💥💥💥💥💥💥ج25وج26وج27. كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني
مروان ينشد الرشيد وعدم اهتمام النمري به قال مروان فما برحت حتى أمرني هارون أمير المؤمنين أن أنشده وكان يتبسم في وقت ما كان ينشده النمري ويأخذ على بطنه وينظر إلى ما قال فأنشدته ( موسى وهارونُ هما اللذانِ ... في كتب الأخبارِ يوجدان ) ( من وَلَد المهديِّ مَهْدِيّان ... قُدّا عِنانَيْنِ على عِنان ) ( قد أطلق المهديُّ لي لساني ... وشدّ أزري ما به حَبانِي ) ( من اللُّجَيْن ومن العِقْيان ... عِيديَّةً شاحِطةَ الأثمانِ ) ( لو خايَلَتْ دجلَة بالألبان ... إذاً لقيل اشتبه النهران ) - رجز - قال فوالله ما عاج النمري بذلك ولا احتفل به فأومأ إلي هارون أن زده فأنشدته قصيدتي التي أقول فيها ( خَلُّوا الطريقَ لمعشرٍ عاداتهمْ ... حَطمُ المناكب كل يومِ زحامِ ) ( إرضَوْا بما قسم الإلهُ لكُمْ به ... ودَعوا وِراثةَ كلِّ أَصْيَدَ حامِ ) ( أنَّي يكون وليس ذاك بكائنٍ ... لبني البنات وراثةُ الأعمام ) - كامل - قال فوالله ما عاج بشيء منها وخرجت الجائزتان فأعطى مروان مائة ألف وأعطى النمري سبعين ألفا وقال أنت مزيد في ولد علي قال ولقد تخلص النمري إلى شيء ليس عليه فيه شيء وهو قوله ( فإن شكروا فقد أَنْعَمْتَ فيهمْ ... وإلاَّ فالنَّدامةُ للكَفورِ ) ( وإن قالوا بنو بنتٍ فحقٌّ ... ورُدُّوا ما يناسب للذُّكورِ ) - وافر - قال فكان مروان يتأسف على هذا المعنى أن يكون قد سبقه إليه وإلى قوله ( وما لبني بناتٍ من تراثٍ ... مع الأعمام في وَرَق الزَّبور ) - وافر - أخبرني بهذا الخبر محمد بن عمران الصيرفي قال حدثني الغنوي عن محمد بن محمد بن عبد الله بن آدم عن أبي معشر العبدي فذكر القصة قريبا مما ذكره محمد بن جعفر النحوي يزيد وينقص والمعنى متقارب أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن عبد الله بن طهمان السلمي قال حدثني أحمد بن سيار الشيباني الشاعر قال كان هارون أمير المؤمنين يحتمل أن يمدح بما تمدح به الأنبياء فلا ينكر ذلك ولا يرده حتى دخل عليه نفر من الشعراء فيهم رجل من ولد زهير بن أبي سلمى فأفرط في مدحه حتى قال فيه ( فكأنّه بعد الرسول رَسولُ ... ) - كامل - فغضب هارون ولم ينتفع به أحد يومئذ وحرم ذلك الشاعر فلم يعطه شيئا وأنشد منصور النمري قصيدة مدحه بها وهجا آل علي وثلبهم فضجر هارون وقال له يا ابن اللخناء أتظن أنك تتقرب إلي بهجاء قوم أبوهم أبي ونسبهم نسبي وأصلهم وفرعهم أصلي وفرعي فقال وما شهدنا إلا بما علمنا فازداد غضبه وأمر مسرورا فوجأ في عنقه وأخرج ثم وصل إليه يوما آخر بعد ذلك فأنشده ( بني حسنٍ ورَهْطَ بني حُسينٍ ... عليكُمْ بالسَّداد من الأمورِ ) ( فقد ذُقْتُم قِراعَ بني أبيكمْ ... غداةَ الرَّوْع بالبِيض الذُّكور ) ( أحينَ شَفَوْكُمُ من كلِّ وِتْرٍ ... وضمُّوكُمْ إلى كَنَف وَثير ) ( وجادوكُمْ على ظمإٍ شديد ... سُقيتُمْ من نوالِهِمُ الغزيرِ ) ( فما كان العقوقُ لهمْ جزاءً ... بفعلهِمُ وادَى للثؤور ) ( وإنك حِين تُبلغهم أذاةً ... وإن ظلموا لمحزون الضمير ) - وافر - فقال له صدقت وإلا فعلي وعلي وأمر له بثلاثين ألف درهم أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا يزيد بن محمد المهلبي قال حدثني عبد الصمد بن المعذل قال دخل مروان بن أبي حفصة وسلم الخاسر ومنصور النمري على الرشيد فأنشده مروان قصيدته التي يقول فيها ( أنَّى يكون وليس ذاك بكائنٍ ... لبني البناتِ وِراثةُ الأعمامِ ) - كامل - وأنشده سلم فقال ( حَضَر الرّحيل وشُدَّت الأحداجُ ... ) - كامل - وأنشده النمري قصيدته التي يقول فيها ( إن المكارمَ والمعروف أوديةٌ ... أحَلَّكَ اللَّهُ منها حيثُ تجتمعُ ) - بسيط - فأمر لكل واحد منهم بمائة ألف درهم فقال له يحيى بن خالد يا أمير المؤمنين مروان شاعرك خاصة قد ألحقتم به قال فليزد مروان عشرة آلاف إعجاب الرشيد بشعر النمري أخبرني عمي قال أخبرنا ابن أبي سعد قال حدثني علي بن الحسن الشيباني قال أخبرني أبو حاتم الطائي عن يحيى بن ضبيئة الطائي عن الفضل قال حضرت الرشيد وقد دخل منصور النمري عليه فأنشده ( ما تنقضِي حَسْرَةٌ مني ولا جَزَعُ ... إذا ذكرْتُ شباباً ليس يُرتَجعُ ) ( بانَ الشّبابُ وفاتَتْني بلذّته ... صُرُوفُ دهرٍ وأيامٌ لها خُدَع ) ( ما كنت أوفِي شبابي كُنْهَ غِرَّته ... حتّى انقضى فإذا الدنيا له تَبعُ ) - بسيط - قال فتحرك الرشيد لذلك ثم قال أحسن والله لا يتهنأ أحد بعيش حتى يخطر في رداء الشباب أخبرني عمي قال حدثنا ابن سعد قال حدثنا محمد بن عبد الله بن آدم العبدي عن أبي ثابت العبدي عن مروان بن أبي حفصة قال خرجنا مع الرشيد إلى بلاد الروم فظفر الرشيد وقد كاد أن يعطب لولا الله عز و جل ثم يزيد بن مزيد فقال لي وللنمري أنشدا فأنشدته قولي ( طرقَتْك زائرةً فحيِّ خيالها ... غَرَّاءُ تخلِط بالحياءِ دلالها ) - كامل - ووصفت الرجال من الأسرى كيف أسلموا نساءهم والظفر الذي رزقه فقال عدوا قصيدته فكانت مائة بيت فأمر لي بمائة ألف درهم ثم قال للنمري كيف رأيت فرسي فإني أنكرته فقال النمري ( مُضِزٌّ على فأسِ اللجامِ كأنّه ... إذا ما اشتكت أيدي الجيادِ يطِير ) ( فظلَّ على الصّفصاف يومٌ تباشرتْ ... ضِباعٌ وذُؤبانٌ به ونسور ) ( فأقسِمُ لا يَنْسَى لك اللَّه أجرها ... إذا قُسِّمت بين العبادِ أجورُ ) قال النمري ثم قلت في نفسي ما يمنعني من إذكاره بالجائزة فقلت ( إذا الغَيْثُ أكْدَى واقشعرّتْ نجومُه ... فغيْثُ أميرِ المؤمنين مَطيرُ ) ( وما حلَّ هارونُ الخليفةُ بلدةً ... فأخلفَها غيثٌ وكاد يضير ) - طويل - فقال أذكرتني ورأيته متهللا لذلك قال فألحقني بمروان وأمر لي بمائة ألف درهم أخبرني عمي قال حدثني ابن أبي سعد قال حدثني محمد بن عبد الله بن طهمان قال حدثني محمد الراوية المعروف بالبيدق وكان قصيرا فلقب بالبيدق لقصره وكان ينشد هارون أشعار المحدثين وكان أحسن خلق الله إنشادا قال دخلت على الرشيد وعنده الفضل بن الربيع ويزيد بن مزيد وبين يديه خوان لطيف عليه جديان ورغفان سميد ودجاجتان فقال لي أنشدني فأنشدته قصيدة النمري العينية فلما بلغت إلى قوله ( أيُّ امرئٍ بات من هارونَ في سَخَط ... فليس بالصلواتِ الخَمْسِ ينتفعُ ) ( إنَّ المكارمَ والمعروفَ أوديةٌ ... أحلَّكَ اللَّهُ منها حيث تتسع ) ( إذا رفعْتَ امرأً فاللَّه يرفعه ... ومَنْ وَضَعْتَ من الأقوام مُتَّضِع ) ( نفسي فداؤُك والأبطالُ مُعَلِمَة ... يوم الوغى والمنايا بيْنَها قُرَعُ ) - بسيط - قال فرمى بالخوان بين يديه وصاح وقال هذا والله أطيب من كل طعام وكل شيء وبعث إليه بسبعة آلاف دينار فلم يعطني منها ما يرضيني وشخص إلى رأس العين فأغضبني وأحفظني فأنشدت هارون قوله ( شاءٌ من الناسِ راتِعٌ هاملْ ... يُعَللِّون النفوسَ بالباطلْ ) فلما بلغت إلى قوله ( إلاّ مساعيرَ يغضَبُون لها ... بَسلَّةِ البِيضِ والقنا الذابِلْ ) - منسرح - قال أراه يحرض علي ابعثوا إليه من يجيء برأسه فكلمه فيه الفضل ابن الربيع فلم يغن كلامه شيئا وتوجه إليه الرسول فوافاه في اليوم الذي مات فيه ودفن قال وكان إنشاد محمد البيدق يطرب كما يطرب الغناء سبب غضب الرشيد على النمري أخبرني عمي قال حدثنا ابن أبي سعد قال حدثنا علي بن الحسين الشيباني قال أخبرني منصور بن جمهور قال سألت العتابي عن سبب غضب الرشيد عليه فقال لي استقبلت منصورا النمري يوما من الأيام فرأيته مغموما واجما كئيبا فقلت له ما خبرك فقال تركت امرأتي تطلق وقد عسر عليها ولادها وهي يدي ورجلي والقيمة بأمري وأمر منزلي فقلت له لم لا تكتب على فرجها هارون الرشيد قال ليكون ماذا قال لتلد على المكان قال وكيف ذلك قلت لقولك ( إن أخْلَفَ الغيث لم تُخلِف مخايِله ... أو ضاق أمرٌ ذكرناه فيتَّسعُ ) - بسيط - فقال لي يا كشخان والله لئن تخلصت امرأتي لأذكرن قولك هذا للرشيد فلما ولدت امرأته خبر الرشيد بما كان بيني وبينه فغضب الرشيد لذلك وأمر بطلبي فاستترت عند الفضل بن الربيع فلم يزل يسأل في حتى أذن لي في الظهور فلما دخلت عليه قال لي قد بلغني ما قلته للنمري فاعتذرت إليه حتى قبل ثم قلت والله يا أمير المؤمنين ما حمله على التكذب علي إلا وقوفي على ميله إلى العلوية فإن أراد أمير المؤمنين أن أنشده شعره في مديحهم فعلت فقال أنشدني فأنشدته قوله ( شاءٌ من الناس راتع هاملْ ... يعلّلون النفوس بالباطلْ ) - منسرح - حتى بلغت إلى قوله ( إلاّ مساعيرَ يغضبون لها ... بسَلَّة البِيضِ والقنا الذّابلْ ) فغضب من ذلك غضبا شديدا وقال للفضل بن الربيع أحضره الساعة فبعث الفضل في ذلك فوجده قد توفي فأمر بنبشه ليحرقه فلم يزل الفضل يلطف له حتى كف عنه أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا يحيى بن الحسن بن عبد الخالق قال حدثني بعض الزينبيين قال حبس الرشيد منصورا النمري بسبب الرفض فتخلصه الفضل بن الربيع ثم بلغه شعره في آل علي عليه السلام فقال للفضل اطلبه فستره الفضل عنده وجعل الرشيد يلح في طلبه حتى قال يوما للفضل ويحك يا فضل تفوتني النمري قال يا سيدي هو عندي قد حصلته قال فجئني به وكان الفضل قد أمره أن يطول شعره ويكثر مباشرة الشمس ليشحب وتسوء حالته ففعل فلما أراد إدخاله عليه ألبسه فروة مقلوبة وأدخله عليه وقد عفا شعره وساءت حالته فلما رآه قال السيف فقال الفضل يا سيدي من هذا الكلب حتى تأمر بقتله بحضرتك قال أليس هو القائل ( إلاّ مساعيرَ يغضبون لها ... بسَلَّةِ البِيضِ والقنا الذابلْ ) فقال منصور لا يا سيدي ما أنا قائل هذا ولقد كذب علي ولكني القائل مخلع ( يا منزل الحي ذا المغاني ... انعم صباحاً على بِلاكا ) ( هارونُ يا خير من يُرَجَّى ... لم يُطِعِ الله منْ عَصاكا ) ( في خير دِينٍ وخير دنيا ... مَنِ اتَّقى اللَّهَ واتقاكا ) - مخلع بسيط - فأمر بإطلاقه وتخلية سبيله فقال منصور يمدح الفضل بن الربيع ( رأيْتُ المُلْك مُذْ آزرْتَ ... قد قامت مَحانيهِ ) ( هو الأوحد في الفضلِ ... فما يعرف ثانِيهِ ) - هزج - عفة النمري أخبرني عمي قال حدثنا ابن أبي سعد قال حدثني علي بن مسلم ابن الهيثم الكوفي عن محمد بن أرتبيل قال اجتمع عند المأمون قبل خلافته وذلك في أيام الرشيد منصور النمري والخريمي والعباس بن زفر وعنده جعفر بن يحيى فحضر الغداء فأتي المأمون بلون من الطعام فأكل منه فاستطابه فأمر به فوضع بين يدي جعفر بن يحيى فأصاب منه ثم أمر به فوضع بين يدي العباس فأكل منه ثم نحاه فأكل منه بعده الخريمي وغيره ولم يأكل منه النمري وذلك بعين المأمون فقال له لم لم تأكل فقال لئن أكلت ما أبقى هؤلاء إني لنهم قال فهل قلت في هذا شيئا قال نعم قلت ( لَهْفي أَتُطْعِمُها قيساً وآكلها ... إني إذاً لدنيءُ النفسِ والخَطَرِ ) ( ما كان جدِّي ولا كان الهُمام أبي ... ليأكلا سؤرَ عباسٍ ولا زُفْرِ ) ( شتّانَ مِن سُؤْرِ عباسٍ وفَضْلَتِه ... وسُؤْر كَلْبٍ مُغطّى العين بالوَبَرِ ) ( ما زال يَلْقَمُ والطّبّاخُ يلحظُه ... وقد رأى لُقَماً في الحلق بالعُجَر ) - بسيط - أخبرني محمد بن عمران الصيرفي وعمي قالا حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال أخبرني علقمة بن نصر بن واصل النمري قال سمعت أشياخنا يقولون إن منصور بن بجرة بن منصور بن صليل بن أشيم ابن قطن بن سعد بن عامر الضحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر ابن قاسط قال هذه القصيدة ( ما تنقضِي حسرة مني ولا جَزَعُ ... إذا ذكرْتُ شباباً ليس يُرتجعُ ) ( بان الشباب وفاتتني بِشِرَّتهِ ... صروفُ دهرٍ وأيام لها خُدَع ) ( ما كنت أولَ مسلوبٍ شبيبتَهُ ... مَكْسُوِّ شيبٍ فلا يذهبْ بك الجَزَعُ ) - بسيط - فسمعها منصور بن سلمة بن الزبرقان بن شريك بن مطعم الكبش الرخم بن مالك بن سعد بن عامر الضحيان فاستحسنها فاستوهبها منه فوهبها له وكان منصور بن بجرة هذا موسرا لا يتصدى لمدح ولا يفد إلى أحد ولا ينتجعه بالشعر وكان هارون الرشيد قد جرد السيف في ربيعة فوجه منصور بن سلمة هذه القصيدة إلى الرشيد وكان رجلا تقتحمه العين جدا ويزدريه من رآه لدمامة خلقه فأمر الرشيد لما عرضت عليه بإحضار قائلها قال منصور فلما وصلت إليه عرفني الحاجب أنه لما عرضت عليه قرأها واختارها على جميع شعر الشعراء جميعا وأمره بإدخالي فلما قربت من حاجبه الفضل بن الربيع آزدراني لدمامة خلقي وكان قصيرا أزرق أحمر أعمش نحيفا قال فردني وأمر بإخراجي فأخرجت فمر بي ذات يوم يزيد بن مزيد الشيباني فصحت به يا أبا خالد أنا رجل من عشيرتك وقد لحقني ضيم وعذت بك فوقف فعرفته خبري وسألته أن يذكرني إذا مرت به رقعتي ويتلطف في إيصالي ففعل ذلك فلما دخلت على أمير المؤمنين أنشدته هذه القصيدة ( أتسلو وقد بانَ الشبابُ المزايلُ ... ) - طويل - الرشيد يرفع السيف عن ربيعة فقال لي غدا إن شاء الله آمر برفع السيف عن ربيعة وخرج يزيد يركض فما جاءت العصر من الغد حتى رفع السيف عن ربيعة بنصيبين وما يليها وأنشدته القصيدة فلما صرت إلى هذا الموضع ( يُجرِّد فينا السيفَ من بين مارقٍ ... وعانٍ بُجُودٌ كلهمْ متحاملُ ) قالوا فلما سمع الجلساء هذا البيت قالوا ذهب الأعرابي وافتضح فلما قلت ( وقد علم العُدْوان والجَوْرُ والخَنَا ... بأنّك عيّافٌ لهنّ مُزايِلُ ) ( ولو علِموا فينا بأمرك لم يكن ... يَنال برِيًّا بالأذى متناولُ ) ( لنا منكَ أرحامٌ ونعتدُّ طاعةً ... وبأساً إذا اصطكَّ القنا والقنابلُ ) ( وما يَحفظ الأَنسابَ مثلَك حافظٌ ... ولا يصِلُ الأرحامَ مثلك واصلُ ) ( جعلناك فامنعنا مَعَاذاً ومَفْزَعاً ... لنا حين عَضَّتْنا الخطوبُ الجلائِل ) ( وأنت إذا عاذت بوجهك عُوَّذٌ ... تَطامنَ خوفٌ واستقرّت بَلابِلُ ) - طويل - فقال الجلساء أحسن والله الأعرابي يا أمير المؤمنين فقال الرشيد يرفع السيف عن ربيعة ويحسن إليهم أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي ابن الحسن بن عبيد البكري قال أخبرني أبو خالد الطائي عن الفضل قال كنا عند الرشيد وعنده الكسائي فدخل إليه منصور النمري فقال له الرشيد أنشدني فأنشده قوله ( ما تنقضي حَسرةٌ مني ولا جَزَعُ ... إذا ذَكَرْتُ شباباً ليس يُرتَجَعُ ) فتحرك الرشيد ثم أنشده حتى انتهى إلى قوله ( ما كنت أُوفِي شبابي كُنْهَ عِزّته ... حتّى انقضى فإذا الدُّنيا له تَبعُ ) - بسيط - فطرب الرشيد وقال أحسنت والله وصدقت لا والله لا يتهنا أحد بعيش حتى يخطر في رداء الشباب وأمر له بجائزة سنية الشعراء يتهكمون عليه لعدم شربه أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد ابن عبد الله بن طهمان السلمي قال حدثني أحمد بن سنان البيساني وأخبرني عمي قال أخبرنا ابن أبي سعد قال حدثنا مسعود بن عيسى عن موسى بن عبد الله التميمي أن جماعة من الشعراء اجتمعوا ببغداد وفيهم النمري وكانوا على نبيذ فأبى منصور أن يشرب معهم فقالوا له إنما تعاف الشرب لأنك رافضي وتسمع وتصغي إلى الغناء وليس تركك النبيذ من ورع فقال منصور صوت ( خَلا بين نَدْمانِيَّ موضعُ مجلِسِي ... ولم يَبْقَ عندي للِوصال نصيبُ ) ( وَرُدَّتْ على السّاقي تفيض وربَّما ... رَددْتُ عليه الكاسَ وهي سليب ) ( وأيُّ امرئ لا يستَهِشُّ إذا جرتْ ... عليه بَنانٌ كفُّهُنَّ خَضِيبُ ) - طويل - الغناء لإبراهيم خفيف ثقيل مطلق من مجرى البنصر ومن الناس من ينسبه إلى مخارق هكذا في الخبر قصيدة للعتابي كتبها للنمري وقد حدثني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال كتب كلثوم بن عمرو العتابي إلى منصور النمري قوله ( تَقَضّتْ لُباناتٌ ولاح مَشِيبُ ... وأشفَى على شمسِ النّهار غروبُ ) ( وَوَدَّعْتُ إخوانَ الصِّبا وتصرَّمَتْ ... غَواية قلبٍ كانَ وهو طروبُ ) ( ورُدَّتْ على الساقي تفيض وربَّما ... رددْتُ عليه الكأس وهي سليب ) ( وممّا يَهِيج الشّوق لي فيَرُدّه ... خفيفٌ على أيدي القِيان صَخوبُ ) ( عَطَوْنَ بهِ حتّى جرى في أديمه ... أصابيغ في لبّاتِهِنَّ وطِيْبُ ) - طويل - فأجابه النمري وقال ( أوحشَةُ نَدْمانيك تبكِي فربمَّا ... تلاقيهما والحِلمُ عنك عَزُوب ) ( ترى خَلَفاً من كل نَيْلٍ وثروةٍ ... سماعَ قيان عُودُهُنَّ قريبُ ) ( يُغَنِّيك يا بنتي فتستصحب النُّهى ... وتحتازك الآفاتُ حِين أغيبُ ) ( وإنَّ امرأً أودى السماعُ بلُبِّه ... لَعُريانُ من ثَوْبِ الفلاح سليبُ ) - طويل - أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا محمد ابن عبد الله بن آدم بن جشم العبدي أبو مسعر قال أتى النمري يزيد بن مزيد ويزيد يومئذ في إضاقة وعسرة فقال اسمع مني جعلت فداك فأنشده قصيدة له يقول فيها ( لو لم يكن لبني شيبانَ من حَسَب ... سوى يزيدَ لفاتوا الناسَ في الحسبِ ) ( تأوِي المكارم من بكْرٍ إلى مَلِكٍ ... من آل شيبانَ يحويهنّ من كَثَب ) ( أبٌ وعمٌّ وأخوالٌ مناصِبُهُمْ ... في منبت النَّبع لا في منبت الغَرَبِ ) ( إنّ أبا خالدٍ لما جَرى وجرتْ ... خيلُ الندى أحرَزَ الأُولَى من القَصَب ) ( لمّا تلغَّبَهُنَّ الجَرْيُ قَدَّمَه ... عِتْقٌ مُبينٌ وَمحْضٌ غيرُ مؤتشَب ) ( إن الذين اغتَزَوا بالحُرّ غرّته ... كمغتزِي الليث في عِرِّيسِهِ الأَشِب ) ( ضرباً دِرَاكاً وشَدّاتٍ على عَنَقٍ ... كأنّ إيقاعها النِّيرانُ في الحطب ) ( لا تَقْرَبَنَّ يزيداً عند صَوْلته ... لكِنْ إذا ما احتبى للجُود فاقترب ) - بسيط - فقال يزيد والله ما أصبح في بيت مالي شيء ولكن انظر يا غلام كم عندك فهاته فجاءه بمائه دينار وحلف أنه لا يملك يومئذ غيرها تحسره على شبابه وقد أخبرني عمي بهذ الخبر قال حدثني محمد بن علي بن حمزة العلوي قال حدثني عمي عن جدي قال قال لي منصور النمري كنت واقفا على جسر بغداد أنا وعبيد الله بن هشام بن عمرو التغلبي وقد وخطني الشيب يومئذ وعبيد الله شاب حديث السن فإذا أنا بقصرية ظريفة قد وقفت فجعلت أنظر إليها وهي تنظر إلى عبيد الله بن هشام ثم انصرفت وقلت فيها ( لمّا رأيْتِ سَوَامَ الشيبِ منتشِراً ... في لِمّتي وعبيدَ اللَّه لم يَشِبِ ) ( سَللْتِ سَهْمَيْنِ من عَيْنَيْكِ فانتضلا ... على سَبيبَة ذي الأذيال والطرب ) ( كذا الغواني نرى منهنَّ قاصدة ... إلى الفروع مُعَرّاة عن الخشب ) ( ولا أنتِ أصبحْتِ تَعْتَدِّيْننا أَرَباً ... ولا وعيشِك ما أصبحْتِ من أربي ) ( إحدى وخمسين قد أنضيْتُ جِدّتها ... تَحُول بيني وبين اللهو واللعبِ ) ( لا تَحْسبنِّي وإن أغضيْتُ عن بصري ... غفَلْتُ عنك ولا عن شأنك العجبِ ) ثم عدلت عن ذلك فمدحت فيها يزيد بن مزيد فقلت ( لو لم يكن لبني شيبانَ من حسبِ ... سوى يزيدَ لفاقوا الناسَ بالحسَب ) ( لا تحسبِ الناسَ قد حابَوْا بني مطرٍ ... إذ أسلمَ الجودُ فيهمْ عاقد الطُّنُبِ ) ( الجود أخشَنُ لَمْساً يا بني مطر ... من أن تَبُزَّكُموهُ كَفُّ مُسْتَلِب ) ( ما أعرفَ الناسَ أنَّ الجُودَ مَدفَعةٌ ... للذمِّ لكنّه يأتِي على النشب ) - بسيط قال فأعطاني يزيد عشرة آلاف درهم حدثني عمي قال حدثني محمد بن عبد الله التميمي الحزنبل قال حدثني عمرو بن عثمان الموصلي قال حدثني ابن أبي روق الهمداني قال قال لي منصور النمري دخلت على الرشيد يوما ولم أكن أعددت له مدحا فوجدته نشيطا طيب النفس فرمت شيئا فما جاءني ونظر إلي مستنطقا فقلت ( إذا اعتاصَ المديحُ عليك فامدَحْ ... أميَر المؤمنين تَجِدْ مقالا ) ( وعُدْ بفِنائه واجنَحْ إليه ... تَنَلْ عُرْفاً ولم تُذْلِلْ سؤالا ) ( فِناءٌ لا تزال به رِكابٌ ... وضَعْنَ مدائحاً وحَمَلْنَ مالا ) - وافر - فقال والله لئن قصرت القول لقد أطلت المعنى وأمر لي بصلة سنية صوت ( طَرِبْتَ إلى الحيِّ الذين تحمّلوا ... بِبُرقةِ أحواذٍ وأنت طروب ) ( فبِتُّ أُسَقَّاها سُلافاً مُدامةً ... لها في عظامٍ الشَّاربين دبيب ) - طويل - الشعر لعبد الله بن الحجاج الثعلبي والغناء لعلويه رمل بالوسطى عن الهشامي وفيه لسليم خفيف رمل مطلق في مجرى الوسطى نسب عبد الله بن الحجاج وأخباره هو عبد الله بن الحجاج بن محصن بن جندب بن نصر بن عمرو بن عبد غنم بن جحاش بن بجالة بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض ابن الريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر ويكنى أبا الأقرع شاعر فاتك شجاع من معدودي فرسان مضر ذوي البأس والنجدة فيهم وكان ممن خرج مع عمرو بن سعيد على عبد الملك بن مروان فلما قتل عبد الملك بن مروان عمرا خرج مع نجدة بن عامر الحنفي ثم هرب فلحق بعبد الله بن الزبير فكان معه إلى أن قتل ثم جاء إلى عبد الملك متنكرا واحتال عليه حتى أمنه وأخباره تذكر في ذلك وغيره ها هنا أخبرني بخبره في تنقله من عسكر إلى عسكر ثم استئمانه جماعة من شيوخنا فذكروه متفرقا فابتدأت بأسانيدهم وجمعت خبره من روايتهم فأخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني اليزيدي أبو عبد الله محمد بن العباس ببعضه قال حدثني سليمان ابن أبي شيخ قال حدثنا يحيى بن سعيد الأموي وأخبرنا محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا محمد بن معاوية الأسدي قال حدثنا محمد بن كناسة وأخبرني عمي قال حدثنا عبد الله ابن أبي سعد قال حدثني علي بن مسلم بن الهيثم الكوفي عن محمد بن أرتبيل ونسخت بعض هذه الأخبار من نسخة أبي العباس ثعلب والألفاظ تختلف في بعضها والمعاني قريبة قالوا كان عبد الله بن الحجاج الثعلبي شجاعا فاتكا صعلوكا من صعاليك العرب وكان متسرعا إلى الفتن فكان ممن خرج مع عمرو بن سعيد بن العاص فلما ظفر به عبد الملك هرب إلى ابن الزبير فكان معه حتى قتل ثم اندس إلى عبد الملك فكلم فيه فأمنه احتياله في الدخول على عبد الملك هذه رواية ثعلب وقال العنزي وابن أبي سعد في روايتهما لما قتل عبد الله بن الزبير وكان عبد الله بن الحجاج من أصحابه وشيعته احتال حتى دخل على عبد الملك بن مروان وهو يطعم الناس فدخل حجرة فقال له مالك يا هذا لا تأكل قال لا أستحل أن آكل حتى تأذن لي قال إني قد أذنت للناس جميعا قال لم أعلم فآكل بأمرك قال كل فأكل وعبد الملك ينظر إليه ويعجب من فعاله فلما أكل الناس وجلس عبد الملك في مجلسه وجلس خواصه بين يديه وتفرق الناس جاء عبد الله بن الحجاج فوقف بين يديه ثم استأذنه في الإنشاد فأذن له فأنشده ( أبلِغْ أميرَ المؤمِنين فإنّني ... مما لقيتُ مِن الحوادثِ موجَعُ ) ( مُنِعَ القَرَارُ فجئتُ نحوك هارباً ... جيْشٌ يَجُرُّ ومِقْنَبٌ يَتَلَمَّع ) - كامل - فقال عبد الملك وما خوفك لا أم لك لولا أنك مريب فقال عبد الله ( إنّ البلادَ عليَّ وهْي عريضةٌ ... وَعُرَتْ مذاهبُها وسُدّ المطلعُ ) - كامل فقال له عبد الملك ذلك بما كسبت يداك وما الله بظلالمٍ للعبيد فقال عبد الله ( كنا تَنَحّلْنا البصائرَ مرّةً ... وإليك إذ عمِي البصائرُ نَرْجِعُ ) ( إن الذي يَعْصِيك منا بعدها ... مِن دينه وحياته متودِّع ) ( آتِي رِضاك ولا أعودُ لمثلها ... وأطيعُ أمرَك ما أمرْتَ وأسمعُ ) ( أُعْطِي نصيحتِيَ الخليفةَ ناخِعاً ... وخِزامةَ الأنف المَقُودِ فَأَتْبَعُ ) - كامل - فقال له عبد الملك هذا لا نقبله منك إلا بعد المعرفة بك وبذنبك فإذا عرفت الحوبة قبلنا التوبة فقال عبد الله ( ولقد وطئْتَ بني سعيد وَطْأةً ... وابنَ الزبير فَعَرْشُه متضَعْضِعُ ) - كامل - فقال عبد الملك لله الحمد والنمة على ذلك فقال عبد الله ( ما زلْتَ تَضْرِبُ مَنْكِباً عن مَنْكِبٍ ... تعلو ويسفل غيركُمْ ما يُرْفَعُ ) ( ووَطِئتُمُ في الحرب حتى أصبحوا ... حَدَثاً يَكُوسُ وغابراً يتجعجع ) ( فحوى خلافَتَهُمْ ولم يظلمْ بها ... ألقَرْمُ قَرْمُ بني قُصِيِّ الأنزعُ ) ( لا يستوي خاوي نجومٍ أُفَّلٍ ... والبدرُ منبلجاً إذا ما يطلع ) ( وُضِعَتْ أميّةُ واسطين لقومهمْ ... وَوُضِعْتَ وَسْطَهمُ فَنِعْمَ الموضع ) ( بيتٌ أبو العاصي بناه بِرَبْوةٍ ... عالي الْمَشارف عِزُّه ما يُدْفع ) فقال له عبد الملك إن توريتك عن نفسك لتريبني فأي الفسقة أنت وماذا تريد فقال ( حَرَبَتْ أُصَيْبِيَتِي يدٌ أرسلْتُها ... وإليك بعد مَعادِها ما ترجع ) ( وأرى الذي يرجو تُراثَ محمدٍ ... أَفَلَتْ نجومُهُم ونجمُكَ يَسْطع ) - كامل - فقال عبد الملك ذلك جزاء أعداء الله فقال عبد الله بن الحجاج ( فانعِشْ أُصَيْبِيَتِي الأُلاءِ كأنّهُمْ ... حَجَلٌ تَدَرَّجُ بالشَّرَبَّةِ جُوَّعُ ) - كامل - فقال عبد الملك لا أنعشهم الله وأجاع أكبادهم ولا أبقى وليدا من نسلهم فإنهم نسل كافر فاجر لا يبالي ما صنع فقال عبد الله ( مالٌ لهمْ مما يُضَنُّ جَمَعْتُهُ ... يومَ القليب فَحِيزَ عنهُمْ أَجْمَعُ ) - كامل فقال له عبد الملك لعلك أخذته من غير حله وأنفقته في غير حقه وأرصدت به لمشاقة أولياء الله وأعددته لمعاونة أعدائه فنزعه منك إذ استظهرت به على معصية الله فقال عبد الله ( أدنو لِتَرْحَمَني وتُجْبِرَفاقتي ... فأراك تَدْفَعُنِي فأين المَدْفَعُ ) - كامل - فتبسم عبد الملك وقال له إلى النار فمن أنت الآن قال أنا عبد الله بن الحجاج الثعلبي وقد وطئت دارك وأكلت طعامك وأنشدتك فإن قتلتني بعد ذلك فأنت وما تراه وأنت بما عليك في هذا عارف ثم عاد إلى إنشاده فقال ( ضاقت ثيابُ المُلبِسين وفضلُهُمْ ... عنِّي فألبِسْني فَثَوْبُكَ أَوْسَعُ ) - كامل - فنبذ عبد الملك إليه رداء كان على كتفه وقال البسه لا لبست فالتحف به ثم قال له عبد الملك أولى لك والله لقد طاولتك طمعا في أن يقوم بعض هؤلاء فيقتلك فأبى الله ذلك فلا تجاورني في بلد وانصرف آمنا قم حيث شئت قال اليزيدي في خبره قال عبد الله بن الحجاج ما زلت أتعرف منه ما أكره حتى أنشدته قولي ( ضاقت ثيابُ الملبِسين وفضلُهُمْ ... عني فألبِسْني فَثَوْبُكَ أوسعُ ) فرمى عبد الملك مطرفه وقال البسه فلبسته ثم قال آكل يا أمير المؤمنين قال كل فأكل حتى شبع ثم قال أمنت ورب الكعبة فقال كن من شئت إلا عبد الله بن الحجاج قال فأنا والله هو وقد أكلت طعامك ولبست ثيابك فأي خوف علي بعد ذلك فأمضى له الأمان ونسخت من كتاب أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابي قال كان عبد الله بن الحجاج قد خرج مع نجدة بن عامر الحنفي الشاري فلما انقضى أمره هرب وضاقت عليه الأرض من شدة الطلب فقال في ذلك ( رأيْتُ بلادَ اللَّه وهْيَ عريضةٌ ... على الخائفِ المطرودِ كفّةَ حابِل ) ( تودِّي إليه أن كلَّ ثنيّة ... تَيَمَّمها ترْمِي إليه بقاتِل ) - طويل - التجاؤه إلى أحيح وهجاؤه بعد غدره به قال ثم لجأ إلى أحيح بن خالد بن عقبة بن أبي معيط فسعى به إلى الوليد بن عبد الملك فبعث إليه بالشرط فأخذ من دار أحيح فأتي به الوليد فحبسه فقال وهو في الحبس ( أقول وذاك فَرْطُ الشوقِ منّي ... لِعَيْنِي إذ نَأَتْ ظَمْيَاءُ فِيضِي ) ( فما للقلب صبرٌ يوم بانتْ ... وما للدمع يُسفَحُ من مَغِيض ) ( كأنَّ مُعَتَّقاً من أَذْرِعاتٍ ... بماءِ سحابةٍ خَصِرٍ فضيضِ ) ( بِفيها إذ تُخافِتُنِي حياءً ... بسرٍّ لا تبوحُ به خفيِض ) يقول فيها ( فإن يُعْرِضَ أبو العبّاسِ عنّي ... ويركبْ بي عَروضاً عن عَروضِ ) ( ويجعلْ عُرْفَهُ يوماً لِغيِري ... ويُبْغِضْني فإنِّي مِن بغِيضِ ) ( فإنِّي ذو غِنىً وكريمُ قومٍ ... وفِي الأكفاءِ ذو وجهٍ عرِيضِ ) ( غلبْتَ بني أبي العاصي سَمَاحاً ... وفي الحرب المذكَّرةِ العضوضِ ) ( خرجْتَ عليهِمُ في كلْ يومٍ ... خروجَ القِدْح من كفِّ الْمُفيضِ ) ( فِدًى لك مَنْ إذا ما جئْتُ يوماً ... تلّقاني بجامعةٍ رَبوضِ ) ( على جنب الْخُوان وذاك لؤمٌ ... وبْئِسَتْ تُحفَة الشيخ المريضِ ) ( كأني إذْ فزِعْتُ إلى أُحَيْحٍ ... فزعْتُ إلى مُقَوْقِيَةٍ بَيُوض ) ( إِوزةِ غَيْضةٍ لَقِحَتْ كِشافاً ... لِقُحْقُحِها إذا دَرَجَتْ نقيضُ ) - وافر - قال فدخل أحيح على الوليد بن عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين أن عبد الله بن الحجاج قد هجاك قال بماذا فأنشده قوله ( فإنْ يُعرضْ أبو العباس عنّي ... ويركبْ بي عَروضاً عن عروضِ ) ( ويجعلْ عُرْفَه يوماً لغيري ... ويُبْغِضْني فإني من بغيض ) فقال الوليد وأي هجاء هذا هو من بغيض إن أعرضت عنه أو أقبلت عليه أو أبغضته ثم ماذا فأنشده ( كأني إذ فزعْتُ إلى أحيح ... فَزِعْتُ إلى مُقَوْقِيَةٍ بَيُوضِ ) - وافر - فضحك الوليد ثم قال ما أراه هجا غيرك فلما خرج من عنده أحيح أمر بتخلية سبيل عبد الله بن الحجاج فأطلق وكان الوليد إذا رأى أحيحا ذكر قول عبد الله فيه فيضحك منه هجاؤه لكثير بن شهاب حدثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا خلاد بن يزيد الأرقط عن سالم بن قتيبة وحدثني يعقوب بن القاسم الطلحي قال حدثني غير واحد منهم عبد الرحمن بن محمد الطلحي قال حدثني أحمد بن معاوية قال سمعت أبا علقمة الثقفي يحدث قال أبو زيد وفي حديث بعضهم ما ليس في حديث الآخر وقد ألفت ذلك قال كان كثير بن شهاب بن الحصين بن ذي الغصة بن يزيد بن شداد بن قنان بن سلمة بن وهب بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن كعب على ثغر الري ولاه إياه المغيرة بن شعبة إذ كان خليفة معاوية على الكوفة وكان عبد الله بن الحجاج معه فأغار الناس على الديلم فأصاب عبد الله بن الحجاج رجلا منهم فأخذ سلبه فانتزعه منه كثير وأمر بضربه فضرب مائة سوط وحبس فقال عبد الله في ذلك وهو محبوس ( تسائِلُ سلمى عن أبيها صِحابَه ... وقد علِقَتْه من كَثِيرٍ حبائِلُ ) ( فلا تسألِي عنّي الرفاقَ فإنّه ... بأبهَرَ لا غازٍ ولا هو قافِلُ ) ( أَلَسْتُ ضربْتُ الدَّيلميَّ أمامَهُمْ ... فَجَدَّلْتُه فيه سِنانٌ وعامِل ) - طويل - فمكث في الحبس مدة ثم أخلي سبيله فقال ( سأترك ثغر الري ما كنت واليا ... عليه لأمرٍ غالني وشجاني ) ( فإن أنا لم أُدْرِك بثأري وأَتَّئِرْ ... فلا تَدْعُنِي للصَّيْدِ من غَطَفَان ) ( تمنَّيتَنِي يا ابنَ الحصيْنِ سَفاهةً ... ومالك بي يا ابنَ الحصيِن يدان ) ( فإنِّي زعيمٌ أنْ أجَلِّلَ عاجلاً ... بسيفي كِفاحاً هامةَ ابنِ قَنَان ) - طويل - قال فلما عزل كثير وقدم الكوفة كمن له عبد الله بن الحجاج في سوق التمارين وذلك في خلافة معاوية وإمارة المغيرة بن شعبة على الكوفة وكان كثير يخرج من منزله إلى القصر ليحدث المغيرة فخرج يوما من داره إلى المغيرة يحدثه فأطال وخرج من عنده ممسيا يريد داره فضربه عبد الله بعمود حديد على وجهه فهتم مقاديم أسنانه كلها وقال في ذلك ( مَنْ مُبْلِغٌ قَيْساً وخِنْدفَ أنني ... ضَرَبْتُ كَثِيراً مَضْرِبَ الظَّرَبانِ ) ( فأُقسِمُ لا تَنْفَكُّ ضَرْبَةُ وجهِه ... تُذِلُّ وتُخْزِي الدَّهرَ كلَّ يمَانِ ) ( فإن تَلقنِي تَلْقَ امرِأً قد لقيته ... سريعاًإلى الهيجاء غير جبانِ ) ( وتَلْقَ امرأً لم تَلْقَ أمُّك بِرَّه ... على سابحٍ غَوْجِ اللَّبان حِصان ) ( وحوليَ مِن قيسٍ وخِنْدِفَ عصبةٌ ... كرامٌ على البَأْساء والحدثان ) ( وإن تَكُ للسِّنْخِ الذي غَصَّ بالحصَى ... فإنِّي لِقَرْمٍ يا كَثِيرُ هِجَانِ ) ( أنا ابنُ بني قيسٍ عليَّ تعطَّفَتْ ... بَغِيضُ بن ريثٍ بعدَ آل دجان ) - طويل - وقال في ذلك أيضا عبد الله بن الحجاج ( مَنْ مبلغ قيساً وخِنْدِفَ أنني ... أدركْتُ مَظلِمَتي من ابن شهابِ ) ( أدركتُهُ أجري على مَحْبُوكةٍ ... سُرُحِ الجِراءِ طويلةِ الأقرابِ ) ( جرْداءَ سُرْحوبٍ كأنّ هُوِيَّها ... تعلُو بجُؤْجُئِهَا هُوِيُّ عُقاب ) ( خُضْتُ الظلامَ وقد بَدَت لي عورةٌ ... منه فَأَضْرِبه على الأنياب ) ( فتركْتُه يكبُو لِفِيهِ وأَنفِهِ ... ذَهِلَ الجَنان مضرّجَ الأثواب ) ( هلا خشِيتَ وأنت عادٍ ظالمٌ ... بقصور أبْهَرَ نَصْرَتي وعقابي ) ( إذ تستحِلُّ وكان ذاك مُحَرَّماً ... جَلَدي وتَنزعُ ظالماً أثوابي ) ( ما ضرّه والحُرُّ يطلب وتْرَهُ ... بأشمَّ لا رَعِشٍ ولا قَبْقابِ ) - كامل انتصار معاوية لعبد الله بن الحجاج قال فكتب ناس من اليمانية من أهل الكوفة إلى معاوية إن سيدنا ضربه خسيس من غطفان فإن رأيت أن تقيدنا من أسماء بن خارجة فلما قرأ معاوية الكتاب قال ما رأيت كاليوم كتاب قوم أحمق من هؤلاء وحبس عبد الله بن الحجاج وكتب إليهم إن القود ممن لم يجن محظور والجاني محبوس حبسته فليقتص منه المجني عليه فقال كثير بن شهاب لا أستقيدها إلا من سيد مضر فبلغ قوله معاوية فغضب وقال أنا سيد مضر فليستقدها مني وأمن عبد الله بن الحجاج وأطلقه وأبطل ما فعله بابن شهاب فلم يقتص ولا أخذ له عقلا قال أبو زيد وقال خلاد الأرقط في حديثه إن عبد الله بن الحجاج لما ضربه بالعمود قال له أنا عبد الله بن الحجاج صاحبك بالري وقد قابلتك بما فعلت بي ولم أكن لأكتمك نفسي وأقسم بالله لئن طالبت فيها بقود لأقتلنك فقال له أنا أقتص من مثلك والله لا أرضى بالقصاص إلا من أسماء بن خارجة وتكلمت اليمانية وتحارب الناس بالكوفة فكتب معاوية إلى المغيرة أن أحضر كثيرا وعبد الله بن الحجاج فلا يبرحان من مجلسك حتى يقتص كثير أو يعفو فأحضرهما المغيرة فقال قد عفوت وذلك لخوفه من عبد الله بن الحجاج أن يغتاله قال وقال لي يا أبا الأقيرع والله لا نلتقي أنت ونحن جميعا أهتمان وقد عفوت عنك ونسخت من كتاب ثعلب عن ابن الأعرابي قال كان لعبد الله بن الحجاج ابنان يقال لأحدهما عوين والثاني جندب فمات جندب وعبد الله حي فدفنه بظهر الكوفة فمر أخوه عوين بحراث إلى جانب قبر جندب فنهاه أن يقربه بفدانه وحذَّره ذلك فلما كان الغد وجده قد حرث جانبه وقد نبشه وأضر به فشد عليه فضربه بالسيف وعقر فدانه وقال ( أقول لحرَّاثَيْ حريمي جنِّبا ... فَدَانَيْكما لا تُحْرِثا قبر جندبِ ) ( فإنكما إِنْ تحرثاه تُشَرَّدا ... ويذهبْ فَدَانٌ منكما كلَّ مذهب ) - طويل - استعطافه عبد الملك قال فأخذ عوين فاعتقله السجان فضربه حتى شغله بنفسه ثم هرب فوفد أبوه إلى عبد الملك فاستوهب جرمه فوهبه وأمر بألا يتعقب فقال عبد الله بن الحجاج يذكر ما كان من ابنه عوين ( لَمِثْلُكَ يا عويْنُ فَدَتْك نفسِي ... نجا من كُرْبَةٍ إن كان ناجي ) ( عَرَفْتُك من مُصاصِ السِّنْخِ لما ... تركْتُ ابن العُكامِسِ في العَجاج ) قال ولما وفد عبد الله بن الحجاج إلى عبد الملك بسبب ما كان من ابنه عوين مثل بين يديه فأنشده ( يابن أبي العاصي ويا خير فَتَى ... أنت النجيبُ والخِيارُ المصطفى ) ( أنت الذي لم تدَعِ الأمرَ سُدَى ... حينَ كشفْتَ الظُّلُمَاتِ بالهدى ) ( ما زلْتَ إن نازٍ على الأمر انتزَى ... قَضَيْته إنَّ القضاء قد مضى ) ( كما أذقْتَ ابن سعيدٍ إذ عصى ... وابنَ الزبير إذ تسمَّى وطغى ) ( وأنتَ إن عُدَّ قديم وبِنَى ... من عبد شمس في الشَّماريخ العُلَى ) ( جِيبَتْ قريشٌ عنكُمُ جَوْبَ الرَّحَى ... هل أنت عاف عن طريدٍ قد غوى ) ( أهْوَى على مَهْواةِ بِئرٍ فهَوَى ... رَمَى به جُوْلٌ إلى جُول الرَّجا ) ( فتجبرَ اليومَ به شيخاً ذَوَى ... يعوِي مع الذئب إذ الذئبُ عوى ) ( وإن أراد النومَ لم يَقْضِ الكرى ... من هَوْلِ ما لاقى وأهوال الردى ) ( يشكُر ذاك ما نفَتْ عينٌ قذَى ... نفسي وآبائي لك اليوم الفِدا ) - رجز - فأمر عبد الملك بتحمل ما يلزم ابنه من غرم وعقل وأمنه ونسخت من كتاب ثعلب عن ابن الأعرابي قال وفد عبد الله بن الحجاج إلى عبد العزيز بن مروان ومدحه فأجزل صلته وأمره بأن يقيم عنده ففعل فلما طال مقامه اشتاق إلى الكوفة وإلى أهله فاستأذن عبد العزيز فلم يأذن له فخرج من عنده غاضبا فكتب عبد العزيز إلى أخيه بشر أن يمنعه عطاءه فمنعه ورجع عبد الله لما أضر به ذلك إلى عبد العزيز وقال يمدحه ( تركت ابنَ ليلى ضَلَّةً وحَرِيمَه ... وعند ابنِ ليلى معقِل ومُعَوَّلُ ) ( ألم يَهْدِني أنَّ الْمُرَاغَم واسعٌ ... وأنّ الديار بالمقيم تَنَقَّلُ ) ( سأحكم أمري إنْ بدا لي رُشْدُه ... وأختارُ أهلَ الخيرِ إن كنتُ أعقل ) ( وأترك أوطاري وألحقُ بامرىءٍ ... تَحَلَّبُ كفّاه النَّدَى حين يُسْأَل ) ( أَبَتْ لك يا عبدَ العزيزِ مآثرٌ ... وجَريٌ شأَى جرْيَ الجياد وأوّلُ ) ( أبي لك إذْ أكْدَوْا وقلَّ عطاؤُهُمْ ... مواهبُ فَيّاضٍ ومجدٌ مؤثَّل ) ( أبوك الذي يَنْميك مروانُ للعلى ... وسَعْدُ الفتى بالخال لا مَنْ يُخَوَّل ) - طويل - فقال له عبد العزيز أما إذ عرفت موضع خطئك واعتزمت به فقد صفحت عنك وأمر باطلاق عطائه ووصله وقال له أقم ما شئت عندنا أو انصرف مأذونا لك إذا شئت ونسخت من كتابه أيضا كان عمر بن هبيرة بن معية بن سكين قد ظلم عبد الله بن الحجاج حقا له واستعان عليه بقومه فلقوه في بعلبك فعاونوا عبد الله بن الحجاج عليه وفرقوه بالسياط حتى انتزعوا حقه منه فقال عبد الله في ذلك ( ألا أبلِغْ بني سعدٍ رسولاً ... ودونهُمُ بُسَيْطةُ فالمعاط ) ( أميطُوا عنكُمُ ضَرْطَ ابن ضرطٍ ... فإنّ الخُبْثَ مِثْلهمُ يُماط ) ( ولي حقٌّ فَرَاطةُ أوّلِينا ... قديماً والحقوق لها افتراط ) ( فما زالت مباسطتي ومَجْدي ... وما زال التهايُط والمِياط ) ( وجدِّي بالسياط عليك حتّى ... تُرِكْتَ وفي ذُناباكَ انبساط ) ( مَتى ما تعترِضْ يوماً لحقِّي ... تلاقِكَ دونَه سُعْرٌ سِباط ) ( من الحيَّينِ ثعلبةَ بن سَعْدٍ ... ومرَّةَ أخذ جمعِهِمُ اعتباط ) ( تراهُمْ في البيوت وهُمْ كسالىَ ... وفي الهيجا إذا هِيجوا نِشاط ) - وافر - والقصيدة التي فيها الغناء بذكر أمر عبد الله بن الحجاج أولها ( نَأَتْك ولم تخشَ الفِراقَ جَنوبُ ... وشطَّتْ نَوًى بالضاعنين شَعُوب ) ( طَرِبْتَ إلى الحيِّ الذين تحمَّلوا ... بِبُرْقَة أحوازٍ وأنت طروب ) ( فظَلْتُ كأنِّي ساوَرَتْني مُدامةٌ ... تمنى بها شَكْسُ الطِّباع أريب ) ( تُمرُّ وتستحلي على ذاك شَرْبُها ... لوجه أخيها في الإِناء قُطوبُ ) ( كُمَيْتٌ إذا صُبَّتْ وفي الكأس وردةٌ ... لها في عظام الشاربين دبيب ) ( تَذَكَّرْتُ ذِكرَى من جنوبَ مصيبة ... ومالك من ذكرى جنوبَ نصيبُ ) ( وأنىَّ ترجَّي الوصلَ منها وقد نأتْ ... وتبخلُ بالموجود وَهْيَ قريب ) ( فما فوقَ وَجْدي إذ نأتْ وَجْدُ واجدٍ ... من النّاس لو كانت بذاك تثيب ) ( برَهْرَهَةٌ خَوْدٌ كأنَّ ثيابها ... على الشَّمس تبدو تارةً وتغيب ) وهي قصيدة طويلة الحجاج يحرض عبد الملك عليه ونسخت من كتاب ثعلب عن ابن الأعرابي قال كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يعرفه آثار عبد الله بن الحجاج وبلاءه من محاربته وأنه بلغه أنه أمنه ويحرضه ويسأله أن يوفده إليه ليتولى قتله وبلغ ذلك عبد الله بن الحجاج فجاء حتى وقف بين يدي عبد الملك ثم أنشده ( أعوذُ بثوْبَيْك اللَّذَيْنِ ارتداهما ... كريمُ الثَّنا مِن جَيْبه المِسْكُ ينفحُ ) ( فإن كنتُ مأكولاً فكن أنتَ آكلي ... وإن كنتُ مذبوحاً فكن أنتَ تذبحُ ) - طويل - فقال عبد الملك ما صنعت شيئا فقال عبد الله ( لأنتَ وخيرُ الظّافرين كرامُهُمْ ... عن المُذْنِبِ الخاشي العقابَ صَفُوحُ ) ( ولو زَلِقَتْ من قَبْلِ عفوك نعلُه ... ترامى به دَحْض المَقَام بَريحُ ) ( نمى بك إن خانت رجالاً عُرُوقهمْ ... أُرُومٌ ودِينٌ لم يَخُنْكَ صحيح ) ( وَعَرْفٌ سَرَى لم يَسْرِ في الناس مثلُه ... وشأوٌ على شأو الرجال مَتوح ) ( تدارَكَني عفوُ ابن مروانَ بعدما ... جَرَى لي من بعد الحياة سنيح ) ( رفعتُ مريحاً ناظريَّ ولم أَكَدْ ... من الهمِّ والكَرْب الشديد أريح ) - طويل فكتب عبد الملك إلى الحجاج إني قد عرفت من خبث عبد الله وفسقه ما لا يزيدني علما به إلا أنه اغتفلني متنكرا فدخل داري وتحرم بطعامي واستكساني فكسوته ثوبا من ثيابي وأعاذني فأعذته وفي دون هذا ما حظر علي دمه وعبد الله أقل وأذل من أن يوقع أمرا أو ينكث عهدا في قتله خوفا من شره فإن شكر النعمة وأقام على الطاعة فلا سبيل عليه وإن كفر ما أوتي وشاق الله ورسوله وأولياءه فالله قاتله بسيف البغي الذي قتل به نظراؤه ومن هو أشد بأسا وشكيمة منه من الملحدين فلا تعرض له ولا لأحد من أهل بيته إلا بخير والسلام أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني قال كانت في القريتين بركة من ماء وكان بها رجل من كلب يقال له دعكنة لا يدخل البركة معه أحد إلا غطّه حتى يغلبه فغط يوما فيها رجلا من قيس بحضرة الوليد بن عبد الملك حتى خرج هاربا فقال ابن هبيرة وهو جالس عليها يومئذ اللهم اصبب علينا أبا الأقيرع عبد الله بن الحجاج فكان أول رجل انحدرت به راحلته فأناخها ونزل فقال ابن هبيرة للوليد هذا أبو الأقيرع والله يا أمير المؤمنين أيهما أخزى الله صاحبه به فأمره الوليد أن ينحط عليه في البركة والكلبي فيها واقف متعرض للناس وقد صدوا عنه فقال له يا أمير المؤمنين إني أخاف أن يقتلني فلا يرضى قومي إلا بقتله أو أقتله فلا ترضى قومه إلا بمثل ذلك وأنا رجل بدوي ولست بصاحب مال فقال دعكنة يا أمير المؤمنين هو في حل وأنا في حل فقال له الوليد دونك فتكأكا ساعة كالكارة حتى عزم عليه الوليد فدخل البركة فاعتنق الكلبي وهوى به إلى قعرها ولزمه حتى وجد الموت ثم خلى عنه فلما علا غطه غطة ثانيه وقام عليه ثم أطلقه حتى تروح ثم أعاده وأمسكه حتى مات وخرج ابن الحجاج وبقي الكلبي فغضب الوليد وهم به فكلمه يزيد وقال أنت أكرهته أفكان يمكن الكلبي من نفسه حتى يقتله فكف عنه فقال عبد الله بن الحجاج في ذلك ( نجَّاني اللَّهُ فَرْداً لا شريك له ... بالقريتين ونفسٌ صُلْبَةُ العود ) ( وذِمَّةٌ مِن يزيدٍ حالَ جانِبُها ... دوني فأنجِيتُ عفواً غيرَ مجهود ) ( لولا الإلهُ وصبري في مغاطستِي ... كان السليمَ وكنت الهالكَ المُودِي ) - بسيط - صوت ( يا حَبَّذا عملُ الشيطان من عملٍ ... إنْ كان من عملِ الشيطان حُبِّيها ) ( لَنظرةٌ من سليمى اليومَ واحدةٌ ... وأشهَى إليَّ من الدُّنيا وما فيها ) - بسيط - الشعر لناهض بن ثومة الكلابي أنشدنيه هاشم بن محمد الخزاعي قال أنشدنا الرياشي قال أنشدنا ناهض بن ثومة أبو العطاف الكلابي هذين البيتين لنفسه وأخبرني بمثل ذلك عمي عن الكراني عن الرياشي والغناء لأبي العبيس بن حمدون ثقيل أول ينشد بالوسطى أخبار ناهض بن ثومة ونسبه هو ناهض بن ثومة بن نصيح بن نهيك بن إمام بن جهضم بن شهاب بن أنس بن ربيعة بن كعب بن بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة شاعر بدوي فارس فصيح من الشعراء في الدولة العباسية وكان يقدم البصرة فيكتب عنه شعره وتؤخذ عنه اللغة روى عنه الرياشي وأبو سراقة ودماذ وغيرهم من رواة البصرة وكان يهجوه رجل من بني الحارث بن كعب يقال له نافع بن أشعر الحارثي فأثرى عليه ناهض فمما قاله في جواب قصيدة هجا بها قبائل قيس قصيدة ناهض التي أولها ( ألا يا اسلما يأيُّها الطَّلَلاَنِ ... وهلْ سالمٌ باقٍ على الحَدَثانِ ) ( أبيْنا لنا حُيِّيتُما اليومَ إننا ... مبينان عن مَيْلٍ بما تَسَلانِ ) ( متى العهدُ مِنْ سلمى التي بَتَّت القُوى ... وأسماءَ إن العهد منذ زمان ) ( ولا زال ينهلُّ الغمامُ عليكما ... سبيلَ الرُّبَى من وابلٍ ودِجانِ ) ( فإنْ أنتما بيَّنتما أو أجبْتما ... فلا زلتما بالنبْتِ ترتديان ) ( وجُرَّ الحريرُ والفِرِنْدُ عليكما ... بأذيالِ رَخْصَاتِ الأكُفِّ هِجان ) ( نظرْتُ ودوني قِيدُ رُمْحَيْن نظرةً ... بعينين إنساناهما غَرِقان ) ( إلى ظُعُنٍ بالعاقِرَيْن كأنّها ... قرائنُ من دوحِ الكثيبِ ثمانِ ) ( لسلمى وأسماءَ اللتين أَكَنّتَا ... بقلبي كَنِينَيْ لوعةٍ وضمان ) ( عسى يُعقِبُ الهجرُ الطويل تدانيا ... ويا ربَّ هجرٍ مُعْقِبٍ بتداني ) ( خليليَّ قد أكثرْتما اللومَ فاربَعا ... كَفَانِيَ ما بي لو تُرِكْتُ كفاني ) ( إذا لم تصلْ سَلمى وأسماءُ في الصِّبا ... بحبليْهما حَبْلي فَمَنْ تَصِلانِ ) ( فَدَعْ ذا ولكن قد عجبْتُ لنافع ... ومَعواه من نَجرانَ حيث عواني ) ( عوى أَسَداً لا يزدهيه عِواؤه ... مقيماً بِلَوْذَيْ يَذْبُلٍ وذِقان ) ( لعمري لقد قال ابنُ أشعَرَ نافعٌ ... مقالةَ مَوْطُوءِ الحريم مهان ) ( أيزعم أنّ العامريّ لفعله ... بِعاقِبةٍ يُرْمَى به الرَّجَوان ) ( ويذكر إنْ لاقاه زلّةَ نعلِه ... فجىءْ للذي لم يستبنْ ببيان ) ( كذبتَ ولكِن بابن علبةَ جعفرٍ ... فدَع ما تمنّى زَلَّتِ القَدَمان ) ( أُصِيْبَ فلم يُعْقَلْ وطُلّ فلم يُقَدْ ... فذاك الذي يَخزَى به الأَبَوان ) ( وحُقَّ لمن كان ابنُ أشعر ثَائِراً ... به الطَّلُّ حَتَّى يحشر الثَّقَلانِ ) ( ذليلٌ ذليلُ الرهط أعمَى يسومُه ... بنو عامر ضَيْماً بكل مكان ) ( فلم يَبْقَ إلاّ قوله بلسانه ... وما ضَرَّ قولٌ كاذبٌ بلسانِ ) ( هجا نافعٌ كعباً ليدرك وِتْرَه ... ولم يَهْجُ كعبٌ نافعاً لآوان ) ( ولم تَعْفُ من آثار كعبٍ بوجهه ... قوارعُ منها وُضَّحٌ وقوان ) ( وقد خضَّبوا وجهَ ابنِ علبةَ جعفرٍ ... خضابَ نجيعٍ لا خضابَ دِهان ) ( فلم يَهْجُ كعباً نافعٌ بعد ضربةٍ ... بسيفٍ ولم يَطْعُنْهمُ بِسِنان ) ( فما لك مَهْجًى يا ابن أشعرَ فاكتعِمْ ... على حَجَرٍ واصبر لكل هوان ) ( إذا المرء لم ينهض فيثأرْ بعمِّه ... فليس يُجَلَّى العارُ بالهَذَيان ) ( أبي قيسُ عيلانٍ وعمِّيَ خِنْدِفٌ ... ذَوا البَذْخِ عند الفخر والخَطَران ) ( إذا ما تجمَّعْنا وسارتْ حِذاءنا ... ربيعة لم يُعدَلْ بنا أخوانِ ) ( أليس نبيُّ اللَّه منّا محمدٌ ... وحمزةُ والعباسُ والعمرانِ ) ( ومنا ابنُ عباسٍ ومنا ابن عمِّه ... عليٌّ إمامُ الحق والحَسَنانِ ) ( وعثمان والصِّدِّيقُ مناوإننا ... لنعلم أنَّ الحقَّ ما يَعدان ) ( ومنا بنو العباس فضلاً فمن لكُمْ ... هَلُمُّوه أوْلا يَنْطِقَنَّ يمان ) - طويل - قال فأنشد ناهض هذه االقصيدة أيوب بن سليمان بن علي بالبصرة وعنده خال له من الأنصار فلما ختمها بهذا البيت قال الأنصاري أخرسنا أخرسه الله وكان جده نصيح شاعرا وهو الذي يقول ( ألا مَن لقلبٍ في الحِجاز قسيمُه ... ومنه بأكنافِ الحجاز قسيمُ ) ( معاوِدِ شكوى أنْ نأتْ أمُّ سالِمٍ ... كما يَشْتكِي جُنحَ الظلامِ سليم ) ( سليمٌ لِصِلٍّ أَسْلَمَتْهُ لما بِهِ ... رُقىً قَلَّ عنه دَفْعُها وتميم ) ( فلم تَرِمِ الدارَ البُرَيْصَاءَ فالصفا ... صَفاها فخَلاَّها فأين ترِيمُ ) ( وقفْتُ عليها بازلاً ناهِجِيَّةً ... إذا لم أزُعْها بالزمامِ تَعُوم ) ( كنازاً من الاتي كأنَّ عِظامها ... جُبِرْنَ على كسرٍ فَهُنَّ عثوم ) - طويل - الفضل بن العباس يتحدث في بداوة ناهض أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا محمد بن القاسم قال حدثني الفضل بن العباس الهاشمي من ولد قثم بن جعفر بن سليمان عن أبيه قال كان ناهض بن ثومة الكلابي يفد على جدي قثم فيمدحه ويصله جدي وغيره وكان بدويا جافيا كأنه من الوحش وكان طيب الحديث فحدثه يوما أنهم انتجعوا ناحية الشام فقصد صديقا له من ولد خالد بن يزيد بن معاوية كان ينزل حلب فإذا نزل نواحيها أتاه فمدحه وكان برا به قال فمررت بقرية يقال لها قرية بكر بن عبد الله الهلالي فرأيت دورا متباينة وخصاصا قد ضم بعضها إلى بعض وإذا بها ناس كثير مقبلون ومدبرون عليهم ثياب تحكي ألوان الزهر فقلت في نفسي هذا أحد العيدين الأضحى أو الفطر ثم ثاب إلي ما عزب عن عقلي فقلت خرجت من أهلي في بادية البصرة في صفر وقد مضى العيدان قبل ذلك فما هذا الذي أرى فبينا أنا واقف متعجب أتاني رجل فأخذ بيدي فأدخلني دارا قوراء وأدخلني منها بيتا قد نجد في وجهه فرش ومهدت وعليها شاب ينال فروع شعره منكبيه والناس حوله سماطان فقلت في نفسي هذا الأمير الذي حكي لنا جلوسه على الناس وجلوس الناس بين يديه فقلت وأنا ماثل بين يديه السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته فجذب رجل يدي وقال اجلس فإن هذا ليس بأمير قلت فما هو قال عروس فقلت واثكل أماه لرب عروس رأيته بالبادية أهون على أهله من هن أمه فلم أنشب أن دخل رجال يحملون هنات مدورات أما ما خف منها فيحمل حملا وأما ما كبر وثقل فيدحرج فوضع ذلك أمامنا وتحلق القوم عليه حلقا ثم أتينا بخرق بيض فألقيت بين أيدينا فظننتها ثيابا وهممت أن أسأل القوم منها خرقا أقطعها قميصا وذلك أني رأيت نسجا متلاحما لا يبين له سدى ولا لحمة فلما بسطه القوم بين أيديهم إذا هو يتمزق سريعا وإذا هو فيما زعموا صنف من الخبز لا أعرفه ثم أتينا بطعام كثير بين حلو وحامض وحار وبارد فأكثرت منه وأنا لا أعلم ما في عقبه من التخم والبشم ثم أتينا بشراب أحمر في عساس فقلت لا حاجة لي فيه فإني أخاف أن يقتلني وكان إلى جانبي رجل ناصح لي أحسن الله جزاءه فإنه كان ينصح لي من بين أهل المجلس فقال يا أعرابي إنك قد أكثرت من الطعام وإن شربت الماء همى بطنك فلما ذكر البطن تذكرت شيئا أوصاني به أبي والأشياخ من أهلي قالوا لا تزال حيا ما كان بطنك شديدا فأذا اختلف فأوص فشربت من ذلك الشراب لأتداوى به وجعلت أكثر منه فلا أمل شربه فتداخلني من ذلك صلف لا أعرفه من نفسي وبكاء لا أعرف سببه ولا عهد لي بمثله واقتدار على أمري أظن معه أني لو أردت نيل السقف لبلغته ولو ساورت الأسد لقتلته وجعلت ألتفت إلى الرجل الناصح لي فتحدثني نفسي بهتم أسنانه وهشم أنفه وأهم أحيانا أن أقول له يا بن الزانية فبينا نحن كذلك إذ هجم علينا شياطين أربعة أحدهم قد علق في عنقه جعبة فارسية مشنجة الطرفين دقيقة الوسط مشبوحة بالخيوط شبحا منكرا ثم بدر الثاني فاستخرج من كمه هنة سوداء كفيشلة الحمار فوضعها في فيه وضرط ضراطا لم أسمع وبيت الله أعجب منه فاستتم بها أمرهم ثم حرك أصابعه على أجحرة فيها فأخرج منها أصواتا ليس كما بدأ تشبه بالضراط ولكنه أتى منها لما حرك أصابعه بصوت عجيب متلائم متشاكل بعضه لبعض كأنه علم الله ينطق ثم بدا ثالث كز مقيت عليه قميص وسخ معه مرآتان فجعل يصفق بيديه إحداهما على الأخرى فخالطتا بصوتهما ما يفعله الرجلان ثم بدا رابع عليه قميص مصون وسراويل مصونة وخفان أجذمان لا ساق لواحد منهما فجعل يقفز كأنه يثب على ظهور العقارب ثم التبط به على الأرض فقلت معتوه ورب الكعبة ثم ما برح مكانه حتى كان أغبط القوم عندي ورأيت القوم يحذفونه بالدراهم حذفا منكرا ثم أرسل النساء إلينا أن أمتعونا من لهوكم هذا فبعثوا بهم وجعلنا نسمع أصواتهن من بعد وكان معنا في البيت شاب لا آبه له فعلت الأصوات بالثناء عليه والدعاء فخرج فجاء بخشبة عيناها في صدرها فيها خيوط أربعة فاستخرج من خلالها عودا فوضعه خلف أذنه ثم عرك آذانها وحركها بخشبة في يده فنطقت ورب الكعبة وإذا هي أحسن قينة رأيتها قط وغنى عليها فأطربني حتى استخفني من مجلسي فوثبت فجلست بين يديه وقلت بأبي أنت وأمي ما هذه الدابة فلست أعرفها للأعراب وما أراها خلقت إلا قريبا فقال هذا البربط فقلت بأبي أنت وأمي فما هذا الخيط الأسفل قال الزير قلت فالذي يليه قال المثنى قلت فالثالث قال المثلث قلت فالأعلى قال البم قلت آمنت بالله أولا وبك ثانيا وبالبربط ثالثا وبالبم رابعا قال فضحك أبي والله حتى سقط وجعل ناهض يعجب من ضحكه ثم كان بعد ذلك يستعيده هذا الحديث ويطرف به إخوانه فيعيده ويضحكون منه وقد أخبرني بهذ الخبر أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا علي بن محمد النوفلي عن أبيه قال كان محمد بن خالد بن يزيد بن معاوية بحلب فأتاه أعرابي فقال له حدث أبا عبد الله يعني الهيثم بن النخعي بما رأيت في حاضر المسلمين فحدثه بنحو من هذا الحديث ولم يسم الأعرابي باسمه وما أجدره بأن يكون لم يعرفه باسمه ونسبه أو لم يعرفه الذي حدث به النوفلي عنه الكعبي يستعدي قومه على من عقر إبله نسخت من كتاب لعلي بن محمد الكوفي فيه شعر ناهض بن ثومة قال كان رجل من بني كعب قد تزوج امرأة من بني كلاب فنزل فيهم ثم أنكر منها بعض ما ينكره الرجل من زوجته فطلقها وأقام بموضعه في بني كلاب وكانوا لا يزالون يستحفون به ويظلمونه وإن رجلا منهم أورد إبله الماء فوردت إبل الكعبي عليها فزاحمته لكنها ألفته على ظهره فتكشف فقام مغصباً بسيفه إلى إبل الكعبي فعقر منها عدة وجلاها عن الحوض ومضى الكعبي مستصرخا بني كلاب على الرجل فلم يصرخوه فساق باقي إبله واحتمل بأهله حتى رجع إلى عشيرته فشكا ما لقي من القوم واستصرخهم فغضبوا له وركبوا معه حتى أتوا حلة بني كلاب فاستاقوا إبل الرجل الذي عقر لصاحبهم ومضى الرجل فجمع عشيرته وتداعت هي وكعب للقتال فتحاربوا في ذلك حربا شديدا وتمادى الشر بينهم حتى تساعى حلماؤهم في القضية فأصلحوها على أن يعقل القتلى والجرحى وترد الإبل وترسل من العاقر عدة الإبل التي عقرها للكعبي فتراضوا بذلك واصطلحوا وعادوا إلى الإلفة فقال في ذلك ناهض بن ثومة ( أمِنْ طَلَلٍ بأخطبَ أبَّدَتْهُ ... نِجاءُ الوَبْل والدِّيَمُ النِّضاحُ ) ( ومَرُّ الدهر يوماً بعد يوم ... فما أبقى المساءُ ولا الصباح ) ( فكل محَلَّة غَنيَتْ بسلمى ... لِرَيْدات الرياح بها نُواح ) ( تَطُلُّ على الجفون الحُزْنَ حتى ... دموعُ العين ناكزةٌ نزاح ) وهي طويلة يقول فيها ( هنيئاً للعدَى سخطٌ وزَعْمٌ ... وللفَرْعَيْن بينهما اصطلاحُ ) ( وللعين الرقادُ فقد أطالت ... مساهرةً وللقلب انتجاحُ ) ( وقد قال العُداةُ نرى كلاباً ... وكعباً بين صلحهما افتتاحُ ) ( تداعَوْا للسَّلام وأمرِ نُجْحٍ ... وخيرُ الأمر ما فيه النجاح ) ( ومدُّوا بينهم بحبال مَجْدٍ ... وثديٍ لا أَجَدُّ ولا ضَيَاح ) ( ألم تَرَ أنَّ جمع القوم يُحشى ... وأنَّ حَريم واحدهمْ مباح ) ( وأن القِدْح حين يكون فرداً ... فيُصْهر لا يكون له اقتداح ) ( وإنك إن قبضْتَ بها جميعاً ... أَبَتْ ما سُمْتَ واحدَها القداح ) ( أنا الخَطَّارُ دون بني كلابٍ ... وكعبٍ إنْ أتيح لهمْ مُتاحُ ) ( أنا الحامي لهمْ ولكل قَرْمٍ ... أخٌ حَامٍ إذا جَدَّ النِّضَاحُ ) ( أنا الليثُ الذي لا يزدهيه ... عُواءُ العاويات ولا النُّبَاح ) ( سلِ الشعراءَ عني هل أَقَرَّتْ ... بقلبي أو عَفَتْ لهمُ الجراح ) ( فما لكواهلِ الشُّعراءِ بُدٌّ ... من القَتَب الذي فيه لَحَاح ) ( ومن تَوْرِيكِ راكبِهِ عليهمْ ... وإن كرهوا الركوب وإنْ ألاحوا ) - وافر - شعره في وقعة بين بني نمير وكلاب ونسخت من هذا الكتاب الذي فيه شعره أن وقعة كانت بين بني نمير وبني كلاب بنواحي ديار مضر وكانت لكلاب على بني نمير وأن نميرا استغاثت ببني تميم ولجأت إلى مالك بن زيد سيد تميم يومئذ بديار مضر فمنع تميما من إنجادهم وقال ما كنا لنلقي بين قيس وخندف دماء نحن عنها أغنياء وأنتم وهم لنا أهل وإخوة فإن سعيتم في صلح عاونا وإن كانت حمالة أعنا فأما الدماء فلا مدخل لنا بينكم فيها فقال ناهض بن ثومة في ذلك ( سلامُ اللَّه يا مالِ بنَ زيد ... عليك وخيرُ ما أُهْدي السلاما ) ( تعلم أَيُّنا لكُمُ صديقٌ ... فلا تستعجلوا فينا الملاما ) ( ولكنَّا وحيُّ بني تميم ... عداةٌ لا نرى أبداً سلاما ) ( وإن كنا تَكافَفْنا قليلاً ... كحرف السِّيفِ ينهار انهداما ) ( وهَيْضُ العظم يُصبح ذا انصداع ... وقد ظَنَّ الجهول بهِ التئاما ) ( فلن ننسى الشبابَ الْمُوْدَ مِنَّا ... ولا الشِّيبَ الجحاجِحَ والكِراما ) ( ونَوْحَ نوائحٍ منّا ومنهمْ ... مآتِم ما تجِفّ لهمْ سِجاما ) ( فكيف يكون صلحٌ بعد هذا ... يرجِّي الجاهلون لهم تِماما ) ( ألا قل للقبائِل من تميمٍ ... وخُصَّ لمالِكٍ فيها الكلاما ) ( فزِيدُوا يا بني زيدٍ نمُيراً ... هَوانا إنه يُدْني الفِطاما ) ( ولا تُبقوا على الأعداء شيئاً ... أعزَّ اللَّهُ نَصْرَكُمُ وداما ) ( وجدْتُ المجدَ في حَيِّيْ تميمٍ ... ورَهْطِ الهَذْلَقِ المُوفي الذَّماما ) ( نجوم القوم مازالوا هُداةً ... وما زَالُوا لآبيهم زِماما ) ( هُمُ الرأسُ المُقَدَّم من تميمٍ ... وغاربُها وأوفاها سَناما ) ( إذا ما غاب نجْمٌ آب نجمٌ ... أغرُّ ترى لطلعتِه ابتساما ) ( فهذي لابن ثُومَةَ فانسُبُوها ... إليه لا اختفاءَ ولا اكتتاما ) ( وإن رَغِمَتْ لذاك بنو نُمَيْرٍ ... فلا زالتْ أُنُوفُهُمُ رَغاما ) قال يعني بالهذلق الهذلق بن بشير أخا بني عتيبة بن الحارث بن شهاب وابنيه علقمة وصباحا قال وكانت بنو كعب قد اعتزلت الفريقين فلم تصب كلابا ولا نميرا فلما ظفرت كلاب قال لهم ناهض ( ألا هل أتى كعباً على نَأْي دارهمْ ... وخُذْلانهمْ أَنَّا سَرَرْنا بني كَعْبِ ) ( بما لَقِيَتْ منا نميرٌ وجمعُها ... غَداةَ أتيْنا في كتائبنا الغُلْب ) ( فيا لك يوماً بالحمى لا نرى له ... شبيهاً وما في شَيْبانَ من عَتْب ) ( أقامتْ نمير بالحمى غير رغبة ... فكانَ الذي نالتْ نميرٌ من النَّهْب ) ( رؤوسٌ وأوصالٌ يزايل بينها ... سباعٌ تدلَّت من أبانَيْنِ والهضْب ) ( لنا وَقَعاتٌ في نميرٍ تتابعتْ ... بضيْمٍ على ضَيْمٍ ونَكْبٍ على نَكْب ) ( وقد علمتْ قيسُ بنُ عيلان كلُّها ... وللحرب أبناءٌ بأنَّا بنو الحَرْبِ ) ( ألم تَرَهُمْ طُرًّا علينا تحزّبوا ... وليس لنا إلا الرُّدَيْنيُّ من حزْبِ ) ( وإنا لنقتادُ الجيادَ على الوَجَى ... لأعدائنا مَن لا مُدانٌ ولا صَقْبُ ) ( ففي أيِّ فجٍّ ما رَكَزْنا رماحَنا ... مَخُوْفٍ بِنَصْبٍ للعِدا حين لا نَصْب ) - طويل - أخبرنا جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب قال حدثني أبو هفان قال حدثني غرير بن ناهض بن ثومة الكلابي قال كان شاعر من نمير يقال له رأس الكبش قد هاجى عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير زمانا وتناقضا الشعر بينهما مدة فلما وقعت الحرب بيننا وبين بني نمير قال عمارة يحرض كعبا وكلابا ابني ربيعة على بني نمير في هذه الحرب التي كانت بينهم فقال ( رأيتكما يابنَيْ ربيعةَ خُرْتُما ... وعَوَّلْتُما والحربُ ذات هريرِ ) ( وَصَدَّقْتُما قول الفرزدق فيكما ... وكذَّبْتُما بالأمس قول جريرِ ) ( فإنْ أنتما لم تَقْذِعا الخيلَ بالقنا ... فِصيرا مع الأنباط حيث تصير ) ( تسومكما بغْياً نميرٌ هضيمةً ... ستُنجدُ أخبارٌ بهمْ وتغور ) - طويل - قال فارتحلت كلاب حين أتاها هذا الشعر حتى أتوا نميرا وهم في هضبات يقال لهن واردات فقتلوا واجتاحوا وفضحوا نميرا ثم انصرفوا فقال ناهض بن ثومة يجيب عمارة عن قوله ( وَيَحْضُضنا عُمارةُ في نميرٍ ... ليَشْغَلَهُمْ بنا وبه أرابوا ) ( ويزعمُ أننا خرْنا وأنّا ... لهم جارُ المقربّة المصابُ ) ( سلَوا عنا نميراً هل وَقَعْنا ... بنزوتها التي كانت تُهاب ) ( ألم تخضعْ لهم أَسَدٌ ودانت ... لهم سَعْدٌ وضَبَّةُ والرباب ) ( ونحن نكُرُّها شُعْثاً عليهمْ ... عليها الشِّيبُ منا والشباب ) ( رَغِبْنا عن دماء بني قُرَيع ... إلى القَلْعَينْ إنهما اللُّبابُ ) ( صَبَحْنَاهُمْ بأرعنَ مكفهرٍّ ... يدفُّ كأنَّ رايتَه العُقَاب ) ( أجشَّ من الصواهل ذي دويٍّ ... تلوح البِيضُ فيه والحِراب ) ( فأشْعَلَ حين حلّ بوارداتٍ ... وثار لنقعه ثَمَّ انصبابُ ) ( صَبَحْناهُمْ بها شُعْثَ النواصي ... ولم يُفْتَق من الصبح الحجابُ ) ( فلم تُغمَدْ سيوفُ الهندِ حتى ... تعيلَتِ الحليلةُ والكَعَاب ) - وافر - صوت ( أَعَرَفْتَ من سلمى رسومَ ديارِ ... بالشَّطِّ بين مُخْفِّقٍ وصَحارِ ) ( وكأنما أَثَرُ النِّعاج بجَوِّها ... بمَدَافع الرَّكَبَيْنِ وَدْعُ جواري ) ( وسألْتُها عن أهلها فوجدْتُها ... عمياءَ جاهلةً عن الأخبار ) ( فكأنَّ عيني غَرْبُ أدهمَ داجنٍ ... متعوِّد الإقبال والإدبار ) - كامل - الشعر للمخبل السعدي والغناء لإبراهيم هزج بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق قال الهشامي فيه لإبراهيم ثقيل أول ولعنان بنت خوط خفيف رمل أخبار المخبل ونسبه قال ابن الكلبي اسمه الربيع بن ربيعة وقال ابن دأب اسمه كعب ابن ربيعة وقال ابن حبيب وأبو عمرو اسمه ربيعة بن مالك بن ربيعة بن عوف بن قتال بن أنف الناقة بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة ابن تميم شاعر فحل من مخضرمي الجاهلية والإسلام ويكنى أبا يزيد وإياه عنى الفرزدق بقوله ( وَهَبَ القصائدَ لي النَّوابغُ إذ مَضَوْا ... وأبو يزيدَ وذو القُرُوح وجَرْوَلُ ) ذو القروح امرؤ القيس وجرول الحطيئة وأبو يزيد المخبل وذكره ابن سلام فجعله في الطبقة الخامسة من فحول الشعراء وقرنه بخداش بن زهير والأسود بن يعفر وتميم بن مقبل وهو من المقلين وعمر في الجاهلية والإسلام عمرا كثيرا وأحسبه مات في خلافة عمر أو عثمان رضي الله عنهما وهو شيخ كبير وكان له ابن فهاجر إلى الكوفة في أيام عمر فجزع عليه جزعا شديدا حتى بلغ خبره عمر فرده عليه هجره ولده وجزعه عليه أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه وأخبرني به هاشم بن محمد الخزاعي عن أبي غسان دماذ عن ابن الأعرابي قال هاجر شيبان بن المخبل السعدي وخرج مع سعد بن أبي وقاص لحرب الفرس فجزع عليه المخبل جزعا شديدا وكان قد أسن وضعف فافتقر إلى ابنه فافتقده فلم يملك الصبر عنه فكاد أن يغلب على عقله فعمد إلى إبله وسائر ماله فعرضه ليبيعه ويلحق بابنه وكان به ضنينا فمنعه علقمة بن هوذة بن مالك وأعطاه مالا وفرسا وقال أنا أكلم أمير المؤمنين عمر في رد ابنك فإن فعل غنمت مالك وأقمت في قومك وإن أبى استنفقت ما أعطيتك ولحقت به وخلفت إبلك لعيالك ثم مضى إلى عمر رضوان الله عليه فأخبره خبر المخبل وجزعه على ابنه وأنشده قوله ( أَيُهْلِكُني شيبانُ في كلِّ ليلة ... لقلبِيَ من خوف الفِراق وَجيبُ ) ( أشيبانُ ما أدراك أنْ كلُّ ليلة ... غَبَقْتُك فيها والغَبوق حبيبُ ) ( غَبَقْتُك عُظْماها سناماً أو انبرى ... برِزقك بَرَّاق المُتُون أريبُ ) ( أشيبانُ إن تأبى الجيوش بحدّهمْ ... يقاسون أياماً لهنَّ خطوب ) ( ولا هَمَّ إلا البَزُّ أو كلُّ سابح ... عليه فتىً شاكي السلاحِ نجيبُ ) ( يَذُودُون جُند الْهُرْمُزَانِ كأنّما ... يذودون أوراد الكلاب تلوب ) ( فإن يكُ غُصْني أصبحَ اليوم ذاوياً ... وغُصْنُكَ من ماء الشباب رطيبُ ) ( فإنِّي حَنَتْ ظهري خطوبٌ تتابعت ... فَمَشْيِي ضعيفٌ في الرجال دبيبُ ) ( إذا قال صَحْبي يا ربيعُ ألا ترى ... أرى الشخص كالشخْصين وهو قريب ) ( ويخبرني شيبانُ أنْ لن يعقَّني ... تَعُقُّ إذا فارقْتَني وتحوب ) ( فلا تُدْخِلنَّ الدَهرَ قبرَك حوبة ... يقوم بها يوماً عليك حسيب ) - طويل - يعني بقوله حسيب الله عز ذكره قال فلما أنشد عمر بن الخطاب هذه الأبيات بكى ورق له فكتب إلى سعد يأمره أن يقفل شيبان بن المخبل ويرده على أبيه فلما ورد الكتاب عليه أعلم شيبان ورده فسأله الإغضاء عنه وقال لا تحرمني الجهاد فقال له أنها عزمة من عمر ولا خير لك في عصيانه وعقوق شيخك فانصرف إليه ولم يزل عنده حتى مات وأخبرني بهذا الخبر أحمد بن عبيد الله بن عمار والجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة أن شيبان بن المخبل كان يرعى إبل أبيه فلا يزال أبوه يقول أحسن رعية إبلك يا بني فيقول أراحني الله من رعية إبلك ثم فارق أباه وغزا مع أبي موسى وانحدر إلى البصرة وشهد فتح تستر فقال فذكر أبوه الأبيات وزاد فيها قوله ( إذا قلتُ تَرعَى قال سوف تريحني ... من الرَّعي مِذْعانُ العشي خَبُوب ) - طويل - قال أبو يزيد وحدثناه عتاب بن زياد قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا مسعود عن معن بن عبد الرحمن فذكر نحوه ولم يقل شيبان بن المخبل ولكنه قال انطلق رجل إلى الشام وذكر القصة والشعر الزبرقان يرفض تزويج اخته للمخبل أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله عن ابن حبيب قال خطب المخبل السعدي إلى الزبرقان بن بدر أخته خليدة فمنعه إياها ورده لشيء كان في عقله وزوجها رجلا من بني جشم بن عوف يقال له مالك بن أمية بن عبد القيس من بني محارب فقتل رجلا من بني نهشل يقال له الجلاس بن مخربة بن جندل بن جابر بن نهشل اغتيالا ولم يعلم به أحد ففقد ولم يعلم له خبر فبينما جار الزبرقان الذي من عبد القيس قاتل الجلاس ليلة يتحدث إذ غلط فحدث هزالا بقتله الرجل وذلك قبل أن يتزوج هزال إلى الزبرقان فأتى هزال عبد عمرو بن ضمرة بن جابر بن نهشل فأخبره فدعا هزال قاتل الجلاس فأخرجه عن البيوت ثم اعتوره هو وعبد عمرو فضرباه حتى قتلاه ورجع هزال إلى الحي وضرب عبد عمرو حتى لجأ إلى أخواله بني عطارد بن عوف فقالت امرأة مالك بن أمية المقتول ( أجيرانَ ابنِ ميَّةَ خبِّروني ... أَعَيْنٌ لابن مَيّةَ أم ضِمارُ ) ( تجلّل خزيَها عوفُ بنُ كعب ... فليس لنسلِهمْ منها اعتذارُ ) - وافر - قال فلما زوج الزبرقان أخته خليدة هزالا بعد قتله جاره عيب عليه وعير به وهجاه المخبل فقال ( لَعَمْرُكَ إِنَّ الزِّبرِقانَ لدَائِمٌ ... على الناس تعدو نَوْكُه ومَجاهلهْ ) ( أَأَنْكَحْتَ هَزَّالا خُلَيْدةَ بعدما ... زَعمْتَ بظهر الغيب أنك قاتلُهْ ) ( فأنكحْتَه رَهْواً كأنَّ عِجَانها ... مَشَقٌّ إهابٍ أَوْسَعَ السَّلْخَ ناجِلُهْ ) ( يلاعبها فوق الفراش وجارُكُمْ ... بذي شُبْرُمَانٍ لم تَزَيَّلْ مفاصِلُهْ ) - طويل - قال ولج الهجاء بين المخبل والزبرقان حتى تواقفا للمهاجاة واجتمع الناس عليهما فاجتمعا لذلك ذات يوم وكان الزبرقان أسودهما فابتدأ المخبل فأنشده قصيدته ( أُنْبِئْتُ أن الزِّبْرِقانَ يسُبُّني ... سَفِهاً ويَكْرَهُ ذو الحِرَيْن خِصالي ) - كامل - قال وإنما سماه ذا الحرين لأنه كان مبدنا فكان له ثديان عظيمان فسبه بهما وشبههما بالحرين ويقال إنه إنما عيره بأخته وابنته ولم يكن للمخبل ابن في الجاهلية قال ( أفلا يفاخرني ليعلم أيُّنا ... أدنى لأكرمِ سُودَدٍ وفِعالِ ) فلما بلغ إلى قوله ( وأبوك بدرٌ كان مُشْتَرِطَ الخُصَى ... وأبي الجوادُ ربيعةُ بنُ قِتالِ ) - كامل - فلما أنشده هذا البيت قال ( وأبوك بدرٌ كان مُشْتَرِطَ الخُصَى ... وأبي ) ثم انقطع عليه كلامه إما بشرق أو انقطاع نفس فما علم الناس ما يريد أن يقوله بعد قوله وأبي فسبقه الزبرقان قبل أن يتم ويبين فقال صدقت وما في ذاك إن كان شيخانا قد اشتركا في صنعه فغلبه الزبرقان وضحكوا من قوله وتفرقوا وقد انقطع بالمخبل قوله أخبرنا اليزيدي قال حدثني عمي عن عبيد الله عن ابن حبيب قال كان زرارة بن المخبل يليط حوضه فأتاه رجل من بني علباء بن عوف فقال له صارعني فقال له زرارة إني عن صراعك لمشغول فجذب بحجزته وهو غافل فسقط فصاح به فتيان الحي صرع زرارة وغلب فأخذ زرارة حجرا فأخذ به رأس العلباوي فسأل المخبل بغيض بن عامر بن شماس أن يتحمل عن ابنه الدية فتحملها وتخلصه وكسا المخبل حلة حسنة وأعطاه ناقة نجيبة فقال المخبل يمدحه ( لعمرُ أبيك لا ألقى ابن عَمٍّ ... على الحدَثَانِ خيراً من بَغِيضِ ) ( أقلَّ ملامةً وأعزَّ نصراً ... إذا ما جئْتُ بالأمر المريض ) ( كساني حُلَّةً وحبا بعَنْس ... أَبُسُّ بها إذا اضطربَتْ غُرُوضي ) ( غداةَ جنى بُنَيَّ عليَّ جُرْماً ... وكيف يَدايَ بالحرب العَضُوض ) ( فقد سدَّ السبيلَ ابوحُمَيْد ... كما سدّ المخاطَبةَ ابنُ بيض ) - وافر - خبر ابن بيض أبو حميد بغيض بن عامر وأما قوله كما سد المخاطبة ابن بيض فإن ابن بيض رجل من بقايا قوم عاد كان تاجرا وكان لقمان بن عاد يجيز له تجارته في كل سنة بأجر معلوم فأجازه سنة وسنتين وعاد التاجر ولقمان غائب فأتى قومه فنزل فيهم ولقمان في سفره ثم حضرت التاجر الوفاة فخاف لقمان على بنيه وماله فقال لهم إن لقمان صائر إليكم وإني أخشاه إذا علم بموتي على مالي فاجعلوا ماله قبلي في ثوبه وضعوه في طريقه إليكم فإن أخذه واقتصر عليه فهو حقه فادفعوه إليه واتقوه وإن تعداه رجوت أن يكفيكم الله إياه ومات الرجل وأتاهم لقمان وقد وضعوا حقه علي طريقه فقال سد ابن بيض الطريق فأرسلها مثلا وانصرف وأخذ حقه وقد ذكرت ذلك الشعراء فقال بشامة بن عمرو ( كثوبِ ابنِ بِيضٍ وَقاهُمْ بِهِ ... فسدّ على السالكين السبيلا ) - متقارب - قال ابن حبيب ولما حشدت بنو علباء للمطالبة بدم صاحبهم حشدت بنو قريع مع بغيض لنصر المخبل ومشت المشيخة في الأمر وقالوا هذا قتل خطأ فلا تواقعوا الفتنة واقبلوا الدية فقبلوها وانصرفوا فقال زرارة بن المخبل يفخر بذلك ( فاز المُخالِسُ لمَّا أنْ جرى طَلَقاً ... أمّا حُطَيْمُ بن عِلْباء فقد غُلبا ) ( إني رَمَيْتُ بِجُلمودٍ على حَنَقٍ ... مِني إليه فكانت رِمْيةً غَرباً ) ( لَيْثاً إليَّ يَشُقُّ الناسَ منفرِجاً ... لحياهُ عنَّانةٌ لا يَتَّقي الخشَبا ) ( فَأَوْرَثَتْنِي قتيلاً إن لقيتُ وإن ... أَمَّلْتُ كانت سماع السَّوء والحَرَبَا ) - بسيط - ثم أخذ بنو حازم جارا لبني قشير فأغار عليه المنتشر بن وهب الباهلي فأخذ إبله فسأل في بني تميم حتى انتهى إلى المخبل فلما سأله قال له إن شئت فاعترض إبلي فخذ خيرها ناقة وإن شئت سعيت لك في إبلك فقال بل إبلي فقال المخبل ( إنّ قُشَيْراً من لِقاح ابن حازِم ... كراحِضة حَيْضاً وليست بطاهرِ ) ( فلا يَأْكُلَنْها الباهِليُّ وتَقعدوا ... لدي غرضٍ أَرْمِيكُمُ بالنواقِر ) ( أغرّك أَنْ قالوا لعزة شاعرٍ ... فناك أباه من خفيرٍ وشاعرِ ) - طويل - فلما بلغهم قول المخبل سعوا بإبله فردها عليهم حزن بن معاوية بن خفاجة بن عقيل فقال المخبل في ذلك ( تدارك حزْنٌ بالقنا آل عامر ... قَفَا خَضَنٍ والكرُّ بالخيل أعسرُ ) ( فإنِّي بذا الجار الخفاجِيِّ واثقٌ ... وقلبي من الجارِ العِباديّ أوجر ) ( إذا ما عُقَيْلِيٌّ أقامَ بِذِمّةِ ... شريكيْنِ فيها فالعِبادِيُّ أوجر ) ( لعمري لقد خارَت خفاجةُ عامراً ... كما خِيرَ بيتٌ بالعراق المشقَّرُ ) ( وإنّك لو تعطي العِباديَّ مِشْقصا ... لراشىَ كما راشىَ على الطبع أبخر ) - طويل - راشى من الرشوة المخبل وخليدة بنت بدر أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال مر المخبل السعدي بخليدة بنت بدر أخت الزبرقان ابن بدر بعد ما أسن وضعف بصره فأنزلته وقربته وأكرمته ووهبت له وليدة وقالت له إني آثرتك بها يا أبا يزيد فاحتفظ بها فقال ومن أنت حتى أعرفك وأشكرك قالت لا عليك قال بلى والله أسألك قالت أنا بعض من هتكت بشعرك ظالما أنا خليدة بنت بدر فقال واسوأتاه منك فإني أستغفر الله عز و جل وأستقيلك وأعتذر إليك ثم قال ( لقد ضلَّ حِلمِي في خُلَيْدةَ إنَّني ... سَأُعْتِبُ نفسي بعدها وأموت ) ( فأقسمُ بالرحمن إنِّي ظلمْتُها ... وجُرْتُ عليها والهِجاءُ كَذوبُ ) - طويل والقصيدة التي فيها الغناء المذكور بشعر المخبل وأخباره يمدح بها علقمة بن هوذة ويذكر فعله به وما وهبه له من ماله ويقول ( فَجَزَىَ الإِلهُ سَراةَ قومي نَضْرةً ... وسقاهُمُ بمشارب الأبرارِ ) ( قومٌ إذا خافوا عِثارَ أخِيهُمُ ... لا يُسْلمونَ أخاهُمُ لِعثارِ ) ( أمثالُ عَلقمةَ بنِ هوذةَ إذْ سعى ... يخشى عَليَّ متالفَ الأبصار ) ( أَثْنَوْا عليَّ وأحسنوا وترافَدُوا ... لي بالمَخَاض البُزْلِ والأبكارِ ) ( والشَّوْلِ يتبعُها بناتُ لَبُونِها ... شَرِقاً حناجِرُها من الجَرْجار ) - كامل - أخبرنا أبو زيد عن عبد الرحمن عن عمه وأخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله عن ابن حبيب وأخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن لقيط قالوا اجتمع الزبرقان بن بدر والمخبل السعدي وعبدة بن الطبيب وعمرو بن الأهتم قبل أن يسلموا وبعد مبعث النبي فنحروا جزورا واشتروا خمرا ببعير وجلسوا يشوون ويأكلون فقال بعضهم لو أن قوما طاروا من جودة أشعارهم لطرنا فتحاكموا إلى أول من يطلع عليهم فطلع عليهم ربيعة بن حذار الأسدي وقال اليزيدي فجاءهم رجل من بني يربوع يسأل عنهم فدل عليهم وقد نزلوا بطن واد وهم جلوس يشربون فلما رأوه سرهم وقالوا له أخبرنا أينا أشعر قال أخاف أن تغضبوا فآمنوه من ذلك فقال أما عمرو فشعره برود يمنية تنشر وتطوى وأما أنت يا زبرقان فكأنك رجل أتى جزورا قد نحرت فأخذ من أطايبها وخلطه بغير ذلك وقال لقيط في خبره قال له ربيعة بن حذار وأما أنت يا زبرقان فشعرك كلحم لم ينضج فيؤكل ولم يترك نيئا فينتفع به وأما أنت يا مخبل فشعرك شهب من نار الله يلقيها على من يشاء وأما أنت يا عبدة فشعرك كمزادة أحكم خرزها فليس يقطر منها شيء أخبرنا اليزيدي عن عمه عن ابن حبيب قال كان رجل من بني امرئ القيس يقال له روق مجاورا في بكر بن وائل باليمامة فأغاروا على إبله وغدروا به فأتى المخبل يستمنحه فقال له إن شئت فاختر خير ناقة في إبلي فخذها وإن شئت سعيت لك فقال أن تسعى بي أحب إلي فخرج المخبل فوقف على نادي قومه ثم قال ( أدُّوا إلى رَوْح بن حَسْسانَ ... بن حارثةَ بن مُنْذرْ ) ( كَوْماءَ مُدْفأةً كأنْنَ ... ضروعَها حَمَّاءُ أجفرْ ) ( تأبى إلى بصص تَسُحْحُ ... المَحْضَ باللبن الفَضَنْفَرْ ) - مجزوء الكامل - فقالوا نعم ونعمة فجمعوا له بينهم الناقة والناقتين من رجلين حتى أعطوه بعدة إبله وقال ابن حبيب في هذه الرواية كان رجل من بني ضبة صوت ( أُسْلُ عن ليلى علاك المَشِيبُ ... وتصابي الشيخِ شيءٌ عجيبُ ) ( وإذا كان النسيبُ بِسلمى ... لذَّ في سلمىوطَابَ النسيبُ ) ( إنما شبَّهْتُها إذ تراءت ... وعليها من عيونٍ رقيبُ ) ( بطلوع الشَّمس في يومِ دَجْنٍ ... بُكرةً أو حان منها غروبُ ) ( إنني فاعلم وإنْ عزَّ أهلي ... بالسُّويداءِ الغداةَ غريب ) - مديد - الشعر لغيلان بن سلمة الثقفي وجدت ذلك في جامع شعره بخط أبي سعيد السكري والغناء لابن زرزور الطائفي خفيف ثقيل أول بالوسطى عن يحيى المكي وفيه ليونس الكاتب لحن ذكره في كتابه ولم يجنسه أخبار غيلان ونسبه غيلان بن سلمة بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسي وهو ثقيف وأمه سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف بن قصي أخت أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أدرك الإسلام فأسلم بعد فتح الطائف ولم يهاجر وأسلم ابنه عامر قبله وهاجر ومات بالشام في طاعون عمواس وأبوه حي وغيلان شاعر مقل ليس بمعروف في الفحول وبنته بادية بنت غيلان التي قال هيت المخنث لعمر بن أم سلمة أم المؤمنين أو لأخيه سلمة إن فتح الله عليكم الطائف فسل رسول الله أن يهب لك باديه بنت غيلان فإنها كحلاء شموع نجلاء خمصانة هيفاء إن مشت تثنت وإن جلست تبنت وإن تكلمت تغنت تقبل بأربع وتدبر بثمان وبين فخذيها كالإناء المكفإ وغيلان فيما يقال أحد من قال من قريش للنبي وآله ( لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين ) قال ابن الكلبي حدثني أبي قال تزوج غيلان بن سلمة خالدة بنت أبي العاص فولدت له عمارا وعامرا فهاجر عمار إلى النبي فلما بلغه خبره عمد خازن كان لغيلان إلى مال له فسرقه وأخرجه من حصنه فدفنه وأخبر غيلان أن ابنه عمارا سرق ماله وهرب به فأشاع ذلك غيلان وشكاه إلى الناس وبلغ خبره عمارا فلم يعتذر إلى أبيه ولم يذكر له براءته مما قيل له فلما شاع ذلك جاءت أمه لبعض ثقيف إلى غيلان فقالت له أي شيء لي عليك إن دللتك على مالك قال ما شئت قالت تبتاعني وتعتقني قال ذلك لك قالت فاخرج معي فخرج معها فقالت إني رأيت عبدك فلانا قد احتفر ها هنا ليلة كذا وكذا ودفن شيئا وإنه لا يزال يعتاده ويراعيه ويتفقده في اليوم مرات وما أراه إلا المال فاحتفر الموضع فإذا هو بماله فأخذه وابتاع الأمة فأعتقها وشاع الخبر في الناس حتى بلغ ابنه عمارا فقال والله لا يراني غيلان أبدا ولا ينظر في وجهي وقال ( حلفْتُ لهمْ بما يقولُ محمدٌ ... وباللَّه إنَّ اللّهَ ليس بغافل ) ( بَرِئْتُ مِن المالِ الذي يَدفنونه ... أُبرِّىءُ نفسي أنْ أَلِطَّ بباطِلِ ) ( ولو غيرُ شيخي من معدٍّ يقولُه ... تَيَمَّمْتُهُ بالسيفِ غير مُواكِلِ ) ( وكيف انطِلاقي بالسِّلاح إلى امرِىءٍ ... تُبَشِّره بِي يَبْتَدِرْنَ قوابلي ) - طويل - رثاؤه لولده عامر فلما أسلم غيلان خرج عامر وعمار مغاضبين له مع خالد بن الوليد فتوفي عامر بعمواس وكان فارس ثقيف يومئذ وهو صاحب شنوءة يوم تثليث وهو قتل سيدهم جابر بن سنان أخا دمنة فقال غيلان يرثي عامرا ( عيني تجودُ بدمعها الهتّانِ ... سَحَّاً وتبكي فارِسَ الفُرسانِ ) ( يا عامِ مَنْ للخيل لمَّا أَحْجَمَت ... عن شَدّةٍ مرهوبة وطِعان ) ( لو أستطيعُ جعلْتُ مِنِّي عامراً ... بين الضُّلوع وكلُّ حيٍّ فان ) ( يا عينُ بَكِّى ذا الحزامة عامراً ... للخيل يومَ تواقُفٍ وطِعان ) ( وله بتثليثاتِ شدَّةُ مُعْلَمٍ ... منه وطعنةُ جابر بن سنان ) ( فكأنَّه صافي الحديدة مِخْذَمٌ ... مما يُحِيرُ الفُرْسَ للباذان ) - كامل - نسخت من كتاب أبي سعيد السكري قال كان لغيلان بن سلمة جار من باهلة وكانت له إبل يرعاها راعيه في الإبل مع إبل غيلان فتخطى بعضها إلى أرض لأبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب فضرب أبو عقيل الراعي واستخف به فشكا الباهلي ذلك إلى غيلان فقال لأبي عقيل ( ألا من يرى ترى رأي امرىءٍ ذي قرابة ... أبى صدرُه بالضِّغْن إلاَّ تطلُّعَا ) ( فَسِلْمَك أرجو لا العداوةَ إنمَّا ... أبوك أبي وإنمَّا صَفْقُنا معا ) ( وإن ابنَ عمِ المرءِ مثلُ سلاحِه ... يقيه إذا لاقى الكميَّ المقنَّعا ) ( فإنْ يكثرِ المولى فإنّك حاسدٌ ... وإنْ يفتقرْ لا يُلْفِ عندك مَطْمَعا ) ( فهذا وعيدٌ وادّخارٌ فإن تعُدْ ... وَجَدِّكَ أَعْلَمْ ما تسلَّفْتَ أجمعا ) - طويل - تهديده لامرأته ونسخت من كتابه قال لما أسن غيلان وكثرت أسفاره ملته زوجته وتجنت عليه وأنكر أخلاقها فقال فيها ( يا ربَّ مثلكِ في النِّساء غرِيرةٍ ... بيضاءَ قد صبَّحْتُها بطلاقِ ) ( لم تَدْرِ ما تحتَ الضُّلوع وغَرَّها ... مني تحمُّل عِشْرَتي وخَلاقي ) - كامل - ونسخت من كتابه إن بني عامر بن ربيعة جمعوا جموعا كثيرة من أنفسهم وأحلافهم ثم ساروا إلى ثقيف بالطائف وكانت بنو نصر بن معاوية أحلافا لثقيف فلما بلغ ثقيفا ميسر بني عامر استنجدوا بني نصر فخرجت ثقيف إلى بني عامر وعليهم يومئذ غيلان بن سلمة بن معتب فلقوهم وقاتلتهم ثقيف قتالا شديدا فانهزمت بنو عامر بن ربيعة ومن كان معهم وظهرت عليهم ثقيف فأكثروا فيهم القتل فقال غيلان في ذلك ويذكر تخلف بني نصر عنهم ( ودِّع بِذَمٍّ إذا ما حانَ رِحلتُنا ... أهلَ الحظائر من عَوْفٍ ودُهْمانا ) ( ألقائلينَ وقد حلَّتْ بساحتهمْ ... جَسْرٌ تَحَسْحَسَ عن أولاد هِصَّانا ) ( والقائلين وقد رابَتْ وِطابُهُمُ ... أَسَيْفَ عَوْفٍ ترى أم سَيْفَ غيلانا ) ( أَغْنُوا المواليَ عنَّا لا أبالَكُمُ ... إنّا سنُغنِي صريحَ القوم مَن كانا ) ( لا يمنعُ الخطرَ المظلومُ قُحْمَته ... حتّى يرى بالعين من كانا ) - بسيط - شعره في هزيمة خثعم ونسخت من كتابه قال جمعت خثعم جموعا من اليمن وغزت ثقيفا بالطائف فخرج إليهم غيلان بن سلمة في ثقيف فقاتلهم قتالا شديدا فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وأسر عدة منهم ثم من عليهم وقال في ذلك ( ألا يا أُختَ خَثعَمَ خَبِّرينا ... بأيِّ بلاءِ قومٍ تفخرينا ) ( جَلَبْنا الخيلَ من أكنافِ وَجٍّ ... ولِيثٍ نحوكُمْ بالدَّارِعِينا ) ( رأيناهنَّ مُعْلَمَةً روحاً ... يُقِيتانِ الصباحِ ومُعْتَدينا ) ( فأمستْ مُسْيَ خامسةٍ جميعاً ... تُضَابعُ في القياد وقد وَجِينا ) ( وقد نَظَرَتْ طوالعكُمْ إلينا ... بأعينهمْ وحقَّقْنا الظنونا ) ( إلى رجراجةٍ في الدار تُعْشي ... إذا استنَّتْ عيونَ الناظرينا ) ( تركْنَ نساءكمْ في الدار نَوْحاً ... يُبَكُّون البُعولةَ والبنينا ) ( جَمعتُمْ جَمعكُمْ فطلبتُمُونا ... فهل أُنبِئْتَ حالَ الطَّالبينا ) - وافر - أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال أخبرني محمد بن سعد الشامي قال حدثني أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمرو الثقفي قال خرجت مع كيسان بن أبي سليمان أسايره فأنشدني شعر غيلان بن سلمة ما أنشدني لغيره حتى صدرنا عن الأبلة ثم مر بالطف وهو يريد الطابق فأنشدني له ( وليلةٍ أرَّقَتْ صِحَابَكَ بالطْطَفِّ ... وأُخرى بجنْب ذي حُسَمِ ) ( فالجسرُ فالقَصْرانِ فالنَّهَرُ المُرْبَدُّ ... بين النَّخيل والأَجَم ) ( معانقٌ الواسط الْمُقَدَّمَ أو ... أدنو من الأرض غيرَ مقتحم ) ( أستعمِلُ العَنْسَ بالقِياد إلى الآفاق ... أرجو نوافلَ الطَّعَمِ ) - منسرح - وصيته لبنيه أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أحمد ابن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال حدثني عمر بن عبد العزيز بن أبي ثابت عن أبيه قال لما حضرت غيلان بن سلمة الوفاة وكان قد أحصن عشرا من نساء العرب في الجاهلية قال يا بني قد أحسنت خدمة أموالكم وأمجدت أمهاتكم فلن تزالوا بخير ما غذوتم من كريم وغذا منكم فعليكم ببيوتات العرب فإنها معارج الكرم وعليكم بكل رمكاء مكينة ركينة أو بيضاء رزينة في خدر بيت يتبع أوجد يرتجى وإياكم والقصيرة الرطلة فإن أبغض الرجال إلي أن يقاتل عن إبلي أو يناضل عن حسبي القصير الرطل ثم أنشأ يقول ( وحُرّةِ قومٍ قد تَنَوَّق فِعلها ... وزيَّنَها أقوامُها فتزيّنتْ ) ( رَحلْتُ إليها لا تُرَدُّ وسيلتي ... وحَمّلتُها من فوقها فتحمَّلَتْ ) - طويل - وفوده على كسرى أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال كان غيلان بن سلمة الثقفي قد وفد إلى كسرى فقال له ذات يوم يا غيلان أي ولدك أحب إليك قال الصغير حتى يكبر والمريض حتى يبرأ والغائب حتى يقدم قال له ما غذاؤك قال خبز البر قال قد عجبت من أن يكون لك هذا العقل وغذاؤك غذاء العرب إنما البر جعل لك هذا العقل قال الكراني قال العمري روى الهيثم بن عدي هذا الخبر أتم من هذه الرواية ولم أسمعه منه قال الهيثم حدثني أبي قال خرج أبو سفيان ابن حرب في جماعة من قريش وثقيف يريدون العراق بتجارة فلما ساروا ثلاثا جمعهم أبو سفيان فقال لهم أنا من مسيرنا هذا لعلى خطر ما قدومنا على ملك جبار لم يأذن لنا في القدوم عليه وليست بلاده لنا بمتجر ولكن أيكم يذهب بالعير فإن أصيب فنحن برآء من دمه وإن غنم فله نصف الربح فقال غيلان بن سلمة دعوني إذا فأنا لها فدخل الوادي فجعل يطوفه ويضرب فروع الشجر ويقول ( ولو رآني أبو غيلانَ إذْ حَسَرتْ ... عني الأمورُ إلى أمرٍ له طَبَق ) ( لقال رُغْبٌ ورُهْبٌ يُجمعان معاً ... حبُّ الحياة وهَوْلُ النَّفس والشَّفَقُ ) ( إمّا بقيتَ على مجدٍ ومَكرمة ... أو أسوة لك فيمن يَهْلِك الورق ) - بسيط ثم قال أنا صاحبكم ثم خرج في العير وكان أبيض طويلا جعدا ضخما فلما قدم بلاد كسرى تخلق ولبس ثوبين أصفرين وشهر أمره وجلس بباب كسرى حتى أذن له فدخل عليه وبينهما شباك من ذهب فخرج إليه الترجمان وقال له يقول لك الملك من أدخلك بلادي بغير إذني فقال قل له لست من أهل عداوة لك ولا أتيتك جاسوسا لضد من أضدادك وإنما جئت بتجارة تستمتع بها فإن أردتها فهي لك وإن لم تردها وأذنت في بيعها لرعيتك بعتها وإن لم تأذن في ذلك رددتها قال فإنه ليتكلم إذ سمع صوت كسرى فسجد فقال له الترجمان يقول لك الملك لم سجدت فقال سمعت صوتا عاليا حيث لا ينبغي لأحد أن يعلو صوته إجلالا للملك فعلمت أنه لم يقدم على رفع الصوت هناك غير الملك فسجدت إعظاما له قال فاستحسن كسرى ما فعل وأمر له بمرفقة توضع تحته فلما أتي بها رأى عليها صورة الملك فوضعها على رأسه فاستجهله كسرى واستحمقه وقال للترجمان قل له إنما بعثنا إليك بهذه لتجلس عليها قال قد علمت ولكني لما أتيت بها رأيت عليها صورة الملك فلم يكن حق صورته على مثلي أن يجلس عليها ولكن كان حقها التعظيم فوضعتها على رأسي لأنه أشرف أعضائي وأكرمها علي فاستحسن فعله جدا ثم قال له ألك ولد قال نعم قال فأيهم أحب إليك قال الصغير حتى يكبر والمريض حتى يبرأ والغائب حتى يؤوب فقال كسرى زه ما أدخلك علي ودلك على هذا القول والفعل إلا حظك فهذا فعل الحكماء وكلامهم وأنت من قوم جفاة لا حكمة فيهم فما غذاؤك قال خبز البر قال هذا العقل من البر لا من اللبن والتمر ثم اشترى منه التجارة بأضعاف ثمنها وكساه وبعث معه من الفرس من بنى له أطما بالطائف فكان أول أطم بني بها رثي نافع بن سلمة أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمر بن أبي بكر الموصلي عن عبد الله بن مصعب عن أبيه قال استشهد نافع بن سلمة الثقفي مع خالد بن الوليد بدومة الجندل فجزع عليه غيلان وكثر بكاؤه وقال يرثيه ( ما بالُ عَيْنِي لا تُغَمِّضُ ساعةً ... إلاَّ اعترتْنِي عَبْرةٌ تَغْشانِي ) ( أرعَى نجوم الليل عندَ طُلوعِها ... وَهْناً وهُنَّ من الغُروب دوانِ ) ( يا نافعاً مَن للفوارس أحُجَمَتْ ... عَن فارس يعلو ذُرَى الأقران ) ( فلو استطعْتُ جعلْتُ منِّي نافعاً ... بين اللَّهاةِ وبين عَكْدِ لِساني ) - كامل - قال وكثر بكاؤه عليه فعوتب في ذلك فقال والله لا تسمح عيني بمائها فأضن به على نافع فلما تطاول العهد انقطع ذلك من قوله فقيل له فيه فقال بلي نافع وبلي الجرع وفني وفنيت الدموع واللحاق به قريب صوت ( ألا علِّلاني قبل نوح النوادبِ ... وقبل بُكاء المُعْوِلاتِ القرائب ) ( وقبلَ ثوائي في تُرابٍ وجَنْدلِ ... وقبلَ نشوزِ النفس فوق الترائب ) ( فإنْ تأتني الدُّنيا بيومي فُجاءة ... تَجِدْني وقد قضَّيْتُ منها مآربي ) - طويل - الشعر لحاجز الأزدي والغناء لنبيه هزج بالبنصر عن الهشامي أخبار حاجز ونسبه هو حاجز بن عوف بن الحارث بن الأخثم بن عبد الله بن ذهل بن مالك بن سلامان بن مفرج بن مالك بن زهران بن عوف بن ميدعان بن مالك ابن نصر بن الأزد وهو خليف لبني مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي وفي ذلك يقول ( قومي سَلامانُ إما كنتِ سائِلةً ... وفي قريش كريمُ الحِلْفِ والحَسبِ ) ( إنّي متَى أَدْعُ مخزوماً تَرَيْ عُنُقاً ... لا يَرْعَشون لضربِ القوم من كَثَب ) ( يُدعى المغيرةُ في أولى عدِيدِهمُ ... أولادُ مَرْأَسةٍ ليسوا من الذَّنَبِ ) - بسيط - وهو شاعر جاهلي مقل ليس من مشهوري الشعراء وهو أحد الصعاليك المغيرين على قبائل العرب وممن كان يعدو على رجليه عدوا يسبق به الخيل أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني العباس بن هشام عن أبيه عن عوف بن الحارث الأزدي أنه قال لابنه حاجز بن عوف أخبرني يا بني بأشد عدوك قال نعم أفزعتني خثعم فنزوت نزوات ثم استفزتني الخيل واصطف لي ظبيان فجعلت أنهنههما بيدي عن الطريق ومنعاني أن أتجاوزها في العدو لضيق الطريق حتى اتسع واتسعت بنا فسبقتهما فقال له فهل جاراك أحد في العدو قال ما رأيت أحدا جاراني إلا أطيلس أغيبر من النقوم فإنا عدونا معا فلم أقدر على سبقه قال النقوم بطن من الأزد من ولد ناقم واسمه عامر بن حوالة بن الهنو بن الأزد نسخت أخبار حاجز من رواية ابي عمرو الشيباني من كتاب بخط الموهبي الكوكبي قال أغار عوف بن الحارث بن الأخثم على بني هلال بن عامر بن صعصعة في يوم داج مظلم فقال لأصحابه انزلوا حتى أعتبر لكم فانطلق حتى أتى صرما من بني هلال وقد عصب على يد فرسه عصابا ليظلع فيطمعوا فيه فلما أشرف عليهم استرابوا به فركبوا في طلبه وانهزم من بين أيديهم وطمعوا فيه فهجم بهم على أصحابه بني سلامان فأصيب يومئذ بنو هلال وملأ القوم أيديهم من الغنائم ففي ذلك يقول حاجز بن عوف ( صباحكِ واسلمي عنا أماما ... تحيّةَ وامقٍ وعِمِي ظلاما ) ( بَرَهْرَهَةُ يحار الطَّرْفُ فيها ... كحُقّةِ تاجر شُدَّتْ ختاما ) ( فإن تُمْسِ ابنةُ السهميّ منَّا ... بعيداً لا تكلِّمنا كلاما ) ( فإنّكِ لا محالةَ أن تَرَيْني ... ولو أمستْ حبالكُمُ رِماما ) ( بناجِية القوائم عَيْسَجُورٍ ... تَدَارَكَ نِيُّها عاماً فعاما ) ( سلي عنِّي إذا اغبَّرتْ جُمادَى ... وكان طعام ضيفِهِمُ الثُّماما ) ( السْنا عِصْمةَ الأضياف حتى ... يُضَحَّى مالُهمْ نَفَلاً تُواما ) ( أبي رَبَعَ الفوارِسَ يوم داجٍ ... وعمِّي مالكٌ وَضَعَ السِّهاما ) ( فلو صاحَبْتِنا لَرَضيتِ منا ... إذا لم تَغْبُقُ المائةُ الغلاما ) - وافر - يعني بقوله وضع السهام أن الحارث بن عبد الله بن بكر بن يشكر ابن مبشر بن صقعب بن دهمان بن نصر بن زهران كان يأخذ من جميع الأزد إذا غنموا الربع لأن الرياسة في الأزد كانت لقومه وكان يقال لهم الغطاريف وهم أسكنوا الأسد بلد السراة وكانوا يأخذون للمقتول منهم ديتين ويعطون غيرهم دية واحدة إذا وجبت عليهم فغزتهم بنو فقيم بن عدي ابن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة فظفرت بهم فاستغاثوا ببني سلامان فأغاثوهم حتى هزموا بني فقيم وأخذوا منهم الغنائم وسلبوهم فأراد الحارث أن يأخذ الربع كما كان يفعل فمنعه مالك بن ذهل بن مالك بن سلامان وهو عم أبي حاجز وقال هيهات ترك الربع غدوة فأرسلها مثلا فقال له الحارث أتراك يا مالك تقدر أن تسود فقال هيهات الأزد أمنع من ذاك فقال أعطني ولو جعبا والجعب البعر في لغتهم لئلا تسمع العرب أنك منعتني فقال مالك فمن سماعها أفر ومنعه الربيع فقال حاجز في ذلك ( ألا زعمت أبناءُ يشكرَ أننا ... بِربعِهِمُ باؤوِا هنالك ناضِل ) ( ستمنعنا منكُمْ ومن سوءِ صُنعكُمْ ... صفائحُ بيضٌ أَخْلَصَتْها الصياقلُ ) ( وأسمرُ خطِّيٌّ إذا هُزّ عاسلٌ ... بأيدي كُماةٍ جرَّبَتْها القبائِل ) - طويل - وقال أبو عمرو جمع حاجز ناسا من فهم وعدران فدلهم على خثعم فأصابوا منهم غرة وغنموا ما شاؤوا فبلغ حاجزا أنهم يتوعدونه ويرصدونه فقال ( وإنِّيَ من إرعادِكُمْ وبروقِكُمْ ... وإيعادُكُمْ بالقتل صُمٌّ مسامِعي ) ( وإني دَليلٌ غيرُ مُخْفٍ دَلالتي ... على ألفِ بيتٍ جَدُّهمْ غيرُ خاشع ) ( تَرى البيض يركُضْنَ المجاسِدَ بالضّحى ... كذا كلُّ مشبوح الذراعين نازعِ ) ( على أيِّ شيء لا أبَا لأبيكُمُ تشيرون نحوي نحوكُمْ بالأصابع ) - طويل - طعنه واحاطة خثعم به وقالوا أبو عمرو أغارت خثعم على بني سلامان وفيهم عمرو بن معد يكرب وقد استنجدت به خثعم على بني سلامان فالتقوا واقتتلوا فطعن عمرو بن معد يكرب حاجزا فأنفذ فخذه فصاح حاجز يا آل الأزد فندم عمرو وقال خرجت غازيا وفجعت أهلي وانصرف فقال عزيل الخثعمي يذكر طعنة عمرو حاجزا فقال ( أَعَجْزٌ حاجِزٌ مِنّا وفيهِ ... مشلشِلةٌ كحاشِية الإِزارِ ) ( فعز عليّ ما أَعْجَزْتَ مِنِّي ... وقد أقسمْتُ لا يضربْك ضارِ ) - وافر - فأجابه حاجز فقال ( إنْ تذكروا يومَ القَرِيّ فإنه ... بَواءٌ بأيامٍ كثيٍر عديدها ) ( فنحن أبحنا بالشخيصةِ واهِناً ... جهاراً فجئنا بالنساءِ نَقُودها ) ( ويوم كِرَاء قد تداركَ ركضُنا ... بني مالكٍ والخيلُ صُعْرٌ خدودها ) ( ويوم الأراكاتِ اللواتِي تأخّرتْ ... سراةُ بني لهبانَ يدعو شريدُها ) ( ونحن صبَحْنا الحيَّ يَوْمَ تَنومةٍ ... بملمُوْمَةٍ يُهوي الشجاعَ وئيدُها ) ( ويوم شَرُوم قد تركنا عِصابة ... لدى جانب الطَّرْفاء حُمراً جلودها ) ( فما رغمت حلفاً لأمرٍ يصيبها ... من الذل إلا نحنُ رغماً نزيدها ) - طويل - وقال أبو عمرو بينما حاجز في بعض غزواته إذ أحاطت به خثعم وكان معه بشير ابن أخيه فقال له يا بشير ما تشير قال دعهم حتى يشربوا ويقفلوا ويمضوا ونمضي معهم فيظنونا بعضهم ففعلا وكانت في ساق حاجز شامة فنظرت إليها امرأة من خثعم فصاحت يا آل خثعم هذا حاجز فطاروا يتبعونه فقالت لهم عجوز كانت ساحرة أكفيكم سلاحه أو عدوه فقالوا لا نريد أن تكفينا عدوه فإن معنا عوفا وهو يعدو مثله ولكن اكفينا سلاحه فسحرت لهم سلاحه وتبعه عوف بن الأغر بن همام بن الأسربن عبد الحارث بن واهب بن مالك بن صعب بن غنم بن الفزع الخثعمي حتى قاربه فصاحت به خثعم يا عوف ارم حاجزا فلم يقدم عليه وجبن فغضبوا وصاحوا يا حاجز لك الذمام فاقتل عوفا فإنه قد فضحنا فنزع في قوسه ليرميه فانقطع وتره لأن المرأة الخثعمية كانت قد سحرت سلاحه فأخذ قوس بشير ابن أخيه فنزع فيها فانكسرت وهربا من القوم ففاتاهم ووجد حاجز بعيرا في طريقه فركبه فلم يسر في الطريق الذي يريده ونحا به نحو خثعم فنزل حاجز عنه فمر فنجا وقال في ذلك ( فِدى لكما رجْليَّ أمي وخالتي ... بسعيِكما بين الصفا والأثائب ) ( أوانَ سمعتُ القوم خلفي كأنّهمْ ... حريقُ إباءٍ في الريّاحِ الثواقب ) ( سيوفُهُمُ تُعْشي الجبان وَنبلُهُمْ ... يُضيء لدى الأقوامِ نارَ الحُباحِب ) ( فَغَيْرُ قتالي في المضِيقِ أغاثني ... ولكنْ صَريحُ العَدْو غيرُ الأكاذِب ) ( نجوْتُ نجاءً لا أبِيك تبثُّه ... وينجو بشيٌر نَجْوَ أزعرَ خاضِبِ ) ( وجدْتُ بعيراً هامِلاً فركِبته ... فكادت تكون شرَّ رِكبةِ راكب ) - طويل - وقال أبو عمرو اجتاز قوم حجاج من الأزد ببني هلال بن عامر بن صعصعة فعرفهم ضمرة بن ماعز سيد بني هلال فقتلهم هو وقومه وبلغ ذلك حاجزا فجمع جمعا من قومه وأغار على بني هلال فقتل فيهم وسبى منهم وقال في ذلك يخاطب ضمرة بن ماعز ( يا ضَمْرَ هل نِلْناكُمُ بدمائنا ... أم هل حَذَوْنا نَعْلكُمْ بمثالِ ) ( تبكي لِقتلي من فُقَيْمٍ قُتِّلوا ... فاليوم تبْكِي صادقاً لهلال ) ( ولقد شفاني أنْ رأيْتُ نِساءكُمْ ... يبكين مُرْدَفَةً على الأكفال ) ( يا ضَمْرَ إن الحرب أَضْحَتْ بيننا ... لَقِحَتْ على الدكّاء بعد حِيال ) - كامل - اخته ترثيه بعد انقطاع أخباره قال أبو عمرو خرج حاجز في بعض أسفاره فلم يعد ولا عرف له خبر فكانوا يرون أنه مات عطشا أو ضل فقالت أخته ترثيه ( أحيٌّ حاجزٌ أم ليس حيًّا ... فيسلك بين جَنْدَفَ والبهيمِ ) ( ويشربَ شربةً من ماءَ ترْجٍ ... فيصدرَ مِشية السَّبِعِ الكليم ) - وافر - أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال كان حاجز الأزدي مع غاراته كثير الفرار لقي عامرا فهرب منهم فنجا وقال ( ألا هل أتَى ذاتَ القلائِد فَرَّتي ... عشيةَ بين الجُرْفِ والبحر من بَعْرِ ) ( عشيةَ كادت عامرٌ يقتلوننِي ... لدى طَرَفِ السَّلْماءِ راغية البَكْرِ ) ( فما الظبي أَخْطَتْ خِلْفة الصَّقْر رِجْلَهُ ... وقد كاد يلقي الموتَ في خِلْفة الصَّقْر ) ( بِمثلي غداةَ القومِ بين مُقْنَّعٍ ... وآخرَ كالسكرانِ مرتكِزٍ يَفْري ) - كامل - وفر من خثعم وتبعه المرقع الخثعمي ثم الأكلبي ففاته حاجز وقال في ذلك ( وكأنما تَبِعَ الفوارسُ أرنباً ... أو ظَبْيَ رابيةٍ خُفافاً أشعبا ) ( وكأنّما طردوا بذي نَمِرَاتِهِ ... صَدَعاً من الأروَى أُحَسَّ مكلِّبا ) ( أَعْجَزْتُ منهمْ والأكفُّ تنالني ... ومضتْ حياضُهُمُ وآبوا خُيَّبا ) ( أدعو شَنوءةَ غثَّها وسمينَها ... ودعا المرقِّعُ يوم ذلك أكلُبا ) - كامل - وقال يخاطب عوض أمسى ( أبلِغ أميمةَ عوض أمسَى بزَّنا ... سَلْباً وما إن سَرَّها أن نُنكبا ) ( لولا تقاربُ رأفةٍ وعيونُها ... حمشا مصعدا ومصوِّبا ) - كامل - صوت ( يا دارُ من ماوِيَّ بالسَّهْبِ ... بُنِيَتْ على خَطْبٍ من الخَطْبِ ) ( إذ لا ترى إلا مُقَاتلةً ... وعَجَانسا يُرْقِلْنَ بالرَّكْب ) ( ومُدَجّجاً يسعى بِشكّتِه ... مُحْمَرَّةً عيناهُ كالكَلْبِ ) ( ومعاشراً صَدَأَ الحديدُ بِهمْ ... عَبَقَ الهِناءِ مَخَاطِمَ الجُرْبِ ) - كامل الشعر للحارث بن الطفيل الدوسي والغناء لمعبد رمل بالبنصر من رواية يحيى المكي وفيه لابن سريج خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق والله أعلم أخبار الحارث بن الطفيل ونسبه هو الحارث بن الطفيل بن عمرو بن عبد الله بن مالك بن فهم بن غنم ابن دوس بن عبد الله بن عدثان بن عبيد الله بن زهران بن كعب بن الحارث ابن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد شاعر فارس من مخضرمي شعراء الجاهلية والإسلام وأبوه الطفيل بن عمرو شاعر أيضا وهو أول من وفد من دوس على النبي فأسلم وعاد إلى قومه فدعاهم إلى الإسلام أخبرني عمي قال حدثنا الحزنبل بن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه واللفظ في الخبر له والله أعلم وفود الطفيل على رسول الله وأخبرني به محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن العباس ابن هشام عن أبيه أن الطفيل بن عمرو بن عبد الله بن مالك الدوسي خرج حتى أتى مكة حاجا وقد بعث رسول الله وهاجر إلى المدينة وكان رجلا يعصو والعاصي البصير بالجراح ولذلك يقال لولده بنو العاصي فأرسلته قريش إلى النبي وقالوا انظر لنا ما هذا الرجل وما عنده فأتى النبي فعرض عليه الإسلام فقال له إني رجل شاعر فاسمع ما أقول فقال له النبي هات فقال ( لا وإله الناس نألَمُ حربَهمْ ... ولو حاربَتْنا مُنهِبٌ وبنو فَهْمِ ) ( ولمَّا يكنْ يومٌ تزول نجومُه ... تطير بهِ الرُّكبانُ ذو نبأٍ ضخمِ ) ( أَسِلْماً على خَسْفٍ ولستُ بِخالِدٍ ... وماليَ من واقٍ إذا جاءني حَتْمي ) ( فلا سلْمَ حتّى نحفِزَ الناسَ خِيفةٌ ... ويصبحَ طيٌر كانِساتٍ على لحم ) - طويل - فقال له رسول الله وأنا أقول فاستمع ثم قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) ثم قرأ ( قل أعوذ برب الفلق ) ودعاه إلى الإسلام فأسلم وعاد إلى قومه فأتاهم في ليلة مطيرة ظلماء حتى نزل بروق وهي قرية عظيمة لدوس فيها منبر فلم يبصر أين يسلك فأضاء له نور في طرف سوطه فبهر الناس ذلك النور وقالوا نار أحدثت على القدوم ثم على بروق لا تطفأ فعلقوا يأخذون بسوطه فيخرج النور من بين أصابعهم فدعا أبويه إلى الإسلام فأسلم أبوه ولم تسلم أمه ودعا قومه فلم يجبه إلا أبو هريرة وكان هو وأهله في جبل يقال له ذو رمع فلقيه بطريق يزحزح وبلغنا أنه كان يزحف في العقبة من الظلمة ويقول ( يا طولها من ليلةٍ وعناءها ... على أنها من بلدةِ الكَفْرِ نَجَّتِ ) - طويل ثم أتى الطفيل بن عمرو على النبي ومعه أبو هريرة فقال له ما وراءك فقال بلاد حصينة وكفر شديد فتوضأ النبي ثم قال اللهم اهد دوسا ثلاث مرات قال أبو هريرة فلما صلى النبي خفت أن يدعو على قومي فيهلكوا فصحت واقوماه فلما دعا لهم سري عني ولم يحب الطفيل أن يدعو لهم لخلافهم عليه فقال له لم أحب هذا منك يا رسول الله فقال له إن فيهم مثلك كثيراً وكان جندب بن عمرو بن حممة بن عوف بن غوية ابن سعد بن الحارث بن ذيبان بن عوف بن منهب بن دوس يقول في الجاهلية إن للخلق خالقا لا أعلم ما هو فخرج حينئذ في خمسة وسبعين رجلا حتى أتى النبي فأسلم وأسلموا قال أبو هريرة ما زلت ألوي الآجرة بيدي ثم لويت على وسطي حتى كأني بجاد أسود وكان جندب يقربهم إلى النبي رجلا رجلا فيسلمون وهذه الأبيات التي فيها الغناء من قصيدة للحارث بن الطفيل قالها في حرب كانت بين دوس وبين بني الحارث بن عبد الله بن عامر بن الحارث ابن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر بن زهران وكان سبب ذلك فيما ذكر عن أبي عمرو الشيباني أن ضماد بن مسرح ابن النعمان بن الجبار بن سعد بن الحارث بن عبد الله بن عامر بن الحارث ابن يشكر سيد آل الحارث كان يقول لقومه أحذركم جرائر أحمقين من آل الحارث يبطلان رياستكم وكان ضماد يتعيف وكان آل الحارث يسودون العشيرة كلها فكانت دوس أتباعا لهم وكان القتيل من آل الحارث تؤخذ له ديتان ويعطون إذا لزمهم عقل قتيل من دوس دية واحدة فقال غلامان من بني الحارث يوما ائتوا شيخ بني دوس وزعيمهم الذي ينتهون إلى أمره فلنقتله فأتياه فقالا يا عم إن لنا أمرا نريد أن تحكم بيننا فيه فأخرجاه من منزله فلما تنحيا به قال له أحدهما يا عم إن رجلي قد دخلت فيها شوكة فأخرجها لي فنكس الشيخ رأسه لينتزعها وضربه الآخر فقتله فعمدت دوس إلى سيد بني الحارث وكان نازلا بقنونى فأقاموا له في غيضة في الوادي وسرحت إبله فأخذوا منها ناقة فأدخلوها الغيضة وعقلوها فجعلت الناقة ترغو وتحن إلى الإبل فنزل الشيخ إلى الغيضة ليعرف شأن الناقة فوثبوا عليه فقتلوه ثم أتوا أهله وعرفت بنو الحارث الخبر فجمعوا لدوس وغزوهم فنذروا بهم فقاتلوهم فتناصفوا وظفرت بنو الحارث بغلمة من دوس فقتلوهم ثم إن دوسا اجتمع منهم تسعة وسبعون رجلا فقالوا من يكلمنا من يمانينا حتى نغزو أهل ضماد فكان ضماد قد أتى عكاظ فأرادوا أن يخالفوه إلى أهله فمروا برجل من دوس وهو يتغنى ( فإنَّ السِّلْمَ زائِدة نواها ... وإنَّ نوى المحارب لا تروب ) - وافر - فقالوا هذا لا يتبعكم ولا ينفعكم ان تبعكم أما تسمعون غناءه في السلم فأتوا حممة بن عمرو فقالوا أرسل إلينا بعض ولدك فقال وأنا إن شئتم وهو عاصب حاجبيه من الكبر فأخرج معهم ولده جميعا وخرج معهم وقال لهم تفرقوا فرقتين فإذا عرف بعضكم وجوه بعض فأغيروا وإياكم والغارة حتى تتفارقوا لا يقتل بعضكم بعضا ففعلوا فلم يلتفتوا حتى قتلوا ذلك الحي من آل الحارث وقتلوا ابنا لضماد فلما قدم قطع أذني ناقته وذنبها وصرخ في آل الحارث فلم يزل يجمعهم سبع سنين ودوس تجتمع بازائه وهم مع ذلك يتغاورون ويتطرف بعضهم بعضا وكان ضماد قد قال لابن أخ له يكنى أبا سفيان لما أراد أن يأتي عكاظ إن كنت تحرز أهلي وإلا أقمت عليهم فقال له أنا أحرزهم من مائة فإن زادوا فلا وكانت تحت ضماد امرأة من دوس وهي أخت مربان بن سعد الدوسي الشاعر فلما أغارت دوس على بني الحارث قصدها أخوها فلاذت به وضمت فخذها على ابنها من ضماد وقالت يا أخي اصرف عني القوم فإني حائض لا يكشفوني فنكز سية القوس في درعها وقال لست بحائض ولكن في درعك سخلة بكذا من آل الحارث ثم أخرج الصبي فقتله وقال في ذلك ( ألا هل أتى أمَّ الحُصَيْن ولو نأتْ ... خِلافتُنا في أهلِه ابنُ مُسَرَّحِ ) ( ونضرةُ تدعو بالفِنَاءِ وطَلْقُها ... ترائبه ينفحْنَ من كلِّ مَنْفَح ) ( وفرّ أبو سفيانَ لما بدا لنا ... فِرارَ جبانٍ لأمِّهِ الذلُّ مُقْرَحِ ) - طويل - يوم حضرة الوادي قال فلم يزالوا يتغاورون حتى كان يوم حضرة الوادي فتحاشد الحيان ثم أتتهم بنو الحارث ونزلوا لقتالهم ووقف ضماد بن مسرح في رأس الجبل وأتتهم دوس وأنزل خالد بن ذي السبلة بناته هندا وجندلة وفطيمة ونضرة فبنين بيتا وجعلن يستقين الماء ويحضضن وكان الرجل إذا رجع فارا أعطينه مكحلة ومجمرا وقلن معنا فانزل إي إنك من النساء وجعلت هند بنت خالد تحرضهم وترتجز وتقول ( مَنْ رجلٌ ينازِل الكتيبهْ ... فذلِكُمْ تَزني به الحبيبهْ ) - رجز - فلما التقوا رمى رجل من دوس رجلا من آل الحارث فقال خذها وأنا أبو الزبن فقال ضماد وهو في رأس الجبل وبنو الحارث بحضرة الوادي يا قوم زبنتم فارجعوا ثم رجل آخر من دوس فقال خذها وأنا أبو ذكر فقال ضماد ذهب القوم بذكرها فاقبلوا رأيي وانصرفوا فقال قد جبنت يا ضماد ثم التقوا فأبيدت بنو الحارث هذه رواية أبي عمرو وأما الكلبي فإنه قال كان عامر بن بكر بن يشكر يقال له الغطريف ويقال لبنيه الغطاريف وكان لهم ديتان ولسائر قومه دية وكانت لهم على دوس أتاوة يأخذونها كل سنة حتى إن كان الرجل منهم ليأتي بيت الدوسي فيضع سهمه أو نعله على الباب ثم يدخل فيجيء الدوسي فإذا أبصر ذلك انصرف ورجع عن بيته حتى أدرك عمرو بن حممة بن عمرو فقال لأبيه ما هذا التطول الذي يتطول به أخواننا علينا فقال يا بني هذا شيء قد مضى عليه أوائلنا فأعرض عن ذكره فأعرض عن هذا الأمر وإن رجلا من دوس عرس بابنة عم له فدخل عليها رجل من بني عامر بن يشكر فجاء زوجها فدخل على اليشكري ثم أتى عمرو بن حممة فأخبره بذلك فجمع دوسا وقام فيهم فحرضهم وقال إلى كم تصبرون لهذا الذل هذه بنو الحارث تأتيكم الآن تقاتلكم فاصبروا تعيشوا كراما أو تموتوا كراما فاستجابوا له وأقبلت إليهم بنو الحارث فتنازلوا واقتتلوا فظفرت بهم دوس وقتلتهم كيف شاءت فقال رجل من دوس يومئذ ( قد عَلِمَتْ صفراءُ حَرْشاءُ الذَّيْلْ ... شرّابةُ المَحْضِ تَرُوكٌ للقَيْل ) ( تُرْخي فروعاً مِثْلَ أذنابِ الخَيْلْ ... إنّ بَرُوقاً دونها كالويل ) ( ودونها خَرْطُ القَتادِ بالليل ... ) - رجز - وقال الحارث بن الطفيل بن عمرو الدوسي في هذا اليوم عن أبي عمرو ( يا دار مِن ماوِيَّ بالسَّهْبِ ... بُنِيَتْ على خَطْبٍ من الخَطْبِ ) ( إذ لا ترى إلا مُقاتلةً ... وعَجانِسا يُرْقِلْنَ بالرَّكْبِ ) ( ومُدَجّجاً يَسْعَى بِشِكَّتِه ... مُحْمَرَةً عيناه كالكلب ) ( ومَعَاشراً صدأ الحدِيدُ بهمْ ... عَبَقَ الْهِناءِ مَخاطِمَ الْجُرْبِ ) ( لما سمعْتُ نَزَالِ قد دُعِيَتْ ... أيقنْتُ أَنَّهمُ بنو كعبِ ) ( كعبِ بنِ عمروٍ لا لِكعْبِ بنِي العنقاء ... والتِّبْيانُ في النَّسب ) ( فَرَمَيْتُ كَبْشَ القوم مُعْتَمِداً ... فمضى وراشوهُ بذي كَعْبِ ) ( شكّوا بحَقْوَيْه القِدَاحَ كما ... ناط المُعَرِّضُ أقْدَحَ القُضْبِ ) ( فكأنّ مُهْري ظلّ مُنْغَمساً ... بِشَبَا الأسِنّة مَغْرَةُ الجأب ) ( يا رُبَّ موضوع رفعْتُ ومَرْفوعٍ ... وضعْتُ بمنزل اللَّصْبِ ) ( وحَلِيلِ غانِيةٍ هتكْتُ قرارها ... تحت الوغى بِشديدةِ العَضْبِ ) ( كانت على حُبّ الحياة فقد ... أَحْلَلْتُها في منزِلٍ غرْبِ ) ( جانِيك مَنْ يَجْنِي عليكِ وقد ... تُعْدي الصِّحاحَ مبارِكُ الجُرْبِ ) - كامل - هذا البيت في الغناء في لحن ابن سريج وليس هو في هذه القصيدة ولا وجد قي الرواية وإنما ألحقناه بالقصيدة لأنه في الغناء كما تضيف المغنون شعرا إلى شعر وإن لم يكن قائلها واحدا إذا اختلف الروي والقافية صوت ( صَرَفْتُ هواكَ فانصرفا ... ولم تَدَعِ الذي سَلَفا ) ( وبِنْتَ فلم أمتْ كَلِفا ... عليك ولم تَمُتْ أَسَفا ) ( كلانا واجد في الناس ... مِمّن ملَّه خلفا ) - مجزوؤ الوافر - الشعر لعبد الصمد بن المعذل والغناء للقاسم بن زرزور رمل بالوسطى وفيه لعمر الميداني هزج أخبار عبد الصمد بن المعذل ونسبه عبد الصمد بن المعذل بن غيلان بن الحكم بن البختري بن المختار ابن ذريح بن أوس بن همام بن ربيعة بن بشير بن حمران بن حدرجان بن عساس بن ليث بن حداد بن ظالم بن ذهل بن عجل بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة ابن نزار وقيل ربيعة بن ليث بن حمران وجدت في كتاب بخط أحمد بن كامل حدثني غيلان بن المعذل أخو عبد الصمد قال كان أبي يقول أفصى أبو عبد القيس هو أفصى بن جديلة ابن أسد وأفصى جد بكر بن وائل هو أفصى بن دعمي والنسابون يغلطون في قولهم عبد القيس بن أفصى بن دعمي ويكنى عبد الصمد أبا القاسم وأمه أم ولد يقال لها الزرقاء شاعر فصيح من شعراء الدولة العباسية بصري المولد والمنشأ وكان هجاء خبيث اللسان شديد العارضة وكان أخوه أحمد أيضا شاعرا إلا أنه كان عفيفا ذا مروءة ودين وتقدم في المعتزلة وله جاه واسع في بلده وعند سلطانه لا يقاربه عبد الصمد فيه فكان يحسده ويهجوه فيحلم عنه وعبد الصمد أشعرهما وكان أبو عبد الصمد المعذل وجده غيلان شاعرين وقد روي عنهما شيء من الأخبار واللغة والحديث ليس بكثير والمعذل بن غيلان هو الذي يقول ( إلى اللَّه أشكو لا إلى الناس أنني ... أرى صالح الأعمال لا أستطِيعها ) ( أرى خلّةً في إخوة وأقارِبٍ ... وذي رَحِمٍ ما كان مِثلي يُضِيعُها ) ( فلو سَاعَدَتني في المكارم قُدْرَةٌ ... لَفَاضَ عليهِمْ بالنوالِ ربيعها ) - طويل - أنشدنا ذلك له علي بن سليمان الأخفش عن المبرد وأنشدناه محمد ابن خلف بن المرزبان عن الربعي أيضا قالا وهو القائل ( ولستُ بميّالٍ إلى جانِب الغِنى ... إذا كانت العلياءُ في جانِبِ الفَقْرِ ) ( وإنِّي لَصَبّارٌ على ما ينوبُني ... وحسبُكَ أنَّ اللَّه أثنى على الصبر ) - طويل - التهاجي بينه وبين ابان أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا النخعي وإسحاق قال هجا أبان اللاحقي المعذل بن غيلان فقال ( كنْتُ أمشي مع المعذَّل يوماً ... ففسا فَسْوةً فكدْتُ أطيرُ ) ( فَتَلَفَّتُّ هل أرى ظَرِبانا ... من ورائي والأرضُ بي تستدير ) ( فإذا ليس غيرهُ وإذا إعْصارُ ... ذاك الفُساءِ منه يفورُ ) ( فتعجَّبْتُ ثم قُلْتُ لقد أعرِفُ ... هذا فيما أرى خنزيرُ ) - خفيف - فأجابه المعذل فقال ( صَحَّفَتْ أمُّك إذْ سمْ ... مَتْك بالمَهْد أبانا ) ( قد عَلِمْنا ما أرادتْ ... لم تُرِدْ إلا أتانا ) ( صَيَّرتْ باءً مكان ال ... تاء واللَّهِ عِيانا ) ( قَطَع اللّه وشيكا ... مِن مُسمِّيْك اللسانا ) - مجزوء الرمل - أخبرني عمي قال حدثنا المبرد قال مر المعذل بن غيلان بعبد الله بن سوار العنبري القاضي فاستنزله عبد الله وكان من عادة المعذل أن ينزل عنده فأبى وأنشده ( أمِن حق المودةِ أن نُقَضِّي ... ذِمامَكُمُ ولا تَقْضُوا ذِماما ) ( وقد قال الأديبُ مقالَ صِدْقٍ ... رآه الآخَرُون لهمْ إماما ) ( إذا أكرمتُكُمْ وأَهَنْتُموني ... ولم أغْضَبْ لِذُلَّكُمُ فذاما ) - وافر - قال وانصرف فبكر إليه عبد الله بن سوار فقال له رأيتك أبا عمرو مغضبا فقال أجل ماتت بنت أختي ولم تأتني قال ما علمت ذلك قال ذنبك أشد من عذرك ومالي أنا أعرف خبر حقوقك وأنت لا تعرف خبر حقوقي فما زال عبد الله يعتذر إليه حتى رضي عنه حدثني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا ابن مهرويه عن الحمدوني قال كان شروين حسن الغناء والضرب وكان من أراد أن يغنيه حتى يخرج من جلده جاء بجويرية سوداء فأمرها أن تطالعه وتلوح له بخرقة حمراء ليظنها امرأة تطالعه فكان حينئذ يغني أحسن ما يقدر عليه تصنعا لذلك فغضب عليه عبد الصمد في بعض الأمور فقال يهجوه ( مَن حلَّ شَرْوِينُ له منزلاً ... فَلْتَنْهَهُ الأولى عن الثانيهْ ) ( فليسَ يدعوه إلى بيته ... إلاّ فتىً في بيته زانيهْ ) - سريع أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أبو عمرو البصري قال قال عبد الصمد بن المعذل في رجل زان من أهل البصرة كانت له امرأة تزني فقال ( إن كنْتِ قد صفَّرْتِ أُذْنَ الفتى ... فطالما صَفَّرَ آذانا ) ( لا تعجبي إن كنْتِ كَشْخَنْتِهِ ... فإنَّما كَشْخنْتِ كَشْخانا ) - سريع - أخبرني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب قال حدثنا سوار بن أبي شراعة قال كان بالبصرة رجل يعرف بابن الجوهري وكانت له جارية مغنية حسنة الغناء وكان ابن الجوهري شيخا هما قبيح الوجه فتعشقت فتى كاتبا كان يعاشره ويدعوه وكان الفتى نظيفا ظريفا فاجتمعت معه مرارا في منزله وكان عبد الصمد يعاشره فكان الفتى يكاتمه أمره ويحلف له أنه لا يهواها فدخلت عليهما ذات يوم بغتة فبقي الفتى باهتا لا يتكلم وتغير لونه وتخلج في كلامه فقال عبد الصمد ( لسانُ الهوى ينطقُ ... وَمَشْهَدُه يَصدقُ ) ( لقد نمَّ هذا الهوى ... عليك وما يُشْفقُ ) ( إذا لم تكن عاشقاً ... فقلبُك لِمْ يخفقُ ) ( ومالَكَ إمَّا بدَتْ ... تَحارُ فلا تنطِقُ ) ( أَشَمْسٌ تجلَّتْ لنا ... أمِ القمرُ المشرقُ ) - مجزوء المتقارب - الغناء في هذه الأبيات لرذاذ ويقال للقاسم بن زرزور رمل مطلق قال ثم طال الأمر بينهما فهربت إليه جملة فقال عبد الصمد في ذلك ( إلى امرىءٍ حازم رَكِبَتْ ... أيَّ امرىء عاجزٍ تركَتْ ) ( فتنةُ ابن الجوهريِّ لقد ... أظهرَتْ نُصحاً وقد أفِكَتْ ) ( أكذبَتْهَا عزمةٌ ظهرت ... لا تبالي نفسَ مَن سفكتْ ) ( ظفِرتْ فيها بما هوِيَتْ ... ونَجَت من قُرْبِ من فَرِكت ) ( ثمّ خدودٌ بعدها لُطِمَتْ ... وجيوبٌ بعدها هُتكتْ ) ( وعيون لا يُرقَّأْنَ على ... حُسْنِ وجه فاتَهُنَّ بَكَتْ ) ( خرجَتْ والليل مُعْتَكِرٌ ... لم يَهُلْها أيَّةً سلكتْ ) ( وعيونُ النّاس قد هَجَعَتْ ... وَدُجَى الظَّلْماء قد حَلكتْ ) ( لم تَخفْ وَجْداً بعاشقها ... حُرمةَ الشَّهرِ الذي انتهكتْ ) ( ورأَتْ لمّا سَقَتُ كَمداً ... أنَّها في دينها نَسَكتْ ) ( مُلِّئَت كفٌّ بها ظَفِرت ... دونَ هذا الخلق ما مَلَكتْ ) ( أيُّ ملك إذا خلا وخلَتْ ... فشكا أشجانَه وشَكَتْ ) ( تَجتلي من وجهِهِ ذهباً ... وَهْوَ يَجلُو فضّةً فتكت ) ( هكذا فعلُ الفتاة إذا ... هي في عُشّاقها مَحَكَت ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني بعض أصحابنا قال نظر عبد الصمد بن المعذل إلى جار له يخطر في مشيته خطرة منكرة وكان فقيرا رث الحال فقال فيه ( يتمشَّى في ثَوْبِ عَصْبٍ من العُرْي ... على عظْمِ ساقِهِ مَسْدولِ ) ( دبّ في رأسه خُمارٌ من الجوعِ ... سُرَى خُمرةِ الرحيق الشَّمُولِ ) ( فبكى شَجْوَه وحنَّ إلى الخُبز ... ونادى بزفرةٍ وعويل ) ( مَن لقلبٍ متيَّم برغيفين ... ونَفْسٍ تاقت إلى طِفْشِيلِ ) ( ليس تسمُو إلى الولائم نفسي ... جلَّ قَدْرُ الأعراس عن تأميلي ) ( هاتِ لوناً وقُلْ لتلكَ تغنِّي ... لَسْتُ أبكي لدارسات الطُّلول ) - خفيف - رثاؤه لأبي سلمة الطفيلي أخبرنا سوار بن أبي شراعة قال كان بالبصرة طفيلي يكنى أبا سلمة وكان إذا بلغه خبر وليمة لبس لبس القضاة وأخذ ابنيه معه وعليهما القلانس الطوال والطيالسة الرقاق فيقدم ابنيه فيدق الباب أحدهما ويقول افتح يا غلام لأبي سلمة ثم لا يلبث البواب حتى يتقدم الآخر فيقول افتح ويلك فقد جاء أبو سلمة ويتلوهم فيدقون جميعا الباب ويقولون بادر ويلك فإن أبا سلمة واقف فإن لم يكن عرفهم فتح لهم وهاب منظرهم وإن كانت معرفته إياهم قد سبقت لم يلتفت إليهم ومع كل واحد منهم فهر مدور يسمونه كيسان فينتظرون حتى يجيء بعض من دعي فيفتح له الباب فإذا فتح طرحوا الفهر في العتبة حيث يدور الباب فلا يقدر البواب على غلقه ويهجمون عليه فيدخلون فأكل أبو سلمة يوما على بعض الموائد لقمة حارة من فالوذج وبلعها لشدة حرارتها فجمعت أحشاؤه فمات على المائدة فقال عبد الصمد بن المعذل يرثيه ( أحزان نفسي عليها غيرُ مُنْصَرِمهْ ... وأدمُعي من جفونِي الدَّهرَ مُنْسَجِمَهْ ) ( على صديقٍ ومولًى لي فُجِعْتُ بهِ ... ما إنْ لهُ في جميع الصالحين لُمَه ) ( كم جفنةٍ مِثلِ جَوفِ الحوض مُتْرَعَةٍ ... كوماءَ جاء بها طَبَّاخُها رذِمه ) ( قد كَلَّلَتْها شحومٌ مِن قَلِيَّتها ... ومن سَنامِ جَزُوْرٍ عَبْطةٍ سَنِمَهْ ) ( غُبِّبْتَ عنها فلم تَعرف له خبراً ... لهفي عليكَ وويلي يا أبا سلمه ) ( ولو تكون لها حيًّا لما بَعُدَتْ ... يوماً عليك ولو في جاحمٍ حُطَمه ) ( قد كنت أعلم أنَّ الأكل يقتله ... لكنَّنِي كنت أخشى ذاك من تُخَمه ) ( إذا تعمَّم في شِبْلَيْهِ ثم غدا ... فإنَّ حوزةَ من يأتيه مُصْطَلِمَه ) - بسيط - عشق فتى فقال فيه الشعر أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أحمد بن يزيد المهلبي عن أبيه قال كان عبد الصمد بن المعذل يتعشق فتى من المغنين يقال له أحمد فغاضبه الفتى وهجره فكتب إليه صوت ( سَلْ جَزَعي مُذْ صَدَدْتَ عن حالي ... هل خَطَر الصَبْرُ على بالي ) ( لا غيَّرَ اللَّه سوءَ فِعلِك بي ... إن كنْتُ أعتبْتُ فيك عُذَّالي ) ( ولا ذَمَمْتُ البكا لي عليك ولا ... حَمِدْتُ حُسنَ السلُوِّ من سالِ ) ( لو كنْتُ أبغي سِواكَ ما جهِلَتْ ... نفسيَ أنَّ الصُّدود أعفى لي ) - رمل مطلق - لجحظة في هذه الأبيات رمل مطلق أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني علي بن محمد النوفلي فقال هجا عبد الصمد بن المعذل قينة بالبصرة قال فيها ( تَفْتَرُّ عن مَضْحَكِ السِّدْرِيِّ إن ضحكتْ ... كَرْفَ الأَتان رأت إدلاءَ أعيارِ ) ( يَفوحُ ريحُ كنيفٍ من ترائبها ... سوداءُ حالكةٌ دَهْمَاءُ كالقار ) - بسيط - قال فكسدت والله تلك القينة بالبصرة فلم تدع ولم تستتبع حتى أخرجت عنها عتابة لبعض الأمراء أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا المبرد قال كتب عبد الصمد بن المعذل إلى بعض الأمراء رقعة فلم يجبه عنها لشيء كان بلغه عنه فكتب إليه ( قد كتبتُ الكتاب ثم مَضَى اليوم ... ولم أَدْرِ ما جوابُ الكتابِ ) ( ليتَ شِعري عن الأمير لماذا ... لا يراني أهلاً لردِّ الجوابِ ) ( لا تدَعْني وأنت رفَّعْتَ حالي ... ذا انخفاضٍ بهجرتي واجتنابي ) ( إن أكنْ مذنباً فعندي رجوعٌ ... وبلاءٌ بالعذر والإِعْتاب ) ( وأنا الصادقُ الوفاءِ وذو العهدِ ... الوثيقِ المؤكَّد الأسباب ) - خفيف - أخبرني الحرمي بن علي قال حدثني أبو الشبل قال كان بالبصرة رجل من ولد المهلب بن أبي صفرة يقال له صبيانة وكان له بستان سري في منزله فكان يدعو الفتيات إليه فلا يعطيهن شيئا من الدراهم ويقصر بهن على ما يحملنه من البستان معهن مثل الرطب والبقول والرياحين فقال فيه عبد الصمد قوله ( قومٌ زُناةٌ مالهُمْ دراهِمُ ... جَذْرُهُمُ النَّمَّامُ والحَمَاحِمُ ) ( أنذلُ من تَجْمَعُهُ المواسمُ ... خَسُّوا وخسَّتْ منهمُ المطاعِمُ ) ( فعدلُهمْ إن قِسْتَه المظالِمُ ... ) - رجز - أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني سوار بن أبي شراعة وأخبرنا به سوار إجازة قال حدثني أبي قال لما هجا الجماز عبد الصمد بن المعذل جاءني فقال لي أنقذني منه فقلت له أمثلك يفرق من الجماز فقال نعم لأنه لا يبالي بالهجاء ولا يفرق منه ولا عرض له وشعره ينفق على من لا يدري فلم أزل حتى أصلحت بينهما بعد أن سار قوله فيه ( ابن المعذَّل مَنْ هُو ... وَمَنْ أبوه المعذَّلْ ) ( سألْتُ وَهْبانَ عنه ... فقال بَيضٌ مُحَوَّلْ ) - مجتث - قال وكان وهبان هذا رجلا يبيع الحمام فجمع جماعة من أصحابه وجيرانه وجعل يغشى المجالس ويحلف أنه ما قال إن عبد الصمد بيض محول ويسألهم أن يعتذروا إليه فكان هذا منه قد صار بالبصرة طرفة ونادرة فجاءني عبد الصمد يستغيث منه ويقول لي ألم أقل لك إن آفتي منه عظيمة والله لدوران وهبان على الناس يحلف لهم أنه ما قال إني بيض محول أشد علي من هجائه لي فبعثت إلى وهبان فأحضرته وقلت له يا هذا قد علمنا أن الجماز قد كذب عليك وعذرناك فنحب أن لا تتكلف العذر إلى الناس في أمرنا فإنا قد عذرناك فانصرف وقد لقي عبد الصمد بلاء أخبرني محمد بن جعفر الصيدلاني النحوي صهر المبرد قال حدثني إسحاق بن محمد النخعي قال قال لي أبو شراعة القيسي بلغ أبا جعفر مضرطان أن عبد الصمد بن المعذل هجاه واجتمعا عند أبي واثلة السدوسي فقال له مضرطان بلغني أنك هجوتني فقال له عبد الصمد من أنت حتى أهجوك قال هذا شر من الهجاء فوثب إلى عبد الصمد يضربه فقال الحمدوي وهو إسماعيل بن إبراهيم بن حمدويه وحمدويه جده وهو الذي كان يقتل الزنادقة ( ألذُّ مِن صُحبة القَنَانِي ... أوِ اقتراحٍ على قِيانِ ) ( لَكْزُ فتىً من بني لُكَيْزٍ ... يُهْدَى له أهون الهوان ) ( أهوَى له بازلٌ خِدَبٌّ ... يطحَنُ قَرْنيه بالجران ) ( فنال منه ثُؤُورَ قوم ... باليد طوراً وباللِّسان ) ( وكان يفسُو فصار حَقّاً ... يضرِطُ من خوفِ مَضْرَطان ) - مخلع بسيط - قال وبلغ عبد الصمد شعر الحمدوي فقال أنا له ففزع الحمدوي منه فقال ( تَرَحٌ طُعْنَتُ به وهمٌّ واردُ ... إذْ قيل إنّ ابنَ المُعَذّل واجدُ ) ( هيهاتَ أن أجدَ السّبيلَ إلى الكَرى ... وابنُ المعذَّلِ من مِزاحي حارِدُ ) - كامل - فرضي عنه عبد الصمد تهاجي الجماز والمعذل أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا العنزي قال حدثني إبراهيم بن عقبة اليشكري قال قال لي عبد الصمد بن المعذل هجاني الجماز ببيتين سخيفين فسارا في أفواه الناس حتى لم يبق خاص ولا عام إلا رواهما وهما ( ابنُ المعذل مَنْ هو ... ومن أبوه المعذّلْ ) ( سألْتُ وَهْبانَ عنه ... فقال بَيْضٌ مُحَوَّلْ ) - مجتث فقلت أنا فيه شعرا تركته يتحاجى فيه كل أحد فما رواه أحد ولا فكر فيه وذلك لضعته وهو قولي ( نَسَبُ الجمّاز مقصورٌ ... إليه مُنْتَهاهُ ) ( يتراءَى نَسَبُ الناس ... فما يخفَى سِواهُ ) ( يتحاجى في أبي الجَمَاز ... من هُوْ كاتباهُ ) ( ليس يَدْري مَنْ أبو الجَمَاز ... إلا مَن يراه ) - مجزوء الكامل - أخبرني الأخفش قال كان لعبد الصمد بستان نظيف عامر فأنشدنا لنفسه فيه ( إذا لم يزرنِيَ نَدْمانِيَهْ ... خَلَوْتَ فنادمْتُ بستانِيَهْ ) ( فنادمْتُه خَضِراً مُؤنقا ... يُهَيِّجُ لي ذكرَ أشجانِيَهْ ) ( يقرِّب مَفْرَحَةَ الْمُسْتَلِذِّ ... ويُبعِد هَمِّي وأحزانِيَهْ ) ( أرى فيه مثلَ مدارِي الظِّباءِ ... تظلُّ لأطلائها حانيه ) ( ونَوْرَ أقاح شتيتِ النباتِ ... كما ابتسمَتْ عجباً غانيه ) ( ونرجسُهُ مثلُ عين الفتاة ... إلى وجهِ عاشقها رانِيَه ) - متقارب - أخبرني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب قال كان يزيد بن عبد الملك المسمعي يهوى جارية من جواري القيان يقال لها عليم وكان يعاشر عبد الصمد ويزيد يومئذ شاب حديث السن وكان عبد الصمد يسميه ابني ويسمي الجارية ابنتي فباع الفتى بستانا له في معقل وضيعة بالقندل فاشترى الجارية بثمنها فقال عبد الصمد ( بُنيَّتي أصبحَتْ عَرُوساً ... تُهدَى من ابني إلى عروسِ ) ( زُفَّتْ إليه لخيرِ وقتٍ ... فاجتمعا ليلةَ الخميس ) ( يا معشرَ العاشِقين أنتُمْ ... بالمنزل الأرذلِ الخسيس ) ( يزيدُ أضحى لكُمْ رئيساً ... فاتَّبعوا مَنْهج الرئيس ) ( مَن رام بَلاًّ لرأسِ أيْرٍ ... ذلَّل نفساً بِحَلِّ كِيس ) - مخلع البسيط - أخبرني محمد بن خلف بن المزربان قال حدثني يزيد بن محمد المهلبي قال بلغ عبد الصمد بن المعذل أن أبا قلابة الجرمي تدسس إلى الجماز لما بلغه تعرضه له وهجاؤه إياه فحمله على الزيادة في ذلك ويضمن له أن ينصره ويعاضده وقد كان عبد الصمد هجا أبا قلابة حتى أفحمه فقال عبد الصمد فيهما ( يا مَن تركْتُ بصخرة ... صَمّاءَ هامَتَهُ أمِيمَهْ ) ( إن الذي عاضدْتَهُ ... أشبهْتَه خُلُقاً وشيمهْ ) ( وكفِعل جدَّتك الحديثة ... فعلُ جدّته القديمهْ ) ( فتناصرا فابنُ اللئيمة ... ناصرٌ لابْنِ اللئيمهْ ) - مجزوء الكامل حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني أبو العيناء قال كان لعبد الصمد بن المعذل صديق يعاشره ويأنس به فتزوج إليه أمير البصرة وكان ولد سليمان بن علي فنبل الرجل وعلا قدره وولاه المتزوج إليه عملا فكتب إليه عبد الصمد ( أَحُلْتَ عمّا عهدْتُ من دأبكْ ... أم نلْتَ مُلْكاً فَتِهْتَ في كُتبِكْ ) ( أم هل ترى أنَّ في مناصفة الإخْوانِ ... نَقْصاً عليك في حَسَبِكْ ) ( أم كان ما كان منك عن غضبٍ ... فأيُّ شيء أدناك من غَضَبِك ) ( إنَّ جفاءً كتابَ ذي ثقة ... يكون في صدره وأمتعَ بك ) ( كيفَ بإنصافنا لديكَ وقد ... شاركْتَ آلَ النبيِّ في نسبِك ) ( قلْ للوفاء الذي تقدِّرهُ ... نفسك عندي مَلِلت من طلبك ) ( أتْعبْتَ كفَّيْكَ في مواصلتي ... حسبُك ماذا كفيت من تعبك ) - منسرح - فأجابه صديقه ( كيف يَحُول الإِخاء يا أملي ... وكلُّ خيرٍ أنال من نسبِكْ ) ( إن يَكُ جهلٌ أتاك مِن قِبَلِي ... فامنُنْ بفضلٍ عليَّ من أدبك ) ( أنكرْتَ شيئاً فلسْتُ فاعِلهُ ... ولا تراه يَخُطُّ في كتبك ) - منسرح - حدثني الأخفش قال حدثنا المبرد قال كان لعبد الصمد بن المعذل صديق كثير الكذب كان معروفا بذلك فوعده وعدا فأخلفه ومطله به مطلا طويلا فقال عبد الصمد ( لي صاحبٌ في حديثه البركَهْ ... يزيدُ عند السُّكون والحركَهْ ) ( لو قال لا في قليلِ أحرُفِها ... لردَّها بالحُروف مشتبِكهْ ) - منسرح هجاؤه لبني المنجاب أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني سوار بن أبي شراعة قال كان يحيى بن عبد السميع الهاشمي يعاشر عبد الصمد بن المعذل ويجتمعان في دار رجل من بني المنجاب له جارية مغنية وكان ينزل رحبة المنجاب بالبصرة ثم استبد بها الهاشمي دون عبد الصمد فقال فيهم عبد الصمد ( قل ليحيى مَلِلْتُ من أحبابي ... فَلْيُنِكْهُمْ ما شاء من أصحابي ) ( قد تَرَكْنا تَعَشُّقَ الْمُرْدِ لمَّا ... أنْ بَلَوْنا تنعُّم العزَّاب ) ( وَشِنئْنا المؤاجِرين فَمِلْنا ... بعد خُبْرٍ إلى وصالِ القِحاب ) ( حبّذا قَيْنةٌ لأهل بني المِنجابِ ... حَلّتْ في رحبة المِنجاب ) ( صدَّقْتَ إذ يقول لي خُلِقَ الأحراح ... ليس الفِقاحُ للأزباب ) ( حبّذا تلك إذ تُغَنِّيك يا يحيى ... وتَسْقيك من ثنايا عِذاب ) ( ذكَرَ القلبُ ذُكْرَةً أُمَّ زيدٍ ... والمطايا بالسَّهْب سَهْبِ الرِّكاب ) ( حبّذا إذ ركبْتَها فتجافتْ ... تتشكى إليكَ عند الضِّراب ) ( وتَغَنَّتْ وأنت تدفَعُ فيها ... غيرَ ذي خِيفة لهمْ وارتقاب ) ( وإنَّ جَنْبِي عَنِ الفراش لنَابي ... كتجافي الأَسَرِّ فوق الظِّراب ) ( ليت شعري هل أسمعَنَّ إذا ما ... زاحَ عني وساوسُ الكتّاب ) ( مِنْ فتاةٍ كأنها خُوطُ بانٍ ... مَجَّ فيها النعيمُ ماءَ الشبابِ ) ( إذْ تُغَنِّيك خَلْفَ سَجْفٍ رقيق ... نَغَماتٍ تحبُّها بصواب ) ( شَفَّ عنها مُحَقَّقٌ جَنَدِيٌّ ... فَهْي كالشَّمس من خلال سَحاب ) ( رُبَّ شِعْرٍ قد قُلْتُه بتباهٍ ... ويُغَرَّى به ذوو الألباب ) ( قد تركْتُ الملحِّنين إذا ما ذكروه قاموا على الأذناب ) - خفيف - قال وشاعت الأبيات بالبصرة فامتنع مولى الجارية من معاشرة الهاشمي وقطعه بعد ذلك أخبرني محمد بن عمران الصيرفي وأحمد بن يحيى بن علي بن يحيى قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني أحمد بن صالح الهاشمي قال كان الحسين بن عبد الله بن العباس بن جعفر بن سليمان مائلا إلى عبد الصمد بن المعذل وكان عبد الصمد يهجو هشاما الكرنباني فجرى بين ابني هشام الكرنباني وهما أبو واثلة وإبراهيم وبين الحر بن عبد الله لحاء في أمر عبد الصمد لأنهما ذكراه وسباه فامتعض له الحسين وسبهما عنه فرميا الحسين بابن المعذل ونسباه إلى أن عبد الصمد يرتكب القبيح وبلغ الحسين ذلك فلقيهما في سكة المربد فشد عليهما بسوطه وهو راكب فضربهما ضربا مبرحا وأفلت أبو واثلة ووقع سبيب السوط في عين إبراهيم فأثر فيها أثرا قبيحا فاستعان بمشيخة من آل سليمان بن علي وهرب أبو واثلة إلى الأمير علي بن عيسى وهو والي البصرة فوجه معه بكتابه ابن فراس إلى باب الحسين بن عبد الله فطلبه وهرب حسين إلى المحدثة فلما كان من الغد جاء حسين إلى صالح بن إسحاق بن سليمان وإلى ابن يحيى بن جعفر بن سليمان ومشيخة من آل سليمان فصاروا معه إلى علي بن عيسى وأقبل عبد الصمد بن المعذل لما رآهم فدخل معهم لنصرة حسين فكلموا علي بن عيسى في أمره وقام عبد الصمد فقال أصلح الله الأمير هؤلاء أهلك وأجلة أهل مصرك تصدوا إليك في ابنهم وابن أخيهم وهو إن كان حدثا لا ينبسط للحجة بحداثته فإن ها هنا من يعبر عنه وقد قلت أبياتا فإن رأى الأمير أن يأذن في إنشادها فعل قال قل فأنشده عبد الصمد قوله ( يا ابنَ الخلائف وابنَ كلِّ مُبَارَكٍ ... رأسَ الدعائم سابِقَ الأغصانِ ) ( إنَّ العلوجَ على ابنِ عمك أصفَقُوا ... فأَتوْك عنه بأعظم البهتان ) ( قَرفُوه عندَك بالتعدِّي ظالماً ... وهُمُ ابتدَوْه بأعظمِ العدوان ) ( شَتَموا له عِرْضاً أغَرَّ مُهَذَّباً ... أعراضُهُمْ أولى بكلِّ هوان ) ( وسَمَوْا بأجسامٍ إليه مَهِينةٍ ... وُصِلتْ بأَلأمِ أَذْرُعٍ وبَنان ) ( خُلِقَتْ لمدِّ القَلْس لا لتناوُل ... عِرْض الشّريف ولا لمدِّ عنان ) ( لم يحفَظُوا قرباه منك فينتهوا ... إذْ لم يَهابُوا حُرْمَةَ السُّلطان ) ( أَيُذَلُّ مظلوماً وجدُّك جَدُّه ... كيما يعزَّ بِذُلِّهِ عِلْجان ) ( وينال أقلفُ كَربلاءُ بلادُه ... ذلَّ ابنِ عمِّ خليفةِ الرحمن ) ( إني أُعيذُك أن تُنَالَ بك التي ... تَطْغَى العلوجُ بها على عَدْنان ) - كامل - فدعا علي بن عيسى حسينا فضمه إليه فقال انصرف مع مشايخك ودعا بهشام الكرنباني وابنيه فعذلهم في أمره ثم أصلح بينهم بعد ذلك أخبرني علي بن سليمان قال حدثنا محمد بن يزيد قال كان عبد الصمد بن المعذل يعاشر عبد الله بن المسيب ويألفه فبلغه أنه اغتابه يوما وهو سكران وعاب شيئا أنشده من شعره فقال فيه وكتب بها إليه ( عَتْبي عليك مُقارِنُ العُذْرِ ... قد زال عند حفيظتي صَبْرِي ) ( لك شافعٌ منِّي إليّ فما ... يَقْضي عليك بهفوةٍ فكري ) ( لمّا أتاني ما نطقْتَ به ... في السُّكر قلْتُ جنايةُ السكر ) ( حاشا لعبدِ اللَّه يذكُرني ... مُسْتَعْذِباً بنقيصتي دكري ) ( إنْ عابَ شعري أَوْ تَحَيَّفَهُ ... فَلْيَهْنهِ ما عابَ مِن شعري ) ( يا ابنَ المُسَيَّب قد سبقْتَ بما ... أصبحْتَ مرتهِناً به شكري ) ( فمتى خُمِرْتَ فأنتَ في سَعةٍ ... ومتى هَفوْتَ فأنت في عُذْرِ ) ( تَرْكُ العتاب إذا استحَقَّ أخٌ ... منك العتابَ ذريعةُ الهَجْرِ ) - كامل - أخبرني الأخفش قال حدثنا المبرد قال دعا عبد الصمد بن المعذل شروين المغني وكان محسنا متقدما في صناعته فتعالل عليه ومضى إلى غيره فقال عبد الصمد والله لأسمنه ميسما لا يدعوه بعده أحد بالبصرة إلا بعد أن يبذل عرضه وحريمه فقال فيه ( مَنْ حَلَّ شَرْوِينُ له منزلاً ... فَلْتَنْهَهُ الأولى عن الثانيهْ ) ( فليس يدعوه إلى بيته ... إلا فتىً في بيته زانيهْ ) - سريع فتحاماه أهل البصرة حتى اضطر إلى أن خرج إلى بغداد وسر من رأى هجاؤه لأبي رهم أخبرني محمد بن عمران الصيرفي وأحمد بن العباس العسكري قالا حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا الفضل بن أبي جرزة قال كان أبو قلابة الجزمي وعبد الصمد بن المعذل وعبد الله بن محمد بن أبي عيينة المهلبي أرادوا المسير إلى بيت بحر البكراوي وكانت له جارية مغنية يقال لها جلبة وكان أبو رهم إليها مائلا يتعشقها ثم اشتراها بعد ذلك فلما أرادوا الدخول إليها وافاهم أبو رهم فأدخلوه وحده وحجبوهم فانصرفوا إلى بستان ابن أبي عيينة فقال أبو قلابة لا بد أن نهجو أبا رهم فقالوا قل فقال ( ألا قل لأبي رِهْمٍ ... سيهوى نَعْتَكَ الوصفُ ) ( كما حالفك الغيُّ ... كذا جانَبَك الظَّرْفُ ) ( أتانا أنه أهدى ... إلى بحرٍ من الشَّغْفِ ) ( حُزَيْماتٍ من الصِّير ... فهلاَّ معهُ رُغْفُ ) ( فنادَوْا اقسمي فينا ... فقد جاءكم اللُّطْفُ ) - هزج - فقال له عبد الصمد سخنت عينك أيش هذا الشعر بمثل هذا يهجى من يراد به الفضيحة فقال أبو قلابة هذا الذي حضرني فقل أنت ما يحضرك فقال أفعله وأجود فكان هذا سبب هجاء عبد الصمد أبا رهم وأول قصيدة هجاه بها قوله ( دَعُوا الإسلامَ وانتَحِلُوا المجوسا ... وأَلقُوا الرَّبْطَ واشتَمِلُوا القُلوسا ) ( بني العبدِ المُقيم بنهر تِيْرَى ... لقد أَنْهَضْتُ طيركُمُ نحوسا ) ( حرامٌ أن يَبِيتَ لكُمْ نزِيلٌ ... فلا يُمسِي بأمِّكمُ عَروسا ) ( إذا ركَدَ الظلامُ رأت عُسيْلاً ... يَحُثُّ على نَداماهُ الكؤوسا ) ( ويُذْكِرُهُمْ أبو رِهْمٍ بهجوٍ ... فيستدعي إلى الحُرَمِ النُّفوسا ) ( ويُخْلِيهمْ هِشامٌ بالغواني ... ويُحمي الفضلُ بينهمُ الوطيسا ) ( فتسمع في البيوت لهمْ هبيبا ... كما أهملْتَ في الزَّربِ التيوسا ) ( لقد كان الزناةُ بلا رئيس ... فقد وجد الزناةُ بهمْ رئيسا ) ( هُمُ قَبَلُوا الزّناد وأنشأوه ... وهُمُ وسموا بجبهته حبيسا ) ( لئن لم تنْفِ دعوتَهم سَدُوسٌ ... لقد أخزى الإله بهمْ سَدوسا ) - هزج - وقال فيه ( لو جادَ بالمال أبو رِهْمٍ ... كجُوْدِهِ بالأخت والأمِّ ) ( أضحى وما يُعرَفُ مِثْلٌ لَه ... وقيل أسخى العُرْبِ والعُجْمِ ) ( مَنْ بَرَّ بالحرْمَةِ إخوانَه ... أحَقُّ أن يُشْكر بالشتْمِ ) - سريع - وله فيه من قصيدة طويلة ( هو واللَّه مُنْصِفٌ ... زَوْجُهُ زَوْجُ زوجتِهْ ) ( يقسم الأيرَ عادلاً ... بين حِرْها وفُقْحَتِهْ ) - مجزوء الخفيف - حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا العنزي قال حدثني أبو الفضل بن عبدان قال خرج عبد الصمد بن المعذل مع أهله إلى نزهة وقال ( قد نَزَلْنا بِروضةٍ وغديرٍ ... وَهَجَرْنا القصرَ المنيف المشِيدا ) ( بعريشٍ ترى من الزاد فيه ... زُكْرَتَيْ خَمرةٍ وصَقْراً صَيُودا ) ( وغَرِيرَيْن يطربان الندامى ... كلما قلْتُ أَبْدِيا وأَعِيدا ) ( غنِّياني فَغَنَّياني بلحْنٍ ... سَلِسِ الرَّجْعِ يصدع الجلمودا ) ( لا ذَعَرْتُ السَّوامَ في فلق الصُّبْحِ ... مُغِيراً ولا دُعِيتُ يزيدا ) ( حَيِّ ذا الزَّوْرَ وانهَه أن يعودا ... إنّ بالباب حارسين قعودا ) ( من يزُرْنا يجدْ شِواءَ حُبارَى ... وقَدِيراَ رَخصاً وخَمْرا عتيدا ) ( وكِراماً مُعَذَّلين وبِيضاً ... خلعوا العُذْر يسحبون البُرودا ) ( لستُ عن ذا بمُقْصِرٍ ما جزائي ... قرَّبَتْ لي كريمةٌ عنقودا ) - خفيف - شعره في الافشين أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال نظر عبد الصمد بن المعذل إلى الأفشين بسر من رأى وهو غلام أمرد وكان من أحسن الناس وهو واقف على باب الخليفة مع أولاده القواد فأنشدنا لنفسه فيه قال ( أيها اللاحِظِي بطرْفٍ كليلِ ... هل إلى الوصل بيننا مِن سبيلِ ) ( عَلِمَ اللَّهُ أنني أتمنَّى ... زَوْرةً منكَ عند وقتِ المَقِيلِ ) ( بعد ما قد غدوْتَ في القُرْطَق الجَونِ ... تَهادَى وفي الحسام الصقِيل ) ( وتكفَّيْتَ في المواكب تَخْتالُ ... عليها تميل كلَّ مَمِيل ) ( وأطلْتَ الوقوف منك بِباب القصْر ... تَلْهُو بكلِّ قال وقيْلِ ) ( وتحدّثْتَ في مطاردة الصَّيد ... بِخُبْرٍ به ورأي أصيلِ ) ( ثمَّ نازعْتَ في السِّنان وفي الرمح ... وعِلْمٍ بِمُرْهَفاتِ النُّصُولِ ) ( وتكلَّمْتَ في الطِّراد وفي الطَّعن ... ووثْبٍ على صِعابِ الخيولِ ) ( فإذا ما تفرّقَ القومُ أقبلْتَ ... كريحانةٍ دَنَتْ لذبول ) ( قد كساك الغبارُ منه رِدّاءً ... فوقَ صُدغ وجَفْنِ طرْفٍ كحِيل ) ( وبَدَتْ وُرْدَةُ القَسامة من خَدْدِكَ ... في مُشْرقٍ نقيٍّ أسيل ) ( ترشَحُ المِسْكَ منه سالفةُ الظبْي ... وجِيدُ الأُدمانة العُطْبُول ) ( فَأَسُوفُ الغبار ساعة ألقاكَ ... برشْفِ الخدّين والتقبيل ) ( وأحُلُّ القَباَء والسَّيفَ من خَصرِكَ ... رِفْقاً باللُّطف والتعليل ) ( ثم تُؤتى بما هويتَ من التَّشريفِ ... عندي والبرِّ والتبجيل ) ( ثم أجلوكَ كالعروسِ على الشَّرْبِ ... تَهادَى في مُجْسَدٍ مصقول ) ( ثم أَسقيك بعد شُرْبِيَ مِنْ رِيقِك ... كأساً من الرحيق الشمول ) ( وأغنِّيك إن هَوِيتَ غِناءً ... غيَر مستكرَه ولا مملول ) ( لا يزال الخَلخال فوق الحشايا ... مثل أثناء حَيَّةٍ مقْتول ) ( فإذا ارتاحتِ النفوسُ اشتياقاً ... وتمنَّى الخَليلُ قُرْبَ الخليل ) ( كان ما كان بيْننا لا أسمِّيهِ ... ولكنّه شفاءُ الغليل ) - خفيف - شعره في متيم أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني الحسن بن عليل العنزي والمبرد وغيرهما قالوا كانت متيم جارية لبعض وجوه أهل البصرة فعلقها عبد الصمد بن المعذل وكانت لا تخرج إلا منتقبة فخرج عبد الصمد يوما إلى نزهة وقدمت متيم إلى عبيد الله بن الحسن بن أبي الحر القاضي فاحتاج إلى أن يشهد عليها فأمرها بأن تسفر فلما قدم عبد الصمد قيل له لو رأيت متيم وقد أسفرها القاضي لرأيت شيئا حسنا لم ير مثله فقال عبد الصمد قوله ( ولما سَرَتْ عنها القناعَ مُتَيَّمٌ ... تَروَّحَ منها العنبريُّ متيَّما ) ( رأَى ابنُ عبيدِ اللَّه وهو مُحَكَّمٌ ... عليها لها طَرْفاً عليه محكَّما ) ( وكان قديماً كالحَ الوجهِ عابساً ... فلما رأى منها السفُورَ تبسَّما ) ( فإن يَصْبُ قلبُ العنبريِّ فقبلَه ... صبا باليتامى قلبُ يحيى بنِ أكثما ) - طويل - فبلغ قوله يحيى بن أكثم فكتب إليه عليك لعنة الله أي شيء أردت مني حتى أتاني شعرك من البصرة فقال لرسوله قل له متيم أقعدتك على طريق القافية أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال حدثني عبد الله بن أحمد العبدي قال حدثني الأنيسي قال كنت عند إسحاق بن إبراهيم وزاره أحمد بن المعذل وكان خرج من البصرة على أن يغزو فلما دخل على إسحاق بن إبراهيم أنشده ( أفضلْتَ نُعمَى على قومٍ رَعَيْتَ لَهُمْ ... حقًّا قديماً من الودّ الذي دَرَسا ) ( وحرمةَ القصْدِ بالآمال إنّهمُ ... أَتَوْا سواكَ فما لاقَوْا به أَنَسا ) ( لأنت أكرمُ منه عند رفعته ... قَوْلاً وفعلاً وأخلاقاً ومُغْتَرسا ) - بسيط - فأمر له بخمسمائة دينار فقبضها ورجع إلى البصرة وكان خرج عنها ليجاور في الثغر وبلغ عبد الصمد خبره فقال فيه ( يُرِي الغزاةَ بأنَّ اللّه هِمّتُه ... وإنما كان يَغزو كيسَ إسحاقِ ) ( فباعَ زُهداً ثواباً لا نَفادَ له ... وابتاعَ عاجل رِفدِ القوم بالباقي ) - بسيط - فبلغ إسحاق بن إبراهيم قوله فقال قد مسنا أبو السم عبد الصمد بشيء من هجائه وبعث إليه بمائة دينار فقال له موسى بن صالح أبى الأمير إلا كرما وظرفا شعره في الهجاء أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل قال حدثني الحسن الأسدي قال قدم أبو نبقة من البحرين وقد أهدى إلى قوم من أهل البصرة هداياه ولم يهد إلى عبد الصمد شيئا فكتب إليه ( أما كان في قَسْبِ اليمامةِ والتمر ... وفي أَدَمِ البحرين والنَّبَقِ الصُّفْرِ ) ( ولا في مناديلٍ قسَمْتَ طريفَها ... وأهدَيْتَها حَظُّ لنا يا أبا بكْرِ ) ( سَرَتْ نحو أقوامٍ فلا هَنَأْنهُمُ ... ولم ينتصف منها الْمُقِلُّ ولا المثري ) ( أأنتَ إلى طالوتَ ذِي الوفْرِ والغِنى ... وآلِ أبي حَرْبٍ ذوي النَّشَب الدثر ) ( ولم تأتِني ولا الرياشيِّ تمرةٌ ... غَصِصْتَ بباقي ما ادَّخرْتَ من التمرِ ) ( ولم يُعْطَ منها النهشليُّ إِداوةً ... تكون له القَيْظِ ذُخْراً مَدَى الدهر ) ( أقول لفتيانٍ طَوَيْتُ لطيِّهمْ ... عُرِى البِيد منشورَ المخافةِ والذعر ) ( لئن حُكّم السدريُّ بالعدل فيكُمُ ... لما أنصف السدريُّ في ثَمَر السِّدْرِ ) ( لئن لم تكنْ عيناك عذرَكَ لم تكن ... لدينا بمحمودٍ ولا ظاهرِ العذرِ ) - طويل - أخبرنا الحسن بن عليل قال حدثنا أحمد بن يزيد المهلبي قال وقع بين أبي وبين عبد الصمد بن المعذل تباعد فهجاه ونسبه إلى الشؤم وكان يقال ذلك في عبد الصمد فقال فيه ( يقول ذَوُو التَّشؤُّمِ ما لقينا ... كما لقي ابن سهلٍ مِن يَزيدِ ) ( أتته منيَّةُ المأمونِ لمَّا ... أتاه يزيدُ من بلدٍ بعيدِ ) ( فصيَّر منه عسكرَه خلاءً ... وفرَّق عنه أفواجَ الجنودِ ) ( فقلت لهمْ وكم مشؤومِ قَوْمٍ ... أبَادَ لهمْ عَديداً من عدِيدِ ) ( رأيتَ ابنَ المعذَّلِ يالَ عمروٍ ... بشُؤمٍ كان أسرعَ في سعيد ) ( فمنه موتُ جِلَّةِ آل سَلْمٍ ... ومنه قَضُّ آجامِ البريد ) ( ولم ينزل بدارٍ ثم يمسي ... ولمَّا يستمعْ لَطْمَ الخدود ) ( وكلُّ مديح قومٍ قال فيهم ... فإنّ بعَقْبه يا عينُ جودي ) ( إذا رجلٌ تسمَّع منه مدْحاً ... تنسَّمَ منه رائحةَ الصعيد ) ( فلو حَصْفُ الذين يُبِيح فيهمْ ... اثاروا منه رائحة الطريد ) ( فليس العزُّ يمنع منه شؤماً ... ولا عَتباً بأبواب الحديد ) - وافر - حدثني الأخفش قال حدثنا المبرد قال مر أحمد بن المعذل بأخيه عبد الصمد وهو يخطر فأنشأ يقول ( إن هذا يَرَى أُرَى ... أنّه ابن المهلَّب ) ( أنت واللّه مُعْجِبٌ ... ولنا غيرُ مُعْجِب ) - مجزوء الخفيف - أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا أبي وغيره وحدثني به بعض آل المعذل قال مر عبد الصمد ابن المعذل بغلام يقال له المغيرة حسن الصوت حسن الوجه وهو يقرأ ويقول القصائد فأعجب به وقال فيه ( أيها الرافع في المسجد ... بالصَّوتِ العَقِيره ) ( قتلَتْنِي عينُك النَّجلاءُ ... والقَتْلُ كبيرهْ ) ( أيُّها الحكّام أنتمْ ... فاصِلُو حُكْمِ العشِيرهْ ) ( أَحَلاَلاً ما بقلبي ... صَنَعَتْ عينا مُغِيرهْ ) - مجزوء الرمل - وصفه للحمى أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا زكريا بن مهران بن يحيى قال جاءنا عبد الصمد بن المعذل إلى منزل محمد بن عمر الجرجرائي فأنشدنا قصيدة له في صفة الحمى فقال لي محمد بن عمر امض إلى منزل عبد الصمد حتى تكتبها فمضيت إليه حتى كتبتها وهي ( هجرْتُ الصِّبا أيَّما هَجْرهْ ... وعِفْتُ الغَوانِيَ والخمرهْ ) ( طوتْنيَ عن وَصْلِها سكرهْ ... بكأس الضّنا أيَّما سَكرهْ ) - متقارب - تهاجيه مع أبي تمام أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني عبد الله بن يزيد الكاتب قال جمع بين أبي تمام الطائي وبين عبد الصمد بن المعذل مجلس وكان عبد الصمد سريعا في قول الشعر وكان في أبي تمام إبطاء فأخذ عبد الصمد القرطاس وكتب فيه ( أنت بين اثنتين تبرُز للناس ... وكلتاهما بوجهٍ مُذالِ ) ( لسْتَ تنفَكُّ طالباً لِوُصْلَةٍ ... من حبيبٍ أو طالباً لِنَوَالِ ) ( أيُّ ماءٍ لِحُرِّ وجهك يَبْقى ... بين ذُلِّ الهوى وذل السؤال ) - خفيف - قال فأخذ أبو تمام القرطاس وخلا طويلا وجاء به وقد كتب فيه ( أفيّ تنظِمُ قولَ الزُّور والفَنَدِ ... وأنت أنْزَرُ من لا شَيءَ في العدد ) ( أشرجْتَ قلبك مِن بُغْضي على حُرَقٍ ... كأنَّها حَرَكاتُ الرُّوح في الجسد ) - بسيط - فقال له عبد الصمد يا ماص بظر أمه يا غث أخبرني عن قولك أنزر من لا شيء وأخبرني عن قولك أشرجت قلبك قلبي مفرش أو عيبة أو حرح فأشرجه عليك لعنة الله فما رأيت أغث منك فانقطع أبو تمام انقطاعا ما يرى أقبح منه وقام وانصرف وما راجعه بحرف قال أبو الفرج الأصبهاني كان في ابن مهرويه تحامل على أبي تمام لا يضر أبا تمام هذا منه وما أقل ما يقدح مثل هذا في مثل أبي تمام أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثني العنزي قال كان عبد الصمد بن المعذل يستثقل رجلا من ولد جعفر بن سليمان بن علي يعرف بالفراش وكان له ابن أثقل منه وكانا يفطران عند المنذر بن عمرو وكان يخلف بعض أمراء البصرة وكان الفراش هذا يصلي به ثم يجلس فيفطر هو وابنه عنده فلما مضى شهر رمضان انقطع ذلك عنهما فقال عبد الصمد بن المعذل ( غَدَرَ الزمان وَلَيْتَهُ لم يَغْدرِ ... وحَدَا بشهر الصوم فِطْرُ المُفْطِرِ ) ( وثوَتْ بقلبك يا محمّدُ لوعةٌ ... تَمْرِي بوادرَ دْمعِك المتحدِّر ) ( وَتَقَسَّمْتَكَ صبابتان لِبينِهِ ... أسفُ المَشُوق وخَلَّة المتفكر ) ( فاستبق عينك واحشُ قلبَكَ يأسه ... واقْرَ السلامَ على خُوان المنْذر ) ( سَقْياً لدهرك إذ تَرَوَّحَ يومُه ... والشّمسُ في عَلياءَ لم تتهوّر ) ( حتى تُنِيخَ بكلكلٍ متزاورٍ ... وَتُمدَّ بُلعُوما قَمُوصَ الحَنْجَرِ ) ( وَتُرود منك على الخِوان أناملٌ ... تَدَع الخوانَ سَرابَ قاعٍ مُقْفرِ ) ( وَيْح الصِّحافِ من ابن فَرَّاش إذا ... أنْحَى عليها كالهِزَبْرِ الهَيْصَر ) ( ذو دُرْبة طَبٌّ إذا لمعَتْ له ... بُشُرُ الخِوان بَدَا بحَلِّ المئزر ) ( ودّ ابنُ فَرّاش وفرّاشٌ معاً ... لو أنَّ شهرَ الصوم مدّةُ أشهر ) ( يُزرِي على الإِسلامِ قِلّةَ صبره ... وتراه يحمَد عِدّة الْمُتَنَصِّر ) ( لا تَهْلِكنَّ على الصِّيام صبابةً ... سيعود شهرُك قابلاً فاستبشر ) ( لا دَرَّ دَرُّك يا محمّدُ من فتى ... شَيْنِ المغيب وغيِر زَيْنِ المَحْضَرِ ) - كامل - أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان حدثني محمد البصري وكان جارا لعبد الصمد بن المعذل قال كان يزيد بن محمد المهلبي يعادي عبد الصمد ويهاجيه ويسابه ويرمي كل واحد منهما صاحبه بالشؤم وكان يزيد بالبصرة وأبوه يتولى نهر تيرى ونواحيها فقال عبد الصمد يهجوه ( أبوك أميُر قريةِ نهر تِيرَى ... ولسْتَ على نسائك بالأميِر ) ( وأرزاقُ العباد على إله ... لَهُمْ وعليك أرزاقُ الأيور ) ( فكم في رزق ربك من فقيٍر ... وما في أهل رزقك من فقيرِ ) - وافر - أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني محمد بن عبد الرحمن قال حدثني أحمد بن منصور قال شرب علي بن عيسى بن جعفر وهو أمير البصرة الدهن فدخل إليه عبد الصمد بن المعذل بعد خروجه عنه فأنشده قوله ( بأيمنِ طائرٍ وَأَسَرِّ فالِ ... وأعلى رُتبةٍ وأجَلِّ حالِ ) ( شربْتَ الدهنَ ثم خرجْتَ عنه ... خروجَ المشرفيِّ من الصقال ) ( تَكَشَّفَ عنك ما عانَيْتَ عنه ... كما انكشف الغمامُ عن الهلال ) ( وقد أهديْتُ ريحاناً طريفاً ... به حاجيْتُ مستمِعاً سؤالي ) ( وما هو غيرَ ياءٍ بعد حاء ... وقد سبقا بميمٍ قبل دال ) ( وريحانُ الشباب يعيش يوماً ... وليس يموت ريحانُ المقال ) ( ولم يك مؤْثراً تُفّاحَ شمٍّ ... على تفّاح أسماع الرجال ) - وافر - أخبرني جحظة قال حدثني ميمون بن مهران قال حدثني أحمد بن المغيرة العجلي قال كنت عند أبي سهل الإسكافي وعنده عبد الصمد بن المعذل فرفع إليه رجل رقعة فقرأها فإذا فيها ( هذا الرحيلُ فهل في حاجتي نَظَرُ ... أو لا فَأَعْلَمَ ما آتي وما أذَرُ ) - بسيط - فدفعها إلى عبد الصمد وقال الجواب عليك فكتب فيها ( النفس تسخو ولكن يمنع العُسُرُ ... والحرُّ يعْذِر من بالعُسْر يعتذر ) - بسيط ثم قال عبد الصمد لعلي بن سهل هذا الجواب قولا وعليك أعزك الله الجواب فعلا ونجح سعي الآمل حق واجب على مثلك فاستحيا وأمر للرجل بمائة دينار هجاؤه لابن أخيه أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وعلي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد الأزدي قال كان لابن المعذل ابن ثقيل تياه شديد الذهاب بنفسه وكان مبغضاً عند أهل البصرة فمر يوما بعمه عبد الصمد فلما رآه قال لمن معه ( إنَّ هذا يَرَى أُرَى ... أنّه ابنُ المهلَّب ) ( أنت واللَّهِ مُعْجِبٌ ... ولنا غير مُعْجِب ) - مجزوء الخفيف - قال وقال فيه أيضا ( لو كان يُعطَى المُنَى الأعمامُ في ابن أخٍ ... أصبحْتَ في جوف قُرقوزٍ إلى الصين ) ( قد كان همًّا طويلاً لا يقامُ له ... لو كان رؤيتُنا إياك في الحِينِ ) ( فكيفَ بالصَّبر إذْ أصبحْتَ أكثَرَ في ... مجال أعينِنا من رَمْلِ يَبْرينِ ) ( يا أبغَضَ النّاسِ في عُسْرٍ ومَيْسَرةٍ ... وأقذَرَ الناس في دُنْيَا وفي دِين ) ( لو شاء ربيِّ لأضحَى واهباً لأخي ... بمُرِّ ثُكْلِكَ أَجْراً غيرَ ممنون ) ( وكان خيراً له لو كان مؤتزِراً ... في السّالِفات على غُرْمولِ عنِّينِ ) ( وقائلٍ ليَ ما أضناكَ قلتُ له ... شخصٌ ترى وَجْهَه عيني فَيُضْنِيني ) ( إن القلوبَ لتُطوَى منك يا ابن أخي ... إذا رأتْكَ على مثل السّكاكينِ ) صوت ( أَتَتْكَ العِيسُ تنفُخ في بُراها ... تَكَشَّفُ عن مناكبها القُطُوعُ ) ( بأبيضَ مِن أميَّةِ مَضْرحِيٍّ ... كأنَّ جَبِينَهُ سيفٌ صَنيعُ ) - وافر - الشعر لعبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص والغناء لابن المهربد رمل بالبنصر عن الهشامي والله أعلم أخبار عبد الرحمن ونسبه وهو عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وأمه أم أخيه مروان آمنة بنت صفوان بن أمية بن محرث بن شق ابن رقبة بن مخدج من بني كنانة ويكنى عبد الرحمن أبا مطرف شاعر إسلامي متوسط الحال في شعراء زمانه وكان يهاجي عبد الرحمن بن حسان ابن ثابت فيقاومه وينتصف كل واحد منهما من صاحبه أخبرني محمد بن العباس العسكري قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي عن العمري عن العتبي والهيثم بن عدي عن صالح بن حسان عتابه لمعاوية بعد قدومه عليه وأخبرني به عمي عن الكراني عن العمري عن الهيثم عن صالح ابن حسان قال قدم عبد الرحمن بن الحكم على معاوية بن أبي سفيان وقد عزل أخاه مروان عن الحجاز وولى سعيد بن العاص وكان مروان وجه به وقال له القه أمامي فعاتبه لي واستصلحه وقال عمي في خبره كان عبد الرحمن بدمشق فلما بلغه خبر أخيه خرج إليه فتلقاه وقال له أقم حتى أدخل إلى الرجل فإن كان عزلك عن موجدة دخلت إليه منفردا وإن كان عن غير موجدة دخلت إليه مع الناس قال فأقام مروان ومضى عبد الرحمن أمامه فلما قدم عليه دخل إليه وهو يعشي الناس فأنشأ يقول ( أتتك العِيسُ تنفُحُ في بُرَاها ... تَكَشَّفُ عن مناكبها القُطُوع ) ( بأبيضَ من أمَيَّة مَضْرحِيٍّ ... كأنَّ جبيَنُه سَيفٌ صنيعُ ) - وافر - فقال معاوية أزائرا جئت أم مفاخرا أم مكاثرا فقال أي ذلك شئت فقال له ما أشاء من ذلك شيئا وأراد معاوية أن يقطعه عن كلامه الذي عن له فقال على أي الظهر أتيتنا قال على فرسي قال وما صفته قال أجش هزيم يعرض بقول النجاشي له ( ونجَّى ابنَ حَرْبٍ سابحٌ ذو عُلالة ... أجَشُّ هزيمٌ والرماحُ دَواني ) ( إذا خِلْتَ أطرافَ الرِّماح تنالُه ... مَرَتْه به السَّاقانِ والقدمانِ ) - طويل - فغضب معاوية وقال أما إنه لا يركبه صاحبه في الظلم إلى الريب ولا هو ممن يتسور على جاراته ولا يتوثب على كنائنه بعد هجعة الناس وكان عبد الرحمن يتهم بذلك في امرأة أخيه فخجل عبد الرحمن وقال يا أمير المؤمنين ما حملك على عزل ابن عمك ألجناية أوجبت سخطا أم لرأي رأيته وتدبير استصلحته قال لتدبير استصلحته قال فلا بأس حذف بذلك وخرج من عنده فلقي أخاه مروان فأخبره بما جرى بينه وبين معاوية فاستشاط غيظا وقال لعبد الرحمن قبحك الله ما أضعفك أعرضت للرجل بما أغضبه حتى إذا انتصف منك أحجمت عنه ثم لبس حلته وركب فرسه وتقلد سيفه ودخل على معاوية فقال له حين رآه وتبين الغضب في وجهه مرحبا بأبي عبد الملك لقد زرتنا عند اشتياق منا إليك قال لاها الله ما زرتك لذلك ولا قدمت عليك فألفيتك إلا عاقا قاطعا والله ما أنصفتنا ولاجزيتنا جزاءنا لقد كانت السابقة من بني عبد شمس لآل أبي العاص والصهر برسول الله لهم والخلافة فيهم فوصلوكم يا بني حرب وشرفوكم وولوكم فما عزلوكم ولا آثروا عليكم حتى إذا وليتم وأفضى الأمرإليكم أبيتم إلا أثرة وسوء صنيعة وقبح قطيعة فرويدا رويدا قد بلغ بنو الحكم وبنو بنيه نيفا وعشرين وإنما هي أيام قلائل حتى يكملوا أربعين ويعلم امرؤ أين يكون منهم حينئذ ثم هم للجزاء بالحسنى وبالسوء بالمرصاد قال عمي في خبره فقال له معاوية عزلتك لثلاث لو لم يكن منهن إلا واحدة لأوجبت عزلك إحداهن إني أمرتك على عبد الله بن عامر وبينكما ما بينكما فلم تستطع أن تشتفي منه والثانية كراهتك لأمر زياد والثالثة أن ابنتي رملة استعدتك على زوجها عمرو بن عثمان فلم تعدها فقال له مروان أما ابن عامر فإني لا أنتصر في سلطاني ولكن إذا تساوت الأقدام علم أين موقعه وأما كراهتي أمر زياد فإن سائر بني أمية كرهوه ثم جعل الله لنا في ذلك الكره خيرا كثيرا وأما استعداء رملة على عمرو فوالله إني لتأتي علي سنة أو أكثر وعندي بنت عثمان فما أكشف لها ثوبا يعرض بأن رملة إنما تستعدي عليه طلبا للنكاح فقال له معاوية يا بن الوزغ لست هناك فقال له مروان هو ذاك الآن والله إني لأبو عشرة وأخو عشرة وعم عشرة وقد كاد ولدي أن يكملوا العدة يعني أربعين ولو قد بلغوها لعلمت أين تقع مني فانخزل معاوية ثم قال ( فإن أَكُ في شرارِكُمُ قليلاً ... فإنِّي في خياركُمُ كثيرُ ) ( بُغاثُ الطَّير أكثرُها فِراخاً ... وأمُّ الصَّقرِ مِقْلاتٌ نزورُ ) - وافر - قال فما فرغ مروان من كلامه حتى استخذى معاوية في يده وخضع له وقال لك العتبي وأنا رادك إلى عملك فوثب مروان وقال له كلا والله وعيشك لا رأيتني عائدا إليه أبدا وخرج فقال الأحنف لمعاوية ما رأيت لك قط سقطة مثلها ما هذا الخضوع لمروان وأي شيء يكون منه ومن بني أبيه إذا بلغوا أربعين وأي شيء تخشاه منهم فقال له أدن مني أخبرك بذلك فدنا منه فقال له إن الحكم بن أبي العاص كان أحد من وفد مع أختي أم حبيبة لما زفت إلى النبي وهو الذي تولى نقلها إليه فجعل رسول الله يحد النظر إليه فلما خرج من عنده قيل له يا رسول الله لقد أحددت النظر إلى الحكم فقال ابن المخزومية ذلك رجل إذا بلغ ولده ثلاثين أو قال أربعين ملكوا الأمر بعدي فوالله لقد تلقاها مروان من عين صافية فقال له الأحنف لا يسمعن هذا أحد منك فإنك تضع من قدرك وقدر ولدك بعدك وإن يقض الله عز و جل أمرا يكن فقال له معاوية فاكتمها علي يا أبا بحر إذاً فقد لعمري صدقت ونصحت اخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني يعقوب بن القاسم الطلحي قال حدثني ثمال عن أيوب بن درباس ابن دجاجة قال شخص مروان بن الحكم ومعه أخوه عبد الرحمن إلى معاوية ثم ذكر نحوا من الحديث الأول ولم يذكر فيه مخاطبة معاوية في أمرهم للأحنف وزاد فيه فقال عبد الرحمن في ذلك ( أتَقطُر آفاقُ السماءِ له دماً ... إذا قيل هذا الطَّرْفُ أَجْرَدُ سابحُ ) ( فحتَّى متَّى لا نَرفع الطَّرْفَ ذِلَّةً ... وحتَّى متى تَعْيا عليك المنادِح ) - طويل - بكاؤه حين رأى رأس الحسين أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعيد قال حدثنا علي بن الصباح عن ابن الكلبي عن أبيه قال كان عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاصي عند يزيد بن معاوية وقد بعث إليه عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي عليهما السلام فلما وضع بين يدي يزيد في الطشت بكى عبد الرحمن ثم قال ( أبلغْ أميرَ المؤمنين فلا تكُنْ ... كَمُوْتِرِ أقواسٍ وليس لها نَبْل ) ( لَهَامٌ بجنب الطَّفِّ أدنى قرابةً ... مِن ابن زيادِ الوغْدِ ذي الحسب الرَّذْل ) ( سُمَيّةُ أمسَى نسلُها عَدَدَ الحصى ... وبنتُ رسولِ اللَّه ليس لها نَسْلُ ) - طويل - فصاح به يزيد اسكت يا ابن الحمقاء وما أنت وهذا أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني هارون بن معروف قال حدثنا بشر بن السري قال حدثنا عمر بن سعيد عن أبي مليكة قال رأيتهم يعني بني أمية يتتايعون نحو ابن عباس حين نفى ابن الزبير بني أمية عن الحجاز فذهبت معهم وأنا غلام فلقينا رجلا خارجا من عنده فدخلنا عليه فقال له عبيد بن عمير مالي أراك تذرف عيناك فقال له إن هذا يعني عبد الرحمن بن الحكم قال بيتا أبكاني وهو ( وما كنت أخشَى أن تَرى الذُّلَّ نِسْوتي ... وعَبْدُ مُنافٍ لم تَغُلْها الغوائلُ ) - طويل - فذكر قرابة بيننا وبين بني عمنا بني أمية وإنا إنما كنا أهل بيت واحد في الجاهلية حتى جاء الإسلام فدخل الشيطان بيننا أيما دخل أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم قال حدثني أخي عباس أن عبد الرحمن بن الحكم كان يولع بجارية لأخيه مروان يقال لها شنباء ويهيم بمحبتها فبلغ ذلك مروان فشتمه وتوعده وتحفظ منه في أمر الجارية وحجبها فقال فيها عبد الرحمن ( لعَمْرُ أبي شَنْباء إنِّي بذِكرها ... وإن شَحَطَتْ دارٌ بها لَحَقِيقُ ) ( وإني لها لا ينزع اللَّه ما لها ... عليّ وإن لم تَرْعه لصدِيقُ ) ( ولمّا ذَكَرْتُ الوصلَ قالت وأعرَضَتْ ... متى أنت عن هذا الحديث مُفِيقُ ) - طويل غضب معاوية عليه أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا الخليل بن أسد عن العمري ولم أسمعه من العمري عن الهيثم بن عدي قال لما ادعى معاوية زيادا قال عبد الرحمن بن الحكم في ذلك والناس ينسبونها إلى ابن مفرغ لكثرة هجائه إلى زياد وذلك غلط قال ( ألا أَبْلغ معاويةَ بنَ حربٍ ... مُغَلغَلةً من الرجُل الهِجانِ ) ( أتغضبُ أن يقالَ أبوك عفٌّ ... وترضَى أن يقاَل أبوك زانِ ) ( فأشهَدُ أنَّ رِحْمَكَ من زِيادٍ ... كرِحْمِ الفيلِ من وَلَدِ الأتانِ ) ( وأشهدُ أنَّها ولدَتْ زِياداً ... وصخرٌ من سُمَيَّةَ غيرُ دانِي ) - وافر - فبلغ ذلك معاوية بن حرب فحلف ألا يرضى عن عبد الرحمن حتى يرضى عنه زياد فخرج عبد الرحمن إلى زياد فلما دخل عليه قال له إيه يا عبد الرحمن أنت القائل ( ألا أبلِغْ معاويةَ بنَ حربٍ ... مُغَلغَلةً من الرجُل الهِجانِ ) قال لا أيها الأمير ما هكذا قلت ولكني قلت ( ألا من مُبْلغٌ عني زِياداً ... مُغَلغَلةً من الرّجُلِ الهجان ) ( مِن ابن القَرْم قَرْم بني قُصَيِّ ... أبي العاصي بنِ آمنةَ الحَصانِ ) ( حلفْتُ بربِّ مكّةَ والمصلَّى ... وبالتَّوراة أحلفُ والقُرانِ ) ( لأنت زيادةٌ في آل حرب ... أحبُّ إليَّ من وُسْطَى بنانِي ) ( سُرِرْتُ بقُربه وفرِحْتُ لمّا ... أتاني اللَّه منهُ بِالبيانِ ) ( وقلتُ له أخو ثقةٍ وعمٌّ ... بعون اللَّه في هذا الزمانِ ) ( كذاك أراكَ والأهواءُ شتَّى ... فما أدري بغَيْبٍ ما ترانِي ) - وافر - فرضي عنه زياد وكتب له بذلك إلى معاوية فلما دخل عليه بالكتاب قال أنشدني ما قلت لزياد فأنشده فتبسم ثم قال قبح الله زيادا ما أجهله والله لما قلت له أخيرا حيث تقول ( لأَنْتَ زيادةٌ في آل حرب ... ) شر من القول الأول ولكنك خدعته فجازت خديعتك عليه أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال استعمل معاوية بن أبي سفيان الحارث بن الحكم بن أبي العاصي على غزاة البحر فنكص واستعفى فوجه مكانه ابن أخيه عبد الملك بن مروان فمضى وأبلى وحسن بلاؤه فقال عبد الرحمن بن الحكم لأخيه الحارث ( شَنِئتُك إذ رأيتك حَوْتَكِيّا ... قريبَ الخُصْيَتَيْن من الترابِ ) ( كأنّك قملةٌ لَقِحَت كِشافاً ... لبُرغوثٍ ببعرةٍ أو صُؤابِ ) ( كفاكَ الغزو إذا أحجَمْتَ عنه ... حديثُ السن مُقَتَبلُ الشَّبابِ ) ( فليتك حَيْضَةٌ ذهبَتْ ضلالاً ... وليتَكَ عند مُنقَطَع السَّحابِ ) - وافر - أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال لطم عبد الرحمن بن الحكم مولى لأهل المدينة حناطا وأخوه مروان يومئذ وال لأهل المدينة فاستعداه الحناط عليه فأجلسه مروان بين يديه وقال له الطمه وهو أخو مروان لأبيه وأمه فقال الحناط والله ما أردت هذا وإنما أردت أن أعلمه أن فوقه سلطانا ينصرني عليه وقد وهبتها لك قال لست أقبلها منك فخذ حقك فقال والله لا ألطمه ولكني أهبها لك فقال له مروان إن كنت ترى أن ذلك يسخطني فوالله لا أسخط فخذ حقك فقال قد وهبتها لك ولست والله لا طمه قال لست والله قابلها فإن وهبتها فهبها لمن لطمك أو لله عز وعلا فقال قد وهبتها لله تعالى فقال عبد الرحمن يهجو أخاه مروان ( كلُّ ابنِ أمٍ زائدٌ غير ناقصٍ ... وأنت ابنُ أمٍّ ناقصٌ غير زائدِ ) ( وهبْتُ نصيبي منك يامرْوَ كلَّه ... لعَمْروٍ وعثمانَ الطّويلِ وخالِدِ ) - طويل - رثاؤه لقتلى قريش يوم الجمل أخبرني هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال نظر عبد الرحمن بن الحكم إلى قتلى قريش يوم الجمل فبكى وأنشأ يقول ( أيا عينُ جُودِي بدَمْعٍ سَرَبْ ... على فِتيةٍ من خِيار العربْ ) ( وما ضَرَّهم غيرَ حَيْنِ النّفوس ... أيُّ أميرَيْ قريشٍ غَلَبْ ) - متقارب - أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثني عمر بن شبة قال حدثني المدائني عن شيخ من أهل مكة قال عرض معاوية على عبد الرحمن بن الحكم خيله فمر به فرس فقال له كيف تراه فقال هذا سابح ثم عرض عليه آخر فقال هذا ذو علالة ثم مر به آخر فقال وهذا أجش هزيم فقال له معاوية قد علمت ما أردت إنما عرضت بقول النجاشي في ( ونجَّى ابنَ حَرْبٍ سابحٌ ذو عُلالةٍ ... أجشُّ هَزيمٌ والرماحُ دوانِي ) ( سَليمُ الشَّظى عَبْلُ الشَّوَى شَنِجُ النَّسا ... كَسِيدِ الغَضَى باقٍ على النَّسَلانِ ) - طويل - أخرج عني فلا تساكني في بلد فلقي عبد الرحمن أخاه مروان فشكا إليه معاوية وقال له عبد الرحمن وحتى متى نستذل ونضام فقال له مروان هذا عملك بنفسك فأنشأ يقول ( أتَقطُرُ آفاقُ السَّماءِ لنا دماً ... إذا قُلْتُ هذا الطِّرْفُ أجْرَدُ سابحُ ) ( فحتِّى متى لا نَرفع الطّرْفَ ذِلّةً ... وحَتَّى متى تَعيا عليك المنادح ) - طويل - فدخل مروان على معاوية فقال له مروان حتى متى هذا الاستخفاف بآل أبي العاصي أما والله إنك لتعلم قول النبي وآله فينا ولقل ما بقي من الأجل فضحك معاوية وقال لقد عفوت لك عنه يا أبا عبد الملك والله أعلم بالصواب صوت ( قولاَ لقائِلَ ما تَقضِينَ في رجُلٍ ... يَهوى هواكِ وما جَنّبْتهِ اجتَنَبا ) ( يُمسِي معي جَسدِي والقلبُ عندكُمُ ... فَما يعيشُ إذا ما قَلْبُه ذَهَبا ) - بسيط - الشعر لمسعدة بن البختري والغناء لعبادل ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه لعريب ثقيل أول آخر عن ابن المعتز ولها فيه أيضا خفيف رمل عنه أخبار مسعدة ونسبه هو مسعدة بن البختري بن المغيرة بن أبي صفرة بن أخي المهلب بن أبي صفرة وقد مضى نسبه متقدما في نسب يزيد بن محمد المهلبي وابن أبي عيينة وغيرهما وهذا الشعر يقوله في نائلة بنت عمر بن يزيد الأسيدي وكان يهواها أخبرني بخبره في ذلك أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثني عيسى بن إسماعيل تينة عن القحذمي قال كان مسعدة بن البختري بن المغيرة بن أبي صفرة يشبب بنائلة بنت عمر بن يزيد الأسيدي أحد بني أسيد ابن عمرو بن تميم وكان أبوها سيدا شريفا وكان على شرط العراق من قبل الحجاج وفيها يقول ( أنائلَ إنَّني سَلْمٌ ... لأهلِكِ فاقبلي سَلْمِي ) - مجزوء الوافر - قال القحذمي وأم نائلة هذه عاتكة بنت الفرات بن معاوية البكائي وأمها الملاءة بنت زرارة بن أوفى الجرشية وكان أبوها فقيها محدثا من التابعين وقد شبب الفرزدق بالملاءة وبعاتكة ابنتها قصة الملاءة وابنتها عاتكة قال عيسى فحدثني محمد بن سلام قال لا أعلم أن امرأة شبب بها وبأمها وجدتها غير نائلة فأما نائلة فقد ذكر ما قال فيها مسعدة وأما عاتكة فإن يزيد بن المهلب تزوجها فقتل عنها يوم العقر وفيها يقول الفرزدق طويل ( إذا ما المَزُونِّيات أصبَحْنَ حُسَّراً ... وبَكَّيْنَ أشلاءً على غير نائل ) ( فكم طالبٍ بنتَ المُلاءةِ إنَّها ... تَذَكَّرُ رَيْعانَ الشّبابِ المزايِلِ ) وفي الملاءة أمها يقول الفرزدق بسيط ( كم للمُلالاءةِ من طَيْفٍ يؤرِّقني ... إذا تَجرْثَمَ هادِي الليل واعتكرا ) أخبرني الحرمي بن العلاء قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله قال خرجت عاتكة بنت الملاءة إلى بعض بوادي البصرة فلقيت بدويا معه سمن فقالت له أتبيع هذا السمن فقال نعم قالت أرناه ففتح نحيا فنظرت إلى ما فيه ثم ناولته إياه وقالت افتح آخر ففتح فتظرت إلى ما فيه ثم ناولته إياه فلما شغلت يديه أمرت جواريها فجعلن يركلن في استه وجعلت تنادي يا لثارات ذات النحيين قال الزبير تعني ما صنع بذات النحيين في الجاهلية فإن رجلا يقال له خوات بن جبير رأى رأى امرأة معها بحيا سمن فقال أرني هذا ففتحت له إحدى النحيين فنظر إليه ثم قال أريني الآخر ففتحته ثم دفعه فلما شغل يديها وقع عليها فلا تقدر على الامتناع خوفا من أن يذهب السمن فضربت العرب المثل بها وقالت أشغل من ذات النحيين فأرادت عاتكة بنت الملاءة أن هذا لم يفعله أحد من النساء برجل كما يفعله الرجل بالمرأة غيرها وأنها ثأرت للنساء ثأرهن من الرجال بما فعلته الملاءة وعمر بن أبي ربيعة أخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق الموصلي عن الزبير والمسيبي ومحمد بن سلام وغيرهم من رجاله أن الملاءة بنت زرارة لقيت عمر بن أبي ربيعة بمكة وحوله جماعة ينشدهم فقالت لجارية من هذا قالت عمر بن أبي ربيعة المتنقل من منزله من ذات وداد إلى أخرى الذي لم يدم على وصل ولا لقوله فرع ولا أصل أما والله لو كنت كبعض من يواصل لما رضيت منه بما ترضين وما رأيت أدنا من نساء أهل الحجاز ولا أقر منهن بخسف والله لأمة من إمائنا آنف منهن فبلغ ذلك عمر عنها فراسلها فراسلته فقال ( حَيِّ المنازل قد عَمِرْنَ خرابا ... بين الجُرَيْنِ وبين رُكْنِ كُسابا ) ( بالثِّنْي من مَلِكَانَ غَيَّر رَسمها ... مَرُّ السحابِ المُعقِباتِ سحابا ) ( وذيولُ مُعصِفةِ الرّياح تجرُّها ... دُقَقا فَأَصْبَحَتِ العِراصُ يبابا ) ( ولقد أُراها مَرّةً مأهولةً ... حَسَناً جَنابُ مَحلِّها مِعشابا ) ( دارُ التي قالتْ غداةَ لقيتُها ... عند الجِمار فما عَيِيتُ جوابا ) ( هذا الذي باعَ الصَّديقَ بغيره ... ويريد أن أرضَى بذاك ثوابا ) ( قلت اسمعي منِّي المَقالَ ومَن يُطعْ ... بصديقه المتملِّقَ الكَذّابا ) ( وتكنْ لديه حبالُه أُنْشوطةً ... في غير شيءٍ يقطع الأسبابا ) ( إن كنْتِ حاولْتِ العتاب لتعلمي ... ما عندنا فلقد أطلْتِ عتابا ) ( أو كان ذلك للبِعاد فإنّه ... يكفيكِ ضرْبُكِ دونك الجِلْبابا ) ( وأرى بوجهك شَرْقَ نُورٍ بيّنٍ ... وبوجهِ غيِرك طَخْيةً وضبابا ) - كامل - صوت ( أسعِداني يا نخلَتَيْ حُلوانِ ... وارِثيا لي من رَيْبِ هذا الزمانِ ) ( واعلما أنَّ رَيْبَهُ لم يزل يَفْرُقُ ... بين الأُلاَّفِ والجيران ) ( أَسْعِداني وأَيْقِنَا أنَّ نَحْساً ... سوف يلقاكما فتفترقانِ ) ( ولَعمرِي لو ذُقتما ألَمَ الفُرْقَةِ ... أبكاكُما كما أبكاني ) ( كم رمَتْني به صروفُ الليالي ... من فراق الأحبابِ والخُلاَّن ) - خفيف - الشعر لمطيع بن أياس والغناء لحكم الوادي هزج بالوسطى عن عمرو والهشامي أخبار مطيع بن إياس ونسبه هو مطيع بن إياس الكناني ذكر الزبير بن بكار أنه من بني الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وذكر إسحاق الموصلي عن سعيد بن سلم أنه من بني ليث بن بكر والديل وليث أخوان لأب وأم أمهما أم خارجة واسمها عمرة بنت سعد بن عبد الله بن قراد بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث ابن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وهي التي يضرب بها المثل فيقال أسرع من نكاح أم خارجة وقد ولدت عدة بطون من العرب حتى لو قال قائل إنه لا يكاد يتخلص من ولادتها كبير أحد منهم لكان مقاربا فممن ولدت الديل وليث والحارث وبنو بكر بن عبد مناة بن كنانة وغاضرة بن مالك ابن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة والعنبر وأسيد والهجيم بنو عمرو بن تميم وخارجة بن يشكر وبه كانت تكنى ابن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن مزيقيا وهو أبو المصطلق قال النسابون بلغ من سرعة نكاحها أن الخاطب كان يأتيها فيقول لها خطب فتقول له نكح وزعموا أن بعض أزواجها طلقها فرحل بها ابن لها عن حيه إلى حيها فلقيها راكب فلما تبينته قالت لابنها هذا خاطب لي لا شك فيه أفتراه يعجلني أن أنزل عن بعيري فجعل ابنها يسبها ولا أعلم أني وجدت نسب مطيع متصلا إلى كنانة في رواية أحد إلا في حديث أنا ذاكره فإن راويه ذكر أن أبا قرعة الكناني جد مطيع فلا أعلم أهو جده الأدنى فأصل نسبه به أم هو بعيد منه فذكرت الخبر على حاله تشاحن ابن الزبير وجد مطيع أخبرني به عيسى بن الحسن الوراق قال حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدثني العمري وأبو فراس عمي جميعا عن شراحيل بن فراس أن أبا قرعة الكناني واسمه سلمى بن نوفل قال وهو جد مطيع بن إياس الشاعر كانت بينه وبين ابن الزبير قبل أن يلي مقارضة فدخل سلمى وابن الزبير يخطب الناس وكان منه رجلا فرماه ابن الزبير ببصره حتى جلس فلما انصرف من المجلس دعا حرسيا فقال امض إلى موضع كذا وكذا من المسجد فادع لي سلمى بن نوفل فمضى فأتاه به فقال له الزبير إيها أيها الضب فقال إني لست بالضب ولكن الضب بالضمر من صخر قال إيها أيها الذيخ قال إن أحدا لم يبلغ سني وسنك إلا سمي ذيخا قال إنك لها هنا يا عاض بظر أمه قال أعيذك بالله أن يتحدث العرب أن الشيطان نطق على فيك بما تنطق به الأمة السفلة وايم الله ما ها هنا داد أريده على المجلس أحد إلا قد كانت أمه كذلك أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن أبيه قال كان إياس بن مسلم أبو مطيع بن إياس شاعرا وكان قد وفد إلى نصر بن سيار بخراسان فقال فيه ( إذا ما نِعالِي من خُراسانَ أقبلتْ ... وجاوزْتُ منها مَخْرَماً ثم مَخْرما ) ( ذَكَرْتُ الذي أوليتَنِي ونَشَرْتُه ... فإنْ شئْتَ فاجعلني لشُكرِكَ سُلَّما ) - طويل - فأما نسب أبي قرعة هذا فإنه سلمى بن نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن يحمر بن نفاثة بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة ذكر ذلك المدائني وكان سلمى بن نوفل جوادا وفيه يقول الشاعر ( يُسَوَّدُ أقوامٌ وليسوا بسادةٍ ... بل السيِّد الميمونُ سلمى بن نوفلِ ) - طويل رجع الخبر إلى سياقة نسب مطيع بن إياس وأخباره وهو شاعر من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية وليس من فحول الشعراء في تلك ولكنه كان ظريفا خليعا حلو العشرة مليح النادرة ماجنا متهما في دينه بالزندقة ويكنى أبا سلمى ومولده ومنشؤه الكوفة وكان أبوه من أهل فلسطين الذين أمد بهم عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف في وقت قتاله ابن الزبير وابن الأشعث فأقام بالكوفة وتزوج بها فولد له مطيع صلته بالخلفاء واعجاب الوليد بن يزيد به أخبرني بذلك الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه وكان منقطعا إلى الوليد بن يزيد بن عبد الملك ومتصرفا بعده في دولتهم ومع أوليائهم وعمالهم وأقاربهم لا يكسد عند أحد منهم ثم انقطع في الدولة العباسية إلى جعفر بن أبي جعفر المنصور فكان معه حتى مات ولم أسمع له مع أحد منهم خبرا إلا حكاية بوفوده على سليمان بن علي وأنه ولاه عملا وأحسبه مات في تلك الأيام حدثني عمي الحسن بن محمد قال حدثني محمد بن سعد الكراني عن العمري عن العتبي عن أبيه قال قدم البصرة علينا شيخ من أهل الكوفة لم أر قط أظرف لسانا ولا أحلى حديثا منه وكان يحدثني عن مطيع بن إياس ويحيى بن زياد وحماد الراوية وظرفاء الكوفة بأشياء من أعاجيبهم وطرفهم فلم يكن يحدث عن أحد بأحسن مما كان يحدثني عن مطيع بن إياس فقلت له كنت والله أشتهي أن أرى مطيعا فقال والله لو رأيته للقيت منه بلاء عظيما قال قلت وأي بلاء ألقاه من رجل أراه قلت كنت ترى رجلا يصبر عنه العاقل إذا رآه ولا يصحبه أحد إلا افتضح به أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب قال سألت رجلا من أهل الكوفة كان يصحب مطيع بن إياس عنه فقال لا ترد أن تسألني عنه قلت ولم ذاك قال وما سؤالك إياي عن رجل كان إذا حضر ملكك وإذا غاب عنك شاقك وإذا عرفت بصحبته فضحك أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عبد الله بن عمرو قال حدثني أبو توبة صالح بن محمد عن محمد بن جبير عن عبد الله بن العباس الربيعي قال حدثني إبراهيم بن المهدي قال قال لي جعفر بن يحيى ذكر حكم الوادي أنه غنى الوليد بن يزيد ذات ليلة وهو غلام حديث السن فقال ( إكليلُها ألوانُ ... ووجْهُها فَتّانُ ) ( وخالهُها فريدٌ ... ليس لها جِيرانُ ) ( إذا مشَتْ تثنَّتْ ... كأنّها ثعْبانُ ) - مجزوء الرجز - فطرب حتى زحف عن مجلسه إلي وقال أعد فديتك بحياتي فأعدته حتى صحل صوتي فقال لي ويحك من يقول هذا فقلت عبد لك يا أمير المؤمنين أرضاه لخدمتك فقال ومن هو فديتك فقلت مطيع بن إياس الكناني فقال وأين محله قلت الكوفة فأمر أن يحمل إليه على البريد فحمل إليه فما أشعر يوما إلا برسوله قد جاءني فدخلت إليه ومطيع بن إياس واقف بين يديه وفي يد الوليد طاس من ذهب يشرب به فقال له غن هذا الصوت يا وادي فغنيته إياه فشرب عليه ثم قال لمطيع من يقول هذا الشعر قال عبدك أنا يا أمير المؤمنين فقال له ادن مني فدنا منه فضمه الوليد وقبل فاه وبين عينيه وقبل مطيع رجله والأرض بين يديه ثم أدناه منه حتى جلس أقرب المجالس إليه ثم تم يومه فاصطبح أسبوعا متوالي الأيام على هذا الصوت لحن هذا الصوت هزج مطلق في مجرى البنصر والصنعة لحكم وقد حدثني بخبره هذا مع الوليد جماعة على غير هذه الرواية ولم يذكروا فيها حضور مطيع حدثني به أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا علي بن محمد النوفلي عن أبيه قال بلغني عن حكم الوادي وأخبرني الحسن بن يحيى ومحمد بن مزيد بن أبي الأزهر قالا حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أحمد بن يحيى المكي عن أمه عن حكم الوادي قال وفدت على الوليد بن يزيد مع المغنين فخرج يوما إلينا وهو راكب على حمار وعليه دراعة وشي وبيده عقد جوهر وبين يديه كيس فيه ألف دينار فقال من غناني فأطربني فله ما علي وما معي فغنوه فلم يطرب فاندفعت وأنا يومئذ أصغرهم سنا فغنيته ( إكليلها ألوانُ ... ووجهُها فَتّانُ ) ( وخالهُها فريدٌ ... ليس له جيرانُ ) ( إذا مشَتْ تثنَّتْ ... كأنًّها ثعْبانُ ) - مجزوء الرجز - فرمى إليه بما معه من المال والجوهر ثم دخل فلم يلبث أن خرج إلي رسوله بما عليه من الثياب والحمار الذي كان تحته أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال كان مطيع ابن إياس ويحيى بن زياد الحارثي وابن المقفع ووالبة بن الحباب يتنادمون ولا يفترقون ولا يستأثر أحدهم على صاحبه بمال ولا ملك وكانوا جميعا يرمون بالزندقة صلته بعبد الله بن معاوية حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني علي بن محمد النوفلي عن أبيه وعمومته أن مطيع بن إياس وعمارة بن حمزة من بني هاشم وكانا مرميين بالزندقة نزعا إلى عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب لما خرج في آخر دولة بني أمية وأول ظهور الدولة العباسية بخراسان وكان ظهر على نواح من الجبل منها أصبهان وقم ونهاوند فكان مطيع وعمارة ينادمانه ولا يفارقانه قال النوفلي فحدثني إبراهيم بن يزيد بن الخشك قال دخل مطيع بن إياس على عبد الله بن معاوية يوما وغلام واقف على رأسه يذب عنه بمنديل ولم يكن في ذلك الوقت مذاب إنما المذاب عباسية قال وكان الغلام الذي يذب أمرد حسن الصورة يروق عين الناظر فلما نظر مطيع إلى الغلام كاد عقله يذهب وجعل يكلم ابن معاوية ويلجلج فقال ( إنِّي وما أعْمَلَ الحجيجُ له ... أخشى مُطيعَ الهوى على فرج ) ( أخشَى عليه مُغامِساَ مَرِساً ... ليس بذي رِقْبةٍ ولا حَرَج ) - منسرح - أخبرني أحمد بن عبيد الله قال حدثنا علي بن محمد النوفلي قال حدثني أبي عن عمه عيسى قال كان لابن معاوية صاحب شرطة يقال له قيس بن عيلان العنسي النوفلي وعيلان اسم أبيه وكان شيخا كبيرا دهريا لا يؤمن بالله وكان إذا عس لم يبق أحد إلا قتله فأقبل يوما فنظر إليه ابن معاوية ومعه عمارة بن حمزة ومطيع بن إياس قال ( إنَّ قيْساً وإنْ تَقَنَّع شيباً ... لَخَبِيثُ الهَوَى على شَمَطِهْ ) أجز يا عمارة فقال ( إبْنُ سبعينَ منظراً ومَشِيباً ... وابنُ عَشْرٍ يُعَدُّ في سَقْطِهْ ) فأقبل على مطيع فقال أجز فقال ( وله شُرطةٌ إذا جَنّه الليلُ ... فعُوذوا باللَّه من شُرَطِهْ ) - خفيف - قال النوفلي وكان مطيع فيما بلغني مأبونا فدخل عليه قومه فلاموه على فعله وقالوا له أنت في أدبك وشرفك وسؤددك وشرفك ترمى بهذه الفاحشة القذرة فلو أقصرت عنها فقال جربوه أنتم ثم دعوا إن كنتم صادقين فانصرفوا عنه وقالوا قبح الله فعلك وعذرك وما استقبلتنا به ما حدث بينه وبين ظبية الوادي وهجاؤه حمادا أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا حماد عن أخيه عن النضر بن حديد قال أخبرني أبو عبد الملك المرواني قال حدثني مطيع بن إياس قال قال لي حماد عجرد هل لك في أن أريك خشة صديقي وهي المعروفة بظبية الوادي قلت نعم قال إنك إن قعدت عنها وخبثت عينك في النظر أفسدتها علي فقلت لا والله لا أتكلم بكلمة تسوؤك ولأسرنك فمضى وقال والله لا أتكلم لئن خالفت ما قلت لأخرجنك قال قلت إن خالفت ما تكره فاصنع بي ما أحببت قال امض بنا فأدخلني على أظرف خلق الله وأحسنهم وجها فلما رأيتها أخذني الزمع وفطن لي فقال أسكن يا ابن الزانية فسكنت قليلا فلحظتني ولحظتها أخرى فغضب ووضع قلنسيته عن رأسه وكانت صلعته حمراء كأنها است قرد فلما وضعها وجدت للكلام موضعا فقلت ( وَارِ السَّوأَة السوآءَ ... يا حَمَّادُ عن خُشَّهْ ) ( عن الأُتْرُجَّةِ الغَضّةِ ... والتفاحةِ الهشَّهْ ) - مجزوء الوافر - فالتفت إلي وقال فعلتها يا ابن الزانية فقالت له أحسن والله ما بلغ صفتك بعد فما تريد منه فقال لها يا زانية فقالت له الزانية أمك وثاورته وثاورها فشقت قميصه وبصقت في وجهه وقالت له ما تصادقك وتدع مثل هذا إلا زانية وخرجنا وقد لقي كل بلاء وقال لي ألم أقل لك يا ابن الزانية إنك ستفسد علي مجلسي فأمسكت عن جوابه وجعل يهجوني ويسبني ويشكوني إلى أصحابنا فقالوا لي أهجه ودعنا وإياه فقلت فيه ( ألا يا ظبيةَ الوادي ... وذاتِ الجسد الرادِ ) ( وزيْنَ المِصْر والدّارِ ... وزيْنَ الحيِّ والنادي ) ( وذاتَ المَبْسِم العَذْبِ ... وذاتَ المِيسَم البادي ) ( أمَا باللَّه تستحْيِيْ ... ن من خُلَّة حَمّاد ) ( فحمّادٌ فتىً ليس ... بذي عِزٍّ فتَنْقادِي ) ( ولا مالٍ ولا عزٍّ ... ولا حَظٍّ لمرتاد ) ( فتُوبِي واتَّقي اللَّهَ ... وَبُتِّي حَبْلَ جَرّاد ) ( فقد مُيِّزْتِ بالحسن ... عن الخَلْق بإفراد ) ( وهذا البيْنُ قد حُمَّ ... فُجودي منكِ بالزّادِ ) - مجزوء الوافر - في الأول والثاني والسابع والثامن من هذه الأبيات لحكم الوادي رمل قال فأخذ أصحابنا رقاعا فكتبوا الأبيات فيها وألقوها في الطريق وخرجت أنا فلم أدخل إليهم ذلك اليوم فلما رآها وقرأها قال لهم يا أولاد الزنا فعلها ابن الزانية وساعدتموه علي قال وأخذها حكم الوادي فغنى فيها فلم يبق بالكوفة سقاء ولا طحان ولا مكار إلا غنى فيها ثم غنيت مدة وقدمت فأتاني فما سلم علي حتى قال لي يا ابن الزانية ويلك أما رحمتني من قولك لها ( أمَا باللَّه تستحْيِيْنَ ... من خُلَّة حمّادِ ) بالله قتلتني قتلك الله والله ما كلمتني حتى الساعة قال قلت اللهم أدم هجرها له وسوء آرائها فيه وآسفه عليها وأغره بها فشتمني ساعة قال مطيع ثم قلت له قم بنا حتى أمضي بك فأريك أختي قال مطيع فمضينا فلما خرجت إلينا دعوت قيمة لها فأسررت إليها في أن تصلح لنا طعاما وشرابا وعرفتها أن الذي معي حماد فضحكت ثم أخذت صاحبتي في الغناء وقد علمت بموضعه وعرفته فكان أول صوت غنت ( أمَا باللَّه تستحْيِيْنَ ... من خُلَّة حَمّادِ ) فقال لها يا زانية وأقبل علي فقال لي وأنت يا زاني يا ابن الزانية وشاتمته صاحبتي ساعة ثم قامت فدخلت وجعل يتغيظ علي فقلت أنت ترى أني أمرتها أن تغني بما غنت قال أرى ذلك وأظنه ظنا لا والله ولكني أتيقنه فحلفت له بالطلاق على بطلان ظنه فقالت وكيف هذا فقلت أراد أن يفسد هذا المجلس من أفسد ذلك المجلس فقالت قد والله فعل وانصرفنا أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن رجل من أصحابه قال قال يحيى بن زياد الحارثي لمطيع بن إياس انطلق بنا إلى فلانة صديقتي فإن بيني وبينها مغاضبة لتصلح بيننا وبئس المصلح أنت فدخلا إليها فأقبلا يتعاتبان ومطيع ساكت حتى إذا أكثر قال يحيى لمطيع ما يسكتك أسكت الله نأمتك فقال لها مطيع ( أنتِ مُعتَلَّة عليه ومازال ... مُهِيناً لنفسه في رضاكِ ) - خفيف - فأعجب يحيى ما سمع وهش له مطيع ( فدَعِيه وواصلي ابنَ إياسٍ ... جُعِلتْ نفسيَ الغداةَ فِداكِ ) فقام يحيى إليه بوسادة في البيت فما زال يجلد بها رأسه ويقول ألهذا جئت بك يا ابن الزانية ومطيع يغوث حتى مل يحيى والجارية تضحك منهما ثم تركه وقد سدر حدثني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني محمد بن عمر الجرجاني قال مرض حماد عجرد فعاده أصدقاؤه جميعا إلا مطيع بن إياس وكان خاصة به فكتب إليه حماد ( كفاكَ عيادتي مَن كان يرجو ... ثَوابَ اللَّه في صِلة المريضِ ) ( فإن تُحدِثْ لك الأيامُ سُقْماً ... يَحُولُ جريضُه دونَ القريض ) ( يكن طولُ التأوُّهِ منك عندي ... بمنزلة الطَّنِينِ من البعوض ) - وافر - أخبرني محمد بن أبي الأزهر عن حماد عن أبيه قال قدم مطيع بن إياس من سفر فقدم بالرغائب فاجتمع هو وحماد عجرد بصديقته ظبية الوادي وكان عجرد على الخروج مع محمد بن أبي العباس إلى البصرة وكان مطيع قد أعطى صاحبته من طرائف ما أفاد فلما جلسوا يشربون غنت ظبية الوادي فقالت ( أظنُّ خليلي غُدْوةً سيسير ... وربَّي على أن لا يسير قَديرُ ) - طويل - فلما فرغت من الصوت حتى غنت صاحبة مطيع ( ما أبالي إذا النَّوى قَرَّبَتْهُمْ ... ودَنَوْنا مَنْ حَلَّ منهمْ وساروا ) - خفيف - فجعل مطيع يضحك وحماد يشتمها نسبة هذا الصوت صوت ( أظُنُّ خليلي غُدْوَةً سيسير ... وربِّي على أن لا يسيرَ قديرُ ) ( عجبْتُ لمن أمسى محبًّا ولم يكن ... له كفَنٌ في بيته وسريرُ ) - طويل - غنى في هذين البيتين إبراهيم الموصلي ولحنه ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر وفيهما لحن يمان قديم خفيف رمل بالوسطى حدثني الحسن قال حدثني ابن مهرويه قال حدثني إبراهيم بن المدبر عن محمد بن عمر الجرجاني قال كان لمطيع بن إياس صديق يقال له عمر بن سعيد فعاتبه في أمر قينة يقال لها مكنونة كان مطيع يهواها حتى اشتهر بها وقال له إن قومك يشكونك ويقولون إنك تفضحهم بشهرتك نفسك بهذه المرأة وقد لحقهم العيب والعار من أجلها فأنشأ مطيع يقول ( قد لامَنَي في حبيبتي عُمَرُ ... واللَّوْمُ في غيرِ كُنْهِهِ ضجَرُ ) ( قال أفِقْ قلتُ لا قال بلى ... قد شاعَ في الناس عنكما الخبرُ ) ( قلتُ قد شاع فاعتذارِيَ ممّا ... ليس لي فيه عندهم عُذُرُ ) ( عَجزٌ لعمرِي وليس ينفعُني ... فكُفَّ عني العتابَ يا عمرُ ) ( وارجعْ إليهم وقُلْ لهُمْ قد أبَى ... وقال لي لا أُفيقُ فانتحروا ) ( أعشِق وحدي فيُؤخَذون به ... كالتُّرْك تَغزُو فيُقتل الخَزَرُ ) - منسرح - رأيه في النساء أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني ابن أبي أحمد عن أبي العبر الهاشمي قال حدثني أبي أن مطيع بن إياس مر بيحيى بن زياد وحماد الراوية وهما يتحدثان فقال لهما فيم أنتما قالا في قذف المحصنات قال أو في الأرض محصنة فتقذفانها حدثني عيسى بن الحسن الوراق قال حدثني عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات وحدثنيه الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني محمد بن هارون قال أخبرني الفضل بن إياس الهذلي الكوفي أن المنصور كان يريد البيعة للمهدي وكان ابنه جعفر يعترض عليه في ذلك فأمر بإحضار الناس فحضروا وقامت الخطباء فتكلموا وقالت الشعراء فأكثروا في وصف المهدي وفضائله وفيهم مطيع بن إياس فلما فرغ من كلامه في الخطباء وإنشاده في الشعراء قال للمنصور يا أمير المؤمنين حدثنا فلان عن فلان أن النبي قال المهدي منا محمد بن عبد الله وأمه من غيرنا يملؤها عدلا كما ملئت جورا وهذا العباس بن محمد أخوك يشهد على ذلك ثم أقبل على العباس فقال له أنشدك الله هل سمعت هذا فقال نعم مخافة من المنصور فأمر المنصور الناس بالبيعة للمهدي قال ولما انقضى المجلس وكان العباس بن محمد لم يأنس به قال أرأيتم هذا الزنديق إذ كذب على الله عز و جل ورسوله حتى استشهدني على كذبه فشهدت له خوفا وشهد كل من حضر علي بأني كاذب وبلغ الخبر جعفر بن أبي جعفر وكان مطيع منقطعا إليه يخدمه فخافه وطرده عن خدمته قال وكان جعفر ماجنا فلما بلغه قول مطيع هذا غاظه وشقت عليه البيعة لمحمد فأخرج أيره ثم قال إن كان أخي محمد هو المهدي فهذا القائم من آل محمد أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني قال كان مطيع بن إياس يخدم جعفر بن أبي جعفر المنصور وينادمه فكره أبو جعفر ذلك لما شهر به مطيع في الناس وخشي أن يفسده فدعا بمطيع وقال له عزمت على أن تفسد ابني علي وتعلمه زندقتك فقال أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من أن تظن بي هذا والله ما يسمع مني إلا ما إذا وعاه جمله وزينه ونبله فقال ما أرى ذلك ولا يسمع منك إلا ما يضره ويغره فلما رأى مطيع إلحاحه في أمره قال له أتؤمنني يا أمير المؤمنين عن غضبك حتى أصدقك قال أنت آمن قال وأي مستصلح فيه وأي نهاية لم يبلغها في الفساد والضلال قال ويلك بأي شيء قال يزعم أنه ليعشق امرأة من الجن وهو مجتهد في خطبتها وجمع أصحاب العزائم عليها وهم يغرونه ويعدونه بها ويمنونه فوالله ما فيه فضل لغير ذلك من جد ولا هزل ولا كفر ولا إيمان فقال له المنصور ويلك أتدري ما تقول قال الحق والله أقول فسل عن ذلك فقال له عد إلى صحبته واجتهد أن تزيله عن هذا الأمر ولا تعلمه أني علمت بذلك حتى أجتهد في إزالته عنه إصابة جعفر بن المنصور بالصرع أخبرني عمي قال حدثني الكراني عن ابن عائشة قال كان مطيع بن إياس منقطعا إلى جعفر بن أبي جعفر المنصور فدخل أبوه المنصور عليه يوما فقال لمطيع قد أفسدت ابني يا مطيع فقال له مطيع إنما نحن رعيتك فإذا أمرتنا بشيء فعلنا قال وخرج جعفر من دار حرمه فقال لأبيه ما حملك على أن دخلت داري بغير إذن فقال له أبو جعفر لعن الله من أشبهك ولعنك فقال والله لأنا أشبه بك منك بأبيك قال وكان خليعا فقال أريد أن أتزوج امرأة من الجن فأصابه لمم فكان يصرع بين يدي أبيه والربيع واقف فيقول له يا ربيع هذه قدرة الله وقال المدائني في خبره الذي ذكرته عن عيسى بن الحسين عن أحمد بن الحارث عنه فأصاب جعفرا من كثرة ولعه بالمرأة التي ذكر أنه يتعشقها من الجن صرع فكان يصرع في اليوم مرات حتى مات فحزن عليه المنصور حزنا شديدا ومشى في جنازته فلما دفن وسوي عليه قبره قال للربيع أنشدني قول مطيع بن إياس في مرثية يحيى بن زياد فأنشده ( يا أهليَ ابُكوا لقلبيَ القَرِحِ ... وللدّموع الذَّوارف السُّفُحِ ) ( راحُوا بِيَحْيَى ولو تطاوِعُني ال ... أقدارُ لم يَبْتَكِرْ ولم يَرُحِ ) ( يا خيرَ من يَحْسُنُ البكاءُ له اليومَ ... ومَن كان أمس لِلمدَحِ ) - منسرح - قال فبكى المنصور وقال صاحب هذا القبر أحق بهذا الشعر أخبرني به عمي أيضا عن الخزاز عن المدائني فذكر مثله شعره في جارية أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن إسرائيل قال حدثني المغيرة بن هشام الربعي قال سمعت ابن عائشة يقول مر مطيع بن إياس بالرصافة فنظر إلى جارية قد خرجت من قصر الرصافة كأنها الشمس حسنا وحواليها وصائف يرفعن أذيالها فوقف ينظر إليها إلى أن غابت عنه ثم إلتفت إلى رجل كان معه وهو يقول ( لَمَّا خَرجْنَ من الرُّصافة ... كالتَّماثيل الحسان ) ( يَحفُفْنَ أحْوَرَ كالغزالِ ... يميسُ في جُدُل العِنانِ ) ( قطّعْنَ قلبي حسرةً ... وتقسُّماً بين الأماني ) ( ويلي على تلك الشمائِلِ ... واللَّطيفِ من المعاني ) ( يا طُولَ حَرِّ صبابتي ... بين الغواني والقيانِ ) - مجزوء الكامل - أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني عبد الله ابن أبي سعيد عن ابن توبة صالح بن محمد قال حدثني بعض ولد منصور بن زياد عن أبيه قال قال محمد بن الفضل بن السكوني رحل مطيع ابن إياس إلى هشام بن عمرو وهو بالسند مستميحا له فلما رأته بنته قد صح العزم على الرحيل بكت فقال لها ( أسْكُتي قد حَزَزْتِ بالدَّمع قلبي ... طالما حَزَّ دَمْعُكُنَّ القُلوبا ) ( وَدَعِي أنْ تُقَطِّعي الآنَ قلبي ... وتُرِيني في رِحْلتي تعذيبا ) ( فعسى اللَّهُ أن يُدافِعَ عني ... رَيْبَ ما تحذرينَ حَتَّى أَأوْبا ) ( ليس شيءٌ يشاؤه ذو المعالي ... بِعزيزٍ عليه فادعِي المُجيبا ) ( أنا في قبضةِ الإله إذ ما ... كنْتُ بُعداً أو كنت منك قريبا ) - خفيف - ووجدت هذه الأبيات في شعر مطيع بغير رواية فكان أولها ( ولقد قلْتُ لابنتي وهي تَكوِي ... بانسِكابِ الدُّموعِ قلباً كئيباً ) وبعده بقية الأبيات أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني علي بن محمد النوفلي عن صالح الأصم قال كان مطيع بن إياس مع إخوان له على نبيذ وعندهم قينة تغنيهم فأومأ إليها مطيع بقبلة فقالت له تراب فقال مطيع صوت ( إنَّ قلبي قد تصابَى ... بعد ما كان أنابا ) ( ورَماه الحبُّ منه ... بسهامٍ فأصابا ) ( قد دَهاه شادِنٌ يَلبَس ... في الجِيد سِخابا ) ( فَهْوَ بدرٌ في نِقابِ ... فإذا ألقى النقابا ) ( قُلْتُ شمسٌ يوم دَجْنٍ ... حَسَرتْ عنها السَّحابا ) ( ليتني منه على كَشْحَيْن ... قد لانا وطابا ) ( أحضَرُ النّاس بما أكرَهُهُ ... منهُ جوابا ) ( فإذا قلتُ أنِلْنِي ... قُبْلةً قال ترابا ) - مجزوء الرمل - لحكم الوادي في هذه الأبيات هزج بالبنصر من رواية الهشامي سرعة بديهته أخبرنا أبو الحسن الأسدي قال ذكر موسى بن صالح بن سنح بن عميرة أن مطيع بن إياس كان أحضر الناس جوابا ونادرة وأنه ذات يوم كان جالسا يعدد بطون قريش ويذكر مآثرها ومفاخرها فقيل له فأين بنو كنانة قال ( بِفَلسْطين يُسرِعون الرُّكوبا ... ) - خفيف - أراد قول عبيد الله بن قيس الرقيات ( حَلَقٌ من بني كنانةَ حولِي ... بِفَلسْطين يُسرِعون الرُّكوبا ) أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن العمري عن العتبي قال كان أبو دهمان صديقا لمطيع وكان يظهر للناس تألها ومروءة وسمتا حسنا وكان ربما دعا مطيعا ليلة من الليالي أن يصير إليه ثم قطعه عنه شغل فاشتغل وجاء مطيع فلم يجده فلما كان من الغد جلس مطيع مع أصحابه فأنشدهم فيه ( ويلِيَ ممَّنْ جفاني ... وحُبُّه قد براني ) ( وطَيْفُه يلقاني ... وشخصُة غير دان ) ( أغَرُّ كالبدرِ يعْشَى ... بحسنه العينان ) ( جارَيَّ لا تَعْذِلاني ... في حبِّه ودعاني ) ( فربَّ يومٍ قصيرٍ ... في جَوْسق وجِنان ) ( بالراح فيه يُحَيَّا ... والقصفِ والريحان ) ( وعندنا قَيْنَتَانِ ... وَجْهاهما حَسَنانِ ) ( عُوداهُما غَرِدان ... كأنَّهما ينطقانِ ) ( وعندَنا صاحبانِ ... للدَّهر لا يَخضَعان ) ( فكنت أوّل خامٍ ... وأوّلَ السَّرَعانِ ) ( في فتيةٍ غيِر مِيلٍ ... عند اختلافِ الطِّعان ) ( من كلِّ خوفٍ مُخيفٍ ... في السرِّ والإعلانِ ) ( حَمّالِ كلِّ عظيم ... تضيق عنه اليدانِ ) ( وإنْ ألحَّ زمانٌ ... لم يَسْتَكِنْ للزمانِ ) ( فزالَ ذاك جميعاً ... وكلُّ شيء فان ) ( مَن عاذرِي مِن خليلٍ ... مُوافقٍ مِلْدان ) ( مُداهنٍ متوانٍ ... يكنى أبي دُهْمان ) ( متى يَعِدْك لقاءً ... فالنّجمُ والفرقدانِ ) ( وليس يُعْتِمُ إلاَّ ... سكرانَ مَعْ سكرانِ ) ( يسقيه كلُّ غلامٍ ... كأنّه غُصْنُ بان ) ( مِن خَنْدَريسٍ عُقَارٍ ... كحُمْرة الأرجُوان ) - مجتث - قال فلقيه بعد ذلك أبو دهمان فقال عليك لعنة الله فضحتني وهتفت بي وأذعت سري لا أكلمك أبدا ولا أعاشرك ما بقيت فما تفرق بين صديقك وعدوك أخبرني أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجلي العطار بالكوفة قال حدثني علي بن عمروس عن عمه علي بن القاسم قال كنت آلف مطيع بن إياس وكان جاري وعنفني في عشرته جماعة وقالوا لي إنه زنديق فأخبرته بذلك فقال وهل سمعت مني أو رأيت شيئا يدل على ذلك أو هل وجدتني أخل بالفرائض في صلاة أو صوم فقلت له والله ما اتهمتك ولكني خبرتك بما قالوا واستحييت منه فعجل على السكر ذات يوم في منزله فنمت عنده ومطرنا في جوف الليل وهو معي فصاح بي مرتين أو ثلاثا فعلمت أنه يريد أن يصطبح فكسلت أن أجيبه فلما تيقن أني نائم جعل يردد على نفسه بيتا قاله وهو قوله ( أصبَحْتُ جَمَّ بلابلِ الصَّدرِ ... عَصْراً أكاتمُه إلى عَصْر ) - كامل - فقلت في نفسي هذا يعمل شعرا في فن من الفنون فأضاف إليه بيتا ثانيا وهو قوله ( إن بُحْتُ طُلَّ دمي وإن تُرِكَتْ ... وَقَدَتْ عليَّ توقُّدَ الجمْرِ ) فقلت في نفسي ظفرت بمطيع فتنحنحت فقال لي أما ترى هذا المطر وطيبه اقعد بنا حتى نشرب أقداحا فاغتنمت ذلك فلما شربنا أقداحا قلت له زعمت أنك زنديق قال وما الذي صحح عندك أني زنديق قلت قولك إن بحت طل دمي وأنشدته البيتين فقال لي كيف حفظت البيتين ولم تحفظ الثالث فقلت والله ما سمعت منك ثالثا فقال بلى قد قلت ثالثا قلت فما هو قال ( ممَّا جنَاه علَى أبي حسنٍ ... عُمَرٌ وصاحبُه أبو بكرِ ) وحدثني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني إبراهيم بن المدبر قال حدثني محمد بن عمر الجرجاني قال جاء مطيع بن إياس إلى إخوان له وكانوا على شراب فدخل الغلام يستأذن له فلما سمع صاحب البيت بذكره خرج مبادرا فسمعه يقول ( أَمْسَيْتُ جمَّ بلابلِ الصَدْرِ ... دَهْراً أزجِّيه إلى دَهْرِ ) ( إن فُهْتُ طُلَّ دمي وإن كُتِمَتْ ... وقَدَتْ عليَّ توقُّدَ الجمرِ ) فلما أحس مطيع بأن صاحب البيت قد فتح له استدرك البيتين بثالث فقال ( فما جناه عَلَى أبي حسن ... عُمَرٌ وصاحبُه أبو بَكْرِ ) وكان صاحب البيت يتشيع فأكب على رأسه يقبله ويقول جزاك الله يا أبا مسلم خيرا وذكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الكاتب أن الرشيد أتي ببنت مطيع ابن إياس في الزنادقة فقرأت كتابهم واعترفت به وقالت هذا دين علمنيه أبي وتبت منه فقبل توبتها وردها إلى أهلها قال أحمد ولها نسل بجبل في قرية يقال لها الفراشية قد رأيتهم ولا عقب لمطيع إلا منهم دعوته للشراب أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن ابن عائشة قال كان مطيع بن إياس نازلا بكرخ بغداد وكان بها رجل يقال له الفهمي مغن محسن فدعاه مطيع ودعا بجماعة من إخوانه وكتب إلى يحيى بن زياد يدعوه بهذه الأبيات قال ( عندنا الفهميُّ مَسرُورٌ ... وزَمّارٌ مُجيدُ ) ( ومُعاذٌ وعِياذٌ ... وعُمَيرٌ وسعيد ) ( ونَدامى يُعْمِلون القَلْزَ ... والقَلْزُ شديد ) ( بعضُهُمْ ريحانُ بعضٍ ... فَهُمُ مِسكٌ وعُودُ ) - مجزوء الرمل - قال فأتاه يحيى فأقام عنده وشرب معهم وبلغت الأبيات المهدي فضحك منها وقال تنايك القوم ورب الكعبة قال الكراني القلز المبادلة وجدت هذا الخبر بخط ابن مهرويه عن إبراهيم بن المدبر عن محمد ابن عمر الجرجاني فذكر أن مطيعا اصطبح يوم عرفة وشرب يومه وليلته واصطبح يوم الأضحى وكتب إلى يحيى من الليل بهذه الأبيات ( قد شربْنا ليلةَ الأضحَى ... وساقينا يزيدُ ) ( عندنا الفَهْميُّ مَسرُورٌ ... وزَمّار مُجيدُ ) ( وسليمانُ فَتَانا ... فهو يُبدي ويُعيدُ ) ( ومُعاذٌ وعِياذٌ ... وعُمَيْرٌ وسَعيد ) ( وندامَى كلُّهُمْ يَقْلِزُ ... والقَلْزُ شديد ) ( بعضهُمْ ريحانُ بعضٍ ... فَهُمُ مِسكٌ وعودُ ) ( غالت الأنْفُسُ عنهمْ ... وتلقَّتْهمْ سُعودُ ) ( فترى القوم جُلوسا ... والخنى عنهمْ بعيدُ ) ( ومطيعُ بنُ إياس ... فهو بالقَصْف ولِيدُ ) ( وعلى كرِّ الجديديْنِ ... وما حَلَّ جليدُ ) - مجزوء الرمل - ووجدت في كتاب بعقب هذا وذكر محمد بن عمر الجرجاني أن عوف ابن زياد كتب يوما إلى مطيع أنا اليوم نشيط للشرب فإن كنت فارغا فسر إلي وإن كان عندك نبيذ طيب وغناء جيد جئتك فجاءته رقعته وعنده حماد الراوية وحكم الوادي وقد دعوا غلاما أمرد فكتب إليه مطيع ( نَعَمْ لنا نبيذٌ ... وعندنَا حمّادُ ) ( وخيْرُنا كثيرٌ ... والخير مُستزادُ ) ( وكُلّنا من طَرَبٍ ... يطيُر أو يكاد ) ( وعندنا واديُّنا ... وهو لنا عِمادُ ) ( ولَهْوُنا لذيذٌ ... لم يَلْهُهُ العِبادُ ) ( إنْ تَشْتَهِ فَساداً ... فعندَنا فسادُ ) ( أو تَشْتَهِ غلاماً ... فعندنا زيادُ ) ( ما إنْ به التواءٌ ... عنا ولا بِعاد ) قال فلما قرأ الرقعة صار إليهم فأتم به يومه معهم مدحه للغمر بن يزيد أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو بكر العامري عن عنبسة القرشي الكريزي عن أبيه قال مدح مطيع بن إياس الغمر بن يزيد بقصيدته التي يقول فيها ( لا تَلْحَ قلبك في شَقائِهْ ... ودَعِ المتيَّيَم في بلائهْ ) ( كَفْكِفْ دموعَك أنْ يَفِضْنَ ... بناظرٍ غَرِقٍ بمائه ) ( وَدَعِ النسيبَ وذكرَهُ ... فبحَسْب مِثلك من عنائِهْ ) ( كم لذّةٍ قد نِلْتَها ... ونعيم عيشٍ في بهائه ) ( بنَوَاعمٍ شبْهِ الدُّمَى ... والليلُ في ثِنْيَيْ عمائه ) ( وأذكر فتىً بيمينه ... حَتْفُ الزمان لدى التوائه ) ( وإذا أُمَيَّةُ حُصِّلتْ ... كان المهذَّبَ في انتمائه ) ( وإذا الأمورُ تفاقَمَتْ ... عِظَماً فمصدَرُها برائه ) ( وإذا أردْتَ مديحه ... لم يُكْدِ قولُك في بنائه ) ( في وجهه عَلَمُ الهدى ... والمجدُ في عِطْفَيْ ردائه ) ( وكأنَّما البدر المنير ... مُشَبَّهٌ بهِ في ضيائه ) - مجزوء الكامل - فأمر له بعشرة آلاف درهم فكانت أول قصيدة أخذ بها جائزة سنية وحركته ورفعت من ذكره ثم وصله بأخيه الوليد فكان من ندمائه أنشدني محمد بن العباس اليزيدي عن عمه لمطيع بن إياس يستعطف يحيى بن زياد في هجرة كانت بينهما وتباعد ( يا سمِيَّ النبيِّ الذي خَصْصَ ... به اللَّهُ عبدَه زكريا ) ( فدعاه الإلهُ يحيى ولم يَجْعَلْ ... له اللّه قبلَ ذاك سَمِيّا ) ( كنْ بصبٍّ أمسى بحبكَ برًّا ... إنَّ يحيى قد كان بَرًّا تقيا ) - خفيف - رثاؤه ليحيى بن زياد وأنشدني له يرثي يحيى بعد وفاته ( قد مضى يَحْيَى وغودِرْتُ فردا ... نُصْبَ ما سَرَّ عيونَ الأعادي ) ( وأرى عَيْنِيَ مُذْ غابَ يحيى ... بُدِّلَتْ من نَومها بالسُّهادِ ) ( وسَّدتْهُ الكفُّ منِّي تراباً ... ولقد أرثي له من وِساد ) ( بين جِيرانٍ أقاموا صُمُوتاً ... لا يُحيرونَ جواب المنادِي ) ( أيُّها المُزْنُ الذي جاد حَتَّى ... أعشبَتْ منه مُتُونُ البوادي ) ( إسْقِ قبراً فيه يحيى فإنِّي ... لك بالشكرِ مُوَافٍ مُغاد ) شعره في جوهر وريم نسخت من نسخة بخط هارون بن محمد بن عبد الملك قال لما بيعت جوهر التي كان مطيع بن إياس يشبب بها قال فيها وفيه غناء من خفيف الرمل أظنه لحكم ( صاح غرابُ البينِ بالبيْنِ ... فكدْتُ أنقدُّ بنصفينِ ) ( قد صار لي خِدْنانِ مِن بَعدهم ... همٌّ وغمٌّ شرُّ خِدْنَيْنِ ) ( أفدِي التي لم ألْقَ مِن بعدها ... أُنْساً وكانت قُرَّةَ العيْنِ ) ( أصبحْتُ أشكو فرقةَ البين ... لمَّا رأت فُرقَتَهمْ عيني ) أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا العباس بن ميمون بن طائع قال حدثني ابن خرداذبة قال خرج مطيع بن إياس ويحيى بن زياد حاجين فقدما أثقالهما وقال أحدهما للآخر هل لك في أن نمضي إلى زرارة فنقصف ليلتنا عنده ثم نلحق أثقالنا فما زال ذلك دأبهم حتى انصرف الناس من مكة قال فركبا بعيريهما وحلقا رؤوسهما ودخلا مع الحجاج المنصرفين وقال مطيع في ذلك ( ألم ترني ويَحْيَى قد حَججْنا ... وكان الحجُّ من خيرِ التجارهْ ) ( خرجْنا طالِبَيْ خيٍر وبرٍّ ... فمال بنا الطريقُ إلى زُراره ) ( فعادَ الناس قد غنموا وحَجُّوا ... وأُبْنا مُوْقَرَينَ من الخساره ) وقد روي هذا الخبر لبشار وغيره أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الفضل بن محمد اليزيدي عن إبراهيم الموصلي عن محمد بن الفضل قال خرج جماعة من الشعراء في أيام المنصور عن بغداد في طلب المعاش فخرج يحيى بن زياد إلى محمد ابن العباس وكنت في صحابته فمضى إلى البصرة وخرج حماد عجرد إليها معه وعاد حماد الراوية إلى الكوفة وأقام مطيع بن إياس ببغداد وكان يهوى جارية يقال لها ريم لبعض النخاسين وقال فيها ( لولا مكانُكِ في مدينتهِمْ ... لظعنْتُ في صَحبِي الألى ظَعَنُوا ) ( أوطنْتُ بَغْداداً بحبِّكُمُ ... وبغيرها لولاكُمُ الوطن ) - كامل - قال وقال مطيع في صبوح اصطبحه معها ( ويومٍ ببغدادٍ نعِمْنا صباحَه ... على وجه حوراءِ المدامع تُطْرِبُ ) ( ببيتٍ ترى فيه الزُّجاجَ كأنه ... نجومُ الدُّجى بين النَّدامى تَقَلّبُ ) ( يُصَرِّف ساقينا ويقطب تارةً ... فيا طيبَها مقطوبةً حين يَقْطِبُ ) ( علينا سحيقُ الزعفران وفَوقَنا ... أكاليلُ فيها الياسَمين الْمُذَهَّبُ ) ( فما زِلْتُ أُسقَى بين صَنْجٍ ومِزْهَرٍ ... من الرَّاح حتَّى كادتِ الشمسُ تغرُب ) وفيها يقول ( أمسى مطيعُ كلِفَا ... صبًّا حزيناً دَنِفا ) ( حُرٌّ لمن يعشَقُه ... بِرِقِّه معترفا ) ( يا ريمُ فاشفِي كَبِداً ... حَرَّى وقلباً شُغِفا ) ( ونوَّليني قبلةً ... واحدةً ثمَّ كفَى ) - مجزوء الرجز - قال وفيها يقول ( يا ريمُ قد أتلفْتِ رُوحي فما ... منها معي إلاَّ القليلُ الحقيرْ ) ( فأذْنِبي إن كنتِ لم تُذْنِبي ... فيَّ ذُنوباً إنَّ ربِّي غفورْ ) ( ماذا على أهلِكِ لو جُدْتِ لي ... وزُرْتِني يا ريمُ فيمن يزورْ ) ( هل لك في أجرٍ تُجازَيْ به ... في عاشقٍ يرضيه منكِ اليسيرْ ) ( يَقبَل ما جُدْتِ به طائعاً ... وهو وإن قلَّ لديه الكثيرْ ) ( لعمريَ مَن أنتِ له صاحبٌ ... ما غاب عنه في الحياة السُّرورْ ) - سريع - قال وفيها يقول ( يا ريمُ يا قاتلِتي ... إن لم تجودِي فَعِدِي ) ( بَيَّضْتِ بالمَطْل وإخلافِكِ ... وَعْدي كَبِدي ) ( حالَفَ عيني سُهُدي ... وما بها من رَمَدِ ) ( يا ليتَني في الأحد ... أبليْتِ منِّي جسدي ) ( لمن به من شِقْوتي ... أخذْتُ حَتْفي بيَدي ) - مجزوء الرجز - أنشدني علي بن سليمان الأخفش قال أنشدني محمد بن الحسن بن الحرون عن ابن النطاح لمطيع بن إياس يقوله في جوهر جارية بربر ( يا بأبي وجهُك مِن بينهِمْ ... فإنَّه أحسنُ ما أبصِرُ ) ( يا بأبي وجهكِ من رائع ... يشبِهه البدرُ إذا يَزْهَر ) ( جاريةٌ أحسَنُ من حَلْيها ... والحْليُ فيه الدرُّ والجوهرُ ) ( وجِرْمُها أطيبُ من طيبها ... والطِّيب فيه المسكُ والعنبر ) ( جاءت بها بَرْبُر مكنونةً ... يا حبَّذا ما جَلبَتْ بَربرُ ) ( كأنّما رِيقَتُها قَهْوَةٌ ... صُبَّ عليها باردٌ أسمر ) - سريع - أخبرني الحسين بن القاسم قال حدثنا ابن أبي الدنيا قال حدثني منصور بن بشر العمركي عن محمد بن الزبرقان قال كان مطيع بن إياس كثير العبث فوقف على أبي العمير رجل من أصحاب المعلى الخادم فجعل يعبث به ويمازحه إلى أن قال ( ألاَ أبلِغْ لديك أبا العُميرِ ... أراني اللَّهُ في استِكَ نصفَ أَيْرِ ) - وافر - فقال له أبو العمير يا أبا سلمى لو جدت لأحد بالأير كله لجدت به إلى ما بيننا من الصداقة ولكنك بحبك لا نريده كله إلا لك فأفحمه ولم يعاود العبث به قال وكان مطيع يرمى بالأبنة مدحه جرير بن يزيد قال وسقط لمطيع حائط فقال له بعض أصدقائه أحمد الله على السلامة قال أحمد الله أنت الذي لم ترعك هدته ولم يصبك غباره ولم تعدم أجرة بنائه أخبرني إسماعيل بن يونس بن أبي اليسع الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال وفد مطيع بن إياس إلى جرير بن يزيد بن خالد بن عبد الله القسري وقد مدحه بقصيدته ( أمِن آل ليلى عَزمْتَ البُكورا ... ولم تَلْقَ ليلى فَتَشْفِي الضَّمِيرا ) ( وقد كنْتَ دهرك فيما خلا ... لليلَى وجاراتِ ليلى زَؤُورا ) ( ليالي أنت بها مُعْجَبٌ ... تَهيم إليها وتَعصِي الأميرا ) ( وإذْ هي حوراءُ شِبْهُ الغزالِ ... تُبصِرُ في الطَّرف منها فُتُورا ) ( تقول ابنتي إذْ رأت حالتي ... وقرَّبْتُ للبين عَنْساً وكُورا ) ( إلى مَن أراكَ وَقَتْكَ الْحُتوفَ ... نفسي تجشَّمْتَ هذا المَسيرا ) ( فقلتُ إلى البَجَلِّي الذي ... يَفُكُّ العُناة ويُغنِي الفقيرا ) ( أخِي العُرْف أشْبهَ عند الندَى ... وحَمْل المِئينَ أَباهُ جديرا ) ( عَشِيرِ الندى ليس يُرْضي النَّدى ... يدَ الدّهرِ بعد جَريرٍ عشيرا ) ( إذا استكثر المجتدُون القليلَ ... للمُعْتَفِينَ استقلَّ الكثيرا ) ( إذا عَسُر الخير في المجتَدين ... كانَ لديه عَتيداً يسيرا ) ( وليس بمانعِ ذِي حاجةٍ ... ولا خاذلٍ مَن أتى مُستجِيرا ) ( فَنَفْسي وَقَتْك أبا خالدٍ ... إذا ما الكُماةُ أغاروا النُّمورا ) ( إلى ابن يزيدَ أبي خالدٍ ... أخي العُرْفِ أعملْتُها عيسجورا ) ( لِنَلْقَى فواضلَ من كفِّه ... فصادفْتَ منه نوالاً غزيرا ) ( فإن يَكُنِ الشُّكْرُ حُسْنَ الثّناءِ ... بالعُرْف مِنِّي تجدْني شكورا ) ( بصيراً بما يستلذُّ الرّواةُ ... من مُحْكَم الشِّعر حتَّى يسيرا ) - متقارب - فلما بلغ يزيد خبر قدومه دعا به ليلا ولم يعلم أحد بحضوره ثم قال له عرفت خبرك وإني متعجل لك جائزتك ساعتي هذه فإذا حضرت غدا فإني سأخاطبك مخاطبة جفاء وأزودك نفقة طريقك وأصرفك لئلا يبلغ أبا جعفر خبري فيهلكني فأمر له بمائتي دينار فلما أصبح أتاه فاستأذنه في الإنشاد فقال له يا هذا لقد رميت بآمالك غير مرمى وفي أي شيء أنا حتى ينتجعني الشعراء لقد أسأت إلي لأني لا أستطيع تبليغك محابك ولا آمن سخطك وذمك فقال له تسمع ما قلت فإني أقبل ميسورك وأبسط عذرك فاستمع منه كالمتكلف المتكره فلما فرغ قال لغلامه يا غلام كم يبلغ ما بقي من نفقتنا قال ثلاثمائة درهم قال أعطه مائة درهم لنفقة طريقه ومائة درهم ينصرف بها إلى أهله واحتبس لنفقتنا مائة درهم ففعل الغلام ذلك وانصرف مطيع شاكرا ولم يعرف أبو جعفر خبره أنشدني وكيع عن حماد بن إسحاق عن أمه لمطيع بن إياس وفيه غناء ( واهاً لشخص رجوْتُ نائلَه ... حَتَّى أنثنى لي بودِّه صَلَفَا ) ( لانَتْ حواشيهِ لي وأطمَعَنِي ... حتَّى إذا قلْتُ نلْتُه انصرفا ) - منسرح - قال وأنشدني حماد أيضا عن أبيه لمطيع بن إياس وفيه غناء أيضا ( خليلِي مخلفٌ أبدا ... يمنِّيني غداً فغَدا ) ( وبعد غدٍ وبعد غدٍ ... كذا لا ينقضِي أبَدا ) ( له جَمْرٌ على كبِدي ... إذا حَرَّكْتُه وَقَدا ) ( وليس بلابثٍ جَمْرُ الغَضَى ... أن يُحرِق الكَبِدا ) - مجزوء الوافر - وفي هذه الأبيات لعريب هزج أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثنا العنزي عن مسعود بن بشر قال قال الوليد بن يزيد لمطيع بن إياس أي الأشياء أطيب عندك قال صهباء صافية تمزجها غانية بماء غادية قال صدقت أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو عبد الله التميمي قال حدثنا أحمد بن عبيد وأخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن العمري عن العتبي قال سكر مطيع بن إياس ليلة فعربد على يحيى بن زياد عربدة قبيحة وقال له وقد حلف بالطلاق ( لا تحلِفاً بطلاقِ مَنْ ... أمسَتْ حوافِرُها رقيقهْ ) ( مَهْلاً فقد علم الأنَامُ ... بأَنَّها كانت صديقهْ ) فهجره يحيى وحلف ألا يكلمه أبدا فكتب إليه مطيع ( إنْ تصِلْنِي فمثلُك اليوم يُرْجَى ... عَفْوُهُ الذَّنْبَ عن أخيه ووَصْلُهْ ) ( ولئن كنْتَ قد هممْتَ بهجري ... لِلذي قد فعلْتُ إنِّي لأَهلُهْ ) ( وأحَقُّ الرِّجال أن يَغفِر الذَّنْبَ ... لإخوانه الموفَّرُ عقلُهْ ) ( الكريمُ الذي له الحَسَبُ الثّاقبُ ... في قومه ومن طاب أصلُهْ ) ( ولئن كنتَ لا تصاحِب إلاَّ ... صاحبا لا تَزِلّ ما عاشَ نعلُهْ ) ( لا تَجِدْه وإن جَهِدْتَ وأَنِّي ... بالذي لا يكاد يُوجَد مثلُهْ ) ( إنَّما صاحبي الذي يغفر الذَّنْ ... بَ ويكفيه من أخيه أقلُّهْ ) ( الذي يَحفظُ القديمَ من العهد ... وإنْ زَلَّ صاحبٌ قلَّ عَذْلُهْ ) ( ورعَى ما مضى مِن العهد مِنه ... حين يؤذِي من الجهالة جهلُه ) ( ليس مَن يُظهِرُ المودّةَ إِفْكاً ... وإذا قال خالفَ القولَ فِعلُه ) ( وَصْلُه للصَّديق يوماً فإنْ طالَ ... فيومانِ ثم يَنْبَتُّ حَبْلُهْ ) - خفيف - قال فصالحه يحيى وعاود عشرته نزوله بدير كعب أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني أبو أيوب المدني قال حدثني أحمد بن إبراهيم الكاتب قال حدثني أبي عن رجل من أهل الشأم قال كنت يوما نازلا بدير كعب قد قدمت من سفر فإذا أنا برجل قد نزل الدير ومعه ثقل وآلة وعيبة فكان قريبا من موضعي فدعا بطعام فأكل ودعا الراهب فوهب له دينارين وإذا بينه وبينه صداقة فأخرج له شرابا فجلس يشرب ويحدث الراهب وأنا أراهما إذ دخل الدير رجل فجلس معهما فقطع حديثهما وثقل في مجلسه وكان غث الحديث فأطال فجاءني بعض غلمان الرجل النازل فسألته عنه فقال هذا مطيع بن إياس فلما قام الرجل وخرج كتب مطيع على الحائط شيئا وجعل يشرب حتى سكر فلما كان من غد رحل فجئت موضعه فإذا فيه مكتوب ( طَرْبةَ ما طرِبْتُ في دَيْر كعبِ ... كدْتُ أقضي من طَرْبتي فيه نَحْبِي ) ( وتذكَّرْتُ إخوتي ونَدَامايَ ... فهاج البكاءَ تَذْكارُ صحبي ) ( حينَ غابوا شَتَّى وأصبحْتُ فرداً ... ونأَوْا بينَ شرْقِ أرضٍ وغَرْبِ ) ( وهُمْ ما هُمُ فحسبي لا أبْغي ... بدِيلاً بِهِمْ لعمرُكَ حسبي ) ( طلحةُ الخيِر منهُمُ وأبو المُنْذِرِ ... خِلِّي ومالكٌ ذاكَ تِربِي ) ( أيُّها الداخِلُ الثقيلُ علينا ... حينَ طاب الحديثُ لي ولِصَحْبي ) ( خِفَّ عنَّا فأنت أثقَلُ واللَّهِ ... علينا من فَرسَخَيْ دَيْر كعبِ ) ( ومِن النّاس مَن يَخِفُّ ومِنهمْ ... كَرَحى البَزْرِ رُكِّبت فوقَ قلبي ) أخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا عمر بن محمد قال حدثنا الحسين بن إياس ويحيى بن زياد وزاد العمل حتى حلف يحيى بن زياد عل بطلان شيء كلمه به مما دار بينهما فقال مطيع ( لا تَحْلِفاً بطلاقِ مَنْ ... أمْسَتْ حوافِرُها رقيقهْ ) ( هيهاتَ قد علِمَ الأميرُ ... بأَنَّها كانت صدِيقهْ ) - مجزوء الكامل - فغضب يحيى وحلف ألا يكلم مطيعا أبدا وكانا لا يكادان يفترقان في فرح ولا حزن ولا شدة ولا رخاء فتباعد ما بين يحيى وبينه وتجافيا مدة فقال مطيع في ذلك وندم على ما فرط منه إلى يحيى فكتب إليه بهذا الشعر قال ( كنت وَيَحْيَى كَيَدٍ واحدهْ ... نَرْمِي جميعاً وتَرانا معا ) ( إنْ عضَّني الدّهرُ فقد عَضَّه ... يُوجِعُنا ما بعضَنا أوجعا ) ( أو نامَ نامتْ أعينٌ أربعٌ ... منَّا وإن أَسْهَرْ فلن يَهْجَعا ) ( يسرُّني الدَّهرُ إذا سَرَّه ... وإنْ رماه فَلَنَا فَجَّعا ) ( حَتَى إذا ما الشَّيْب في مَفرِقي ... لاحَ وفي عارضه أسْرَعا ) ( سَعى وُشاةٌ فمَشوا بيننا ... وكاد حَبْلُ الودِّ أن يُقْطَعا ) ( فَلَمْ أَلُمْ يَحْيَى على فِعْلِه ... ولم أقُلْ مَلَّ ولا ضَيَّعا ) ( لكنَّ أعداءً لنا لم يكن ... شيطانُهُمْ يَرَى بنا مَطْمَعا ) ( بينا كذا غاش على غِرّة ... فأوقَدَ النِّيرانَ مُسْتَجْمِعا ) ( فلم يزل يُوقِدُها دائباً ... حَتَّى إذا ما اضطرمَتْ أقلعا ) - سريع - أخبرنا الحسين بن يحيى المرداسي عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن الفضل السكوني وأخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال إسحاق في خبره دخل على إخوان يشربون وقال الأصمعي دخل سراعة بن الزندبور على مطيع بن إياس ويحيى بن زياد وعندهما قينة تغنيهما فسقوه أقداحا وكان على الريق فاشتد ذلك عليه فقال مطيع للقينة غني سراعة فقالت له أي شيء تختار فقال غني ( طبيبيَّ داويْتُما ظاهراً ... فمن ذا يداوي جَوًى باطنا ) - متقارب - ففطن مطيع لمعناه فقال أبك أكل قال نعم فقدم إليه طعاما فأكل ثم شرب معهم والله أعلم أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني محمد بن هارون الأزرقي مولى بني هاشم أخي أبي عشانة قال حدثني الفضل بن محمد بن الفضل الهاشمي عن أبيه قال كان مطيع بن إياس يهوى ابن مولى لنا يقال له محمد بن سالم فأخرجت أباه إلى ضيعة لي بالري لينظر فيها فأخرجه أبوه معه ولم أكن عرفت خبر مطيع معه حتى أتاني فأنشدني لنفسه ( أيا ويحَه لا الصَّبر يملك قلبه ... فيصبرَ لَمَّا قِيل سار محمدُ ) ( فلا الحزنُ يُفنيه ففي الموت راحةٌ ... فحتَّى متى في جهده يتجلَّد ) ( قَدَ أضحى صريعاً بادياتٍ عظامُه ... سِوى أنَّ روحاً بينها تتردّد ) ( كئيباً يمثِّي نفسَه بلقائه ... على نأيه واللَّهُ بالحزن يشهد ) ( يقول لها صبراً عَسى اليوم آئبٌ ... بإلفك أو جاءٍ بطلعته الغَدُ ) ( وكنتَ يداً كانت بها الدهرَ قُوّتي ... فأصبحْتُ مُضنًى منذ فارقني يدِي ) - طويل - في أخبار مطيع التي تقدم ذكرها آنفا أغان أغفلت عن نسبتها حتى انتهيت إلى هذا الموضع فنسبتها فيه صوت ( طبيبيَّ داويتُما ظاهرا ... فمن ذا يداوي جوًى باطنا ) ( فقوما اكوياني ولا تَرْحَمَا ... من الكيِّ مُسْتَحْصِفاً راصِنا ) ( ومُرَّا على منزل بالغُمَيم ... فإنِّي عهدْتُ به شادنا ) ( فَتورَ القيام رَخِيمَ الكلامِ ... كانَ فؤادي به راهنا ) - متقارب الشعر فيما ذكر عبد الله بن شبيب عن الزبير بن بكار لعمرو بن سعيد ابن زيد بن عمرو بن نفيل القرشي العدوي والغناء لمعبد ولحنه ثقيل أول بالوسطى في مجراها عن إسحاق وعمرو وفيه لأبي العبيس بن حمدون ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر وهو من صدور أغانيه ومختارها وما تشبه فيه بالأوائل ولو قال قائل إنه أحسن صنعة له صدق أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه أن غيلان بن خرشة الضبي دخل إلى قوم من إخوانه وعندهم قينة فجلس معهم وهو لا يدري فيم هم حتى غنت القينة ( طبيبيَّ داويتُما ظاهراً ... فمن ذا يداوي جوًى باطنا ) وكان أعرابيا جافيا به لوثة فغضب ووثب وهو يقول السوط ورب غيلان يداوي ذلك الجوى وخرج من عندهم وهذا الخبر مذكور في أخبار معبد من كتابي هذا وغيره ولكن ذكره ها هنا حسن فذكرته ومما فيها من الأغاني قول مطيع صوت ( أَمْسَيْتُ جَمَّ بلابلِ الصَّدْرِ ... دَهْراً أزجّيهِ إلى دَهْرِ ) ( إن فُهْتُ طلّ دمي وإن كُتِمَتْ ... وقَدَتْ عليّ توقُّد الجمر ) - كامل - الغناء لحكم الوادي هزج بالبنصر عن حبش الهشامي مطيع وجوهر المغنية أخبرني ابن الحسين قال حدثنا حماد بن إسحاق عن صباح بن خاقان قال دخلت علينا جوهر المغنية جارية بربر وكانت محسنة جميلة ظريفة وعندنا مطيع بن إياس وهو يلعب بالشطرنج وأقبل عليها بنظره وحديثه ثم قال ( ولقد قُلْتُ مُعلناً ... لسعيدٍ وجعفرِ ) ( إن أتتني مَنيّتي ... فدمِي عند بربر ) ( قتلْتِني بمنعها ... لِيَ من وصْل جوهر ) قال وجوهر تضحك منه أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا عبد الله بن أبي سعيد عن أبي توبة قال بلغ مطيع بن إياس أن حماد عجرد عاب شعراً ليحيى بن زياد قاله في منقذ بن بدر الهلالي فأجابه منقذ عنه بجواب فاستخفهما حماد عجرد وطعن عليهما فقال فيه مطيع ( أيها الشاعِرُ الذي ... عاب يحيىَ ومُنقِذا ) ( أنتَ لو كنتَ شاعراً ... لم تَقُلْ فيهما كذا ) ( لستَ واللَّه فاعلَمَنْنَ ... لذي النقد جِهْبذا ) ( تعدِل الصبرَ بالرضَى ... شائِبَ الصَّفوِ بالقذى ) - مجزوء الخفيف - أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا عبد الله بن أبي توبة عن ابن أبي منيع الأحدب قال كنت جالسا مع مطيع بن إياس فمرت بنا مكنونة جارية المروانية وكان مطيع وأصحابنا يألفونها فلم تسلم وعبث بها مطيع ابن إياس فشتمته فالتفت إلي وأنشأ يقول ( فَدَّيْتُ مَنْ مَرَّ بنا ... يوماً ولم يتكلم ) ( وكان فيما خلا منه ... كلّما مَرَّ سلّمْ ) ( وإنْ رآنِيَ حيَّا ... بطَرْفِهِ وتبسّمْ ) ( لقد تبدّل فيما ... أظنّ واللَّه أعلمْ ) ( فليت شِعريَ ماذا ... عليّ في الود ينقم ) ( يا ربِّ إنك تعلمْ ... أني بمكنونَ مغرَمْ ) ( وأنني في هواها ... ألقَى الهوان وأعظَم ) ( يا لائِمي في هواها ... إحفظْ لسانك تَسْلم ) ( واعلم بأنك مهما ... أكرمْتَ نفسَك تُكرَم ) ( إنّ المَلُولَ إذا ما ... ملّ الوصالَ تجرَّمْ ) ( أولا فمالِي أُجْفَى ... من غير ذنب وأُحرَم ) - مجتث - أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال كان مطيع ابن إياس يألف جواري بربر ويهوى منهن جاريتها المسماة جوهر وفيها يقول ولحكم فيه غناء ( خافِي اللَّهَ يا بربرْ ... لقد أَفْسَدْتِ ذا العسكرْ ) ( إذا ما أقبلَتْ جوهرْ ... يفوح المسكُ والعنبرْ ) ( وجوهرُ دُرّة الغوّاص ... مَنْ يَمْلكُها يُحْبَرْ ) ( لها ثغْرٌ حكى الدرَّ ... وعَيْنا رَشَأٍ أحورْ ) - مجزوء الوافر في هذه الأبيات هزج لحكم الوادي قال وفيها يقول ( أنتِ يا جوهرُ عندي جوهرهْ ... في قياس الدُّرَر المشْتَهِرهْ ) ( أو كشمسٍ أشرقت في بيتها ... قذفَتْ في كل قلب شرَرَهْ ) ( وكأنّي ذائقٌ من فمها ... كلما قبَّلْتُ فاها سُكْره ) ( وكأنِّي حين أخلو معها ... فائز بالجنّة المختَضِرَه ) - رمل - قال فجاءها يوما فاحتجبت عنه فسأل عن خبرها فعرف أن فتى من أهل الكوفة يقال له ابن الصحاف يهواها متخل معها فقال مطيع يهجوها ( ناك واللَّه جوهرَ الصّحَافُ ... وعليها قميصُها الأفوافُ ) ( شامَ فيها أَيراً له ذا ضُلوع ... لم يَشِنْه ضُعْفٌ ولا إخطافُ ) ( جَدَّ دفْعاً فيها فقالت ترفَّقْ ... ما كذا يا فتى تُناك الظِّرافُ ) - خفيف - أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال قال محمد بن صالح بن النطاح أنشد المهدي قول مطيع بن إياس ( خافي اللَّهَ يا بربرْ ... لقد أفتنْتِ ذا العسكْر ) ( بريح المسك والعنبرْ ... وظبي شادنٍ أحْوَر ) ( وجَوْهَرُ درّةُ الغوَّاص ... من يَملكُها يُحْبَر ) ( أما واللَّه يا جوهَرْ ... لقد فُقْتِ على الجوهر ) ( فلا واللَّه ما المهديُّ ... أولَى منك بالمِنبر ) ( فإن شِئْتِ ففي كفيْكِ ... خلعُ ابنِ أبي جعفر ) - مجزوء الوافر فقال المهدي اللهم العنهما جميعا ويلكم اجمعوا بين هذين قبل أن تخلعنا هذه القحبة وجعل يضحك من قول مطيع ووجدت أبيات مطيع الثلاثة التي هجا بها جوهر في رواية يحيى بن علي أتم من رواية إسحاق وهي بعد البيتين الأولين ( زعموها قالت وقد غاب فيها ... قائماً في قيامه استحصافُ ) ( وهو في جارة استِها يتلظَّى ... يا فتى هكذا تُناك الظراف ) ( ناكها ضيفُها وقبَّل فاها ... يا لقَومِي لقد طغَى الأضياف ) ( لم يزَل يرهَز الشهيَّةَ حتى ... زال عنها قميصُها والعِطاف ) - خفيف - وقال هارون بن محمد في خبره بيعت جوهر جارية بربر فاشترتها امرأة هاشمية من ولد سليمان بن علي كانت تغني بالبصرة وأخرجتها فقال مطيع فيها ( لا تبعدي يا جوهرُ ... عنَّا وإن شَطَّ المزارُ ) ( ويْلِي لقد بَعُدَتْ ديارُك ... سُلِّمت تلك الديار ) ( يُشفي بريقتها السَّقامُ ... كأنَّ ريْقَتَها العُقار ) ( بيضاءُ واضحة الجبينِ ... كأن غُرّتها نهار ) ( القلب قلبي وهْو عند ... الهاشميّةِ مستعار ) - مجزوء الكامل - مطيع يهجو كلواذي أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا العنزي قال حدثنا علي ابن منصور المؤدب أن صديقا لمطيع دعاه إلى بستان له بكلواذى فمضى إليها فلم يستطبها فقال يهجوها ( بلْدَةٌ تُمطِر الترابَ على الناس ... كما يُمْطِرُ السماءُ الرَّذاذا ) ( وإذا ما أعاذ ربي بلاداً ... من خرابٍ كبعضِ ما قد أعاذا ) ( خرِبتْ عاجلاً ولا أُمْهِلَتْ يوماً ... ولا كان أهلُها كَلْواذى ) - خفيف - أخبرني محمد بن جعفر النحوي قال حدثنا طلحة بن عبد الله أبو إسحاق الطلحي قال حدثني عافية بن شبيب بن خاقان التميمي أبو معمر قال كان لمطيع بن إياس معامل من تجار الكوفة فطالت صحبته إياه وعشرته له حتى شرب النبيذ وعاشر تلك الطبقة وأفسدوا دينه فكان إذا شرب يعمل كما يعملون وقال كما يقولون وإذا صحا تهيب ذلك وخافه فمر يوما بمطيع بن إياس وهو جالس على باب داره فقال له من أين أقبلت قال شيعت صديقا لي حج ورجعت كما ترى ميتا من ألم الحر والجوع والعطش فدعا مطيع بغلامه وقال له أي شيء عندك فقال له عندي من الفاكهة كذا ومن البوارد والحار كذا ومن الأشربة والثلج والرياحين كذا وقد رش الخيش وفرغ من الطعام فقال له كيف ترى هذا فقال هذا والله العيش وشبه الجنة قال أنت الشريك فيه على شريطة إن وفيت بها وإلا انصرفت قال وما هي قال تشتم الملائكة وتنزل فنفر التاجر وقال قبح الله عشرتكم قد فضحتموني وهتكتموني ومضى فلم يبعد حتى لقيه حماد عجرد فقال له مالي أراك نافرا جزعا فحدثه حديثه فقال أساء مطيع قبحه الله وأخطأ وعندي والله ضعف ما وصف لك فهل لك فيه فقال أجل بي والله إليه أعظم فاقة قال أنت الشريك فيه على أن تشتم الأنبياء فإنهم تعبدونا بكل أمر معنت متعب ولا ذنب للملائكة فنشتمهم فنفر التاجر وقال أنت أيضا فقبحك الله لا أدخل ومضى فاجتاز بيحيى بن زياد الحارثي فقال له ما لي أراك يا أبا فلان مرتاعا فحدثه بقصته فقال قبحهما الله لقد كلفاك شططا وأنت تعلم أن مروءتي فوق مروءتهما وعندي والله أضعاف ما عندهما وأنت الشريك فيه على خصلة تنفعك ولا تضرك وهي خلاف ما كلفاك إياه من الكفر قال وما هي قال تصلي ركعتين تطيل ركوعهما وسجودهما وتصليهما وتجلس فنأخذ في شأننا فضجر التاجر وتأفف وقال هذا شر من ذاك أنا تعب ميت تكلفني صلاة طويلة في غير بر ولا طاعة يكون ثمنها أكل سحت وشرب خمر وعشرة فجرة وسماع مغنيات قحاب وسبه وسبهما ومضى مغضبا فبعث خلفه غلاما وأمره برده فرده كرها وقال انزل الآن على ألا تصلي اليوم بتة فشتمه أيضا وقال ولا هذا فقال انزل الآن كيف شئت وأنت ثقيل غير مساعد فنزل عنده ودعا يحيى مطيعا وحمادا فعبثا بالتاجر ساعة وشتماه ثم قدم الطعام فأكلوا وشربوا وصلى التاجر الظهر والعصر فلما دبت الكاس فيه قال له مطيع أيما أحب إليك تشتم الملائكة أو تنصرف فشتمهم فقال له حماد أيما أحب إليك تشتم الأنبياء أو تنصرف فشتمهم فقال له يحيى أيما أحب إليك تصلي ركعتين أو تنصرف فقام فصلى الركعتين ثم جلس فقالوا له أيما أحب إليك تترك باقي صلاتك اليوم أو تنصرف قال بل أتركها يا بني الزانية ولا أنصرف فعمل كل ما أرادوه منه رأي المهدي في أخلاقه أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن الفضل السكوني قال رفع صاحب الخبر إلى المنصور أن مطيع بن إياس زنديق وأنه يعاشر ابنه جعفراً وجماعة من أهل بيته ويوشك أن يفسدوا أديانهم وينسبوا إلى مذهبه فقال له المهدي أنا به عارف أما الزندقة فليس من أهلها ولكنه خبيث الدين فاسق مستحل للمحارم قال فأحضره وانهه عن صحبة جعفر وسائر أهله فأحضره المهدي وقال له يا خبيث يا فاسق قد أفسدت أخي ومن تصحبه من أهلي والله لقد بلغني أنهم يتقادعون عليك ولا يتم لهم سرور إلا بك فقد غررتهم وشهرتهم في الناس ولولا أني شهدت لك عند أمير المؤمنين بالبراءة مما نسبت إليه بالزندقة لقد كان أمر بضرب عنقك وقال للربيع اضربه مائتي سوط واحبسه قال ولم يا سيدي قال لأنك سكير خمير قد أفسدت أهلي كلهم بصحبتك فقال له إن أذنت وسمعت احتججت قال قل قال أنا امرؤ شاعر وسوقي إنما تنفق مع الملوك وقد كسدت عندكم وأنا في أيامكم مطرح وقد رضيت فيها مع سعتها للناس جميعا بالأكل على مائدة أخيك لا يتبع ذلك عشيرة وأصفيته على ذلك شكري وشعري فإن كان ذلك عائبا عندك تبت منه فأطرق ثم قال قد رفع إلي صاحب الخبر أنك تتماجن على السؤال وتضحك منهم قال لا والله ما ذلك من فعلي ولا شأني لا جرى مني قط إلا مرة فإن سائلا أعمى اعترضني وقد عبرت الجسر على بغلتي وظنني من الجند فرفع عصاه في وجهي ثم صاح اللهم سخر الخليفة لأن يعطي الجند أرزاقهم فيشتروا من التجار الأمتعة ويربح التجار عليهم فتكثر أموالهم فتجب فيها الزكاة عليهم فيصدقوا علي منها فنفرت بقلبي من صياحه ورفعه عصاه في وجهي حتى كدت أسقط في الماء فقلت يا هذا ما رأيت أكثر فضولا منك سل الله أن يرزقك ولا تجعل هذه الحوالات والوسائط التي لا يحتاج إليها فإن هذه المسائل فضول فضحك الناس منه ورفع علي في الخبر قولي له هذا فضحك المهدي وقال خلوه ولا يضرب ولا يحبس فقال له أدخل عليك لموجدة وأخرج عن رضى وتبرأ ساحتي من عضيهة وأنصرف بلا جائزة قال لا يجوز هذا أعطوه مائتي دينار ولا يعلم بها الأمير فيتجدد عنده ذنوبه قال وكان المهدي يشكو له قيامه في الخطباء ووضعه الحديث لأبيه في أنه المهدي فقال له أخرج عن بغداد ودع صحبة جعفر حتى ينساك أمير المؤمنين غدا فقال له فأين أقصد قال أكتب لك إلى سليمان بن علي فيوليك عملا ويحسن إليك قال قد رضيت فوفد إلى سليمان بكتاب المهدي فولاه الصدقة بالبصرة وكان عليها داود بن أبي هند فعزله به حدثني محمد بن هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل تينة عن ابن عائشة أن مطيع بن إياس قدم على سليمان بن علي بالبصرة وواليها على الصدقة داود بن أبي هند فعزله وولى عليها مطيعا أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أبو توبة عن بعض البصريين قال كان مالك بن أبي سعدة عم جابر الشطرنجي جميل الوجه حسن الجسم وكان يعاشر حماد عجرد ومطيع بن إياس وشرب معهما فأفسد بينهما وبينه وتباعد فقال حماد عجرد يهجوه ( أتوبُ إلى اللَّه من مالكٍ ... صديقاً ومن صُحبتِي مالكا ) ( فإن كنْتُ صاحَبْتُهُ مرةٍ ... فقد تبْتُ يا ربِّ من ذلكا ) - متقارب - قال وأنشدها مطيعا فقال له مطيع سخنت عينك هكذا تهجو الناس قال فكيف كنت أقول قال كنت تقول ( نظرةً ما نظرْتُها ... يوم أبصرْتُ مالكا ) ( في ثيابٍ مُعَصْفَراتٍ ... على الوجه بارِكا ) ( تركتْنِي ألُوط من ... بعد ما كنتُ نَاسكا ) ( نظرةً ما نظرْتُها ... أوردتْني المهالكا ) - مجزوء الخفيف - مطيع يشكو الفقر أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال كان مطيع بن إياس منقطعا إلى جعفر بن المنصور فطالت صحبته له بغير فائدة فاجتمع يوما مطيع وحماد عجرد ويحيى بن زياد فتذاكروا أيام بني أمية وسعتها ونضرتها وكثرة ما أفادوا فيها وحسن مملكتهم وطيب دارهم بالشأم وما هم فيه ببغداد من القحط في ايام المنصور وشدة الحر وخشونة العيش وشكوا الفقر فأكثروا فقال مطيع بن إياس قد قلت في ذلك شعراً فاسمعوا قالوا هات فأنشدهم ( حبّذَا عيشُنا الذي زال عنا ... حبذا ذاك حين لاحَبَّذا ذا ) ( أين هذا من ذاك سَقْياً لهذاك ... ولسْنا نقول سَقياً لهذا ) ( زاد هذا الزمانُ عُسْراً وشرّاً ... عنْدنا إذ أحلَّنا بغْدَاذَا ) ( بَلْدَةٌ تُمطر التُرابَ على الناس ... كما يُمْطِرُ السماءُ الرّذاذا ) ( خَرِبتْ عاجلاًوأَخرب ذو العرش ... بأعمالِ أهلِها كَلْواذى ) أخبرني عيسى بن الحسين عن حماد بن أبيه قال لما خرج حماد بن العباس إلى البصرة عاشر جماعة من أهلها وأدبائها وشعرائها فلم يجدهم كما يريد ولم يستطب عشرتهم واستغلظ طبعهم وكان هو ومطيع بن إياس وحماد الراوية ويحيى بن زياد كأنهم نفس واحدة وكان أشدهم أنسا به مطيع بن إياس فقال حماد يتشوقه ( لستُ واللَّهِ بناسِ ... لِمطيع بن إياسِ ) ( ذاك إنسانٌ له فضْلٌ ... على كلِّ أُناس ) ( غرَسَ اللَّه له في ... كبدي أحلَى غِراس ) ( فإذا ما الكاسُ دارتْ ... واحتساها مَن أُحاسِي ) ( كان ذِكرانا مُطيعاً ... عندها رَيحانَ كاسي ) - مجزوء الرمل - حدثنا عيسى بن الحسين عن حماد عن أبيه قال دعا مطيع بن إياس صديقا له من أهل بغداد إلى بستان له بالكرخ يقال له بستان صباح فأقام معه ثلاثة أيام في فتيان من أهل الكرخ مرد وشبان ومغنين ومغنيات فكتب مطيع إلى يحيى بن زياد الحارثي يخبره بأمره ويتشوقه قال ( كم ليلةٍ بالكَرْخ قد بِتُّها ... جَذْلانَ في بستانِ صَبَّاح ) ( في مجلسٍ تنفَحُ أرواحُه ... يا طِيْبَها من ريح أرْواحِ ) ( يُدِير كأساً فإذا ما دَنَتْ ... حُفَّتْ بأكوابٍ وأقداح ) ( في فِتيةٍ بيْضٍ بهاليلَ ما ... إنْ لَهُمُ في الناس مِنْ لاحِ ) ( لم يَهْنِني ذاك لِفَقْدِ إمرىءٍ ... أَبْيَضَ مثلِ البدر وضّاحِ ) ( كأنما يُشرق من وجهه ... إذا بدا لِي ضوءُ مِصْباحِ ) - سريع - قال فلما قرأ يحيى هذه الأبيات قام من وقته فركب إليهم وحمل إليهم ما يصلحهم من طعام وشراب وفاكهة فأقاموا فيه أيام على قصفهم حتى ملوا ثم انصرفوا أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن الفضل قال قال مطيع بن إياس جلست أنا ويحيى بن زياد إلى فتى من أهل الكوفة كان ينسب إلى الصبوة ويكتم ذاك ففاوضناه وأخذنا في أشعار العرب ووصفها البيد وما أشبه ذلك فقال ( لأحسَنُ من بِيدٍ يَحارُ بِها القَطا ... ومِن جَبَليْ طَيٍّ ووصْفِكما سَلْعا ) ( تَلاحُظُ عَيْنَيْ عاشِقَيْن كلاهما ... له مُقْلَةٌ في وجه صاحبِه تَرْعَى ) - طويل - أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني أبو المضاء قال عاتب المهدي مطيع بن إياس في شيء بلغه عنه فقال له يا أمير المؤمنين إن كان ما بلغك عني حقا فما تغني المعاذير وإن كان باطلا فما تضر الأباطيل فقبل عذره وقال فإنا ندعك على حملتك ولا نكشفك والله أعلم حدثني عمي الحسن بن محمد قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي قال اجتمع حماد الراوية ومطيع بن إياس ويحيى بن زياد وحكم الوادي يوما على شراب لهم في بستان بالكوفة وذلك في زمن الربيع ودعوا جوهر المغنية وهي التي يقول فيها مطيع ( أنتِ يا جوهرُ عندي جوهرهْ ... في قياسِ الدّررِ المشتهرَه ) - رمل - فشربوا تحت كرم معروش حتى سكروا فقال مطيع في ذلك صوت ( خرجْنا نمتطِي الزَّهَرَا ... ونَجْعَلُ سَقْفَنا الشجرَا ) ( ونَشْرَبُها مُعتَّقَةً ... تَخالُ بكأسِها شرَرا ) ( وجوهرُ عندنا تحكي ... بِدَارةِ وَجْهِها القمرا ) ( يزيدك وَجْهُها حُسْنا ... إذا ما زِدْتَه نظرا ) ( وجوهرُ قد رأيناها ... فلم نر مثلَها بَشَرا ) - مجزوء الوافر غنى فيه حكم غناء خفيفا فلم يزالوا يشربون عليه بقية يومهم وقد روي أن بعض هذا الشعر للمهدي وأنه قال منه واحدا وأجازه بالباقي بعض الشعراء وهذا أصح لحن حكيم في هذا الشعر خفيف رمل بالوسطى حدثنا محمد بن خلف وكيع قال حدثني حماد عن أبيه قال كان مطيع ابن إياس عاقا بأبيه شديد البغض له وكان يهجوه فأقبل يوما من بعد ومطيع يشرب مع إخوان له فلما رآه أقبل على أصحابه فقال ( هذا إياسٌ مَقبلاً ... جاءتْ به إحدى الهَنَاتْ ) ( هَوَّزُ فُوْهُ وأنفُه ... كَلَمُنَّ في إحدى الصّفاتْ ) ( وكأنّ سَعْفَصَ بطْنُه ... والثَّغْرَ شِيْنُ قُرَيِّشاتْ ) ( لما رأيتك أتيا ... أيْقَنْتُ أنكَ شرُّ آتْ ) - مجزوء الكامل - مدحه لمعن بن زائدة حدثني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن الفضل السكوني قال مدح مطيع بن إياس معن بن زائدة بقصيدته التي أولها ( أهْلاً وسهلاً بسيّد العربِ ... ذِي الغُرَرِ الواضحاتِ والنّجُبِ ) ( فتى نزارٍ وكهْلِها وأخِي الجودِ ... حَوَى غَايَتَيْهِ من كَثَبِ ) ( قيل أتاكُمْ أبو الوَليد فقال ... الناس طُرًّا في السهل والرَّحَب ) ( أبو العُفاةِ الذي يلوذُ به ... من كانَ ذا رغْبةٍ وذا رَهَب ) ( جاء الذي تُفرَجُ الهمومُ به ... حين يُلَزُّ الوَضِينُ بالْحَقَبِ ) ( جاء وجاء المضاءُ يَقْدُمُه ... رأيٌ إذا همَّ غيرُ مؤتَشِب ) ( شهْمٌ إذا الحربُ شبَّ دائرُها ... أعادها عَوْدةً على القُطُب ) ( يُطفىء نيرانَها ويُوقِدُها ... إذا خبَتْ نارُها بلا حَطَبِ ) ( إلاّ بِوقعِ المُذكَّراتِ يُشَبْبَهْنَ ... إذا ما انتُضِيْنَ بالشُّهُب ) ( لم أرَ قِرْنا له يُبارِزُه ... إلا أراه كالصَّقْر والخَرَبِ ) ( ليْثٌ بخَفَّانَ قد حَمَى أَجَمًا ... فصار منها في منزل أشِبِ ) ( شِبْلاه قد أُدّبا به فَهُما ... شِبْهاهُ في جِدِّه وفي لَعِب ) ( قد وَمِقا شكلَه وسيرتَه ... وأحكما منه أكرمَ الأدب ) ( نِعْمَ الفتى تُقْرَنُ الصِّعابُ به ... عند تَجَاثِي الخصومِ للرُّكَبِ ) ( ونِعْمَ ما ليلةُ الشتاءِ إذا اسْتُنْبِحَ ... كلبُ القِرى فلم يُجِبِ ) ( لا ونَعْمَ عنده مخالفة ... مثل اختلاف الصعود والصَّبَب ) ( يَحْصَرُ مِن لا فلا يُهِمُّ بها ... ومنه تُضْحَى نَعَمْ على أَرَب ) ( ترى له الحِلْمَ والنُّهَى خُلُقا ... في صولة مثل جاحِم اللَّهَب ) ( سيف الإِمامين ذاكَ وذَا إذا ... قلَّ بُناةُ الوفاءِ والحسبِ ) ( ذا هوُدَةٍ لا يُخاف نَبْوَتُها ... ودينُه لا يُشابُ بالرِّيَبِ ) - منسرح فلما سمعها معن قال له إن شئت مدحناك كما مدحتنتوإن شئت أثبناك فاستحيا مطيع من اختيار الثواب على المديح وهو محتاج إلى الثواب فأنشأ يقول لمعن ( ثناءٌ من أميٍر خيرُ كسْبٍ ... لصاحبِ فاقةٍ وأخي ثراءِ ) ( ولكنّ الزمانَ بَرَى عِظامِي ... وما مِثلُ الدراهمِ من دواءِ ) - وافر - فضحك معن حتى استلقى وقال لقد لطفت حتى تخلصت منها صدقت لعمري ما مثل الدراهم من دواء وأمر له بثلاثين ألف درهم وخلع عليه وحمله أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني المهلبي عن أبيه عن إسحاق قال كان لمطيع بن إياس صديق من العرب يجالسه فضرط ذات يوم وهو عنده فاستحيا وغاب عن المجلس فتفقده مطيع وعرف سبب انقطاعه فكتب إليه وقال ( أظهرْتَ منك لنا هَجْراً ومَقْلِيةً ... وغبْتَ عنا ثلاثاً لسْتَ تغشانا ) ( هَوِّن عليك فما الناس ذو إبلٍ ... إلا وأيْنَقُهُ يَشردْن أحيانا ) - بسيط - مجونه وأصحابه في الصلاة أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثني العباس بن ميمون طائع قال حدثنا بعض شيوخنا البصريين الظرفاء وقد ذكرنا مطيع بن إياس فحدثنا عنه قال اجتمع يحيى بن زياد ومطيع بن إياس وجميع أصحابهم فشربوا أياما تباعا فقال لهم يحيى ليلة من الليالي وهم سكارى ويحكم ما صلينا منذ ثلاثة أيام فقوموا بنا حتى نصلي فقالوا نعم فقام مطيع فأذن وأقام ثم قالوا من يتقدم فتدافعوا ذلك فقال مطيع للمغنية تقدمي فصلي بنا فتقدمت تصلي بهم عليها غلالة رقيقة مطيبة بلا سراويل فلما سجدت بان فرجها فوثب مطيع وهي ساجدة فكشف عنه وقبله وقطع صلاته ثم قال ( ولما بدا فَرْجُها جاثماً ... كرأس حلِيقٍ ولم نَعتمِدْ ) ( سجَدْتُ إليه وقبَّلتُهُ ... كما يفعل الساجدُ المجتهدْ ) - متقارب - فقطعوا صلاتهم وضحكوا وعادوا إلى شربهم حدثني عمي الحسن بن محمد قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن القاسم مولى موسى الهادي قال كتب المهدي إلى أبي جعفر يسأله أن يوجه إليه بابنه موسى فحمله إليه فلما قدم عليه قامت الخطباء تهنئه والشعراء تمدحه فأكثروا حتى آذوه وأغضبوه فقام مطيع بن إياس فقال ( أَحْمَدُ اللَّهَ إلهَ الخَلْقِ ... رَبِّ العالمِينَا ) ( الذي جاء بموسى ... سالماً في سالمينا ) ( الأميرِ ابن الأميِر ابن ... أميِر المؤمنينا ) - مجزوء الرمل - فقال المهدي لا حاجة بنا إلى قول بعد ما قاله مطيع فأمسك الناس وأمر له بصلة نصحه ليحيى بن زياد قال أبو الفرج ونسخت من كتاب لأبي سعيد السكري بخطه قال حدثني ابن أبي فنن أخبرني يحيى بن علي بن يحيى بهذا الخبر فيما أجار لنا أن يرويه عنه عن أبي أيوب المدائني عن ابن أبي الدواهي وخبر السكري أتم واللفظ له قال كان بالكوفة رجل يقال له أبو الأصبغ له قيان وكان له ابن وضيء حسن الصورة يقال له الأصبغ لم يكن بالكوفة أحسن وجها منه وكان يحيى بن زياد ومطيع بن إياس وحماد عجرد وضرباؤهم يألفونه ويعشقونه ويطرفونه وكلهم كان يعشق ابنه أصبغ حتى كان يوم نوروز وعزم أبو الأصبغ على أن يصطبح مع يحيى بن زياد وكان يحيى قد أهدى له من الليل جداء ودجاجاً وفاكهة وشرابا فقال أبو الأصبغ لجواريه إن يحيى ابن زياد يزورنا اليوم فأعددن له كل ما يصلح لمثله ووجه بغلمان له ثلاثة في حوائجه ولم يبق بين يديه أحد فبعث بابنه أصبغ إلى يحيى يدعوه ويسأله التعجيل فلما جاءه استأذن له الغلام فقال له يحيى قل له يدخل وتنح أنت وأغلق الباب ولا تدع الأصبغ يخرج إلا بإذني ففعل الغلام ودخل الأصبغ فأدى إليه رسالة أبيه فلما فرغ راوده يحيى عن نفسه فامتنع فثاوره يحيى وعاركه حتى صرعه ثم رام حل تكته فلم يقدر عليها فقطعها وناكه فلما فرغ أخرج من تحت مصلاه أربعين دينار فأعطاه إياها فأخذها وقال له يحيى امض فإني بالأثر فخرج أصبغ من عنده فوافاه مطيع بن إياس فرآه يتبخر ويتطيب ويتزين فقال له كيف أصبحت فلم يجبه وشمخ بأنفه وقطب حاجبيه وتفخم فقال له ويحك مالك أنزل عليك الوحي أكلمتك الملائكة أبويع لك بالخلافة وهو يوميء برأسه لا لا في كل كلامه فقال له كأنك قد نكت أصبغ بن أبي الأصبغ قال أي والله الساعة نكته وأنا اليوم في دعوة أبيه فقال مطيع فامرأته طالق إن فارقتك أو نقبل متاعك فأبداه له يحيى حتى قبله ثم قال له كيف قدرت عليه فقال يحيى ما جرى وحدثه بالحديث وقام يمضي إلى منزل أبي الأصبغ فتبعه مطيع فقال له ما تصنع معي والرجل لم يدعك وإنما يريد الخلوة فقال أشيعك إلى بابه ونتحدث فمضى معه فدخل يحيى ورد الباب في وجه مطيع فصبر ساعة ثم دق الباب فاستأذن فخرج إليه الرسول وقال له يقول لك أنا اليوم على شغل لا أتفرغ معه لك فتعذر قال فابعث إلي بدواة وقرطاس فكتب إليه مطيع ( يا أبا الأصبغ لا زلْتَ على ... كل حال ناعماً مُتْبعا ) ( لا تصيِّرْنيَ في الودّ كمن ... قَطعَ التِّكَّة قَطْعاً شَنِعا ) ( وأتَى ما يشتهي لم يَثْنِه ... خيفةٌ أو حفظُ حقٍّ ضَيِّعا ) ( لو ترى الأصبَغَ مُلقًى تحتَه ... مستكيناً خجِلاً قد خَضَعا ) ( ولَهُ دَفْعٌ عليه عَجِل ... شَبِقٌ شَاءكَ ما قد صنعَا ) ( فادعُ بالأصبغِ واعلَمْ حالَه ... ستَرى أمراً قبيحاً شَنِعا ) - رمل - قال فقال أبو الأصبغ ليحيى فعلتها يا بن الزانية قال لا والله فضرب بيده إلى تكة ابنه فرآها مقطوعة وأيقن يحيى بالفضيحة فتلكأ الغلام فقال له يحيى قد كان الذي كان وسعى بي إليك مطيع ابن الزانية وهذا ابني وهو والله أفره من ابنك وأنا عربي ابن عربية وأنت نبطي ابن نبطية فنك ابني عشر مرات مكان المرة التي نكت ابنك فتكون قد ربحت الدنانير وللواحد عشرة فضحك وضحك الجواري وسكن غضب أبي الأصبغ وقال لابنه هات الدنانير يابن الفاعلة فرمى بها إليه وقام خجلا وقال يحيى والله لا أدخل مطيع الساعي ابن الزانية فقال أبو الأصبغ وجواريه والله ليدخلن فقد نصحنا وغششتنا فأدخلناه وجلس يشرب ومعهم يحيى يشتمهم بكل لسان وهو يضحك والله أعلم أخبرني عمي الحسن بن محمد قال حدثنا الكراني عن العمري عن العتبي قال حضر مطيع بن إياس وشراعة بن الزندبوذ ويحيى بن زياد ووالبة ابن الحباب وعبد الله بن العياش المنتوف وحماد عجرد مجلسا لأمير من أمراء الكوفة فتكايدوا جميعا عنده ثم اجتمعوا على مطيع يكايدونه ويهجونه فغلبهم جميعا حتى قطعهم ثم هجاهم بهذين البيتين وهما ( وخَمسةٍ قد أبانوا لي كِيَادَهُمُ ... وقد تلظّى لهمْ مِقْلىً وطِنْجيرُ ) ( لو يقدرون على لحمي لمزّقه ... قِرْدٌ وكلبٌ وجِرْواهُ وخِنزيرُ ) - بسيط - أخبرني وكيع عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن الفضل قال دخل صديق لمطيع بن إياس فرأى غلاما تحته ينيكه وفوق مطيع غلام له يفعل كذلك فهو كأنه في تخت فقال له ما هذا يا أبا سلمى قال هذه اللذة المضاعفة تعريض حماد بابنة مطيع أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال كان حماد الراوية قد هجر مطيعا لشيء بلغه عنه وكان مطيع حلقيا فأنشد شعرا ذات يوم وحماد حاضر فقيل له من يقول هذا يا أبا سلمى قال الحطيئة قال حماد نعم هذا شعر الحطيئة لما حضر الكوفة وصار بها حلقيا يعرض حماد بأنه كذاب وأنه حلقي فأمسك مطيع عن الجواب وضحك حدثني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني محمد بن إسحاق البغوي قال حدثنا ابن الأعرابي عن الفضل قال جاء رجل إلى مطيع بن إياس فقال قد جئتك خاطبا قال لمن قال لمودتك قال قد أنكحتكها وجعلت الصداق ألا تقبل في قول قائل ويقال أن الأبيات التي فيها الغناء المذكور بذكرها أخبار مطيع بن إياس يقولها في جارية له يقال لها جودانة كان باعها فندم فذكر الجاحظ أن مطيعا حلف أنها كانت تستلقي على ظهرها فيشخص كتفاها ومأكمتاها فتدحرج تحتها الرمان فينفذ إلى الجانب الآخر ويقال أنه قالها في امرأة من أبناء الدهاقين كان يهواها وشعره يدل على صحة هذا القول والقول الأول غلط إشتياقه لجاريته جودانه أخبرني بخبره مع هذه الجارية أبو الحسن الأسدي قال حدثنا حماد إبن إسحاق عن أبيه عن سعيد بن سالم قال أخبرني مطيع بن إياس الليثي وكان أبوه من أهل فلسطين من أصحاب الحجاج بن يوسف أنه كان مع سلم بن قتيبة فلما خرج إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام كتب إليه المنصور يأمره باستخلاف رجل على عمله والقدوم عليه في خاصته على البريد قال مطيع وكانت لي جارية يقال لها جودانه كنت أحبها فأمرني سلم بالخروج معه فاضطررت إلى بيع الجاريه فبعتها وندمت على ذلك بعد خروجي وتمنيت أن أكون أقمت وتتبعتها نفسي ونزلنا حلوان فجلست على العقبة أنتظر ثقلي وعنان دابتي في يدي وأنا مستند إلى نخلة على العقبة وإلى جانبها نخلة أخرى فتذكرت الجارية وأشتقتها وقلت ( أسعِدَاني يا نخلتَيْ حُلْوانِ ... وابكيا لِي من ريْبِ هذا الزمانِ ) ( واعلما أنَّ ريْبَه لم يزل يفْرُق ... بين الألأف والجيران ) ( ولَعمري لو ذُقْتُما ألمَ الفُرقة ... أَبْكاكُما الذي أبكاني ) ( أَسْعِداني وأيقِنا أنَّ نَحْساً ... سوف يلقاكُما فتفترقان ) ( كم رَمَتْني صروفُ هذِي الليالي ... بفراق الأحبابِ والخُلاَّنِ ) ( غير أني لم تَلْقَ نفسِي كما لاقَيْتُ ... من فُرقة ابنة الدُّهقان ) ( جارةِ لي بالرّيّ تُذْهِبُ همِّي ... ويُسَلِّي دُنُوُّها أحزاني ) ( فجعتني الأيامُ أغبطَ ما كنْتُ ... بصدعٍ للبين غَيْرَ مُدانِ ) ( وبرغمي أن أَصْبَحَتْ لا تراها العينُ ... مني وأصبحَتْ لا تَراني ) ( انْ نكنْ ودّعتْ فقد تركتْ بي ... لَهباً في الضمير ليس بوان ) ( كحريق الضّرام في قصب الغاب ... زَفَتْهُ رَيحَانِ تختلفان ) ( فعليكِ السلامُ مِنِّيَ ما ساغَ ... سلاماً عقلي وفاض لساني ) - خفيف - هكذا ذكر أبو الحسن الأسدي في هذا الخبر وهو غلط نسخت خبر هذا من خط أبي أيوب المدائني عن حماد ولم يقل عن أبيه عن سعيد بن سالم عن مطيع قال كانت لي بالري جارية أيام مقامي بها مع سلم بن قتيبة فكنت أتستر بها وكنت أتعشق امرأة من بنات الدهاقين كنت نازلا إلى جنبها في دار لها فلما خرجنا بعت الجارية وبقيت في نفسي علاقة من المرأة التي كنت أهواها فلما نزلنا عقبة حلوان جلست مستندا إلى إحدى النخلتين اللتين على العقبة فقلت ( أَسْعِداني يا نَخْلَتَيْ حُلْوانِ ... وارْثيا لي من ريْبِ هذا الزمانِ ) وذكر الأبيات فقال لي سلم ويلك فيمن هذه الأبيات أفي جاريتك فاستحييت أن أصدقه فقلت نعم فكتب من وقته إلى خليفته أن يبتاعها لي فلم ألبث أن ورد كتابه أني وجدتها قد تداولها الرجال فقد عزفت نفسي عنها فأمر لي بخمسة آلاف درهم ولا والله ما كان في نفسي منها شيء ولو كنت أحبها لم أبال إذا رجعت إلي بمن تداولها ولم أبالي لو ناكها أهل منى كلهم أخبرني عمي عن الحسن عن أحمد بن أبي طاهر عن عبد الله بن أبي سعد عن محمد بن الفضل الهاشمي عن سلام الأبرش قال لما خرج الرشيد إلى طوس هاج به الدم بحلوان فأشار عليه الطبيب أن يأكل جمارا فأحضر دهقان حلوان وطلب منه جمارا فأعلمه أن بلده ليس بها نخل ولكن على العقبة نخلتان فمر بقطع إحداهما فقطعت فأتي الرشيد بجمارتها فأكل منها وراح فلما انتهى إلى العقبة نظر إلى إحدى النخلتين مقطوعة والأخرى قائمة وإذا على القائمة مكتوب ( أسْعداني يا نَخْلَتَيْ حُلْوان ... وابكيا لي من ريْبِ هذا الزمانِ ) ( أَسعداني وأيْقِنا أنَّ نحساً ... سوف يلقاكُما فتفترقان ) فاغتم الرشيد وقال يعز علي أن أكون نحستكما ولو كنت سمعت بهذا الشعر ما قطعت هذه النخلة ولو قتلني الدم أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الحارثي بن أبي أسامة قال حدثني محمد بن أبي محمد القيسي عن أبي سمير عبد الله بن أيوب قال لما خرج المهدي فصار بعقبة حلوان استطاب الموضع فتغدى ودعا بحسنة فقال لها أما ترين طيب هذا الموضع غنيني بحياتي حتى أشرب ها هنا أقداحا فأخذت محكة كانت في يده وأوقعت على مخدة وغنته ( أيا نخلتَيْ وادي بُوانةَ حبَّذا ... إذا نام حُرّاسُ النخيل جَناكُما ) - طويل - فقال أحسنت ولقد هممت بقطع هاتين النخلتين يعني نخلتي حلوان فمنعني منهما هذا الصوت وقالت له حسنة أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تكون النحس المفرق بينهما فقال لها وما ذاك فأنشدته أبيات مطيع هذه فلما بلغت قوله ====================💥💥💥💥💥💥========================================== ج26. كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ( أسعداني وأيْقِنا أنَّ نَحْساً ... سوف يَلْقَاكُما فتفترقانِ ) - خفيف - قال أحسنت والله فيما قلت إذ نبهتني على هذا والله لا أقطعهما أبدا ولأوكلن بهما من يحفظهما ويسقيهما ما حييت ثم أمر بأن يفعل فلم يزل في حياته على ما رسمه إلى أن مات نسبة هذا الصوت الذي غنته حسنة ( أيا نخلتي وادي بُوانةَ حبّذا ... إذا نام حُرّاسُ النخيل جناكُما ) ( فطيبكُمُا أَرْبَى على النَّخْل بهجةً ... وزاد على طُول الفَتاءِ فَتاكما ) - طويل - يقال إن الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو بن بانة وفيه لعطرد رمل بالوسطى من روايته ورواية الهشامي أشعار في نخلتي حلوان أخبرني عمي عن أحمد بن طاهر عن الخراز عن المدائني أن المنصور اجتاز بنخلتي حلوان وكانت إحداهما على الطريق فكانت تضيقه وتزحم الأثقال عليه فأمر بقطعهما فأنشد قول مطيع ( واعلما ما بقيتما أنّ نحساً ... سوف يلقاكُما فتفتَرقانِ ) - خفيف - قال لا والله ما كنت ذلك النحس الذي يفرق بينهما وتركهما وذكر أحمد بن إبراهيم عن أبيه عن جده إسماعيل بن داود أن المهدي قال قد أكثر الشعراء في نخلتي حلوان ولهممت أن آمر بقطعهما فبلغ قوله المنصور فكتب إليه بلغني أنك هممت بقطع نخلتي حلوان ولا فائدة لك في قطعهما ولا ضرر عليك في بقائهما فأنا أعيذك بالله أن تكون النحس الذي يلقاهما فتفرق بينهما يريد قول مطيع ومما قالت الشعراء في نخلتي حلوان قول حماد عجرد وفيه غناء قد ذكرته في أخبار حماد ( جعلَ اللَّهُ سِدْرَتَيْ قصر شِيرينَ ... فداءً لنخلتَيْ حُلْوانِ ) ( جئْتُ مُسْتَسْعِداً فلم يُسْعداني ... ومطيعٌ بَكَتْ له النخلتان ) - خفيف - وأنشدني جحظة ووكيع عن حماد عن أبيه لبعض الشعراء ولم يسمه ( أيُّها العاذلان لا تعذلاني ... ودعاني من الملام دَعاني ) ( وابكيا لي فإنَّني مستحق ... منْكُما بالبكاء أن تسعداني ) ( إنني منكما بذلك أَوْلَى ... من مطيع بِنَخْلَتَي حُلوان ) ( فهما تجهلان ما كان يشكو ... من هَواه وأنتما تعلمان ) - خفيف - وقال فيهما أحمد بن إبراهيم الكاتب في قصيدة ( وكذاك الزمانُ ليس وإنْ ألْلَفَ ... يبقى عليه مُؤْتَلِفانِ ) ( سَلَبت كفُّه الغَريَّ أخاه ... ثم ثَنَّى بِنَخْلَتَي حُلوان ) ( فكأنَّ الغَرِيَّ قد كان فَرداً ... وكأنْ لم تُجاور النخلتان ) - خفيف - أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني مصعب الزبيري عن أبيه قال جلس مطيع بن إياس في العلة التي مات فيها في قبة خضراء وهو على قرش خضر فقال له الطبيب أي شيء تشتهي اليوم قال أشتهي ألا أموت قال ومات في علته هذه وذلك بعد ثلاثة أشهر مضت له من خلافة الهادي قال أبو الفرج ما وجدت فيه غناء من شعر مطيع قال صوت ( أَمَرّ مدامةً صِرْفاً ... كأنّ صبِيبها وَدَجُ ) ( كأنّ الْمِسك نَفْحَتُها ... إذا بزِلَتْ لها أرُجُ ) ( فَظَلَّ تخالُهُ مَلِكاً ... يُصَرِّفُها ويمتزج ) - مجزوء الوافر - الغناء لإبراهيم ثاني ثقيل بالخنصر والوسطى عن ابن المكي وفيه لحن آخر لابن جامع وهذه الطريقة بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق صوت ( جُدِلَت كجدْل الخيزران ... وثُنِّيَتْ فَتَثَنَّتِ ) ( وَتيقَّنَتْ أنَّ الفؤاد ... يُحبُّها فَأَدَلَّتِ ) - مجزوء الكامل - الغناء لعبد الله بن عباس الربيعي خفيف رمل وذكر حبش أنه لمقامة صوت ( أيها المبتغِي بَلوْمي رشادِي ... أُلْهُ عنّي فما عليك فسادي ) ( أنتَ خِلْوٌ مِنَ الذي به وما يعلم ... ما بي إلا القريحُ الفؤادِ ) - خفيف - الغناء ليونس رمل بالبنصر من كتابة ورواية الهشامي صوت ( ألا إنَّ أهلَ الدارِ قد ودَّعوا الدارا ... وقد كان أهلُ الدار في الدار أَجْوَارا ) ( يبكِّي على إِثْرِ الجَميعِ فلا يرى ... سوى نفسه فيها من القوم ديّارا ) - طويل - الغناء لإبراهيم خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو بن بانة وذكر ابن المكي أن فيه لابن سريج لحنا من الثقيل الأول بالبنصر انقضت أخبار مطيع ولله الحمد صوت ( فيّ انقباضٌ وحشْمَةٌ فإذا ... صادفْتُ أهلَ الوَفَاءِ والكرمِ ) ( أرْسلْتُ نفسي على سجِيَّتها ... وقلْتُ ما قلتُ غيَر محتشِم ) - منسرح - الشعر لمحمد بن كناسة الأسدي والغناء لقلم الصالحية ثقيل أول بالوسطى وذكر ابن خرداذبه أن فيه لإسماعيل بن صالح لحنا أخبار محمد بن كناسة ونسبه هو محمد بن كناسة واسم كناسة عبد الله بن عبد الأعلى بن عبيد الله بن خليفة بن زهير بن نضلة بن أنيف بن مازن بن صهبان واسم صهبان كعب بن دويبة بن أسامة بن نصر بن قعين بن الحارث بن ثعلبة ابن دودان بن أسد بن خزيمة ويكنى أبا يحيى شاعر من شعراء الدولة العباسية كوفي المولد والمنشأ قد حمل عنه شيء من الحديث وكان إبراهيم بن أدهم الزاهد خاله وكان امرأ صالحا لا يتصدى لمدح ولا لهجاء وكانت له جارية شاعرة مغنية يقال لها دنانير وكان أهل الأدب وذوو المروءة يقصدونها للمذاكرة والمساجلة في الشعر أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني إبراهيم بن أبي عثمان قال حدثني مصعب الزبيري قال قلت لمحمد بن كناسة الأسدي ونحن بباب أمير المؤمنين أأنت الذي تقول في إبراهيم بن أدهم العابد ( رأيتُك ما يُغْنِيكَ ما دونه الغِنَى ... وقد كان يُغني دون ذاك ابن أدهما ) ( وكان يرى الدنيا صغيراً عظيمها ... وكان لِحَقِّ اللَّه فيها مُعَظِّما ) ( وأكْثَرُ ما تلقاه في القوم صامتاً ... فإن قال بذّ القائلينَ وأحْكَما ) - طويل - فقال محمد بن كناسة أنا قلتها وقد تركت أجودها فقال ( أهان الهوَى حتى تجنّبه الهوَى ... كما اجتنب الجاني الدّم الطالبَ الدّما ) رأيه في حديثه أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني علي بن مسرور العتكي قال حدثني أبي قال قال ابن كناسة لقد كنت أتحدث بالحديث فلو لم يجد سامعه إلا القطن الذي على وجه أمه في القبر لتعلل عليه حتى يستخرجه ويهديه إلي وأنا اليوم أتحدث بذلك الحديث فما أفرغ منه حتى أهيء له عذرا أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان إجازة قال حدثنا ابن أبي سعد قال حدثني عبيد الله بن يحيى بن فرقد قال سمعت محمد بن كناسة يقول كنت في طريق الكوفة فإذا أنا بجويرية تلعب بالكعاب كأنها قضيب بان فقلت لها أنت أيضا لو ضعت لقالوا ضاعت جارية ولو قالوا ضاعت ظبية كانوا أصدق فقالت ويلي عليك يا شيخ وأنت أيضا تتكلم بهذا الكلام فكسفت والله إلى بالي ثم تراجعت فقلت ( وإنّي لحُلوٌ مخبَري إن خَبِرْتِني ... ولكنْ يُغَطّيني ولا ريْبَ بي شيَخْ ) - طويل - فقالت لي وهي تلعب وتبسمت فما أصنع بك أنا إذا فقلت لا شيء وانصرفت أخبرنا ابن المرزبان قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال سألت محمد بن كناسة عن قول الشاعر ( إذا الجوزاءُ أَرْدَفَتِ الثريَّا ... ظننْتُ بآل فاطمة الظنونا ) - وافر - فقال يقول إذا صارت الجوزاء في الموضع الذي ترى فيه الثريا خفت تفرق الحي من مجمعهم والثريا تطلع بالغداة في الصيف والجوزاء تطلع بعد ذلك في أول القيظ تعريضه بامرأته أخبرني ابن المرزبان قال حدثني ابن أبي سعد قال حدثني صالح ابن أحمد بن عباد قال مر محمد بن كناسة في طريق بغداد فنظر إلى مصلوب على جذع وكانت عنده امرأة يبغضها وقد ثقل عليه مكانها فقال يعنيها ( أيا جِذْعَ مَصْلُوبٍ أتى دون صَلْبه ... ثلاثون حَوْلاً كامِلاً هل تُبادِلُ ) ( فما أنت بالحِمْل الذي قد حمَلْتَه ... بأضجَر مني بالذي أنا حامل ) - طويل - أخبرني ابن المرزبان قال حدثنا عبد الله بن محمد وأخبرني الحسن ابن علي عن ابن مهرويه عن محمد بن عمران عن عبيد بن حسن قال رأى رجل محمد بن كناسة يحمل بيده بطن شاة فقال هاته أحمله عنك فقال لا ثم قال ( لا يَنقُصُ الكامِلَ من كمالِهِ ... ما جرّمن نَفْعٍ إلى عيالهِ ) - رجز - أخبرني وكيع قال أخبرني ابن أبي الدنيا قال حدثني محمد بن علي ابن عثمان عن أبيه قال كنت يوما عند ابن كناسة فقال لنا أعرفكم شيئا من فهم دنانير يعني جاريته قلنا نعم فكتب إليها إنك أمة ضعيفة لكعاء فإذا جاءك كتابي هذا فعجلي بجوابي والسلام فكتبت إليه ساءني تهجينك إياي عند أبي الحسين وإن من أعيا العي الجواب عما لا جواب له والسلام دنانير ترثي صديق أبي الحسين أخبرني وكيع قال أخبرني ابن أبي الدنيا قال كتب إلي الزبير بن بكار أخبرني علي بن عثمان الكلابي قال جئت يوما إلى منزل محمد بن كناسة فلم أجده ووجدت جاريته دنانير جالسة فقالت لي مالك محزونا يا أبا الحسين فقلت رجعت من دفن أخ لي من قريش فسكتت ساعة ثم قالت ( بكيْتَ على أخٍ لكَ من قريشٍ ... فأبكانا بكاؤُك يا عليُّ ) ( فماتَ وما خبَرْناهُ ولكنْ ... طهارةُ صَحْبِهِ الخبرُ الجَليُّ ) - وافر - أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني محمد بن عمران الضبي قال أملق محمد بن كناسة فلامه قومه في القعود عن السلطان وانتجاعه الأشراف بأدبه وعلمه وشعره فقال لهم مجيبا عن ذلك ( تُؤنِّبني أَنْ صُنْتُ عِرْضِي عِصابةٌ ... لها بين أطنابِ اللئام بَصِيصُ ) ( يقولون لو غَمَّضْتَ لازدَدْتَ رِفعةً ... فقلْتُ لهمْ إني إذنْ لَحرِيصُ ) ( أَتَكْلِمُ وجْهِي لا أبا لأبيكُمُ ... مطامعُ عنها للكرامِ محيصُ ) ( مَعاشِي دُوينَ القوت والعِرْضُ وافرٌ ... وبْطنِيَ عن جدوَى اللئَام خَمِيصُ ) ( سألقَى المنايا لم أخالط دَنِيّةً ... ولم تَسْرِ بي في المخزِيات قلُوصُ ) - طويل - حدثنا الحسن بن علي قال حدثني ابن مهرويه قال حدثني محمد بن عمر الجرجاني قال حدثني إسحاق الموصلي قال أنشدني محمد بن كناسة لنفسه قال ( فيَّ انقباضٌ وحِشْمةٌ فإذا ... صادفْتُ أهلَ الوفاءِ والكرمِ ) ( أرْسلْتُ نفسِي على سَجِيّتها ... وقلْتُ ما قلْتُ غيرَ مُحْتَشِم ) - منسرح - قال إسحاق فقلت لابن كناسة وددت أنه نقص من عمري سنتان وأني كنت سبقتك الى هذين البيتين فقلتهما رثاؤه إبراهيم بن أدهم حدثني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني محمد بن عمران الضبي قال حدثني محمد بن المقدام العجلي قال كانت أم محمد بن كناسة امرأة من بني عجل وكان إبراهيم بن أدهم خاله أو ابن خاله فحدثني ابن كناسة أن إبراهيم بن أدهم قدم الكوفة فوجهت أمه إليه بهدية معه فقبلها ووهب له ثوبا ثم مات إبراهيم فرثاه ابن كناسة فقال ( رأيْتكَ ما يَكْفِيكَ ما دونه الغِنَى ... وقد كان يكفِي دون ذاك ابنَ أدهما ) ( وكان يرى الدنيا قليلاً كثيُرها ... فكان لأمرِ اللَّه فيها مُعظِّما ) ( أمات الهوى حتى تجنِّبه الهوَى ... كما اجتنب الجانِي الدّم الطالبَ الدّما ) ( وللحلم سلطانٌ على الجهل عنده ... فما يستطيعُ الجهلُ أن يَتَرَمْرَما ) ( وأكْثَرُ ما تلقاه في القوم صامتاً ... وإن قال بَذَّ القائلين وأحْكَمَا ) ( يُرَى مُسْتَكِيناً خاضِعاً متواضِعاً ... ولَيْثاً إذا لاقى الكَتيبة ضيغَما ) ( على الجدَث الغربيّ من آل وائلٍ ... سلامٌ وبِرٌّ ما أبرّ وأكرما ) - طويل - أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني زكريا بن مهران قال عاتب محمد بن كناسة صديق له شريف كان ابن كناسة يزوره ويألفه على تأجره عنه فقال ابن كناسة ( ضَعُفْتُ عن الإِخوان حتى جفوْتُهُمْ ... على غير زُهْدٍ في الوفاءِ ولا الودِّ ) ( ولكِنَّ أيامِي تخرَّمْنَ مُنَّتِي ... فما أبلُغُ الحاجاتِ إلا على جَهْدِ ) - طويل - رأيه في الدنيا حدثني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني محمد بن عمران الضبي قال أنشدني ابن كناسة قال الضبي وكان يحيى يستحسنها ويعجب بها ( ومِنْ عجَبِ الدنيا تَبَقِّيك للبِلَى ... وأنّك فيها للبقاء مُرِيدُ ) ( وأيّ بنِي الأيامِ إلا وعندَه ... من الدهر ذَنْبٌ طارِفٌ وتَلِيدُ ) ( ومنْ يأمنِ الأيامَ أما انبياعُها ... فَخَطْرٌ وأما فَجْعُها فعتيد ) ( إذا اعتادت النفسُ الرِّضاع من الهوى ... فإنَّ فِطَام النفسِ عنه شديد ) - طويل - حدثني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني محمد بن عمران الضبي قال قال لي عبيد بن الحسن قال لي ابن كناسة ذات يوم في زمن الربيع اخرج بنا ننظر إلى الحيرة فإنها حسنة في هذا الوقت فخرجت معه حتى بلغنا الخورنق فلم يزل ينظر إلى البر وإلى رياض الحيرة وحمرة الشقائق فأنشأ يقول ( الآن حين تزيّن الظَّهْر ... مَيْثَاؤُه وبِرَاقُه العُفْرُ ) ( بسط الربيعُ بها الرياض كما ... بُسطتْ قُطُوعَ اليَمْنةِ الخمرُ ) ( بَرِّيّةٌ في البحر نابتة ... يُجْبى إليها البرُّ والبحرُ ) ( وجرى الفراتُ على مياسرها ... وجرى على أَيْمَانِها الزهْرُ ) ( وبدا الخورنق في مطالِعها ... فَرْداً يلوح كأنه الفجر ) ( كانت منازلَ للملوك ولم ... يُعْلمْ بها لمَملَّكٍ قَبْرُ ) - كامل - قال ثم قال يصف تلك البلاد ( سَفُلَتْ عَنْ بَرْدِ أرضٍ ... زادها البَرْدُ عذابا ) ( وعَلَتْ عن حرِّ أُخرى ... تُلْهِبُ النارَ التهابا ) ( مُزِجَت حيناً ببرْدٍ ... فصفَا العيْشُ وطابا ) - مجزوء الرمل - نصحه لابنه في اختيار الأصدقاء أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني إسحاق بن محمد الأسدي قال حدثني عبد الأعلى بن محمد ابن كناسة قال رآني أبي مع أحداث لم يرضهم فقال لي ( يُنْبِيكَ عن عَيْب الفتَى ... تَرْكُ الصلاة أو الخَدِينُ ) ( فإذا تهاون بالصّلا ... ة فما لهُ في الناس دينُ ) ( ويُزَنُّ ذو الحدثِ المريبِ بما يُزَنُّ به القرينُ ) ( إنَّ العفيفَ إذا تَكَنْنَفه المريبُ هو الظَّنِينُ ) - مجزوء الكامل أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثني ابن مهرويه قال حدثني أحمد بن خلاد قال أخبرنا عباد بن الحسين بن عباد بن كناسة قال كان محمد بن كناسة عم أبيه قال كان يجيء إلى محمد بن كناسة رجل من عشيرته فيجالسه وكان يكتب الحديث ويتفقه ويظهر أدبا ونسكا وظهر محمد بن كناسة منه على باطن يخالف ظاهره فلما جاءه قال له ( ما مَنْ روَى أدباً فلم يعملْ به ... ويكفّ عن دفع الهوى بأديبِ ) ( حتى يكونَ بما تعلَّمَ عاملاً ... من صالح فيكونَ غيرَ مَعِيبِ ) ( ولقلما يُغني إصابةُ قائل ... وأفعالُه أفعالُ غيرِ مُصيبِ ) - كامل - خبره مع امرأة من بني أود أخبرني محمد بن خلف بن المزربان قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن ابن كناسة عن أبيه عن جده قال أتيت امرأة من بني أود تكحلني من رمد كان أصابني فكحلتني ثم قالت اضطجع قليلا حتى يدور الدواء في عينك فاضطجعت ثم تمثلت قول الشاعر ( أمُخْتَرِمي رَيْبُ المنونِ ولم أزُرْ ... طبيبَ بني أَوْدٍ على النَّأْيِ زينَبا ) - طويل - فضحكت ثم قالت أتدري فيمن قيل هذا الشعر قلت لا والله فقالت في والله قيل وأنا زينب التي عناها وأنا طبيب أود أفتدري من الشاعر قلت لا قالت عمك أبو سماك الأسدي أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني علي بن عثام الكلابي قال كانت لابن كناسة جارية شاعرة مغنية يقال لها دنانير وكان له صديق يكنى أبا الشعثاء وكان عفيفا مزاحا فكان يدخل إلى ابن كناسة يسمع غناء جاريته ويعرض لها بأنه يهواها فقالت فيه ( لأبي الشعثاءِ حُبٌّ باطنٌ ... ليس فيه نَهْضَةٌ للمتّهِمْ ) ( يا فؤادي فازدَجِرْ عنه ويا ... عَبَثَ الحبّ به فاقعُد وقمْ ) ( زارني منه كلامٌ صائبٌ ... ووَسيلاتُ المحبّين الكَلِمْ ) ( صائدُ تأمنُهُ غِزْلانُه ... مثلَ ما تأمنُ غِزْلانُ الحَرَمْ ) ( صَلِّ إن أحببْتَ أن تُعطَى المُنَى ... يا أبا الشَّعْثاءِ للَّه وصُمْ ) ( ثُمَّ مِيعادُك يوم الحشْرِ في ... جَنّةِ الخلْدِ إنِ اللَّهُ رَحِمْ ) ( حيثُ ألقاك غلاماً ناشئاً ... يافعاً قد كُملت فيه النِّعم ) - رمل - أخبرني أحمد بن العباس العسكري المؤدب قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني أحمد بن محمد الأسدي قال حدثني جدي موسى ابن صالح قال ماتت دنانير جاريه ابن كناسة وكانت أديبة شاعرة فقال يرثيها بقوله ( الحمدُ للَّه لا شَرِيكَ له ... يا ليْتَ ما كان منكِ لم يَكُنِ ) ( إن يَكُنْ القولُ قلَّ فيكِ فما ... أفحمنِي غيرُ شِدّة الحَزَنِ ) - منسرح - روايته للحديث قال أبو الفرج وقد روى ابن كناسة حديثا كثيرا وروى عنه الثقات من المحدثين فممن روى ابن كناسة عنه سليمان بن مهران الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد وهشام بن عروة بن الزبير ومسعر بن كدام وعبد العزيز بن أبي داود وعمر بن ذر الهمداني وجعفر بن برقان وسفيان الثوري وفطر بن خليفة ونظراؤهم أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن سعد العوفي قال حدثنا محمد بن كناسة قال حدثنا الأعمش عن شقيق بن سلمة عن أبي موسى الأشعري قال قلت يا رسول الله إن الرجل يحب القوم ولم يلحق بهم قال المرء مع من أحب أخبرني الحسن قال حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا محمد بن كناسة قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال قال رسول الله خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائنا خديجة والله أعلم أخبرني الحسن قال حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا ابن كناسة قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن زر بن حبيش قال كانت في أبي بن كعب شراسة فقلت له يا أبا المنذر اخفض جناحك يرحمك الله وأخبرنا عن ليلة القدر فقال هي ليلة سبع وعشرين وقد روى حديثا كثيرا ذكرت منه الأحاديث فقط ليعلم صحة ما حكيته عنه وليس استيعاب هذا الجنس مما يصلح ها هنا أخبار قلم الصالحية كانت قلم الصالحية جارية مولدة صفراء حلوة حسنة الغناء والضرب حاذقة قد أخذت عن إبراهيم وابنه إسحاق ويحيى المكي وزبير بن دحمان وكانت لصالح بن عبد الوهاب أخي أحمد بن عبد الوهاب كاتب صالح بن الرشيد وقيل بل كانت لأبيه وكانت لها صنعة يسيرة نحو عشرين صوتا واشتراها الواثق بعشرة آلاف دينار اعجاب الواثق بها فأخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثني رذاذ أبو الفضل المغني مولى المتوكل على الله قال حدثني أحمد بن الحسين بن هشام قال كانت قلم الصالحية جارية صالح بن عبد الوهاب إحدى المغنيات المحسنات المتقدمات فغني بين يدي الواثق لحن لها في شعر محمد بن كناسة قال ( فيَّ انقباضٌ وَحِشْمةٌ فَإذا ... صادفْتُ أهلَ الوفاءِ والكرمِ ) ( أرسلْتُ نفسِي على سجيَّتِها ... وقُلْتُ ما قلتُ غيرَ مُحْتَشِمِ ) - منسرح - فسأل لمن الصنعة فيه فقيل لقلم الصالحية جارية صالح بن عبد الوهاب فبعث إلى محمد بن عبد الملك الزيات فأحضره فقال ويلك من صالح بن عبد الوهاب هذا فأخبره قال أين هو قال إبعث فأشخصه وأشخص معه جاريته فقدما على الواثق فدخلت عليه قلم فأمرها بالجلوس والغناء فغنت فاستحسن غناءها وأمر بابتياعها فقال صالح أبيعها بمائة ألف دينار وولاية مصر فغضب الواثق من ذلك ورد عليه ثم غنى بعد ذلك زرزور الكبير في مجلس الواثق صوتا الشعر فيه لأحمد بن عبد الوهاب أخي صالح والغناء لقلم وهو ( أبتْ دارُ الأحبَّةِ أَنْ تبينا ... أجِدَّك ما رأيتَ لها مُعينا ) ( تَقَطّعُ نفسُه من حبِّ ليلى ... نفوساً ما أُثِبْنَ ولا جُزينا ) - وافر - فسأل لمن الغناء فقيل لقلم جارية صالح فبعث إلى ابن الزيات أشخص صالحا ومعه قلم فلما أشخصهما دخلت على الواثق فأمرها أن تغنيه هذا الصوت فغنته فقال لها الصنعة فيه لك قالت نعم يا أمير المؤمنين قال بارك الله عليك وبعث إلى صالح فأحضر فقال أما إذا وقعت الرغبة فيها من أمير المؤمنين فما يجوز أن أملك شيئا له فيه رغبة وقد أهديتها إلى أمير المؤمنين فإن من حقها علي إذا تناهيت في قضائه أن أصيرها ملكه فبارك الله له فيها فقال له الواثق قد قبلتها وأمر ابن الزيات أن يدفع له خمسة آلاف دينار وسماها احتياطا فلم يعطه ابن الزيات المال ومطلبه به فوجه صالح إلى قلم من أعلمها ذلك فغنت الواثق وقد اصطبح صوتا فقال لها بارك الله فيك وفيمن رباك فقالت يا سيدي وما نفع من رباني مني إلا التعب والغرم علي والخروج مني صفرا قال أو لم آمر له بخمسة آلاف دينار قالت بلى ولكن ابن الزيات لم يعطه شيئا فدعا بخادم من خاصة الخدم ووقع إلى ابن الزيات بحمل الخمسة آلاف الدينار إليه وخمسة آلاف دينار أخرى معها قال صالح فصرت مع الخادم إليه بالكتاب فقربني وقال أما الخمسة الآلاف الأولى فخذها فقد حضرت والخمسة الآلاف الأخرى أنا أدفعها إليك بعد جمعة فقمت ثم تناساني كأنه لم يعرفني وكتبت أقتضيه فبعث إلي أكتب لي قبضا بها وخذها بعد جمعة فكرهت أن أكتب قبضا بها فلا يحصل لي شيء فاستترت وهو في منزل صديق لي فلما بلغه استتاري خاف أن أشكوه إلى الواثق فبعث إلي بالمال وأخذ كتابي بالقبض ثم لقيني الخادم بعد ذلك فقال لي أمرني أمير المؤمنين أن أصير إليك فأسألك هل قبضت المال قلت نعم قد قبضته قال صالح وابتعت بالمال ضيعة وتعلقت بها وجعلتها معاشي وقعدت عن عمل السلطان فما تعرضت منه لشيء بعدها علي بن الجهم يمدح الواثق أخبرني محمد بن يحيى قال أخبرني ابن إسحاق الخراساني قال وحدثني محمد بن مخارق قال لما بويع الواثق بالخلافة دخل عليه علي بن الجهم فأنشده قوله ( قد فازَ ذو الدّنيا وذو الدّين ... بدولةِ الواثِقِ هارونِ ) ( وعمَّ بالإحسان مِنْ فِعْلِهِ ... فالناسُ في خفْضٍ وفي لِينِ ) ( ما أكثرَ الداعي له بالبَقَا ... وأكثرَ التَّالِي بآمينِ ) - سريع - وأنشده أيضا قوله فيه ( وَثِقَتْ بالمَلكِ الواثِقِ ... باللَّه النُّفوسُ ) ( مَلِكٌ يشقَى به المالُ ... ولا يشقَى الجَلِيسُ ) ( أَسَدٌ تضْحَك عن شَدْدَاتِه ... الحَرْبُ العَبُوسُ ) ( أَنِس السيفُ به واستوْحَش ... العِلْقُ النفيسُ ) ( يا بَني العباس يأبى اللهُ ... إلاّ أنْ تَسُوْسُوا ) - مجزوء الرمل - قال فوصله الواثق صلة سنية وتغنت قلم جارية صالح بن عبد الوهاب في هذين الشعرين فسمع الواثق الشعرين واللحنين من غيرها فأراد شراءها وأمر محمد بن عبد الملك الزيات بإحضار مولاها وإحضارها واشتراها منه بعشرة آلاف دينار صوت ( وكنت أُعِيرُ الدمعَ قبلك مَنْ بَكَى ... فأنت على من مات قبلك شاغِلُهْ ) ( سَقَى جدَثاً أعرافُ غَمْرَةَ دونه ... ببيشة دِيماتُ الربيعِ ووابِلُهْ ) ( وما بِيَ حُبُّ الأرضِ إلا جوارُها ... صَدَاهُ وقولٌ ظَنَّ أنِّيَ قائلُهْ ) - طويل - الشعر للشمردل بن شريك من قصيدة طويلة مشهورة يرثي بها أخاه والغناء لعبد الله بن العباس الربيعي ثقيل أول بالوسطى ابتداؤه نشيد ولمقاسة بن ناصح فيه خفيف رمل بالوسطى جميعا عن الهشامي وذكر حبش أن خفيف الرمل لخزرج أخبار الشمردل ونسبه الشمردل بن شريك بن عبد الملك بن رؤبة بن سلمة بن مكرم بن ضبارى بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع وهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية كان في أيام جرير والفرزدق هجاؤه وكيع بن أبي سود أخبرني أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ واسمه رفيع بن سلمة عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال كان الشمردل بن شريك شاعرا من شعراء بني تميم في عهد جرير والفرزدق وكان قد خرج هو وإخوته حكم ووائل وقدامة إلى خراسان مع وكيع بن أبي سود فبعث وكيع أخاه وائلا في بعث لحرب لترك وبعث أخاه قدامة إلى فارس في بعث آخر وبعث أخاه حكما في بعث إلى سجستان فقال له الشمردل إن رأيت أيها الأمير أن تنفذنا معا في وجه واحد فإنا إذا اجتمعنا تعاونا وتناصرنا وتناسبنا فلم يفعل ما سأله وأنفذهم إلى الوجوه التي أرادها فقال الشمردل يهجوه وكتب بها إلى أخيه حكم مع رجل من بني جشم بن أد بن طابخة ( إني إليك إذا كتبْتُ قصيدة ... لم يأتني لجوابها مَرْجُوعُ ) ( أَيُضِيعُها الجُشَمِيّ فيما بيننا ... أم هل إذا وَصَلَتْ إليك تَضيعُ ) ( ولقد علمْت ُوأنت عنِّي نازحٌ ... فيما أتى كِبْدُ الحمار وكيعُ ) ( وبنو غُدانةَ كان معروفاً لهمْ ... أن يُهْضَموا ويَضِيمَهُمْ يَربوع ) ( وعُمارة العبد المبَيَّن إنه ... واللؤم في بدن القميص جميعُ ) - كامل - رثاؤه لاخوته قال أبو عبيدة ولم ينشب أن جاءه نعي أخيه قدامة من فارس قتله جيش لقوهم بها ثم تلاه نعي أخيه وائل بعده بثلاثة أيام فقال يرثيهما ( أعاذلُ كم من روعةٍ قد شهدْتها ... وغُصّةِ حُزْنٍ في فِراق أخِ جَزْلِ ) ( إذا وقعت بين الحيازيم أَسْدَفَتْ ... عليّ الضحى حتى تُنَسِّيَنِي أهلي ) ( وما أنا إلا مثلُ من ضُرِبتْ له ... أُسَى الدهر عن ابْنَيْ أب فارقا مثل ) ( أقول إذا عزّيتُ نفسي بإخوة ... مضوْا لا ضعافٍ في الحياة ولا عُزْل ) ( أبى الموتُ إلا فَجْعَ كلًّ بني أب ... سَيُمْسُون شتّى غبرَ مجتمعي الشَّمْل ) ( سبيل حبيبَيَّ اللَّذين تبرّضَا ... دمُوعِيَ حتى أسرعَ الحُزْنُ في عقلي ) ( كأن لم نسِرْ يوماً ونحنُ بغبطةٍ ... جميعاً وينزلْ عند رحليْهما رَحْلي ) ( فعينَيّ إِنْ أَفْضَلْتُما بعد وائلٍ ... وصاحبه دمعاً فعُودَا على الفضْل ) ( خليليَّ من دون الأخِلاّء أصبحا ... رهينَيْ وفَاءٍ من وفاةٍ ومن قتْل ) ( فلا يبعدا لِلدَّاعِيَيْن إليهما ... إذا اغبرَّ آفاقُ السماءِ من المحْل ) ( فقد عَدِم الأضيافُ بعدهما القِرى ... وأخمد نارَ الليل كلُّ فتىً وَغْل ) ( وكانا إذا أيدِي الغضابِ تحطَّمَتْ ... لواغِرِ صدرٍ أو ضغائنَ من تَبْل ) ( تَحاجزُ أيدِي جُهَّل القومِ عنهما ... إذا أتعب الحلْمَ التترّعُ بالجهل ) ( كمستأسِدَي عِرِّيسةٍ لهما بها ... حِمىً هابه مَنْ بالحُزُونةِ والسَّهْلِ ) - طويل - ومنها الصوت الذي ذكرت أخباره بذكره قال أبو عبيدة وقال يرثي أخاه وائلا وهي من مختار المراثي وجيد شعره ( لعمري لَئِنْ غالتْ أخي دارُ فُرْقةٍ ... وآب إلينا سيْفُه ورواحلُهْ ) ( وحلّتْ به أثقالَها الأرضُ وانتهى ... بمثواه منها وهْو عفٌّ مآكلهْ ) ( لقد ضُمِّنَتْ جَلْدَ القُوى كان يُتّقَى ... به جانبُ الثَّغْر المخوفِ زلازلُهْ ) ( وَصُولٌ إذا استغنى وإن كان مُقْتِراً ... من المال لم يُحْفِ الصديقَ مسائله ) ( محلٌّ لأضيافِ الشّتاء كأنما ... هُمُ عنده أيتامه وأراملُه ) ( رخِيصٌ نضيجِ اللحم مُغْلٍ بِنِيئهِ ... إذا بردت عند الصِّلاءِ أناملُه ) ( أقولُ وقد رَجّمْتُ عنه فأسرعَتْ ... إليّ بأخبارِ اليقين محاصله ) ( إلى اللَّهِ أشكو لا إلى الناس فَقْدَه ... ولوْعةَ حُزْنٍ أوجعَ القلبَ داخلُهْ ) ( وتحقيقُ رؤيا في المنام رأيْتُها ... فكان أخي رُمْحاً ترفَّضَ عاملُه ) ( سقَى جدثاً أعرافُ غَمْرَةَ دونه ... ببيشةَ دِيمَاتُ الربيع ووابلُهْ ) ( بمثوَى غريبٍ ليس منا مزارُه ... بدانٍ ولا ذُو الودّ مِنّا مواصلُه ) ( إذا ما أتى يومٌ من الدهرِ دونه ... فحيّاك عنا شَرْقُه وأصائلُه ) ( سَنا صبحِ إشراقٍ أضاء ومَغربٌ ... من الشمس وافى جَنْحَ ليلٍ أوائلُه ) ( تحيةَ من أدّى الرسالةَ حُبِّبت ... إليه ولم ترجع بشيءٍ رسائلُه ) ( أبَى الصبرَ أن العين بعدَك لم يزَلْ ... يخالط جَفْنَيْها قذًى لا يزايلُه ) ( وكنْتُ أُعِيْرُ الدمعَ قبلَك مَنْ بكى ... فأنت على مَنْ مات بعدك شاغلُهْ ) ( يُذَكَّرُني هَيْفُ الجنوب ومُنتهى ... مسيرِ الصَّبا رَمْساً عليه جنادلُه ) ( وهتَّافةُ فوق الغصونِ تفجّعتْ ... لفقدِ حمامٍ أَفْرَدَتْها حبائلُه ) ( من الوُرْق بالأصْياف نَوّاحة الضحى ... إذا الغرقد التفت عليه غياطله ) ( وسَوْرةُ أيدِي القوم إذ حُلَّتِ الحُبا ... حُبا الشِّيبِ واستعْوَى أخا الحلم جاهله ) ( فعينيّ إذ أبكاكما الدهرُ فابكيا ... لمن نَصرُه قد بان منا ونائله ) ( إذا استعبرَتْ عُوذُ النساء وشمّرت ... مآزر يوم ما تَوارَى خلاخلُه ) ( وأصبح بيت الهجرِ قد حال دونه ... وغال امرأ ما كان يُخْشى غوائلُهْ ) ( وثِقْن به عند الحفيظةِ فارعوَى ... إلى صوته جاراته وحلائله ) ( إلى ذائد في الحرب لم يَكُ خاملاً ... إذا عاذ بالسيف المجرَّد حامله ) ( كما ذاد عن عرِّيسة الغِيل مُخْدِر ... يخافُ الردى ركبانُه ورواحله ) ( فما كنت أُلِفي لامرىء عِند مَوطنٍ ... أخاً بأخي لو كان حيّاً أبادله ) ( وكنت بِه أغشى القتال فعزَّنِي ... عليه من المقدار من لا أقاتله ) ( لعمركَ إنّ الموتَ منا لمولَعٌ ... بمن كان يُرجى نَفْعُه ونوافله ) ( فما البعد إلا أننا بعد صحبة ... كأنْ لم نُبايتْ وائلاً ونقايله ) ( سقى الضَّفِراتِ الغيْثُ ما دام ثاوياً ... بهنّ وجَادتْ أهلَ شُوْكٍ مَخَايلُه ) ( وما بِيَ حبُّ الأرض إلاَّ جوارُها ... صَدَاهُ وقولٌ ظُنَّ أنّي قائلُه ) - طويل - قال أبو عبيدة ثم قتل أخوه حكم أيضا في وجهه وبرز بعض عشيرته إلى قاتله فقتله وأتى أخاه الشمردل أيضا نعيه فقال يرثيه ( يقولون احتسِبْ حَكَماً وراحوا ... بأبيضَ لا أراهُ ولا يراني ) ( وقبْلَ فراقِه أيقنْتُ أنِّي ... وكلّ ابنَيْ أبٍ متفارِقان ) ( أخٌ لِيَ لوْ دعوْتُ أجابَ صوتِي ... وكنْتُ مجيبَه أنَّى دعانِي ) ( فقد أفنى البكاءُ عليه دمعي ... ولوْ أني الفقيدُ إذاً بكانِي ) ( مضى لسبيله لم يُعْطَ ضَيْماً ... ولم تَرهَبْ غَوائلَه الأدَاني ) ( قَتلْنا عنه قاتلَه وكنّا ... نصُولُ به لدى الحرْبِ العَوَانِ ) ( قتيلاً ليس مثل أخي إذا ما ... بدا الخَفِرات مِنْ هول الجَنَان ) ( وكنتَ سِنانَ رُمْحي من قناتي ... وليس الرّمحُ إلا بالسِّنانِ ) ( وكنت بَنانَ كَفِّي من يميني ... وكيف صلاحُها بعد البَنان ) ( وكان يَهَابُك الأعداءُ فينا ... ولا أخشَى وراءك منْ رَماني ) ( فقد أبْدَوْا ضغائنَهُمْ وشدُّوا ... إليَّ الطَّرْفَ واغْتمزوا لَيَاني ) ( فِدَاك أخٌ نبا عنه غَناه ... ومولًى لا تصولُ له يدانِ ) - وافر - ادعاء الفرزدق بيتا له بعد تهديده حدثني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان عن أبي عبيدة عن أبي عمرو وأبي سهيل قالا وقف الفرزدق على الشمردل وهو ينشد قصيدة له فمر فيها هذا البيت ( وما بين مَنْ لم يُعْط سَمْعاً وطاعة ... وبين تميمٍ غَيْرُ جَزِّ الحلاقمِ ) - طويل - فقال له الفرزدق والله يا شمردل لتتركن لي هذا البيت أو لتتركن لي عرضك فقال خذه لا بارك الله لك فيه فادعاه وجعله قصيدة ذكر فيها قتيبة بن مسلم التي أولها ( تحِنُّ بزوراءِ المدينهِ ناقتي ... حَنِينَ عجولٍ تبتغي البَوَّ رائمِ ) - طويل - حدثنا هاشم قال حدثنا أبو غسان عن أبي عبيدة قال رأى الشمردل فيما يرى النائم كأن سنان رمحه سقط فعبره على بعض من يعبر الرؤيا فأتاه نعي أخيه وائل فذلك قوله ( وتَحقيقُ رؤيا في المنام رأيتُها ... فكانَ أخي رُمْحاً ترفَّضَ عاملُهْ ) - طويل - حدثنا هاشم قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال كان الشمردل مغرما بالشراب وكان له نديمان يعاشرانه في حانات الخمارين بخراسان أحدهما يقال له ديكل من قومه والآخر من بني شيبان يقال له قبيصة فاجتمعوا يوما على جزور ونحروه وشربوا حتى سكروا وانصرف قبيصة حافيا وترك نعله عندهم وأنسيها من السكر فقال الشمردل ( شربْتُ ونادمْتُ الملوكَ فلم أجِدْ ... على الكأس نَدْمانا لها مثلَ دَيْكَلِ ) ( أقَلَّ مِكَاساً في جَزور وإن غَلَتْ ... وأسرعَ إنضاجاً وإنزالَ مِرْجَلِ ) ( ترى البازلَ الكَوْماء فوق خُوانه ... مفصَّلةً أعضاؤها لم تُفَصَّل ) ( سَقَيْناه بعد الرَّي حتى كأَنما ... يرى حين أمسى أَبْرَقَيْ ذاتِ مأسَل ) ( عشية أَنْسَيْنا قَبيصةَ نَعْلَه ... فَراحَ الفتى البكريُّ غيرَ مُنعَّل ) - طويل - هجاؤه هلال بن أحوز حدثنا هاشم قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال مدح الشمردل بن شريك هلال بن أحوز المازني واستماحه فوعده الرفد ثم ردده زمانا طويلا حتى ضجر ثم أمر له بعشرين درهما فدفعها إليه وكيله غلة فردها وقال يهجوه ( يقول هلالٌ كُلَّما جئْتُ زائراً ... ولا خيرَ عند المازني أعاودُهْ ) ( ألا ليتني أُمسي وبيني وبينه ... بعيدُ مناطِ الماءِ غُبْرٌ فدافدُهْ ) ( غَدَاً نصفُ حولٍ منه إن قال لي غداً ... وبعد غدٍ منه كَحَوْلٍ أُراصدُهْ ) ( ولو أنني خُيِّرْتُ بين غَداته ... وبين بِرازي ديْلميًّا أجالدُهْ ) ( تَعَوَّضْتُ من ساقَيَّ عشرين درهماً ... أتاني بها من غَلَّة السُّوق ناقِدُهْ ) ( ولو قِيلَ مِثلاَ كنزِ قارونَ عنده ... وقيل التمس مَوْعُودَهُ لا أعاوده ) ( ومثلك منقوص اليدين رددْتُه ... إلى مَحتدٍ قد كان حيناً يُجَاحِده ) - طويل - هجاؤه للضبي حين شمت بمصرع اخوته حدثنا هاشم قال حدثنا أبو غسان عن أبي عبيدة أن رجلا من بني ضبة كان عدوا للشمردل وكان نازلا في بني دارم بن مالك ثم خرج في البعث الذي بعث مع وكيع فلما قتل أخوة الشمردل وماتوا بلغه عن الضبي سرور بذلك وشماتة بمصيبته فقال ( يا أيُّها المبتغي شَتْمِي لأشتُمه ... إن كان أعمى فأنِّي عنك غيرُ عَمِ ) ( ما أرضعَتْ مرْضِعٌ سَخْلاً أعقَّ بها ... في الناس لا عَرَبٍ منها ولا عجمِ ) ( من ابن حنكلةٍ كانت وإن عَرِبَتْ ... مُذالةٌ لِقُدور الناس والحُرَمِ ) ( عَوَى ليَكسِبَها شرّاً فقلْتُ له ... منْ يكسِبِ الشرَّ ثَدْيَيْ أمِّه يُلَمِ ) ( ومن تعرّض شتمي يَلْقَ معْطِسُهُ ... من النَّشُوق الذي يشفي من اللَّمَمِ ) ( متى أجئْك وتسمعْ ما عُنيتَ به ... تُطْرِقْ على قَذَعٍ أو تَرْضَ بالسَّلَمِ ) ( أَوْلاَ فَحسْبُك رَهْطاً أن يفيدَهُمُ ... لا يغدِرون ولا يوفون بالذمم ) ( ليسوا كثعلبةَ المغبوطِ جارُهُمُ ... كأنه في ذُرى ثَهْلانَ أو خِيَم ) ( يُشَبِّهون قريشاً من تَكلّمهِم ... وطولِ أنْضِيةِ الأعناق والأمم ) ( إذا غدا المسْك يجرِي في مفارقِهِمْ ... راحوا كأنهم مَرْضَى من الكَرمِ ) ( جزُّوا النواصيَ من عجْلٍ وقد وطِئوا ... بالخيل رَهْطَ أبي الصَّهْباءِ والحُطَم ) ( ويوم أَفْلَتَهُنَّ الحَوْفَزانُ وقد ... شالت عليه أكفُّ القوم بالجِذَم ) ( إني وإن كنْتُ لا أنسى مُصابَهُمُ ... لم أدفعِ الموت عن زِيقٍ ولا حكم ) ( لا يَبْعُدَا فَتَيَا جُودٍ ومَكْرُمَةٍ ... لدفعِ ضَيْمٍ وقَتْل الجوعِ والقَرَم ) ( والبُعْدُ غالهما عني بمنزلةٍ ... فيها تفرّقُ أحياءٍ ومُخْترمِ ) ( وما بناءٌ وإن سَدَّتْ دعائمُه ... إلا سيصبح يوماً خاوِيَ الدِّعمَ ) ( لئن نجوْتَ من الأحداث أو سلمَتْ ... منهنّ نَفْسُك لم تسلمْ من الهرَمِ ) - بسيط - رثاؤه لعمر بن يزيد حدثنا هاشم قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال كان عمر بن يزيد الأسيدي صديقا للشمردل بن شريك ومحسناً إليه كثير البر به والرفد له فأتاه نعيه وهو بخراسان فقال يرثيه ( لبس الصّباحَ وأَسْلَمَتْه ليلةٌ ... طالت كأنّ نجومها لا تَبْرَحُ ) ( من صولة يجتاح أخرى مثلها ... حتى ترى السّدَفَ القيامُ النُّوَحُ ) ( عَطَّلْنَ أيْدِيَهُنَّ ثم تفجَّعَتْ ... ليلَ التَّمام بهنّ عبْرى تَصْدَحُ ) ( وحليلةٍ رُزِئت وأُختٌ وابنةٌ ... كالبدر تنظره عيونٌ لُمَّح ) ( لا يبعَدِ ابنُ يزيدَ سيِّدُ قومه ... عند الحفاظِ وحاجةٍ تُستنجَح ) ( حامي الحقيقةِ لا تزال جيادُه ... تغْدو مسوَّمة به وتُروّح ) ( للحرب محتسبُ القتال مشمِّرٌ ... بالدرع مُضْطَمِرُ الحوامل سُرّح ) ( ساد العراق وكان أوّل وافد ... تأتي الملوكَ به المهاري الطُّلَّحُ ) ( يُعْطى الغِلاء بكل مجد يشترى ... إن المُغالِيَ بالمكارمِ أربحُ ) - كامل - شعره في وصف الصقر والقنص حدثنا هاشم قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال كان الشمردل صاحب قنص وصيد بالجوارح وله في الصقر والكلب أراجيز كثيرة وانشدنا له قوله ( قد أغتدي والصبحُ في حجابه ... والليلُ لم يأو إِلى مآبِهِ ) ( وقد بدَا أبْلقَ من مُنُجَابِه ... بتَوَّجِيٍّ صادَ في شبابِهِ ) ( مُعاودٍ قد ذلّ في إصعابه ... قد خَرَّق الصِّفارَ من جِذَابهِ ) ( وعَرف الصوت الذي يُدعى به ... ولَمْعَةَ المُلْمِع في أثوابه ) ( فقلْتُ للقانِص إذ أتى به ... قبل طُلوع الآل أو سرابه ) ( ويْحَكَ ما أبصر إذ رأى به ... من بَطْنِ مَلحوبٍ إلى لبابِه ) ( قَشْعاً ترى التبَّتَ من جنابِه ... فانقضَّ كالجلمود إذ علا به ) ( غضبان يوم قِنْيةٍ رمى به ... فهنّ يلقيْن من اغتصابه ) ( تحت جديد الأرض أو ترابه ... من كلِّ شَحَّاج الضُّحى ضغّابه ) ( إذ لا يزال حربه يشقى به ... منتزع الفؤاد من حجابه ) ( جاد وقد أنشب في إهابه ... مَخالباً ينشبْنَ في إنشابه ) ( مثل مُدَى الجزّار أو حِرابه ... كأنما بالحلق من خضابه ) ( عصفرة الفؤاد أو قضابه ... حوى ثمانين على حسابه ) ( من خَرَبٍ وخُزَرٍ يعلى به ... لفتَيةٍ صَيْدُهُمُ يدعى به ) ( واعَدَهمْ لمنزل بِتْنا به ... يطهى به الخِرْبان أو يُشْوَى به ) ( فقام للطبخ ولاحتطابه ... أروع يهتاج إذا هجْنا به ) - رجز - أخبرنا هاشم قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال كان ذئب قد لازم مرعى غنم للشمردل فلا يزال يفرس منها الشاة بعد الشاة فرصده ليلة حتى جاء لعادته ثم رماه بسهم فقتله وقال فيه ( هل خُبِّر السِّرحانُ إذ يستخبِرُ ... عني وقد نام الصِّحَاب السُّمَّرُ ) ( لما رأيت الضَّأنَ منه تنفِر ... نهضْتُ وسْنانَ وطارَ المِئْزرُ ) ( وراع منها مَرِحٌ مُسْتَيْهِرُ ... كأنه إعصار ريح أغبرُ ) ( فلم أزل أطردُه ويعكر ... حتى إذا استيقنْتُ ألا أعذرُ ) ( وإنّ عَقْرَى غنمِي ستكثر ... طار بكفي وفؤادي أوجر ) ( ثُمَّتَ أهويْتُ له لا أُزجَر ... سهما فولّى عنه وهْوَ يعثرُ ) ( وبتُّ ليلي آمناً أُكبِّرُ ... ) - رجز أخبرنا أبو الحسن الأسدي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال قال الشمردل بن شريك وكان يستجيد هذه الأبيات ويستحسنها ويقول إنها لمن ظريف الكلام ( ثم استقلّ منعَّماتٌ كالدُّمى ... شُمُسُ العتاب قليلة الأحقادِ ) ( كُذُب المواعدِ ما يزال أخو الهوى ... منهنَّ بين مودّة وبِعادِ ) ( حتى ينالَ حِبالَهنّ مُعَلِّقاً ... عَقْلَ الشّريد وَهَنَّ غيرُ شِرَادِ ) ( والحبُّ يصلح بعد هجرٍ بيننا ... ويهيجُ معتَبةً بغير بعادِ ) - كامل - صوت ( خليليّ لا تستعجلا أن تَزَوّدا ... وأن تَجمعا شملي وتنتظرا غدا ) ( وإن تَنظُراني اليوم أقْضِ لُبانةً ... وتَسْتوجِبا منَّا عليّ وتُحمَدَا ) - طويل - الشعر للحصين بن الحمام المري والغناء لبذل الكبرى ثاني ثقيل بالبنصر من روايتها ومن رواية الهشامي بسم الله الرحمن الرحيم أخبار الحصين بن الحمام ونسبه هو الحصين بن الحمام بن ربيعة بن مساب بن حرام بن وائلة بن سهم بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال كان الحصين بن الحمام سيد بني سهم بن مرة وكان خصيلة بن مرة وصرمة بن مرة وسهم بن مرة أمهم جميعا حرقفة بنت مغنم بن عوف بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة فكانوا يدا واحدة على من سواهم وكان حصين ذا رأيهم وقائدهم ورائدهم وكان يقال له مانع الضيم وحدثني جماعة من أهل العلم أن ابنه أتى باب معاوية بن أبي سفيان فقال لآذنه استأذن لي على أمير المؤمنين وقل ابن مانع الضيم فاستأذن له فقال له معاوية ويحك لا يكون هذا إلا ابن عروة بن الورد العبسي أو الحصين بن الحمام المري أدخله فلما دخل إليه قال له ابن من أنت قال أنا ابن مانع الضيم الخضين بن الحمام فقال صدقت ورفع مجلسه وقضى حوائجه وقائع حرب قومه مع بني صرمة بن مرة أخبرني ابن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال كان ناس من بطن من قضاعة يقال لهم بنو سلامان بن سعد بن زيد بن الحاف بن قضاعة وبنو سلامان بن سعد إخوة عذرة بن سعد وكانوا حلفاء لبني صرمة بن مرة ونزولا فيهم وكان الحرقة وهم بنو حميس بن عامر بن جهينة حلفاء لبني سهم بن مرة وكانوا قوما يرمون بالنبل رميا سديدا فسموا الحرقة لشدة قتالهم وكانوا نزولا في حلفائهم بني سهم بن مرة وكان في بني صرمة يهودي من أهل تيماء يقال له جهينة بن أبي حمل وكان في بني سهم يهودي من أهل وادي القرى يقال له غصين بن حي وكانا تاجرين في الخمر وكان بنو جوشن أهل بيت من عبد الله بن غطفان جيرانا لبني صرمة وكان يتشائم بهم ففقدوا منهم رجلا يقال له خصيلة كان يقطع الطريق وحده وكانت أخته وإخوته يسألون الناس عنه وينشدونه في كل مجلس وموسم فجلس ذات يوم أخ لذلك المفقود الجوشني في بيت غصين بن حي جار بني سهم يبتاع خمرا فبينما هو يشتري إذ مرت أخت المفقود تسأل عن أخيها خصيلة فقال غصين ( تُسائل عن أخيها كلَّ ركبٍ ... وعند جُهَينة الخبرُ اليقينُ ) فأرسلها مثلاً يعني بجهينة نفسه فحفظ الجوشني هذا البيت ثم أتاه من الغد فقال له نشدتك الله ودينك هل تعلم لأخي علما فقال له لا وديني لا أعلم فلما مضى أخو المفقود تمثل ( لَعَمْرُك ما ضَلَّتْ ضلالَ ابن جَوْشنِ ... حَصاةٌ بليلٍ أُلْقِيَتْ وَسْطَ جَنْدَلِ ) أراد أن تلك الحصاة يجوز أن توجد وأن هذا لا يوجد أبدا فلما سمع الجوشني ذلك تركه حتى إذا أمسى أتاه فقتله وقال الجوشني ( طَعَنْتُ وقد كاد الظلامُ يُجِنُّني ... غُصَيْنَ بنِ حَيٍّ في جِوار بني سهمِ ) فأتي حصين بن الحمام فقيل له إن جارك غصينا اليهودي قد قتله ابن جوشن جار بني صرمة فقال حصين فاقتلوا اليهودي الذي في جوار بني صرمة فأتوا جهينة بن أبي حمل فقتلوه فشد بنو صرمة على ثلاثة من حميس بن عامر جيران بني سهم فقتلوهم فقال حصين أقتلوا من جيرانهم بني سلامان ثلاثة نفر ففعلوا فاستعر الشر بينهم قال وكانت بنو صرمة أكثر من بني سهم رهط الحصين بكثير فقال لهم الحصين يا بني صرمة قتلتم جارنا اليهودي فقتلنا به جاركم اليهودي فقتلتم من جيراننا من قضاعة ثلاثة نفر وقتلنا من جيرانكم بني سلامان ثلاثة نفر وبيننا وبينكم رحم ماسة قريبة فمروا جيرانكم من بني سلامان فيرتحلون عنكم ونأمر جيراننا من قضاعة فيرتحلون عنا جميعا ثم هم أعلم فأبى ذلك بنو صرمة وقالوا قد قتلتم جارنا ابن جوشن فلا نفعل حتى نقتل مكانه رجلا من جيرانكم فإنك تعلم أنكم أقل منا عددا وأذل وإنما بنا تعزون وتمنعون فناشدهم الله والرحم فأبوا وأقبلت الخضر من محارب وكانوا في بني ثعلبة بن سعد فقالوا نشهد نهب بني سهم إذا انتهبوا فنصيب منهم وخذلت غطفان كلها حصينا وكرهوا ما كان من منعه جيرانه من قضاعة وصافهم حصين الحرب وقاتلهم ومعه جيرانه وأمرهم ألا يزيدوهم على النبل وهزمهم الحصين وكف يده بعدما أكثر فيهم القتل وأبى ذلك البطن من قضاعة أن يكفوا عن القوم حتى أثخنوا فيهم وكان سنان بن أبي حارثة خذل الناس عنه لعداوته قضاعة وأحب سنان أن يهب الحيان من قضاعة وكان عيينة بن حصن وزبان بن سيار بن عمرو بن جابر ممن خذل عنه أيضا فأجلبت بنو ذبيان على بني سهم مع بني صرمة وأجلبت محارب بن خصفة معهم فقال الحصين بن الحمام في ذلك من أبيات ( أَلاَ تَقبَلون النِّصْفَ منّا وأَنْتُمُ ... بنو عمّنا لا بَلَّ هامَكُم القَطْرُ ) ( سنأبَى كما تَأْبَوْن حتى تُلِينَكم ... صفائحُ بُصْرَى والأسِنَّةُ والأًصْرُ ) ( أيُؤكَلُ مولانا ومولَى ابنِ عمنا ... مُقيمٌ ومنصورٌ كما نُصِرت جَسْرُ ) ( فتلك التي لم يعلم الناسُ أنني ... خَنَعت لها حتى يُغيِّبَني القبرُ ) ( فليتكُمُ قد حال دون لِقائكم ... سِنُونَ ثمانٍ بعدها حِجَجٌ عَشْرُ ) ( أجَدِّيَ لا ألقاكُمُ الدهرَ مَرَّةً ... على مَوْطِنٍ إلاّ خدودُكُمُ صُعْرُ ) ( إذا ما دُعُوا للبغي قاموا وأشرقَتْ ... وجوهُهُم والرُّشْدُ وِرْدٌ له نَفْرُ ) ( فواعَجَبا حتَّى خُصَيلةُ أصبحتْ ... مَوالِيَ عِزٍّ لا تَحِلُّ لها الخمرُ ) قوله موالي عز يهزأ بهم ولا تحل لهم الخمر أراد فحرموا الخمر على أنفسهم كما يفعل العزيز وليسوا هناك ( أَلَمَّا كَشَفنا لأَمَةَ الذُّلِّ عنكُمُ ... تجرَّدتَ لا بِرٌّ جميلٌ ولا شكر ) ( فإنْ يكُ ظَنِّي صادقاً تَجْزِ منكُمُ ... جَوازِي الإلهِ والخيانةُ والغدر ) انتصاره على بني عمه وافتخاره بذلك قال فأقاموا على الحرب والنزول على حكمهم وغاظتهم بنو ذيبان ومحارب بن خصفة وكان رئيس محارب حميضة بن حرملة ونكصت عن حصين قبيلتان من بني سهم وخانتاه وهما عدوان وعبد عمرو ابنا سهم فسار حصين وليس معه من بني سهم إلا بنو وائلة بن سهم وحلفاؤهم وهم الحرقة وكان فيهم العدد فالتقوا بدارة موضوع فظفر بهم الحصين وهزمهم وقتل منهم فأكثر وقال الحصين بن الحمام في ذلك ( جَزَى الله أفناءَ العشيرةِ كلِّها ... بِدَارَةِ موضوعٍ عُقوقاً ومَأْثَما ) ( بني عمِّنا الأدْنَيْنَ منهم ورَهْطَنَا ... فزارةَ إذ رامت بنا الحربَ مُعْظَما ) ( ولمّا رأيت الودّ ليس بنافعي ... وإن كان يوماً ذا كَواكِبَ مُظلما ) ( صبَرنا وكان الصبرُ منا سَجِيَّةً ... بأسيافنا يَقْطَعْنَ كَفاً ومِعْصَما ) ( نُفَلِّق هاماً من رجالٍ أَعِزَّةٍ ... علينا وهم كانوا أعَقَّ وأظلَما ) ( نُطاردهم نستنقِذُ الجُرْدَ بالقَنَا ... ويستنقذون السَّمْهرِيَّ المُقوِّما ) نستنقذ الجرد أي نقتل الفارس فنأخذ فرسه ويستنقذون السمهريَّ وهو القنا الصلب أي نطعنهم فتجرُّهم الرماح ( لَدُنْ غُدْوَةٍ حتى أتى الليلُ ما ترى ... من الخيل إلاّ خارِجيّاً مُسَوَّما ) ( وَأَجْرَدَ كالسِّرْحان يَضرِبُه النَّدَى ... ومحبوكةً كالسيِّدِ شَقاءَ صِلْدِما ) ( يَطَأْن من القَتْلَى ومن قِصَدِ القنا ... خَباراً فما يجرين إلا تَقَحُّما ) ( عليهنّ فتيانٌ كساهم مُحَرِّقٌ ... وكان ذا يكسو أجاد وأكرما ) ( صفائح بُصْرَى أخلَصَتْهَا قُيُونُها ... ومُطَّرِداً من نَسج داودَ مُبْهَما ) ( جزى الله عنا عبدَ عمرو ملامةً ... وعَدْوانَ سَهْمٍ ما أذَلَّ وألأَما ) ( فلستُ بمبتاع الحياةِ بسُبَّةٍ ... ولا مُرْتِقٍ من خشية الموت سُلَّما ) شعره في رثاء نعيم بن الحارث وقال أبو عبيدة وقتل في تلك الحرب نعيم بن الحارث بن عباد بن حبيب بن وائلة بن سهل قتلته بنو صرمة يوم دارة موضوع وكان وادا للحصين فقال يرثيه ( قَتَلْنَا خمسةً ورَمَوْا نُعيماً ... وكان القتلُ للفتيان زَيْنَا ) ( لعمرُ الباكيات على نعيم ... لقد جلَّتْ رَزيَّتُه علينا ) ( فلا تَبْعَدْ نُعَيْمُ فكلُّ حَيٍّ ... سَيَلْقى من صروف الدهرِ حَيْنَا ) قال أبو عبيدة ثم إن بني حميس كرهوا مجاورة بني سهم ففارقوهم ومضوا فلحق بهم الحصين بن الحمام فردهم ولامهم على كفرهم نعمته وقتاله عشيرته عنهم وقال في ذلك ( إنَّ أمرأ بعدي تبَدَّلَ نصرَكم ... بنصر بني ذُبْيان حَقاً لخاسِرُ ) ( أولئك قومٌ لا يُهانُ ثَوِيُّهُمْ ... إذا صَرَّحَتْ كَحْلٌ وَهَبَّ الصَّنابِرُ ) وقال لهم أيضا ( أَلاَ أَبْلِغْ لديك أبا حُمَيْسٍ ... وعاقبةُ الملامة للمُليمِ ) ( فهل لكُمُ إلى مَوْلًى نَصُورٍ ... وخَطْبُكُم من الله العظيمِ ) ( فإنَّ دياركم بجَنُوب بُسٍّ ... إلى ثَقْفٍ إلى ذات العُظُومِ ) بُسٌ بناء بنته غطفان شبهوه بالكعبة وكانوا يحجونه ويعظمونه ويسمونه حرما فغزاهم زهير بن جناب الكلبي فهدمه ( غَذَتكم في غَداةِ الناس حُجًّا ... غِذاءَ الجائع الجَدِعِ اللئيم ) ( فسِيروا في البلاد وودِّعونا ... بقَحْطِ الغيث والكَلإِ الوَخِيم ) لومه بني حميس وتذكيرهم بفضله عليهم قال أبو عبيدة قال عمرو زعموا أن المثلم بن رباح قتل رجلا يقال له حباشة في جوار الحارث بن ظالم المري فلحق المثلم بالحصين بن الحمام فأجاره فبلغ ذلك الحارث بن ظالم فطلب الحصين بدم حباشة فسأل في قومه وسأل في بني حميس جيرانه فقالوا إنا لا نعقل بالإبل ولكن إن شئت أعطيناك الغنم فقال في ذلك وفي كفرهم نعمته ( خليليّ لا تستعجِلا أن تَزَوَّدَا ... وأن تجمعا شَمْلي وتنتظرا غَدَا ) ( فما لَبَثٌ يوماً بسائقِ مَغْنَم ... ولا سرعةٌ يوماً بسابِقَةٍ غدا ) ( وإن تُنْظِرَانِي اليومَ أقضِ لُبانَةً ... وتستوجبا مَنّاً عليَّ وتُحْمَدا ) ( لعمرُك إنِّي يوم أغدو بِصِرْمَتِي ... تناهَى حُمَيْسٌ بادئين وعُوَّدا ) ( وقد ظهرتْ منهم بوائقُ جَمَّةٌ ... وأَفْرَعَ مولاهم بنا ثم أَصْعَدا ) ( وما كان ذنبي فيهمُ غيرَ أنَّني ... بسطْتُ يداً فيهم وأتبعْتُها يدا ) ( وأَنِي أُحامِي مِن وراء حَرِيمهم ... إذا ما المُنادِي بالمُغِيرَة نَدَّدا ) ( إذا الفَوْجُ لا يحميه إلاّ مُحافِظٌ ... كريمُ المُحَيَّا ماجِدٌ غيرُ أجردا ) ( فإنْ صَرَّحَت كَحْلٌ وَهَبَّت عَرِيَّةٌ ... مِنَ الرِّيح لم تترك لِذي العَرْض مَرْفَدا ) ( صَبَرْتُ على وَطْءِ الموالي وخَطْبِهم ... إذا ضَنَّ ذو القربى عليهم وأَجْمَدَا ) أخبرني ابن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال كان البرج بن الجلاس الطائي خليلاً للحصين بن الحمام ونديما له على الشراب وفيه يقول البرج بن الجلاس ( ونَدْمَانٍ يَزيد الكَأْسَ طِيباً ... سَقَيْتُ وقد تَغَوَّرَتِ النجومُ ) ( رفعتُ برأسه فكشفْتُ عنه ... بمُعْرَقَةٍ ملامةَ من يلوم ) ( ونشْرَب ما شَرِبْنَا ثم نصحو ... وليس بجانبيَّْ خَدّي كُلُومُ ) ( ونجعل عِبْأَها لبني جُعَيْلٍ ... وليس إذا انتَشَوْا فيهم حليمُ ) كانت للبرج أخت يقال لها العُفاطة وكان البرج يشرب مع الحصين ذات يوم فسكر وانصرف إلى أخته فافتضها وندم على ما صنع لما أفاق وقال لقومه أي رجل أنا فيكم قالوا فارسنا وأفضلنا وسيدنا قال فإنه إن علم بما صنعت أحد من العرب أو أخبرتم به أحدا ركبت رأسي فلم تروني أبدا فلم يسمع بذلك أحد منهم ثم إن أمة لبعض طيئ وقعت إلى الحصين بن الحمام فرأت عنده البرج الطائي يوما وهما يشربان فلما خرج من عنده قالت للحصين إن نديمك هذا سكر عندك ففعل بأخته كيت وكيت وأوشك أن يفعل ذلك بك كلما أتاك فسكر عندك فزجرها الحصين وسبها فأمسكت ثم إن البرج بعد ذلك أغار على جيران الحصين بن الحمام من الحرقة فأخذ أموالهم وأتى الصريخ الحصين بن الحمام فتبع القوم فأدركهم فقال للبرج ما صبك على جيراني يا برج فقال له وما أنت وهم هؤلاء من أهل اليمن وهم منا وأنشأ يقول ( أَنَّى لك الحُرُقات فيما بيننا ... عَنَنٌ بعيدٌ منك يا بنَ حُمام ) ( أقبلتَ تُزْجِي ناقة متباطئاً ... عُلْطاً تزجِّيِها بغيرِ خِطام ) تزجي تسوق علطا لا خطام عليها ولا زمام أي أتيت هكذا من العجلة فأجابه الحصين بن الحمام ( بُرْجٌ يُؤَْثمني ويَكفُرُ نعمتي ... صَمِّي لما قال الكفيلُ صَمَامِ ) ( مَهْلاً أبا زيدٍ فإنَّك إنْ تَشَأْ ... أُورِدْك عُرْضَ مناهِلٍ أَسْدامِ ) ( أُورِدْكَ أَقْلِبَةً إذا حافلْتَها ... خَوْضَ القَعُودِ خَبِيثةَ الأخصامِ ) ( أقبلتُ من أرض الحجاز بذَمَّةٍ ... عُطُلاً أُسوِّقها بغيرِ خِطامِ ) ( في إثْرِ إخوانٍ لنا من طيئ ... ليسوا بأكفاء ولا بكرامِ ) ( لا تحسبَنَّ أخا العَفاطة أنني ... رَجُلٌ بخُبْرك ليس بالعَلاَّمِ ) ( فاستنزلوكَ وقد بَلَلْتَ نِطاقها ... عن بنتِ أُمِّكَ والذيولُ دوامي ) ثم ناصب الحصينُ بن الحمام البرج الحرب فقتل من أصحاب البرج عدة وهزم سائرهم واستنقذ ما في أيديهم وأسر البرج ثم عرف له حق ندامه وعشرته إياه فمن عليه وجز ناصيته وخلى سبيله فلما عاد البرج إلى قومه وقد سبه الحصين بما فعل بأخته لامهم وقال أشعتم ما فعلت بأختي وفضحتموني ثم ركب رأسه وخرج من بين أظهرهم فلحق ببلاد الروم فلم يعرف له خبر إلى الآن وقال ابن الكلبي بل شرب الخمر صرفا حتى قتلته أغار على بني عقيل وبني كعب أخبرني ابن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال جمع الحصين بن الحمام جمعا من بني عدي ثم أغار على بني عقيل وبني كعب فأثخن فيهم واستاق نعما كثيرا ونساء فأصاب أسماء بنت عمرو سيد بني كعب فأطلقها ومن عليها وقال في ذلك ( فِدًى لِبَنِي عديٍّ رَكْضُ ساقي ... وما جَمَّعتُ من نَعَمٍ مُراحِ ) ( ترَكْنَا من نساء بني عُقَيْلٍ ... أَيَامى تبتغي عَقْدَ النكاحِ ) ( أَرُعْيانَ الشَّوِيِّ وجدتمونا ... أمَ اصحابَ الكريهة والنِّطاحِ ) ( لقد علمتْ هَوازِنُ أنَّ خيلي ... غَداةَ النَّعْفِ صادقةُ الصَّباحِ ) ( عليها كلُّ أَرْوَعَ هِبْرِزِيٍّ ... شديدٍ حَدُّه شاكي السِّلاحِ ) ( فكَرَّ عليهمُ حتَّى التقينا ... بمصقولٍ عوارضُها صِباحِ ) ( فأُبْنا بالنهِّاب وبالسَّبايا ... وبالبِيض الخرائِدِ واللِّقاحِ ) ( وأعتقنا ابنة العَمْريِّ عمرٍو ... وقد خُضْنا عليها بالقِداحِ ) في شعره دلالة على أنه أدرك الإسلام أخبرنا ابن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة أن الحصين بن الحمام أدرك الإسلام قال ويدل على ذلك قوله ( وقافيةٍ غيرِ إِنْسِيَّةٍ ... قَرَضْتُ من الشِّعر أمثالَها ) ( شَرُودٍ تَلَمَّعُ بالخافقَيْنِ ... إذا أنْشِدَتْ قيل من قالها ) ( وحيرانَ لا يهتدي بالنهار ... من الظَلْع يَتْبَعُ ضُلاَّلَها ) ( وداعٍ دعا دعوةَ المستغيثِ ... وكنتُ كمن كان لَبَّى لها ) ( إذا الموتُ كان شَجاً بالحُلُوقِ ... وبادَرتِ النفسُ أشغالَها ) ( صبَرْتُ ولم أكُ رِعديدَةً ... وللصَّبْرُ في الرَّوع أَنْجَى لها ) ( ويومٍ تَسَعَّرُ فيه الحروبُ ... لَبِسْتُ إلى الرَّوْعِ سِرْبَالها ) ( مُضعَّفةَ السَّرْدِ عاديَّةً ... وعَضْبَ المضَارِبِ مِفْصالَها ) ( ومُطَّرِداً من رُدَيْنِيَّة ... أذودُ عن الوِرْد أبطالَها ) ( فلم يبق من ذاكَ إلا التُّقَى ... ونفسٌ تُعالج آجالَها ) ( أُمورٌ من اللَّهِ فوق السماء ... مقاديرُ تنزلُ أنْزَالَهَا ) ( أعوذُ بربِّي من المُخْزِيات ... ِ يوم ترى النفسُ أعمالَها ) ( وخَفّ الموازينُ بالكافرين ... وزُلْزلتِ الأرْضُ زِلزَالَهَا ) ( ونادى مُنادٍ بأهل القبور ... فهبُّوا لتُبْرِزَ أثقالَها ) ( وسُعِّرَت النارُ فيها العذابُ ... وكان السلاسلُ أغلالَها ) حدثنا ابن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال مات حصين بن الحمام في بعض أسفاره فسمع صائح في الليل يصيح لا يعرف في بلاد بني مرة ( أَلاَ هَلَك الحُلْو الحَلاَلُ الحُلاَحِلُ ... ومَن عَقْدُه حَزْمٌ وعَزْمٌ ونائلُ ) الحلو الجميل والحلال الذي ليس عليه في ماله عيب والحلاحل الشريف العاقل ( ومَنْ خَطبهُ فَصْلٌ إذا القوم أُفحِموا ... يُصيب مَرَادِي قوله مَن يُحاوِلُ ) المرادي جمع مرادة وهي صخرة تردى بها الصخور أي تكسر قال فلما سمع أخوه معية بن الحمام ذلك قال هلك والله الحصين ثم قال يرثيه ( إذا لاقيتُ جمعاً أو فِئَاماً ... فإنِّي لا أرى كأبي يَزِيدا ) ( أشدَّ مهابةً وأعزَّ ركناً ... وأصلبَ ساعةَ الضَّرَّاءِ عُودا ) ( صَفِيِّي وابنُ أُمِّي والمُواسِي ... إذا ما النفسُ شارفتِ الوريدا ) ( كَأَنَّ مُصَدَّراً يحبو ورائي ... إلى أشباله يبغي الأسودا ) المصدر العظيم الصدر شبه أخاه بالأسد صوت ( لاَ أَرَّق الله عيْنَيْ منْ أرِقْتُ له ... ولا مَلاَ مثلَ قلبي قلبَه تَرَحَا ) ( يَسُرُّني سوءُ حالي في مسرَّته ... فكلَّما ازددت سُقْماً زادني فرحا ) الشعر لمحمد بن يسير والغناء لأحمد بن صدقة رمل بالوسطى أخبار محمد بن يسير ونسبه محمد بن يسير الرياشي يقال إنه مولى لبني رياش الذين منهم العباس بن الفرج الرياشي الأخباري الأديب ويقال إنه منهم صلبية وبنو رياش يذكرون أنهم من خثعم ولهم بالبصرة خطة وهم معروفون بها وكان محمد بن يسير هذا شاعرا ظريفا من شعراء المحدثين متقلل لم يفارق البصرة ولا وفد إلى خليفة ولا شريف منتجعا ولا تجاوز بلده وصحبته طبقته وكان ماجنا هجاء خبيثا خبره مع محمد بن أيوب والي البصرة أخبرني عمي الحسن بن محمد قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني علي بن القاسم بن علي بن سليمان طارمة قال بعث إلي محمد بن أيوب بن سليمان بن جعفر بن سليمان وهو يتولى البصرة حينئذ في ليلة صبيحتها يوم سبت فدخلت إليه وقد بقي من الليل ثلثه أو أكثر فقلت له أنمت وانتبهت أم لم تنم بعد فقال قد قضيت حاجتي من النوم وأريد أن أصطبح وابتدىء الساعة بالشرب وأصل ليلتي بيومي محتجباً عن الناس وعندي محمد بن رباح وقد وجهت إلى إبراهيم بن رياش وحضرت أنت فمن ترى أن يكون خامسنا قلت محمد بن يسير فقال والله ما عدوت ما في نفسي فقال لي ابن رباح أكتب إلى محمد بن يسير بيتين تدعوه فيهما وتصف له طيب هذا الوقت وكان يوم غيم والسماء تمطر مطرا غير شديد ولا متتابع فكتب إليه ابن رباح صوت ( يومُ سَبتٍ وشَنْبَذٍ ورَذَاذٍ ... فعلامَ الجلُوسُ يا بن يسيرِ ) ( قم بنا نأخذ المُدامةَ من كَفّ ... غزالٍ مُضَمَّخٍ بالعَبِيرِ ) في هذين البيتين لعباس أخي بحر ثقيل أول بالبنصر وبعث إليه بالرقعة فإذا الغلمان قد جاؤوا بالجواب فقال لهم بعثتكم لتجيئوني برجل فجئتموني برقعة فقالوا لم نلقه وإنما كتب جوابها في منزله ولم تأمرنا بالهجوم عليه فنهجم فقرأها فإذا فيها ( أجيءُ على شَرْطٍ فإن كنتَ فاعلاً ... وإلاَّ فإنِّي راجِعٌ لا أُناظِرُ ) ( لِيُسْرَجْ ليَ البِر ذَوْنُ في حال دُلْجتي ... وأنت بدُلْجاتي مع الصبح خابِرُ ) ( لأقضِيَ حاجاتي إليه وأنثني ... إليك وحَجَّامٌ إذا جئتُ حاضرُ ) ( فيأخذ من شَعري ويُصلِحُ لِحْيتي ... ومن بعدُ حَمَّامٌ وطِيبٌ وجامِرُ ) ( ودَسْتِيجَةٌ من طيِّب الراح ضخمةٌ ... يُرَوِّدنيها طائعاً لا يُعاسِرُ ) فقال محمد بن أيوب ما تقول فقلت إنك لا تقوَى على مطاولته ولكن اضمن له ما طلب فكتب إليه قد أعد لك وحياتك كل ما طلبت فلا تبطئ فإذا به قد طلع علينا فأمر محمد بن أيوب بإحضار المائدة فلما أحضرت أمر بمحمد بن يسير فشد بحبل إلى أسطوانة من أساطين المجلس وجلسنا نأكل بحذائه فقال لنا أي شي يخلصني قلنا تجيب نفسك عما كتبت به أقبح جواب فقال كفوا عن الأكل إذا ولا تستبقوني به فتشغلوا خاطري ففعلنا ذلك وتوقفنا فأنشأ يقول ( أيا عَجَبا مِنْ ذا التَّسَرِّي فإنَّه ... له نَخوةٌ في نفسه وتَكابُرُ ) ( يُشارِطُ لمَّا زار حتَّى كأنه ... مُغَنٍّ مُجِيدٌُ أو غلام مُؤاجَرُ ) ( فلولا ذمامٌ كان بيني وبينه ... لَلطَّمَ بَشَّارٌ قَفاه ويَاسِرُ ) فقال محمد حسبك لم نرد هذا كله ثم حله وجلس يأكل معنا وتممنا يومنا هجاؤه لشاة أكلت زرعه ودخلت داره أخبرني عمي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال كان محمد بن يسير من شعراء أهل البصرة وأدبائهم وهو من خثعم وكان من بخلاء الناس وكان له في داره بستان قدره أربعة طوابيق قلعها من داره فغرس فيه أصل رمان وفسيلة لطيفة وزرع حواليه بقلا فأفلتت شاة لجار له يقال له منيع فأكلت البقل ومضغت الخوص ودخلت إلى بيته فلم تجد فيه إلا القراطيس فيها شعره وأشياء من سماعاته فأكلتها وخرجت فعدا إلى الجيران في المسجد يشكو ما جرى عليه وعاد فزرع البستان وقال يهجو شاة منيع ( ليَ بستانٌ أَنيقٌ زاهرٌ ... ناضِرُ الخُضْرة رَيَّان تَرِفْ ) ( رَاسخُ الأعراقِ رَيَّان الثَّرَى ... غَدِقٌ تُرْبَتُه ليست تجِفّ ) ( لِمجاري الماءِ فيه سُنَنٌ ... كيفما صَرَّفتَه فيه انصرفْ ) ( مُشرِق الأنوار ميّاد النَّدَى ... مُنْثَنٍ في كلِّ ريح مُنْعَطِفْ ) ( تملِكُ الريحُ عليه أمرَه ... فإذا لم يُؤْنِسِ الريحَ وقفْ ) ( يكتسي في الشرق ثوبَيْ يُمْنَةٍ ... ومع الليل عليها يَلْتَحِفْ ) ( ينطوي الليلُ عليه فإذا ... واجَهَ الشرقَ تجلَّى وانكشَفْ ) ( صابِرٌ ليس يُبالِي كَثرةً ... جُزّ بالمِنْجَل أو منه نُتِفْ ) ( كلما أُلْحِفَ منه جانبٌ ... لم يتلبَّثْ منه تعجيلُ الخَلَفْ ) ( لا ترى للكفِّ فيه أَثَراً ... فيه بل يَنْمِي على مسِّ الأَكُفّ ) ( فترى الأطباقَ لا تُمْهِله ... صادراتٍ وارداتٍ تختلِفْ ) ( فيه للخارِفِ من جيرانه ... كلَّما احتاج إليه مُخْتَرَفْ ) ( أُقْحُوانٌ وبَهَارٌ مُونِقٌ ... وسوى ذلك من كلّ الطُّرَفْ ) ( وهو زَهْرٌ للنَّدَامَى أصُلاً ... بِرِضا قاطِفِهم ممَّا قَطَفْ ) ( وهو في الأيدي يُحَيُّون به ... وعلى الآنافِ طَوْراً يُسْتَشَفّ ) ( أَعْفِه يا ربِّ مِنْ واحدةٍ ... ثم لا أَحْفِلُ أنواعَ التَّلَفْ ) ( اكْفِه شاةَ مَنيعٍ وَحْدَها ... يوم لا يُصْبِحُ في البيت عَلَفْ ) ( اكْفِه ذاتَ سُعالٍ شَهْلةً ... مُتِّعتْ في شرِّ عيش بالخَرَفْ ) ( اكْفِهْ يا رَبِّ وَقْصاءَ الطُّلَى ... أَلْحِمِ الكِتْفين منها بالكَتِفْ ) ( وكَلُوحٌ أبداً مُفْتَرٌَّ ... لك عن هُتْمٍ كَلِيلاتٍ رُجُفْ ) ( وَنَؤُوس الأنفِ لا يَرْقَا ولا ... أبداً تُبْصرُه إلاَّ يَكِفْ ) ( لم تَزَلْ أظلافُها عافِيَةً ... لم يُظَلِّفْ أهلُها منها ظِلَفْ ) ( فترى في كل رِجْلٍ ويدٍ ... من بقاياهنّ فوق الأرض خُفّ ) ( تَنسِف الأرَضَ إذا مرَّت به ... فلها إعْصارُ تُرْبٍ مُنتسِفْ ) ( تُرْهِجُ الطُّرْقَ على مُجْتازِها ... بِيَدٍ في المشي والخَطْوِ القَطِفْ ) ( في يَدَيْها طَرَقٌ مِشْيتُها ... حَلْقةٌُ القوس وفي الرجل حَنَفْ ) ( فإذا ما سَعَلَتْ واحْدَوْدَبَتْ ... جاوبَ البَعْرُ عليها فخُصِفْ ) ( وأُحِصَّ الشعرُ منها جِلدُها ... شَنَّةٌ في جوف غارٍ مُنْخسِفْ ) ( ذات قَرْنٍ وهي جَمَّاءُ أَلاَ ... إنّ ذا الوصفَ كوصفٍ مُخْتَلِفْ ) ( وإذا تدنو إلى مُسْتَعْسِبٍ ... عافَها نَتْناً إذا ما هُو كَرَفْ ) ( لا ترى تَيْساً عليها مُقْدماً ... رُمَيَتْ من كل تيس بالصَّلَفْ ) ( شُوهة الخِلقة ما أبصَرَها ... مِن جميع الناس إلاَّ وحَلَفْ ) ( ما رأى شاةً ولا يعلمُها ... خُلِقَتْ خِلْقَتَها فيما سَلَفْ ) ( عَجَباً منها ومن تأليفها ... عجباً مِن خَلْقها كيف ائتلَفْ ) ( لو يُنادُون عليها عجَباً ... كَسَبوا منها فُلُوساً ورُغُفْ ) ( ليتَها قد أَفلتتْ في جَفْنةٍ ... من عجينٍ أو دقيق مُجْتَرَفْ ) ( فتلقَّتْ شَفْرةً مِن أهله ... قَدَرَ الإصبع شيئاً أو أَشَفّ ) ( أَحكَمَتْ كَفّا حكِيمٍ صُنْعَها ... فأتت مجدولةً فيها رَهَفْ ) ( أُدْمِجَتْ من كلِّ وجه غيرَ ما ... أَلَّلَ الأقْيانُ من حَدِّ الطَّرَفْ ) ( قابِضُ الرَّونق فيها ماتِعٌ ... يَخطفُ الأبصارَ منها يُستَشَف ) ( لَمَحَتْها فاسْتَخفَّتْ نحوَها ... عَجَلاً ثم أحالت تنتسِف ) ( فتناهَتْ بين أضعاف الِمعَى ... وتَبَوَّتْ بين أثناء الشَّغَفْ ) ( أو رَمَتْها قَرْحةٌ زادت لها ... ذَوَباناً كلَّ يومٍ ونَحَفْ ) ( كل يوم فيه يدنو يومُها ... أو تُرَى واردةً حَوضَ الدَّنَفْ ) ( بينما ذاك بها إذ أصبَحَتْ ... كَحَمِيتٍ مُفْعَمٍ أو مثلَ جُفْ ) ( شاغِراً عُرْقوبُها قد أُعْقِبَتْ ... بِطْنَةً من بعد إدمان الهَيَفْ ) ( وغَدَا الصِّبيةُ من جيرانها ... ليجرُّوها إلى مأوى الجِيَفْ ) ( فتراها بينهم مسحوبةً ... تَجرُفُ التُّرْب بجَنْبٍ منجرِفْ ) ( فإذا صاروا إلى المأوى بها ... أعمَلُوا الآجُرَّ فيها والخَزَفْ ) ( ثم قالوا ذَا جَزاءٌ للتي ... تأكلُ البستانَ منا والصُّحُفْ ) ( لا تلوموني فلو أبصرتُ ذا ... كلَّه فيها إذن لم أنتصفْ ) شعره لامرأته بعد أن كتبت إليه تعاتبه أخبرني علي بن سليمان قال حدثنا محمد بن يزيد قال حدثنا عبد الله بن محمد بن يسير وحدثني سوار بن أبي شراعة قال حدثني عبد الله بن محمد بن يسير قال هوي أبي قينة من قيان أبي هاشم بالبصرة فكتبت إليه أمي تعاتبه فكتب إليها ( لا تَذْكُرِي لَوْعةً إِثْرِي ولا جَزَعا ... ولا تُقاسِنَّ بعدي الهمَّ والهَلَعا ) ( بَلِ ائتِسِي تجدي إنِ ائْتسيتِ أُساً ... بمثل ما قد فُجِعْتِ اليوم قد فُجِعا ) ( ما تصنَعين بعَينٍ عنك قد طَمَحَتْ ... إلى سواكِ وقلبٍ عنكِ قد نَزَعا ) ( إن قُلتِ قد كنتُ في خَفْضٍ وتَكْرِمَةٍ ... فقد صدَقتِ ولكنْ ذاكِ قد نُزِعا ) ( وأيُّ شيءٍ من الدنيا سمعتِ به ... إلا إذا صار في غاياته انقطعا ) ( ومَن يُطيقُ خَليعاً عند صَبْوته ... أم مَن يقوم لِمستورٍ إذا خَلُعَا ) أخبرني عمي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن يسير أن أباه دعي إلى وليمة وحضرها مغن يقال له أبو النجم فعبث بأبي وباغضه وأساء أدبه فقال يهجوه ( نَشَتْ بأبي النَّجم المغنِّي سحابةٌ ... عليه من الأيدي شآبِيبُها القَفْدُ ) ( نَشَا نَوءُها بالنَّحْس حتى تصرَّمتْ ... وغابت فلم يَطْلُعْ لها كَوكبٌ سَعْدُ ) ( سَقَتْه فجادتْ فارتَوَى من سِجالِها ... ذُرَا رأسه والوجهُ والجِيدُ والخدُّ ) ( فلا زال يَسْقِيه بها كلَّ مجلس ... به فِتيةٌ أمثالَها الهَزْلُ والجِدُّ ) أراد به يسقيانه قصته مع صديقه داود أخبرني عمي قال حدثنا ابن مهرويه قال وحدثني عبد الله بن محمد بن يسير قال كان لأبي صديق يقال له داود من أسمج الناس وجها وأقلهم أدبا إلا أنه كان وافر المتاع فكان القيان يواصلنه ويكثرن عنده ويهدين إليه الفواكه والنبيذ والطيب فيدعو بأبي فيعاشره فهويته قينة من قيان البصرة كانت من أحسن الناس وجها فبعثت إلى داود برقعة طويلة جدا تعاتبه فيها وتستجفيه وتستزيره فسأل أبي أن يجيبها عنه فقال أبي أكتب يا بني قبل أن أجيب عنها ( وابلائي مِن طول هذا الكتاب ... أَسْعِدُوني عليه يا أصحابي ) ( أَسْعِدُوني على قِرَاةِ كتابٍ ... طولُه مثل طولِ يوم الحساب ) ( إنَّ فيه منِّي البَلاءَ مُلَقَّى ... ولغيري فيه الهوَى والتَّصابي ) ( وله الودُّ والهوى وعلينا ... فيه للكاتبين رَدُّ الجواب ) ( ثم ممن يا سيِّدي وإلى من ... مِن هَضِيم الحَشَا لَعُوبٍ كَعَاب ) ( وإلى مَنْ إنْ قلتُ فيه بِعَيْب ... لم أُحِطْ في مقالتي بالصواب ) ( لا يُساوي على التأمُّل والتفتيش ... يوماً في الناس كفَّ تراب ) فقال عبد الله وكان أبي إذا انصرف من مجلس فيه داود هذا أخذه معه فيمشي قدامه فإن كان في الطريق طين أو بئر أو أذى لقي داود شره وحذره أبي فمات داود وانصرف أبي ذات ليلة وهو سكران فعثر بدكان وتلوث بطين ودخل في رجله عظم ولقي عنتا فقال يرثي داود رثاؤه لداود ( أقول والأرضُ قد غَشَّى وَجَلَّلَها ... ثوبُ الدُّجَى فَهْو فوق الأرض ممدود ) ( وسَدَّ كلَّ فُروج الجوِّ مُنْطَبِقاً ... وكلُّ فَرْجٍ به في الجوِّ مسدود ) ( وفي الوَدَاع وفي الإبداءِ لي عَنَتٌ ... دون المسير وبابُ الدار مسدود ) ( مَن لِي بداودَ في ذي الحال يُرْشِدني ... مَن لي بداود لَهْفي أين داودُ ) ( لَهْفي على رِجْله أَلاَّ أَقدِّمَها ... قُدَّامَ رجلي فَتَلْقَاها الجَلامِيدُ ) ( إذ لا أزال إذا أقبلتُ ينكُبُنِي ... حَرْفٌ وجُرْفٌ ودُكَّانٌ وأُخدود ) ( فإن تكن شوكةٌ كانت تحُل به ... أو نكتةٌ في سواد الليل أو عُودُ ) أخبرني عمي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني القاسم بن الحسن مولى جعفر بن سليمان الهاشمي قال هجمت شاة منيع البقال على دار ابن يسير وهو غائب وكانت له قراطيس فيها أشعار وآداب مجموعة فأكلتها كلها فقال في ذلك ( قل لبُناة الآداب ما صَنَعَتْ ... منها إليكم فلا تُضِيعُوها ) ( وضمِّنوها صُحْفَ الدَّفاتر بالحِبر ... وحُسْنَ الخُطوطِ أَوعُوها ) ( فإن عجزتم ولم يكن عَلَفٌ ... تُسِيغُه عندكم فبِيعوها ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني ابن شبل البرجمي قال كان محمد بن يسير يعاشر يوسف بن جعفر بن سليمان وكان يوسف أشد خلق الله عربدة وكان يخاف لسان ابن يسير فلا يعربد عليه ثم جرى بينهما ذات يوم كلام على النبيذ ولحاء فعربد يوسف عليه وشجه فقال ابن يسير يهجوه ( لا تجلسَنْ مع يوسفٍ في مجلسٍ ... أبداً ولم تحملْ دَمَ الأخَوَيْنِ ) ( رَيْحانُه بدم الشباب مُلَطَّخٌ ... وتحيَّةُ النَّدْمانِ لَطْمُ العَين ) أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني الحسين بن يحيى المنجم قال حدثني أبو علي بن الخراساني قال كان لمحمد بن يسير البصري بابان يدخل من أحدهما وهو الأكبر ويدخل إليه إخوانه من الباب الآخر وهو الأصغر ومن يستشرط من المرد فجاء يوما غلام قد خرجت لحيته كانت عادته أن يدخل من الباب الأصغر فمر من ذلك الباب فجعل يخاصم لدالته وبلغ ابن يسير فكتب إليه ( قُلْ لِمَنْ رامَ بجَهْلٍ ... مَدْخَلَ الظَّبي الغريرِ ) ( بعد أن عَلَّق في خَدَّيه ... مِخلاةَ الشَّعيرِ ) ( ليتَه يدخل إنْ جاء ... من الباب الكبيرِ ) وأخبرني عمي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني القاسم بن الحسن مولى جعفر بن سليمان قال كنا في مجلس ومعنا محمد بن يسير وعمرو القصافي وعندنا مغنية حسنة الوجه شهلة تغني غناء حسنا فكنا معها في أحسن يوم وكان القصافي يعين في كل شيء يستحسنه ويحبه فما برحنا من المجلس حتى عانها فانصرفت محمومة شاكية العين فقال ابن يسير ( إنّ عمراً جَنَى بعينيه ذنباً ... قَلَّ منِّي فيه عليه الدُّعاءُ ) ( عانَ عَيْناء فعينُه للتي عان ... فِدًى وقَلَّ منه الفِداءُ ) ( شرُّ عينٍ تَعِينُ أحسنَ عينٍ ... تَحمِلُ الأرضُ أو تُظِلُّ السماءُ ) شعره في حمار أبى عليه أخبرني عمي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا القاسم بن الحسن قال استعار ابن يسير من بعض الهاشميين من جيرانه حمارا كان له ليمضي عليه في حاجة أرادها فأبى عليه فمضى إليها ماشيا وكتب إلى عمرو القصافي وكان جارا للهاشمي وصديقا يشكوه إليه ويخبره بخبره ( إنْ كنتُ لا عَيْرَ لي يوماً يُبلِّغني ... حاجي وأَقضِي عليه حقَّ إخوانِي ) ( وضَنَّ أهلُ العَواري حين أسألهُم ... من أهل ودّي وخُلْصاني وجيراني ) ( فإنَّ رِجْلَيَّ عندي لا عَدمْتُهما ... رِجْلاَ أخي ثقةٍ مُذْ كان جَوْلاني ) ( تُبَلِّغانِيَ حاجاتي وإن بَعُدتْ ... وتُدْنيانِيَ مما ليس بالداني ) ( كأنَّ خَلْفِي إذا ما جدَّ جِدُّهما ... إعصارَ عاصفةٍ مما تُثِيران ) ( رجلايَ لم تَأْلَمَا نَكْباً كأنَّهما ... قَطّاً وقَدّاً وإدماجاً مَدَاَكانِ ) ( كأن ما بهما أخطو إذا ارتَهَيا ... في سِكَّةٍ من أي ذاك سماكان ) ( إنْ تُبْعَثا في دَهَاسٍ تَبْعَثَا رَهَجاً ... أو في حُزُونٍ ذَكَا فيها شِهابانِ ) ( فالحمدُ للهِ يا عمرُو الذي بهما ... عن العواري وعن ذا الناسِ أغناني ) أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن داود بن الجراح قال حدثني محمد بن سعد الكراني قال كنا في حلقة التوزي فلما تقوضت أنشدنا محمد بن يسير لنفسه قوله ( جُهْدُ المُقِلِّ إذا أعطاه مصطبراً ... ومُكْثِرٌ من غِنىً سِيَّانِ في الجود ) ( لا يَعْدَمُ السائلون الخيرَ أفْعَلهُ ... إمَّا نَوالِي وإمّا حُسْنَ مردود ) فقلنا له ما هذا التكارم وقمنا إلى بيته فأكلنا من جلة تمر كانت عنده أكثرها وحملنا بقيتها فكتب إلى والي البصرة عمر بن حفص ( يا أبا حَفْصٍ بِحُرْمتنا ... عَنِّ نَفْساً حين تَنْتَهِكُ ) ( خُذْ لنا ثَأْراً بجُلَّتنا ... فبِكَ الأوتارُ تُدَّرَكُ ) ( كَهْفُ كفِّي حين تَطْرَحُها ... بين أيدِي القوم تَبْتَرِكُ ) ( زارنا زَوْرٌ فلا سَلِموا ... وأُصِيبوا أَيَّةً سَلَكُوا ) ( أكلوا حتَّى إذا شبِعُوا ... أخذوا الفضلَ الذي تركوا ) قال فبعث إلينا فأحضرنا فأغرمنا مائة درهم وأخذ من كل واحد منا جلة تمر ودفع ذلك إليه أخباره مع أحمد بن يوسف وأبي عمرو المديني أخبرني الأخفش قال حدثنا أبو العيناء قال كان بين محمد بن يسير وأحمد بن يوسف الكاتب شر فزجه أحمد يوما بحماره تعرضا لشره وعبثا به فأخذ ابن يسير بأذن الحمار وقال له قل لهذا الحمار الراكب فوقك لا يؤذي الناس فضحك أحمد ونزل فعانقه وصالحه أخبرني عمي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني محمد بن علي الشامي قال طلب محمد بن يسير من ابن أبي عمرو المديني فراخا من الحمام الهداء فوعده أن يأخذها له من المثنى بن زهير ثم نور عليه أي أعطاه فراخا غير منسوبة دلسها عليه وأخذ المنسوبة لنفسه فقال محمد بن يسير ( يا رَبِّ رَبِّ الرائحينَ عِشيَّةً ... بالقومِ بين مِنًى وبين ثَبِير ) ( والواقفين على الجبالِ عشيةً ... والشمسُ جانحةٌ إلى التغوير ) ( حتى إذا طفَلَ العَشِيُّ ووجَّهَتْ ... شمسُ النهار وآذَنَتْ بغُؤُورِ ) ( رحلوا إلى خَيْفٍ نَواحِلَ ضَمَّها ... طُولُ السِّفارِ وبُعْدُ كلِّ مَسِيرِ ) ( ابْعَثْ على طير المَدِينِيِّ الذي ... قال المُحَال وجاءني بِغُرورِ ) ( ابعث على عَجَلٍ إليها بعدما ... يأخُذْنَ زينَتَهنَّ في التحسيرِ ) ( في كل ما وَصَفُوا المراحِلَ وابتَدَوْا ... في المُبْتَدِينَ بِهِنَّ والتكسيرِ ) ( ومَضَيْنَ عن دُورِ الخُرَيْبةِ زُلْفةً ... دونَ القصورِ وَحَجْرَةِ الماخُورِ ) ( مع كلِّ ريح تَغتدِي بهبُوبها ... في الجوِّ بين شَواهِنِ وصُقورِ ) ( من كلِّ أكلَفَ بات يَدْجُنُ ليلُهُ ... فغدا بغُدْوَةِ ساغِبٍ ممطور ) ( ضَرِمٍ يقلِّب طَرْفَه مُتَأَنِّساً ... شيئاً فكُنَّ له من التقديرِ ) ( يأتي لهنَّ مَيَامِناً ومَيَاسراً ... صَكّاً بكل مُزَلَّقٍ مَمْكُورِ ) ( مِنْ طائِرٍ مُتَحَيِّرٍ عن قصدِهِ ... أو ساقِطٍ خَلِج الجَنَاح كَسِيرِ ) ( لم ينجُ منه شريدُهن فإنْ نجا ... شيءٌ فصار بِجانبات الدُّورِ ) ( لمُشَمِّرين عن السواعد حُسَّرٍ ... عنها بكل رَشِيقةِ التَّوتيرِ ) ( سُدُدِ الأكُفِّ إلى المَقاتِل صُيَّبٍ ... سَمْتَ الحُتوفِ بجُؤْجُؤٍ ونُحورِ ) ( ليس الذي تُخطِي يداه رَمِيَّةً ... منهم بمعدودٍ ولا معذورِ ) ( يَتَبوَّعُون وتمتطي أيديهِمُ ... في كل مُعْطِية الجِذابِ نَتُورِ ) ( عُطُفَ السِّياتِ دوائراً في عِطْفها ... تُعْزَى صناعتُها إلى عُصْفُورِ ) ( يَنْفُثْنَ عن جَذْبِ الأكُفِّ ثواقباً ... مُتَشَابِهَاتِ القَدِّ والتدويرِ ) ( تجري بها مُهَجُ النفوس وإنَّها ... لَنواصِلٌ سُلْتٌ من التَّحبيرِ ) ( ما إن تُقَصِّرُ عن مَدَى مُتَبَاعِدٍ ... في الجوّ يَحْسُرُ طَرْفَ كلِّ بصير ) ( حتَّى تراه مُزَمَّلاً بدِمائه ... فكأنَّه مُتَضَمِّخٌ بِعَبيرِ ) ( فَيَظَلُّ يومُهُمُ بعيشٍ ناصبٍ ... نُصُبَ المَرَاجِلِ مُعْجَلِي التنويرِ ) ( ويؤوبُ ناجِيهنّ بين مُضَرَّجٍ ... بِدَمٍ ومخلوبٍ إلى مَنْسُورِ ) ( عارِي الجَنَاحِ من القَوَادِمِ والقَرَا ... كَاسٍ عليه مائِرُ التَّامُورِ ) ( فيؤوده مُتَبَهْنِسٌ في مشيه ... خَطِفُ المؤخَّرِ مُشْبَعُ التصديرِ ) ( ذو حُلْكة مثلِ الدُّجى أو غُبْثَةٍ ... شَغِبٌ شديدُ الجِدِّ والتشميرِ ) ( فيمرُّ منها في البَرَارِي والقُرَى ... من كل أَعْصَلَ كالسِّنان هَصُورِ ) ( في حين تُؤْذيها المَبَايِتُ مَوْهِناً ... أو بعد ذلك آخِرَ التسحيرِ ) ( يختصّ كلَّ سليلِ سابقِ غايةٍ ... مَحْضِ النِّجار مُجَرَّبٍ مخبُورِ ) ( عَجِّلْ عليه بما دعوتُ له به ... أَرِه بذاك عقوبة التَّنويرِ ) ( حتى يقولَ جميعُ مَنْ هو شامِتٌ ... هذِي إجابةُ دعوة ابنِ يسيرِ ) ( فَلأَلْفِيَنَّكَ عند حَالَيْ حَسْرَةٍ ... وتأسُّفٍ وتَلَهُّفٍ وزَفِيرِ ) ( وَلتُلْفَيَنَّ إذا رَمَتْكَ بسهمها ... أيدي المصائب منك غيرَ صبور ) أخبرني عمي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني القاسم بن الحسن مولى جعفر بن سليمان قال خرجنا مع بعض ولد النوشجاني إلى قصر له في بستانهم بالجعفرية ومعنا محمد بن يسير وكان ذلك القصر من القصور الموصوفة بالحسن فإذا هو قد خرب واختل فقال فيه محمد بن يسير ( ألا يا قصرُ قَصْرَ النُّوشَجَانِي ... أرى بك بعد أَهْلِكَ ما شجاني ) ( فَلَوْ أعفَى البلاءُ ديارَ قومٍ ... لفضلٍ منهمُ ولعُظْمِ شانِ ) ( لَمَا كَانت تُرَى بك بَيِّناتٍ ... تلوح عليك آثارُ الزمان ) ماذا قال في رثاء نفسه أخبرني عمي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا محمد بن أبي حرب قال أنشدنا يوما محمد بن يسير في مجلس أبي محمد الزاهد صاحب الفضيل بن عياض لنفسه قال ( وَيْلٌ لِمَنْ لم يرحَمِ الله ... ومَنْ تكونُ النارُ مَثواهُ ) ( وَاغَفلَتَا في كلّ يومٍ مضى ... يُذْكِرُني الموتَ وأنساهُ ) ( مَنْ طالَ في الدُّنيا بِهِ عُمْرُه ... وعاشَ فالموتُ قُصارَاهُ ) ( كَأَنَّهُ قد قيلَ في مجلسٍ ... قد كُنْتُ آتِيهِ وأغْشَاهُ ) ( محمدُ صارَ إلى رَبِّهِ ... يَرْحَمُنَا اللهُ وإيَّاهُ ) قال فأبكى والله جميع مَن حضر قصته مع داود بن أحمد بن أبي داود أخبرني الحسن بن علي وعمي قالا حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أبو الشبل قال كان محمد بن يسير صديقا لداود بن أحمد بن أبي دواد كثير الغشيان له ففقده أهله أياما وطلبوه فلم يجدوه وكان مع أصحاب له قد خرجوا يتنزهون فجاؤوا إلى داود بن أحمد يسألونه عنه فقال لهم أطلبوه في منزل حسن المغنية فإن وجدتموه وإلا فهو في حبس أبي شجاع صاحب شرطة خمار التركي فلما كان بعد أيام جاءه ابن يسير فقال له إيه أيها القاضي كيف دللت علي أهلي قال كما بلغك وقد قلت في ذلك أبياتا قال أو فعلت ذلك أيضا زدني من برك هات أيش قلت فأنشده ( ومُرسلةٍ تُوجِّهُ كلَّ يومٍ ... إليَّ وما دعا للصبح داعي ) ( تُسائلني وقد فَقَدوه حتَّى ... أرادوا بعده قَسْمَ المَتاعِ ) ( إذا لم تَلْقَه في بيت حُسْنٍ ... مقيماً للشَّرابِ وللسَّماعِ ) ( ولم يُرَ في طريق بني سَدُوسٍ ... يَخُطُّ الأرضَ منه بالكُراعِ ) ( يَدُقُّ حُزونَها بالوجه طَوْراً ... وطَوْراً باليدين وبالذِّراعِ ) ( فقد أعياك مَطْلَبُه وأمسى ... فلا تَغْلَط حَبِيسَ أبي شُجاعِ ) قال فجعل ابن يسير يضحك ويقول أيها القاضي لو غيرك يقول لي هذا لعرف خبره ثم لم يبرح ابن يسير حتى أعطاه داود مائتي درهم وخلع عليه خلعة من ثيابه أخبرني عمي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني علي بن القاسم طارمة قال كنت مع المعتصم لما غزا الروم فجاء بعض سراياه بخبر عمه فركب من فوره وسار أجد سير وأنا أسايره فسمع منشدا يتمثل في عسكره ( إنَّ الأمور إذا انْسَدَّتْ مَسالِكُها ... فالصبرُ يَفْتَحُ منها كلَّ ما ارتَتَجا ) ( لا تيأَسَنَّ وإنْ طالتْ مطالبَةٌ ... إذا استعنتِ بصبر أن ترى فَرَجا ) فسر بذلك وطابت نفسه ثم التفت إلي وقال لي يا علي أتروي هذا الشعر قلت نعم قال من يقوله قلت محمد بن يسير فتفاءل باسمه ونسبه وقال أمر محمود وسير سريع يعقب هذا الأمر ثم قال أنشدني الأبيات فأنشدته قوله ( ماذا يكلِّفُكَ الرَّوْحاتِ والدُّلَجَا ... البَرَّ طوْراً وطوراً تركَبُ اللُّجَجَا ) ( كَمْ مِنْ فَتىً قَصُرَتْ في الرِّزْقِ خُطْوَتُهُ ... ألفيتَهُ بِسِهامِ الرزق قد فَلَجا ) ( لا تَيْأَسَنَّ وإنْ طالَتْ مُطالبَةٌ ... إذا استعنَت بصبر أن ترى فَرَجا ) ( إنَّ الأمور إذا انْسَدَّتْ مسالِكُها ... فالصبرُ يفتح منها كلَّ ما ارْتَتَجا ) ( أَخْلِقْ بذي الصبرِ أن يحظَى بحاجته ... ومُدْمِنِ القَرْعِ للأبواب أن يَلِجَا ) ( فاطْلُبْ لرجلك قبل الخَطْوِ مَوْضِعَها ... فَمَنْ عَلاَ زَلَقاً عن غِرَّة زَلجَا ) ( ولا يَغُرَّنْك صَفْوٌ أنت شارِبُهُ ... فربّما كان بالتكدير مُمْتَزِجَا ) ( لا يُنْتَجُ النَّاسُ إلا من لِقاحِهِمُ ... يبدو لِقاحُ الفتى يوماً إذا نتِجَا ) متفرقات من شعره أخبرني عيسى بن الحسين والحسن بن علي وعمي قالوا حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أبو الشبل قال كنا عند قثم بن جعفر بن سليمان ذات يوم ومعنا محمد بن يسير ونحن على شراب فأمر أن نبخر ونطيب فأقبلت وصيفة له حسنة الوجه فجعلت تبخرنا وتغلفنا بغالية كانت معه فلما غلفت ابن يسير وبخرته التفت إلي وكان إلى جنبي فأنشدني ( يا باسطاً كفَّه نَحْوِي يُطَيِّبني ... كَفَّاكَ أطيبُ يا حبِّي من الطِّيب ) ( كفَّاكَ يجري مكانَ الطيبِ طِيبُهما ... فلا تزِدْنِي عليها عند تطييبي ) ( يا لائمي في هواها أنتَ لم ترها ... فأنت مُغْرىً بتأنيبي وتعذيبي ) ( أُنْظُرْ إلى وجهها هل مِثْلُ صورتها ... في الناس وجهٌ مُجَلَّى غيرُ محجوبِ ) فقلت له أسكت ويلك لا تصفع والله وتخرج فقال والله لو وثقت بأن نصفع جميعا لأنشدنه الأبيات ولكني أخشى أن أفرد بالصفع دونك أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا الكراني قال حدثنا الرياشي قال كان محمد بن يسير جالسا في حلقتنا في مسجد البصرة وإلى جانبنا حلقة قوم من أهل الجدل يتصايحون في المقالات والحجج فيها فقال ابن يسير اسمعوا ما قلت في هؤلاء فأنشدنا قوله ( يا سائلي عن مقالة الشِّيَعِ ... وعن صنوفِ الأهواء والبِدَعِ ) ( دَعْ عَنْكَ ذِكْرَ الأهواء ناحيةً ... فليس ممن شَهِدتُ ذو وَرَعِ ) ( كلُّ أُناسٍ بَدِيُّهم حَسَنٌ ... ثم يصيرونَ بعدُ للسُّمَعِ ) ( أكثرُ ما فيه أن يقالَ لهم ... لم يك في قوله بِمُنْقَطِعِ ) أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني محمد بن علي الشامي قال كان محمد بن يسير يصف نفسه بالذكاء والحفظ والاستغناء عن تدوين شيء يسمعه من ذلك قوله ( إذا ما غدا الطُّلاَّبُ للعلم ما لهم ... من الحظِّ إلا ما يُدَوَّن في الكُتْبِ ) ( غدوتُ بتشمير وجِدٍّ عليهمُ ... فَمِحْبَرتي أُذْنِي ودَفْتَرُها قلبي ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني إبراهيم بن المدبر قال كان إبراهيم بن رياح إذا حزبه الأمر يقطعه بمثل قول محمد بن يسير ( تُخْطِي النفوسُ مع العيانِ ... وقد تُصيب معَ المَظِنَّهْ ) ( كم من مَضِيقٍ في الفضاء ... ومَخْرَجٍ بين الأَسِنَّهْ ) أخبرني عمي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني الحسن بن أبي السري قال مر ابن يسير بأبي عثمان المازني فجلس إليه ساعة فرأى من في مجلسه يتعجبون من نعل كانت في رجله خلق وسخة مقطعة فأخذ ورقة وكتب فيها ( كم أرى ذا تَعَجُّبٍ من نِعالي ... ورضائي منها بِلُبْسِ البَوَالِي ) ( كلُّ جَرْداء قد تكتفيها ... من أقطارِها بسود النِّقال ) ( لا تُداني وليس تُشْبِه في الخِلْقةِ ... إن أُبْرِزَتْ نِعالَ المَوالِي ) ( مَنْ يُغالِ من الرجالِ بِنَعْلٍ ... فسِوَايَ إذاً بِهِنَّ يُغالي ) ( لو حَذَاهُنَّ للجَمالِ فإنِّي ِّ ... في سواهُنَّ زينتي وجَمالي ) ( في إخائي وفي وفائي ورأيي ... ولساني ومَنْطِقِي وفعالي ) ( ما وقاني الحَفَا وبلَّغني الحاجةَ ... منها فإنَّني لا أُبالي ) أخبرني عمي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني عبد الله بن محمد بن يسير قال دعا قثم بن جعفر بن سليمان أبي فشرب عنده فلما سكر سرق منه ألواح آبنوس كانت تكون في كمه فقال في ذلك ( عَيْنٌ بَكِّي بِعَبْرَةٍ تَسْفَاحِ ... وأقيمي مآتِمَ الألواحِ ) ( أوْحَشَتْ حُجْزَتي ورُدْنايَ منها ... في بُكُورِي وعند كُلِّ رَوَاحِ ) ( واذكُريها إذا ذَكَرْتِ بما قد ... كان فيها من مَرْفِقٍ وصلاحِ ) ( آبُنُوسُ دَهْماءُ حالِكَةُ اللَّوْن ... لُبَابٌ من اللِّطافِ المِلاحِ ) ( ذاتُ نفع خفيفةُ القَدْرِ والمَحْمِلِ ... حُلْكُوكَةُ الذُّرَا والنواحي ) ( وسريعٌ جُفُونُها إنْ محاها ... عند مُمْلٍ مُستعجِلُ القوم ماحي ) ( هي كانت على عُلوميَ والآدابِ ... والفقهِ عُدَّتي وسِلاحِي ) ( كنت أغدو بها على طلب العِلمِ ... إذا ما غَدوتُ كلَّ صباحِ ) ( هي كانت غِذَاءَ زَوْرِي إذا زارَ ... َ وَرِيَّ النديم يومَ اصطباحي ) يعني أنه يعمل فيها الشعر ويطلب لزواره المأكول والمشروب ( آبَ عُسْرِي وغاب يُسْري وجُودي ... حين غابتْ وغاب عنِّي سَماحِي ) هجاؤه أحمد بن يوسف أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال كان محمد بن يسير يعادي أحمد بن يوسف فبلغه أنه يتعشق جارية سوداء مغنية فقال ابن يسير يهجوه ( أقولُ لمَّا رأيتُهُ كَلِفاً ... بكلِّ سوداءَ نَزْرةٍ قَذِرَهْ ) ( أهْلٌ لعمري لِمَا كَلِفتَ به ... عند الخنازير تَنْفُقُ العَذِرَهْ ) أخبرني وكيع قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا أبو العواذل قال عوتب محمد بن يسير على حضور المجالس بغير ورق ولا محبرة وأنه لا يكتب ما يسمعه فقال ( ما دخلََ الحَمَّامَ مِنْ عِلْمِي ... فذاكَ ما فازَ به سَهْمِي ) ( والعِلْمُ لا ينفَعُنِي جَمْعُهُ ... إذا جَرَى الوهمُ على فهمي ) أخبرني علي بن سليمان الاخفش قال حدثنا محمد بن يزيد قال كان محمد بن يسير يعاشر ولد جعفر بن سليمان فأخذ منه قثم بن جعفر ألواح آبنوس كان يكتب فيها بالليل فقال ابن يسير في ذلك ( أبقتِ الألواحُ إذْ أُخِذَتْ ... حُرْقَةً في القلبِ تَضْطَرِمُ ) ( زانَها فَصَّانِ من صَدَفٍ ... واحْمِرَارُ السَّيْرِ والقلمُ ) ( وتولَّى أخذَها قُثَمٌ ... لا تولَّى نفعَها قُثَمُ ) أخبرني الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد قال كان محمد بن يسير يعاشر بعض الهاشميين ثم جفاه الهاشمي لملال كان فيه فكتب إليه ابن يسير قوله ( قد كنتُ مُنْقَبِضاً وأنتَ بَسَطْتَنِي ... حتى انبسطتُ إليكَ ثم قَبَضْتَنِي ) ( أَذْكَرْتَنِي خُلُق النِّفاقِ وكان لي ... خُلُقاً فقد أحسنتَ إذ أَذْكَرْتَنِي ) ( لو دامَ ودّك وانبسطتُ إلى امرئٍ ... في الودّ بعدك كنتَ أنت غَرَرْتَنِي ) ( فَهَلُمَّ نَجْتَذِبُ التَّذاكُرَ بَيْنَنَا ... ونعود بعدُ كأنَّنا لم نَفْطَنِ ) شعره بعد أن أفاق من سكره أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا مسعود بن يسير قال شرب محمد بن يسير نبيذا مع قوم فأسكروه حتى خرج من عندهم وهو لا يعقل فأخذ رداءه وعثر في طريقه وأصاب وجهه آثار فلما أفاق أنشأ يقول ( شاربتُ قوماً لم أُطِقْ شُرْبَهُمْ ... يَغْرَقُ في بَحْرِهِمُ بَحْرِي ) ( لمَا تَجَارَيْنا إلى غايةٍ ... قصَّر عن صَبْرِهمُ صبري ) ( خرجتُ من عندهم مُثْخَناً ... تَدْفَعُني الجُدْرُ إلى الجُدْرِ ) ( مُقَبَّحَ المَشي كَسِيرَ الخُطَا ... تَقْصُر عند الجِدِّ عن سَيْرِي ) ( فلستُ أنسَى ما تجشَّمْتُ مِنْ ... كَدْحٍ ومن جُرْحٍ ومن أُثْرِ ) ( وشَقَِّ ثوبٍ وتَوَى آخَرٍ ... وسَقْطَةٍ بانَ بها ظُفْرِي ) حدثني عمي وجحظة عن أحمد بن الطبيب قال حدثنا بعض أصحابنا عن مسعود بن يسير ثم ساق الخبر مثله سواء أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو العيناء قال اجتمع جعيفران الموسوس ومحمد بن يسير في بستان فنظر إلى محمد بن يسير وقد انفرد ناحية للغائط ثم قام عن شيء عظيم خرج منه فقال جعيفران ( قد قلتُ لابن يَسِيرٍ ... لمّا رمَى من عِجانِهْ ) ( في الأرض تَلَّ سَمادٍ ... عَلاَ على كُثْبانهْ ) ( طُوبَى لصاحب أرضٍ ... خَرِئْتَ في بُستانه ) قال فجعل ابن يسير يشتم جعيفران ويقول أي شيء أردت مني يا مجنون يا بن الزانية حتى صيرتني شهرة بشعرك كتب شعرا إلى والي البصرة يستسقيه فيه نبيذا أخبرني جحظة قال حدثني سوار بن أبي شراعة قال حدثني عبد الله بن محمد بن يسير قال كان أبي مشغوفا بالنبيذ مشتهرا بالشرب وما بات قط إلا وهو سكران وما نبذ قط نبيذا وإنما كان يشربه عند إخوانه ويستسقيه منهم فأصبحنا بالبصرة يوما على مطر هاد ولم تمكنه معه الحركة إلى قريب من إخوانه ولا بعيد وكاد يجن لما فقد النبيذ فكتب إلى والي البصرة وكان هاشميا وهو محمد بن أيوب بن جعفر بن سليمان قال ( كَمْ في عِلاجِ نَبيذِ التمرِ لي تَعَبٌ ... الطبخُ والدَّلْكُ والمِعْصارُ والعَكَرُ ) ( وإنْ عَدَلْتُ إلى المطبوخ مُعْتَمِداً ... رأيتُني منه عند الناسِ أشتهِرُ ) ( نَقْلُ الدِّنانِ إلى الجيِرانِ يَفْضَحُني ... والقِدْرُ تتركني في القوم أعتذِرُ ) ( فصِرْتُ في البيت أستسقِي وأطلبه ... من الصَّدِيقِ ورُسْلي فيه تَبْتَدِرُ ) ( فمنهُم باذِلٌ سَمْحٌ بحاجتنا ... ومنهمُ كاذبٌ بالزُّور يَعْتذِر ) ( فَسقِّني رِيَّ أَيَّامٍ لتَمنَعَني ... عمَّنْ سِواكَ وتُغْنينِي فقد خَسِروا ) ( إن كَان زِقٌّ أو فوافِرَةٌ ... من الدَّساتِيج لا يُزْرِي بها الصَّفَرُ ) ( وإنْ تَكُنْ حاجتي ليستْ بحاضرةٍ ... وليس في البَيْتِ من آثارها أَثَرُ ) ( فاسْتَسْقِ غيرَك أو فاذْكُرْ له خَبَري ... إنِ اعْتَرَاكَ حَياءٌ منه أو حَصَرُ ) ( ما كان من ذلكم فليأتني عَجِلاً ... فإنَّني واقفٌ بالبابِ أنتظرُ ) ( لاَ لي نبيذٌ ولا حُرٌّ فيدعوَني ... وقد حَمَانِيَ من تَطْفِيليَ المَطَرُ ) قال فضحك لما قرأها وبعث إليه بزق نبيذ ومائتي درهم وكتب إليه اشرب النبيذ وأنفق الدراهم إلى أن يمسك المطر ويتسع لك التطفيل ومتى أعوزك مكان فاجعلني فيئة لك والسلام صوت ( أنتَ حَدِيثِي في النومِ واليَقظَهْ ... أتْعَبْتُ ممَّا أَهْذي بك الحَفَظَهْ ) ( كم واعظٍ فيك لي ووَاعظةٍ ... لو كنتُ ممن تنهاه عنك عِظَةْ ) الشعر لديك الجن الحمصي والغناء لعريب هزج ذكر ذلك ذكاء وجه الرزة وقمري جميعا والله أعلم أخبار ديك الجن ونسبه ديك الجن لقب غلب عليه واسمه عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب بن عبد الله بن رغبان بن يزيد بن تميم وكان جده تميم ممن أنعم الله عز و جل عليه بالإسلام من أهل مؤتة على يدي حبيب بن مسلمة الفهري وكان شديد التشعب والعصبية على العرب يقول ما للعرب علينا فضل جمعتنا وإياهم ولادة إبراهيم صلى الله عليه و سلم وأسلمنا كما أسلموا ومن قتل منهم رجلا منا قتل به ولم نجد الله عز و جل فضلهم علينا إذ جمعنا الدين وهو شاعر مجيد يذهب مذهب أبي تمام والشاميين في شعره من شعراء الدولة العباسية وكان من ساكني حمص ولم يبرح نواحي الشام ولا وفد إلى العراق ولا إلى غيره منتجعا بشعره ولا متصديا لأحد وكان يتشيع تشيعا حسنا وله مراثِ كثيرة في الحسين بن علي عليهما السلام منها قوله ( يا عينُ لا لِلقَضَا ولا الكُتُبِ ... بُكَا الرَّزَايَا سِوَى بُكَا الطَّرَب ) وهي مشهورة عند الخاص والعام ويناح بها وله عدة أشعار في هذا المعنى وكانت له جارية يهواها فاتهمها بغلام له فقتلها واستنفد شعره بعد ذلك في مراثيها هجاؤه ابن عمه قال أبو الفرج ونسخت خبره في ذلك من كتاب محمد بن طاهر أخبره بما فيه ابن أخ لديك الجن يقال له أبو وهب الحمصي قال كان عمي خليعا ماجنا معتكفا على القصف واللهو متلافا لما ورث عن آبائه واكتسب بشعره من أحمد وجعفر ابني علي الهاشميين وكان له ابن عم يكنى أبا الطيب يعظه وينهاه عما يفعله ويحول بينه وبين ما يؤثره ويركبه من لذاته وربما هجم عليه وعنده قوم من السفهاء والمجان وأهل الخلاعة فيستخف بهم وبه فلما كثر ذلك على عبد السلام قال فيه ( مَولاتُنا يا غلامُ مُبْتَكِرَهْ ... فباكِرِ الكأسَ لي بلا نَظِرَه ) ( غَدَتْ على اللهو والمجونِ على ... أن الفتاةَ الحَيِيَّةُ الخَفِرَهْ ) ( لِحُبِّها لا عَدِمْتُها حُرَقٌ ... مطويَّةٌ في الحَشَا ومُنْتَشِرَهْ ) ( ما ذُقْتُ منها سوى مُقَبَّلِها ... وضَمِّ تلك الفُروعِ مَنْحَدِرَهْ ) ( وانْتَهرَتْني فَمِتُّ من فَرَقٍ ... يا حُسْنَها في الرِّضا ومُنْتَهِرَهْ ) ( ثم انثنتْ سَوْرَةُ الخُمار بنا ... خِلال تلك الغَدائِرِ الخَمِرَهْ ) ( وليلةٍ أشرفتْ بَكَلْكَلِها ... عَلَيَّ كالطَّيْلَسان مُعْتَجِرَهْ ) ( فَتَقْتُ دَيْجُورَها إلى قَمَرٍ ... أثوابُهُ بالعَفَافِ مُسْتَتِرَهْ ) ( عُجْ عَبَراتِ المُدام نحوِيَ مِن ... عَشْرِ وعِشْرين واثنَتَيْ عَشَرَهْ ) ( قد ذُكرَ الناسُ عن قِيامِهِمُ ... ذِكْرى بعَقْلي ما أصبحَتْ نَكرَهْ ) ( مَعْرفتي بالصوابِ مَعْرِفَةٌ ... غَرَّاءُ إمَّا عَرَفْتُمُ النَّكرهْ ) ( يا عجباً من أبي الخبيثِ ومِنْ ... سُرُوحِه في البَقَائر الدَّثِره ) ( يَحْمِلُ رأساً تنبو المَعاوِلُ عن ... صَفْحته والجلامِدُ الوَعِرَه ) ( لَوِ البِغالُ الكُمْتُ ارتقتْ سَنَداً ... فِيهِ لَمَدَّتْ قَوائماً خَدِرَهْ ) ( ولا المجَانِيقُ فِيهِ مُغْنِيةٌ ... ألفٌ تَسَامَى وأَلفُ مُنْكَدِرَهْ ) ( أنظر إلى موضعِ المِقَصِّ من الهامَةِ ... تلك الصَّفيحةُ العَجِرَهْ ) ( فلَوْ أخذتمْ لها المَطَارِقَ حَرّانِيَّةً ... صَنْعةَ اليَدِ الخَبِرَهْ ) ( إذاً لراحتْ أَكُفُّ جِلَّتِهِمْ ... كَلِيلةً والأداةُ مُنْكَسِرَهْ ) ( كَمْ طَرَباتٍ أَفْسَدْتَهُنَّ وكَمْ ... صَفْوةِ عَيْشٍ غادرتَها كَدِرَهْ ) ( وكَمْ إذَا ما رَأوْكَ يا مَلَكَ الْمَوْتِ ... لهم مِنْ أَنامِلٍ خَصِرَهْ ) ( وكَمْ لهم دَعْوة عليكَ وكَمْ ... قَذْفةِ أُمٍّ شَنْعاءَ مُشْتَهِرَهْ ) ( كريمةٍ لؤمُك استخَفَّ بها ... ونالها بالمَثالِبِ الأشِرَهْ ) ( قِفُوا على رَحْلِه تَرَوْا عَجَباً ... في الجَهْلِ يَحكِي طَرائِفَ البَصرَهْ ) ( يا كُلَّ مَنْيٍ وكلَّ طَالعةٍ ... نَحْسٍ ويا كُلَّ ساعةٍ عَسِرَهْ ) ( سبحانَ مَنْ يُمْسِكُ السماءَ على الأرض ... وفيها أخلاقُك القَذِرَهْ ) خبره مع زوجه ورد قال وكان عبد السلام قد اشتهر بجارية نصرانية من أهل حمص هويها وتمادى به الأمر حتى غلبت عليه وذهبت به فلما اشتهر بها دعاها إلى الإسلام ليتزوج بها فأجابته لعلمها برغبته فيها وأسلمت على يده فتزوجها وكان اسمها وردا ففي ذلك يقول ( انظر إلى شمسِ القُصورِ وبَدْرِها ... وإلى خُزَامَاها وبَهْجَةِ زَهْرِها ) ( لم تَبْلُ عينُك أبيضاً في أسوَدٍ ... جَمَع الجمالَ كوَجْهِها في شَعْرِها ) ( وَرْدِيَّةُ الوَجَنات يَخْتَبِرُ اسمَها ... من رِيقِها مَنْ لا يُحيط بخُبْرِها ) ( وتمايلتْ فضَحِكْتُ من أَردافِها ... عَجَباً ولكنِّي بَكيْتُ لِخَصْرِها ) ( تَسْقيك كأْسَ مُدَامةٍ من كَفِّها ... وَرْدِيَّةٍ ومُدامة من ثَغْرِها ) قال وكان قد أعسر واختلت حاله فرحل إلى سلمية قاصدا لأحمد بن علي الهاشمي فأقام عنده مدة طويلة وحمل ابن عمه بغضه إياه بعد مودته له وإشفاقه عليه بسبب هجائه له على أن أذاع على تلك المرأة التي تزوجها عبد السلام أنها تهوى غلاما له وقرر ذلك عند جماعة من أهل بيته وجيرانه وإخوانه وشاع ذلك الخبر حتى أتى عبد السلام فكتب إلى أحمد بن علي شعرا يستأذنه في الرجوع إلى حمص وبعلمه ما بلغه من خبر المرأة من قصيدة أولها ( إنَّ رَيْبَ الزمان طال انتكاثُه ... كَمْ رمتني بحادثٍ أحداثُهْ ) يقول فيها ( ظَبْيُ إنسٍ قلبي مَقِيلُ ضُحَاهُ ... وفُؤادي بَرِيرُهُ وكَبَاثُهْ ) وفيها يقول ( خِيفَةً أن يخونَ عَهْدِي وأن يُضْحِي ... لغيري حُجُولُه ورعاثُهْ ) ومدح أحمد بعد هذا وهي طويلة فأذن له فعاد إلى حمص وقدر ابن عمه وقت قدومه فأرصد له قوما يعلمونه بموافاته باب حمص فلما وافاه خرج إليه مستقبلا ومعنفا على تمسكه بهذه المرأة بعد ما شاع من ذكرها بالفساد وأشار عليه بطلاقها وأعلمه أنها قد أحدثت في مغيبه حادثة لا يجمل به معها المقام عليها ودس الرجل الذي رماها به وقال له إذا قدم عبد السلام ودخل منزله فقف على بابه كأنك لم تعلم بقدومه وناد باسم ورد فإذا قال من أنت فقل أنا فلان فلما نزل عبد السلام منزله وألقى ثيابه سألها عن الخبر وأغلظ عليها فأجابته جواب من لم يعرف من القصة شيئا فبينما هو في ذلك إذ قرع الرجل الباب فقال من هذا فقال أنا فلان فقال لها عبد السلام يا زانية زعمت أنك لا تعرفين من هذا الأمر شيئا ثم اخترط سيفه فضربها به حتى قتلها وقال في ذلك ( ليتَني لم أكُنْ لِعَطْفكِ نِلْتُ ... وإلى ذلك الوِصالِ وصلتُ ) ( فالذي منِّيَ اشتملت عليه ... أَلِعَارٍ ما قَدْ عليهِ اشتملتُ ) ( قال ذو الجهل قد حَلُمْتَ ولا أَعْلَمُ ... أَنِّي حَلُمْتُ حتى جَهِلْتُ ) ( لاثمٌ لي بجهله ولماذا ... أنا وَحْدي أحببتُ ثم قتلتُ ) ( سوف آسَى طولَ الحياة وأبكيكِ ... على ما فعلت لا ما فعلتُ ) وقال فيها أيضا ( لَكِ نفسٌ مُواتِيَهْ ... والمَنَايَا مُعَادِيَهْ ) ( أيّها القلب لا تَعُدْ ... بِهوَى البِيضِ ثَانِيَهْ ) ( ليس بَرْقٌ يكون أخلبَ ... من بَرْقِ غانِيَهْ ) ( خُنْتِ سِرِّي ولم أَخُنْك ... ِ فمُوتِي عَلاَنِيَهْ ) قال وبلغ السلطان الخبر فطلبه فخرج إلى دمشق فأقام بها أياما وكتب أحمد بن علي إلى أمير دمشق أن يؤمنه وتحمل عليه بإخوانه حتى يستوهبوا جنايته فقدم حمص وبلغه الخبر على حقيقته وصحته واستيقنه فندم ومكث شهرا لا يستفيق من البكاء ولا يطعم من الطعام إلا ما يقيم رمقه وقال في ندمه على قتلها ( يا طلعةً طلع الحِمامُ عليها ... وجَنَى لها ثَمَرَ الرَّدَى بِيَدَيْهَا ) ( رَوَّيْتُ من دَمِها الثَّرَى ولطالَما ... رَوَّى الهوى شَفَتَيَّ من شَفَتَيْها ) ( قد بات سَيْفِي في مَجال وشاحِها ... ومَدامِعِي تجري على خَدَّيْها ) ( فوَحَقِّ نَعْلَيْها وما وطئ الحَصَى ... شيءٌ أَعَزُّ عَلَيَّ من نَعْلَيْها ) ( ما كان قَتْلِيها لأني لم أكُنْ ... أبكِي إذا سَقَطَ الذُّبابُ عليها ) ( لكنْ ضَنَنْتُ على العيون بحُسْنها ... وأنِفْتُ من نَظَر الحسودِ إليها ) وهذه الأبيات تروى لغير ديك الجن أخبرني بها محمد بن زكريا الصحاف قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن منصور قال كان من غطفان رجل يقال له السليك بن مجمع وكان من الفرسان وكان مطلوبا في سائر القبائل بدماء قوم قتلهم وكان يهوى ابنة عم له وكان خطبها مدة فمنعها أبوها ثم زوجه إياها خوفا منه فدخل بها في دار أبيها ثم نقلها بعد أسبوع إلى عشيرته فلقيه من بني فزارة ثلاثون فارسا كلهم يطلبه بذحل فحلقوا عليه وقاتلهم وقتل منهم عددا وأثخن بالجراح آخرين وأثخن هو حتى أيقن بالموت فعاد إليها فقال ما أسمح بك نفسا لهؤلاء وإني أحب أن أقدمك قبلي قالت افعل ولو لم تفعله أنت لفعلته أنا بعدك فضربها بسيفه حتى قتلها وأنشأ يقول ( يا طلعة طلع الحمام عليها ... ) وذكر الأبيات المنسوبة إلى ديك الجن ثم نزل إليها فتمرغ في دمها وتخضب به ثم تقدم فقاتل حتى قتل وبلغ قومه خبره فحملوه وابنة عمه فدفنوهما قال وحفظت فزارة عنه هذه الأبيات فنقلوها قال وبلغني أن قومه أدركوه وبه رمق فسمعوه يردد هذه الأبيات فنقلوها وحفظوها عنه وبقي عندهم يوما ثم مات وقال ديك الجن في هذه المقتولة ( أشفقتُ أن لِبَليَّتِي يَرِدَ الزمانُ بغَدْرِهِ ... أو أبْتَلَى بعد الوِصالِ بهَجْرِهِ ) ( قَمَرٌ أنا استخرجْتُه من دَجْنِهِ ... لِبَلِيَّتِ وجَلَوتُه من خدْرِهِ ) ( فقتلته وله عليَّ كرامةٌ ... مِلْءَ الحَشَى وله الفؤادُ بِأَسْرِهِ ) ( عَهْدِي به مَيْتاً كأحسنِ نائمٍ ... والحُزْن يَسْفَحُ عَبْرتِي في نحْرِهِ ) ( لو كانَ يَدْري المَيتُ ماذا بعدَه ... بالحيّ حَلَّ بَكَى له في قَبْرِهِ ) ( غُضَصٌ تكاد تفيظ منها نفسه ... وتكادُ تُخْرِج قَلْبَه مِنْ صَدْرِهِ ) وقال فيها أيضا ( أساكِنَ حُفْرةٍ وقَرارِ لَحْدِ ... مُفارِقَ خُلَّةٍ من بعد عهدِ ) ( أجِبْنِي إن قَدَرْتَ على جوابي ... بحقِّ الوُدِّ كيف ظَلِلْتَ بَعْدي ) ( وأين حَلَلْتَ بعدَ حلول قلبي ... وأحشائي وأضلاعي وكبْديِ ) ( أمَا واللهِ لو عاينتَ وَجْدِي ... إذَا استعبرتُ في الظُّلُمات وَحدِي ) ( وجَدَّ تَنَفُّسِي وعلا زَفِيرِي ... وفاضتْ عَبْرتي في صَحنِ خَدِّي ) ( إذاً لعلِمْتَ أنِّي عن قريبٍ ... ستُحْفَرُ حُفْرتي ويُشَقُّ لَحْدِي ) ( ويَعْذِلُني السفيهُ على بُكائي ... كأنِّي مبتلًى بالحزن وحدي ) ( يقول قتلتَها سَفَهاً وجهلاً ... وتَبكيها بكاءً ليس يُجدي ) ( كصيَّاد الطُّيورِ له انتحابٌ ... عليها وَهْوَ يذبحُها بِحدِّ ) وقال فيها أيضا ( ما لامرِئ بِيَدِ الدَّهْرِ الخَؤونِ يَدُ ... ولا على جَلَدِ الدُّنيَا له جَلَد ) ( طُوبَى لأحبابِ أقوامٍ أصابَهُمُ ... من قَبْلِ أن عَشِقوا موتٌ فقد سَعِدوا ) ( وحَقِّهم إنَّه حقٌّ أَضِنُّ به ... لأُنْفِدَنَّ لهم دمعي كما نَفِدوا ) ( يا دهرُ إنَّك مَسْقِيٌّ بكأسهِمُ ... ووَارِدٌ ذلك الحوضَ الذي وَرَدُوا ) ( الخَلْق ماضُونَ والأيامُ تَتْبَعُهُمْ ... نَفْنَى جميعاً ويبقَى الواحدُ الصَّمَدُ ) وقال فيها ( أمَا آنَ للطَّيْفِ أن يأتِيَا ... وأن يَطْرُقَ الوَطَنَ الدَّانِيَا ) ( وإنِّي لأحْسَبُ ريبَ الزَّمانِ ... ِ يتركُني جَسَداً باليا ) ( سأشكر ذلكَ لا ناسِياً ... جميلَ الصَّفاء ولا قاليا ) ( وقد كنتُ أنشرُه ضاحكاً ... فقد صِرْتُ أنشره باكِيا ) وقال أيضا ( قُلْ لِمَنْ كان وجهُه كضياء الشَّمْسِ ... في حُسْنِه وبَدْرٍ مُنيرِ ) ( كنت زَيْنَ الأحياءِ إذ كنتَ فيهمْ ... ثم قَدْ صِرْتَ زَيْنَ أهلِ القُبورِ ) ( بأبي أنت في الحياة وفي المَوْت ... وتحتَ الثرى ويوم النُّشورِ ) ( خُنْتَنِي في المَغِيب والخَوْنُ نُكْرٌ ... وذمِيمٌ في سالفاتِ الدُّهورِ ) ( فشفاني سَيْفي وأسرعَ في حزِّ ... التَّراقي قَطْعاً وحَزِّ النُّحورِ ) قال أبو الفرج ونسخت من هذا الكتاب قال تشبيبه بغلام له كان ديك الجن يهوى غلاما من أهل حمص يقال له بكر وفيه يقول وقد جلسا يوما يتحدثان إلى أن غاب القمر ( دَعِ البَدْرَ فَلْيَغْرُبْ فأنتَ لنا بَدْرُ ... إذا ما تجلَّى منْ مَحَاسِنِكَ الفجرُ ) ( إذا ما انقضَى سِحْرُ الذين ببابلٍ ... فطرْفُكَ لي سِحْرٌ ورِيقُكَ لي خمر ) ( ولو قيل لي قُمْ فادْعُ أحسنَ من ترى ... لصِحتُ بأعلى الصوت يا بَكْرُ يا بَكْرُ ) قال وكان هذا الغلام يعرف ببكر بن دهمرد قال وكان شديد التمنع والتصون فاحتال قوم من أهل حمص فأخرجوه إلى متنزه لهم يعرف بميماس فاسكروه وفسقوا به جميعا وبلغ ديك الجن الخبر فقال فيه ( قُلْ لهضِيم الكَشْحِ مَيَّاسُ ... انْتَقَضَ العهدُ من النَّاسِ ) ( يا طلعةَ الآس التي لم تَمِدْ ... إلاَّ أذَلَّتْ قُضُبَ الآس ) ( وَثِقْتَ بالكأس وشُرَّابها ... وحَتْفُ أمثالِك في الكاس ) ( وحال مِيماسُ ويا بعدما ... بين مغيثيك وميماس ) ( تَقْطِيعُ أَنْفاسِك في أثْرِهِمْ ... ومَلْكِهِمْ قَطَّعَ أنفاسي ) ( لا بأسَ مولايَ على أنها ... نِهايةُ المكروهِ والباسِ ) ( هي اللَّيالي ولها دولةٌ ... ووحشة من بعد إيناسِ ) ( بَيْنَا أنافتْ وعَلَتْ بالفَتَى ... إذْ قيل حَطَّتْه على الرَّاس ) ( فالهُ ودَعْ عنكَ أحاديثَهم ... سَيُصْبِحُ الذَّاكرِ كالنَّاسِي ) وقال فيه أيضا ( يا بكرُ ما فعلتْ بك الأرطالُ ... يا دارُ ما فعلتْ بك الأيامُ ) ( في الدارِ بَعْدُ بَقِيَّةٌ نستامُها ... إذ ليس فيك بَقِيَّةٌ تُستام ) ( عَرِمَ الزَّمانُ على الدِّيار برَغْمِهِمْ ... وعليكَ أيضاً للزَّمان عُرَامُ ) ( شغَلَ الزمانَ كَراكَ في ديوانه ... فَتَفَرَّغتْ لِدَواتِكَ الأقلامُ ) وقال فيه أيضا ( قُولاَ لِبَكرِ بن دهْمرْدٍ إذا اعتكرتْ ... عَسَاكِرُ اللَّيْلِ بين الطَّاسِ والجامِ ) ( ألم أَقُلْ لك إنَّ البغيَ مَهْلَكةٌ ... والبغيُ والعُجْبُ إفسادٌ لأقوام ) ( قد كنتَ تَفْرَقُ مِن سَهْمٍ بغانيةٍ ... فصِرْتَ غيرَ رَميمٍ رُقْعَةَ الرامي ) ( وكنت تَفْزَعُ من لَمْسٍ ومن قُبَلٍ ... فقد ذَلَلْتَ لإسراجٍ وإلجام ) ( إن تَدْمَ فَخْذَاكَ مِن رَكْضٍ فَرُبَّتَمَا ... أُمْسِي وقلبي عليك المُوجَعُ الدامِي ) أخبرني أبو المعتصم عاصم بن محمد الشاعر بأنطاكية وبها أنشدني قصيدة البحتري ( مَلاَمَك إنَّه عهدٌ قريبُ ... ورُزْءٌ ما انقضتْ منه النُّدوبُ ) وأنشدني لديك الجن يعزي جعفر بن علي الهاشمي ( نَغْفُلُ والأيَّامُ لا تَغْفُلُ ... ولا لَنَا من زَمَنٍ مَوْئِلُ ) ( والدَّهْرُ لا يَسْلَمُ من صَرْفِهِ ... أعصمُ في القُنَّةِ مُسْتَوْعِلُ ) ( يَتَّخذُ الشِّعْرَى شِعارا له ... كأنما الأُفْقُ له مَنْزِلُ ) ( كأنَّه بين شَنَاظِيرِها ... بارقةٌ تَكْمُنُ أو تَمْثُلُ ) ( ولا حَبَابٌ صَلَتَانُ السُّرَى ... أرقمُ لا يعرف ما يَجْهَلُ ) ( نَضْناضُ فَيْفاءَ يرى أنَّه ... بالرمل غانٍ وهُوَ المُرْمِلُ ) ( يَطْلُبُ من فاجِئةٍ مَعْقِلاً ... وَهْوَ لما يطلُب لا يَعْقِلُ ) ( والدَّهرُ لا يسلَمُ من صَرْفِهِ ... مُسَرْبَلٌ بالسَّرْدِ مستبسِلُ ) ( ولا عَقْنَبَاةُ السُّلاَمى لها ... في كُلِّ أفْقٍ عَلَقٌ مُهْمَلُ ) ( فَتْخاءُ في الجَوِّ خدارِيَّةٌ ... كالغَيْم والغَيْمُ لها مُثْقِلُ ) ( آمَنُ مَنْ كان لِصَرْفِ الرَّدَى ... أنزلَها من جَوِّها مُنْزِلُ ) ( والدَّهْرُ لا يَحْجُبُه مانِعٌ ... يحجُبُه العامِلُ والمُنْصُلُ ) ( يُصْغي جَدِيدَاهُ إلى حُكْمِهِ ... ويَفْعَلُ الدهرُ بما يَفْعَلُ ) ( كأنَّه مِنْ فَرْط عِزِّ به ... أشْوَسُ إذ أقبلَ أو أقْبَلُ ) الأقبل الذي في عينه قبل وهو دون الحول ( في حَسَبٍ أَوْفَى له جَحْفَلٌ ... يَقْدُمُه من رَأْيه جحفلُ ) ( بينَا على ذلك إذ عَرَّشتْ ... في عَرْشِه داهِيَةٌ ضِئْبِلُ ) ( إنْ يَكُ في العِزِّ له مِشْقَصٌ ... ماضٍ فقدْ تاحَ له مَقْتَلُ ) ( جادَ على قَبْرِكَ مِنْ مَيِّتٍ ... بالرَّوْحِ ربٌّ لكَ لا يبْخَلُ ) ( وَحَنَّت المُزْنُ على قبرِهِ ... بِعَارِضٍ نَجْوَتُه مَحْفِلُ ) ( غيثٌ تَرى الأرضَ على وَبْلِهِ ... تضحكُ إلا أنَّه يَهْمِلُ ) ( يَصِلُّ والأرضُ تُصَلِّي له ... مِن صَلَوَاتٍ مَعَه تَسْأَلُ ) ( أنت أبا العَبَّاس عَبَّاسُها ... إذا استطار الحَدَثُ المُعْضِلُ ) ( وأنت يَنْبُوع أفانِينِها ... إذا هُمُ في سَنةٍ أمحلوا ) ( وأنتَ عَلاَّمُ غُيوبِ النَّثَا ... يوماً إذا نَسْأَلُ أو نُسْألُ ) ( نحن نُعَزِِّّيكَ ومنك الهُدَى ... مُسْتَخْرَجٌ والنُّورُ مُسْتَقْبَلُ ) ( نقول بالعقلِ وأنت الَّذِي ... نأوِي إليه وبِهِ نَعْقِلُ ) ( نحن فِدَاءٌ لك مِنْ أُمَّةٍ ... والأرضُ والآخِرُ والأوّلُ ) ( إذا غفا عنكَ وأَوْدَى بها ... ذا الدهرُ فَهْوَ المُحْسِنُ المُجْمِلُ ) شعره في رثاء جعفر بن علي الهاشمي قال أبو المعتصم ثم مات جعفر بن علي الهاشمي فرثاه ديك الجن فقال ( على هذه كانتْ تدور النوائبُ ... وفي كلِّ جمع للذهابِ مذاهبُ ) ( نَزَلْنا على حُكْمِ الزَّمانِ وأَمْرِهِ ... وهل يَقْبَلُ النِّصْفَ الأَلَدُّ المُشاغِبُ ) ( وتَضْحَكُ سِنُّ المرءِ والقلبُ مُوجَعٌ ... ويرضَى الفَتَى عن دَهْره وهو عاتبُ ) ( أَلاَ أَيُّها الرُّكبانُ والرَّدُّ واجبٌ ... قِفُوا حَدِّثُونَا ما تقولُ النَّوادِبُ ) ( إلى أيِّ فِتْيَانِ النَّدَى قَصَدَ الرَّدَى ... وأَيَّهمُ نابتْ حِمَاهُ النَّوائِبُ ) ( فَيَا لأبي العَبَّاسِ كَمْ رُدَّ راغِبٌ ... لِفَقْدِكَ ملهوفاً وكَمْ جُبَّ غارِبُ ) ( وَيَا لأبي العَبَّاسِ إنّ مَناكِباً ... تُنُوءُ بما حَمَّلْتَها لَنَوَاكِبُ ) ( فيا قبرَه جُدْ كلَّ قبرٍ بِجَوْدِهِ ... فَفِيك سماءٌ ثَرَّةٌ وسَحَائِبُ ) ( فَإنَّكَ لَوْ تَدْرِي بما فيك مِن عُلاً ... عَلَوْتَ وباتَتْ في ذَرَاكَ الكَوَاكِبُ ) ( أخاً كُنْتُ أبْكِيهِ دماً وهو نائمٌ ... حِذَاراً وَتَعْمَى مُقْلَتِي وهو غائبُ ) ( فماتَ ولا صَبْرِي على الأَجْرِ واقفٌ ... ولا أنا في عُمْرٍ إلى الله راغِبُ ) ( أأسعى لأِحْظَى فيك بالأجْرِ إِنَّهُ ... لَسَعيٌ إذن مِنِّي لدى الله خائب ) ( ومَا الإِثْمُ إلاَّ الصّبرُ عنكَ وإنَّما ... عواقبُ حَمْدٍ أن تُذَمَّ العواقبُ ) ( يقولون مِقْدَارٌ على المرءِ واجِبٌ ... فقلتُ وإعوالٌ على المرءِ واجبُ ) ( هو القلبُ لَمّا حُمَّ يومُ ابنِ أُمِّهِ ... وهي جانِبٌ منه وأُسْقِمَ جانِبُ ) ( تَرَشَّفْتُ أيَّامِي وهُنَّ كوالِحٌ ... عليك وغالبتُ الرَّدَى وهو غالِبُ ) ( ودافعتُ في صدر الزَّمانِ وَنَحْرِهِ ... وأيُّ يَدٍ لي والزمانُ مُحارِبُ ) ( وقلت له خَلِّ الجَوَادَ لِقَوْمِهِ ... وهأنذا فَازْدَد فإنَّا عَصَائِبُ ) ( فواللهِ إخلاصاً من القولِ صادقاً ... وإلاَّ فَحُبِّي آلَ أَحْمدَ كاذِبُ ) ( لَوْ أنّ يَدِي كانت شِفاءَكَ أو دَمِي ... دَمَ القَلْبِ حَتَّى يَقْصِبَ القلبَ قاضِبُ ) ( لَسَلَّمتُ تسليمَ الرِّضا وتَخِذْتُها ... يداً للرَّدى ما حَجَّ لله راكِبُ ) ( فَتًى كان مثلَ السيفِ من حيثُ جِئْتَه ... لنائبةٍ نابتْكَ فَهْوَ مُضَارِبُ ) ( فَتًى هَمُّه حمدٌُ على الدَّهْرِ رابِحٌ ... وإن غاب عنهُ مالُهُ فهو عازِبُ ) ( شمائِلُ إن يَشْهدْ فَهُنَّ مَشَاهِدٌ ... عِظامٌ وإن يَرْحَلْ فَهُنَّ كتائِبُ ) ( بكاكَ أَخٌ لم تَحْوِهِ بِقَرَابَةٍ ... بَلَى إنَّ إخوانَ الصَّفاءِ أقارِبُ ) ( وأظلمتِ الدُّنْيَا التي كنتَ جارَها ... كأنَّكَ للدُّنيا أخٌ ومُنَاسِبُ ) ( يُبَرِّدُ نيرانَ المصائبِ أنَّني ... أرى زمناً لم تبقَ فيه مصائِبُ ) قال أبو الفرج ونسخت من كتاب محمد بن طاهر عن أبي طاهر إن خطيب أهل حمص كان يصلي على النبي على المنبر ثلاث مرات في خطبته وكان أهل حمص كلهم من اليمن لم يكن فيهم من مضر إلا ثلاثة أبيات فتعصبوا على الإمام وعزلوه فقال ديك الجن ( سَمِعُوا الصَّلاةَ على النَّبيِّ تَوَالَى ... فَتَفَرَّقُوا شِيَعاً وقالُوا لاَلاَ ) ( ثم استمرَّ على الصلاةِ إمامُهم ... فتحزَّبوا ورَمَى الرِّجالُ رجالاَ ) ( يا آلَ حِمْصَ تَوَقَّعُوا مِنْ عارِها ... خِزْياً يَحِلُّ عليكُمُ ووبَالاَ ) ( شاهتْ وجوهُكُم وجوهاً طالَما ... رَغِمَتْ معاطِسُها وساءتْ حالا ) صوت ( أيا بنةَ عبدِ اللهِ وابنةَ مالِكٍ ... ويا بْنَةَ ذي البُرْدَيْنِ والفَرَسِ الوَرْدِ ) ( إذا ما صنعتِ الزادَ فالتَمِسِي له ... أَكِيلاً فَإِنِّي لستُ آكِلَهُ وَحْدِي ) عروضه من الطويل الشعر لقيس بن عاصم المنقري والغناء لعلويه ثقيل أول بالوسطى أخبار قيس بن عاصم ونسبه هو قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن مقاعس واسم مقاعس الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ويكنى أبا علي وأمه أم أصعر بنت خليفة بن جرول بن منقر وهو شاعر فارس شجاع حليم كثير الغارات مظفر في غزواته أدرك الجاهلية والإسلام فساد فيهما وهو أحد من وأد بناته في الجاهلية وأسلم وحسن إسلامه وأتى النبي وصحبه في حياته وعمر بعده زمانا وروى عنه عدة أحاديث وأد كل بناته في الجاهلية أخبرني عمي الحسن بن محمد قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي بن الصباح عن ابن الكلبي عن أبيه قال وفد قيس بن عاصم على رسول الله فسأله بعض الأنصار عما يتحدث به عنه من الموءودات التي وأدهن من بناته فأخبر أنه ما ولدت له بنت قط إلا وأدها ثم أقبل على رسول الله يحدثه فقال له كنت أخاف سوء الأحدوثة والفضيحة في البنات فما ولدت لي بنت قط إلا وأدتها وما رحمت منهم موءودة قط إلا بنية لي ولدتها أمها وأنا في سفر فدفعتها أمها إلى أخوالها فكانت فيهم وقدمت فسألت عن الحمل فأخبرتني المرأة أنها ولداً ميتا ومضت على ذلك سنون حتى كبرت الصبية ويفعت فزارت أمها ذات يوم فدخلت فرأيتها وقد ضفرت شعرها وجعلت في قرونها شيئا من خلوق ونظمت عليها ودعا وألبستها قلادة جزع وجعلت في عنقها مخنقة بلح فقلت من هذه الصبية فقد أعجبني جمالها وكيسها فبكت ثم قالت هذه ابنتك كنت خبرتك أني ولدت ولدا ميتا وجعلتها عند أخوالها حتى بلغت هذا المبلغ فأمسكت عنها حتى اشتغلت عنها ثم أخرجتها يوما فحفرت لها حفيرة فجعلتها فيها وهي تقول يا أبت ما تصنع بي وجعلت أقذف عليها التراب وهي تقول يا أبت أمغطي أنت بالتراب أتاركي أنت وحدي ومنصرف عني وجعلت أقذف عليها التراب ذلك حتى واريتها وانقطع صوتها فما رحمت أحدا ممن واريته غيرها فدمعت عينا النبي ثم قال إن هذه لقسوة وإن من لا يرحم لا يرحم \ ح \ أو كما قال أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدثني عمي أبو فراس محمد بن فراس عن عمر بن أبي بكار عن شيخ من بني تميم عن أبي هريرة أن قيس بن عاصم دخل على رسول الله وفي حجره بعض بناته يشمها فقال له ما هذه السخلة تشمها فقال هذه ابنتي فقال والله لقد ولد لي بنون ووأدت بنيات ما شممت منهن أنثى ولا ذكرا قط فقال رسول الله فهل إلا أن ينزع الله الرحمة من قلبك قال أحمد بن الهيثم قال عمي فحدثني عبد الله بن الأهتم أن سبب وأد قيس بناته أن المشمرج اليشكري أغار على بني سعد فسبى منهم نساء واستاق أموالا وكان في النساء امرأة خالها قيس بن عاصم وهي رميم بنت أحمر بن جندل السعدي وأمها أخت قيس فرحل قيس إليهم يسألهم أن يهبوها له أو يفدوها فوجد عمرو بن المشمرج قد اصطفاها لنفسه فسأله فيها فقال قد جعلت أمرها إليها فإن اختارتك فخذها فخيرت فاختارت عمرو بن المشمرج فانصرف قيس فوأد كل بنت وجعل ذلك سنة في كل بنت تولد له واقتدت به العرب في ذلك فكان كل سيد يولد له بنت يئدها خوفا من الفضيحة خبره مع زوجه منفوسة أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن العباس بن هشام عن أبيه عن جده قال تزوج قيس بن عاصم المنقري منفوسة بنت زيد الفوارس الضبي وأتته في الليلة الثانية من بنائه بها بطعام فقال فأين أكيلي فلم تعلم ما يريد فأنشأ يقول ( أيابْنَةَ عبدِ اللهِ وابنَةَ مالِكٍ ... ويابْنَةَ ذي البُرْدَيْنِ والفَرَسِ الوَرْدِ ) ( إذا ما صَنَعْتِ الزادَ فالتمسِي له ... أكِيلاً فإنِّي لستُ آكِلَهُ وَحْدِي ) ( أخاً طارقاً أو جارَ بيتٍ فإنَّني ... أخاف مَلاَماتِ الأحاديثِ مِنْ بَعْدِي ) ( وَإِنِّي لعبدُ الضَّيْفِ من غيرِ ذِلَّةٍ ... وما بِيَ إلاَّ تلك من شِيَمِ العَبْدِ ) قال فأرسلت جارية لها مليحة فطلبت له أكيلا وأنشأت تقول له ( أَبَى المَرْءُ قَيْسٌ أن يذوقَ طَعَامَهُ ... بغيرِ أَكِيلٍ إنَّهُ لَكَرِيمُ ) ( فَبُورِكْتَ حَيّاً يا أَخَا الجُودِ والنَّدَى ... وبُورِكْتَ مَيْتاً قد حَوَتْكَ رُجومُ ) أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة قال جاور رجل من بني القين من قضاعة قيس بن عاصم فأحسن جواره ولم ير منه إلا خيرا حتى فارقه ثم نزل عند جوين الطائي أبي عامر بن جوين فوثب عليه رجال من طيئ فقتلوه وأخذوا ماله فقال العباس بن مرداس يهجوهم ويمدح قيسا ( لَعَمْرِي لقد أوفَى الجوادُ ابنُ عاصم ... وأَحْصَنَ جاراً يومَ يَحْدِجُ بَكْرَهْ ) ( أقامَ عزيزاً مُنْتَدَى القومِ عِنْدَهُ ... فلم يَرَ سَوْءاتٍ ولم يخشَ غَدْرَهْ ) ( أقامَ بِسَعْدٍ يَشربَ الماءَ آمناً ... ويأكل وُسْطَاهَا ويَرْبِضُ حَجْرَهْ ) ( فإنَّك إذ بادلتَ قيسَ بنَ عاصِمٍ ... جُوَيْناً لَمُخْتَارَ المنازلِ شَرَّه ) ( فأصبحَ يحدو رَحْلَهُ بِمَفَازِةٍ ... وماذا عَدَا جاراً كريماً وأُسْرَهْ ) ( يَظَلُّ بأرض الغَدْرِ يأكُلُ عَهْدَهُ ... جُوَيْنٌ وشَمْخٌ خارِبَيْنِ بِوَجْرَهْ ) ( يُذِمّان بالأزواد والزادُ مَحْرَمٌ ... سَرُوقانِ من عِرق شروراً وفَجْرَهْ ) ضرب المثل بحلمه أخبرني محمد بن أحمد بن العباس العسكري قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني دماذ عن أبي عبيدة قال قال الأحنف ما تعلمت الحلم إلا من قيس بن عاصم المنقري فقيل له وكيف ذلك يا ابا بحر فقال قتل ابن أخ له ابنا له فأتي بابن أخيه مكتوفا يقاد إليه فقال ذعرتم الفتى ثم أقبل عليه فقال يا بني نقصت عددك وأوهيت ركنك وفتت في عضدك وأشمت عدوك وأسأت بقومك خلوا سبيله واحملوا إلى أم المقتول ديته قال فانصرف القاتل وما حل قيس حبوته ولا تغير وجهه أخبرني عبيد الله الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن ابن جعدبة وأبي اليقظان قالا وفد قيس بن عاصم على رسول الله فقال النبي عليه الصلاة و السلام هذا سيد أهل الوبر / ح / خبره مع تاجر خمار أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي حاتم قال جاور داري كان يتجر في أرض العرب قيس بن عاصم فشرب قيس ليلة حتى سكر فربط الداري وأخذ ماله وشرب من شرابه فازداد سكرا وجعل من السكر يتطاول ويثاور النجوم ليبلغها وليتناول القمر وقال ( وتاجِرٍ فاجِرٍ جاءَ الإلهُ بِهِ ... كأن عُثْنونَه أذنابُ أَجْمالِ ) ثم قسم صدقة النبي في قومه وقال ( ألاَ أَبْلِغَا عَنِّي قُرَيْشاً رسالَةً ... إذا ما أتَتْهُم مُهْدِيَاتُ الوَدَائِعِ ) ( حَبَوْتُ بما صَدَّقْتُ في العامِ مِنْقَراً ... وأيأستْ منها كلَّ أَطلسَ طامِع ) قال فلما فعل بالداري ما فعل وسكر جعل ماله نهبى فلم تزل امرأته تسكنه حتى نام فلما أصبح أخبر بما كان منه فآلى ألا يدخل الخمر بين أضلاعه أبدا أخبرني وكيع قال حدثنا المدائني قال ولي قيس بن عاصم على عهد رسول الله صدقات بني مقاعس والبطون كلها وكان الزبرقان بن بدر قد ولي صدقات عوف والأبناء فلما توفي رسول الله وقد جمع كل واحد من قيس والزبرقان صدقات من ولي صدقته دس إليه الزبرقان من زين له المنع لما في يده وخدعه بذلك وقال له إن النبي قد توفي فهلم نجمع هذه الصدقة ونجعلها في قومنا فإن استقام الأمر لأبي بكر وأدت العرب إليه الزكاة جمعنا له الثانية ففرق قيس الإبل في قومه فانطلق الزبرقان إلى أبي بكر بسبعمائة بعير فأداها إليه وقال في ذلك ( وَفَيْتُ بِأَذوَادِ النَّبيِّ محمدٍ ... وكُنْتُ امرأً لا أُفْسِدُ الدِّينَ بالغَدْرِ ) فلما عرف قيس ما كاده به الزبرقان قال لو عاهد الزبرقان أمه لغدر بها أخبرني عبد الله بن محمد الرازي قال حدثنا الحارث بن أسامة قال حدثنا المدائني وأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال قيل لقيس بن عاصم بماذا سدت قال ببذل الندى وكف الأذى ونصر الموالي أخبرني وكيع قال حدثنا العمري عن الهيثم قال كان قيس بن عاصم يقول لبنيه إياكم والبغي فما بغى قوم قط إلا قلوا وذلوا فكان بعض بنيه يلطمه قومه أو غيرهم فينهى إخوته عن أن ينصروه أتى رسول الله فرحب به وأدناه أخبرني عبيد الله بن محمد الرازي قال حدثنا الحارث عن المدائني عن ابن جعدبة أن قيس بن عاصم قال أتيت رسول الله فرحب بي وأدناني فقلت يا رسول الله المال الذي لا يكون علي فيه تبعة ما ترى في إمساكه لضيف إن طرقني وعيال إن كثروا علي فقال نعم المال الأربعون والأكثر الستون وويل لأصحاب المئين ثلاثا إلا من أعطى من رسلها وأطرق فحلها وأفقر ظهرها ومنح غزيرتها وأطعم القانع والمعتر \ ح \ له يا رسول الله ما أكرم هذه الأخلاق إنه لا يحل بالوادي الذي أنا فيه من كثرتها قال فكيف تصنع في الإطراق قلت يغدو الناس فمن شاء أن يأخذ برأس بعير ذهب به قال فكيف تصنع في الإفقار فقلت إني لأفقر الناب المدبرة والضرع الصغيرة قال فكيف تصنع في المنيحة قلت إني لأمنح في السنة المائة قال إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت \ ح \ أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال قيس بن عاصم هو الذي حفز الحوفزان بن شريك الشيباني طعنه في استه في يوم جدود شعره في يوم جدود وكان من حديث ذلك اليوم أن الحارث بن شريك بن عمرو الصلب بن قيس بن شراحيل بن مرة بن همام كانت بينه وبين بني يربوع موادعة ثم هم بالغدر بهم فجمع بني شيبان وبني ذهل واللهازم قيس بن ثعلبة وتيم الله بن ثعلبة وغيرهم ثم غزا بني يربوع فنذر به عتيبة بن الحارث بن شهاب بن شريك فنادى في قومه بني جعفر بن ثعلبة من بني يربوع فوادعه وأغار الحارث بن شريك على بني مقاعس وإخوتهم بني ربيع فلم يجيبوهم فاستصرخوا بني منقر فركبوا حتى لحقوا بالحارث بن شريك وبكر بن وائل وهم قائلون في يوم شديد الحر فما شعر الحوفزان إلا بالأهتم بن سمي بن سنان بن خالد بن منقر واسم الأهتم سنان وهو واقف على رأسه فوثب الحوفزان إلى فرسه فركبه وقال للأهتم من أنت فانتسب له وقال هذه منقر قد أتتك فقال الحوفزان فأنا الحارث بن شريك فنادى الأهتم يا آل سعد ونادى الحوفزان يا آل وائل وحمل كل واحد منهما على صاحبه ولحقت بنو منقر فاقتتلوا أشد قتال وأبرحه ونادت نساء بني ربيع يا آل سعد فاشتد قتال بني منقر لصياحهن فهزمت بكر بن وائل وخلوا من كان في أيديهم من بني مقاعس وما كان في أيديهم من أموالهم وتبعتهم بنو منقر بين قتل وأسر فأسر الأهتم حمران بن عبد عمرو وقصد قيس بن عاصم الحوفزان ولم يكن له همة غيره والحارث على فرس له قارح يدعى الزبد وقيس على مهر فخاف قيس أن يسبقه الحارث فحفزه بالرمح في استه فتحفز به الفرس فنجا فسمي الحوفزان وأطلق قيس أموال بني مقاعس وبني ربيع وسباياهم وأخذ أموال بكر بن وائل وأساراهم وانتقضت طعنة قيس على الحوفزان بعد سنة فمات وفي هذا اليوم يقول قيس بن عاصم ( جَزَى الله يَرْبوعاً بأسوأ فِعْلِها ... إذا ذُكِرتْ في النائباتِ أمورُها ) ( ويومَ جَدُودٍ قد فضحتم ذِمَارَكُم ... وسالَمْتُمُ والخيلُ تَدْمَى نُحورُها ) ( سَتَخْطِمُ سعدٌ والرِّبابُ أنوفَكم ... كما حزَّ في أنف القَضِيبِ جَرِيرُها ) وقال سوار بن حيان المنقري ( ونحن حَفَرنا الحوفزانَ بطَعْنَةٍ ... سَقَتْه نَجِيعاً من دَمِ الجَوْفِ أَشْكَلاَ ) ( وحُمْرَانُ قَسْراً أنزلتْه رِماحُنا ... فَعَالَجَ غُلاًّ في ذِرَاعَيْهِ مُقْفَلاَ ) قال وأغار قيس بن عاصم أيضا على اللهازم فتبعه بنو كعب بن سعد بالنباج وثيتل فتخوف أن يكره أصحابه لقاء بكر بن وائل وقد كانوا يتناجون في ذلك فقام ليلا فشق مزادهم لئلا يجدوا بدا من لقاء العدو فلما فعل ذلك أذعنوا بلقائهم وصبروا له فأغار عليهم فكان أشهر يوم يوم ثيتل لبني سعد وظفر قيس بما شاء وملأ يديه من أموالهم وغنائمهم وفي ذلك يقول ابنه علي بن قيس بن عاصم ( أنا ابنُ الذي شقَّ المَزَادَ وقد رأى ... بثَيْتَلَ أحياءَ اللَّهازم حُضَّرَا ) ( فصَبَّحَهم بالجيش قيسُ بنُ عاصمٍ ... وكان إذا ما أورد الأمرَ أَصْدَرَا ) قال وأغار قيس أيضا ببني سعد على عبد القيس وكان رئيس بني سعد يومئذ سنان بن خالد وذلك بأرض البحرين فأصابوا ما أرادوا واحتالت عبد القيس في أن يفعل ببني تميم كما فعل بهم بالمشقر حين أغلق عليهم بابه فامتنعوا فقال في ذلك سوار بن حيان ( فيا لَك من أَيَّامِ صِدْقٍ أَعُدُّها ... كيومِ جُؤاثَى والنِّباجِ وَثَيْتَلا ) قال وكان قيس بن عاصم رئيس بني سعد يوم الكلاب الثاني فوقع بينه وبين الأهتم اختلاف في أمر عبد يغوث بن وقاص بن صلاءة الحارثي حين أسره عصمة بن أبير التيمي ودفعه إلى الأهتم فرفع قيس قوسه فضرب فم الأهتم بها فهتم أسنانه فيومئذ سمي الأهتم وصيته لأبنائه حين حضرته الوفاة أخبرنا هشام بن محمد الخزاعي قال حدثنا دماذ عن أبي عبيدة وأخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا أحمد بن الهيثم بن عدي قال جمع قيس بن عاصم ولده حين حضرته الوفاة وقال يا بني إذا مت فسودوا كباركم ولا تسودوا صغاركم فيسفه الناس كباركم وعليكم بإصلاح المال فإنه منبهة للكريم ويستغنى به عن اللئيم وإذا مت فادفنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها وأصوم وإياكم والمسألة فإنها آخر مكاسب العبد وإن امرأ لم يسأل إلا ترك مكسبه وإذا دفنتموني فأخفوا قبري عن هذا الحي من بكر بن وائل فقد كان بيننا خماشات في الجاهلية ثم جمع ثمانين سهما فربطها بوتر ثم قال اكسروها فلم يستطيعوا ثم قال فرقوا ففرقوا فقال اكسروها سهما سهما فكسروها فقال هكذا أنتم في الاجتماع وفي الفرقة ثم قال ( إنما المجدُ ما بَنَى والدُ الصِّدْق ... ِ وأحيا فَعالَه المولودُ ) ( وتَمامُ الفضلِ الشجاعةُ والحِلْمُ ... إذا زانَه عَفَافٌ وجُودُ ) ( وثلاثون يا بَنيَّ إذا ما ... جَمَعتْهم في النائباتِ العُهودُ ) ( كثلاثين من قِدَاحٍ إذا ما ... شَدَّها للزمان قِدْحٌ شديد ) ( لم تَكَسَّرْ وإن تَفرَّقتِ الأسْهُمُ ... أوْدَى بجمعِها التبديد ) ( وذوو الحلمِ والأكابرُ أولَى ... أن يُرَى منكُمُ لهم تسويدُ ) ( وعليكمْ حِفْظَ الأصاغر حتَّى ... يَبْلُغَ الحِنْثَ الأصغرُ المجهود ) ثم مات فقال عبدة بن الطبيب يرثيه ( عليكَ سلامُ الله قَيْسَ بن عاصمٍ ... ورحمتُه ما شاء أن يَتَرَحَّما ) ( تحيَّة من أوليته منك نعمةً ... إذا زار عن شَحْطٍ بلادَك سَلَّما ) ( فما كان قَيْسٌ هُلْكُه هُلْكُ واحدٍ ... ولكنَّه بُنْيانُ قومٍ تَهَدَّما ) أخبرني عبيد الله بن محمد الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني قال لما مات عبد الملك بن مروان اجتمع ولده حوله فبكى هشام حتى اختلفت أضلاعه ثم قال رحمك الله يا أمير المؤمنين فأنت والله كما قال عبدة بن الطبيب ( وما كان قَيْسٌ هُلْكُه هُلْكُ واحدٍ ... ولكنَّه بُنْيَانُ قومٍ تَهَدَّما ) فقال له الوليد كذبت يا أحول يا مشْؤوم لسنا كذلك ولكنا كما قال الآخر ( إذَا مُقْرَمٌ مِنًّا ذَرَا حَدُّ نابِه ... تَخَمَّطَ فينا نابُ آخَرَ مُقْرَمِ ) أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن ابن الكلبي عن أبيه قال كان بين قيس بن عاصم وعبدة بن الطبيب لحاء فهجره قيس بن عاصم ثم حمل عبدة دما في قومه فخرج يسأل فيما تحمله فجمع إبلا ومر به قيس بن عاصم وهو يسأل في تمام الدية فقال فيم يسأل عبدة فأخبر فساق إليه الدية كاملة من ماله وقال قولوا له ليستمتع بما صار إليه وليسق هذه إلى القوم فقال عبدة أما والله لولا أن يكون صلحي إياه بعقب هذا الفعل عارا علي لصالحته ولكني أنصرف إلى قومي ثم أعود فأصالحه ومضى بالإبل ثم عاد فوجد قيسا قد مات فوقف على قبره وأنشأ يقول ( عليكَ سلامُ الله قَيْسَ بن عاصمٍ ... ورحمتُه ما شاء أنْ يترحَّما ) الأبيات حرم الخمر على نفسه وسبب ذلك أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال ذكر عاصم بن الحدثان وهشام بن الكلبي عن أشياخهما أن قيس بن عاصم المنقري سكر من الخمر ليلة قبل أن يسلم فغمز عكنة ابنته أو قال أخته فهربت منه فلما صحا منها فقيل له أو ما علمت ما صنعت البارحة قال لا فأخبروه بصنعه فحرم الخمر على نفسه وقال في ذلك ( وجدتُ الخمرَ جامحةً وفيها ... خِصَالٌ تَفْضَحُ الرَّجُلَ الكريما ) ( فلاَ واللهِ أشْرَبُها حَياتي ... ولا أدعو لها أبداً نَدِيمَا ) ( ولا أُعْطي بها ثمناً حياتي ... ولا أُشْفي بها أبداً سقِيما ) ( فإنَّ الخمر تَفْضَحُ شَارِبِيها ... وتَجْشِمُهُمْ بها أمراً عظيما ) ( إذا دراتْ حُمَيَّاها تَعَلَّتْ ... طَوَالِعُ تُسْفِهُ الرَّجُلَ الحليما ) أخبرني محمد بن مزيد عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال قال الزبرقان إن تاجرا ديافيا مر بحمل خمر على قيس بن عاصم فنزل به فقال قيس اصبحني قدحا ففعل ثم قال له زدني فقال له أنا رجل تاجر طالب ربح وخير ولا أستطيع أن أسقيك بغير ثمن فقام إليه قيس فربطه إلى دوحة في داره حتى أصبح فكلمته أخته في أمره فلطمها وخمش وجهها وزعموا أنه ارادها على نفسها وجعل يقول ( وتاجرٍ فاجرٍ جاء الإلهُ به ... كَأَنَّ لِحْيَتَه أذنابُ أجمالِ ) فلما أصبح قال من فعل هذا بضيفي قالت له أخته الذي صنع هذا بوجهي أنت والله صنعته وأخبرته بما فعل فأعطى الله عهداً ألا يشرب الخمر أبدا فهو أول عربي حرمها على نفسه في الجاهلية وهو الذي يقول ( فواللهِ لا أحسو يَدَ الدَّهْرِ خمرةً ... ولا شَرْبةً تُزْرِي بِذِي اللُّبِّ والفخرِ ) ( فكيف أذوق الخمر والخمرُ لم تَزَلْ ... بصاحبِها حتى تَكَسَّعَ في الغَدْرِ ) ( وصارتْ به الأمثالُ تُضْرَبُ بَعْدَما ... يكونُ عميدَ القومِ في السِّرِّ والجَهْرِ ) ( ويَبْدُرُهُمْ في كل أمرٍ يَنُوبُهم ... ويَعْصِمُهم ما نَابهم حادثُ الدَّهْرِ ) ( فيا شارِب الصَّهْباء دَعْهَا لأهلها الغُواةِ ... وسَلِّمْ للجسيم من الأمرِ ) ( فإنَّك لا تَدْري إذا ما شَرِبْتَها ... وأكثرتَ منها ما تَرِيشُ وما تَبْرِي ) فارقته امرأته بعد أن أسلم أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أحمد بن منصور قال أخبرني أبو جعفر المباركي قال أخبرني المدائني عن مسلمة بن محارب قال قال الأحنف بن قيس ذكرت بلاغة النساء عند زياد فحدثته أن قيس بن عاصم أسلم وعنده امرأة من بني حنيفة فأبى أهلها وأبوها أن يسلموا وخافوا إسلامها فاجتمعوا إليها وأقسموا إنها إن أسلمت لم يكونوا معها في شيء ما بقيت فطالبت قيسا بالفرقة ففارقها فلما احتملت لتلحق بأهلها قال لها قيس أما والله لقد صحبتني سارة ولقد فارقتني غير عارة لا صحبتك مملولة ولا أخلاقك مذمومة ولولا ما اخترت ما فرق بيننا إلا الموت ولكن أمر الله ورسوله أحق أن يطاع فقالت له أنبئت بحسبك وفضلك وأنت والله إن كنت للدائم المحبة الكثير المودة القليل اللائمة المعجب الخلوة البعيد النبوة ولتعلمن أني لا أسكن بعدك إلى زوج فقال قيس ما فارقت نفسي شيئا قط فتبعته كما تبعتها أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدثني أبو فراس قال كان قيس بن عاصم يكنى أبا علي وكان خاقان بن الأهتم إذا ذكره قال بخ من مثل أبي علي ( تُطِيفُ به كَعْبُ بن سعد كأنَّما ... يُطِيفون عُمَّاراً ببيتٍ مُحَرَّمِ ) وقال علان بن الحسن الشعوبي بنو منقر قوم غدر يقال لهم الكوادن ويلقبون أيضا أعراف البغال وهم أسوأ خلق الله جوارا يسمون الغدر كيسان وفيهم بخل شديد أوصى بنيه بحفظ المال وأوصى قيس بن عاصم بنيه فكان أكثر وصيته إياهم أن يحفظوا المال والعرب لا تفعل ذلك وتراه قبيحا وفيهم يقول الأخطل بن ربيعة بن النمر بن تولب ( يا منْقَرُ بنَ عُبَيْدٍ إنَّ لُؤمَكُمُ ... مُذْ عَهْدِ آدَمَ في الدِّيوانِ مكتوبُ ) ( للضَّيْفِ حَقٌّ على مَنْ كان ذا كرمٍ ... والضَّيْفُ في مِنْقَرٍ عُرْيانُ مسلوبُ ) وقال النمر بن تولب يذكر تسميتهم الغدر كيسان في قصيدة هجاهم بها ( إذا ما دَعَوْا كَيْسَانَ كانتْ كُهُولُهُمْ ... إلى الغَدْرِ أدْنَى من شَبَابِهِمُ المُرْدِ ) قال وهذا شائع في جميع بني سعد إلا أنهم يتدافعونه إلى بني منقر وبنو منقر يتدافعونه إلى بني سنان بن خالد بن منقر وهو جد قيس بن عاصم وحكى ابن الكلبي أن النبي لما افتتح مكة قدمت عليه وفود العرب فكان فيمن قدم عليه قيس بن عاصم وعمرو بن الأهتم ابن عمه فلما صارا عند النبي تسابا وتهاترا فقال قيس لعمرو بن الأهتم والله يا رسول الله ما هم منا وإنهم لمن أهل الحيرة فقال عمرو بن الأهتم بل هو والله يا رسول الله من الروم وليس منا ثم قال له ( ظَلِلْتَ مُفْتَرِشَ الهَلْباء تَشْتُمُنِي ... عند الرَّسول فلم تَصْدُقْ ولم تُصِبِ ) الهلباء يعني استه يعيره بذلك وبأن عانته وافية ( إن تُبْغِضُونا فإنَّ الرُّوم أصلُكُمُ ... والرُّوم لا تملِك البغضاءَ للعَرَب ) ( سُدْنا فسُودَدُنا عَوْدٌ وسُودَدُكُمْ ... مُؤَخَّرٌ عند أصل العَجْبِ والذَّنَبِ ) قال وإنما نسبه إلى الروم لأنه كان أحمر فيقال إن النبي نهاه عن هذا القول في قيس وقال إن إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليه و سلم كان أحمر فأجابه قيس بن عاصم فقال ( ما في بَنِي الأَهْتَمِ من طائلٍ ... يُرْجَى ولا خَيْرٍ لَهُ يَصْلُحونْ ) ( قُلْ لبني الحِيريِّ مَخْصوصةً ... تُظْهِرُ منهم بعضَ ما يَكْتُمُونْ ) ( لولاَ دِفاعي كنتُمُ أَعْبُداً ... مَسْكَنُها الحِيرةُ فالسَّيْلَحونْ ) ( جاءت بكم عَفْرةُ من أَرْضِها ... حِيرِيَّةً ليست كما تزعُمون ) ( في ظاهر الكَفِّ وفي بَطنها ... وَسْمٌ من الدَّاء الذي تَكْتُمون ) ارتد عن الإسلام بعد وفاة النبي وذكر علان أن قيسا ارتد بعد النبي عن الإسلام وآمن بسجاح وكان مؤذنها وقال في ذلك ( أضحتْ نَبِيَّتُنا أُنْثَى نُطِيفُ بها ... وأصبحتْ أنبياءُ الله ذُكْرَانَا ) قال ثم لما تزوجت سجاح بمسيلمة الكذاب الحنفي وآمنت به آمن به قيس معها فلما غزا خالد بن الوليد اليمامة وقتل الله مسيلمة أخذ قيس بن عاصم أسيرا فادعى عنده أن مسيلمة أخذ ابنا له فجاء يطلبه فأحلفه خالد على ذلك فحلف فخلى سبيله ونجا منه بذلك قال ومما يعيرون به أن عبادة بن مرثد بن عمرو بن مرثد أسر قيس بن عاصم وسبى أمه وأختيه يوم أبرق الكبريت ثم من عليهم فأطلقهم بغير فداء فلم يثبه قيس ولم يشكره على فعله بقول يبلغه فقال عبادة في ذلك ( على أَبْرَقِ الكِبْرِيتِ قيسَ بنَ عاصمٍ ... أسَرْتُ وأطرافُ القَنَا قِصَدٌ حُمْرُ ) ( مَتَى يَعْلَقِِ السَّعْدِيُّ منكَ بذِمَّةٍ ... تَجِدْهُ إذا يَلْقَى وشِيمَتُه الغَدْرُ ) قال وكان قيس بن عاصم يسمى في الجاهلية الكودن وكان زيد الخيل الطائي خرج عن قومه وجاور بني منقر فأغارت عليهم بنو عجل وزيد فيهم فأعانهم وقاتل بني عجل قتالا شديدا وأبلى بلاء حسنا حتى انهزمت عجل فكفر قيس فعله وقال ما هزمهم غيري فقال زيد الخيل يعيره ويكذبه في قصيدة طويلة ( ولستُ بوَقَّافٍ إذا الخيلُ أحْجمَتْ ... ولستُ بكَذَّابٍ كقَيْس بنِ عاصمِ ) ومما روى قيس بن عاصم عن النبي حدثنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي قال حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان الثوري عن الأغر المنقري عن خليفة بن حصين بن قيس بن عاصم عن أبيه عن جده أنه أسلم على عهد النبي فأمره النبي عليه السلام أن يغتسل بماء وسدر وحدثنا حامد قال حدثنا أبو خيثمة قال حدثنا جرير عن المغيرة عن أبيه شعبة عن التوأم قال سأل قيس بن عاصم رسول الله عن الحلف فقال لا حلف في الإسلام ولكن تمسكوا بحلف الجاهلية \ ح \ أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا ابن عائشة قال حدثني رجل من الرباب قال ذكر رجل قيس بن عاصم عند النبي فقال لقد هممت أن آتيه فأفعل به وأصنع به كأنه توعده فقال له النبي إذا تحول سعد دونه بكراكرها \ ح \ قال ولما مات قيس رثاه مرداس بن عبدة بن منبه فقال ( وما كان قَيْسٌ هُلْكه هُلْك واحدٍ ... ولكنَّه بُنْيَانُ قومٍ تَهَدَّمَا ) صوت ( خُذْ من العَيْشِ ما كَفَى ... ومِنَ الدَّهْر ما صَفَا ) ( حَسُنَ الغَدْرُ في الأَنَامِ ... كما اسْتُقْبِحَ الوَفَا ) ( صِلْ أخا الوَصْلِ إنَّه ... ليس بالهَجْرِ مِنْ خَفَا ) ( عَيْنُ مَنْ لا يُريدُ وَصْلَك ... َ تُبْدِي لَكَ الجَفَا ) الشعر لمحمد بن حازم الباهلي والغناء لابن القصار الطنبوري رمل بالبنصر أخبرني بذلك جحظة أخبار محمد بن حازم ونسبه هو محمد بن حازم بن عمرو الباهلي ويكنى أبا جعفر وهو من ساكني بغداد مولده ومنشؤه البصرة أخبرني بذلك ابن عمار أبو العباس عن محمد بن داود بن الجراح عن حسن بن فهم وهو من شعراء الدولة العباسية شاعر مطبوع إلا أنه كان كثير الهجاء للناس فاطرح ولم يمدح من الخلفاء إلا المأمون ولا اتصل بواحد منهم فيكون له نباهة طبقته وكان ساقط الهمة متقللا جدا يرضيه اليسير ولا يتصدى لمدح ولا طلب حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد قال سمعت محمد بن حازم الباهلي في منزلنا يقول بعث إلي فلان الطاهري وكنت قد هجوته فأفرطت بألف دينار وثياب وقال أما ما قد مضى فلا سبيل إلى رده ولكن أحب ألا تزيد عليه شيئا فبعثت إليه بالألف الدينار والثياب وكتبت ( لا ألبَسُ النعماءَ مِن رجلٍ ... ألبستُه عاراً على الدَّهْرِ ) 63 - أخباره مع أحمد بن سعيد وسعد بن مسعود أخبرني أحمد بن عبيدالله بن عمار حدثنا أبو علي وسقط اسمه من كتابي قال قرأت في كتاب عمي قال لي محمد بن حازم الباهلي مر بي أحمد بن سعيد بن سالم وأنا على بابي فلم يسلم علي سلاما أرضاه فكتبت رقعة وأتبعته بها وهي ( وباهليٍّ من بني وائلٍ ... أفادَ مالاً بعد إِفلاسِ ) ( قَطَّبَ في وجْهِيَ خَوْفَ القِرَى ... تَقْطِيبَ ضِرْغامٍ لَدَى البَاسِ ) ( وأظهرَ التِّيهَ فتايَهْتُهُ ... تِيهَ امرئٍ لم يَشْقَ بالنَّاسِ ) ( أعَرتُه إعْراضَ مُسْتَكْبِرٍ ... في مَوْكِب مرَّ بكَنَّاسِ ) أخبرني ابن عمار قال حدثني أبو علي قال لقيت محمد بن حازم في الطريق فقلت له يا أبا جعفر كيف ما بينك وبين صديقك سعد بن مسعود اليوم وهو أبو إسحاق بن سعد وكان يكتب للنوشجاني فأنشدني ( رَاجَع بالعُتْبَى فأعتَبْتُه ... ورُبَّما أعْتَبَك المُذْنبُ ) ( وإن في الدَّهْر على صَرْفه ... بين الصَّدِيقَيْن لمُسْتَعْتَبُ ) شعره في مدح الشباب وذم الشيب أخبرني محمد بن القاسم الأنباري وابن الوشاء جميعا قالا حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال قال ابن الأعرابي أحسن ما قال المحدثون من شعراء هذا الزمان في مديح الشباب وذم الشيب ( لا حِينَ صَبْرٍ فَخَلَّ الدَّمْعَ يَنْهَمِلُ ... فَقْدُ الشَّبابِ بيوم المرءِ مُتَّصِلُ ) ( سَقْياً ورَعْياً لأيَّام الشَّبَابِ وإنْ ... لم يَبْقَ منه له رسمٌ ولا طَلَلُ ) ( جَرّ الزَّمانُ ذُيولاً في مَفَارِقِهِ ... ولِلزَّمانِ على إحسانِهِ عِلَلُ ) ( ورُبَّما جَرَّ أذيالَ الصِّبَا مَرَحاً ... وبين بُرْدَيْهِ غُصْنٌ ناعِمٌ خَضِلُ ) ( يُصْبي الغَوَاني ويَزْهَاه بِشِرَّتِهِ ... شَرْخُ الشَّبَابِ وثوبٌ حالِكٌ رَجِلُ ) ( لا تَكْذِبَنَّ فما الدُّنْيَا بأجمعِها ... من الشَّبابِ بيَوْمٍ واحدٍ بَدَلُ ) ( كَفَاكَ بالشَّيْبِ عيباً عند غانيةٍ ... وبالشَّبابِ شَفِيعاً أيُّها الرَّجُلُ ) ( بانَ الشَّبابُ ووَلَّى عنكَ بَاطِلُهُ ... فليس يَحْسُنُ منك اللَّهْو والغَزَلُ ) ( أمَّا الغواني فقد أعرَضْنَ عنك قِلىً ... وكان إعراضَهُنَّ الدَّلُّ والخَجَلُ ) ( أعرْنَكَ الهَجْرَ ما لاحتْ مُطَوَّقةٌ ... فلاَ وِصَالٌ ولا عَهْدٌ ولا رُسُلُ ) ( ليتَ المَنَايَا أصابَتْنِي بأَسْهُمها ... فكُنَّ يَبْكِينَ عَهْدي قبلَ أكْتَهِلُ ) ( عَهْدَ الشَّبابِ لقد أبقيتَ لي حَزَناً ... ما جَدَّ ذكرُك إلاَّ جَدَّ لي ثَكَلُ ) ( إنَّ الشَّبابَ إذا ما حلَّ رائدُه ... في مَنْهَلٍ رادَ يقفو إثْرَهُ أَجَلُ ) قال ابن الوشاء خاصة وما أساء ولا قصر عن الأولى حيث يقول في هذا المعنى ( أبكِي الشَّبابَ لِنَدْمانٍ وغانيةٍ ... وللمَغَانِي وللأَطلال والكُثُبِ ) ( وللصَّريخ وللآجام في غَلَسٍ ... وللقَنَا السُّمْرِ والهنْدِيَّة القُضُبِ ) ( وللخَيال الذي قد كَان يَطْرُقُني ... وللنَّدامَى ولِلذَّاتِ والطَّرَبِ ) ( يا صاحباً لم يَدَعْ فَقْدي له جَلَداً ... أُضِعتُ بَعدك إنَّ الدهرَ ذُو عُقَبِ ) ( وقد أكونُ وشَعْبانا معاً رَجُلاً ... يومَ الكريهةِ فَرَّاجاً عَنِ الكُرَبِ ) هجاؤه ابن حميد أخبرني ابن عمار عن العنزي قال كان محمد بن حازم الباهلي مدح بعض بني حميد فلم يثبه وجعل يفتش شعره فيعيب فيه الشيء بعد الشيء وبلغه ذلك فهجاه هجاء كثيرا شنيعاً منه قوله ( عَدُوَّاكَ المَكَارمُ والكِرَامُ ... وخِلُّكَ دونَ خُلَّتِكَ اللِّئامُ ) ( ونَفْسُك نَفْسُ كلبٍ عند زَوْرٍ ... وعُقْبَى زائرِ الكلبِ الْتِدَام ) ( تَهِرُّ على الجليسِ بلا احترامٍ ... لِتَحْشِمَه إذا حَضَر الطَّعامُ ) ( إذا ما كانت الهِمَمُ المَعَالي ... فهَمُّك ما يكون به المَلامُ ) ( قَبُحْتَ ولا سَقَاك الله غيثاً ... وجانَبَك التحيَّةُ والسلامُ ) قال فبعث إليه ابن حميد بمال واعتذر إليه وسأله الكف فلم يفعل ورد المال عليه وقال فيه ( موضعُ أسرارِك المُرِيبُ ... وحَشْوُ أثوابِك العُيوبُ ) ( وتمنَع الضيفَ فضلَ زادٍ ... ورَحْلُك الواسعُ الخَصِيبُ ) ( يا جامعاً مانِعاً بَخِيلاً ... ليس له في العُلاَ نَصيبُ ) ( أبِالرُّشَا يُسْتَمالُ مِثلي ... كَلاَّ ومَنْ عنده العُيوبُ ) ( لا أرتدي حُلَّةً لمُثْنٍ ... بوجهه من يَدِي نُدوبُ ) ( وبين جنبيه لي كُلومٌ ... دامِيةٌ ما لَها طَبِيبُ ) ( ما كنتُ في موضِع الهَدَايا ... منكَ ولا شَعْبُنَا قَرِيبُ ) ( أنّى وقد نَشَّتِ المَكَاوِي ... عن سِمَةِ شأنُها عَجِيبُ ) ( وسار بالذَّمِّ فيك شِعْرِي ... وقيل لي مُحْسِنٌ مُصِيبُ ) ( مالُكَ مالُ اليتيمِ عندي ... ولا أرى أَكْلَهُ يَطِيبُ ) ( حَسْبُكَ من مُوجِزٍ بليغ ... يَبْلُغُ ما يبلُغُ الخَطِيبُ ) حدثني عمي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني علي بن الحسين الشيباني قال بعث الحسن بن سهل محمد بن حميد في وجهة وأمره بجباية مال وبحرب قوم من الشراة فخان في المال وهرب من الحرب فقال فيه محمد بن حازم الباهلي ( تَشَبَّه بالأَسَدِ الثعلبُ ... فغادَرَهُ مُعْنَقا يُجْنَبُ ) ( وحاوَلَ ما ليس في طَبْعِهِ ... فَأَسْلَمَهُ النابُ والمِخْلَبُ ) ( فَلَمْ تُغْنِ عنه أباطيلُهُ ... وحاصَ فَأَحْرَزَهُ المَهْرَبُ ) ( وكانَ مَضِيَّاً على غَدْرِهِ ... فَعُيِّبَ والغادِرُ الأَخْيَبُ ) ( أيابنَ حُمَيْدٍ كفرتَ النَّعِيمَ ... جهلاً ووسْوَسَكَ المَذْهَبُِ ) ( وَمَنَّتْكَ نفسُك ما لاَ يَكُونُ ... وبعضُ المُنَى خُلَّبٌ يَكْذِبُ ) ( وما زلْتَ تسعَى على مُنْعِمٍ ... بِبَغْيٍ وتُنْهَى فلا تُعْتِبُ ) ( فأصبحتَ بالبَغْيِ مستبدلاً ... رشاداً وقد فات مُسْتَعْتَبُ ) قال وقال فيه لما شخص إلى حيث وجهه الحسن بن سهل ( إذا استقلَّتْ بك الرِّكابُ ... فحيثُ لادَرتِ السحابُ ) ( زالتْ سِراعاً وزُلْتَ يَجْرِي ... بِبَيْنِكَ الظَّبْيُ والغُرابُ ) ( بحيثُ لا يُرْتَجَى إيابٌ ... وحيثُ لا يبلغُ الكتابُ ) ( فقَبْلَ معروفِكَ امتنانٌ ... ودُونَ معروفِكَ العذابُ ) ( وخيرُ أخلاقِكَ اللَّواتِي ... تعاف أمثالَها الكلابُ ) حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني أبي قال قال يحيى بن أكثم لمحمد بن حازم الباهلي ما نعيب شعرك إلا أنك لا تطيل فأنشأ يقول ( أبى لِيَ أن أُطِيلَ الشعرَ قَصْدِي ... إلى المَعْنَى وعِلْمِي بالصَّوابِ ) ( وإيجازِي بِمُخْتَصَرٍ قريبٍ ... حذفتُ به الفضولَ من الجَوابِ ) ( فَأَبْعَثُهُنَّ أربعةً وَخَمْساً ... مُثَقَّفَةً بألفاظٍ عِذابِ ) ( خَوَالِدَ ما حدَا ليلٌ نهاراً ... وما حَسُنَ الصِّبَا بأخي الشَّبابِ ) ( وهُنَّ إذا وَسَمْتُ بهنَّ قوماً ... كأطواقِ الحمائم في الرِّقابِ ) ( وهُنَّ إذا أقمتُ مسافراتٌ ... تَهَادَتْهَا الرُّواةُ مع الرِّكابِ ) خبره مع أبي ذؤيب حدثني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال كان بالأهواز رجل يعرف بأبي ذؤيب من التتار وكان مقصد الشعراء وأهل الأدب فقصده محمد بن حازم فدخل عليه يوما وعليه ثياب بذة وهيئة رثة ولم يعرف نفسه وصادفهم يتكلمون في شيء من معاني الشعر وأبو ذؤيب يتكلم متحققا بالعلم بذلك فسأله محمد بن حازم وقد دخل عليه يوما عن بيت من شعر الطرماح جهله فرد عليه جوابا محالا كالمستصغر له وازدراه فوثب عن مجلسه مغضبا فلما خرج قيل له ماذا صنعت بنفسك وفتحت عليها من الشر أتدري لمن تعرضت قال ومن ذاك قيل محمد بن حازم الباهلي أخبث الناس لسانا وأهجاهم فوثب إليه حافيا حتى لحقه فحلف له أنه لم يعرفه واستقاله فأقاله وحلف أنه لا يقبل له رفدا ولا يذكره بسوء مع ذلك أبدا وكتب إليه بعد أن افترقا ( أَخْطا وَرَدَّ عليَّ غيرَ جوابي ... وزَرَى عليّ وقال غيرَ صوابِ ) ( وسكنتُ من عَجَبٍ لذاك فزادني ... فيما كَرِهْتُ بِظَنّه المُرتابِ ) ( وقضى عليَّ بظاهِرٍ من كُسْرَةٍ ... لم يَدْرِ ما اشتملتْ عليه ثيابي ) ( من عِفَّةٍ وتَكَرُّمٍ وتَحَمُّلٍ ... وتَجَلدٍ لمصيبةٍ وعِقابِ ) ( وإذا الزمان جنى عليَّ وجدتَني ... عُوداً لبعض صفائِحِ الأقتابِ ) ( ولئن سألت لَيُخْبِرَنَّكَ عالِمٌ ... أَنِّي بحيثُ أحبّ من آدابِ ) ( وإذا نَبَا بِيَ مَنْزِلٌ خَلَّيْتُهُ ... قَفْراً مجالَ ثَعالِبٍ وذِئابِ ) ( وأكون مُشْتَرَكَ الغِنَى مُتَبَذِّلاً ... فإذا افتقرتُ قعدتُ عن أصحابي ) ( لكنَّه رجعتْ عليه ندامةٌ ... لَمَّا نُسِبْتُ وخاف مَضَّ عِتابي ) ( فأقَلْتُه لمّا أقرَّ بذنبه ... ليس الكريمُ على الكريمِ بنابِ ) أخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا النوفلي قال كان سعد بن مسعود القطربلي أبو إسحاق بن سعد صديقا لمحمد بن حازم الباهلي فسأله حاجة فرده عنها فغضب محمد وانقطع عنه فبعث إليه بألف درهم وترضاه فردها وكتب إليه ( مُتَّسِعُ الصَّدرِ مُطِيقٌ لِمَا ... يَحارُ فيه الحُوَّلُ القُلَّبُ ) ( راجعَ بالعُتْبَى فأعتبتُه ... وربَّما أعتبَك المُذْنِبُ ) ( أجَلْ وفي الدَّهرِ على أنه ... موكَّل بالبين مُسْتَعْتَبُ ) ( سَقْياً ورَعْياً لزمانٍ مَضَى ... عَنِّي وسَهْمُ الشَّامِتِ الأخيبُ ) ( قد جاءني منكَ مُوَيْلٌ فلم ... أَعْرضْ له والحُرُّ لا يَكْذبُ ) ( أَخْذِيَ مالاً منكَ بعد الَّذِي ... أَوْدَعْتَنِيهِ مَرْكَبٌ يَصْعُبُ ) ( أَبَيْتُ أن أشربَ عند الرضا ... والسُّخْطِ إلاَّ مَشْرَباً يَعْذُبُ ) ( أَعَزَّني اليأس وأغْنَى فما ... أرجو سِوَى اللهِ ولا أَهْرُبُ ) ( قارونُ عندي في الغِنَى مُعْدِمٌ ... وهمَّتي ما فوقَها مَذْهَبُ ) ( فأيّ هاتَيْنِ تَرَانِي بها ... أصبو إلى مالِكِ أو أَرْغبُ ) قصته مع أحمد بن يحيى حدثنا محمد بن العباس اليزيدي وعيسى بن الحسين الوراق واللفظ له قالا حدثنا الخليل بن أسد النوشجاني قال حدثنا حماد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن يحيى قال آخر ما فارقت عليه محمد بن حازم أنه قال لم يبق شيء من اللذات إلا بيع السنانير فقلت له سخنت عينك أيش لك في بيع السنانير من اللذات قال يعجبني أن تجيئني العجوز الرعناء تخاصمني وتقول هذا سنوري سرق مني وأخاصمها وأشتمها وتشتمني وأغيظها وأباغضها ثم أنشدني ( صِلْ خَمرةً بِخُمَارٍ ... وصِلْ خُمَاراً بخمرِ ) ( وخُذْ بِحَظِّكَ منها ... زاداً إلى حيث تدري ) قال قلت إلى أين ويحك قال إلى النار يا أحمق أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني الحسن بن أبي السري قال كان إسحاق بن أحمد بن أبي نهيك آنسا بمحمد بن حازم الباهلي يدعوه ويعاشره مدة فكتب إليه يستزيره ويعاتبه عتابا أغضبه وبلغه أنه غضب فكتب إليه ( ما مُسْتَزِيرُكَ في وُدٍّ رأى خَلَلاً ... في موضع الأُنْسِ أهلاً منك للغَضَبِ ) ( قد كُنْتَ تُوجِبُ لي حَقّاً وتَعْرِفُ لي ... قَدْري وتَحْفَظُ مِنِّي حُرْمَةَ الأَدَبِ ) ( ثم انحرفتَ إلى الأُخْرَى فأَحْشَمَنِي ... ما كان منكَ بلا جُرْمٍ ولا سَبَبِ ) ( وإنَّ أدنَى الذي عندِي مُسَامَحَةٌ ... في حاجتي بعد أن أعذرتُ في الطَّلبِ ) ( فاخْتَرْ فعنديَ من ثِنْتَيْنِ واحدةٌ ... عُذْرٌ جميلٌ وشُكْرٌ ليس باللَّعِبِ ) ( فإنْ تُجَدِّد كما قد كُنْتَ تفعلُهُ ... ) خبره مع الحسن بن سهل حدثني محمد بن يونس الأنباري المعروف بمحصنة قال حدثني ميمون بن هارون قال قال محمد بن حازم الباهلي عرضت لي حاجة في عسكر أبي محمد الحسن بن سهل فأتيته وقد كنت قلت في السفينة شعرا فلما دخلت على محمد بن سعيد بن سالم انتسبت له فعرفني فقال ما قلت فيه شيئا فقال له رجل كان معي بلى قد قال أبياتا وهو في السفينة فسألني أن أنشده فأنشدته قولي ( وقالوا لو مدحتَ فَتَىً كريماً ... فقلتُ وكيف لي بفَتىً كريم ) ( بَلَوْتُ الناسَ مُذْ خمسين عاماً ... وحَسْبُكَ بالمُجَرِّبِ من عليمِ ) ( فما أحدٌ يُعَدُّ ليومِ خيرٍ ... ولا أحدٌ يعود ولا حميمُ ) ( ويعجبني الفتى وأظنّ خيراً ... فأكشف منه عن رجل لئيم ) ( تَقَيَّلَ بعضُهم بعضاً فَأَضْحَوْا ... بني أَبَوَيْنِ قُدّاً من أَدِيمِ ) ( فطافَ الناسُ بالحَسَنِ بن سَهْلٍ ... طَوَافَهُمُ بِزَمْزَمَ والحَطِيمِ ) ( وقالوا سَيِّدٌ يُعْطِي جزيلاً ... ويَكْشِفُ كُرْبَةَ الرجلِ الكظيمِ ) ( فقلتُ مضى بِذَمِّ القومِ شِعْري ... وقد يُؤْتَى البَرِيءُ مِنَ السَّقيمِ ) ( وما خَبَرٌ تُرَجِّمُهُ ظُنُونِي ... بأشْفَى من مُعايَنةِ الحَليمِ ) ( فجئتُ وللأمورِ مُبَشِّراتٌ ... ولن يخفَى الأَغْرٌّ من البَهِيمِ ) ( فَإِنْ يَكُ ما تَنَشَّر عنه حَقّاً ... رجعت بأُهْبَةِ الرجلِ المُقِيمِ ) ( وإنْ يكُ غيرُ ذاكَ حَمِدتُ رَبِّي ... وزال الشكُّ عن رجلٍ حكيم ) ( وما الآمال تَعْطِفُنِي عليه ... ولكنَّ الكريمَ أخو الكريمِ ) قال فلما أنشدته هذا الشعر قال لي بمثل هذا الشعر تلقى الأمير والله لو كان نظيرك لما جاز أن تخاطبه بمثل هذا فقلت صدقت فكذلك قلت إنني لم أمدحه بعد ولكنني سأمدحه مدحا يشبه مثله قال فافعل وأنزلني عنده ودخل إلى الحسن فأخبره بخبري وعجبه من جودة البيت الأخير فأعجبه فأمر بإدخالي إليه بغير مدح فأدخلت إليه فأمرني أن أنشد هذا الشعر فاستعفيته فلم يعفني وقال قد قنعنا منك بهذا القدر إذ لم تدخلنا في جملة من ذممت وأرضيناك بالمكافأة الجميلة فأنشدته إياه فضحك وقال ويحك مالك وللناس تعمهم بالهجاء حسبك الآن من هذا النمط وأبق عليهم فقلت وقد وهبتهم للأمير قال قد قبلت وأنا أطالبك بالوفاء مطالبة من أهديت إليه هدية فقبلها وأثاب عليها ثم وصلني فأجزل وكساني فقلت في ذلك وأنشدته ( وهبتُ القومَ للحَسَن بن سَهْلٍ ... فَعَوَّضَنِي الجزيلَ من الثَّوابِ ) ( وقال دَعِ الهجاءَ وقُلْ جَميلاً ... فإنَّ القَصْدَ أقربُ للثوابِ ) ( فقلت له برِئتُ إليكَ منهمْ ... فليتَهُمُ بمُنْقَطَعِ التُّرابِ ) ( ولولا نعمةُ الحَسَنِ بن سهلٍ ... عليَّ لَسُمْتُهُمْ سُوءَ العذاب ) ( بِشعْرٍ يَعْجَبُ الشعراءُ منه ... يُشَبَّه بالهجاء وبالعِتابِ ) ( أَكِيدُهُمُ مُكَايَدة الأعادي ... وأَخْتِلُهُمْ مُخاتلةَ الذِّئابِ ) ( بَلَوْتُ خيارَهم فَبَلَوْتُ قوماً ... كُهولُهُمُ أَخَسُّ من الشَّبابِ ) ( وما مُسِخُوا كِلاباً غيرَ أَنِّي ... رأيتُ القومَ أشباهَ الكِلابِ ) قال فضحك وقال ويحك الساعة ابتدأت بهجائهم وما أفلتوا منك بعد فقلت هذه بغية طفحت على قلبي وأنا كاف عنهم ما أبقى الله الأمير شعره في صديق علا قدره فجفاه أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني علي بن الحسن الشيباني قال كان لمحمد بن حازم الباهلي صديق على طول الأيام فنال مرتبة من السلطان وعلا قدره فجفا محمدا وتغير له فقال في ذلك محمد بن حازم ( وَصْلُ المُلُوكِ إلى التَّعالي ... ووَفَا المُلُوكِ من المُحَالِ ) ( مالي رَأَيْتُكَ لا تَدُومُ ... على المَوَدَّةِ للرِّجَالِ ) ( إنْ كَانَ ذا أَدَبٍ وظَرفٍ ... قلتَ ذاكَ أخو ضَلاَلِ ) ( أو كان ذا نُسُكٍ ودِينٍ ... قلتَ ذاك من الثِّقالِ ) ( أو كان في وَسَطٍ من المْرَيْنِ ... قلتَ يُريغُ مالي ) ( فَبِمِثْلِ ذا ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ... َ تبتغي رُتَبَ المعالي ) حدثني الحسن قال حدثني ابن مهرويه قال حدثني الحسن بن علي الشيباني قال كان محمد بن حازم الباهلي قد نسك وترك شرب النبيذ فدخل يوما على إبراهيم بن المهدي فحادثه وناشده وأكل معه لما حضر الطعام ثم جلسوا للشراب فسأله إبراهيم أن يشرب فأبى وأنشأ يقول ( أبعد خمسين أصبو ... والشَّيْبُ للجهل حَرْبُ ) ( سِنٌّ وشَيْبٌ وجَهْلٌ ... أمرٌ لَعَمْرُكَ صَعْبُ ) ( يابنَ الإمامِ فَهَلاَّ ... أَيَّامَ عُودِيَ رَطْبُ ) ( وَشَيْبُ رأسي قليلٌ ... ومَنْهَلُ الحُبِّ عَذْبُ ) ( وإذْ سِهامِي صِيَابٌ ... ونَصْلُ سَيْفِيَ عَضْبُ ) ( وإذْ شِفاءُ الغَوَانِي ... مِنِّي حديثٌ وقُرْبُ ) ( فالآن لمّا رأى بي العُذَّالُ ... ُ لي ما أَحَبوا ) ( وأقْصَرَ الجهلُ مِنِّي ... وساعدَ الشَّيْبَ لُبُّ ) ( وآنَسَ الرُّشْدَ مِنِّي ... قومٌ أُعاب وأصبوا ) ( آليتُ أشربُ كأساً ... ما حَجَّ للَّهِ رَكْبُ ) حدثني الحسن قال حدثنا ابن مهروية قال حدثني الحسن بن أبي السري قال وعد النوشجاني محمد بن حازم شيئا سأله إياه ثم مطله وعاتبه فلم ينتفع بذلك واقتضاه فأقام على مطله فكتب إليه ( أبَا بْشرٍ تَطاوَلَ بِي العِتَابُ ... وطال بِيَ التَّرَدُّدُ والطِّلاَبُ ) ( ولم أَتْرُكْ من الأعذارِ شيئاً ... أُلام به وإنْ كَثُرَ الخِطَابُ ) ( سَأَلْتُكَ حاجةً فَطَوَيْتَ كَشْحاً ... على رَغْمٍ وللدَّهْرِ انْقِلاَبُ ) ( وسُمْتَني الدَّنِيَّةَ مُسْتَخِفّاً ... كما خُزِمتْ بآنفها الصِّعابُ ) ( كأنَّك كنتَ تطلُبني بثأر ... وفي هذا لك العَجَبُ العُجَابُ ) ( فإنْ تَكُ حاجتي غَلَبَتْ وأعيَتْ ... فمعذورٌ وقد وَجَبَ الثوابُ ) ( وإنْ يكُ وَقْتُهَا شَيْبَ الغُرابِ ... فلا قُضِيتْ ولا شابَ الغُرابُ ) ( رجوتُكَ حين قيل لي ابنُ كِسْرَى ... وإنِّكَ سِرُّ مُلْكِهِمُ اللُّبَابُ ) ( فَقَدْ عَجَّلْتَ لي من ذاكَ وَعْداً ... وأقربُ من تَنَاولِهِ السَّحابُ ) ( وكلٌّ سوف يُنْشَرُ غيرَ شَكٍّ ... ويَحْمِلُهُ لِطِيَّتِهِ الكتابُ ) أخبرني الحسن قال حدثني ابن مهرويه قال حدثني الحسن بن أبي السري قال قصد محمد بن حازم بعض ولد سعيد بن سالم وقد ولي عملا واسترفده فأطال مدته ولم يعطه شيئا وانصرف عنه وقال ( أَللِدُّنْيَا أُعِدُّكَ يا بنَ عَمِّي ... فَأَعْلَمَ أم أُعِدُّكَ للحسابِ ) ( إلى كَمْ لاَ أراكَ تُنِيل حَتَّى ... أَهُزَّكَ قد بَرِئتُ من العتابِ ) ( وما تنفكُّ من جَمْعٍ ووضعٍ ... كأنَّك لستَ تُوقِنُ بالإيابِ ) ( فَشَرُّكَ عن صديقك غيرُ ناءٍ ... وخَيْرُكَ عند مُنْقَطَعِ الترابِ ) ( أتيتُكَ زائراً فأتيتُ كلباً ... فَحَظِّي من إخائِكَ لِلْكِلاَبِ ) ( فبئس أخو العشيرةِ ما عَلِمْنَا ... وأخبثُ صاحبٍ لأخي اغترابِ ) ( أَيَرْحَلُ عنك ضَيْفُكَ غيرَ راضٍ ... ورَحْلُكَ واسِعٌ خِصْبُ الجنابِ ) ( فقد أصبحتَ من كرمٍ بعيداً ... ومن ضِدّ المكارِمِ في اللُّبابِ ) ( وما بَيَ حاجةٌ لجَدَاك لكن ... أَرُدُّكَ عن قَبِيحِك للصَّوابِ ) حدثني عمي قال حدثني يزيد بن محمد المهلبي قال كنا عند المتوكل يوما وقد غاضبته قبيحة فخرج إلينا فقال من ينشدني منكم شعرا في معنى غضب قبيحة علي وحاجتي أن أخضع لها حتى ترضى فقلت له لقد أحسن محمد بن حازم الباهلي يا أمير المؤمنين حيث يقول ( صفحتُ بِرَغْمِي عنكَ صَفْحَ ضرورةٍ ... إليك وفي قلبي نَدُوبٌ من العَتْبِ ) ( خضعتُ وما ذَنْبِي إن الحُبّ عَزَّنِي ... فأغضيتُ صفحاً عن معالَجة الحبِّ ) ( وما زال بي فقرٌ إليك مُنَازعٌ ... يُذَلِّلُ مِنِّي كلَّ مُمْتَنِعِ صَعْبِ ) ( إلى اللهِ أشكو أنّ وُدِّي مُحَصَّلٌ ... وقلبي جميعاً عند مُقْتَسِمِ القَلْبِ ) الغناء لعبيدة الطنبورية رمل بالوسطى قال أحسنت وحياتي يا يزيد وأمر بأن يغنى فيه وأمر لي بألف دينار شعره في هجاء بني نمير حدثني الحسن بن علي قال حدثني ابن مهرويه قال حدثنا علي بن خالد البرمكي قال سافر محمد بن حازم الباهلي سفرا فمر بقوم من بني نمير فسلوا منه بعيرا له عليه ثقله فقال يهجوهم ( نُمَيْر أجُبْنا حيث يختلف القنا ... ولُؤْماً وبُخْلاً عند زادٍ ومِزْوَدِ ) ( ومنْعَ قِرَى الأضياف من غير علَّةٍ ... ولا عَدَمٍ إلا حِذَارَ التَّعَوُّدِ ) ( وبَغْياً على الجار الغريب إذا طَرَا ... عليكم وَخَتْلَ الرَّاكب المُتَفَرِّدِ ) ( على أنَّكُم تَرْضَوْنَ بالذُّلِّ صاحباً ... وتُعْطُونَ مَنْ لا حاكمُ الضَّيمَ عن يَدِ ) ( أمَا وأبي إنَّا لَنَعْفُو وإنَّنَا ... على ذاكِ أحياناً نَجُورُ ونعتدي ) ( نَكِيدُ العِدَا بالحِلْمِ من غيرِ ذِلَّةٍ ... ونَغْشَى الوَغَى بالصِّدْقِ لا بالتَّوَعُّدِ ) ( نَفَى الضَّيْمَ عَنَّا أنفسٌ مُضَرِيَّةٌ ... صِرَاحٌ وطَعْنُ الباسِلِ المُتَمَرِّدِ ) ( وإنَّا لمن قَيْسِ بن عَيْلاَن في التي ... هي الغايةُ القُصْوَى بِعَزٍّ وسُودَدِ ) ( وإنَّ لنا بالتُّرْكِ قَبْرَاً مُبَاركاً ... وبالصِّينِ قَبراً عِزَّ كلِّ مُوَحِّدِ ) ( وما نابَنَا صَرْفُ الزَّمانِ بِسَيِّدٍ ... بَكَيْنَا عليه أو يُوَافِي بسَيِّدِ ) ( ولو أنَّ قوماً يَسْلَمُونَ من الرَّدَى ... سَلِمْنَا ولكنَّ المَنَايَا بِمَرْصَدِ ) ( أَبَى الله أن يَهْدِي نُمَيْرَاً لِرُشْدِها ... ولا يَرْشُدُ الإنسانُ إلاَّ بِمُرْشِدِ ) هجاؤه عامل الأهواز حدثني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن القاسم ورجل من ولد البختكان من الأهوازيين أن محمد بن حامد ولي بعض كور الأهواز في أيام المأمون وأن محمد بن حازم الباهلي قدم عليه زائرا ومدحه فوصله وأحسن إليه وكتب له إلى تستر بحنطة وشعير فمضى بكتابه وأخذ ما كتب له به وتزوج هناك امرأة من الدهاقين فزرع الحنطة والشعير في ضيعتها وولى محمد بن حامد رجلا من أهل الكوفة الخراج بتستر فوكل بغلة محمد بن حازم وطالبه بالخراج فأداه فقال يهجوه ( زَرَعنا فلمَّا سلَّم الله زَرْعَنا ... وأوفى عليه مِنْجَلٌ بِحَصَادِ ) ( بُلِينَا بِكُوفِيٍّ حَليفِ مجاعَةٍ ... أَضَرَّ علينا من دَباً وجَرادِ ) ( أتى مُسْتَعِدَّاً ما يُكَذِّبُ دونه ... ولَجَّ بإرغَامٍ له وبِعَادِ ) ( فَطَوْراً بإلحاحٍ عليَّ وغِلْظَةٍ ... وطوراً بِخَبْطٍ دائم وفسادِ ) ( ولولا أبو العبَّاس أعني ابنَ حامِدٍ ... لَرَحَّلْتُهُ عن تُسْتَرٍ بِسَوَادِ ) ( فَكُفُّوا الأذى عن جارِكم وتَعَلَّمُوا ... بِأَنِّي لكم في العالمين مُنَادِي ) فبعث محمد بن حامد إلى عامله فصرفه عن الناحية وقال له عرضتني لما أكره واحتمل خراج محمد بن حازم أخبرني محمد بن الحسين بن الكندي المؤدب قال حدثنا الرياشي قال سمعت الأصمعي يقول قال هذا الباهلي محمد بن حازم في وصف الشيب شيئا حسنا فقال له أبو محمد الباهلي تعني قوله ( كفاكَ بالشَّيْبِ ذنباً عند غانيةٍ ... وبالشَّبَابِ شفيعاً أيُّها الرَّجُلُ ) فقال إياه عنيت فقال له الباهلي ما سمعت لأحد من المحدثين أحسن منه حدثني عمي قال حدثنا حسين بن فهم قال حدثني أبي قال دخل محمد بن حازم على محمد بن زبيدة وهو أمير فدعاه إلى أن يشرب معه فامتنع وقال ( أبعد خمسين أصبو ... والشَّيْبُ للجهل حَرْبُ ) ( سِنٌّ وشَيْبٌ وجهلٌ ... أمرٌ لَعَمْرُكَ صَعْبُ ) ( يابْنَ الإمامِ فَهَلاَّ ... أيَّامَ عُودِيَ رَطْبُ ) ( وشيبُ رأسي قليلٌ ... ومَنْهَلُ الحُبِّ عَذْبُ ) ( وإذْ شِفَاءُ الغَوَانِي ... مِنِّي حديثٌ وشُرْبُ ) ( الآن حين رأى بي ... عواذِلِي ما أَحَبُّوا ) آليتُ أشْرَبُ كأساً ... ما حَجَّ للهِ رَكْبُ ) قال فأعطاه محمد بن زبيدة ووصله أخبار ابن القصار ونسبه اسمه فيما أخبرني به أبو الفضل بن برد الخيار سليمان بن علي وذكره جحظة في كتاب الطنبوريين فتله في نفسه وأخلاقه ومدح صنعته وقال مما أحسن فيه قوله ( أَرِقْتُ لِبَرْقٍ لاَحَ في فَحْمَةِ الدُّجَى ... فأذْكَرَنِي الأحبابَ والمنزلَ الرَّحبا ) قال وهذا خفيف رمل مطلق ومما أحسن فيه أيضا ( تعالَيْ نُجَدِّدُ عهدَ الصِّبَا ... ونَصْفَحُ للحُبِّ عمّا مَضَى ) وهو خفيف رمل مطلق أيضا وذكر أنه كان مع أبيه قصارا وتعلم الغناء فبرع فيه ومن طيب ما ثلبه به جحظة وتنادر عليه به وأراها مصنوعة أنه مر يوما على أبيه ومعه غلام يحمل قاطرميز نبيذ وجوامرجة مذبوحة مسموطة فقال الحمد لله الذي أراني ابني قبل موتي يأكل لحم الجواميرات ويشرب نبيذ القاطرميزات وحدث عن بعض جيرانه أن ابن القصار غنى له يوما بحبل ودلو وأن إسماعيل بن المتوكل وهب له مائتي أترجة كانت بين يديه فباعها بثلاثة دنانير وأنه يحمل بلبكيذه إلى دار السلطان وله فيه خبز وجبن فيأكله ويحمل في البلبكيذ ما يوضع بين يديه في دار السلطان فيدعو إخوانه عليه وأكثر من ثلب الرجل مما لا فائدة فيه ولو أراد قائل أن يقول فيه ما لا يبعد من هذه الأخلاق لوجد مقالا واسعا ولكنه مما يقبح ذكره سيما وقد لقيناه وعاشرناه عفا الله عنا وعنه أخبرنا ذكاء وجه الرزة قال كنا نجتمع مع جماعة في الطنبوريين ونشاهدهم في دور الملوك وبحضرة السلطان فما شاهدت منهم أفضل من المسرور وعمر الميداني وابن القصار قصته مع قمرية زوجة البلوري وحدثتني قمرية البكتمرية قالت كنت لرجل من الكتاب يعرف بالبلوري وكان شيخا وكانت ستي التي ربتني مولاته وكانت مغنية شجية الصوت حسنة الغناء وكانت تعشق ابن القصار وكانت علامة مصيره إليها أن يجتاز في دجلة وهو يغني فإن قدرت على لقائه أوصلته إليها وإلا مضى فأذكره وقد اجتاز بنا في ليلة مقمرة وهو يغني خفيف رمل قال ( أنا في يُمْنَى يَدَيْهَا ... وهي في يُسْرَى يَدَيَّهْ ) ( إنَّ هذا لقَضَاءٌ ... فيه جَوْرٌ يا أُخَيَّهْ ) ويغني في آخر رده ( وَيْل وَيْلِي يا أبَيَّهْ ... ) وكانت ستي واقفة بين يدي مولاها فما ملكت نفسها أن صاحت أحسنت والله يا رجل فتفضل وأعد ففعل وشرب رطلا وانصرف وعلم أنه لا يقدر على الوصول إليها وكان مولاها يعرف الخبر فتغافل عنها لموضعها من قلبه فلا أذكر أني سمعت قط أحسن من غنائه صوت ( باح بالوجدِ قلبُك المُسْتَهامُ ... وجرت في عِظامك الأسقامُ ) ( يوم لا يملك البكاءَ أخو الشَّوْقِ ... فيُشْفَى ولا يُرَدُّ سلامُ ) لم يقع إلي قائل هذا الشعر والغناء لمعبد اليقطيني ثاني ثقيل بالبنصر عن أحمد بن المكي أخبار معبد كان معبد اليقطيني غلاما مولدا خلاسيا من مولدي المدينة اشتراه بعض ولد علي بن يقطين وقد شدا بالمدينة وأخذ الغناء عن جماعة من أهلها وعن جماعة أخرى من علية المغنين بالعراق في ذلك الوقت مثل إسحاق وابن جامع وطبقتهما ولم يكن فيما ذكر بطيب المسموع ولا خدم أحدا من الخلفاء إلا الرشيد ومات في أيامه وكان أكثر انقطاعه إلى البرامكة خبره مع غلام من المدينة أخبرني عمي الحسن بن محمد قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي قال حدثني معبد الصغير المغني مولى علي بن يقطين قال كنت منقطعا إلى البرامكة آخذ منهم وألازمهم فبينا أنا ذات يوم في منزلي إذا بابي يدق فخرج غلامي ثم رجع إلي فقال على الباب فتى ظاهر المروءة يستأذن عليك فأذنت له فدخل علي شاب ما رأيت أحسن وجها منه ولا أنظف ثوبا ولا أجمل زيا منه من رجل دنف عليه آثار السقم ظاهرة فقال لي إني أرجو لقاك منذ مدة فلا أجد إليه سبيلا وإن لي حاجة قلت ما هي فأخرج ثلثمائة دينار فوضعها بين يدي ثم قال أسألك أن تقبلها وتصنع في بيتين قلتهما لحنا تغنيني به فقلت هاتهما فأنشدهما وقال صوت ( واللهِ يا طَرْفِيَ الجانِي على بَدَنِي ... لَتُطْفِئَنَّ بِدَمْعِي لوعةَ الحَزَنِ ) ( أو لأبُوحَنَّ حَتَّى يَحْجُبُوا سَكَنِي ... فلا أراه ولو أُدْرِجْتُ في كَفَنِي ) الغناء فيه لمعبد اليقطيني ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى قال فصنعت فيهما لحنا ثم غنيته إياه فأغمي عليه حتى ظننته قد مات ثم أفاق فقال أعد فديتك فناشدته الله في نفسه وقلت أخشى أن تموت فقال هيهات أنا أشقى من ذاك وما زال يخضع لي ويتضرع حتى أعدته فصعق صعقة أشد من الأولى حتى ظننت أن نفسه قد فاظت فلما أفاق رددت الدنانير عليه ووضعتها بين يديه وقلت يا هذا خذ دنانيرك وانصرف عني فقد قضيت حاجتك وبلغت وطرا مما أردته ولست أحب أن أشرك في دمك فقال يا هذا لا حاجة لي في الدنانير فقلت لا والله ولا بعشرة أضعافها إلا على ثلاث شرائط قال وما هن قلت أولها أن تقيم عندي وتتحرم بطعامي والثانية أن تشرب أقداحا من النبيذ تشد قلبك وتسكن ما بك والثالثة أن تحدثني بقصتك فقال أفعل ما تريد فأخذت الدنانير ودعوت بطعام فأصاب منه إصابة معذر ثم دعوت بالنبيذ فشرب أقداحا وغنيته بشعر غيره في معناه وهو يشرب ويبكي ثم قال الشرط أعزك الله فغنيته فجعل يبكي أحر بكاء وينشج أشد نشيج وينتحب فلما رأيت ما به قد خف عما كان يلحقه ورأيت النبيذ قد شد من قلبه كررت عليه صوته مرارا ثم قلت حدثني حديثك فقال أنا رجل من أهل المدينة خرجت متنزها في ظاهرها وقد سال العقيق في فتية من أقراني وأخداني فبصرنا بقينات قد خرجن لمثل ما خرجنا له فجلسن حجرة منا وبصرت فيهن بفتاة كأنها قضيب قد طله الندى تنظر بعينين ما ارتد طرفهما إلا بنفس من يلاحظهما فأطلنا وأطلن حتى تفرق الناس وانصرفن وانصرفنا وقد أبقت بقلبي جرحا بطيئا اندماله فعدت إلى منزلي وأنا وقيذ وخرجت من الغد إلى العقيق وليس به أحد فلم أر لها ولا لصواحباتها أثرا ثم جعلت أتتبعها في طرق المدينة وأسواقها فكأن الأرض أضمرتها فلم أحس لها بعين ولا أثر وسقمت حتى أيس مني أهلي ودخلت ظئري فاستعلمتني حالي وضمنت لي حالها والسعي فيما أحبه منها فأخبرتها بقصتي فقالت لا بأس عليك هذه أيام الربيع وهي سنة خصب وأنواء وليس يبعد عنك المطر وهذا العقيق فتخرج حينئذ وأخرج معك فإن النسوة سيجئن فإذا فعلن ورأيتها تبعتها حتى أعرف موضعها ثم أصل بينك وبينها وأسعى لك في تزويجها فكأن نفسي اطمأنت إلى ذلك ووثقت به وسكنت إليه فقويت وطمعت وتراجعت نفسي وجاء مطر بعقب ذلك فأسال الوادي وخرج الناس وخرجت مع إخواني إليه فجلسنا مجلسنا الأول بعينه فما كنا والنسوة إلا كفرسي رهان وأومأت إلى ظئري فجلست حجرة منا ومنهن وأقبلت على إخواني فقلت لقد أحسن القائل حيث قال ( رَمَتْنِي بسهم أَقْصَدَ القلبَ وانْثَنَتْ ... وقد غادرتْ جُرْحاً به ونُدُوبَا ) فاقبلت على صواحباتها فقالت أحسن والله القائل وأحسن من أجابه حيث يقول ( بِنَا مثلُ ما تَشْكُو فَصَبْراً لَعَلَّنا ... نرى فَرَجاً يَشْفى السَّقامَ قَرِيبَا ) فأمسكت عن الجواب خوفا من أن يظهر مني ما يفضحني وإياها وعرفت ما أرادت ثم تفرق الناس وانصرفنا وتبعتها ظئري حتى عرفت منزلها وصارت إلي فأخذت بيدي ومضينا إليها فلم تزل تتلطف حتى وصلت إليها فتلاقينا وتداورنا على حال مخالسة ومراقبة وشاع حديثي وحديثها وظهر ما بيني وبينها فحجبها أهلها وتشدد عليها أبوها فما زلت أجتهد في لقائها فلا أقدر عليه وشكوت إلى أبي لشدة ما نالني حالي وسألته خطبتها لي فمضى أبي ومشيخة أهلي إلى أبيها فخطبوها فقال لو كان بدأ بهذا قبل أن يفضحها ويشهرها لأسعفته بما التمس ولكنه قد فضحها فلم أكن لأحقق قول الناس فيها بتزويجه إياها فانصرفت على يأس منها ومن نفسي قال معبد فسألته أن ينزل فحبرني وصارت بيننا عشرة ثم جلس جعفر بن يحيى للشرب فأتيته فكان أول صوت غنيته صوتي في شعر الفتى فطرب عليه طربا شديدا وقال ويحك إن لهذا الصوت حديثا فما هو فحدثته فأمر بإحضار الفتى فأحضر من وقته واستعاده الحديث فأعاده عليه فقال هي في ذمتي حتى أزوجك إياها فطابت نفسه وأقام معنا ليلتنا حتى أصبح وغدا جعفر إلى الرشيد فحدثه الحديث فعجب منه وأمر بإحضارنا جميعا فأحضرنا وأمر بأن أغنيه الصوت فغنيته وشرب عليه وسمع حديث الفتى فأمر من وقته بالكتاب إلى عامل الحجاز بإشخاص الرجل وابنته وجميع أهله إلى حضرته فلم يمض إلا مسافة الطريق حتى أحضر فأمر الرشيد بإيصاله إليه فأوصل وخطب إليه الجارية للفتى وأقسم عليه ألا يخالف أمره فأجابه وزوجه إياها وحمل إليه الرشيد ألف دينار لجهازها وألف دينار لنفقة طريقه وأمر للفتى بألف دينار وأمر جعفر لي وللفتى بألف دينار وكان المدني بعد ذلك في جملة ندماء جعفر بن يحيى صوت هل نَفْسُكَ المستهامة السَّدِمَهْ ... ساليةٌ مَرَّةً ومُعْتَزمَهْ ) ( عن ذِكْرِ خَوْدٍ قَضَى لها المَلِكُ الْخَالِقُ ... أَلاَّ تُكِنَّها ظُلُمَهْ ) الشعر لابن أبي الزوائد والغناء لحكم رمل بالوسطى عن الهشامي أخبار ابن أبي الزوائد ونسبه اسمه سليمان بن يحيى بن زيد بن معبد بن أيوب بن هلال بن عوف بن نضلة بن عصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور ويقال له ابن أبي الزوائد أيضا شاعر مقل من مخضرمي الدولتين وكان يؤم الناس في مسجد رسول الله ذكره لجارية تعشقها في شعره أخبرني بذلك محمد بن خلف وكيع قال حدثنا ابن أبي خيثمة عن بعض رجاله عن الأصمعي وأخبرني وكيع قال حدثني طلحة بن عبد الله الطلحي قال أخبرني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل قال كان ابن أبي الزوائد يتعشق جارية سوداء مولاة الصهيبيين وكان يختلف إليها وهي في النخل بحاجزة فلما حان الجداد قال ( حُجَيْجُ أمسَى جَدَادُ حاجزةٍ ... فليتَ أنَّ الجَدَاد لم يَحِنِ ) ( وشَتَّ بَيْنٌ وكُنْتِ لي سَكَناً ... فيما مَضَى كان ليس بالسَّكَنِ ) ( قد كانَ لي مِنْكِ ما أُسَرُّ به ... وليتَ ما كان مِنْكِ لم يَكُنِ ) ( نَعِفُّ في لَهْوِنا ويَجْمَعُنَا المَجْلِسُ ... بين العريش والجرُنِ ) ( يُعْجِبُنَا اللَّهْوُ والحديثُ ولا ... نَخْلِط في لَهْوِنَا هَنًا بِهنِ ) ( لَوْ قَدْ رحلتُ الحمارَ منكشفاً ... لم أَرَها بَعْدَها ولم تَرَني ) فقال له أبو محمد الجمحي إن الشعراء يذكرون في شعرهم أنهم رحلوا الإبل والنجائب وأنت تذكر أنك رحلت حمارا فقال ما قلت إلا حقا والله ما كان لي شيء أرحله غيره قال وقال فيها أيضا ( يا ليتَ أنَّ العرَبَ اسْتَلْحَقُوا ... رِيمَ الصُّهَيْبِيِّينَ ذاكَ الأجَمّ ) ( وكان منهم فتزوَّجْتُه ... أو كنتُ من بعض رجال العَجَمْ ) أخبرني وكيع قال حدثني طلحة بن عبد الله بن الزبير بن بكار عن عمه قال كان أبو عبيدة بن عبد الله بن ربيعة صديقا لابن أبي الزوائد ثم تباعد - ما بينهما لشيء بلغ أبا عبيدة عنه فهجره من أجله فهجاه فقال ( قَطَع الصفاء ولم أكن ... أهلاً لذاك أبو عُبَيْدَهْ ) ( لا تَحْسَبَنَّكَ عاقلاً ... فلأنتَ أحمقُ من حُمَيْدَهْ ) حميدة امرأة كانت بالمدينة رعناء يضرب بها المثل في الحمق شعر قبيح في قيان حماد بن عمران وهجاؤه لامرأته ) حدثني عمي ووكيع قالا حدثنا الكراني عن أبي غسان دماذ عن أبي عبيدة قال دخل ابن أبي الزوائد إلى حماد بن عمران الطليحي وكان يلقب بعطعط وكان له قيان يسمعهن الناس عنده فرآهن ابن أبي الزوائد فقال فيهن ( أقولُ وقد صُفَّتِ البُظْرُلي ... أَلِلْبُظْرِ أدخلني عُطْعُطُ ) ( فإنِّي امرؤٌ لا أحِبُّ الزِّنَا ... ولا يَسْتَفِزُّنِي البَرْبَطُ ) ( ولو بَعْضُهُنَّ ابتغى صَبْوَتِي ... لَخالَطَ هَامَتَها المِخْبَطُ ) ( لبئس فعالُ امرئٍ قد قَرَا ... وهَمَّتْ عَوَارِضُهُ تَشْمَطُ ) ( وما كنتُ مفترشاً جارتي ... وسَيِّدُها نائمٌ يَضْرِطُ ) ( أَأُفْرِغُ في جارتي نُطْفَةً ... حَراماً كما يُفْرَغُ المُسْعُطُ ) أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثني أبو هفان قال حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال حدثني المسيبي أن ابن أبي الزوائد كانت عنده امرأة أنصارية فطال لبثها عنده حتى ملها وأبغضها فقال يهجوها ( يا رَمْلُ أنتِ الغُولُ بين رِمَالِ ... لم تَظْفَرِي بِتُقًى ولا بِجَمَالِ ) ( يا رَمْل لو حُدِّثْتُ أَنَّكِ سَلْفَعٌ ... شَوْهَاءُ كالسِّعْلاةِ بين سَعَالي ) ( ما جاء يطلبُكَ الرسولُ بِخِطْبَةٍ ... مِنِّي ولا ضُمَّت عليكِ حبالي ) ( ولقد نَهَى عنكِ النَّصيحُ وقال لي ... لا تَقْرِنَنَّ بَذِيَّةً بِعِيالِ ) ( لَمَّا هَزَزْتُ مُهَنَّدي وقذفتُهُ ... فيها وقد ارهفتُه بصِقَالِ ) ( رَجَعَ المُهَنَّدُ ما لَه من حيلةٍ ... وهناك تَصْعُبُ حِيلةُ المحتالِ ) ( وكأنَّما أولجتُهُ في قُلَّةٍ ... قد بُرِّدَتْ للصومِ أو بوقالِ ) ( ورأيتُ وجهاً كاسفاً مُتَغَيِّراً ... وحِراً أشَقَّ كَمِرْكَنِ الغَسَّالِ ) ( ما كان أَيْرُ الفيل بالِغَ قَعْرِهِ ... بِتَحَامُلٍ عَنْهُ ولا إدخالِ ) ( ولقد طعنت مبالَها بسُلاحِها ... فوجدتُ أخبثَ مَسْلَح ومَبَالِ ) قال وقال لها وقد فخرت ( هلاَّ سألتِ مَنَازِلاً بِغُرارِ ... عَمَّنْ عَهِدْتُ به من الأَحْرَارِ ) ( أينَ انْتَأَوْا ونحاهُمُ صَرْفُ النَّوَى ... عَنَّا وصَرْفُ مُقَحِّمٍ مِغْيَارِ ) ( كَرِهَ المُقَامَ وظَنَّ بي وبأهلِها ... ظَنّاً فكان بنا على إصْرارِ ) ( عُدِّي رجالَكِ واسْمَعِي يا هَذِهِ ... عَنِّي مَقَالَةَ عالمٍ مِفْخَارِ ) ( سأعُدُّ ساداتٍ لنا ومَكارِماً ... وأُبوّةً ليستْ عليَّ بِعَارِ ) ( قَيْسٌ وخِنْدِفُ والدايَ كِلاهُما ... والعَمُّ بَعْدُ ربيعةُ بنُ نزارِ ) ( مَنْ مِثْلُ فارِسنا دُرَيْدٍ فارساً ... في كلِّ يومِ تَعَانُقٍ وكِرارِ ) ( وبنو زِيادٍ مَنْ لِقَوْمِكِ مِثْلُهُمْ ... أو مِثْلُ عَنترةَ الهِزَبْرِ الضَّاري ) ( والحيُّ من سعدٍ ذُؤابةُ قَوْمِهِمْ ... والفَخْرُ منهم والسَّنامُ الواري ) ( المانِعُونَ من العَدُوِّ ذِمَارَهُمْ ... والمُدْرِكُونَ عَدُوَّهم بالثَّارِ ) ( والناكحونَ بناتِ كلِّ مُتَوَّجٍ ... يومَ الوَغَى غَصْباً بلا إِمهارِ ) ( وبنو سُلَيْم نُكْلُ مَنْ عاداهُمُ ... وحَيَا العُفَاةِ ومَعْقِلُ الفُرَّارِ ) ( ليسوا بأنكاسٍ إذا حاسَتْهُمُ المَوْتَ ... العُدَاةُ وصَمَّمُوا لِمُغَارِ ) أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا الزبير بن بكار عن عمه قال كان ابن أبي الزوائد وفد إلى بغداد في ايام المهدي فاستوخمها فقال يتشوق إلى المدينة ويخاطب أبا غسان محمد بن يحيى وكان معه نازلا ( يابْنَ يحيى ماذا بدا لَكَ ماذا ... أَمُقَامٌ أم قد عَزَمْتَ الخِياذَا ) ( فالبراغيثُ قد تَثَوَّرَ منها ... سامرٌ ما نَلُوذ منها مَلاَذَا ) ( فَنَحُكُّ الجُلُودَ طَوْراً فَتَدْمَى ... وَنَحُكُّ الصُّدُورَ والأفخاذَا ) ( فَسَقَى الله طَيْبَةِ الوَبْلَ سَحّاً ... وسقى الكَرْخَ والصَّرَاةَ الرَّذاذَا ) ( بلدةٌ لا ترى بها العَيْنُ يوماً ... شارباً للنَّبيذِ أو نَبَّاذَا ) ( أو فَتًى ماجناً يرى اللَّهْوَ والباطِلَ مجداً أو صاحباً لَوَّاذا ) ( هذه الذال فاسمعوها وهاتُوا ... شاعِراً قال في الرَّويِّ على ذَا ) ( قالها شاعرٌ لَوَ أنَّ القوافي ... كُنَّ صخراً أطارَهُنَّ جُذَاذَا ) سكر فشعر قال الزبير وأنشدني له أبو غسان محمد بن يحيى وكان قد دخل إلى رجلين من أهل الحجاز يقال لأحدهما أبو الجواب والآخر أبو ايوب فسقياه نبيذا على أنه طري لا يسكر فأسكره فقال ( سَقَانِي شربةً فَسَكِرْتُ منها ... أبو الجَوَّابِ صاحِبيَ الخبيثُ ) ( وعاوَنَهُ أبو أيُّوبَ فيها ... ومِنْ عاداته الخُلُقُ الخَبِيثُ ) ( فلمَّا أن تَمَشَّتْ في عِظامِي ... وهَمَّتْ وثْبَتِي منها تَرِيثُ ) ( علمتُ بأنَّني قد جئتُ أمراً ... تسوءُ به المقالةُ والحديثُ ) ( فَدَعْهُم لا أبا لك واجْتَنِبْهُمْ ... فإنَّ خَلِيطَهُمْ لَهُوَ اللّوِيثُ ) وتمام الأبيات التي فيها الغناء بعد البيتين المذكورين ( كالشمس في شَرْقِها إذا سَفَرَتْ ... عنها ومِثْلُ المَهَاةِ مُلْتَثِمَهْ ) ( ما صَوَّرَ الله حين صَوَّرها ... في سائر النَّاسِ مثلَها نَسَمَهْ ) ( كلَّ بلادِ الإلهِ جئتُ فما ... أبصرتُ شِبْهاً لها وقد عَلِمَهْ ) ( أنْثَى من العالمين تُشْبِهُهَا ... عابسةً هَكَذَا ومُبْتَسِمَهْ ) ( فَتَّانَةُ المُقْلَتَيْنِ مُخْطَفَةُ الأحشاءِ ... منها البَنَانُ كالعَنَمَهْ ) ( إذا تعاطتْ شيئاً لتأخذَه ... قلتَ غَزَالٌ يَعْطُو إلى بَرَمَهْ ) ( يا طِيبَ فِيها وطِيبَ قُبْلتها ... والقُرْبِ مِنْها في اللَّيلة الشَّبِمَهْ ) ( إنَّ من اللَّذَّةِ التي بَقِيتْ ... غِشيانَكَ الخَوْدَ من بني سَلَمَهْ ) ( لا تَهْجُرِ الخَوْدَ إنْ تُغالِ بها ... بعد سُلُوٍّ وقبلَ ذاك فَمَهْ ) ( آتِي مُعِدّاً لها الكلامَ فما ... أنْطِقُ من هَيبةٍ ولا كَلِمَهْ ) ( أُحِبُّ واللهِ أن أزورَكُمُْ ... وَحْدِي كذا أو أَزُورَكُم بِلُمَهْ ) ( هذا الجمالُ الذي سمعتَ به ... سبحانَ ذي الكِبْرِيَاءِ والعَظَمَهْ ) ( مَنْ أبصرتْ عَيْنُه لها شَبَهاً ... حَلَّ عليه العذابُ والنَّقِمَهْ ) صوت ( يا هِنْدُ يا هِنْدُ نَوِّلِي رَجُلاً ... وكيف تنويلُ مَنْ سَفَكْتِ دَمَهْ ) ( أو تُدْرِكِي نَفْسه فقد هَلَكتْ ... أو تَرْحَمِيهِ فمِثْلُكم رَحِمهْ ) أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن جعفر بن قادم مولى بني هاشم قال حدثني عمي أحمد بن جعفر عن ابن دأب قال أمر المنصور أن لا تتزوج منافية إلا منافيا ً خرجت أنا وأخي يحيى وابن أبي السعلاء ومعنا مصعب بن عبد الله النوفلي وثابت والزبير ابنا خبيب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير وابن أبي الزوائد السعدي وابن أبي ذئب متنزهين إلى العقيق وقد سال يومئذ إذ أتانا آت ونحن جلوس فسألناه عن الخبر بالمدينة فقال ورد كتاب أمير المؤمنين المنصور أن لا تتزوج منافية إلا منافيا قال ابن أبي ذئب إذن والله لا يخطب قرشي إلا من لا يحبها ولا يرغب فيمن لا يرغب فيها ممن لا فضل له عليها وكان غير حسن الرأي في بني هاشم وتكلم ابنا خبيب بمثل ذلك وقال أحدهما إن نسبنا من بني عبد مناف قد طال فأدالنا الله منهم قال فغضب مصعب النوفلي وكان أحول فازدادت عيناه انقلابا فقال أما أنت يابن أبي ذئب فوالله ما شرفتك جاهلية ولا رفعك إسلام فيقع في بال أحد أنك عنيت بما جرى وأما أنتما يا بني خبيب فبغضكما لبني عبد مناف تالد موروث ولا يزال يتجدد كلما ذكرتم قتل الزبير وإنكم لمن طينتين مختلفتين أما إحداهما فمن صفية وهي الطينة الأبطحية السنية تنزعان إليها إذا نافرتما وتفخران بها إذا افتخرتما والأخرى الطينة العوامية التي تعرفانها ولو شئت أن أقول لقلت ولكن صفية تحجزني فأحسنا الشكر لمن رفعكما ولا تميلا عليه بمن وضعكما فقالا له مهلا فوالله لقديمنا في الإسلام أفضل من قديمك ولحظنا فيه بالزبير أفضل من حظك فقال مصعب والله ما تفخران في نسبكما إلا بعمتي ولا تفضلان في دينكما إلا بابن عمي فمفاخره لي دونكما ثم تفرقوا فقال ابن أبي الزوائد ( لَعَمْرُكُما يابني خُبَيبِ بن ثابتٍ ... تجاوزتما في الفَخْرِ جَهْلاً مَداكما ) ( وأنكرتُما فضلَ الذين بِفَضْلِهِمْ ... سَمَتْ بين أيدي الأكْرَمِين يَداكُمَا ) ( فإنَّكما لم تَعْرِفَا إذ سَمَوْتُمَا ... إلى العِزِّ مِنْ آل النبيِّ أباكما ) ( ولم تَعْرِفَا الفضلَ الذي قد فَخَرْتُما ... فليس من العَوَّامِ حَقّاً أتاكما ) ( فلولا الكِرامُ الغُرُّ من آل هاشمٍ ... فلا تجهلا لَمْ تدفَعا مَنْ رَماكما ) صوت ( مُحبٌّ صَدَّ آلِفُهُ ... فليس لِلَيْلِه صُبْحُ ) ( يُقلِّبُه على مَضَضٍ ... مَوَاعِدُ ما لَها نُجْحُ ) ( له في عَيْنِه غَرْبٌ ... وفي أحشائه جُرْحُ ) ( صحَا عنه الَّذي يرجو ... وما يَصْحُو ) الشعر لأبي الأسد والغناء لعلويه هزج بالوسطى وخفيف ثقيل بالوسطى أخبار أبي الأسد ونسبه اسمه فيما ذكر لنا عيسى بن الحسين الوراق عن عيسى بن إسماعيل تينة عن القحذمي نباتة بن عبد الله الحماني وذكر أبو هفان المهزمي أنه من بني شيبان وهو شاعر مطبوع متوسط الشعر من شعراء الدولة العباسية من أهل الدينور وكان طبا مليح النوادر مزاحا خبيث الهجاء وكان صديقا لعلويه المغني الأعسر ينادمه ويواصل عشرته ويصله علويه بالأكابر ويعرضه للمنافع وله صنعة في كثير من شعره شعره في جارية وعدته أن تزوره ليلا فأخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن محمد الأبزاري قال كان أبو الأسد الشاعر صديقا لعلويه وكان كثيرا ما يغني في شعره فدعانا علويه ليلة ووعدته جارية لآل يحيى بن معاذ وكانت تأخذ عنه الغناء أن تزوره تلك الليلة وكانت من أحسن الناس وجها وغناء وكان علويه يهيم بها فانتظرناها حتى أيسنا منها احتباسا فقال علويه لأبي الأسد قل في هذا شعرا فقال ( محبٌّ صدَّ آلِفُه ... فليس لِلَيْلِه صُبْحُ ) ( صحا عنه الذي يرجو ... زيارتَه وما يصحو ) قال فصنع علويه فيه لحنا من خفيف الثقيل هو الآن مشهور في ايدي الناس وغنانا فيه فلم نزل نشرب عليه حتى أصبحنا وصنع في تلك الليلة بحضرتنا فيه الرمل في شعر أبي وجزة السعدي ( قَتَلتْنِي بغير ذنبٍ قَتُولُ ... وحَلاَلٌ لها دَمِي المطلُولُ ) ( ما على قاتلٍ أصابَ قَتِيلاً ... بدَلاَلٍ ومُقْلَتَيْنِ سَبِيلُ ) أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أبو هفان قال كتب أبو الأسد وهو من بني حمان إلى موسى بن الضحاك ( لِموسَى أَعْبُدٌ وأنَا أخُوهُ ... وصاحِبه وما لي غيرُ عَبْدِ ) ( فلو شاء الإلهُ وشاء موسى ... لآنَسَ جانِبي فَرَجٌ بِسَعْدِ ) قال وفرج غلام كان لأبي الأسد وسعد غلام كان لموسى فبعث إليه موسى بسعد وقاسمه بعده بقية غلمانه فأخذ شطرهم وأعطاه شطرهم أخبرني محمد الخزاعي قال حدثني العباس بن ميمون طائع قال هجا أبو الأسد أحمد بن أبي دواد فقال ( أنت امرؤ ٌغَثَّ الصَّنِيعَةِ رَثُّها ... لا تُحْسِنُ النُّعْمَى إلى أمثالي ) ( نُعْمَاك لا تَعْدُوكَ إلاَّ في امرئٍ ... في مَسْكِ مِثْلِك من ذَوي الأَشْكَالِ ) ( وإذا نظرتَ إلى صَنيعِك لم تَجِدْ ... أَحَداً سَمَوْتَ به إلى الإفْضالِ ) ( فاسْلَمْ بغير سَلاَمةٍ تُرْجَى لها ... إلاَّ لِسَدِّكَ خَلَّةَ الأَنْذَالِ ) قال فأدى إليه سلامة وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عائشة هذه الأبيات عن أبي الأسد فبعث إليه ببرد واستكفه وبعث بابن عائشة إلى مظالم ماسبذان وقال له قد شركته في التوبيخ لنا فشركناك في الصفقة فإن كنتما صادقين في دعواكما كنتما من الأنذال وإن كنتما كاذبين فقد جزيتما بالقبيح حسنا سبب هجائه أحمد بن أبي دواد حدثني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن الحسن بن الحرون قال كان سبب هجاء أبي الأسد أحمد بن أبي دواد أنه مدحه فلم يثبه ووعده بالثواب ومطله فكتب إليه ( ليتَك إذ نُبْتَنِي بواحدةٍ ... تُقْنِعُنِي منك آخِرَ الأَبَدِ ) ( تَحْلِفُ ألاَّ تَبَرَّني أبداً ... فإنّ ! َ فيها بَرْداً على كَبِدي ) ( اشْفِ فُؤادي مِنِّي فإنَّ به ... منِّي جُرْحاً نَكَأْتُه بِيَدِي ) ( إنْ كان رِزْقي إليكَ فارْمِ به ... في نَاظِرَيْ حَيَّةٍ على رَصَد ) ( قد عشْتُ دهراً وما أقدِّر أنْ ... أرضَى بما قد رَضِيتُ من أحدِ ) ( فكيف أخطأتُ لا أَصبتُ ولا ... نَهَضْتُ من عَثْرَةٍ إلى سَدَدِ ) ( لو كنتُ حُرّاً كما زعمتُ وقد ... كَدَدْتَنِي بالمِطَالِ لم أَعُدِ ) ( صَبَرْتُ لمَّا أسأتَ بي فإذا ... عُدْتُ إلى مِثْلِها فعُدْ وعُدِ ) ( فإنَّنِي أهلُ ذاكَ في طَمَعِي ... وفي خَطَائي سبيلَ مُعْتَمِدِ ) ( أَبْعَدَنِي اللهُ حين يَحْمِلُني ... حرْصِي على مِثْلِ ذَا من الأَوَدِ ) ( الآنَ أيقنتُ بعد فِعْلِكَ بي ... أَنِّيَ عَبْدٌ لأعْبُدٍ قُفُد ) ( فصِرْتُ من سُوء ما رُمِيتُ به ... أُكْنَى أبا الكَلْبِ لا أبا الأَسَدِ ) أخبرني علي بن الحسين بن عبد السميع المروزي الوراق قال حدثني عيسى بن إسماعيل تينة عن القحذمي قال كان أبو الأسد الشاعر واسمه نباتة بن عبد الله الحماني منقطعا إلى الفيض بن صالح وزير المهدي وفيه يقول ( ولائمةٍ لامَتْكَ يا فَيْضُ في النَّدَى ... فقلتُ لها لن يَقْدَحَ اللَّوْمُ في البَحْرِ ) ( أرادتْ لِتَنْهَى الفَيْضَ عن عادةِ النَّدَى ... ومَنْ ذا الذي يَثْني السَّحَابَ عن القَطْرِ ) ( مَوَاقِعُ جُودِ الفَيْضِ في كلِّ بلدةٍ ... مَوَاقِعُ ماءِ المُزْنِ في البَلَدِ القَفْرِ ) ( كأنَّ وُفودَ الفَيْضِ لما تَحَمَّلُوا ... إلى الفيض لاقَوْا عندَه ليلةَ القَدْرِ ) وكان أبو الأسد قبله منقطعا إلى أبي دلف مدة فلما قدم عليه علي بن جبلة العكوك غلب عليه وسقطت منزلة أبي الأسد عنده فانقطع إلى الفيض بعد عزله عن الوزارة ولزومه منزله وذلك في أيام الرشيد وفيه يقول ( أتيتُ الفَيْضَ مُشْتَكِياً زَمَاني ... فأَعْدَانِي عليهِ جُودُ فَيْضِ ) ( وفاضتْ كَفُّهُ بالبَذْلِ منه ... كما كَفُّ ابنِ عيسى ذاتُ غَيْضِ ) مدح حمدون بن إسماعيل وهجاء علي بن المنجم أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثني ابن مهرويه قال حدثني علي بن الحسن بن الأعرابي قال سأل أبو الأسد بعض الكتاب وهو علي بن يحيى المنجم حاجة يسأل فيها بعض الوزراء فلم يفعل وبلغ حمدون بن إسماعيل الخبر فسأل له فيها مبتدئا ونجزها وأنفذها إليه فقال أبو الأسد يهجو الرجل الذي كان سأله الحاجة ويمدح حمدون بن إسماعيل ( صُنْعٌ من اللهِ أَنِّيِ كنتُ أَعْرِفكم ... قبلَ اليَسَارِ وأنتمْ في التَّبَابينِ ) ( فما مضتْ سَنَةٌ حتَّى رأيتكُمُ ... تَمْشُون في القَزِّ والقُوهِيّ واللِّينِ ) ( وفي المَشَارِيق ما زالتْ نساؤكُم ... يَصِحْن تحت الدَّوالي بالوَرَاشِينِ ) ( فصرْنَ يَرْفُلْنَ في وَشْي العِرَاقِ وفي ... طَرائِف الخَزِّ من دُكْنٍ وطَارُونِي ) ( أُنْسِينَ قَطْعَ الحُلاَوَى من مَعَادِنها ... وحَمْلَهُنَّ كَشُوثاً في الشَّقابين ) ( حتى إذا أيسروا قالوا وقدكذبوا ... نحن الشَّهاريجُ أولادُ الدّهاقِين ) ( في آسْتِ امِّ ساسانَ أَيْرِي إنْ أقرّبكم ... وأيْرُ بَغْلٍ مُشِظٍّ في آسْتِ شِيرين ) ( لو سِيلَ أوْضَعُهُم قَدْراً وأنْذَلُهم ... لقال من فَخْرِه إنِّي ابنُ شُوبِينِ ) ( وقال أقطَعني كِسْرَى وَورَّثني ... فَمَنْ يُفَاخِرُني أَمْ مَنْ يُنَاوِيني ) ( من ذَا يُخَبِّر كسْرَى وهو في سَقَر ... دعوى النَّبيط وهم بَيْضُ الشياطين ) ( وأنهم زعموا أنْ قد ولدتَهُمُ ... كما ادَّعى الضب إني نُطْفةُ النُّونِ ) ( فكان يَنْحَزُ جَوْفَ النار واحدةً ... تَفْرِي وتَصْدَعُ خوفاً قلبَ قارون ) ( أما تراهم وقد حَطُّوا بَرادِعَهُمْ ... عن أُتْنهمْ واستبدُّوا بالبَرَاذِينِ ) ( وأفرجوا عن مَشارات البُقول إلى ... دُورِ المُلوك وأبواب السَّلاطِينِ ) تَغْلي على العُرْب من غَيْظٍ مَرَاجِلُهُمْ ... عداوةً لِرسول الله في الدِّين ) ( فقل لهم وهُم أهلٌ لتَزْنِيَةٍ ... شَرَّ الخَلِيقةِ يا بُخْرَ العَثَانِين ) ( ما النَّاسُ إلا نِزارٌ في أَرومَتها ... وهاشمٌ سُرْجُها الشُّمُّ العَرَانينِ ) ( والحَيُّ من سَلَفَيْ قَحْطَانَ إنَّهمْ ... يُزْرُونَ بالنّبَطِ اللُّكْنِ المَلاَعِين ) ( فما على ظهرها خَلْقٌ له حَسَبٌ ... مما يُناسب كِسْرَى غيرُ حَمْدون ) ( قَرْمٌ عليه شَهَنْشَاهِيَّةٌ ونَباً ... يُنْبيكَ عن كسرويّ الجَدِّ مَيْمُونِ ) ( وإنْ شَكَكْتَ ففي الإيوانِ صُورتُه ... فانْظُرْ إلى حَسَبٍ بادٍ ومخزون ) حجب عن أبي دلف فعاتبه أخبرني عمي قال حدثنا أحمد بن أبي طاهر إن أبا الأسد زار أبا دلف في الكرج فحجب عنه أياما فقال يعاتبه وكتب بها إليه ( ليت شعري أضاقت الأرضُ عَنِّي ... أم بِفَجٍّ أنا الغداةَ طَرِيدُ ) ( أم أنا قانعُ بأدنَى مَعَاشٍ ... هِمَّتي القُوتُ والقليلُ الزَّهِيدُ ) ( مِقْوَلي قاطعٌ وسيفي حُسَامٌ ... ويَدِي حُرَّةٌ وقلبي شَديدُ ) ( رُبَّ بابٍ أعزَّ من بابك اليَوْم ... َ عليه عَسَاكرٌ وجُنودُ ) ( قد ولَجْناهُ داخلينَ غُدُوّاً ... ورَوَاحاً وأنت عنه مَذُودُ ) ( فاكْفُفِ اليومَ من حِجَابِكَ إذ لستَ ... أميراً ولا خَميساً تَقُودُ ) ( واغْتَرب في فَدافِد الصدِّ إذ لست ... ُ أسيراً ولا عليّ قُيُودُ ) ( لا يُقيمُ العزيزُ في بلد الهُون ... ولا يُكْبَتُ الأرِيبُ الجَليدُ ) أخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال أنشدني أبو هفان لأبي الأسد في صديق له يقال له بسطام كان برا به قال وهذا من جيد شعره وقد سرق البحتري معناه منه في شعر مدح به علي بن يحيى المنجم ( أعْدُو على مال بِسْطامٍ فأَنْهَبُهُ ... كما أشاءُ فلا تُثْنَى إليّ يَدِي ) ( حتى كأنِّيَ بِسْطامٌ بما احتكمتْ ... فيه يَدايَ وبِسْطامٌ أبو الأَسَد ) رثاؤه إبراهيم الموصلي أخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال حدثني أبو هفان وأخبرني به يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني أبو أيوب المديني قال حدثنا أبو هفان قال حدثني أبو دعامة قال لما مات إبراهيم الموصلي قيل لأبي الأسد وكان صديقه ألا ترثيه فقال يرثيه ( تَوَلَّى المَوْصِليُّ فقد تَوَلَّتْ ... بَشَاشاتُ المَزَاهِرِ والقِيَانِ ) ( وأيُّ مَلاَحةٍ بَقِيَتْ فتَبْقَى ... حياةُ المَوْصِليِّ على الزَّمانِ ) ( ستَبْكِيهِ المَزَاهِرُ والمَلاَهي ... ويُسْعِدُهُنَّ عاتقةُ الدِّنان ) ( وتَبْكِيهِ الغَوِيَّةُ إذ تَوَلَّى ... ولا تَبْكِيهِ تالية القُرَانِ ) فقيل له ويحك فضحته وقد كان صديقك فقال هذه فضيحة عند من لا يعقل أما من يعقل فلا وبأي شيء كنت أذكره وأرثيه به أبالفقه أم بالزهد أم بالقراءة وهل يرثى إلا بهذا وشبهه هجاؤه شاهين بن عيسى قال أبو الفرج نسخت من كتاب لأحمد بن علي بن يحيى أخبرني أبو الفضل الكاتب وهو ابن خالة أبي عمرو الطوسي قال كنت مقيما بالجبل فمر بي أبو الأسد الشاعر الشيباني فأنزلته عندي أياما وسألته عن خبره فقال صادفت شاهين بن عيسى ابن أخي أبي دلف فما احتبسني ولا برني ولا عرض علي المقام عنده وقد حضرني فيه أبيات فاكتبها ثم أنشدني ( إنيِّ مررتُ بِشاهينٍ وقد نَفَحت ... رِيحُ العَشِيِّ وبَرْدُ الثَّلج يُؤذِينِي ) ( فما وَقَى عِرْضَهُ مِنِّي بكُسْوَتِهِ ... لا بل ولا حَسَبٍ دانٍ ولا دِين ) ( إن لم يكن لَبَنُ الدَّايَاتِ غَيَّرَه ... عن طبع آبائه الشُّمِّ العَرَانين ) ( فرُبَّما غابَ بعلٌ عن حَلِيلته ... فناكها بعضُ سُوَّاسِ البَراَذِين ) ( وما تحرَّك أيرٌ فامتلا شَبَقاً ... إلاَّ تَحرَّك عرْقٌ في اسْت شاهين ) ثم قال لأمزقنه كل ممزق ولأصيرن إلى أبي دلف فلأنشدنه ومضى من فوره يريد ابا دلف فلم يصل إليه حتى بلغ أبا دلف الشعر فشق عليه وغمه وأتاه أبو الأسد فدخل عليه فسأله عن قصته مع شاهين فأخبره بها فقال هبه لي قال قد فعلت وأمر له بعشرة آلاف درهم فأمسك عنه قال أبو الفرج هذا البيت الأخير لبشار كان عرض له فقال ( وما تحرَّك أَيْرٌ فامتلا شَبَقاً ... إلا تحرَّك عِرْقٌ في است ) ثم قال في است من ومر به تسنيم بن الحواري فسلم عليه فقال في است تسنيم والله فقال له أي شيء ويلك فقال لا تسل فقال قد سمعت ما أكره فاذكر لي سببه فأنشده البيت فقال ويلك أي شيء حملك على هذا قال سلامك علي لا سلم الله عليك ولا علي إن سلمت عليك بعدها وبشار يضحك وقد مضى هذا الخبر بإسناده في أخبار بشار صوت وقد جمع معه كل ما يغنى في هذه القصيدة ( أجِدَّكَ إنْ نُعْمٌ نأتْ أنت جازعُ ... قدِ اقْتربتْ لَوْ أنّ ذلك نافعُ ) ( وحَسْبُكَ مِن نأيٍ ثلاثةُ أَشْهُرٍ ... ومن حَزَنٍ أنْ شَاقَ قَلبَك رابعُ ) بكتْ عَيْنُ مَنْ أبكَاك ليس لك البُكى ... ولا تَتَخالجْك الأُمورُ النَّوازِعُ ) ( فلا يَسْمَعَنْ سِرَّي وسِرَّك ثالثٌ ... ألا كلُّ سِرٍّ جَاوَزَ اثْنَيْن شائعُ ) ( وكيف يَشِيعُ السِّرُّ مِنَّي ودُونَه ... حجابٌ ومن فوق الحِجَابِ الأضَالِعُ ) ( كأنَّ فُؤادي بين شِقَّينِ من عَصاً ... حِذَارَ وُقوع البَيْنِ والبَينُ واقعُ ) ( وقالت وعيناها تَفِيضانِ عَبْرةً ... بأهلِيَ بَيِّنْ لي مَتَى أنت راجعُ ) ( فقلتُ لها بالله يَدْرِي مُسافِرٌ ... إذا أضمرته الأرضُ ما الله صانعُ ) ( فشَدَّت على فِيها اللِّثَام وأَعرضتْ ... وأقبلنَ بالكُحْلِ السَّحِيقِ المدامِعُ ) عروضه من الطويل الشعر لقيس بن الحدادية والغناء لإسحاق في الاول والثاني من الأبيات خفيف رمل بالوسطى وفي الثالث وما بعده أربعة أخبار قيس بن الحدادية ونسبه هو قيس بن منقذ بن عمرو بن عبيد بن ضاطر بن صالح بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة وهو خزاعة بن عمرو وهو مزيقياء بن عامر وهو ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرىء القيس البطريق بن ثعلبة بن مازن بن الأزد وهو رداء ويقال رديني وقد مضى نسبه متقدما والحدادية أمه وهي امرأة من محارب بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر ثم من قبيلة منهم يقال لهم بنو حداد شاعر من شعراء الجاهلية وكان فاتكا شجاعا صعلوكا خليعا خلعته خزاعة بسوق عكاظ وأشهدت على أنفسها بخلعها إياه فلا تحتمل جريرة له ولا تطالب بجريرة يجرها أحد عليه شعره حين أغار على بني قمير قال أبو الفرج نسخت خبره من كتاب أبي عمرو الشيباني لما خلعت خزاعة بن عمرو وهو مزيقياء بن عامر وهو ماء السماء بن الحارث قيس بن الحدادية كان أكثرهم قولا في ذلك وسعيا قوم منهم يقال لهم بنو قمير بن حبشية بن سلول فجمع لهم قيس شذاذا من العرب وفتاكا من قومه وأغار عليهم بهم وقتل منهم رجلا يقال له ابن عش واستاق أموالهم فلحقه رجل من قومه كان سيدا وكان ضلعه مع قيس فيما جرى عليه من الخلع يقال له ابن محرق فأقسم عليه أن يرد ما استاقه فقال أما ما كان لي ولقومي فقد أبررت قسمك فيه وأما ما اعتورته أيدي هذه الصعاليك فلا حيلة لي فيه فرد سهمه وسهم عشيرته وقال في ذلك ( فاقسم لولا أَسْهَم ابنُ مُحَرِّقٍ ... مع الله ما أكثرتُ عدَّ الأقاربِ ) ( تركت ابن عُشٍّ يرفَعونَ برأسه ... يَنُوءُ بساقٍ كعبُها غيرُ راتِبِ ) ( وأنهاهُم خلعي على غيرِ ميرةٍ ... من اللحم حتى غُيِّبُوا في الغوائبِ ) وقال أبو عمرو أغار أبو بردة بن هلال بن عويمر أخو بني مالك بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر بن امرئ القيس على هوازن في بلادها فلقي عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وبني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزمت بنو عامر وبنو نصر وقتل أبو بردة قيس بن زهير أخا خداش بن زهير الشاعر وسبى نسوة من بني عامر منهن صخرة بنت أسماء بن الضريبة النصرى وامرأتين منهم يقال لهما بيقر وريا ثم انصرفوا راجعين فلما انتهوا إلى هرشى خنقت صخرة نفسها فماتت وقسم أبو بردة السبي والنعم والأموال في كل من كان معه وجعل فيه نصيبا لمن غاب عنها من قومه وفرقه فيهم ثم أغارت هوازن على بني ليث فأصابوا حيا منهم يقال لهم بنو الملوح بن يعمر بن عوف ورعاء لبني ضاطر بن حبشية فقتلوا منهم رجلا وسبوا منهم سبيا كثيرا واستاقوا أموالهم فقال في ذلك مالك بن عوف النصري ( نحن جَلَبْنَا الخيلَ من بطن لِيَّةٍ ... وجِلدانَ جُرْداً مُنْعَلاتٍ ووُقَّحا ) ( فأصبحن قد جاوزن مَرَّا وجُحْفةً ... وجاوزن من أكناف نخلةَ أَبطَحا ) ( تلقَّطن ضَيطارِي خُزاعة بعدما ... أَبَرْنَ بصحراء الغميم الملوَّحا ) ( قتلناهُم حتى تركنا شريدهُمْ ... نساء وأيتاماً ورَجْلاً مُسَدَّحا ) ( فإنَّك لو طالعتهم لحسِبتهم ... بمنعرَج الصَّفراء عِتْرا مُذْبَحا ) شعره حين أغار على هوازن فلما صنعت هوازن ببني ضاطر ما صنعت جمع قيس بن الحدادية قومه فأغار على جموع هوازن فأصاب سبيا ومالا وقتل يومئذ من بني قشير أبا زيد وعروة وعامرا ومروحا وأصاب أبياتا من كلاب خلوفا واستاق أموالهم وسبيا ثم انصرف وهو يقول ( نحن جَلَبْنَا الخيلَ قُبّاً بطونُها ... تراها إلى الدَّاعي المَثوّبِِ جُنَّحا ) ( بكلّ خُزاعِيٍّ إذا الحربُ شَمَّرتْ ... تسربَلَ فيها بُردَه وتوشَّحا ) ( قرعْنا قُشيراً في المحلّ عشِيَّةً ... فلم يجدوا في واسع الأرض مَسْرَحا ) ( قَتَلْنَا أبا زيد وزيداً وعامراً ... وعروة أقصدْنَا بها ومُرَوّحا ) ( وأُبْنَا بإبْل القومِ تُحدَى ونسوةٍ ... يبكِّين شِلْواً أو أسيراً مُجرَّحا ) ( غداةَ سَقينا أرضَهم من دمائهم ... وأُبْنا بِأُدْمٍ كنَّ بالأمس وُضَّحا ) ( ورُعْنا كلاباً قبل ذاك بِغارة ... فسُقْنَا جِلاداً في المُبَارَكِ قُرَّحا ) ( لقد علمتْ أفناءُ بكر بنِ عامرٍ ... بأنَّا نَذودُ الكاشحَ المتزحزِحا ) ( وأنا بلا مَهْرٍ سوى البيض والقَنَا ... نُصيب بأفناء القبائل مَنْكَحَا ) شعره حين أغار على خزاعة وعامر بن الظرب وقال أبو عمرو وزعموا أن قيس بن عيلان رغبت في البيت وخزاعة يومئذ تليه وطمعوا أن ينزعوه منهم فساروا ومعهم قبائل من العرب ورأّسوا عليهم عامر بن الظرب العدواني فساروا إلى مكة في جمع لهام فخرجت إليهم خزاعة فاقتتلوا فهزمت قيس ونجا عامر على فرس له جواد فقال قيس بن الحدادية في ذلك ( لقد سُمْتَ نفسكَ يابْنَ الظَّرِبْ ... وجشَّمتهمْ منزلاً قد صَعُبْ ) ( وحمَّلتهمْ مركباً باهظاً ... من العِبء إذ سُقتَهم للشَّغَبْ ) ( بحربِ خُزاعة أهلِ العُلا ... وأهلِ الثّناءِ وأهلِ الحسبْ ) ( هم المانعو البيت والذائدون ... عن الحُرُماتِ جميعَ العربْ ) ( نَفَوا جُرْهُماً ونَفَوا بعدهم ... كِنَانَة غَصْباً ببيض القُضُبْ ) ( وسُمْرِ الرِّماحِ وجُرْدِ الجياد ... عليها فوارسُ صدقٍ نُجُبْ ) ( وهمْ ألحقوا أَسَداً عَنْوَةً ... بأحياء طيٍّ وحازُوا السلَبْ ) ( خُزاعةُ قومي فإن أفتخِر ... بهم يَزْكُ مُعتَصَري والنَّسبْ ) ( هم الرأس والناس مِن بعدهم ... ذُنابَى وما الرأس مِثْلُ الذَّنَبْ ) ( يُواسَى لدى المَحْلِ مولاهُمُ ... وتُكشَف عنه غُموم الكُرَبْ ) 0ف - جارُهُم آمنٌ دهرَهُ ... بهمْ أن يُضامَ وأن يُغتَصَبْ ) ( يلبُّون في الحرب خوفَ الهجاء ... ويَبرُون أعداءَهم بالحَرَبْ ) ( ولو لم ينجِّك من كيدهم ... أمينُ الفُصوص شديدُ العَصَبْ ) ( لزرتَ المنايا فلا تكفُرَنْ ... جوادَكَ نُعْماه يابنَ الظَّرِبْ ) ( فإنْ يلتقوك يزُرْك الحِمام ... أو تنجُ ثانيةً بالهرب ) قال أبو الفرج هذه القصيدة مصنوعة والشعر بين التوليد وقال أبو عمرو أغارت هوازن على خزاعة وهم بالمحصب من منى فأوقعوا ببطن منهم يقال لهم بنو العنقاء وبقوم من بني ضاطر فقتلوا منهم عيدا وعوفا وأقرم وغبشان فقال ابن الأحب العدواني يفخر بذلك ( غداةَ التقينا بالمحصَّب من مِنىً ... فلاقت بنو العنقاء إحدى العظائمِ ) ( تَرَكْنَا بها عَوْفاً وعَبْداً وأَقرَماً ... وغبشانَ سُؤراً للنُّسور القشاعمِ ) فأجابه قيس بن الحدادية فقال يعيره أن فخر بيوم ليس لقومه ( فخرْت بيوم لم يكن لك فخرُه ... أحاديثُ طَسْمٍ إنما أنت حالمُ ) ( تفاخِر قوماً أطردتْك رماحُهُمْ ... أكعبُ بنَ عمرو هل يُجاب البهائمُ ) ( فلو شهدت أمُّ الصبيَّين حَمَلنا ... وركْضَهُم لابيضّ منها المَقادِمُ ) ( غداةَ تولَّيتُمْ وأدبرَ جمعُكُمْ ... وأُبنا بأَسْراكم كأنَّا ضَراغمُ ) قال أبو عمرو وكان ابن الحدادية أصاب دما في قوم من خزاعة هو وناس من أهل بيته فهربوا فنزلوا في فراس بن غنم ثم لم يلبثوا أن أصابوا أيضا منهم رجلا فهربوا فنزلوا في بجيلة على أسد بن كرز فآواهم وأحسن إلى قيس وتحمل عنهم ما اصابوا في خزاعة وفي فراس فقال قيس بن الحدادية يمدح أسد بن كرز ( لا تعذلينيَ سلمى اليومَ وانتظري ... أن يجمع الله شَملاً طالما افترقَا ) ( إن شتّت الدهر شملاً بين جيرتكم ... فطال في نعمةٍ يا سَلْم ما اتفقا ) ( وقد حللنا بقَسْرِيٍّ أخي ثقةٍ ... كالبدرِ يجلو دُجى الظلماء والأفقا ) ( لا يَجيرُ الناسُ شيئاً هاضَه أسدٌ ... يوماً ولا يَرتُقون الدهرَ ما فَتَقَا ) ( كم من ثناءٍ عظيم قد تَدَارَكَهُ ... وقد تفاقَمَ فيه الأمرُ وانخرقا ) قال أبو عمرو وهذه الأبيات من رواية أصحابنا الكوفيين وغيرهم يزعم أنها مصنوعة صنعها حماد الراوية لخالد القسري في أيام ولايته وأنشده إياها فوصله والتوليد بين فيها جدا شعره حين أغار الضريس على بني ضاطر وقال أبو عمرو غزا الضريس القشيري بني ضاطر في جماعة من قومه فثبتوا له وقاتلوه حتى هزموه وانصرف ولم يفز بشيء من أموالهم فقال قيس بن الحدادية في ذلك ( فِدًى لبني قيس وأفناءِ مالكٍ ... لدى الشِّسْعِ من رجلي إلى الفَرْق صاعدا ) ( غداة أتى قوم الضريس كأنهم ... قَطا الكُدْرِ من ودّان أَصبَح واردا ) ( فلم أر جمعاً كان أكرمَ غالباً ... وأَحمى غلاماً يوم ذلك أطردا ) ( رميناهُم بالحُوِّ والكُمْتِ والقَنَا ... وبِيضٍ ِخِفافٍ يختِلين السواعدا ) مدحه عدي بن عمرو وعدي بن نوفل قال أبو عمرو ولما خلعت خزاعة قيسا تحول عن قومه ونزل عند بطن من خزاعة يقال لهم بنو عدي بن عمرو بن خالد فآووه وأحسنوا إليه وقال يمدحهم ( جزى الله خيراً عن خليع مطرَّدٍ ... رجالاً حَمَوْهُ آل عَمْرو بن خالدِ ) ( فليس كمن يغزو الصديق بنَوْكِهِ ... وهمتُه في الغزو كسبُ المَزاوِدِ ) ( عليكم بعرْصات الديار فإنني ... سواكم عديدٌ حين تُبْلَى مَشاهدي ) ( ألا وَذْتُمُ حتى إذا ما أمِنْتُم ... تعَاوَرْتُمُ سَجْعا كسجع الهداهِدِ ) ( تَجَنَّى عليَّ المازنانِ كلاهما ... فلا أنا بالمغصِي ولا بالمساعِدِ ) ( وقد حدِبت عمرو عليَّ بعزّها ... وأبنائها من كل أروَعَ ماجدِ ) ( مَصاليتُ يومَ الرَّوع كَسْبُهم العُلا ... عِظامُ مَقيل الهامِ شُعْرُ السواعِدِ ) ( أولئك إخواني وجُلُّ عشيرتي ... وثروتُهم والنصرُ غيرُ المُحارِدِ ) أخبرني أحمد بن سليمان الطوسي والحرمي بن أبي العلاء قالا حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني عمي أن خزاعة أغارت على اليمامة فلم يظفروا منها بشيء فهزموا وأسر منهم أسرى فلما كان أوان الحج أخرجهم من أسرهم إلى مكة في الأشهر الحرم ليبتاعهم قومهم فغدوا جميعا إلى الخلصاء وفيهم قيس بن الحدادية فأخرجوهم وحملوهم وجعلوهم في حظيرة ليحرقوهم فمر بهم عدي بن نوفل فاستجاروا به فابتاعهم وأعتقهم فقال قيس يمدحه ( دعوت عديّاً والكُبولُ تَكُبني ... ألا يا عديُّ بن نوفلِ ) ( دعوت عدياً والمنايا شوارعٌ ... ألا يا عديّ للأسير المكبَّلِ ) ( فما البحر يجري بالسَّفينِ إذا غدا ... بأجوَدَ سَيْبَاً منه في كُلِّ محفلِ ) ( تداركت أصحاب الحظيرة بعدما ... أصابهُمُ منّا حريقُ المحلّلِ ) ( وأتبعت بين المَشْعَرينِ سِقايَةً ... لحجّاج بيت الله أكرمَ مَنْهِلِ ) شعره حين خرجت بطون من خزاعة لأنهم أجدبوا قال أبو عمرو وكان قيس بن الحدادية يهوى أم مالك بنت ذؤيب الخزاعي وكانت بطون من خزاعة خرجوا جالين إلى مصر والشام لأنهم أجدبوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق رأوا البوارق خلفهم وأدركهم من ذكر لهم كثرة الغيث والمطر وغزارته فرجع عمرو بن عبد مناة في ناس كثير إلى أوطانهم وتقدم قبيصة بن ذؤيب ومعه أخته أم مالك واسمها نعم بنت ذؤيب فمضى فقال قيس بن الحدادية هذه القصيدة التي فيها الغناء المذكور ( أجِدَّكَ إنْ نُعْمٌ نأت أنت جازِعُ ... قد اقتربَتْ لو أن ذلك نافعُ ) ( قد اقتربت لو أن في قُرب دارها ... نوالاً ولكن كلُّ من ضَنَّ مانعُ ) ( وقد جاوَرَتْنا في شهوِ كثيرة ... فما نَوَّلَتْ واللهُ راءٍ وسامعُ ) ( فإنْ تَلْقَيَنْ نعمى هُدِيتَ فحيِّها ... وسل كيف تُرْعَى بالمَغِيبِ الودائعُ ) ( وظنِّي بها حفظٌ لِغَيبي ورِعيةٌ ... لِما استُرْعِيَتْ والظن بالغيبِ واسِعُ ) ( وقلت لها في السِّرِّ بيني وبينها ... على عجلٍ أيَّانَ مَنْ سارَ راجِعُ ) ( فقالت لقاءٌ بعد حَوْل وحِجَّةٍ ... وشَحْطُ النوى إلا لذي العهدِ قاطِعُ ) ( وقد يلقى بعد الشَّتات أولو النَّوَى ... ويسترجع الحيَّ السحابُ اللوامِعُ ) ( وما إنْ خَذولٌ نازَعَتْ حبلَ حابِلٍ ... لتنجوَ إلا استسلَمَتْ وهي ظالِعُ ) ( بأحسنَ منها ذاتَ يوم لقيتُها ... لها نظرٌ نحوي كذي البَثِّ خاشِعُ ) ( رأيت لها ناراً تُشَب ودونها ... طويلُ القَرَا من رأس ذَروةَ فارِعُ ) ( فقلت لأصحابي اصطَلُوا النار إنها ... قريبٌ فقالوا بل مكانكَ نافِعُ ) ( فيا لك من حادٍ حَبوت مقيَّداً ... وأنحى على عِرنينِ أنفِك جادِعُ ) ( أغيظاً أرادَتْ أن تُخَبَّ حمالُها ... لتفجَعَ بالإظعانِ مَنْ أنتَ فاجِعُ ) ( فما نُطفة بالطَّود أو بِضَرِيّة ... بقية سيلٍ أحرزَتْها الوقائعُ ) ( يطيف بها حَرَّانُ صادٍ ولا يرى ... إليها سبيلاً غيرَ أنْ سيطالِعُ ) ( بأطيبَ مِنْ فيها إذا جئت طارقاً ... من الليل واخضلَّتْ عليك المَضاجِعُ ) ( وحَسْبُكَ من نأيٍ ثلاثةُ أشهرٍ ... ومِن حَزَنٍ أن زادَ شوقَكَ رابِعُ ) ( سعى بينهم واشٍ بأفلاق بِرمةٍ ... ليفجَعَ بالاظعانِ مَنْ هو جازِعُ ) ( بكت من حديث بَثَّه وأشاعه ... ورصَّفه واشٍ من القومِ راصِعُ ) ( بكت عينُ من أبكاكِ لا يعرف البكا ... ولا تتخالجك الأمور النوازِعُ ) ( فلا يسمَعْن سرِّي وسرِّك ثالثٌ ... ألاَ كلُّ سرّ جاوَزَ اثنينِ شائِعُ ) ( وكيف يَشيع السرُّ منِّي ودونَهُ ... حجاب ومِن دون الحجابِ الأضالِعُ ) ( وحِبٌّ لهذا الرَّبع يمضي أمامه ... قليلُ القِلَى منه جليلٌ ورادِعُ ) ( لهوتُ به حتى إذا خِفتُ أهلَهُ ... وبيّنَ منه للحبيب المخادِعُ ) ( نزعتُ فما سرِّي لأوَّل سائل ... وذو السر ما لم يَحفظ السرَّ ماذعُ ) ( وقد يَحمِد اللهُ العزَاءَ من الفتى ... وقد يجمع الأمرَ الشتيتَ الجوامِعُ ) ( ألا قد يُسلَّى ذو الهوى عن حبيبه ... فَيَسْلَى وقد تُردِي المطيَّ المطامعُ ) ( وما راعني إلاَّ المنادي ألاَ اظعنوا ... وإلا الرواغِي غُدوةً والقعاقعُ ) ( فجئت كأني مستضيفٌ وسائل ... لأخبرها كلَّ الذي أنا صانِعُ ) ( فقالت تزحزحْ ما بنا كُبْرُ حاجةٍ ... إليك ولا منّا لفقرك راقعُ ) ( فما زلتُ تحت السِّتر حتى كأنني ... من الحرِّ ذو طِمْرَيْن في البحر كارِعُ ) ( فهزَّت إليّ الرأس مني تعجُّباً ... وعُضِّض مما قد فعلتُ الأصابعُ ) ( فأيُّهما من أتبعَنّ فإنني ... حزين على إثر الذي أنا وادعُ ) ( بكى من فراق الحيِّ قيسُ بنُ مُنقِذ ... وإذراءُ عيني مثلَهُ الدمعَ شائِعُ ) ( بأربعة تنهلُّ لمّا تقدَّمتْ ... بهم طُرُق شتَّى وهن جوامِعُ ) ( وما خِلْتُ بينَ الحيِّ حتى رأيتهم ... ببَيْنُونَةَ السفلَى وهبَّت سَوافعُ ) ( كأن فؤادي بين شِقَّين من عَصاً ... حِذرا وقوعِ البين والبينُ واقعُ ) ( يَحُثُّ بهم حادٍ سريعٌ نَجاؤه ... ومُعْرًى عن الساقين والثوب واسِعُ ) ( فقلت لها يا نُعم حُلِّي محلَّنا ... فإن الهوى يا نُعم والعيش جامِعُ ) ( فقالت وعيناها تَفيضان عَبْرَةً ... بأهليَ بَيِّنْ لي متى أنت راجِعُ ) ( فقلت لها تالله يدري مسافر ... إذا أضمرتْه الأرضُ ما الله صانِعُ ) ( فشدَّت على فيها اللثامَ وأعرضَتْ ... وأمعن بالكُحْلِ السَّحيقِ المدامِعُ ) ( وإني لِعهد الودِّ راعٍ وإنَّني ... بوصلك ما لم يطوني الموتُ طامِعُ ) قال أبو عمرو فأنشدت عائشة بنت طلحة بن عبيد الله هذه القصيدة فاستحسنتها وبحضرتها جماعة من الشعراء فقالت من قدر منكم أن يزيد فيها بيتا واحدا يشبهها ويدخل في معناها فله حلّتى هذه فلم يقدر أحد منهم على ذلك نسيبه في معشوقته نعم قال أبو عمرو وقال قيس أيضا يذكر بين الحي وتفرقهم وينسب بنعم ( سقى الله أطلالاً بنعمٍ ترادفت ... بهن النَّوى حتى حَلَلْن المَطاليا ) ( فإن كانت الأيام يا أمَّ مالك ... تسلِّيكم عنِّي وتُرضِي الأعاديا ) ( فلا يأمنَنْ بعدي امرؤ فجعَ لذَّةٍ ... من العيش أو فجعَ الخطوبِ العَوافيا ) ( وبُدِّلت مِن جَدواكِ يا أمَّ مالكٍ ... طوارقَ همٍّ يحتضِرْنَ وِساديا ) ( وأصبحت بعد الأنس لابسَ جُبَّةٍ ... أُساقي الكماةَ الدارعين العَواليا ) ( فَيَوْمَايَ يومٌ في الحديد مُسربَلاً ... ويوم مع البِيضِ الأوانِسِ لاهيا ) ( فلا مدركاً حظّاً لدى أمِّ مالك ... ولا مستريحاً في الحياة فقاضيا ) ( خليليّ إن دارت على أمّ مالك ... صُروفُ الليالي فابعثا ليَ ناعيا ) ( ولا تتركاني لا لخيرٍ معجَّل ... ولا لبقاءٍ تنظران بقائيا ) ( وإن الذي أمَّلْتُ من أمّ مالك ... أشابَ قَذالي واستهامَ فؤاديا ) ( فليت المنايا صبَّحتني غُدَيَّةً ... بذَبح ولم أسمع لِبَيْنٍ مناديا ) ( نظرتُ ودوني يذبُلٌ وعَمايةٌ ... إلى آل نُعمٍ مَنظراً مُتَنَائِيا ) ( شكوتُ إلى الرحمن بُعْدَ مزارها ... وما حمَّلتني وانقطاعَ رجائيا ) ( وقلتُ ولم أملكْ أعمرو بن عامر ... لحتفٍ بذات الرَّقْمتين يرى ليا ) ( وقد أيقنتْ نفسي عشيَّة فارقوا ... بأسفل وادي الدَّوحِ أن لا تلاقيا ) ( إذا ما طواكِ الدهرُ يا أمَّ مالكٍ ... فشأنُ المنايا القاضياتِ وشانيا ) قال أبو عمرو وقد أدخل الناس أبياتا من هذه القصيدة في شعر المجنون قتل وهو يرتجز قال أبو عمرو وكان من خبر مقتل قيس بن الحدادية أنه لقي جمعا من مزينة يريدون الغارة على بعض من يجدون منه غرة فقالوا له استأسر فقال وما ينفعكم مني إذا استأسرت وأنا خليع والله لو أسرتموني ثم طلبتم بي من قومي عنزاً جرباء جدماء ما أعطيتموها فقالوا له استأسر لا أم لك فقال نفسي علي أكرم من ذاك وقاتلهم حتى قتل وهو يرتجز ويقول ( أنا الذي تَخلعه مواليهْ ... وكلُّهم بعد الصَّفاء قالِيهْ ) ( وكلّهم يُقْسم لا يبالِيهْ ... أنا إذا الموت ينوب غاليهْ ) ( مختلطٌ أسفلُهُ بعاليهْ ... قد يعلم الفتيان أنِّي صاليهْ ) ( إذا الحديد رفعتْ عَواليهْ ... ) وقيل إنه كان يتحدث إلى امرأة من بني سليم فأغاروا عليه وفيهم زوجها فأفلت فنام في ظل وهو لا يخشى الطلب فاتبعوه فوجدوه فقاتلهم فلم يزل يرتجز وهو يقاتلهم حتى قتل صوت ( صَرمْتنِي ثم لا كلَّمتِني أبداً ... إن كنت خنتُكِ في حال من الحالِ ) ( ولا اجترمت الذي فيه خيانتُكم ... ولا جَرَتْ خَطرةٌ منه على بالي ) ( فسوِّغيني المُنى كيما أعيشَ بها ... وأَمسِكي البذلَ ما أطلعتِ آمالي ) ( أو عجِّلي تَلَفي إن كنتِ قاتلتي ... أو نوِّليني بإحسان وإجمالِ ) الشعر لابن قنبر والغناء ليزيد بن حوراء خفيف رمل بالبنصر عن عمرو بن بانة وذكر إسحاق أنه لسليم ولم يذكر طريقته أخبار ابن قنبر ونسبه هو الحكم بن محمد بن قنبر المازني مازن بني عمرو بن تميم بصري شاعر ظريف من شعراء الدولة الهاشمية وكان يهاجي مسلم بن الوليد الأنصاري مدة ثم غلبه مسلم هجاؤه مسلم بن الوليد قال أبو الفرج نسخت من كتاب جدي يحيى بن محمد بن ثوابة بخطه حدثني الحسن بن سعيد قال حدثني منصور بن جهور قال لما تهاجى مسلم بن الوليد وابن قنبر أمسك عنه مسلم بعد أن بسط عليه لسانه فجاء مسلما ابن عم له فقال أيها الرجل إنك عند الناس فوق هذا الرجل في عمود الشعر وقد بعثت عليه لسانك ثم أمسكت عنه فإما أن قاذعته وإما أن سالمته فقال له مسلم إن لنا شيخا وله مسجد يتهجد فيه وله دعوات يدعوها ونحن نسأله أن يجعل بعض دعواته في كفايتنا إياه فأطرق الرجل ساعة ثم قال ( غلَبَ ابن قُنْبُر واللئيم مغلَّب ... لما اتَّقَيْتُ هجاءه بدعاء ) ( ما زال يقذف بالهجاء ولذعهِ ... حتى اتقوه بدعوة الآباء ) قال فقال له مسلم والله ما كان ابن قنبر ليبلغ مني هذا فأمسك عني لسانك وتعرف خبره بعد قال فبعث الرجل والله عليه من لسان مسلم ما أسكته أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني محمد بن عبد الله العبدي القسري قال رأيت مسلم بن الوليد والحكم بن قنبر في مسجد الرصافة في يوم جمعة وكل واحد منهما بإزاء صاحبه وكانا يتهاجيان فبدأ مسلم فأنشد قصيدته ( أنا النار في أحجارها مستَكِنَّة ... فإن كنتَ مِمّن يقدحُ النار فاقدحِ ) وتلاه ابن قنبر فأنشد قوله ( وقد كدتَ تهوِي وما قوسي بموتَرةٍ ... فكيف ظنُّكَ بي والقوسُ في الوَتَرِ ) فوثب مسلم وتواخزا وتواثبا حتى حجز الناس بينهما فتفرقا فقال رجل لمسلم وكان يتعصب له ويحك أعجزت عن الرجل حتى واثبته قال أنا وإياه لكما قال الشاعر ( هنيئاً مريئاً أنتَ بالفُحْشِ أبصَرُ ... ) وكان ابن قنبر مستعليا عليه مدة ثم غلبه مسلم بعد ذلك فمن مناقضتهما قول ابن قنبر ( ومِن عَجَبِ الاشياء أنَّ لمسلم ... إليَّ نِزاعاً في الهجاء وما يدري ) ( ووالله ما قِيستْ عليَّ جُدُودُهُ ... لدى مَفخَر في الناس قوساً ولا شعري ) ولابن قنبر قوله ( كيف أهجوكَ يا لئيمٌ بِشعْرِي ... أنت عندي فاعلمْ هِجاءَ هجائي ) ( يا دعيَّ الأنصارِ بل عبدَها النذلَ ... َ تعرَّضتَ لي لدَرْك الشقاء ) كان شعره يلحن ويغنى أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أبو توبة عن محمد بن جبير عن الحسين بن محرز المغني المديني قال دخلت يوما على المأمون في يوم نوبتي وهو ينشد صوت ( فما أقصرَ اسمَ الحبّ يا وَيْحَ ذي الحبّ ... وأعظمَ بلواهُ على العاشقِ الصبِّ ) ( يمرّ به لفظُ اللِّسان مشمِّراً ... ويغرَق من ساقاه في لُجَجِ الكربِ ) فلما بصر بي قال تعال يا حسين فجئت فأنشدني البيتين ثم أعادهما علي حتى حفظتهما ثم قال اصنع فيهما لحنا فإن أجدت سررتك فخلوت وصنعت فيهما لحني المشهور وعدت فغنيته إياه فقال أحسنت وشرب عليه بقية يومه وأمر لي بألف دينار والشعر لحكم بن قنبر أخبرني محمد بن الأزهر قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن سلام قال أنشدني ابن قنبر لنفسه ( ويْلِي على من أطارَ النومَ وامتنعَا ... وزاد قلبي على أوجَاعِهِ وَجَعَا ) ( ظبيٌ أغرٌّ ترى في وجهه سُرُجاً ... تُعشِي العيونَ إذا ما نورهُ سطعَا ) ( كأنما الشمس في أثوابه بَزَغَتْ ... حُسناً أو البدرُ في أردانِهِ طلعَا ) ( فقد نسيتُ الكرى من طُول ما عطِلتْ ... منه الجفونُ وطارت مهجتي قِطَعَا ) قال ابن سلام ثم قال ابن قنبر لقيتني جوار من جواري سليمان بن علي في الطريق الذي بين المربد وقصر أوس فقلن لي أنت الذي تقول ( ويلي على من أطارَ النومَ وامتنعَا ... ) فقلت نعم فقلن أمع هذا الوجه السمج تقول هذا ثم جعلن يجذبنني ويلهون بي حتى أخرجنني من ثيابي فرجعت عاريا إلى منزلي قال وكان حسن اللباس أخبرني محمد بن الحسين الكندي مؤدبي قال حدثني علي بن محمد النوفلي قال حدثني عمي قال دخل الحكم بن قنبر على عمي وكان صديقا له فبش به ورفع مجلسه وأظهر له الأنس والسرور ثم قال أنشدني أبياتك التي أقسمت فيها بما في قلبك فأنشده ( وحقِّ الذي في القلب منك فإنه ... عظيم لقد حصَّنت سرَّك في صدري ) ( ولكنَّما أفشاه دمعي وربَّما ... أتى المرء ما يخشاه من حيث لا يدري ) ( فهب لي ذنوب الدمع إني أظنّه ... بما منه يبدو إنما يَبتغي ضرّي ) ( ولو يَبتغي نفعي لخلَّى ضمائري ... يردّ على أسرار مكنونِها ستري ) فقال لي يا بني اكتبها واحفظها ففعلت وحفظتها يومئذ وأنا غلام اعتراض محمد بن سلام على شعره أخبرني اليزيدي قال أخبرني عمي عن ابن سلام وأخبرني به أحمد عن ابن عباس العسكري عن القنبري عن محمد بن سلام قال أنشدني ابن قنبر لنفسه قوله ( صرمْتِنِي ثم لا كلّمتِنِي أبدا ... إن كنت خنتُكِ في حالٍ من الحالِ ) ( ولا اجترمت الذي فيه خيانتكم ... ولا جرتْ خطرة منه على بالي ) قال فقلت له وأنا أضحك يا هذا لقد بالغت في اليمين فقال هي عندي كذاك وإن لم تكن عندك كما هي عندي ) قال اليزيدي قال عمي وهو الذي يقول وفيه غناء صوت ( ليس فيها ما يقال له ... كملتْ لو أنّ ذا كَمَلاَ ) ( كلّ جزء من محاسنها ... كائنٌ في فضله مَثَلاَ ) ( لو تمنّت في مَلاحتِها ... لم تجد من نفسها بَدَلاَ ) فيه لحن لابن القصار رمل أخبرني الحسن بن علي قال حدثني ابن مهرويه قال قال لي إبراهيم بن المدبر أتعرف الذي يقول ( إن كُنْتَ لا تَرْهبُ ذَمِّي لما ... تَعرف من صفحي عن الجاهلِ ) ( فاخشَ سُكوتي فَطِناً مُنْصِتاً ... فيكَ لتحسين خنا القائلِ ) ( مقالةُ السُّوء إلى أهلها ... أسهلُ من منحدر سائِلِ ) ( ومن دعا الناسَ إلى ذمِّه ... ذمُّوه بالحقِّ وبالباطلِ ) فقلت هذه للعتابي فقال ما أنشدتها إلا لابن قنبر فقلت له من شاء منهما فليقلها فإنه سرقه من قول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ( وإن أنا لم آمر ولم أنهَ عنكما ... سكتّ له حتى يلجّ ويستشري ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أبو مسلم يعني محمد بن الجهم قال أطعم رجل من ولد عبد الله بن كريز صديقا له ضيعة فمكثت في يده مدة ثم مات الكريزي فطالب ابنه الرجل بالضيعة فمنعه إياها فاختصما إلى عبيد الله بن الحسن فقيل له ألا تستحي تطالب بشيء إن كنت فيه كاذبا أثمت وإن كنت صادقا فإنما تريد أن تنقض مكرمة لابيك فقال له ابن الكريزي وكان ساقطا الشحيح أعظم من الظالم أعزك الله فقال له عبيد الله بن الحسن هذا الجواب والله أعز من الخصومة ويحك وهذا موضع هذا القول اللهم اردد على قريش أخطارها ثم أقبل علينا فقال لله در الحكم بن قنبر حيث يقول ( إذا القُرَشيّ لم يُشبِه قريشاً ... بفعلهم الذي بَذَّ الفعالاَ ) ( فَجَرْمِيٌّ له خُلُقٌ جميل ... لدى الأقوام أحسنُ منه حالا ) تمثل الرشيد بشعره أخبرني محمد بن الحسين الكندي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا مسعود بن بشر قال شكا العباس بن محمد إلى الرشيد أن ربيعة الرقي هجاه فقال له قد سمعت ما كان مدحك به وعرفت ثوابك إياه وما قال في ذمك بعد ذلك فما وجدته ظلمك به ولله در ابن قنبر حيث قال ( ومن دعا الناس إلى ذمّه ... ذمّوه بالحقّ وبالباطلِ ) وبعد فقد اشتريت عرضك منه وأمرته بأن لا يعود لذمك تعريضا ولا تصريحا أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال حدثنا محمد بن سلام قال مرض ابن قنبر فأتوه بخصيب الطبيب يعالجه فقال فيه ( ولقد قلتُ لأهلي ... إذ أَتَوْني بخَصِيبِ ) ( ليس والله خصيبُ ... لِلَّذِي بي بطبيبِ ) ( إنَّما يَعْرِف دائي ... من به مِثل الّذي بي ) قال وكان خصيب عالما بمرضه فنظر إلى مائه فقال زعم جالينوس أن صاحِب هذه العلة إذا صار ماؤه هكذا لم يعش فقيل له إن جالينوس ربما أخطأ فقال ما كنت إلى خطأه أحوج مني إليه في هذا الوقت قال ومات من علته صوت ( خليليَّ من سعد ألمَّا فسلِّما ... على مريمٍ لا يبعد الله مريما ) ( وقولا لها هذا الفراق عزمته ... فهل من نوال قبل ذاك فنعلما ) الشعر للأسود بن عمارة النوفلي والغناء لدهمان ثاني ثقيل بالوسطى أخبار الأسود ونسبه هو فيما أخبرني به الحرمي بن أبي العلاء والطوسي عن الزبير بن بكار عن عمه الأسود بن عمارة بن الوليد بن عدي بن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وكان الأسود شاعرا أيضا شعره في معشوقته هند قال الزبير فيما حدثنا به شيخانا المذكوران عنه وحدثني عمي قال كان عمارة بن الوليد النوفلي أبو الأسود بن عمارة شاعرا وهو الذي يقول صوت ( تلك هندٌ تصُدُّ للبَيْن صدَّا ... أدلالاً أم هندُ تهجُرُ جِدّا ) ( أم لِتَنْكَا به قُروحَ فؤادي ... أم أرادت قتلي ضِراراً وعمدا ) ( قد براني وشفَّني الوجدُ حتى ... صرتُ مما أَلقَى عظاماً وجِلدا ) ( أيها الناصح الأمين رسولاً ... قل لهندٍ عنِّي إذا جئتَ هندا ) ( عَلِمَ الله أن قد أوتيتِ مني ... غيرَ منٍّ بذاكِ نصحا وودّا ) ( ما تقرَّبتُ بالصفاء لأدنو ... منكِ إلاَّ نأيتِ وازددتِ بعدا ) الغناء لعبادل خفيف رمل بالبنصر في مجراها عن إسحاق وفي كتاب حكم الغناء له خفيف رمل وفي كتاب يونس فيه لحن ليونس غير مجنس وفيه ليحيى المكي أو لابنه أحمد بن يحيى ثقيل أول قال الزبير قال عمي ومن لا يعلم يروى هذا الشعر لعمارة بن الوليد النوفلي قال وكان الأسود يتولى بيت المال بالمدينة وهو القائل ( خليليَّ من سعدٍ أَلِمَّا فسلِّما ... على مريمٍ لا يبعد الله مريما ) ( وقولا لها هذا الفراق عزمته ... فهل من نوال قبل ذاك فنعلما ) قال وهو الذي يقول لمحمد بن عبيد الله بن كثير بن الصلت ( ذكرناك شُرْطياً فأصبحت قاضياً ... وصرت أميراً أبشري قحطانُ ) ( أرى نَزَواتٍ بينهن تفاوت ... وللدهر أحداث وذا حَدَثَانُ ) ( أقيمي بني عمرو بن عوف أو اربَعي ... لكل أناس دولة وزمانُ ) قال وإنما خاطب بني عمرو بن عوف ها هنا لأن الكثيري كان تزوج إليهم وإنما قال أبشري قحطان لأن كثير بن الصلت من كندة حليف لقريش خبره مع معشوقته مريم أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني علي بن سليمان النوفلي أحد بني نوفل بن عبد مناف قال كان أبي يتعشق جارية مولده مغنية لامرأة من أهل المدينة ويقال للجارية مريم فغاب غيبة إلى الشام ثم قدم فنزل في طرف المدينة وحمل متاعه على حمالين وأقبل يريد منزله وليس شيء أحب إليه من صفاء مريم فبينا هو يمشي إذ هو بمولاة مريم قائمة على قارعتها وعيناها تدمعان فساءلها وساءلته فقال للعجوز ما هذه المصيبة التي أصبت بها قالت لم أصب بشيء إلا مبيعي مريم قال وممن بعتها قالت من رجل من أهل العراق وهو على الخروج وإنما ذهبت بها حتى ودعت أهلها فهي تبكي من أجل ذلك وأنا أبكي من أجل فراقها قال الساعة تخرج قالت نعم الساعة تخرج فبقي متبلدا حائرا ثم ارسل عينيه يبكي وودع مريم وانصرف وقال قصيدته التي أولها ( خليليَّ من سعد ألِمَّا فسلِّما ... على مريمٍ لا يُبعِد الله مريَما ) ( وقُولاَ لها هذا الفراق عزمته ... فهل من نوال قبل ذاك فنعلما ) قال وهي طويلة وقد غنى بعض أهل الحجاز في هذين البيتين غناء زيانبيا هكذا قال ابن عمار في خبره أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثني ابن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أبو العباس أحمد بن مالك اليمامي عن عبد الله بن محمد البواب قال سألت الخيزران موسى الهادي أن يولي خاله الغطريف اليمن فوعدها بذلك ودافعها به ثم كتبت إليه يوما رقعة تتنجزه فيها أمره فوجه إليها برسولها يقول خيريه بين اليمن وطلاق ابنته أو مقامي عليها ولا أوليه اليمن فأيهما اختار فعلته فدخل الرسول إليها ولم يكن فهم عنه ما قال فأخبرها بغيره ثم خرج إليه فقال تقول لك ولاية اليمن فغضب وطلق ابنته وولاه اليمن ودخل الرسول فأعلمه بذلك فارتفع الصياح من داره فقال ما هذا فقالوا من دار بنت خالك قال أو لم تختر ذلك قالوا لا ولكن الرسول لم يفهم ما قلت فأدى غيره وعجلت بطلاقها ثم ندم ودعا صالحا صاحب المصلى وقال له أقم على رأس كل رجل بحضرتي من الندماء رجلا بسيف فمن لم يطلق امرأته منهم فلتضرب عنقه ففعل ذلك ولم يبرح من حضرته أحد إلا وقد طلق إمرأته قال ابن البواب وخرج الخدم إلي فأخبروني بذلك وعلى الباب رجل واقف متلفع بطيلسانه يراوح بين رجليه فخطر ببالي ( خليليَّ من سعد ألّمَا فسلِّما ... على مريمٍ لا يُبِعد اللهُ مَريَما ) ( وقُولاَ لها هذا الفراق عزمِته ... فهل من نوال قبل ذاك فنعلَمَا ) فأنشدته فيعلما بالياء فقال لي فنعلما بالنون فقلت له فما الفرق بينهما فقال إن المعاني تحسن الشعر وتفسده وإنما قال فنعلما ليعلم هو القصة وليس به حاجة إلى أن يعلم الناس سره فقلت أنا أعلم بالشعر منك قال فلمن هو قلت للأسود بن عمارة قال أو تعرفه قلت لا قال فأنا هو فاعتذرت إليه من مراجعتي إياه ثم عرفته خبر الخليفة فيما فعله فقال أحسن الله عزاءك وانصرف وهو يقول هذا أحق منزل بترك يسخر من محمد بن عبيد الله حين تولى المدينة أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال كان محمد بن عبيد الله بن كثير بن الصلت على شرطة المدينة ثم ولي القضاء ثم ولاه أبو جعفر المدينة وعزل عبد الصمد بن علي فقال الأسود بن عمارة ( ذكرتك شُرْطياً فأصبحتَ قاضياً ... فصرتَ أميراً أبْشري قَحْطَانُ ) ( أرى نَزَواتٍ بينهنَّ تفاوتٌ ... وللدهر أحداث وذا حَدَثَانُ ) ( أرى حَدَثاً مِيطانُ منقَطعٌُ له ... ومنقطع مِنْ بعده وَرِقانُ ) ( أقيمي بني عمرو بن عوف أو اربَعي ... لكلّ أناس دولةٌ وزمانُ ) صوت ( هل لدهر قد مضى من مَعادٍ ... أو لهمٍّ داخلٍ من نَفادِ ) ( أذكرتْني عِيشةً قد توَّلت ... هاتفاتٌ نُحْنَ في بطن وادي ) ( هِجْنَ لي شوقاً وألهبْنَ ناراً ... للهوى في مستَقَرِّ الفؤادِ ) ( بان أحبابي وغُودرتُ فَرداً ... نُصْبَ ما سَرَّ عيونَ الأعادي ) الشعر لعلي بن الخليل والغناء لمحمد الرف ولحنه خفيف رمل بالبنصر من رواية عمرو بن بانة أخبار علي بن الخليل هو رجل من أهل الكوفة مولى لمعن بن زائدة الشيباني ويكنى أبا الحسن وكان يعاشر صالح بن عبد القدوس لا يكاد يفارقه فاتهم بالزندقة وأخذ من صالح ثم أطلق لما انكشف أمره قال محمد بن داود بن الجراح حدثني محمد بن الأزهر عن زياد بن الخطاب عن الرشيد أنه جلس بالرافقة للمظالم فدخل عليه علي بن الخليل وهو متوكئ على عصا وعليه ثياب نظاف وهو جميل الوجه حسن الثياب في يده قصة فلما رآه أمر بأخذ قصته فقال له يا أمير المؤمنين أنا أحسن عبارة لها فإن رأيت أن تأذن لي في قراءتها فعلت قال إقرأها فاندفع ينشده فيها قصيدته ( يا خير من وَخَدَت بأَرْحُلِه ... نُجُبُ الرِّكابِ بِمَهْمَهٍ جَلْسِ ) فاستحسنها الرشيد وقال له من أنت قال أنا علي بن الخليل الذي يقال فيه إنه زنديق فضحك وقال له أنت آمن وأمر له بخمسة آلاف درهم وخص به بعد ذلك وأكثر مدحه مدحه الرشيد حين أطلقه من السجن أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال كان الرشيد قد أخذ صالح بن عبد القدوس وعلي بن الخليل في الزندقة وكان علي بن الخليل استأذن أبا نواس في الشعر فأنشده علي بن الخليل ( يا خير من وخدَتْ بأَرْحُلِهِ ... نُجُبٌ تخُبُّ بِمَهْمَهٍ جَلْسِ ) ( تَطوِي السباسِبَ في أزمَّتها ... طَيَّ التِّجار عمائمَ البُرْسِ ) ( لما رأتك الشمسُ إذ طلعتْ ... كسفتْ بوجهك طلعةُ الشمس ) ( خير البرية أنت كلِّهِمُ ... في يومك الغادي وفي أمسِ ) ( وكذاك لن تنفكَّ خيرَهُمُ ... تُمسي وتُصبح فوق ما تُمسي ) ( لله ما هرون من مَلِك ... بَرِّ السريرة طاهرِ النَّفس ) ( ملك عليه لربِّه نِعَمٌ ... تزداد جِدَّتُها على اللُّبسِ ) ( تحكي خلافتُه ببهجتها ... أنَقَ السرور صبيحةَ العُرْس ) ( من عِترةٍ طابت أَرومَتُهُمْ ... أهلِ العفاف ومنتهى القُدْسِ ) ( نُطُقٍ إذا احتُضِرت مجالسُهم ... وعن السفاهة والخنا خُرس ) ( إني إليك لجأتُ من هربٍ ... قد كان شرَّدني ومن لَبسِ ) ( واخترتُ حكمَك لا أجاوزُهُ ... حتى أوسَّدَ في ثَرَى رَمْسي ) ( لما استخرتُ الله في مَهَلٍ ... يَمَّمتُ نحوَكَ رحلةَ العَنْسِ ) ( كم قد قطعتُ إليك مُدَّرِعاً ... ليلاً بَهيمَ اللَّونِ كالنَّقسِ ) ( إن هاجني من هاجسٍ جزعُ ... كان التوكل عنده تُرسي ) ( ما ذاك إلا أنني رجل ... أصبو إلى بَقَر من الإنسِ ) ( بقرٍ أوانسَ لا قُرونَ لها ... نُجْلِ العيونِ نواعِمٍ لُعْسِ ) ( رَدْعُ العَبيرِ على ترائبها ... يُقبلْن بالترحيب والخلْسِ ) ( وأشاهد الفتيان بينهمُ ... صفراءُ عند المَزْجِ كالوَرْسِ ) ( للماء في حافاتها حَبَبٌ ... نُظُمٌ كرقْمِ صحائف الفُرْسِ ) ( والله يعلم في بقيته ... ما إن أضعْتُ إقامَةَ الخَمْسِ ) فأطلقه الرشيد وقتل صالح بن عبد القدوس واحتج عليه في أنه لا يقبل له توبة بقوله ( والشيخ لا يترك أخلاقه ... حتى يُوارَى في ثرى رَمْسِه ) وقال إنما زعمت ألا تترك الزندقة ولا تحول عنها أبدا أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني أحمد بن زهير بن حرب قال كان عافية بن يزيد يصحب ابن علاثة فأدخله علىالمهدي فاستقصاه معه بعسكر المهدي وكانت قصة يعقوب مع أبي عبيد الله كذلك أدخله إلى المهدي ليعرض عليه فغار عليه فقال علي بن الخليل في ذلك ( عجباً لتصريف الأمور ... مسرّةً وكراهيهْ ) ( رَثَّتْ ليعقوبَ بن داود ... ٍ حبالُ معاويهْ ) ( وعدت على ابن عُلاثَة القاضي ... بوائقُ عافيه ) ( أدخلتَه فعَلا عليك ... كذاك شؤمُ الناصيه ) ( وأخذتَ حتفكَ جاهداً ... بيمينك المتراخيه ) ( يعقوبُ ينظر في الأمور ... وأنت تنظرُ ناحيهْ ) خبر ابن الجهم مع المأمون أخبرني عمي الحسن بن محمد قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن عمرو بن فراس الذهلي عن أبيه قال قال لي محمد بن الجهم البرمكي قال لي المأمون يوما يا محمد أنشدني بيتا من المديح جيدا فاخرا عربيا لمحدث حتى أوليك كورة تختارها قال قلت قول علي بن الخليل ( فمع السماءِ فروعُ نَبْعتهم ... ومع الحضيض مَنابِتُ الغَرْس ) ( متهلِّلين على أسِرَّتهم ... ولدى الهِياج مَصاعبٍ شُمْسِ ) فقال أحسنت وقد وليتك الدينور فأنشدني بيت هجاء على هذه الصفة حتى أوليك كورة أخرى فقلت قول الذي يقول ( قبُحتْ مناظرُهم فحين خَبَرتهم ... حسُنت مناظرُهم لقُبح المَخبَرِ ) فقال قد أحسنت قد وليتك همذان فأنشدني مرثية على هذا حتى أزيدك كورة أخرى فقلت قول الذي يقول ( أرادوا ليُخفوا قبرَه عن عدوِّه ... فطِيبُ تراب القبر دل على القبر ) فقال قد أحسنت قد وليتك نهاوند فأنشدني بيتا من الغزل على هذا الشرط حتى أوليك كورة أخرى فقلت قول الذي يقول ( تعالَيْ نجدِّد دارس العِلم بيننا ... كلانا على طول الجفاء مَلُوم ) فقال قد أحسنت قد جعلت الخيار إليك فاختر فاخترت السوس من كور الأهواز فولاني ذلك أجمع ووجهت إلى السوس بعض أهلي أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد عن التوزي قال نزل أبو دلامة بدهقان يكنى أبا بشر فسقاه شراباً أعجبه فقال في ذلك ( سقاني أبو بشر من الراح شَربةً ... لها لذَّةٌ ما ذُقتها لشراب ) ( وما طبخوها غير أنّ غلامهمْ ... سعى في نواحي قرمها بشِهاب ) قال فأنشد علي بن الخليل هذين البيتين فقال أحرقه العبد أحرقه الله تهنئته ليزيد بن مزيد بمولوده الجديد أخبرني الحسن بن علي وعمي الحسن بن محمد قالا حدثنا ابن مهرويه قال حدثني محمد بن عمران الضبي عن علي بن يزيد قال ولد ليزيد بن مزيد ابن فأتاه علي بن الخليل فقال اسمع أيها الأمير تهنئة بالفارس الوارد فتبسم وقال هات فأنشده ( يزيدُ يابن الصَّيد من وائلٍ ... أهلِ الرياسات وأهلِ المعالْ ) ( يا خير من أنجبَه والد ... لِيَهنِك الفارسُ ليث النزالْ ) ( جاءت به غَرَّاءُ ميمونة ... والسعد يبدو في طلوع الهلالْ ) ( عليه من مَعْن ومن وائلٍ ... سِيمَا تباشيرٍ وسيمَا جَلال ) ( والله يُبقيه لنا سيّداً ... مدافِعاً عنَّا صُروفَ اللَّيالْ ) ( حتى نراه قد علا مِنبراً ... وفاض في سُؤاله بالنوال ) ( وسَدَّ ثَغْراً فكفى شرَّه ... وقارَعَ الأبطالَ تحت العَوالْ ) ( كما كفانا ذاك آباؤه ... فَيحتذِي أفعالَهمْ عن مِثال ) فأمر له عن كل بيت بألف دينار المهدي يذكره بشعره في الخمر أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني ابن مهرويه قال حدثني ابن الأعرابي المنجم الشيباني عن علي بن عمرو الأنصاري قال دخل علي بن الخليل على المهدي فقال له يا علي أنت على معاقرتك الخمر وشربك لها قال لا والله يا أمير المؤمنين قال وكيف ذاك قال تبت منها قال فأين قولك ( أُولِعتْ نفسي بلذّتها ... ما ترى عن ذاك إقصارا ) وأين قولك ( إذا ما كنتَ شارِبَها فسِرّاً ... ودع قولَ العواذل واللَّواحي ) قال هذا شيء قلته في شبابي وأنا القائل بعد ذلك ( على اللَّذَّات والراحِ السلامُ ... تقضَّى العهدُ وانقطع الذِّمامُ ) ( مضى عهد الصِّبا وخرجتُ منه ... كما مِن غِمده خرج الحسامُ ) ( وقُرتُ على المَشيب فليس منِّي ... وصالُ الغانيات ولا المُدام ) ( ووَلَّى اللهوُ والقَيْناتُ عنِّي ... كما ولَّى عن الصبح الظلامُ ) ( حلبْتُ الدهرَ أَشطُرَه فعندي ... لصَرف الدهرِ محمودٌ وذَامُ ) أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن الحسن بن الحرون عن علي بن عبيدة الشيباني قال دخل علي بن الخليل ذات يوم إلى معن بن زائدة فحادثه وناشده ثم قال له معن هل لك في الطعام قال إذا نشط الأمير فأتيا بالطعام فأكلا ثم قال هل لك في الشراب قال إن سقيتني ما أريد شربت وإن سقيتني من شرابك فلا حاجة لي فيه فضحك ثم قال قد عرفت الذي تريد وأنا أسقيك منه فأتي بشراب عتيق فلما شرب منه وطابت نفسه أنشأ يقول ( يا صاحِ قد أنعمتَ إصباحي ... ببارد السَّلسال والراحِ ) ( قد دارت الكأسُ برَقْراقةٍ ... حياةِ أبدانٍ وأرواح ) ( تجري على أغيَدَ ذي رَونقٍ ... مهذَّب الأخلاق جَحْجاح ) ( ليس بفحّاش على صاحب ... ولا على الراح بفَضَّاح ) ( تسرّه الكأسُ إذا أقبلت ... بريح أُترُجٍّ وتُفَّاح ) ( يَسعَى بها أزهر في قُرْطَق ... مقلَّد الجِيد بأوضاح ) ( كأنها الزَّهرة في كفِّه ... أو شُعلة في ضوءِ مصباحِ ) هجا صديقا له من الدهاقين لأنه تعالى عليه حدثنا علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد قال كان لعلي بن الخليل الكوفي صديق من الدهاقين يعاشره ويبره فغاب عنه مدة طويلة وعاد إلى الكوفة وقد أصاب مالا ورفعة وقويت حاله فادعى أنه من بني تميم فجاءه علي بن الخليل فلم يأذن له ولقيه فلم يسلم عليه فقال يهجوه ( يَرُوح بِنِسبة المَوْلَى ... ويصبح يَدَّعي العَرَبا ) ( فلا هذا ولا هذاك ... يدركُه إذا طَلبا ) ( أتيناه بشَبُّوطٍ ... ترى في ظهره حَدَبا ) ( فقال أمَا لبخلك من ... طعامٍ يُذهب السَّغَبا ) ( فصد لأخيك يَرْبُوعاً ... وضَبّاً واترك اللعبا ) ( فَرشتُ له قَريح المسك ... والنِّسرينَ والغَرَبا ) ( فأمسَكَ أنفَه عنها ... وقام مولِّياً هَربا ) ( يشمُّ الشّيِحَ والقَيْصومَ ... كي يستوجبَ النسبا ) ( وقام إليه ساقينا ... بكأسٍ تَنظِم الحبَبا ) ( معتَّقةٍ مروَّقةٍ ... تسلِّى همَّ من شرِبا ) ( فآلَى لا يُسلْسِلها ... وقال اصبُبْ لنا حَلَبا ) ( وقد ابصرتُه دهراً ... طويلاً يشتهي الأدبا ) ( فصار تشبُّهاً بالقوم ... جِلفاً جافياً جَشِبا ) ( إذا ذُكر البَرِيرُ بكى ... وأبدَى الشوقَ والطَّرَبَا ) ( وليس ضميرُه في القوم ... م إلاَّ التِّينَ والعنبا ) ( جحدت أباك نسبتَه ... وأرجو أن تفيد أبا ) قال علي بن سليمان وأنشدني محمد بن يزيد وأحمد بن يحيى جميعا لعلي بن الخليل في هذا الذكر وذكر ثعلب أن إسحاق بن إبراهيم أنشد هذه الأبيات لعلي قال ( يا أيُّها الراغب عن أصله ... ما كنتَ في موضع تهجينِ ) ( متى تعرَّبتَ وكنت امرأً ... من الموالي صالحَ الدِّينِ ) ( لو كنتَ إذ صرتَ إلى دعوة ... فزتَ من القوم بتمكينِ ) ( لكَفَّ من وجدي ولكنني ... أراك بين الضَّبِّ والنُّونِ ) ( فلو تراه صارفاً أنفَه ... من ريح خِيريٍّ ونِسرينِ ) ( لقلتَ جِلفٌ من بني دارمٍ ... حَنَّ إلى الشِّيح بِيَبْرِين ) ( دُعْموصُ رمل زَلَّ عن صخرةٍ ... يعاف أرواحَ البساتين ) ( تنبو عن الناعم أعطافُه ... والخَزِّ والسِّنجابِ واللِّينِ ) أخبرني جحظة ومحمد بن مزيد جميعا قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال كان علي بن الخليل جالسا مع بعض ولد المنصور وكان الفتى يهوى جارية لعتبة مولاة المهدي فمرت به عتبة في موكبها والجارية معها فوقفت عليه وسلمت وسألت عن خبره فلم يوفها حق الجواب لشغل قلبه بالجارية فلما انصرفت أقبل عليه علي بن الخليل فقال له ( راقِب بطَرْفك مَن تخاف ... إذا نظرت إلى الخليلِ ) ( فإذا أمِنتَ لِحاظَهمْ ... فعليك بالنظر الجميل ) ( إن العيون تَدُلّ بالنظر ... المليح على الدَّخِيل ) ( إمَّا على حبٍّ شديدٍ ... أوعلى بُغضٍ أصيل ) أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل تينة قال كان علي بن الخليل يصحب بعض ولد جعفر بن المنصور فكتب إليه والبة بن الحباب يدعوه ويسأله ألا يشتغل بالهاشمي يومه ذلك عنه ويصف له طيب مجلسه وغناء حصله وغلاما دعاه فكتب إليه علي بن الخليل ( أمَا ولحَاظِ جارية ... تُذيب حُشاشةِ المُهَجِ ) ( وسحر جفونها المُضْنيك ... بين الفَتْر والدَّعَج ) ( مليحةُ كلِّ شيء ما ... خلا من خُلْقها السَّمِج ) ( وحُرْمةِ دَنِّك المبزول ... ِ والصهباءُ منه تجي ) ( كأنَّ مجيئها في الكأس ... حين تُصَبُّ من وَدَج ) ( لو انعرج الأنام إلى ... بشاشة مجلسٍ بَهِج ) ( وكنت بجانب جدْبٍ ... لكان إليك مُنعرَجي ) وصار إليه في إثر الرقعة أخبار محمد الزف هو محمد بن عمرو مولى بني تميم كوفي الأصل والمولد والمنشأ والزف لقب غلب عليه وكان مغنيا ضاربا طيب المسموع صالح الصنعة مليح النادرة أسرع خلق الله أخذا للغناء وأصحهم أداء له وأذكاهم إذا سمع الصوت مرتين أو ثلاثا أداه لا يكون بينه وبين من أخذه عنه فرق وكان يتعصب على ابن جامع ويميل إلى إبراهيم الموصلي وابنه إسحاق فكانا يرفعان منه ويقدمانه ويجتلبان له الرفد والصلات من الخلفاء وكانت فيه عربدة إذا سكر فعربد بحضرة الرشيد مرة فأمر بإخراجه ومنعه من الوصول إليه وجفاه وتناساه وأحسبه مات في خلافته أو في خلافة الأمين أمثلة على قوة حفظه أخبرني بذلك ذكاء وجه الرزة عن محمد بن أحمد بن يحيى المكي المرتجل أخبرني ابن جعفر جحظة قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال غنى ابن جامع يوما بحضