلتَ وعَقِّبْهُ بإنجاز ) قال
وبعث بالأبيات رسولا إلى قيس بن عاصم فأنشده إياها ثم قال له يا أبا علي إن يزيد
بن عبد المدان يقرأ عليك السلام ويقول لك إن المعروف قروض ومع اليوم غد فأطلق لي
هذا الجشمي فإن أخاه قد استغاث بأشراف بني مرة وبعمرو بن معد يكرب وبمكشوح مراد
فلم يصب عندهم حاجته فاستجار بي ولو أرسلت إلي في جميع أسارى مضر بنجران لقضيت حقك
فقال قيس بن عاصم لمن حضره من بني تميم هذا رسول يزيد بن عبد المدان سيد مذحج وابن
سيدها ومن لا يزال له فيكم يد وهذه فرصة لكم فما ترون قالوا نرى أن نغليه عليه ونحكم
فيه شططا فإنه لن يخذله أبدا ولو أتى ثمنه على ماله فقال قيس بئس ما رأيتم أما
تخافون سجال الحروب ودول الأيام ومجازاة القروض فلما أبوا عليه قال بيعونيه فأغلوه
عليه فتركه في أيديهم وكان أسيرا في يد رجل من بني سعد وبعث إلى يزيد فأعلمه بما
جرى وأعلمه أن الأسير لو كان في يده أو في بني منقر لأخذه وبعث به ولكنه في يد رجل
من بني سعد فأرسل يزيد إلى السعدي أن سر إلي بأسيرك ولك فيه حكمك فأتى به السعدي
يزيد بن عبد المدان فقال له احتكم فقال مائة ناقة ورعاؤها فقال له يزيد إنك لقصير
الهمة قريب الغنى جاهل بأخطار بني الحارث أما والله لقد غبتتك يا أخا بني سعد ولقد
كنت أخاف أن يأتي ثمنه على جل أموالنا ولكنكم يا بني تميم قوم قصار الهمم وأعطاه
ما احتكم فجاوره الأسير وأخوه حتى ماتا عنده بنجران وقال ابن الكلبي أغار عبد
المدان على هوازن يوم السلف في جماعة من بني الحارث بن كعب وكانت حمته على بني
عامر خاصة فلما التقى القوم حمل على وبر بن معاوية النميري فصرعه وثنى بطفيل بن
مالك فأجره الرمح وطار به فرسه قرزل فنجا واستحر القتل في بني عامر وتبعت خيل بني
الحارث من انهزم من بني عامر وفي هذه الخيل عمير ومعقل وكانا من فرسان بني الحارث
بن كعب فلم يزالوا بقية يومهم لا يبقون على شيء أصابوه فقال في ذلك عبد المدان ( عَفَا
من سُلَيْمَى بطنُ غَوْلٍ فَيذْبُلُ ... فغَمْرةُ فَيْفِ الرِّيح فالمُتَنَخَّلُ ) ( ديارُ
الّتي صاد الفؤادَ دَلالُها ... وأَغرتْ بها يوم النَّوَى حين تَرْحَلُ ) ( فإنْ
تَكُ صَدّتْ عن هَوايَ وراعَها ... نَوازِلُ أحداثٍ وشيبٌ مُجَلِّلُ ) ( فيا
رُبَّ خيلٍ قد هَدَيْتُ بِشِطْبةٍ ... يُعارِضُها عَبْلُ الجُزَارةِ هَيْكَلُ ) ( سَبُوحٌ
إذا جالَ الحِزامُ كأنّه ... إذا انْجابَ عنه النَّقْعُ في الخيلِ أجْدَلُ ) ( يُوَاغِلُ
جُرْداً كالقَنَا حارثيّةً ... عليها قَنَانٌ والحِمَاسُ وزَعْبَلُ ) ( مَعَاقِلُهمْ
في كلِّ يومِ كريهةٍ ... صدورُ العَوَالِي والصَّفِيُح المُصَقَّل ) ( وزَعْفٌ
من المَاذيّ بِيضٌ كأنّها ... نِهَاءٌ مَرَتْها بالعَشِيّاتِ شَمْألُ ) ( فما
ذَرَّ قَرْنُ الشمسِ حتى تلاحقتْ ... فَوارِسُ يَهْدِيها عُمَيْرٌ ومَعْقِلُ ) ( فجالتْ
على الحيّ الكِلاَبيّ جولةً ... فَباكَرَهُمْ وِرْدٌ من الموت مُعْجَلُ ) ( فَغَادَرْنَ
وبراً تَحْجُلُ الطيرُ حولَه ... ونجَّى طُفَيْلاً في العَجَاجةِ قُرْزُلُ ) ( فلم
ينجُ إلا فَارِسٌ من رِجالهم ... يُخَفِّفُ ركضاً خشيةَ الموت أعْزَلُ ) وليزيد
بن عبد المدان أخبار مع دريد بن الصمة قد ذكرت مع أخبار دريد في صنعة المعتضد مع
أغاني الخلفاء فاستغني عن إعادتها في هذا الموضع زينب بنت مالك ترثي يزيد بن عبد
المدان أخبرني علي بن سليمان قال أخبرني أبو سعيد السكري قال حدثني محمد بن حبيب
عن ابن الأعرابي وأبي عبيدة وابن الكلبي قالوا أغار يزيد بن عبد المدان ومعه بنو
الحارث بن كعب على بني عامر فأسر عامر بن مالك ملاعب الأسنة أبا براء وأخاه عبيدة
بن مالك ثم أنعم عليهما فلما مات يزيد بن عبد المدان واسم عبد المدان عمرو وكنيته
أبو يزيد وهو ابن الديان بن قطن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن
الحارث بن كعب بن عمرو قالت زينب بنت مالك بن جعفر بن كلاب أخت ملاعب الأسنة ترثي
يزيد بن عبد المدان ( بكيتُ
يزيدَ بن عبد المدانِ ... حَلّتْ به الأرضُ أثقالها ) ( شَريكُ
المُلوكِ ومَنْ فَضْلُه ... يَفْضُلُ في المجد أفضالَها ) ( فَكَكْتَ
أُسارَى بني جَعْفَر ... وكِنْدةَ إذ نِلْتَ أقوالَها ) ( ورَهْطُ
المُجَالِد قد جَلَّلتْ ... فواضلُ نُعْمَاك أجبالَها ) وقالت
أيضا ترثيه ( سأبكي
يزيد بن عبد المدان ... على أنّه الأحْلَمُ الأكرمُ ) ( رمَاحٌ
من العَزْمِ مركوزةٌ ... مُلوكٌ إذا بَرَزتْ تَحكمُ ) قال
فلامها قومها في ذلك وعيروها بأن بكت يزيد فقالت زينب ( ألاَ
أيُّها الزارِي عليَّ بأنَّنِي ... نِزَاريَّةٌ أبكِي كريماً يَمَانِيَا ) ( ومالِيَ
لا أبكِي يزيدَ ورَدَّنِي ... أَجُرُّ جَدِيداً مِدْرَعِي ورِدَائيا ) صوت
( أطِلْ حَمْلَ الشَّناءةِ لي وبُغْضِي ... وعِشْ ما شِئْتَ فانْظُرْ مَنْ تَضِيرُ ) ( إذا
أبصرتَني أعرضتَ عَنِّي ... كأنّ الشمسَ من قِبَلي تَدُورُ ) الشعر
لعبد الله بن الحشرج الجعدي والغناء لابن سريج ثقيل أول بالبنصر عن الهشامي أخبار
عبد الله بن الحشرج هو عبد الله بن الحشرج بن الأشهب بن ورد بن عمرو بن ربيعة بن
جعدة ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن وكان عبد الله
بن الحشرج سيدا من سادات قيس وأميرا من أمرائها ولي أكثر أعمال خراسان ومن أعمال
فارس وكرمان وكان جوادا ممدحا وفيه يقول زياد الأعجم ( إنّ
السماحةَ والشَّجاعةَ والنَّدَى ... في قُبَّةٍ ضُرِبتْ على ابنِ الحَشْرَجِ ) وله
يقول أيضا ( إذا كنتَ مُرْتادَ السَّماحةِ
والنَّدَى ... فسَائِلْ تُخَبَّرْ عن دِيَار الأَشْاهِبِ ) نسبه
إلى الأشهب جده وفي بني الأشهب يقول نابغة بني جعدة ( أبعدَ
فَوارِس يومِ الشُّرَيْفِ ... آسَى وبعدَ بني الأشْهبِ ) وكان
أبوه الحشرج بن الأشهب سيدا شاعرا وأميرا كبيرا وكان غلب على قهستان في زمن عبد
الله بن خازم فبعث إليه عبد الله بن خازم المسيب بن أوفى القشيري فقتل الحشرج وأخذ
قهستان وكان عمه زياد بن الأشهب أيضا شريفا سيدا وكان قد سار إلى أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام يصلح بينه وبين معاوية على أن يوليه الشأم فلم يجبه
وفي ذلك يقول نابغة بني جعدة يعتد على معاوية ( وقام
زيادٌ عند بابِ بنِ هاشمٍ ... يُريد صلاحاً بينكم ويُقَرِّبُ ) قدامة
بن الأحرز يمدح ابن الحشرج أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أحمد بن
الهيثم بن فراس قال حدثنا العمري عن عطاء بن مصعب عن عاصم بن الحدثان قال جاء إلى
عبد الله بن الحشرج وهو بقهستان رجل من قشير يقال له قدامة ابن الأحرز فدخل عليه
وأنشأ يقول ( أخٌ
وابنُ عَمٍّ جاءكم مُتَحَرِّماً ... بِكُمْ فَارْأَبُوا خَلاَّته يابنَ حَشْرَجِ ) ( فأنتَ
ابنُ وَرْدٍ سُدْتَ غيرَ مُدَافَعٍ ... مَعَدّاً على رَغْمِ المَنُوطِ
المُعَلْهَجِ ) ( فَبَرَّزتْ
عَفْواً إذْ جَرَيْتَ ابنَ حَشْرَجٍ ... وجاء سُكَيْتاً كلُّ أَعْقَدَ أَفْحَجِ ) ( سبقتَ
ابنَ وَرْدٍ كلَّ حافٍ وناعلٍ ... بِجَدٍّ إذا حار الأَضاميمُ مِمْعَجِ ) ( بِوَرْدِ
بن عَمْرٍ فُتَّهُمْ إنّ مِثْلَه ... قليلٌ ومَنْ يَشْرِ المَحَامِد يَفْلُجِ ) ( هُوَ
الواهِبُ الأموالِ والمُشْتَرِي اللَّهَا ... وضَرَّابُ رأسِ المُسْتَمِيتِ
المُدَجَّجِ ) قال
فأعطاه أربعة آلاف درهم وقال اعذرني يابن عمي فإني في حالة الله بها عليم من كثرة
الطلاب وأنت أحق من عذرني قال والله لو لم تعطني شيئا مع ما أعلمه من جميل رأيك في
عشيرتك ومن انقطع إليك لعذرتك فكيف وقد أجزلت العطاء وأرغمت الأعداء وكان لابن
الحشرج ابن عم يقول للقشيري ويحك ليس عنده خير وهو يكذبك ويملُذُك فبلغ ذلك عبد
الله بن الحشرج فقال ( أطِلْ
حَمْلَ الشَّناءةِ يل وبُغْضي ... وعِشْ ما شئتَ فانظُرْ مَنْ تَضِيرُ ) ( فما
بَيدَيْكَ خيرٌ أرتَجِيهِ ... وغيرُ صُدُودِكَ الخَطبُ الكَبيرُ ) ( إذا
أَبصرتَني أعرضتَ عنِّي ... كأنّ الشمسَ من قِبَلي تَدُورُ ) ( وكيف
تَعِيبُ من تُمْسِي فقيراً ... إليه حين تَحْزُبك الأمورُ ) ( ومَنْ
إنْ بِعْتَ منزلةً بأخرى ... حَلَلْتَ بأمرِه وبه تَسِيرُ ) ( أتزعم
أنَّني مَلِذٌ كَذُوبٌ ... وأنَّ المَكْرُماتِ لديَّ بُور ) ( وكيف
أكون كَذَّاباً مَلُوذاً ... وعندي يَطْلُبُ الفَرَجَ الضَّرِيرُ ) ( أُواسِي
في النَّوائب من أَتاني ... ويُجْبَرُ بِي أخو الضُرّ الفَقِيرُ ) كرم
عبد الله بن الحشرج أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا أحمد بن الهيثم عن العمري عن
عطاء ابن مصعب عن عاصم بن الحدثان قال أعطى عبد الله بن الحشرج بخراسان حتى أعطى
منشفة كانت عليه وأعطى فراشه ولحافه فقالت له امرأته لشد ما تلاعب بك الشيطان وصرت
من إخوانه مبذرا كما قال الله عز و جل ( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ) فقال
عبد الله بن الحشرج لرفاعة بن زوي النهدي وكان أخا له وصديقا يا رفاعة ألا تسمع
إلى ما قالت هذه الورهاء وما تتكلم به فقال صدقت والله وبرت إنك لمبذر وإن المبذرين
لإخوان الشياطين فقال ابن الحشرج في ذلك ( مَتَى
يأتنا الغَيْثُ المُغِيثُ تَجِدْ لنا ... مَكارِمَ ما تَعْيَا بأمْوالنِا التُّلْد ) ( مَكارِمَ
ما جُدْنا به إذْ تَمَنَّعتْ ... رِجالٌ وضنَّتْ في الرَّخاء وفي الجَهْدِ ) ( أرَدْنا
بما جُدْنا به من تِلاَدنا ... خِلافَ الَّذي يأتي خِيارُ بني نَهْدِ ) ( تَلومُ
على اِتْلافِيَ المالَ طَلَّتِي ... ويُسْعِدُها نَهْدُ بن زَيْدٍ على الزُّهْدِ ) ( أَنَهْدُ
بن زَيْدٍ لستُ منكمْ فتُشفِقُوا ... عليَّ ولا منكم غَوَاتِي ولا رُشْدي ) أراد
غوايتي فحذف الياء ضرورة ( أبَيْتُ
صَغِيراً ناشئاً ما أردتُمُ ... وكَهْلاً وحتَّى تُبْصِرُونِيَ في اللَّحْدِ ) ( سأَبْذُلُ
مالِي إنَّ مالِي ذَخِيرةٌ ... لِعَقْبِي وما أَجْنِي به ثَمَرَ الخُلْدِ ) ( ولستُ
بمِبْكاءٍ على الزَّادِ باسِلٍ ... يَهِرُّ على الأَزْوادِ كالأَسَدِ الوَرْدِ ) ( ولَكِنَّني
سَمْحٌ بما حُزْتُ باذِلٌ ... لِمَا كُلِّفتْ كَفَّايَ في الزَّمَنِ الجَحْدِ ) ( بِذلك
أوصاني الرُّقَادُ وقَبْلَه ... أبوه بأن أُعْطِي وأُوفِيَ بالعَهْدِ ) الرقاد
ابن عمرو بن ربيعة بن جعدة بن كعب وهو من عمومته وكان شجاعا سيدا جوادا قال عطاء
بن مصعب وقال عبد الله بن الحشرج أيضا في ذلك هذه القصيدة وقد ذكر ابن الكلبي وأبو
اليقظان شيئا من هذه القصيدة في كتابيهما المصنفين ونسباها إليه ( سأجعل
مالِي دونَ عِرْضِي وِقَايةً ... من الذَمِّ إن المَالَ يَفْنَى ويَنْفَدُ ) ( ويُبْقِي
لِيَ الجُودُ اصطناعَ عَشِيرتِي ... وغَيْرِهُم والجُودُ عِزٌّ مُؤَبَّدُ ) ( ومَتَّخِذٍ
ذَنْباً عليَّ سَمَاحتِي ... بمالي ونارُ البُخْلِ بالذَّمّ تُوقَدُ ) ( يَبِيدُ
الفتَى والحمدُ ليس ببائدٍ ... ولَكنَّه للمرء فضلٌ مُؤَكَّدُ ) ( ولا
شيءَ يبقَى للفتى غيرُ جُودِه ... بما مَلَكتْ كَفَّاهُ والقومُ شُهَّدُ ) ( ولائمةٍ
في الجُودِ نَهْنَهْتُ غَرْبَها ... وقلتُ لها بَنْيُ المَكارِمِ أحمدُ ) ( فلمّا
أَلَحَّتْ في المَلامةِ واعترتْ ... بذَلك غَيْظِي واعتراها التَّبَلُّدُ ) ( عرضتُ
عليها خَصْلَتَيْنِ سَماحتي ... وتَطْلِيقَها والكَفُّ عَنِّيَ أرشدُ ) ( فلَجَّتْ
وقالتْ أنتَ غاوٍ مُبَذِّرٌ ... قَرِينُك شيطانٌ مَرِيدٌ مُفَنَّدُ ) ( فقلتُ
لها بِينِي فما فيكِ رغبةٌ ... ولي عنكِ في النِّسْوان ظِلٌّ ومَقْعَدُ ) ( وعيشٌ
أنِيقٌ والنِّساءُ مَعَادِنٌ ... فَمِنْهُنّ غُلٌّ شَرُّها يتمرَّد ) ( لها
كلَّ يوم فوق رأسيَ عارِضٌ ... من الشَّرّ بَرَّاقٌ يَدَ الدهر يُرْعِدُ ) ( وأُخرى
يَلَذُّ العيشُ منها ضَجِيعُها ... كريمٌ يُغَادِيهِ من الطيرِ أسْعُدُ )
( فيا رَجُلاً حُرّاً خُذِ القصْد
واتْرُكِ الَبَلاَيَا فإنَّ الموتَ للنَّاسِ مَوْعِدُ ) ( فعِيشْ
ناعماً واتْرُكْ مَقالةَ عَاذلٍ ... يلومُك في بَذْلِ النَّدَى ويُفَنِّدُ ) ( وجُدْ
باللُّهَا إنّ السماحةَ والنَّدَى ... هي الغايةُ القُصْوى وفيها التَّمَجُّدُ )
( وحَسْبُ الفَتَى مجداً سماحةُ
كَفِّه ... وذُو المَجْدِ محمودُ الفِعَال مُحَسَّدُ ) قال
فقالت له امرأته والله ما وفقك الله لحظك أنهيت مالك وبذرته وأعطيته هيان بن بيان
ومن لا تدري من أي هافية هو قال فغضب فطلقها وكان لها محبا وبها معجبا فعنفه فيها
ابن عم لها يقال له حنظلة بن الأشهب بن رميلة وقال له نصحتك فكافأتها بالطلاق
فوالله ما وفقت لرشدك ولا نلت حظك ولقد خاب سعيك بعدها عند ذوي الألباب فهلا مضيت
لطيتك وجريت على ميدانك ولم تلتفت إلى امرأة من أهل الجهالة والطيش لم تخلق
للمشورة ولا مثل رأيها يقتدى به فقال ابن الحشرج لحنظلة ( أحَنْظَلَ
دَعْ عَنْكَ الَّذي نال مالَه ... لِيَحْمَدَه الأقوامُ في كلِّ مَحْفِل ) ( فكَمْ
من فَقِيرٍ بائس قد جَبَرْتُه ... ومِنْ عائلٍ أغنيتُ بعدَ التَّعَيُّلِ ) ( ومن
مُتْرَفٍ عن مَنْهَجِ الحقِّ جائرٍ ... علوتُ بعَضْبٍ ذي غِرَارَيْنِ مْقَصَلِ ) ( وزارٍ
عليَّ الجُودَ والجودُ شِيمتي ... فقلتُ له دَعْني وكُنْ غَير مُفْضِلِ ) ( فمِثْلُك
قد عاصَيْتُ دهراً ولم أكُنْ ... لأسمَعَ أقوال اللئيم المُبَخَّلِ ) ( أبَى
لِيَ جَدّي البُخْلَ مذ كنتُ يافعاً ... صغيراً ومن يَبْخَلْ يُلَمْ ويُضَلَّلِ ) ( ويَسْتَغْنِ
عنه الناسُ فارْكَبْ مَحَجَّةَ الْكِرامِ ودَعْ ما أنت عنه بمَعزِل ) ( فإنِّي
امرؤٌ لا أصحَبُ الدهرَ باخلاً ... لئِيماً وخيرُ النَّاسِ كلُّ مُعَذَّلِ ) ( ومُسْتَحْمِقٍ
غاوٍ أتْته نَذِيرَتي ... فلَجَّ ولم يَعْرفْ مَعَرَّةَ مِقْوَلي ) ( نفحتُ
ببيتٍ يملأ الفَمَ شاردٍ ... له حَبَرٌ كأنَّه حِبْرُ مِغْوَلِ ) ( فكَفَّ
ولو لَمْ أرْمِه شاعَ قولُه ... وصار كدِرْيَاقِ الذُّعَاف المُثَمَّلِ ) ( ولَيْلٍ
دَجُوجِيٍّ سَرَيتُ ظلاَمه ... بناجيةٍ كالُبْرج وَجْنَاءَ عَيْهَلِ ) ( إلى
مَلِكٍ مِنْ آل مَرْوانَ ماجِدٍ ... كريمِ المُحَيَّا سَيِّدٍ مُتَفَضِّلِ ) ( يجودُ
إذا ضَنَّتْ قريشٌ برِفْدِها ... ويَسْبِقُها في كلِّ يومِ تَفَضُّلِ ) ( أبوه
أبو العاصِي إذا الحَرْبُ شَمَّرتْ ... مَرَاها بمَسْنُونِ الغِرَارَيْنِ مِنْجَلِ ) ( وَقُورٌ
إذا هاجتْ به الحربُ مِرْجَمٌ ... صَبُورٌ عليها غيرُ نِكْسٍ مُهَلِّلِ ) ( أقامَ
لأهل الأرضِ دينَ محمدٍ ... وقد أدبَرُوا وارتابَ كلُّ مُضَلَّلِ ) ( فما
زالَ حَتَّى قَوَّمَ الدَّينَ سَيْفُه ... وعَزَّ بحَزْمٍ كُلَّ قَرْمٍ مُحَجَّلِ ) ( وغادَرَ
أهلَ الشَّك شَتَّى فمِنْهُمُ ... قَتِلٌ قَتيلُ ونَاجٍ فوق أَجْرَدَ هَيْكَلِ ) ( نَجَا
من رماح القوم قُدْماً وقد بَدَا ... تَباشِيُره في العَارِض المُتَهَلِّلِ ) قال
عاصم يعني بهذا المدح محمد بن مروان لما قتل مصعب بن الزبير بدير الجاثليق وكان
محمد بن مروان يقوم بأمره ويوليه الأعمال ويشفع له إلى أخيه عبد الملك حوار حول
تبذيره المال أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا أحمد بن الهيثم قال حدثنا العمري عن
عطاء بن مصعب عن عاصم بن الحدثان قال قال عبد الله بن الحشرج لابن عم له لأمه في
إنهاب ماله وتبذيره إياه وقال له فيما يقول امرأتك كانت أعلم بك نصحتك فكافأتها
بالطلاق فقال له يابن عم إن المرأة لم تخلق للمشورة وإنما خلقت وثارا للباءة ووالله
إن الرشد واليمن لفي خلاف المرأة يابن عم إياك واستماع كلام النساء والأخذ به فإنك
إن أخذت به ندمت فقال له ابن عمه والله ليوشكن أن تحتاج يوما إلى بعض ما أتلفت فلا
تقدر عليه ولا يخلفه عليك هن وهن فقال ابن الحشرج ( وعاذلةٍ
هَبَّتْ بلْيلٍ تَلُوُمني ... وتَعْذِلُني فيما أُفِيدُ وأتْلِفُ ) ( تَلَوَّمتُها
حتّى إذا هي أكثرتْ ... أتيتُ الذي كانت لَدَيّ تَوَكَّفُ ) ( وقلتُ
عليكِ الفَجَّ أكثرتِ في النَّدَى ... ومِثْلِي تَحَامَاه الأَلَدُّ المُغَطْرِفُ ) ( أبَى
لِيَ ما قد سُمْتِنِي غيرُ واحدٍ ... أبٌ وجُدودٌ مَجْدُها ليس يُوصَفُ ) ( كهُولٌ
وشُبَّانٌ مَضَوْا لِسَبِيلهِمْ ... إذا ذُكِرُوا فالعينُ مِنِّيَ تَذْرِفُ ) ( هُمُ
الغيثُ إن ضَنَّتْ سماءٌ بقَطْرِهَا ... وعندهُم يرجو الحَيَا مُتَلَهِّفُ ) ( وحَرْبٍ
يخافُ النَّاسُ شِدَّة عَرِّها ... تَظَلُّ بأنواع المَنِيّةِ تَصْرِف ) ( حَمَوْها
وقاموا بالسُّيوف لِحَمْيِها ... إذا فَنِيتْ أضحتْ لهم وهْيَ تَعْصِفُ ) ( فلمَّا
أبتْ إلا طِماحا تَنَمَّرُوا ... بأسيافِهمْ والقومُ فيهم تَعَجْرُف ) ( فذَلَّتْ
وأعطتْ بالقِيَادِ وأذعنتْ ... إذا ما اشتَهى قومِي وذُو الذُّلِّ يُنْصِفُ ) ( وكانتْ
طَمُوحَ الرَّأسِ يَصْرِف نابُها ... من الشَّرّ تاراتٍ وطوراً تَقَفْقَفُ ) ( فَلَمَّا
امْتَرَيْنَا بالسُّيوفِ خُلوفَها ... تَأبَّتْ علينا والأَسِنَّةُ تُرْعَفُ ) ( فدَرَّتْ
طِبَاقاً وارعوتْ بعد جَهْلِها ... وكُنَّا رِمَاماً لِلَّذِي يَتَصَلَّفُ ) قال
وقال عبد الله بن الحشرج لرفاعة بن زوي النهدي فيما كان يلومه فيه من التبذير
والجود ( أُلاَمُ على جُودِي وما خِلْتُ
أنَّني ... ببَذْلي وجُودِي جُرْتُ عن مَنْهَج القَصْدِ ) ( فيالاَئِمي
في الجُود أَقْصِرْ فإنَّني ... سأبْذُل مالي في الرّخاء وفي الجَهْدِ ) ( وجَدتُ
الفَتَى يَفْنَى وتبقَى فِعالُه ... ولا شيءَ خيرٌ في الحديث من الحَمْدِ ) ( وإنِّي
وباللهِ احتيالِي وحِرْفَتي ... أُصَيِّرُ جارِي بين أَحشايَ والكِبْدِ ) ( أرَى
حَقَّه في الناسِ ما عِشْتُ واجباً ... عليَّ وآتِي ما أَتيتُ على عَمْدِ ) ( وصاحبِ
صِدْقٍ كان لي ففقدتُه ... وصَيَّرنِي دَهْرِي إلى مَائِقٍ وَغْد ) ( يَلُومُ
فَعَالِي كلَّ يومٍ ولَيلةٍ ... ويعدو على الجيرانِ كالأَسَدِ الوَرْد ) ( يُخالِفُني
في كلِّ حقٍّ وباطلٍ ... ويأنَفُ أن يَمْشِي على مَنْهَج الرُّشْدِ ) ( فلمّا
تَمادَى قلتُ غيرَ مُسامِحٍ ... له النَّهْجَ فارْكَبْ ياعَسِيفَ بني نَهْد ) أخبرني
هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل العتكي قال حدثنا ابن عائشة قال مدحه
زياد الأعجم فوصله وفد زياد الأعجم على عبد الله بن الحشرج الجعدي وهو بسابور أمير
عليها فأمر بإنزاله وألطفه وبعث إليه ما يحتاج إليه ثم غدا عليه زياد فأنشده ( إنّ
السَّماحةَ والمرُوءة والنَّدَى ... في قُبَّةٍ ضربت على ابن الحَشْرَجِ ) ( مَلِكٌ
أَغَرُّ مُتَوَّجٌ ذو نائلٍ ... للمُعْتَفِينَ يَمِينُه لم تَشْنَج ) ( يا
خيرَ مَنْ صَعِدَ المنابرَ بالتُّقَى ... بعدَ النبيّ المصطفى المُتَحَرِّج ) ( لمّا
أتيتُك راجياً لِنَوَالِكُمْ ... ألفيتُ بابَ نَوالِكم لم يُرْتَجِ ) قال
فأمر له بعشرة آلاف درهم وقد قيل إن الأبيات التي ذكرتها وفيها الغناء ونسبتها إلى
عبد الله بن الحشرج لغيره والقول الأصح هو الأول أخبرني بذلك محمد بن العباس
اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد قال حدثنا العمري عن هشام بن الكلبي أنه سمع أبا باسل
ينشد هذا الشعر فقلت لمن هو فقال لعمي عنترة بن الأخرس قال وكان جدي أخرس فولد له
سبعة أو ثمانية كلهم شاعر أو خطيب ولعل هذا من أكاذيب ابن الكلبي أو حكاه عن رجل
ادّعى فيه ما لا يعلم صوت ( أصاحِ ألاَ هَلْ من سبيلٍ إلى نَجْدِ ... ورِيحِ
الخُزَامى غَضَّةً من ثَرًى جَعْدِ ) ( وهل
لِليالِينا بذي الرِّمْثِ مَرْجِعٌ ... فنَشْفِي جَوَى الأحزانِ من لاَعِج
الوَجْدِ ) - عروضه من الطويل - الشعر للطرماح
بن حكيم والغناء ليحيى المكي ثقيل أول بالبنصر من كتابه أخبار الطرماح ونسبه هو
الطرماح بن حكيم بن الحكم بن نفر بن قيس بن جحدر بن ثعلبة بن عبد رضا بن مالك بن
أمان بن عمرو بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيئ ويكنى أبا نفر وأبا
ضبينة والطرماح الطويل القامة وقيل إنه كان يلقب الطراح أخبرني بذلك أحمد بن عبد
العزيز الجوهري قال حدثني علي بن محمد النوفلي عن أبيه قال كان الطرماح بن حكيم
يلقب الطراح لقوله صوت ( أَلاَ أيُّها اللَّيلُ الطويلُ ألاَّ ارْتَحِ ... بصُبْحٍ
وما الإِصباحُ منكَ بأَرْوَحِ ) ( بَلَى
إنّ للعينين في الصُّبْحِ راحةً ... بِطَرْحِهِما طَرْفَيْهِما كلَّ مَطْرَحِ ) في
هذين البيتين لأحمد بن المكي ثقيل أول بالوسطى من كتابه والطرماح من فحول الشعراء
الإسلاميين وفصحائهم ومنشؤه بالشأم وانتقل إلى الكوفة بعد ذلك مع من وردها من جيوش
أهل الشأم واعتقد مذهب الشراة الأزارقة أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن
شبة عن المدائني عن أبي بكر الهذلي قال قدم الطرماح بن حكيم الكوفة فنزل في تيم
اللات بن ثعلبة وكان فيهم شيخ من الشراة له سمت وهيئة وكان الطرماح يجالسه ويسمع
منه فرسخ كلامه في قلبه ودعاه الشيخ إلى مذهبه فقبله واعتقده أشد اعتقاد وأصحه حتى
مات عليه أخبرني ابن دريد قال حدثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه قال قال
رؤبة كان الطرماح والكميت يصيران إلي فيسألاني عن الغريب فأخبرهما به فأراه بعد في
أشعارهما أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال سمعت محمد بن حبيب يقول سألت ابن الأعرابي
عن ثماني عشرة مسألة كلها من غريب شعر الطرماح فلم يعرف منها واحدة يقول في جميعها
لا أدري لا أدري أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة وأخبرنا
إبراهيم بن أيوب قال حدثنا ابن قتيبة قالا كان الكميت بن زيد صديقا للطرماح لا يكادان
يفترقان في حال من أحوالهما فقيل للكميت لا شيء أعجب من صفاء ما بينك وبين الطرماح
على تباعد ما يجمعكما من النسب والمذهب والبلد هو شآمي قحطاني شاري وأنت كوفي نزاري
شيعي فكيف اتفقتما مع تباين المذهب وشدة العصبية اتفقنا على بغض العامة قال وأنشد
الكميت قول الطرماح ( إذا
قُبِضَت نفسُ الطِّرمَّاحِ أَخْلقتْ ... عُرَى المَجْدِ واسْتَرْخَى عِنانُ
القصائدِ ) فقال إي والله وعنان الخطابة
والرواية والفصاحة والشجاعة وقال عمر بن شبة والسماحة مكان الشجاعة نسخت من كتاب
جدي لأمي يحيى بن محمد بن ثوابة رحمه الله تعالى بخطه قال حدثني الحسن بن سعيد عن
محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي قال وفد الطرماح بن حكيم والكميت بن زيد على مخلد بن
يزيد المهلبي فجلس لهما ودعاهما فتقدم الطرماح لينشد فقال له أنشدنا قائما فقال
كلا والله ما قدر الشعر أن أقوم له فيحط مني وأحط منه بضراعتي وهو عمود الفخر وبيت
الذكر لمآثر العرب قيل له فتنح ودعي بالكميت فأنشد قائما فأمر له بخمسين ألف درهم
فلما خرج الكميت شاطرها الطرماح وقال له أنت أبا ضبينة أبعد همة وأنا ألطف حيلة
وكان الطرماح يكنى أبا نفر وأبا ضبينة ونسخت من كتابه رضي الله عنه أخبرني الحسن
بن سعيد قال أخبرني ابن علاق قال أخبرني شيخ لنا أن خالد بن كلثوم أخبره قال بينا
أنا في مسجد الكوفة أريد الطرماح والكميت وهما جالسان بقرب باب الفيل إذ رأيت
أعرابيا قد جاء يسحب أهداما له حتى إذا توسط المسجد خر ساجدا ثم رمى ببصره فرأى
الكميت والطرماح فقصدهما فقلت من هذا الحائن الذي وقع بين هذين الأسدين وعجبت من
سجدته في غير موضع سجود وغير وقت صلاة فقصدته ثم سلمت عليهم ثم جلست أمامهم فالتفت
إلى الكميت فقال أسمعني شيئا يا أبا المستهل فأنشده قوله ( أبتْ
هذِهِ النَّفْسُ إلاَّ أدِّكَارَا ... ) حتى
أتى على آخرها فقال له أحسنت والله يا أبا المستهلِّ في ترقيص هذه القوافي ونظم
عقدها ثم التفت إلى الطرماح فقال أسمعني شيئا يا أبا ضبينة فأنشده كلمته التي يقول
فيها ( أساءكَ تقويضُ الخَليطِ المُبَاينِ
... نَعم والنَّوَى قَطَّاعةٌ للقَرَائنِ ) فقال
لله در هذا الكلام ما أحسن إجابته لرويتك إن كدت لأطيل لك حسدا ثم قال الأعرابي
والله لقد قلت بعدكما ثلاثة أشعار أما أحدها فكدت أطير به في السماء فرحا وأما
الثاني فكدت أدعي به الخلافة وأما الثالث فرأيت رقصانا استفزني به الجذل حتى أتيت
عليه قالوا فهات فأنشدهم قوله ( أأنْ
تَوَهَّمْتَ منْ خَرْقاءَ منزلةً ... ماءُ الصَّبابةِ من عينيك مسجومُ ) حتى
إذا بلغ قوله ( تَنْجُو
إذا جَعَلتْ تَدْمَى أخِشَّتُها ... وابْتَلَّ بالزَّبَدِ الجَعْدِ الخَرَاطِيمُ ) قال
أعلمتم أني في طلب هذا البيت منذ سنة فما ظفرت به إلا آنفا وأحسبكم قد رأيتم
السجدة له ثم أسمعهم قوله ( ما
بالُ عينِك منها الماءُ يَنْسَكِبُ ... ) ثم
أنشدهم كلمته الأخرى التي يقول فيها ( إذا
اللَّيْلُ عن نَشْرٍ تجلى رَمَيْنَهُ ... بأمثالِ أبصارِ النِّساء الفَوَارِكِ ) قال
فضرب الكميت بيده على صدر الطرماح ثم قال هذه والله الديباج لانسجي ونسجك الكرابيس
فقال الطرماح لن أقول ذلك وإن أقررتُ بجودته فقطب ذو الرمة وقال يا طرماح أأنت
تحسن أن تقول ( وكائنْ
تَخَطَّتْ ناقتي من مَفَازةٍ ... إليكَ ومِنْ أحواضِ ماءٍ مُسَدَّمِ ) ( بإعْقارِهِ
القِرْدانُ هَزْلَى كأنَّها ... نَوَادرُ صِيصاء الهَبِيد المُحَطَّمِ ) فأصغى
الطرماح إلى الكميت وقال له فانظر ما أخذ من ثواب هذا الشعر قال وهذه قصيدة مدح
بها ذو الرمة عبد الملك فلم يمدحه فيها ولا ذكره إلا بهذين البيتين وسائرها في
ناقته فلما قدم على عبد الملك بها أنشده إياها فقال له ما مدحت بهذه القصيدة إلا
ناقتك فخذ منها الثواب وكان ذو الرمة غير محظوظ من المديح قال فلم يفهم ذو الرمة
قول الطرماح للكميت فقال له الكميت إنه ذو الرمة وله فضله فأعتبه فقال له الطرماح
معذرة إليك إن عنان الشعر لفي كفك فارجع معتبا وأقول فيك كما قال أبو المستهل أخبرني
الحسن بن علي ومحمد بن يحيى الصولي قالا حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني
محمد بن إبراهيم بن عباد قال حدثني أبو تمام الطائي قال مر الطرماح بن حكيم في
مسجد البصرة وهو يخطر في مشيته فقال رجل من هذا الخطار فسمعه فقال أنا الذي أقول صوت
( لقد زادَنِي حَبّاً لنفسيَ أنّني
... بَغِيضٌ إلى كلِّ امرئٍ غيرِ طائِلِ ) ( وأنِّي
شَقِيٌّ باللِّئام ولا ترى ... شقّياً بهم إلاّ كريمَ الشمائلِ ) ( إذا
ما رآني قطَّع اللحظَ بينه ... وبينيَ فعلَ العارف المُتَجاهِلِ ) ( ملأتُ
عليه الأرضَ حتى كأنّها ... من الضِّيق في عينيه كفَّةُ حابِلِ ) في
هذه الأبيات لأبي العبيس بن حمدون خفيف ثقيل أول بالبنصر الطرماح وخالد القسري
أخبرني محمد بن خلف وكيع قال أخبرنا إسماعيل بن مجمع قال حدثنا هشام بن محمد قال
أخبرنا ابن أبي العمرطة الكندي قال مدح الطرماح خالد بن عبد الله القسري فأقبل على
العريان بن الهيثم فقال إني قد مدحت الأمير فأحب أن تدخلني عليه قال فدخل إليه
فقال له إن الطرماح قد مدحك وقال فيك قولا حسنا فقال ما لي في الشعر من حاجة فقال
العريان للطرماح تراء له فخرج معه فلما جاوز دار زياد وصعد المسناة إذا شيء قد
ارتفع له فقال يا عريان انظر ما هذا فنظر ثم رجع فقال أصلح الله الأمير هذا شيء
بعث به إليك عبد الله بن أبي موسى من سجستان فإذا حمر وبغال ورجال وصبيان ونساء فقال
يا عريان أين طرماحك هذا قال هاهنا قال أعطه كل ما قدم به فرجع إلى الكوفة بما شاء
ولم ينشده قال هشام والطرماح الطويل أخبرني محمد بن الحسن بن بريد قال حدثنا أبو
حاتم قال حدثني الحجاجي قال بلغني أن الطرماح جلس في حلقة فيها رجل من بني عبس
فأنشد العبسي قول كثير في عبد الملك ( فكنتَ
المُعَلَّى إذ أجِيلتْ قِدَاحُهُم ... وجال المَنِيحُ وَسْطَها يَتَقَلْقَلُ ) فقال
الطرماح أما إنه ما أراد به أنه أعلاهم كعبا ولكنه موه عليه في الظاهر وعنى في
الباطن أنه السابع في الخلفاء الذين كان كثير لا يقول بإمامتهم لأنه أخرج عليا
عليه السلام منهم فإذا أخرجه كان عبد الملك السابع وكذلك المعلى السابع من القداح
فلذلك قال ما قاله وقد ذكر ذلك في موضع آخر فقال ( وكان
الخَلائِفُ بعد الرَّسُو ... لِ للهِ كُلُّهمُ تَابِعَا ) ( شهيدانِ
من بعد صِدَّيقِهمْ ... وكان ابنُ حَرْبٍ لهم رَابِعَا ) ( وكان
ابنُه بعدَه خامساً ... مُطِيعاً لمن قبله سامِعا ) ( ومَرْوانُ
سَادِسُ مَنْ قد مضَى ... وكان ابنُه بعدَه سابعا ) قال
فعجبنا من تنبه الطرماح لمعنى قول كثير وقد ذهب على عبد الملك فظنه مدحا أخبرني
هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ قال كان أبو عبيدة والأصمعي يفضلان
الطرماح في هذين البيتين ويزعمان أنه فيهما أشعر الخلق ( مُجْتابُ
حُلَّة بُرْجُدٍ لِسَرَاته ... قِدَداً وأَخْلَفَ ما سَواه البُرْجُدُ ) ( يبدو
وتُضْمِرُه البِلادُ كأنّه ... سَيْفٌ على شَرَفٍ يُسَلُّ ويُغْمَدُ ) أخبرني
هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا دماذ قال قال أبو نواس أشعر بيت قيل بيت الطرماح ( إذا
قُبِضَتْ نفسُ الطِّرِمّاح أخْلَقَتْ ... عُرَى المجد واسْتَرْخَى عِنانُ القصائدِ ) مناقضة
بينه وبين حميد اليشكري أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي عبيدة قال
فضل الطرماح بني شمخ في شعره على بني يشكر فقال حميد اليشكري ( أتَجْعَلُنا
إلى شَمْخ بن جَرْمٍ ... ونَبْهانٍ فَأُفِّ لذا زَمانا ) ( ويومَ
الطَّاَلقانِ حَمَاك قَوْمي ... ولم تَخْضِبْ بها طَيٌّ سِنَانَا ) فقال
الطرماح يجيبُه ( لقد
علم المُعَذَّلُ يومَ يدعو ... بِرمْثةَ يومَ رِمْثَةَ إذ دعانا ) ( فوارِسُ
طَيِّءٍ مَنَعُوه لمّا ... بكى جَزَعاً ولولاهم لَحَانا ) فقال
رجل من بني يشكر ( لأَقْضِيَنّ
قضاءً غيرَ ذي جَنَف ... بالحقِّ بين حُمَيْدٍ والطِّرِمّاح ) ( جَرَى
الطِّرمّاحُ حتى دَقّ مِسْحَلَهُ ... وغُودِرَ العبدُ مقروناً بوَضَّاحِ ) يعني
رجلا من بني تميم كان يهاجي اليشكري أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا الرياشي قال
قال الأصمعي قال خلف كان الطرماح يرى رأي الشراة ثم أنشد له ( للهِ
دَرُّ الشُّرَاةِ إنّهمُ ... إذا الكَرَى مالَ بالطُّلَى أَرِقُوا ) ( يُرَجِّعون
الحَنِينَ آوِنةً ... وإن عَلاَ ساعةً بهم شَهِقوا ) ( خوفاً
تبيتُ القلوبُ واجفةً ... تكاد عنها الصدورُ تَنْفَلِق ) ( كيف
أُرَجِّي الحياةَ بعدهُمُ ... وقد مضى مُؤنِسيَّ فانطلَقوا ) ( قَومٌ
شِحاحٌ على اعتقادِهُم ... بالفَوْز ممّا يُخافُ قد وَثِقوا ) أخبرني
محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا أبو عثمان عن التوزي عن أبي عبيدة عن يونس قال
دخل الطرماح على خالد بن عبد الله القسري فأنشده قوله ( وشيَّبَني
ما لاَ أزالُ مُنَاهضاً ... بغيرِ غِنًى أسْمُو به وأَبوعُ ) ( وأنّ
رجالَ المال أضحَوْا ومالُهُم ... لهم عند أبواب الملوك شَفِيعُ ) ( أمُخْترِمِي
رَيْبُ المَنُون ولم أَنَلْ ... منَ المالِ ما أَعصي به وأُطِيع ) فأمر
له بعشرين ألف درهم وقال امض الآن فاعص بها وأطع رأي المفضل في هجائه أخبرني الحسن
بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا خذيفة بن محمد الكوفي قال
قال المفضل إذا ركب الطرماح الهجاء فكأنما يوحى إليه ثم أنشد له قوله ( لوحانَ
وِرْدُ تَمِيم ثم قيل لها ... حوضُ الرَّسولِ عليه الأزْدُ لم تَرِدِ ) ( أوْ
أَنزلَ الله وحياً أنْ يُعَذِّبهَا ... إن لم تَعُدْ لقِتالِ الأزْدِ لم تَعُدِ ) ( لاعَزّ
نَصْرُ امرىءٍ أضْحَى له فرسٌ ... على تميمٍ يُريد النصرَ من أحَدِ ) ( لو
كان يَخْفَى على الرحمن خافيةٌ ... من خلقِه خَفِيتْ عنه بنو أسَد ) أصحابه
يفاجأون بنعشه أخبرني إسماعيل بن يونس قال أخبرنا عمر بن شبة قال حدثني المدائني
قال حدثني ابن دأب عن ابن شبرمة وأخبرني محمد بن القاسم الأنباري قال أخبرني أبي
قال حدثني الحسن بن عبد الرحمن الربعي قال حدثني محمد بن عمران قال حدثني إبراهيم بن
سوار الضبي قال حدثني محمد بن زياد القرشي عن ابن شبرمة قال كان الطرماح لنا جليسا
ففقدناه أياما كثيرة فقمنا بأجمعنا لننظر ما فعل وما دهاه فلما كنا قريبا من منزله
إذا نحن بنعش عليه مطرف أخضر فقلنا لمن هذا النعش فقيل هذا نعش الطرماح فقلنا
والله ما استجاب الله له حيث يقول ( وإني
لمُقْتادٌ جَوادِي وقاذِفٌ ... به وبنَفْسِي العامَ إحدى المَقَاذِف ) ( لأَكسِبَ
مالاً أو أؤولَ إلى غنًى ... منَ اللهِ يَكْفِيني عِدَاتِ الخَلاَئِفِ ) ( فَيارَبِّ
إنْ حانَتْ وفاتي فلا تَكُنْ ... على شَرْجَعٍ يُعْلَى بخُضْرِ المَطارِفِ ) ( ولكنّ
قَبْري بطنُ نَسْر مَقِيلُه ... بجَوّ السماء في نُسورٍ عَوَاكِف ) ( وأمْسي
شهيداً ثاوياً في عِصَابةٍ ... يُصابُون في فِجٍّ من الأرض خائِفِ ) ( فَوَارِسُ
من شَيْبانَ ألَّفَ بينُهمْ ... تُقَى الله نَزّالونَ عند التَّزَاحُفِ ) ( إذا
فارقوا دُنياهُمُ فارقوا الأذَى ... وصارو إلى مِيعاد ما في المَصَاحِفِ ) صوت
( هل بالدِّيار التي بالقاع منْ أحَدٍ ... باقٍ فَيَسْمَعَ صوتَ المُدْلِجِ
السَّاري ) ( تلك المنازلُ من صَفْراءَ ليس بها
... حيٌّ يُجِيبُ ولا أصواتُ سُمَّارِ ) الشعر
لبيهس الجرمي والغناء لابن محرز ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو وقال ذكر ذلك يحيى
المكي وأظنه من المنحول وفيه لطياب بن إبراهيم الموصلي خفيف ثقيل وهو مأخوذ من لحن
ابن صاحب الوضوء ( اِرْفَعْ
ضَعِيفَك لا يَحُرْ بك ضَعْفُه ... ) أخبار
بيهس ونسبه هو بيهس بن صهيب بن عامر بن عبد الله بن ناتل بن مالك بن عبيد بن علقمة
بن سعد بن كثير بن غالب بن عدي بن سميس بن طرود بن قدامة بن جرم بن ربان بن حلوان
بن عمران بن إلحاف بن قضاعة شاعر فارس من شعراء الدولة الأموية وكان يبدو بنواحي
الشأم مع قبائل جرم وكلب وعذرة ويحضر إذا حضروا فيكون بأجناد الشأم قال أبو عمرو
الشيباني لما هدأت الفتنة بعد وقعة مرج راهط وسكن الناس مر غلام من قيس بطوائف من
جرم وعذرة وكلب وكانوا متجاورين على ماء هناك لهم فيقال إن بعض أحداثهم نخس به
ناقته فألقته فاندقت عنقه فمات واستعدى قومه عبد الملك بن مروان فبعث إلى تلك البطون
من جاءه بوجوههم وذوي الأخطار منهم فهرب بيهس بن صهيب الجرمي وكان قد اتهم بأنه هو
الذي نخس به فنزل بمحمد بن مروان واستجار به فأجاره إلا من حد توجبه عليه شهادة
فرضي بذلك صوت ( ألاَ يا حَماماتِ اللِّوَى عُدْنَ عودةً ... فإنِّي إلى
أصواتِكُنَّ حَرِينُ ) ( فعُدْنَ
فلمّا عُدْنَ كِدْنَ يُمِتْننِي ... وكِدْتُ بأسْراري لَهُنّ أُبِينُ ) ( دَعَوْنَ
بأصواتِ الهَدِيلِ كأنَّما ... شَرِبْنَ حُمَيَّا أوْ بِهِنْ جُنُونُ ) ( فَلمْ
تَرَ عيني مِثْلَهُنّ حمائماً ... بَكَيْنَ ولم تَدْمعْ لَهُنّ عُيونُ ) الشعر
لأعرابي هكذا أنشدناه جعفر بن قدامة عن أحمد بن حمدون عن أحمد بن إبراهيم بن
إسماعيل والغناء لمحمد بن الحارث بن بسخنر خفيف رمل بالوسطى عن الهشامي وقد قيل إن
الشعر لابن الدمينة أخبار محمد بن الحارث بن بسخنر هو محمد بن الحارث بن بسخنر
ويكنى أبا جعفر وهم فيما يزعمون موالي المنصور وأحسبه ولاء خدمة لا ولاء عتق
وأصلهم من الري وكان محمد يزعم أنه من ولد بهرام جوبين وولد محمد بالحيرة وكان
يغني مرتجلا إلا أن أصل ما غنى عليه المعزفة وكانت تحمل معه إلى دار الخليفة فمر غلامه
بها يوما فقال قوم كانوا جلوسا على الطريق مع هذا الغلام مصيدة الفأر وقال بعضهم
لا بل هي معزفة محمد بن الحارث فحلف يومئذ بالطلاق والعتاق ألا يغني بمعزفة أبدا
أنفة من أن تشتبه آلة يغني بها بمصيدة الفأر وكان محمد أحسن خلق الله تعالى أداء
وأسرعه أخذا للغناء وكان لأبيه الحارث بن بسخنر جوار محسنات وكان إسحاق يرضاهن
ويأمرهن أن يطرحن على جواريه وقال يوما للمأمون وقد غنى مخارق بين يديه صوتا
فآلتاث غناؤه فيه وجاء به مضطربا فقال إسحاق للمأمون يا أمير المؤمنين إن مخارقا
قد أعجبه صوته وساء أداؤه في غنائه فمره بملازمة جواري الحارث بن بسخنر حتى يعود
إلى ما تريد أخبرني جحظة قال حدثني أبو عبد الله الهشامي قال سمعت إسحاق بن
إبراهيم بن مصعب يقول للواثق قال لي إسحاق بن إبراهيم الموصلي ما قدر أحد قط أن
يأخذ مني صوتا مستويا إلا محمد بن الحارث بن بسخنر فإنه أخذ مني عدة أصوات كما
أغنيها ثم لم نلبث أن دخل علينا محمد بن الحارث فقال له الواثق حدثني إسحاق بن إبراهيم
عن إسحاق الموصلي فيك بكذا وكذا فقال قد قال إسحاق ذاك لي مرات فقال له الواثق فأي
شيء أخذت من صنعته أحسن عندك فقال هو يزعم أنه لم يأخذ منه أحد قط هذا الصوت كما
أخذته منه صوت ( إذا المَرْءُ قاسى الدَّهْرَ وابْيَضَّ رأسُه ... وثُلِّمَ تَثْلِيمَ
الإنَاءِ جَوَانِبُهْ ) ( فليس
له في العيش خيرٌ وإنْ بكى ... على العيش أو رجَّى الذي هو كَاذِبُهْ ) الشعر
والغناء لإسحاق ولحنه فيه رمل بالوسطى فأمره الواثق بأن يغنيه فغناه إياه وأحسن ما
شاء وأجاد واستحسنه الواثق وأمره بأن يردده فردده مرارا كثيرة حتى أخذه الواثق
وأخذه جواريه والمغنون قال جحظة قال الهشامي فحدثت بهذا الحديث عمرو بن بانة فقال
ما خلق الله تعالى أحدا يغني هذا الصوت كما يغنيه هبة الله بن إبراهيم بن المهدي
فقلت له قد سمعت ابن إبراهيم يغنيه فاسمعه من محمد ثم احكم فلقيني بعد ذلك فقال
الأمر كما قلت قد سمعته من محمد فسمعت منه الإحسان كله أخبرني جعفر بن قدامة قال
حدثني علي بن يحيى المنجم قال كنت يوما في منزلي فجاءني محمد بن الحارث بن بسخنر
مسلما وعائدا من علة كنت وجدتها فسألته أن يقيم عندي ففعل ودعوت بما حضر فأكلنا
وشربنا وغنى محمد بن الحارث هذا الصوت صوت ( أمِنْ
ذِكْرِ خَوْدٍ عينُك اليومَ تَدْمَعُ ... وقلُبك مشغولٌ بخَوْدِكَ مُولَعُ ) ( وقائلةٍ
لي يومَ ولَّيْتُ مُعْرِضا ... أهذا فِرَاقُ الحِبِّ أمْ كيف تَصْنَعُ ) ( فقلتُ
كَذاكِ الدَّهْرُ يا خَوْدُ فآعْلَمِي ... يُفَرِّقُ بين الناسِ طُرًّا ويَجْمَعُ ) أصل
هذا الصوت يمان هزج بالوسطى قال الهشامي وفيه لفليح ثاني ثقيل ولإسحاق خفيف رمل
قال علي بن يحيى فقلت له وقد ردد هذا الصوت مرارا وغناه أشجى غناء إن لك في هذا
الصوت معنى وقد كررته من غير أن يقترحه عليك أحد فقال نعم هذا صوتي على جارية من القيان
كنت أحبها وأخذته منها فقلت له فلم لا تواصلها فقال ( لو
لَمْ أَنْكْهَا دام لي حُبُّها ... لكِنَّني نِكْتُ فلا نِكْتُ ) فأجبته
فقلت ( أكثرتَ من نَيْكِها والَّنْيكُ
مَقْطَعةٌ ... فارْفُقْ بِنَيْككَ إنّ الرِّفْقَ محمودُ ) وأخبرني
جعفر بن قدامة عن علي بن يحيى أن إسحاق غنى بحضرة الواثق لحنه ( ذَكَرْتُكِ
إذ مَرَّتْ بِنا أُمُّ شَادِنٍ ... أمامَ المَطَايا تَشْرئِبُّ وتَسْنَحُ ) ( من
المُؤْلِفات الرَّمْلَ أدماءُ حُرّةٌ ... شُعَاعُ الضُّحَى في مَتْنِها
يَتَوَضَّحُ ) والشعر
لذي الرمة ولحن إسحاق فيه ثقيل أول فأمره أن يعيده على الجواري وأحلفه بحياته أن
ينصح فيه فقال لا يستطيع الجواري أن يأخذنه مني ولكن يحضر محمد بن الحارث فيأخذه
مني وتأخذه الجواري منه فأحضر وألقاه عليه فأخذه منه وأخذته الجواري منه أخبرني
أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل المعروف بوسواسة الموصلي قال حدثني حماد بن إسحاق قال
قال لي محمد بن الحارث بن بسخنر أخذت جارية للواثق مني صوتا أخذته من أبيك وهو صوت
( أصبحَ الشَّيْبُ في المَفَارِق شَاعَا ... واكتسى الرَّأسُ مِنْ مَشِيبٍ
قِنَاعَا ) ( وتولَّى الشَّبابُ إلاّ قليلاً ...
ثم يأبَى القليلُ إلاّ وَدَاعا ) الشعر
والغناء لإسحاق ثقيل أول قال فسمعه الواثق منها فاستحسنه وقال لعلويه ومخارق
أتعرفانه فقال مخارق أظنه لمحمد بن الحارث فقال علويه هيهات ليس هذا مما يدخل في
صنعة محمد هو يشبه صنعة ذلك الشيطان إسحاق فقال له الواثق ما أبعدت ثم بعث إلي
فأخبرني بالقصة فقلت صدق علويه يا أمير المؤمنين هذا لإسحاق ومنه أخذته حدثني جعفر
بن قدامة قال حدثني عبد الله بن المعتز قال قال لي أحمد بن الحسين بن هشام جاءني
محمد بن الحارث بن بسخنر يوما فقال لي قم حتى أطفل بك على صديق لي حر وله جارية
أحسن خلق الله تعالى وجها وغناء فقلت له أنت طفيلي وتطفل بي هذه والله اخس حال
فقال لي دع المجون وقم بنا فهو مكان لا يستحيي حر أن يتطفل عليه فقمت معه فقصد بي
دار رجل من فتيان أهل سر من رأى كان لي صديقا يكنى أبا صالح وقد غيرت كنيته على
سبيل اللقب فكني أبا الصالحات وكان ظريفا حسن المروءة يضرب بالعود على مذهب الفرس
ضربا حسنا وله رزق سني في الموالي وكان من أولادهم ولم يكن منزله يخلو من طعام
كثير نظيف لكثرة قصد إخوانه منزله فلما طرق بابه قلت له فرجت عني هذا صديقي وأنا
طفيلي بنفسي لا أحتاج أن أكون في شفاعة طفيلي فدخلنا وقدم إلينا طعام عتيد طيب
نظيف فأكلنا وأحضرنا النبيذ وخرجت جاريته إلينا من غير ستارة فغنت غناء حسنا شكلا
ظريفا ثم غنت من صنعة محمد بن الحارث هذا الصوت وكانت قد أخذته عنه وفيه أيضا لحن لإبراهيم
والشعر لابن أبي عيينة صوت ( ضيَّعْتِ
عهدَ فَتى لِعَهْدِك حافظٍ ... في حفْظِهِ وفي تَضْيِيعِكِ ) ( إن
تَقْتُليهِ وتذهبي بفؤادِهِ ... فبِحسْنِ وَجْهِكِ لا بِحُسْنِ صَنِيعِكِ ) فطرب
محمد بن الحارث ونقطها بدنانير مسيفة كانت معه في خريطته ووجه غلامه فجاءه ببرنية
غالية كبيرة فغلفها منها ووهب لها الباقي وكان لمحمد بن الحارث أخ طيب ظريف يكنى
أبا هارون فطرب ونعر ونخر وقال لأخيه أريد أن أقول لك شيئا في السر قال قله علانية
قال لا يصلح قال والله ما بيني وبينك شيء أبالي أن تقوله جهرا فقله فقال أشتهي علم
الله أن تسأل أبا الصالحات أن ينيكني فعسى صوتي أن تفتح ويطيب غنائي فضحك أبو
الصالحات وخجلت الجارية وغطت وجهها وقالت سخنت عينك فإن حديثك يشبه وجهك صوت (
وأيُّ أخٍ تَبْلُو فَتَحْمَدَ أمْرَهُ ... إذا لَجَّ خَصْمٌ أو نَبَا بِكَ
مَنْزِلُ ) ( إذا أنتَ لم تُنْصِفْ أخاك وجدتَه
... على طَرَفِ الهِجْرانِ إنْ كان يَعْقِلُ ) ( سَتَقْطَعُ
في الدُّنيا إذا ما قطعتَني ... يَمِينَك فانْظُر أيَّ كَفٍّ تَبَدَّلُ ) ( إذا
انصرفتْ نفسي عن الشَّيْءِ لم تَكَدْ ... إليهِ بِوَجْهٍ آخِرَ الدَّهْرِ تُقْبِلُ ) الشعر
لمعن بن أوس المزني والغناء لعريب خفيف رمل بالوسطى أخبار معن بن أوس ونسبه هو معن
بن أوس بن نصر بن زياد بن أسحم بن زياد بن أسعد بن أسحم بن ربيعة بن عدي بن ثعلبة
بن ذؤيب بن عداء بن عثمان بن مزينةَ بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار
ونسبوا إلى مزينة وهي امرأة مزينة بنت كلب بن وبرة وأبوهم عمرو بن أد بن طابخة أخبرني
عبيد الله بن محمد الرازي وهاشم بن محمد الخزاعي وعمي قالوا حدثنا أحمد بن الحارث
الخراز عن المدائني قال مزينة بنت كلب بن وبرة تزوجها عمرو بن أد بن طابخة فولدت
له عثمان وأوسا فغلبت أمهما على نسبهما فعلى هذا القول عداء هو ابن عثمان بن عمرو
بن أد بن طابخة ومعن شاعر مجيد فحل من مخضرمي الجاهلية والإسلام وله مدائح في
جماعة من أصحاب النبي ورحمهم منهم عبد الله بن جحش وعمر ابن أبي سلمة المخزومي
ووفد إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مستعينا به على بعض أمره وخاطبه بقصيدته
التي أولها ( تأَوَّبَه
طيفٌ بَذاتِ الجَرَاثِم ... فنامَ رَفيقَاهُ وليس بنائم ) وعمر
بعد ذلك إلى أيام الفتنة بين عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم أخبرني محمد بن
خلف وكيع قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني إبراهيم بن المنذر الحزامي قال
حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز عن يحيى بن عبد الله بن ثوبان عن علقمة بن محجن
الخزاعي عن أبيه قال كان معاوية يفضل مزينة في الشعر ويقول كان أشعر أهل الجاهلية منهم
وهو زهير وكان أشعر أهل الإسلام منهم وهو ابنه كعب ومعن بن أوس أخبرني هاشم بن
محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل تينة قال حدثني العتبي قال كان معن بن أوس
مئناثا وكان يحسن صحبة بناته وتربيتهن فولد لبعض عشيرته بنت فكرهها وأظهر جزعا من
ذلك فقال معن ( رأيتُ
رجالاً يَكْرَهون بَنَاتِهم ... وفِيهنّ لا تُكْذَبْ نِساءٌ صَوالِحُ ) ( وفيهنّ
والأيّامُ تَعْثُر بالفتى ... نَوَادِبُ لا يَمْلَلْنَهُ ونَوَائحُ ) أخبرني
محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا العنزي يعني الحسن بن عليل قال حدثني أحمد بن عبد
الله بن علي بن سويد بن منجوف عن أبيه قال مر عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب
بمعن بن أوس المزني وقد كف بصره فقال له يا معن كيف حالك فقال له ضعف بصري وكثر
عيالي وغلبني الدين قال وكم دينك قال عشرة آلاف درهم فبعث بها إليه ثم مر به من
الغد فقال له كيف أصبحت يا معن فقال ( أخذتُ
بعَيْنِ المال حتَّى نَهِكْتُه ... وبالدَّيْنِ حتَّى ما أَكاد أدَانُ ) ( وحتَّى
سألتُ القَرْضَ عند ذَوي الغنى ... ورَدّ فلانٌ حاجتي وفُلاَنُ ) فقال
له عبيد الله الله المستعان إنا بعثنا إليك بالأمس لقمة فما لكتها حتى انتزعت من
يدك فأي شيء للأهل والقرابة والجيران وبعث إليه بعشرة آلاف درهم أخرى فقال معن
يمدحه ( إنّك فَرْعٌ من قُرَيْشٍ وإنَّما
... تَمُجُّ النَّدَى منها البحورُ الفَوَارعُ ) ( ثوَوْا
قادةً للنَّاس بَطْحَاءُ مَكْةٍ ... لَهُمْ وسِقَاياتُ الحَجِيجِ الدَّوَافعُ ) ( فلمّا
دُعُوا للموت لمْ تَبْكِ منهمُ ... على حادثِ الدَّهْرِ العيونُ الدَّوامِعُ ) أخبرني
محمد بن عمران قال حدثني العنزي قال حدثني الفضل بن العباس القرشي عن سعيد بن عمرو
الزبيري قال كان لمعن بن أوس امرأة يقال لها ثور وكان لها محبا وكانت حضرية نشأت
بالشأم وكانت في معن أعرابية ولوثة فكانت تضحك من عجرفيته فسافر إلى الشأم في بعض أعوامه
فضلت الرفقة عن الطريق وعدلوا عن الماء فطووا منزلهم وساروا يومهم وليلتهم فسقط
فرس معن في وجار ضب دخلت يده فيه فلم يستطع الفرس أن يقوم من شدة العطش حتى حمله
أهل الرفقة حملا فأنهضوه وجعل معن يقوده ويقول ( لَوْ
شَهِدَتْني وجَوَادِي ثَوْرُ ... والرَّأسُ فيه مَيَلٌ ومَوْرُ ) ( لضحِكتْ
حتَّى يَميلَ الكَوْرُ ... ) معن
يهجو ابن الزبير أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال حدثنا العمري عن
العتبي قال قدم معن بن أوس مكة على ابن الزبير فأنزله دار الضيفان وكان ينزلها
الغرباء وأبناء السبيل والضيفان فأقام يومه لم يطعم شيئا حتى إذا كان الليل جاءهم ابن
الزبير بتيس هرم هزيل فقال كلوا من هذا وهم نيف وسبعون رجلا فغضب معن وخرج من عنده
فأتى عبيد الله بن العباس فقراه وحمله وكساه ثم أتى عبد الله بن جعفر وحدثه حديثه
فأعطاه حتى أرضاه وأقام عنده ثلاثا ثم رحل فقال يهجو ابن الزبير ويمدح ابن جعفر
وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أجمعين ( ظَلِلْنَا
بمُسْتَنِّ الرِّياحِ غُدَيَّةُ ... إلى أن تعالَى اليومُ في شَرِّ مَحْضَرِ ) ( لَدَى
ابن الزُّبَيْر حابِسينَ بمَنْزِلٍ ... من الخير والمعروفِ والرِّفْدِ مُقْفِرِ ) ( رَمَانا
أبو بكرٍ وقد طال يومُنا ... بِتَيْسٍ من الشَّاءِ الحِجَازِيّ أَعْفَرِ ) ( وقال
اطْعَمُوا منه ونحن ثلاثةٌ ... وسبعون إنساناً فيا لُؤْمَ مَخْبَرِ ) ( فقلْت
له لا تَقْرِنا فأمامَنا ... جفَانُ ابن عَبَّاس العُلاَ وابنِ جَعْفَرِ ) ( وكُنْ
آمِناً وانْعَقْ بِتَيْسِكَ إنّه ... له أَعْنُزٌ يَنْزُو عليها وأَبْشرِ ) أخبرني
محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا أبو عبد الله
محمد بن معاوية الأسدي قال قدم معن بن أوس المزني البصرة فقعد ينشد في المربد فوقف
عليه الفرزدق فقال يا معن من الذي يقول ( لعمْرُكَ
مَا مُزَيْنَةُ رَهْطُ مَعْنٍ ... بأَخفاف يَطَأَنَ ولا سَنَامٍ ) فقال
معن أتعرف يا فرزدق الذي يقول ( لَعَمْرُكَ
ما تميمٌ أهلُ فَلْجٍ ... بأرْدافِ المُلوكِ ولا كِرَامِ ) فقال
الفرزدق حسبك إنما جربتك قال قد جربت وأنت أعلم فانصرف وتركه أخبرني هاشم بن محمد
الخزاعي أبو دلف قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال دخلت خضراء روح فإذا أنا
برجل من ولده على فاحشة يوما فقلت قبحك الله هذا موضع كان أبوك يضرب فيه الأعناق
ويعطي اللهى وأنت تفعل فيه ما أرى فالتفت إلي من غير أن يزول عنها وقال ( وَرِثْنا
المجدَ عن آباء صِدْقٍ ... أسَأنَا في دِيارِهمُ الصَّنِيعَا ) ( إذا
الحَسَبُ الرَّفيعُ تَوَاكَلَتْهُ ... بُنَاةُ السَّوْء أَوْشَكَ أن يَضِيعَا ) قال
والشعر لمعن بن أوس المزني سفره إلى الشام أخبرني محمد بن جعفر النحوي صهر المبرد
قال حدثنا أحمد بن عبيد أبو عصيدة عن الحرمازي قال سافر معن بن أوس إلى الشأم وخلف
ابنته ليلى في جوار عمر بن أبي سلمة وأمه أم سلمة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها
وفي جوار عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال له بعض عشيرته على من
خلفت ابنتك ليلى بالحجاز وهي صبية ليس لها من يكفلها فقال معن رحمه الله تعالى ( لَعَمْرُكَ
ما ليلَى بدَارِ مَضِيعَةٍ ... وما شَيْخُها أنْ غَاب عنها بخائِف ) ( وإنّ
لها جارَيْن لن يَغْدرَا لها ... رَبِيبَ النبيّ وابنَ خَيْر الخلائِف ) أخبرني
محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني مسعود بن بشر عن
عبد الملك بن هشام قال قال عبد الملك بن مروان يوما وعنده عدة من أهل بيته وولده
ليقل كل واحد منكم أحسن شعر سمع به فذكروا لامريء القيس والأعشى وطرفة فأكثروا حتى
أتوا على محاسن ما قالوا فقال عبد الملك أشعرهم والله الذي يقول ( وذِي
رَحمٍ قَلَّمْتُ أَظْفَارَ ضِغْنِهِ ... بحِلْمِيَ عنهُ وَهْوَ ليس له حِلْمُ ) ( إذَا
سُمْتهُ وَصْلَ القَرَابِةِ سامَني ... قَطِيعتَها تلك السَّفاهةُ والظُّلْمُ ) ( فأَسْعَى
لكَيْ أَبْنِي ويهْدِمُ صالحي ... وليس الذي يَبْني كمَنْ شأنُه الهَدْمُ ) ( يُحاوِلُ
رَغْمِي لا يُحاول غيرَه ... وكالموتِ عندي أن ينالَ له رغمُ ) ( فما
زِلْتُ في لِينٍ له وتَعَطُّفٍ ... عليه كما تحنُو على الوَلَدِ الأمُّ ) ( لأَسْتَلَّ
منه الضِّغْنَ حتَّى سَلَلْتُه ... وإنْ كان ذَا ضِغْنٍ يَضِيقُ به الحِلْمُ ) قالوا
ومن قائلها يا أمير المؤمنين قال معن بن أوس المزني خروجه إلى البصرة أخبرني عيسى
بن حسين الوراق قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش السعدي عن أبيه
قال خرج معن بن أوس المزني إلى البصرة ليمتار منها ويبيع إبلا له فلما قدمها نزل
بقوم من عشيرته فتولت ضيافته امرأة منهم يقال لها ليلى وكانت ذات جمال ويسار
فخطبها فأجابته فتزوجها وأقام عندها حولا في أنعم عيش فقال لها بعد حول يابنة عم
إني قد تركت ضيعة لي ضائعة فلو أذنت لي فاطلعت طلع أهلي ورممت من مالي فقالت كم
تقيم قال سنة فأذنت له فأتى أهله فأقام فيهم وأزمن عنها أي طال مقامه فلما أبطأ
عليها رحلت إلى المدينة فسألت عنه فقيل لها إنه بعمق وهو ماء لمزينة فخرجت حتى إذا
كانت قريبة من عمق نزلت منزلا كريما واقبل معن في طلب ذود له قد أضلها وعليه مدرعة
من صوف وبت من صوف أخضر قال والبت الطيلسان وعمامة غليظة فلما رفع له القوم مال إليهم
ليستسقي ومع ليلى ابن أخ لها ومولى من مواليها جالس أمام خباء له فقال له معن هل
من ماء قال نعم وإن شئت سويقا وإن شئت لبنا فأناخ وصاح مولى ليلى يا منهلة وكانت
منهلة الوصيفة التي تقوم على معن عندهم بالبصرة فلما أتته بالقدح وعرفها وحسر عن
وجهه ليشرب عرفته وأثبتته فتركت القدح في يده وأقبلت مسرعة إلى مولاتها فقالت يا
مولاتي هذا والله معن إلا أنه في جبة صوف وبت صوف فقالت هو والله عيشهم الحقي
مولاي فقولي له هذا معن فاحبسه فخرجت الوصيفة مسرعة فأخبرت فوضع معن القدح وقال له
دعني حتى ألقاها في غير هذا الزي فقال لست بارحا حتى تدخل عليها فلما رأته قال
أهذا العيش الذي نزعت إليه يا معن قال إي والله يابنة عم أما إنك لو أقمت إلى أيام
الربيع حتى ينبت البلد الخزامي والرخامي والسخبر والكمأة لأصبت عيشا طيبا فغسلت
رأسه وجسده وألبسته ثيابا لينة وطيبته وأقام معها ليلته أجمع يهرجها ثم غدا متقدما
إلى عمق حتى أعد لها طعاما ونحر ناقة وغنما وقدمت على الحي فلم تبق فيهم امرأة إلا
أتتها وسلمت عليها فلم تدع منهن امرأة حتى وصلتها وكانت لمعن امرأة بعمق يقال لها
أم حقة فقالت لمعن هذه والله خير لك مني فطلقني وكانت قد حملت فدخله من ذلك وقام
ثم إن ليلى رحلت إلى مكة حاجة ومعن معها فلما فرغا من حجهما انصرفا فلما حاذيا
منعرج الطريق إلى عمق قال معن يا ليلى كأن فؤادي ينعرج إلى ما هاهنا فلو أقمت
سنتنا هذه حتى نحج من قابل ثم نرحل إلى البصرة فقالت ما أنا ببارحة مكاني حتى ترحل
معي إلى البصرة أو تطلقني فقال أما إذ ذكرت الطلاق فأنت طالق فمضت إلى البصرة ومضى
إلى عمق فلما فارقته ندم وتبعتها نفسه فقال في ذلك ( تَوَهَّمْتُ
رَبْعاً بالمُعَبِّر واضحاً ... أبتْ قَرتاهُ اليومَ إلاَّ تَرَاوُحَا ) ( أَرَبَّتْ
عليه رادةٌ حَضْرَمِيَّةَ ... ومُرْتَجِزٌ كأنَّ فيه المَصَابِحَا ) ( إذا
هي حَلَّتْ كَرْبَلاَءَ فلَعْلَعاً ... فجَوْزَ العُذَيْبِ دونها فالنَّوابِحا ) ( وبانتْ
نَوَاها من نَوَاكَ وطاوعتْ ... معَ الشَّانئين الشامتاتِ الكَوَاشِحَا ) ( فقُولاَ
لليلَى هل تُعَوِّضُ نادماً ... له رجعةٌ قال الطلاقَ مُمَازِحا ) ( فإنْ
هي قالتْ لا فقُولا لها بَلَى ... ألاَ تَتَّقِينَ الجارياتِ الذَّوَابِحا ) وهي
قصيدة طويلة فلما انصرف وليست ليلى معه قالت له امرأته أم حقة ما فعلت ليلى قال
طلقتها قالت والله لو كان فيك خير ما فعلت ذلك فطلقني أنا أيضا فقال لها معن ( أعاذِلُ
أقْصِرِي ودَعِي بَيَاتِي ... فإنَّكِ ذاتُ لَوْماتٍ حُمَاتِ ) ( فإنّ
الصُّبْحَ مُنْتَظَرٌ قريبٌ ... وإنَّكِ بالمَلاَمةِ لن تُفَاتي ) ( نأت
لَيْلَى فليلَى لاتُوَاتِي ... وضَنَّتْ بالمَوَدّة والبَتَاتِ ) ( وَحَلَّتْ
دارها سَفَوانَ بَعْدِي ... فذا قَارٍ فَمُنْخَرَقَ الفُرَاتِ ) ( تُراعى
الرِّيفَ دائبةً عليها ... ظِلاَلُ أَلَفَّ مُخْتَلِطِ النَّبَاتِ ) ( فدَعْها
أو تَنَاوَلْها لِعَنْسٍ ... من العِيديّ في قُلُص شِخَاتِ ) وهي
قصيدة طويلة قال وقال لأم حقة في مطالبتها إياه بالطلاق ( كأنْ
لم يَكُنْ يا أُمَّ حِقّةَ قبلَ ذا ... بِمَيْطانَ مُصطافٌ لنا وَمَرابِعُ ) ( وإذْ
نحن في غُصْنِ الشَّبابِ وقد عسَا ... بنا الآنَ إلاّ أنْ يُعَوَّضَ جازعُ ) ( فقد
أَنكرتْه أُمُّ حِقّةَ حادِثاً ... وأنكرها ما شِئْتَ والوُدُّ خادعُ ) ( ولو
آذنتْنا أمُّ حِقّةَ إذ بنا ... شبابٌ وإذ لمّا تَرُعْنا الرَّوَائِعُ ) ( لَقُلْنا
لها بِينِي بِلَيْلٍ حمِيدةً ... كذاكِ بلا ذمِّ تُؤَدَّى الوَدائِعُ ) صوت
( أعابدُ حُيِّيُتْم على النَّأْي عابدَا ... سقَاكِ الإِلهُ المُنْشَآتِ الرَّواعِدا ) ( أعابِدَ
ما شمسُ النَّهارِ إذا بدتْ ... بأحسنَ مما بين عَيْنَيْكِ عابدا ) ويروى
( أعابِدَ ما شمسُ النهار بدتْ لنا ... ) ويروى
( أَعابِدُ ما الشَّمْسُ التي برزْت
لنا ... بأحسنَ مما بين ثَوْبَيْك عابدا ) الشعر
للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب والغناء لعطرد ثاني ثقيل
بالبنصر وفيه ليونس لحن من كتابه غير مجنس أخبار الحسين بن عبد الله قد تقدم نسبه
وهو أشهر من أن يعاد ويكنى أبا عبد الله وكان من فتيان بني هاشم وظرفائهم وشعرائهم
وقد روى الحديث وحمل عنه وله شعر صالح وهذه الأبيات يقولها في زوجته عابدة بنت
شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص وهي أخت عمرو بن شعيب الذي يروى عنه
الحديث وفيها يقول قبل أن يتزوجها ( أَعاذِلُ
إنّ الحُبَّ لا شَكَّ قاتِلِي ... لئن لم تُقَارِضْني هَوَى النَّفسِ عابِدَهْ ) ( أُعابِدُ
خافي الله في قتلِ مُسْلِمٍ ... وجُودِي عليه مَرَّةً قَطُّ واحِدَهْ ) ( فإنْ
لم تُرِيدِي فيَّ أَجراً ولا هَوًى ... لَكُمْ غيرَ قَتْلِي يا عُبَيْدُ
فَرَاشِدَهْ ) ( فكَمْ
ليلةٍ قد بِتُّ أَرْعَى نُجُوَمها ... وعَبْدةُ لا تَدْرِي بذلك راقِدَهْ ) الغناء
لحكم الوادي رمل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق فمما حمل عنه من الحديث
ماحدثني به أحمد بن سعيد قال حدثني محمد بن عبيد الله بن المنادى قال حدثني يونس
بن محمد قال حدثنا أبو أويس عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن
ابن عباس قال مر النبي على حسان بن ثابت وهو في ظل فارع وحوله أصحابه وجاريته
سيرين تغنيه بمزهرها ( هَلْ
عليَّ وَيْحَكُمَا ... إنْ لَهَوْتُ من حَرَجِ ) فضحك
النبي ثم قال لا حرج إن شاء الله وكانت أم عابدة هذه عمة حسين بن عبد الله بن عبيد
الله أمها عمرة بنت عبيد الله بن العباس تزوجها شعيب فولدت له محمدا وشعيبا ابني
شعيب وعابدة وكان يقال لها عابدة الحسن وعابدة الحسناء أخبرني الحرمي بن أبي
العلاء والطوسي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن يحيى قال خطب عابدة
بنت شعيب بكار بن عبد الملك وحسين بن عبد الله فامتنعت على بكار وتزوجت الحسين
فقال له بكار كيف تزوجتك العابدة واختارتك مع فقرك فقال له الحسين أتعيرنا بالفقر
وقد نحلنا الله تعالى الكوثر أخبرني الحرمي والطوسي قالا حدثنا الزبير بن بكار عن
عمه قال كان حسين بن عبد الله أمه أم ولد وكان يقول شيئا من الشعر وتزوج عابدة بنت
شعيب وولدت منه وبسببها ردت على ولد عمرو بن العاص أموالهم في دولة بني العباس
وكان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر صديقا له ثم تنكر ما بينهما فقال فيه
ابن معاوية ( إنَّ
ابنَ عَمِّكَ وابنَ أُمِّكَ ... مُعْلَمٌ شاكِي السِّلاَحِ ) ( يَقِصُ
العَدُوَّ وليس يَرْضَى ... حين يَبْطِشُ بالجِرَاحِ ) ( لا
تَحْسَبَنَّ أذَى ابن عَمِّكَ شُرْبَ لاْلبانِ اللِّقاح ... ) ( بَلْ
كالشَّجاةِ ورا اللَّهاةِ ... إذَا تُسَوَّغُ بالقَرَاحِ ) ( فاخْتَرْ
لنفسك مَنْ يُجِي ... بُكَ تحتَ أطرافِ الرِّماحِ ) ( مَنْ
لا يزالُ يَسُوءُهُ ... بالغَيْبِ أنْ يلحاكَ لاحِ ) فقال
حسين له ( أَبْرِقْ لِمَنْ يَخْشَى وأوْعِدْ
... غيرَ قَوْمِك بالسِّلاحِ ) ( لسنا
نُقِرُّ لِقائلٍ ... إلاّ المُقَرَّطَ بالصَّلاَح ) قال
ولحسين يقول ابن معاوية ( قُلْ
لِذِي الوُدّ والصَّفاءِ حُسَيْنٍ ... اقْدُرِ الوُدَّ بينَنا قَدَرَهْ ) ( ليس
لِلدَّابِغِ المُحَلِّمِ بُدٌّ ... من عتابِ الأَدِيم ذي البَشَرهْ ) ( لستُ
إنْ راغ ذو إخاءٍ ووُدٍّ ... عَنْ طَرِيقٍ بتَابِع أَثَرَهْ ) ( بَلْ
أقِيمُ القَناةَ والوُدَّ حتَّى ... يَتْبَعَ الحَقَّ بعدُ أو يَذَرَهْ ) أخبرني
محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد ابن سلام قال كان صديقا
لابن أبي السمح كان مالك بن أبي السمح الطائي المغني صديقا للحسين بن عبد الله بن
عبيد الله بن العباس ونديما له وكان يتغنى في اشعاره وله يقول الحسين رحمه الله
تعالى ( لا عَيْشَ إلاَّ بمالكِ بن أبي
السَّمحِ فلا تَلْحَنِي ولا تَلُمِ ) ( أَبْيَضُ
كالسيف أو كما يَلْمَعُ الْبارِقُ ... في حِنْدسٍ من الظُّلَمِ ) ( يُصِيبُ
مِنْ لَذَّةِ الكريمِ ولا ... يَهْتِكُ حقَّ الإسلامِ والحُرَمِ ) ( يا
رُبَّ ليلٍ لنا كحاشيةِ الْبُرْدِ ... ويوم كذاكَ لم يَدُمِ ) ( قد
كنتُ فيه ومالِكُ بن أبي السمح ... الكرِيم الأخلاقِ والشِّيَمِ ) ( مَنْ
ليس يَعْصِيك إنْ رَشَدْتَ ولا ... يَجْهَلُ آيَ التَّرْخِيص في اللَّمَمِ ) قال
فقال له مالك ولا إن غويت والله بأبي أنت وأمي أعصيك قال وغنى مالك بهذه الأبيات
بحضرة الوليد بن يزيد فقال له أخطأ حسين في صفتك إنما كان ينبغي أن يقول ( أحْوَل
كالقِرْدِ أو كما يخرُج السَّارِقُ ... في حالكٍ من الظُّلَمِ ) أخبرني
الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال كان الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن
العباس إذا صلى العصر دخل منزله سمع الغناء عشيته فأتاه قوم ذات عشية في حاجة لهم
فقضاها ثم جلسوا يحدثونه فلما أطالوا قال لهم أتأذنون فقالوا نعم فقام في أصحاب له
وهو يقول ( قُومُوا بنا ندرك من العيش لَذَّةً
... ولا اثم فيها للتَّقِّي ولا عارَا ) صوت
( إنّ حَرْباً وإنّ صَخْراً أبا سُفْيانَ ... حازَا مَجْداً وعِزّاً تليدَا ) ( فهُما
وَارِثا العُلاَ عن جُدُودٍ ... وَرِثُوها آباءَهم والجُدودَا ) الشعر
لفضالة بن شريك الأسدي من قصيدة يمدح بها يزيد بن معاوية وبعد هذين البيتين يقول ( وحَوَى
إرْثَها مُعاويةُ القَرمُ ... وأعطَى صَفْوَ التُّرَاثِ يزيدَا ) والغناء
لإبراهيم بن خالد المعيطي ثقيل أول بالبنصر عن الهشامي والله أعلم أخبار فضالة بن
شريك ونسبه هو فضالة بن شريك بن سلمان بن خويلد بن سلمة بن عامر موقد النار بن
الحريش بن نمير بن والبة بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن
إلياس بن مضر بن نزار وكان شاعرا فاتكا صعلوكا مخضرما أدرك الجاهلية والإسلام وكان
له ابنان شاعران أحدهما عبد الله بن فضالة الوافد على عبد الله بن الزبير والقائل
له إن ناقتي قد نقبت ودبرت فقال له ارقعها بجلد واخصفها بهلب وسر بها البردين فقال
له إني قد جئتك مستحملا لا مستشيرا فلعن الله ناقة حملتني إليك فقال له ابن الزبير
إن وراكبها فانصرف من عنده وهو يقول ( أقولُ
لغِلْمَتي شُدّوا رِكَابي ... أجَاوِزْ بَطْنَ مكّة في سَوَاد ) ( فمالي
حينَ أَقْطَعُ ذاتَ عِرْقٍ ... إلى ابنِ الكاهِلِيّةِ من مَعَادِ ) ( سَيُبْعِدُ
بينَنا نَصُّ المَطَايَا ... وتَعْلِيقُ الأَدَاوَى والمَزَادِ ) ( وكلُّ
مُعَبَّدٍ قد أعلمتْهُ ... مَنَاسِمُهُنَّ طلاعِ النِّجَادِ ) ( أرَى
الحاجاتِ عند أبي خُبَيْبٍ ... نَكِدْنَ ولا أُمَيَّةَ بالبلادِ ) ( مِنَ
الأعياصِ أو مِنْ آل حَرْبٍ ... أَغرُّ كغُرّةِ الفَرَسِ الجَوَادِ ) حدثنا
بذلك محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز المدائني فأما فاتك
بن فضالة فكان سيدا جوادا وله يقول الأقيشر يمدحه ( وَفَد
الوفودُ فكنتَ أفضلَ وَافِدٍ ... يا فاتِكُ بنَ فَضَالةَ بن شَرِيكِ ) أخبرني
بما أذكر من أخباره هاهنا مجموعا علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أبو سعيد السكري
عن محمد بن حبيب وما ذكرته متفرقا فأنا ذاكر إسناده عمن أخذته قال ابن حبيب فضالة
الهجاء مر فضالة بن شريك بعاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهو متبد بناحية
المدينة فنزل به فلم يقره شيئا ولم يبعث إليه ولا إلى أصحابه بشيء وقد عرفوه
مكانهم فارتحلوا عنه والتفت فضالة إلى مولى لعاصم فقال له قل له أما والله لأطوقنك
طوقا لا يبلى وقال يهجوه ( ألاَ
أيها الباغي القِرَى لستَ واجداً ... قِرَاكَ إذا ما بِتَّ في دار عاصمِ ) ( إذَا
جئتَه تَبْغِي القِرَى باتَ نائماً ... بِطِيناً وأمسَى ضَيْفُهُ غيرَ نائِم ) ( فدَعْ
عاصماً أُفٍّ لأفعالِ عاصمٍ ... إذا حُصِّل الأقوام أهلُ المَكَارِمِ ) ( فتًى
من قُرَيْشٍ لا يجودُ بنائلٍ ... ويَحْسَبُ أنّ البُخْلَ ضَرْبةُ لازِمِ ) ( ولولا
يدُ الفاروق قَلَّدْتُ عاصماً ... مُطَوِّقةً يُحْدَى بها في المَوَاسِم ) ( فليتَك
من جَرْمِ بن زَبَّانِ أو بَنِي ... فُقَيْمٍ أو النَّوكَى أبَانِ بن دَارِمِ ) ( أُنَاسٌ
إذا ما الضَّيْفُ حلَّ بُيوتَهم ... غَدَا جائعاً عَيْمانَ ليس بغانم ) قال
فلما بلغت أبياته عاصما استعدى عليه عمرو بن سعيد بن العاص وهو يؤمئذ بالمدينة
أمير فهرب فضالة بن شريك فلحق بالشأم وعاذَ بيزيد بن معاوية وعرفه ذنبه وما تخوف
من عاصم فأعاذه وكتب إلى عاصم يخبره أن فضالة أتاه مستجيرا به وأنه يحب أن يهبه له
ولا يذكر لمعاوية شيئا من أمره ويضمن له ألا يعود لهجائه فقبل ذلك عاصم وشفع يزيد
بن معاوية فقال فضالة يمدح يزيد بن معاوية ( إذَا
ما قُرَيْشٌ فاخرتْ بقَدِيمها ... فَخَرْتَ بمَجْدٍ يا يزيدُ تَلِيدِ ) ( بِمَجْد
أمير المؤمنين ولم يَزَلْ ... أبوك أمينُ الله غير بَلِيد ) ( به
عَصَمَ اللهُ الأنامَ من الرَّدَى ... وأدركَ تَبْلاً من مَعَاشِرَ صِيدِ ) ( ومَجْدِ
أبي سُفْيان ذِي الباع والنَّدَى ... وحرْبٍ وما حَرْبُ العُلاَ بزَهِيد ) ( فمَنْ
ذا الذي إن عدّد الناسُ مَجْدَهم ... يَجِيء بمَجْدٍ مثْلِ مجدِ يزيدِ ) وقال
فيه القصيدة المذكور فيها الغناء في هذه القصة بعينها أخبرني علي بن سليمان الأخفش
قال حدثني السكري عن ابن حبيب قال كان عبد الله بن الزبير قد ولى عبد الله بن مطيع
بن الأسود بن نضلة بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب الكوفة فطرده عنها المختار بن
أبي عبيد حين ظهر فقال فضالة بن شريك يهجو ابن مطيع ( دعا
ابنُ مُطّيعٍ لِلْبِاعِ فجئتُه ... إلى بَيْعةٍ قلبي بها غيرُ عارِفِ ) ( فقرَّبَ
لي خَشْنَاء لمّا لَمَسْتُها ... بِكَفِّيَ لم تُشْبِهْ أَكُفَّ الخَلاَئِف ) ( مَعَوَّدةً
حَمْلَ الهراوى لِقَوْمِها ... فَرُوراً إذا ما كان يومُ التَّسَايُفِ ) ( من
الشَّثناتِ الكُرْمِ أنكرتُ لَمْسَها ... وليستْ من البِيضِ السِّيَاطِ اللَّطائفِ ) ( ولَمْ
يُسْمِ إذْ بايعتُهُ منْ خَلِيفَتِي ... ولم يَشْتَرِطْ إلاّ اشتراط المُجَازِفِ ) ( متى
تَلْقَ أهلَ الشأْم في الخَيْلِ تَلْقَني ... على مُقْرَبٍ لا يُزْدَهَى
بالمَجَاذِفِ ) ( مُمَرٍّ
كبُنْيانِ العِبَادِيِّ مُخْطَفٍ ... من الضَّارِياتِ بالدِّماء الخَوَاطِف ) وقال
ابن حبيب في هذا الإسناد تزوج عامر بن مسعود بن أمية بن خلف الجمحي امرأة من بني
نصر بن معاوية وسأل في صداقها بالكوفة فكان يأخذ من كل رجل سأله درهمين درهمين
فقال له فضالة بن شريك يهجوه بقوله ( أنْكَحْتُمُ
يا بني نَصْرٍ فَتَاتَكُمُ ... وَجْهاً يَشِينُ وُجوهَ الرَّبْرَبِ العِينِ )
( أنكحتُمُ لا فَتَى دُنْيَا يُعاشُ
به ... ولا شُجَاعاً إذا انْشَقَّتْ عَصَا الدِّينِ ) ( قد
كنتُ أرجو أبا حَفْصِ وسُنَّتُهُ ... حتَّى نَكَحْتَ بأرزاقِ المَسَاكينِ ) وقال
ابن حبيب في هذا الإسناد أودع فضالة بن شريك رجلا من بني سليم يقال له قيس ناقة
فخرج في سفر فلما عاد طلبها منه فذكر أنها سرقت فقال فيه ( ولَوْ
أنَّنِي يومَ بَطْنِ العَقيقِ ... ذَكرتُ وذو اللُّبِّ يَنْسَى كَثِيرَا ) ( مَصَابَ
سُلَيْمٍ لِقاحَ النَّبِيِّ لَمْ ... أُودِعِ الدَّهْرَ فيهمْ بَعِيرَا ) ( وقد
فاتَ قَيْسٌ بِعَيْرَانةٍ ... إذا الظِّلُّ كان مَدَاهُ قصيرَا ) ( مِنَ
اللاعِباتِ بِفَضْلِ الزِّمَامِ ... إذا أقلقَ السَّيْرُ فيه الضُّفُورَا ) ( ومَنْ
يَبْكِ منكمْ بَني مُوقِدٍ ... ولم يَرَهُمْ يَبْكِ شَجْواً كَبِيرَا ) ( هُمُ
العاسِفُونَ صلابُ القَنَا ... إذا الخيلُ كانتْ من الطَّعْنِ زُورَا ) ( وأيْسارُ
لُقْمَانَ إذْ أمْحِلُوا ... وعِزٌّ لِمَنْ جاءهم مُسْتَجيرَا ) ( فإنْ
أنا لم يُقْضَ لِي ألْقَهُمْ ... قَرَأتُ السَّلامَ عليهمْ كَثيرا ) وذكر
ابن حبيب في هذه الرواية أن القصيدة التي ذكرتها عن المدائني في خبر عبد الله بن
فضالة بن شريك مع ابن الزبير كانت مع فضالة وابن الزبير لا مع ابنه وذكر الأبيات
وزاد فيها ( شَكوتُ إليه أنْ نَقِبتْ قَلُوصِي
... فَردَّ جوابَ مَشْدودِ الصِّفادِ ) ( يَضَنُّ
بناقَةٍ ويرومُ مُلْكاً ... مُحالٌ ذلِكُمْ غَيْرُ السَّدَادِ ) ( وَلِيتَ
إمارةً فبَخِلْتَ لمّا ... وَلِيَتهُمُ بمُلْكٍ مُسْتَفاد ) ( فإنْ
وَلِيَتْ أُميّةُ أَبْدلُوكُمْ ... بِكُلِّ سَمَيْدَعٍ واري الزِّناد ) ( منَ
الأَعْياص أوْ مِنْ آل حَرْبٍ ... أغَرَّ كغُرّةِ الفَرَسِ الجَوَادِ ) ( إذا
لَم ألْقَهُم بمنًى فإنِّي ... ببَيْتٍ لا يَهَشّ له فؤادي ) ( سَيُدْنِيني
لَهُمْ نَصُّ المَطايَا ... وتعليقُ الأدَاوَى والمَزَادِ ) ( وظَهْرُ
مُعَبَّدٍ قد أعْلَمَتْهُ ... مَنَاسِمُهُنّ طَلاّعِ النِّجاد ) ( رَعَيْنَ
الحَمْضَ حَمْضَ خُنَاصِراتٍ ... وما بالعِرْقِ من سَبَل الغَوادي ) ( فهُنّ
خَواضِعُ الأبدانِ قُودٌ ... كأنَّ رؤوسهن قبورُ عادِ ) ( كأنّ
مَوَاقِعَ الغِرْبانِ منها ... مَنَاراتٌ بُنِينَ على عِمَادِ ) قال
فلما ولي عبد الملك بعث إلى فضالة يطلبه فوجده قد مات فأمر لورثته بمائة ناقة تحمل
وقرها برا وتمرا قال والكاهلية التي ذكرها زهرة بنت خنثر امرأة من بني كاهل بن أسد
وهي أم خويلد بن أسد بن عبد العزى صوت ( لقدْ طالَ عَهْدِي بالإمامِ محمدٍ ... وما
كنتُ أخشَى أن يطولَ به عهدِي ) ( فأصبحتُ
ذَا بُعْدٍ ودارِي قريبةٌ ... فَواعَجَبَا من قُرْبِ دارِي ومن بُعْدِي ) ( فيا
ليتَ أنّ العِيدَ لِي عاد يَوْمُهُ ... فإنِّي رأيت العِيدَ وَجْهَك لي يُبْدِي ) ( رأيتُك
في بُرْدِ النبيّ محمدٍ ... كَبدْر الدُّجَى بين العِمامةِ والبُرْدِ ) الشعر
لأبي السمط مروان الأصغر بن أبي الجنوب بن مروان الأكبر بن أبي حفصة والغناء لبنان
خفيف رمل مطلق ابتداؤه ونشيد وذكر الصولي أن هذا الشعر ليحيى بن مروان وهذا غلط
قبيح أخبار مروان الأصغر قد مر نسبه ونسب أبيه وأهله وأخبارهم متقدما وكان مروان هذا
آخر من بقي منهم يعد في الشعراء وبقي بعده منهم متوج وكان ساقطا بارد الشعر فذكر
لي عن أبي هفان أنه قال شعر آل أبي حفصة بمنزلة الماء الحار ابتداؤه في نهاية
الحرارة ثم تلين حرارته ثم يفتر ثم يبرد وكذا كانت أشعارهم إلا أن ذلك الماء لما
انتهى إلى متوج جمد وهذا الشعر يقوله مروان في المنتصر وكان قد أقصاه وجفاه وأظهر
خلافا لأبيه في سائر مذاهبه حتى في التشيع فطرد مروان لنصبه وأخرجه عن جلسائه فقال
هذه الأبيات وسأل بنان بن عمرو فغنى فيها المنتصر ليستعطفه وخبره في ذلك يذكر في
هذا الموضع من الكتاب مدحه المتوكل أخبرني عمي وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا
عبد الله بن أبي سعد قال حدثني حماد بن أحمد بن سليمان الكلبي قال حدثني أبو السمط
مروان الأصغر قال لما دخلت إلى المتوكل مدحته ومدحت ولاة العهود الثلاثة وأنشدته ( سَقَى
الله نَجْداً والسلامُ على نَجْدِ ... ويا حَبَّذَا نجدٌ على النَّأْيِ والبُعْد ) ( نظرتُ
إلى نجدٍ وبغدادُ دونها ... لَعَلِّي أرى نجداً وهيهاتَ من نجدِ ) ( ونجدٌ
بها قومٌ هَواهُمْ زِيَارتِي ... ولا شيءَ أحلَى من زِيارتهمْ عندي ) قال
فلما فرغت منها أمر لي بمائة وعشرين ألف درهم وخمسين ثوبا وثلاثة من الظهر فرس
وبغلة وحمار ولم أبرح حتى قلت قصيدتي التي أشكره فيها وأقول ( تَخَيّرَ
النَّاسِ للنّاس جعفرَا ... ومَلَّكَه أمرَ العِبَادِ تَخُّيرَا ) فلما
صرت إلى هذا البيت ( فأمْسِكْ
نَدَى كَفَّيْكَ عنِّي ولا تزِد ... فقد كِدْتُ أنْ أطغَى وأن أَتَجبَّرَا ) قال
لي لا والله لا أمسك حتى أغرقك بجودي وحدثني عمي بهذا الخبر قال حدثني أحمد بن أبي
طاهر قال حدثني حماد بن أحمد بن يحيى قال حدثني مروان بن أبي الجنوب فذكر مثل هذا
الخبر سواء وقال بعد قوله لا والله لا أمسك حتى أغرقك سلني حاجتك فقلت يا أمير المؤمنين
الضيعة التي أمرت أن أقطعها باليمامة ذكر ابن المدبر أنها وقف المعتصم على ولده
فقال قد قبلتك إياها مائة سنة بمائة درهم فقلت لا يحسن أن تضمن ضيعة بدرهم في
السنة فقال ابن المدبر فبألف درهم في كل سنة فقلت نعم فأمر ابن المدبر أن ينفذ ذلك
لي وقال ليست هذه حاجة هذه قبالة فسليني حاجتك فقلت ضيعة يقال لها السيوح أمر
الواثق بإقطاعي إياها فمنعنيها ابن الزيات فأمر بإمضاء الإقطاع لي هجاؤه علي بن
الجهم حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني علي بن يحيى المنجم قال كان علي بن الجهم
يطعن على مروان بن أبي الجنوب ويثلبه حسدا له على موضعه من المتوكل فقال له
المتوكل يوما يا علي أيما أشعر أنت أو مروان فقال أنا يا أمير المؤمنين فأقبل على
مروان فقال له قد سمعت فما عندك قال كل أحد أشعر مني يا أمير المؤمنين وما أصف
نفسي ولا أزكيها وإذا رضيني أمير المؤمنين فماأبالي من زيفني فقال له قد صدقتك علي
يزعم سرا وجهرا أنه أشعر منك فالتفت إليه مروان فقال له يا علي أأنت أشعر مني فقال
أوتشك في ذاك قال نعم أشك وأشك وهذا أمير المؤمنين بيننا فقال له علي إن أمير
المؤمنين يحابيك فقال المتوكل هذا عي منك يا علي ثم قال لابن حمدون احكم بينهما
فقال طرحتني والله يا أمير المؤمنين بين أنياب ومخالب أسدين قال والله لتحكمن
بينهما فقال له أما إذ حلفت يا أمير المؤمنين فأشعرهما عندي أعرفهما في الشعر فقال
له المتوكل قد سمعت يا علي قال قد عرف ميلك إليه فمال معه فقال دعنا منك هذا كله
عي فإن كنت صادقا فاهج مروان قال قد سكرت ولا فضل في فقال المتوكل لمروان اهجه أنت
وبحياتي لا تبق غاية فقال مروان ( إنّ
ابن جَهْمٍ في المَغيبِ يَعيِبُني ... ويقول لي حَسَناً إذا لاَقَانِي ) ( صَغُرتْ
مَهَابُته وعُظِّمَ بَطْنُه ... فكأنّما في بطنه وَلَدانِ ) ( وَيْحَ
ابنِ جَهْمٍ ليس يَرْحَم أُمَّهُ ... لو كان يرحمها لَمَا عاداني ) ( فإذا
التقينا ناك شِعْرِي شِعْرَه ... ونَزَا على شَيطانه شيطاني ) قال
فضحك المتوكل والجلساء منه وانخزل ابن الجهم فلم يكن عنده أكثر من أن قال جمع حيلة
الرجال وحيلة النساء فقال له المتوكل هذا أيضا من عيك وبردك إن كان عندك شيء فهاته
فلم يأت بشيء فقال لمروان بحياتي إن حضرك شيء فهاته ولا تقصر في شتمك فقال مروان ( لَعَمْرُكَ
ما الجَهْمُ بن بَدْرٍ بشاعرٍ ... وهذا عليٌّ بعده يَدّعِي الشِّعْرَا ) ( ولكن
أبي قد كان جاراً لأُمِّه ... فلمّا ادّعى الأشعارَ أوهمني أمْرَا ) قال
فضحك المتوكل وقال زده بحياتي فقال فيه ( يابنَ
بَدْرٍ ياعَلِيَّهْ ... قُلْتِ إنِّي قُرَشِيَّهْ ) ( قلتِ
ما ليس بحقٍّ ... فاسْكُتِي يانَبَطَّيهْ ) ( اُسْكُتي
يا بنتَ جَهْمٍ ... اُسْكُتِي يا حَلَقِيَّه ) فأخذ
عبادة هذه الأبيات فغناها على الطبل وجاوبه من كان يغني والمتوكل يضحك ويضرب بيديه
ورجليه وعلي مطرق كأنه ميت ثم قال علي بالدواة فأتي بها فكتب ( بَلاءٌ
ليس يُشْبِهُهُ بَلاَءٌ ... عَدَاوةُ غيرِ ذي حَسبٍ ودِينِ ) ( يُبِيحُكَ
منه عِرْضاً لم يَصُنْهُ ... ويرتَع منك في عِرْضٍ مَصُونِ ) أخبرني
علي بن العباس بن أبي طلحة قال حدثني جعفر بن هارون بن زياد قال حدثني محمد بن
السري قال لما مدح علي بن الجهم وهو محبوس المتوكل بقوله ( تَوَكَّلْنا
على رَبِّ السماءِ ... وسلمنا لأسباب القضاءِ ) وذكر
فيها جميع الندماء وسبعهم وهجاهم انتدب له مروان بن أبي الجنوب فعارضه فيها وقد
كان المتوكل رق له فلما أنشده مروان هذه القصيدة اعتورته ألسنة الجلساء فثلبوه
واغتابوه وضربوا عليه فتركه في محبسه والقصيدة ( ألم
تَعْلَمْ بأنَّك يابنَ جَهْمٍ ... دَعِيٌّ في أُنَاسٍ أدعياءِ ) ( أعبدَ
الله تهجو وابنَ عَمْرٍ ... وبَخْتِيَشُوعَ أصحاب الوفاء ) ( هجوتَ
الأكرمين وأنت كلبٌ ... حقيقٌ بالشَّتِيمةِ والهِجاء ) ( أتَرْمِي
بالزِّناءِ بني حَلاَلٍ ... وأنت زَنِيمُ أولادِ الزِّناء ) ( أُسَامةُ
من جُدُودِك يابنَ جَهْمٍ ... كذبتَ وما بذلك من خَفَاء ) أخبرني
محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا الحسين بن يحيى قال حدثني إبراهيم بن الحسن قال لما
كان من أمر العباس بن المأمون وعجيف ما كان أنشد مروان بن أبي الجنوب المعتصم
قصيدة أولها ( أَلاَ
يا دولةَ المَعْصُومِ دُومِي ... فإنَّك قُلْت للدُّنْيا استقيمي ) فلما
بلغ إلى قوله ( هَوَى
العَبّاسُ حين أراد غَدْراً ... فَوافى إذ هوى قَعْرَ الجحيم ) ( كذاك
هَوَى كمَهْوَاهُ عُجَيْفٌ ... فأصبحَ في سَوَاءِ لظى الحَمِيم ) قال
المعتصم أبعده الله حدثني جعفر بن قدامة قال حدثنا أبو العيناء قال دخل مروان
الأصغر بن أبي الجنوب على أشناس وقد مدحه بقصيدة فأنشده إياها فجعل أشناس يحرك
رأسه ويومىء بيديه ويظهر طربا وسرورا وأمر له بصلة فلماخرج قال له كاتبه رأيت الأمير
قد طرب وحرك رأسه ويديه لماكان يسمعه فقد فهمه قال نعم قال فأي شيء كان يقول قال
ما زال يقول على رقية الخبز حتى حصل ما أراد وانصرف حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني
علي بن يحيى المنجم قال كان المتوكل يعابثني كثيرا فقال في يوم من الأيام لمروان
بن أبي الجنوب اهج علي بن يحيى فقال مروان ( أَلاَ
إنّ يحيى لا يُقَاسُ إلى أبي ... وعِرْضُ ابن يحيى لا يُقَاسُ إلى عِرْضي ) وهي
أبيات تركت ذكرها صيانة لعلي بن يحيى قال فأجبته عنها فقلت ( صدقتَ
لَعَمْرِي ما يقاسُ إلى أبي ... أبوك ومَنْ قاس الشَّوَاهِقَ بالخَفْض ) ( وهَلْ
لك عِرْضٌ طاهر فتَقِيسَهُ ... إذا قِيسَتِ الأعراضُ يوماً إلى عِرْضي ) ( ألستُمْ
مَوَالِي لِلَّعِين ورَهْطِهِ ... أعادِي بني العَبَّاس ذِي الحَسَبِ المَحْضِ ) ( تُوَالُونَ
مَنْ عادَى النبيَّ ورَهْطَهُ ... فتَرْمُونَ مَنْ وَالَي أولِي الفَضْلِ
بالرَّفْضِ ) ( وليس عجيباً أنْ أُرَى لك
مُبْغِضاً ... لأنَّك أهلٌ للعَداوةِ والبُغْضِ ) حدثني
جحظة قال حدثني علي بن يحيى قال أنشد مروان بن أبي الجنوب المتوكل ذات يوم ( إنِّي
نزلتُ بساحة المُتَوَكِّلِ ... ونزلتَ في أقصَى دِيَارِ المَوْصِلِ ) فقال
له بعض من حضر فكيف الاتصال بين هؤلاء والمراسلة فقال أبو العنبس الصيمري كان له
حمام هدى يبعث بها إليه من الموصل حتى يكاتبه على أجنحتها فضحك المتوكل حتى استلقى
وخجل مروان وحلف بالطلاق لا يكلم أبا العنبس أبدا فماتا متهاجرين كذا أكبر حفظي أن
جحظة حدثني به عن علي بن يحيى فإني كتبته عن حفظي علي بن الجهم يتهمه بانتحال
الشعر أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني إبراهيم
بن المدبر قال قرأت في كتاب قديم قال عوف بن محلم لعبد الله بن طاهر في علة اعتلها
( فإنْ تَكُ حُمَّى الرِّبْعِ
شَفَّكَ وِرْدُها ... فعُقْبَاكَ منها أن يطولَ لك العُمْرُ ) ( وَقَيْنَاكَ
لو نُعْطى المُنَى فيك والهَوَى ... لكان بِنا الشَّكْوَى وكان لك الاَّجْرُ ) قال
ثم حم المتوكل حمى الربع فدخل عليه مروان بن أبي الجنوب بن مروان بن أبي حفصة
فأنشده قصيدة له على هذا الروي وأدخل البيتين فيها فسر بها المتوكل فقال له علي بن
الجهم يا أمير المؤمنين هذا شعر مقول والتفت إلي وقال هذا يعلم فالتفت إلي المتوكل
وقال أتعرفه فقلت ما سمعته قبل اليوم فشتم علي بن الجهم وقال له هذا من حسدك وشرك
وكذبك فلما خرجنا قال علي بن الجهم ويحك ما لك قد جننت أما تعرف هذا الشعر قلت بلى
وأنشدته إياه فلما عدت إلى المتوكل من غد قال له يا أمير المؤمنين قد اعترف لي
بالشعر وأنشدنيه فقال لي أكذاك هو فقلت كذب يا أمير المؤمنين ما سمعت به قط فازداد
عليه غيظا وله شتما فلما خرجنا قال لي ما في الأرض شر منك فقلت له أنت أحمق تريد
مني أن أجيء إلى شعر قد قاله فيه شاعر يحبه ويعجبه شعره فأقول له إني أعرفه فأوقع
نفسي وعرضي في لسان الشاعر لترتفع أنت عنده ويسقط ذاك ويبغضني أنا صوت ( ما
لإِبراهيمَ في العِلْمِ ... بهذا الشَّأنِ ثان ) ( إنمَّا
عُمْرُ أبي إسْحاقَ زَيْنٌ لِلزَّمانِ ) ( فإذَا
غَنَّى أَبو اسْحاقَ ... أجابتْهُ المَثَاني ) ( منه
يُجْنَى ثَمَرُ اللَّهْوِ ... ورَيْحان الجِنَانِ ) ( جَنَّةُ
الدُّنْيا أبو إسحاقَ ... في كلِّ مكانِ ) - عروضه
من الرمل - الشعر لابن سيابة والغناء لإبراهيم الموصلي خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في
مجرى البنصر عن إسحاق ابنه أخبار إبراهيم بن سيابة ونسبه إبراهيم بن سيابة مولى
بني هاشم وكان يقال إن جده حجام أعتقه بعض الهاشميين وهو من مقاربي شعراء وقته
ليست له نباهة ولا شعر شريف وإنما كان يميل بمودته ومدحه إلى إبراهيم الموصلي
وابنه إسحاق فغنيا في شعره ورفعا منه وكانا يذكرانه للخلفاء والوزراء ويذكرانهم به
إذا غنيا في شعره فينفعانه بذلك وكان خليعا ماجنا طيب النادرة وكان يرمى بالأبنة أخبرني
عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا يعقوب بن إسرائيل قال حدثني أبو زائدة عن جعفر بن
زياد قال عشق ابن سيابة جارية سوداء فلامه أهله على ذلك وعاتبوه فقال ( يكونُ
الخالُ في وجهٍ قَبِيحٍ ... فيكسُوه المَلاحةَ والجمالا ) ( فكيف
يُلاَمُ معشوقٌ على مَنْ ... يراها كلَّها في العين خالاَ ) أخبرني
محمد بن مزيد وعيسى بن الحسين والحسين بن يحيى قالوا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه
قال لقي إبراهيم بن سيابة وهو سكران ابنا لسوار بن عبد الله القاضي أمرد فعانقه
وقبله وكانت معه داية يقال لها رحاص فقيل لها إنه لم يقبله تقبيل السلام إنما قبله
قبلة شهوة فلحقته الداية فشتمته وأسمعته كل ما يكره وهجره الغلام بعد ذلك فقال له ( قُلْ
لِلَّذِي ليس لي مِنْ ... يَدَيْ هَوَاهُ خَلاَصُ ) ( أأن
لَثمتُكَ سِرّاً ... فأبصرتْني رُحَاصُ ) ( وقال
في ذاك قومٌ ... على انتْقاصِيِ حِرَاصُ ) ( هَجَرْتَني
وأتتني ... شَتيمةٌ وانتقاصُ ) ( فهَاكَ
فاقْتَصَّ مِنِّي ... إنّ الجُروحَ قِصَاصُ ) ويروى
أن رحاص هذه مغنية كان الغلام يحبها وأنه سكر ونام فقبله ابن سيابة فلما انتبه قال
للجارية ليت شعري ما كان خبرك مع ابن سيابة فقالت له سل عن خبرك أنت معه وحدثته
بالقصة فهجره الغلام فال هذا الشعر أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال
حدثنا علي بن الصباح قال عاتبنا ابن سيابة على مجونة فقال ويلكم لأن ألقى الله
تبارك وتعالى بذل المعاصي فيرحمني أحب إلي من أن ألقاه أتبختر إدلالا بحسناتي
فيمقتني قال ورأيت ابن سيابة يوما وهو سكران وقد حمل في طبق يعبرون به على الجسر فسألهم
إنسان ما هذا فرفع رأسه من الطبق وقال هذا بقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله
الملائكة يا كشخان أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال
حدثنا أبو الشبل البرجمي قال ولع يوما أبو الحارث جميز بابن سيابة حتىأخجله فقال
عند ذلك ابن سيابة يهجوه ( بَنَى
أبو الحارثِ الجُمَّيْزِ في وَسَطٍ ... من ظَهْرِهِ وقَرِيباً من ذِرَاعَيْنِ ) ( دَيْراً
لِقَسٍّ إذا ما جاء يدخلُه ... ألقَى على باب دَيْرِ القَسِّ خُرْجَيْنِ ) ( يعدو
على بَطْنِهِ شدًّا على عَجَلٍ ... لا ذو يَدَيْنِ ولا يمشي برجلينِ ) أخبرني
هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إبراهيم تينة قال كتب ابن سيابة إلى صديق
له يقترض منه شيئا فكتب إليه يعتذر له ويحلف أنه ليس عنده ما سأله فكتب إليه إن
كنت كاذبا فجعلك الله صادقا وإن كنت ملوما فجعلك الله معذورا أخبرني محمد بن أبي
الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن ابيه قال كان ابن سيابة الشاعر عندنا يوما مع
جماعة نتحدث ونتناشد وهو ينشدنا شيئا من شعره فتحرك فضرط فضرب بيده على استه غير
مكترث ثم قال إما أن تسكتي حتى أتكلم وإما أن تتكلمي حتى أسكت أخبرني علي بن صالح
بن الهيثم الأنباري الكاتب قال حدثني أبو هفان قال غمز ابن سيابة غلاما أمرد ذات
يوم فأجابه ومضى به إلى منزله فأكلا وجلسا يشربان فقال له الغلام أنت ابن سيابة
الزنديق قال نعم قال أحب أن تعلمني الزندقة قال أفعل وكرامة ثم بطحه على وجهه فلما
تمكن منه أدخل عليه فصاح الغلام أوه أيش هذا ويحك قال سألتني أن أعلمك الزندقة
وهذا أول باب من شرائعها أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثني محرز بن جعفر
الكاتب قال قال لي إبراهيم بن سيابة الشاعر إذا كانت في جيرانك جنازة وليس في بيتك
دقيق فلا تحضر الجنازة فإن المصيبة عندك أكبر منها عند القوم وبيتك أولى بالمأتم
من بيتهم أخبرني جعفر بن قدامة ومحمد بن مزيد قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه
قال سخط الفضل بن الربيع على ابن سيابة فسألته أن يرضى عنه فامتنع فكتب إليه ابن
سيابة بهذه الأبيات وسألني أيصالها ( إنْ
كان جُرْمِي قد أحاطَ بحُرْمَتِي ... فأحِطْ بجُرْمِي عَفوَك المأمولاَ ) ( فكَمِ
ارْتَجَيْتُكَ في الَّتي لا يُرْتَجَى ... في مِثْلِها أحدٌ فنِلْتُ السُّولاَ ) ( وَضَلَلْتُ
عنك فلم أجِدْ لِي مَذْهَباً ... ووجدتُ حِلْمَكَ لِي عليك دليلا ) ( هَبْنِي
أسأتُ وما أسأتُ أُقِرُّ كَيْ ... يزدادَ عَفْوُك بعد طَوْلِك طُولاَ ) ( فالعَفْوُ
أجْمَلُ والتَّفضُّلُ بامرىءٍ ... لم يعْدَمِ الرَّاجون منه جميلا ) فلما
قرأها الفضل دمعت عيناه ورضي عن ابن سيابة وأوصله إليه وأمر له بعشرة آلاف درهم حواره
المقذع مع بشار أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا
الحسن بن الفضل قال سمعت ابن عائشة يقول جاء إبراهيم بن سيابة إلى بشار فقال له ما
رأيت أعمى قط إلا وقد عوض من بصره إما الحفظ والذكاء وإما حسن الصوت فأي شيء عوضت
أنت قال ألا أرى ثقيلا مثلك ثم قال له من أنت ويحك قال إبراهيم بن سيابة فتضاحك ثم
قال لو نكح الأسد في استه لذل وكان إبراهيم يرمى بذلك ثم تمثل بشار ( لو
نُكِح اللَّيْثُ في اسْتِهِ خَضَعَا ... ومات جوعاً ولم يَنَلْ شِبَعَا ) ( كذلك
السيفُ عند هِزَّتِه ... لو بَصَقَ النَّاسُ فيه ما قَطَعَا ) أخبرني
حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني عبد الله بن أبي نصر
المروزي قال حدثني محمد بن عبد الله الطلحي قال حدثني سليمان بن يحيى بن معاذ قال
قدم إبراهيم بن سيابة نيسابور فأنزلته علي فجاءني ليلة من الليالي وهو مهرب فجعل
يصيح بي يا أبا أيوب فخشيت أن يكون قد غشيه شيء يؤذيه فقلت ما تشاء فقال ( أَعْيَانِيَ
الشَّادِنُ الرَّبِيبُ ... ) فقلت
بماذا فقال ( أكتُبُ
أشكو فلا يُجِيبُ ... ) قال
فقلت له داره وداوه فقال ( منْ
أين أبْغي شِفاءَ ما بي ... وانَّما دائيَ الطَّبِيبُ ) فقلت
لا دواء إذا إلا أن يفرج الله تعالى فقال ( يا
رَبِّ فَرِّجْ إذاً وعَجِّلْ ... فإنَّكَ السَّامِعُ المُجِيبُ ) ثم
انصرف في هذا الشعر - رمل - طنبوري لجحظة صوت ( أيَا شَجَرَ الخابورِ مالَكَ
مُورِقاً ... كأنّك لم تحزَنْ على ابن طَرِيفِ ) ( فَتًى
لا يُحِبُّ الزَّادَ إلاَّ مَن التُّقَى ... ولا المالَ إلاّ من قَنا وسُيُوف ) الشعر
لأخت الوليد بن طريف الشاري والغناء لعبد الله بن طاهر ثقيل أول بالوسطى من رواية
ابنه عبيد الله عنه وأول هذه الأبيات كما أنشدنا محمد بن العباس اليزيدي عن أحمد
بن يحيى ثعلب ( بتلِّ
بُنانَا رَسْمُ قَبْرٍ كأنَّه ... على عَلَمٍ فوق الجبالِ مُنِيفِ ) ( تضَمَّنَ
جُوداً حاتميّاً ونائِلاً ... وسَوْرةَ مِقْدَامٍ وقَلْبَ حَصِيفِ ) ( ألاَ
قاتلَ اللهُ الجُثَا حيث أَضمرتْ ... فتًى كان بالمعروف غيرَ عَفِيفِ ) ( فإنْ
يَكُ أرْدَاهُ يَزِيدُ بنُ مَزيدٍ ... فيارُبَّ خيلٍ فَضَّها وصُفوفِ ) ( ألاَ
يا لَقَوْمٍ للنَّوائِبِ والرَّدَى ... ودَهْرٍ مُلِحٍّ بالكرام عَنيف ) ( وللْبَدْرِ
من بين الكواكِب إذْ هَوى ... ولِلشَّمْسِ هَمّتْ بعدَه بكُسوفِ ) ( أيا
شجرَ الخابوِر مالَكَ مُورِقاً ... كأنَّك لم تَحزَنْ على ابن طَرِيفِ ) ( فتًى
لا يُحِبُّ الزَّادَ إلاّ مِنَ التُّقَى ... ولا المالَ إلاّ من قَناً وسيوف ) ( ولا
الخَيْلَ إلاَّ كُلَّ جَرْداءَ شِطْبةٍ ... وكلَّ حِصَانٍ باليدين غَرُوفِ ) ( فلا
تَجْزَعَا يا ابْنَي طَرِيفٍ فإنَّني ... أرى الموتَ نَزَّالاً بكلِّ شريفِ ) ( فَقَدْناكَ
فِقْدانَ الرَّبِيعِ وليتَنا ... فَدَيْناكَ من دَهْمائنا بأُلوف ) وهذه
الأبيات تقولها أخت الوليد بن طريف ترثيه وكان يزيد بن مزيد قتله ذكر الخبر في ذلك
مقتل الوليد بن طريف أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد عن عمه
عن جماعة من الرواة قال كان الوليد بن طريف الشيباني رأس الخوارج وأشدهم بأسا
وصولة وأشجعهم فكان من بالشماسية لا يأمن طروقه إياه واشتدت شوكته وطالت أيامه
فوجه إليه الرشيد يزيد بن مزيد الشيباني فجعل يخاتله ويماكره وكانت البرامكة
منحرفة عن يزيد بن مزيد فأغروا به أمير المؤمنين وقالوا إنما يتجافى عنه للرحم
وإلا فشوكة الوليد يسيرة وهو يواعده وينتظر ما يكون من أمره فوجه إليه الرشيد كتاب
مغضب يقول فيه لو وجهت بأحد الخدم لقام بأكثر مما تقوم به ولكنك مداهن متعصب وأمير
المؤمنين يقسم بالله لئن أخرت مناجزة الوليد ليوجهن إليك من يحمل رأسك إلى أمير
المؤمنين فلقي الوليد عشية خميس في شهر رمضان فيقال إن يزيد جهد عطشا حتى رمى
بخاتمه في فيه فجعل يلوكه ويقول اللهم إنها شدة شديدة فاسترها وقال لأصحابه فداكم
أبي وأمي إنما هي الخوارج ولهم حملة فاثبتوا لهم تحت التراس فإذا انقضت حملتهم
فاحملوا فإنهم إذا انهزموا لم يرجعوا فكان كما قال حملوا حملة وثبت يزيد ومن معه
من عشيرته وأصحابه ثم حمل عليهم فانكشفوا ويقال إن أسد بن يزيد كان شبيها بأبيه
جدا وكان لا يفصل بينهما إلا المتأمل وكان أكثر ما يباعده منه ضربة في وجه يزيد
تأخذ من قصاص شعره ومنحرفة على جبهته فكان أسد يتمنى مثلها فهوت له ضربة فأخرج
وجهه من الترس فأصابته في ذلك الموضع فيقال إنه لو خطت على مثال ضربة أبيه ما عدا
جاءت كأنها هي واتبع يزيد الوليد بن طريف فلحقه بعد مسافة بعيدة فأخذ رأسه وكان الوليد
خرج إليهم حيث خرج وهو يقول ( أنا
الوليدُ بنُ طَرِيفَ الشَّارِي ... قَسْوَرَةٌ لا يُصْطَلَى بِنَارِي ) ( جَوْرُكُمُ
أخرجني من داري ... ) فلما
وقع فيهم السيف وأخذ رأس الوليد صبحتهم أخته ليلى بنت طريف مستعدة عليها الدرع
والجوشن فجعلت تحمل على الناس فعرفت فقال يزيد دعوها ثم خرج إليها فضرب بالرمح
قطاة فرسها ثم قال اغربي غرب الله عليك فقد فضحت العشيرة فاستحيت وانصرفت وهي تقول
( أيا شجرَ الخابور ما لَكَ مورقاً
... كأنَّك لم تَحزَنْ على ابنِ طريفِ ) ( فتًى
لا يُحِبُّ الزَّادَ إلاّ مِنَ التُّقَى ... ولا المالَ إلاّ من قَناً وسُيوفِ ) ( ولا
الذُّخْرَ إلاَّ كُلَّ جَرْدَاءَ صِلْدِمٍ ... وكلَّ رقيقِ الشَّفْرَتَيْنِ خفيف ) فلما
انصرف يزيد بالظفر حجب برأي البرامكة وأظهر الرشيد السخط عليه فقال وحق أمير
المؤمنين لأصيفن وأشتون على فرسي أو أدخل فارتفع الخبر بذلك فأذن له فدخل فلما رآه
أمير المؤمنين ضحك وسر وأقبل يصيح مرحبا بالأعرابي حتى دخل وأجلس وأكرم وعرف بلاؤه
ونقاء صدره من قصيدة مسلم بن الوليد في يزيد بن مزيد ومدحه الشعراء بذلك فكان
أحسنهم مدحا مسلم بن الوليد فقال فيه قصيدته التي أولها ( أُجْرِرْتُ
حَبْل خَلِيعٍ في الصِّبَا غَزِل ... وشَمَّرتْ هِمَمُ العُذَّالِ في عَذَلي ) ( هاجَ
البكاءَ على العين الطَّمُوح هَوًى ... مُفرَّقٌ بين توديع ومُحْتَمَل ) ( كيف
السُّلُوُّ لِقَلْبٍ بات مُخْتَبلاً ... يَهْذِي بصاحب قَلْبٍ غيرِ مُخْتَبَلِ ) وفيها
يقول ( يَفْتَرُّ عند افترارِ الحَرْبِ
مبتسماً ... إذا تَغَيَّرَ وجهُ الفارِس البَطِلِ ) ( مُوفٍ
على مُهَج في يومِ ذي رَهَجٍ ... كأنَّه أجَلٌ يسعَى إلى أَمَلِ ) ( ينالُ
بالرِّفقِ ما يَعْيَا الرِّجالُ به ... كالموت مُستعجِلاً يأتى على مَهَلِ ) ( لا
يَرْحَلُ النَّاسُ إلاّ نحوَ حُجرتِه ... كالبيت يُفْضِي إليه مُلْتَقى السُّبُلِ ) ( يَقْرِي
المَنِيّةَ أرواحَ العُدَاةِ كما ... يقرِي الضُّيوفَ شُحومَ الكُوم والبُزُل ) ( يكسو
السُّيوفَ رؤوسَ الناكثين به ... ويجعلُ الهامَ تيجانَ الْقَنَا الذُّبُل ) ( إذا
انتضَى سيفَه كانت مَسَالِكهُ ... مسالكَ الموت في الأبدانِ والقُلَلِ ) ( لا
تُكْذَبَنَّ فإنَّ المَجْدَ مَعْدِنُهُ ... وِرَاثةٌ في بني شَيْبَانَ لم تَزَلِ ) ( إذا
الشَّرِيكِيُّ لم يَفْخَرْ على أحدٍ ... تكلَّم الفخرُ عنه غير مُنْتَحِل ) ( الزَّائديُّونَ
قوم في رِماحِهِمُ ... خوفُ المُخيفِ وأَمْنُ الخائفِ الوِجِلِ ) ( كَبيرهُمْ
لا تقوم الرّاسياتُ له ... حِلْماً وطِفْلُهُمُ في هَدْيِ مُكْتَهِلِ ) ( اِسْلَمْ
يزيدُ فما في المُلْكِ من أوَدٍ ... إذا سَلِمْتَ ولا في الدِّين من خَلَلِ ) ( لولا
دِفاعُكَ بأَسَ الرُّوم إذْ مَكرتْ ... عن بَيْضةِ الدِّين لم تَأمَنْ من
الثَّكَلِ ) ( والمارقُ ابنُ طَريفٍ قد دَلَفْتَ
له ... بِعَارضٍ لِلمنايا مُسْبِلٍ هَطِلِ ) ( لو
أنَّ غيرَ شَرِيكيٍّ أطافَ به ... فازَ الوليدُ بقِدْحِ النَّاضل الخَصِلِ ) ( ما
كان جَمْعُهُمُ لمَّا دَلفتَ لهم ... إلاّ كمثل جَرادٍ رِيعَ مُنْجَفِلِ ) ( كم
آمنٍ لك نائي الدّارِ ممتنعٍ ... أخرجتَه من حَصون المُلْكِ والخَوَلِ ) ( تراه
في الأمْن في دِرْعٍ مُضَاعَفةٍ ... لا يأمَنُ الدّهْرَ أنْ يُدْعَى على عَجَلِ ) ( لا
يَعْبَقُ الطِّيبُ خَدّيْهِ ومَفْرِقَه ... ولا يُمَسِّحُ عينيه من الكُحُلِ ) ( يأبَى
لك الذَّمَّ في يَوْمَيك إنْ ذُكِرَا ... عَضْبٌ حُسَامٌ وعِرْضٌ غيرُ مُبْتَذَلِ ) ( فافْخَرْ
فمالك في شَيْبانَ من مَثَلٍ ... كذاك ما لبني شيبانَ من مَثَل ) وقال
محمد بن يزيد يعني بقوله ( تراه
في الأمن في دِرْعٍ مُضَاعَفَةٍ ... ) خبر
يزيد بن مزيد وذاك أن امرأة معن بن زائدة عاتبت معنا في يزيد وقالت إنك لتقدمه
وتؤخر بنيك وتشيد بذكره وتحمل ذكرهم ولو نبهتهم لانتبهوا ولو رفعتهم لارتفعوا فقال
معن إن يزيد قريب لم تبعد رحمه وله على حكم الولد إذ كنت عمه وبعد فإنهم ألوط
بقلبي وأدنى من نفسي على ما توجبه واجبة الولادة للأبوة من تقديمهم ولكني لا أجد
عندهم ما أجده عنده ولوكان ما يضطلع به يزيد من بعيد لصار قريبا وفي عدو لصار
حبيبا وسأريك في ليلتي هذه ما ينفسج به اللوم عني ويتبين به عذري يا غلام اذهب
فادع جساسا وزائدة وعبد الله وفلانا وفلانا حتى أتى على أسماء ولده فلم يلبث أن
جاؤوا في الغلائل المطيبة والنعال السندية وذلك بعد هدأة من الليل فسلموا وجلسوا
ثم قال يا غلام ادع لي يزيد وقد أسبل سترا بينه وبين المرأة وإذا به قد دخل عجلا وعليه
السلاح كله فوضع رمحه بباب المجلس ثم أتى يحضر فلما رآه معن قال ما هذه الهيئة أبا
الزبير وكان يزيد يكنى أبا الزبير وأبا خالد فقال جاءني رسول الأمير فسبق إلى نفسي
أنه يريدني لوجه فقلت إن كان مضيت ولم أعرج وإن يكن الأمر على خلاف ذلك فنزع هذه
الآلة أيسر الخطب فقال لهم انصرفوا في حفظ الله فقالت المرأة قد تبين عذرك فأنشد
معن متمثلا ( نَفْسُ
عِصَامٍ سَوّدتْ عِصامَا ... وعوّدته الكَرَّ والإقداما ) ( وصَيَّرتْه
مَلِكاً هُمَامَا ... ) من
شعر اخته في رثائه وأخبرني محمد بن الحسن الكندي قال حدثنا الرياشي قال أنشدني
الأصمعي لأخت الوليد بن طريف ترثيه ( ذكرتُ
الوليدَ وأيّامَهُ ... إذِ الأرضُ من شَخْصه بَلْقَعُ ) ( فأقبلتُ
أطلبه في السَّماء ... كما يبتغي أنْفَه الأجْدَعُ ) ( أضاعك
قومُك فليطلبوا ... إفادةَ مِثْلِ الذي ضَيَّعُوا ) ( لوان
السُّيوفَ التي حَدُّها ... يصِيبُك تَعلَمُ ما تصنَع ) ( نَبَتْ
عنكَ أو جعلتْ هيبةً ... وخوفاً لصَوْلِك لا تَقْطَع ) بعض
اخلاق عبد الله بن طاهر فأما خبر عبد الله بن طاهر في صنعته هذا الصوت فإن عبد
الله كان بمحل من علو المنزلة وعظم القدر ولطف مكان من الخلفاء يستغني به عن
التقريظ له والدلالة عليه وأمره في ذلك مشهور عند الخاصة والعامة وله في الأدب مع
ذلك المحل الذي لا يدفع وفي السماحة والشجاعة ما لا يقاربه فيه كبير أحد أخبرني
علي بن سليمان الأخفش عن محمد بن يزيد المبرد أن المأمون اعطى عبد الله بن طاهر
مال مصر لسنة خراجها وضياعها فوهبه كله وفرقه في الناس ورجع صفرا من ذلك فغاظ
المأمون فعله فدخل إليه يوم مقدمه فأنشده أبياتا قالها في هذا المعنى وهي ( َنْفسي
فداؤك والأعناقُ خاضعةٌ ... للنَّائباتِ أبِيًّا غيرَ مُهْتَضَم ) ( إليكَ
أقبلتُ من أرضٍ أقمتُ بها ... حَوْلَيْنِ بعَدك في شَوْقٍ وفي أَلَم ) ( أقفُو
مَسَاعِيك اللاَّتِي خُصِصتَ بها ... حَذْوَ الشِّراكِ على مثْلٍ من الأَدَمِ ) ( فكان
فَضْلِيَ فيها أنّني تَبَعٌ ... لمَا سَنَنْتَ من الإِنعامِ والنِّعَمِ ) ( ولو
وُكِلْتُ إلى نَفْسِي غَنِيتُ بها ... لكن بدأتَ فلم أعْجِزْ ولم أُلَم )
================================================= ج23.
كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني فضحك المأمون وقال والله ما نفست عليك مكرمة
نلتها ولا أحدوثة حسن عنك ذكرها ولكن هذا شيء إذا عودته نفسك افتقرت ولم تقدر على
لم شعثك وإصلاح حالك وزال ما كان في نفسه أخبرني وكيع قال حدثنا عبد الله بن أبي
سعد قال حدثني عبد الله بن فرقد قال أخبرني محمد بن الفضل بن محمد بن منصور قال
لما افتتح عبد الله بن طاهر مصر ونحن معه سوغه المأمون خراجها فصعد المنبر فلم يزل
حتى أجاز بها كلها ثلاثة آلاف دينار أو نحوها فأتاه معلى الطائي وقد أعلموه ما قد
صنع عبد الله بن طاهر بالناس في الجوائز وكان عليه واحدا فوقف بين يديه تحت المنبر
فقال أصلح الله الأمير أنا معلى الطائي وقد بلغ مني ما كان منك إلي من جفاء وغلظ
فلا يغلظن علي قلبك ولا يستخفنك الذي بلغك أنا الذي أقول ( يا
أعظمَ النَّاسِ عفواً عند مَقْدِرةٍ ... وأَظْلَمَ الناس عند الجُود للمال ) ( لو
أصبحَ النِّيلُ يجري ماؤه ذَهَباً ... لَمَا أشرتَ إلى خَزْنٍ بمِثقالِ ) ( تُغْلِي
بما فيه رِقُّ الحمدِ تَمِلكُه ... وليس شيء أعاضَ الحمدَ بالغالي ) ( تَفُكُّ
بالُيْسرِ كَفَّ العُسْر من زَمَنٍ ... إذا استطالَ على قوم بإقلالِ ) ( لم
تَخْلُ كَفُّك من جُودٍ لمُخْتَبِطٍ ... أ ومُرْهَفٍ قاتلٍ في رأس قَتَّالِ ) ( وما
بَثَثْتَ رَعِيلَ الخيلِ في بَلَدٍ ... إلاّ عَصَفْنَ بأرزاقٍ وآجالِ ) ( إن
كنتُ منكَ على بالٍ منَنْتَ به ... فإنْ شُكْرَك من قلبي على بالِ ) ( ما
زِلْتُ منقضاً لولا مُجَاهَرةٌ ... من أَلْسُنٍ خُضْنَ في صَدْرِي بأقوالِ ) قال
فضحك عبد الله وسر بما كان منه وقال يا أبا السمراء أقرضني عشرة آلاف دينار فما
أمسيت أملكها فأقرضه فدفعها إليه أخبرني علي بن عبد العزيز عن ابن خرداذبة قال كان
موسى بن خاقان مع عبد الله بمصر وكان نديمه وجليسه وكان له مؤثرا مقدما فأصاب منه
معروفا كثيرا وأجازه بجوائز سنية هناك وقبل ذلك ثم إنه وجد عليه في بعض الأمر
فجفاه وظهر له منه بعض ما لم يحبه فرجع حينئذ إلى بغداد وقال صوت ( إنْ كان عبدُ
اللهِ خَلاَّنَا ... لا مُبْدِئاً عُرْفاً وإحسانا ) ( فحَسْبُنَا
اللهُ رَضِينَا به ... ثم بعبد الله مولانا ) يعني
بعبد الله الثاني المأمون وغنت فيه جاريته ضعف لحنا من الثقيل الأول وسمعه المأمون
فاستحسنه ووصله وإياها فبلغ ذلك عبد الله بن طاهر فغاظه ذلك وقال أجل صنعنا
المعروف إلى غير أهله فضاع وكانت ضعف إحدى المحسنات ومن أوائل صنعتها وصدور
أغانيها وما برزت فيه وقدمت فاختيرت صنعتها في شعر جميل ( أمِنْكِ
سَرَى يا بَثْنُ طَيْفٌ تَأَوَّبَا ... هُدوءاً فهاج القلبَ شوقاً وأنصبَا ) ( عَجِبْتُ
له أنْ زارَ في النوم مَضْجَعِي ... ولو زارني مُسْتَيْقِظاً كان أعجبَا ) الشعر
لجميل والغناء لضعف ثقيل أول بالبنصر قصته مع محمد بن يزيد الأموي أخبرني عمي قال
حدثني أبو جعفر بن الدهقانة النديم قال حدثني العباس ابن الفضل الخراساني وكان من
وجوه قواد طاهر وابنه عبد الله وكان أديبا عاقلا فاضلا قال لما قال عبد الله بن
طاهر قصيدته التي يفخر فيها بمآثر أبيه وأهله ويفخر بقتلهم المخلوع عارضه محمد بن
يزيد الأموي الحصني وكان رجلا من ولد مسلمة بن عبد الملك فأفرط في السب وتجاوز الحد
في قبح الرد وتوسط بين القوم وبين بني هاشم فأربى في التوسط والتعصب فكان مما قال
فيه ( يابنَ بَيْتِ النَّارِ مُوقِدُها
... ما لِحَاذَيْهِ سَرَاوِيلُ ) ( مَنْ
حُسَيْنٌ مَنْ أبوك ومَنْ ... مُصْعَبٌ غالتكمُ غُولُ ) ( نَسَبٌ
في الفَخْرِ مُؤْتَشَبٌ ... وأُبوّاتٌ أَراذيلُ ) ( قاتلُ
المخلوعِ مقتولٌ ... ودَمُ المقتولِ مطلولُ ) وهي
قصيدة طويلة فلما ولي عبد الله مصر ورد إليه تدبير أمر الشام علم الحصني أنه لا
يفلت منه إن هرب ولا ينجو من يده حيث حل فثبت في موضعه وأحرز حرمه وترك أمواله
ودوابه وكل ما كان يملكه في موضعه وفتح باب حصنه وجلس عليه ونحن نتوقع من عبد الله
بن طاهر أن يوقع به فلما شارفنا بلده وكنا على أن نصبحه دعاني عبد الله في الليل
فقال لي بت عندي الليلة وليكن فرسك معدا عندك لا يرد ففعلت فلما كان في السحر أمر
غلمانه وأصحابه ألا يرحلوا حتى تطلع الشمس وركب في السحر وأنا وخمسة من خواص
غلمانه معه فسار حتى صبح الحصني فرأى بابه مفتوحا ورآه جالسا مسترسلا فقصده وسلم
عليه ونزل عنده وقال له ما أجلسك هاهنا وحملك على أن فتحت بابك ولم تتحصن من هذا
الجيش المقبل ولم تتنح عن عبد الله بن طاهر مع ما في نفسه عليك وما بلغه عنك فقال إن
ما قلت لم يذهب علي ولكني تأملت أمري وعلمت أني أخطأت خطيئة حملني عليها نزق
الشباب وغرة الحداثة وأني إن هربت منه لم أفته فباعدت البنات والحرم واستسلمت
بنفسي وكل ما أملك فإنا أهل بيت قد أسرع القتل فينا ولي بمن مضى أسوة فإني أثق بأن
الرجل إذا قتلني وأخذ مالي شفى غيظه ولم يتجاوز ذلك إلى الحرم ولا له فيهن أرب ولا
يوجب جرمي إليه أكثر مما بذلته قال فوالله ما اتقاه عبد الله إلا بدموعه تجري على
لحيته ثم قال له أتعرفني قال لا والله قال أنا عبد الله بن طاهر وقد أمن الله
تعالى روعتك وحقن دمك وصان حرمك وحرس نعمتك وعفا عن ذنبك وما تعجلت إليك وحدي إلا
لتأمن من قبل هجوم الجيش ولئلا يخالط عفوي عنك روعة تلحقك فبكى الحصني وقام فقبل
رأسه وضمه إليه عبد الله وأدناه ثم قال له إما لا فلا بد من عتاب يا أخي جعلني الله
فداك قلت شعرا في قومي أفخر بهم لم أطعن فيه على حسبك ولا ادعيت فضلا عليك وفخرت
بقتل رجل هو وإن كان من قومك فهم القوم الذين ثأرك عندهم فكان يسعك السكوت أو إن
لم تسكت لا تغرق ولا تسرف فقال أيها الأمير قد عفوت فاجعله العفو الذي لا يخلطه
تثريب ولا يكدر صفوه تأنيب قال قد فعلت فقم بنا ندخل إلى منزلك حتى نوجب عليك حقا
بالضيافة فقام مسرورا فأدخلنا فأتى بطعام كان قد أعده فأكلنا وجلسنا نشرب في
مستشرف له وأقبل الجيش فأمرني عبد الله أن أتلقاهم فأرحلهم ولا ينزل أحد منهم إلا
في المنزل وهو على ثلاثة فراسخ فنزلت فرحلتهم وأقام عنده إلى العصر ثم دعا بدواة
فكتب له بتسويغه خراجه ثلاث سنين وقال له إن نشطت لنا فالحق بنا وإلا فأقم بمكانك
فقال فأنا أتجهز وألحق بالأمير ففعل فلحق بنا بمصر ولم يزل مع عبد الله لا يفارقه حتى
رحل إلى العراق فودعه وأقام ببلده بعض الأشعار التي غنى فيها فأما الأصوات التي
غنى فيها عبد الله بن طاهر فكثيرة وكان عبيد الله بن عبد الله إذا ذكر شيئا منها
قال الغناء للدار الكبيرة وإذا ذكر شيئا من صنعته قال الغناء للدار الصغيرة فمنها
ومن مختارها وصدورها ومقدمها لحنه في شعر أخت عمرو بن عاصية وقيل إنه لاخت مسعود
بن شداد فإنه صوت نادر جيد قال أبو العبيس بن حمدون وقد ذكره ففضله جاء به عبد
الله بن طاهر صحيح العمل مزدوج النغم بين لين وشدة على رسم الحذاق من القدماء وهو صوت
( هَلاّ سَقَيْتُمْ بني سَهْمٍ أسيرَكُمُ ... نَفْسِي فِداؤك من ذي غُلَّةٍ صادي ) ( الطاعنُ
الطَّعْنَة النَّجلاء يَتْبَعُها ... مُضَرِّج بعد ما جادتْ بإزْبادِ ) الشعر
لأخت عمرو بن عاصية السلمي ترثيه وكان بنو سهم وهن بطن من هذيل أسروه في حرب كانت
بينهم ولم يعرفوه فلما عرفوه قتلوه وكان قد عطش فاستسقاهم فمنعوه وقتلوه على عطشه
وقيل إن هذا الشعر للفارعة أخت مسعود بن شداد ولحن عبد الله بن طاهر خفيف ثقيل أول
بالوسطى ابتداؤه استهلال أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي
قالا حدثنا عمر بن شبة قال قتلت بنو سهم وهو بطن من هذيل عمرو بن عاصية السلمي
وكان رجلان منهم أخذاه أخذا فاستسقاهما ماء فمنعاه ذلك ثم قتلاه فقالت أخته ترثيه وتذكر
ما صنعوا به ( شَبَّتْ
هُذَيْلٌ وبَهْزٌ بينها إرَةً ... فلا تَبُوخُ ولا يُرْتَدُّ صَاليها ) ويروى
شبت هذيل وسهم وهو الصحيح ولكن كذا قال عمر بن شبة ( إنّ
ابنَ عاصيةَ المقتولَ بينكما ... خَلَّى عليّ فِجَاجاً كان يَحميها ) وقالت
أيضا ترثيه ( يا
لَهْفَ نَفْسِيَ لَهْفاً دائماً أبداً ... على ابن عاصيةَ المقتولِ بالوادي ) ( هلاَّ
سَقيتُمْ بني سَهْمٍ أسيرَكُمُ ... نَفْسِي فِداؤك من ذِي غُلَّةِ صادي ) قال
فغزا عرعرة بن عاصية هذيلا يطلبهم بدم أخيه فقتل منهم نفرا وسبى امرأة فجردها ثم
ساقها معه عارية إلى بلاد بني سليم فقالت عند ذلك ( ألامَتْ
سُلَيْمٌ في السِّياق وأَفحشتْ ... وأفرطَ في السَّوقِ العنيف إسَارُها ) ( لعلّ
فتاةً منهمُ أن يسوقَها ... فوارسُ منّا وهْيَ بادٍ شَوارُها ) ( فإنْ
سَبَقتْ عُلْيَا سُلَيْمٍ بذَحْلِها ... هُذَيْلاً فقد باءتْ فكيف اعتذارُها ) ( ألا
ليت شِعْرِي هل أرى الخيلَ شُزَّباً ... تُثير عَجَاجاً مستطيراً غُبَارُها ) ( فَترْقا
عيونٌ بعد طُول بُكائها ... ويُغْسَلُ ما قد كان بالأمس عارُها ) هذه
رواية عمر بن شبة فأما أبو عبيدة فإنه خالفه في ذلك وذكر في مقتله فيما أخبرني به
محمد بن الحسن بن دريد إجازة عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال خرج عمرو بن عاصية
السلمي ثم البهزي في جماعة من قومه فأغاروا على هذيل بن مدركة فصادفوا حيا من هذيل
يقال لهم بنو سهم بن معاوية وكانت امرأة من هذيل تحت رجل من بني بهز فقالت لابن
لها معه أي بني انطلق إلى أخوالك فأنذرهم بأن ابن عاصية السلمي قد أمسى يريدهم
وذلك حين عزم ابن عاصية على غزوهم وأراد المسير إليهم فانطلق الغلام من تحت ليلته
حتى أتى أخواله فأنذرهم فقال ابن عاصية السلمي يريدكم فخذوا حذركم فبدر القوم
واستعدوا وأصبح عمرو بن عاصية قريبا من الحي فنزل فربأ لأصحابه على جبل مشرف على
القوم فإذا هم حذرون فقال لأصحابه أرى القوم حذرين إن لهم لشأنا ولقد أنذروا علينا
فكمن في الجبل يطلب غفلتهم فأصابه وأصحابه عطش شديد فقال ابن عاصية لأصحابه هل
فيكم من يرتوي لأصحابه فقال أصحابه نخاف القوم وأبى أحد منهم أن يجيبه إلى ذلك قال
فخرج على فرس له ومعه قربته وقد وضعت هذيل على الماء رجلا منهم رصدا وعلموا أنهم
لا بد لهم من أن يردوا الماء فمر بهم عمرو بن عاصية وقد كمن له شيخ وفتيان من هذيل
فلما نظروا إليه هم الفتيان أن يثاوراه فقال الشيخ مهلا فإنه لم يركما فكفا فانتهى
ابن عاصية إلى البئر فنظر يمينا وشمالا فلم ير أحدا والآخرون يرمقونه من حيث لا
يراهم فوثب نحو قربته فأخذها ثم دخل البئر فطفق يملأ القربة ويشرب وأقبل الفتيان
والشيخ معهما حتى أشرفوا عليه وهو في البئر فرفع رأسه فأبصر القوم فقالوا قد أخزاك
الله يابن عاصية وأمكن منك قال ورمى الشيخ بسهم فأصاب أخمصه فأنفذه فصرعه وشغل
الفتيان بنزع السهم من قدم الشيخ ووثب ابن عاصية من البئر شدا نحو أصحابه وأدركه
الفتيان قبل وصوله فأسراه فقال لهما حين أخذاه أروياني من الماء ثم اصنعا ما بدا
لكما فلم يسقياه وتعاوراه بأسيافهما حتى قتلاه فقالت أخت عمرو بن عاصية ترثي أخاها
( يا لَهْفَ نَفْسِيَ يوماً ضَلَّةً
جَزَعاً ... على ابن عاصيةَ المقتولِ بالوادي ) ( إذ
جاء ينفُض عن أصحابه طَفَلاً ... مَشْيَ السَّبَنْتَى أمام الأَيكة العادي ) ( هَلاّ
سَقيتُمْ بني سَهْمٍ أسِيرَكُمُ ... نَفْسِي فداؤك من مُسْتَوُرِدٍ صادي ) قال
أبو عبيدة وآب غزي بني سليم بعد مقتل ابن عاصية قال فبلغ أخاه عرعرة بن عاصية قتل
هذيل أخاه وكيف صنع به فجمع لهم جمعا من قومه فيهم فوارس من بني سليم منهم عبيدة
بن حكيم الشريدي وعمرو بن الحارث الشريدي وأبو مالك البهزي وقيس بن عمرو أحد بني
مطرود من بني سليم وفوارس بني رعل قال فسرى إليهم عرعرة فالتقوا بموضع يقال له
الجرف فاقتتلوا قتالا شديدا فظفرت بهم بنو سليم فأوجعوا فيهم وقتلوا منهم قتلى
عظيمة وأسروا أسرى وأصابوا امراة من هذيل فعروها من ثيابها واستاقوها مجردة
فأفحشوا في ذلك وقال عرعرة بن عاصية في ذلك يذكر من قتل ( ألاَ
أبْلِغْ هُذَيلاً حيثُ حَلَّتْ ... مُغَلْغَلةً تَخُبُّ مع الشَّفِيق ) ( مُقامَكُم
غَداةَ الجُرْفِ لمَّا ... تواقفتِ الفوارسُ بالمَضِيقِ ) ( غَداةَ
رأيتُمُ فُرْسانَ بَهْزٍ ... ورِعْلٍ أَلبدتْ فوق الطريقِ ) ( تراميتُمْ
قليلاً ثم ولَّتْ ... فوارسُكم تَوَقَّلُ كُلَّ نِيقِ ) ( بِضَرْبٍ
تسقُط الهاماتُ منه ... وطَعْنٍ مثل إشعال الحريق ) وقال
لي إن هذا الشعر الذي فيه صنعه عبد الله بن طاهر لمسعود بن شداد يرثي أخاه وزعم أن
جرما كانت قتلته وهو عطشان فقال ( يا
عينُ جُودِي لمسعود بن شَدّادِ ... بكل ذي عَبَراتٍ شَجْوهُ بادي ) ( هَلاَّ
سقيتم بني جَرْمٍ أسيرَكُمُ ... نَفْسِي فداؤك من ذي غُلَّةٍ صادي ) فأنشدنيها
بعض أصحابنا قال أنشدني أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال أنشدني أبو حاتم عن أبي
عبيدة لفارعة المرية أخت مسعود بن شداد ترثيه فذكر من الأبيات البيت الأول وبعده ( يا
مَنْ رأى بارقاً قد بِتُّ أرمُقُه ... جَوْدا على الحَرّة السوداء بالوادي ) ( أسقِي
به قَبر مَنْ أَعْنِي وحُبَّ به ... قبراً إليّ ولو لَم يفْدِهِ فادي ) ( شَهَّادُ
أنديةٍ رَفَّاعُ أبنيةٍ ... شَدّادُ ألويةٍ فَتَّاح أسدادِ ) ( نَحَّارُ
راغيةٍ قَتَّالُ طاغيةٍ ... حَلاَّلُ رابيةٍ فَكَّاكُ أقياد ) ( قَوّالُ
مُحْكَمةٍ نَقَّاضُ مُبْرَمَةٍ ... فَرّاجُ مُبْهَمةٍ حَبَّاسُ أورادِ ) ( حَلاَّلُ
مُمْرِعَةٍ حَمَّالُ مُضْلِعَةٍ ... قَرّاعُ مُفْظِعةٍ طَلاَّعُ أنجادِ ) ( جَمّاع
كُلِّ خِصَالِ الخَيْرِ قد عَلِموا ... زَيْنُ القَرِينِ وخطم الظالم العادي ) ( أبا
زُرَارةَ لا تَبْعَدْ فكُلُّ فَتًى ... يوماً رَهينُ صَفيحاتٍ وأعوادِ ) والغناء
في هذا الشعر لعبد الله بن طاهر خفيف ثقيل أول بالبنصر قال عبيد الله بن عبد الله
بن طاهر لما صنع أبي هذا الصوت لم يحب أن يشيع شيء من هذا ولا ينسب إليه لأنه كان
يترفع عن الغناء وما جس بيده وترا قط ولا تعاطاه ولكنه كان يعلم من هذا الشأن بطول
الدربة وحسن الثقافة ما لا يعرفه كبير أحد وبلغ من علم ذلك إلى أن صنع أصواتا
كثيرة فألقاها على جواريه فأخذنها عنه وغنين بها وسمعها الناس منهن وممن أخذ عنهن
فلما أن صنع هذا الصوت ( هَلاّ
سقَيتُمْ بني جَرْمٍ أسيرَكُمُ ... نَفْسِي فداؤك من ذي غُلَّةٍ صادي ) نسبه
إلى مالك بن أبي السمح وكان لآل الفضل بن الربيع جارية يقال لها داحة فكانت ترغب
إلى عبد الله بن طاهر لما ندبه المأمون إلى مصر في أن يأخذها معه وكانت تغنيه
وأخذت هذا الصوت عن جواريه وأخذه المغنون عنها ورووه لمالك مدة ثم قدم عبد الله
العراق فحضر مجلس المأمون وغني الصوت بحضرته ونسب إلى مالك فضحك عبد الله ضحكا
كثيرا فسئل عن القصة فصدق فيها واعترف بصنعة الصوت فكشف المأمون عن ذلك فلم يزل كل
من سئل عنه يخبر عمن أخذه عنه فتنتهي القصة إلى داحه ثم تقف ولا تعدوها فأحضرت
داحة وسئلت فأخبرت بقصته فعلم أنه من صنعته حينئذ بعد أن جاز على إسحاق وطبقته أنه
لمالك ويقال إن إسحاق لم يعجب من شيء عجبه من عبد الله وحذقه بمذاهب الأوائل
وحكاياتهم قال ومن غنائه أيضا صوت ( راح
صَحْبي وعاودَ القَلْبَ داءُ ... من حَبِيبٍ طِلابُه لي عَنَاءُ ) ( حَسَنُ
الرأي والمَواعيدِ لا يُلْفَى ... لشيءٍ مما يقول وَفاء ) ( مَنْ
تَعَزَّى عمن يُحِبُّ فإنِّي ... ليس لي ما حَييتُ عنه عَزاء ) الغناء
لابن طنبورة خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى ولحن عبد الله بن طاهر ثاني
ثقيل بالبنصر ومنها ( فمَنْ
يَفْرَحْ ببينهِمُ ... فغَيْري إذ غَدَوْا فَرِحَا ) صوت
( يا خَلِيلَيَّ قد مَلِلْتُ ثَوَائي ... بالمُصَلَّى وقد شَنِئتُ البَقِيعَا ) ( بَلِّغانِي
ديارَ هندٍ وسَلْمَى ... وارْجِعَا بي فقد هَويتُ الرجوعا ) الشعر
لعُمَر بن أبي ربيعة والغناء للغريض خفيف ثقيل بالوسطى في مجراها عن إسحاق وذكر
الهشامي أنه لابن سريج وذكر حبش أن فيه رملا بالبنصر لإبراهيم وفيه لحن لمعبد ذكره
حماد بن إسحاق عن أبيه ولم يجنسه أخبرني بخبر عمر بن أبي ربيعة في هذا الشعر وقوله
إياه الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا سليمان بن عياش
السعدي قال أخبرني السائب بن ذكوان راوية كثير قال قدم عمر بن أبي ربيعة المدينة وأخبرني
الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن عثمان بن حفص قال وأخبرني علي بن صالح عن أبي
هفان عن إسحاق عن عثمان بن حفص والزبيري والمسيبي وأخبرني به أحمد بن عبد العزيز
الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة موقوفا عليه وجمعت رواياتهم وأكثر اللفظ للزبير بن
بكار وخبره أتم أن عمر بن أبي ربيعة قدم المدينة فزعموا أنه قدمها من أجل امرأة من
أهلها فأقام بها شهرا فذلك قوله ( يا
خليلَيَّ قد مَلِلْتُ ثَوَائي ... بالمُصَلَّى وقد شَنِئتُ البقيعَا ) قال
ثم خرج إلى مكة فخرج معه الأحوص واعتمرا قال الزبير في خبره عن سائب راوية كثير
إنه قال لما مرا بالروحاء استتلياني فخرجت أتلوهما حتى لحقتهما بالعرج عند رواحهما
فخرجنا جميعا حتى وردنا ودان فحبسهما النصيب وذبح لهما وأكرمهما وخرجنا وخرج معنا
النصيب فلما جئنا كلية عدلنا جميعا إلى منزل كثير فقيل لنا هبط قديدا فذكر لنا أنه
في خيمة من خيامها فقال لي ابن أبي ربيعة اذهب فادعه لي فقال النصيب هو أحمق وأشد
كبرا من أن يأتيك فقال لي عمر اذهب كما أقول لك فادعه لي فجئته فهش لي وقال اذكر
غائبا تره لقد جئت وأنا أذكرك فأبلغته رسالة عمر فجدد إلى نظرة وقال أما كان عندك
من المعرفة ما يردعك عن إتياني بمثل هذه الرسالة قلت بلى والله ولكني سترت عليك
فأبى الله إلا أن يهتك سترك فقال لي إنك والله يابن ذكوان ما أنت من شكلي فقل لابن
أبي ربيعة إن كنت قرشيا فأنا قرشي فقلت له لا تترك هذا التلصق وأنت تقرف عنهم كما
تقرف الصمغة فقال والله لأنا أثبت فيهم منك في سدوس ثم قال وقل له إن كنت شاعرا
فأنا أشعر منك فقلت له هذا إذا كان الحكم إليك فقال وإلى من هو ومن أولى بالحكم
مني وبعد هذا يا بن ذكوان فاحمد الله على لومك فقد منعك مني اليوم فرجعت إلى عمر
فقال ما وراءك فقلت ما قال لك نصيب فقال وإن فأخبرته فضحك وضحك صاحباه ظهرا لبطن
ثم نهضوا معي إليه فدخلنا عليه في خيمة فوجدناه جالسا على جلد كبش فوالله ما أوسع
للقرشي فلما تحدثوا مليا فأفاضوا في ذكر الشعر اقبل على عمر فقال له أنت تنعت
المرأة فتنسب بها ثم تدعها وتنسب بنفسك أخبرني يا هذا عن قولك ( قالتْ
تَصَدَّيْ له لِيَعْرِفَنا ... ثمّ اغْمِزيه يا أُخت في خَفَرِ ) ( قالت
لها قد غَمَزْتُه فأبى ... ثم اسْبَطَرَّتْ تشتدُّ في أَثَرِي ) ( وقَوْلُها
والدُّموعُ تَسْبِقُها ... لَنُفْسِدَنَّ الطَّوافَ في عُمَر ) أتراك
لو وصفت بهذا هرة أهلك ألم تكن قد قبحت وأسأت وقلت الهجر إنما توصف الحرة بالحياء
والإباء والالتواء والبخل والامتناع كما قال هذا وأشار إلى الأحوص ( أدُورُ
ولولا أنْ أرَى أُمّ جعْفَرٍ ... بأبياتِكُمْ ما دُرْتُ حيثُ أدور ) ( وما
كُنْتُ زَوَّاراً ولكنّ ذَا الهَوَى ... إذا لم يَزُرْ لا بُدّ أن سَيزورُ ) ( لقد
مَنَعتْ معروفَها أُمّ جَعْفَرٍ ... وإنِّي إلى معروفها لَفقيرُ ) قال
فدخلت الأحوص أبهة وعرفت الخيلاء فيه فلما استبان كثير ذلك فيه قال أبطل آخرك أولك
أخبرني عن قولك ( فإن
تَصِلي أصِلْكِ وإنْ تَبِينِي ... بِصُرْمِك بعد وَصْلِكِ لا أبالي ) ( ولا
ألْفى كَمَنْ إنْ سِيمَ صَرْماً ... تَعَرّضَ كي يُرَدّ إلى الوِصالِ ) أما
والله لو كنت فحلا لباليت ولو كسرت أنفك ألا قلت كما قال هذا الأسود وأشار إلى
نصيب ( بزَيْنَبَ ألمِمْ قبل أن يَرْحَلَ
الرَّكْبُ ... وقُلْ إنْ تَمَلِّينَا فما مَلِّكِ القَلْبُ ) قال
فانكسر الأحوص ودخلت النصيب أبهة فلما نظر أن الكبرياء قد دخلته قال له يابن
السوداء فأخبرني عن قولك ( أَهِيمُ
بدَعْدٍ ما حَييِتُ فإنْ أَمُتْ ... فوَا كَبِدِي مَنْ ذا يَهِيمُ بها بَعْدِي ) أهمك
من ينيكها بعدك فقال نصيب استوت القوق قال وهي لعبة مثل المنقلة ومن هذا الموضع
ينفرد الزبير بروايته دون الباقين قال سائب فلما أمسك كثير أقبل عليه عمر فقال له
قد أنصتنا لك فاسمع يا مذبوب إلي أخبرني عن تخيرك لنفسك وتخيرك لمن تحب حيث تقول ( ألاَ
ليتَنا يا عَزَّ كُنّا لذِي غِنَى ... بَعِيرَيْنِ نَرْعَى في الخَلاء ونَعْزُبُ ) ( كِلاَنَا
به عَرٌّ فَمنْ يَرَنا يَقُلْ ... عَلى حُسْنِها جَرْباءُ تُعْدِي وأَجْرَبُ ) ( إذا
ما وَرَدْنا مَنْهَلاً صاح أهلُه ... علينا فما نَنْفَكُّ نُرْمَى ونُضْرَبُ ) ( وَدِدْتُ
وبَيْتِ اللهِ أنَّكِ بَكْرةٌ ... هَجانٌ وأنِّي مُصْعَبٌ ثم نَهْرُبُ ) ( نكون
بَعِيَريْ ذِي غِنًى فيُضِيعُنا ... فلا هُوَ يَرْعَانا ولا نحن نُطْلَبُ ) وقال
تمنيت لها ولنفسك الرق والجرب والرمي والطرد والمسخ فأي مكروه لم تمن لها ولنفسك
لقد أصبابها منك قول القائل معاداة عاقل خير من مودة أحمق قال فجعل يختلج جسده كله
ثم أقبل عليه الأحوص فقال إلي يا ابن استها أخبرك بخبرك وتعرضك للشر وعجزك عنه
وإهدافك لمن رماك أخبرني عن قولك ( وقُلْنَ
وقد يَكْذِبْن فيك تَعَيُّفٌ ... وشُؤْمٌ إذا ما لم تُطَعْ صاح ناعقُهْ ) ( وأَعْيَيْتَنا
لا راضياً بكرامةٍ ... ولا تاركاً شَكْوَى الذي أنت صادِقُهْ ) ( فأدركتَ
صَفْوَ الوُدِّ مِنَّا فلُمْتَنا ... وليس لنا ذَنْبٌ فنحن مَوَاذِقُهْ ) ( وألفَيتَنَا
سلْماً فَصَدَّعْتَ بَيْنَنا ... كما صَدَّعتْ بين الأَديم خَوَالِقُهْ ) والله
لو احتفل عليك هاجيك ما زاد على ما بؤت به على نفسك قال فخفق كما يخفق الطائر ثم
أقبل عليه النصيب فقال أقبل علي يا زب الذباب فقد منيت معرفة غائب عندي علمه فيك
حيث تقول ( وَدِدْتُ وما تُغْنِي الوَدَادةُ
أَنَّني ... بما في ضَمِير الحاجِبِيَّة عالمُ ) ( فإنْ
كان خيراً سَرَّني وعَلِمْتُه ... وإنْ كانَ شَرًّا لم تَلُمْني اللَّوائمُ ) أنظر
في مرآتك واطلع في جيبك واعرف صورة وجهك تعرف ما عندها لك فاضطرب اضطراب العصفور
وقام القوم يضحكون وجلست عنده فلما هدأ شأوه قال لي أرضيتك فيهم فقلت له أما في
نفسك فنعم فقد نحس يومك معهم وقد بقيت أنا عليك فما عذرك ولا عذر لك في قولك ( سقَى
دِمْنَتَيْنِ لم نَجِدْ لهما أهْلاَ ... بِحَقْلٍ لكم يا عَزَّ قد رَابَنا حَقْلاَ ) ( نَجَاءُالثُّرَيَّا
كُلَّ آخر لَيْلةٍ ... يَجُودُهما جوداً ويُتْبِعُه وبْلاَ ) ثم
قلت في آخرها ( وما
حَسِبتْ ضَمْرِيَّةٌ حَدَرِيَّةٌ ... سِوَى التَّيْس ذي القَرْنَيْن أنّ لها
بَعْلاَ ) أهكذا يقول الناس ويحك ثم تظن أن
ذلك قد خفي ولم يعلم به أحد فتسب الرجال وتعيبهم فقال وما أنت وهذا وما علمك بمعنى
ما أردت فقلت هذا أعجب من ذاك أتذكر امرأة تنسب بها في شعرك وتستغزر لها الغيث في
أول شعرك وتحمل عليها التيس في آخره قال فأطرق وذل وسكن فعدت إلى أصحابي فأعلمتهم
ما كان من خبره بعدهم فقالوا ما أنت بأهون حجارته التي رمي بها اليوم منا قال فقلت
لهم إنه لم يترني فأطلبه بذحل ولكني نصحته لئلا يخل هذا الإخلال الشديد ويركب هذه
العروض التي ركب في الطعن على الأحرار والعيب لهم اخبرني أحمد بن عبد العزيز
الجوهري وإسماعيل بن يونس قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق الموصلي قال
حدثني ابن جامع عن السعيدي عن سهل بن بركة وكان يحمل عود ابن سريج قال نافع بن
علقمة يشدد في أمر الغناء والمغنين كان على مكة نافع بن علقمة الكناني فشدد في
الغناء والمغنين والنبيذ ونادى في المخنثين فخرج فتية من قريش إلى بطن محسر وبعثوا
برسول لهم فأتاهم براوية من الشراب الطائفي فلما شربوا وطربوا قالوا لو كان معنا
ابن سريج تم سرورنا فقلت هو علي لكم فقال لي بعضهم دونك تلك البغلة فاركبها وامض
إليه فأتيته فأخبرته بمكان القوم وطلبهم إياه فقال لي ويحك وكيف لي بذاك مع شدة
السلطان في الغناء وندائه فيه فقلت له أفتردهم قال لا والله فكيف لي بالعود فقلت
له أنا أخبؤه لك فشأنك فركب وسترت العود وأردفني فلما كنا ببعض الطريق إذا أنا
بنافع بن علقمة قد أقبل فقال لي يابن بركة هذا الأمير فقلت لا بأس عليك أرسل عنان
البغلة وامض ولا تخف ففعل فلما حاذيناه عرفني ولم يعرف ابن سريج فقال لي يابن بركة
من هذا أمامك فقلت ومن ينبغي أن يكون هذا ابن سريج فتبسم ابن علقمة ثم تمثل ( فإنْ
تَنْجُ منها يا أبَانُ مُسَلِّماً ... فقد أفلت الحَجّاجُ خيلَ شَبِيبِ ) ثم
مضى ومضينا فلما كنا قريبا من القوم نزلنا إلى شجرة نستريح فقلت له غن مرتجلا فرفع
صوته فخيل إلي أن الشجرة تنطق معه فغنى صوت ( كيف الثَّواءُ ببَطْنِ مَكَّةَ بعدما
... هَمَّ الذين تُحِبّ بالإِنجادِ ) ( أمّ
كيف قلبُك إذ ثَوَيْتَ مُخَمَّراً ... سَقِمَاً خِلاَفَهمُ وكَرْبُكَ بادي ) ( هل
أنتَ إن ظَعَن الأحِبَّةُ غادِي ... أم قبلَ ذلك مُدْلِجٌ بسَوَاد ) الشعر
للعرجي وذكر إسحاق في مجرده أن الغناء فيه لابن عائشة ثاني ثقيل مطلق في مجرى
الوسطى وحكى حماد ابنه عن أن اللحن لابن سريج قال سهل فقلت أحسنت والذي فلق الحبة
وبرأ النسمة ولو أن كنانة كلها سمعتك لاستحسنتك فكيف بنافع بن علقمة المغرور من
غره نافع ثم قلت زدني وإن كان القوم متعلقة قلوبهم بك فغنى وتناول عودا من الشجرة
فأوقع به على الشجرة فكان صوت الشجرة أحسن من خفق بطون الضأن على العيدان إذا
أخذتها قضبان الدفلى قال والصوت الذي غنى صوت ( لا
تَجْمَعِي هَجْراً عليّ وغُرْبةً ... فالهَجْرُ في تَلَفِ الغريبِ سريع ) ( مَنْ
ذا فديتُكِ يستطيع لِحُبِّهِ ... دَفْعاً إذا اشتملتْ عليه ضُلوع ) فقلت
بنفسي أنت والله من لا يمل ولا يكد والله ما جهل من فهمك اركب فدتك نفسي بنا فقال
أمهلني كما أمهلتك اقض بعض شأني فقلت وهل عما تريد مدفع فقام فصلى ركعتين ثم ضرب
بيده على الشجرة وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله ثم قال
يا حبيبتي إذا شهدت بذاك الشيء فاشهدي بهذا ثم مضينا والقوم متشوقون فلما دنونا
أحست الدواب بالبغلة فصهلت وشحجت البغلة وإذا الغريض يغنيهم لحنه ( مِنْ
خَيْلِ حيٍّ ما تَزالُ مُغِيرةً ... سَمِعتْ على شَرَفٍ صَهِيلَ حِصَانِ ) فبكى
ابن سريج حتى ظننت أن نفسه قد خرجت فقلت ما يبكيك يا أيا يحيى جعلت فداك لا يسوءك
الله ولا يريك سوءا قال أبكاني هذا المخنث بحسن غنائه وشجا صوته والله ما ينبغي
لأحد أن يغني وهذا الصبي حي ثم نزل فاستراح وركب فلما سار هنيهة اندفع الغريض
فغناهم لحنه ( يا
خليليّ قد مَلِلتُ ثَوَائي ... بالمُصَلَّى وقد شَنِئتُ البقِيعَا ) قال
ولصوته دوي في تلك الجبال فقال ابن سريج ويلك يا بن بركة أسمعت أحسن من هذا الغناء
والشعر قط قال ونظروا إلينا فأقبلوا نشاوى يسحبون أعطافهم وجعلوا يقبلون وجه ابن
سريج فنزل فأقام عندهم ثلاثا والغريض لا ينطق بحرف واحد وأخذوا في شرابهم وقالوا
يا حبيب النفس وشقيقها أعطها بعض مناها فضرب بيده إلى جيبه فأخرج منه مضرابا ثم
أخذه بيده ووضع العود في حجره فما رأيت يدا أحسن من يده ولا خشبة تخيلت إلي أنها
جوهرة إلا هي ثم ضرب فلقد سبح القوم جميعا ثم غنى فكل قال لبيك لبيك فكان مما غنى فيه
واللحن له هزج صوت ( لَبَّيْكِ يا سَيِّدَتي ... لَبَّيْكِ ألفاً عَدَدَا ) ( لَبَّيْكِ
منِ ظالمةٍ ... أحببتُها مُجْتَهِدَا ) ( قُومُوا
إلى مَلْعبِنا ... نَحْكِ الجَوَارِي الخُرَّدَا ) ( وَضْع
يَدٍ فوق يَدٍ ... تَرْفَعُها يَداً يَدَا ) فكل
قال نفعل ذاك فلقد رأيتنا نستبق أينا تقع يده على يده ثم غنى صوت ( ما
هاجَ شَوْقَكَ بالصَّرائمْ ... رَبْعٌ أحالَ لأُمِّ عاصِمْ ) ( رَبْعٌ
تَقادَمَ عهدُه ... هاجَ المُحِبَّ على التَّقَادُمْ ) ( فيه
النَّوَاعِمُ والشَّبابُ ... الناعمون مع النَّوَاعِمْ ) ( مِنْ
كلّ واضحةِ الجَبِينِ ... عَمِيمةٍ رَيَّا المَعَاصِمْ ) ثم
إنه غنى صوت ( شَجَاني مَعَاني الحَيِّ وانْشَقَّتِ العَصَا ... وصاح غُرَابُ
البين أنت مَرِيضُ ) ( ففاضتْ
دُموعي عند ذاك صبابةً ... وفيهنّ خَوْدٌ كالمَهَاةِ غَضِيضُ ) ( وَولَّيْتُ
محزونَ الفؤادِ مُرَوَّعاً ... كئيباً ودمعي في الرِّداءِ يَفيضُ ) الغناء
لابن محرز خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر وفيه خفيف ثقيل آخر لابن جندب قال فلقد
رأيت جماعة طير وقعن بقربنا وما نحس قبل ذلك منها شيئا فقالت الجماعة يا تمام
السرور وكمال المجلس لقد سعد من أخذ بحظه منك وخاب من حرمك يا حياة القلوب ونسيم
النفوس جعلنا الله فداءك غننا فغنى واللحن له صوت ( يا
هِنْدُ إنَّكِ لو عَلِمْتِ ... بعاذِلَيْنِ تَتَابَعا ) وهذا
الصوت يأتي خبره مفردا لأن فيه طولا فبدرت من بينهم فقبلت بين عينيه فتهافت القوم
عليه يقبلونه فلقد رأيتني وأنا أرفعهم عنه شفقة عليه ما في الأشعار التي تناشدها
عمر وأصحابه من أغان وفي هذه الأشعار التي تناشدها كثير وعمر ونصيب والأحوص أغان منها
صوت ( أبصرتُها ليلةُ ونسْوَتَها ... يَمْشِينَ بين المَقَامِ والحَجَر ) ( ما
إنْ طَمِعْنا بها ولا طَمعتْ ... حتّى التَقَيْنا ليلاً على قَدَرٍ ) ( بِيضاً
حسَاناً خرائداً قُطُفاً ... يَمْشِينَ هَوْناً كمِشْيةِ البَقَرِ ) الشعر
لعمر والغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن الهشامي وحبش وذكر عمرو أن فيه لابن سريج
خفيف ثقيل أول بالبنصر ولأبي سعيد مولى فائد ثقيل أول وقيل إنه لسنان الكاتب ومن
هذه القصيدة أيضا وهذا أولها صوت ( يا
مَنْ لِقَلْبٍ مُتَيَّم كَمِدٍ ... يَهْذِي لخَوْدٍ مَرِيضَةِ النَّظَر ) ( تمشِي
رُوَيْداً إذا مَشَتْ فُضُلاً ... وهْيَ كمثل العُسْلوج مِ البُسُرِ ) ( ما
زالَ طَرْفِي يَحَارُ إذ بَرَزتْ ... حتّى عرفتُ النُّقْصانَ في بَصَري ) غناه
ابن محرز ولحنه من خفيف الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى ومنها صوت (
قالتْ لِترِبٍ لها تُحَدِّثُها ... لَنُفْسِدنّ الطَّوافَ في عُمَرِ ) ( قالتْ
تَصَدَّي له لِيَعْرفَنا ... ثمّ
اغْمِزِيه يا أُخْتِ في خَفَر ) ( قالتْ
لها قد غمزتُه فأبَى ... ثم اسْتُطِيرتْ تشتدُّ في أَثَري ) غناء
يونس خفيف ثقيل أول بالبنصر عن حبش وقيل إن فيه لعبد الله بن عباس لحنا جيدا ومنها
ما لم يمض ذكره في الكتاب صوت ( أَلاَ
ليتنا يا عَزَّ من غيرَ بِغضَةٍ ... بعِيرَيْنِ نَرْعَى في الخَلاء ونَعْزُبُ ) ( كلاَنَا
به عَرٌّ فمَنْ يَرَنا يَقُل ... على حُسْنِها جَرْباءُ تُعْدِي وأجربُ ) ( إذا
ما وَرَدْنا مَنْهَلاً صاح أهلُه ... علينا فما نَنْفَكُّ نُرْمَى ونُضْرَبُ ) الغناء
لإبراهيم رمل بالوسطى عن حبش أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثنا حماد بن إسحاق عن
أبيه عن أبي عبيدة عن عوانة وعيسى بن يزيد أن كثيرا دخل على عزة ذات يوم فقالت له
ما ينبغي لنا أن نأذن لك في الجلوس قال ولم قالت لأني رأيت الأحوص ألين جانبا في
شعره منك في شعرك وأضرع خدا للنساء وإنه لأشعر منك حين يقول ( يا
أَيُّها اللاَّئِمي فيها لأَصْرِمَها ... أكثرتَ لو كان يُغْنِي منك إكْثارُ ) ( اِرْجِعْ
فلستَ مُطاعاً إذ وَشَيْتَ بها ... لا القَلْبُ سالٍ ولا في حُبِّها عارُ ) وإني
استرققت قوله ( وما
كُنت زَوَّاراً ولكنّ ذَا الهوى ... ' إذا لم يَزُرْ لا بُدَّ أنْ سَيزُورُ ) وأعجبني
قوله ( كَمْ من دَنِيٍّ لها قد صِرْتُ
أَتْبَعُه ... ولو صحا القلبُ عنها كان لي تَبَعَا ) ( وزادني
كَلَفاً بالحُبِّ أنْ مَنَعتْ ... أَحَبُّ شيءٍ إلى الإِنسان ما مُنِعَا ) وقوله
أيضا ( وما العَيْشُ إلاّ ما تَلَذّ
وتَشْتَهي ... وإنْ لاَم فيه ذو الشَّنَانِ وفَنَّداَ ) فقال
كثير قد والله أجاد فما الذي استجفيت من قولي قالت أخزاك الله أما استحييت حين
تقول ( يُحاذِرْنَ منِّي غَيْرةً قد
عَرَفْنَهَا ... لَدَيَّ فما يَضْحَكْنَ إلاّ تَبَسُّمَا ) فقال
كثير ( وَدِدْتُ وبيتِ اللهِ أنَّكِ
بَكْرةٌ ... هِجَانٌ وأنِّي مُصْعَبٌ ثم نَهْرُبُ ) ( كِلاَنا
به عَرٌّ فمَنْ يَرَنا يَقُلْ ... على حُسْنها جَرْباء تُعْدِي وأجربُ ) ( نكون
لِذي مالٍ كثيرٍ مُغَفَّلٍ ... فلا هُوَ يرعانا ولا نحن نُطْلَبُ ) فقالت
لي ويحك لقد أردت بي الشقاء الطويل ومن المنى ما هو أعفى من هذا وأطيب صوت ( قد
كنتَ في مَنْظَرٍ ومُسْتَمَعٍ ... عَنْ نَصْرِ بَهْراءَ غير ذي فَرَسِ ) ( لا
تَرِهٌ عندهم فتَطْلُبَها ... ولا همُ نُهْزةٌ لمُخْتَلِسِ ) ( بكَفِّ
حَرّانَ ثائرٍ بدَم ... طَلاَّبِ وِتْرٍ في الموت مُنْغَمِسِ ) ( إمّا
تَقَارَشْ بك الرّماحُ فلا ... أبكيك إلا للدّلْوِ والمَرَسِ ) ( تَذُبُّ
عنه كَفٌّ بها رَمَقٌ ... طيراً عُكُوفاً كَزُوّر العُرُسِ ) ( عما
قليلٍ يَصْبَحْنَ مُهْجَتَه ... فهُنَّ من والغٍ ومُنتهِس ) الشعر
لأبي زبيد الطائي والغناء لابن محرز في الأول والثاني خفيف ثقيل الأول بالسبابة في
مجرى البنصر عن إسحاق وذكر عمرو بن بانة أن في الأربعة الأول خفيفي ثقيل كلاهما
بالبنصر لمعبد وابن محرز ووافقه الهشامي في لحن معبد في الأول والثاني وذكر أنه
بالوسطى وفي كتاب ابن مسجح عن حماد له فيه لحن يقال إنه لابن سريج في الأول
والخامس والسادس والسابع رمل بالوسطى عن عمرو وذكر لنا حبش أن الرمل لمعبد وذكر
إسحاق أنه لابن سريج أيضا وأوله ( تَذُبُّ
عنه كفٌّ بها رمقٌ ... ) وفيه
لمالك في السادس والسابع خفيف ثقيل آخر وفيه لابن عائشة رمل وفيه لحنين ثاني ثقيل
هذه الحكايات الثلاث عن يونس وطرائقها عن الهشامي ولمخارق في الرابع والأول خفيف
رمل ولمتيم في الأول والثاني خفيف رمل آخر وذكر حبش أن لإبراهيم في الأول والثاني
ثاني ثقيل بالوسطى ولابن مسجح خفيف ثقيل بالوسطى أخبار أبي زبيد ونسبه هو حرملة بن
المنذر وقيل المنذر بن حرملة والصحيح حرملة بن المنذر بن معد يكرب بن حنظلة بن
النعمان بن حية بن سعنة بن الحارث بن ربيعة بن مالك بن سكر بن هنيء بن عمرو بن
الغوث بن طيئ بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان وكان أبو زبيد
نصرانيا وعلى دينه مات وهو ممن أدرك الجاهلية والإسلام فعد في المخضرمين وألحقه
ابن سلام بالطبقة الخامسة من الإسلامين وهم العجير السلولي وذووه وقد مضى أكثر
أخباره مع أخبار الوليد بن عقبة بن أبي معيط أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب
الجمحي إجازة قال حدثني محمد ابن سلام الجمحي قال حدثني أبو الغراف قال استنشده
عثمان فأنشده قصيدة فيها وصف للاسد كان أبو زبيد الطائي من زوار الملوك وخاصة ملوك
العجم وكان عالما بسيرهم وكان عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه يقربه على ذلك
ويدني مجلسه وكان نصرانيا فحضر ذات يوم عثمان وعنده المهاجرون والأنصار فتذاكروا
مآثر العرب وأشعارها قال فالتفت عثمان إلى أبي زبيد وقال يا أخا تبع المسيح أسمعنا
بعض قولك فقد أنبئت أنك تجيد فأنشده قصيدته التي يقول فيها ( مَنْ
مُبْلِغٌ قومَنا النائين إذ شَحَطُوا ... أنّ الفؤادَ إليهم شَيِّقٌ وَلِعٌ ) ووصف
فيها الأسد فقال عثمان رضي الله تعالى عنه تالله تفتأ تذكر الأسد ما حييت والله
إني لأحسبك جبانا هدانا قال كلا يا أمير المؤمنين ولكني رأيت منه منظرا وشهدت منه
مشهدا لا يبرح ذكره يتجدد ويتردد في قلبي ومعذور أنا يا أمير المؤمنين غير ملوم
فقال له عثمان رضي الله عنه وأنى كان ذلك قال خرجت في صيابة أشراف من أفناء قبائل
العرب ذوي هيئة وشارة حسنة ترتمي بنا المهاري بأكسائها ونحن نريد الحارث بن أبي
شمر الغساني ملك الشأم فاخروط بنا السير في حمارة القيظ حتى إذا عصبت الأفواه
وذبلت الشفاه وشالت المياه وأذكت الجوزاء المعزاء وذاب الصيهد وصر الجندب وضاف
العصفور الضب وجاوره في حجره قال قائل أيها الركب غوروا بنا في ضوج هذا الوادي
وإذا واد قد بدا لنا كثير الدغل دائم الغلل شجراؤه مغنة وأطياره مرنة فحططنا
رحالنا بأصول دوحات كنهبلات فأصبنا من فضلات الزاد وأتبعناها الماء البارد فإنا
لنصف حر يومنا ومماطلته إذ صر أقصى الخيل أذنيه وفحص الأرض بيديه فوالله ما لبث أن
جال ثم حمحم فبال ثم فعل فعله الفرس الذي يليه واحدا فواحدا فتضعضعت الخيل وتكعكعت
الإبل وتقهقرت البغال فمن نافر بشكاله وناهض بعقاله فعلمنا أن قد أتينا وأنه السبع
ففزع كل رجل منا إلى سيفه فاستله من جربانه ثم وقفنا له رزدقا أي صفا وأقبل أبو
الحارث من أجمته يتظالع في مشيته من نعته كأنه مجنوب أو في هجار معصوب لصدره نحيط ولبلاعمه
غطيط ولطرفه وميض ولأسارعه نقيض كأنما يخبط هشيما أو يطأ صريما وإذا هامة كالمجن
وخد كالمسن وعينان سجراوان كأنهما سراجان يقدان وقصرة ربلة ولهزمة رهلة وكتد مغبط
وزور مفرط وساعد مجدول وعضد مفتول وكف شثنة البراثن إلى مخالب كالمحاجن فضرب بيده
فأرهج وكشر فأفرج عن أنياب كالمعاول مصقولة غير مفلولة وفم أشدق كالغار الأخرق ثم
تمطى فأسرع بيديه وحفز وركيه برجليه حتى صار ظله مثليه ثم أقعى فاقشعر ثم مثل فاكفهر
ثم تجهم فازبأر فلا وذو بيته في السماء ما اتقيناه إلا بأول أخ لنا من فزارة كان
ضخم الجزارة فوقصه ثم نفضه نفضة فقضقض متنيه فجعل يلغ في دمه فذمرت أصحابي فبعد
لأي ما استقدموا فهجهجنا به فكر مقشعرا بزبرته كأن شيهما حوليا فاختلج رجلا أعجر
ذا حوايا فنفضه نفضة تزايلت منها مفاصله ثم نهم ففرفر ثم زفر فبربر ثم زأر فجرجر
ثم لحظ فوالله لخلت البرق يتطاير من تحت جفونه من عن شماله ويمينه فأرعشت الأيدي
واصطكت الأرجل وأطت الأضلاع وارتجت الأسماع وشخصت العيون وتحققت الظنون وانخزلت
المتون فقال له عثمان اسكت قطع الله لسانك فقد أرعبت قلوب المسلمين أخبرني محمد بن
العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد قال حدثني العمري قال حدثني شعبة قال قلت
للطرماح بن حكيم ما شأن أبي زبيد وشأن الأسد فقال إنه لقيه بالنجف فلما رآه سلح من
فرقه وقال مرة أخرى فسلحه فكان بعد ذلك يصفه كما رأيت أخبرني أبو خليفة عن محمد بن
سلام قال حدثني أبي عمن يثق به أن رجلا من طيئ من بني حية نزل به رجل من بني
الحارث بن ذهل بن شيبان يقال له المكاء فدبح له شاة وسقاه الخمر فلما سكر الطائي
قال هلم أفاخرك أبنو حية أكرم أم بنو شيبان فقال له الشيباني حديث حسن ومنادمة
كريمة أحب إلينا من المفاخرة فقال الطائي والله ما مد رجل قط يدا أطول من يدي فقال
الشيباني والله لئن أعدتها لأخضبنها من كوعها فرفع الطائي يده فضربها الشيباني
بسيفه فقطعها فقال أبو زبيد في ذلك ( خَبَّرَتْنا
الرُّكبانُ أن قد فَخَرْتُمْ ... وفَرِحْتُمْ بضَرْبة المُكَّاءِ ) ( ولَعَمْري
لَعَارُها كان أدنَى ... لَكُمُ من تُقًى وحَقِّ وفَاء ) ( ظلَّ
ضيفاً أخوكُم لأخينا ... في صَبُوح ونَعْمةٍ وشِواء ) ( ثم
لما رآه رانتْ به الخمر ... وأن لاّ يريبهُ باتِّقاء ) ( لم
يَهَبْ حُرْمةَ النَّديم وحُقَّت ... بالقومٍ للسَّوْءة السَوّءاء ) ما
قاله في كلبه أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله عن محمد بن
حبيب عن ابن الأعرابي قال كان لأبي زبيد كلب يقال له أكدر وكان له سلاح يلبسه إياه
فكان لا يقوم له الأسد فخرج ليلة قبل أن يلبسه سلاحه فلقيه الأسد فقتله ويقال أخذه
فأفلت منه فقال عند ذلك أبو زبيد ( أحَالَ
أكْدرُ مُخْتَالاً كعادته ... حتى إذا كان بين البئر والعَطَنِ ) ( لاقى
لدى ثُلَلِ الأطواء داهيةً ... أسْرَتْ وأكدَرَ تحتَ الليل في قَرَن ) ( حطَّت
به شيمةٌ وَرْهاءُ تطردُهُ ... حتى تَنَاهى إلى الحُولات في السَّنَن ) ( إلى
مُقَابَل خَطْوِ السَّاعدَيْن له ... فوق السَّرَاة كذِفْرى الفالج القَمِن ) ( رئبالِ
غابٍ فلا قَحْمٌ ولا ضرَعٌ ... كالبغل يحتطم العلجين في شطَنِ ) وهي
قصيدة طويلة فلامه قومه على كثرة وصفه للأسد وقالوا له قد خفنا أن تسبنا العرب
بوصفك له قال لو رأيتم منه ما رأيت أو لقيكم ما لقي أكدر لما لمتموني ثم أمسك عن
وصفه فلم يصفه بعد ذلك في شعره حتى مات أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني أبو
سعيد السكري قال حدثني هارون بن مسلم بن سعدان أبو القاسم قال حدثنا هشام بن
الكلبي قال كان الأجلح الكندي يحدث عن عمارة بن قابوس قال لقيت أبا زبيد الطائي
فقلت له يا أبا زبيد هل أتيت النعمان بن المنذر قال إي والله لقد أتيته وجالسته
قال قلت فصفه لي فقال كان أحمر أزرق أبرش قصيرا فقلت له بالله أخبرني أيسرك أنه
سمع مقالتك هذه وأن لك حمر النعم قال لا والله ولا سودها فقد رأيت ملوك حمير في
ملكها ورأيت ملوك غسان في ملكها فما رأيت أحدا قط كان أشد عزا منه وكان ظهر الكوفة
ينبت الشقائق فحمى ذلك المكان فنسب إليه فقيل شقائق النعمان فجلس ذات يوم هناك
وجلسنا بين يديه كأن على رؤوسنا الطير وكأنه باز فقام رجل من الناس فقال له أبيت
اللعن أعطني فإني محتاج فتأمله طويلا ثم أمر به فأدني حتى قعد بين يديه ثم دعا
بكنانة فاستخرج منها مشاقص فجعل يجأبها في وجهه حتى سمعنا قرع العظام وخضبت لحيته
وصدره بالدم ثم أمر به فنحي ومكثنا مليا ثم نهض آخر فقال له أبيت اللعن أعطني
فتأمله ساعة ثم قال أعطوه ألف درهم فأخذها وانطلق ثم التفت عن يمينه ويساره وخلفه
فقال ما قولكم في رجل أزرق أحمر يذبح على هذه الأكمة أترون دمه سائلا حتى يجري في
هذا الوادي فقلنا له أنت أبيت اللعن أعلى برأيك عينا فدعا برجل على هذه الصفة فأمر
به فذبح ثم قال ألا تسألوني عما صنعت فقلنا ومن يسألك أبيت اللعن عن أمرك وما تصنع
فقال أما الأول فإني خرجت مع أبي نتصيد فمررت به وهو بفناء بابه وبين يديه عس من شراب
أو لبن فتناولته لأشرب منه فثار إلي فهراق الإناء فملا وجهي وصدري فأعطيت الله
عهدا لئن أمكنني منه لأخضبن لحيته وصدره من دم وجهه وأما الآخر فكانت له عندي يد
كافأته بها ولم أكن أثبته فتأملته حتى عرفته وأما الذي ذبحته فإن عينا لي بالشام
كتب إلي إن جبلة بن الأيهم قد بعث إليك برجل صفته كذا وكذا ليغتالك فطلبته أياما
فلم أقدر عليه حتى كان اليوم أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال كان لأبي
زبيد نديم يشرب معه بالكوفة فغاب أبو زبيد غيبة ثم رجع فأخبر بوفاته فعدل إلى قبره
قبل دخوله منزله فوقف عليه ثم قال ( يا
هاجِرِي إذ جئتُ زائرَهُ ... ما كان منْ عاداتكَ الهَجْرُ ) ( يا
صاحبَ القبرَ السّلام على ... مَنْ حال دون لِقائه القَبْرُ ) ثم
انصرف وكان بعد ذلك يجيء إلى قبره فيشرب عنده ويصب الشراب على قبره والأبيات التي
فيها الغناء المذكور يقولها في غلام له قتلته تغلب وكان مجاورا فيهم فدل بهراء على
عورتهم وقاتلهم معهم فقتل أخبرني بخبره أبو خليفة قال حدثني محمد بن سلام وأخبرني
محمد بن العباس اليزيدي عن عمه عبيد الله عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي قال كان
أخوال أبي زبيد بني تغلب وكان يقيم فيهم أكثر أيامه وكان له غلام يرعى إبله فغزت
بهراء بني تغلب فمروا بغلامه فدفع إليهم إبل أبي زبيد وقال انطلقوا أدلكم على عورة
القوم وأقاتل معكم ففعلوا والتقوا فهزمت بهراء وقتل الغلام فقال أبو زبيد هذه
القصيدة وهي ( هل
كنتَ في مَنْظَرٍ ومُسْتَمَع ... عن نَصْرِ بَهْراء غيرَ ذي فَرَسِ ) ( تَسْعى
إلى فِتيةِ الأراقم وأستعجلْتَ ... قَبْل الجمان والقبس ) ( في
عارضٍ من جبال بهرائها الأُولى ... مَرَين الحروب عن دُرَس ) ( فَبهرةٌ
مَنْ لَقُوا حَسِبْتَهُم ... أحْلى وأشْهَى من بارِدِ الدِّبِسِ ) ( لا
تِرة عندهم فتطلبَها ... ولا هُمُ نُهْزَة لمُخْتَلِس ) ( جُودٌ
كرام إذا هُم نُدِبُوا ... غيْرُ لئامٍ ضُجْرٍ ولا كُسُسِ ) ( صُمْتٌ
عظام الحلُوم إن قعدوا ... عن غير عِيٍّ بِهم ولا خَرَسِ ) ( تَقُود
أفراسَهُم نساؤهُمُ ... يُزَجُون أجمالَهمْ مع الغلَس ) ( صادفْتَ
لمّا خرجتَ مُنْطلِقاً ... جَهْم المُحَيّا كباسلٍ شرِسِ ) ( تَخالُ
في كفّه مثقّفةً ... تلمَع فيها كَشُعْلة القَبَس ) ( بكفِّ
حرّانَ ثائرٍ بدمٍ ... طَلاّبِ وِترٍ في الموت مُنْغَمِس ) ( إمّا
تقَارَنْ بك الرماح فلا ... أبكيك إلاّ للدَّلو والمَرَس ) ( حَمِدتَ
أمْري ولمت أمرَك إذ ... أمسك جَلْزُ السِّنانِ بالنفَس ) ( وقد
تصلَّيتَ حَرَّ نارهمُ ... كما تَصَلّى المقرور من قَرَس ) ( تَذُبُّ
عنه كفٌّ بها رمق ... طيراً عكوفاً كَزُوَّرِ العُرُس ) ( عما
قليلٍ علون جُثَّته ... فهنّ من والغ ومنتهِس ) فلما
فرغ أبو زبيد من قصيدته بعثت إليه بنو تغلب بدية غلامه وما ذهب من إبله فقال في ذلك
( ألا أبلغ بني عمرٍو رسولا ...
فإنّي في مودّتكم نَفِيسُ ) هكذا
ذكر ابن سلام في خبره والقصيدة لا تدل على أنها قيلت فيمن أحسن إليه وودى غلامه
ورد عليه ماله وفي رواية ابن حبيب ( ألا
أبلغ بني نصر بن عمرٍو ... ) وقوله
أيضا فيها ( فما أنا بالضعيفِ فتظِلموني ...
ولا جافِي اللقاء ولا خسِيسُ ) ( أفي
حقٍّ مواساتِي أخاكم ... بمالي ثم يظلمني السريسُ ) السريس
الضعيف الذي لا ولد له وهذا ليس من ذلك الجنس ولعل ابن سلام وهم وأبو زبيد أحد
المعمرين ذكر ابن الكلبي أنه عمر مائة وخمسين سنة أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد
عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبيه قال كان طول أبي زبيد ثلاثة عشر شبرا أخبرني أحمد
بن عبد العزيز وأحمد بن عبيد الله بن عمار قالا حدثنا محمد بن عبد الله العبدي أبو
بكرة قال حدثني أبو مسعر الجشمي عن ابن الكلبي قال كان أبو زبيد الطائي ممن إذا
دخل مكة دخلها متنكرا لجماله وأخبرني إبراهيم بن محمد بن أيوب قال حدثنا محمد بن
عبد الله بن مسلم قال لما صار الوليد بن عقبة إلى الرقة واعتزل عليا عليه السلام
ومعاوية صار أبو زبيد إليه فكان ينادمه وكان يحمل في كل أحد إلى البيعة مع النصارى
فبينا هو يوم أحد يشرب والنصارى حوله رفع بصره إلى السماء فنظر ثم رمى بالكأس من يده
وقال ( إذا جعَل المرءُ الذي كان حازماً
... يُحَلُّ به حَلَّ الحُوارِ ويحملُ ) ( فليس
له في العيش خيرٌ يريده ... وتكفينُه مَيْتاً أعفُّ وأجملُ ) دفن
مع الوليد بن عقبة بوصية منه ومات فدفن هناك على البليخ فلما حضرت الوليد بن عقبة
الوفاة أوصى أن يدفن إلى جنب أبي زبيد وقد قيل إن ابا زبيد مات بعد الوليد فأوصى
أن يدفن إلى جنب الوليد قال ابن الكلبي في خبره الذي ذكره إسحاق عنه هرب أبو زبيد
من الإسلام فجاور بهراء فاستأجر منهم أجيرا لإبله فكان يقبله حلب الجمان والقيس
وهما ناقتان كانتا له فلما كان يوم حابس وهو اليوم الذي التقت فيه بهراء وتغلب خرج
أجير أبي زبيد مع بهراء فقتل وانهزمت بهراء فمر أبو زبيد به وهو يجود بنفسه فقال
فيه هذه القصيدة أخبرني محمد بن يحيى ويحيى بن علي الأبوابي المدائني قالا حدثنا
عقبة المطرفي قال كنا في الحمام ومعي ابن السعدي وأنا أقرأ القرآن فدخل سعد الرواسي
فغنى ( قد كنت في منظرٍ ومستمَعٍ ... عن
نصر بهراء غيرَ ذي فرس ) فقال
ابن السعدي اسكت اسكت فقد جاء حديث يأكل الأحاديث أخبرني عمي والحسن بن علي قالا
حدثني العمري قال حدثني أحمد ابن حاتم قال حدثني محمد بن عمرو الجماز قال حدثني
أبو عبيدة عن يونس وأبي الخطاب النحوي أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط أوصى لما
احتضر لأبي زبيد بما يصلحه في فصحه وأعياده من الخمر ولحوم الخنازير وما أشبه ذلك
فقال أهله وبنوه لأبي زبيد قد علمت أنه لا يحل لنا هذا في ديننا وإنما فعله إكراما
لك وتعظيما لحقك فقدره لنفسك ما شئت أن تعيش وقوم ما أوصى به لك حتى نعطيك قيمته
ولا تفضحنا وتفضح آباءنا بهذا واحفظه واحفظنا فيه ففعل أبو زبيد ذلك وقبله منهم صوت
( هَلْ تعرفُ الدار من عامين أو عام ... دارٌ لِهندٍ بجِزع الحُرج فالدامِ ) ( تحنو
لأطلائِها عِينٌ مُلَمَّعَةٌ ... سُفْعُ الخدود بعيدات من الرامي ) الحرج
والدام موضعان ويروى مذ عامين وهذا الأجود وكلاهما روي وعين بقر وأطلاؤها أولادها
واحدها طلا ويروى بعيدات من الذام هو الذي يذم الحطيئة يمدح أبا موسى الأشعري
الشعر للحطيئة يمدح به أبا موسى الأشعري لما ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه
العراق والغناء لمالك خفيف رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق وذكر أن فيه لابن
جامع أيضا صنعة قال محمد بن حبيب أتى الحطيئة أبا موسى يسأله أن يكتبه معه فأخبره
أن العدة قد تمت فمدحه الحطيئة بهذه القصيدة التي ذكرتها وأولها ( هل
تعرِف الدار من عامينِ أو عامِ ... دار لهند بجِزعِ الحرج فالدامِ ) وفيها
يقول ( وجحفلٍ كسواد الليلِ منتَجعٍ ...
أرضَ العدوّ ببوس بعد إنعامِ ) ( جمعتَ
من عامرٍ فيه ومن أسدٍ ... ومن تميم ومن حاء ومن حامِ ) حاء
من مذحج وحام من خثعم ( وما
رضِيتَ لهم حتى رَفَدتهم ... من وائل رهطِ بِسطامٍ بأصرامِ ) ( فيه
الرماح وفيه كلّ سابغة ... جدلاءَ مُحْكَمةٍ من نسجِ سلاّمِ ) يعني
سليمان النبي ( وكلُّ
أجرَد كالسِّرحان أضمره ... مسحُ الأكُفّ وسقي بعد إطعامِ ) ( مستحقباتٍ
رواياها جحافِلُها ... يسمو بها أشعريٌّ طرفه سامِ ) الروايا
الإبل التي تحمل أثقالهم وأزوادهم وتجنب الخيل إليها فتضع جحافلها على أعجاز الإبل
( لا يزجُرُ الطَّيرَ إن مرَّت به
سُنُحاً ... ولا يُفِيض على قِدْحٍ بأزلام ) وقال
المدائني لما مدح الحطيئة أبا موسى رضي الله عنه بهذه القصيدة وصله أبو موسى وقد
كان كتب من أراد وكملت العدة فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكتب يلومه فكتب
إليه إني اشتريت منه عرضي فكتب إليه أحسنت قال وزاد فيه حماد الراوية أنه يعني
نفسه أنشدها بلال بن أبي بردة ولم يكن عرفها فوصله أخبرني القاضي أبو خليفة إجازة
قال حدثنا محمد بن سلام قال أخبرني أبو عبيدة عن يونس قال قدم حماد الراوية البصرة
على بلال بن أبي بردة وهو عليها فقال له ما أطرفتني شيئا يا حماد فعاد إليه فأنشده
قول الحطيئة في أبي موسى فقال له ويحك يمدح الحطيئة أبا موسى وأنا أروي شعره كله
ولا أعلم بهذه أذعها تذهب في الناس وكانت ولاية أبي موسى الكوفة بعد أن أخرج أهلها
سعيد بن العاص عنها وتحالفوا ألا يولوا عليها إلا من يريدون أخبرني بالسبب في ذلك
أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة قال حدثنا المدائني عن أبي مخنف
عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق قال كان قوم من وجوه أهل الكوفة من القراء يختلفون
إلى سعيد بن العاص ويسألونه فتذاكروا يوما السهل والجبل فقال حسان بن محدوج سهلنا
خير من جبلنا أكثر برا فيه أنهار مطردة ونخل باسقات وقلت فاكهة ينبتها الجبل إلا
والسهل ينبت مثلها فقال له عبد الرحمن بن حبيش صدقتم وددت أنه للأمير وأن لكم أفضل
منه فقال الأشتر تمن للأمير أفضل ولا تتقرب إليه بأموالنا فقال ما ضرك ذلك والله
لو يشاء أن يكون له لكان قال كذبت والله لو أراد ذلك ما قدر عليه فقال سعيد والله
ما السواد إلا بستان لقريش ما شئنا أخذنا منه وما شئنا تركنا فقال له الأشتر أنت
تقول هذا أصلحك الله وهذا من مركز رماحنا وفيئنا ثم ضربوا عبد الرحمن ابن حبيش حتى
سقط قال المدائني فحدثني علي بن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن الشعبي ومجالد بن حمزة
بن بيض عن الشعبي قال بينا القراء عند سعيد بن العاص وهم يأكلون تمرا وزبدا إذ قال
سعيد السواد بستان قريش فما شئنا أخذنا منه وما شئنا تركنا فقال له عبد الرحمن بن
حبيش وكان على شرطة سعيد صدق الأمير فوثب عليه القراء فضربوه وقالوا له يا عدو
الله يقول الباطل وتصدقه اخرجوا من داري فخرجوا فلما أصبحوا أتوا المسجد فداروا
على الحلق فقالوا إن أميركم زعم أن السواد بستان له ولقومه وهو فيئنا ومركز رماحنا
فوالله ما على هذا بايعنا ولا عليه أسلمنا فكتب سعيد إلى عثمان رضي الله عنه إن
قبلي قوما يدعون القراء وهم السفهاء وثبوا على صاحب شرطتي فضربوه واستخفوا بي منهم
عمرو بن زرارة وكميل بن زياد والأشتر وحرقوص بن هبيرة وشريح بن أوفى ويزيد بن
المكفف وزيد وصعصعة ابنا صوحان وجندب بن عبد الله فكتب إليهم عثمان رضي الله عنه
يأمرهم أن يخرجوا إلى الشام ويغزوا مغازيهم وكتب إلىسعيد قد كفيتك الذي أردت
فأقرئهم كتابي فإني أراهم لا يخالفون إن شاء الله واتق الله جل وعز وأحسن السيرة
فأقرأهم الكتاب فخرجوا إلى دمشق فأكرمهم معاوية وقال إنكم قدمتم بلدا لا يعرف أهله
إلا الطاعة فلا تجادلوهم فتدخلوا الشك قلوبهم فقال له الأشتر إن الله جل وعز قد
أخذ على العلماء في علمهم ميثاقا أن يبينوه للناس ولا يكتموه فإن سألنا سائل عن
شيء نعلمه لم نكتمه فقال قد خفت أن تكونوا مرصدين للفتنة فاتقوا الله ( ولا تكونوا
كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ) فقال عمرو بن زرارة نحن الذين
هدى الله فأمر معاوية بحبسهم فقال له زيد بن صوحان إن الذين أشخصونا إليك لم
يعجزوا عن حبسنا أو أرادوا فأحسنوا جوارنا وإن كنا ظالمين فنستغفر الله وإن كنا مظلومين
فنسأل الله العافية فقال له معاوية إني لا أرى حبسك أمرا صالحا فإن أحببت أن آذن
لك فترجع إلى مصرك وأكتب إلى أمير المؤمنين بإذنك فعلت قال حسبي أن تأذن لي وتكتب
إلى سعيد فكتب إليه فأذن له فلما أراد زيد الشخوص كلمه في الأشتر وعمرو بن زرارة فأخرجهما
وأقام القوم بدمشق لا يرون أمرا يكرهونه ثم أشخصهم معاوية إلى حمص فكانوا بها حتى
أجمع أهل الكوفة على إخراج سعيد فكتبوا إليهم فقدموا قال أبو زيد قال المدائني
حدثني الوقاصي عن الزهري إن أهل الكوفة لما قدموا على عثمان يشكون سعيدا قال لهم
أكتب إليه فأجمع بينكم وبينه ففعل فلم يحققوا عليه شيئا إلا قوله السواد بستان
قريش وأثنى الآخرون عليه فقال عثمان أرى أصحابكم يسألون إقراره ولم يثبتوا عليه
إلا كلمة واحدة لم ينتهك بها لأحد حرمة ولا أرى عزله إلا أن تثبتوا عليه ما لا يحل
لأحد تركه معه فانصرفوا إلى مصركم فرجع سعيد والفريقان معه وتقدمهم علي بن الهيثم
السدوسي حتى دخل رحبة المسجد فقال يا أهل الكوفة إنا أتينا خليفتنا فشكونا إليه عاملنا
ونحن نرى أنه سيصرفه عنا فرده إلينا وهو يزعم أن السواد بستان له وأنا امرؤ منكم
أرضى إذا رضيتم فقالوا لا نرضى الأشتر يخطب محرضا على عثمان وجاء الأشتر فصعد
المنبر فخطب خطبة ذكر فيها النبي وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما وذكر عثمان رضي
الله عنه فحرض عليه ثم قال من كان يرى أن لله جل وعز حقا فليصبح بالجرعة ثم قال
لكميل بن زياد انطلق فأخرج ثابت بن قيس بن الخطيم فأخرجه واستعمل أهل الكوفة أبا
موسى الأشعري أخبرني أحمد قال حدثنا عمر قال حدثنا عفان قال حدثنا أبو محصن قال
حدثنا حصين بن عبد الرحمن قال حدثني جهيم قال أنا شاهد للأمر قالوا لعثمان إنك استعملت
أقاربك قال فليقم أهل كل مصر فليسلموا صاحبهم فقام أهل الكوفة فقالوا اعزل عنا
سعيدا واستعمل علينا أبا موسى الأشعري ففعل قال أبو زيد وكان سعيد قد ابغضه أهل
الكوفة لأمور منها أن عطاء النساء بالكوفة كان مائتين مائتين فحطه سعيد إلى مائة
مائة فقالت امرأة من أهل الكوفة تذم سعيدا وتثني على سعد بن أبي وقاص ( فليتَ
أبا إسحاق كان أميرَنا ... وليت سعيداً كان أولَ هالك ) ( يُحَطِّطُ
أشراف النساء ويتقي ... بأبنائهن مُرْهَفَات النَّيازك ) حدثني
العباس بن علي بن العباس ومحمد بن جرير الطبري قالا حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا
أبو داود وأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو داود قال
حدثنا شعبة بن عمرو بن مرة قال سمعت أبا وائل يحدث عن الحارث بن حبيش قال بعثني
سعيد بن العاص بهدايا إلى المدينة وبعثني إلى علي عليه السلام وكتب إليه إني لم
أبعث إلى أحد بأكثر مما بعثت به إليك إلا شيئا في خزائن أمير المؤمنين قال فأتيت
عليا فأخبرته فقال لشد ما تحظر بنو أمية تراث محمد أما والله لئن وليتها لأنفضنها
نفض القصاب لتراب الوذمة قال أبو جعفر هذا غلط إنما هو لوذام التربة قال أبو زيد
وحدثني عبد الله بن محمد بن حكيم الطائي عن السعدي عن أبيه قال بعث سعيد بن العاص
مع ابن أبي عائشة مولاه بصلة إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال والله لا يزال
غلام من غلمان بني أمية يبعث إلينا مما أفاء الله على رسوله بمثل قوت الأرملة
والله لئن بقيت لأنفضنها نفض القصاب لوذام التربة هكذا في هذه الرواية صوت ( رُبَّ
وَعدٍ منكِ لا أنساه لي ... أوْجَبَ الشُّكرَ وإن لم تَفْعَلِي ) ( أَقْطعُ
الدَّهرَ بظنٍّ حَسَنٍ ... وأُجَلِّي غَمْرةً ما تَنْجلي ) ( كلَّما
أمّلتُ يوماً صالحاً ... عَرَضَ المَكْروهُ لي في أَمَلي ) ( وأَرَى
الأيَّامَ لا تُدْنِي الَّذي ... أرْتَجي منكِ وتُدْني أَجَلي ) عروضه
من الرمل الشعر لمحمد بن أمية والغناء لأبي حشيشة رمل طنبوري وفيه لحن لحسين بن
محرز ثاني ثقيل بالوسطى عن أبي عبد الله الهشامي أخبار محمد بن أمية وأخبار أخيه
علي بن أمية وما يغنى فيه من شعرهما سألت أحمد بن جعفر جحظة عن نسبه قلت له إن
الناس يقولون ابن أمية وابن أبي أمية فقال هو محمد بن أمية بن أبي أمية قال وكان
محمد كاتبا شاعرا ظريفا وكان ينادم إبراهيم بن المهدي وربما عاشر علي بن هشام إلا
أن انقطاعه كان إلى إبراهيم وربما كتب بين يديه وكان حسن الخط والبيان وكان أمية
بن أبي أمية يكتب للمهدي على بيت المال وكان إليه ختم الكتب بحضرته وكان يأنس به
لأدبه وفضله ومكانه من ولائه فزامله أربع دفعات حجها في ابتدائه ورجوعه قال جحظة
وحدثني بذلك أبو حشيشة وحدثني جحظة أيضا قال حدثني أبو حشيشة عن محمد بن علي بن
أمية قال حدثني عمي محمد بن أمية قال كنت جالسا بين يدي إبراهيم بن المهدي فدخل
إليه أبو العتاهية و قد تنسك ولبس الصوف وترك قول الشعر إلا في الزهد فرفعه
إبراهيم وسر به وأقبل عليه بوجهه وحديثه فقال له أبو العتاهية أيها الأمير بلغني
خبر فتى في ناحيتك ومن مواليك يعرف بابن أمية يقول الشعر وأنشدت له شعرا أعجبني
فما فعل قال فضحك إبراهيم ثم قال لعله أقرب الحاضرين مجلسا منك فالتفت إلي فقال لي
أنت هو فديتك فتشورت وخجلت وقلت له أنا محمد بن أمية جعلت فداءك وأما الشعر فإنما
أنا شاب أعبث بالبيت والبيتين والثلاثة كما يعبث الشاب فقال لي فديتك ذلك والله
زمان الشعر وإبانه وما قيل فيه فهو غرره وعيونه وما قصر من الشعر وقيل في المعنى
الذي تومىء إليه أبلغ وأملح وما زال ينشطني ويؤنسني حتى رأى أني قد أنست به ثم قال
لإبراهيم بن المهدي إن رأى الأمير أكرمه الله أن يأمره بإنشادي ما حضر من الشعر
فقال لي إبراهيم بحياتي يا محمد أنشده فأنشدته ( رُبَّ
وعد منكِ لا أنساهُ لي ... أوجبَ الشكر وإن لم تفعلي ) وذكر
الأبيات الأربعة قال فبكى أبو العتاهية حتى جرت دموعه على لحيته وجعل يردد البيت
الأخير منها وينتحب وقام فخرج وهو يردد ويبكى حتى خرج إلى الباب شعره في الجارية
خداع أخبرني عمي قال حدثني يعقوب بن إسرائيل قرقارة قال حدثني محمد بن علي بن أمية
قال كان عمي محمد بن أمية يهوى جارية مغنية يقال لها خداع كانت لبعض جواري خال
المعتصم فكان يدعوها ويعاشره إخوانه إذا دعوه بها اتباعا لمسرته وأراد المعتصم
الخروج والتأهب للغزو وأمر الناس جميعا بالخروج والتأهب فدعاه بعض إخوانه قبل
خروجهم بيوم فلما أضحى النهار جاء من المطر أمر عظيم لم يقدر معه أحد أن يطلع رأسه
من داره فكاد محمد أن يموت غما فكتب إلى صديقه الذي دعاه وقد كان ركب إليه ثم رجع
لشدة المطر ولم يقدر على لقائه ( تمادى
القَطْرُ وانقطع السبيلُ ... من الإِلفين إذ جرِت السيولُ ) ( على
أني ركِبتُ إليك شوقا ... ووجهُ الأرض أودِيةٌ تجول ) ( وكان
الشوقُ يَقْدُمُني دليلاً ... وللمشتاق معتزِماً دليلُ ) ( فلم
أجِد السبيلَ إلىحبيبٍ ... أودِّعه وقد أقِد الرحيلُ ) ( وأرسلْتُ
الرسولَ فغاب عنّي ... فياللهِ ما فعل الرسول ) وقال
في ذلك أيضا ( مجلس
يُشْفَى به الوطرُ ... عاق عنه الغيمُ والمطرُ ) ( رَبِّ
خُذْ لي منهما فهُما ... رحمةٌ عمّت ولي ضرر ) ( ما
علىمولاي مَعْتبةٌ ... عذره بادٍ ومستتِر ) ( شُغِلتْ
عيني بعبرتها ... واستمالت قلبيَ الفِكر ) قال
ثم بيعت خداع هذه فاشتراها بعض ولد المهدي وكان ينزل شارع الميدان فحجبت عنه
وانقطع ما بينهما إلا مكاتبة ومراسلة قال محمد بن علي فأنشدني يوما عمي محمد لنفسه
فيها ( خطراتُ الهوى بذكر خِداعٍ ...
هِجْنَ شوقي لا دراسات الطلولِ ) ( حُجِبتْ
أن تُرَى فلستُ أراها ... وأرى أهلَها بكل سبيل ) ( وإذا
جاءها الرسولُ رآها ... ليْتَ عيني مكان عينِ الرسول ) ( قد
أتاكِ الرسول يَنْعتُ ما بي ... فاسمعي منه ما يقول وقولي ) وقال
فيها أيضا ( بناحية المَيْدان دربٌ لو أنني ...
أسمِّيهِ لم أرشُد وإن كان مُفْسدي ) ( أخافُ
على سكّانه قولَ حاسدٍ ... يشير إليهم بالجفون وباليدِ ) ( وصائفُ
أبكارٌ وعُونٌ نواطِقٌ ... بألسنةٍ تشفِي جَوَى الهائم الصَّدِي ) ( يُقارِبْن
أهلَ الوُدّ بالقول في الهوى ... وما النجمُ من معروفهن بأبعدِ ) ( يزِدن
أخا الدنيا مُجُونا وفِتنة ... ويَشغَفن قلب الناسك المتعبِّد ) ( وليلة
وافى النوم طيف سَرَى به ... إليَّ الهوى منهن بعد تجرُّدِ ) ( فقاسَمْتُه
الأشجان نِصفين بيننا ... وأوْرَدْتُه من لوعةِ الحب مَوْرِدِي ) ( ونِلْتُ
الذي أمَّلتُ بعد تَمُّنع ... وعاهدتُه عهدَ امرئ متوكِّدِ ) ( فلما
افترقنا خاس بالعهد بيننا ... وأعرض إعراض العروس من الغد ) ( فواندما
ألا أكونَ ارتهنتُه ... لأَخْبُرَهُ في حفظِ عهدٍ وموعدِ ) اعجاب
أبي العتاهية بشعره أخبرني الحسن بن علي وعمي قالا حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه
قال حدثني حذيفة بن محمد قال قال لي محمد بن أبي العتاهية سمع أبي يوما مخارقا
يغني ( أحبُّكِ حُبًّا لو يُفَضُّ
يَسِيرُهُ ... على الخْلْقِ ماتَ الخلْقُ من شِدَّة الحُبِّ ) ( وأَعلَمُ
أنِّي بعدَ ذاكَ مقصِّرٌ ... لأنَّكِ في أعْلى المراتِبِ منْ قَلْبي ) فطرب
ثم قال له من يقول هذا يا أبا المهنأ قال فتى من الكتاب يخدم الأمير إبراهيم بن
المهدي فقال تعني محمد بن أمية قال نعم قال أحسن والله وما يزال يأتي بالشيء
المليح يبدو له أخبرني عمي قال حدثنا أحمد بن أبي طاهر قال حدثني أحمد بن أمية بن
أبي أمية قال لقي أخي محمد بن أمية مسلم بن الوليد وهو يمشي وطويلته مع بعض رواته
فسلم عليه ثم قال له قد حضرني شيء فقال هاته فقال على أنه مزاح لا يغضب منه قال هاته
ولو أنه شتم فقال ( مَنْ
رَأَى فيما خَلاَ رجُلاً ... تِيهُهُ يُرْبِى على جِدَتهْ ) ( يَتَباهى
راجلاً وله ... شاكِريٌّ في قُلْنَسِيتِه ) فسكت
عنه مسلم ولم يجبه وضحك منه محمد وافترقا قال وكان لمحمد بن أمية برذون يركبه
فلقيه مسلم وهو راجل فقال ما فعل برذونك قال نفق قال الحمد لله فنجازيك إذا على ما
كان منك إلينا ثم قال مسلم ( قل
لابن ميٍّ لا تكن جازعا ... لن يرجِع البِرذونُ باللَّيْتِ ) ( طامَنَ
أحشاءكَ فِقدانُه ... وكنتَ فيه عاليَ الصوت ) ( وكنتَ
لا تَنْزِلُ عن ظهْرهِ ... ولَوْ من الحُشِّ إلى البيتِ ) ( ما
مات من حتف ولكنْهُ ... مات من الشَّوْق إلى الموت ) أخبرني
أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا يعقوب بن إسرائيل قال حدثني محمد بن علي بن
أمية قال حدثني حسين بن الضحاك قال دخلت أنا ومحمد بن أمية منزل نخاس بالرقة أيام
الرشيد وعنده جارية تغني فوقعت عينها على محمد ووقعت عينه عليها فقال لها يا جارية
أتغنين هذا الصوت ( خبِّريني
مَنِ الرسولُ إليكِ ... واجعَلِيه من لا ينمُّ عليكِ ) ( وأشيري
إليّ من هو باللحظِ ... ليخفى على الذين لديكِ ) ( وأقلِّي
المُزاح في المجلس اليوم ... فإن المزاح بين يديكِ ) فقالت
له ما أعرفه وأشارت إلى خادم كان على رأسها واقفا فمكثا زمانا والخادم الرسول
بينهما قال والشعر لمحمد بن أمية حدثني جحظة قال حدثني ميمون بن هارون قال حدثني
بعض من كان يختلط بالبرامكة قال كنت عند إبراهيم بن المهدي وقد اصطبحنا وعنده عمرو
بن بانة وعبيد الله بن أبي غسان ومحمد بن عمرو الرومي وعمرو الغزال ونحن في أطيب
ما كنا عليه إذ غنى عمرو الغزال وكان إبراهيم بن المهدي يستثقله إلا أنه كان يتخفف
بين يديه ويقصده ويبلغه عنه تقديم له وعصبية فكان يحتمل ذاك منه فاندفع عمرو
الغزال فتغنى في شعر محمد بن أمية ( ما
تمّ لي يومُ سرورٍ بمنْ ... أهواهُ مُذْ كنتُ إلى اللَّيلِ ) ( أغبطَ
ما كنتُ بما نلته ... منهُ أتتني الرسْلُ بالويْل ) ( لاَ
والذَّي يعلَمُ كلَّ الذي ... أقولُ ذي العِزَّة والطَّوْل ) ( ما
رُمْتُ مذْ كنتُ لكم سَخْطَةً ... بالغَيْب في فعْل ولا قَوْل ) قال
فتطير إبراهيم ووضع القدح من يده وقال أعوذ بالله من شر ما قلت فوالله ما سكت
وأخذنا نتلافى إبراهيم إذ أتى حاجبه يعدو فقال ما لك فقال خرج الساعة مسرور من دار
أمير المؤمنين حتى دخل إلى جعفر بن يحيى فلم يلبث أن خرج ورأسه بين يديه وقبض على
أبيه وإخوته فقال إبراهيم ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) ارفع يا غلام ارفع فرفع ما
كان بين أيدينا وتفرقنا فما رأيت عمرا بعدها في داره كان يستطيب الشراب عند هبوب
الجنوب أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني الحسين بن يحيى الكاتب قال حدثني
محمد بن يحيى بن بسخنر قال كنت عند إبراهيم بن المهدي بالرقة وقد عزمنا على الشراب
ومعنا محمد بن أمية في يوم من حزيران فلما هممنا بذلك هبت الجنوب وتلطخت السماء
بغيم وتكدر ذلك اليوم فترك إبراهيم بن المهدي الشرب ولحقه صداع وكان يناله ذلك مع
هبوب الجنوب فافترقنا فقال لي محمد بن أمية ما أحب إلي ما كرهتموه من الجنوب فإن
أنشدتك بيتين مليحين في معناهما تساعدني على الشرب اليوم قلت نعم فأنشدني ( إنّ
الجنوبَ إذا هبَّت وجدتُ لها ... طِيباً يذكِّرني الفِردوسَ إنْ نَفَحَا ) ( لمَّا
أتَتْ بنسيم منكِ أعرِفه ... شوْقاً تَنَفَّستُ واستقبلْتها فَرِحا ) فانصرفت
معه إلى منزله وغنيت في هذين البيتين وشربنا عليهما بقية يومنا وجدت في بعض الكتب
بغير إسناد أهدت جارية يقال لها خداع إلى محمد بن أمية وكان يهواها تفاحة مفلجة
منقوشة مطيبة حسنة فكتب إليها محمد ( خِدَاعُ
أهديتِ لنا خُدْعةً ... تُفَّاحةً طيِّبةَ النَّشْرِ ) ( ما
زلتُ أرجوكِ وأخْشَى الهوى ... مُعْتصِما بالله والصَّبر ) ( حتى
أتتني منكِ في ساعةٍ ... زَحْزَحَتِ الأحزانَ عن صَدري ) ( حشوتِها
مِسْكاً ونقَّشتِها ... ونَقْشُ كفيكِ من النَّحر ) ( سَقْياً
لها تفاحةً أُهديَت ... لو لم تكُنْ من خُدَعِ الدَّهْر ) أخبرني
الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عبد الله بن جعفر
اليقطيني قال حدثني أبي جعفر بن علي بن يقطين قال كنت أسير أنا ومحمد بن أمية في
شارع الميدان فاستقبلتنا جارية كان محمد يهواها ثم بيعت وهي راكبة فكلمها فأجابته
بجواب أخفته فلم يفهمه فأقبل علي وقد تغير لونه فقال ( يا
جعفرُ بن عليّ وابن يقطينِ ... أليْسَ دونَ الذي لاقيتُ يَكْفِيني ) ( هذا
الذي لم تَزلْ نَفْسي تخوفُني ... منها فأيْنَ الذي كانَتْ تُمَنِّيني ) ( خاطَرْتُ
إذ أقبلتْ نحوي وقلتُ لها ... تَفدِيكِ نفسي فداءً غيرَ مَمْنون ) ( فخاطبتني
بما أخْفَته فانصرفت ... نفسي بظَّنْين مخشِيٍّ ومأمون ) حدثني
محمد بن يحيى الصولي قال حدثني أحمد بن يزيد المهلبي قال حدثني أبي قال كنت بين
يدي المنتصر جالسا فجاءته رقعة لا أعلم ممن هي فقرأها وتبسم ثم إنه اقبل علي وأنشد
( لطافةُ كاتبٍ وخشوعُ صبٍّ ...
وفِطْنةُ شاعرٍ عندَ الجوَاب ) ثم
أقبل علي فقال من يقول هذا يا يزيد فقلت محمد بن أمية يا أمير المؤمنين فضحك وقال
كأنه والله يصف ما في هذه الرقعة أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن
مهرويه قال حدثني حذيفة بن محمد قال كنت أنا وابن قنبر عند محمد بن أمية بعقب بيع
جارية كان يحبها وقد لحقه عليها وله كالجنون فجعل ابن قنبر وأخوه علي بن أمية
يعاتبانه على ما يظهر منه فأقبل بوجهه عليهما ثم قال ( لو
كنتَ جَرَّبْتَ الهوى يابن قَنْبَرٍ ... كوصفك إياه لأَلهاك عن عذْلي ) ( أنا
وأخي الأدنى وأنت لها الفِدا ... وإن لم تكونا في مودّتها مثلي ) ( أأنْ
حُجبتْ عني أجود لغيرها ... بودّي وهل يُغْري المحبَّ سوى البُخْل ) ( أسَرّ
بأن قالوا تَضَنّ بودّها ... عليك ومن ذا سُرّ بالبخل من قبلي ) قال
فضحك ابن قنبر وقال إذا كان الأمر هكذا فكن أنت الفداء لها وإن ساعدك أخوك فاتفقا
على ذلك وأما أنا فلست أنشط لأن أساعدك على هذا وافترقنا أخبرني علي بن سليمان
الأخفش قال أنشدني محمد بن الحسن بن الحزور لمحمد بن أمية في جارية كان يهواها
وقطع الصوم بينهما فقال يخاطب محمد بن عثمان بن خريم المري ( قفا
فابكيا إن كنتُما تجدان ... كوَجْدِي وإن لم تَبْكيا فدَعاني ) ( ففي
الدَّمْع مما تُضْمر النفس راحةٌ ... إذا لم أطِقْ إظهارَه بلساني ) ( أَغَضُّ
بأسراري إذا ما لقيتُها ... فأُبْهَتُ مشدوهاً أعضُّ بناني ) ( فيا
بن خُريم يا أخي دون إخوتي ... ومن هُوَ لي مِثلي بكل مكان ) ( تأمّلْ
أحظِّي من خِداعَ وحبِّها ... سوى خُدَع تُذْكي الهوى وأماني ) ( وأصبح
شهرُ الصوم قد حال بيننا ... فيا ليتَ شوَّالاً أتى بزمان ) أنشدني
جعفر بن قدامة قال أنشدني عبد الله بن المعتز قال أنشدني أبو عبد الله الهشامي
لمحمد بن أمية وفيه غناء لمتيم قال واستحسنه عبد الله صوت ( عجَباً عجبتُ لمُذنبٍ
متغَضِّبِ ... لولا قبيحُ فَعاله لم أعْجَبِ ) ( أخِداعُ
طالَ على الفراش تقلُّبي ... وإليكِ طولُ تشوّقي وتطرّبي ) ( لهفي
عليكِ وما يردّ تلهفي ... قصرت يداي وعزّ وجه المطلب ) الغناء
لمتيم فيه لحنان رمل عن ابن المعتز وخفيف رمل عن الهشامي وهذا من شعر محمد فيها
بعد أن بيعت قال وغنتنا هزار هذا الصوت يومئذ حدثني عمي قال حدثنا أحمد بن محمد
الفيرزان قال حدثني شيبة بن هشام قال دعانا محمد بن أمية يوما ووجه إلىجارية كان
يحبها فدعاها وبعث إلى مولاها يحدرها مع رسوله فأبطأ الرسول حتى انتصف النهار ثم
عاد وليست معه وقال أخذوا مني الدراهم ثم ردوها علي ورأيتهم مختلطين ولهم قصة لم
يعرفونيها وقالوا ليست ها هنا فإن عادت بعثنا بها إليكم فتنغص عليه يومه وتغير
وجهه وتجمل لنا ثم بكرنا من غد بأجمعنا إلى منزل مولاها فإذا هي قد بيعت فوجم طويلا
وسار حتى إذا خلا لنا الطريق اندفع باكيا فما أنسى حرقة بكائه وهو ينشدني ( تخطَّى
إليَّ الدهرُ من بين من أرى ... وسوءُ مقاديرٍ لهنَّ شؤون ) ( فشتَّتَ
شملي دون كلِّ أخي هوًى ... وأقْصَدَني بلْ كلَّهم سَيَبِين ) ( ومهما
تكُن من ضَحْكة بعد فَقْدها ... فإني وإن أظهرتُها لحزين ) ( سلامٌ
على أيَّامِنا قبل هذه ... إذِ الدارُ دارٌ والسرورُ فنون ) قال
ومضت على ذلك مدة ثم أخبرني أنه اجتاز بها وهي تنظر من وراء شباك فسلم عليها
فأومأت بالسلام إليه ودخلت فقال ( تُطالعُني
على وجلٍ خِداعُ ... من الشَّبَكِ التي عُملت حَدِيدا ) ( مُطَالِعتي
قِفي بالله حتَّى ... أزَوِّدَ مقْلتِي نظراً جديدا ) ( فقالتْ
إنْ سَها الواشون عنَّا ... رجَوْنا أن تَعُود وأن نَعودا ) وأنشدني
أيضا في ذلك صوت ( يا صاحبَ الشَّبَكِ الذي اسْتَخْفَى ... مكانُكَ غيرُ خَافِ ) ( أفَمَا
رأيتَ تلدُّدي ... بِفناء قَصْركَ واختلافي ) ( أو
ما رحمت تَخشُّعي ... وتلفُّتِي بَعْدَ انصرافي ) صوت
( إنّ الرجالَ لهم إليكِ وسيلةٌ ...
إنْ يَأْخذوكِ تكحَّلي وتخضَّبي ) ( وأنا
امْرؤٌ إن يأخذوني عَنْوةً ... أُقْرنْ إلى سَيْر الركاب وأُجْنَبِ ) ( ويكون
مَرْكَبُك القعودَ وحِدْجَه ... وابنُ النّعامةِ يومَ ذلك مَرْكبي ) عروضه
من الكامل قال ابن الأعرابي في تفسير قوله ( وابنُ
النعامةِ يومَ ذلك مَرْكبي ... ) ابن
النعامة ظل الإنسان أو الفرس أو غيره قال جرير ( إذْ
ظَلَّ يَحْسَبُ كلَّ شيءٍ فارسا ... ويرى نعامة ظِلِّه فَيَحُولُ ) يعني
بنعامة ظله جسده وقال أبو عمرو الشيباني النعامة ما يلي الأصابع في مقدم الرجل
يقول مركبي يومئذ رجلي وقال الجاحظ ذكر علماؤنا البصريون أن النعامة اسم فرسه يقول
إني أشد على ركابي السرج فإذا صار للفرس وهو الذي يسمى النعامة ظل وأنا مقرون إليه
صار ظله تحتي فكنت راكبا له وجعل ظلها هاهنا ابنها الشعر للحارث بن لوذان بن عوف
بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة وقال ابن سلام لخزز بن لوذان ومن
الناس من ينسب هذا الشعر إلى عنترة وذلك خطأ وأحد من نسبه إليه إسحاق الموصلي
والغناء لعزة الميلاء وأول لحنها ( لمِنَ
الديارُ عرفتها بالشُّرْبُبِ ... ذهب الذين بها ولمّا تذهبِ ) وبعده
إن الرجال وطريقته من خفيف الثقيل الأول بالبنصر من روايتي حماد وابن المكي وفيه للهذيل
خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشامي وفيه لعريب خفيف رمل وفيه لعزة المرزوقية لحن وقال
هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات هذا اللحن لريق سلخت لحن ومخنث شهد الزفاف
وقبله فجعلته لهذا وهو لحن محرك يشبه صنعة ابن سريج وصنعة حكم في محركاتهما فمن
هنا يغلط فيه ويظن أنه قديم الصنعة ابن أبي عتيق يعجب بغناء عزة الميلاء أخبرني
الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثت عن صالح بن حسان قال كان ابن أبي عتيق
معجبا بغناء عزة الميلاء كثير الزيارة لها وكان يختار عليها قوله ( لمن
الديار عرفتها بالشُّرْبُبِ ... ) فسألها
يوما زيارته فأجابته إلى ذلك ومضت نحوه فقال لها بعد أن استقر بها المجلس يا عزة
أحب أن تغنيني صوتي الذي أنا له عاشق فغنته هذا الصوت فطرب كل الطرب وسر غاية
السرور وكانت له جارية وكان فتى من أهل المدينة كثيرا ما يعبث بها فأعلمت ابن أبي عتيق
بذلك فقال لها قولي له وأنا أحبك فإذا قال لك وكيف لي بك فقولي له مولاي يخرج غدا
إلى مال له فإذا خرج أدخلتك المنزل وجمع ابن أبي عتيق ناسا من أصحابه فأجلسهم في
بيته ومعهم عزة الميلاء وأدخلت الجارية الرجل وقال لعزة غني فأعادت الصوت وخرجت
الجارية فمكثت ساعة ثم دخلت البيت كأنها تطلب حاجة فقال لها تعالي فقالت الآن آتيك
ثم عادت فدعاها فاعتلت فوثب فأخذها فضرب بها الحجلة فوثب ابن أبي عتيق عليه هو
وأصحابه فقال لهم وهو غير مكترث يا فساق ما يجلسكم هاهنا مع هذه المغنية فضحك ابن أبي
عتيق من قوله وقال له استر علينا ستر الله تعالى عليك فقالت له عزة يا بن الصديق
ما أظرف هذا لولا فسقه فاستحيا الرجل فخرج وبلغه أن ابن عتيق قد آلى إن هو وقع في
يده أن يصير به إلى السلطان فأقبل يعبث بها كلما خرجت فشكت ذلك إلى مولاها فقال لها
أو لم يرتدع من العبث بك قالت لا قال فهيئي الرحى وهيئي من الطعام طحين ليلة إلى الغداة
فقالت أفعل يا مولاي فهيأت ذلك على ما أمرها به ثم قال لها عديه الليلة فإذا جاء
فقولي له إن وظيفتي الليلة طحن هذا البر كله ثم اخرجي من البيت واتركيه ففعلت فلما
دخل طحنت الجارية قليلا ثم قالت له إن كفت الرحى فإن مولاي جاء إلي أو بعض من وكله
بي فاطحن حتى نأمن أن يجيئنا أحد ثم اصير إلى قضاء حاجتك ففعل الفتى ومضت الجارية
إلى مولاها وتركته وقد أمر ابن أبي عتيق عدة من مولياته أن يتراوحن على سهر ليلتهن
ويتفقدن أمر الطحين ويحثثن الفتى عليه كلما أمسك ففعلن وجعلن ينادينه كلما كف يا
فلانة إن مولاك مستيقظ والساعة يعلم أنك كففت عن الطحن فيقوم إليك بالعصا كعادته
مع من كانت نوبتها قبلك إذا هي نامت وكفت عن الطحن فلم يزل الفتى كلما سمع ذلك الكلام
يجتهد في العمل والجارية تتعهد وتقول قد استيقظ مولاي والساعة ينام فأصير إلى ما
تحب فلم يزل الرجل يطحن حتى أصبح وفرغ من جميع القمح فلما فرغ وعلمت الجارية أتته
فقالت قد أصبحت فانج بنفسك فقال أوقد فعلتها يا عدوة الله فخرج تعبا نصبا فأعقبه
ذلك مرضا شديدا أشرف منه على الموت وعاهد الله تعالى ألا يعود إلى كلامها فلم تر
منه بعد ذلك شيئا ينكر صوت ( أجَدَّ اليومَ جيرتُك احتمالا ... وحثَّ حُداتُهمْ
بهمُ عِجالا ) ( وفي
الأظعان آنِسة لعوب ... ترى قتلي بغير دمٍ حلالا ) عروضه
من الوافر الشعر للمتوكل الليثي والغناء لابن محرز ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى
الوسطى عن إسحاق وفيه لابن مسجح ثاني ثقيل آخر بالخنصر في مجرى البنصر عنه وذكر
حبش أن هذا اللحن لابن سريج وفيه لإسحاق هزج نسب المتوكل الليثي وأخباره هو
المتوكل بن عبد الله بن نهشل بن مسافع بن وهب بن عمرو بن لقيط ابن يعمر بن عوف بن
عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن
نزار من شعراء الإسلام وهو من أهل الكوفة كان في عصر معاوية وابنه يزيد ومدحهما
ويكنى أبا جهمة وقد اجتمع مع الأخطل وناشده عند قبيصة بن والق ويقال عند عكرمة بن
ربعي الذي يقال له الفياض فقدمه الأخطل وهذه القصيدة التي أولها الغناء قصيدة هجا
بها عكرمة بن ربعي وخبره معه يذكر بعد أخبرني بذلك الحسن بن علي عن أحمد بن سعيد
الدمشقي عن الزبير بن بكار عن عمه وأخبرني الحسن بن علي عن أحمد بن سعيد الدمشقي
قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال أخبرني هارون بن مسلم قال حدثني حفص بن
عمر العمري عن لقيط بن بكير المحاربي قال قدم الأخطل الكوفة فنزل على قبيصة بن
والق فقال المتوكل بن عبد الله الليثي لرجل من قومه انطلق بنا إلى الأخطل نستنشده ونسمع
من شعره فأتياه فقالا أنشدنا يا أبا مالك فقال إني لخاثر يومي هذا فقال له المتوكل
أنشدنا أيها الرجل فوالله لا تنشدني قصيدة إلا أنشدتك مثلها أو أشعر منها من شعري
قال ومن أنت قال أنا المتوكل قال أنشدني ويحك من شعرك فأنشده ( للغانِيات
بذي المجاز رسومُ ... فبِبطن مكة عهْدُهنّ قديمُ ) ( فبِمَنْحرِ
البُدْنِ المقلَّد من مِنًى ... حِلَلٌ تلوح كأنهنّ نجومُ ) ( لا
تنهَ عن خلُقٍ وتأتي مثله ... عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ ) ( والهَمُّ
إن لم تُمضه لسبيله ... داءٌ تضمَّنه الضلوعُ مُقيمُ ) غنى
في هذه الأبيات سائب خاثر من رواية حماد عن أبيه ولم يجنسه قال وأنشده أيضا ( الشِّعْر
لُبُّ المرءِ يَعرِضُه ... والقولُ مثلُ مواقع النَّبْلِ ) ( منها
المقصِّرُ عن رميَّتهِ ... ونوافذٌ يذهْبن بالخَصْلِ ) قال
وأنشده أيضا ( إنّنا
معشرٌ خُلِقْنا صُدُورا ... من يسوِّي الصُّدورَ بالأذنابِ ) فقال
له الأخطل ويحك يا متوكل لو نبحت الخمر في جوفك كنت أشعر الناس ما قاله في زوجه
رهيمة قال الطوسي قال الأصمعي كانت للمتوكل بن عبد الله الكناني امرأة يقال لها
رهيمة ويقال أميمة وتكنى أم بكر فأقعدت فسألته الطلاق فقال ليس هذا حين طلاق فأبت
عليه فطلقها ثم إنها برئت بعد الطلاق فقال في ذلك ( طربتُ
وشاقني يا أمَّ بكرٍ ... دعاءُ حمامةٍ تدعو حَماما ) ( فبتُّ
وبات همِّي لي نجِياً ... أعَزّي عنكِ قلبا مُستَهاما ) ( إذا
ذُكِرتْ لقلبكَ أمُّ بكرٍ ... يبيت كأنما اغتبق المُداما ) ( خَدَلَّجة
ترِفُّ غُروبُ فيها ... وتكسو المتْنَ ذا خُصَلٍ سُخاما ) ( أبى
قلبي فما يهوى سِواها ... وإن كانت مودّتها غراما ) ( ينام
الليلَ كلُّ خلِيِّ همٍّ ... وتأْبَى العَيْنُ منِّي أنْ تَناما ) ( أُرَاعِي
التّالياتِ من الثّريا ... ودَمعُ العَيْنِ مُنحدِرٌ سِجاما ) ( على
حينَ ارعويت وكان رأسي ... كأنَّ على مفارقه ثَغَاما ) ( سعى
الواشون حتى أزعجوها ... ورثَّ الحبل فانجذَم انجِذاما ) ( فلسْتُ
بزائلٍ ما دمتُ حيًّا ... مُسِرًّا من تذكُّرها هُيَاما ) ( تُرجِّيها
وقد شَحطت نَواها ... ومنَّتكَ المُنَى عاماً فعاما ) ( خدَلّجة
لها كَفَلٌ وثِير ... ينوءُ بها إذا قامت قِياما ) ( مُخَصّرةٌ
ترى في الكشْحِ منها ... على تثْقِيل أسفلِها انهضاما ) ( إذا
ابتسمت تلألأ ضوءُ برق ... تهلّل في الدّجُنَّة ثم دَاما ) ( وإن
قامت تأمّلَ رائِياها ... غمامة صيِّفٍ ولجت غماما ) ( إذا
تمشى تقولُ دبيبُ أَيْم ... تعرّجَ ساعةً ثم استقاما ) ( وإن
جلست فدُمْيةُ بيتِ عِيدٍ ... تُصانُ ولا تُرى إلا لماما ) ( فلو
أشكُو الذي أشكو إليها ... إلى حجر لراجعني الكلاما ) ( أحِبُّ
دُنُوّها وتُحِبّ نأْيي ... وتعتام التنائي لي اعتياما ) ( كأني
من تذكُّر أم بكرٍ ... جريحُ أسنَّةٍ يشكو كِلاما ) ( تَساقطُ
أنفساً نَفْسِي عليها ... إذا شَحَطت وتغْتَم اغتماما ) ( غشِيتُ
لها منازلَ مقْفِراتٍ ... عفَتْ إلا الأياصِرَ والثُّماما ) ( ونؤْياً
قد تهدّم جانِباه ... ومبناها بذي سلم خِياما ) ( صليني
واعلمِي أني كريمٌ ... وأنّ حَلاوتي خُلِطت عُراما ) ( وأني
ذو مُجامحةٍ صَليبٌ ... خُلِقت لمن يماكِسني لجاما ) ( فلا
وأبيكِ لا أنساكِ حتى ... تُجاوِبَ هَامتي في القبر هاما ) مدحه
حوشبا الشيباني والقصيدة التي فيها الغناء المذكور في أول خبر المتوكل يقولها أيضا
في امرأته هذه ويمدح فيها حوشبا الشيباني ويقول فيها ( إذا
وعدَتْكَ معروفاً لوتْه ... وعَجّلتِ التّجرُّم والمِطالا ) ( لها
بشر نقيّ اللون صافٍ ... ومتنٌ حُطَّ فاعتدل اعتدالا ) ( إذا
تمشي تأوّد جانِباها ... وكاد الخصر ينخزل انخزالا ) ( تنوء
بها روادفها إذا ما ... وِشاحاها على المتْنينِ جالا ) ( فإن
تصبح أميمةُ قد تولَّتْ ... وعاد الوصل صرْما واعتلالا ) ( فقد
تدنو النوى بعد اغتراب ... بها وتفرِّقُ الحيَّ الحِلالا ) ( تُعبِّسُ
لي أميمة بُعد أَنس ... فما أدري أسخطاً أم دلالا ) ( أبيني
لي فرب أخ مصافٍ ... رزئتُ وما أحِبِّ به بِدالا ) ( أصرمٌ
منكِ هذا أم دلالٌ ... فقد عَني الدلال إذاً وطالا ) ( أم
استبدلتِ بي ومللتِ وصلي ... فُبوحي لي به ودعي المِحالا ) ( فلا
وأبيك ما أهوى خليلاً ... أقاتِله على وصلي قتالا ) ( وكم
من كاشح يا أمّ بكرٍ ... من البغضاء يأتكِل ائتكالا ) ( لبستُ
على قناعٍ من أذاه ... ولولا اللهُ كنتُ له نَكَالا ) ومما
يغني به من هذه القصيدة قوله صوت ( أنا الصقر الذي حُدّثتَ عنه ... عِتاق الطير
تنْدَخل اندخالا ) ( رأيت
الغانياتِ صدفْن لما ... رأين الشيبَ قد شَمل القَذَالاّ ) ( فلم
يُلووا إذا رحلوا ولكن ... تولّت عِيرُهم بهمُ عِجالا ) غنى
فيه عمر الوادي خفيف رمل عن الهشامي وذكر حبش أن فيه لابن محرز ثاني ثقيل بالوسطى
وأحسبه مضافا إلى لحنه الذي في أول القصيدة وقال الطوسي قال أبو عمرو الشيباني هجاؤه
معن بن حمل هجا معن بن حمل بن جعونة بن وهب أحد بني لقيط بن يعمر المتوكل ابن عبد
الله الليثي وبلغ ذلك المتوكل فترفع عن أن يجيبه ومكث معن سنين يهجوه والمتوكل
معرض عنه ثم هجاه بعد ذلك وهجا قومه من بني الديل هجاء قذعا استحيا منه وندم ثم
قال المتوكل لقومه يعتذر ويمدح يزيد بن معاوية ( خليليّ
عُوجا اليومَ وانتظراني ... فإن الهوى والهمَّ أمُّ أبانِ ) ( هي
الشمسُ يدنو قريباً بعيدُها ... أرى الشمس ما أسْطِيعُها وتراني ) ( نأت
بعد قربٍ دارُها وتبدّلت ... بنا بَدَلاً والدهرُ ذو حَدَثَانِ ) ( فهاج
الهوى والشوقَ لي ذكرُ حُرّةٍ ... من المرْجَحِنَّات الثقالِ حَصَانِ ) غنى
في هذه الأبيات ابن محرز من كتاب يونس ولم يجنسه ( سيعلم
قومي أنني كنتُ سُورةً ... من المجد إنْ داعي المنون دَعاني ) ( ألا
ربّ مسرورٍ بموتيَ لو أتَى ... وآخرَ لو أنْعى له لبَكانِي ) ( خَليليّ
ما لاَمَ امرأً مثلُ نفسِه ... إذا هي لامت فاربعَا ودعانِي ) ( ندمتُ
على شتمِي العشيرَةَ بعدما ... تغنَّى بها غَورِي وحنَّ يماني ) ( قلبت
لهم ظهرَ المجَنّ وليتني ... رجعتُ بفضلٍ من يدي ولسَاني ) ( على
أنني لم أرم في الشعرِ مسْلِماً ... ولم أهجُ إلا من روى وهجاني ) ( هُمُ
بَطروا الحلَم الذي من سَجِيَّتي ... فبدّلت قومي شدّةً بليان ) ( ولو
شئْتُمُ أولادَ وهبٍ نزعتُمُ ... ونحنُ جميعٌ شمْلُنا أَخَوانِ ) ( نهيتُمْ
أخاكم عن هجائي وقد مضَى ... له بعد حول كاملٍ سنتان ) ( فلجَّ
ومَنَّاه رجالٌ رأيتُهُم ... إذا قارنوني يكرهون قِراني ) ( وكنتُ
امرأ يأبى ليَ الضيمَ أنني ... صَرومٌ إذا الأمرُ المُهِمُّ عَناني ) ( وَصُولٌ
صرومٌ لا أقول لمُدْبر ... هلمَّ إذا ما اغْتَشَّني وعَصاني ) ( خليليّ
لو كنتُ امرأ بيَ سقطةٌ ... تضعضعْتُ أو زلَّتْ بِيَ القدمان ) ( أعيش
على بَغْي العُداةِ ورغمِهم ... وآتي الّذي أَهوَى على الشنآن ) ( ولكِنّني
ثَبْتُ المَريرة حازمٌ ... إذا صاح طُلاَّبي ملأت عِناني ) ( خليليّ
كم من كاشح قد رميته ... بقافيةٍ مشهورةٍ ورماني ) ( فكان
كذات الحيْض لم تُبق ماءها ... ولم تُنْقِ عنها غُسْلَها لأوان ) ثم
إنه يقول فيها ليزيد بن معاوية ( أبا
خالدٍ حنّت إليك مطيّتي ... على بعد منتاب وهَوْل جَنان ) ( أبا
خالد في الأرض نأيٌ ومَفْسَح ... لِذِي مِرّة يُرمى به الرَّجَوان ) ( فكيفَ
ينام الليلَ حرٌّ عَطَاؤه ... ثلاثٌ لرأس الحولِ أو مائتان ) ( تناهت
قُلوصي بعد إسآدِيَ السُّرى ... إلى ملك جزلِ العطاءِ هِجان ) ( ترى
الناس أفواجاً ينوبون بابَه ... لبِكرٍ من الحاجات أو لعوَان ) فأجابه
معن بن حمل فقال ( ندِمتَ
كذاك العبدُ يندم بعد ما ... غُلِبتَ وسار الشعر كلَّ مكانِ ) ( ولاقيْت
قَرْما في أَرُومةِ ماجدٍ ... كريماً عزيزاً دائمَ الخَطَرانِ ) ( أنا
الشاعر المعروف وجْهي ونِسبتي ... أَعفُّ وتحميني يدي ولساني ) ( وأغلِبُ
من هاجيتُ عفواً وأنتمي ... إلى معشرٍ بِيضِ الوجوه حِسانِ ) ( فهاتِ
إذاً يابنَ الأتان كصاحبِ الملوك أبي أسيِّد كَمُهانِ ) ( فهاتِ
كزيدٍ أو كَسَيْحانَ لا تجِد ... لهمْ كفُواً أَو يُبعث الثقلاَن ) أخبرني
محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا العتيبي عن العباس بن هشام عن أبيه عن عوانة قال
أتى المتوكل الليثي عكرمة بن ربعي الذي يقال له الفياض فامتدحه فحرمه فقيل له جاءك
شاعر العرب فحرمته فقال ما عرفته فأرسل إليه بأربعة آلاف درهم فأبى أن يقبلها وقال
حرمني على رؤوس الناس ويبعث إلي سرا فبينا المتوكل بالحيرة وقد رمد رمدا شديد فمر
به قس منهم فقال مالك قال رمدت قال أنا أعالجك قال فافعل فذره فبينا القس عنده وهو
مذرور العين مستلق على ظهره يفكر في هجاء عكرمة وذلك غير مطرد له ولا القول في
معناه إذ أتاه غلام له فقال بالباب امرأة تدعوك فمسح عينيه وخرج إليها فسفرت عن
وجهها فإذا الشمس طالعة حسنا فقال لها ما اسمك قالت أمية قال فممن أنت فلم تخبره قال
فما حاجتك قالت بلغني أنك شاعر فأحببت أن تنسب بي في شعرك فقال أسفري ففعلت فكر
طرفه في وجهها مصعدا ومصوبا ثم تلثمت وولت عنه فاطرد له القول الذي كان استصعب
عليه في هجاء عكرمة وافتتحه بالنسيب فقال ( أَجدَّ
اليومَ جيرتُكَ احتمالا ... وحثَّ حُداتُهم بِهِمُ الجِمالا ) ( وفي
الأظعان آنِسَةٌ لَعُوبٌ ... ترى قتْلي بغير دمٍ حَلالا ) ( أُمَيّةُ
يوم دَيْرِ القَسِّ ضنَّت ... علينا أن تُنوِّلنا نَوالا ) ( أِبيني
لي فربّ أخٍ مصافٍ ... رُزِئت وما أحب به بِدالا ) وقال
فيها يهجو عكرمة ( أقلني
يابن رِبعي ثَنائي ... وهبها مِدحة ذهبت ضلالا ) ( وهبْها
مِدحة لم تُغنِ شيئاً ... وقولاً عاد أكثرهُ وبالا ) ( وجدنا
العِزَّ من أولاد بكرٍ ... إلى الذُّهْلين يرجِع والفِعالا ) ( أعكرِمَ
كنتُ كالمبتاع داراً ... رأى بَيْعَ الندامةِ فاستقالا ) ( بنُو
شيْبَان أكرمُ آل بكرٍ ... وأمتَنُهم إذا عقدوا حِبالا ) ( رِجال
أُعطِيتْ أحلامَ عادٍ ... إذا نطقوا وأيدِيَها الطوالا ) ( وتيمُ
اللهِ حيٌّ حيُّ صِدقٍ ... ولكنْ الرِّحَى تعلو الثِّفالا ) صوت
( سقى دِمنتين لم نجِد لهما أهلا ... بحقلٍ لكم يا عزَّ قد رابني حَقْلا ) ( فيا
عزَّ إن واشٍ وشى بي عندكم ... فلا تُكرِميه أن تقولي له مهلا ) ( كما
نحن لو واشٍ وشى بِك عندنا ... لقلنا تزحزحْ لا قرِيباً ولا سَهْلا ) ( ألم
يأْن لي يا قلبِ أن أترك الجهلا ... وأن يُحدِث الشيبُ الملِمُّ ليَ العقْلا ) ( على
حينَ صار الرأس منّي كأنما ... علت فوقه ندَّافةُ العُطُبِ الغزْلاَ ) عروضه
من الطويل الدمن آثار الديار واحدتها دمنة والحقل الأرض التي يزرع فيها والعطب هو
القطن الشعر لكثير كله إلا البيت الأول فإنه انتحله وهو للأفوه الأودي والغناء لابن
سريج ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي في الثلاثة الأبيات الأول متوالية وذكر حبش أنه
لمعبد وفي الرابع والخامس والثاني والثالث لحنين ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر
عن إسحاق وفيه ثقيل أول بالبنصر وذكر ابن المكي أنه لمعبد وذكر الهشامي أنه من
منحول يحيى المكي نسب الأفوه الأودي وشيء من أخباره الأفوه لقب واسمه صلاءة بن
عمرو بن مالك بن عوف بن الحارث بن عوف بن منبه بن أود بن الصعب بن سعد العشيرة
وكان يقال لأبيه عمرو بن مالك فارس الشوهاء وفي ذلك يقول الأفوه ( أبي
فارسُ الشوهاء عمرو بن مالكٍ ... غداة الوغى إذ مال بالجد عاثِر ) أخبرني
الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا ابن أبي سعد عن علي بن
الصباح عن هشام بن محمد الكلبي عن أبيه قال كان الأفوه من كبار الشعراء القدماء في
الجاهلية وكان سيد قومه وقائدهم في حروبهم وكانوا يصدرون عن رأيه والعرب تعده من
حكمائها وتعد داليته ( معاشر
ما بنوا مجداً لقومهُم ... وإن بنى غيرُهم ما أفسدوا عادوا ) ومن
حكمة العرب وآدابها فأما البيت الذي اخذه كثير من شعر الأفوه وأضافه إلى أبياته
التي ذكرناها وفيها الغناء آنفا فإنه من قصيدة يقول فيها ( نُقاتِل
أقواماً فنسْبِي نساءَهم ... ولم يرَ ذو عزٍّ لنسوتنا حِجْلا ) ( نقود
ونأبى أن نُقَاد ولا نرى ... لقومٍ علينا في مُكارَمةٍ فضلا ) ( وإنا
بِطاء المشي عند نسائنا ... كما قَيَّدتْ بالصّيف نجْديّةٌ بزلا )
( نظل غَيارى عند كل ستيرةٍ ...
نُقلِّب جيداً واضحاً وشَوًى عبْلا ) ( وإنا
لنعطِي المالَ دون دمائنا ... ونأبى فما نَسْتَام دون دمٍ عقلا ) قال
أبو عمرو الشيباني قال الأفوه الأودي هذه الأبيات يفخر بها على قوم من بني عامر
كانت بينه وبينهم دماء فأدرك بثأره وزاد وأعطاهم ديات من قتل فضلا على قتلي قومه
فقبلوه وصالحوه وقال أبو عمرو أغارت بنو أود وقد جمعها الأفوه على بني عامر فمرض
الأفوه مرضا شديدا فخرج بدله زيد بن الحارث الأودي وأقام الأفوه حتى أفاق من وجعه ومضى
زيد بن الحارث حتى لقي بني عامر بتضارع وعليهم عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب فلما
التقوا عرف بعضهم بعضا فقال لهم بنو عامر ساندونا فما أصبنا كان بيننا وبينكم
فقالت بنو أود وقد أصابوا منهم رجلين لا والله حتى نأخذ بطائلتنا فقام أخو المقتول
وهو رجل من بني كعب بن أود فقال يا بني أود والله لتأخذن بطائلتي أو لأنتحين على
سيفي فاقتتلت أود وبنو عامر فظفرت أود وأصابت مغنما كثيرا فقال الأفوه في ذلك صوت
( ألا يا لهف لو شهدتْ قناتي ... قبائلَ عامرٍ يوم الصبيب ) ( غداة
تجمعت كعبٌ إلينا ... حلائبَ بين أفناء الحروب ) ( فلمّا
أن رأوْنا في وَغَاها ... كآساد الغَريفة والحجيب ) ( تداعوْا
ثم مالُوا عن ذراها ... كفعل الخامعات من الوجيب ) ( وطاروا
كالنَّعام ببطن قَوٍّ ... مُواءلَة على حذر الرقيبِ ) صوت
( كأن لم تَريْ قبلي أسيراً مكُبّلا
... ولا رَجُلا يُرْمَى به الرّجَوانِ ) ( كأني
جوادٌ ضَمَّه القيدُ بعدما ... جرى سابقاً في حَلبةٍ ورهان ) الشعر
لرجل من لصوص بني تميم يعرف بأبي النشناش والغناء لابن جامع ثاني ثقيل بالبنصر من
روايتي علي بن يحيى والهشامي أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أبو سعيد
السكري عن محمد ابن حبيب قال كان أبو النشناش من ملاص بني تميم وكان يعترض القوافل
في شذاذ من العرب بين طريق الحجاز والشام فيجتاحها فظفر به بعض عمال مروان فحبسه
وقيده مدة ثم أمكنه الهرب في وقت غرة فهرب فمر بغراب على بانة ينتف ريشه وينعب
فجزع من ذلك ثم مر بحي من لهب فقال لهم رجل كان في بلاء وشر وحبس وضيق فنجا من ذلك
ثم نظر عن يمينه فلم ير شيئا ونظر عن يساره فرأى غرابا على شجرة بان ينتف ريشه
وينعب فقال له اللهبي إن صدقت الطير يعاد إلى حبسه وقيده ويطول ذلك به ويقتل ويصلب
فقال له بفيك الحجر قال لا بل بفيك وأنشأ يقول ( وسائلةٍ
أين ارتحالي وسائلٍ ... ومن يسأل الصُّعلوكَ أين مذاهِبُهْ ) ( مذاهِبه
أنّ الفِجاج عرِيضةٌ ... إذا ضنّ عنه بالنَّوال أقارِبه ) ( إذا
المرءُ لم يَسْرحْ سَوَاماً ولم يُرِح ... سَواماً ولم يبسُط له الوجهَ صاحبه ) ( فلَلموْت
خيرٌ للفتى من قُعُودِه ... عديماً ومن مولًى تُعاف مشارِبه ) ( ودَوِّيّةٍ
قفرٍ يَحارُبها القطا ... سرَت بأبي النّشْناش فيها ركائبهُ ) ( لِيُدرِكَ
ثأراً أو ليكْسِب مغْنَماً ... ألا إنّ هذا الدهر تترى عجائبه ) ( فلم
أر مثلَ الفقرِ ضاجَعه الفتى ... ولا كسواد الليل أخفق طالِبُه ) ( فعِش
مُعذِراً أو مت كريماً فإنني ... أرى الموت لا يبقى على من يطالبه ) صوت
( أصادِرةٌ حُجَّاج كعبٍ ومالكٍ ... على كل فتلاء الذراعينِ محنِق ) ( أقام
قناة الودّ بيني وبينه ... وفارقني عن شيمة لم تُرَنَّق ) عروضه
من الطويل الصادر المنصرف وهو ضد الوارد وأصله من ورود الماء والصدر عنه ثم يقال
لكل مقبل إلى موضع ومنصرف عنه وكعب من خزاعة ومالك يعني مالك بن النضر بن كنانة
وكان كثير ينتمي وينمي خزاعة إليهم ومحنق ضامرة والشيمة الخلق والطبيعة وترنق تكدر
والرنق الكدر الشعر لكثير عزة يرثي خندقا الأسدي والغناء للهذلي ثاني ثقيل بالخنصر
في مجرى البنصر من رواية إسحاق وفي الثاني من البيتين ثم الأول لسياط رمل بالبنصر
عنه وعن الهشامي وعمرو وفيهما لمعبد لحن ذكره يونس ولم يجنسه وفي رواية حماد عن
أبيه أن لحن الهذلي من الثقيل الأول فإن كان ذلك كذلك فالثقيل الثاني لمعبد وذكر
أحمد بن عبيد أن الذي صح فيه ثقيل أول أو ثاني ثقيل خبر كثير وخندق الأسدي الذي من
أجله قال هذا الشعر حدثني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني محمد بن حبيب وأخبرني
وكيع قال حدثنا علي بن محمد النوفلي عن أبيه وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا
عمر بن شبة عن ابن داحة قالوا كان خندق بن مرة الأسدي هكذا قال النوفلي وغيره يقول
خندق بن بدر صديقا لكثير وكانا يقولان بالرجعة فاجتمعا بالموسم فتذاكرا التشيع
فقال خندق لو وجدت من يضمن لي عيالي بعدي لوقفت بالموسم فذكرت فضل آل محمد وظلم الناس
لهم وغصبهم إياهم على حقهم ودعوت إليهم وتبرأت من أبي بكر وعمر فضمن كثير عياله
فقام ففعل ذلك وسب أبا بكر وعمر رضوان الله عليهما وتبرأ منهما قال عمر بن شبة في
خبره فقال أيها الناس إنكم على غير حق قد تركتم أهل بيت نبيكم والحق لهم وهم
الأئمة ولم يقل إنه سب أحدا فوثب عليه الناس فضربوه ورموه حتى قتلوه ودفن خندق
بقنونى فقال إذ ذاك كثير يرثيه ( أصادِرة
حُجَّاج كعبٍ ومالكٍ ... على كل عَجْلَى ضامرِ البطن مُحْنِقِ ) ( بمرثيةٍ
فيها ثناء مُحبَّرٌ ... لأزهرَ من أولاد مرة مُعْرِق ) ( كأنَّ
أخاه في النوائب مُلْجَأ ... إلى علمٍ من ركن قُدْسَ المُنطَّقِ ) ( ينال
رجالاً نفعه وهو منهمُ ... بعيدٌ كعيُّوق الثريّا المعَلَّقِ ) ( تقول
ابنة الضَّمريّ مالكَ شاحباً ... ولونُك مصفرٌّ وإن لم تَخلَّقِ ) ( فقلت
لها لا تعجبي من يمُتَ له ... أخٌ كأبي بدرٍ وجَدِّك يُشْفِق ) ( وأمرِ
يُهمُّ الناسَ غِبُّ نِتَاجه ... كفَيْتَ وكرْبٍ بالدّواهي مطرِّقِ ) ( كشفتَ
أبا بدرٍ إذا القوم أحجموا ... وعضَّت ملاقِي أمرِهم بالمخنَّق ) ( وخَصمٍ
أبا بدرٍ ألدَّ أبَتَّه ... على مثل طعم الحنظل المتفلق ) ( جزى
الله خيرا خَندقاً من مكافيء ... وصاحِبِ صدقٍ ذي حِفاظٍ ومَصْدق ) ( أقام
قناةَ الودّ بيني وبينه ... وفارقني عن شيمةٍ لم تُرنّق ) ( حلفْت
على أن قد أجنّتْكَ حفرةٌ ... ببطن قَنْونَى لو نعيش فنلتقِي ) ( لألفيتني
بالوُدّ بعدك دائماً ... على عهدنا إذ نحن لم نَتفرِّق ) ( إذا
ما غدا يهتز للمجد والنّدى ... أشمَّ كغصن البانة المتورِّق ) ( وإني
لجازٍ بالذي كان بيننا ... بني أسدٍ رهط ابنِ مرة خَنْدقِ ) أخبرني
أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة إن كثيرا لما انتمى إلى قريش وجرى بينه
وبين الحزين الديلي من المواثبة والهجاء ما جرى بلغ ذلك الطفيل بن عامر بن واثلة
وهو بالكوفة فأنكر أمر كثير وانتسابه إلى كنانة وتصييره خزاعة منهم وما فعله
الحزين فحلف لئن رأى كثيرا ليضربنه بالسيف أو ليطعننه بالرمح فكلمه فيه خندق
الأسدي وكان صديقا له ولكثير فوهبه له واجتمعا في مكة فجلسا مع ابن الحنفية فقال
طفيل لولا خندق لوفيت لك بيميني فقال يرثيه وعنه كان أخذ مقالته ( ونال
رجالاً نفعُهُ وهو منهمُ ... بعيدٌ كعيّوق الثريا المعلق ) وذكر
باقي الأبيات أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني
محمد ابن إسماعيل قال حدثني حميد بن عبد الرحمن أحد بني عتوارة بن جدي قال كان
كثير قد سلطه الله ينسب بعزة بنت عبد الله أحد بني حاجب بن عبد الله بن غفار قال وكان
نسوانهم قد لقينها وهي سائرة في نسائهم في الجلاء في عام اصابت أهل تهامة فيه حطمة
شديدة وكانت عزة من أجمل النساء وآدبهن وأعقلهن ولا والله ما رأى لها وجها قط إلا
أنه استهيم بها قلبه لما ذكر له عنها فلقيه رجال من الحي لما بلغهم ذلك عنه فقالوا
له إنك قد شهرت نفسك وشهرتنا وشهرت صاحبتنا فاكفف نفسك قال فإني لا أذكرها بما
تكرهون فخرجوا جالين إلى مصر في أعوام الجلاء فتبعهم على راحلته فزجروه فأبى إلا
أن يلحقهم بنفسه فجلس له فتية من جدي قال وكان بنو ضمرة كلهم يهون عليهم نسيبه لما
يعرفون من براءتها إلا ما كان من بني جدي فإنهم كانوا صمعا غيرا فقعد له عون أحد
بني جدي في تسعة نفر على محالج فلما جاز بهم تحت الليل أخذوه ثم عدلوا به عن
الطريق إلى جيفة حمار كانوا يعرفونها من النهار فأدخلوه فيها وربطوا يديه ورجليه
ثم أوثقوا بطن الحمار فجعل يضطرب فيه ويستغيث ومضوا عنه فاجتاز به خندق الأسدي فسمع
استغاثته وهو خندق بن بدر فعدل إلى الصوت حين سمعه فوجد في الجيفة إنسانا فسأله من
هو وما خبره فأخبره فأطلقه وحمله وألحقه ببلاده فقال كثير في ذلك قال الزبير
أنشدنيها عمر بن أبي بكر المؤملي عن عبد الله بن أبي عبيدة معمر بن المثنى ( أصادِرةٌ
حُجَّاجُ كعبٍ ومالكٍ ... على كلّ فتْلاء الذراعين مُحنِق ) وذكر
القصيدة كلها على ما مضت أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثنا
عمر بن أبي بكر المؤملي عن أبي عبيدة قال خندق الأسدي هو الذي أدخل كثيرا في مذهب
الخشبية كثير يرثي خندقا أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا محمد بن حبيب
قال لما قتل خندق الأسدي بعرفة رثاه كثير فقال ( شجا
أظعانُ غاضرةَ الغوادي ... بغير مَشُورةٍ عَرَضاً فؤادي ) ( أغاضِرُ
لَوْ شهدتِ غداة بِنْتم ... حُنوَّ العائداتِ على وِسادي ) ( أويتِ
لعاشقٍ لم تَشكُمِيه ... نوافِذه تَلذّع بالزنّاد ) ( ويومَ
الخيلِ قد سفَرت وكفّت ... رِداء العَصْب عن رَتَل بُراد ) الرتل
الثغر المستوي النبت ( وعن
نجلاءَ تدْمَع في بياضٍ ... إذا دَمعت وتنظُر في سوادِ ) ( وعن
متكاوِسٍ في العَقْصِ جَثْلٍ ... أثِيتِ النبتِ ذي عُذَرٍ جِعاد ) ( وغاضِرةُ
الغداةَ وإن نَأَتْنا ... وأصبح دونها قُطر البِلاد ) ( أحبُّ
ظعينةٍ وبناتُ نفْسي ... إليها لو بَلِلْن بها صِوادِي ) ( ومنْ
دونِ الذي أمّلت وُدّاً ... ولو طالبتُها خَرْطُ القَتاد ) ( وقال
الناصحون تحلَّ منها ... ببذل قبْل شيمتها الجماد ) تحل
أصب يقال ما حليت من فلان بشيء ولا تحليت منه بشيء ومنه حلوان الكاهن والراقي وما
أشبه ذلك ( فقد وعدَتْك لو أقبلتَ وُدَّا ...
فلجَّ بكَ التدلُّل في تَعَادِ ) ( فأسررتَ
الندامةَ يوم نادَى ... بردّ جِمال غاضِرةَ المُنادِي ) ( تمادى
البعدُ دونهُم فأمستْ ... دموعُ العين لجّ بها التّمادي ) ( لقد
مُنع الرقادُ فبت ليلي ... تجافيني الهمومُ عن الوِساد ) ( عَدَاني
أن أزورَكَ غيرَ بُغضٍ ... مُقامُك بين مُصْفحَة شِداد ) ( وإني
قائل إن لم أزره ... سَقَتْ دِيَمُ السَواري والغوادي ) ( محلَّ
أخي بني أسدٍ قَنَوْنَى ... فما والى إلى بِرْك الغِمادِ ) ( مقِيم
بالمجازَة من قَنَونَى ... وأهلكَ بالأُجَيْفِر والثماد ) ( فلا
تبعد فكل فتًى سيأتي ... عليه الموتُ يطرُق أو يُغادي ) ( وكلُّ
ذخيرةٍ لا بدّ يوماً ... ولو بقِيتْ تصير إلى نَفادِ ) ( يعزُّ
عليّ أن نغدو جميعاً ... وتصبِحَ ثاوياً رَهْنا بِوادِ ) ( فلو
فُودِيتَ من حدَث المنايا ... وقيتُك بالطَّرِيف وبالتِّلادِ ) في
هذه القصيدة عدة أصوات هذه نسبتها قد جمعت صوت ( أغاضرَ لو شهدتِ غداةَ بِنتم ...
حُنوَّ العائداتِ على وِسادي ) ( رثيتِ
لعاشقٍ لم تشكُمِيه ... نوافِذُه تلذَّع بالزناد ) ( عدانِي
أن أزوركَ غير بغضٍ ... مقامكَ بين مُصفَحةٍ شِدادِ ) ( فلا
تبعَدْ فكل فتىً سيأتي ... عليه الموت يطرُق أو يُغادِي ) لمعبد
في البيتين الأولين لحن من خفيف الثقيل الأول بالوسطى عن عمرو وابن المكي والهشامي
وفيهما لإبراهيم ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وأحمد بن عبيد وفيهما للغريض ثاني
ثقيل عن ابن المكي ومن الناس من ينسب لحن مالك إلى معبد أيضا وفي الثالث والرابع
لابن عائشة ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق وعمرو وغيرهما ويقال إن لابن
سريج وابن محرز وابن جامع فيهما ألحانا غاضرة هذه التي ذكرها كثير مولاة لآل مروان
بن الحكم وقد روي في ذكره إياها غير خبر مختلف فأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال
حدثنا الزبير قال حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي قال حدثني عبد الله بن أبي عبيدة
قال أخبار أم البنين حجت أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان فقالت لكثير ووضاح انسبابي
فأما وضاح فنسب بها وأما كثير فنسب بجاريتها غاضرة حيث يقول ( شجا
أَظعانُ غاضِرةَ الغوادِي ... بغير مشورة عرضاً فؤادِي ) قال
وكانت زوجة الوليد بن عبد الملك فقتل وضاحا ولم يجد على كثير سبيلا أخبرني الحرميّ
قال حدثنا الزبير قال حدثني إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزهري عن محرز بن جعفر
عن أبيه عن بديح قال قدمت أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان وهي عند الوليد بن
عبد الملك حاجة والوليد إذ ذاك خليفة فأرسلت إلى كثير ووضاح أن نسبا بي فنسب وضاح
بها ونسب كثير بجاريتها غاضرة في شعره الذي يقول فيه ( شجا
أظعانُ غاضرة الغوادي ... ) قال
وكان معها جوار قد فتن الناس بالوضاءة قال بديح فلقيت عبيد الله بن قيس الرقيات
فقلت له بمن نسبت من هذا القطين فقال لي ( ما
تصنعُ بالشرِّ ... إذا لم تك مجنونا ) ( إذا
قاسيت ثِقْل الشرِّ ... حَسَّاكَ الأمرِّينا ) ( وقد
هِجتَ بما قد قُلْتَ ... أمراً كان مدفونا ) قال
بديح ثم أخذ بيدي فخلا بي وقال لي يا بديح احفظ عني ما أقول لك فإنك موضع أمانة
وأنشدني ( أصحوتَ عن أمّ البنين ... وذِكرِها
وعَنائها ) ( وهجرتَها هجرَ امرئٍ ... لم يَقْلِ
حملَ إخائها ) ( من
خيفةِ الأعداء أن ... يُوهُوا أديمَ صفائها ) ( قُرشِيّة
كالشَّمس أشرقَ ... نورُها ببهائها ) ( زادت
على البِيض الحسانِ ... بحسنِها ونقائها ) ( لما
اسبكرّت للشَّباب ... وقُنِّعت بردائِها ) ( لم
تلتفِت لِلداتها ... ومضت على غُلوَائها ) غنى
ابن عائشة في الثلاثة الأبيات الأول لحنا من الثقيل الأول عن الهشامي عن يحيى
المكي وفي الرابع وما بعده لحنين أحدهما ثاني ثقيل بالبنصر والآخر خفيف ثقيل
بالبنصر عن ابنه وغيره وغنى إبراهيم الموصلي في الأربعة الأول لحنا آخر من الثقيل
الأول وهو اللحن الذي فيه استهلال وذكر الهشامي أن الثقيل الثاني لابن محرز قال
فقتل الوليد وضاحا ولم يجد علىكثير سبيلا قال وحجت بعد ذلك وقد تقدم الوليد إليها
وإلى من معها في الحجاب فلقيني ابن قيس حيث خرجت ولم تكلم أحدا ولم يرها فقال لي
يا بديح صوت ( بان الخليطُ الذي به نِثقُ ... واشتد دون الملِيحة القَلَقُ ) ( من
دون صفراء في مفاصِلها ... لِينٌ وفي بعض بطْشها خُرُقُ ) ( إن
خَتَمت جاز طينُ خاتَمها ... كما تجوز العَبْدِيَّة العُتُق ) غنى
في هذه الأبيات مالك بن أبي السمح لحنا من الثقيل الأول بالبنصر عن عمرو ويونس
وفيها لابن مسجح ويقال لابن محرز وهو مما يشبه غناءهما جميعا وينسب إليهما خفيف
ثقيل أول بالبنصر والصحيح أنه لابن مسجح وفيها ثاني ثقيل لابن محرز عن ابن المكي
وذكر حبش أن لسياط فيها لحنا ماخوريا بالوسطى وفي هذه الأبيات زيادة يغني فيها ولم
يذكرها الزبير في خبره وهي ( إنِّي
لأخْلِي لها الفِراش إذا ... قَصَّعَ في حِضْنِ زوجه الحَمِق ) ( عن
غير بغضٍ لها لديّ ولكن ... تلك منّي سَجِيّة خُلُق ) قال
الزبير أراد بقوله في هذه الأبيات ( إن
ختمت جاز طينُ خاتِمَها ... ) أنها
كانت عند سلطان جائز الأمر والعبدية هي الدنانير نسبها إلى عبد الملك ثم وصل ابن
قيس الرقيات هذه الأبيات يعني الهائية بأبيات يمدح بها عبد الملك فقال صوت ( اسمعْ
أمير المؤمنين ... لِمدحتي وثَنائِها ) ( أنت
ابن عائشة التي ... فَضَلت أُرُوم نسائها ) ( متعطّف
الأعياصِ حولَ ... سرِيرها وفِنائها ) ( وَلَدَتْ
أغرَّ مُباركاً ... كالبدر وسْط سمائها ) غناه
ابن عائشة من رواية يونس ولم يجنسه وهذا الشعر يقوله ابن قيس الرقيات في عبد الملك
لا الوليد أخبرني الحسين وابن أبي الأزهر عن حماد عن أبيه عن المدائني أن عبد
الملك لما وهب لابن جعفر جرم عبيد الله بن قيس الرقيات وأمنه ثم تواثب أهل الشام
ليقتلوه قال يا أمير المؤمنين أتفعل هذا بي وأنا الذي أقول ( اسمع
أمير المؤمنين ... لِمدحتي وثنائِها ) ( أنت
ابن مُعْتلَج البِطاحِ ... كُدَيِّها وكَدائها ) ( ولِبَطْن
عائشة التي ... فضَلَت أرومَ نسائها ) فلما
أنشد هذا البيت قال له عبد الملك قل ولنسل عائشة قال لا بل ولبطن عائشة حتى رد ذلك
عليه ثلاث مرات وهو يأبى إلا ولبطن عائشة فقال له عبد الملك اسحنفر الآن قال
وعائشة أم عبد الملك بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس هذه
رواية الزبير بن بكار السائب بن حكيم ومحاورته غاضرة وقد حدثنا به في خبر كثير مع
غاضرة هذه بغير هذا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا محمد بن حبيب عن هشام بن
الكلبي وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبي عبد الرحمن الأنصاري
عن السائب بن حكيم السدوسي راوية كثير قال والله إني لأسير يوما مع كثير حتى إذا
كنا ببطن جدار جبل من المدينة على أميال إذ أنا بأمراة في رحالة متنقبة معها عبيد
لها يسعون معها فمرت جنابي فسلمت ثم قالت ممن الرجل قلت من أهل الحجاز قالت فهل
تروي لكثير شيئا قلت نعم قالت أما والله ما كان بالمدينة من شيء هو أحب إلي من أن
أرى كثيرا وأسمع شعره فهل تروي قصيدته ( أهاجك
برقٌ آخِرَ الليلِ واصِبُ ... ) قلت
نعم فأنشدتها إياها إلى آخرها قالت فهل تروي قوله ( كأنك
لم تسمعْ ولم تر قبلها ... تَفرُّقَ أُلاّف لهنّ حنينُ ) قلت
نعم وأنشدتها قالت فهل تروي قوله أيضا ( لعزةَ
من أيام ذي الغُصْن شاقني ... ) قلت
نعم وأنشدتها إلى آخرها قالت فهل تروي قوله أيضا ( أأطلالَ
سُعدَى باللوى تَتَعَّهد ... ) قلت
نعم وأنشدتها حتى أتيت على قوله ( فلم
أر مثلَ العين ضنّت بمائها ... عليّ ولا مثلي على الدمع يَحسُدُ ) قالت
قاتله الله فهل قال مثل قول كثير أحد على الأرض والله لأن أكون رأيت كثيرا أو سمعت
منه شعره أحب إلي من مائة ألف درهم قال فقلت هو ذاك الراكب أمامك وأنا السائب
راويته قالت حياك الله تعالى ثم ركضت بغلتها حتى أدركته فقالت أنت كثير قال ما لك
ويلك فقالت أنت الذي تقول ( إذا
حُسرتْ عنه العِمامة راعها ... جميلُ المحيَّا أغفلتْه الدواهِن ) والله
ما رأيت عربيا قط أقبح ولا أحقر ولا ألأم منك قال أنت والله أقبح مني وألأم قالت
له أو لست القائل ( تَراهنّ
إلا أن يؤدِّين نظرةً ... بمؤْخِر عينٍ أو يُقلِّبن معصَما ) ( كواظِمَ
ما ينطِقْن إلا مَحُورة ... رجِيعةَ قولٍ بعد أن يُتَفَهَّما ) ( يحاذرْن
مني غَيْرةً قد عرفْنها ... قديماً فما يضحكْن إلا تبسُّما ) لعن
الله من يفرق منك قال بل لعنك الله قالت أولست الذي تقول ( إذا
ضمْرِيَّةٌ عَطَست فنِكها ... فإن عُطاسَها طرَفُ الوِدَاقِ ) قال
من أنت قالت لا يضرك أن لم تعرفني ولا من أنا قال والله إني لأراك لئيمة الأصل
والعشيرة قالت حياك الله يا أبا صخر ما كان بالمدينة رجل أحب إلي وجها ولا لقاء
منك قال لا حياك الله والله ما كان على الأرض أحد أبغض إلي وجها منك قالت أتعرفني
قال أعرف أنك لئيمة من اللئام فتعرفت إليه فإذا هي غاضرة أم ولد لبشر بن مروان قال
وسايرها حتى سندنا في الجبل من قبل زرود فقالت له يا أبا صخر أضمن لك مائة ألف
درهم عند بشر بن مروان إن قدمت عليه قال أفي سبك إياي أو سبي إياك تضمنين لي هذا
والله لا أخرج إلى العراق على هذه الحال فلما قامت تودعه سفرت فإذا هي أحسن من
رأيت من أهل الدنيا وجها فأمرت له بعشرة آلاف درهم فبعد شد ما قبلها وأمرت لي
بخمسة آلاف درهم فلما ولوا قال يا سائب أين نعني أنفسنا إلى عكرمة انطلق بنا نأكل
هذه حتى يأتينا الموت قال وذلك قوله لما فارقتنا ( شجا
أظعان غاضِرةَ الغوادي ... بغير مشِيئةٍ عرضاً فؤادي ) وقد
روى الزبير أيضا في خبر هذه المرأة غير هذا وخالف المعاني أخبرني الحرمي بن أبي
العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش السعدي قال كان كثير
يلقى حاج المدينة من قريش بقديد في كل سنة فغفل عاما من الأعوام عن يومهم الذي
نزلوا فيه قديدا حتى ارتفع النهار ثم ركب جملا ثقالا واستقبل الشمس في يوم صائف
فجاء قديدا وقد كل وتعب فوجدهم قد راحوا وتخلف فتى من قريش معه راحلته حتى يبرد
قال الفتى القرشي فجلس كثير إلى جنبي ولم يسلم علي فجاءت امرأة وسيمة جميلة فجلست
إلى خيمة من خيام قديد واستقبلت كثيرا فقالت أأنت كثير قال نعم قالت ابن أبي جمعة
قال نعم قالت الذي يقول ( لعزّة
أطلالٌ أبت أن تَكلَّما ... ) قال
نعم قالت وأنت الذي تقول فيها ( وكنتُ
إذا ما جِئتُ أجللْن مجلسي ... وأظهرْن منّي هَيْبةً لا تجهُّما ) فقال
نعم قالت أعلى هذا الوجه هيبة إن كنت كاذبا فعليك لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين فضجر وقال من أنت فلم تجبه بشيء فسأل الموليات اللواتي في الخباء بقديد
عنها فلم يخبرنه شيئا فضجر واختلط فلماسكن من شأوه قالت أأنت الذي تقول ( متى
تَحسِروا عنّي العِمامة تُبْصروا ... جميل المُحيَّا أغلفته الدواهن ) أهذا
الوجه جميل المحيا إن كنت كاذبا فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فاختلط
وقال والله ما عرفتك ولو عرفتك لفعلت وفعلت فسكتت فلما سكن من شأوه قالت أأنت الذي
تقول ( يروق العيون الناظراتِ كأنه ...
هِرَقلِيُّ وزنٍ أحمرُ التّبر راجحُ ) أهذا
الوجه يروق العيون الناظرات إن كنت كاذبا فعليك لعنة الله ولعنة اللاعنين
والملائكة والناس أجمعين فازداد ضجرا وغيظا واختلاطا وقال لها قد عرفتك والله
لأقطعنك وقومك بالهجاء ثم قام فالتفت في أثره ثم رجعت طرفي نحو المرأة فإذا هي قد
ذهبت فقلت لمولاة من مولياتها بقديد لك الله علي إن أخبرتني من هذه المرأة لأطوين
لك ثوبي هذين إذا قضيت حجي ثم أعطيكهما فقالت والله لو أعطيتني زنتهما ذهبا ما
أخبرتك من هي هذا كثير وهو مولاي قد سألني عنها فلم أخبره قال الفتى القرشي فرحت
والله وبي أشد مما بكثير قال سليمان وكان كثير دميما قليلا أحمر أقيشر عظيم الهامة
قبيحا نسبة ما في هذه الأخبار من الشعر الذي يغنى به صوت منها ( أشاقك
برقٌ آخرَ الليلِ واصِبُ ... تضمَّنه فرْش الجَبَا فالمسارِب ) ( كما
أوْمضَتْ بالعين ثم تبسَّمت ... خرِيع بدا منها جبينٌ وحاجب ) ( وَهَبْتُ
لِليلَى ماءه ونباتَه ... كما كلُّ ذي وُدّ لمن ودّ واهِب ) عروضه
من الطويل الواصب الدائم يقال وصب يصب وصوبا أي دام قال الله سبحانه ( وله
الدين واصبا ) أي دائما صوت ومنها ( لِعزّةَ
من أيَّامِ ذي الغُصْنِ شاقني ... بِضَاحِي قَرَارِ الرَّوضتين رُسُومُ ) ( هي
الدار وحْشاً غير أن قَدْ يَحُلُّها ... ويَغْنَى بها شخصٌ عليَّ كريمُ ) ( فما
برسوم الدَّار لو كنتَ عالماً ... ولا بالتِّلاع المُقْويات أَهِيمُ ) ( سألت
حكيماً أين شطَّت بها النَّوى ... فخبرَني ما لا أحبُّ حكيم ) ( أَجَدّوا
فأمَّا آلُ عَزَّة غُدوة ... فبانوا وأمَّا واسط فمقيم ) ( لعمري
لئن كان الفؤادُ من الهوى ... بغَى سَقَما إنّي إذاً لسَقِيمُ ) حكيم
هذا هو أبو السائب بن حكيم راوية كثير ذكر ذلك لنا اليزيدي عن ابن حبيب في هذه
الأبيات لمعبد لحنان أحدهما في الثلاثة الأول خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشامي وابن
المكي وحبش وفي الثلاثة الأخرى التي أولها ( سألت
حكيما اين شطّت بها النوى ... ) له
أيضا ثقيل أول بالبنصر عن يونس وحبش وذكر حبش خاصة أن فيها لكردم خفيف ثقيل آخر
وفي الثالث والثاني لابن جامع خفيف رمل عن الهشامي وقال أحمد بن عبيد فيه ثلاثة
ألحان ثقيل أول وخفيفه وخفيف رمل أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن
بكار قال حدثني المؤملي أن ابن أبي عبيدة كان إذا انشد قصيدة كثير ( لعزّة
من أيام ذي الغصن شاقني ... بِضاحي قَرار الروضتين رسومُ ) يتحازن
حتى نقول إنه يبكي أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي عن
الضحاك ابن عثمان قال قال عروة بن أذينة كان الحزين الكناني الشاعر صديقا لأبي
وكان عشيرا له على النبيذ فكان كثيرا ما يأتيه وكانت بالمدينة قينة يهواها الحزين ويكثر
غشيانها فبيعت وأخرجت عن المدينة فأتى الحزين أبي وهو كئيب حزين كاسمه فقال له أبي
يا أبا حكيم ما لك قال أنا والله يا أبا عامر كما قال كثير ( لَعمرِي
لئن كان الفؤادُ من الهَوى ... بَغَى سَقماً إني إذاً لَسَقِيمُ ) ( سألت
حكيماً أين شطّت بها النوى ... فخبّرني مالا أُحبُّ حكيم ) فقال
له ابي أنت مجنون إن أقمت على هذا ميمية كثير في عزة وهذه القصيدة يقولها كثير في
عزة لما أخرجت إلى مصر وذلك قوله فيها ( ولست
براءٍ نحوَ مصرَ سحابةً ... وإن بَعُدَتْ إلاَّ قعدتُ أشيم ) ( فقد
يوجَد النِّكْسُ الدنيّ عن الهوى ... عَزُوفا وَيصبو المرء وهْو كريم ) ( وقال
خليلي ما لها إذ لقيتَها ... غداةَ الشَّبَا فيها عليك وُجومُ ) ( فقلت
له إن المودّة بيننا ... على غير فُحْشٍ والصفاءُ قديم ) ( وإني
وان أعرضتُ عنها تجلُّدا ... على العَهْدِ فيما بيننا لمُقيمُ ) ( وإن
زماناً فرَّقَ الدهرُ بيننا ... وبينكُمُ في صرفهِ لمَشُومُ ) ( أفِي
الحقِّ هذا أنّ قلبَكِ سَالمٌ ... صحيحٌ وقلبي في هواكِ سَقِيمُ ) ( وأنّ
بجسمي منك داءً مخامراً ... وجسْمُك موفورٌ عليكِ سليم ) ( لعمرُكِ
ما أنْصفْتِني في مودَّتي ... ولكنّني يا عزَّ عنْكِ حليم ) ( فإمّا
تَريْني اليومَ أُبْدِي جَلادةً ... فإني لعمري تحت ذاكِ كَليمُ ) ( ولسْتُ
ابنَة الضَّمْريِّ منكِ بناقِم ... ذُنوبَ العِدَا إِني إذاً لظَلوم ) ( وإنّي
لَذُو وجْدٍ إذا عاد وصلها ... وإنّي على ربي إذاً لكريم ) ومنها
صوت ( لعزة أطلالٌ أبت أن تكلَّما ... تهيجُ مغانيها الفؤادَ المتيَّما ) ( وكنتُ
إذا ما جئْت أجلَلْن مجلسي ... وأظهرن منِّي هيبةً لا تَجهُّما ) ( يُحاذرْن
منّي غَيْرةً قد عرفنها ... قَديما فما يضحكْن إلاّ تبسُّما ) عروضه
من الطويل غنى فيه مالك بن أبي السمح لحنين عن يونس أحدهما ثقيل أؤل بالخنصر في
مجرى البنصر عن إسحاق وغيره ينسبه إلى معبد والآخر ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش وفيه
لابن محرز خفيف ثقيل أول بالبنصر عن عمرو والهشامي وغيره يقول إنه لحن مالك وفيه
لابن سريج خفيف رمل بالبنصر عن عمرو والهشامي وعلي بن يحيى وأخبرني أحمد بن جعفر
جحظلة قال حدثني ميمون بن هارون قال حدثني من أثق به عن مسرور الخادم أن الرشيد
لما أراد قتل جعفر بن يحيى لم يطلع عليه أحدا بتة ودخل عليه جعفر في اليوم الذي
قتله في ليلته فقال له اذهب فتشاغل اليوم بمن تأنس به واصطبح فإني مصطبح مع الحرم
فمضى جعفر وفعل الرشيد ذلك ولم يزل بر الرشيد وألطافه وتحفه وتحياته تتابع إليه
لئلا يستوحش فلما كان في الليل دعاني فقال لي اذهب فجئني الساعة براس جعفر بن يحيى
وضم إلي جماعة من الغلمان فمضيت حتى هجمت عليه منزله وإذا أبو زكار الأعمى يغنيه
بقوله ( فلا تبعد فكل فتًى سيأتي ... عليه
الموتُ يَطْرُقُ أو يُغادي ) فقلت
له في هذا المعنى ومثله والله جئتك فأجب فوثب وقال ما الخبر يا أبا هاشم جعلني
الله فداءك قلت قد أمرت بأخذ رأسك فأكب على رجلي فقبلها وقال الله الله راجع أمير
المؤمنين في فقلت ما لي إلى ذلك سبيل قال فأعهد قلت ذاك لك فذهب يدخل إلى النساء
فمنعته وقلت أعهد في موضعك فدعا بدواة وكتب أحرفا على دهش ثم قال لي يا أبا هاشم
بقيت واحدة قلت هاتها قال خذني معك إلى أمير المؤمنين حتى أخاطبه قلت ما لي إلى
ذلك سبيل قال ويحك لا تقتلني بأمره على النبيذ فقلت هيهات ما شرب اليوم شيئا قال
فخذني واحبسني عندك في الدار وعاوده في أمري قلت أفعل فأخذته فقال لي أبو زكار
الأعمي نشدتك الله إن قتلته إلا ألحقتني به قلت له يا هذا لقد اخترت غير مختار قال
وكيف أعيش بعده وحياتي كانت معه وبه وأغناني عمن سواه فما أحب الحياة بعده فمضيت بجعفر
وجعلته في بيت وأقفلت عليه ووكلت به ودخلت إلى الرشيد فلما رآني قال أين رأسه ويلك
فأخبرته بالخبر فقال يابن الفاعلة والله لئن لم تجئني برأسه الساعة لآخذن رأسك
فمضيت إليه فأخذت رأسه ووضعته بين يديه ثم أخبرته خبره وذكرت له خبر أبي زكار
الأعمى فلما كان بعد مدة أمرني بإحضاره فأحضرته فوصله وبره وأمر بالجراية عليه اخبار
منظور بن زبان صوت ( قِفَا في دار خولةَ فاسألاها ... تَقادمَ عهدُها وهجرَتُماها ) ( بِمحْلالٍ
يفوح المسكُ منه ... إذا هبَّت بأبْطَحه صَباها ) ( أتَرْعَى
حيثُ شاءَت من حِمانا ... وتمنعُنا فلا نرعى حِمَاها ) عروضه
من الوافر الشعر لرجل من فزارة والغناء ذكر حماد عن أبيه أنه لمعبد وذكر عنه في
موضع آخر أنه لأبن مسجح وطريقته من الثقيل الأول مطلق في مجرى الوسطى وهذا الشعر
يقوله الفزاري في خولة بنت منظور بن زبان بن سيار بن عمرو ابن جابر بن عقيل بن
هلال بن سمي بن مازن بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان وكان منظور بن زبان
سيد قومه غير مدافع أمه قهطم بنت هاشم بن حرملة وقد ولدت أيضا زهير بن جذيمة فكان
آخذا بأطراف الشرف في قومه وهو أحد من طال حمل أمه به قال الزبير بن بكار فيما
أجاز لنا الحرمي بن أبي العلاء والطوسي روايته عنهما مما حدثا به عنه حدثتني مغيرة
بنت أبي عدي قال الزبير وقد حدثني هذا الحديث أيضا إبراهيم بن زياد عن محمد بن
طلحة وحدثنيه أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة عن يحيى بن الحسن العلوي عن الزبير
قالا جميعا حملت قهطم بنت هاشم بمنظور بن زبان أربع سنين فولدته وقد جمع فاه فسماه
أبو منظورا لذلك يعني لطول ما انتظره وقال فيه على ما رواه محمد ابن طلحة ( ما
جِئتَ حتى قيل ليس بواردٍ ... فسُميتَ منظوراً وجِئْتَ على قدْرِ ) ( وإنّي
لأرجو أن تكونَ كهاشمٍ ... وإني لأرْجُو أن تسودَ بَني بَدْرِ ) منظور
يتزوج امرأة أبيه ذكر الهيثم بن عدي عن ابن الكلبي وابن عياش وذكر بعضه الزبير بن
بكار عن عمه عن مجالد أن منظور بن زبان تزوج امرأة أبيه وهي مليكة بنت سنان بن أبي
حارثة المري فولدت له هاشما وعبد الجبار وخولة ولم تزل معه إلىخلافة عمر بن الخطاب
رضي الله عنه وكان يشرب الخمر أيضا فرفع أمره إلى عمر فأحضره وسأله عما قيل فاعترف
به وقال ما علمت أنها حرام فحبسه إلى وقت صلاة العصر ثم أحلفه أنه لم يعلم أن الله
جل وعز حرم ما فعله فحلف فيما ذكر أربعين يمينا فخلى سبيله وفرق بينه وبين امرأة
أبيه وقال لولا أنك حلفت لضربت عنقك قال ابن الكلبي في خبره إن عمر قال له أتنكح
امرأة أبيك وهي أمك أو ما علمت أن هذا نكاح المقت وفرق بينهما فتزوجها محمد بن
طلحة قال ابن الكلبي في خبره فلما طلقها أسف عليها وقال فيها ( ألا
لا أُبالِي اليومَ ما صَنَع الدهرُ ... إذا مُنِعتْ منّي مُليكَةُ والخمرُ ) ( فإن
تكُ قد أمستْ بعيداً مَزارُها ... فحَيِّ ابنةَ المرّيِّ ما طَلعَ الفجْرُ ) ( لَعَمْرِيَ
ما كانتْ مُليكةُ سَوْءةً ... ولا ضُمَّ في بيتٍ على مِثْلِها سِترُ ) وقال
أيضا ( لعمرُ أبي دِينٌ يُفَرِّق بيننا
... وبينَك قَسْراً إنّه لَعظيمُ ) وقال
حجر بن معاوية بن عيينة بن حصن بن حذيفة لمنظور ( لَبِئس
ما خلَف الآباءَ بعدَهُمُ ... في الأمَّهاتِ عِجَانُ الكلبِ منظورُ ) ( قد
كنْتَ تغمِزُها والشيخ حاضِرُها ... فالآن أنت بطُول الغمزِ معْذُور ) قال
أبو الفرج الأصبهاني أخطأ ابن الكلبي في هذا وإنما طلحة بن عبيد الله الذي تزوجها
فأما محمد فإنه تزوج خولة بنت منظور فولدت له إبراهيم بن محمد وكان أعرج ثم قتل
عنها يوم الجمل فتزوجها الحسن بن علي عليهما السلام فولدت له الحسن بن الحسن
عليهما السلام وكان إبراهيم بن محمد بن طلحة نازع بعض ولد الحسين بن علي بعض ما
كان بينهم وبين بني الحسن من مال علي عليه السلام فقال الحسيني لأمير المدينة هذا
الظالم الضالع الظالع يعني إبراهيم فقال له إبراهيم والله إني لأبغضك فقال له
الحسيني صادق والله يحب الصادقين وما يمنعك من ذلك وقد قتل أبي أباك وجدك وناك عمي
أمك لا يكني فأمر بهما فأقيما من بين يدي الأمير رجع الخبر إلى رواية ابن الكلبي
قال فلما فرق عمر رضي الله عنه بينهما وتزوجت رآها منظور يوما وهي تمشي في الطريق
وكانت جميلة رائعة الحسن فقال يا مليكة لعن الله دينا فرق بيني وبينك فلم تكلمه
وجازت وجاز بعدها زوجها فقال له منظور كيف رأيت أثر أيري في حر مليكة قال كما رأيت
اثر أير أبيك فيه فأفحمه وبلغ عمر رضي الله عنه الخبر فطلبه ليعاقبه فهرب منه وقال
الزبير في حديثه فتزوج محمد بن طلحة بن عبيد الله خولة بنت منظور فولدت له إبراهيم
وداود وأم القاسم بني محمد بن طلحة ثم قتل عنها يوم الجمل فخلف عليها الحسن بن علي
بن أبي طالب عليهما السلام فولدت له الحسن بن الحسن رضي الله عنهما قال الزبير
وقال محمد بن الضحاك الحزامي عن أبيه تزوج الحسن عليه السلام خولة بنت منظور زوجه
إياها عبد الله بن الزبير وكانت أختها تحته وأخبرني أحمد بن محمد بن سعيد قال
حدثني يحيى بن الحسن قال حدثني موسى بن عبيد الله بن الحسن قال جعلت خولة أمرها
إلى الحسن عليه السلام فتزوجها فبلغ ذلك منظور بن زبان فقال أمثلي يفتات عليه في
ابنته فقدم المدينة فركز راية سوداء في مسجد رسول الله فلم يبق قيسي بالمدينة إلا
دخل تحتها فقيل لمنظور بن زبان أين يذهب بك تزوجها الحسن بن علي عليه السلام وليس
مثله أحد فلم يقبل وبلغ الحسن عليه السلام مافعل فقال له ها شأنك بها فأخذها وخرج بها
فلما كان بقباء جعلت خولة تندمه وتقول الحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة فقال تلبثي
هاهنا فإن كانت للرجل فيك حاجة فسيلحقنا هاهنا قال فلحقه الحسن والحسين عليهما
السلام وابن جعفر وابن عباس فتزوجها الحسن ورجع بها قال الزبير ففي ذلك يقول جفير
العبسي ( إن النَّدَى من بني ذُبيانَ قد
عَلِموا ... والجُودَ في آل منظورِ بنِ سيَّارِ ) ( الماطِرين
بأيديهم نَدًى دِيَماً ... وكلَّ غيثٍ من الوَسْمِيّ مِدرارِ ) ( تَزُورُ
جاراتِهم وهْناً فواضِلُهم ... وما فَتَاهم لها سرَّا بِزوَّار ) ( تَرضَى
قريشٌ بهم صِهراً لأَنفسهم ... وهُمْ رضاً لبني أُختٍ وأصهارِ ) معبد
يغني خولة بنت منظور أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال
حدثني ابن أبي أيوب عن ابن عائشة المغني عن معبد أن خولة بنت منظور كانت عند الحسن
بن علي عليهما السلام فلما أسنت مات عنها أو طلقها فكشفت قناعها وبرزت للرجال قال
معبد فأتيتها ذات يوم أطالبها بحاجة فغنيتها لحني في شعر قاله فيها بعض بني فزارة
وكان خطبها فلم ينكحها أبوها ( قِفَا
في دار خولة فاسألاها ... تقادم عهدُها وهجَرتُماها ) ( بمحلالٍ
كأن المسك فيه ... إذا فاحت بأبطَحِه صَبَاها ) ( كأنّكِ
مُزْنَةٌ بَرقَت بلَيلٍ ... لحِرانٍ يُضِيءُ له سَنَاها ) ( فلم
تُمطرْ عليه وجاوزَتْه ... وقد أشْفَى عليها أو رَجاها ) ( وما
يَمْلا فُؤادي فاعلَمِيه ... سلُوُّ النفسِ عنكِ ولا غِناها ) ( وتَرعَى
حيث شاءَ من حِمانا ... وتمنُعنا فلا نَرْعَى حِماها ) قال
فطربت العجوز لذلك وقالت يا عبد بن قطن أنا والله يومئذ أحسن من النار الموقدة في
الليلة القرة صوت ( للهِ در عِصَابةٍ صاحبْتُهم ... يومَ الرُّصَافةِ مثلُهُم لم
يُوجد ) ( متقلِّدين صَفائحاً هِنديَّة ...
يتركْن مَن ضَرَبُوا كأن لم يُولدِ ) ( وغدا
الرجال الثائرون كأنَّما ... أبصارهم قِطَعُ الحديدِ الموقَدِ ) عروضه
من الكامل الشعر للجحاف السلمي الموقع ببني تغلب في يوم البشر والغناء للأبجر ثقيل
أول بالبنصر في مجراها عن إسحاق خبر الجحاف ونسبه وقصته يوم البشر هو الجحاف بن
حكيم بن عاصم بن قيس بن سباع بن خزاعي بن محاربي بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن
بهثة بن سليم بن منصور قصته يوم البشر كان السبب في ذلك فيما أخبرنا به محمد بن
العباس اليزيدي وعلي بن سليمان الأخفش قالا حدثنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب
عن ابن الأعرابي وأخبرنا إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز
الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة وقد جمعت روايتهم وأكثر اللفظ
في الخبر لابن حبيب أن عمير بن الحباب لما قتلته بنو تغلب بالحشاك وهو إلى جانب
الثرثار وهو قريب من تكريت أتى تميم بن الحباب أخاه زفر بن الحارث فأخبره بمقتل
عمير وسأله الطلب له بثأره فكره ذلك زفر فسار تميم بن الحباب بمن تبعه من قيس
وتابعه على ذلك مسلم بن أبي ربيعة العقيلي فلما توجهوا نحو بني تغلب لقيهم الهذيل
في زراعة لهم فقال أين تريدون فأخبروه بما كان من زفر فقال أمهلوني ألق الشيخ
فأقاموا ومضى الهذيل فأتى زفر فقال ما صنعت والله لئن ظفر بهذه العصابة إنه لعار
عليك ولئن ظفروا إنه لأشد قال زفر فاحبس علي القوم وقام زفر في أصحابه فحرضهم ثم
شخص واستخلف عليهم أخاه أوسا وسار حتى انتهى إلى الثرثار فدفنوا أصحابهم ثم وجه
زفر بن الحارث يزيد بن حمران في خيل فأساء إلى بني فدوكس من تغلب فقتل رجالهم
واستباح أموالهم فلم يبق في ذلك الجو غير امرأة واحدة يقال لها حميدة بنت امرئ
القيس عاذت بابن حمران فأعاذها وبعث الهذيل إلى بني كعب بن زهير فقتل فيهم قتلا
ذريعا وبعث مسلم بن ربيعة إلى ناحية أخرى فأسرع في القتل وبلغ ذلك بني تغلب واليمن
فارتحلوا يريدون عبور دجلة فلحقهم زفر بالكحيل وهو نهر أسفل الموصل مع المغرب
فاقتتلوا قتالا شديدا وترجل أصحاب زفر أجمعون وبقي زفر على بغل له فقتلوهم من
ليلتهم وبقروا ما وجدوا من النساء وذكر أن من غرق في دجلة أكثر ممن قتل بالسيف وأن
الدم كان في دجلة قريبا من رمية سهم فلم يزالوا يقتلون من وجدوا حتى اصبحوا فذكر
أن زفر دخل معهم دجلة وكانت فيه بحة فجعل ينادي ولا يسمعه أصحابه ففقدوا صوته
وحسبوا أن يكون قتل فتذامروا وقالوا لئن قتل شيخنا لما صنعنا شيئا فاتبعوه فإذا هو
في دجلة يصيح بالناس وتغلب قد رمت بأنفسها تعبر في الماء فخرج من الماء وأقام في
موضعه فهذه الوقعة الحرجية لأنهم أحرجوا فألقوا أنفسهم في الماء ثم وجه يزيد بن
حمران وتميم بن الحباب ومسلم بن ربيعة والهذيل بن زفر في أصحابه وأمرهم ألا يلقوا
أحدا إلا قتلوه فانصرفوا من ليلتهم وكل قد أصاب حاجته من القتل والمال ثم مضى
يستقبل الشمال في جماعة من أصحابه حتى أتى رأس الأثيل ولم يخل بالكحيل أحدا
والكحيل على عشرة فراسخ من الموصل فيما بينها وبين الجنوب فصعد قبل راس الأثيل
فوجد به عسكرا من اليمن وتغلب فقاتلهم بقية ليلتهم فهربت تغلب وصبرت اليمن وهذه
الليلة تسميها تغلب ليلة الهرير ففي ذلك يقول زفر بن الحارث وقد ذكر أنها لغيره ( ولمَّا
أن نعى النّاعي عُمَيْراً ... حسبتُ سماءهم دُهِيت بليلِ ) دهيت
بليل أي أظلمت نهارا كأن ليلا دهاها ( وكان
النجمُ يطلُعُ في قَتَامٍ ... وخاف الذُّل مِنْ يَمَن سُهَيلُ ) ( وكنتُ
قبيْلَها يا أُمَّ عمروٍ ... أُرَجِّلُ لِمَّتي وأجرُّ ذيلي ) ( فلو
نُبِش المقابرُ عن عمير ... فيخبَرَ مِنْ بلاء أبي الهذيل ) ( غداةَ
يقارعُ الأبطالَ حتى ... جرى منهم دماً مَرْجُ الكُحَيْل ) ( قبِيلٌ
يَنْهَدون إلى قبيلٍ ... تساقَى الموت كيلاً بعد كيل ) وفي
ذلك يقول جرير يعير الأخطل ( أنَسيتَ
يومَك بالجزيرة بعدما ... كانت عواقِبُه عليك وبالا ) ( حملتْ
عليك حُماةُ قيسٍ خيلَها ... شُعْثاً عوابسَ تحمِل الأبطالا ) ( ما
زلتَ تحسِبُ كلّ شيء بعدهم ... خيلا تَكُرُّ عليكُم ورجالا ) ( زفرُ
الرئيسُ أبو الهذيل أبادكم ... فسَبَى النسَاء وأحرز الأَموالا ) اغراه
الأخطل بشعره بأخذ الثأر من تغلب فما أن كانت سنة ثلاث وسبعين وقتل عبد الله بن
الزبير هدأت الفتنة واجتمع الناس على عبد الملك بن مروان وتكافت قيس وتغلب عن
المغازي بالشام والجزيرة وظن كل واحد من الفريقين أن عنده فضلا لصاحبه وتكلم عبد
الملك في ذلك ولم يحكم الصلح فيه فبينا هم على تلك الحال إذ أنشد الأخطل عبد الملك
بن مروان وعنده وجوه قيس قوله ( ألا
سائِل الجحّافَ هل هو ثائرٌ ... بِقَتْلَى أصِيبتْ مِنْ سُلَيْم وعامرِ ) ( أجحافُ
إنْ نهبِط عليك فتلتقي ... عليك بحورٌ طامِياتُ الزواخِر ) ( تكن
مثل أبداءِ الحباب الذي جرى ... البحرُ تزهاهُ رياحُ الصراصِرِ ) فوثب
الجحاف يجر مطرفه ومايعلم من الغضب فقال عبد الملك للأخطل ما أحسبك إلا قد كسبت
قومك شرا فافتعل الجحاف عهدا من عبد الملك على صدقات بكر وتغلب وصحبه من قومه نحو
من ألف فارس فثار بهم حتى بلغ الرصافة قال وبينها وبين شط الفرات ليلة وهي في قبلة
الفرات ثم كشف لهم أمره وأنشدهم شعر الأخطل وقال لهم إنما هي النار أو العار فمن
صبر فليقدم ومن كره فليرجع قالوا ما بأنفسنا عن نفسك رغبة فأخبرهم بما يريد فقالوا
نحن معك فيما كنت فيه من خير وشر فارتحلوا فطرقوا صهين بعد رؤبة من الليل وهي في قبلة
الرصافة وبينهما مي ثم صبحوا عاجنة الرحوب في قبلة صهين والبشر وهو واد لبني تغلب
فأغاروا على بني تغلب ليلا فقتلوهم وبقروا من النساء من كانت حاملا ومن كانت غير
حامل قتلوها قال عمر بن شبة في خبره سمعت أبي يقول صعد الجحاف الجبل فهو يوم البشر
ويقال له أيضا يوم عاجنة الرحوب ويوم مخاشن وهو جبل إلى جنب البشر وهو مرج السلوطح
لأنه بالرحوب وقتل في تلك الليلة ابنا للأخطل يقال له أبو غياث ففي ذلك يقول جرير
له ( شرِبتَ الخمر بعد أبي غِياثٍ ...
فلا نعِمت لك السَّوءات بالا ) قال
عمر بن شبة في خبره خاصة ووقع الأخطل في أيديهم وعليه عباءة دنسة فسألوه فذكر أنه
عبد من عبيدهم فأطلقوه فقال ابن صفار في ذلك ( لم
تنج إلا بالتعبُّد نفسُه ... لَمَّا تيقن أنهمْ قومٌ عِدا ) ( وتشابهت
بُرْقُ العَبَاء عليهمُ ... فنجا ولو عرفوا عباءته هوى ) وجعل
ينادي من كانت حاملا فإلي فصعدن إليه فجعل يبقر بطونهن ثم إن الجحاف هرب بعد فعله
وفرق عنه أصحابه ولحق بالروم فلحق الجحاف عبيدة بن همام التغلبي دون الدرب فكر
عليه الجحاف فهزمه وهزم أصحابه وقتلهم ومكث زمنا في الروم وقال في ذلك ( فإن
تَطْرُدوني تطردوني وقد مضى ... من الوِرْدِ يوم في دماء الأراقم ) ( لدن
ذَرَّ قرنُ الشمس حتى تَلَبَّسَتْ ... ظلاماً بركض الْمُقْرَبَات الصلادِم ) حتى
سكن غضب عبد الملك وكلمته القيسية في أن يؤمنه فلان وتلكأ فقيل له إنا والله لا
نأمنه على المسلمين إن طال مقامه بالروم فأمنه فاقبل فلما قدم على عبد الملك لقيه
الأخطل فقال له الجحاف ( أبا
مالكٍ هل لمتني إذ حضضتَني ... على القتل أَمْ هل لامني لك لائمي ) ( أبا
مالكٍ إني أطعتُك في التي ... حضضتَ عليها فعلَ حَرّان حازمِ ) ( فإن
تدعُني أخرى أُجِبْك بمثلها ... وإني لَطَبٌّ بالوغَى جِدُّ عالِم ) قال
ابن حبيب فزعموا أن الأخطل قال له أراك والله شيخ سوء وقال فيه جرير ( فإنّك
والجحافَ يوم تَحُضُّه ... أردتَ بذاك المُكثَ والوِرْدُ أعجلُ ) ( بكى
دَوْبَلٌ لا يُرقئُ الله دمعَه ... ألا إنما يبكي مِنَ الذُّلِّ دوبل ) ( وما
زالت القتلى تَمورُ دماؤهم ... بدَجلة حتى ماءُ دجلةَ أَشْكَل ) فقال
الأخطل ما لجرير لعنه الله والله ما سمتني أمي دوبلا إلا وأنا صبي صغير ثم ذهب ذلك
عني لما كبرت وقال الأخطل ( لقد
أوقع الجحّاف بالبِشر وقعةً ... إلى الله منها المُشْتَكَي والمُعَوَّلُ ) ( فسائل
بني مروان ما بالُ ذمّةٍ ... وحبلٍ ضعيفٍ لا يزال يُوصَّل ) ( فإلاّ
تُغَيِّرها قريش بملكها ... يكن عن قريشٍ مسترادٌ ومَزْحَل ) فقال
عبد الملك حين أنشده هذا فإلى أين يابن النصرانية قال إلى النار قال أولى لك لو
قلت غيرها قال ورأى عبد الملك أنه إن تركهم على حالهم لم يحكم الأمر فأمر الوليد
بن عبد الملك فحمل الدماء التي كانت قبل ذلك بين قيس وتغلب وضمن الجحاف قتلى البشر
وألزمه إياها عقوبة له فأدى الوليد الحمالات ولم يكن عند الجحاف ما حمل فلحق
بالحجاج بالعراق يسأله ما حمل لأنه من هوازن فسأل الإذن على الحجاج فمنعه فلقي
أسماء بن خارجة فعصب حاجته به فقال إني لا أقدر لك على منفعة قد علم الأمير بمكانك
وأبى أن يأذن لك فقال لا والله لا ألزمها غيرك أنجحت أو أكدت فلما بلغ ذلك الحجاج
قال ما له عندي شيء فأبلغه ذلك قال وما عليك أن تكون أنت الذي تؤنسه فإنه قد أبى
فأذن له فلما رآه قال أعهدتني خائنا لا أبا لك قال أنت سيد هوازن وقد بدأنا بك
وأنت أمير العراقين وابن عظيم القريتين وعمالتك في كل سنة خمسمائة ألف درهم وما بك
بعدها حاجة إلى خيانة فقال أشهد أن الله تعالى وفقك وأنك نظرت بنور الله فإذا صدقت
فلك نصفها العام فأعطاه وادوا البقية قال ثم تأله الجحاف بعد ذلك واستأذن في الحج
فأذن له فخرج في المشيخة الذين شهدوا معه قد لبسوا الصوف وأحرموا وأبروا أنوفهم أي
خزموها وجعلوا فيها البرى ومشوا إلى مكة فلما قدموا المدينة ومكة جعل الناس يخرجون
فينظرون إليهم ويعجبون منهم قال وسمع ابن عمر الجحاف وقد تعلق بأستار الكعبة وهو
يقول اللهم اغفر لي وما أراك تفعل فقال له ابن عمر يا هذا لو كنت الجحاف ما زدت
على هذا القول قال فأنا الجحاف فسكت وسمعه محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام
وهو يقول ذلك فقال يا عبد الله قنوطك من عفو الله أعظم من ذنبك قال عمر بن شبة في
خبره كان مولد الجحاف بالبصرة قال عبد الله بن إسحاق النحوي كان الجحاف معي في
الكتاب قال أبو زيد في خبره أيضا ولما أمنه عبد الملك دخل عليه في جبة صوف فلبث قائما
فقال له عبد الملك أنشدني بعض ما قلت في غزوتك هذه وفجرتك فأنشده قوله ( صبرتْ
سليمٌ للطعان وعامرٌ ... وإذا جزِعنا لم نجد من يصبِرُ ) فقال
له عبد الملك بن مروان كذبت ما أكثر من يصبر ثم أنشده ( نحنُ
الذين إذا علَوا لمْ يَفْخَروا ... يوم اللقا وإذا عُلُوا لم يضجروا ) فقال
عبدالملك صدقت حدثني أبي عن أبي سفيان بن حرب أنكم كنتم كما وصفت يوم فتح مكة حدثت
عن الدمشقي عن الزبير بن بكار وأخبرني وكيع عن عبد الله بن شبيب عن الزبير بن بكار
عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عمر بن عبد العزيز بن مروان أنه حضر
الجحاف عند عبد الملك بن مروان يوما والأخطل حاضر في مجلسه ينشد ( ألا
سائل الجحافُ هل هو ثائرٌ ... بقَتْلَى أصيبت من سليم وعامِر ) قال
فتقبض وجهه في وجه الأخطل ثم إن الأخطل لما قال له ذلك قال له ( نعَمْ
سوفَ نَبْكيهم بكل مُهَنَّدٍ ... ونبكي عميراً بالرماح الخواطر ) ثم
قال ظننت أنك يابن النصرانية لم تكن تجتريء علي ولو رأيتني لك مأسورا وأوعده فما
برح الأخطل حتى حم فقال له عبد الملك أنا جارك منه قال هذا أجرتني منه يقظان فمن
يجيرني منه نائما قال فجعل عبد الملك يضحك قال فأما قول الأخطل ( ألا
سائل الجحّاف هل هو ثائِرٌ ... بقتلى أصيبتْ من سُلَيم وعامر ) فإنه
يعني اليوم الذي قتلت فيه بنو تغلب عمير بن الحباب السلمي وكان السبب في ذلك فيما
أخبرني به علي بن سليمان الأخفش قال حدثني أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن أبي
عبيدة عن ابن الأعرابي عن المفضل أن قيسا وتغلب تحاشدوا لما كان بينهم من الوقائع
منذ ابتداء الحرب بمرج راهط فكانوا يتغاورون وكانت بنو مالك بن بكر جامعة بالتوباذ
وما حوله وجلبت إليها طوائف تغلب وجميع بطونها إلا أن بكر بن جشم لم تجتمع أحلافهم
من النمر بن قاسط وحشدت بكر فلم يأت الجمع منهم على قدر عددهم وكانت تغلب بدوا
بالجزيرة لا حاضرة لها إلا قليل بالكوفة وكانت حاضرة الجزيرة لقيس وقضاعة وأخلاط مضر
ففارقتهم قضاعة قبل حرب تغلب وأرسلت تغلب إلى مهاجريها وهم بأذربيجان فأتاهم شعيب
بن مليل في ألفي فارس واستنصر عمير تميما وأسدا فلم يأته منهم أحد فقال ( أيا
أخَوَيْنا من تميم هُدِيتُما ... ومن أسدٍ هل تسمعانِ المُنَاديا ) ( ألم
تعلما مُذْ جاء بكرُ بنُ وائل ... وتغلِبُ الفافاً تَهُزّ العواليا ) ( إلى
قومِكم قد تعلمون مكانهم ... وهم قُرْبُ أدنى حاضرِين وباديا ) وكان
من حضر ذلك من وجوه بكر بن وائل المجشر بن الحارث بن عامر بن مرة بن عبد الله بن
أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان وكان من سادات شيبان بالجزيرة فأتاهم في جمع كثير من
بني أبي ربيعة وفي ذلك يقول تميم ابن الحباب بعد يوم الحشاك ( فإن
تحتجِزْ بالماء بكرُ بنُ وائلٍ ... بني عمّنا فالدهر ذو مُتَغَيَّرِ ) ( فسوف
نُخيضُ الماء أو سوف نلتقي ... فنقتَّص من أبناء عم المُجَشَّر ) وأتاهم
زمام بن مالك بن الحصين من بني عمرو بن هاشم بن مرة في جمع كبير فشهدوا يوم
الثرثار فقتل وكان فيمن أتاهم من العراق من بكر بن وائل عبيد الله بن زياد بن
ظبيان ورهصة بن النعمان بن سويد بن خالد من بني أسعد بن همام فلذلك تحامل المصعب
بن الزبير على أبان بن زياد أخي عبيد الله بن زياد فقتله وفي هذا السبب كانت فرقة
عبيد الله لمصعب وجمعت تغلب فأكثرت فلما أتى عميرا كثرة من أتى من بني تغلب وأبطأ
عنه أصحابه قال يستبطئهم ( أناديهم
وقد خَذَلَتْ كلاب ... وحولي من ربيعة كالجبالِ ) ( أقاتِلُهم
بحيّ بني سُلَيْمٍ ... ويَعْصُرَ كالمصاعِيب النِّهال ) ( فِدىً
لفوارس الثرثار قومي ... وما جَمَّعْتُ من أهلي ومالي ) ( فإمَّا
أُمْسِ قد حانت وفاتي ... فقد فارقت أعصرَ غير قال ) ( أَبَعْدَ
فوارسِ الثرثار أرجو ... ثَراءَ المال أو عدد الرجال ) ثم
زحف العسكران فأتت قيس وتغلب الثرثار بين راس الأثيل والكحيل فشاهدوا القتال يوم
الخميس وكان شعيب بن مليل وثعلبة بن نياط التغلبيان قدما في ألفي فارس في الحديد
فعبروا على قرية يقال لها لبى على شاطيء دجلة بين تكريت وبين الموصل ثم توجهوا إلى
الثرثار فنظر شعيب إلى دواخن قيس فقال لثعلبة بن نياط سر بنا إليهم فقال له الرأي
أن نسير إلى جماعة قومنا فيكون مقاتلنا واحدا فقال شعيب والله لا تحدث تغلب أني
نظرت إلى دواخنهم ثم انصرفت عنهم فأرسل ناسا من أصحابه قدامة وعمير يقاتل بني تغلب
وذلك يوم الخميس وعلى تغلب حنظلة بن هوبر أحد بني كنانة بن تميم فجاء رجل من أصحاب
عمير إليه فأخبره أن طلائع شعيب قد أتته وأنه قد عدل إليه فقال عمير لأصحابه
اكفوني قتال ابن هوبر ومضى هو في جماعة من أصحابه فأخذ الذين قدمهم شعيب فقتلهم
كلهم غير رجل من بني كعب بن زهير يقال له قتب بن عبيد فقال عمير يا قتب أخبرني ما
وراءك قال قد أتاك شعيب بن مليل في أصحابه وفارق ثعلبة بن نياط شعيبا فمضى إلى
حنظلة بن هوبر فقاتل معه القيسية فقتل فالتقى عمير وشعيب فاقتتلوا قتالا شديدا فما
صليت العصر حتى قتل شعيب وأصحابه أجمعون وقطعت رجل شعيب يومئذ فجعل يقاتل القوم
وهو يقول ( قد علِمت قيسٌ ونحن نعلمُ ... أَن
الفتى يفتِك وهْو أجذمُ ) فلما
قتل شعيب نزل أصحابه فعقروا دوابهم ثم قاتلوا حتى قتلوا فلما رآه عمير قتيلا قال
من سره أن ينظر إلى الأسد عقيرا فها هو ذا وجعلت تغلب يومئذ ترتجز وتقاتل وهي تقول
حذف ( انْعَوَا إياساً واندُبوا مُجاشِعا
... كلاهما كان كريما فاجعا ) ( وَيهِ
بني تغلب ضرباً ناقِعا ... ) وانصرف
عمير إلى عسكره وأبلغ بني تغلب مقتل شعيب فحميت على القتال وتذامرت على الصبر فقال
محصن بن حصين بن جنجور أحد الأبناء مضيت أنا ومن أفلت من أصحاب شعيب بعد العصر
فأتينا راهبا في صومعته فسألنا عن حالنا فأخبرناه فأمر تلميذا له فجاءه بخرق فداوى
جراحنا وذلك غداة يوم الجمعة فلما كان آخر ذلك اليوم أتانا خبر مقتل عمير وأصحابه
وهرب من أفلت منهم صوت ( إنَّ جنبي على الفراش لنابِ ... كتجافي الأَسَرِّ فوق
الظِّرَابِ ) ( من حديثٍ نَمَى إلىّ فما أَطْعَمُ
... غُمْضاً ولا أَسِيغُ شرابي ) ( لِشُرحبِيلَ
إذ تعاوَرَه الأرماحُ ... في حال شدَّة وشبابِ ) ( فارس
يطعَنُ الكُماةَ جريء ... تحته قارِحٌ كلون الغرابِ ) عروضه
من الخفيف الأسر البعير الذي يكون به السرر وهي قرحة تخرج في كركرته لا يقدر أن
يبرك إلا على موضع مستو من الأرض والظراب النشوز والجبال الصغار واحدها ظرب والشعر
لغلفاء وهو معد يكرب بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار الكندي يرثي أخاه شرحبيل
قتيل يوم الكلاب الأول والغناء للغريض ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق
ويونس وعمرو قصة يوم الكلاب الاول وكان السبب في مقتله وقصة يوم الكلاب فيما
أخبرنا به محمد بن العباس اليزيدي وعلي بن سليمان الأخفش قالا حدثنا أبو سعيد
السكري قال أخبرنا محمد بن حبيب عن أبي عبيدة قال أخبرني إبراهيم بن سعدان عن أبيه
عن أبي عبيدة قال أخبرني دماذ عن أبي عبيدة قال كان من حديث الكلاب الأول أن قباذ
ملك فارس لما ملك كان ضعيف الملك فوثبت ربيعة على المنذر الأكبر بن ماء السماء وهو
ذو القرنين بن النعمان بن الشقيقة فأخرجوه وإنما سمي ذا القرنين لأنه كانت له
ذؤابتان فخرج هاربا منهم حتى مات في إياد وترك ابنه المنذر الأصغر فيهم وكان أذكى
ولده فانطلقت ربيعة إلى كندة فجاؤوا بالحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار فملكوه على
بكر بن وائل وحشدوا له فقاتلوا معه فظهر على ما كانت العرب تسكن من أرض العراق
وأبى قباذ أن يمد المنذر بجيش فلما رأى ذلك المنذر كتب إلى الحارث بن عمرو إني في
غير قومي وأنت أحق من ضمني وأنا متحول إليك فحوله إليه وزوجه ابنته هندا ففرق
الحارث بنيه في قبائل العرب فصار شرحبيل بن الحارث في بني بكر بن وائل وحنظلة بن
مالك وبني أسيد وطوائف من بني عمرو بن تميم والرباب وصار معد يكرب بن الحارث وهو غلفاء
في قيس وصار سلمة بن الحارث في بني تغلب والنمر بن قاسط وسعد بن زيد مناة فلما هلك
الحارث تشتت أمر بنيه وتفرقت كلمتهم ومشت الرجال بينهم وكانت المغاورة بين الأحياء
الذين معهم وتفاقم الأمر حتى جمع كل واحد منهم لصاحبه بين الأحياء الذين معهم
وتفاقم الأمر حتى جمع كل واحد منهم لصاحبه الجموع فسار شرحبيل ومن معه من بني تميم
والقبائل فنزلوا الكلاب وهو فيما بين الكوفة والبصرة على سبع ليال من اليمامة
وأقبل سلمة بن الحارث في تغلب والنمر ومن معه وفي الصنائع وهم الذين يقال لهم بنو
رقية وهي أم لهم ينتسبون إليها وكانوا يكونون مع الملوك يريدون الكلاب وكان نصحاء
شرحبيل وسلمة قد نهوهما عن الحرب والفساد والتحاسد وحذروهما عثرات الحرب وسوء
مغبتها فلم يقبلا ولم يبرحا وأبيا إلا التتايع واللجاجة في أمرهم فقال امرؤ القيس
بن حجر في ذلك ( أَنَّى
عليّ استتَبَّ لومُكما ... ولم تلوما عَمْراً ولا عُصُما ) ( كَلاَّ
يمين الإِله يجمعنا ... شيء وأخوالَنَا بني جُشَما ) ( حتى
تزور السباعُ ملحمةً ... كأنها من ثمودَ أوْ إرَمَا ) وكان
أول من ورد الكلاب من جمع سلمة سفيان بن مجاشع بن دارم وكان نازلا في بني تغلب مع
إخوته لأمه فقتلت بكر بن وائل بنين له فيهم مرة بن سفيان قتله سالم بن كعب بن عمرو
بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان فقال سفيان وهو يرتجز ( الشيخُ
شيخٌ ثَكلانْ ... والجوفُ جوفٌ حَرّان ) ( والوِردُ
وِردٌ عجلانْ ... أَنْعَى مُرَّةَ بنَ سُفْيانْ ) وفي
ذلك يقول الفرزدق ( شيوخٌ
منهُمُ عُدُسُ بنُ زيد ... وسفيانُ الذي ورد الكُلابا ) وأول
من ورد الماء من بني تغلب رجل من بني عبد جشم يقال له النعمان ابن قريع بن حارثة
بن معاوية بن عبد بن جشم وعبد يغوث بن دوس وهو عم الأخطل دوس والفدوكس أخوان على
فرس له يقال له الحرون وبه كان يعرف ثم ورد سلمة بين تغلب وسعد وجماعة الناس وعلى
بني تغلب يومئذ السفاح واسمه سلمة بن خالد بن كعب بن زهير بن تيم بن أسامة بن مالك
بن بكر بن حبيب وهو يقول ( إنّ
الكُلاب ماؤنا فَجَلُّوهْ ... وساجراً والله لن تحُلُّوهُ ) فاقتتل
القوم قتالا شديدا وثبت بعضهم لبعض حتى إذا كان في آخر النهار من ذلك اليوم خذلت
بنو حنظلة وعمرو بن تميم والرباب بكر بن وائل وانصرفت بنو سعد وألفافها عن بني
تغلب وصبر ابنا وائل بكر وتغلب ليس معهم غيرهم حتى إذا غشيهم الليل نادى منادي
سلمة من أتى برأس شرحبيل فله مائة من الإبل وكان شرحبيل نازلا في بني حنظلة وعمرو
بن تميم ففروا عنه وعرف مكانه أبو حنش وهو عصم بن النعمان بن مالك بن غياث بن سعد
بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب فصمد نحوه فلما انتهى إليه رآه جالسا وطوائف الناس
يقاتلون حوله فطعنه بالرمح ثم نزل إليه فاحتز رأسه وألقاه إليه ويقال إن بني حنظلة
وبني عمرو بن تميم والرباب لما انهزموا خرج معهم شرحبيل فلحقه ذو السنينة واسمه
حبيب بن عتيبة بن حبيب بن بعج بن عتبة بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر وكانت له سن زائدة
فالتفت شرحبيل فضرب ذا السنينة على ركبته فأطن رجله وكان ذو السنينة أخا أبي حنش لأمه
أمهما سلمى بنت عدي بن ربيعة بنت أخي كليب ومهلهل فقال ذو السنينة قتلني الرجل
فقال أبو حنش قتلني الله إن لم أقتله فحمل عليه فلما غشيه قال يا أبا حنش أملكا
بسوقة قال إنه قد كان ملكي فطعنه أبو حنش فأصاب رادفة السرج فورعت عنه ثم تناوله
فألقاه عن فرسه ونزل إليه فاحتز رأسه فبعث به إلى سلمة مع ابن عم له يقال له أبو
أجأ بن كعب بن مالك بن غياث فألقاه بين يديه فقال له سلمة لو كنت ألقيته إلقاء
رفيقا فقال ما صنع بي وهو حي أشد من هذا وعرف أبو أجأ الندامة في وجهه والجزع على
أخيه فهرب وهرب أبو حنش فتنحى عنه فقال معد يكرب أخو شرحبيل وكان صاحب سلامة
معتزلا عن جميع هذه الحروب ( ألا
أبلغْ أبا حنشٍ رسولاً ... فما لك لا تجيءُ إلى الثوابِ ) ( تعلّمْ
أن خيرَ الناس طُرًّا ... قتيلٌ بين أحجار الكُلابِ ) ( تداعت
حوله جُشَمُ بن بكر ... وأسلمه جعاسيسُ الرِّبابِ ) ( قتيلٌ
ما قتيلُك يابن سَلْمَى ... تضُرُّ به صديقك أو تُحابي ) فقال
أبو حنش مجيبا له ( أحاذر
أن أجيئكُمُ فَتَحْبُو ... حِباءَ أبيك يوم صُنَيْبِعاتِ ) ( فكانت
غدرةً شنعاء تهفو ... تَقَلَّدها أبوك إلى الممَاتِ ) ويقال
إن الشعر الأول لسلمة بن الحارث وقال معد يكرب المعروف بغلفاء يرثي أخاه شرحبيل بن
الحارث ( إنّ جنبي عن الفراش لنابي ...
كتجافي الأَسَرِّ فوق الظِّرابِ ) ( من
حديثٍ نَمَى إليّ فلا تر ... فَأُعيني ولا أسيغُ شرابي ) ( مُرَّةٌ
كالذُّعاف أكتُمها الناسَ ... على حَرّ مَلَّةٍ كالشِّهابِ ) ( من
شرحبيلَ إذ تَعاوَرُه الأر ... ماحُ في حال لذّة وشبابِ ) ( يابن
أمي ولو شهِدتُك إذ تدعو ... تميماً وأنت غيرُ مجابِ ) ( لتركتُ
الحسام تجري ظُباه ... من دماء الأعداء يوم الكُلابِ ) ( ثم
طاعنتُ من ورائك حتى ... تبلغَ الرَّحْبَ أو تُبَزَّ ثيابي ) ( يوم
ثارت بنو تميم وولّت ... خيلُهم يتَّقِين بالأذناب ) ( ويْحَكم
يا بني أسَيِّدَ إنِّي ... ويحكم ربُّكُم وربُّ الرِّباب ) ( أين
معطِيكمُ الجزيلَ وحابيكم ... على الفقر بالمئين الكُبَاب ) ( فارس
يضرِب الكتيبةَ بالسيف ... على نحره كَنَضْحِ المَلاَب ) ( فارسٌ
يطعُنُ الكماة جريءٌ ... تحته قارحٌ كلون الغراب ) قال
ولما قتل شرحبيل قامت بنو سعد بن زيد مناة بن تميم دون عياله فمنعوهم وحالوا بين
الناس وبينهم ودفعوا عنهم حتى ألحقوهم بقومهم ومأمنهم ولي ذلك منهم عوف بن شجنة بن
الحارث بن عطارد بن عوف بن سعد بن كعب وحشد له فيه رهطه ونهضوا معه فأثنى عليهم في
ذلك امرؤ القيس بن حجر ومدحهم به في شعره فقال ( ألا
إنّ قوماً كنتُمُ أمسِ دونهم ... هم استنقذوا جاراتِكم آلَ غُدرانِ ) ( عُوَيْرٌ
ومَن مثلُ العوير ورهطه ... وأسعدَ في يوم الهَزاهِز صَفْوان ) وهي
قصيدة معروفة طويلة صوت ( وعينُ الرّضا عن كلِّ عيب كليلةٌ ... ولكن عينَ السخط
تُبدي المساويا ) ( وأنت
أخي مالم تكن لي حاجة ... فإن عرضَتْ أيقنتُ أن لا أخَا ليا ) الشعر
لعبد الله بن معاوية بن عبد الله الجعفري يقوله للحسين بن عبد الله بن عبيد الله
بن العباس هكذا ذكر مصعب الزبيري وذكر مؤرج فيما أخبرنا به اليزيدي عن عمه أبي
جعفر عن مؤرج وهو الصحيح أن عبد الله بن معاوية قال هذا الشعر في صديق له يقال له
قصي بن ذكوان وكان قد عتب عليه وأول الشعر ( رأيت
قُصَيّاً كان شيئاً مُلَفَّفاً ... فكشَّفَه التمحيصُ حتَّى بدا ليا ) ( فلا
زاد ما بيني وبينك بعدما ... بلوتُكَ في الحاجاتِ إلاّ تنائيا ) والغناء
لبنان بن عمرون رمل بالوسطى وفيه الثقيل الأول لعريب من رواية أبي العنبس وغيره خبر
عبد الله بن معاوية ونسبه هو عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف وأم عبد الله بن جعفر وسائر بني جعفر أسماء
بنت عميس بن معد بن تميم بن مالك بن قحافة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن
بشر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن أفتل وهوخماعة بن خثعم ابن أنمار وأمها هند
بنت عوف امرأة من جرش هذه الجرشية أكرم الناس أحماء أحماؤها رسول الله وعلي وجعفر
وحمزة والعباس وأبو بكر رضي الله تعالى عنهم وإنما صار رسول الله من أحمائها أنه
كان لها أربع بنات ميمونة زوجة رسول الله وأم الفضل زوجة العباس وأم بنته وسلمى
زوجة حمزة بن عبد المطلب بنات الحارث وأسماء بنت عميس أختهن لأمهن كانت عند جعفر
بن أبي طالب ثم خلف عليها أبو بكر رضي الله تعالى عنه ثم خلف عليها علي بن أبي طالب
عليه السلام وولدت من جميعهم وهن اللواتي قال رسول الله لهن إنهن مؤمنات حدثني
بذلك أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثني يحيى بن الحسن العلوي قال حدثنا هارون بن
محمد بن موسى الفروي قال حدثنا داود بن عبد الله قال حدثني عبد العزيز الدراوردي
عن إبراهيم بن عقبة عن كريب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله
الأخوات المؤمنات ميمونة وأم الفضل وسلمى وأسماء بنت عميس أختهن لأمهن حدثني أحمد
قال حدثني يحيى قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثني عبد الرزاق قال أخبرني يحيى بن
العلاء البجلي عن عمه شعيب بن خالد عن حنظلة بن سمرة بن المسيب عن أبيه عن جده عن
ابن عباس قال دخل النبي على فاطمة وعلي عليهما السلام ليلة بنى بها فأبصر خيالا من
وراء الستر فقال من هذا فقالت أسماء قال بنت عميس قالت نعم أنا التي أحرس بنتك يا
رسول الله فإن الفتاة ليلة بنائها لا بد لها من امرأة تكون قريبا منها إن عرضت لها
حاجة أفضت بذلك إليها فقال رسول الله فإني أسأل إلهي أن يحرسك من بين يديك ومن
خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان بعض من أخبار عبد الله بن جعفر وقد أدرك عبد
الله بن جعفر رحمه الله رسول الله وروى عنه فمما روى عنه ما حدثنيه حامد بن محمد
بن شعيب البلخي وأحمد بن محمد بن الجعد قالا حدثنا محمد بن بكار قال حدثني إبراهيم
بن سعد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال رأيت النبي يأكل البطيخ بالرطب حدثنا أحمد
بن محمد بن سعيد قال حدثنا يحيى بن الحسن قال حدثنا سلمة بن شبيب قال حدثنا عبد
الرزاق قال أخبرني ابن يحيى وعثمان بن أبي سليمان قالا مر النبي بعبد الله بن جعفر
وهو يصنع شيئا من طين من لعب الصبيان فقال ما تصنع بهذا قال أبيعه قال ما تصنع
بثمنه قال أشتري به رطبا فآكله فقال النبي اللهم بارك له في صفقة يمينه فكان يقال
ما اشترى شيئا إلا ربح فيه أخبرني الحرمي بن أبي العلاء والطوسي قالا حدثنا الزبير
بن بكار قال حدثني عمي مصعب عن جدي عبد الله بن مصعب أن الحزين قمر في العقيق في
غداة باردة ثيابه فمر به عبد الله بن جعفر وعليه مقطعات خز فاستعار الحزين من رجل
ثوبا ثم قام إليه فقال ( أقولُ
له حين واجهتُه ... عليك السلام أبا جعفر ) فقال
وعليك السلام فقال ( فأنت
المهذّب من غالب ... وفي البيت منها الذي تُذْكَرُ ) فقال
كذبت يا عدو الله ذاك رسول الله فقال ( فهذي
ثيابيَ قد أخلَقَتْ ... وقد غضَّني زمنٌ منكر ) قال
هاك ثيابي فأعطاه ثيابه قال الزبير قال عمي أما البيت الثاني فحدثني عمي عن الفضل
بن الربيع عن أبي وما بقي فأنا سمعته من أبي حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال
أخبرنا يحيى بن الحسن قال بلغني أن أعرابيا وقف على مروان بن عبد الحكم أيام
الموسم بالمدينة فسأله فقال يا أعرابي ما عندنا ما نصلك ولكن عليك بابن جعفر فأتى
الأعرابي باب عبد الله بن جعفر فإذا ثقله قد سار نحو مكة وراحلته بالباب عليها
متاعها وسيف معلق فخرج عبد الله من داره وأنشأ الأعرابي يقول ( أبو
جعفرٍ من أهلِ بيت نبوّة ... صلاتهُمُ للمسلمين طَهورُ ) ( أبا
جعفر إن الحجيجَ ترحَّلوا ... وليس لرحلي فاعلمنَّ بعير ) ( أبا
جعفر ضنّ الأميرُ بماله ... وأنت على ما في يديك أميرُ ) ( وأنت
امرٌؤ من هاشم في صميمها ... إليكَ بصيرُ المجدُ حيث تصير ) فقال
يا أعرابي سار الثقل فدونك الراحلة بما عليها وإياك أن تخدع عن السيف فإني أخذته
بألف دينار فأنشأ الأعرابي يقول ( حباني
عبدُ الله نفسي فِداؤهُ ... بأعيسَ مَوّارٍ سِباطٍ مَشَافِرُهْ ) ( وأبيضَ
من ماء الحديد كأنه ... شِهاب بدا والليلُ داجٍ عساكرُهْ ) ( وكل
امرىء يرجو نوال ابن جعفر ... سيجري له باليمن والبشِر طائرُهْ ) ( فيا
خيرَ خلق الله نفساً ووالداً ... وأكرَمَه للجار حينَ يجاوره ) ( سأثني
بما أوليتني يابن جعفر ... وما شاكرٌ عُرْفاً كمن هو كافِره ) وحدثني
أحمد بن يحيى عن رجل قال حدثني شيخ من بني تميم بخراسان قال جاء شاعر إلى عبد الله
بن جعفر فأنشده ( رأيت
أبا جعفر في المنام ... كساني من الخزِّ دُرَّاعَهْ ) ( شكوتُ
إلى صاحبي أمرها ... فقال ستؤتى بها الساعه ) ( سيكسُوكَها
الماجدُ الجعفريّ ... ومَن كفُّه الدهرَ نفَّاعه ) ( ومن
قال للجود لاَ تعْدُني ... فقال لك السمع والطاعه ) فقال
عبد الله لغلامه ادفع إليه دراعتي الخز ثم قال له كيف لو ترى جبتي المنسوجة بالذهب
التي اشتريتها بثلاثمائة دينار فقال له الشاعر بأبي دعني اغفي إغفاءة أخرى فلعلي
أرى هذه الجبة في المنام فضحك منه وقال يا غلام ادفع إليه جبتي الوشي حدثني أحمد
قال يحيى قال ابن دأب وسمع قول الشماخ بن ضرار الثعلبي في عبد الله بن جعفر بن أبي
طالب رحمه الله ( إنك
يابن جعفرٍ نعم الفتى ... ونعم مأوى طارقٍ إذا أتى ) ( وجار
ضيفٍ طرق الحيَّ سُرَى ... صادَفَ زاداً وحديثاً يُشْتَهَى ) ( إن
الحديث طرَفٌ من القِرى ... ) فقال
ابن دأب العجب للشماخ يقول مثل هذا القول لابن جعفر ويقول لعرابة الأوسي ( إذا
ما رايةٌ رُفعت لمجد ... تلقَّاها عَرابةُ باليمين ) عبد
الله بن جعفر كان أحق بهذا من عرابة قال يحيى بن الحسن وكان عبد الله بن الحسن
يقول كان أهل المدينة يدانون بعضهم من بعض إلى أن يأتي عطاء عبد الله بن جعفر أخبرني
أحمد قال حدثني يحيى قال حدثني أبو عبيد قال حدثني يزيد ابن هارون عن هشام عن ابن
سيرين قال جلب رجل إلى المدينة سكرا فكسد عليه فقيل له لو أتيت ابن جعفر قبله منك
وأعطاك الثمن فأتى ابن جعفر فأخبره فأمره بإحضاره وبسط له ثم أمر به فنثر فقال
للناس انتهبوا فلما رأى الناس ينتهبون قال جعلت فداءك آخذ معهم قال نعم فجعل الرجل
يهيل في غرائره ثم قال لعبد الله أعطني الثمن فقال وكم ثمن سكرك قال أربعة آلاف
درهم فأمر له بها أخبرنا أحمد قال حدثني يحيى بن علي وحدثني ابن عبد العزيز قال
حدثنا أبو محمد الباهلي حسن بن سعيد عن الأصمعي نحوه وزاد فيه قال فقال الرجل
مايدري هذا وما يعقل أخذ أم أعطى لأطلبنه بالثمن ثانية فغدا عليه فقال ثمن سكري فأطرق
عبد الله مليا ثم قال يا غلام أعطه أربعة آلاف درهم فأعطاه إياها فقال الرجل قد
قلت لكم إن هذا الرجل لا يعقل أخذ أم أعطى لأطلبنه بالثمن فغدا عليه فقال أصلحك
الله ثمن سكري فأطرق عبد الله مليا ثم رفع رأسه إلى رجل فقال ادفع إليه أربعة آلاف
درهم فلما ولى ليقبضها قال له ابن جعفر يا أعرابي هذه تمام اٌثني عشر ألف درهم
فانصرف الرجل وهو يعجب من فعله وأخبرني أبو الحسن الأسدي عن دماذ عن أبي عبيدة أن
أعرابيا باع راحلة من عبد الله بن جعفر ثم غدا عليه فاقتضى ثمنها فأمر له به ثم
عاوده ثلاثا وذكر في الخبر مثل الذي قبله وزاد فيه فقال فيه ( لا
خير في الْمُجْتَدَى في الحينِ تسأله ... فاستمطِروا من قريش خيرَ مُخْتدعِ ) ( تخال
فيه إذا حاروته بَلَهاً ... من جوده وهْو وافي العقل والورعِ ) وهذا
الشعر يروى لابن قيس الرقيات توفي في خلافة عبد الملك بن مروان أخبرني الحرمي بن
أبي العلاء والطوسي قالا حدثنا الزبير قال حدثني مصعب بن عثمان قال لما ولي عبد
الملك الخلافة جفا عبد الله بن جعفر فراح يوما إلى الجمعة وهو يقول اللهم إنك
عودتني عادة جريت عليها فإن كان ذلك قد انقضى فاقبضني إليك فتوفي في الجمعة الأخرى
قال يحيى توفي عبد الله وهو ابن سبعين سنة في سنة ثمانين وهو عام الجحاف لسيل كان
بمكة جحف الحاج فذهب بالإبل عليها الحمولة وكان الوالي على المدينة يومئذ أبان بن
عثمان في خلافة عبد الملك بن مروان وهو الذي صلى عليه حدثني أحمد بن محمد قال
أخبرنا يحيى قال حدثنا الحسين بن محمد قال أخبرني محمد بن مكرم قال أخبرني أحمد بن
إبراهيم بن إسماعيل بن داود قال أخبرني الأصمعي عن الجعفري قال لما مات عبد الله
بن جعفر شهده أهل المدينة كلهم وإنما كان عبد الله بن جعفر مأوى المساكين وملجأ
الضعفاء فما تنظر إلى ذي حجى إلا رأيته مستعبرا قد أظهر الهلع والجزع فلما فرغوا
من دفنه قام عمرو بن عثمان فوقف على شفير القبر فقال رحمك الله يا بن جعفر إن كنت
لرحمك لواصلا ولأهل الشر لمبغضا ولأهل الريبة لقاليا ولقد كنت فيما بيني وبينك كما
قال الأعشى ( رعيتَ
الذي كان بيني وبينكم ... من الوُدِّ حتى غيّبتْك المقابرُ ) فرحمك
الله يوم ولدت ويوم كنت رجلا ويوم مت ويوم تبعث حيا والله لئن كانت هاشم أصيبت بك
لقد عم قريشا كلها هلكك فما أظن أن يرى بعدك مثلك فقام عمرو بن سعيد بن العاص
الأشدق فقال لا إله إلا الله الذي يرث الأرض ومن عليها وإليه ترجعون ما كان أحلى
العيش بك يابن جعفر وما أسمج ما اصبح بعدك والله لو كانت عيني دامعة على أحد لدمعت
عليك كان والله حديثك غير مشوب بكذب وودك غر ممزوج بكدر فوثب ابن للمغيرة بن نوفل
ولم يثبث الأصمعي اسمه فقال يا عمرو بمن تعرض بمزج الود وشوب الحديث أفبأبني فاطمة
فهما والله خير منك ومنه فقال على رسلك يا لكع أردت أن أدخلك معهم هيهات لست هناك
والله لو مت أنت ومات أبوك ما مدحت ولا ذممت فتكلم بما شئت فلن تجد لك مجيبا فما
هو إلا أن سمعهما الناس يتكلمان حتى حجزوا بينهما وانصرفوا قال يحيى وقال عبد الله
بن قيس الرقيات في علة عبد الله بن جعفر التي مات فيها ( باتَ
قلبي تَشُفُّه الأوجاع ... من هموم تُجِنُّها الأضلاعُ ) ( من
حديث سمعتُه مَنَعَ النومَ ... فقلبي مما سمِعتُ يُراع ) ( إذ
أتانا بما كرِهنا أبو اللَّسْلاسِ ... كانت بنفسه الأوجاع ) ( قال
ما قال ثم راح سريعاً ... أدركتْ نفسَه المنايا السِّراعُ ) ( قال
يشكو الصُّداعَ وهو ثقيلٌ ... بك لا بالذي عَنَيتَ الصُّداع ) ( ابنَ
أسماءَ لا أبالَكَ تَنْعَى ... أنه غيرُ هالكٍ نفَّاعُ ) ( هاشميًّا
بكفِّه من سِجال المجد ... سَجْلٌ يهون فيه القُباع ) ( نشر
الناسُ كلَّ ذلك منه ... شيمة المجد ليس فيه خِداعُ ) ( لم
أجِد بعدك الأخِلاَّءَ إلاّ ... كثِمادٍ به قَذَىً أو نِقاع ) ( بيتُه
من بيوت عبدِ منافٍ ... مدّ أطنابَهُ المكانُ اليَفاع ) ( منتهى
الحمدِ والنبوة والمجدِ ... إذا قصّر اللئام الوِضاع ) ( فستأتيك
مِدحةٌ من كريم ... ناله من نَدَى سِجالِك باعُ ) من
هذا الشعر الذي قاله ابن قيس في عبد الله بن جعفر بيتان يغني فيهما وهما صوت ( قد
أتانا بما كرِهنا أبو اللَّسلاس ... كانت بنفسه الأوجاع ) ( قال
يشكو الصداع وهو ثقيل ... بك لا بالذي ذكرتَ الصُّداع ) غناه
عمرو بن بانة خفيف ثقيل الأول بالوسطى على مذهب إسحاق ويقال إن عمرو بن بانة صاغ هذا
اللحن في هذا الشعر وغنى به الواثق بعقب علة نالته وصداع تشكاه قال فاستحسنه وأمر
له بعشرة آلاف درهم وأم معاوية بن عبد الله بن جعفر أم ولد وكان من رجالات قريش
ولم يكن في ولد عبد الله مثله حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن
الحارث الخراز عن المدائني عن أبي عبد الرحمن القرشي أن معاوية بن عبد الله بن
جعفر ولد وأبوه عبد الله عند معاوية فأتاه البشير بذلك وعرف معاوية الخبر فقال سمه
معاوية ولك مائة ألف درهم ففعل فأعطاه المال وأعطاه عبد الله للذي بشره به قال المدائني
وكان عبد الله بن جعفر لا يؤدب ولده ويقول إن يرد الله جل وعز بهم خيرا يتأدبوا
فلم ينجب فيهم غير معاوية ابن هرمة ومعاوية بن عبد الله بن جعفر أخبرني محمد بن
خلف وكيع قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثنا حماد بن إسحاق عن
أبيه قال هارون وحدثني محمد بن عبد الله بن موسى بن خالد بن الزبير بن العوام قال حدثني
عمرو بن الحكم السعيدي وإبراهيم بن محمد ومحمد بن معن بن عنبسة قالوا كان معاوية
بن عبد الله بن جعفر قد عود ابن هرمة البر فجاءه يوما وقد ضاقت يده وأخذ خمسين
دينارا بدين فرفع إليه مع جاريته رقعة فيها مديح له يسأله فيه أيضا برا فقال للجارية
قولي له أيدينا ضيقة وما عندنا شيء إلا شيء أخذناه بكلفة فرجعت جاريته بذلك فأخذ
الرقعة فكتب فيها ( فإني
ومدحَك غيرَ المصِيب ... كالكلب ينبح ضوءَ القمرْ ) ( مدحتك
أرجو لديك الثوابَ ... فكنتُ كعاصِر جَنْبِ الحَجَرْ ) وبعث
بالرقعة مع الجارية فدفعتها إلى معاوية فقال لها ويحك قد علم بها أحد قالت لا
والله إنما دفعها من يده إلى يدي قال فخذي هذه الدنانير فادفعيها إليه فخرجت بها
إليه فقال كلا أليس زعم أنه لا يدفع إلي شيئا أخبرني الحرمي بن أبي العلاء والطوسي
قالا حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب قال سمى عبد الله بن جعفر ابنه معاوية
بمعاوية بن أبي سفيان قال وكان معاوية بن عبد الله بن جعفر صديقا ليزيد بن معاوية
خاصة فسمى ابنه بيزيد بن معاوية وصية عبد الله بن جعفر قال الزبير وحدثني محمد بن
إسحاق بن جعفر عن عمه محمد أن عبد الله بن جعفر لما حضرته الوفاة دعا ابنه معاوية
فنزع شنفا كان في أذنه وأوصى إليه وفي ولده من هو أسن منه وقال له إني لم أزل
أؤملك لها فلما توفي احتال بدين أبيه وخرج فطلب فيه حتى قضاه وقسم أموال أبيه بين
ولده ولم يستأثر عليهم بدينار ولا درهم ولا غيرهما وأم عبد الله بن معاوية أم عون
بنت عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ويقال بنت عياش بن ربيعة وقد روى عباس
عن النبي وكان معه يوم حنين وهو أحد من ثبت معه يومئذ وكان عبد الله من فتيان بني
هاشم وجودائهم وشعرائهم ولم يكن محمود المذهب في دينه وكان يرمى بالزندقة ويستولي
عليه من يعرف ويشهر أمره فيها وكان قد خرج بالكوفة في آخر أيام مروان بن محمد ثم
انتقل عنها إلى نواحي الجبل ثم إلى خراسان فأخذه أبو مسلم فقتله هناك ويكنى عبد
الله بن جعفر أبا معاوية وله يقول ابن هرمة ( أُحْبُ
مدحاً أبا معاويةَ الماجدَ ... لا تلقَه حَصُورا عَيِيّا ) ( بل
كريماً يرتاح للمجد بسّاماً ... إذا هزّه السّؤال حَييا ) ( إنّ
لي عنده وإن رَغِم الأعداءُ حظّا من نفسه وقَفِيّا ) قفيا
أثرة يقول إن لي عنده لأثرة على غيري وقال قوم آخرون القفي الكرامة ( إن
أمت تَبْقَ مدحتي وإخائي ... وثنائي من الحياة مَلِيَّا ) ( يأخذ
السبقَ بالتقدم في الجري ... إذا ما النَّدى انتحاه علِيا ) ( ذو
وفاءٍ عند العِدات وأوصاه ... أبوه ألاَّ يزالَ وفيّا ) ( فَرَعَى
عقدةَ الوَصاة فأكرم ... بهما مُوصِياً وهذا وصِيا ) ( يا
بن أسماءَ فاسقِ دَلوي فقد أوردتُها ... مَنْهلاً يثُجُّ رَوِيّا ) يعني
أمه أسماء وهي أم عون بنت العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وأول هذه
القصيدة ( عاتِبِ النفسَ والفؤادَ الغَوِيَّا
... في طِلاب الصِّبا فلستَ صبيّا ) قال
يحيى بن علي فيما أجازه لنا أخبرني أبو أيوب المديني وأخبرنا وكيع عن هارون بن
محمد بن عبد الملك عن حماد بن إسحاق عن أبيه قالا مدح ابن هرمة عبد الله بن جعفر
بن أبي طالب فأتاه فوجد الناس بعضهم على بعض على بابه قال ابن هرمة ورآني بعض خدمه
فعرفني فسألته عن الذي رأيتهم ببابه فقال عامتهم غرماء له فقلت ذاك شر واستؤذن لي
عليه فقلت لم أعلم بهؤلاء الغرماء ببابك قال لا عليك أنشدني قلت أعيذك بالله واستحييت
أن أنشد فأبى إلا أن أنشده قصيدتي التي أقول فيها ( حلَلْتَ
محلَّ القلب من آل هاشم ... فعُشُّك مأوَى بيضِها المتفَلّق ) ( ولم
تك بالمُعْزَى إليها نِصابهُ ... لِصاقا ولا ذا المركب الْمُتَعَلِّق ) ( فمن
مثلُ عبد الله أو مثلُ جعفر ... ومثل أبيك الأريحِيِّ المُرَهَّقِ ) فقال
من هاهنا من الغرماء فقيل فلان وفلان فدعا باثنين منهم فسارهما وخرجا وقال لي
اتبعهما قال فأعطياني مالا كثيرا قال يحيى ومن مختار مدحه فيه منها قوله ( فإلاّ
تُواتِ اليومَ سلمى فربما ... شرِبنا بحوض اللهو غيرِ المرنَّقِ ) ( فدعها
فقد أَعْذَرْت في ذكر وصلها ... وأجريت فيها شأْوَ غربٍ ومَشْرِق ) ( ولكن
لعبد الله فانطِق بِمدحة ... تُجيرُك من عُسْر الزمانِ المُطَبِّق ) ( أخ
قلت للاذْنَينَ لمّا مدحتُه ... هَلُمُّوا وساري الليل مِ الآن فاطْرُقِ ) ( شديدُ
التأنّي في الأمور مجرّب ... متى يَعْرُ أمرُ القوم يَفْرِ ويخلُق ) ( ترى
الخير يجري في أسرَّة وجهه ... كما لألأتْ في السيف جريةُ رَوْنق ) ( كريم
إذا ما شاء عدَّ له أبا ... له نسبٌ فوق السِّماك المحلِّقِ ) ( وأمَّاً
لها فضلٌ على كلّ حرة ... متى ما تسابِق بابنها القوْم تَسْبِقِ ) ومما
يغني فيه من قصيدة ابن هرمة اليائية التي مدح بها ابن معاوية قوله صوت ( عجِبتْ
جارتي لشيبٍ علاني ... عمرَكِ اللهَ هل رأيتِ بَدِيّا ) ( إنما
يُعْذر الوليد ولا يُعذر ... من عاش في الزمان عتيّا ) غنى
فيهما فليح رملا بالبنصر من رواية عمرو بن بانة ومن رواية حبش فيهما لابن محرز خفيف
ثقيل بالبنصر خروج عبد الله بن معاوية على بني أمية حدثنا بالسبب في خروجه أحمد بن
عبيد الله بن عمار قال حدثنا علي بن محمد النوفلي عن أبيه وعمه عيسى قال ابن عمار
وأخبرنا أيضا ببعض خبره أحمد بن أبي خيثمة عن مصعب الزبيري قال ابن عمار وأخبرني
أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن أبي اليقظان وشهاب بن عبد الله وغيرهما قال
ابن عمار وحدثني به سليمان بن أبي شيخ عمن ذكره قال أبو الفرج الأصبهاني ونسخت أنا
أيضا بعض خبره من كتاب محمد بن علي بن حمزة عن المدائني وغيره فجمعت معاني ما
ذكروه في ذلك كراهة الإطالة أن عبد الله بن معاوية قدم الكوفة زائرا لعبد الله بن
عمر بن عبد العزيز ومستميحا له فتزوج بالكوفة بنت الشرقي بن عبد المؤمن بن شبث بن
ربعي الرياحي فلما وقعت العصبية أخرجه أهل الكوفة على بني أمية وقالوا له أخرج
فأنت أحق بهذا الأمر من غيرك واجتمعت له جماعة فلم يشعر به عبد الله بن عمر إلا
وقد خرج عليه قال ابن عمار في خبره إنه إنما خرج في أيام يزيد بن الوليد ظهر
بالكوفة ودعا إلى الرضا من آل محمد ولبس الصوف وأظهر سيما الخير فاجتمع إليه
وبايعه بعض أهل الكوفة ولم يبايعه كلهم وقالوا ما فينا بقية قد قتل جمهورنا مع أهل
هذا البيت وأشاروا عليه بقصد فارس وبلاد المشرق فقبل ذلك وجمع جموعا من النواحي
وخرج معه عبدُ الله بن العباس التميمي قال محمد بن علي بن حمزة عن سليمان بن أبي
شيخ عن محمدد بن الحكم عن عوانة إن ابن معاوية قبل قصده المشرق ظهر بالكوفة ودعا
إلى نفسه وعلى الكوفة يومئذ عامل ليزيد الناقص يقال له عبد الله بن عمر فخرج إلى
ظهر الكوفة مما يلي الحرة فقاتل ابن معاوية قتالا شديدا قال محمد بن علي بن حمزة
عن المدائني عن عامر بن حفص وأخبرني به ابن عمار عن أحمد بن الحارث عن المدائني أن
ابن عمر هذا دس إلى رجل من أصحاب ابن معاوية من وعده عنه مواعيد على أن ينهزم عنه
وينهزم الناس بهزيمته فبلغ ذلك ابن معاوية فذكره لأصحابه وقال إذا انهزم ابن حمزة
فلا يهولنكم فلما التقوا انهزم ابن حمزة وانهزم الناس معه فلم يبق غير ابن معاوية
فجعل يقاتل وحده ويقول ( تفرّقتِ
الظباءُ على خِداشٍ ... فما يدري خداش ما يصيد ) ثم
ولى وجهه منهزما فنجا وجعل يجمع من الأطراف والنواحي من أجابه حتى صار في عدة فغلب
على ماه الكوفة وماه البصرة وهمذان وقم والري وقومس وأصبهان وفارس وأقام هو
بأصبهان قال وكان الذي أخذ له البيعة بفارس محارب بن موسى مولى بني يشكر فدخل دار
الإمارة بنعل ورداء واجتمع الناس إليه فأخذهم بالبيعة فقالوا علام نبايع فقال على
ما أحببتم وكرهتم فبايعوا على ذلك وكتب عبد الله بن معاوية فيما ذكر محمد بن علي
بن حمزة عن عبد الله بن محمد بن إسماعيل الجعفري عن أبيه عن عبد العزيز بن عمران
عن محمد بن جعفر بن الوليد مولى أبي هريرة ومحرز بن جعفر أن عبد الله بن معاوية
كتب إلى الأمصار يدعو إلى نفسه لا إلى الرضا من آل محمد قال واستعمل أخاه الحسن
على إصطخر وأخاه يزيد على شيراز وأخاه عليا على كرمان وأخاه صالحا على قم ونواحيها
وقصدته بنو هاشم جميعا منهم السفاح والمنصور وعيسى بن علي وقال ابن أبي خيثمة عن
مصعب وقصده وجوه قريش من بني أمية وغيرهم فممن قصده من بني أمية سليمان بن هشام بن
عبد الملك وعمر بن سهيل بن عبد العزيز بن مروان فمن أراد منهم عملا قلده ومن أراد
منهم صلة وصله فلم يزل مقيما في هذه النواحي التي غلب عليها حتى ولي مروان بن محمد
الذي يقال له مروان الحمار فوجه إليه عامر بن ضبارة في عسكر كثيف فسار إليه حتى إذا
قرب من أصبهان ندب له ابن معاوية أصحابه وحضهم على الخروج إليه فلم يفعلوا ولا
أجابوه فخرج على دهش هو وإخوته قاصدين لخراسان وقد ظهر أبو مسلم بها ونفى عنها نصر
بن سيار فلما صار في بعض الطريق نزل على رجل من التناء ذي مروءة ونعمة وجاه فسأله
معونته فقال له من أنت من ولد رسول الله أأنت إبراهيم الإمام الذي يدعى له بخراسان
قال لا قال فلا حاجة لي في نصرتك فخرج إلى أبي مسلم وطمع في نصرته فأخذه أبو مسلم
وحبسه عنده وجعل عليه عينا يرفع إليه أخباره فرفع إليه أنه يقول ليس في الأرض أحمق
منكم يا أهل خراسان في طاعتكم هذا الرجل وتسليمكم إليه مقاليد أموركم من غير أن
تراجعوه في شيء أو تسألوه عنه والله ما رضيت الملائكة الكرام من الله تعالى بهذا
حتى راجعته في أمر آدم عليه السلام فقالت ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء
) حتى قال لهم ( إني أعلم ما لا تعلمون ) كتابه
إلى أبي مسلم وهو في حبسه ثم كتب إليه عبد الله بن معاوية رسالته المشهورة التي
يقول فيها إلى أبي مسلم من الأسير في يديه بلا ذنب إليه ولا خلاف عليه أما بعد
فإنك مستودع ودائع ومولي صنائع وإن الودائع مرعية وإن الصنائع عارية فاذكر القصاص
واطلب الخلاص ونبه للفكر قلبك واتق الله ربك وآثر ما يلقاك غدا على ما لا يلقاك
أبدا فإنك لاق ما أسلفت وغير لاق ما خلفت وفقك الله لما ينجيك وآتاك شكر ما يبليك قال
فلما قرأ كتابه رمى به ثم قال قد أفسد علينا أصحابنا وأهل طاعتنا وهو محبوس في
أيدينا فلو خرج وملك أمرنا لأهلكنا ثم أمضى تدبيره في قتله وقال آخرون بل دس إليه
سما فمات منه ووجه برأسه إلى ابن ضبارة فحمله إلى مروان فأخبرني عمر بن عبد الله
العتكي قال حدثنا عن عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى أن عبد العزيز بن عمران
حدثه عن عبد الله بن الربيع عن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة أنه حضر مروان يوم
الزاب وهو يقاتل عبد الله بن علي فسأل عنه فقيل له هو الشاب المصفر الذي كان يسب
عبد الله بن معاوية يوم جيء برأسه إليك فقال والله لقد هممت بقتله مرارا كل ذلك يحال
بيني وبينه ( وكان أمر الله قدرا مقدورا ) علاقته
بالزنادقة حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني النوفلي عن أبيه عن عمه قال
كان عمارة بن حمزة يرمى بالزندقة فاستكتبه ابن معاوية وكان له نديم يعرف بمطيع بن
إياس وكان زنديقا مأبونا وكان له نديم آخر يعرف بالبقلي وإنما سمي بذلك لأنه كان
يقول الإنسان كالبقلة فإذا مات لم يرجع فقتله المنصور لما أفضت الخلافة إليه فكان
هؤلاء الثلاثة خاصته وكان له صاحب شرطة يقال له قيس وكان دهريا لا يؤمن بالله
معروفا بذلك فكان يعس بالليل فلا يلقاه أحد إلا قتله فدخل يوما على ابن معاوية
فلما رآه قال ( إنّ
قيساً وإن تقنَّع شيباً ... لخَبيثُ الهوى على شمطِه ) ( ابنُ
تسعين منظراً ومشيباً ... وابن عشرٍ يعَدّ في سَقَطِه ) وأقبل
على مطيع فقال أجز أنت فقال ( وله
شُرْطةٌ إذا جنَّه الليل فعوذوا بالله من شُرَطه ) قال
ابن عمار أخبرني أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن أبي اليقظان وشباب بن عبد
الله وغيرهما قال ابن عمار وحدثني به سليمان بن أبي شيخ عمن ذكره أن ابن معاوية
كان يغضب على الرجل فيأمر بضربه بالسياط وهو يتحدث ويتغافل عنه حتى يموت تحت
السياط وأنه فعل ذلك برجل فجعل يستغيث فلا يلتفت إليه فناداه يا زنديق أنت الذي
تزعم أنه يوحى إليك فلم يلتفت إليه وضربه حتى مات حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار
قال حدثني النوفلي عن أبيه عن عمه عيسى قال كان ابن معاوية أقسى خلق الله قلبا
فغضب على غلام له وأنا جالس عنده في غرفة بأصبهان فأمر بأن يرمى به منها إلى أسفل
ففعل ذلك به فتعلق بدرابزين كان على الغرفة فأمر بقطع يده التي أمسكه بها فقطعت
ومر الغلام يهوي حتى بلغ إلى الأرض فمات وكان مع هذه الأحوال من ظرفاء بني هاشم
وشعرائهم وهو الذي يقول ( ألا
تَزَعُ القلبَ عن جهله ... وعما تُؤَنَّبُ من أجلِه ) ( فأُبدِل
بعد الصبا حِلْمَه ... وأقْصَرَ ذو العَذْل عن عذلِه ) ( فلا
تركبنّ الصنيعَ الذي ... تلوم أخاك على مثلِه ) ( ولا
يعجِبنَّك قولُ امرىء ... يخالِف ما قال في فعلِه ) ( ولا
تُتبِع الطَّرْفَ ما لا تنال ... ولكن سل اللهَ من فضلِه ) ( فكم
مِن مُقِلٍّ ينال الغنى ... ويحمَد في رزقه كلِّه ) أنشدنا
هذا الشعر له ابن عمار عن أحمد بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين وذكر محمد بن علي
العلوي عن أحمد بن ابي خيثمة أن يحيى بن معين أنشده أيضا لعبد الله بن معاوية ( إذا
افتقرت نفسي قَصَرْتُ افتقارَها ... عليها فلم يظهر لها أبدا فَقْرى ) ( وإن
تلقني في الدهر مندوحةُ الغنى ... يكن لأخلاّئي التوسُّعُ في اليسر ) ( فلا
العسرُ يُزْري بي إذا هو نالني ... ولا اليسر يوماً إن ظفرتُ به فخري ) وهذا
الشعر الذي غني به أعني قوله ( وعين
الرضا عن كل عيب كليلة ... ) يقوله
ابن معاوية للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وكان الحسين
أيضا سيء المذهب مطعونا في دينه أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني علي
بن محمد بن سليمان النوفلي قال حدثني إبراهيم بن يزيد الخشاب قال كان ابن معاوية
صديقا للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وكان حسين هذا
وعبد الله بن معاوية يرميان بالزندقة فقال الناس إنما تصافيا على ذلك ثم دخل بينهما
شيء من الأشياء فتهاجرا من أجله فقال عبد الله بن معاوية ( وإنّ
حسينا كان شيئا ملفَّفا ... فمحصه التكشيفُ حتى بدا لِيا ) ( وعين
الرضا عن كلّ عيب كليلةٌ ... ولكن عين السخط تبدي المساويا ) ( وأنت
أخي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا ) وله
في الحسين أشعار كلها معاتبات فمنها ما أخبرني به أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة
قال أنشدني يحيى بن الحسن لعبد الله بن معاوية يقوله في الحسين بن عبد الله بن
عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب ( قل
لذي الودّ والصفاء حسين ... اُقدُرِ الوُدَّ بيننا قَدَرَهْ ) ( ليس
للدابغ المُقَرِّظ بُدٌّ ... من عتاب الأديم ذي البَشَرَه ) قال
وقال له أيضا ( إنّ
ابن عمك وابنَ أُمكَ ... مُعْلِمٌ شاكي السلاحِ ) ( يَقص
العدوَّ وليس يرضى ... حين يَبْطُشُ بالجناح ) ( لا
تحسبن أذى ابن عمِّ ... كَ شربَ ألبان اللِّقاحِ ) ( بل
كالشجا تحت اللَّهاةِ ... إذا يُسَوَّغ بالقَرَاحِ ) ( فانظر
لنفسك من يجيبك ... تحت أطراف الرماحِ ) ( من
لا يزال يسوءهُ ... بالغيب أن يلحاك لاحِي ) عبد
الله بن معاوية وجده عبد الحميد أخبرني الحرمي والطوسي قالا حدثنا يحيى بن الحسن
قال حدثنا الزبير وحدثني أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن
يحيى أن عبد الله بن معاوية مر بجده عبد الحميد في مزرعته بصرام وقد عطش فاستسقاه
فخاض له سويق لوز فسقاه إياه فقال عبد الله بن معاوية ( شرِبتُ
طَبَرْزَذاً بغريضِ مُزنٍ ... كذوب الثلج خالطه الرُّضابُ ) قال
يحيى قال الزبير الرضاب ماء المسك ورضاب كل شيء ماؤه فقال عبد الحميد بن عبيد الله
يجيب عبد الله بن معاوية على قوله ( ما
إن ماؤُنا بغرِيض مُزْن ... ولكنّ المِلاح بكم عِذابُ ) ( وما
إن بالطْبرزِذ طاب لكن ... بمَسِّك لا به طاب الشراب ) ( وأنت
إذا وطِئت تراب أرضٍ ... يطيب إذا مشيتَ بها الترابُ ) ( لأن
نداك يُطفِي الْمَحْل عنها ... وتُحييها أيادِيك الرِّطاب ) قال
هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن جده إبراهيم
الموصلي قال بينا نحن عند الرشيد أنا وابن جامع وعمرو الغزال إذ قال صاحب الستارة لأبن
جامع تغن في شعر عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر قال ولم يكن ابن جامع
يغني في شيء منه وفطنت لما أراد من شعره وكنت قد تقدمت فيه فأرتج على ابن جامع
فلما رأيت ما حل به اندفعت فغنيت صوت ( يهِيم بجُمْلٍ وما إن يرى ... له من سبيل
إلى جُملِهِ ) ( كأن
لم يكن عاشِق قبله ... وقد عشِق الناس من قبلِه ) ( فمنهم
مَن الحب أودَى به ... ومنهم مَنَ اشْفَى على قتلِه ) فإذا
يد قد رفعت الستارة فنظر إلي وقال أحسنت والله أعد فأعدته فقال أحسنت حتى فعل ذلك
ثلاث مرات ثم قال لصاحب الستارة كلاما لم أفهمه فدعا صاحب الستارة غلاما فكلمه فمر
الغلام يسعى فإذا بدرة دنانير قد جاءت يحملها فراش فوضعت تحت فخذي اليسرى وقيل لي
اجعلها تكأتك قال فلما انصرفنا قال لي ابن جامع هل كنت وضعت لهذا الشعر غناء قبل
هذا الوقت فقلت ما شعر قيل في الجاهلية ولا الإسلام يدخل فيه الغناء إلا وقد وضعت
له لحنا خوفا من أن ينزل بي ما نزل بك فلما كان المجلس الثاني وحضرنا قال صاحب
الستارة يابن جامع تغن في شعر عبد الله بن معاوية فوقع في مثل الذي وقع فيه بالأمس
قال إبراهيم فلما رأيت ما حل به اندفعت فغنيت صوت ( يا
قوم كيف سِواغُ عيشٍ ليس تؤمَن فاجِعاتُهْ ) ( ليست
تزالُ مطلَّةً ... تغدو عليك منغِّصاته ) ( الموت
هولٌ داخلٌ ... يوماً على كرْهٍ أناتُه ) ( لا
بد للحذِر النَّفورِ ... من ان تَقَنَّصَهُ رُماتُهْ ) ( قد
أمنح الود الخليلَ ... بغير ما شيء رزاته ) ( وله
أقيمُ قناةَ ودّي ... ما استقامت لي قناته ) قال
فأومأ إلي صاحب الستارة أن أمسك ووضع يده على عينه كأنه يوميء إلي أنه يبكي قال
فأمسكت ثم انصرفنا فقال لي ابن جامع ما صب أمير المؤمنين على ابن جعفر قلت صبه
الله عليه لبدرة الدنانير التي أخذتها قال ثم حضر بعد ذلك فلما اطمأن بنا مجلسنا
قال ابن جامع بكلام خفي اللهم أنسه ذكر ابن جعفر قال فقلت اللهم لا تستجب فقال
صاحب الستارة يابن جامع تغن في شعر عبد الله بن معاوية قال فقال ابن جامع لو كان
عندهم في عبد الله بن معاوية خير لطار مع أبيه ولم يقبل على الشعر قال إبراهيم
فسمعنا ضحكة من وراء الستارة قال إبراهيم فاندفعت أغني في شعره ( سلا
ربَّةَ الخِدر ما شأنُها ... ومن أيِّما شأنِنَا تعجب ) ( فلستُ
بأوّل من فاته ... على إرْبِه بعضُ ما يَطْلُبُ ) ( وكائن
تعرَّضَ من خاطب ... فَزُوِّج غيرَ التي يخطب ) ( وأُنكِحَها
بعده غيرُه ... وكانت له قبله تُحجَب ) ( وكنا
حديثاً صَفِيَّيْن لا ... نخاف الوشاةَ وما سبَّبوا ) ( فإن
شطَّتِ الدار عنّا بها ... فبانت وفي الناس مُسْتَعتَبُ ) ( وأصبح
صدعُ الذي بيننا ... كصدع الزجاجةِ ما يُشْعَب ) ( وكالدَّرِّ
ليست له رجعة ... إلى الضَّرْع من بعدما يُحْلَب ) غنى
في البيتين الأولين إبراهيم الموصلي خفيف ثقيل الأول بالوسطى من رواية أحمد بن
يحيى المكي ووجدتهما في بعض الكتب خفيف رمل غير منسوب قال فقال لي صاحب الستارة
أعد فأعدته فأحسب أمير المؤمنين نظر إلى ابن جامع كاسف البال فأمر له بمثل الذي
أمر لي بالأمس وجاؤوني ببدرة دنانير فوضعت تحت فخذي اليسرى أيضا وكان ابن جامع فيه
حسد ما يستتر منه فلما انصرفنا قال اللهم أرحنا من ابن جعفر هذا فما أشد بغضي له
لقد بغض إلى جده فقلت ويحك تدري ما تقول قال فمن يدري ما يقول إذا لوددت أني لم أر
إقباله عليك وعلى غنائك في شعر هذا البغيض ابن البغيضة وأني تصدقت بها يعني البدرة
وهذا الصوت الأخير يقول شعره عبد الله بن معاوية في زوجته أم زيد بنت زيد بن علي
بن الحسين عليهما السلام أخبرني الطوسي والحرمي قالا حدثنا الزبير بن بكار عن عمه
قال خطب عبد الله بن معاوية ربيحة بنت محمد بن عبد الله بن علي بن عبد الله بن
جعفر وخطبها بكار بن عبد الملك بن مروان فتزوجت بكارا فشمتت بعبد الله امرأته أم
زيد بنت زيد بن علي بن الحسين فقال في ذلك ( سلا
ربَّةَ الخِدْر ما شأنُها ... ومِن أَيِّما شأنِنا تعجب ) فقال
ابن أبي خيثمة في خبره عن مصعب قالت له والله ما شمت ولكني نفست عليك فقال لها لا
جرم والله لا سؤتك أبدا ما حييت صوت ( طاف الخيال من امّ شيْبَةَ فاعترى ...
والقومُ من سنةٍ نَشاوَى بالكرى ) ( طافت
بخوصٍ كالقِسِيّ وفتيةٍ ... هجعوا قليلا بعد ما ملُّوا السُّرى ) الشعر
لأبي وجزة السعدي والغناء لإسحاق ثقيل أول بالبنصر أخبار أبي وجزة ونسبه اسمه يزيد
بن عبيد فيما ذكره أصحاب الحديث وذكر بعض النسابين أن اسمه يزيد بن أبي عبيد وأنه
كان له أخ يقال له عبيد وانتسب إلى بني سعد بن بكر بن هوازن لولائه فيهم وأصله من
سليم من بني ضبيس بن هلال بن قدم بن ظفر بن الحارث بن بهثة بن سليم ولكنه لحق أباه
وهو صبي سباء في الجاهلية فبيع بسوق ذي المجاز فابتاعه رجل من بني سعد واستعبده
فلما كبر استعدى عمر رضي الله عنه وأعلمه قصته فقال له إنه لا سباء على عربي وهذا
الرجل قد امتن عليك فإن شئت فأقم عنده وإن شئت فالحق بقومك فأقام في بني سعد
وانتسب إليهم هو وولده وبنو سعد أظآر رسول الله كان مسترضعا فيهم عند امرأة يقال
لها حليمة فلم يزل فيهم عليه السلام حتى يفع ثم أخذه جده عبد المطلب منهم فرده إلى
مكة وجاءته حليمة بعد الهجرة فأكرمها وبرها وبسط لها رداءه فجلست عليه وبنو سعد
تفتخر بذلك على سائر هوازن وحقيق بكل مكرمة وفخر من اتصل منه رسول الله بأدنى سبب
أو وسيلة أخبرني بخبره الذي حكيت جملا منه في نسبه وولائه أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعي
قال حدثنا عيسى بن إسماعيل العتكي قال حدثنا محمد بن سلام الجمحي عن يونس وأخبرني
أبو خليفة فيما كتب به إلي عن محمد بن سلام عن يونس وأخبرني به عمي عن الكراني عن
الرياشي عن محمد بن سلام عن يونس وأخبرني علي بن سليمان الأخفش عن أبي سعيد السكري
عن يعقوب بن السكيت قالوا جميعا سوى يعقوب كان عبيد أبو أبي وجزة السعدي عبد بيع
بسوق ذي المجاز في الجاهلية فابتاعه وهيب بن خالد بن عامر بن عمير بن ملان بن
ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن فأقام عنده زمانا يرعى إبله ثم إن
عبيدا ضرب ضرع ناقة لمولاه فأدماه فلطم وجهه فخرج عبيد إلى عمر بن الخطاب رضي الله
عنه مستعديا فلم قدم عليه قال يا أمير المؤمنين أنا رجل من بني سليم ثم من بني ظفر
أصابني سباء في الجاهلية كما يصيب العرب بعضها من بعض وأنا معروف النسب وقد كان رجل
من بني سعد ابتاعني فأساء إلي وضرب وجهي وقد بلغني أنه لا سباء في الإسلام ولا رق
على عربي في الإسلام فما فرغ من كلامه حتى أتى مولاه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى
عنه على أثره فقال يا أمير المؤمنين هذا غلام ابتعته بذي المجاز وقد كان يقوم في
مالي فأساء فضربته ضربة والله ما أعلمني ضربته غيرها قط وإن الرجل ليضرب ابنه أشد
منها فكيف بعبده وأنا أشهدك أنه حر لوجه الله تعالى فقال عمر لعبيد قد امتن عليك
هذا الرجل وقطع عنك مؤنة البينة فإن أحببت فأقم معه فله عليك منة وإن أحببت فالحق
بقومك فأقام مع السعدي وانتسب إلى بني سعد بن بكر بن هوازن وتزوج زينب بنت عرفطة
المزنية فولدت له أبا وجزة وأخاه وقال يعقوب وأخاه عبيدا وذكر أن أباهما كان يقال
له أبو عبيد ووافق من ذكرت روايته في سائر الخبر فلما بلغ ابناه طلباه بأن يلحق
بأصله وينتمي إلى قومه من بني سليم فقال لا أفعل ولا ألحق بهم فيعيروني كل يوم
ويدفعوني وأترك قوما يكرموني ويشرفوني فوالله لئن ذهبت إلى بني ظفر لا أرعى طمة
ولا أرد جمة إلا قالوا لي يا عبد بني سعد قال وطمة جبل لهم فقال أبو وجزة في ذلك ( أنْمَى
فأعْقِلُ في ضَبيسٍ مَعِقلاً ... ضخماً مناكِبُه تميمَ الهادي ) ( والعَقدُ
في مَلاَّن غير مُزَلجٍ ... بقُوىً متيناتِ الحبالِ شِدَادِ ) كان
ابو وجزة من التابعين وكان أبو وجزة من التابعين وقد روى عن جماعة من أصحاب رسول
الله ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يسند إليه حديثا ولكنه حدث عن ابيه عنه
بحديث الاستسقاء ونقل عنه جماعة من الرواة أخبرني محمد بن خلف وكيع وعمي قالا
حدثنا عبد الله بن شبيب قال حدثني إبراهيم بن حمزة قال حدثني موسى بن شيبة قال
سمعت أبا وجزة السعدي يقول قال رسول الله ليس شعر حسان بن ثابت ولا كعب بن مالك
ولا عبد الله بن رواحة شعرا ولكنه حكمة فأما خبر الاستسقاء الذي رواه عن أبيه عن
عمر فإن الحسن بن علي أخبرنا به قال حدثنا محمد بن القاسم قال حدثني عبد الله بن
عمرو عن علي بن الصباح عن هشام بن محمد عن أبيه عن أبي وجزة السعدي عن أبيه قال
شهدت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وقد خرج بالناس ليستسقي عام الرمادة فقام
وقام الناس خلفه فجعل يستغفر الله رافعا صوته لا يزيد على ذلك فقلت في نفسي ما له
لا يأخذ فيما جاء له ولم أعلم أن الاستغفار هو الاستسقاء فما برحنا حتى نشأت سحابة
وأظلتنا فسقي الناس وقلدتنا السماء قلدا كل خمس عشرة ليلة حتى رأيت الأرينة تأكلها
صغار الإبل من وراء حقاق العرفط وأخبرني أبو الحسن الأسدي وهاشم بن محمد الخزاعي
جميعا عن الرياشي عن الأصمعي عن عبد الله بن عمر العمري عن أبي وجزة السعدي عن
أبيه وذكر الحديث مثله وأخبرني به إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم بن قتيبة
واللفظ متقارب وزاد الرياشي في خبره فقلت لأبي وجزة ما حقاق العرفط قال نبات سنتين
وثلاث وزاد ابن قتيبة في خبره عليهم قال ومات أبو وجزة سنة ثلاثين ومائة وهو أحد
من شبب بعجوز حيث يقول ( يأيّها
الرجلُ الموكَّلُ بالصبا ... فيم ابنُ سبعينَ المعمَّرُ من دَدِ ) ( حتّام
أنت موكَّلٌ بقديمةٍ ... أمست تَجَدَّدُ كاليماني الجيّد ) ( زان
الجلالُ كمالها ورسا بها ... عقلٌ وفاضِلة وشيمةُ سيّد ) ( ضنّت
بنائلها عليك وأنتما ... غِرّان في طلب الشباب الأغيدِ ) ( فالآن
ترجو أن تُثيبك نائلا ... هيهات نائلُها مكانَ الفَرقَدِ ) وأخبرنا
الحرمي بن أبي العلاء والطوسي جميعا قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن
الحسن المخزومي عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه عن أبي وجزة السعدي عن أبيه قال
استسقى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فلما وقف على المنبر أخذ في الاستغفار
فقلت ما أراه يعمل في حاجته ثم قال في آخر كلامه اللهم إني قد عجزت وما عندك أوسع
لهم ثم أخذ بيد العباس رضي الله تعالى عنه ثم قال وهذا عم نبيك ونحن نتوسل إليك به
فلما أراد عمر رضي الله تعالى عنه أن ينزل قلب رداءه ثم نزل فتراءى الناس طرة في
مغرب الشمس فقالوا ما هذا وما رأينا قبل ذلك قزعة سحاب أربع سنين قال ثم سمعنا
الرعد ثم انتشر ثم اضطرب فكان المطر يقلدنا قلدا في كل خمس عشرة ليلة حتى رأيت الأرينة
خارجة من حقاق العرفط تأكلها صغار الإبل أبو وجزة يمدح بني الزبير أخبرني الحرمي
بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي عن جدي قال خرج أبو وجزة
السعدي وأبو زيد الأسلمي يريدان المدينة وقد امتدح أبو وجزة آل الزبير وامتدح أبو
زيد إبراهيم بن هشام المخزومي فقال له أبو وجزة هل لك في أن أشاركك فيما أصيب من
آل الزبير وتشاركني فيما تصيب من إبراهيم فقال كلا والله لرجائي في الأمير أعظم من
رجائك في آل الزبير فقدما المدينة فأتى أبو زيد دار إبراهيم فدخلها وأنشد الشعر
وصاح وجلب فقال إبراهيم لبعض أصحابه اخرج إلى هذا الأعرابي الجلف فاضربه وأخرجه
فأخرج وضرب وأتى أبو وجزة أصحابه فمدحهم وأنشدهم فكتبوا له إلى مال لهم بالفرع أن يعطى
منه ستين وسقا من التمر فقال أبو وجزة يمدحهم ( راحت
قَلُوصي رواحا وهي حامدة ... آلَ الزبير ولم تَعدِل بهم أحدا ) ( راحت
بستين وَسْقا في حقيبتها ... ما حُمِّلت حِملَها الأدنى ولا السَّدَدا ) ( ذاك
القِرى لا كأقوامٍ عهِدتهُم ... يَقْرون ضيفَهم الملويّةَ الجُدُدا ) يعني
السياط قال أبو الفرج الأصفهاني قول أبي وجزة ( راحت
بستّين وسقاً في حقيبتها ... ) أنها
حملت ستين وسقا ولا تحمل ناقة ذلك ولا تطيقه ولا نصفه وإنما عنى أنه انصرف عنهم
وقد كتبوا له بستين وسقا فركب ناقته والكتاب معه بذلك قد حملته في حقيبتها فكأنها
حاملة بالكتاب ستين وسقا لأ أنها أطاقت حمل ذلك وهذا بيت معنى يسأل عنه وقال يعقوب
بن السكيت فيما حكيناه من روايته التي ذكرها الأخفش لنا عن السكري في شعر ابي وجزة
وأخباره كان أبو وجزة قد جاور مزينة وانتجع بلادهم لصهره فيهم فنزل على عمرو بن
زياد بن سهيل بن مكدم بن عقيل بن وهب بن عمرو بن مرة بن مازن بن عوف بن ثور بن
هذمة بن لاطم بن عثمان فأحسن عمرو جواره وأكرم مثواه فقال أبو وجزة يمدحه ( لمن
دِمنةٌ بالنَّعْفِ عافٍ صَعيدُها ... تَغَيَّر باقيها ومَحَّ جديدُها ) ( لِسَعدة
من عام الهزيمة إذ بنا ... تصافٍ وإذ لمّا يَرُعنا صُدودُها ) ( وإذ
هي أمَّا نفسُها فأَريبه ... لِلَهوٍ وأما عن صِباً فتَذُودُها ) ( تَصَيَّدُ
ألبابَ الرجالِ بدَلِّها ... وشميتُها وَحْشيةٌ لا نَصِيدها ) ( كباسِقة
الوَسْمِيِّ ساعةَ أَسبلتْ ... تلألأ فيها البرقُ وابيضّ جِيدُها ) الباسقة
التي فضلت غيرها من الغمام وطالت عليه قال الله تبارك وتعالى ( والنخل
باسقات ) ( كبِكرٍ تُراني فَرقَدين بقَفْرة
... من الرمل أو فَيْحانَ لم يَعْسُ عُودُها ) ( لعمرو
الندى عمرو بن آل مكدّم ... كثيرُ عِليّاتِ الأمور جليدها ) ( فتًى
بين مَسْروجٍ وآلِ مُكدَّمٍ ... وعمروٌ فتى عثمانَ طُرًّا وسِيدُها ) ( حليم
إذا ما الجهلُ أفرط ذا النهى ... على أمره حامي الحَصاة شديدُها ) ( وما
زال ينحو فعلَ مَنْ كان قبله ... مِنَ ابنائه يجني العلا ويُفيدها ) ( فكم
من خليلٍ قد وصلتَ وطارقٍ ... وقَرّبْتَ مِنْ أدماءَ وارٍ قصِيدُها ) ( وذي
كربةٍ فرّجت كُربةَ همّه ... وقد ظل مُسْتَدًّا عليه وصِيدُها ) أبو
وجزة يتزوج زينب بنت عرفطة أخبرني عمي قال حدثني العنزي قال حدثنا محمد بن معاوية
عن يعقوب بن سلام بن عبد الله بن أبي مسروج قال تزوج أبو وجزة السعدي زينب بنت
عرفطة بن سهل بن مكدم المزنية فولدت له عبيدا وكانت قد عنست وكان أبو وجزة يبغضها
وإنما أقام عليها لشرفها فقال لها ذات يوم ( أعطَى
عُبَيْداً وعبيدٌ مَقْنَعُ ... من عِرمِسٍ مَحْزِمُها جَلَنْفَعُ ) ( ذاتِ
عساسٍ ما تكاد تَشْبَع ... تجتلِدُ الصحْنَ وما إنْ تَبْضَعِ ) ( تمرّ
في الدار ولا تَوَرَّعُ ... كأنها فيهمْ شجاعٌ أقرعُ ) فقالت
زينب أم وجزة تجيبه ( أعْطَى
عُبيدا من شُيَيْخ ذي عَجَرْ ... لا حَسَنِ الوجه ولا سمْحٍ يَسَرْ ) ( يشرب
عُسَّ المَذْق في اليوم الخَصِر ... كأنما يقذف في ذات السُّعُر ) ( تقاذَف
السيلِ من الشِّعبِ المُضِرّ ... ) قال
وقال أبو وجزة لابنه عبيد ( يا
راكب العَنْسِ كمِرادة العَلَمْ ... أصلحك الله وأدنى ورحِمْ ) ( إن
أنت أبلغتَ وأدَّيتَ الكَلِمْ ... عنى عُبيدُ بنَ يزيدَ لو علِمْ ) ( قد
علِم الأقوام أن سَيَنْتقِم ... منك ومن أمّ تلَّقتك وعم ) ( ربٌّ
يجازى السيئاتِ من ظَلْم ... أنذرْتُك الشَّدّةَ مِن لَيثٍ أَضِمْ ) ( عادٍ
أبي شِبلين فَرْفارٍ لَحِمْ ... فارجع إلى أمّك تُفْرِشك ونَمْ ) ( إلى
عجوز رأسُها مثل الإِرَم ... واطعَمْ فإنّ الله رَزَّاق الطُّعَمْ ) فقال
عبيد لأبيه ( دعها
أبا وجزةَ واقعد في الغنْم ... فسوف يكفيك غلامٌ كالزَّلَمْ ) ( مشمِّر
يُرقِلِ في نعلٍ خَذِمْ ... وفي قَفاه لقمة من اللقم ) ( قد
ولَّهتْ ألاّفَها غيرَ لَمَمْ ... حتى تناهت في قَفا جَعْدٍ أحَم ) قال
يعقوب وقال أبو المزاحم يهجو أبا وجزة ويعيره بنسبه ( دَعَتْك
سُليمٌ عبدها فأجبتَها ... وسعدٌ وما ندري لأيهما العبدُ ) فأجابه
أبو وجزة فقال ( أعيَّرتموني
أنْ دعتني أخاهُم ... سليمٌ وأعطتني بأيمانها سعدُ ) ( فكنتُ
وسيطا في سُلَيم معاقِدا ... لسعد وسعدٌ ما يُحَلُّ لها عَقْدُ ) أبو
وجزة يمدح عبد الله بن الحسن وإخوته أخبرني أبو جعفر أحمد بن محمد بن نصر الضبعي
إجازة قال حدثنا محمد بن مسعود الزرقي عن مسعود بن المفضل مولى آل حسن بن حسن قال قدم
أبو وجزة السعدي على عبد الله بن الحسن وإخوته سويقة وقد أصابت قومه سنة مجدبة
فأنشده قوله يمدحه ( أثْني
على ابْنَيْ رسول الله أفضَل ما ... أَثْنى به أحدٌ يوماً على أحد ) ( السيدينِ
الكريميْ كلِّ مُنصَرَفٍ ... من والدِين ومن صهِر ومن ولد ) ( ذريّةٌ
بعضُها من بعضها عَمِرتَ ... في اصلِ مجد رضيع السَّمْك والعَمَدِ ) ( ما
ذا بنى لهمُ من صالحٍ حسنٌ ... وحَسَنٌ وعليّ وابتنَوْا لغَد ) ( فكرَّم
الله ذاك البيتَ تكرِمَةً ... تَبقَى وتخلُد فيه آخرَ الأبد ) ( همُ
السَّدَى والنَّدَى ما في قناتهُم ... إذا تعوّجت العِيدانُ من أَوَد ) ( مهذَّبون
هِجانٌ أمّهاتُهُمُ ... إذا نُسِبن زُلالُ البارق البَرِدِ ) ( بين
الفواطم ماذا ثَمَّ من كرم ... إلى العواتك مجد غير مُنْتَقَدِ ) ( ما
ينتهي المجد إلا في بني حسن ... وما لهم دونه من دار مُلْتَحَد ) قال
فأمر له عبد الله بن الحسن وحسن وإبراهيم بمائة وخمسين دينارا وأوقروا له رواحله
برا وتمرا وكسوه ثوبين ثوبين أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة
قال حدثني أبو غسان والمدائني جميعا أن عبد الملك بن يزيد بن محمد بن عطية السعدي
كان قد ندب لقتال أبي حمزة الأزدي الشاري لما جاء إلى المدينة فغلب عليها قال وبعث
إليه مروان بن محمد بمال ففرقه فيمن خف معه من قومه فكان فيمن فرض له منهم أبو
وجزة وابناه فخرج معترضا للعسكر على فرس وهو يرتجز ويقول ( قل
لأبي حمزة هيدِ هِيدِ ... جئناك بالعادِيَةِ الصِّنْديد ) ( بالبطل
القَرْم أبي الوليد ... فارِس قيسٍ نَجدها المعدودِ ) ( في
خيل قيسٍ والكُماةِ الصِّيدِ ... كالسيف قد سُلَّ من الغُمود ) ( محضٍ
هِجانٍ ماجدِ الجَدودِ ... في الفَرعِ من قيسٍ وفي العمودِ ) ( فِدًى
لعبد الملك الحميد ... ما لي من الطارِفِ والتليد ) ( يوم
تَنادى الخيل بالصعيد ... كأنه في جُنَن الحديد ) ( سِيدٌ
مُدِلٌّ عَزَّ كلَّ سِيدِ ... ) قال
وسار ابن عطية في قومه ولحقت به جيوش أهل الشأم فلقي أبا حمزة في اثني عشرة ألفا فقاتله
يوما إلى الليل حتى أصاب صناديد عسكره فنادوه يابن عطية إن الله جل وعز قد جعل
الليل سكنا فاسكنوا حتى نسكن فأبى وقاتلهم حتى قتلهم جميعا أبو وجزة مداح ابن عطية
قال وكان أبو وجزة منقطعا إلى ابن عطية يقوم بقوت عياله وكسوته ويعطيه ويفضل عليه
وكان أبو وجزة مداحا له وفيه يقول ( حَنَّ
الفؤاد إلى سُعدى ولم تُثبِ ... فيهم الكثيرُ مِنَ التَّحْنَان والطربِ ) ( قالت
سعادُ أرى من شيبه عجباً ... مهلاً سعادُ فما في الشيب من عجب ) غنى
في هذين البيتين إسحاق خفيف ثقيل أول بالوسطى في مجراها من كتابه ( إمّا
تَرَينِي كساني الدهرُ شيبتَه ... فإن ما مرّ منه عنكِ لم يَغِبِ ) ( سَقْياً
لسعدى على شيب ألمّ بنا ... وقبل ذلك حين الرأسُ لم يشِبِ ) ( كأن
رِيقتَها بعد الكرى اغتبقت ... صوبَ الثريا بماء الْكَرْم من حَلَبِ ) وهي
قصيدة طويلة يقول فيها ( أَهدِي
قلاصاً عناجيجاً أضرَّ بها ... نَصُّ الوجيف وتقحيمٌ من العُقَبِ ) ( يقصِدْن
سِّيد قيسٍ وابنَ سيدها ... والفارسَ العِدَّ منها غير ذي الكذب ) ( محمد
وأبوه وابنه صنعوا ... له صنائعَ من مجد ومن حَسَب ) ( إني
مدحتهمُ لمّا رأيت لهمْ ... فضلا على غيرهم من سائر العرب ) ( إلاّ
تُثِبْني به لا يَجْزِني أحد ... ومَن يُثيب إذا ما أنت لم تُثِبِ ) والأبيات
التي ذكرت فيها الغناء المذكور معه أمر أبي وجزة من قصيدة له مدح بها أيضا عبد
الملك بن عطية هذا ومما يختار منها قوله ( حتى
إذا هَجَدوا ألمَّ خيالُها ... سرًّا ألا بِلِمامه كان المُنى ) ( طَرَقَتْ
بريَّا روضةٍ من عالِجٍ ... وَسْمِيَّةٍ عذُبت وبيتها النَّدَى ) ( يا
أمّ شيبة أيَّ ساعةِ مَطْرَقٍ ... نَبَّهتِنا أين المدينة مِن بَدا ) ( إني
متى أقض اللُّبانة أجتَهدْ ... عَنَقَ العِتاق الناجياتِ على الوجَى ) ( حتى
أزورَك إن تيسَّر طائري ... وسلمتُ من ريب الحوادث والردى ) وفيها
يقول ( فَلأَ مدحنّ بني عطيةَ كلَّهم ...
مدحا يوافي في المواسم والقُرى ) ( الأكرمين
أوائلاً وأواخرا ... والأحلمين إذا تُخُولِجَتِ الحُبا ) ( والمانعين
من الهَضيمة جارَهم ... والجامعين الراقعين لما وَهَى ) ( والعاطفين
على الضَّريك بفضلهم ... والسابقين إلى المكارم مَنْ سعى ) وهي
قصيدة طويلة يمدح فيها بني عطية جميعا ويذكر وقعتهم بأبي حمزة الخارجي ولا معنى
للإطالة بذكرها أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن
أبيه عن الهيثم بن عدي قال كان أبو وجزة السعدي منقطعا إلى آل الزبير وكان عبد
الله بن عروة بن الزبير خاصة يفضل عليه ويقوم بأمره فبلغه أن أبا وجزة أتى عبد الله
بن الحسن ابن الحسن بن علي بن ابي طالب عليهم السلام فمدحه فوصله فاطرحه ابن عروة
وأمسك يده عنه فسأل عن سبب غضبه فأخبره به الأصم بن أرطاة فلم يزل أبو وجزة يمدح
آل الزبير ولا يرجع له عبد الله بن عروة إلى ما كان عليه ولا يرضى عنه حتى قال فيه
( آل الزبير بنو حُرّة ... مَرَوا
بالسيوف صدوراً خِنافا ) ( سَلِ
الجُرْدَ عنهم وأيّامها ... إذا امتعطوا المُرهَفاتِ الخِفافا ) امتعطوا
سلوا ومنه ذئب أمعط منسل من شعره ( يموتون
والْقَتْلُ داءٌ لهم ... ويَصلَوْنَ يومَ السِّياف السَّيافا ) ( إذا
فرج الْقَتْلُ عَنْ عِيصِهِمْ ... أبى ذلكَ العيصُ إلاّ التفافا ) ( مطاعيمُ
تُحْمَدُ أبْيَاتُهُم ... إذا قُنِّعَ الشاهقاتُ الطَّخافا ) ( وأَجْبَنُ
مِنْ صافرٍ كلبُهمْ ... إذا قرعته حصاةٌ أَضَافا ) فلما
أنشد ابن عروة هذه الأبيات رضي عنه وعاد له إلى ما كان عليه صوت من المائة
المختارة ( ألا هَلْ أسيرُ المالكيّة مُطْلَقُ ... فقد كاد لو لم يُعْفِهِ الله
يَغْلَقُ ) ( فلا هو مقتولٌ ففي القتل راحة ...
ولا مُنْعَمٌ يوماً عليه فَمُعْتَقُ ) الشعر
لعقيل بن علفة البيت الأول منه والثاني لشبيب بن البرصاء والغناء لأحمد بن المكي
خفيف ثقيل بالوسطى من كتابه فيه لدقاق رمل بالوسطى من كتاب عمرو بن بانة وأوله ( سلا
أمَّ عمرو فِيم أَضْحَى أسيرُها ... يُفادى الأسارى حَوْله وهو مُوثَقُ ) وبعده
البيت الثاني وهو ( فلا
هو مَقتولٌ ففي القَتْلِ راحةٌ ... وَلا مُنْعَمٌ يَوْماً عليه فمُعْتَقُ ) والبيتان
على هذه الرواية لشبيب بن البرصاء أخبار عقيل بن علفة عقيل بن علفة بن الحارث بن
معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن غيظ بن مرة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن الريث
بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر ويكنى أبا العملس وأبا الجرباء وأم عقيل بن
علفة العوراء وهي عمرة بنت الحارث بن عوف بن ابي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن
مرة وأمها زينب بنت حصن بن حذيفة هذا قول خالد بن كلثوم والمدائني وقال ابن
الأعرابي كانت عمرة العوراء أم عقيل ابن علفة والبرصاء أم شبيب بن البرصاء أختين
وهما ابنتا الحارث بن عوف واسم البرصاء قرصافة أمها بنت نجبة بن ربيعة بن رياح بن
مالك بن شمخ وعقيل شاعر مجيد مقل من شعراء الدولة الأموية وكان أعرج جافيا شديد
الهوج والعجرفية والبذخ بنسبه في بني مرة لا يرى أن له كفئا وهو في بيت شرف في قومه
من كلا طرفيه وكانت قريش ترغب في مصاهرته تزوج إليه خلفاؤها وأشرافها منهم يزيد بن
عبد الملك تزوج ابنته الجرباء وكانت قبله عند ابن عم لعقيل يقال له مطيع بن قطعة
بن الحارث بن معاوية وولدت ليزيد بنيا درج وتزوج بنته عمرة سلمة بن عبد الله بن
المغيرة فولدت له يعقوب بن سلمة وكان من أشراف قريش وجودائها وتزوج أم عمرو بنته
ثلاثة نفر من بني الحكم بن أبي العاص يحيى والحارث وخالد أخبرني محمد بن جعفر
النحوي قال حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل قال دخل عقيل بن
علفة على عثمان بن حيان وهو يومئذ على المدينة فقال له عثمان زوجني ابنتك فقال
أبكرة من إبلي تعني فقال له عثمان ويلك أمجنون أنت قال أي شيء قلت لي قال قلت لك
زوجني ابنتك فقال أفعل إن كنت عنيت بكرة من إبلي فأمر به فوجئت عنقه فخرج وهو يقول
( كنا بني غَيْظ الرجالِ فأصبحتْ ...
بنو مالك غَيْظاً وصرنا كمالكِ ) ( لحى
الله دهراً ذَعْذَع المالَ كلَّه ... وسوَّد أشباه الإِماء العَوارك ) عقيل
يكتف خاطب ابنته ويلقيه في قرية النمل أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو
غسان دماذ عن أبي عبيدة قال كان لعقيل بن علفة جار من بني سلامان بن سعد فخطب إليه
ابنته فغضب عقيل وأخذ السلاماني فكتفه ودهن استه بشحم وألقاه في قرية النمل فأكلن
خصييه حتى ورم جسده ثم حله وقال يخطب إلي عبد الملك فأرده وتجترىء أنت علي قال ثم
أجدبت مراعي بني مرة فانتجع عقيل أرض جذام وقربهم عذرة قال عقيل فجاءني هني مثل
البعرة فخطب إلي ابنتي أم جعفر فخرجت إلى أكمة قريبة من الحي فجعلت أنبح كما ينبح
الكلب ثم تحملت وخرجت فاتبعني جمع من حن بطن من عذرة فقالوا اختر إن شئت حبسناك
وإن شئت حدرناك وبعيرة من رأس الجبل فإن سبقتها خلينا عنك فأرسلوا بعيرة فسبقتها فخلوا
سبيلي فقلت لهم ما طمعتم بهذا من أحد قالوا أردنا أن نضع منك حيث رغبت عنا فقلت
فيهم ( لقد هزِئتْ حُنٌّ بنا وتلاعبتْ ...
وما لعبت حُنٌّ بذي حسَب قبلي ) ( رويداً
بني حُنّ تشيحوا وتأمنوا ... وتنتشر الأنعامُ في بلد سهلِ ) والله
لأموتن قبل أن أضع كرائمي إلا في الأكفاء أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا
الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الضحاك عن أبيه قال وجدت في كتاب بخط الضحاك قال
خرج عقيل بن علفة وابناه علفة وجثامة وابنته الجرباء حتى أتوا بنتا له ناكحا في
بني مروان بالشام فآمت ثم إنهم قفلوا بها حتى كانوا ببعض الطريق فقال عقيل بن علفة
( قضتْ وطرا من دير سعدٍ وطالما ...
على عُرُضٍ ناطحْنهُ بالجماجم ) ( إذا
هبطتْ أرضا يموت غرابُها ... بها عطشا أعطينَهم بالخزائِم ) ثم
قال أنفذ يا علفة فقال علفة ( فأصبحن
بالمَوماة يحملن فِتيةً ... نَشاوَى من الإِدلاج مِيلَ العمائم ) ( إذا
عَلَمُّ غادرْنَه بتَنُوفة ... تذارعن بالأيدي لآخر طاسِم ) ثم
قال أنفذي يا جرباء فقالت وأنا آمنة قال نعم فقالت ( كأنّ
الكرى سقَّاهُم صَرْخَديّةً ... عُقَارا تَمشَّى في المطا والقوائم ) فقال
عقيل شربتها ورب الكعبة لولا الأمان لضربت بالسيف تحت قرطك أما وجدت من الكلام غير
هذا فقال جثامة وهل أساءت إنما أجازت وليس غيري وغيرك فرماه عقيل بسهم فأصاب ساقه
وأنفذ السهم ساقه والرحل ثم شد على الجرباء فعقر ناقتها ثم حملها على ناقة جثامة
وتركه عقيرا مع ناقة الجرباء ثم قال لولا أن تسبني بنو مرة ما ذقت الحياة ثم خرج
متوجها إلى أهله وقال لئن أخبرت أهلك بشأن جثامة أو قلت لهم إنه أصابه غير الطاعون
لأقتلنك فلما قدموا على أهل أبير وهم بنو القين ندم عقيل على فعله بجثامة فقال لهم
هل لكم في جزور انكسرت قالوا نعم قال فالزموا أثر هذه الراحلة حتى تجدوا الجزور
فخرج القوم حتى انتهوا إلى جثامة فوجدوه قد أنزفه الدم فاحتملوه وتقسموا الجزور وأنزلوه
عليهم وعالجوه حتى برأ وألحقوه بقومه ونسخت هذا الخبر من كتاب أبي عبد الله
اليزيدي بخطه ولم أجده ذكر سماعه إياه من أحد قال قرىء على علي بن محمد المدائني
عن الطرماح بن خليل بن أبرد فذكر مثل ما ذكره الزبير منه وزاد فيه أن القوم
احتملوا جثامة ليلحقوه بقومه حتى إذا كانوا قريبا منهم تغنى جثامة ( أيُعْذَر
لاهِينا ويُلْحَيْن في الصِّبا ... وما هنّ والفِتيانُ إلا شقائِقُ ) فقال
له القوم إنما أفلت من الجراحة التي جرحك أبوك آنفا وقد عاودت ما يكرهه فأمسك عن
هذا ونحوه إذا لقيته لا يلحقك منه شر وعر فقال إنما هي خطرة خطرت والراكب إذا سار
تغنى عقل يصاب بالقولنج أخبرني الحسن بن علي قال حدثني أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا
الزبير بن بكار قال حدثني عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال قدم عقيل بن علفة
المدينة فنزل على ابن بنته يعقوب بن سلمة المخزومي فمرض وأصابه القولنج فنعتت له
الحقنة فأبى وقدم ابنه عليه فبلغه ذلك فقال ( لقد
سرني واللهُ وقّاك شَرَّها ... نجاؤك منها حين جاء يقودُها ) ( كفى
خزْيةً ألاّ تزال مُجَبِّيا ... على شَكْوة تُوكى وفي استك عُودُها ) أخبرني
عبيد الله بن محمد الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا علي بن محمد
عن زيد بن عياش التغلبي والربيع بن ثميل قالا غدا عقيل بن علفة على أفراس له عند
بيوته فأطلقها ثم رجع فإذا بنوه مع بناته وأمهم مجتمعون فشد على عملس فحاد عنه وتغنى
علفة فقال ( قفي يابنةَ المُرِّي أسألْكِ ما
الذي ... تريدين فيما كنتِ مَنَّيتنا قبلُ ) ( نخبِّرْك
إن لم تنجِزي الوعدَ أننا ... ذَوَا خُلة لم يبق بينهما وصلُ ) ( فإن
شئتِ كان الصُّرم ما هبّت الصبا ... وإن شئتِ لا يفنى التكارم والبذل ) فقال
عقيل يابن اللخناء متى منتك نفسك هذا وشد عليه بالسيف وكان عملس أخاه لأمه فحال
بينه وبينه فشد على عملس بالسيف وترك علفة لا يلتفت إليه فرماه بسهم فأصاب ركبته
فسقط عقيل وجعل يتمعك في دمه ويقول ( إنّ
بَنِي سَرْبَلُوني بالدَّمِ ... من يَلْقَ أبطال الرجال يُكْلَمِ ) ( ومَنْ
يكن ذا أوَدٍ يُقَوَّمِ ... شِنْشِنةٌ أعرِفها من أخزمِ ) قال
المدائني شنشنة أعرفها من أخزم مثل ضربه وأخزم فحل كان لرجل من العرب وكان منجبا
فضرب في إبل رجل آخر ولم يعلم صاحبه فرأى بعد ذلك من نسله جملا فقال شنشنة أعرفها
من أخزم عمر بن عبد العزيز يعاتبه في شأن بناته أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني
سليمان المدائني قال حدثني مصعب بن عبد الله قال قال عمر بن عبد العزيز لعقيل بن
علفة إنك تخرج إلى أقاصي البلاد وتدع بناتك في الصحراء لا كاليء لهن والناس
ينسبونك إلى الغيرة وتأبى أن تزوجهن إلا الأكفاء قال إني أستعين عليهن بخلتين
تكلآنهن وأستغني عن سواهما قال وما هما قال العري والجوع نسخت من كتاب محمد بن
العباس اليزيدي قال خالد بن كلثوم لما رمى عملس بن عقيل أباه فأصاب ركبته غضب
وأقسم ألا يساكن بنيه فاحتمل وخرج إلى الشام فلما استوى على ناقته المسماة بأطلال
بكت ابنته جرباء وحنت ناقته فقال ( ألم
تريا أطلالَ حَنَّتْ وشاقَها ... تفرُّقُنا يومَ الحبيبِ على ظهر ) ( وأسبل
من جرباءَ دمعٌ كأنّه ... جُمانٌ أضاع السلك أجْرَتْه في سطرِ ) ( لعمرُك
إني يوم أغدو عَملَّسا ... لكالمتربِّي حَتفَه وهو لا يدرِي ) ( وإني
لأسقيه غَبوقي وإنني ... لَغَرْثانُ منهوكُ الذِّراعينِ والنحرِ ) قال
ومضى علفة أيضا فافترض بالشام وكتب إلى أبيه ( ألا
أبلغا عنّي عَقِيلاً رسالةً ... فإنك من حربٍ عليّ كريمُ ) ( أما
تذكر الأيامَ إذ أنت واحِد ... وإذ كلُّ ذي قُربى إليك ذميمُ ) ( وإذ
لا يقِيك الناسُ شيئاً تخافُه ... بأنفسهم إلا الذين تَضيمُ ) ( تَناول
شأْوَ الأبعدين ولم يقم ... لشأوك بين الأقربين أدِيمُ ) ( فأمّا
إذا عضَّتْ بك الحرب عَضَّةً ... فإنك معطوفٌ عليك رحيم ) ( وأمّا
إذا آنسْتَ أمناً ورخْوَةً ... فإنك للقُرْبَى ألدُّ ظَلُومُ ) فلما
سمع عقيل هذه الأبيات رضي عنه وبعث إليه فقدم عليه أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي
قال حدثنا الرياشي عن محمد بن سلام قال حدثني ابن جعدبة قال عاتب عمر بن عبد
العزيز رجلا من قريش أمه أخت عقيل بن علفة فقال له قبحك الله أشبهت خالك في الجفاء
فبلغت عقيلا فجاء حتى دخل على عمر فقال له ماوجدت لابن عمك شيئا تعيره به إلا
خؤولتي فقبح الله شركما خالا فقال له صخير بن أبي الجهم العدوي وأمه قرشية آمين يا
أمير المؤمنين فقبح الله شركما خالا وأنا معكما أيضا فقال له عمر إنك لأعرابي جلف
جاف أما لو كنت تقدمت إليك لأدبتك والله لا أراك تقرأ من كتاب الله شيئا قال بلى
إني لأقرأ قال فاقرأ فقرأ ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) حتى بلغ إلى آخرها فقرأ فمن
يعمل مثقال ذرة شرا يره ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره فقال له عمر ألم أقل لك إنك
لا تحسن أن تقرأ قال أو لم أقرأ قال لا لأن الله جل وعز قدم الخير وأنك قدمت الشر
فقال عقيل ( خذا بَطْن هَرْشى أو قَفاها فإنه
... كِلا جانبي هَرْشى لهنّ طريق ) فجعل
القوم يضحكون من عجرفيته وروى هذا الخبر علي بن محمد المدائني فذكر انه كان بين
عمر بن عبد العزيز وبين يعقوب بن سلمة وأخيه عبد الله كلام فأغلظ يعقوب لعمر في الكلام
فقال له عمر اسكت فإنك ابن أعرابية جافية فقال عقيل لعمر لعن الله شر الثلاثة مني
ومنك ومنه فغضب عمر فقال له صخير بن ابي الجهم آمين فهو والله أيها الأمير شر
الثلاثة فقال عمر والله إني لأراك لو سألته عن آية من كتاب الله ما قرأها فقال بلى
والله إني لقاريء لآية وآيات فقال فاقرأ فقرأ إنا بعثنا نوحا إلى قومه فقال له عمر
قد أعلمتك أنك لا تحسن ليس هكذا قال الله قال فكيف قال قال ( إنا أرسلنا نوحا )
فقال وما الفرق بين أرسلنا وبعثنا ( خذ
أنف هَرْشى أو قَفاها فإنه ... كلا جانبي هَرْشى لهنّ طريقُ ) عقيل
يضحك الناس في المسجد أخبرني عبيد الله بن أحمد الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث
الخراز قال حدثني علي بن محمد المدائني عن عبد الله بن أسلم القرشي قال قدم عقيل
بن علفة المدينة فدخل المسجد وعليه خفان غليظان فجعل يضرب برجليه فضحكوا منه فقال
ما يضحككم فقال له يحيى بن الحكم وكانت ابنة عقيل تحته يضحكون من خفيك وضربك
برجليك وشدة جفائك قال لا ولكن يضحكون من إمارتك فإنها أعجب من خفي فجعل يحيى يضحك
أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي قال حدثني عمي
عن عبد الله بن مصعب قاضي المدينة قال دخل عقيل بن علفة على يحيى بن الحكم وهو
يومئذ أمير المدينة فقال له يحيى أنكح ابن خالي يعني ابن أوفى فلانة ابنتك فقال إن
ابن خالك ليرضى مني بدون ذلك قال وما هو قال أن أكف عنه سنن الخيل إذا غشيت سوامه
فقال يحيى لحرسيين بين يديه أخرجاه فأخرجاه فلما ولى قال أعيداه إلي فأعاداه فقال
عقيل له مالك تكرني إكرار الناضح قال أما والله إني لأكرك أعرج جافيا فقال عقيل
كذلك قلت ( تَعَجَّبَتْ إذ رأت رأسي تَجَلَّله
... من الروائع شيبٌ ليس من كبَرِ ) ( ومِن
أدِيمٍ تولَّى بعد جِدَّته ... والجفنُ يَخْلق فيه الصَّارِمُ الذكَرُ )
فقال له يحيى أنشدني قصيدتك هذه
كلها قال ما انتهيت إلا إلى ما سمعت فقال أما والله إنك لتقول فتقصر فقال إنما
يكفي من القلادة ما أحاط بالرقبة قال فأنكحني أنا إحدى بناتك قال أما أنت فنعم قال
أما والله لأملأنك مالا وشرفا قال أما الشرف فقد حملت ركائبي منه ما أطاقت وكلفتها
تجشم ما لم تطق ولكن عليك بهذا المال فإن فيه صلاح الأيم ورضا الأبي فزوجه ثم خرج
فهداها إليه فلما قدمت عليه بعث إليها يحيى مولاة له لتنظر إليها فجاءتها فجعلت
تغمز عضدها فرفعت يدها فدقت أنفها فرجعت إلى يحيى وقالت بعثتني إلى أعرابية مجنونة
صنعت بي ما ترى فنهض إليها يحيى فقال لها مالك قالت ما أردت أن بعثت إلي أمة تنظر
إلي ما أردت بما فعلت إلا أن يكون نظرك إلي قبل كل ناظر فإن رأيت حسنا كنت قد سبقت
إلى بهجته وإن رأيت قبيحا كنت أحق من ستره فسر بقولها وحظيت عنده وذكر المدائني
هذا الخبر مثله إلا أنه قال فيه فإن كان ما تراه حسنا كنت أول من رآه وإن كان
قبيحا كنت أول من واراه أخبرني ابن دريد قال حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال خطب يزيد
بن عبد الملك إلى عقيل بن علفة ابنته الجرباء فقال له عقيل قد زوجتكها على أن لا
يزفها إليك أعلاجك أكون أنا الذي أجيء بها إليك قال ذلك لك فتزوجها ومكثوا ما شاء الله
ثم دخل الحاجب على يزيد فقال له بالباب أعرابي على بعير معه امرأة في هودج قال
أراه والله عقيلا قال فجاء بها حتى أناخ بعيرها على بابه ثم أخذ بيدها فأذعنت فدخل
بها على الخليفة فقال له إن أنتما ودن بينكما فبارك الله لكما وإن كرهت شيئا فضع
يدها في يدي كما وضعت يدها في يدك ثم برئت ذمتك فحملت الجرباء بغلام ففرح به يزيد
ونحله وأعطاه ثم مات الصبي فورثت أمه منه الثلث ثم ماتت فورثها زوجها وأبوها فكتب
إليه إن ابنك وابنتك هلكا وقد حسبت ميراثك منهما فوجدته عشرة آلاف دينار فهلم
فاقبضه فقال إن مصيبتي بابني وابنتي تشغلني عن المال وطلبه فلا حاجة لي في
ميراثهما وقد رأيت عندك فرسا سبقت عليه الناس فأعطنيه أجعله فحلا لخيلي وأبى أن
يأخذ المال فبعث إليه يزيد بالفرس أخبرنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا الخراز عن
المدائني عن إسحاق بن يحيى قال رأيت رجلا من قريش يقول له عقيل بن علفة بالرفاء
والبنين والطائر المحمود فقلت له يابن علفة إنه يكره أن يقال هذا فقال يابن أخي ما
تريد إلى ما أحدث إن هذا قول أخوالك في الجاهلية إلى اليوم لا يعرفون غيره قال فحدثت
به الزهري فقال إن عقيلا كان من أجهل الناس قال وإنما قال لإسحاق بن يحيى بن طلحة
هذا قول أخوالك لأن أم يحيى بن طلحة مرية قال المدائني وحدثني علي بن بشر الجشمي
قال قال الرميح خطب إلى عقيل رجل من بني مرة كثير المال يغمز في نسبه فقال ( لَعمْري
لئن زوّجتُ من أجل ماله ... هجِيناً لقد حُبَّتْ إليَّ الدراهم ) ( أأُنكِحُ
عبداً بعدَ يحيى وخالدٍ ... أولئك أكفائي الرجالُ الأكارمُ ) ( أبى
ليَ أنْ أرضى الدنيّةَ أنني ... أمُدُّ عِناناً لم تخنْه الشكائمُ ) نسخت
من كتاب محمد بن العباس اليزيدي بخطه يأثره عن خالد بن كلثوم بغير إسناد متصل
بينهما أن رجلا من بني مرة يقال له داود أقبل على ناقة له فخطب إلى عقيل ابن علفة
بعض بناته فنظر إليه عقيل وإن السيف لا يناله فطعن ناقته بالرمح فسقطت وصرعته وشد
عليه عقيل فهرب وثار عقيل إلى ناقته فنحرها وأطعمها قومه وقال ( ألم
تَقلْ يا صاحبَ القَلُوص ... داودَ ذا الساج وذا القميصِ ) ( كانت
عليه الأرض حِيصٍ بيص ... حتى يَلُفّ عِيصَه بعيِصي ) ( وكنتُ
بالشبان ذا تقميص ... ) فقال
داود فيه من أبيات ( أراه
فتى جَعْلَ الحلال ببيته ... حراماً ويَقْرِي الضيفَ عَضْباً مهنَّدا ) وقال
المدائني حدثني جوشن بن يزيد قال لما تزوج عقيل بن علفة زوجته الأنمارية وقد كبر
فرت منه فلقيها جحاف وأحد بني قتال بن يربوع فحملها إلى عامل فدك واصبح عقيل معها
فقال الأمير لعقيل ما لهذه تستعدي عليك يا أبا الجرباء فقال عقيل كل ذكري وذهب
ذفري وتغايب نفري فقال خذ بيدها فأخذها وانصرف فولدت له بعد ذلك علفة الأصغر شعره
يحرض بني سهم على بني جوشن أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا دماذ عن أبي
عبيدة قال لما نشبت الحرب بين بني جوشن وبين بني سهم بن مرة رهط عقيل بن علفة
المري وهو من بني غيظ بن مرة بن سهم بن مرة إخوتهم فاقتتلوا في أمر يهودي خمار كان
جارا لهم فقتلته بنو جوشن من غطفان وكانوا متقاربي المنازل وكان عقيل بن علفة
بالشأم غائبا عنهم فكتب إلى بني سهم يحرضهم ( فإمّا
هلكتُ ولم آتِكُمْ ... فأَبْلِغْ أماثلَ سَهْمٍ رَسُولا ) ( بأن
التي سامكُمْ قومُكُمْ ... لقد جعلوها عليكم عُدولا ) ( هوان
الحياة وضيْمُ الممات ... وكلاّ أراه طعاماً وبيلا ) ( فإن
لم يكن غيرُ إحداهما ... فسيروا إلى الموت سيراً جميلا ) ( ولا
تقعدوا وبكم مُنَّةٌ ... كفى بالحوادث للمرء غُولا ) قال
فلما وردت الأبيات عليهم تكفل بالحرب الحصين بن الحمام المري أحد بني سهم وقال إلي
كتب وبي نوه خاطب أماثل سهم وأنا من أماثلهم فأبلى في تلك الحروب بلاء شديدا وقال
الحصين بن الحمام في ذلك من قصيدة طويلة له ( يَطَأن
من القَتْلى ومن قِصَدِ القَنا ... خَباراً فما ينهضْنَ إلا تَقَحُّما ) ( عليهنّ
فِتْيانٌ كساهم محرِّقٌ ... وكان إذا يَكْسو أجادَ وأكرما ) ( صفائحَ
بُصْرى أخلصَتْها قُيونُها ... ومطَّردِاً من نسج داود محكَما ) ( تأخرت
أستبقي الحياة فلم أجدْ ... لنفسي حياة مثلَ أن أتقدما ) وقال
المدائني قال جراح بن عصام بن بجير عدت بنو جعفر بن كلاب على جار لعقيل فأطردت
إبله وضربوه فغدا عقيل على جار لهم فضربه وأخذ إبله فأطردها فلم يردها حتى ردوا
إبل جاره وقال في ذلك ( إن
يَشْرَق الكلبيّ فيكم بريقه ... بني جعفر يُعْجَلْ لجاركُم القتلُ ) ( فلا
تحسبوا الإِسلام غَيَّر بعدكم ... رماحَ مواليكم فذاك بكم جهلُ ) ( بني
جعفر إن ترجعوا الحرب بيننا ... نَدِنْكم كما كنا نَدِينُكُم قبلُ ) ( بدأتم
بجاري فانثنيتُ بجاركم ... وما منهما إلا له عندنا حَبْلُ ) وذكر
المدائني أيضا بنو سلامان يأسرونه ويطلقه بنو القين أن عقيلا كان وحده في إبله فمر
به ناس من بني سلامان فأسروه ومروا به في طريقه علىناس من بني القين فانتزعوه منهم
وخلوا سبيله فقال عقيل في ذلك ( أسعدَ
هُذَيْم إن سعداً أباكُمُ ... أبي لا يوافي غاية القَيْن من كلبِ ) ( وجاء
هُذيمٌ والركاب مُناخةٌ ... فقيل تأخّرْ يا هذيمُ على العَجْبِ ) ( فقال
هذيم إن في العَجْبِ مركبي ... ومركب آبائي وفي عَجْبها حَسْبي ) قال
وسعد هذيم هم عذرة وسلامان والحارث وضبة عقيل يرثي ابنه علفة أخبرني الحسن بن علي
قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أبو مسلم عن المدائني عن عبد الحميد
بن أيوب بن محمد بن عميلة قال مات علفة بن عقيل الأكبر بالشأم فنعاه مضرس بن سوادة
لعقيل بأرض الجناب فلم يصدقه وقال ( قَبَح
الآلهُ ولا أقبِّح غيره ... ثَفَرَ الحمار مضرِّس بن سَوادِ ) ( تَنْعَى
امرأ لم يَعْلُ أمَّك مثلُهُ ... كالسَّيف بين خَضارمٍ أنجادِ ) ثم
تحقق الخبر بعد ذلك فقال يرثيه ( لَعَمْري
لقد جاءت قوافل خبّرت ... بأمرٍ من الدنيا عليّ ثقيلِ ) ( وقالوا
ألا تبكي لمصرعِ فارس ... نعتْه جنودُ الشام غيرِ ضئيل ) ( فأقسمتُ
لا أبكي على هُلْك هالكٍ ... أصاب سبيلَ اللهِ خيرَ سبيلِ ) ( كأن
المنايا تبتغي في خيارِنا ... لها نسباً أو تهتدي بدليل ) ( تَحُلُّ
المنايا حيثُ شاءت فإنها ... مُحَلَّلةٌ بعد الفتى ابن عَقِيل ) ( فتًى
كان مولاه يَحُلُّ بربْوةٍ ... مَحلَّ الموالي بعده بمَسِيلِ ) أخبرني
محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال كان عقيل بن علفة قد
أطرد بنيه فتفرقوا في البلاد وبقي وحده ثم إن رجلا من بني صرمة يقال له بجيل وكان
كثير المال والماشية حطم بيوت عقيل بماشيته ولم يكن قبل ذلك أحد يقرب من بيوت عقيل
إلا لقي شرا فطردت صافنة أمة له الماشية فضربها بجيل بعصا كانت معه فشجها فخرج
إليه عقيل وحده وقد هرم يومئذ وكبرت سنه فزجره فضربه بجيل بعصاه واحتقره فجعل عقيل
يصيح يا علفة يا عملس يا فلان يا فلان بأسماء أولاده مستغيثا بهم وهو يحسبهم لهرمه
أنهم معه فقال له أرطاة بن سهية ( أكلتَ
بنِيكَ أكلَ الضبِّ حتى ... وجدتَ مرارةَ الكلأ الوبيلِ ) ( ولو
كان الألى غابوا شهوداً ... منعتَ فِناء بيتِك من بَجِيلِ ) وبلغ
خبر عقيل ابنه العملس وهو بالشام فأقبل إلى أبيه حتى نزل إليه ثم عمد إلى بجيل
فضربه ضربا مبرحا وعقر عدة من إبله وأوثقه بجبل وجاء به يقوده حتى ألقاه بين يدي
أبيه ثم ركب راحلته وعاد من وقته إلى الشام لم يطعم لأبيه طعاما ولم يشرب شرابا أخبرني
عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا ابن عائشة قال نزل أعرابي على المقشعر بن عقيل بن
علفة المري فشربا حتى سكرا وناما فانتبه الأعرابي مروعا في الليل وهو يهذي فقال له
المقشعر مالك قال هذا ملك الموت يقبض روحي فوثب ابن عقيل فقال لا والله ولا كرامة
ولا نعمة عين له أيقبض روحك وأنت ضيفي وجاري فقال بأبي أنتم وأمي طال والله ما
منعتم الضيم وتلفف ونام تمت أخبار عقيل ولله الحمد والمنة قد مضت أخبار عقيل فيما
تقدم من الكتاب ونذكرها هنا أخبار شبيب ابن البرصاء ونسبه لأن المغنين خلطوا بعض
شعره ببعض شعر عقيل في الغناء الماضي ذكره ونعيدها هنا من الغناء ما شعره لشبيب
خاصة وهو صوت من المائة المختارة ( سَلاَ أمَّ عمرو فيم أضحى أسيرُها ... تُفادى
الأسارى حوله وهو موثقُ ) ( فلا
هو مقتول ففي القتل راحَةٌ ... ولا منعَمٌ يوما عليه فمطْلَقُ ) ويروى
( ولا هو مَمْنونٌ عليه فمطلقُ ... ) الشعر
لشبيب بن البرصاء والغناء لدقاق جارية يحيى بن الربيع رمل بالوسطى عن عمرو وذكر
حبش أن فيه رملا آخر لطويس أخبار شبيب بن البرصاء ونسبه هو شبيب بن يزيد بن جمرة
وقيل جبر بن عوف بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة بن سعد بن ذبيان
والبرصاء أمه واسمها قرصافة بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة وهو ابن خالة عقيل بن
علفة وأم عقيل عمرة بنت الحارث بن عوف ولقبت قرصافة البرصاء لبياضها لا لأنها كان
بها برص وشبيب شاعر فصيح إسلامي من شعراء الدولة الأموية بدوي لم يحضر إلا وافدا
أو منتجعا وكان يهاجي عقيل بن علفة ويعاديه لشراسة كانت في عقيل وشر عظيم وكلاهما
كان شريفا سيدا في قومه في بيت شرفهم وسؤددهم وكان شبيب أعور أصاب عينة رجل من طيء
في حرب كانت بينهم أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم السجستاني عن
أبي عبيدة قال دخل أرطاة بن سهية على عبد الملك بن مروان وكان قد هاجى شبيب بن
البرصاء فأنشده قوله فيه ( أبي
كان خيراً من أبيك ولم يزلْ ... جِنِيباً لآبائي وأنت جَنِيبُ ) فقال
له عبد الملك كذبت ثم أنشده البيت الآخر فقال ( وما
زلتُ خيراً منك مذ عضّ كارهاً ... برأسِك عادِيُّ النِّجادِ رَكُوبُ ) فقال
له عبد الملك صدقت وكان أرطاة أفضل من شبيب نفسا وكان شبيب أفضل من أرطاة بيتا شبيب
يهجو عقيل بن علفة أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا الحزنبل عن عمرو بن أبي
عمرو عن أبيه قال فاخر عقيل بن علفة شبيب بن البرصاء فقال شبيب يهجوه ويعيره برجل
من طيء كان يأتي أمه عمرة بنت الحارث يقال له حيان ويهجو غيظ بن مرة ( ألسنا
بفُرْع قد علمتمِ دعامةً ... ورابيِةً تنشقُّ عنها سيولُها ) ( وقد
علِمتْ سعد بن ذُبيان أننا ... رحاها الذي تأوى إليها وجُولها ) ( إذا
لم نَسُسْكم في الأمور ولم نَكُنْ ... لحربٍ عَوانٍ لاقِحٍ مَنْ يؤولها ) ( فلستم
بأهدى في البلاد مِن التي ... تَرَدَّدُ حَيْرَى حين غاب دليلُها ) ( دعت
جُلُّ يربوع عقِيلاً لحادثٍ ... من الأمر فاستخفى وأعيا عقيلُها ) ( فقلت
له هلاّ أجبتَ عشيرةً ... لطارِقِ ليلٍ حين جاء رسولُها ) ( وكائِن
لنا من رَبْوة لا تنالها ... مَراقيك أو جُرثومةٍ لا تطولُها ) ( فخَرْتَ
بأيامٍ لغيرك فخرُها ... وغُرَّتُها معروفةٌ وحُجُولُها ) ( إذا
الناس هابوا سَوْءةً عَمَدتْ لها ... بنو جابر شُبَّانُها وكُهولُها ) ( فَهَلاّ
بني سعدِ صَبَحْتَ بغارةٍ ... مُسَوَّمةٍ قد طار عنها نَسيلُها ) ( فتُدرك
وتِراً عند ألأم واترٍ ... وتُدْرِكَ قتلى لم تُتَمَّمْ عقولُها ) وقال
أبو عمرو اجتمع عقيل بن علفة وشبيب بن البرصاء عند يحيى بن الحكم فتكلما في بعض
الأمر فاستطال عقيل على شبيب بالصهر الذي بينه وبين بني مروان وكان زوج ثلاثا من
بناته فيهم فقال شبيب يهجوه ( ألا
أبلغ أبا الْحَرْباء عَنّي ... بآياتِ التباغُض والتَّقالي ) ( فلا
تذكُرْ أباك العبدَ وافخر ... بأمّ لست مُكرِمَها وخال ) ( وهبها
مُهْرَةً لَقحت ببغل ... فكان جنينُها شرَّ البغال ) ( إذا
طارت نفوسُهُمُ شَعاعاً ... حَمَيْنَ المُحْصَنات لدى الحِجالِ ) ( بطعنٍ
تعثُرُ الأبطالُ منه ... وضربٍ حيثُ تُقْتَنَصُ العَوالِي ) ( أبَى
لي أنّ آبائي كرام ... بَنَوْا لي فوق أشرافٍ طِوالِ ) ( بيوتَ
المجد ثم نموت منها ... إلى علياءَ مُشْرِفة القَذالِ ) ( تَزِلُّ
حِجارةُ الرامين عنها ... وتقصُر دونها نَبلُ النِّضال ) ( أبِالْحُفَّاثِ
شرِّ الناس حيًّا ... وأعناق الأُيورِ بني قِتال ) ( رفَعتَ
مُسامِياً لتنالَ مجداً ... فقد أصبحتَ منهم في سَفَالِ ) قال
أبو عمرو بنو قتال إخوة بني يربوع رهط عقيل بن علفة وهم قوم فيهم جفاء قال أبو
عمرو مات رجل منهم فلفه أخوه في عباءة له وقال أحدهما للآخر كيف تمله قال كما
تحمله القربة فعمد إلى حبل فشد طرفه في عنقه وطرفه في ركبتيه وحمله على ظهره كما
تحمل القربة فلما صار به إلى الموضع الذي يريد دفنه فيه حفر له حفيرة وألقاه فيها
وهال عليه التراب حتى واراه فلما انصرفا قال له يا هناه أنسيت الحبل في عنق أخي
ورجليه وسيبقى مكتوفا إلى يوم القيامة قال دعه يا هناه فإن يرد الله به خيرا يحلله
خطب بنت يزيد بن هاشم فرده ثم قبله فأبى وقال أبو عمرو خطب شبيب بن البرصاء إلى
يزيد بن هاشم بن حرملة المري ثم الصرمي ابنته فقال هي صغيرة فقال شبيب لا ولكنك
تبغي أن تردني فقال له يزيد ما أردت ذاك ولكن أنظرني هذا العام فإذا انصرم فعلي أن
أزوجك فرحل شبيب من عنده مغضبا فلما مضى قال ليزيد بعض أهله والله ما أفلحت خطب
إليك شبيب سيد قومك فرددته قال هي صغيرة قال إن كانت صغيرة فستكبر عنده فبعث إليه
يزيد ارجع فقد زوجتك فإني أكره أن ترجع إلى أهلك وقد رددتك فأبى شبيب أن يرجع وقال
( لعَمْري لقد أشرفتُ يوم عُنَيزةٍ ...
على رغبةٍ لو شدّ نفسي مَرِيرها ) ( ولكنّ
ضعفَ الأمر ألاّ تُمِرَّه ... ولا خير في ذي مِرّةٍ لا يُغيرُها ) ( تَبَيَّنُ
أدبارُ الأمورِ إذا مضت ... وتُقبِلُ أشباهاً عليك صدورُها ) ( تُرَجِّي
النفوسُ الشيءَ لا تستطيعه ... وتَخشى من الأشياء ما لا يَضيرُها ) ( ألا
إنما يكفي النفوس إذا اتَّقت ... تُقَى الله مما حَاذَرتْ فيُجيرُها ) ( ولا
خيرَ في العِيدان إلا صِلاُبها ... ولا ناهِضاتِ الطير إلا صُقورُها ) ( ومستنبِحٍ
يدعو وقد حال دونه ... من الليل سِجْفَا ظُلمةٍ وسُتورُها ) ( رفعتُ
له ناري فلما اهتدى لها ... زجرتُ كلابي أن يَهِر عَقُورُها ) ( فبات
وقد أسرَى من الليل عُقْبَةً ... بليلةِ صِدْقٍ غاب عنها شُرُورُها ) ( وقد
علِم الأضياف أنّ قِراهُمُ ... شِواءُ المَتَالي عندنا وقَدِيرُها ) ( إذا
افتخرت سعدُ بنُ ذُبيان لم يَجِد ... سوى ما بنينا ما يَعُدّ فَخورها ) ( وإني
لتَّراكُ الضغينةِ قد بدا ... ثَراها من المَولَى فلا أستثِيرها ) ( مخافةَ
أن تجني عليّ وإنما ... يَهِيج كبيراتِ الأمور صغيرُها ) ( إذا
قِيلت العَوراءُ وليَّتُ سمعَها ... سواي ولم أسمع بها ما دَبِيرُها ) ( وحاجةِ
نفسٍ قد بلغتُ وحاجةٍ ... تركتُ إذا ما النفس شحَّ ضميرها ) ( حياءً
وصبراً في المواطن إنني ... حيِيٌّ لَدَى أمثالِ تلك سَتيرها ) ( وأحبِس
في الحق الكريمةَ إنما ... يقوم بحق النائبات صَبورها ) ( أُحابي
بها الحيَّ الذي لا تُهِمُّه ... وأحسابَ أمواتٍ تُعَدّ قبورها ) ( ألم
تر أنّا نورُ قوم وإنما ... يُبَيِّن في الظلماء للناس نورُها ) أخبرني
محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني محمد بن عبد الله
بن آدم بن جشم العبدي قال كانت بين بني كلب وقوم من قيس ديات فمشى القوم إلى أبناء
أخواتهم من بني أمية يستعينون بهم في الحمالة فحملها محمد بن مروان كلها عن الفريقين
ثم تمثل بقول شبيب بن البرصاء ( ولقد
وقفتُ النفسَ عن حاجاتِها ... والنَّفسُ حاضِرةُ الشَّعاعِ تَطَلَّعُ ) ( وغرمت
في الحَسَب الرفيع غَرامةً ... يَعيا بها الحَصِر الشَّحيحُ ويَظْلَعُ ) ( إنّي
فتىً حرٌّ لِقَدْريَ عارفٌ ... أُعطي به وعليه مِمَّا أَمنَع ) أخبرني
محمد بن خلف وكيع قال حدثنا إسحاق بن محمد النخعي قال حدثني الحرمازي قال نزل شبيب
بن البرصاء وأرطاة بن زفر وعويف القوافي برجل من أشجع كثير المال يسمى علقمة
فأتاهم بشربة لبن ممذوقة ولم يذبح لهم فلما رأوا ذلك منه قاموا إلى رواحلهم فركبوها
ثم قالوا تعالوا حتى نهجو هذا الكلب فقال شبيب ( أفِي
حَدَثانِ الدهر أَمْ في قديمه ... تعلّمتَ ألاَّ تَقْرِيَ الضيفَ علقما ) وقال
أرطاة ( لبِثنا طويلاً ثم جاء بمَذْقَةٍ
... كماء السَّلاَ في جانب القَعْبِ أَثْلَما ) وقال
عويف ( فلما رأينا أنه شرّ منزلٍ ...
رمينا بهنّ الليلَ حتى تُخُرِّما ) أخبرني
هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل عن القحذمي قال غاب شبيب بن
البرصاء عن أهله غيبة ثم عاد بعد مدة وقد مات جماعة من بني عمه فقال شبيب يرثيهم ( تخرَّم
الدهرُ إخواني وغادرني ... كما يُغَادَرُ ثورُ الطارد الفَئِدُ ) ( إني
لباقٍ قليلاً ثم تابِعُهُم ... وواردٌ مَنهلَ القومِ الذي وَرَدُوا ) قال
أبو عمرو هاجى شبيب بن البرصاء رجلا من غني أو قال من باهلة فأعانه أرطاة بن سهية
على شبيب فقال شبيب ( لعمري
لئن كانت سهيّة أوضَعِت ... بأرطاة في رَكْبِ الخيانة والغدر ) ( فما
كان بالطِّرْف العَتِيقِ فيُشْتَرَى ... لِفِحلته ولا الجوادِ إذا يجرِي ) ( أتنْصُرُ
مني معشراً لستَ منهم ... وغيرُك أولى بالحِياطةِ والنصر ) ويروى
وقد كنت أولى بالحياطة وهو أجود وقال أبو عمرو استعدى رهط أرطأة بن سهية على شبيب
بن البرصاء إلى عثمان بن حيان المري وقالوا له يعمنا بالهجاء ويشتم أعراضنا فأمر
بإشخاصه إليه فأشخص ودخل إلى عثمان وقد أتي بثلاثة نفر لصوص قد أفسدوا في الأرض
يقال لهم بهدل ومثغور وهيصم فقتل بهدلا وصلبه وقطع مثغورا والهيصم ثم أقبل على
شبيب فقال كم تسب أعراض قومك وتستطيل عليهم أقسم قسما حقا لئن عاودت هجاءهم لأقطعن
لسانك فقال شبيب ( سجنتَ
لساني يابن حيّان بعدما ... تَوَلَّى شبابي إنّ عَقْدك مُحْكَمُ ) ( وَعيدُك
أبقى من لساني قُذَاذَةً ... هَيُوباً وصَمتاً بعدُ لا يتكلم ) ( رأيتك
تَحْلَوْلِي إذا شئت لامرىءٍ ... ومُرًّا مُرَاراً فيه صابٌ وعَلْقَم ) ( وكلّ
طريدٍ هالكٌ مُتَحَيِّر ... كما هلك الحيرانُ والليل مظلم ) ( أصبتَ
رجالاً بالذنوب فأصبحوا ... كما كان مثغورٌ عليك وهَيْصَمُ ) ( خطاطِيفُك
اللاتي تخطّفن بَهْدَلاً ... فأوفى به الأشرافَ جِذعٌ مقوَّمُ ) ( يداك
يَدَا خير وشرٍّ فمنهما ... تَضُرُّ وللأخرى نَوالٌ وأنعُمُ ) دعيج
بن سيف يرميه فيصيب عينه وقال أبو عمرو استاق دعيج بن سيف بن جذيمة بن وهب الطائي
ثم الجرمي إبل شبيب بن البرصاء فذهب بها وخرج بنو البرصاء في الطلب فلما واجهوا
بني جرم قال شبيب اغتنموا بني جرم فقال أصحابه لسنا طالبين إلا أهل القرحة فمضوا
حتى أتوا دعيجا وهو برأس الجبل فناداه شبيب يا دعيج إن كانت الطراف حية فلك سائر
الإبل فقال يا شبيب تبصر رأسها من بين الإبل فنظر فأبصرها فقال شبيب شدوا عليه
واصعدوا وراءه فأبوا عليه فحمل شبيب عليه وحده ورماه دعيج فأصاب عينه فذهب بها
وكان شبيب أعور ثم عمي بعد ما أسن فانصرف وانصرف معه بنو عمه وفاز دعيج بالإبل
فقال شبيب ( أمرتُ بني البرصاء يومَ حُزابَةٍ
... بأمرٍ جميع لم تَشتَّتْ مصادِرُهْ ) ( بشَوْل
ابن معروف وحَسَّانَ بعدما ... جَرَى لي يُمنٌ قد بدا لي طَائرُهْ ) ( أيرجِع
حُرٌّ دون جَرْم ولم يكن ... طِعانٌ ولا ضربٌ يُذَعْذَع عاسِرُه ) ( فأذهَبَ
عيني يوم سفح سَفِيرةٍ ... دُعَيجُ بنُ سيف أعوزتْه معاذِرهُ ) ( ولمّا
رأيت الشَّولَ قد حال دونها ... من الهَضْب مُغْبَرٌّ عنيفٌ عمائرُه ) ( وأعرض
ركنٌ من سَفيرةَ يُتَّقَى ... بشُمِّ الذُّرَا لا يعبُدُ اللهَ عامِرُه ) ( أخذت
بني سيفٍ ومالِكَ مَوْقَعٍ ... بما جَرّ مولاهمْ وجَرّت جرائرُه ) ( ولو
أنّ رَجْلي يوم فرّ ابنُ جَوْشنٍ ... عَلِقن ابن ظبي أعوزتَهْ مَغاوِرُه ) أخبرني
عمي قال حدثني الكراني قال حدثنا العمري عن عاصم بن الحدثان قال هجا أرطاة بن سهية
شبيب بن البرصاء ونفاه عن بني عوف فقال ( فلو
كنتَ عَوْفِياً عمِيتَ وأسْهَلَتْ ... كُدَاكَ ولكنّ المُريب مُريب ) قال
فعمي شبيب بن البرصاء بعد موت أرطاة بن سهية فكان يقول ليت ابن سهية حيا حتى يعلم
أني عوفي قال والعمى شائع في بني عوف إذا أسن الرجل منهم عمي وقل من يفلت من ذلك
منهم وحدثني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي بن الصباح عن ابن الكلبي
قال أنشد الأخطل عبد الملك بن مروان قوله ( بَكَر
العواذِل يبتدِرْن ملامتي ... والعاذِلون فكلُّهم يَلْحَاني ) ( في
أن سبقتُ بشربة مَقَدِيَّةٍ ... صرفٍ مُشَعْشَعَةٍ بماءِ شُنانِ ) فقال
له عبد الملك شبيب بن البرصاء أكرم منك وصفا لنفسه حيث يقول ( وإني
لسهلُ الوجه يُعرَف مجلسي ... إذا أحزنَ القاذورةُ المتَعَبِّسُ ) ( يضيء
سَنَا جودي لمن يبتغي القِرَى ... وليلُ بخيلِ القوم ظَلماءُ حِندِسُ ) ( أليِنُ
لذي القُربى مِراراً وتلتوي ... بأعناقِ أعدائي حبالٌ تَمَرَّسُ ) قال
وكان عبد الملك يتمثل بقول شبيب في بذل النفس عند اللقاء ويعجب به ( دعانِي
حِصنٌ للفِرار فساءني ... مواطِنُ أن يُثْنَى عليّ فأُشْتَما ) ( فقلت
لِحصنٍ نَحِّ نفسَك إنما ... يذُود الفتى عن حوضه أَن يُهَدَّما ) ( تأخّرتُ
أَستبقي الحياةَ فلم أجِد ... لنفسي حياةً مثلَ أن أتقدّما ) ( سيكفيك
أطرافَ الأسنّة فارسٌ ... إذا رِيعَ نادَى بالجواد وبالحِمَى ) ( إذا
المرءُ لم يَغْشَ المكارِهَ أوشَكَتْ ... حِبَالُ الهُوَيْنَى بالفتى أن تَجَذَّما ) نسخت
من كتاب أبي عبد الله اليزيدي ولم أقرأه عليه قال خالد بن كلثوم كان الذي هاج
الهجاء بين شبيب بن البرصاء وعقيل بن علفة أنه كان لبنى نشبة جار من بني سلامان بن
سعد فبلغ عقيلا عنه أنه يطوف في بني مرة يتحدث إلى النساء فامتلأ عليه غيظا فبينا هو
يوما جالس وعنده غلمان له وهو يجز إبلا له على الماء ويسمها إذ طلع عليه السلاماني
على راحلته فوثب عليه هو وغلمانه فضربوه ضربا مبرحا وعقر راحلته وانصرف من عنده
بشر فلم يعد إلى ذلك الموضع ولج الهجاء بينهما وكان عقيل شرسا سيء الخلق غيورا أخبار
دقاق كانت دقاق مغنية محسنة جميلة الوجه قد أخذت عن أكابر مغني الدولة العباسية
وكانت ليحيى بن الربيع فولدت له أحمد ابنه وعمر عمرا طويلا وحدثنا عنه جحظة
ونظراؤه من أصحابنا وكان عالما بأمر الغناء والمغنين وكان يغني غناء ليس بمستطاب
ولكنه صحيح ومات يحيى بن الربيع فتزوجت بعده من القواد والكتاب بعده فماتوا
وورثتهم فحدثني عمي قال حدثني أحمد بن الطيب السرخسي قال كانت دقاق أم ولد يحيى بن
الربيع أحمد المعروف بابن دقاق مغنية محسنة متقنة الأداء والصنعة وكانت قد انقطعت
إلى حمدونة بنت الرشيد ثم إلى غضيض وكانت مشهورة بالظرف والمجون والفتوة قال أحمد
بن الطيب وعتقت دقاق فتزوجها بعد مولاها ثلاثة من القواد من وجوههم فماتوا جميعا
فقال عيسى بن زينب يهجوها ( قلتُ
لمّا رأيتُ دارَ دقاقِ ... حسنُها قد أضرّ بالعشاقِ ) ( حذِّروا
الرابع الشَّقِيَّ دقاقاً ... لا يكوننَّ نجمُه في مُحاقِ ) ( ألْهُ
عن بَضْعها فإن دُقاقاً ... شُؤْمُ حِرْها قد سار في الآفاق ) ( لم
تضاجع بعلاً فهبّ سليماً ... بل جريحاً وجُرحُه غير راقي ) أخبرني
الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثني الهدادي الشاعر قال حدثني أبو عبد الله بن
حمدون وأخبرني جحظة عن ابن حمدون ورواية الكوكبي أتم قال كتبت دقاق إلى أبي تصف
هنها صفة أعجزه الجواب عنها فقال له صديق له ابعث إلى بعض المخنثين حتى يصف متاعك
فيكون جوابها فأحضر بعضهم وأخبره الخبر اكتب إليها عندي القوق البوق الأصلع
المزبوق الأقرع المفروق المنتفخ العروق يسد البثوق ويفتق الفتوق ويرم الخروق ويقضي
الحقوق أسد بين جملين بغل بين حملين منارة بين صخرتين رأسه رأس كلب واصله مترس درب
إذا دخل حفر وإذا خرج قشر لو نطح الفيل كوره ولو دخل البحر كدره إذا رق الكلام
وتقاربت الأجسام والتفت الساق بالساق ولطخ باطنها بالبصاق وقرع البيض بالذكور
وجعلت الرماح تمور بطعن الفقاح وشق الأحراح صبرنا فلم نجزع وسلمنا طائعين فلم نخدع
قال فقطعها حدثني عمي قال حدثني أحمد بن الطيب قال حدثني أحمد بن علي بن جعفر قال
حضرت مرة مجلسا وفيه ابن دقاق وفيه النصراني المعروف بأبي الجاموس اليعقوبي البزاز
قرابة بلال قال فعبث ابن دقاق بأبي الجاموس فلما أكثر عليه قال اسمعوا مني ثم حلف
بالحنيفية أنه لا يكذب وحدثنا قال مضيت وأنا غلام مع أستاذي إلى باب حمدونة بنت
الرشيد ومعنا بز نعرضه للبيع فخرجت إلينا دقاق أم هذا تقاولنا في ثمن المتاع وفي
يدها مروحة على أحد وجهيها منقوش الحر إلى أيرين أحوج من الأير إلى حرين وعلى
الوجه الآخر كما أن الرحا إلى بغلين أحوج من البغل إلى رحوين قال فأسكته والله
سكوتا علمنا معه أنه لو خرس لكان الخرس أصون لعرضه مما جرى قال أحمد وفي دقاق يقول
عيسى بن زينب وكان لها غلامان خلاسيان يروحانها في الخيش فتحدث الناس أنها قالت
لواحد منهما أن ينيكها فعجز فقالت له نكني وأنت حر فقال لها نيكيني أنت وبيعيني في
الأعراب فقال فيها عيسى بن زينب ( أحسنُ
من غَنّى لنا أو شَدَا ... دقاقُ في خفضٍ من العيش ) ( لها
غلامان ينِيكانِها ... بعِلّة الترويح في الخيش ) حدثني
جحظة قال حدثني هبة الله بن إبراهيم بن المهدي قال كانت دقاق جارية يحيى بن الربيع
تواصل جماعة كانوا يميلون إليها وتري كل واحد منهم أنها تهواه وكانت أحسن أهل
عصرها وجها وأشأمهم على من رابطها وتزوجها فقال فيها أبو إسحاق يعني أباه صوت (
عدِمتُكِ يا صديقَة كلِّ خَلْقٍ ... أكلَّ الناسِ ويحكِ تعشَقينا ) ( فكيف
إذا خلطتِ الغثّ منهم ... بلحمِ سمينِهم لا تبشَمِينا ) فيه
خفيف رمل ينسب إلى إبراهيم بن المهدي وإلى ريق وإلى شارية أخبرني عمي قال حدثني
أحمد بن أبي طاهر قال حدثنا أبو هفان قال خرج يحيى بن الربيع مولى دقاق وكانت قد
ولدت منه ابنه أحمد بن يحيى إلى بعض النواحي وترك جاريته دقاق في داره فعملت بعده
الأوابد وكانت من أحسن الناس وجها وغناء وأشأمه على أزواجها ومواليها وربطائها فقال
أبو موسى الأعمى فيه ( قل
ليحيى نعمْ صَبَرْتَ على الموت ... ولم تخشَ سهْمَ ريبِ المَنونِ ) ( كيف
قل لي أطَقْتَ ويحك يا يحيى ... على الضَّعف منك حملَ القُرونِ ) ( ويحُ
يحيى ما مرّ باست دُقاقٍ ... بعد ما غاب من سِياط البطونِ ) صوت
من المائة المختارة ( تكاشرني كُرْهاً كأنك ناصحٌ ... وعينُك تُبْدِي أن صدرك لي
دَوي ) ( لسانُكَ لي حلوٌ وعينك علقمٌ ...
وشرُّك مبسوط وخيرُك مُلْتَوِي ) الشعر
ليزيد بن الحكم الثقفي والغناء لابراهيم ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق
وفيه لجهم العطار خفيف ثقيل عن الهشامي نسب يزيد بن الحكم وأخباره هو يزيد بن
الحكم بن عثمان بن أبي العاص صاحب رسول الله كذلك وجدت نسبه في نسخة ابن الأعرابي
وذكر غيره أنه يزيد بن الحكم بن أبي العاص وأن عثمان عمه وهذا هو القول الصحيح
وأبو العاص بن بشر بن عبد دهمان بن عبد الله بن همام بن أبان بن يسار بن مالك بن
حطيط بن جشم بن قسي وهو ثقيف وعثمان جده أو عم أبيه أحد من أسلم من ثقيف يوم فتح
الطائف هو وأبو بكرة وشط عثمان بالبصرة منسوب إليه كانت له هناك أرض أقطعها
وابتاعها وقد روى عن رسول الله الحديث وروى عنه الحسن بن أبي الحسن ومطرف بن عبد
الله بن الشخير وغيرهما من التابعين أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا بشر بن موسى
قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان سمعه من محمد بن اسحاق وسمعه محمد من سعيد بن
أبي هند وسمعه سعيد بن أبي هند من مطرف بن عبد الله بن الشخير قال سمعت عثمان بن
أبي العاص الثقفي يقول قال لي رسول الله أم قومك واقدرهم بأضعفهم فإن منهم الضعيف
والكبير وذا الحاجة قال الحميدي وحدثنا الفضيل بن عياض عن أشعب عن الحسن عن عثمان
بن أبي العاص قال قال رسول الله اتخذوا مؤذنا ولا يأخذ على أذانه أجرا أخبرني أحمد
بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا العلاء بن الفضل قال حدثني
أبي قال مر الفرزدق بيزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي وهو ينشد في المجلس شعرا
فقال من هذا الذي ينشد شعرا كأنه من أشعارنا فقالوا يزيد بن الحكم فقال نعم أشهد
بالله أن عمتي ولدته وأم يزيد بكرة بنت الزبرقان بن بدر وأمها هنيدة بنت صعصعة بن
ناجية وكانت بكرة أول عربية ركبت البحر فأخرج بها إلى الحكم وهو بتوج وكان
الزبرقان يكنى أبا العباس وكان له بنون منهم العباس وعياش أخباره مع الحجاج أخبرني
حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال حدثنا الحزامي قال دعا الحجاج
بن يوسف بيزيد بن الحكم الثقفي فولاه كورة فارس ودفع إليه عهده بها فلما دخل عليه
ليودعه قال له الحجاج أنشدني بعض شعرك وإنما أراد أن ينشده مديحا له فأنشده قصيدة
يفخر فيها ويقول ( وأبي
الذي سلب ابن كَسرى رايةً ... بيضاءَ تَخْفِقُ كالعُقاب الطائر ) فلما
سمع الحجاج فخره نهض مغضبا فخرج يزيد من غير أن يودعه فقال الحجاج لحاجبه ارتجع
منه العهد فإذا رده فقل له أيهما خير لك ما ورثك أبوك أم هذا فرد على الحاجب العهد
وقال قل له ( ورِثتُ
جدّي مجدَه وفَعالَه ... وورثتَ جدَّك أَعْنُزاً بالطائف ) وخرج
عنه مغضبا فلحق بسليمان بن عبد الملك ومدحه بقصيدته التي أولها ( أمسَى
بأسماءَ هذا القلبُ مَعْمودا ... إذَا أقول صَحَا يَعْتادُه عِيدا ) يقول
فيها ( سُمِّيتَ باسم امريء أشبَهْتَ
شيمتَه ... عدلاً وفضلاً سليمانَ بن داوُدا ) ( أَحْمِدْ
به في الوَرَى الماضينَ من مَلِكٍ ... وأنت أصبحت في الباقين محمودا ) ( لا
يَبْرأُ الناس من أن يحمدوا مَلِكاً ... أولاهُمُ في الأمور الحلم والجودا ) فقال
له سليمان وكم كان أجرى لك لعمالة فارس قال عشرين =================================================
ج24. كتاب:الأغاني لأبي الفرج
الأصفهاني ألفا قال فهي لك علي ما دمت حيا وفي أول هذه القصيدة غناء نسبته صوت (
أمسى بأسماءَ هذا القلب معمودا ... إذا أقول صحا يعتاده عِيدا ) ( كأنَّ
أحورَ من غِزلان ذي بَقَرٍ ... أَهدَى لها شَبَهَ العينين والجِيدا ) ( أَجري
على مَوعدٍ منها فتُخْلِفُني ... فلا أمَلُّ ولا تُوفِي المواعيدا ) ( كأنني
يوم أُمْسِي لا تُكَلِّمُني ... ذُو بُغْية يبتغي ما ليس موجودا ) ومن
الناس من ينسب هذه الأبيات إلى عمر بن أبي ربيعة وذلك خطأ - عروضه
من البسيط - والغناء للغريض ثقيل أول بالبنصر في مجراها عن إسحاق وذكر عمرو بن
بانة أنه لمعبد ثقيل أول بالوسطى أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل
بن أسد قال حدثني العمري عن الهيثم بن عدي قال أخبرنا ابن عياش عن أبيه قال سمعت
الحجاج واستوى جالسا ثم قال صدق والله زهير بن أبي سلمى حيث يقول ( ومَا
العفوُ إلا لامرىءٍ ذي حفيظة ... متى يَعْفُ عن ذنب امرىء السَّوءِ يَلْجِج ) فقال
له يزيد بن الحكم أصلح الله الأمير إني قد رثيت ابني عنبسا ببيت إنه لشبيه بهذا
قال وما هو قال قلت ( ويأمنُ
ذو حِلْمِ العشيرة جهلَه ... عليه ويخشَى جهلَه جُهَلاؤها ) قال
فما منعك أن تقول مثل هذا لمحمد ابني ترثيه به فقال إن ابني والله كان أحب إلي من
ابنك وهذه الأبيات من قصيدة أخبرني بها عمي عن الكراني عن الهيثم بن عدي قال كان ليزيد
بن الحكم ابن يقال له عنبس فمات فجزع عليه جزعا شديدا وقال يرثيه ( جزَى
الله عني عَنْبَساً كلَّ صالحٍ ... إذا كانت الأولادُ سَيْئاً جزاؤها ) ( هو
ابني وأمسىَ أجرُه لي وعزَّني ... على نفسه ربٌّ إليه وَلاؤها ) ( جهولٌ
إذا جَهْلُ العشيرة يُبتَغى ... حليمٌ ويَرْضَى حلمَه حُلَماؤها ) وبعد
هذا البيت المذكور في الخبر الأول عبد الملك يفضله على شاعر ثقيف أخبرني عمي قال
حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن لقيط قال قال عبد الملك بن مروان كان شاعر ثقيف
في الجاهلية خيرا من شاعرهم في الإسلام فقيل له من يعني أمير المؤمنين فقال لهم
أما شاعرهم في الإسلام فيزيد بن الحكم حيث يقول ( فما
منك الشبابُ ولستَ منه ... إذا سألَتْك لحيتُك الخِضَابا ) ( عقائلُ
من عقائل أهل نَجد ... ومكّة لم يُعَقِّلْنَ الركابا ) ( ولم
يَطرُدن أبقعَ يوم ظعنٍ ... ولا كلباً طردن ولا غرابا ) وقال
شاعرهم في الجاهلية ( والشيب
إن يظهرْ فإنّ وراءه ... عُمُراً يكون خلالَه مُتَنَفَّسُ ) ( لم
يَنتقِص منّي المشيبُ قُلاَمةً ... ولَمَا بَقِي مِنِّي ألَبُّ وأكيَسُ ) أخبرني
عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن لقيط قال قال يزيد بن الحكم الثقفي
ليزيد بن المهلب حين خلع يزيد بن عبد الملك ( أبا
خالد قد هِجْتَ حرباً مريرةً ... وقد شمرتْ حربٌ عوانٌ فشمِّرِ ) فقال
يزيد بن المهلب بالله أستعين ثم أنشده فلما بلغ قوله ( فإنّ
بني مروان قد زال مُلكُهُمْ ... فإن كنتَ لم تَشْعُر بذلك فاشعُرِ ) فقال
يزيد بن المهلب ما شعرت بذلك ثم أنشده فلما بلغ قوله ( فمت
ماجداً أو عش كريماً فإن تَمُتْ ... وسيفك مشهور بكفك تُعذر ) فقال
هذا ما لا بد منه قال العمري وحدثني الهيثم بن عدي عن ابن عياش أن يزيد بن المهلب
إنما كتب إليه يزيد بن الحكم بهذه الأبيات فوقع إليه تحت البيت الأول أستعين بالله
وتحت البيت الثاني ما شعرت وتحت الثالث أما هذه فنعم أخبرني محمد بن خلف وكيع قال
حدثني الغلابي قال حدثني ابن عائشة قال دخل يزيد بن الحكم على يزيد بن المهلب في
سجن الحجاج وهو يعذب وقد حل عليه نجم كان قد نجم عليه وكانت نجومه في كل أسبوع ستة
عشر ألف درهم فقال له ( أصْبح
في قَيْدِك السماحةُ والجودُ ... وفضل الصَّلاح والحَسَبُ ) ( لا
بَطِرٌ إن تتابعتْ نَعَمٌ ... وصابرٌ في البلاء محتَسِبُ ) ( بزَزْتَ
سَبْق الجيادِ في مَهَلٍ ... وقَصَّرَتْ دون سَعْيك العرَبُ ) قال
فالتفت يزيد بن المهلب إلى مولى له وقال أعطه نجم هذا الأسبوع ونصبر على العذاب
إلى السبت الآخر وقد رويت هذه الأبيات والقصة لحمزة بن بيض مع يزيد أخبرني عمي قال
حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني هارون بن مسلم قال حدثني عثمان بن حفص قال
حدثني عبد الواحد عريف ثقيف بالبصرة أن العباس بن يزيد بن الحكم الثقفي هرب من
يوسف بن عمر إلى اليمامة قال فجلست في مسجدها وغشيني قوم من أهلها قال فوالله إني
لكذلك إذا أنا بشيخ قد دخل يترجح في مشيته فلما رآني أقبل إلي فقال القوم هذا جرير
فأتاني حتى جلس إلى جنبي ثم قال لي السلام عليك ممن أنت قلت رجل من ثقيف قال أعرضت
الأديم ثم ممن قلت رجل من بني مالك فقال لا إله إلا الله أمثلك يعرف بأهل بيته
فقلت أنا رجل من ولد أبي العاص قال ابن بشر قلت نعم قال أيهم أبوك قلت يزيد بن
الحكم قال فمن الذي يقول ( فَنِيَ
الشّبابُ وكلُّ شيء فانِ ... وعلا لِداتي شيبهمُ وعلاني ) قلت
أبي قال فمن الذي يقول ( ألا
لا مرحباً بفراق ليلى ... ولا بالشيب إذ طَرَدَ الشبابا ) ( شبابٌ
بان محموداً وشَيبٌ ... ذميمٌ لم نجِد لهما اصطحابا ) ( فما
منك الشبابُ ولستَ منه ... إذا سألتك لِحيتُك الخضابا ) قلت
أبي قال فمن الذي يقول ( تعالَوْا
فعُدّوا يعلم الناسُ أينا ... لصاحبه في أوّل الدهر تابعُ ) ( تزيدُ
يربوعٌ بكم في عِدادها ... كما زِيد في عَرْض الأديم الأكارعُ ) قال
قلت غفر الله لك كان أبي أصون لنفسه وعرضه من أن يدخل بينك وبين ابن عمك فقال رحم
الله أباك فقد مضى لسبيله ثم انصرف فنزلني بكبشين فقال لي أهل اليمامة ما نزل أحدا
قبلك قط أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن إبراهيم
الموصلي عن يزيد حوراء المغني قال شعره في جارية غير مطاوعة له كان يزيد بن الحكم
الثقفي يهوى جارية مغنية وكانت غير مطاوعة له فكان يهيم بها ثم قدم رجل من أهل
الكوفة فاشتراها فمرت بيزيد بن الحكم مع غلمة لمولاها وهي راحلة فلما علم بذلك رفع
صوته فقال ( يا أيّها النازحُ الشَّسُوع ...
ودائعُ القلب لا تَضيعُ ) ( أَستودِعُ
الله مَنْ إليه ... قلبي على نأيه نَزُوعُ ) ( إذا
تذكرتُه استهلت ... شوقاً إلى وجهه الدموعُ ) ومضت
الجارية وغاب عنه خبرها مدة فبينا هو جالس ذات يوم إذ وقف عليه كهل فقال له أأنت
يزيد بن الحكم قال نعم فدفع إليه كتابا مختوما ففضه فإذا كتابها إليه وفيه ( لئن
كوى قلبَكَ الشُّسوعُ ... فالقلبُ مني به صُدوعُ ) ( وبي
وربِّ السماءِ فاعلم ... إليك يا سيدي نُزُوعُ ) ( أعِززْ
علينا بما تلاقي ... فينا وإن شَفَّنا الوَلوعُ ) ( فالنفس
حَرَّى عليك وَلْهَى ... والعين عَبْرَى لها دموع ) ( فموتنا
في يد التنائي ... وعيشُنا القربُ والرجوعُ ) ( وحيثما
كنتَ يا منايا ... فالقلب مِنّي به خُشوعُ ) ( ثم
عليك السلام منّي ... ما كان شمسها طلوعُ ) قال
فبكى والله حتى رحمه من حضر وقال لنا الكهل ما قصته فأخبرناه بما بينهما فجعل
يستغفر الله من حمله الكتاب إليه وأحسب أن هذا الخبر مصنوع ولكن هكذا أخبرنا به
ابن أبي الأزهر شعر نسب إليه وإلى طرفة بن العبد أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا
أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال أنشدني أبو الزعراء رجل من بني قيس بن ثعلبة لطرفة
بن العبد ( تُكاشرني كرهاً كأنك ناصح ...
وعينك تُبدي أن صدرك لي جَوِي ) قال
فعجبت من ذلك وأنشدته أبا عمرو بن العلاء وقلت له إني كنت أرويه ليزيد بن الحكم
الثقفي فأنشدنيه أبو الزعراء لطرفة بن العبد فقال لي أبو عمرو إن أبا الزعراء في
سن يزيد بن الحكم ويزيد مولد يجيد الشعر وقد يجوز أن يكون أبو الزعراء صادقا قال
مؤلف هذا الكتاب ما أظن أبا الزعراء صدق فيما حكاه لأن العلماء من رواة الشعر
رووها ليزيد بن الحكم وهذا أعرابي لا يحصل ما يقوله ولو كان هذا الشعر مشكوكا فيه
أنه ليزيد بن الحكم وليس كذلك لكان معلوما أنه ليس لطرفة ولا موجودا في شعره على
سائر الروايات ولا هو أيضا مشبها لمذهب طرفة ونمطه وهو بيزيد أشبه وله في معناه
عدة قصائد يعاتب فيها أخاه عبد ربه بن الحكم وابن عمه عبد الرحمن بن عثمان بن أبي
العاص ومن قال إنه ليزيد بن الحكم بن عثمان قال إن عمه عبد الرحمن هو الذي عاتبه
وفيه يقول ( ومَوْلًى كذئبِ السَّوء لو
يستطيعني ... أصاب دمي يوماً بغير قتيلِ ) ( وأُعْرِضُ
عما ساءه وكأنما ... يقاد إلى ما ساءني بدليلِ ) ( مجامَلةً
منّي وإكرامَ غيره ... بلا حَسنٍ منه ولا بجميل ) ( ولو
شئت لولا الحلُم جدّعتُ أنفه ... بإيعاب جَدْعٍ بادىءٍ وعليلِ ) ( حفاظاً
على أحلام قوم رُزِئْتُهم ... رِزانٍ يَزِينون النّدِيَّ كُهولِ ) وقال
في أخيه عبد ربه ( أخي
يُسِرُّ ليَ الشَّحْناءَ يُضْمِرها ... حتى وَرَى جَوْفَه من غِمْرِه الداءُ ) ( حَرّانُ
ذو غُصّة جُرِّعتُ غُصَّتَه ... وقد تعرّض دون الغصةِ الماءُ ) ( حتى
إذا ما أساغ الريقَ أنزلني ... منه كما يُنزِل الأعداء أعداءُ ) ( أسعى
فيَكفُرُ سعيي ما سعيتُ له ... إني كذاك من الإِخوان لَقَّاءُ ) ( وكم
يدٍ ويدٍ لي عنده ويدٍ ... يعدّهن تِراتٍ وهْيَ آلاءُ ) فأما
تمام القصيدة التي نسبت إلى طرفة فأنا أذكر منها مختارها ليعلم أن مرذول كلام طرفة
فوقه ( تُصافِحُ من لاقيتَ لي ذا عداوةِ
... صِفاحاً وعنّي بينُ عينيك مُنْزَوِي ) ( اراك
إذا لم أهْوَ أمراً هَوِيتَه ... ولستَ لِما أهوَى من الأمر بالهَوِي ) ( أراك
اجتويتَ الخيرَ مني وأجتوِي ... أذاكَ فكلٌّ يجتوي قُرْبَ مجتوِي ) ( فليت
كَفافاً كان خيرُك كلّه ... وشرُّك عني ما ارتوى الماءَ مرتوي ) ( عدوّك
يخشى صولتي إن لقيتُه ... وأنت عدوّي ليس ذاك بمستوِي ) ( وكم
موطنٍ لولاي طِحتَ كما هَوَى ... بأَجرامه من قُلّة النِّيق مُنهوِي ) ( إذا
ما ابتنى المجدَ ابنُ عمك لم تُعِن ... وقلتَ ألا يا ليت بنيانَه خَوِي ) ( كأنك
إن نال ابنُ عمِّك مَغْنَماً ... شَجٍ أو عميدٌ أو أخو غُلّة لَوِي ) ( وما
برِحتْ نفسٌ حسودٌ حُشِيتَها ... تُذِيبُكَ حتى قيل هل أنت مكتوي ) ( جمعتَ
وفُحشاً غِيبةً ونميمةً ... ثلاثَ خصال لست عنهن نرعوِي ) ( ويدحو
بك الداحي إلى كلّ سَوْءةٍ ... فيا شرَّ من يدحو إلى شر مُدْحَوِي ) ( بدا
منك غِشٌّ طالما قد كتمته ... كما كتمتْ داءَ ابنها أمّ مُدَّوِي ) وهذا
شعر إذا تأمله من له في العلم أدنى سهم عرف أنه لا يدخل في مذهب طرفة ولا يقاربه صوت
من المائة المختارة ( أبَى القلب إلا أُمَّ عوفٍ وحُبَّها ... عجوزاً ومن يعشقْ
عجوزاً يُفَنَّدِ ) ( كثوب
يمانٍ قد تقادمَ عهدُه ... ورُقعتُه ما شِئتَ في العين واليد ) الشعر
لأبي الأسود الدؤلي والغناء لعلويه ثقيل أول بالبنصر عن عمرو بن بانة أخبار أبي
الأسود الدؤلي ونسبه اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن حلس بن نفاثة
بن عدي بن الدئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر
بن نزار وهم إخوة قريش لأن قريشا مختلف في الموضع الذي افترقت فيه مع أبيها فخصت
بهذا الاسم دونهم وأبعد من قال في ذلك مدى من زعم أن النضر بن كنانة منتهى نسب
قريش فأما النسابون منهم فيقولون إن من لم يلده فهر بن مالك بن النضر فليس قرشيا وكان
أبو الأسود الدؤلي من وجوه التابعين وفقهائهم ومحدثيهم وقد روى عن عمر بن الخطاب
وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما فأكثر وروى عن ابن عباس وغيره واستعمله عمر بن
الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم وكان من وجوه شيعة علي وذكر
أبو عبيدة أنه أدرك أول الإسلام وشهد بدرا مع المسلمين وما سمعت بذلك عن غيره وأخبرني
عمي عن ابن أبي سعد عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الصمد السلمي عن أبي عبيدة مثله أبو
الأسود واضع بناء النحو واصوله واستعمله علي رضي الله عنه على البصرة بعد ابن عباس
وهو كان الأصل في بناء النحو وعقد أصوله أخبرنا أبو جعفر بن رستم الطبري النحوي
بذلك عن أبي عثمان المازني عن أبي عمر الجرمي عن أبي الحسن الأخفش عن سيبويه عن
الخليل بن أحمد عن عيسى بن عمر عن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي عن عنبسة الفيل
وميمون الأقرن عن يحيى بن يعمر الليثي أن أبا الأسود الدؤلي دخل إلى ابنته بالبصرة
فقالت له يا أبت ما أشد الحر رفعت أشد فظنها تسأله وتستفهم منه أي زمان الحر أشد
فقال لها شهر ناجر يريد شهر صفر الجاهلية كانت تسمي شهور السنة بهذه الأسماء فقالت
يا أبت إنما أخبرتك ولم أسألك فأتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
فقال يا أمير المؤمنين ذهبت لغة العرب لما خالطت العجم وأوشك إن تطاول عليها زمان أن
تضمحل فقال له وما ذلك فأخبره خبر ابنته فأمره فاشترى صحفا بدرهم وأمل عليه الكلام
كله لا يخرج عن اسم وفعل وحرف جاء لمعنى وهذا القول أول كتاب سيبويه ثم رسم أصول
النحو كلها فنقلها النحويون وفرعوها قال أبو الفرج الأصبهاني هذا حفظته عن أبي
جعفر وأنا حديث السن فكتبته من حفظي واللفظ يزيد وينقص وهذا معناه كان أول من نقط
المصاحف أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن المدائني قال أمر
زياد أبا الأسود الدؤلي أن ينقط المصاحف فنقطها ورسم من النحو رسوما ثم جاء بعده
ميمون الأقرن فزاد عليه في حدود العربية ثم زاد فيها بعده عنبسة بن معدان المهري
ثم جاء عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي وأبو عمرو بن العلاء فزادا فيه ثم جاء
الخليل بن أحمد الأزدي وكان صليبة فلحب الطريق ونجم على ابن حمزة الكسائي مولى بني
كاهل من أسد فرسم للكوفيين رسوما هم الآن يعملون عليها أخبرني علي بن سليمان
الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد النحوي قال حدثنا التوزي والمهري قالا حدثنا كيسان
بن المعرف الهجيمي أبو سليمان عن أبي سفيان بن العلاء عن جعفر بن أبي حرب بن أبي
الأسود الدؤلي عن أبيه قال قيل لأبي الاسود من أين لك هذا العلم يعنون به النحو
فقال أخذت حدوده عن علي بن أبي طالب عليه السلام خبره مع زياد في سبب وضع النحو
أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثني عبيد الله بن محمد عن عبد الله بن شاكر
العنبري عن يحيى بن آدم عن أبي بكر عياش عن عاصم بن أبي النجود قال أول من وضع
العربية أبو الأسود الدؤلي جاء إلى زياد بالبصرة فقال له أصلح الله الأمير إني أرى
العرب قد خالطت هذه الأعاجم وتغيرت ألسنتهم أفتأذن لي أن أضع لهم علما يقيمون به
كلامهم قال لا قال ثم جاء زيادا رجل فقال مات أبانا وخلف بنون فقال زياد مات أبانا
وخلف بنون ردوا إلي أبا الأسود الدؤلي فرد إليه فقال ضع للناس ما نهيتك عنه فوضع
لهم النحو وقد روى هذا الحديث عن أبي بكر بن عياش يزيد بن مهران فذكر أن هذه القصة
كانت بين أبي الأسود وبين عبيد الله بن زياد أخبرني أحمد بن العباس قال حدثنا
العنزي عن أبي عثمان المازني عن الأخفش عن الخليل بن أحمد عن عيسى بن عمر عن عبد
الله بن أبي إسحاق عن أبي حرب بن الأسود قال أول باب وضعه أبي من النحو باب التعجب
وقال الجاحظ أبو الأسود الدؤلي معدود في طبقات من الناس وهو في كلها مقدم مأثور
عنه الفضل في جميعها كان معدودا في التابعين والفقهاء والشعراء والمحدثين والأشراف
والفرسان والأمراء والدهاة والنحويين والحاضري الجواب والشيعة والبخلاء والصلع
الأشراف والبخر الأشراف حديثه عن عمر بن الخطاب وعلي فما رواه من الحديث عن عمر
مسندا عن النبي حدثنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي قال حدثنا أبو خيثمة زهير بن
حرب قال حدثنا يونس بن محمد قال حدثنا داود بن أبي الفرات عن عبد الله بن ابي
بريدة عن أبي الأسود الدؤلي قال أتيت المدينة فوافقتها وقد وقع فيها مرض فهم يموتون
موتا ذريعا فجلست إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فمرت به جنازة فأثني على
صاحبها خير فقال عمر رضي الله عنه وجبت ثم مر بأخرى فأثني على صاحبها بشر فقال عمر
رضي الله عنه وجبت فقال أبو الأسود ما وجبت يا أمير المؤمنين فقال قلت كما قال
رسول الله أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة فقلنا وثلاثة قال وثلاثة
فقلنا واثنان قال واثنان ثم لم نسأله عن الواحد حدثني حماد بن سعيد قال حدثنا أبو
خيثمة قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن أبي الأسود الدؤلي قال
خطب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الناس يوم الجمعة فقال إن نبي الله قال لا
تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة حتى يأتي أمر الله جل وعز ومما رواه عن علي بن
أبي طالب عليه السلام أخبرنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي قال حدثنا هناد
بن السري قال حدثنا عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي حرب بن
أبي الأسود الدؤلي عن ابيه أبي الأسود الدؤلي عن علي كرم الله وجهه أنه قال في بول
الجارية يغسل وفي بول الغلام ينضح ما لم يأكلا الطعام أخبرني محمد بن العباس
اليزيدي قال حدثنا البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا معلى بن هلال عن
الشعبي وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمر قال حدثنا عرم بن شبة قال حدثنا المدائني
جميعا قالوا لما خرج ابن عباس رضي الله عنهما إلى المدينة من البصرة تبعه أبو
الأسود في قومه ليرده فاعتصم عبد الله بأخواله من بني هلال فمنعوه وكادت تكون
بينهم حرب فقال لهم بنو هلال ننشدكم الله ألا تسفكوا بيننا دماء تبقى معها العداوة
إلى آخر الأبد وأمير المؤمنين أولى بابن عمه فلا تدخلوا أنفسكم بينهما فرجعت كنانة
عنه وكتب أبو الأسود إلى علي عليه السلام فأخبره بما جرى فولاه البصرة كان كاتبا
لابن عباس على البصرة أخبرني حبيب بن نصر المهلبي ووكيع وعمي قالوا جميعا حدثنا
عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن عمران الضبي قال حدثني خالد بن عبد الله
قال حدثني أبو عبيدة معمر بن المثنى قال كان أبو الأسود الدؤلي كاتبا لابن عباس
على البصرة وهو الذي يقول ( وإذا
طلبتَ من الحوائج حاجةً ... فادْعُ الإِله وأحسِن الأعمالا ) ( فَليُعْطَينَّك
ما أراد بقدرة ... فهو اللطيف لِما أَراد فِعالا ) ( إن
العبادَ وشأنَهم وأمورَهم ... بيدِ الإِله يقلِّب الأحوالا ) ( فدعِ
العبادَ ولا تكن بِطلابِهم ... لَهِجاً تَضَعْضَعُ للعباد سؤالا ) أخبرني
هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي عن محمد بن سلام قال كان أبو الأسود
الدؤلي قد أسن وكبر وكان مع ذلك يركب إلى المسجد والسوق ويزور اصدقاءه فقال له رجل
يا أبا الأسود أراك تكثر الركوب وقد ضعفت عن الحركة وكبرت ولو لزمت منزلك كان أودع
لك فقال له أبو الأسود صدقت ولكن الركوب يشد أعضائي وأسمع من أخبار الناس ما لا
أسمعه في بيتي واستنشي الريح وألقى إخواني ولو جلست في بيتي لاغتم بي أهلي وأنس بي
الصبي واجترأ علي الخادم وكلمني من أهلي من يهاب كلامي لإلفهم إياي وجلوسهم عندي
حتى لعل العنز أن تبول علي فلا يقول لها أحد هس أخبرني محمد بن القاسم الأنباري
قال حدثني أبي قال حدثنا أبو عكرمة قال كان بين بني الديل وبين بني ليث منازعة
فقتلت بنو الديل منهم رجلا ثم اصطلحوا بعد ذلك على أن يؤدوا ديته فاجتمعوا إلى أبي
الأسود يسألونه المعاونة على أدائها وألح عليه غلام منهم ذو بيان وعارضة فقال له
يا أبا الأسود أنت شيخ العشيرة وسيدهم وما يمنعك من معاونتهم قلة ذات يد ولا سؤدد
ولا جود فلما أكثر أقبل عليه أبو الأسود ثم قال له قد أكثرت يابن أخي فاسمع مني إن
الرجل والله ما يعطي ماله إلا لإحدى خلال إما رجل أعطى ماله رجاء مكافأة ممن يعطيه
أو رجل خاف على نفسه فوقاها بماله أو رجل أراد وجه الله وما عنده في الدار الآخرة
أو رجل أحمق خدع عن ماله ووالله ما أنتم إحدى هذه الطبقات ولا جئتم في شيء من هذا
ولا عمك الرجل العاجز فينخدع لهؤلاء ولما أفدتك إياه في عقلك خير لك من مال أبي
الأسود لو وصل إلى بني الديل قوموا إذا شئتم فقاموا يبادرون الباب أخبرني محمد بن
الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال كان طريق أبي الأسود الدؤلي
إلى المسجد والسوق في بني تميم الله بن ثعلبة وكان فيهم رجل متفحش يكثر الأستهزاء
بمن يمر به فمر به أبو الأسود الدؤلي يوما فقال لقومه كأن وجهه أبي الأسود وجه
عجوز راحت إلى أهلها بطلاق فضحك القوم وأعرض عنهم أبو الأسود ثم مر به مرة أخرى
فقال لهم كأن غضون قفا أبي الأسود غضون الفقاح فأقبل عليه أبو الأسود فقال له هل
تعرف فقحة أمك فيهن فأفحمه وضحك القوم منه وقاموا إلى أبي الأسود فاعتذروا إليه
مما كان ولم يعاوده الرجل بعد ذلك وقال فيه أبو الأسود بعد ذلك حين رجع إلى أهله ( وأَهْوَجَ
مِلْجاجٍ تصامَمتُ قبله ... أَنَ اسمعَه وما بِسَمْعيَ مِن باسِ ) ( ولو
شئت قد أعرضتُ حتى أصيبَه ... على أنفه حَدباء تُعْضِل بالأسِي ) ( فإن
لساني ليس أهونَ وَقْعةً ... وأصغَرَ آثاراً من النحتِ بالفاس ) ( وذي
إحنةٍ لم يُبْدِها غيرَ أنه ... كذي الخَبْل تأبَى نفسُه غيرَ وَسواس ) ( صفَحتُ
له صفحاً جميلاً كصفحه ... وعيني وما يدري عليه وأحراسي ) ( وعندِي
له إن فار فوّارُ صدرِه ... فَحاً جَبلِيٌّ لا يعاوده الحاسِي ) ( وخِبًّ
لحومُ الناس أكثرُ زادِه ... كثيرِ الخنَا صَعْبِ المحَالةِ هَمَّاس ) ( تركتُ
له لحمي وأبقيت لحمه ... لمن نابه من حاضِر الجنّ والناسِ ) ( فكَرَّ
قليلاً ثم صدَّ كأنما ... يَعَضُّ بصُمٍّ من صَفَا جبلٍ راسِي ) أخبرنا
محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني قال
خرج أبو الأسود الدؤلي ومعه جماعة أصحاب له إلى الصيد فجاءه أعرابي فقال له السلام
عليك فقال له أبو الأسود كلمة مقولة قال أدخل قال وراؤك أوسع لك قال إن الرمضاء قد
أحرقت رجلي قال بل عليها أو ائت الجبل يفيء عليك قال هل عندك شيء تطعمنيه قال نأكل
ونطعم العيال فإن فضل شيء فأنت أحق به من الكلب فقال الأعرابي ما رأيت قط ألأم منك
قال أبو الأسود بلى قد رأيت ولكنك قد أنسيت أبو الأسود وابن أبي الحمامة أخبرني
هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل عن المدائني بهذا الخبر فقال فيه
كان أبو الأسود جالسا في دهليزه وبين يديه رطب فجاز به رجل من الأعراب يقال له ابن
أبي الحمامة فسلم ثم ذكر باقي الخبر مثل الذي تقدمه وزاد عليه فقال أنا ابن أبي
الحمامة قال كن ابن أبي طاوسة وانصرف قال أسألك بالله إلا أطعمتني مما تأكل قال
فألقى إليه أبو الأسود ثلاث رطبات فوقعت إحداهن في التراب فأخذها يمسحها بثوبه فقال
له أبو الأسود دعها فإن الذي تمسحها منه أنظف من الذي تمسحها به فقال إنما كرهت أن
أدعها للشيطان فقال له لا والله ولا لجبريل وميكائيل تدعها أخبرني محمد بن عمران
الضبي الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل قال حدثنا محمد بن معاوية الأسدي قال ذكر
الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال خطب أبو الأسود الدؤلي امرأة من عبد القيس يقال لها
أسماء بنت زياد ابن غنيم فأسر أمرها إلى صديق له من الأزد يقال له الهيثم بن زياد
فحدث به ابن عم لها كان يخطبها وكان لها مال عند أهلها فمشى ابن عمها الخاطب لها
إلى أهلها الذين مالها عندهم فأخبرهم خبر أبي الأسود وسألهم أن يمنعوها من نكاحه
ومن مالها الذي في أيديهم ففعلوا ذلك وضاروها حتى تزوجت بابن عمها فقال أبو الأسود
الدؤلي في ذلك ( لعمري
لقد أفشيتُ يوماً فخانني ... إلى بعضِ من لم أخشَ سِرّا مُمنَّعا ) ( فمزّقه
مَزْقَ العَمِي وهو غافل ... ونادى بما أخفيتُ منه فأسْمعا ) ( فقلت
ولم أفحِش لَعَّالك عاثراً ... وقد يعثُر الساعي إذا كان مسرِعا ) ( ولستُ
بجازيك الملامةَ إنني ... أرى العفو أَدنَى للرشاد وأوسَعا ) ( ولكن
تعلّمْ أنه عهدُ بينِنا ... فبِنْ غيرَ مذموم ولكن مُودعا ) ( حديثاً
أضعناه كلانا فلا أرَى ... وأنت نجِيًّا آخرَ الدهر أجمعا ) ( وكنت
إذا ضيعتَ سرك لم تجد ... سواك له إلا أشَتَّ وأضعَيا ) قال
وقال فيه ( أمِنتُ أمرأ في السرّ لم يك حازماً
... ولكنه في النصح غيرُ مُرِيب ) ( أذاع
به في الناس حتى كأنه ... بعلياءَ نارٌ أُوقدتْ بثَقُوب ) ( وكنتَ
متى لم تَرْعَ سرَّك تلتبسْ ... قوارعُه من مخطيء ومُصيب ) ( فما
كل ذي نصح بمؤتيك نُصحَه ... وما كل مؤتٍ نصحَه بلبيب ) ( ولكن
إذا ما استجمعا عند واحدٍ ... فحُقَّ له من طاعةٍ بنصِيبِ ) اخبرني
عمي قال حدثني الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال اشترى
أبو الأسود جارية فأعجبته وكانت حولاء فعابها أهله عنده بالحول فقال في ذلك ( يَعيبونها
عندي ولا عيبَ عندها ... سوى أن في العينين بعضَ التأخّر ) ( فإن
يك في العينين سوء فإنها ... مُهَفْهَفَة الأعلى رَدَاحُ المؤخَّر ) أخبرني
محمد بن الحسن بن دريد الأزدي قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال
كان لأبي الأسود الدؤلي صديق من بني تميم ثم من بني سعد يقال له مالك بن أصرم
وكانت بينه وبين ابن عم له خصومة في دار له وأنهما اجتمعا عند أبي الأسود فحكماه
بينهما فقال له خصم صديقه إني بالذي بينك وبينه عارف فلا يحملنك ها ذاك على أن
تحيف علي في الحكم وكان صديق أبي الأسود ظالما فقضى أبو الأسود على صديقه لخصمه
بالحق فقال له صديقه والله ما بارك الله لي في صداقتك ولا نفعني بعلمك وفقهك ولقد
قضيت علي بغير الحق فقال أبو الأسود ( إذا
كنتَ مظلوماً فلا تُلْفَ راضياً ... عن القوم حتى تأخذ النِّصفَ واغضبِ ) ( وإن
كنت أنت الظالمَ القوم فأطَّرِحْ ... مقالتهم واشغَبْ بهم كلَّ مَشْغَب ) ( وقارِبْ
بذي جهل وباعد بعالم ... جَلوبٍ عليك الحقَّ من كل مَجْلِب ) ( فإن
حدِبوا فاقعَسْ وإن هم تقاعسوا ... ليستمكِنوا مما وراءك فاحدَبِ ) ( ولا
تدْعُني للجَورِ واصبِر على التي ... بها كنتُ أقضِي للبعيد على أبي ) ( فإني
امرؤ أخشى إلهي وأتَّقي ... معادى وقد جرّبتُ ما لم تجرِّبِ ) ابو
الأسود يكتب مستجديا كتب إلي أبو خليفة يذكر أن محمد بن سلام حدثه وأخبرني محمد بن
يحيى الصولي عن أبي ذكوان عن محمد بن سلام قال وجه أبو الأسود الدؤلي إلى الحصين
بن أبي الحر العنبري جد عبيد الله بن الحسن القاضي وهو يلي بعض أعمال الخراج لزياد
وإلى نعيم بن مسعود النهشلي وكان يلي مثلي ذلك برسول وكتب معه إليهما وأراد أن
يبراه ففعل ذلك نعيم بن مسعود ورمى الحصين بن أبي الحر بكتاب أبي الأسود وراء ظهره
فعاد الرجل فأخبره فقال أبو الأسود للحصين ( حسِبت
كتابي إذ أتاك تعرُّضاً ... لسَيْبك لم يذهب رجائي هنالكا ) ( وخبَّرني
من كنتُ أرسلتُ أنما ... أخذتَ كتابي مُعرِضاً بشِمالكا ) ( نظرتَ
إلى عنوانه فنبذتَه ... كنبذِك نعلاً أخلقتْ مِن نِعالِكا ) ( نُعَيمُ
بن مسعود أحقُّ بما أتى ... وأنت بما تأتي حقيق بذلكا ) ( يصيبُ
وما يدري ويُخطِي وما درى ... وكيف يكون النُّوك إلا كذلكا ) قال
محمد بن سلام فتقدم رجل إلى عبيد الله بن الحسن بن الحصين بن أبي الحر وهو قاضي
البصرة مع خصم له فخلط في قوله فتمثل عبيد الله بقول أبي الأسود ( يصيب
وما يَدْري ويُخطي وما درى ... وكيف يكون النَّوْك إلا كذلكا ) فقال
الرجل إن رأى القاضي أن يدنيني منه لأقول شيئا فعل فقال له ادن فقال له إن أحق
الناس بستر هذا الشعر أنت وقد علمت فيمن قيل فتبسم عبيد الله وقال له إني أرى فيك
مصطنعا فقم إلى منزلك وقال لخصمه رح إلي فعزم له ما كان يطالب به أخبرني عمي قال
حدثنا الكراني عن ابن عائشة قال أراد أبو الأسود الدؤلي الخروج إلى فارس فقالت له
ابنته يا أبت إنك قد كبرت وهذا صميم الشتاء فانتظر حتى ينصرم وتسلك الطريق آمنا
فإني أخشى عليك فقال أبو الأسود ( إذا
كنتَ معنيّاً بأمرٍ تُريده ... فما للمَضاءِ والتوكل من مِثْلِ ) ( توكل
وحَمل أمرَك الله إن ما ... ترادُ به آتيك فاقنع بذي الفضل ) ( ولا
تحسبنَّ السير أقرَب للردى ... من الخفض في دار الُمقامة والثَّمْل ) ( ولا
تحسبيني يا بنْتي عزَّ مذهبي ... بظنك إن الظن يَكذِبُ ذا العقلِ ) ( وإني
ملاقٍ ما قضى اللهُ فاصبِري ... ولا تجعلي العِلْمَ المحقَّق كالجهلِ ) ( وإنك
لا تدرين هل ما أخافه ... أبعدِيَ يأتي في رحِيليَ أو قبلي ) ( وكم
قد رأيتُ حاذراً متحفِّظاً ... أُصيبَ وألفتْه المنيةُ في الأهلِ ) أخبرني
هاشم بن محمد قال حدثنا عيسى بن إبراهيم العتكي قال حدثنا ابن عائشة عن أبيه قال
كان لأبي الأسود صديق من بني سليم يقال له نسيب بن حميد وكان يغشاه في منزله
ويتحدث إليه في المسجد وكان كثيرا ما يحلف له أنه ليس بالبصرة أحد من قومه ولا من
غيرهم آثر عنده منه فرأى أبو الأسود يوما معه مستقة مخملة أصبهانية من صوف فقال له
أبو الأسود ما تصنع بهذه المستقة فقال أريد بيعها فقال له أبو الأسود انظر ما تبلغ
فعرفنيه حتى أبعث به إليك فإنها من حاجتي قال لا بل أكسوكها فأبى أبو الأسود أن
يقبلها إلا بثمنها فبعث بها إلى السوق فقومت بمائتي درهم فبعث إليه أبو الأسود
بالدراهم فردها وقال لست أبيعها إلا بمائتين وخمسين درهما فقال أبو الأسود ( بِعْنِي
نُسَيبُ ولا تُثِبْني إنني ... لا أستثيبُ ولا أُثيبُ الواهبا ) ( إن
العطية خيُر ما وجَّهتَها ... وحسِبتَها حمدا وأجرا واجبا ) ( ومن
العطية ما يعود غرامةً ... وملامة تَبقَى ومَنًّا كاذبا ) ( وبلوتُ
أخبارَ الرجال وفِعلَهم ... فمُلئتُ علماً منهمُ وتجاربا ) فأخذتُ
منهم ما رضيتُ بأخذِه ... وتركتُ عَمْدا ما هنالك جانبا ) ( فإذا
وعدتُ الوعدَ كنتُ كغارمٍ ... دَيناً أقر به وأحضر كاتِبا ) ( حتى
أنفِّذه على ما قلتُه ... وكفى عليّ به لنفسيَ طالبا ) ( وإذا
فعلتُ غيرَ محاسِب ... وكفى بربك جازيا ومحاسبا ) ( وإذا
منعتُ منعتُ منعاً بيِّناً ... وأرحتُ من طول العَناء الراغبا ) ( لا
اشتري الحمدَ القليلَ بقاؤه ... يوما بذم الدهرِ أجمعَ واصبا ) أخبرني
أحمد بن عبيد الله بن محمد الرازي ومحمد بن العباس اليزيدي وعمي قالوا حدثنا أحمد
بن الحارث الخراز عن المدائني قال زعم أبو بكر الهذلي أن أبا الأسود الدؤلي كان
يحدث معاوية يوما فتحرك فضرط فقال لمعاوية استرها علي فقال نعم فلما خرج حدث بها
معاوية عمرو بن العاص ومروان بن الحكم فلما غدا عليه أبو الأسود قال عمرو ما فعلت
ضرطتك يا أبا الأسود بالأمس قال ذهبت كما تذهب الريح مقبلة ومدبرة من شيخ ألان
الدهر أعصابه ولحمه عن إمساكها وكل أجوف ضروط ثم أقبل على معاوية فقال إن امرأ
ضعفت أمانته ومروءته عن كتمان ضرطة لحقيق بألا يؤمن على أمور المسلمين أخبرني عيسى
بن الحسين الوراق قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا محمد بن الحكم عن عوانة
قال كان أبو الأسود يجلس إلى فناء امرأة بالبصرة فيتحدث إليها وكانت برزة جميلة
فقالت له يا أبا الأسود هل لك في أن أتزوجك فإني صناع الكف حسنة التدبير قانعة
بالميسور قال نعم فجمعت أهلها فتزوجته فوجد عندها خلاف ما قدره وأسرعت في ماله
ومدت يدها إلى خيانته وأفشت سره فغدا على من كان حضر تزويجه إياها فسألهم أن
يجتمعوا عنده ففعلوا فقال لهم ( أَرَيتَ
أمراً كنت لم أَبْلُهُ ... أتاني فقال اتّخِذْني خليلا ) ( فخاللُته
ثم أكرمته ... فلم أستفد من لدنْه فتيلا ) ( وألفيتُه
حين جرّبته ... كَذُوبَ الحديث سروقا بخيلا ) ( فذكَّرته
ثم عاتبتُه ... عتاباً رفيقاً وقولاً جميلا ) ( فألفيتُه
غيرَ مستعتِبٍ ... ولا ذاكرِ اللهِ إلا قليلا ) ( ألستُ
حقيقا بتوديعه ... وإتْباع ذلك صَرماً طويلا ) فقالوا
بلى والله يا أبا الأسود قال تلك صاحبتكم وقد طلقتها لكم وأنا أحب أن أستر ما
أنكرته من أمرها فانصرفت معهم حدثنا اليزيدي قال حدثنا البغوي قال حدثنا العمري
قال كان أبو الأسود أبخر فسار معاوية يوما بشيء فأصغى إليه ممسكا بكمه على أنفه
فنحى أبو الأسود يده عن أنفه وقال لا والله لا تسود حتى تصبر على سرار المشايخ
البخر أخبرني عبد الله بن محمد الرازي قال حدثنا محمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني
عن أبي بكر الهذلي قال كان علي بن أبي طالب عليه السلام استعمل أبا الأسود على
البصرة واستكتب زياد بن أبيه على الديوان والخراج فجعل زياد يسبع أبا الأسود عند
علي ويقع فيه ويبغى عليه فلما بلغ ذلك أبا الأسود عنه قال فيه ( رأيت
زياداً ينتحيني بشرّه ... وأُعرِض عنه وهو بادٍ مَقاتِلُه ) ( وكل
امريء والله بالناس عالم ... له عادة قامت عليها شمائلُه ) ( تَعوَّدها
فيما مضى من شبابه ... كذلك يدعو كلَّ أمرٍ أوائلُهْ ) ( ويُعجبُه
صفحي له وتجمُّلي ... وذو الجهل يحذو الجهلَ من لا يعاجِلُهْ ) ( فقلت
له دعني وشأني إننا ... كلانا عليه مَعْمَلٌ هو عاملُهْ ) ( فلولا
الذي قد يُرتجى من رجائه ... لجرَّبتَ مني بعض ما أنت جاهله ) ( لجرّبت
أنّي أمنح الغَيَّ مَن غَوَى ... عليّ وأجزِي ما جَزَى وأطاوِلُهْ ) وقال
لزياد أيضا في ذلك ( نُبِّئتُ
أن زياداً ظلّ يَشتُمني ... والقولُ يُكْتَبُ عند الله والعملُ ) ( وقد
لقِيتُ زيادا ثم قلت له ... وقبلَ ذلك ما خَبَّت به الرسلُ ) ( حتّام
تَسرِقني في كل مَجْمَعَه ... عِرضي وأنت إذا ما شئت منتفِلُ ) ( كل
امريء صائر يوماً لشيمته ... في كل منزلة يُبْلى بها الرجلُ ) قال
فلما ادعى معاوية زيادا وولاه العراق كان أبو الأسود يأتيه فيسأله حوائجه فربما
قضاها وربما منعها لما يعلمه من رأيه وهواه في علي بن أبي طالب عليه السلام وما
كان بينهما في تلك الأيام وهما عاملان فكان أبو الأسود يترضاه ويداريه ما استطاع
ويقول في ذلك ( رأيت
زيادا صدّعنّيَ وجهَه ... ولم يك مردُودا عن الخير سائلُه ) ( ينفِّذ
حاجاتِ الرجال وحاجتي ... كداء الجَوَى في جوفه لا يزايلُهْ ) ( فلا
أنا ناسٍ ما نسِيتُ فآيِسٌ ... ولا أنا راءٍ ما رأيت ففاعِلُهْ ) ( وفي
اليأس حزم لِلَّبيب وراحة ... من الأمر لا يُنسى ولا المرء نائلُهْ ) مدحه
عبد الرحمن بن أبي بكرة وقال المدائني نظر عبد الرحمن بن أبي بكرة إلى أبي الأسود
في حال رثه فبعث إليه بدنانير وثياب وسأله أن ينبسط إليه في حوائجه ويستمنحه إذا
أضاق فقال أبو الأسود يمدحه ( أبو
بجرٍ أمَنُّ الناسِ طُرًّا ... علينا بعد حِيِّ أبي المُغيرهْ ) ( لقد
ابقى لنا الحَدَثانُ منه ... أخا ثقةٍ منافعُه كثيره ) ( قريبَ
الخير سهلاً غيرَ وعرٍ ... وبعضُ الخير تمنعُه الوُعورهْ ) ( بَصُرتَ
بأننا أصحابُ حقّ ... نُدِلّ به وإخوانٌ وجيره ) ( وأهلُ
مَضِيعةٍ فوجدتَ خيراً ... من الخُلاّن فينا والعشِيره ) ( وإنك
قد علمت وكلُّ نفسٍ ... تُرَى صَفَحاتُها ولها سريره ) ( لذو
قلبٍ بذي القُرْبى رحيم ... وذو عين بما بلَغْت بصيره ) ( لعمرك
ما حَباك الله نفساً ... بها جَشَعٌ ولا نفساً شَرِيره ) ( ولكن
أنت لا شَرِسٌ غليظ ... ولا هَشْمٌ تُنازِعه خُئوره ) ( كأنا
إذا أتيناه نزلنا ... بجانب رَوضةٍ ريّاً مَطِيرَه ) قال
المدائني وكان أبو الأسود يدخل على عبيد الله بن زياد فيشكو إليه أن عليه دينا لا
يجد إلى قضائه سبيلا فيقول له إذا كان غد فارفع إلي حاجتك فإني أحب قضاءها فيدخل
إليه من غد فيذكر له أمره ووعده فيتغافل عنه ثم يعاوده فلا يصنع في أمره شيئا فقال
فيه أبو الأسود ( دعاني
أمِيري كي أفوه بحاجتي ... فقلت فما ردّ الجواب ولا استَمعْ ) ( فقمت
ولم أَحْسُس بشيء ولم أصَن ... كلامي وخير القول ما صِينَ أو نفعْ ) ( وأجمعتُ
يأساً لا لُبانة بعده ... ولليأسُ أدنى للعفاف من الطمع ) أخبرنا
محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل تينة قال حدثني ابن عائشة قال
سأل رجل أبا الأسود شيئا فمنعه فقال له يا أبا الأسود ما أصبحت حاتميا قال بلى قد
أصبحت حاتميا من حيث لا تدري أليس حاتم الذي يقول ( أماوِي
إمّا مانِعٌ فمبيِّنٌ ... وإمّا عطاء لا يُنهِنهُه الزجرُ ) أخبرني
حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا ابن عائشة قال كان لأبي
الأسود جار يحسده وتبلغه عنه قوارص فلما باع أبو الأسود داره في بني الديل وانتقل
إلى هذيل قال جار أبي الأسود لبعض جيرانه من هذيل هل يسقيكم أبو الأسود من ألبان
لقاحه وكانت لا تزال عنده لقحة أو لقحتان وكان جاره هذا يصيب من الشراب فبلغ أبا
الأسود قوله فقال فيه ( إن
امرأً نُبِّئتُه من صديقِنا ... يسائل هل أسقي من اللبن الجارا ) ( وإني
لأَسقي الجار في قعر بيته ... واشرب ما لا إثَم فيه ولا عارا ) ( شرابا
حلالا يترك المرء صاحِياً ... ولا يتولَّى يَقْلِسُ الإِثَم والعارا ) أخبرني
عبيد الله بن محمد الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني قال
كان لأبي الأسود صديق من بني قيس بن ثعلبة يقال له حوثرة بن سليم فاستعمله عبيد
الله بن زياد على جي وأصبهان وكان أبو الأسود بفارس فلما بلغه خبره أتاه فلم يجد
عنده ما يقدره وجفاه حوثرة فقال فيه أبو الأسود وفارقه ( تروّحتَ
من رُستاق جَيٍّ عشية ... وخَلَّفتَ في رستاق أخاً لكا ) ( أخا
لك إن طال التنائي وجدتَه ... نسيًّا وإن طال التعاشُرُ مَلّكا ) ( ولو
كنتَ سيفا يُعجِب الناسَ حدّه ... وكنتَ له يوما من الدهر فَلّكا ) ( ولو
كنتَ أهدى الناس ثم صحِبتَه ... وطاوعته ضلَّ الهوى وأضلَّكا ) ( إذا
جئته تبغي الهدى خالف الهدى ... وإن جُرت عن باب الغَواية دلّكا ) قال
المدائني وكان لأبي الأسود جار يقال له وثاق من خزاعة وكان يحب اتخاذ اللقاح
ويغالي بها ويصفها فأتى أبا الأسود وعنده لقحة غزيرة يقال لها الصفوف فقال له يا
أبا الأسود ما بلقحتك بأس لولا عيب كذا وكذا فهل لك في بيعها فقال أبو الأسود على
ما تذكر فيها من العيب فقال إني أغتفر ذلك لها لما أرجوه من غزارتها فقال له أبو
الأسود بئست الخلتان فيك الحرص والخداع أنا لعيب مالي أشد اغتفارا وقال أبو الأسود
فيه ( يريد وَثاقٌ ناقتي ويَعيبها ... يخادِعني
عنها وثاقُ بن جابِرِ ) ( فقلت
تعلَّمْ يا وثاقُ بأنها ... عليك حِمًى أُخرى الليالي الغَوابِر ) ( بصُرتَ
بها كَومَاء حَوسَاء جَلْدةً ... من المُولِياتِ الهامَ حدَّ الظواهِر ) ( فحاولتَ
خَدْعي والظنونُ كواذِبٌ ... وكم طامِع في خَدعتي غيرُ ظافِر ) قال
وكانت له لقحة أخرى يقال لها الطيفاء وكان يقول ماملكت مالا قط أحب إلي منها فأتاه
فيها رجل من بني سدوس يقال له أوس بن عامر فجعل يماكر أبا الأسود ويعيبها فألفاه
بها بصيرا وفيها منافسا فبذل له فيها ثمنا وافيا فأبى أن يبيعه وقال فيه ( أتانِي
في الطيفاء أوسُ بن عامرٍ ... ليخدعني عنها بِجِنّ ضِراسِها ) ( فسام
قليلا ناسئاً غير ناجز ... وأُحصِر نفساً وانتهى بِمكاسها ) ( فأُقسمُ
لو أعطيتَ ما سمَت مِثلَه ... وضِعفا له لما غَدوتَ براسِها ) ( أغرَّك
منها أن نَحرتُ حُوارها ... لجيرانِ أمّ السَّكْنِ يوم نِفاسِها ) ( فولَّى
ولم يطمع وفي النفس حاجةٌ ... يردّدها مردودةً بإياسِها ) أخبرنا
اليزيدي قال حدثنا عيسى عن ابن عائشة والأصمعي أن رجلا سأل أبا الأسود الدؤلي فرده
فألح عليه فقال له أبو الأسود ليس للسائل الملحف مثل الرد الجامس قال يعني بالجامس
الجامد وقال المدائني خطب أبو الأسود امرأة من بني حنيفة وكان قد رآها فأعجبته فأجابته
إلى ذلك وأذنت له في الدخول إليها فدخل دارها فخاطبها بما أراد فلماخرج لقيه ابن
عم لها قد كان خطبها على أخيه فقال له ما تصنع هاهنا فأخبره بخطبته المرأة فنهاه
عن التعرض لها ووضع عليها أرصادا فكان أبو الأسود ربما مر بهم وإجتاز بقبيلتهم
فدسوا إليه رجلا يوبخه في كل محفل يراه فيه ففعل وأتاه وهو في نادي قومه فقال له
يا أبا الأسود أنت رجل شريف ولك سن وخطر وعرض وما أرضى لك أن تلم بفلانة وليست لك
بزوجة ولا قرابة فإن أهلها قد أنكروا ذلك وتشكوه فإما أن تتزوجها أو تضرب عنها
فقال له أبو الأسود ( لقد
جدّ في سَلمى الشكاةُ ولَلَّذي ... يقولون لو يبدو لك الرشدُ أرشدُ ) ( يقولون
لا تَمذُل بِعرضك واصطنع ... معادَك إنّ اليوم يتَبْعَه غد ) ( وإياك
والقومُ الغِضابَ فإنهم ... بكل طريق حولهم تترصَّد ) ( تلام
وتُلحَى كل يوم ولا تُرى ... على اللوم وإلا حولَها تتردّد ) ( أفادَتْكَها
العينُ الطموحُ وقد ترى ... لك العينُ ما لا تستطيع لك اليدُ ) وقال
أبو الأسود ( دعُوا
آلَ سلمى ظِنّتي وتعنُّتي ... وما زَلّ مني إنّ ما فات فائتُ ) ( ولا
تهلِكوني بالملامةِ إنما ... نطقتُ قليلا ثم إني لساكتُ ) ( سأسكت
حتى تحسِبوني أنني ... من الجهد في مَرْضاتكم متماوِتُ ) ( ألم
يكفِكم أنْ قد منعتم بيوتَكم ... كما منع الغِيلَ الأسودُ النواهِتُ ) ( تصِيبون
عِرضي كل يوم كما علا ... نشيطٌ بفأسٍ معدِنَ البُرْم ناحِتُ ) أخبرني
حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال ذكر الهيثم بن عدي عن مجالد بن سعيد
عن عبد الملك بن عمير قال كان ابن عباس يكرم أبا الأسود الدؤلي لما كان عاملا لعلي
بن أبي طالب عليه السلام على البصرة ويقضي حوائجه فلما ولى ابن عامر جفاه وابعده
ومنعه حوائجه لما كان يعلمه من هواه في علي بن أبي طالب عليه السلام فقال فيه أبو
الأسود ( ذكرتُ ابنَ عباس بباب ابنِ عامر
... وما مَرَّ من عيشي ذكرتُ وما فَضَلْ ) ( اميرين
كانا صاحِبيَّ كلاهما ... فكلُّ جزاه الله عني بما فعل ) ( فإن
كان شراً كان شراً جزاؤه ... وإن كان خيراً كان خيراً إذا عدل ) أخبرني
محمد بن خلف وكيع قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الخزامي
قال حدثنا محمد بن فليح بن سليمان عن موسى بن عقبة قال قال أبو الأسود الدؤلي
لابنه أبي حرب وكان له صديق من باهلة يكثر زيارته فكان أبو الأسود يكرهه ويستريب
منه ( أحبِبْ إذا أحببتَ حبا مُقارِباً
... فإنك لا تدري متى أنت نازع ) ( وأبغِض
إذا أبغضت بغضاً مقارباً ... فإنك لا تدري متى أنت راجِع ) ( وكن
معدِنا للحلم واصفح عن الخَنا ... فإنك راءٍ ما عمِلتَ وسامِع ) ابو
الأسود يشكو جيرانه وقال المدائني حدثني أبو بكر الهذلي قال كان لأبي الأسود جار
من بني حليس بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل من رهطة دنية ومنزل أبي الأسود
يومئذ في بني الديل فأولع جاره برميه بالحجارة كلما أمسى فيؤذيه فشكا أبو الأسود
ذلك إلى قومه وغيرهم فكلموه ولاموه فكان ما اعتذر به إليهم أن قال لست أرميه وإنما
يرميه الله لقطعه للرحم وسرعته إلى الظلم في بخله بماله فقال أبو الأسود والله ما
أجاور رجلا يقطع رحمي ويكذب على ربي فباع داره واشترى دارا في هذيل فقيل له يا أبا
الأسود أبِعث دارك قال لم أبع داري ولكن بعت جاري فأرسلها مثلا وقال في ذلك ( رمانيَ
جاري ظالماً برميَّه ... فقلتُ له مهلا فأنكَرَ ما أتى ) ( وقال
الذي يرميك ربُّك جازيا ... بذنبك والحَوْباتُ تُعقِب ما ترى ) ( فقلت
له لو أن ربي برمية ... رماني لما اخطا إلهي ما رمى ) ( جزى
الله شرّا كلَّ من نال سوءة ... ويَنْحَلُ فيها ربَّه الشرَّ والأذى ) وقال
فيه أيضا ( لَحَى الله مولى السَّوء لا أنت
راغب ... إليه ولا رامٍ به من تحاربه ) ( وما
قُربُ مولى السوء إلا كبعده ... بل البعدُ خير من عدوٍّ تُصاقِبه ) وقال
فيه أيضاً ( وإني لَتَثنيني عن الشتم والخَنا
... وعن سبّ ذي القربى خلائقُ أربعُ ) ( حياء
وإسلام ولطف وأنني ... كريم ومثلي قد يضرّ وينفع ) ( فإن
أعف يوما عن ذنوب أتيتَها ... فإن العصا كانت لِمثلي تُقْرَع ) ( وشتان
ما بيني وبينك إنني ... على كل حال أستقيم وتَظَلع ) أخبرني
عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا الرياشي عن العتبي قال كان لأبي الأسود جار في
ظهر داره له باب إلى قبيلة أخرى وكان بين دار أبي الأسود وبين داره باب مفتوح يخرج
منه كل واحد منهما إلى قبيلة صاحبه إذا أرادها وكان الرجل ابن عم أبي الأسود دنية
وكان شرسا سيء الخلق فأراد سد ذلك الباب فقال له قومه لا تفعل فتضر بأبي الأسود
وهو شيخ وليس عليك في هذا الباب ضرر ولا مؤنة فأبى إلا سده ثم ندم على ذلك لأنه
اضر به فكان إذا أراد سلوك الطريق التي كان يسلكها منه بعد عليه فعزم على فتحه
وبلغ ذلك أبا الأسود فمنعه منه وقال فيه صوت ( بُلِيت بصاحبٍ إنْ أذُن شِبراً ...
يزِدني في مباعدةٍ ذِراعا ) ( وإن
أُمدْد له في الوصل ذَرْعي ... يَزِدني فوق قِيس الذرع باعا ) ( أبت
نفسي له إلا اتِّباعاً ... وتأبى نفسه إلا امتناعا ) ( كلانا
جاهد أدنو وينأى ... فذلِك ما استطعتُ وما استطاعا ) الغناء
في هذه الأبيات لأبراهيم ثقيل أول بالبنصر وفيه لعريب خفيف رمل ولعلويه لحن غير
منسوب قال وقال أبو الأسود أيضا في ذلك ( لنا
جِيرة سدّوا المجازة بيننا ... فإن أذكروك السدَّ فالسدُّ أكْيسُ ) ( ومن
خير ما ألصقتَ بالجار حائط ... تزِلُّ به سُفْعُ الخطا طيفِ أملسُ ) وقال
أيضا في ذلك ( أخطأتَ
حين صرمتني ... والمرء يعجِزُ لا محالهْ ) ( والعبد
يُقرع بالعصا ... والحر تكفيه المقالة ) أخبرني
الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني إسحاق بن محمد النخعي
عن ابن عائشة عن أبيه وأخبرني به محمد بن جعفر النحوي قال حدثنا أحمد بن القاسم
البزي قال حدثني إسحاق بن محمد النخعي عن ابن عائشة ولم يقبل عن أبيه قال كان أبو
الأسود الدؤلي نازلا في بني قشير وكانت بنو قشير عثمانية وكانت امرأته أم عوف منهم
فكانوا يؤذونه ويسبونه وينالون من علي عليه السلام بحضرته ليغيظوه به ويرمونه
بالليل فإذا أصبح قال لهم يا بني قشير أي جوار هذا فيقولون له لم نرمك إنما رماك
الله لسوء مذهبك وقبح دينك فقال في ذلك ( يقول
الأرذلون بنو قشير ... طَوالَ الدهر لا تنسى علِيّا ) ( فقلت
لهم وكيف يكون تركي ... من الأعمال مفروضاً علَيّا ) ( أحِب
محمداً حباً شديداً ... وعباساً وحمزةَ والوصِيّا ) ( بنِي
عمّ النبي وأقربِيه ... أحبَّ الناسِ كلِّهم إليا ) ( فإن
يك حبّهم رُشْداً أُصِبه ... ولست بمخطيءٍ إن كان غيّا ) ( هُمُ
أهل النصيحة غيرَ شكّ ... وأهل مودّتي مادمت حيّا ) ( هَوًى
أُعطِيتُه لما استدارت ... رحى الإِسلام لم يُعدَل سَويّا ) ( أحبهُمُ
لحبّ الله حتى ... أَجِئ إذا بُعِثتُ على هَوَيّا ) ( رأيت
الله خالقَ كلِّ شيءٍ ... هداهم واجتبى منهم نبيّا ) ( ولم
يخصُص بها أحدا سِواهم ... هنيئا ما اصطفاه لهم مرِيا ) قال
فقالت له بنو قشير شككت يا أبا الأسود في صاحبك حيث تقول ( فإن
يك حبهم رشداً أصبه ... ) فقال
أما سمعتم قول الله عز و جل ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) أفترى
الله جل وعز شك في نبيه وقد روي أن معاوية قال هذه المقالة فأجابه بهذا الجواب أخبرني
محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو عثمان الأشنانداني عن الأخفش عن ابي عمر
الجرمي قال دخل أبو الأسود الدؤلي على معاوية فقال له لقد أصبحت جميلا يا أبا
الأسود فلو علقت تميمة تنفي عنك العين فقال أبو الأسود ( أفنى
الشباب الذي فارقتُ جِدّتَه ... كرُّ الجدِيدين من آتٍ ومنطلِقِ ) ( لم
يتركا لي في طول اختلافهما ... شيئاً تُخاف عليه لَذْعةُ الحَدَقِ ) أخبرني
الحسن بن علي قال حدثني الحارث بن محمد قال قال حدثنا المدائني عن علي بن سليمان
قال كان ابو الأسود له على باب داره دكان يجلس عليه مرتفع عن الأرض إلى قدر صدر
الرجل فكان يوضع بين يديه خوان على قدر الدكان فإذا مر به مار فدعاه إلى الأكل لم
يجد موضعا يجلس فيه فمر به ذات يوم فتى فدعاه إلى الغداء فأقبل فتناول الخوان
فوضعه أسفل ثم قال له يا أبا الأسود إن عزمت على الغداء فانزل وجعل يأكل وأبو
الأسود ينظر إليه مغتاظا حتى أتى على الطعام فقال له أبو الأسود ما اسمك يا فتى
قال لقمان الحكيم قال لقد أصاب أهلك حقيقة اسمك قال المدائني وبلغني رجلا دعاه أبو
الأسود إلى طعامه وهو على هذا الدكان فمد يده ليأكل فشب به فرسه فسقط عنه فوقص أخبرني
هاشم بن محمد قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال كان أبو الجارود سالم بن سلمة بن
نوفل الهذلي صديقا لأبي الأسود يهاديه الشعر ويجيب كل واحد منهما صاحبه ويتعاشران
ويتزاوران فولي أبو الجارود ولاية فجفا أبا الأسود وقطعه ولم يبدأه بالمكاتبة ولا
أجابه عنها فقال فيه أبو الأسود ( أبلِغْ
أبا الجارود عني رسالة ... يَرُوح بها الغادي لرَبْعك أو يغدو ) ( فيخبرَنا
ما بالُ صَرمك بعد ما ... رضِيت وما غيّرتَ من خُلق بعدُ ) ( أأنْ
نِلتَ خيرا سَرَّني أن تناله ... تنكَّرت حتى قلتُ ذو لِبدةٍ وَرْدُ ) ( فعيناك
عيناه وصوتك صوته ... تُمثِّله لي غيرَ أنك لا تعدو ) ( لئن
كنت قد أزمعت بالصَّرم بيننا ... لقد جعلَتْ أشراطُ أوّله تبدو ) ( فإني
إذا ما صاحبٌ رث وصلُه ... وأعرَضَ عني قلّ مني له الوَجدُ ) أبو
الأسود والحارث بن خليد قال المدائني كان لأبي الأسود صديق يقال له الحارث بن خليد
وكان في شرف من العطاء فقال لأبي الأسود ما يمنعك من طلب الديوان فإن فيه غنى
وخيرا فقال له أبو الأسود قد أغناني الله عنه بالقناعة والتجمل فقال كلا ولكنك
تتركه إقامة على محبة ابن أبي طالب وبغض هؤلاء القوم وزاد الكلام بينهما حتى أغلظ
له الحارث بن خليد فهجره أبو الأسود وندم الحارث على ما فرط منه فسأل عشيرته أن
تصلح بينهما فأتوا أبا الأسود في ذلك وقالوا له قد اعتذر إليك الحارث مما فرط منه
وهو رجل حديد فقال أبو الأسود في ذلك ( لنا
صاحب لا كلِيلُ اللسان ... فيَصمُتَ عنا ولا صارِمُ ) ( وشرُّ
الرجال على أهلِه ... وأصحابه الحَمِقُ العارِمُ ) وقال
فيه ( إذا كان شيء بيننا قيل إنه ...
حدِيدٌ فخالِفْ جهلَه وترفَّقِ ) ( شنِئتُ
من الأصحاب من لستُ بارحاً ... وأدامِله دَمْلَ السقاءِ المخرَّقِ ) وقال
المدائني ولى عبيد الله بن زياد الحصين بن أبي الحر العنبري ميسان فدامت ولايته إياها
خمس سنين فكتب إليه أبو الأسود كتابا يتصدى فيه لرفده فتهاون به ولم ينظر فيه فرجع
إليه رسوله فأخبره بفعله فقال فيه ( ألا
أبلِغا عنّي حُصَيْنا رسالةً ... فإنك قد قطّعتَ أخرى خِلالِكا ) ( فلو
كنتَ إذا أصبحتَ للخرج عاملاً ... بميسانَ تُعْطِى الناسَ من غير مالكا ) ( سألتك
أو عرَّضتُ بالود بيننا ... لقد كان حقّاً واجباً بعضُ ذلِكا ) ( وخبَّرني
من كنت أرسلت أَنما ... أخذتَ كتابي مُعْرِضاً بشمالِكا ) ( نظرتَ
إلى عنوانه ونَبَذته ... كنبذك نعلاً أخلقَتْ من نِعالِكا ) ( حِسِبت
كتابي إذ أتاك تعرّضاً ... لسَيبِك لم يذهب رجائي هنالِكا ) ( يُصيب
وما يدري ويُخطي وما درى ... وكيف يكون النَّوْك إلا كذلِك ) فبلغت
أبيات أبي الأسود حصينا فغضب وقال ما ظننت منزلة أبي الأسود بلغت ما يتعاطاه من
مساءتنا وتوعدنا وتوبيخنا فبلغ ذلك أبا الأسود فقال فيه ( أَبلِغ
حصيناً إذا جئته ... نصيحةَ ذي الرأى للمجتنِيها ) ( فلا
تك مثل التي استخرجت ... بأظلافها مُديةً أو بفِيها ) ( فقام
إليها بها ذابح ... ومن تَدْعُ يوما شَعُوبُ يجِيها ) ( فظلت
بأوصالها قدرُها ... تحُشّ الوليدةُ أو تشتوِيها ) ( وإن
تأبَ نصحي ولا تنتهي ... ولم تر قولي بنصحٍ شبيها ) ( أُجَرِّعْك
صاباً وكان المُرار ... والصاب قِدْماً شراباً كريها ) أبو
الأسود ومعاوية بن صعصعة وقال خالد بن كلثوم كان معاوية بن صعصعة يلقى أبا الأسود
كثيرا فيحادثه ويظهر له المودة وكانت تبلغه عنه قوارص فيذكرها له فيجحدها أو يحلف
أنه لم يفعل ثم يعاود ذلك فقال فيه أبو الأسود ( ولي
صاحب قد رابني أو ظلمته ... كذلك ما الخصمان بَرٌّ وفاجر ) ( وإني
امرؤ عندي وعمداً أقوله ... لآِتيَ ما يأتي امرؤ وهو خابر ) ( لسانان
معسولٌ عليه حلاوة ... وآخر مسموم عليه الشَّراشِر ) ( فقلت
ولم أبخل عليه نِصيحتي ... وللمرء ناهٍ لا يلام وزاجر ) ( إذا
أنت حاولت البراءة فاجتنب ... عواقب قول تعتريه المعاذِر ) ( فكم
شاعرٍ أرداه أن قال قائل ... له في اعتراض القول إنك شاعِر ) ( عطفتُ
عليه عطفة فتركته ... لِمَا كان يرضَى قبلها وهو حاقر ) ( بقافية
حدَّاءَ سهلٍ روِيُّها ... وللقول أبوابٌ تُرَى ومحاضر ) ( تَعَزَّى
بها من نومه وهو ناعِس ... إذا انتصف الليلُ المُكلُّ المسافِرُ ) ( إذا
ما قضاها عاد فيها كأنه ... للذته سكران أو متساكر ) أخبرني
عمي قال حدثنا الكراني قال حدثني العمري عن العتبي قال كان عبد الله بن عامر مكرما
لأبي الأسود ثم جفاه لما كان عليه من التشيع فقال فيه أبو الأسود ( ألم
تر ما بيني وبين ابن عامر ... من الودّ قد بالت عليه الثعالبُ ) ( وأصبح
باقي الودّ بيني وبينه ... كأن لم يكن والدهرُ فيه عجائب ) ( إذا
المرء لم يُحبِبك إلا تكرُّهاً ... بدا لك من أخلاقه ما يغالِب ) ( فَلَلْنأي
خير من مُقامٍ على أذى ... ولا خيرَ فيما يستقل المعاتب ) أخبرني
محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا عبيدالله بن محمد قال حدثنا ابن النطاح قال ذكر
الحرمازي عن رجل من بني الديل قال كانت لأبي الأسود الدؤلي امرأة من بني قشير
وامرأة من عبد القيس فأسن وضعف عما يطيقه الشباب من أمر النساء فأما القشيرية
فكانت أقدمهما عنده وأسنهما فكانت موافقة له صابرة عليه وهي أم عوف القشيرية التي
يقول فيها ( أبى القلب إلا أم عوف وحبها ...
عجوزاً ومن يحبب عجوزاً يفنَّد ) ( كسَحْق
يمانٍ قد تقادم عهده ... ورُقعته ما شئت في العين واليد ) وأما
الأخرى التي من عبد القيس فهي فاطمة بنت دعمي وكانت أشبهما وأجملهما فالتوت عليه
لما أسن وتكرت له وساءت عشرتها فقال فيها أبو الأسود ( تعاتبني
عِرسي على أن أطيعها ... لقد كذبتها نفسُها ما تمنَّتِ ) ( وظنت
بأني كلُّ ما رضيتْ به ... رضيتُ به يا جهلها كيف ظنت ) ( وصاحبتُها
ما لو صحبتُ بمثله ... على ذعرها أُرْوِية لأطمأنتِ ) ( وقد
غرَّها مني على الشيب والبِلى ... جنوني بها جُنَّت حِيالي وحُنَّتِ ) يقال
جن وحن وهو من الأتباع كما يقال حسن بسن ( ولا
ذنب لي قد قلتُ في بدء أمرنا ... ولو علِمت ما عُلِّمَتْ ما تعنَّتِ ) ( تَشكَّى
إلى جاراتها وبناتِها ... إذا لم تجد ذنباً علينا تجنَّتِ ) ( ألم
تعلمي أني إذا خِفت جفوة ... بمنزلةٍ أبعدتُ منها مطيتي ) ( وأني
إذا شقَّت عليَّ حليلتي ... ذَهَلتُ ولم أحنِنْ إذا هي حنَّتِ ) وفيها
يقول ( أفاطِم مهلا بعضَ هذا التعبس ...
وإن كان منك الجدّ فالصَّرْمُ مُؤنسي ) ( تَشَتَّمُ
لي لما رأتني أحبها ... كذي نعمة لم يُبْدها غيرَ أبؤس ) ( فإن
تنقُضي العهد الذي كان بيننا ... وتُلوي به في ودّك المتحلِّس ) ( فإني
فلا يغُررْكِ مني تجملي ... لأَسلي البعاد بالبعاد المكنِّسِ ) ( وأعلم
أن الأرض فيها مَنادح ... لمن كان لم تُسْدَد عليه بمجبِس ) ( وكنت
أمرأً لاصحبه السوء أرتجي ... ولا أنا نوّام بغير معرَّس ) وقال
المدائني كان لأبي الأسود الدؤلي مولى يقال له نافع ويكنى أبا الصباح فذكرت لأبي الأسود
جارية تباع فركب فنظر إليها فأعجبته فأرسل نافعا يشتريها له اشتراها لنفسه وغدر
بأبي الأسود فقال في ذلك ( إذا
كنت تبغى للأمانة حاملاً ... فدع نافعاً وانظر لها من يُطيقها ) ( فإن
الفتى خَبُّ كذوب وإنه ... له نفس سَوء يجتويها صديقُها ) ( متى
يخلُ يوماً وحده بأمانةٍ ... تُغَل جميعاً أو يُغل فريقها ) ( على
أنه أبقى الرجال سَمانةً ... كما كلُّ مسمان الكلاب سَروقها ) خطبته
في موت علي بن أبي طالب أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال
حدثنا علي بن محمد المدائني عن أبي بكر الهذلي قال أتى أبا الأسود الدؤلي نعي أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وبيعه الحسن عليه السلام فقام على المنبر
فخطب الناس ونعى لهم عليا عليه السلام فقال في خطبته وإن رجلا من أعداء الله
المارقة عن دينه اغتال أمير المؤمنين عليا كرم الله وجهه ومثواه في مسجده وهو خارج
لتهجده في ليلة يرجى فيها مصادفة ليلة القدر فقتله فيا لله هو من قتيل وأكرم به
وبمقتله وروحه من روح عرجت إلى الله تعالى بالبر والتقى والإيمان والإحسان لقد
أطفأ منه نور الله في أرضه لا يبين بعده أبدا وهدم ركنا من أركان الله تعالى لا
يشاد مثله فإنا لله وإن إليه راجعون وعند الله نحتسب مصيبتنا بأمير المؤمنين وعليه
السلام ورحمة الله يوم ولد ويوم قتل ويوم يبعث حيا ثم بكى حتى اختلفت أضلاعه ثم
قال وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول الله وابنه وسليله وشبيهه في خلقه وهديه
وإني لأرجو أن يجبر الله عز و جل به ما وهى ويسد به ما انثلم ويجمع به الشمل
ويطفيء به نيران الفتنة فبايعوه ترشدوا فبايعت الشيعة كلها وتوقف ناس ممن كان يرى
رأي العثمانية ولم يظهروا أنفسهم بذلك وهربوا إلى معاوية فكتب إليه معاوية ودس
إليه رسولا يعلمه أن الحسن عليه السلام قد راسله في الصلح ويدعوه إلى أخذ البيعة
له بالبصرة ويعده ويمنيه فقال أبو الأسود ( ألا
أبلغ معاويةَ بن حرب ... فلا قَرَّت عيون الشامتينا ) ( أمي
شهر الصيام فجعتمونا ... بخير الناس طُرًّا أجمعينا ) ( قتلتم
خيرَ من ركِب المطايا ... وخيَّسها ومَن ركِب السفينا ) ( ومن
لبس النعال ومن حَذاها ... ومن قرأ المثاني والمئينا ) ( إذا
استقبلت وجه أبي حسين ... رأيت الدر راق الناظرينا ) ( لقد
علمت قريش حيث حلت ... بأنك خيرها حَسَبا ودِينا ) أخبرني
أبو الحسن الأسدي قال حدثنا الرياشي عن الهيثم بن عدي عن أبي عبيدة قال كان أبو
حرب بن أبي الأسود قد لزم منزل أبيه بالبصرة لا ينتجع أرضا ولا يطلب الرزق في تجارة
ولا غيرها فعاتبه على ذلك فقال أبو حرب إن كان لي رزق فسيأتيني فقال له ( وما
طلب المعيشة بالتمني ... ولكن ألق دلوك في الدِّلاء ) ( تجئك
بملئها يوماً ويوماً ... وتجئك بَحمْأة وقليلِ ماء ) وقال
المدائني كانت لأبي الأسود مولاة يقال لها لطيفة وكان لها عبد تاجر يقال له ملم
فابتاعت له أمة وأنكحته إياها فجاءت بغلام فسمته زيدا فكانت تؤثره على كل أحد وتجد
به وجد الأم بولدها وجعلته على ضيعتها فقال فيه أبو الأسود وقد مرضت لطيفة ( وزيد
هالكٌ هُلْكَ الحُبارَى ... إذا هلكت لطيفة أو مُلِمُّ ) ( تبنتْه
فقال وأنتِ أمي ... فأنّى بعدها لك زيدُ أمُّ ) ( تَرُمُّ
متاعه وتزيد فيه ... وصاحبها لما يحوى مِضَمُّ ) ( ستلقى
بعدها شراً وضراً ... وتَقْصَى إن قُربت فلا تُضَمُّ ) ( وتَلقاك
الملامة كلَّ وجه ... سلكت وينتحي حالَيْك ذم ) قال
فماتت لطيفة من علتها تلك وورثها أبو الأسود فطرد زيدا عما كان يتولاه من ضيعتها
وطالبه بما خانه من مالها فارتجعه فكان بعد ذلك ضائعا مهانا بالبصرة كما قال فيه
وتوعده وقال المدائني أيضا أشترى أبو الأسود أمة للخدمة فجعلت تتعرض منه للنكاح وتتطيب
وتشتمل بثوبها فدعاها أبو الأسود فقال لها اشتريتك للعمل والخدمة ولم اشترك للنكاح
فأقبلي على خدمتك وقال فيها ( أصلاحُ
إني لا أريدك للصِّبا ... فدعى التشملَ حولنا وتبذَّلي ) ( إني
أريدك للعجين وللرّحا ... ولحمل قربتنا وغَلْيِ المِرْجَل ) ( وإذا
تروَّح ضيفُ أهلك أوغداً ... فخذي لآخَرَ أهبةَ المستقبل ) أخبرنا
الحسن بن الطيب الشجاعي قال حدثنا ابو عشانة عن ابن عباس قال كان المنذر بن
الجارود العبدي صديقا لأبي الأسود الدؤلي تعجبه مجالسته وحديثه وكان كل واحد منهما
يغشى صاحبه وكانت لأبي الأسود مقطعة من برود بكثر لبسها فقال له المنذر لقد أدمنت
لبس هذه المقطعة فقال له أبو الأسود رب مملول لا يستطاع فراقه فعلم المنذر أنه قد
احتاج إلى كسوة فأهدى له ثياب فقال أبو الأسود يمدحه ( كساك
ولم تستكسه فحمِدتَه ... أخ لك يعطيك الجزيل وناصر ) ( وإن
أحق الناس إن كنت حامداً ... بحمدك من أعطاك والعِرض وافر ) وصيته
لابنه أنشدني محمد بن العباس اليزيدي عن عمه عبيد الله عن ابن حبيب لأبي الأسود
يوصي ابنه وفي هذه الأبيات غناء صوت ( لا ترسلن رسالة مشهورة ... لا تستطيع إذا
مضت إدراكَها ) ( أكرِمْ
صديق أبيك حيث لقِيته ... واحْبُ الكرامة مَن بَدَا فحباكَها ) ( لاتبدينَّ
نميمة حُدِّثْتها ... وتحفَّظنّ من الذي أنباكها ) أخبرني
محمد بن خلف بن مرزبان قال حدثنا أبو محمد المروزي عن القحذمي عن بعض الرواة أن
أبا الأسود الدؤلي اعتذر إلى زياد في شيء جرى بينهما فكأنه لم يقبل عذره فأنشأ
يقول ( إنني مجرم وأنت أحق الناس ... أن
تقبل الغَداةَ اعتذاري ) ( فاعف
عني فقد سُفِهتُ وأنت المرء ... تعفو عن الهَنات الكبار ) فتبسم
زياد وقال أما إذا كان هذا قولك فقد قبلت عذرك وعفوت عن ذنبك أخبرني هاشم بن محمد
قال حدثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه عن عيسى بن عمر قال سئل أبو الأسود
عن رجل واستشير في أن يولى ولاية فقال أبو الأسود هو ما علمته أهيس أليس ألد ملحس
أن اعطى انتهر وإن سئل أزر قال الأصمعي الأهيس الحاد ويقال في المثل ( إحدى
لياليك فهِيسى هيسي ... ) قال
ويقال ناقة ليساء إذا كانت لا تبرح من المبرك قال وهو مما يوصف به الشجاع وأنشد في
صفة ثور ( أَلْيَسُ عن حَوبائه سخِيّ ... ) أخبرني
أحمد بن محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني أحمد بن
الأسود بن الهيثم الحنفي قال حدثنا أبو محلم عن مؤرج السدوسي عن عبد الحميد بن عبد
الله بن مسلم بن يسار قال وكان من أفصح أهل زمانه قال أوصى أبو الأسود الدؤلي
كاتبا لعبد الله بن عامر بحاجة له فضمن له قضاءها ثم لم يصنع فيها شيئا فقال أبو
الأسود ( لعمرِي لقد أوصيتُ أمسِ بحاجتي ...
فتى غيرَ قصدٍ عليّ ولا رَؤُفْ ) ( ولا
عارفٍ ما كان بيني وبينه ... ومن خير ما أدلى به المرء ما عُرِف ) ( وما
كان ما أمَّلْت منه ففاتني ... بأول خيرٍ من أخي ثقةٍ صُرِف ) أخبرني
هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثني محمد بن القاسم مولى بني هشام قال حدثني أبو زيد
الأنصاري سعيد بن أوس قال حدثني بكر بن حبيب السهمي عن أبيه وكان من جلساء أبي
الأسود الدؤلي قال كان أبو الجارود سالم بن سلمة بن نوفل الهذلي شاعرا وكان صديقا
لأبي الأسود الدؤلي فكان يهاديه الشعر ثم تغير ما بينهما فقال فيه أبو الأسود ( أبلغ
أبا الجارود عني رسالةً ... يروح بها الماشي ليلقاك أو يغدو ) ( فيخبرَنا
ما بالُ صَرمك بعد ما ... رضيت وما غيّرت من خُلُق بعد ) ( أَأَن
نلت خيراً سرني حين نلته ... تنكرت حتى قلت ذو لِبدة وَرْدُ ) ( فعيناك
عيناه وصوتك صوته ... تُمثله لي غيرَ أنك لا تَعْدو ) ( فإن
كنت قد أزمعت بالصَّرم بيننا ... وقد جعلت أسباب أوّلِه تبدو ) ( فإني
إذا ما صاحب رَثَّ وصله ... وأعرض عني قلت بالأبعدِ الفقدُ ) وفاة
ابي الأسود وكانت وفاة أبي الأسود فيما ذكره المدائني في الطاعون الجارف سنة تسع
وستين وله خمس وثمانون سنة قال المدائني وقد قيل إنه مات قبل ذلك وهو أشبه القولين
بالصواب لأنا لم نسمع له في فتنة مسعود وأمر المختار بذكر وذكر مثل هذا القول
بعينه والشك فيه هل أدرك الطاعون الجارف أولا عن يحيى بن معين أخبرني به الحسن بن
علي عن أحمد بن زهير عن المدائني ويحيى بن معين صوت ( لعمرك أيها الرجل ... لأي
الشكل تنتقِل ) ( أتهجر
آل زينب أم ... تزورهمُ فتعتدل ) ( هُمُ
رَكْبٌ لقُوا ركبا ... كما قد تُجْمَع السُّبُل ) ( فذلك
وأبنا وبذاك ... تجرى بيننا الرُسل ) الشعر
لأبي نفيس بن يعلى بن منية والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى
وفيه لابن سريج رمل بالوسطى ولجميلة خفيف رمل بالبنصر أخبار أبي نفيس ونسبه اسمه
حيي بن يحيى بن يعلى بن منية وقيل بل اسم أبي نفيس يحيى بن ثعلبة بن منية ومنية
أمه ذكر ذلك الزبير بن بكار عن عمرو بن يحيى بن عبد الحميد قال الزبير وكان عمي
يقول اسمه ميمون بن يعلى وأمه منية بنت غزوان أخت عتبة بن غزوان وأبوه أمية بن
عبدة بن همام بن جشم بن بكر بن زيد بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم
وجدت ذلك بخط أبي محلم النسابة قال ويقال لبنى زيد بن مالك بنو العدوية وهي فكيهة
بنت تميم بن الدئل بن حسل بن عدي بن عبد مناة بن تميم ولدت لمالك بن حنظلة زيدا
وصديا ويربوعا فهم يدعون بني العدوية بعض أخبار جده يعلى بن منية وكان يعلى بن
منية حليفا لبني أمية وعديدا لهم وبينه وبينهم صهر ومناسبة وقد أدرك النبي وسمع
منه حديثا كثيرا وروى عنه حديثا كثيرا وعمر بعده وكان مع عائشة يوم الجمل على أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أخبرني عمي ال حدثنا أحمد بن الحارث قال
حدثنا المدائني عن ابي مخنف عن عبد الرحمن بن عبيد عن أبي الكنود قال قال علي بن
أبي طالب رضي الله عنه منيت أو بليت بأطوع الناس في الناس عائشة وبأدهى الناس طلحة
وبأشجع الناس الزبير وبأكثر الناس مالا يعلى بن منية وبأجود قريش عبد الله بن عامر
فقام إليه رجل من الأنصار فقال والله يا أمير المؤمنين لأنت أشجع من الزبير وأدهى
من طلحة وأطوع فينا من عائشة وأجود من ابن عامر ولمال الله أكثر من مال يعلى بن
منية وليكونن كما قال الله جل وعز ( فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون )
فسر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله ثم قام إليه رجل آخر منهم فقال ( أما
الزّبير فأكفيكَه ... وطلحةُ يكفِيكه وَحْوحهْ ) ( ويَعْلَى
بن منية عند القِتال ... شدِيد التثاؤبِ والنحنحه ) ( وعايّشُ
يكفِيكها واعِظ ... وعائش في الناس مستنصَحه ) ( فلا
تجزعنّ فإن الأمور ... إذا ما أتيناك مستنجَحه ) ( وما
يصلح الأمر إلا بنا ... كما يصلح الجبن بالإِنْفَحَهْ ) قال
فسر علي عليه السلام بقوله ودعا له وقال بارك الله فيك قال فأما الزبير فناشده علي
عليه السلام فرجع فقتله بنو تميم وأما طلحة فناشده وحوحة وكان صديقه وكان من
القراء فذهب لينصرف فرماه رجل من عسكرهم فقتله فأم ما رواه عن النبي فكثير ولكني
أذكر منه طرفا كما ذكرت لغيره أخبرني أحمد بن الجعد قال حدثني محمد بن عباد المكي
قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى
ابن منية عن أبيه أنه سمع النبي يقرأ على المنبر ( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك
) وقد روى يعلى عنه حديثا كثيرا اقتصرت منه على هذا لتعرف روايته عنه أخبرني أحمد
بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا محمد بن الحكم عن أبي
مخنف قال أقرض يعلى بن منية الزبير بن العوام حين خرج إلى البصرة في وقعة الجمل
أربعين ألف دينار فقضاها ابن الزبير بعد ذلك لأن أباه قتل يومئذ ولم يقضه إياها قال
ولما صاروا إلى البصرة تنازع طلحة والزبير في الصلاة فاتفقا على أن يصلي ابن هذا
يوما وابن هذا يوما وقال شاعرهم في ذلك ( تبارى
الغلامانِ إذ صَلَّيَا ... وشَحَّ على الملك شيخاهما ) ( وما
لي وطلحةَ وابن الزبير ... وهذا بذي الجزِع مولاهما ) ( فأمّهما
اليوم غَرَّتهما ... ويَعلَى بن منية دلاَّهما ) أخبرني
الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن يحيى عن جده عبد
الحميد قال كان يعلى بن منية ويكنى أبا نفيس وسمعت غير جدي يقول اسمه يحيى وهو من
بني العدوية من بني تميم من بني حنظلة تزوج امرأة من بني مالك بن كنانة يقال لها
زينب ولهم حلف في بني غفار وهي من بنات طارق اللاتي يقلن ( نحن
بنات طارِق ... نمشي على النمارِق ) فتوفيت
بتهامة فقال يرثيها ( يا
ربِّ ربَّ الناسَ لما نَحبوا ... وحين أفْضَلوا من مِنَّى وحَصَبوا ) ( لا
يُسْقَيَنَّ مَلَحٌ وعُلْيَبُ ... والمُسترادُ لا سقاه الكوكب ) ( من
أجل حُمّاهن ماتت زينب ... ) قال
الزبير وأنشدنيها عمي مصعب لأبي نفيس بن يعلى بن منية قال واسمه ميمون وكان عمي
يقول اسم أبي نفيس ميمون بن يعلى وقال في الأبيات ( لا
يسقين عُنْبُبٌ وعُلْيَبُ ... ) أخبرني
الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن يحيى عن جده غسان بن عبد الحميد قال
رأت عائشة زوج النبي بنات طارق اللواتي يقلن ( نحن
بنات طارِق ... نمشي على النَّمارِق ) فقالت
أخطأ من يقول الخيل أحسن من النساء قال وقالت هند بنت عتبة لمشركي قريش يوم أحد ( نحن
بنات طارق ... نمشي على النمارِق ) ( الدُّرُّ
في المَخانِق ... والمسك في المَفارقِ ) ( إن
تُقْبِلوا نُعانِق ... أو تُدْبِروا نفارِق ) ( فِراقَ
غير وامِق ... ) أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير
قال حدثني محمد بن يحيى بن عبد الملك الهديري قال جلست ليلة وراء الضحاك بن عثمان
الحزامي في مسجد رسول الله وأنا متقنع فذكر الضحاك وأصحابه قول هند يوم أحد ( نحن
بنات طارِق ... ) فقال وما طارق فقلت النجم فالتفت
الضحاك فقال أبا زكريا وكيف بذاك فقلت قال الله عز و جل ( والسماء والطارق وما
أدراك ما الطارق النجم الثاقب ) فقالت إنما نحن بنات النجم فقال أحسنت صوت (
خلِيليَّ قوما في عَطَالَةَ فانظرا ... أناراً أَرَى من نحو يَبْرينَ أَم برقا ) ( فإن
يك برقا فهو في مُشْمَخِرَّةٍ ... تغادِر ماءً لا قليلا ولا طَرْقا ) ( وإن
تك نارا فهي نار بملتقًى ... من الريح تَسفِيها وتَصْفقها صَفْقا ) ويروى
تزهاها وتعفقها عفقا ( لأُمِّ
عليٍّ أوقَدَتْها طَماعةً ... لأَوبة سَفْر أن تكون لهم وَفْقا ) الشعر
لسويد بن كراع والغناء لابن محرز خفيف ثقيل أول بالوسطى عن يحيى المكي وذكره غيره
أنه لابن مسحج أخبار سويد بن كراع ونسبه سويد بن كراع العكلي أحد بني الحارث بن
عوف بن وائل بن قيس بن عكل شاعر فارس مقدم من شعراء الدولة الأموية وكان في آخر أيام
جرير والفرزدق وذكر محمد بن سلام في كتاب الطبقات فيما أخبرنا عنه أبو خليفة قال
كان سويد بن كراع شاعرا محكما وكان رجل بني عكل وذا الرأي والتقدم فيهم وعكل وضبة وعدي
وتيم هم الرباب قال وكان بعض بني عدي ضرب رجلا من بني ضبة ثم من بني السيد وهم قوم
نكد شرس وهم أخوال الفرزدق فاجتمعوا حتى ألم أن يكون بينهم شر فجاء رجل من بني عدي
فأعطى يده رهينة لينظروا ما يصنع المضروب فقال خالد بن علقمة ابن الطيفان حليف بني
عبد الله بن دارم ( أسالِمُ
إني لا إخالك سالما ... أتيتَ بني السيِّد الغُواةَ الأشائِما ) ( أسالِم
إن أفلتَّ من شرّ هذه ... فوائِلْ فِراراً إنما كنتَ حالما ) ( أسالم
ما أعطى ابنُ مامةَ مثلها ... ولا حاتمٌ فيما بلا الناسُ حاتِما ) فقال
سويد بن كراع يجيبه عن ذلك ( أشاعِر
عبدِ الله إن كنتَ لائما ... فإني لما تأتي من الأمر لائِمُ ) ( تُحَضِّض
أفناء الرَباب سفاهَةً ... وعِرضُك موفور وليلَك نائم ) ( وهل
عَجَبٌ أن تدرك السيِّدُ وِترها ... وتصبِرَ للحق السَّراةُ الأكارم ) ( رأيتك
لم تمنع طُهَيَّةَ حكمَها ... وأعطيتَ يربوعا وأنفُك راغم ) ( وأنت
امرؤ لا تقبل النصحَ طائعاً ... ولكن متى تُقْهَرْ فإنك رائِم ) ووجدت
هذا الخبر في رواية أبي عمرو الشيباني أتم منه هاهنا وأوضح فذكرته قال كان بين بني
السيد بني مالك من ضبة وبين عدي بن عبد مناة ترام على خبراء بالصمان يقال لها ذات
الزجاج فرمي عمرو بن حشفة أخو بني شبيم فمات ورمت بنو السيد رجلا منهم يقال له
مدلج بن صخر العدوي فمكث أياما لم يمت فمر رجل من بني عدي يقال له معلل على بني
السيد وهو لا يعلم الخبر فأخذوه فشدوه وثاقا فأفلت منهم ومشى بينهم عصمة بن أبير
التيمي سفيرا فقال لسالم بن فلان العدوي لو رهنتهم نفسك فإن مات مدلج كان رجل برجل
وإن لم يمت حملت دية صاحبهم ففعل ذلك سالم على أن يكون عند أخثم بن حميري أخي بني
شبيم من بني السيد فكان عنده ثم إن بني السيد لما أبطأ عليهم موت مدلج أتوا أخثم
لينتزعوا منه سالما ويقتلوه فقوض عليه أخثم بيته ثم قال يا آل أمي وكانت أمه من
بني عبد مناة بن بكر فمنعه عبد مناة ثم إن بني السيد قالوا لأخثم إلى كم تمنع هذا
الرجل أما الدية فوالله لا نقبلها أبدا فجعل لهم أجلا إن لم يمت مدلج فيه دفع
إليهم سالما فقتلوه به فلما كان قبل ذلك الأجل بيوم مات مدلج فقتلوا سالما فقال في
ذلك خالد بن علقمة أخو بني عبد الله بن دارم وهو ابن الطيفان ( أسالِمُ
ما مَنَّتك نفسك بعدما ... أتيت بني السيِّد الغواة الأشائِما ) ( أسالم
قد منتك نفسك أنما ... تكون دياتٌ ثم ترجِع سالِما ) ( كذبتَ
ولكن ثائِر متبسِّل ... يُلَقِّيك مصقولَ الحديدة صارِما ) ( أسالم
ما أَعْطَى ابنُ مامةَ مِثلَها ... ولا حاتِمُ فيما بلا الناسُ حاتما ) ( أسالِم
إن أفْلتَّ من شرّ هذه ... فوائِلْ فرارا إنما كنت حالِما ) ( وقد
أسلمتْ تيمٌ عديًّا فأَرْبَعَتْ ... ودلّت لأسباب المنيّة سالِما ) فأجابه
سويد بن كراع بالأبيات التي ذكرها ابن سلام وزاد فيها أبو عمرو ( دعوتم
إلى أمر النَّواكة دارِما ... فقد تركتم والنواكةَ دارِمُ ) ( وكنتَ
كذاتِ البَوِّ شُرِّمت استُها ... فطابقتَ لما خرّمتك الغمائم ) ( فلو
كنت مولى سلت ما تجللت ... به ضبع في ملتقى القوم واحِمُ ) ( ولم
يدرك المقتولُ إلا مجرَّه ... وما أَسْأرت منه النسورُ القَشاعم ) ( عليك
ابنَ عوف لا تدعه فإنما ... كفاك موالِينا الذي جرَّ سالم ) ( أتذكر
أقواما كفوك شئونهم ... وشأنك إلا تركَه متفاقِم ) قال
وقال سويد بن كراع في ذلك ( أرى
آل يربوعٍ وأفناء مالكٍ ... أعضُّوك في الحرب الحديدَ المُنَقَّبا ) ( همُ
رفعوا فأسَ اللجام فأدركت ... لَهاتَك حتى لم تَدعْ لك مَشْرَبا ) ( فإن
عُدْت عادوا بالتي ليس فوقها ... من الشرّ إلا أن تبيتَ محجَّبا ) ( وتصبح
تُدْرَى الكُعْكُبِيََّة قاعدا ... ويُنتَف من لِيَتْيك ما كان أزغبا ) تدري
تمشط بالمدرى كما يفعل بالنساء والكعكبية مشطة معروفة ( فهل
سألوا فينا سَواءَ الذي لهم ... وهل نحن أَعطَينا سِواه فَتعْجَبا ) ويروى
( فهل سألونا خَصلة غيرَ حقهم ... ) وهو
أجود قال فاستعدت بنو عبد الله سعيد بن عثمان بن عفان على سويد بن كراع في هجائه إياهم
فطلبه ليضربه ويحبسه فهرب منه ولم يزل متواريا حتى كلم فيه فأمنه على ألا يعاود
فقال سويد بن كراع ( تقول
ابنةُ العوفيّ ليلَى ألا ترى ... إلى ابن كراعٍ لا يزال مُفَزَّعا ) ( مخافةُ
هذين الأميرين سهَّدتْ ... رُقادي وغَشَّتني بياضا تفرَّعا ) ( على
غير جُرْم غيرَ أنْ جارَ ظالِمٌ ... عليّ فجهزت القصيدَ المفرّعا ) ( وقد
هابني الأقوام لمّا رميتُهم ... بفاقِرةٍ إن همَّ أن يتشجعا ) ( أبِيتُ
بأبواب القوافي كأنما ... أُصادِي بها سِرباً من الوحش نُزَّعا ) ( أُكالِئُها
حتى أعَرِّسَ بعدما ... يكون سُحَيْرٌ أو بُعَيْدُ فأهجعا ) ( فجشَّمني
خوفُ ابن عثمان رَدّها ... ورِعْيَتَها صيفاً جديداً ومَربَعا ) ( نهاني
ابنُ عثمان الإِمام وقد مضت ... نوافِذ لو تَرْدِي الصفا لتصدعا ) ( عوارِقُ
ما يَتركْن لَحماً بعَظْمه ... ولا عظمَ لحم دون أن يتمزَّعا ) ( أحقًّا
هداك الله أن جار ظالم ... فأنكَر مظلوم بأن يؤخذا معا ) ( وأنت
ابنُ حُكّام أقاموا وقَوَّموا ... قُرُونا وأعطَوا نائلا غيرَ أقطعا ) ينتجع
بقومه أرض بني تميم أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن
أبيه عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية قال انتجع سويد بن كراع بقومه أرض بني تميم
فجاور بني قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم فأنزله بغيض بن عامر بن
شماس بن لأي بن أنف الناقة بن قريع وأرعاه ووصله وكساه فلم يزل مقيما فيهم حتى
أحيا ثم ودعهم وأتى بغيضا وهو في نادي قومه وقد مدحه فأنشده قوله قال حماد ومن لا
يعلم يروي هذه القصيدة للحطيئة لكثرة مدحه بغيضا وهي لسويد بن كراع ( اِرتعتُ
للزَّورِ إذ حيَّا وأرقَّني ... ولم يكن دانيا منا ولا صَدَدا ) ( ودونه
سَبْسَبٌ تُنْضَى المطى به ... حتى ترى العَنْسَ تُلْقِى رحلها الأجُدَا ) ( إذا
ذكرتِك فاضت عبرَتي دِرَراً ... وكاد متكومُ قلبي يَصدع الكبِدا ) ( وذاك
منّي هوىً قد كان أَضَمرَه ... قلبي فما ازداد من نقص ولا نفِذا ) ( وقد
أرانا وحالُ الناس صالحةٌ ... نحتلُّ مربوعةً أُدمانَ أو بَرَدَى ) ( ليت
الشباب وذاك العصر راجعَنا ... فلم نزل كالذي كنا به أبدا ) ( أيام
أعلم كم أعملتُ نحوكُمُ ... من عِرمِسٍ عاقِدٍ لم تَرْأَمِ الولدا ) ( تُصيخ
عند السُّرى في البيد ساميةً ... سطعاءَ تنهض في مِيتائِها صُعُدا ) ( كأن
رَحلي على حُمْشٍ قوائمه ... برمل عِرْنانَ أمسى طاويا وحِدا ) ( هاجت
عليه من الجوزاء سارِيةٌ ... وَطْفاء تحمِل جَوْنا مُرْدفا نَضَدا ) ( فألجأتْه
إلى أرْطاةِ عانكةٍ ... فَيْحاءَ ينهال منها تُرْبُ ما التبدا ) ( تخال
عِطْفيه من جَوْل الرَّذاذِ به ... منظَّما بِيدَيْ داريَةٍ فَرَدا ) ( حتى
إذا ما انجلت عنه دُجُنَّتُه ... وكشَّف الصبحُ عنه الليلَ فاطَّردا ) ( غدا
كذي التاج حلَّته أساوِرةٌ ... كأنما اجتاب في حَرِّ الضحى سَنَدا ) وهي
طويلة اختصرتها يقول فيها ( لا
يُبْعد اللهُ إذ ودَّعت أَرضَهمُ ... أخي بَغيضا ولكن غيرُه بَعُدا ) ( لا
يبعد اللهُ من يعطي الجزيل ومن ... يحبو الخليل وما أكدَى وما صَلَدا ) ( ومن
تُلاقيه بالمعروف معترفا ... إذا أجْرَهَدَّ صفا المذمومِ أو صلَدا ) ( لاقيتُه
مُفْضِلا تَنْدَى أناملُه ... إن يُعطك اليومَ لا يمنعْك ذاك غدا ) ( تجيء
عفوا إذا جاءت عطيّتُه ... ولا تخالِطُ تَرْنِيقاً ولا زَهَدا ) ( أَوْلاهُ
بالمَفخَر الأعلى وأعظَمُه ... خُلقا وأَوسَعُه خيرا ومُنتفَدا ) ( إذا
تكلّف أقوامٌ صنائِعَه ... لاقَوا ولم يُظْلَموا مِن دونها صَعَدا ) ( بَحْرٌ
إذا نَكَسَ الأقوامُ أو ضَجِروا ... لاقَيتَ خيرَ يديه دائما رَغَدا ) ( لا
يَحسِبُ المدحَ خَدْعا حين تَمدَحه ... ولا يَرَى البُخلَ منهاه له أبدا ) ( إنِّي
لَرافِدُه وُدِّي ومَنْصَرتي ... وحافِظٌ غيبَه إن غاب أو شَهِدا ) صوت
( حَنَتْني حانياتُ الدهرِ حتّى ... كأنّي خاتِلٌ يدنوا لِصَيّدِ ) ( قريبُ
الخَطْوِ يَحسِبُ من رآني ... ولستُ مقيَّدا أنِّي بقَيْدِ ) عروضه
من الوافر الخاتل الذي يتقتر للصيد وينحني حتى لا يرى ويقال لكل من أراد خداع صيد
أو إنسان ختله ورى أمره فلم يظهره ومن رواه كأني حابل فإنه يعني الذي ينصب حبالة
للصيد الشعر لأبي الطمحان القيني والغناء لإبراهيم ماخوري وهو خفيف الثقيل الثاني
بالوسطى وذكر ابن حبيب أن هذا الشعر للمسجاح بن سباع الضبي فإن كن ذلك على ما قال
فلأبي الطمحان ما يغني فيه من شعره ولا يشك فيه أنه له قوله صوت ( أضَاءَتْ
لَهُمْ أحسابُهُمْ ووُجُوهُهُمْ ... دُجَى اللَّيْلِ حَتّى نَظَّمَ الجزعَ
ثاقِبُهْ ) الغناء لعريب ثاني ثقيل وخفيف رمل
وذكر ابن المعتز أن خفيف الرمل لها وأن الثقيل الثاني لغيرها تم الجزء الثاني عشر
ويليه الجزء الثالث عشر وأوله أخبار أبي الطمحان القيني بسم الله الرحمن الرحيم أخبار
أبي الطمحان القينيّ أبو الطمحان اسمه حنظلة بن الشرقي أحد بني القين بن جسر بن
شيع الله من قضاعة وقد تقدم هذا النسب في عدة مواضع من الكتاب في أنساب شعرائهم وكان
أبو الطمحان شاعرا فارسا خاربا صعلوكا وهو من المخضرمين أدرك الجاهلية والإسلام
فكان خبيث الدين فيهما كما يذكر وكان تربا للزبير بن عبد المطلب في الجاهلية
ونديما له أخبرنا بذلك أبو الحسن الأسدي عن الرياشي عن أبي عبيدة قيسبة السكوني
يقع في أسر بني عقيل ومما يدل على أنه قد أدرك الجاهلية ما ذكره ابن الكلبي عن
أبيه قال خرج قيسبة بن كلثوم السكوني وكان ملكا يريد الحج وكانت العرب تحج في
الجاهلية فلا يعرض بعضها لبعض فمر ببني عامر بن عقيل فوثبوا عليه فأسروه وأخذوا
ماله وما كان معه وألقوه في القد فمكث فيه ثلاث سنين وشاع باليمن أن الجن استطارته
فبينا هو في يوم شديد البرد في بيت عجوز منهم إذ قال لها أتأذنين لي أن آتي الأكمة
فأتشرق عليها فقد أضر بي القر فقالت له نعم وكانت عليه جبة من حبرة لم يترك عليه
غيرها فتمشى في أغلاله وقيوده حتى صعد الأكمة ثم أقبل يضرب ببصره نحو اليمن وتغشاه
عبرة فبكى ثم رفع طرفه إلى السماء وقال اللهم ساكن السماء فرج لي مما أصبحت فيه
فبينا هو كذلك إذ عرض له راكب يسير فأشار إليه أن أقبل فأقبل الراكب فلما وقف عليه
قال له ما حاجتك يا هذا قال أين تريد قال أريد اليمن قال ومن أنت قال أنا أبو الطمحان
القيني فاستعبر باكيا فقال له أبو الطمحان من أنت فإني أرى عليك سيما الخير ولباس
الملوك وأنت بدار ليس فيها ملك قال أنا قيسبة بن كلثوم السكوني خرجت عام كذا وكذا
أريد الحج فوثب علي هذا الحي فصنعوا بي ما ترى وكشف عن أغلاله وقيوده فاستعبر أبو
الطمحان فقال له قيسبة هل لك في مائة ناقة حمراء قال ما أحوجني إلى ذلك قال فأنخ
فأناخ ثم قال له أمعك سكين قال نعم قال ارفع لي عن رحلك فرفع له عن رحله حتى بدت
خشبة مؤخره فكتب عليها قيسبة بالمسند وليس يكتب به غير أهل اليمن - خفيف - ( بَلِّغا
كِنْدَةَ الملوكَ جميعاً ... حيثُ سارت بالأكرمِين الجِمالُ ) ( أنْ
رِدُوا العَيْنَ بالخمِيسِ عِجالاً ... واصدُروا عنه والرَّوايا ثِقال ) ( هَزِئَتْ
جارتِي وقالت عجيباً ... إذ رأَتْني في جِيدِيَ الأغلال ) ( إن
تَرَيْنِي عارِي العِظامِ أسيراً ... قد بَراني تَضَعْضُعٌ واخْتلال ) ( فلقد
أقْدُم الكَتِيبةَ بالسيفِ ... عليَّ السلاحُ والسِرْبال ) - خفيف - وكتب
تحت الشعر إلى أخيه أن يدفع إلى أبي الطمحان مائة ناقة ثم قال له أقرئ هذا قومي
فإنهم سيعطونك مائة ناقة حمراء فخرج تسير به ناقته حتى أتى حضرموت فتشاغل بما ورد
له ونسي أمر قيسبة حتى فرغ من حوائجه ثم سمع نسوة من عجائز اليمن يتذاكرن قيسبة
ويبكين فذكر أمره فأتى أخاه الجون بن كلثوم وهو أخوه لأبيه وأمه فقال له يا هذا
إني أدلك على قيسبة وقد جعل لي مائة من الإبل قال له فهي لك فكشف عن الرحل فلما
قرأه الجون أمر له بمائة ناقة ثم أتى قيس بن معد يكرب الكندي أبا الأشعث بن قيس
فقال له يا هذا إن أخي في بني عقيل أسير فسر معي بقومك فقال له أتسير تحت لوائي
حتى أطلب ثأرك وأنجدك وإلا فامض راشدا فقال له الجون مس السماء أيسر من ذلك وأهون
علي مما خيرته وضجت السكون ثم فاءوا ورجعوا وقالوا له وما عليك من هذا هو ابن عمك
ويطلب لك بثأرك فأنعم له بذلك وسار قيس وسار الجون معه تحت لوائه وكندة والسكون
معه فهو أول يوم اجتمعت فيه السكون وكندة لقيس وبه أدرك الشرف فسار حتى أوقع بعامر
بن عقيل فقتل منهم مقتلة عظيمة واستنقذ قيسبة وقال في ذلك سلامة بن صبيح الكندي -
السريع - ( لا تَشْتِمُونا إذا جَلبْنا لكُمْ
... أَلْفَيْ كُمَيْتٍ كلُّها سَلْهَبهْ ) ( نحن
أَبَلْنا الخيلَ في أرضِكُمْ ... حتى ثَأَرْنا منكمُ قَيْسَبة ) ( واعترضتْ
من دُونِهمْ مَذْحِجٌ ... فصادَفوا من خيلِنا مَشْغَبه ) - السريع - حدثنا
إبراهيم بن محمد بن أيوب قال حدثنا عبد الله بن مسلم قال بلغني أن أبا الطمحان
القيني قيل له وكان فاسقا خاربا ما أدنى ذنوبك قال ليلة الدير قيل له وما ليلة
الدير قال نزلت بديرانية فأكلت عندها طفيشلا بلحم خنزير وشربت من خمرها وزنيت بها
وسرقت كساءها ثم انصرفت عنها أخبرني عمي قال حدثني محمد بن عبد الله الحزنبل عن
عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه قال جنى أبو الطمحان القيني جناية وطلبه
السلطان فهرب من بلاده ولجأ إلى بني فزارة فنزل على رجل منهم يقال له مالك بن سعد
أحد بني شمخ فآواه وأجاره وضرب عليه بيتا وخلطه بنفسه فأقام مدة ثم تشوق يوما إلى أهله
وقد شرب شرابا ثمل منه فقال لمالك لولا أن يدي تقصر عن دية جنايتي لعدت إلى أهلي
فقال له هذه إبلي فخذ منها دية جنايتك واردد ما شئت فلما أصبح ندم على ما قاله
وكره مفارقة موضعه ولم يأمن على نفسه فأتى مالكا فأنشده - وافر - ( سأمدَحُ
مالِكاً في كلِّ ركبٍ ... لَقِيتُهُمُ وأترُكُ كل رَذْلِ ) ( فما
أنا والبِكارةُ أو مَخاضٌ ... عِظامٌ جِلَّةٌ سُدُسٌ وبُزْلِ ) ( وقد
عَرَفَتْ كلابُكُمُ ثِيابي ... كأنِّي منكمُ ونَسِيتُ أهلي ) ( نَمَتْ
بكَ مِن بَنِي شَمْخٍ زِنادٌ ... لها ما شئْتَ من فَرْعٍ وأصلِ ) - وافر - قال
فقال مالك مرحبا فإنك حبيب ازداد حبا إنما اشتقت إلى أهلك وذكرت أنه يحبسك عنهم ما
تطالب به من عقل أو دية فبذلت لك ما بذلت وهو لك على كل حال فأقم في الرحب والسعة
فلم يزل مقيما عندهم حتى هلك في دارهم اعتذاره لامرأته من ركوبه الأهوال قال أبو
عمرو في هذه الرواية وأخبرني أيضا بمثله محمد بن جعفر النحوي صهر المبرد قال حدثنا
ثعلب عن ابن الأعرابي قال عاتبت أبا الطمحان القيني امرأته في غاراته ومخاطرته
بنفسه وكان لصاً خاربا خبيثاً وأكثرت لومه على ركوب الأهوال ومخاطرته بنفسه في
مذاهبه فقال لها - طويل - ( لو
كنتُ في رَيْمانَ تَحْرُسُ بابَه ... أَراجِيلُ أُحْبوشٌ وأَغْضَفُ آلِفُ ) ( إذاً
لأتَتْنِي حيثُ كنتُ مَنِيَّتِي ... يَخُبُّ بها هادٍ بأَمرِيَ قائفُ ) ( فمِنْ
رَهْبَةٍ آتِي المتَالِفَ سادِراً ... وأيَّةُ أرض ليس فيها مَتالِف ) فأما
البيت الذي ذكرت من شعره أنّ فيه لعريب صنعة وهو - طويل - ( أضاءَتْ
لهمْ أحسابُهمْ ووُجوهُهمْ ... ) - طويل - فإنه
من قصيدة له مدح بها بجير بن أوس بن حارثة بن لأم الطائي وكان أسيرا في يده فلما
مدحه بهذه القصيدة أطلقه وجز ناصيته فمدحه بعد هذا بعدة قصائد وأول هذه الأبيات -
طويل - ( إذا قيل أيُّ الناس خَيرٌ قَبيلةً
... وأصبَرُ يوماً لا تَوَارَى كَواكِبُهْ ) ( فإنَّ
بني لأَمِ بن عَمْروٍ أُرُومةٌ ... عَلَتْ فوقَ صَعْب لا تُنالُ مَرَاقِبُهْ ) ( أضَاءتْ
لهمْ أحسابهُمْ ووُجوهُهمْ ... دُجَى الليل حتى نَظَّم الجِزْعَ ثاقِبُهْ ) ( لهم
مَجْلِسٌ لا يَحْصَرون عن النَّدَى ... إذا مَطْلَبُ المعروف أَجْدَبَ راكبه ) -
طويل - أسر أبي الطمحان في الحرب بين
جديلة والغوث وأما خبر أسره والواقعة التي أسر فيها فإن علي بن سليمان الأخفش
أخبرني بها عن أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابي قال كان أبو الطمحان القيني
مجاورا في جديلة من طيء وكانت قد اقتتلت بينها وتحاربت الحرب التي يقال لها حرب
الفساد وتحزبت حزبين حزب جديلة وحزب الغوث وكانت هذه الحرب بينهم أربعة أيام ثلاثة
منها للغوث ويوم لجديلة فأما اليوم الذي كان لجديلة فهو يوم ناصفة وأما الثلاثة
الأيام التي كانت للغوث فإنها يوم قارات حوق ويوم البيضة ويوم عرنان وهو آخرها
وأشدها وكان للغوث فانهزمت جديلة هزيمة قبيحة وهربت فلحقت بكلب وحالفتهم وأقامت فيهم
عشرين سنة وأسر أبو الطمحان في هذه الحرب أسره رجلان من طيء واشتركا فيه فاشتراه
منهما بجير بن أوس بن حارثة لما بلغه قوله - طويل - ( أَرِقْتُ
وآبَتْني الهمومُ الطَّوارِقُ ... ولم يلْقَ ما لاقَيْتُ قبليَ عاشقُ ) ( إليكُمْ
بني لأْمٍ تخُبُّ هِجانُها ... بكلِّ طريق صادَفَتْه شَبارِق ) ( لَكُمْ
نائلٌ غَمْرٌ وأحلامُ سادةٍ ... وألسِنةٌ يومَ الخِطاب مَسالق ) ( ولم
يَدْعُ داعٍ مِثلَكُمْ لعَظيمةٍ ... إذا وَزَمتْ بالساعدَيْن السَّوارق ) - طويل - السوارق
الجوامع واحدتها سارقة قال فابتاعه بجير من الطائيين بحكمهما فجز ناصيته وأعتقه أخبرني
الحسن بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني قال حدثني مصعب بن عبد الله الزبيري قال
كان أبو الطمحان القيني مجاورا لبطن من طيئ يقال لهم بنو جديلة فنطح تيس له غلاما
منهم فقتله فتعلقوا أبا الطمحان وأسروه حتى يؤدي ديته مائة من الإبل وجاءهم نزيله
وكان يدعى هشاما ليدفع عنه فلم يقبلوا قوله فقال أبو الطمحان - طويل - ( أتاني
هِشامٌ يَدفَعُ الضَّيْمَ جاهِداً ... يقول ألاَ ماذا تَرَى وتَقولُ ) ( فقلت
له قُمْ يا لَكَ الخيرُ أَدَّها ... مُذلَّلةً إنّ العَزيزَ ذَليل ) ( فإن
يكُ دُونَ القَيْن أغبرُ شامخٌ ... فليس إلى القَيْن الغَداةَ سبيل ) - طويل - أخبرني
عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك عن إسحاق
قال دخلت يوما على المأمون فوجدته حائرا متفكرا غير نشيط فأخذت أحدثه بملح
الأحاديث وطرفها أستميله لأن يضحك أو ينشط فلم يفعل وخطر ببالي بيتان فأنشدته
إياهما وهما - طويل - ( ألاَ
عَلِّلاني قبلَ نَوْح النَّوائِح ... وقبلَ نُشوز النفس بين الجَوانحِ ) ( وقبل
غدٍ يا لَهْفَ نفسي على غدٍ ... إذ راح أصحابي ولستُ برائح ) - طويل - فتنبه
كالمتفزِّع ثم قال من يقول هذا ويحك قلت أبو الطمحان القيني يا أمير المؤمنين قال
صدق والله أعدهما علي فأعدتهما عليه حتى حفظهما ثم دعا بالطعام فأكل ودعا بالشراب
فشرب وأمر لي بعشرين ألف درهم اعتذار الحسن لعبد الملك أخبرني حبيب بن نصر المهلبي
قال حدثني أحمد بن الحارث الخراز قال حدثني المدائني قال عاتب عبد الملك بن مروان
الحسن بن الحسن عليهما السلام على شيء بلغه عنه من دعاء أهل العراق إياه إلى
الخروج معهم على عبد الملك فجعل يعتذر إليه ويحلف له فقال له خالد بن يزيد بن معاوية
يا أمير المؤمنين ألا تقبل عذر ابن عمك وتزيل عن قلبك ما قد أشربته إياه أما سمعت
قول أبي الطمحان القيني - طويل - ( إذا
كان في صدر ابنِ عَمِّكَ إحْنَةٌ ... فلا تَسْتَثِرها سوف يَبْدو دَفينُها ) ( وإنْ
حَمْأَةَ المعروفِ أعطاك صَفْوَها ... فخُذْ عَفْوَه لا يَلْتبِسْ بك طِينُها ) -
طويل - قال المدائني ونزل أبو الطمحان على
الزبير بن عبد المطلب بن هاشم وكانت العرب تنزل عليه فطال مقامه لديه واستأذنه في
الرجوع إلى أهله وشكا إليه شوقا إليهم فلم يأذن له وسأله المقام فأقام عنده مدة ثم
أتاه فقال له ( ألاَ
حَنَّت المِرْقالُ وائْتبَّ ربُّها ... تَذَكَّرُ أوطاناً وأَذْكرُ مَعْشَري ) ( ولو
عَرَفتْ صَرْفَ البُيُوْع لَسَرَّهَا ... بمكةَ أنْ تَبْتاعَ حَمْضاً بإذْخرِ ) ( أسَرَّكِ
لو أنّا بجَنْبَيْ عُنَيزةٍ ... وحَمْضٍ وضُمران الجنَابِ وصَعْتَرِ ) ( إذا
شاء راعيها استقَى من وَقيعةٍ ... كعَيِن الغُرابِ صَفْوُها لم يُكَدَّر ) - طويل - فلما
أنشده إياها أذن له فانصرف وكان نديما له صوت ( لا يَعْتَرِي شَرْبَنا اللِّحاءُ
وقَدْ ... تُوهَبُ فينا القِيانُ والحلَلُ ) ( وفِتيةٍ
كالسّيوفِ نادَمتُهُمْ ... لاحَصَرٌ فيهِمُ ولا بَخَلُ ) - منسرح - الشعر
للأسود بن يعفر والغناء لسليم خفيف ثقيل أول بالبنصر أخبار الأسود ونسبه الأسود بن
يعفر ويقال يعفر بضم الياء ابن عبد الأسود بن جندل ابن نهشل بن دارم بن مالك بن
حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وأم الأسود بن يعفر رهم بنت العباب من بني سهم
بن عجل شاعر متقدم فصيح من شعراء الجاهلية ليس بالمكثر وجعله محمد بن سلام في
الطبقة الثامنة مع خداش بن زهير والمخبل السعدي والنمر بن تولب العكلي وهو من العشي
ويقال العشو بالواو المعدودين في الشعراء وقصيدته الدالية المشهورة ( نامَ
الخَليُّ وما أُحِسُّ رُقادي ... والهمُّ مُحتَضِرٌ لَدَيَّ وِسادي ) - كامل - معدودة
من مختار أشعار العرب وحكمها مفضلية مأثورة أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي وأبو
الحسن أحمد بن محمد الأسدي قالا حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال تقدم رجل من أهل
البصرة من بني دارم إلى سوار بن عبد الله ليقيم عنده شهادة فصادفه يتمثل قول
الأسود بن يعفر ( ولقد
علمْتُ لَوَ أنَّ عِلميَ نافِعِي ... أنّ السَّبيلَ سَبيلُ ذي الأعْواد ) ( إنّ
المنِيَّة والحُتُوفَ كلاهما ... يُوفِي المخَارِمَ يَرْمِيانِ سَوادي ) ( ماذا
أُؤَمِّلُ بعد آلِ مُحَرِّقٍ ... تَركوا مَنازلَهُمْ وبَعْدَ إياد ) ( أهلِ
الخَوَرْنَق والسَّدِير وبارِقٍ ... والقصرِ ذي الشُّرُفَات من سِنداد ) ( نَزَلُوا
بِأَنْقِرَةٍ يَفيض عليهمُ ... ماءُ الفُرات يَفيض من أَطْوَاد ) ( جَرَتِ
الرياحُ على محلِّ دِيارهمْ ... فكأنّما كانوا على مِيعادِ ) - كامل - ثم
أقبل على الدارمي فقال له أتروي هذا الشعر قال لا قال أفتعرف من يقوله قال لا قال
رجل من قومك له هذه النباهة وقد قال مثل هذه الحكمة لا ترويها ولا تعرفه يا مزاحم
أثبت شهادته عندك فإني متوقف عن قبوله حتى أسأل عنه فإني أظنه ضعيفا أخبرني عمي
قال حدثنا الكراني عن الرياشي عن أبي عبيدة بمثله جائزة الرشيد لمن يروي نام الخلي
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني الحكم بن موسى السلولي قال
حدثني أبي قال بينا نحن بالرافقة على باب الرشيد وقوف وما أفقد أحدا من وجوه العرب
من أهل الشام والجزيرة والعراق إذ خرج وصيف كأنه درة فقال يا معشر الصحابة إن أمير
المؤمنين يقرأ عليكم السلام ويقول لكم من كان منكم يروي قصيدة الأسود بن يعفر كامل
( نام الخَليَّ وما أُحسُّ رُقادِي
... والهمُّ مُحْتَضِرٌ لَدَىَّ وِسادِي ) - كامل - فليدخل
فلينشدها أمير المؤمنين وله عشرة آلاف درهم فنظر بعضنا إلى بعض ولم يكن فينا أحد
يرويها قال فكأنما سقطت والله البدرة عن قربوسي قال الحكم فأمرني أبي فرويت شعر
الأسود بن يعفر من أجل هذا الحديث التمثل بشعر الأسود أخبرني محمد بن القاسم
الأنباري قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن عبد الرحمن المدائني قال حدثنا أبو
أمية بن عمرو بن هشام الحراني قال حدثنا محمد بن يزيد بن سنان قال حدثني جدي سنان
بن يزيد قال كنت مع مولاي جرير بن سهم التميمي وهو يسير أمام علي بن أبي طالب عليه
السلام ويقول ( يا
فَرَسِي سِيري وأُمِّي الشاما ... وخَلِّفِي الأخوالَ والأعماما ) ( وقطِّعي
الأجْوازَ والأعلاما ... وقَاتِلي مَن خالفَ الإِماما ) ( إني
لأرجو إنْ لَقِينا العاما ... جَمْعَ بني أُمَيَّةَ الطَّغاما ) ( أنْ
نَقْتُلَ العاصيَ والهُماما ... وأن نُزِيلَ من رِجالٍ هاما ) - رجز - فلما
انتهى إلى مدائن كسرى وقف علي عليه السلام ووقفنا فتمثل مولاي قول الأسود بن يعفر ( جَرَتِ
الرِّياحُ على مَكانِ دِيارهمْ ... فكأنَّما كانوا على مِيعادِ ) - كامل - فقال
له علي عليه السلام فلم لم تقل كما قال الله جل وعز ( كم تركوا من جنات وعيون
وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين ) ثم قال يا
بن أخي إن هؤلاء كفروا النعمة فحلت بهم النقمة فإياكم وكفر النعمة فتحل بكم النقمة
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني
قال مر عمر بن عبد العزيز ومعه مزاحم مولاه يوما بقصر من قصور آل جفنة وقد خرب
فتمثل مزاحم بقول الأسود بن يعفر ( جَرَتِ
الرِّياحُ على مَحلِّ دِيارهمْ ... فكأنَّما كانوا على مِيعادِ ) ( ولقد
غَنُوا فيها بأنْعَمِ عِيشةٍ ... في ظِلِّ مُلْكٍ ثابتِ الأوْتادِ ) ( فإذا
النَّعيمُ وكلُّ ما يُلْهَى به ... يوماً يَصِيرُ إلى بِلًى ونَفادِ ) - كامل - فقال
له عمر هلا قرأت ( كم تركوا من جنات وعيون ) إلى قوله جل وعز ( كذلك أورثناها قوما
آخرين ) نسخت من كتاب محمد بن حبيب عن ابن
الأعرابي عن المفضل قال كان الأسود بن يعفر مجاورا في بني قيس بن ثعلبة ثم في بني
مرة بن عباد بالقاعة فقامرهم فقمروه حتى حصل عليه تسعة عشر بكرا فقالت لهم أمه وهي
رهم بنت العباب يا قوم أتسلبون ابن أخيكم ماله قالوا فماذا نصنع قالت احبسوا قداحه
فلما راح القوم قالوا له أمسك فدخل ليقامرهم فردوا قداحه فقال لا أقيم بين قوم لا
أضرب فيهم بقدح فاحتمل قبل دخول الأشهر الحرم فأخذت إبله طائفة من بكر بن وائل
فاستسعى الأسود بني مرة بن عباد وذكرهم الجوار وقال لهم ( يالَ
عُبَادٍ دَعوةً بعد هَجْمةٍ ... فهل فيكُم من قوّة وزَماعِ ) ( فَتسْعوْا
لجارٍ حلَّ وَسْطَ بُيوتكمْ ... غريبٍ وجاراتٍ تُرِكْن جِياعِ ) - طويل - وهي
قصيدة طويلة فلم يصنعوا شيئا فادعى جوار بني محلم بن ذهل ابن شيبان فقال ( قلْ
لبني مُحَلَّمٍ يَسيروا ... بِذمّةٍ يَسْعَى بها خَفيرُ ) ( لا
قَدْحَ بعد اليوم حتى تُورُوا ... ) - رجز - ويروى
إن لم توروا فسعوا معه حتى استنقذوا إبله فمدحهم بقصيدته التي أولها ( أجارَتَنا
غُضِّي من السَّيْر أو قِفِي ... وإن كنتِ قد أَزْمَعْتِ بالبَيْن فاصْرِفي ) ( أسائِلْكِ
أو أخْبِرْكِ عن ذي لُبانةٍ ... سَقِيمِ الفُؤاد بالحِسانِ مُكَلَّف ) يقول
فيها ( تَدارَكَني أسبابُ آلِ مُحَلَّمٍ
... وقد كدْتُ أَهْوِي بين نِيقَيْنِ نَفْنَفِ ) ( همُ
القومُ يمُسِي جارُهُمْ في غَضارةٍ ... سَوياًّ سَليمَ اللَّحم لم يُتحوَّفِ ) -
طويل - فلما بلغتهم أبياته ساقوا إليه مثل
إبله التي استنقذوها من أموالهم سعيه في رد الإبل لطلحة قال المفضل كان رجل من بني
سعد بن عوف بن مالك بن حنظلة يقال له طلحة جارا لبني ربيعة بن عجل بن لجيم فأكلوا
إبله فسأل في قومه حتى أتى الأسود بن يعفر يسأله أن يعطيه ويسعى له في إبله فقال
له الأسود لست جامعهما لك ولكن اختر أيهما شئت قال أختار أن تسعى لي بإبلي فقال
الأسود لأخواله من بني عجل ( يا
جارَ طلْحَة هلْ تَرُدُّ لَبُونَهُ ... فتكونَ أدْنَى للوَفاء وأَكرَمَا ) ( تاللهِ
لو جاوَرْتُموه بأرْضِه ... حتّى يُفارِقَكم إذاً ما أَجْرمَا ) - طويل - وهي
قصيدة طويلة فبعث أخواله من بني عجل بإبل طلحة إلى الأسود ابن يعفر فقالوا أما إذا
كنت شفيعه فخذها وتول ردها لتحرز المكرمة عنده دون غيرك إغارته على كاظمة ومرضه
وقال ابن الأعرابي قتل رجلان من بني سعد بن عجل يقال لهما وائل وسليط ابنا عبد
الله عما لخالد بن مالك بن ربعي النهشلي يقال له عامر بن ربعي وكان خالد بن مالك
عند النعمان حينئذ ومعه الأسود بن يعفر فالتفت النعمان يوما إلى خالد بن مالك فقال
له أي فارسين في العرب تعرف هما أثقل على الأقران وأخف على متون الخيل فقال له
أبيت اللعن أنت أعلم فقال خالا ابن عمك الأسود بن يعفر وقاتلا عمك عامر بن ربعي
يعني العجليين وائلا وسليطا فتغير لون خالد بن مالك وإنما أراد النعمان أن يحثه على
الطلب بثأر عمه فوثب الأسود فقال أبيت اللعن عض بهن أمه من رأى حق أخواله فوق حق
أعمامه ثم التفت إلى خالد بن مالك فقال يا بن عم الخمرعلي حرام حتى أثأر لك بعمك
قال وعلي مثل ذلك ونهضا يطلبان القوم فجمعا جمعا من بني نهشل بن دارم فأغارا بهم
على كاظمة وأرسلا رجلا من بني زيد بن نهشل بن دارم يقال له عبيد بتجسس لهم الخبر
فرجع إليهم فقال جوف كاظمة ملآن من حجاج وتجار وفيهم وائل وسليط متساندان في جيش
فركبت بنو نهشل حتى أتوهم فنادوا من كان حاجا فليمض لحجه ومن كان تاجرا فليمض
لتجارته فلما خلص لهم وائل وسليط في جيشهما اقتتلوا فقتل وائل وسليط قتلهما هزان
ابن زهير بن جندل بن نهشل عادى بينهما وادعى الأسود بن يعفر أنه قتل وائلا ثم عاد إلى
النعمان فلما رآه تبسم وقال وفي نذرك يا أسود قال نعم أبيت اللعن ثم أقام عنده مدة
ينادمه ويؤاكله ثم مرض مرضا شديدا فبعث النعمان إليه رسولا يسأله عن خبره وهول ما
به فقال ( نَفْعٌ قليل إذ نادَى الصَّدَى
أُصُلاً ... وحانَ منه لِبردِ الماءِ تَغْريدُ ) ( وودَّعوني
فقالوا ساعةَ انطَلَقوا ... أوْدَى فأودَى النَّدَى والحزمُ والجُود ) ( فما
أُبالي إذا ما مُتُّ ما صَنَعُوا ... كلُّ امرئ بسبيل الموتِ مَرْصود ) - بسيط - ونسخت
من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشيباني بأثره عن أبيه قال كان أبو جعل أخو عمرو بن
حنظلة من البراجم قد جمع جمعا من شذاذ أسد وتميم وغيرهم فغزوا بني الحارث بن تيم
الله بن ثعلبة فنذروا بهم وقاتلوهم قتالا شديدا حتى فضوا جمعهم فلحق رجل من بني
الحارث ابن تيم الله بن ثعلبة جماعة من بني نهشل فيهم جراح بن الأسود بن يعفر
والحر بن شمر بن هزان بن زهير بن جندل ورافع بن صهيب بن حارثة بن جندل وعمرو
والحارث ابنا حرير بن سلمى بن جندل فقال لهم الحارثي هلم إلي طلقاء فقد أعجبني
قتالكم سائر اليوم وأنا خير لكم من العطش قالوا نعم فنزل ليجز نواصيهم فنظر الجراح
بن الأسود إلى فرس من خيلهم فإذا هي أجود فرس في الأرض فوثب فركبها وركضها ونجا
عليها فقال الحارثي للذين بقوا معه أتعرفون هذا قالوا نعم نحن لك علية خفراء فلما
أتى جراح أباه أمره فهرب بها في بني سعد فابتطنها ثلاثة أبطن وكان يقال لها
العصماء فلما رجع النفر النهشليون إلى قومهم قالوا إن خفراء فارس العصماء فوالله
لنأخذنها فأوعدوه وقال حرير ورافع نحن الخفيران بها وكان بنو جرول حلفاء بني سلمى
بن جندل على بني حارثة بن جندل فأعانه على ذلك التيحان بن بلج بن جرول بن نهشل
فقال الأسود بن يعفر يهجوه ( أتاني
ولم أَخشَ الذي ابْتُعثا به ... خَفِيرَا بني سَلْمَى حُرَيرٌ ورافعُ ) ( همُ
خَيَّبوني يومَ كلِّ غَنِيمةٍ ... وأهلكتُهمْ لَوْ أنَّ ذلك نافعُ ) ( فلا
أنا مُعْطِيهمْ عليَّ ظُلامةً ... ولا الحقَّ مَعْرُوفاً لهمْ أنا مانِعُ ) ( وإني
لأَقرِي الضيفَ وَصَّى به أبِي ... وجارُ أبي التَّيحانِ ظمآنُ جائعُ ) ( فقُولاَ
لتَيْحانَ ابنِ عاقِرِة اسْتِها ... أَمُجْرِ فَلاقِي الغَيِّ أمْ أنتَ نازعُ ) ( ولَوْ
أَنَّ تَيْحان بنَ بَلْج أطاعني ... لأرشدْتهُ وللأمور مَطالعُ ) ( وإنْ
يَكُ مَدلولاً عَليَّ فإنَّني ... أخو الحَرْبِ لا قَحْمٌ ولا مُتَجاذِعُ ) ( ولكنَّ
تَيْحانَ ابنَ عاقِرةِ استِها ... له ذَنَبٌ من أمْرِه وتَوابعُ ) - طويل - قال
فلما رأى الأسود أنهم لا يقلعون عن الفرس أو يردوها أحلفهم عليها فحلفوا أنهم
خفراء لها فرد الفرس عليهم وأمسك أمهارها فردوا الفرس إلى صاحبها ثم أظهر الأمهار
بعد ذلك فأوعدوه فيها أن يأخذوها فقال الأسود ( أحقًّا
بني أبناءِ سَلْمَى بنِ جَنْدَلٍ ... وَعيدُكُمُ إيايَ وَسْطَ المجالسِ ) ( فهلاّ
جَعلتُمْ نحوَهُ من وَعِيدِكُمْ ... على رَهْطِ قَعْقاعٍ ورهطِ ابنِ حابِس ) ( هُمُ
مَنعوا منكُمْ تُراثَ أبيكُمُ ... فصار التُّراثُ للكرام الأكايس ) ( هُمُ
أَوْرَدوكُمْ ضَفَّةَ البحرِ طامِيًا ... وهُمْ تركوكُمْ بين خازٍ وناكس ) - طويل - رثاؤه
مسروق النهشلي وقال أبو عمرو كان مسروق بن المنذر بن سلمى بن جندل بن نهشل سيدا
جوادا وكان مؤثرا للأسود بن يعفر كثير الرفد له والبر به فمات مسروق واقتسم أهله
ماله وبان فقده على الأسود بن يعفر فقال يرثيه ( أقول
لمّا أتاني هُلْكُ سَيِّدنا ... لا يُبْعِدِ اللهُ ربُّ الناسِ مَسْروقَا ) ( من
لا يشيِّعُه عَجْزٌ ولا بَخَلٌ ... ولا يبِيتُ لديه اللّحمُ مَوْشُوقا ) ( مِرْدَى
حُروبٍ إذا ما الخيلُ ضَرَّجَها ... نَضْخُ الدماءِ وقد كانتْ أَفاريقا ) ( والطاعنُ
الطعنةَ النَّجلاءَ تحسَبُها ... شَنًّا هزِيماً يَمُجُّ الماءَ مَخْروقا ) ( وجَفْنةٍ
كنَضِيحِ البِئْرِ مُتْأَقةٍ ... تَرى جَوانبهَا باللحم مفتوقا ) ( يَسَّرْتَها
ليتامَى أو لأرْمَلةٍ ... وكنتَ بالبائِس المتروكِ مَحقْوقا ) ( يا
لَهْفَ أُمّيَ إذْ أوْدَى وفارَقني ... أودَى ابنُ سَلْمَى نقيَّ العِرْض
مَرْمُوقا ) - بسيط - شعره
في أولاده وقال أبو عمرو عاتبت سلمى بنت الأسود بن يعفر أباها على إضاعته ماله
فيما ينوب قومه من حمالة وما يمنحه فقراءهم ويعين به مستمنحهم فقال لها ( وقالت
لا أَراك تُلِيقُ شيئاً ... أتُهلِكُ ما جَمعْتَ وتَستفيدُ ) ( فقلتُ
بِحَسبِها يَسَرٌ وعارٍ ... ومُرْتَحِلٌ إذا رَحَل الوفودُ ) ( فلُومِي
إنْ بدا لكِ أو أفيقِي ... فقَبْلَكِ فاتَنِي وهو الحَمِيدُ ) ( أبو
العَوْراءِ لْم أَكْمَدْ عليه ... وقيسٌ فاتَني وأخِي يزيدُ ) ( مَضَوْا
لِسبيلهمْ وبَقِيتُ وَحدِي ... وقَدْ يُغْنِي رَباعته الوَحيدُ ) ( فلوْلا
الشامتونَ أخذْتُ حَقِّي ... وإنْ كانتْ بِمَطْلَبِهِ كَؤُودُ ) ويروى
( وإنْ كانت له عِنْدِي كَؤُودُ ... )
- وافر - قال أبو عمرو وكان الجراح بن
الأسود في صباه ضئيلا ضعيفا فنظر إليه الأسود وهو يصارع صبيا من الحي وقد صرعه
الصبي والصبيان يهزؤون منه فقال ( سيَجْرَحُ
جرّاحٌ وأَعْقِلُ ضَيْمَه ... إذا كان مَخْشِيًّا من الضَّلَع المُنْدِي ) ( فآباءُ
جرّاحٍ ذُؤابة دارِمٍ ... وأخوالُ جرّاحٍ سَراةُ بني نَهْد ) - طويل - قال
وكانت أم الجراح أخيذة أخذها الأسود من بني نهد في غارة أغارها عليهم وقال أبو
عمرو لما أسن الأسود بن يعفر كف بصره فكان يقاد إذا أراد مذهبا وقال في ذلك ( قد
كنتُ أَهْدِي ولا أُهْدَى فعلَّمني ... حُسْنُ المَقادِة أني أَفقِدُ البَصَرَا ) ( أمْشِي
وأَتْبَعُ جُنّاباً ليَهْدِيَني ... إنّ الجَنِيبة مما تَحشَمُ الغَدَرَا ) - بسيط - الجناب
الرجل الذي يقوده كما تقاد الجنيبة الحشم المشي ببطء والغدر مكان ليس مستويا وذكر
محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل أن الأسود كان له أخ يقال له حطائط بن
يعفر شاعر وأن ابنه الجراح كان شاعرا أيضا قال وأخوه حطائط الذي قال لأمهما رهم
بنت العباب وعاتبته على جوده فقال ( تقول
ابنةُ العَبَّاب رُهْمٌ حَرَبْتَني ... حُطائطُ لم تَتْرُكْ لنفسك مَقْعَدا ) ( إذا
ما جَمَعْنا صِرْمة بعد هَجْمةٍ ... تكون علينا كابن أُمِّك أَسودا ) ( فقلتُ
ولم أَعْيَ الجوابَ تأمَّلي ... أكان هُزالاً حَتْفُ زيدٍ وأَرْبَدا ) ( أَرِيني
جَواداً مات هُزْلا لعلَّني ... أَرَى ما تَرَيْن أو بخيلاً مُخلَّدا ) ( ذَرِيني
أكنْ للمال ربًّا ولا يكن ... لي المالُ ربًّا تَحَمدي غِبَّه غدا ) ( ذَرِيني
فلا أعيا بما حَلَّ ساحَتيِ ... أَسُودُ فأُكْفَى أو أطِيعُ المُسَوَّدا ) ( ذريني
يكنْ مالي لعِرْضِي وِقايةً ... يَقِي المالُ عِرْضِي قَبل أن يتبدَّدا ) ( أجارةَ
أهلي بالقَصِيْمَةِ لا يكن ... عليَّ ولم أظلِمْ لسانُكِ مِبْرَدا ) - طويل -
صوت ( أعاذِلَتي أَلا لا
تَعذُلِينا ... أقِلّي اللومَ إنْ لم تَنْفَعينا ) ( فقد
أكثْرتِ لو أغنيْتِ شيئاً ... ولستُ بقابلٍ ما تأمُرِينا ) - وافر - الشعر
لأرطاة بن سهية والغناء لمحمد بن الأشعث خفيف رمل بالبنصر من نسخة عمرو بن بانة أخبار
أرطاة ونسبه هو أرطاة بن زفر بن عبد الله بن مالك بن شداد بن عقفان بن أبي حارثة
بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان وقد تقدم هذا النسب في عدة
مواضع من هذا الكتاب وسهية أمه وهي بنت زامل بن مروان بن زهير بن ثعلبة بن حديج بن
أبي جشم بن كعب بن عوف ابن عامر بن عوف سبية من كلب وكانت لضرار بن الأزور ثم صارت
إلى زفر وهي حامل فجاءت بأرطاة من ضرار على فراش زفر فلما ترعرع أرطاة جاء ضرار
إلى الحارث بن عوف فقال له ( يا
حارِثُ افْكُكْ ليْ بُنَيَّ من زُفَرْ ... ) ( ويروى
يا حار أطلق لي ... ) ( في
بعضِ مَنْ تُطلِقُ مِن أَسْرَى مُضَرْ ... ) ( إنَّ
أباه امرُؤُ سَوْءٍ إن كفرْ ... ) - رجز فأعطاه الحارث إياه وقال انطلق بابنك
فأدركه نهشل بن حري بن غطفان فانتزعه منه ورده إلى زفر وفي تصداق ذلك يقول أرطاة
لبعض أولاد زفر ( فإذا
خَمِصْتمْ قلْتُمُ يا عمَّنا ... وإذا بَطِنتُمْ قلْتُمُ ابنَ الأَزْوَرِ ) - كامل - قال
ولهذا غلبت أمه سهية على نسبه فنسب إليها وضرار بن الأزور هذا قاتل مالك بن نويرة
الذي يقول فيه أخوه متمم ( نِعْمَ
القتيلُ إذا الرِّياحُ تَناوَحَتْ ... تحت البيوت قَتلْتَ يا بنَ الأزْوَرِ ) منزلته
في الشعر وأرطاة شاعر فصيح معدود في طبقات الشعراء المعدودين من شعراء الإسلام في
دولة بني أمية لم يسبقها ولم يتأخر عنها وكان أمرأ صدق شريفا في قومه جوادا أخبرني
هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان رفيع بن سلمة الملقب بدماذ قال حدثنا أبو
عبيدة قال دخل أرطاة بن سهية على عبد الملك بن مروان فاستنشده شيئا مما كان يناقض
به شبيب بن البرصاء فأنشده ( أبي
كان خيراً من أبيكَ ولم يَزَلْ ... جَنيباً لآبائي وأنت جنيبُ ) فقال
له عبد الملك بن مروان كذبت شبيب خبر منك أبا ثم أنشده ( وما
زلتُ خيراً منك مذ عَضَّ كَارِهاً ... برأسك عاديُّ النِّجاد رَسوب ) - كامل - فقال
له عبد الملك صدقت أنت في تفسك خير من شبيب فعجب من عبد الملك من حضر ومن معرفته
مقادير الناس على بعدهم منه في بواديهم وكان الأمر على ما قال كان شبيب أشرف أبا
من أرطاة وكان أرطاة أشرف فعلا ونفسا من شبيب أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال
حدثنا عمرو بن بحر الجاحظ ودماذ أبو غسان قالا جميعا قال أبو عبيدة دخل أرطاة بن
سهية على عبد الملك بن مروان فقال له كيف حالك يا أرطاة وقد كان أسن فقال ضعفت
أوصالي وضاع مالي وقل مني ما كنت أحب كثرته وكثر مني ما كنت أحب قلته قال فكيف أنت
في شعرك فقال والله يا أمير المؤمنين ما أطرب ولا أغضب ولا أرغب ولا أرهب وما يكون
الشعر إلا من نتائج هذه الأربع وعلى أني القائل ( رأيتُ
المرءَ تأكُلُه اللَّيالي ... كأكْلِ الأرضِ سَاقِطةَ الحديدِ ) ( وما
تَبْغي المَنيَّةُ حينَ تأتي ... على نَفْسِ ابن آدمَ من مَزِيدِ ) ( وأعْلمُ
أنها ستَكُرُّ حتَّى ... تُوَفِّي نَذْرَها بأبي الوَليدِ ) فارتاع
عبد الملك ثم قال بل توفي نذرها بك ويلك مالي ولك فقال لا ترع يا أمير المؤمنين
فإنما عنيت نفسي وكان أرطاة يكنى أبا الوليد فسكن عبد الملك ثم استعبر باكيا وقال
أما والله على ذلك لتلمن بي أخبرني به حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة
قال حدثني أبو غسان محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن أبي ثابت فذكر قريبا منه يزيد
وينقص ولا يحيل معنى مدحه مروان بن الحكم أخبرني عبد الملك بن مسلمة القرشي
الهشامي بأنطاكية قال أخبرني أبي عن أهلنا أن أرطاة بن سهية دخل على مروان بن الحكم
لما اجتمع له أمر الخلافة وفرغ من الحروب التي كان بها متشاغلا وصمد لإنفاذ الجيوش
إلى ابن الزبير لمحاربته فهنأه وكان خاصا به وبأخيه يحيى بن الحكم ثم أنشده ( تَشَكَّى
قَلُوصِي إليَّ الوَجَى ... تَجُرُّ السّريح وتُبْلي الخِدامَا ) ( تَزُورُ
كريماً له عندها ... يدٌ لا تُعَدُّ وتُهدِي السَّلامَا ) ( وقَلَّ
ثواباً له أنَّها ... تُجِيدُ القَوافِيَ عاماً فعامَا ) ( وسَادَتْ
مَعَدًّا على رَغْمها ... قُرَيشٌ وسُدْتَ قريشاً غُلاَمَا ) ( جُعِلْتَ
على الأمرِ فيه صَغاً ... فما زال غَمْزُك حتى استقاما ) ( لَقِيْتَ
الزُّحوفَ فقاتلْتَها ... فجرَّدْت فِيهنَّ عَضْباً حُسَامَا ) ( تَشُقُّ
القَوانسَ حتى تَنا ... لَ ما تحتها ثم تَبرِي العِظَاما ) ( نَزَعْتَ
على مَهَلٍ سابقاً ... فما زَادَكَ النَّزْعُ إلاّ تمَاما ) ( فزاد
لَكَ اللهُ سُلطانَهُ ... وزاد لك الخيرَ منه فَدامَا ) - متقارب - فكساه
مروان وأمر له بثلاثين ناقة وأوقرهن له برا وزبيبا وشعيرا هجاؤه شبيب بن البرصاء
قال وكان أرطاة يهاجي شبيب بن البرصاء ولكل واحد منهما في صاحبه هجاء كثير وكان كل
واحد منهما ينفي صاحبه عن عشيرته في أشعاره فأصلح بينهما يحيى بن الحكم وكانت بنو
مرة تألفه وتنتجعه لصهره فيهم فلما افترقا سبعه شبيب عند يحيى بن الحكم فقال أرطاة
له ( رَمتْكَ فلم تُشْوِ الفؤادَ جَنوبُ
... وما كلُّ من يَرْمي الفؤادَ يُصيبُ ) ( وما
زَوَّدَتْنا غيرَ أنْ خَلَطَتْ لنا ... أحاديثَ منها صادقٌ وكَذوبُ ) ( ألا
مُبْلِغٌ فِتيانَ قَوْمِيَ أنَّني ... هَجَانِي ابنُ بَرْصاءِ اليَدَينِ شَبيبُ ) ( وفي
آل عَوْفٍ من يَهودَ قَبيلةٌ ... تَشابَهَ منها ناشِئون وشِيبُ ) ( أبِي
كان خيراً من أبيكَ ولم يَزَلْ ... جَنيباً لآبائي وأنت جَنِيبُ ) ( وما
زلتُ خيراً منكَ مذ عَضَّ كارهاً ... برأسك عادِيُّ النِّجاد رَسوبُ ) ( فما
ذَنْبُنا إنْ أُمَّ حمزةَ جاورَتْ ... بيَثْرِبَ أتياساً لهنَّ نَبِيبُ ) ( وإنَّ
رجالاً بين سَلْعٍ وواقِمٍ ... لأيْرِ أبيهمْ في أبيكَ نَصيبُ ) ( فلو
كنتَ عَوْفيًّا عَمِيتَ وأَسْهلَتْ ... كُداكَ ولكنَّ المُريب مُريب ) - طويل - فأخبرني
عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي قال لما قال هذا الشعر أرطاة في
شبيب بن البرصاء كان كل شيخ من بني عوف يتمنى أن يعمى وكان العمى شائعا في بني عوف
كلما أسن منهم رجل عمي فعمر أرطاة ولم يعم فكان شبيب يعيره بذلك ثم مات أرطاة وعمي
شبيب فكان يقول بعد ذلك ليت أرطاة عاش حتى يراني أعمى فيعلم أني عوفي ونسخت من
كتاب ابن الأعرابي في شعر أرطاة قال كان شبيب بن البرصاء يقول وددت أني جمعني وابن
الأمة أرطاة بن سهية يوم قتال فأشفي منه غيظي فبلغ ذلك أرطاة فقال له ( إنْ
تَلْقَني لا تَرَى غيري بناظِرةٍ ... تَنْسَ السلاحَ وتَعرِفْ جبهةَ الأَسدِ ) ( ماذا
تظنُّكَ تُغني في أخي رَصَد ... من أُسْد خفّانَ جابِي العَيْن ذي لبد ) جابي
العين وجائب العين شديد النظر ( أبي
ضَراغِمَةٍ غُبْرٍ يُعَوِّدُها ... أكْلَ الرجال متى يَبْدأْ لها يَعُدِ ) ( يا
أيها المتمنّي أنْ يُلاقينَي ... إن تَنأَ آتِكَ أو إن تَبْغِني تَجِدِ ) ( نَقْضِ
اللُبانةَ من مُرٍّ شرائعُه ... صَعب المَقادة تَخشاه فلا تَعُدِ ) ( متى
تَرِدْنيَ لا تَصْدُرْ لمَصْدَرة ... فيها نجاةٌ وإن أُصْدِرْكَ لا ترد ) ( لا
تحسبَنِّي كفَقْع القاع يَنقُره ... جانٍ بإصبَعه أو بَيْضةِ البَلد ) ( أنا
ابن عُقْفانَ معروفٌ له نَسبي ... إلا بما شاركَتْ أمٌّ على وَلد ) ( لاقى
الملوكَ فأَثْأَى في دمائِهُمُ ... ثم استقرَّ بلا عَقْل ولا قَوَد ) ( مِن
عُصْبة يَطعنُون الخيلَ ضاحِيةً ... حتى تَبَدَّدَ كالمَزْؤُودة الشُّرُد ) ( ويَمنعون
نساءَ الحَيّ إنْ عَلِمتْ ... ويَكشفون قَتامَ الغارة العمد ) ( أنا
ابنُ صِرْمة إن تَسألْ خِيارَهُمُ ... أضربْ برِجلي في ساداتِهِمْ ويَدي ) ( وفي
بني مالكٍ أمٌّ وزافِرةٌ ... لا يدفع المجد من قَيْس إلى أحد ) ( ضربْت
فيهمْ بأَعراقَي كما ضَربَتْ ... عُروقُ ناعمة في أبطَح ثَئِد ) ( جَدِّي
قضاعةُ معروفٌ ويعرفني ... جَبا رفيدةَ أهلِ السَّرْو والعَدد ) - بسيط - حبه
لوجزة أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن عبد الله الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو
الشيباني عن أبيه قال كان أرطاة بن سهية يتحدث إلى امرأة من غني يقال لها وجزة
وكان يهواها ثم افترقا وحال الزمان بينهما وكبر أرطاة ثم اجتمعت غني وبنو مرة في
دار فمر أرطاة بوجزة وقد هرمت وتغيرت محاسنها وافتقرت فجلس إليها وتحدث معها وهي
تشكو إليه أمرها فلما أراد الانصراف أمر راعيه فجاء بعشرة من إبله فعقلها بفنائها
وانصرف وقال ( مررْتُ
على حِدْثي برَمّانَ بعدما ... تَقطَّعَ أقرانُ الصِّبَا والوَسائلُ ) ( فكنتُ
كظبْيٍ مُفْلِتٍ ثمَّ لم يزلْ ... به الحَيْن حتى أُعْلِقَتْهُ الحبائل ) قال
أبو الفرج الأصفهاني وقد ذكر أرطاة بن سهية وجزة هذه ونسب بها في مواضع من شعره
فقال في قصيدة ( وداويّةٍ
نازعْتُها الليلَ زائراً ... لِوجزةَ تَهْديني النجومُ الطوامسُ ) ( أعُوجُ
بأصحابي عن القصد تعتلي ... بنا عُرضَ كِسْرَيْها المَطِيُّ العَرامِسُ ) ( فقد
تَرَكْتنِي لا أعِيجُ بمشرب ... فأَروَى ولا ألهو إلى من أُجَالسُ ) ( ومِن
عجبِ الأيام أَنْ كل منزل ... لوجزةَ من أكناف رَمّانَ دارسُ ) ( وقد
جاورَتْ قصرَ العُذَيْب فما يُرى ... بَرمّانَ إلا ساخِطُ العيش بائِسُ ) ( طِلابٌ
بعيدٌ واختلافٌ من النوى ... إذا ما أتى مِن دونَ وَجْزةَ قادِسُ ) ( لَئِنْ
أنَجْحَ الواشون بيني وبينها ... وطال التنائي والنفُوسُ النوافس ) ( لَقَدْ
طالما عِشْنا جَميعاً ووُدُّنَا ... جميعٌ إذا ما يبتغي الأُنسَ آنِس ) ( كذلك
صَرْفُ الدهر ليس بتارِكٍ ... حبيباً ويبقى عمرُه المتقاعِسُ ) - طويل - وقال
ابن الأعرابي كانت بين أرطاة بن سهية وبين رجل من بني أسد يقال له حيان مهاجاة
فاعترض بينهما حباشة الأسدي فهجا أرطاة فقال فيه أرطاة ( أبلِغْ
حُبَاشةَ أَني غيرُ تارِكِه ... حتى أُذَلِّلَهُ إذا كان ما كانا ) ( الباعثَ
القولِ يُسْدِيه ويُلْحمه ... كالمُجْتَدِي الثُّكلَ إذ حاورْتُ حيّانا ) ( إنْ
تدْعُ خِنْدِفَ بغياً أو مكاثَرَةً ... ادعُ القبائل من قيسِ بنِ عَيْلانا ) ( قد
نَحْبِس الحقَّ حتى ما يجاوِزنا ... والحقُّ يحبسنا في حيثُ يلقانا ) ( نبني
لآخِرِنا مَجْداً نُشَيِّدُه ... إنَّا كذاك ورِثْنا المجدَ أُولانا ) - بسيط - وقال
ابن الأعرابي وفد أرطاة بن سهية إلى الشأم زائرا لعبد الملك بن مروان عام الجماعة
وقد هنأه بالظفر ومدحه فأطال المقام عنده وأرجف أعداؤه بموته فلما قدم وقد ملأ
يديه بلغه ما كان منهم فقال فيهم ( إذا
ما طَلَعْنا من ثَنِيَّةِ لَفْلَفٍ ... فخبِّرْ رجالاً يَكْرهُون إيابي ) ( وخَبِّرهُمُ
أني رجعْتُ بغبطة ... أُحَدِّدُ أَظْفَاري ويَصْرُفُ نابي ) ( وإني
ابنُ حرب لا تزالُ تَهِرُّني ... كلابُ عدوِّي أو تَهِرُّ كلابي ) - طويل - وقال
أبو عمرو الشيباني وقع بين زميل قاتل ابن دارة وبين أرطاة ابن سهية لحاء فتوعده
زميل وقال إني لأحسبك ستجرع مثل كأس ابن دارة فقال له أرطاة ( يا
زمْلُ إني إنْ أكُنْ لك سائقاً ... تَرْكُضْ بِرِجْلَيْك النجاة والْحَق ) ( لا
تحسَبَنِّي كامرئٍ صادفْتَهُ ... بِمَضِيعَةٍ فَخَدَشْتَهُ بالمِرْمَق ) ( إنِّي
امرؤٌ أُوفِي إذا قارعتكُمْ ... قَصَبَ الرِّهَان وما أشأْ أَتَعَرَّقِ ) - كامل - فقال
له زميل ( يا أَرْطَ إن تكُ فاعلاً ما قلتَهُ
... والمرء يستحيي إذا لم يَصْدُقِ ) ( فافعلْ
كما فعل ابنُ دارةَ سالمٌ ... ثم امش هَوْنَك سادراً لا تَتَّقِ ) ( وإذا
جعلتُكَ بين لَحْيَيْ شابِك الأنياب ... فارعُد ما بدا لك وابرُقِ ) - كامل - أخبرني
أبو الحسن الأسدي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال قال أرطاة بن سهية
للربيع بن قعنب ( لقد
رأيتُك عُرْياناً ومؤْتَزِرا ... فما عرفْتُ أأُنْثى أنتَ أمْ ذَكرُ ) - بسيط
فقال له الربيع لكن سهية قد عرفتني فغلبه وانقطع أرطاة أخبرني عمي قال حدثنا الحسن
بن عليل العنزي قال حدثنا قعنب بن المحرز عن الهيثم بن الربيع عن عمرو بن جبلة
الباهلي قال تزوج عبد الرحمن بن سهيل بن عمرو أم هشام بنت عبد الله بن عمر بن
الخطاب وكانت من أجمل نساء قريش وكان يجد بها وجدا شديدا فمرض مرضته التي هلك فيها
فجعل يديم النظر إليها وهي عند رأسه فقالت له إنك لتنظر إلي نظر رجل له حاجة قال
أي والله إن لي إليك حاجة لو ظفرت بها لهان علي ما أنا فيه قالت وما هي قال أخاف
أن تتزوجي بعدي قالت فما يرضيك من ذلك قال أن توثقي لي بالإيمان المغلظة فحلفت له
بكل يمين سكنت إليها نفسه ثم هلك فلما قضت عدتها خطبها عمر بن عبد العزيز وهو أمير
المدينة فأرسلت إليه ما أراك إلا وقد بلغتك يميني فأرسل إليها لك مكان كل عبد وأمة
عبدان وأمتان ومكان كل علق علقان ومكان كل شيء ضعفه فتزوجته فدخل عليها بطال
بالمدينة وقيل بل كان رجلا من مشيخة قريش مغفلا فلما رآها مع عمر جالسة قال ( تبدَّلْتِ
بعد الخيْزرانِ جريدةً ... وبعدَ ثيابِ الخزِّ أحلامَ نَائِم ) - طويل - فقال
له عمر جعلتني ويلك جريدة وأحلام نائم فقالت أم هشام ليس كما قلت ولكن كما قال
أرطاة بن سهية ( وكائنْ
تَرَى من ذاتِ بثٍّ وعَوْلَةٍ ... بكت شجوها بعد الحنين المُرجَّعِ ) ( فكانت
كَذاتِ البَوِّ لماَّ تعطَّفتْ ... على قِطَعٍ من شِلْوِهِ المُتَمَزَّعِ ) ( مَتى
لا تَجِدْه تَنْصَرِفْ لِطياتِها ... مِنَ الأرض أو تَعمِد لإِلف فَتَرْبَعِ ) ( عَن
الدهرِ فاصفح إنه غيرُ مُعْتِبٍ ... وفي غيرِ مَن قد وَارَتِ الأرضُ فاطمَع ) -
طويل - وهذه الأبيات من قصيدة يرثي بها
أرطاة ابنه عمراً قيامه عند قبر ابنه ورثاؤه له أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال
حدثنا الحسن بن عليل قال حدثنا قعنب بن المحرز عن أبي عبيدة قال كان لأرطاة بن سهية
ابن يقال له عمرو فمات فجزع عليه أرطاة حتى كاد عقله يذهب فأقام على قبره وضرب
بيته عنده لا يفارقه حولا ثم إن الحي أراد الرحيل بعد حول لنجعة بغوها فغدا على
قبره فجلس عنده حتى إذا حان الرواح ناداه رح يا بن سلمى معنا فقال له قومه ننشدك
الله في نفسك وعقلك ودينك كيف يروح معك من مات مذ حول فقال أنظروني الليلة إلى
الغد فأقاموا عليه فلما أصبح ناداه أغد يا بن سلمى معنا فلم يزل الناس يذكرونه
الله ويناشدونه فانتضى سيفه وعقر راحلته على قبره وقال والله لا أتبعكم فامضوا إن
شئتم أو أقيموا فرقوا له ورحموه فأقاموا عامهم ذلك وصبروا على منزلهم وقال أرطاة
يومئذ في ابنه عمرو يرثيه ( وقفتُ
على قبرِ ابن سلمى فلم يَكُنْ ... وقوفي عليه غيرَ مَبْكًى ومَجْزَع ) ( هل
أنتَ ابنَ سلمى إنْ نظرتُكَ رائحٌ ... مع الركبِ أو غادٍ غداةَ غدٍ معي ) ( أأنسى
ابنَ سَلْمَى وهو لم يأتِ دونَه ... من الدهر إلا بعضُ صيف ومَرْبَع ) ( وقفتُ
علىجُثمان عمرو فلم أجد ... سوى جَدَثٍ عافٍ ببَيْدَاء بلقع ) ( ضربْتُ
عَمُوْدَيْ بانةٍ سَمَوَا معاً ... فخرَّت ولم أُتبعْ قَلُوصي بدَعْدَعِ ) ( ولو
أنها حادت عن الرَّمْسِ نِلْتُها ... ببادرةٍ من سيفِ أشهبَ مُوْقَع ) ( تركتكِ
إن تَحْيَيْ تَكُوسِي وإن تَنُؤْ ... على الجُهْد تَخْذُلهْا توالٍ فَتُصْرعِ ) ( فدع
ذكرَ مَنْ قد حالت الأرضُ دونه ... وفي غير من قد وارت الأرضُ فاطمَع ) - طويل - وقد
أخبرني بهذا الخبر محمد بن الحسن بن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة فذكر أن أرطاة
كان يجيء إلى قبر ابنه عشيا فيقول هل أنت رائح معي يا ابن سلمى ثم ينصرف فيغدو
عليه ويقول له مثل ذلك حولا ثم تمثل قول لبيد ( إلى
الحَوْل ثمَّ اسمُ السلام عليكُما ... ومن يبك حَوْلا كاملاً فقد اعتذَرْ ) - طويل - أخبرني
حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا المدائني قال قال أرطاة بن
سهية يوما للربيع بن قعنب كالعابث به ( لقد
رأيتك عُرْياناً ومُؤْتَزِراً ... فما دريْتُ أأنثى أنت أم ذَكَرُ ) - بسيط - فقال
له الربيع ( لكنْ سُهَيَّةُ تدري إذ أتيتكُمُ
... على عُرَيجاءَ لما انحلَّت الأُزُرُ ) - بسيط - فغلبه
الربيع ولج الهجاء بينهما فقال الربيع بن قعنب يهجو أرطاة ( وما
عاشَت بَنُو عُقْفانَ إلا ... بأحلامٍ كأحلامِ الجَوَاري ) ( وما
عُقْفَانُ من غَطَفَانَ إلا ... تَلَمُّس مُظْلمٍ بالليل ساري ) ( إذا
نَحَرَتْ بنو غيظٍ جَزُوراً ... دَعَوْهُمْ بالمراجل والشِّفار ) ( طُهاة
اللحم حتى يُنْضِجُوه ... وطاهي اللحم في شُغْلٍ وعار ) - وافر - فقال
أرطاة يجيبه ويعيره بأن أمه من عبد القيس ( وهذا
الفَسْوُ قد شاركْتَ فيه ... فمن شاركْتَ في أَير الحمارِ ) ( وأيُّ
الناس أخبثُ مِنْ هِبَلٍّ ... فزاريٍّ وأخبثُ ريحَ دار ) - وافر - مسرف
بن عقبة يطرده مع قومه أخبرني عبد الله بن محمد اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث
الخراز قال حدثنا المدائني عن أبي بكر الهذلي قال قدم مسرف بن عقبة المري المدينة
وأوقع بأهل الحرة فأتاه قومه من بني مرة وفيهم أرطاة فهنأوه بالظفر واسترفدوه
فطردهم ونهرهم وقام أرطاة بن سهية ليمدحه فتجهمه بأقبح قول وطرده وكان في جيش مسرف
رجل من أهل الشام من عذرة يقال له عمارة قد كان رأى أرطاة عند معاوية بن أبي سفيان
وسمع شعره وعرف إقبال معاوية عليه ورفده له فأومأ إلى أرطاة فأتاه فقال له لا
يغررك ما بدا لك من الأمير فإنه عليل ضجر ولو قد صح واستقامت الأمور لزال عما رأيت
من قوله وفعله وأنا بك عارف وقد رأيتك عند أمير المؤمنين يعني معاوية ولن تعدم مني
ما تحب ووصله وكساه وحمله على ناقة فقال أرطاة يمدحه ويهجو مسرفا ( لحَا
الله فَوْدَي مُسْرفٍ وابنِ عمه ... وآثارَ نَعْلَيْ مَسْرفٍ حيث أثَّرا ) ( مررْتُ
على رَبْعَيْهما فكأنَّني ... مررْتُ بجبَّارَيْن من سَرْو حِمْيرا ) ويروى
تضيفت جبارين ( على
أن ذَا العَلْيَا عُمَارةَ لم أجِدْ ... على البُعْد حُسْنَ العهد منه تَغَيَّرا ) ( حباني
ببُرْدَيْه وعَنْسٍ كأنما ... بنى فوق مَتْنَيْها الوليدان قَهقرا ) - طويل - وقال
أبو عمرو الشيباني خاصمت امرأة من بني مرة سهية أم أرطاة بن سهية وكانت من غيرهم
أخيذة أخذها أبوه فاستطالت عليها المرأة وسبتها فخرج أرطاة إليها فسبها وضربها
فجاء قومه ولاموه وقالوا له مالك تدخل نفسك في خصومات النساء فقال لهم ( يُعَيِّرُني
قَومي المَجَاهل وَالخَنَا ... عليهمْ وقالوا أنتَ غيرُ حليم ) ( هلِ
الجهلُ فيكمْ أن أُعاقِبَ بعدما ... تُجُوِّزَ سَبِّي واسْتُحِلَّ حريمي ) ( إذا
أَنا لَم أَمْنع عَجُوزِيَ منكُمُ ... فكانت كَأُخْرى في النساءِ عقيم ) ( وقد
عَلِمَتْ أفناءُ مُرَّة أننا ... إذا ما اجتدانا الشرَّ كلُّ حميم ) ( حماةٌ
لأحسابِ العشيرة كلِّها ... إذا ذُمَّ يومَ الرَّوعِ كلُّ مُليم ) - طويل - وتمام
الأبيات التي فيها الغناء المذكورة قبل أخبار أرطاة بن سهية وذكرت في قوله في قتلى
من قومه قتلوا يوم بنات قين هو ( فَلاَ
وأبيكَ لا نَنَفكُّ نَبْكِي ... على قتْلى هُنَا لكَ ما بَقينَا ) ( على
قَتْلَى هنا لك أَوْجَعَتْنا ... وأَنْسَتْنا رِجَالاً آخرينَا ) ( سَنَبْكِي
بالرِّماحِ إذا التقينا ... على إخواننا وعلى بَنِينا ) ( بطعنٍ
تَرْعُد الأحشاءُ منه ... يردُ البِيضَ والأبدانَ جُونا ) ( كأنّ
الخيلَ إِذْ آنسْن كَلْباً ... يَريْنَ وراءهُمْ ما يبتغينا ) - وافر - صوت
( عجبْتُ لِمَسْراها وأَنَّى تَخَلَّصت ... إِليَّ وبابُ السجن بالقُفْل مُغْلَقُ ) ( ألَمَّتْ
فحيَّت ثم قامت فَوَدَّعتْ ... فلما تولَّتْ كادت النفسُ تَزْهَقُ ) - طويل - الشعر
لجعفر بن علبة الحارثي والغناء لمعبد ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق
وذكر عمرو بن بانة أن فيه خفيفا ثقيلا أول بالوسطى لابن سريج وذكر حماد بن إسحاق
أن فيه خفيف الثقيل للهذلي أخبار جعفر بن علبة الحارثي ونسبه هو جعفر بن علبة بن
ربيعة بن عبد يغوث الشاعر أسير يوم الكلاب ابن معاوية بن صلاءة بن المعقل بن كعب
بن الحارث بن كعب ويكنى أبا عارم وعارم ابن له قد ذكره في شعره وهو من مخضرمي
الدولتين الأموية والعباسية شاعر مقل غزل فارس مذكور في قومه وكان أبوه علبة بن ربيعة
شاعرا أيضا وكان جعفر قتل رجلا من بني عقيل قيل إنه قتله في شأن أمة كانا يزورانها
فتغايرا عليها وقيل بل في غارة أغارها عليهم وقيل بل كان يحدث نساءهم فنهوه فلم
ينته فرصدوه في طريقه إليهن فقاتلوه فقتل منهم رجلا فاستعدوا عليه السلطان فأقاد
منه وأخباره في هذه الجهات كلها تذكر وتنسب إلى من رواها أخبرني محمد بن القاسم
الأنباري قال حدثني أبي قال حدثني الحسن بن عبد الرحمن الربعي قال حدثنا أبو مالك
اليماني قال شرب جعفر بن علبة الحارثي حتى سكر فأخذه السلطان فحبسه فأنشأ يقول في
حبسه ( لقد زَعَمُوا أني سكرتُ ورُبمَّا
... يكونُ الفَتَى سَكرانَ وهْوَ حَليم ) ( لعمرُك
ما بالسّكرِ عارٌ على الفتى ... ولَكِنَّ عاراً أن يُقَال لئيمُ ) ( وإنّ
فَتىً دامت مواثيقُ عهده ... على دونِ ما لاقيتُه لكريمُ ) - طويل - قال
ثم حبس معه رجل من قومه من بني الحارث بن كعب في ذلك الحبس وكان يقال له دوران
فقال جعفر ( إذا بابُ دَوْرانٍ ترنّم في
الدّجَى ... وشُدَّ بأغلاقٍ علينا وأقفالِ ) ( وأظلم
ليلٌ قامَ علِجٌ بِجُلْجُلٍ ... يدورُ به حتّى الصباحِ بإعمالِ ) ( وحراسُ
سَوْءٍ ما ينامون حَوْلَهُ ... فكيفَ لمظلومٍ بحيلة مُحْتالِ ) ( ويصبرُ
فيه ذُو الشجاعةِ والنّدى ... على الذّلِ للمأمور والعِلْجِ والوالي ) - طويل - اغارته
على بني عقيل فأما ما ذكر أن السبب في أخذ جعفر وقتله في غارة أغارها على بني عقيل
فإني نسخت خبره في ذلك من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشيباني يأثره عن أبيه قال خرج
جعفر بن علبة وعلي بن جعدب الحارثي القناني والنضر بن مضارب المعاوي فأغاروا على
بني عقيل وإن بني عقيل خرجوا في طلبهم وافترقوا عليهم في الطريق ووضعوا عليهم
الأرصاد على المضايق فكانوا كلما أفلتوا من عصبة لقيتهم أخرى حتى انتهوا إلى بلاد
بني نهد فرجعت عنهم بنو عقيل وقد كانوا قتلوا فيهم ففي ذلك يقول جعفر ( ألا
لا أُبالِي بعدَ يومٍ بسَحْبَلٍ ... إذا لم أُعَذَّبْ أنْ يجيء حِماميا ) ( تركْتُ
بأعلى سَحْبَلٍ ومَضيقه ... مُرَاقَ دَمٍ لا يبرح الدّهرَ ثاويا ) ( شَفَيْتُ
بهِ غَيْظي وجُرِّب موطني ... وكان سناءً آخرَ الدهر باقيا ) ( أرادوا
لِيَثْنوني فقلت تجنبوا ... طريقي فمالي حاجةٌ من ورائيا ) ( فِدىً
لبني عمٍّ أجابوا لدعوتي ... شَفَوا من بني القَرعاء عمّي وخاليا ) ( كأَنّ
بني القرعاء يوم لقيتُهمْ ... فِراخُ القطا لاقَيْن صَقْراً يمانيا ) ( تركْناهُمُ
صَرْعى كأنَّ ضَجيجَهُمْ ... ضجيجُ دَبارَى الثَّيْب لاقت مُداويا ) ( أقولُ
وقد أَجْلَتْ من اليومِ عركة ... لِيُبْكِ العُقَيْلِيِّين مَنْ كان باكيا ) ( فإنّ
بقُرَّى سَحْبلٍ لإمارةً ... ونَضْحَ دمَاء منهُمُ ومَحَابيا ) المحابي
آثارهم حبوا من الضعف للجراح التي بهم ( ولم
أتَّرِك لي ريبةً غير أنني ... وددْتُ مُعَاذاً كان فيمن أتانيا ) أراد
وددت أن معاذا كان أتاني معهم فأقتله ( شفيْتُ
غليلِي من خُشَيْنةَ بعد ما ... كسوْتُ الهُذَيْلَ المَشْرَفِيَّ اليمانيا ) ( أحقًّا
عبادَ الله أن لست رائيا ... صحاريَّ نجدٍ والرّياحَ الذوارِيا ) ( ولا
زائراً شُمَّ العرانين أنتمي ... إلى عامر يحلُلْنَ رَمْلاً مُعاليا ) ( إذا
ما أتيْتَ الحارثيّاتِ فَانْعَنِي ... لهنَّ وخبِّرْهُنَّ أن لا تَلاقيا ) ( وقوِّدْ
قَلُوْصي بينهنَّ فإنها ... سَتُبْرِدُ أكباداً وتُبْكِي بواكيا ) ( أوصِّيكُمُ
إنْ متُّ يوماً بعارمٍ ... ليُغْنِيَ شيئاً أو يكونَ مكانيا ) ويروى
( وعطِّلْ قَلُوصي في الرّكاب فإنها
... سَتُبْرِدُ أكباداً وتُبْكي بواكيا ) - طويل - وهذا
البيت بعينه يروى لمالك بن الريب في قصيدته المشهورة التي يرثي بها نفسه وقال في
ذلك جعفر أيضا ( وسائلةٍ
عنا بغَيْبٍ وسائلٍ ... بمَصْدَقِنا في الحرب كيف نحُاول ) ( عشية
قُرَّى سَحْبَلٍ إذ تعطَّفتْ ... علينا السرايا والعدوُّ المُباسِل ) ( ففرَّجَ
عنا الله مَرْحَى عدوِّنا ... وضربٌ ببيضِ المَشْرَفِيَّةِ خابِل ) ( إذا
ما قَرىَ هامَ الرؤوس اعتِرامُها ... تعاوَرَهَا منهمْ أكفُّ وكاهل ) ( إذا
ما رُصِدْنا مَرْصداً فرَّجَتْ لنا ... بأيماننا بِيضٌ جَلَتْها الصياقل ) ( ولما
أبوا إلا المُضِيَّ وقد رأوا ... بأن ليس منا خشيةَ الموتِ ناكل ) ( حلفْتُ
يميناً بَرّةً لم أُرِدْ بها ... مقالَة تسميعٍ ولا قولَ باطِل ) ( لِيَخْتَضِمَنّ
الهُنْدُوانيّ منهُمُ ... مَعاقِدَ يخشاها الطبيبُ المزاولُ ) ( وقالوا
لنا ثِنتان لا بدّ منهما ... صدور رماح أُشْرِعت أو سلاسلُ ) ( فقلنا
لهمُ تلكُمْ إذاً بعد كرةٍ ... تُغَادِرُ صرعى نَهْضُهَا مُتَخاذِل ) ( وقتلى
نفوسٍ في الحياةِ زهيدةٍ ... إذا اشتجر الخَطِّيُّ والموت نازل ) ( نُراجِعُهُمْ
في قالةٍ بدأوا بِهَا ... كما راجع الخصمَ البذيَّ المُنَاقِلُ ) ( لهمْ
صدرُ سيفي يوم بَطْحَاءِ سَحْبلٍ ... ولي منه ما ضمَّت عليه الأنامل ) - طويل - عامل
مكة يأخذ بحق بني عقيل قال فاستعدت عليهم بنو عقيل السري بن عبد الله الهاشمي عامل
مكة لأبي جعفر فأرسل إلى أبيه علبة بن ربيعة فأخذه بهم وحبسه حتى دفعهم وسائر من
كان معهم إليه فأما النضر فاستقيد منه بجراحه وأما علي بن جعدب فأفلت من الحبس
وأما جعفر بن علبة فأقامت عليه بنو عقيل قسامة أنه قتل صاحبهم فقتل به وهذه رواية
أبي عمرو وذكر ابن الكلبي أن الذي هاج الحرب بين جعفر بن علبة وبني عقيل أن إياس
بن يزيد الحارثي وإسماعيل بن أحمر العقيلي اجتمعا عند أمة لشعيب ابن صامت الحارثي
وهي في إبل لمولاها في موضع يقال له صمعر من بلاد بلحارث فتحدثا عندها فمالت إلى
العقيلي فداخلتهما مؤاسفة حتى تخانقا بالعمائم فانقطعت عمامة الحارثي وخنقة
العقيلي حتى صرعه ثم تفرقا وجاء العقيليون إلى الحارثيين فحكموهم فوهبوا لهم ثم
بلغهم بيت قيل وهو ( ألم
تسأل العبدَ الزياديّ ما رأى ... بصمْعرَ والعبدُ الزياديُّ قائمُ ) - طويل - فغضب
إياس من ذلك فلقي هو وابن عمه النضر بن مضارب ذلك العقيلي وهو إسماعيل بن أحمر
فشجه شجتين وخنقه فصار الحارثيون إلى العقيليين فحكموهم فوهبوا لهم ثم لقي
العقيليون جعفر بن علبة الحارثي فأخذوه فضربوه وخنقوه وربطوه وقادوه طويلا ثم
أطلقوه وبلغ ذلك إياس بن يزيد فقال يتوجع لجعفر ( أبا
عارمٍ كيف اغتررْتَ ولم تكن ... تُغَرُّ إذا ما كانَ أمرٌ تحاذرُهْ ) ( فلا
صلْحَ حتى يخفِقَ السيفُ خَفْقَةً ... بكفِّ فَتىً جُرَّتْ عليه جرائرُهْ ) - طويل - ثم
إن جعفر بن علبة تبعهم ومعه ابن أخيه جعدب والنضر بن مضارب وإياس بن يزيد فلقوا
المهدي بن عاصم وكعب بن محمد بحبر وهو موضع بالقاعة فضربوهما ضربا مبرحا ثم
انصرفوا فضلوا عن الطريق فوجدوا العقيليين وهم تسعة فاقتتلوا قتالا شديدا حتى خلى
لهم العقيليون الطريق ثم مضوا حتى وجدوا من عقيل جمعا آخر بسحبل فاقتتلوا قتالا
شديدا فقتل جعفر بن علبة رجلا من عقيل يقال له خشينة فاستعدى العقيليون إبراهيم بن
هشام المخزومي عامل مكة فرفع الحارثيين الأربعة من نجران حتى حبسهم بمكة ثم أفلت
منه رجل فخرج هاربا فأحضرت عقيل قسامة حلفوا أن جعفر قتل صاحبهم فأقاده إبراهيم بن
هشام قال وقال جعفر بن علبة قبل أن يقتل وهو محبوس ( عجِبتُ
لمسراها وأنّى تخلّصت ... إليَّ وبابُ السجن بالقُفْل مُغْلقُ ) ( ألَمّتْ
فحيّتْ ثم قامتْ فودّعتْ ... فلما تولَّتْ كادتِ النفسُ تَزْهَقُ ) ( فلا
تحسبي أني تخشّعتُ بعدَكُمْ ... لشيء ولا أنِّي من الموتِ أفرَقُ ) ( وكيف
وفي كفِّي حُسامٌ مُذَلَّقٌ ... يَعضُّ بهاماتِ الرجال ويعلَقُ ) ( ولا
أنَّ قلبي يَزْدهيه وعيدُهُمْ ... ولا أنّني بالمشي في القيد أخرقُ ) ( ولكنْ
عرتني من هواكِ صبابةٌ ... كما كنتُ ألقَى منك إذ أنا مُطْلَقُ ) ( فأما
الهوى والودُّ مني فطامحٌ ... إليكِ وجُثْماني بمكةَ مُوثَقُ ) - طويل - وقال
جعفر بن علبة لأخيه ماعز يحرضه ( وقل
لأبي عونٍ إذا ما لقيتَه ... ومن دونه عرْضُ الفلاة يَحُولُ ) في
نسخة ابن الأعرابي ( . . . إذا
ما لقيته ... ودونه من عرض الفلاة مُحولُ ) بالميم
وبشم الهاء في دونه بالرفع وتخفيفها وهي لغتهم خاصة ( تَعَلَّمْ
وَعَدَّ الشّكّ أَنِّي يَشُفُّنِي ... ثلاثةُ أحراسٍ معاً وكُبولُ ) ( إذا
رُمْتُ مشياً أو تبوَّأتُ مَضْجعاً ... يبيتُ لها فوق الكِعاب صَليل ) ( وَلَوْ
بِكَ كانت لابتعثْتُ مطيَّتِي ... يَعُودُ الحفَا أخفَافَها وتجُول ) ( إلى
العدل حتى يَصْدُرَ الأمر مَصْدَراً ... وتبرأ منكم قَالةٌ وعُدُول ) - طويل - ونسخت
أيضا خبره من كتاب للنضر بن حديد فخالف هاتين الروايتين وقال فيه كان جعفر بن علبة
يزور نساء من عقيل بن كعب وكانوا متجاورين هم وبنو الحارث بن كعب فأخذته عقيل
فكشفوا دبر قميصه وربطوه إلى جمته وضربوه بالسياط وكتفوه ثم أقبلوا به وأدبروا على
النسوة اللاتي كان يتحدث إليهن على تلك الحال ليغيظوهن ويفضحوه عندهن فقال لهم يا
قوم لا تفعلوا فإن هذا الفعل مثلة وأنا أحلف لكم بما يثلج صدوركم ألا أزور بيوتكم
أبدا ولا ألجها فلم يقبلوا منه فقال لهم فإن لم تفعلوا ذلك فحسبكم ما قد مضى ومنوا
علي بالكف عني فإني أعده نعمة لكم ويدا لا أكفرها أبدا أو فاقتلوني وأريحوني فأكون
رجلا اذى قوما في دارهم فقتلوه فلم يفعلوا وجعلوا يكشفون عورته بين أيدي النساء
ويضربونه ويغرون به سفهاءهم حتى شفوا أنفسهم منه ثم خلوا سبيله فلم تمض إلا أيام قليلة
حتى عاد جعفر ومعه صاحبان له فدفع راحلته حتى أولجها البيوت ثم مضى فلما كان في
نقرة من الرمل أناخ هو وصاحباه وكانت عقيل أقفى خلق الله لأثر فتبعوه حتى انتهوا
إليه وإلى صاحبيه والعقيليون مغترون وليس مع أحد منهم عصا ولا سلاح فوثب عليهم
جعفر بن علبة وصاحباه بالسيوف فقتلوا منهم رجلا وجرحوا آخر وافترقوا فاستعدت عليهم
عقيل السري بن عبد الله الهاشمي عامل المنصور على مكة فأحضرهم وحبسهم فأقاد من
الجارح ودافع عن جعفر بن علبة وكان يحب أن يدرأ عنه الحد لخؤولة أبي العباس السفاح
في بني الحارث ولأن أخت جعفر كانت تحت السري بن عبد الله وكانت حظية عنده إلى أن
أقاموا عليه قسامة أنه قتل صاحبهم وتوعدوه بالخروج إلى أبي جعفر والتظلم إليه
فحينئذ دعا بجعفر فأقاد منه وأفلت علي بن جعدب من السجن فهرب قال وهو ابن أخي جعفر
بن علبة فلما أخرج جعفر للقود قال له غلام من قومه أسقيك شربة من ماء بارد فقال له
أسكت لا أم لك إني إذا لمهياف وانقطع شسع نعله فوقف فأصلحه فقال له رجل أما يشغلك
عن هذا ما أنت فيه فقال ( أَشُدُّ
قِبالَ نَعْلِيَ أن يراني ... عَدُوِّي للحوادث مُسْتكينا ) - وافر - قال
وكان الذي ضرب عنق جعفر بن علبة نحبة بن كليب أخو المجنون وهو أحد بني عامر بن
عقيل فقال في ذلك ( شفى
النفس ما قال ابنُ عُلبةَ جعفرٌ ... وقَوْلِي له اصْبر ليس ينفعَكَ الصبُر ) ( هَوَى
رأسُه من حيثُ كان كما هوى ... عُقابٌ تدلَّى طالباً جانبَ الوكرِ ) ( أبا
عارمٍ فينا عُرامٌ وشدّة ... وبَسْطَةُ إيمانٍ سواعدها شُعْرُ ) ( همُ
ضربُوا بالسيف هامةَ جعفرٍ ... ولم يُنْجِه بَرٌّ عريضٌ ولا بحرُ ) ( وقُدْناهُ
قَوْدَ البَكْرِ قسراً وعَنْوَةً ... إلى القبر حتى ضم أثوابَه القبرُ ) - طويل - وقال
علبة يرثي ابنه جعفرا ( لعمرُكَ
إني يوم أسلمتُ جعفراً ... وأصحابَه للموت لمَّا أقَاتِلِ ) ( لمجتنبٌ
حبَّ المَنَايا وإنما ... يهيج المنايا كلُّ حقٍّ وباطل ) ( فراح
بهمْ قومٌ ولا قومَ عندهمْ ... مُغَلَّلَةٌ أيديهُمُ في السلاسلِ ) ( وربَّ
أخٍ لي غاب لو كان شاهداً ... رآه التَّباليّون لي غيرَ خاذِل ) - طويل - وقال
علبة أيضا لامرأته أم جعفر قبل أن يقتل جعفر ( لعمركِ
إن الليلَ يا أمّ جعفرٍ ... عليّ وإنْ علَّلْتنِي لطويلُ ) ( أحاذِرُ
أخباراً من القوم قد دَنَتْ ... ورجعةَ أنقاضٍ لهنَّ دليلُ ) - طويل
فأجابته فقالت ( أبا
جعفر أسلمْتَ للقومِ جعفراً ... فمُتْ كَمَدًا أو عش وأنت ذليلُ ) - طويل - بنت
يحيى بن زياد ترثيه بشعره قال أبو عمرو في روايته وذكر شداد بن إبراهيم أن بنتا
ليحيى بن زياد ابن عبيد الله الحارثي حضرت الموسم في ذلك العام لما قتل فكفنته
واستجادت له الكفن وبكته وجميع من كان معها من جواريها وجعلن يندبنه بأبياته التي
قالها قبل قتله ( أحقاً
عبادَ الله أن لستُ رائِياً ... صَحَاريَّ نجدٍ والرياحَ الذَّوارِي ) - طويل - وقد
تقدمت في صدر أخباره وفي هذه القصيدة يقول جعفر ( وددْتُ
مُعاذاً كان فيمن أتانيا ... ) فقال
معاذ يجيبه عنها بعد قتله ويخاطب أباه ويعرض له أنه قتل ظلما لأنهم أقاموا قسامة
كاذبة عليه حين قتل ولم يكونوا عرفوا القاتل من الثلاثة بعينه إلا أن غيظهم على
جعفر حملهم على أن ادعوا القتل عليه ( أبا
جعفرٍ سَلِّبْ بنَجْرانَ واحتسبْ ... أبا عارمٍ والمُسْمَنَاتِ العواليا ) ( وَقوِّد
قَلُوصاً أتلفَ السَّيفُ ربَّها ... بغير دمٍ في القوم إلا تَماريا ) ( إذا
ذكرتْهُ مُعصِرٌ حارثيَّةٌ ... جرى دمعُ عَيْنَيْها على الخد صافيا ) ( فلا
تحسَبَنَّ الدَّيْنَ يا عُلْبَ مُنْسَأً ... ولا الثائَر الحرّانَ يَنْسَى
التقاضيا ) ( سنقتُلُ منكُمْ بالقتيل ثلاثةً ...
ونُغْلي وإن كانت دماءً غواليا ) ( تمنيْتَ
أن تَلقى مُعاذاً سفاهَةً ... ستلقَى مُعاذاً والقضيبَ اليمانيا ) - طويل - ووجدت
الأبيات القافية التي فيها الغناء في نسخة النضر بن حديد أتم مما ذكره أبو عمرو
الشيباني وأولها ( ألا
هَلْ إلى فتيانِ لهوٍ ولذّةٍ ... سبيلٌ وتَهْتَافِ الحَمامِ المُطَوَّقِ ) ( وشربةِ
ماءٍ من خَدُوراءَ باردٍ ... جرى تحتَ أظلالِ الأراكِ المُسَوَّقِ ) ( وسَيْري
مع الفتيان كلَّ عشيةٍ ... أُبَاري مَطاياهُمْ بصهباءَ سَيْلقِ ) ( إذا
كَلَحَتْ عن نابها مَجَّ شِدْقُها ... لُغاماً كَمُحِّ البيضةِ المُتَرَقْرق ) ( وأصهبَ
جَوْنيٍّ كأن بُغَامَه ... تَبَغُّمُ مطرودٍ من الوحشِ مُرْهَق ) ( بَرى
لحمَ دَفَّيْه وأدمَى أَظَلَّه اجتبابي ... الفيافي سمَلْقا بعدَ سَمْلق ) - طويل - وذكر
بعده الأبيات الماضية وهذا وهم من النضر لأن تلك الأبيات مرفوعة القافية وهذه
مخفوضة فأتيت بكل واحدة منهما مفردة ولم أخلطهما لذلك أخبرني الحسين بن يحيى المرداسي
عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عبيدة قال لما قتل جعفر بن علبة قام نساء الحي
يبكين عليه وقام أبوه إلى كل ناقة وشاة فنحر أولادها وألقاها بين أيديها وقال
ابكين معنا على جعفر فما زالت النوق ترغو والشاء تثغو والنساء يصحن ويبكين وهو
يبكي معهن فما رئي يوما كان أوجع وأحرق مأتما في العرب من يومئذ صوت ( عَلّلاني
إنما الدنيا عَلَلْ ... واسقياني عَلَلاَ بعد نَهَلْ ) ( أَصْحَبُ
الصاحب ما صاحبني ... وأكفُّ اللومَ عنه والعَذَلْ ) - رمل - الشعر
للعجير السلوي والغناء لابن سريج ثقيل أول بالوسطى عن حبيش وذكر الهشامي أنه من
منحول يحيى المكي أخبار العجير السلولي ونسبه نسبه هو فيما ذكر محمد بن سلام
العجير بن عبد الله بن عبيدة بن كعب بن عائشة بن الربيع بن ضبيط بن جابر بن عبد
الله بن سلول ونسخت نسبه من نسخة عبيد الله بن محمد اليزيدي عن ابن حبيب قال هو
العجير بن عبيد الله بن كعب بن عبيدة بن جابر بن عمرو بن سلول بن مرة ابن صعصعة
أخي عامر بن صعصعة شاعر مقل إسلامي من شعراء الدولة الأموية وجعله محمد بن سلام في
طبقة أبي زبيد الطائي وهي الخامسة من طبقات شعراء الإسلام أخبرني أبو خليفة في
كتابه إلي قال حدثنا محمد بن سلام الجمحي قال حدثنا أبو الغراف قال كان العجير
السلولي دل عبد الملك بن مروان على ماء يقال له مطلوب وكان لناس من خثعم فأنشأ
يقول ( لا نومَ إلا غِرارُ العينِ ساهِرةً
... إن لم أرَوِّعْ بغيظٍ أهل مَطْلوب ) ( إن
تَشْتُمُوني فقد بدَّلْتُ أَيْكَتَكُمْ ... ذَرْقَ الدَّجاجِ بحَفَّان اليعاقيب ) ( وكنتُ
أخبِركُمْ أنْ سوف يعمُرها ... بَنُو أميةَ وَعْداً غيرَ مكذُوبِ ) - بسيط - قال
فركب رجل من خثعم يقال له أمية إلى عبد الملك حتى دخل عليه فقال يا أمير المؤمنبن
إنما أراد العجير أن يصل إليك وهو شويعر سأل وحربه عليه فكتب إلى عامله بأن يشد
يدي العجير إلى عنقه ثم يبعثه في الحديد فبلغ العجير الخبر فركب في الليل حتى أتى
عبد الملك فقال له يا أمير المؤمنين أنا عندك فاحتبسني وابعث من يبصر الأرضين والضياع
فإن لم يكن الأمر على ما أخبرتك فلك دمي حل وبل فبعث فاتخذ ذلك الماء فهو اليوم من
خيار ضياع بني أمية اقامة الحد عليه وهربه نسخت من كتاب عبيد الله بن محمد اليزيدي
عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي قال هجا العجير قوما من بني حنيفة وشتمهم فأقاموا
عليه البينة عند نافع بن علقمة الكناني فأمرهم بطلبه واحضاره ليقيم عليه الحد وقال
لهم إن وجدتموه أنتم فأقيموا عليه الحد وليكن ذلك في ملأ يشهدون به لئلا يدعي
عليكم تجاوز الحق فهرب العجير منهم ليلا حتى أتى نافع بن علقمة فوقف له متنكرا حتى
خرج من المسجد ثم تعلق بثوبه وقال ( إليك
سَبَقْنا السّوْطَ والسجْنَ تحتنا ... حيالٌ يُسَاميْن الظلالَ ولُقَّحُ ) ( إلى
نافعٍ لا نرتجي ما أصابنا ... تحومُ علينا السانحاتُ وتبرحُ ) ( فإن
أك مجلوداً فكن أنت جالدي ... وإن أكُ مذبوحاً فكن أنت تَذبح ) - طويل - فسأله
عن المطر وكيف كان أثره فقال له ( يا
نافعٌ يا أكرمَ البريّهْ ... والله لا أَكْذِبُكَ العَشِيّهْ ) ( إنا
لَقِيْنا سنةً قَسِيَّهْ ... ثم مُطِرْنا مَطْرةً رويَّهْ ) ( فنبت
البقْلُ ولا رعيّهْ ... ) - زجر يعني أن المواشي هلكت قبل نبات البقل فقال له انج
بنفسك فإني سأرضي خصومك ثم بعث إليهم فسألهم الصفح عن حقهم وضمن لهم أن لا يعاود
هجاءهم أخبرني الحرمي بن العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمر بن
إبراهيم السعدي عن عباس ابن عبد الصمد السعدي قال قال هشام بن عبد الملك للعجير
السلولي أصدقت فيما قلته لابن عمك قال نعم يا أمير المؤمنين إلا أني قلت ( فتىً
قُدَّ قَدّ السيف لا متضائلٌ ... ولا رَهِلٌ لبَّاتُه وبآدلهُ ) - طويل - هذا
البيت يروى لأخت يزيد بن الطثرية ترثيه به ( جميلً
إذا استَقْبَلْتَهُ من أمامه ... وإن هو ولَّى أَشْعَثُ الرأس جافلهْ ) ( طويلٌ
سطيُّ الساعدين عَذَوَّرٌ ... على الحيّ حتى تستقلَّ مراجله ) ( ترى
جازِرَيْه يُرْعَدَان ونارُه ... عليها عداميلُ الهشيم وصامِلُه ) ( يَجُرَّانِ
ثِنْياً خيرُها عَظْمُ جاره ... على عينه لم تَعْدُ عَنها مشاغلهْ ) ( تركنا
أبا الأضيافِ في كل شتوة ... بِمَرٍّ ومِرْدَى كلِّ خَصْمٍ يجادله ) ( مقيماً
سلبناه دَرِيْسَيْ مُفاضةٍ ... وأبيضَ هندِيًّا طوالاً حمائله ) - طويل - فقال
هشام هلك والله الرجل ونسخت من كتاب ابن حبيب قال ابن الأعرابي اصطحب العجير وشاعر
من خزاعة إلى المدينة فقصد الخزاعي الحسن بن الحسن بن علي عليهم السلام وقصد
العجير رجلا من بني عامر بن صعصعة كان قد نال سلطانا فأعطى الحسن بن الحسن الخزاعي
وكساه ولم يعط العامري العجير شيئا فقال العجير ( يا
ليتني يوم حزَّمْتُ القَلُوصَ له ... يَمَّمْتُها هاشميًّا غير ممذوق ) ( محضَ
النَّجار من البيت الذي جُعِلَتْ ... فيه النبوَّةُ يَجْري غَير مَسبوق ) ( لا
يُمْسك الخيرَ إلا ريثَ يُسْأَلهُ ... ولا يُلاطمُ عند اللّحم في السوق ) - بسيط - فبلغت
أبياته الحسن فبعث إليه بصلة إلى محلة قومه وقال له قد أتاك حظك وإن لم تتصد له أمر
بنحر جمله وقال شعرا أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا محمد بن الحسن بن
دينار الأحوال قال حدثني بعض الرواة أن العجير بن عبد الله السلولي مر بقوم يشربون
فسقوه فلما انتشى قال انحروا جملي وأطعمونا منه فنحروه وجعلوا يطعمونه ويسقونه
ويغنونه بشعر قاله يومئذ وهو ( علِّلاني
إنما الدنيا عَلَلْ ... واسقياني عَلَلاً بعد نَهَلْ ) ( وانشُلا
ما اغبّر من قِدْرَيْكما ... واصبحاني أبعد اللهُ الجملْ ) ( أَصحبُ
الصاحب ما صاحبني ... وأكفُّ اللّومَ عنه والعَذَل ) ( وإذا
أتلف شيئاً لم أقلْ ... أبداً يا صاحِ ما كان فعل ) - رمل - قال
فلما صحا سأل عن جمله فقيل له نحرته البارحة فجعل يبكي ويصيح واغربتاه وهم يضحكون
منه ثم وهبوا له بعيرا فارتحله وانصرف إلى أهله أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال
حدثنا محمد بن يزيد قال حج العجير السلولي فنظر إلى امرأته وكان قد حج بها معه وهي
تلحظ فتى من بعد وتكلمه فقال فيها ( أيا
ربّ لا تغفرْ لعَثْمةَ ذنبهَا ... وإن لم يعاقبها العجير فعاقِبِ ) ( أشارت
وعَقدُ الله بيني وبينها ... إلى راكب من دونه ألفُ راكبِ ) ( حرامٌ
عليكِ الحجُّ لا تقرَبِنَّه ... إذا حان حَجُّ المسلمات التوائب ) - طويل - العجير
يكل زواج ابنته إلى خالها ثم يطلقها وقال ابن الأعرابي غاب العجير غيبة إلى الشأم
وجعل أمر ابنته إلى خالها وأمره أن يزوجها بكفء فخطبها مولى لبني هلال كان ذا مال
فرغبت أمها فيه وأمرت خال الصبية الموصى إليه بأمرها أن يزوجها منه ففعل فلاذت
الجارية بأخيها الفرزدق بن العجير وبرجال من قومها وبابن عم لها يقال له قيل
فمنعوا جميعا منها سوى ابن عمها القيل فإنه ساعد أمها على ما أرادت ومنع منها
الفرزدق فلما قدم العجير أخبر بما جرى ففسخ النكاح وخلع ابنته من المولى وقال ( ألا
هل لبَعجانَ الهلالِيّ زاجرٌ ... وبعجانُ مأْدومُ الطعام سمينُ ) ( أليس
أميرُ المؤمنين ابنَ عمها ... وبالحِنْو آسادٌ لها وعرينُ ) ( وعاذت
بِحَقْوَيْ عامرٍ وابن عامرٍ ... ولله قد بَتَّت عليَّ يمينُ ) ( تنالونها
أو يخضِبَ الأرضَ منكُمُ ... دمٌ خرَّ عنه حاجبٌ وجبين ) - طويل - وقال
أيضا في ذلك ( إذا
ما أتيْتَ الخاضبات أَكُفَّها ... عليهنّ مقصورُ الحجال المروَّقُ ) ( فلا
تدعوَنَّ القَيْلَ إلا لمشربٍ ... رَواءٍ ولكنّ الشجاع الفرزدق ) ( هو
ابنٌ لِبَيْضاءِ الجبين نجَيبةٍ ... تَلَقَّت بطُهر لم يجىءْ وهْو أحمق ) ( تداعى
إليه أكرمُ الحيِّ نسوةً ... أطفْنَ بِكِسْرَيْ بيتها حِين تُطْلَقُ ) ( فجاءت
بعُريانِ اليدين كأنّه ... من الطير بازٍ ينفُض الطّلّ أزرق ) - طويل - قوله
في رفيقه أصبح وقال ابن الأعرابي كان للعجير رفيق يقال له أصبح وكانا يصيبان
الطريق وفيه يقول العجير ( ومنخرِقٍ
عن مَنْكِبيه قميصُه ... وعن ساعِديه للأخلاّء واصلِ ) ( إذا
طال بالقوم المطافي تَنُوفَةٍ ... وطولُ السُّرى ألفَيْتَهُ غيرَ ناكلِ ) ( دعوْتُ
وقد دبّ الكَرى في عِظامه ... وفي رأسه حتّى جرى في المفاصلِ ) ( كما
دبّ صافي الخمر في مخّ شاربٍ ... يميل بِعِطْفَيْه عن اللّبِّ ذاهِل ) ( فلبَّى
لِيَثْنيني بِثِنْيَيْ لسانه ... ثقيلين من نومٍ غَلوب الغياطِل ) ( فقلتُ
له قُمْ فارتحل ليس ها هنا ... سوى وقفةِ السّاري مُناخٌ لنازِلِ ) ( فقام
اهتزازَ الرمح يسرُو قميصَه ... ويحسِر عن عاري الذّراعين ناحلِ ) - طويل - وقال
ابن الأعرابي كانت للعجير امرأة يقال لها أم خالد فأسرع في ماله فأتلفه وكان جوادا
ثم جعل يدان حتى أثقل بالدين ومد يده إلى مالها فمنعته منه وعاتبته على فعله فقال
في ذلك ( تقولُ وقد غالبْتُها أمُّ خالد ...
على مالها أُغرقْتَ دَيْناً فأقْصِرِ ) ( أبى
الْقَصْرَ مَن يأوي إذا اللّيل جَنَّني ... إلى ضوءِ ناري مِنْ فقير ومُقْترِ ) ( أيا
موقدَيْ ناري ارْفَعاها لعلّها ... تُشَبُّ لِمُقْوٍ آخر الليل مقفِر ) ( أمِن
راكبٍ أمسى بظهر تَنُوفةٍ ... أُوَارِيكِ أم من جاريَ الْمُتَنَظِّر ) ( ولا
قِدْرَ دون الجار إلاَّ ذميمةٌ ... وهذا المُقاسي ليلةً ذاتَ منكر ) ( تكاد
الصَّبَا تَبْتَزُّه مِنْ ثيابه ... على الرَّحْل إلا من قميصٍ ومئزر ) ( وماذا
علينا أن يخالِس ضوءَها ... كريمٌ نثاه شاحبُ المُتَحَسِّرِ ) المتحسر
ما انكشف وتجرد من جسمه ( فيخبِرنا
عمّا قليل ولو خلت ... له القِدْرُ لم نعجب ولم نتخَبَّر ) - طويل - صوت
( سلِي الطارِقَ المُعْتَرَّ يا أمَّ مالكٍ ... إذا ما أتاني بين قِدْري ومَجْزِري ) ( أَأَبْسُطَ
وجهي أنّه أول القِرَى ... وأبذلُ معروفي له دون مُنْكري ) ( فلا
قَصْرَ حتّى يَفرجَ الغيثُ مَنْ أوى ... إلى جنب رَحْلي كلّ أشعث أغبر ) ( أقِي
العِرضَ بالمال التِّلادِ وما عسى ... أخوك إذا ما ضيّع العِرْضَ يشتري ) ( يُؤدِّي
إليَّ النَّيلُ قُنْيانَ ماجِدٍ ... كريم ومالي سارحاً مالُ مقتر ) القنيان
ما اقتنى من المال يقول إنه لبذله القرى كأنه موسر وإذا سرح ماله علم أنه مقتر ( إذا
مُتُّ يوماً فاحضُري أمَّ خالد ... تُراثَكِ من طِرْفٍ وسيفٍ وأقدَرِ ) - طويل - قال
ابن حبيب من الناس من يروي هذه الأبيات الأخيرة التي أولها ( سلِي
الطارقَ المعتَرّ يا أمَّ مالك ... ) لعروة
بن الورد وهي للعجير وفوده على عبد الملك وإقامته ببابه أخبرني حبيب بن نصر
المهلبي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن هشام بن محمد
قال وفد العجير السلولي وسلول بنو مرة بن صعصعة على عبد الملك بن مروان فأقام
ببابه شهرا لا يصل إليه لشغل عرض لعبد الملك ثم وصل إليه فلما مثل بين يديه أنشد ( ألا
تلك أمُّ الهِبْرِزِيّ تَبَيَّنَتْ ... عِظامي ومنها ناحِلٌ وكسيرُ ) ( وقالتْ
تضاءلْتَ الغداةَ ومَنْ يكُنْ ... فتىً قبلَ عامِ الماءِ فَهْو كبيرُ ) ( فقلتُ
لها إنّ العُجيَر تقلّبتْ ... به أبطنٌ أبليْنَه وظهورُ ) ( فمنهنّ
إدلاجي على كُلِّ كوكبٍ ... له من عُمَانيِّ النجومِ نظيرُ ) ( وَقَرْعي
بكفِّي بابَ مَلْك كأنمّا ... به القومُ يرجون الأَذِينَ نُسُورُ ) ( ويومٍ
تبارى أَلْسُنُ القوم فيهِمُ ... وللموت أرحاءٌ بهنّ تدورُ ) ( لَوَ
أنَّ الجِبالَ الصُّمَّ يسْمعْن وَقْعَها ... لَعُدْن وقد بانت بهنّ فُطورُ ) ( فرحتُ
جَواداً والجوادُ مثابرٌ ... على جَرْيه ذو عِلَّة ويَسِيرُ ) - طويل - فقال
له يا عجير ما مدحت إلا نفسك ولكنا نعطيك لطول مقامك وأمر له بمائة من الإبل
يعطاها من صدقات بني عامر فكتب له بها أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا محمد
بن سعد الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي قال نظر أبي إلى فتى من بني العباس
يسحب مطرف خز عليه وهو سكران وكان فتى متهتكا فحرك رأسه مليا ثم قال لله در العجير
السلولي حيث يقول ( وما
لبسَ الناسُ من حُلّة ... جدِيدٍ ولا خَلَقاً يُرْتَدَى ) ( كمثل
المُرُوءةِ للاّبسيْنَ ... فدعني من المُطْرَف المُسْتَدى ) ( فليسَ
يُغَيِّر فضلَ الكريم ... خُلُوقَةُ أثوابِهِ والبِلى ) ( وليس
يُغَيِّر طبعَ اللّئيم ... مطارِفُ خزٍ رِقاقُ السَّدَى ) ( يجود
الكريمُ على كلّ حالٍ ... ويكبو اللئيمُ إذا ما جرى ) - متقارب - قوله
في ابنه الفرزدق أخبرني عمي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني أبو
القاسم اللهبي عن أبي عبيدة قال كان العجير السلولي له ابن يقال له الفرزدق وفيه
يقول العجير ( ولقد
وضعْتُك غير مُتَّركٍ ... من جابر في بيتها الضّخم ) ( واخترتُ
أمّكَ من نسائِهمْ ... وأبوك كلَّ عَذَوَّرٍ شهم ) ( فلئن
كذبْتَ المنحَ من مائةٍ ... فلتقبلَنَّ بسائغ وَخْم ) ( إن
الندى والفضل غايتُنا ... ونجاتُنا وطرِيقُ من يحمي ) أخبرني
عمي قال حدثنا الكراني قال قال الحرمازي وقف العجير السلولي لبعض الأمراء وقد علق
به غريم له من أهله فقال له ( أتيتك
إنّ الباهلي يسوقني ... بدَيْنٍ ومطلوبُ الدُّيون رقيقُ ) ( ثلاثتُنا
إنْ يسَّر اللَّهُ فائزٌ ... بأجرٍ ومُعْطًى حقَّه وعتيقُ ) - طويل - فأمر
بقضاء دينه ابنة عمه تفضل العامري عليه ليساره وقال ابن الأعرابي كانت للعجير بنت
عم وكان يهواها وتهواه فخطبها الى أبيها فوعده وقاربه ثم خطبها رجل من بني عامر
موسر فخيرها أبوها بينه وبين العجير فاختارت العامري ليساره فقال العجير في ذلك ( ألمِاَّ
على دارٍ لزينبَ قد أتى ... لها بِلِوَى ذي الْمَرْخ صيفٌ ومَرْبَع ) ( وقُولا
لها قد طالما لم تَكَلَّمي ... وراعاك بالعين الفُؤادُ المُرَوَّع ) ( وقولا
لها قال العجير وخَصَّني ... إليك وإرسال الخلِيلَيْن ينفع ) ( أأنتِ
التي استودعتُك السّرَّ فانتحى ... لي الخَوْنَ مَرَّاحٌ من القوم أفرع ) ( إذا
متُّ كان الناسُ نِصفين شامتٌ ... ومُثْنٍ بما قد كنت أُسدِي وأَصنع ) ( ومستلحَمٍ
قد صَكَّه القومُ صكّةً ... بِعيدِ الموالي نِيْلَ ما كان يمنع ) ( رددْتُ
له ما أفرط القتل بالضحى ... وبالأمس حتى اقتاله فهو أصلعُ ) ( ولست
بمولاه ولا بابنِ عمِّه ... ولكنْ متى ما أملك النفع أنفع ) - طويل وقال ابن
الأعرابي كان العجير يتحدث إلى امرأة من بني عامر يقال لها جمل فألفها وعلقها ثم
انتجع أهلها نواحي نصيبين فتتبعتها نفسه فسار إليهم فنزل فيهم مجاورا ثم رأوه
منازلا ملازما محادثة تلك المرأة فنهوه عنها وقالوا قد رأينا أمرك فإما أن انقطعت
عنها أو ارتحلت عنا أو فأذن بحرب فقال ما بيني وبينها ما ينكر وإنما كنت أتحدث
إليها كما يتحدث الرجل الكريم إلى المرأة الحرة الكريمة فأما الريبة فحاش لله منها
ثم عاود محادثتها فانتهبوا ماله وطردوه فأتى محمد بن مروان بن الحكم وهو يومئذ
يتولى الجزيرة لأخيه عبد الملك بن مروان فأتاه مستعديا على بني عامر وعلى الذي أخذ
ماله خصوصية وهو رجل من بني كلاب يقال له ابن الحسام وأنشده قوله ( عفا
يافِعٌ من أهله فطَلوبُ ... وأقفَرَ لو كان الفؤادُ يثوب ) ( وقفتُ
بها مِن بَعْدِ ما حلّ أهْلُها ... نَصِيبِين والرّاقي الدموعَ طبيب ) ( وقد
لاح معروفُ القتِير وقد بدتْ ... بك اليومَ من ريب الزمان نُدوب ) ( وسَالمْتُ
روحاتِ المطيّ وأحْمَدَتْ ... مناسمُ منها تشتكي وصُلوب ) ( وما
القلب أَمْ ما ذِكرُهُ أمَّ صِبْيَةٍ ... أُرَيْكَةُ منها مسكنٌ فهَروبُ ) ( حَصَان
الحُمَيَّا حرةٌ حال دُونَها ... حلِيلٌ لها شاكي السلاح غضوب ) ( شَموسٌ
دُنُّو الفَرْقدين اقترابُها ... لغَيِّ مقاريفِ الرجال سَبوب ) ( أحقًّا
عبادَ اللَّه أن لستُ ناظراً ... إلى وجهها إلا عليّ رقيبُ ) ( عدتْني
العِدا عنها بُعَيْدَ تساعف ... وما أرتجي منها إليّ قريبُ ) ( لقد
أحسنتْ جُمْلٌ لَوَ أنَّ تبِيْعَها ... إذا ما أرادت أن تُثِيب يثيب ) ( تَصُدّين
حتَّى يذهبَ البأسُ بالمنى ... وحتّى تكادَ النفسُ عنكِ تطِيب ) - طويل - هذا
البيت يروى لابن الدمينة وهو بشعره أشبه ولا يشاكل أيضا هذا المعنى ولا هو من
طريقه لأنه تشكى في سائر الشعر قومها دونها وهذا بيت يصف فيه الصد منها ولكن هكذا
هو في رواية ابن الأعرابي ( وأنتِ
المُنَى لو كنتِ تستأنِفيننا ... بخير ولكِنْ مُعْتفاكِ جدِيب ) ( أيؤكلُ
مالي وابنُ مروانَ شاهدٌ ... ولم يقْضِ لي وابن الحُسَام قرِيب ) ( فتىً
مَحْضُ أطرافِ العُرُوق مُساوِرٌ ... جبالَ العلا طَلْقُ اليدين وهوب ) فأمر
محمد بن مروان بإحضار ابن الحسام الكلابي فأحضر فحبسه حتى رد مال العجير وأمر
العجير بالانصراف إلى حيه وترك النزول على المرأة أو في قومها قال وقال العجير
فيها أيضا ( هاتيك جّمْلٌ بأرضٍ لا يُقَرِّبُها
... إلاّ هَبلَّ من العِيدِيِّ مُعْتقِدُ ) ( ودونَها
مَعشرٌ خزرٌ عيونُهُمُ ... لو تخمُدُ النار من حَرٍّ لما خمدوا ) ( عدُّوا
علينا ذنوباً في زيارتها ... ليحجبوها وفي أخلاقهِمْ نَكَد ) ( وحال
مِنْ دونها شَكْسٌ خلائقُه ... كأنّه نَمِرٌ في جِلده الرِّبَد ) ( فليس
إلا عويلٌ كلما ذُكِرَتْ ... أو زفْرَةٌ طالما أنَّتْ بها الكبد ) ( وتيّمتِنيَ
جُمْلٌ فاستمرَّ بها ... شَحْطٌ من الدار لا أَمٌّ ولاصَدَدُ ) ( قالوا
غداة استقلت ما لِمُقْلَتِهِ ... أمن قذى هَمَلَتْ أم عارَها رَمَد ) ( فقلت
لا بل غَدَتْ سلمى لِطيَّتِهَا ... فليتهُمْ مثل وجدي بُكرةً وَجَدوا ) ( إن
كان وصلُكِ أَبلى الدّهرُ جِدّته ... وكلُّ شيءٍ جديدٍ هالكٌ نَفَد ) ( فقد
أُرانِي ووجْدِي إذْ تفارقني ... يوماًكوجدِ عجوز درْعُها قِدَد ) ( تبكي
على بَطَلٍ حُمَّتْ منِيَّتُه ... وكان واترَ أعداءٍ به ابتَرَدوا ) ( وقد
خلا زمنٌ لو تَصرِمين له ... وَصْلي لأيقْنتُ أنِّي ميّتٌ كَمِدُ ) ( أزمانَ
تعجبُني جُمْلٌ وأكتمُهُ ... جُمْلاً حياءً وما وَجْدٌ كما أجدُ ) ( فقد
برِئتُ على أني إذا ذُكِرَتْ ... ينهلُّ دمعي وتَحيا غُصَّةٌ تَلَدُ ) ( من
عهد سَلمى التي هام الفؤادُ بها ... أزْمانَ أزمانَ سلمى طِفلةٌ رُؤُد ) ( قد
قلت للكاشِح المبدِي عداوتَه ... قد طالما كان منك الغِشُّ والحسد ) ( ألا
تُبَيِّنُ لي لا زِلْتَ تُبْغِضني ... حتّامَ أنت إذا ما ساعفَتْ ضَمِد ) - بسيط - وصية
عبد الملك لمؤدب ولده وقال ابن حبيب قال عبد الملك لمؤدب ولده إذا رويتهم شعرا فلا
تروهم إلا مثل قول العجير السلولي ( يَبِين
الجارُ حِين يبِين عنّي ... ولم تأنسْ إليّ كلابُ جاري ) ( وتظعنُ
جارتي من جَنب بيتي ... ولم تُسْتَرْ بسترٍ من جِداري ) ( وتأمن
أن أطالع حين آتي ... عليها وَهي واضعةُ الخمار ) ( كذلك
هَدْيُ آبائي قديماً ... تَوَارثه النَّجارُ عن النِّجار ) ( فهدبي
هديُهُمْ وهُمُ افْتَلَوْني ... كما افْتُلِي العتيقُ من المِهارِ ) - وافر - وقال
ابن حبيب أيضا نزل العجير بقوم فأكرموه وأطعموه وسقوه فلما سكر قام إلى جمله فعقره
وأخرج كبده وجبّ سنامه فجعل يشوي ويأكل ويطعم ويغني ( عَلّلاني
إنما الدنيا عَلَلْ ... واسقياني عَلَلاً بعد نَهَلْ ) ( وانشِلا
لي اللحم من قِدْرَيْكما ... واصبحاني أبعد اللَّهُ الجمل ) - رمل - فلما
أفاق سأل عن جمله فأخبر ما صنع به فجعل يبكي ويصيح واغربتاه وهم يضحكون منه ثم
أعطوه جملا وزودوه فانصرف حتى لحق بقومه أخبرني عمي بهذا الخبر قال حدثنا عبد الله
بن أبي سعد قال حدثنا الحكم بن موسى بن الحسين بن يزيد السلولي قال حدثني أبي عن
عمه فقال فيه مر العجير بفتيان من قومه يشربون نبيذا لهم فشرب معهم وذكر باقي
القصة نحوا مما ذكر ابن حبيب ولم يقل فيها فلما أصبح جعل يبكي ويصيح واغربتاه
ولكنه قال فلما أصبح ساق قومه إليه ألف بعير مكان بعيره اعجاب سليمان بن عبد الملك
بشعره أخبرني عمي وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني
الحكم بن موسى بن الحسين السلولي قال حدثني أبي عن عمه قال عرض العجير لسليمان بن
عبد الله وهو في الطواف وعلى العجير بردان يساويان مائة وخمسين دينارا فانقطع شسع
نعله فأخذها بيده ثم هتف بسليمان فقال ( ودلّيْتُ
دلوي في دِلاٍء كثيرة ... إليك فكان الماءُ ريّانَ مُعلما ) - طويل - فوقف
سليمان ثم قال لله دره ما أفصحه والله ما رضي أن قال ريان حتى قال معلما والله إنه
ليخيل الي أنه العجير وما رأيته قط الا عند عبد الملك فقيل له هو العجير فأرسل
إليه أن صر إلينا إذا حللنا فصار إليه فأمر له بثلاثين ألفا وبصدقات قومه فردها
العجير عليهم ووهبها لهم رثاء العجير لابن عمه أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال
حدثني هرون بن موسى الفروي قال كان ابن عم للعجير السلولي إذا سمع بأضياف عند
العجير لم يدعهم حتى يأتي بجزور كوماء فيطعن في لبتها عند بيته فيبيتون في شواء
وقدير ثم مات فقال العجير يرثيه ( تركنا
ابا الأضيافِ في ليلةالصَّبا ... بمَرٍّ ومِرْدَى كلِّ خَصْمٍ يجادلهْ ) ( وأُرعيه
سمعي كلّما ذُكر الأسَى ... وفي الصّدرِ مني لوعةٌ ما تزايلُهْ ) ( وكُنت
أعِيرُ الدّمعَ قبلك مَن بكى ... فأنت على مَنْ مات بعدك شاغلُه ) - طويل - هكذا
ذكر هرون بن موسى في هذا الخبر والبيت الثالث من هذه الأبيات للشمردل بن شريك لا
يشك فيه من قصيدة له طويلة فيه غناء قد ذكرته في أخباره صوت ( فتاةٌ كأنَّ رضابَ
العبِيرِ ... بفيها يُعَلُّ به الزنجبيلُ ) ( قتلْتُ
أباها على حبِّها ... فتبخلُ إن بخِلَتْ أو تُنيل ) - متقارب - الشعر
لخزيمة بن نهد والغناء لطويس خفيف رمل بالنصر عن يحيى المكي أخبار خزيمة بن نهد ونسبه
نسبه هو خزيمة بن نهد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة شاعر مقل من
قدماء الشعراء في الجاهلية وفاطمة التي عناها في شعره هذا فاطمة بنت يذكر بن عنزة
بن أسد بن ربيعة بن نزار كان يهواها فخطبها من أبيها فلم يزوجه إياها فقتله غيلة
وإياها عنى بقوله ( إذا
الجوزاءُ أَرْدَفَتِ الثُّريا ... ظننْتُ بآل فاطمةَ الظُّنُونا ) - وافر - تشبيبه
بفاطمة بنت يذكر أخبرني بخبره محمد بن خلف وكيع قال حدثنا عبيد الله بن سعد الزبيري
قال حدثني عمي قال حدثني أبي أظنه عن الزهري قال كان بدء تفرق بني إسماعيل بن
إبراهيم عليهما السلام عن تهامة ونزوعهم عنها إلى الآفاق وخروج من خرج منهم عن
نسبه أنه كان أول من ظعن عنها وأخرج منها قضاعة بن معد وكان سبب خروجهم أن خزيمة
بن نهد بن زيد بن سود ابن أسلم بن الحاف بن قضاعة بن معد كان مشؤوما فاسدا متعرضا
للنساء فعلق فاطمة بنت يذكر بن عنزة واسم يذكر عامر فشبب بها وقال فيها ( إذا
الجوزاء أردفَتِ الثريا ... ظننْتُ بآل فاطمة الظنونا ) ( وحالت
دون ذلك مِنْ همومي ... همومٌ تُخْرِج الشَّجَن الدّفينا ) ( أرى
ابنة يذكرٍ ظَعَنَتْ فحلَّت ... جَنوبَ الحَزْن يا شَحَطا مبينا ) - وافر - سبب
القتال بين قضاعة ونزار قال فمكث زمانا ثم إن خزيمة بن نهد قال ليذكر بن عنزة أحب
أن تخرج معي حتى نأتي بقرظ فخرجا جميعا فلما خلا خزيمة بن نهد بيذكر بن عنزة قتله
فلما رجع وليس معه سأله عنه أهله فقال لست أدري فارقني وما أدري أين سلك فكان في
ذلك شر بين قضاعة ونزار ابني معد وتكلموا فيه فأكثروا ولم يصح على خزيمة عندهم شيء
يطالبون به حتى قال خزيمة بن نهد ( فتاة
كأنَّ رضابَ العبيرِ ... بفيها يُعَلُّ به الزنجبيلُ ) ( قتلْتُ
أباها على حبِّها ... فتبخلُ إنْ بَخِلَتْ أو تنيلُ ) - متقارب فلما قال هذين
البيتين تثاور الحيان فاقتتلوا وصاروا أحزابا فكانت نزار ابن معد وهي يومئذ تنتسب
فتقول كندة بن جنادة بن معد وجاؤوهم يومئذ ينتمون فيقولون حاء بن عمرو بن أد بن
أدد وكانت قضاعة تنتسب إلى معد وعك يومئذ تنتمي إلى عدنان فتقول عك عدنان بن أد
والأشعريون ينتمُون إلى الأشعر بن أدد وكانوا يتبدون من تهامة إلى الشأم وكانت
منازلهم بالصفاح وكان مر وعسفان لربيعة بن نزار وكانت قضاعة بين مكة والطائف وكانت
كندة تسكن من الغمر إلى ذات عرق فهو إلى اليوم يسمى غمر كندة وإياه يعني عمر بن
أبي ربيعة بقوله ( إذا
سَلَكَتْ غَمْرُ ذي كِنْدَةٍ ... مع الصبح قَصْدٌ لها الفَرْدَقدُ ) ( هنا
لك إما تُعَزِّي الهوى ... وإما على إثرهمْ تَكْمَدُ ) - متقارب - وكانت
منازل حاء بن عمرو بن أدد والأشعر بن أدد وعك بن عدنان بن أدد فيما بين جدة إلى
البحر قال فيذكر بن عنزة أحد القارظين اللذين قال فيهما الهذلي ( وحتىّ
يؤوبَ القارظانِ كلاهما ... ويُنْشَرَ في القتلى كليبٌ لوائلِ ) - طويل - والآخر
من عنزة يقال له أبو رهم خرج يجمع القرظ فلم يرجع ولم يعرف له خبر قال فلما ظهرت
نزار على أن خزيمة بن نهد قتل يذكر بن عنزة قاتلوا قضاعة أشد قتال فهزمت قضاعة
وقتل خزيمة بن نهد وخرجت قضاعة متفرقين فسارت تيم اللات بن أسد بن وبرة بن تغلب بن
حلوان بن عمران ابن الحاف بن قضاعة وفرقة من بني رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة
وفرقة من الأشعريين نحو البحرين حتى وردوا هجر وبها يومئذ قوم من النبط فنزلت
عليهم هذه البطون فأجلتهم فقال في ذلك مالك بن زهير ( نَزَعنا
مِن تِهامةَ أيَّ حيٍّ ... فلم تحفِلْ بذاك بنو نزارِ ) ( ولم
أك من أنيسكُمُ ولكنْ ... شرينا دارَ آنسةٍ بدار ) - وافر - الزرقاء
تتحدث بقول الكهان فلما نزلوا هجر قالوا للزرقاء بنت زهير وكانت كاهنة ما تقولين
يا زرقاء قالت سعف وإهان وتمر وألبان خير من الهوان ثم أنشأت تقول ( ودِّع
تِهامةَ لا وَداعَ مُخَالِقٍ ... بِذمامه لكنْ قِلىً وملامِ ) ( لا
تُنْكري هَجَراً مُقام غرِيبةٍ ... لن تعدَمي من ظاعنين تَهَامِ ) - كامل - فقالوا
لها فما ترين يا زرقاء فقالت مقام وتنوخ ما ولد مولود وأنقفت فروخ إلى أن يجيء
غراب أبقع أصمع أنزع عليه خلخالا ذهب فطار فألهب ونعق فنعب يقع على النخلة السحوق
بين الدور والطريق فسيروا على وتيرة ثم الحيرة الحيرة فسميت تلك القبائل تنوخ لقول
الزرقاء مقام وتنوخ ولحق بهم قوم من الأزد قصاروا إلى الآن في تنوخ ولحق سائر
قضاعة موت ذريع وخرجت فرقة من بني حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة يقال لهم بنو
تزيد فنزلوا عبقر من أرض الجزيرة فنسج نساؤهم الصوف وعملوا منه الزرابي فهي التي
يقال لها العبقرية وعملوا البرود التي يقال لها التزيدية وأغارت عليهم الترك
فأصابتهم وسبت منهم فذلك قول عمرو بن مالك ( ألاَ
للَّه ليلٌ لَمْ نَنَمْهُ ... على ذاتِ الخِضَاب مُجَنِّبينا ) ( وليلتُنا
بآمِدَ لَم نَنَمْها ... كليلتنا بِمَيَّا فارِقِينا ) - وافر - وأقبل
الحارث بن قراد البهراني ليعيث في بني حلوان فعرض له أباغ بن سليح صاحب العين
فاقتتلا فقتل أباغ ومضت بهراء حتى لحقوا بالترك فهزموهم واستنقذوا ما في أيديهم من
بني تزيد فقال الحارث بن قراد في ذلك ( كَأَنَّ
الدهر جُمِّع في ليالٍ ... ثلاثٍ بِتُّهُنَّ بَشْهَرزُورِ ) ( صَففْنا
للأَعاجمِ من مَعَدٍّ ... صفوفاً بالجزيرة كالسّعير ) - وافر - وسارت
سليح بن عمرو بن الحاف بن قضاعة يقودها الحدرجان بن سلمة حتى نزلوا ناحية فلسطين
على بني أذينة بن السميذع من عاملة وسارت أسلم ابن الحاف وهي عذرة ونهد وحوتكة
وجهينة والحارث بن سعد حتى نزلوا من الحجر إلى وادي القرى ونزلت تنوخ بالبحرين
سنتين ثم أقبل غراب في رجليه حلقتا ذهب وهم في مجلسهم فسقط على نخلة في الطريق فينعق
نعقات ثم طار فذكروا قول الزرقاء فارتحلوا حتى نزلوا الحيرة فهم أول من اختطها
منهم مالك بن زهير واجتمع إليهم لما بتنوا بها المنازل ناس كثير من سقاط القرى
فأقاموا بها زمانا ثم أغار عليهم سابور الأكبر فقاتلوه فكان شعارهم يومئذ يا آل
عباد الله فسموا العباد وهزمهم سابور فصار معظمهم ومن فيه نهوض إلى الحضر من
الجزيرة يقودهم الضيزن بن معاوية التنوخي فمضى حتى نزل الحضر وهو بناء بناه
الساطرون الجرمقاني فأقاموا به وأغارت حمير على بقية قضاعة فخيروهم بين أن يقيموا
على خراج يدفعونه إليهم أو يخرجوا عنهم فخرجوا وهم كلب وجرم والعلاف وهم بنو زبان
ابن تغلب بن حلوان وهو أول من عمل الرحال العلافية وعلاف لقب زبان فلحقوا بالشام
فأغارت عليهم بنو كنانة بن خزيمة بعد ذلك بدهر فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وانهزموا
فلحقوا بالسماوة فهي منازلهم إلى اليوم صوت ( إني امرؤ كفَّنِي ربي ونزَّهني ...
عن الأمور التي في غِبِّها وَخَم ) ( وإنما
أنا إنسانٌ أعيش كما ... عاش الرجالُ وعاشت قبْلِيَ الأمم ) - بسيط - الشعر
للمغيرة بن حبناء من قصيدة مدح بها المهلب بن أبي صفرة والغناء لأبي العبيس بن
حمدون ثقيل أول بالبنصر وهو من مشهور أغانيه وجيدها نسب المغيرة بن حبناء وأخباره
المغيرة بن حبناء بن عمرو بن ربيعة بن أسيد بن عبد عوف بن ربيعة ابن عامر بن ربيعة
بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وحبناء لقب غلب على أبيه واسمه جبير بن عمرو
ولقب بذلك لحبن كان أصابه وهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية وأبوه حبناء بن
عمرو شاعر وأخوه صخر ابن حبناء شاعر وكان يهاجيه ولهما قصائد يتناقضانها كثيرة
سأذكر منها طرفا وكان قد هاجى زيادا الأعجم فأكثر كل واحد منهما على صاحبه وأفحش
ولم يغلب أحد منهما صاحبه كانا متكافئين في مهاجاتهما ينتصف كل واحد منهما من صاحبه
مدحه لطلحة الطلحات أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرني عبيد الله بن محمد
بن عبد الملك الزيات قال حدثني الحسن بن جهور عن الحرمازي قال قدم المغيرة ابن
حبناء على طلحة الطلحات الخزاعي ثم المليحي أحد بني مليح فأنشده قوله فيه ( لقد
كنتُ أسعى في هواكَ وأبتغي ... رضاكَ وأرجو منكَ ما لسْتُ لاقيا ) ( وأبذلُ
نفسي في مواطِنَ غيرُها ... أَحَبُّ وأعصي في هواكَ الأدانيا ) ( حِفاظاً
وتمسيكاً لما كان بيننا ... لِتَجْزيَنِي ما لا إخالُكَ جازياً ) ( رأيتُكَ
ما تنفكُّ منك رَغيبةٌ ... تقصِّر دوني أو تحلُّ ورائيا ) ( أُراني
إذا استمطرْتُ منك رَغيبةً ... لتُمْطِرَني عادتْ عَجَاجاً وسافِيا ) ( وَأدْليْتُ
دَلْوِي في دِلاء كثيرة ... فَأُبْنَ مِلاءً غيرَدلوي كما هِيا ) ( ولستُ
بلاقٍ ذا حِفاظٍ ونَجدةٍ ... من القوم حُرًّا بالخسِيسة راضيا ) ( فإن
تَدْنُ مني تَدْنُ منكَ مودتي ... وإن تَنْأَ عني تُلفنِي عنكَ نائيا ) - طويل
قال فلما أنشده هذا الشعر قال له أما كنا أعطيناك شيئا قال لا فأمر طلحة خازنه
فأخرج درجا فيه حجارة ياقوت فقال له اختر حجرين من هذه الأحجار أو أربعين ألف درهم
فقال ما كنت لأختار حجارة على أربعين ألف درهم فأمر له بالمال فلما قبضه سأله حجرا
منها فوهبه له فباعه بعشرين ألف درهم ثم مدحه فقال ( أرى
الناس قد مَلُّوا الفَعال ولا أرى ... بني خَلَفٍ إلا رِواءَ المواردِ ) ( إذا
نفعوا عادوا لمن ينفعونه ... وكائن ترى من نافع غير عائد ) ( إذا
ما انجلتْ عنهُمْ غمامةُ غَمْرةٍ ... من الموت أجلتْ عن كرامٍ مَذَاوِدِ ) ( تسود
غطاريفَ الملوك ملوكُهُمْ ... وما جِدهُمْ يعلو على كل ماجد ) - طويل - مدحه
للمهلب بن أبي صفرة أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا المغيرة بن محمد المهلبي عن
رواة باهلة أن المهلب بن أبي صفرة لما هزم قطري بن الفجاءة بسابور جلس للناس فدخل
إليه وجوههم يهنئونه وقامت الخطباء فأثنت عليه ومدحته الشعراء ثم قام المغيرة بن
حبناء في أخرياتهم فأنشده ( حال
الشّجا دونَ طَعْم العيش والسهرُ ... واعتاد عينَكَ مِن إدمانها الدِّررُ ) ( واستَحْقَبَتْكَ
أمورٌ كنتَ تكرهها ... لو كان ينفعُ منها النّأيُ والحذر ) ( وفي
الموارد للأقوامِ تَهْلُكةٌ ... إذا المواردُ لم يُعْلم لها صَدَر ) ( ليس
العزيزُ بمن تُغْشَى محارِمُه ... ولا الكريمُ بمن يُجْفى ويُحْتَقَرُ ) حتى
انتهى إلى قوله ( أمسى
العِبادُ بشرٍّ لا غِياثَ لهُمْ ... إلا المهلَّبُ بعد اللَّه والمطرُ ) ( كلاهما
طيّبٌ تُرْجى نوافله ... مباركٌ سَيْبُهُ يرجى ويُنتظر ) ( لايَجْمُدانِ
عليهمْ عند جَهدِهِمُ ... كِلاهما نافعٌ فيهمْ إذا افتقروا ) ( هذا
يذودُ ويحمي عن ذِمارِهِمُ ... وذا يعِيش به الأَنعام والشَّجر ) ( واستسلم
الناسُ إذ حلَّ العدوُّ بهمْ ... فلا ربيعتُهمْ تُرجَى ولا مضرُ ) ( وأنت
رأسٌ لأهل الدين منتخَبٌ ... والرأسُ فيه يكون السمع والبصر ) ( إن
المهلَّب في الأيام فضَّله ... على منازلِ أقوام إذا ذُكروا ) ( حَزْمٌ
وجودٌ وأيامٌ له سلفتْ ... فيها يُعَدُّ جسيمُ الأمر والخطرُ ) ( ماضٍ
على الهولِ ما ينفكُّ مرتحِلاً ... أسبابَ معضلةٍ يعيا بها البشر ) ( سهلُ
الخلائق يعفو عِند قدرتِهِ ... منه الحياء ومن أخلاقه الخفَرُ ) ( شهابُ
حربٍ إذا حلّت بساحته ... يُخْزِي به اللَّه أقواماً إذا غدروا ) ( تزيدُهُ
الحربُ والأهوال إن حضرت ... حزماً وعزماً ويجلو وجهَه السفر ) ( ما
إن يزالُ على أرجاءِ مُظْلِمةٍ ... لولا يُكَفْكِفُها عن مِصرهمْ دَمَروا ) ( سهلٌ
إليهمْ حليمٌ عن مجاهلهمْ ... كأنما بينهُمْ عثمانُ أو عمر ) ( كَهْفٌ
يلوذون من ذُلّ الحياةِ به ... إذا تكنَّفهم مِن هولها ضرر ) ( أَمْنٌ
لخائِفِهِمْ فَيْضٌ لسائلهِمْ ... ينتاب نائِلَه البادون والحَضرَ ) - بسيط - فلما
أتى على آخرها قال المهلب هذا والله الشعر لا ما نعلل به وأمر له بعشرة آلاف درهم
وفرس جواد وزاده في عطائه خمسمائة درهم والقصيدة التي منها البيتان اللذان فيهما
الغناء المذكور بذكره أخبار المغيرة من قصيدة له مدح بها المهلب بن أبي صفرة أيضا
وأولها ( أمِن رسومِ ديارٍ هاجَكَ القِدَمُ
... أَقْوَتْ وأقفر منها الطَّفُّ والعَلَمُ ) ( وما
يَهيجُك من أطلالِ مَنْزِلَةٍ ... عفَّى معالِمَهَا الأرواحُ والديمُ ) ( بئس
الخليفةُ من جارٍ تضنُّ به ... إذا طرِبْتَ أثافي القِدْرِ والحُمَم ) ( دارُ
التي كاد قلبي أن يُجَنَّ بها ... إذا ألمَّ به مِن ذِكرها لَمَم ) ( إذا
تذكَّرها قلبي تضيّفه ... همٌّ تضِيق به الأحشاء والكَظَم ) ( والبينُ
حين يروعُ القلبَ طائِفُه ... يبدي ويظهِر منهمْ بعضَ ما كتموا ) ( إني
امرؤ كفّني ربي وأكرمني ... عن الأمور التي في غِبِّهَا وَخَمْ ) ( وإنما
أنا إنسانٌ أعيش كما ... عاش الرجال وعاشت قبليَ الأمم ) - بسيط - وهي
قصيدة طويلة وكان سبب قوله إياها أن المهلب كان أنفذ بعض بنيه في جيش لقتال
الأزارقة وقد شدت منهم طائفةة تغير على نواحي الأهواز وهو مقيم يومئذ بسابور وكان
فيهم المغيرة بن حبناء فلما طال مقامه واستقر الجيش لحق بأهله فألم بهم وأقام
عندهم شهرا ثم عاود وقد قفل الجيش إلى المهلب فقيل له إن الكتاب خطوا على اسمه
وكتب إلى المهلب أنه عصى وفارق مكتبه بغير إذن فمضى إلى المهلب فلما لقيه أنشده
هذه القصيدة واعتذر إليه فعذره وأمر باطلاق عطائه وإزالة العتب عنه وفيها يقول
يذكر قدومه إلى أهله بغير إذن ( ما
عاقني عن قُفُولِ الجندِ إذ قفلوا ... عِيٌّ بما صنعوا حولي ولا صَمَمُ ) ( ولو
أردْتُ قفولاً ما تجهَّمَني ... إذن الأمير ولا الكتابُ إذ رقموا ) ( إني
ليعرِفني راعي سريرِهِمُ ... والمُحْدِجون إذا ما ابتلّت الحُزُمُ ) ( والطالبون
إلى السلطان حاجتَهُمْ ... إذا جفا عنهُمُ السلطان أو كَزِموا ) ( فسوف
تُبْلِغُك الأنباءَ إن سلِمتْ ... لك الشواحِج والأنفاسُ والأدم ) ( إنَّ
المهلّب إنْ أشتقْ لرؤيتهِ ... أو امتدِحْهُ فإنَّ الناس قد علموا ) ( إن
الكريم من الأقوامِ قد علموا ... أبو سعيد إذا ما عُدَّت النِّعم ) ( والقائلُ
الفاعلُ الميمونُ طائره ... أبو سعيدٍ وإنْ أعداؤه زَغموا ) ( كم
قد شهدْتُ كراماً من مواطنه ... ليست بغيب ولا تقوالهِمْ زعموا ) ( أيّامَ
أيامَ إذ عضَّ الزمان بهمْ ... وإذ تمنَّى رجالٌ أنهم هُزِموا ) ( وإذ
يقولون ليتَ اللَّه يُهْلكهُمْ ... واللَّه يعلم لو زَلَّت بهمْ قَدَمُ ) ( أيامَ
سابورَ إذ ضاعت رَباعَتْهُمْ ... لولاه ما أَوْطَنوا داراً ولا انتقموا ) ( إذ
ليس شيء من الدنيا نصول به ... إلا المغافِرُ والأبدانُ واللُّجُم ) ( وعاتراتٍ
من الخَطّيِّ مُحْصَدَةٍ ... نفضي بهنَّ إليهمْ ثم نَدَّعِم ) سبب
التهاجي بينه وبين زياد الأعجم هكذا ذكر عمرو بن أبي عمرو الشيباني في خبر هذه
القصيدة ونسخت من كتابه وذكر أيضا في هذا الكتاب أن سبب التهاجي بين زياد الأعجم
والمغيرة بن حبناء أن زيادا الأعجم والمغيرة بن حبناء وكعبا الأشقري اجتمعوا عند
المهلب وقد مدحوه فأمر لهم بجوائز وفضل زيادا عليهم ووهب له غلاما فصيحا ينشد شعره
لأن زيادا كان ألكن لا يفصح فكان راويته ينشد عنه ما يقوله فيتكلف له مؤونة ويجعل
له سهما في صلاته فسأل المهلب يومئذ أن يهب له غلاما كان له يعرفه زياد بالفصاحة
والأدب فوهبه له فنفسوا عليه ما فضل به فانتدب له المغيرة من بينهم فقال للمهلب
أصلح الله الأمير ما السبب في تفضيل الأمير زيادا علينا فوالله ما يغني غناءنا في الحرب
ولا هو بأفضلنا شعبا ولا أصدقنا ودا ولا أشرفنا أبا ولا أفصحنا لسانا فقال له
المهلب أما إني والله ما جهلت شيئا مما قلت وإن الأمر فيكم عندي لمتساو ولكن زيادا
يكرم لسنه وشعره وموضعه من قومه وكلكم كذلك عندي وما فضلته بما ينفس به وأنا
أعوضكم بعد هذا بما يزيد على ما فضلته به فانصرف وبلغ زيادا ما كان منه فقال يهجوه
( أرى كلَّ قومٍ يَنْسلُ اللؤمُ
عندهُمْ ... ولؤمُ بني حَبْنَاءَ ليس بناسِلِ ) ( يَشبُّ
مع المولودِ مثلَ شبابه ... ويَلقاه مولوداً بأيدي القوابل ) ( ويُرْضعُهُ
من ثَدْي أمِّ لئيمةٍ ... ويُخْلَقُ من ماءِ امرئ غير طائل ) ( تعالَوا
فعدّوا في الزمان الذي مضى ... وكل أناسٍ مجدُهُمْ بالأوائل ) ( لَكَمْ
بفعالٍ يَعْرِفُ الناس فضله ... إذا ذُكِر الأَملاءُ عِند الفضائل ) ( فغازيكُمُ
في الجيش أَلأَم مَنْ غزا ... وقافِلكُمْ في الناس أَلأَم قافل ) ( وما
أنتُمُ مِنْ مالكٍ غيرَ أنكُمْ ... كمغرورةٍ بالبَوِّ في ظلٍ باطل ) ( بنو
مالكٍ زُهر الوجوه وأنتُمُ ... تَبيَّنَ ضاحي لؤمِكُمْ في الجحافل ) - طويل - يعني
برصا كان بالمغيرة بن حبناء أخبرني عبيد الله بن محمد الرازي قال حدثنا أحمد بن
الحارث الخراز قال حدثني المدائني قال عير زياد الأعجم المغيرة بن حبناء في مجلس
المهلب بالبرص فقال له المغيرة إن عتاق الخيل لا تشينها الأوضاح ولا تعير بالغرر والحجول
وقد قال صاحبنا بلعاء بن قيس لرجل عيره بالبرص إنما أنا سيف الله جلاه واستله على
أعدائه فهل تغني يا بن العجماء غنائي أو تقوم مقامي ثم نشب الهجاء بينهما نسخت من
نسخة ابن الأعرابي قال كان المغيرة بن حبناء يوما يأكل مع المفضل بن المهلب فقال
له المفضل ( فلم أر مِثلَ الحنظلِيّ ولونِهِ
... أكِيلَ كرامٍ أو جليس أميرِ ) - طويل فرفع المغيرة يده وقام مغضباً ثم قال له ( إني
امرؤٌ حنظِليٌّ حين تنسُبُنِي ... لامِ العِتيك ولا أخوالِيَ العَوَقُ ) العوق
من يشكر وكانوا أخوال المفضل ( لا
تحسبَنَّ بياضاً فيَّ منقصةً ... إن اللّهاميم في ألوانها بلقُ ) - بسيط - وبلغ
المهلب ما جرى فتناول المفضل بلسانه وشتمه وقال أردت أن يتمضغ هذا أعراضنا ما حملك
على أن أسمعته ما كره بعد مواكلتك إياه أما إن كنت تعافه فاجتنبه أو لا تؤذه ثم
بعث إليه بعشرة آلاف درهم واستصفحه عن المفضل واعتذر إليه عنه فقبل رفده وعذره
وانقطع بعد ذلك عن مواكلة أحد منهم رجع الخبر إلى سياقته مع زياد والمغيرة فقال
المغيرة يجيب زيادا ( أزيادُ
إنَّك والذي أنا عبدُهُ ... ما دون آدَم من أبٍ لك يُعلمُ ) ( فالحَقْ
بأرضِك يا زيادُ ولا تَرُمْ ... ما لا تطيق وأنت عِلجٌ أعجمُ ) ( أظننْتَ
لؤْمَك يا زيادُ يسدُّه ... قوسٌ ستْرتَ بها قفاك وأسهمُ ) ( عِلْجٌ
تعصَّبَ ثم راق بقوسه ... والعِلْجُ تعرفه إذا يَتعمَّمُ ) ( ألْقِ
العصابة يا زيادُ فإنما ... أخزاك ربِّي إذ غدوْتَ تَرَنَّمُ ) ( واعلم
بأنك لست مِنِّي ناجياً ... إلا وأنت ببَظْرِ أمك ملجَمُ ) ( تهجو
الكرام وأنت ألأمُ مَنْ مَشَى ... حسباً وأنت العِلْجُ حين تَكَلَّمُ ) ( ولقد
سألْتُ بني نزارٍ كلّهُمْ ... والعالمِين من الكهول فأقسموا ) ( باللَّه
مالَكَ في معدٍّ كلِّها ... حَسَبٌ وإنك يا زياد مُوَذَّمُ ) - كامل - فقال
زياد يجيبه ( ألم
تَرَ أنِّني وتَّرْتُ قَوْسي ... لأِبقعَ من كلاب بني تميم ) ( عوَى
فَرَمَيْتُهُ بسهامِ موتٍ ... كذاك يُرَدُّ ذو الحُمْقِ اللئيمُ ) ( وكنتُ
إذا غَمَزْتُ قناةَ قوم ... كَسَرْتُ كعوبها أو تستقيمُ ) ( هُمُ
الحَشْوُ القليلُ لكلِ حيٍّ ... وَهُمْ تَبَعٌ كزائدة الظليمِ ) ( فلستَ
بِسابِقي هَرِماً ولمّا ... يَمُرَّ على نواجذك القَدومُ ) ( فحاوِلْ
كيف تنجُو مِن وقاعِي ... فإنّك بعد ثالثةٍ رميمُ ) ( سراتُكُمُ
الكلابُ البُقْعُ فيكُمْ ... للؤمِكُمُ وليس لكُمْ كريمُ ) ( فقد
قَدُمَتْ عُبودتُكُمْ ودُمْتُمْ ... على الفَحْشاء والطبعِ اللّئيمِ ) - وافر - أخبرني
إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا المدائني قال قال زياد
الأعجم يهجو المغيرة بن حبناء ( عجبْتُ
لأبْيَضِ الخُصْيَيْنِ عبدٍ ... كأنّ عِجانَهُ الشِّعْرَى العبورُ ) - وافر - فقيل
له يا أبا أمامة لقد شرفته إذ قلت فيه ( كأنّ
عجانه الشِّعْرى العبور ... ) ورفعت
منه فقال سأزيده رفعةً وشرفا ثم قال ( لا
يبرحُ الدّهرَ خارئٌ أبداً ... إلاّ حسْبتَ على بابِ استِه القمرا ) - بسيط - قال
وتقاولا في مجلس المهلب يوما فقال المغيرة لزياد ( أقول
له وأنكَرَ بعضَ شأني ... ألم تعرفْ رِقاب بني تميمِ ) - وافر - فقال
له زياد ( بلَى فعرفْتُهُنَّ مقصَّراتٍ ...
جِباهَ مَذَلَّةٍ وسِبالَ لومِ ) - وافر - ربيعة
تحرض زياد الأعجم على هجو المغيرة نسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشيباني قال
كانت ربيعة تقول لزياد الأعجم يا زياد أنت لساننا فاذبب عن أعراضنا بشعرك فإن
سيوفنا معك فقال المغيرة بن حبناء فيه وقد بلغه هذا القول من ربيعة له ( يقولون
ذبِّبْ يا زيادُ ولم يكن ... لِيوقِظَ في الحرب الملمَّةِ نائما )
( ولو أنَّهم جاؤوا به ذا حفيظةٍ ...
فيمنعَهُمْ أو ماجداً أو مراغماً ) ( ولكنّهم
جاؤوا بأقلَفَ قد مضت ... له حِججٌ سبعون يُصبح رازِما ) ( لئيماً
ذميماً أعجميّاً لسانُه ... إذا نال دَنًّا لم يبال المكارما ) ( وما
خلْتُ عبد القيس إلا نُفايةً ... إذا ذَكَر الناس العُلا والعظائِما ) ( إذا
كنتَ للعبدِيّ جاراً فلا تَزلْ ... على حَذَرٍ منه إذا كان طاعما ) ( أناساً
يُعدُّون الفساء لجارهمْ ... إذا شَبعوا عند الجُبَاةِ الدراهما ) ( من
الفَسوِ يقضُون الحقَوق عليهمُ ... ويُعْطُونَ مولاهُمْ إذا كان غارما ) ( لهمْ
زجَلٌ فيه إذا ما تجاوَبُوا ... سمعتْ زفيراً فيهمُ وهَماهِما ) ( لعمركَ
ما نجَّى ابن زرْوان إذ عَوَى ... ربيعةُ منِّ يوم ذلك سالما ) ( أظَنَّ
الخبيثُ ابنُ الخبِيثَينِ أنَّني ... أسلِّمُ عرْضي أو أهابُ المقاوِما ) ( لعمركَ
لا تَهدي ربِيعةُ للحجا ... إذا جعلوا يستنصِرون الأعاجما ) - طويل - شعره
بعد اعتذار عبد قيس له قال فجاءت عبد القيس إلى المغيرة فقالوا يا هذا ما لنا ولك تعمنا
بالهجاء لأن نبحك منا كلب فقال وقلت قد تبرأنا إليك منه فإن هجاك فاهجه وخل عنا
ودعنا وأنت وصاحبك أعلم فليس منا له عليك ناصر فقال ( لعمرُك
إنِّي لابنِ زرْوان إذ عوى ... لَمُحْتَقِرٌ في دعوة الودِّ زاهدُ ) ( وما
لك أصلٌ يا زياد تعدُّه ... وما لك في الأرضِ العريضة والدُ ) ( ألم
تَرَ عبد القيس منك تبرّأتْ ... فلاقيتَ ما لم يَلْقَ في الناس واحدُ ) ( وما
طاشَ سهمي عنك يوم تبرّأت ... لُكَيزُ بنُ أفصى منك والجند حاشدُ ) ( ولا
غابَ قرنُ الشَّمس حتى تحدَّثت ... بِنفيِك سُكانُ القُرى والمساجدُ ) رفع
المساجد لأنه جعل الفعل لها كأنه قال وأهل المساجد كما قال الله عز و جل ( واسأل
القرية ) وتحدثت المساجد وإنما يريد من يصلي فيها ( فأصبحْتَ
عِلجاً من يُزرْك ومن يَزُرْ ... بناتِك يَعْلَمْ أنَّهن ولائد ) ( وأصبحْن
قُلْفاً يغتزِلْن بأُجرة ... حواليكَ لم تَجْرَحْ بهن الحدائد ) ( نَفَرْنَ
من المُوْسى وأقررْنَ بالتي ... يقِرّ عليها المقرِفاتُ الكواسد ) ( بِإصْطَخْرَ
لم يَلبَسْنَ من طُول فاقةٍ ... جديداً ولا تُلقَى لهنَّ الوسائد ) ( وما
أنتَ بالمنسوب في آلِ عامِرٍ ... ولا ولدَتْكَ المُحْصَناتُ المواجدُ ) ( ولا
ربَّبتَكْ الحنظليّةُ إذْ غذتْ ... بنيها ولا جِيْبَتْ عليك القلائدُ ) ( ولكن
غذاكَ المشركون وزاحمتْ ... قَفاكَ وخدَّيك البُظورُ العواردُ ) ( ولم
أرَ مِثْلي يا زياد بِعِرضِه ... وعِرضِك يَسْتَبَّان والسيف شاهد ) ( ولو
أنّني غشّيْتُك السيفَ لم يُقَلْ ... إذا متَّ إلاّ مات عِلْجٌ مُعاهِدُ ) - طويل - المغيرة
يعنف أخاه صخرا بعد أن تلاحيا ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو أيضا قال رجع
المغيرة بن حبناء إلى أهله وقد ملأ كفيه بجوائز المهلب وصلاته والفوائد منه وكان
أخوه صخر بن حبناء أصغر منه فكان يأخذ على يده وينهاه عن الأمر ينكر مثله ولا يزال
يتعتب عليه في الشيء بعد الشيء مما ينكره عليه فقال فيه صخر بن حبناء ( رأيُتك
لّما نلْتَ مالاً وعَضَّنا ... زمانٌ نرى في حدِّ أنيابِه شغْبا ) ( تجنَّى
عليّ الدّهرُ أَنِّيَ مُذْنِب ... فأَمْسِكْ ولا تجعلْ غِناك لن ذَنْبا ) - طويل - فقال
المغيرة يجيبه ( لحا
اللَّه أنآنا عن الضَّيفِ بالقِرى ... وأقصَرَنا عن عِرْضِ والده ذَبّا ) ( وأجدَرَنا
أن يدخُلَ البيتَ باستهِ ... إذا القُفُّ دلّى مِن مخارِمه رَكْبا ) ( أَأَنْبَأَكَ
الأفّاكُ عنِّي أنَّني ... أحرِّكُ عرْضي إن لعبْتَ به لِعْبا ) - طويل - ونسخت
من كتاب عمرو بن أبي عمرو قال جاءت أخت المغيرة بن حبناء إليه تشكو أخاها صخرا
وتذكر أنه أسرع في مالها وأتلفه وإنها منعته شيئا يسيرا بقي لها فمد يده إليها
وضربها فقال له المغيرة معنفا ( ألا
من مبلِغٌ صخرَ بنَ ليلى ... فإني قد أتاني مِن نَثَاكا ) ( رسالةَ
ناصحٍ لك مستجيبٍ ... إذا لم تَرْعَ حرمتَه رعاكا ) ( وصولٍ
لو يراك وأنت رهنٌ ... تُباع بماله يوماً فَدَاكا ) ( يرى
خيراً إذا ما نلتَ خيراً ... ويَشْجَى في الأمور بما شجاكا ) ( فإنّك
ترى أسماءَ أختاً ... ولا تَرَيَنَّنِي أبداً أخاكا ) ( فإن
تعنُفْ بها أو لا تصِلْها ... فإنّ لأمِّها وَلَداً سِواكا ) ( يَبَرُّ
ويستجيبُ إذا دعته ... وإنْ عاصيْتَه فيها عصاكا ) ( وكنت
أرى بها شرفاً وفضلاً ... على بَعضِ الرِّجال وفوق ذاكا ) ( جزاني
اللَّهُ منك وقد جزاني ... ومِنِّي في مَعَاتبنا جَزَاكا ) ( وأعقَبَ
أصدَقَ الخَصْمينِ قولاً ... وولىَّ اللؤمَ أولانا بذاكا ) ( فَلا
واللَّه لو لم تَعْصِ أمري ... لكنْتَ بمعزِلٍ عمَّا هُناكا ) - وافر
قال فأجابه أخوه صخر بن حبناء فقال ( أتاني
عن مُغِيرةَ ذَرْوُ قولٍ ... تَعمَّدَه فقلْت له كذاكا ) ( يعمُّ
به بني ليلى جميعاً ... فولِّ هجاءهُمْ رجلاً سِواكا ) ( فإنْ
تكُ قد قَطَعْتَ الوصلَ منِّي ... فهذا حينَ أخلفَني مُناكا ) ( تُمنِّيني
إذا ما غبْتَ عنيَ ... وتُخلفِني منايَ إذا أراكا ) ( وتُوليني
مَلامَة أهلِ بيتي ... ولا تعطِي الأقاربَ غيرَ ذاكا ) ( فإن
تكُ أختُنا عتبَتْ علينا ... فلا تَصْرِمِ لِظِنّتها أخاكا ) ( فإن
لها إذا عتبَتْ علينا ... رِضاها صابِرينَ لها بذاكا ) ( وإن
تك قد عتبْتَ عليَّ جهلاً ... فلا واللَّهِ لا أبغي رضاكا ) ( فقد
أعلنْتُ قولكَ إذ أتاني ... فأعلِنْ مِن مقالي ما أتاكا ) ( سيُغنِي
عنك صخراً ربُّ صخرٍِ ... كما أغناك عن صخرٍ غناكا ) ( ويغنِينِي
الذي أغناكَ عنِّي ... ويكفِيني الإلهُ كما كفاكا ) ( ألم
تَرَني أجودُ لكُمْ بمالي ... وأرمِي بالنَّواقِر من رماكا ) ( وإنِّي
لا أقودُ إليك حرباً ... ولا أَعصيك إنْ رجلٌ عصاكا ) ( ولكنِّي
وراءك شِمَّرِيٌّ ... أُحامي قد علِمْتَ على حِماكا ) ( وأدفعُ
ألسنَ الأعداء عنكُمْ ... ويَعنيني العدوُّ إذا عناكا ) ( وقد
كانت قُريبةُ ذات حق ... عليكَ فلَمْ تطالعْها بذاكا ) ( رأيتُ
الخيرَ يُقصَر منك دوني ... وتبلُغني القوارصُ مِن أذاكا ) - وافر - ونسخت
من كتاب عمرو بن أبي عمرو أيضا قال كان حبناء بن عمرو قد غضب على قومه في بعض
الأمر فانتقل إلى نجران وحمل معه أهله وولده فنظرت امرأته سلمى إلى غلام من أهل
نجران يضرب ابنه المغيرة وهو يومئذ غلام فقالت لحبناء قد كنت غنيا عن هذا الذل
وكان مقامك بالعراق في قومك أو في حي قريب من قومك أعز لك فقال حبناء في ذلك ( تقول
سُليمى الحنظِليَّةُ لابنها ... غلامٌ بنجرانَ الغداةَ غريبُ ) ( رأتْ
غِلمةً ثاروا إليه بأرضهمْ ... كما هَرَّ كلبُ الدارِ بين كَليبِ ) ( فقالت
لقد أجْرَى أبوك لمِا ترى ... وأنت عزيزٌ بالعراقِ مَهيبُ ) - طويل - وقال
أيضا ( لعمركَ ما تدرِي أشيءٌ تريده ...
يلِيك أمِ الشيءُ الذي لا تحاوِلُهْ ) ( متى
ما يَشَأْ مستقبِس الشرِّ يَلْقَهُ ... سريعاً وتَجْمَعْهُ إليه أناملُهْ ) - طويل - زياد
الاعجم يهجو اسرة المغيرة بادوائهم أخبرني عيسى بن الحسن الوراق قال حدثنا محمد بن
القاسم بن مهرويه قال حدثني أبو الشبل النضري قال كان المغيرة بن حبناء أبرص وأخوه
صخر أعور وأخوه الآخر مجذوما وكان بأبيهم حبن فلقب حبناء واسمه جبير بن عمرو فقال
زياد الأعجم يهجوهم ( إنّ
حبناءَ كان يُدْعَى جُبيراً ... فَدَعَوْه من لؤمه حبناءَ ) ( ولَدَ
العُورَ منه والبُرْصَ والجَذْمَى ... وذو الداء يُنتِج الأدواءَ ) - خفيف - فيقال
إن هذه الأبيات كانت آخر ما تهاجيا به لأن المغيرة قال قد بلغه هذا الشعر ما ذنبنا
فيما ذكره هذه أدواء ابتلانا الله عز و جل بها وإني لأرجو أن يجمع الله عليه هذه
الأدواء كلها فبلغ ذلك زيادا من قوله وإنه لم يهجه بعقب هذه الأبيات ولا أجابه
بشيء فأمسك عنه وتكافآ أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي
الأصمعي عن عمه وأخبرني به الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن أبيه عن الأصمعي قال لم
يقل أحد في تفضيل أخ على أخيه وهما لأب وأم مثل قول المغيرة بن حبناء لأخيه صخر ( أبوك
أبي وأنت أخي ولكِنّ ... تفاضَلَتِ الطّبائعُ والظُّروفُ ) ( وأمُّكَ
حين تُنْسَب أمُّ صدْقٍ ... ولكنْ ابنها طَبِعٌ سخيفُ ) - وافر - قال
وكان عبد الملك بن مروان إذا نظر إلى أخيه معاوية وكان ضعيفا يتمثل بهذين البيتين أخبرني
الحسن بن علي قال حدثني أحمد بن محمد بن جدان قال حدثني أحمد بن محمد بن مخلد
المهلبي قال نظر الحجاج إلى يزيد ابن المهلب يخطر في مشيته فقال لعن الله المغيرة
بن حبناء حيث يقول ( جمَيلُ
المحيَّا بَختِريٌّ إذا مشى ... وفي الدِّرعِ ضخمُ المَنْكبين شِناق ) فالتفت
إليه يزيد فقال إنه يقول فيها ( شديدُ
القوى من أهلِ بيتٍ إذا وهَى ... من الدِّين فَتْقٌ حُمِّلوا فأطاقوا ) ( مَراجيحُ
في اللأَواء إن نَزَلَتْ بهمْ ... ميامينُ قد قادُوا الجيوش وساقوا ) - طويل - مصرع
ابن حبناء أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني من حضر
ابن حبناء لما قتل وهو يجود بنفسه فأخذ بيده من دمه وكتب بيده على صدره أنا
المغيرة بن حبناء ثم مات صوت ( بَسَطَتْ رابعةُ الحبَلْ لنا ... فوصَلْنا الحبلَ
منها ما اتسعْ ) ( كيف
تَرجُون سِقاطي بَعْدَما ... جَلّلَ الرأسَ بياضٌ وصلعْ ) ( رُبَّ
من أنضجْتُ غيظاً صَدْرَه ... قد تمنَّى لِيَ موتاً لم يُطَعْ ) ( وَيَرانِي
كالشَّجا في حَلْقهِ ... عَسِراً مَخْرَجُهُ ما يُنْتَزَعْ ) ( ويُحَيِّينِي
إذا لاقيتُهُ ... وإذا أُمْكِنَ من لحمي رَتعْ ) ( وأبِيتُ
اللّيلَ ما أهجَعُه ... وبعينِّي إذا النَّجْم طَلَعْ ) - رمل - الحبل
ها هنا الوصل والحبل أيضا السبب يتعلق به الرجل من صاحبه يقال علقت من فلان بحبل
والحبل العهد والميثاق والعقد ويكون بين القوم وهذه المعاني كلها تتعاقب ويقوم
بعضها مقام بعض والشجا كل ما اغتص به من لقمة أو عظم أو غيرهما الشعر لسويد بن أبي
كاهل اليشكري والغناء لعلويه ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو بن بانة في الأول والثاني
من الأبيات وليونس الكاتب في الثالث والرابع والثاني ماخوري بالوسطى عن علي بن
يحيى والهشامي ولمالك فيها ثقيل بالبنصر عن الهشامي أيضا ولابن سريج فيها خفيف
ثقيل عن علي بن يحيى أخبار سويد بن أبي كاهل ونسبه سويد بن أبي كاهل بن حارثة بن
حسل بن مالك بن عبد سعد بن جشم بن ذبيان بن كنانة بن يشكر وذكر خالد بن كلثوم أن
اسم أبي كاهل شبيب ويكنى سويد أبا سعد أنشدني وكيع عن حماد عن أبيه لسويد بن أبي
كاهل شاهدا بذلك ( أنا
أبو سَعْدٍ إذَا اللَّيلُ دجا ... دخلْتُ في سرباله ثُمّ النّجا ) - رجز - وجعله
محمد بن سلام في الطبقة السادسة وقرنه بعنترة العبسي وطبقته وسويد شاعر متقدم من
مخضرمي الجاهلية والإسلام كذلك ذكر ابن حبيب وكان أبوه أبو كاهل شاعرا وهو الذي
يقول ( كأنّ رَحْلي على صَقْعاءَ حادرةٍ
... طَيَّا قد ابتلَّ من طَلٍّ خَوافيها ) - بسيط
أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا محمد بن إسحاق البغوي قال حدثنا أبو نصر
صاحب الأصمعي أنه قرأ شعر سويد بن أبي كاهل على الأصمعي فلما قرأ قصيدته ( بَسطَتْ
رابعةُ الحبلَ لنا ... فوصَلْنا الحبلَ منها ما اتّسعْ ) - رمل - فضلها
الأصمعي وقال كانت العرب تفضلها وتقدمها وتعدها من حكمها ثم قال الأصمعي حدثني
عيسى بن عمر أنها كانت في الجاهلية تسمى اليتيمة بين سويد وزياد الأعجم أخبرني
محمد بن خلف وكيع قال حدثني محمد بن الهيثم بن عدي قال حدثنا عبد الله بن عباس قال
قال زياد الأعجم يهجو بني يشكر ( إذا
يشكُريٌّ مسَّ ثوبَك ثوبُهُ ... فلا تذكرنَّ اللَّه حَتَّى تَطَهَّرا ) ( فلو
أنَّ مِن لؤمٍ تموتُ قبيلةٌ ... إذاً لأَماتَ اللؤمُ لا شكَّ يشكُرا ) - طويل - قال
فأتت بنو يشكر سويد بن أبي كاهل ليهجو زيادا فأبى عليهم فقال زياد ( وأُنبِئتُهمْ
يَستصرِخون ابنَ كاهلٍ ... ولِلؤمٍ فيهمْ كاهلٌ وسَنامُ ) ( فإنْ
يأتِنا يرجِعْ سويدٌ ووجهُه ... عليه الخَزايا غُبْرَةٌ وقَتامُ ) ( دعِيٌّ
إلى ذُبيانِ طوراً وتارة ... إلى يشكرٍ ما في الجميع كِرامُ ) - طويل - فقال
لهم سويد هذا ما طلبتم لي وكان سويد مغلبا وأما قوله ( دَعيٌّ
إلى ذُبيان طوراً وتارةً ... إلى يشكر ) سبب
تسميته سويدا فإن أم سويد بن أبي كاهل كانت امرأة من بني غبر وكانت قبل أبي كاهل
عند رجل من بني ذبيان بن قيس بن عيلان فمات عنها فتزوجها أبو كاهل وكانت فيما يقال
حاملا فاستلاط أبو كاهل ابنها لما ولدته وسماه سويدا واستلحقه فكان إذا غضب على
بني يشكر ادعى إلى بني ذبيان وإذا رضي عنهم أقام على نسبه فيهم وذكر علان الشعوبي
أنه ولد في بني ذبيان وتزوجت أمه أبا كاهل وهو غلام يفعة فاستلحقه أبو كاهل وادعاه
فلحق به ولسويد بن أبي كاهل قصيدة ينتمي فيها إلى قيس ويفتخر بذلك وهي التي أولها ( أبَى
قلبُه إلاّ عميرةَ إن دنتْ ... وإن حَضرتْ دارَ العِدا فهو حاضرُ ) ( شَمُوسٌ
حَصانُ السِّرِّ ريّا كأنها ... مُرَبَّبةٌ مِما تضمَّن حائِر ) ويقول
فيها أيضا ( أنا الغَطَفَاني زَيْنُ ذُبْيانَ
فابعدوا ... فَللزِّنجُ أدنَى منكُمُ ويُحابِرُ ) ( أبتْ
ليَ عبسٌ أن أسامَ دَنيّةً ... وسعدٌ وذبيانُ الهِجانُ وعامرُ ) ( وحيٌّ
كرامٌ سادةٌ من هَوازِنٍ ... لهمْ في الملِمَّاتِ الأُنُوفُ الفواخرُ ) - طويل - هجاؤه
لبني شيبان أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن معتب الأودي عن
الحرمازي أن سويد بن أبي كاهل جاور في بني شيبان فأساؤوا جواره وأخذوا شيئا من
ماله غصبا فانتقل عنهم وهجاهم فأكثر وكان الذي ظلمه وأخذ ماله أحد بني محلم فقال
يهجوهم وإخوتهم بني أبي ربيعة ( حَشَر
الإِله مع القُرودِ محلِّماً ... وأبا ربيعةَ ألأمَ الأقوامِ ) ( فَلأُهدِيَنَّ
مع الرِّياحِ قصيدة ... منِّي مُغلغَلة إلى هَمّامِ ) ( الظاعنين
على العمى قُدّامهمْ ... والنازلين بِشرِّ دارِ مُقامِ ) ( والوارِدين
إذا المياه تُقُسِّمت ... نُزُحَ الرَّكيِّ وعاتِمَ الأسدامِ ) - كامل
وقال يهجو بني شيبان ( لعمرِي
لبئس الحيُّ شيبانُ إنْ علا ... عُنيزةَ يومٌ ذو أهاربِيَّ أغبرُ ) ( فلما
التقَوا بالمَشْرَفِيَّةِ ذَبذبتْ ... مولِّيةً أستاهُ شيبانَ تقطُرُ ) - طويل - يعني
يوم عنيزة وكان لبني تغلب على بني شيبان وفيه يقول مهلهل ( كأنّا
غُدْوةً وبني أبينا ... بجنب عُنيزةٍ رَحَيَا مُديرِ ) وقال
أيضا ( فأدُّوا إلى بهراءَ فيكُمْ بناتِهِ
... وأبناءه إنَّ القضاعيَّ أحمرُ ) كانت
بهراء أغارت على بني شيبان فأخذوا منهم نساء واستاقوا نعما ثم إنهم اشتروا منهم
النساء وردوهن فعيرهم سويد بأنهم رددن حبالى فقال ( ظَللْنَ
يُنازِعْنَ العضاريطَ أُزْرَها ... وشيبانُ وسطَ القُطقُطانةِ حُضّرُ ) ( فمنا
يزِيدٌ إذ تحدَّى جُموعَكُمْ ... فلم تُفرِحوه المرزُبان المسوِّرُ ) - طويل - يزيد
رجل من يشكر برز يوم ذي قار إلى أسوار وحمل على بني شيبان فانكشفوا من بين يديه فاعترضه
اليشكري دونهم فقتله وعادت شيبان إلى موقفها ففخر بذلك عليهم فقال ( وأَحْجَمْتُمُ
حتّى علاهُ بصارمٍ ... حُسامٍ إذا مَسَّ الضّريبةَ يبتُر ) ( ومنّا
الذي أوصى بثُلثِ تُراثِه ... على كلّ ذي باع يقِلُّ ويكثر ) ( لياليَ
قُلتمْ يا ابن حِلِّزةَ ارتحِلْ ... فزابِنْ لنا الأعدءَ واسمَعْ وأبصرِ ) ( فأدَّى
إليكُمْ رهْنَكُمْ وسْطَ وائل ... حباه بها ذُو الباع عمرُو بنُ منذرِ ) - طويل - يعني
الحارث بن حلزة لما خطبه دون بكر بن وائل حتى ارتجع رهائنهم وقد ذكر خبره في ذلك
في موضعه بنو شيبان تستعدي عليه عامر بن مسعود قال فاستعدت بنو شيبان عليه عامر بن
مسعود الجمحي وكان والي الكوفة فدعا به فتوعده وأمره بالكف عنهم بعد أن كان قد أمر
بحبسه فتعصبت له قيس وقامت بأمره حتى تخلصته فقال في ذلك ( يكفُّ
لساني عامرٌ وكأنمّا ... يكفُّ لساناً فيه صابٌ وعلقم ) ( أتتركُ
أولادَ البغايا وغيبتي ... وتحبِسُني عنهمْ ولا أتكلّمُ ) ( ألم
تعلموا أنِّي سويدٌ وأنّني ... إذا لم أجد مُستأخَراً أتقدَّمُ ) ( حسِبتُمْ
هِجائي إذ بَطِنتمْ غنيمةً ... عليَّ دماءُ البُدْنِ إن لم تَنَدَّموا ) - طويل - قال
الحرمازي في خبره هذا وهاجى سويد بن أبي كاهل حاضر بن سلمة الغبري فطلبهما عبد
الله بن عامر بن كريز فهربا من البصرة ثم هاجى الأعرج أخا بني حمال بن يشكر
فأخذهما صاحب الصدقة وذلك في أيام ولاية عامر بن مسعود الجمحي الكوفة فحبسهما وأمر
أن لا يخرجا من السجن حتى يؤديا مائة من الإبل فخاف بنو حمال على صاحبهم ففكوه
وبقي سويد فخذله بنو عبد سعد وهم قومه فسأل بني غبر وكان قد هجاهم لما ناقض شاعرهم
فقال ( مَن سَرَّه النَّيكُ بغير مالِ ...
فالغُبَريّاتُ على طِحال ) ( شواغرُ
يَلْمَعْنَ للقُفَّالِ ) - رجز - عبس
وذبيان تستوهبه لمديحه لهم فلما سأل بني غبر قالوا له يا سويد ضيعت البكار بطحال
فأرسلوها مثلا أي إنك عممت جماعتنا بالهجاء في هذه الأرجوزة فضاع منك ما قدرت أنا
نفديك به من الإبل فلم يزل محبوسا حتى استوهبته عبس وذبيان لمديحه لهم وانتمائه
إليهم فأطلقوه بغير فداء صوت ( أخضْني المُقامَ الغَمْرَ إنْ كان غَرَّني ... سَنا
خُلَّبٍ أو زلَّتِ القَدَمانِ ) ( أتتركُني
جَدْبَ المعيشةِ مُقْفِراً ... وكَفّاك مِن ماء النَّدَى تَكِفانِ ) - طويل - الشعر
للعتابي والغناء لمخارق ثاني ثقيل بالوسطى وقيل إن فيه للواثق ثاني ثقيل آخر أخبار
العتابي ونسبه هو كلثوم بن عمرو بن أيوب بن عبيد بن حبيش بن أوس بن مسعود ابن عمرو
بن كلثوم الشاعر وهو ابن مالك عتاب بن سعد بن زهير بن جشم ابن بكر بن حبيب بن عمرو
بن غنم بن تغلب شاعر مترسل بليغ مطبوع متصرف في فنون الشعر ومقدم من شعراء الدولة
العباسية ومنصور النمري تلميذه وراويته وكان منقطعا إلى البرامكة فوصفوه للرشيد
ووصلوه به فبلغ عنده كل مبلغ وعظمت فوائده منه ثم فسدت الحال بينه وبين منصور
وتباعدت وأخبار ذلك تذكر في مواضعها وأخبرني الحسن بن علي قال حدثني القاسم بن
مهرويه قال حدثني جعفر بن المفضل عن رجل من ولد إبراهيم الحراني قال كثر الشعراء
بباب المأمون فأوذن بهم فقال لعلي بن صالح صاحب المصلى اعرضهم فمن كان منهم مجيدا
فأوصله إلي ومن كان غير مجيد فاصرفه وصادف ذلك شغلا من علي بن صالح كان يريد أن
يتشاغل به عن أمر نفسه فقال مغضبا وقال والله لأعمنهم بالحرمان ثم جلس لهم ودعا
بهم فجعلوا يتغالبون على القرب منه فقال لهم على رسلكم فإن المدى أقرب من ذلك هل
فيكم من يحسن أن يقول كما قال أخوكم العتابي ( ماذا
عسى مادحٌ يُثْني عليك وقد ... ناداك في الوَحْي تقديسٌ وتطهيرُ ) ( فُتَّ
المَمَادحَ إلاّ أنَّ ألسننَا ... مُسْتَنْطَقاتٌ بما تحوي الضَّمائير ) - بسيط - قالوا
لا والله ما بنا أحد يحسن أن يقول مثل هذا قال فانصرفوا جميعا قيل في شعره تكلف
ونفاه آخرون أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أبو بكر أحمد ابن سهل
قال تذاكرنا شعر العتابي فقال بعضنا فيه تكلف ونصره بعضنا فقال شيخ حاضر ويحكم
أيقال إن في شعره تكلفا وهو القائل ( رُسُلُ
الضَّمير إليك تَتْرَى ... بالشّوق ظالعةٌ وحَسْرَى ) ( متَزجِّياتٍ
ما يَنيْنَ ... على الوَجَى من بُعدِ مَسْرى ) ( ما
جَفّ للعينينِ بَعْدك ... يا قريرَ العينِ مَجْرى ) ( فاسلَمْ
سَلِمْتَ مبرّأ ... مِن صَبْوتي أبداً مُعَرَّى ) ( إن
الصَّبابة لم تَدَعْ ... مِنِّي سِوى عَظْمٍ مُبَرَّى ) ( ومدامعٍ
عَبْرَى على ... كَبِدٍ عليك الدّهر حَرّى ) - مجزوء الكامل - في
هذين البيتين غناء أو يقال إنه متكلف وهو الذي يقول ( فلو
كان للشكرِ شخصٌ يَبِينُ ... إذَا ما تأمّلَه النّاظرُ ) ( لمثَّلْتُه
لك حتَّى تراه ... لِتعلم أنِّي امرؤٌ شاكرُ ) - متقارب - الغناء
في هذين البيتين لأبي العبيس ثقيل أول ولرذاذ خفيف ثقيل فحدثني أبو يعقوب إسحاق بن
يعقوب النوبجي عن أبي الحسن علي بن العباس وغيره من أهله قالوا لما صنع رذاذ لحنه
في هذا الشعر ( فلو
كان للشُّكر شخصٌ يبين ... ) فتن
به الناس وكان هجيراهم زمانا حتى صنع أبو العبيس فيه الثقيل الأول فأسقط لحن رذاذ
وغلب عليه المأمون يكتب في إشخاصه أخبرني إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم وأخبرني
علي بن سليمان الأخفش عن محمد بن يزيد قالوا جميعا كتب المأمون في إشخاص كلثوم بن
عمرو العتابي فلما دخل عليه قال له يا كلثوم بلغتني وفاتك فساءتني ثم بلغتني
وفادتك فسرتني فقال له العتابي يا أمير المؤمنين لو قسمت هاتان الكلمتان على أهل
الأرض لوسعتاها فضلا وإنعاما وقد خصصتني منهما بما لا يتسع له أمنية ولا يبسط
لسواه أمل لأنه لا دين إلا بك ولا دنيا إلا معك فقال له سلني فقال يدك بالعطاء
أطلق من لساني بالسؤال فوصله صلات سنية وبلغ به التقديم والإكرام أعلى محل وذكر
أحمد بن أبي طاهر عن عبد الله بن أبي سعد الكراني أن عبد الله بن سعيد بن زرارة
حدثه عن محمد بن إبراهيم اليساري قال لما قدم العتابي مدينة السلام على المأمون
أذن له فدخل عليه وعنده إسحاق بن إبراهيم الموصلي وكان العتابي شيخا جليلا نبيلا
فسلم فرد عليه وأدناه وقربه حتى قرب منه فقبل يده ثم أمره بالجلوس فجلس وأقبل عليه
سأئله عن حاله وهو يجيبه بلسان ذلق طلق فاستظرف المأمون ذلك وأقبل عليه بالمداعبة
والمزاح فظن الشيخ أنه استخف به فقال يا أمير المؤمنين الإيناس قبل الإبساس فاشتبه
على المأمون قوله فنظر إلى إسحاق مستفهما فأومأ إليه وغمزه على معناه حتى فهم فقال
يا غلام ألف دينار فأتي بذاك فوضعه بين يدي العتابي وأخذوا في الحديث وغمز المأمون
إسحاق بن إبراهيم عليه فجعل العتابي لا يأخذ في شيء إلا عارضه فيه إسحاق فبقي
العتابي متعجبا ثم قال يا أمير المؤمنين أتأذن لي في سؤال هذا الشيخ عن اسمه قال
نعم سل فقال لإسحاق يا شيخ من أنت وما اسمك قال أنا من الناس واسمي كل بصل فتبسم العتابي
وقال أما أنت فمعروف وأما الاسم فمنكر فقال إسحاق ما أقل إنصافك أتنكر أن يكون
اسمي كل بصل واسمك كل ثوم حذف ( أخِضْنِي
المُقَام الغَمْر إن كان غرّني ... سنا خُلّبٍ أو زَلّتِ القَدَمان ) ( أتتركُني
جَدْبَ المعيشةِ مُقْتِراً ... وكفّاك من ماء النّدَى تَكِفان ) ( وتجعلُنِي
سَهْمَ المَطامع بعد ما ... بَلَلْتَ يمينِي بالنّدَى ولساني ) - طويل - قال
فأعجب الرشيد قوله وخرج وعليه الخلع وقد أمر له بجائزة فما رأيت العتابي قط أبسط
منه يومئذ بشار يحقد على العتابي أخبرني الحسن بن علي قال حدثني ابن مهرويه قال
حدثنا أحمد ابن خلاد قال حدثني أبي قال جاء العتابي وهو حدث إلى بشار فأنشده ( أَيصْدِفُ
عن أمامةَ أمْ يُقِيمُ ... وعهدُك بالصِّبا عهدٌ قديمُ ) ( أقول
لِمُستَعارِ القَلبِ عَفَّى ... على عَزَماتِه السّيرُ العديمُ ) ( أما
يكفيكَ أنَّ دموعَ عيني ... شآبيبٌ يفيض بها الهموم ) ( أشِيمُ
فلا أردُّ الطرف إلاّ ... على أرجائِه ماءٌ سَجُوم ) - وافر - قال
فمد بشار يده إليه ثم قال له أنت بصير قال نعم قال عجبا لبصير ابن زانية أن يقول
هذا الشعر فخجل العتابي وقام عنه أخبرني محمد بن يونس الأنباري الكاتب قال حدثني
الحسن بن يحيى أبو الحمار عن إسحاق قال كلم العتابي يحيى بن خالد في حاجة بكلمات
قليلة فقال له يحيى لقد ندر كلامك اليوم وقل فقال له وكيف لا يقل وقد تكنفني ذل
المسألة وحيرة الطلب وخوف الرد فقال والله لئن قل كلامك لقد كثرت فوائده وقضى
حاجته سخريته من الناس وأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا عثمان
الوراق قال رأيت العتابي يأكل خبزا على الطريق بباب الشام فقلت له ويحك أما تستحي
فقال لي أرأيت لو كنا في دار فيها بقر كنت تستحي وتحتشم أن تأكل وهي تراك فقال لا
قال فاصبر حتى أعلمك أنهم بقر فقام فوعظ وقص ودعا حتى كثر الزحام عليه ثم قال لهم
روى لنا غير واحد أنه من بلغ لسانه أرنبة أنفه لم يدخل النار فما بقي واحد إلا
وأخرج لسانه يومئ به نحو أرنبة أنفه ويقدره حتى يبلغها أم لا فلما تفرقوا قال لي
العتابي ألم أخبرك أنهم بقر أخبرني الحسن حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أبو عصام
محمد بن العباس قال قال يحيى بن خالد البرمكي لولده إن قدرتم أن تكتبوا أنفاس
كلثوم بن عمرو العتابي فضلا عن رسائله وشعره فلن تروا أبدا مثله أخبرني أبي قال
أخبرنا الحارث بن محمد عن المدائني وأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الخراز عن أبن
الأعرابي قال أنكر العتابي على صديق له شيئا فكتب إليه إما إن تقر بذنبك فيكون
إقرارك حجة علينا في العفو عنك وإلا فطب نفسا بالانتصاف منك فإن الشاعر يقول ( أقرِرْ
بذَنبك ثمّ اطلُبْ تجاوُزَنا ... عنه فإنَّ جحودَ الذَّنْبِ ذَنْبانِ ) أخبرنا
الحسن بن علي أخبرنا ابن مهرويه قال حدثني عبد الواحد ابن محمد قال وقف العتابي
بباب المأمون يلتمس الوصول إليه فصادف يحيى بن أكثم جالسا ينتظر الإذن فقال له إن
رأيت أعزك الله أن تذكر أمري لأمير المؤمنين إذا دخلت فافعل قال له لست أعزك الله
بحاجبه قال فإن لم تكن حاجبا فقد يفعل مثلك ما سألت واعلم أن الله عز و جل جعل في كل
شيء زكاة وجعل زكاة المال رفد المستعين وزكاة الجاه إغاثة الملهوف واعلم أن الله
عز و جل مقبل عليك بالزيادة إن شكرت أو التغيير إن كفرت وإني لك اليوم أصلح منك
لنفسك لأني أدعوك إلى ازدياد نعمتك وأنت تأبى فقال له يحيى أفعل وكرامة وخرج الإذن
ليحيى فلما دخل لم يبدأ بشيء بعد السلام إلا أن استأذن المأمون للعتابي فأذن له أخبرني
الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أبو الشبل قال قال العتابي لرجل اعتذر إليه
إني إن لم أقبل عذرك لكنت ألأم منك وقد قبلت عذرك فدم على لوم نفسك في جنايتك نزد
في قبول عذرك والتجافي عن هفوتك قال وقيل له لو تزوجت فقال إني وجدت مكابدة العفة
أيسر علي من الاحتيال لمصلحة العيال تقدير المأمون له وكثرة حساده أخبرني الحسن
قال حدثنا ابن مهرويه قال قال جعفر بن المفضل قال لي أبي رأيت العتابي جالسا بين
يدي المأمون وقد أسن فلما أراد القيام قام المأمون فأخذ بيده واعتمد الشيخ على
المأمون فما زال ينهضه رويدا رويدا حتى أقله فنهض فعجبت من ذلك وقلت لبعض الخدم ما
أسوأ أدب هذا الشيخ فمن هو قال العتابي أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال
حدثني محمد بن الأشعث قال قال دعبل ما حسدت أحدا قط على شعر كما حسدت العتابي على
قوله ( هَيْبةُ الإِخوانِ قاطِعةٌ ...
لأخي الحاجاتِ عن طَلبِهْ ) ( فإذا
ما هِبْتُ ذا أمَلٍ ... مات ما أمّلْتُ من سَببِهْ ) - مجزوء المديد - قال
ابن مهرويه هذا سرقه العتابي من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه الهيبة مقرونة
بالخيبة والحياء مقرون بالحرمان والفرصة تمر مر السحاب حدثني محمد بن داود عن أبي
الأزهر عن عيسى بن الحسن بن داود الجعفري عن أخيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
بذلك أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه عن أبي الشبل قال دخل العتابي على عبد الله
بن طاهر فمثل بين يديه وأنشده ( حُسْنُ
ظني وحُسْنُ ما عوّدَ اللهُ ... سِوائي ملك الغداةَ أتَى بي ) ( أيُّ
شيءٍ يكونُ أحسَن مِن حُسنِ ... يقينٍ حدا إليك رِكابي ) - خفيف - قال
فأمر له بجائزة ثم دخل عليه من الغد فأنشده ( وُدُّكَ
يكفِينِيكَ في حاجتي ... ورؤيتي كافيةٌ عن سؤالْ ) ( وكيف
أخشَى الفقْر ما عِشْتَ لِي ... وإنَّما كفّاك لي بَيْتُ مالْ ) - سريع - فأمر
له بجائزة ثم دخل في اليوم الثالث فأنشده ( بَهِجاتُ
الثِّيابِ يُخلِقُها الدّهْرُ ... وثَوْبُ الثّناءِ غَضٌّ جديدُ ) ( فاكسُنِي
ما يَبِيدُ أصلحَكَ اللَّهُ ... فالله يكسُوك ما لا يبِيدُ ) - خفيف
فأمر له بجائزة وأنعم عليه بخلعة سنية أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه
قال حدثني عبد الله بن أحمد قال حدثني أبو دعامة قال قال طوق بن مالك للعتابي أما
ترى عشيرتك يعني بني تغلب كيف تدل علي وتتمرغ وتستطيل وأنا أصبر عليهم فقال
العتابي أيها الأمير إن عشيرك من أحسن عشرتك وإن عمك من عمك خيره وإن قريبك من قرب
منك نفعه وإن أخف الناس عندك أخفهم ثقلا عليك وأنا الذي أقول ( إنِّي
بلوْتُ النّاس في حالاتهمْ ... وخَبَرْتُ ما وصلوا من الأسبابِ ) ( فإذا
القرابةُ لا تقرِّب قاطعاً ... وإذا المودّةُ أقربُ الأنساب ) - كامل - أخبرني
إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا الرياشي قال شكا منصور النمري العتابي إلى طاهر
بن الحسين فوجه طاهر إلى العتابي فأحضره وأخفى منصورا في بيت قريب منهما وسأل طاهر
العتابي أن يصالحه فشكا سوء فعله به فسأله أن يصفح عنه فقال لا يستحق ذلك فأمر
منصورا بالخروج فخرج وقال للعتابي لم لا أستحق هذا منك فأنشأ العتابي يقول ( أصْحَبْتُك
الفضلَ إذ لا أنت تعرِفُه ... حقاًّ ولا لك في استِصحابه أرَبُ ) ( لم
تَرتَبِطْك على وصلِي محافظة ... ولا أعاذَكَ مما اغتالك الأدَبُ ) ( ما
مِن جمَيلٍ ولا عُرْفٍ نطقْتَ به ... إلا إليّ وإن أنكرْتَ ينتسِبُ ) - بسيط - قال
فأصلح طاهر بينهما وكان منصور من تعليم العتابي وتخريجه وأمر طاهر للعتابي بثلاثين
ألف درهم أخبرني عمر عن عبد الله بن أبي سعد عن الحسين بن يحيى الفهري عن العباس
بن أبي ربيعة السلمي قال شكا منصور النمري كلثوم بن عمرو العتابي إلى طاهر ثم ذكر
مثله تفضيله العلم والأدب على المال أخبرني علي بن صالح بن الهيثم الأنباري الكاتب
قال حدثني أبو هفان قال كان العتابي جالسا ذات يوم ينظر في كتاب فمر به بعض جيرانه
فقال أيش ينفع العلم والأدب من لا مال له فأنشد العتابي يقول ( يا
قاتل اللَّهُ أَقْواماً إذا ثَقِفُوا ... ذا اللبِّ ينظر في الآداب والحكمِ ) ( قالوا
وليس بِهِمْ إلاّ نفاستُه ... أنافعٌ ذا من الإِقتار والعَدَم ) ( وليس
يَدْرُون أنَّ الحظَّ ما حُرِموا ... لحاهمُ اللَّه مِنْ عِلْم ومِن فَهَمِ ) -
بسيط - قوله في عزل طاهر بن علي أخبرني
علي بن صالح وعمي قالا حدثنا أحمد بن طاهر قال حدثنا أبو حيدرة الأسدي قال قال
العتابي في عزل طاهر بن علي وكان عدوه ( يا
صاحباً متلوِّنا ... متبايناً فِعْلي وفِعلُهْ ) ( ما
إنْ أحِبُّ له الرّدَى ... ويَسُرُّني واللَّهِ عَزْلُهْ ) ( لم
تَعْدُ فيما قلْتَ لي ... وفعلْتَ بي ما أنت أهلُه ) ( كَم
شاغلٍ بك عَدْوَتَيْهِ ... وفارِغٌ مَنْ أنت شُغْلُه ) - مجزوء الكامل أخبرني أحمد
بن الفرج قال حدثني أحمد بن يحيى بن عطاء الحراني عن عبيد الله بن عمار قال حدثنا
عبد الله بن أبي سعد قال حدثني عبد الرحيم بن أحمد بن زيد بن الفرج قال لما سعى
منصور النمري بالعتابي إلى الرشيد اغتاظ عليه فطلبه فستره جعفر بن يحيى عنه مدة
وجعل يستعطفه عليه حتى استل ما في نفسه وأمنه فقال يمدح جعفر بن يحيى ( ما
زلْتُ في غَمَراتِ الموتِ مُطَّرَحاً ... قد ضاق عني فسيحُ الأرضِ مِن حِيَلي ) ( ولم
تَزلْ دائباً تَسْعَى بلُطْفك لي ... حتَّى اختلسْتَ حياتي من يَدَيْ أَجَلِي ) -
بسيط - عودة عبد الله بن طاهر له في مرضه
أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أحمد ابن خلاد عن أبيه قال
عاد عبد الله بن طاهر وإسحاق بن إبراهيم بن مصعب كلثوم بن عمرو العتابي في علة
اعتلها فقال الناس هذه خطرة خطرت فبلغ ذلك العتابي فكتب إلى عبد الله بن طاهر ( قالوا
الزِّيارةُ خَطْرةٌ خطرَت ... ونِجارُ بِرِّكَ ليس بالخَطْرِ ) ( أَبْطِلْ
مقالتَهمْ بثانيةٍ ... تستنفدِ المعروفَ من شُكرِي ) - كامل - فلما
بلغت أبياته عبد الله بن طاهر ضحك من قوله وركب هو وإسحاق ابن إبراهيم فعاداه مرة
ثانية أخبرني الحسين بن القاسم الكواكبي قال حدثني أبو العيناء قال حدثني أبو العلاء
المعري قال عتب عبد الله بن هشام بن بسطام التغلبي على كلثوم بن عمرو التغلبي في
شيء بلغه عنه فكتب إليه صوت ( لقَدْ سُمْتَنِي الهِجرانَ حتى أذقْتَني ... عقوباتِ
زَلاّتي وسُوءِ مناقبي ) ( فها
أنا ساعٍ في هواكَ وصابرٌ ... على حدِّ مصقولِ الغِراريْنِ قاضبِ ) ( ومنصرف
عمّا كرهْتَ وجاعلٌ ... رِضاك مِثالاً بين عيني وحاجبي ) - طويل - قال
فرضي عنه ووصله صلة سنية الغناء في هذه الأبيات لأبي سعيد مولى فائد ثاني ثقيل
بالبنصر عن يحيى المكي وذكر الهشامي أنه منحول يحيى وذكر أحمد بن المكي في كتابه
أنه لأبي سعيد وجعله في باب الثقيل الأول بالبنصر ولعله على مذهب إبراهيم بن
المهدي ومن قال بقوله أخبرني الحسين بن القاسم قال حدثني محمد بن عبد الرحمن بن
يونس السراج قال أخبرني الحسين بن داود الفزاري عن أبيه قال كان أخوان من فزارة
يخفران قرية بين آمد وسميساط يقال لها تل حوم فطال مقامهما بها حتى أثريا فحسدهما
قوم من ربيعة وقالوا يخفران هذان الضياع في بلدنا فجمعوا لهما جمعا وساروا إليهما
فقاتلوهما فقتل أحدهما وعلى الجزيرة يومئذ عبد الملك بن صالح الهاشمي فشكا القيسي
أمره إلى وجوه قيس وعرفهم قتل ربيعة أخاه وأخذهم ماله فقالوا له إذا جلس الأمير
فادخل إليه ففعل ذلك ودخل على عبد الملك وشكا ما لحقه ثم قال له وحسب الأمير أنهم
لما قتلوا أخي وأخذوا مالي قال قائل منهم ( إشربا
ما شربْتُما إنَّ قيساً ... من قتيلٍ وهالكٍ وأسيِر ) ( لا
يَحوزَنَّ أمرَنا مُضَرِيٌّ ... بخفيرٍ ولا بغيرِ خفيِر ) - خفيف - فقال
عبد الملك أتندبني إلى العصبية وزبره فخرج الرجل مغموما فشكا ذلك إلى وجوه قيس
فقالوا لا ترع فوالله لقد قذفتها في سويداء قلبه فعاوده في المجلس الآخر فزبره
وقال له قوله الأول فقال له إني لم آتك أندبك للعصبية وإنما جئتك مستعديا فقال له
حدثني كيف فعل القوم فحدثه وأنشده فغضب فقال كذب لعمري ليحوزنها ثم دعا بأبي عصمة
أحد قواده فقال اخرج فجرد السيف في ربيعة فخرج وقتل منها مقتلة عظيمة فقال كلثوم
بن عمرو العتابي قصيدته التي أولها ( ماذَا
شجاكِ بحُوَّارِين من طَللٍ ... ودِمْنةٍ كشفَتْ عنها الأعاصير ) يقول
فيها ( هذي يمينُك في قرباك صائلةٌ ...
وصارمٌ من سيوف الهندِ مشهورُ ) ( إنْ
كان منّا ذَوُو إفْكٍ ومارقةٌ ... وعصْبَةٌ دِينُها العُدوان والزُّورُ ) ( فإنَّ
منَّا الذي لا يُستَحَثُّ إذا ... حُثَّ الجِيادُ وَضمَّتْها المضاميُر ) ( مُستنبِط
عَزَماتِ القلبِ من فِكَرٍ ... ما بينهنَّ وبين اللَّه معمورُ ) - بسيط - يعني
عبد الله بن هشام بن بسطام التغلبي وكان قد أخذ قوادهم فبلغت القصيدة عبد الملك
فأمر أبا عصمة بالكف عنهم فلما قدم الرشيد الرافقة أنشده عبد الملك القصيدة فقال
لمن هذه فقال لرجل من بني عتاب يقال له كلثوم بن عمرو فقال وما يمنعه أن يكون
ببابنا فأمر بإشخاصه من رأس عين فوافى الرشيد وعليه قميص غليظ وفروة وخف وعلى كتفه
ملحفة جافية بغير سراويل فلما رفع الخبر بقدومه أمر الرشيد بأن تفرش له حجرة وتقام
له وظيفة ففعلوا فكانت المائدة إذا قدمت إليه أخذ منها رقاقة وملحا وخلط الملح
بالتراب فأكله بها فإذا كان وقت النوم نام على الأرض والخدم يتفقدونه ويتعجبون من فعله
وسأل الرشيد عنه فأخبروه بأمره فأمر بطرده فخرج حتى أتى يحيى بن سعيد العقيلي وهو
في منزله فسلم عليه وانتسب له فرحب به وقال له ارتفع فقال لم آتك للجلوس قال فما
حاجتك قال دابة أبلغ عليها إلى رأس عين فقال يا غلام أعطه الفرس الفلاني فقال لا
حاجة لي في ذلك ولكن تأمر أن تشتري لي دابة أتبلغ عليها فقال لغلامه امض معه فابتع
له ما يريد فمضى معه فعدل به العتابي إلى سوق الحمير فقال له إنما أمرني أن أبتاع
لك دابة فقال له إنه أرسلك معي ولم يرسلني معك فإن عملت ما أريد وإلا انصرف فمضى
معه فاشترى حمارا بمائة وخمسين درهما وقال ادفع إليه ثمنه فدفع إليه فركب الحمار
عريا بمرشحه عليه وبرذعة وساقاه مكشوفتان فقال له يحيى بن سعيد فضحتني أمثلي يحمل
مثلك على هذا فضحك وقال ما رأيت قدرك يستوجب أكثر من ذلك ومضى إلى رأس عين لوم
زوجته له وكانت تحته امرأة من باهلة فلامته وقالت هذا منصور النمري قد أخذ الأموال
فحلى نساءه وبنى داره واشترى ضياعا وأنت ها هنا كما ترى فأنشأ يقول طويل ( تلوم
على تَرْكِ الغِنى باهليّةٌ ... زَوى الفَقْرُ عنها كلَّ طِرْفٍ وتالد ) ( رأْتَ
حَولها النِّسوانَ يرْفُلْنَ في الثَّرى ... مقلّدةً أعناقُها بالقلائد ) ( أسَرَّكِ
إنِّي نلْتُ ما نال جعفرٌ ... من العيشِ أو ما نال يَحيى بنُ خالد ) ( وإنَّ
أمير المؤمِنين أغَصَّنِي ... مُغَصَّهُما بالمُشْرِقاتِ البوارد ) ( رأيت
رفيعاتِ الأمور مشوبةً ... بِمستودَعَاتٍ في بُطون الأساوِد ) ( دعيني
تَجئْنِيَ مِيتَتِي مطمئِنةً ... ولم أتجشَّمْ هَوْلَ تلك الموارد ) - طويل - وهذا
الخبر عندي فيه اضطراب لأن القصيدة المذكورة التي أولها ( ماذا
شجاكَ بِحُوَّارِين من طلل ... ) للعتابي
في الرشيد لا في عبد الملك ولم يكن كما ذكره في أيام الرشيد متنقصا مئة وله أخبار
معه طويلة وقد حدثني بخبره هذا لما استوهب رفع السيف عن ربيعة جماعة على غير هذه
الرواية عتب الرشيد عليه وقطعه الهبات أخبرني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال
حدثني مسعود ابن إسماعيل العدوي عن موسى بن عبد الله التميمي قال عتب الرشيد على
العتابي أيام الوليد بن طريف فقطع عنه أشياء كان عوده إياها فأتاه متنصلا بهذه
القصيدة ( ماذا شَجاكِ بحُوَّارِين من طَلَلٍ
... ودِمْنةٍ كشفَتْ عنها الأعاصيرُ ) ( شجاكِ
حتى ضميرُ القلب مشترَكٌ ... والعين إنسانُها بالماء مغمورُ ) ( في
ناظِريَّ انقباضٌ عن جفونهما ... وفي الجفون عن الآماق تقصير ) ( لو
كنتِ تدرين ما شوقي إذَا جَعَلَتْ ... تنأى بنا وبكِ الأوطانُ والدُّورُ ) ( علمْتِ
أنَّ سُرَى ليلى ومُطلعي ... من بيت نجرانَ والغَوْرَيْن تغوير ) ( إذِ
الركائبُ مَخْسوفٌ نواظرها ... كما تضمّنتِ الدُّهْنَ القواريرُ ) ( نادتك
أرحامُنا اللاتي نَمُتُّ بها ... كما تنادي جِلادَ الجِلّةِ الخُورُ ) ( مُستنبِطٌ
عَزَماتِ القلبِ من فِكَرٍ ... ما بينهنَّ وبينَ الله معمورُ ) ( فُتَّ
المدائحَ إلا أنّ أنفسنا ... مستنطَقاتٌ بما تحوي الضّمائيرُ ) ( ماذا
عَسى مادحٌ يُثني عليك وقد ... ناداك في الوحي تقديسٌ وتطهير ) ( إنْ
كان منّا ذَوُو إفْكٍ ومارقةٌ ... وعصْبَةٌ دِينُها العُدْوانُ والزُّور ) ( فإنّ
منّا الذي لا يُسْتحَثُّ إذا ... حُثَّ الجياد وحَازتها المضامير ) ( ومن
عرائقه السّفّاح عندكُمُ ... مجرّبٌ من بَلاء الصِّدق مخبور ) ( الآن
قد بعدَتْ في خطوِ طاعتكُمْ ... خُطاهُمُ حيثُ يحتلُّ الغشامير ) - بسيط - يعني
يزيد بن مزيد وهشام بن عمرو التغلبي وهو من ولد سفيح بن السفاح قال فرضي عنه ورد
أرزاقه ووصله صوت ( تطاول ليلي لم أنمْهُ تقلُّباً ... كأنّ فِراشي حال من دونه
الجَمْرُ ) ( فإن تكنِ الأيامُ فَرَّقْنَ بيننا
... فقد بانَ مني في تذكُّرهِ العُذْرُ ) - طويل - الشعر
للأبيرد الرياحي والغناء لبابويه ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وفيه رمل نسبه يحيى
المكي إلى ابن سريج وقيل أنه منحول أخبار الأبيرد ونسبه الأبيرد بن المعذر بن قيس
بن عتاب بن هرمي بن رياح بن يربوع بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم
شاعر فصيح بدوي من شعراء الإسلام وأول دولة بني أمية وليس بمكثر ولا ممن وفد إلى
الخلفاء فمدحهم وقصيدته هذه التي فيها الغناء يرثي بها بريدا أخاه وهي معدودة من
مختار المراثي أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال كان
الرياحي يهوى امرأة من قومه ويجن بها حتى شهر ما بينهما فحجبت عنه وخطبها فأبوا أن
يزوجوها إياه ثم خطبها رجل من ولد حاجب ابن زرارة فزوجته فقال الأبيرد في ذلك ( إذا
ما أردْتَ الحُسْنَ فانظر إلى التي ... تَبغَّى لقيطٌ قوْمَه وتخيّرا ) ( لها
بَشَرٌ لو يدرُجُ الذَّرُّ فوقه ... لبانَ مكانُ الذَّرِّ فيه فأثَّرا ) ( لعمري
لقد أمكنْتِ منا عدوَّنا ... وأقررْتِ للعادي فأخْنَى وأهجرا ) - طويل - أخبرني
أبو خليفة الفضل بن الحباب في كتابه إلي قال حدثنا محمد ابن سلام الجمحي قال قدم
الأبيرد الرياحي على حارثة بن بدر فقال أكسني بردين أدخل بهما على الأمير يعني
عبيد الله بن زياد وكساه ثوبين فلم يرضهما فقال فيه ( أحارِث
أمسِكْ فَضْلَ بُرْدَيْك إنما ... أجاعَ وأعرى اللَّهُ مَنْ كُنْتَ كاسيا ) ( وكنتُ
إذا استمطرْتُ منك سحابةً ... لِتُمْطِرني عادت عَجَاجًا وسافيا ) ( أحارثُ
عاود شُرْبَكَ الخمْرَ إنني ... ارى ابن زيادٍ عنك أصبح لاهيا ) - طويل - فبلغت
أبياته هذه حارثة فقال قبحه الله لقد شهد بما لم يعلم وإنما أدع جوابه لما لا يعلم
هكذا ذكر محمد بن سلام هجا الابيرد حارثة بن بدر فمنع عنه الكسوة أخبرني حبيب بن
نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الأصمعي قال هجا الأبيرد الرياحي
حارثة بن بدر فقال طويل ( أحارثُ
راجعْ شُرْبَكَ الخمرَ إنني ... أرى ابنَ زيادٍ عنك أصبح لاهيا ) ( أرى
فيك رأياً من أبيه وعمه ... وكان زيادٌ ماقِتاً لك قَالَيا ) - طويل - وذكر
البيتين الآخرين اللذين ذكرهما محمد بن سلام وقال في خبره هذا فكان حارثة يكسوه في
كل سنة بردين فحبسهما عنه في تلك السنة فقال حارثة بن بدر يجيبه ( فإن
كنْتَ عن بُرْدَيَّ مستغْنِياً لقد ... أراكَ بأَسمالِ الملابس كاسيا ) ( وعشْتَ
زماناً أنْ أعيِّنْكَ كُسوتي ... قنعْتَ بأخلاقٍ وأمسيْتَ عاريا ) ( وبُرْدَيْن
من حَوْك العراق كَسَوْتَها ... على حاجةٍ منها لأمِّك باديا ) - طويل - فقال
الأبيرد يهجو حارثه بن بدر ( زَعَمَتْ
غُدانةُ أنَّ فيها سيداً ... ضخماً يواريه جَناحُ الجُنْدُب ) ( يُرْويه
ما يُرْوي الذّبابَ وينتشي ... لؤماً ويشبِعه ذراعُ الأرنب ) - كامل - وقال
أيضا لحارثة بن بدر ( ألا
ليت حَظِّي من غُدانةَ أنها ... تكون كَفافاً لا عليَّ ولاليا ) ( أبى
اللَّهُ أن يهدِي غُدانةَ للهدى ... وأن لا تكونَ الدهرَ إلا مَوَاليا ) ( فلو
أنني ألقى ابنَ بدرٍ بموطنٍ ... نَعُدُّ به من أوّلينا المساعيا ) ( تقاصَرَ
حتى يستقيدَ وبَذَّه ... قُرُومٌ تَسامَى من رياحٍ تَساميا ) ( أيا
فارطَ الحيِّ الذي قد حشا لكُمْ ... من المجد أنهاءً ملاءَ الخوابيا ) ( وعَمِّي
الذي فكّ السَّمَيْذعَ عنوةً ... فلستَ بنعمَى يا ابن عَقْرَب جازيا ) ( كِلانا
غَنيٌّ عن أخيه حياتَه ... ونحنُ إذا مِتْنا أشدُّ تغانيا ) ( ألم
تَرَنا إذ سقْتَ قومَك سائلاً ... ذَوِي عددٍ للسائلين مَعاطِيا ) ( بني
الرِّدْفِ حَمَّالِينَ كلَّ عظيمةٍ ... إذا طلعتْ والمُتْرِعينَ الجوابيا ) ( وإنا
لنعطي النَّصْفَ من لو نَضِيمه ... أقرَّ ولكنا نحب العوافيا ) - طويل - الردف
الذي عناه ها هنا جده عتاب بن هرمي بن رياح كان ردف ابن المنذر إذا ركب ركب وراءه
وإذا جلس جلس عن يمينه وإذا غزا كان له المرباع وإذا شرب الملك سقي بكأسه بعده
وكان بعده ابنه قيس بن عتاب يردف النعمان وهو جد الأبيرد أيضا الابيرد وسعد العجلي
أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا أبو غسان عن أبي عبيدة قال كانت بنو عجل قد جاورت
بني رياح بن يربوع في سنة أصابت عجلا فكان الأبيرد يعاشر رجلا منهم يقال له سعد
ويجالسه وكان قصده امرأة سعد هذا فمالت إليه فومقته وكان الأبيرد شابا جميلا ظريفا
طريرا وكان سعد شيخا هما فذهب بها كل مذهب حتى ظهر أمرهما وتحدث بهما واتهم
الأبيرد بها فشكاه إلى قومه واستعذرهم منه فقالوا له مالك تتحدث إلى امرأة الرجل
فقال وما بأس بذلك وهل خلا عربي منه قالوا قد قيل فيكما ما لا قرار عليه فاجتنب
محادثتها وإياك أن تعاودها فقال الأبيرد إن سعدا لا خير فيه لزوجته قالوا وكيف ذلك
قال لأني رأيته يأتي فرسه البلقاء ولا فضل فيه لامرأته فهي تبغضه لفعله وهو يتهمها
لعجزه عنها فضحكوا من قوله وقالوا له وما عليك من ذلك دع الرجل وامرأته ولا
تعاودها ولا تجلس إليها فقال الأبيرد في ذلك ( ألم
تَرَ أنَّ ابنَ المعذَّر قد صحا ... وودَّعَ ما يَلْحَى عليه عواذِلُهْ ) ( غدا
ذو خلاخيلٍ عليَّ يلومُني ... وما لومُ عَذّالٍ عليه خلاخلُهْ ) ( فدع
عنك هذا الحَلْي إن كنْتَ لائمي ... فإنِّي امرؤ لا تزدهيني صَلاصِلهْ ) ( إذا
خَطَرَتْ عَنْسٌ به شَدَنيَّةٌ ... بمطَّرِدِ الأرواح ناءٍ مناهلهْ ) ( تبيَّنَ
أقوامٌ سفاهةَ رأيهمْ ... ترحَّلَ عنهمْ وَهْوَ عفٌّ منازله ) ( لهم
مجلسٌ كالرُّدْن يجمع مجلساً ... لئاماً مساعيه كثيراً هَتَامله ) ( تَبَرَّأْتُ
من سَعْدٍ وخُلَّة بيننا ... فلا هو معطيني ولا أنا سائلهْ ) ( متى
تُنتَجُ البلقاءُ يا سعدُ أم متى ... تُلَقَّحُ من ذات الرِّباطِ حوائله ) ( يحدِّث
سعدٌ أنَّ زوجته زَنَتْ ... ويا سعدُ إنّ المرء تُزْنَى حلائله ) ( فإن
تَسْمُ عيناها إليّ فقد رأت ... فتىً كحسام أخلصَتْه صياقله ) ( فتى
قُدَّ قدَّ السَّيف لا متضائلٌ ... ولا رَهِلٌ لَبَّاتُهُ وأباجله ) - طويل - وهذا
البيت الأخير يروى للعجير السلولي ولأخت يزيد بن الطثرية فاعترضه سلمان العجلي
فهجاه وهجا بني رياح فقال ( لعمرك
إنّني وبني رياحٍ ... لكالعاوي فصادفَ سَهْمَ رامِ ) ( يسوقون
ابنَ وجرةَ مزمئراً ... ليحميَهمْ وليس لهمْ بحامِ ) ( وكم
من شَاعرٍ لبني تميمٍ ... قصير الباع من نفرٍ لئامِ ) ( كَسَوْنا
إذ تخرَّقُ ملْبَساه ... دواهيَ يبْتَرِينَ من العظام ) ( وإنْ
يُذكَرْ طعامُهُمُ بِشَرٍّ ... فإنَّ طعامهُمْ شرُّ الطعام ) ( شَرِيجٌ
من مَنِيِّ أبي سُواجٍ ... وآخرُ خالصٌ من حَيْض آم ) ( وسوداء
المغابن من رياحٍ ... على الكُرْدُوسِ كالفأس الْكَهام ) ( إذا
ما مرَّ بالقعقاع رَكْبٌ ... دعتهمْ مَنْ ينيكُ على الطَّعام ) ( تداوَلَها
غواةُ النّاس حتَّى ... تؤوبَ وقد مضَى ليل التِّمام ) - وافر - وقال
الأبيرد أيضا مجيبا له ( عَوى
سَلمانُ من جَوٍّ فلاقى ... أخو أهلِ اليمامةِ سَهْمَ رامي ) ( عوى
مِن جُبْنه وَشَقِيَّ عجْلٍ ... عُواءَ الذئب مُختلَطَ الظلام ) ( بنو
عجِلٍ أذلُّ من المطايا ... ومن لَخْمِ الجَزورِ على الثُّمام ) ( تَحَيَّا
المسلمون إذا تلاقَوا ... وعِجْلٌ ما تَحَيَّا بالسَّلام ) ( إذا
عجليَّةٌ وَلَدَتْ غلاماً ... إلى عِجْلٍ فَقُبِّحَ من غلام ) ( يَمَصُّ
بثديها فَرْخٌ لئيمٌ ... سُلالةُ أَعْبُدٍ ورضيعُ آم ) ( خبيث
الريح ينشأ بالمخازي ... لئيمٌ بين آباء لئام ) ( أنا
ابن الأكرمِين بني تميمٍ ... ذوي الآكال والهمم العظام ) ( وكائِنْ
من رئيسٍ قَطَّرَتْهُ ... عواملُنا ومن مَلْكٍ هُمام ) ( وجيشٍ
قد ربَعناه وقومٍ ... صبَحْناه بذي لجَبٍ لُهام ) - وافر وقال أيضا الأبيرد مجيبا
له ( أخذنا بآفاق السماء فلم ندَعْ ...
لسلمانَ سلمانِ اليمامة مَنْظرا ) ( من
القُلْح فسَّاء ضروطٌ يُهِرُّهُ ... إذا الطيرُ مراتٍ على الدوح صَرْصَرا ) ( وأقلحُ
عجليٌّ كأنَّ بخطْمِهِ ... نواجذَ خنزير إذا ما تكشّرا ) ( يزِلُّ
النوى عن ضِرْسه فيردُّه ... إلى عارضٍ فيه القوادح أبخرا ) ( إذا
شرب العِجْلِيُّ نَجَّس كأسَه ... وظلَّتْ بكَفَّيْ جَأْنَبٍ غيرِ أزهرا ) ( شديد
سوادِ الوجه تحسب وجهَه ... من الدم بين الشارِبِين مقَيَّرا ) ( إذا
ما حساها لم تزِدْه سماحة ... ولكن أَرَتْهُ أنْ يصرَّ ويَحْصَرا ) ( فلا
يَشْرَبَنْ في الحيِّ عِجْلٌ فإنّه ... إذا شرب العِجْليُّ أخنى وأهجرا ) ( يقاسي
نداماهُمْ وتَلقى أُنُوفهمْ ... من الجَدْع عند الكأس أمْراً مذكّرا ) ( ولم
تك في الإشراك عِجْلٌ تذوقها ... لياليَ يَسْبِيها مقاولُ حميرا ) ( ويُنفق
فيها الحنظليُّونَ مالَهمْ ... إذا ما سعى منهمْ سفيهٌ تجبَّرا ) ( ولكنها
هانت وحُرِّم شرْبُها ... فمالت بنو عِجْلٍ لِمَا كان أكفَرا ) ( لعمري
لئن أُزْنِنْتُمُ أو صَحَوْتُمْ ... لَبِئْسَ النّدامى كنتُمُ آلَ أبجرا ) - طويل - أخبرني
عبيد الله بن محمد الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث قال حدثنا المدائني قال كان
مجائل بن مرة بن محكان السعدي وابن عم له يقال له عرادة وقد كان عرادة اشترى غنما
له فأنهبها وكانت مائة شاة فاشترى مرة بن محكان مائة من الإبل فأنحر بعضها وأنهب
باقيها وقال أبو عبيدة إنهما تفاخرا فغلبه مرة فقال الأبيرد لعرادة ( شَرَى
مائةً فأنْهَبَها جميعاً ... وبِتَّ تُقَسِّمُ الحَذَفَ النِّقَادَا ) - وافر - فبعث
عبيد الله بن زياد فأخذ مرة بن محكان فحبسه وقيده ووقع بعد ذلك من قومه لحاء فكانت
بينهم شجاج ثم تكافأوا وتوافقوا على الديات فأنبئ مرة بن محكان وهو محبوس فعرف ذلك
فتحمل جميعها في ماله فقال فيه الأبيرد ( لله
عينا مَنْ رأى مِنْ مكبَّلٍ ... كمُرّةَ إذ شُدَّتْ عليه الأداهمُ ) ( فأبلغْ
عبيدَ الله عني رسالةً ... فإنك قاضٍ بالحكومةِ عالمُ ) ( فإن
أنتَ عاقبْتَ ابنَ مَحكانَ في الندى ... فعاقبْ هداك اللَّه أعظمَ حاتم ) ( تعاقِب
خِرْقاً أنْ يجود بماله ... سعى في ثَأىً من قومه متفاقم ) ( كأنَّ
دماء القوم إذ علقتْ به ... على مُكْفَهِرٍّ من ثنايا المخارمِ ) - طويل - الابيرد
والأحوص يحرضان على سحيم الرياحي أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا عبد
الرحمن ابن أخي الأصمعي قال حدثنا عمي قال أتى رجل الأبيرد الرياحي وابن عمه
الأخوص وهما من رهط ردف الملك من بني رياح يطلب منهما قطرانا لإبله فقالا له إن
أنت بلغت سحيم بن وثيل الرياحي هذا الشعر أعطيناك قطرانا فقال قولا فقالا اذهب فقل
له ( فإنَّ بُداهَتي وجِراءَ حَوْلي ...
لذو شِقٍّ على الحُطَمِ الحرون ) - وافر - قال
فلما أتاه وأنشد الشعر أخذ عصاه وانحدر في الوادي وجعل يقبل فيه ويدبر ويهمهم
بالشعر ثم قال اذهب فقل لهما ( فإنَّ
عُلالتي وجِراء حَوْلي ... لذو شِقٍّ على الضَّرَعِ الظَّنونِ ) ( أنا
ابن الغُرِّ من سَلَفَيْ رياحٍ ... كنَصْل السيف وضّاحُ الجبينِ ) ( أنا
ابنُ جلا وطلاّعُ الثنايا ... متى أضعِ العِمامةَ تعرفوني ) ( وإنَّ
مكاننا مِنْ حمْيريٍّ ... مكانُ الليث من وَسَط العَرينِ ) ( وإنَّ
قناتنا مَشِظٌّ شظاها ... شديدٌ مدُّها عُنُقَ القرين ) قال
الأصمعي إذا مسست شيئا خشنا فدخل في يدك قيل مشظت يدي والشظا ما تشظى منها ( وإني
لا يعود إليَّ قِرْني ... غداةَ الغِبِّ إلا في قرين ) ( بذي
لِبَدٍ يصدُّ الركب عنه ... ولا تُؤتَى فريسته لحين ) ( عَذرْتُ
البُزْلَ إذ هي صاوَلتْني ... فما بالي وبالُ ابنَيْ لَبون ) ( وماذا
تبتغي الشّعراءُ منِّي ... وقد جاوزتُ رَأسَ الأربعين ) ( أخو
الخمسين مُجْتَمِعٌ أشُدِّي ... ونَجَّذني مداورةُ الشؤون ) ( سأحيا
ما حييتُ وإنّ ظهري ... لذو سنَدٍ إلى نَضَدٍ أمين ) - وافر - قال
فأتياه فاعتذرا إليه فقال إن أحدكم لا يرى أن يصنع شيئا حتى يقيس شعره بشعرنا
وحسبه بحسبنا ويستطيف بنا استطافة المهر الأرن فقالا له فهل إلى النزع من سبيل
فقال إننا لم تبلغ أنسابنا قال اليزيدي أبيات سحيم هذه من اختيارات الأصمعي الابيرد
يرثي أخاه والقصيدة التي رثى بها الأبيرد أخاه بريدا وفي أولها الغناء المذكور من
جيد الشعر ومختار المراثي المختار منها قوله ( تطاوَلَ
لَيْلِي لم أنمْهُ تَقَلُّباً ... كأنَّ فِراشي حالَ من دونه الجَمْرُ ) ( أُراقِب
من ليل التِّمام نجومَه ... لَدُنْ غابَ قرنُ الشّمس حتّى بدا الفجْرُ ) ( تذكرْتُ
قَرْماً بانَ منّا بنَصْرِه ... ونائِلِه يا حبّذا ذلك الذُّكْرُ ) ( فإنْ
تكنِ الأيامُ فَرَّقْنَ بَيْنَنا ... فقد عَذَرَتْنا في صَحابتنا العُذْرُ ) ( وكنت
أرى هَجْراً فِراقَكَ ساعةً ... ألاَ لا بلِ الموتُ التفَّرُّق والهَجْرُ ) ( أحقًّا
عبادَ اللَّه أنْ لستُ لاقيا ... بُرَيْدا طَوَالَ الدهر ما لأَلأَ العَفْرُ ) ( فتىً
إن استغنى تَخَرَّق في الغِنى ... فإنْ قلَّ مالاً لم يَؤُدْ مَتْنَه الفَقْرُ ) ( وسامَى
جَسِيمات الأمور فَنَالَها ... على العُسْر حتى أدرك العُسُرَ اليُسْرُ ) ( ترى
القومَ في العَزَّاء ينتظرونه ... إذا ضلّ رأيُ القوم أو حَزَبَ الأمر ) ( فليتك
كنتَ الحيَّ في الناس باقيا ... وكنتُ أنا الميْتَ الذي غَيَّبَ القبرُ ) ( فتىً
يشتري حُسْنَ الثناء بماله ... إذا السَّنةُ الشَّهْباءُ قلَّ بها القَطْر ) ( كأنْ
لم يُصاحِبْنا بُريْدٌ بغبطة ... ولم يأتنا يوماً بأخباره السَّفْرُ ) ( لَعَمْري
لَنِعْمَ المرءُ عالَى نَعِيَّه ... لنا ابنُ عزيز بعد ما قَصرَ العصر ) ( تمضَّت
به الأخبارُ حتى تَغَلْغَلَتْ ... ولم تَثْنِه الأطباعُ دوني ولا الجُدْر ) ( ولما
نَعَى الناعي بُريْداً تغوَّلَتْ ... بيَ الأرض فَرْطَ الحُزْن وانقطع الظهر ) ( عساكرُ
تَغْشَى النفسَ حتى كأنني ... أخو سَكْرةٍ طارت بهامَتِه الخمْر ) ( إلى
اللَّه أشكو في بُرَيْدٍ مُصِيبتي ... وبَثِّي وأحزاناً تضمَّنها الصدْرُ ) ( وقد
كنت أَسْتَعْفي إلهي إذا شكا ... من الأجر لي فيه وإنْ سَرّنِي الأجْرُ ) ( وما
زال في عينَّي بَعْدُ غِشاوةٌ ... وسَمْعِي عَمَّا كنْتُ أسمعه وَقْر ) ( على
أنني أقْنَى الحياءَ وأتَّقي ... شَماتة أعداءٍ عُيُونُهُمُ خُزر ) ( فحياّكَ
عنِّي الليلُ والصبحُ إذْ بدا ... وهُوجٌ من الأرواح غُدْوَتُها شهْر ) ( سَقَى
جَدَثاً لو أستطيع سَقَيْتُه ... بِأُوْدٍ فَرَوّاه الروافد والقَطْر ) ( ولا
زال يُرْعَى منْ بلادٍ ثوى بها ... نباتٌ إذا صاب الربيعُ بها نضْر ) ( حَلَفْتُ
برب الرافِعينَ أكُفَّهُمْ ... وربِّ الهدايا حيث حلَّ بها النحرُ ) ( ومُجْتَمَعِ
الحُجَّاج حيثُ توافَقَتْ ... رِفاقٌ من الآفاق تكبيرُها جأرُ ) ( يَمِينَ
امرِئٍ آلَى وليس بكاذب ... وما في يمين قالها صادقٌ وِزْرُ ) ( لئن
كان أمسى ابنُ المُعَذَّر قد ثَوَى ... بُرَيْدٌ لَنِعْمَ المرءُ غَيَّبه القبْرُ ) ( هو
الخلَفُ المعروفُ والدين والتُّقى ... ومِعْسَرُ حرب لا كَهامٌ ولا غُمْر ) ( أقام
فنادى أهلُه فتحمَّلوا ... وصُرِّمَتِ الأسبابُ واختلط النَّجْرُ ) ( فتىً
كان يُغْلي اللحمَ نيْئاً ولحمُه ... رخيصٌ لجادِيهِ إذا تُنْزَلُ القِدْر ) ( فتى
الحيِّ والأضيافِ إنْ روَّحَتْهُمُ ... بَلِيلٌ وزادُ السَّفْرِ إنْ أَرْمَلَ
السَّفْرُ ) ( إذا جارةٌ حَلّتْ لديه وَفَى بها
... فآبت ولم يُهْتَكْ لجارته ستْرُ ) ( عفيفٌ
عن السَّوْءاتِ ما التبسَتْ به ... صَلِيبٌ فما يُلْفَى لِعُودٍ به كَسْرُ ) ( سَلَكْتَ
سبيلَ العالمين فما لَهُمْ ... وراء الذي لاقيْتَ مَعْدًى ولا قَصْرُ ) ( وكلُّ
امرىءٍ يوماً سَيَلْقَى حِمامَه ... وإن نأتِ الدعوى وطال به العُمْرُ ) ( وأبليْتَ
خيراً في الحياة وإنما ... ثوابُكَ عندِي اليومَ أنْ ينطِقَ الشِّعْرُ ) - طويل - وقال
يرثيه أيضا وهي قصيدة طويلة ( إذا
ذكَرت نفسي بُرَيْداً تحاملَتْ ... إليّ ولم أملك لعينيَّ مَدْمَعَا ) ( وذكَّرَنِيك
الناسُ حين تحامَلُوا ... عليّ وأضحَوْا جلْدَ أجربَ مُولعا ) ( فلا
يُبْعِدَنْكَ اللَّه خيرَ أخي امرىءٍ ... فقد كنْتَ طلاّع النِّجادِ سَمَيْذَعا ) ( وَصُولاً
لذي القُرْبَى بعيداً عن الخَنَى ... إذا ارتادك الجادي من الناس أمْرَعا ) ( أخو
ثقة لا ينتحِي القومُ دونه ... إذا القَوم خالوا أو رجا الناسُ مَطمعا ) ( ولا
يركب الوجناءَ دونَ رفيقِه ... إذا القومُ أزْجَوْهُنَّ حَسْرَى وظُلَّعا ) - طويل - صوت
مخلع ( يا زائِرَيْنا من الخِيامِ ... حَيَّاكُما اللَّهُ بالسلامِ ) ( يَحْزُنُنِي
أنْ أَطَفْتُما بِي ... ولم تنالا سِوَى الكلامِ ) ( بُورِك
هارونُ من إمامٍ ... بطاعة اللَّه ذي اعتصامِ ) ( له
إلى ذي الجلال قُرْبَى ... ليست لِعَدْلٍ ولا إمام ) - مخلع البسيط - الشعر
لمنصور النمري والغناء لعبد الله بن طاهر رمل ذكر ذلك عبيد الله ابنه ولم ينسبه
إلى الأصابع التي بنى عليها وفيه للرف خفيف رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة وفيه ثقيل
أول بالبنصر مجهول الأصابع ذكر حبش أنه للرف أيضا أخبار منصور النمري ونسبه منصور
بن الزبرقان بن سلمة وقيل منصور بن سلمة بن الزبرقان ابن شريك بن مطعم الكبش الرخم
بن مالك بن سعد بن عامر بن سعد الضحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن
قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار وإنما سمي عامر
الضحيان لأنه كان سيد قومه وحاكمهم وكان يجلس لهم إذا أضحى النهار فسمي الضحيان
وسمي جد منصور مطعم الكبش الرخم لأنه أطعم ناسا نزلوا به ونحر لهم ثم رفع رأسه
فإذا رخم يحمن حول أضيافه فأمر بأن يذبح لهم كبش ويرمى به بين أيديهم ففعل ذلك فنزلن
عليه فمزقنه فسمي مطعم الكبش الرخم وفي ذلك يقول أبو نعيجة النمري يمدح رجلا منهم ( أبوك
زعيمُ بني قاسطٍ ... وخالك ذو الكَبْشِ يَقْرِي الرَّخَمْ ) - متقارب
وكان منصور شاعرا من شعراء الدولة العباسية من أهل الجزيرة وهو تلميذ كلثوم بن
عمرو العتابي وراويته وعنه أخذ ومن بحره استقى وبمذهبه تشبه والعتابي وصفه للفضل
بن يحيى بن خالد وقرضه عنده حتى استقدمه من الجزيرة واستصحبه ثم وصله بالرشيد وجرت
بعد ذلك بينه وبين العتابي وحشة حتى تهاجرا وتناقصا وسعى كل واحد منهما على هلاك
صاحبه وأخبار ذلك تذكر في مواضعها من أخبارهما إن شاء الله تعالى وكان النمري قد
مدح الفضل بقصيدة وهو مقيم بالجزيرة فأوصلها العتابي إليه واسترفده له وسأله
استصحابه فأذن له في القدوم فحظي عنده وعرف مذهب الرشيد في الشعر وإرادته أن يصل
مدحه إياه بنفي الإمامة عن ولد علي بن أبي طالب عليهم السلام والطعن عليهم وعلم
مغزاه في ذلك مما كان يبلغه من تقديم مروان بن أبي حفصة وتفضيله إياه على الشعراء
في الجوائز فسلك مذهب مروان في ذلك ونحا نحوه ولم يصرح بالهجاء والسب كما كان يفعل
مروان ولكنه حام ولم يقع وأومأ ولم يحقق لأنه كان يتشيع وكان مروان شديد العداوة
لآل أبي طالب وكان ينطق عن نية قوية يقصد بها طلب الدنيا فلا يبقي ولا يذر منصور
النمري يمدح الرشيد أخبرني محمد بن جعفر النحوي صهر المبرد قال حدثنا محمد بن موسى
بن حماد قال حدثني عبد الله بن أبي سعد الكراني وأخبرني به عمي قال حدثنا عبد الله
بن أبي سعد حديث محمد بن جعفر النحوي أنه قال حدثني محمد بن عبد الله بن آدم بن
جشم العبدي قال حدثنا ثابت ابن الحارث الجشمي قال كان منصور النمري مصافيا
للبرامكة وكان مسكنه بالشأم فكتب يسألهم أن يذكروه للرشيد فذكروه ووصفوه فأحب أن
يسمع كلامه فأمرهم بإقدامه فقدم ونزل عليهم فأخبروا الرشيد بموضعه وأمرهم بإحضاره
وصادف دخوله إليه يوم نوبة مروان على ما سمعه من بيانه وكان مروان يقول قبل قدومه
هذا شامي وأنا حجازي أفتراه يكون أشعر مني ودخله من ذلك ما يدخل مثله من الغم
والحسد واستنشد الرشيد منصورا فأنشده ( أميَر
المؤمنين إليك خُضْنَا ... غِمَارَ الهَوْل من بلدٍ شَطيرِ ) ( بخُوصٍ
كالأهلَّة خافقاتٍ ... تلين على السُّرى وعلى الهجيرِ ) ( حَمَلْنَ
إليك أحمالاً ثِقالاً ... ومثل الصخر الدرِّ النثيرِ ) ( فقد
وَقف المديحُ بمنتهاه ... وغايتِه وصار إلى المصير ) ( إلى
مَن لا يشير إلى سِواه ... إذا ذُكِر النَّدَى كفُّ المشيرِ ) - وافر - فقال
مروان وددت والله أنه أخذ جائزتي وسكت وذكر في القصيدة يحيى بن عبد الله بن حسن
فقال ( يذلِّل من رقاب بني عليٍّ ...
ومَنٍّ ليس بالمنِّ الصغيرِ ) ( مَنَنْتَ
على ابن عبد الله يحيى ... وكانَ من الحُتُوفِ على شفير ) == التالي بمشيئة الله ج25وج26وج27.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق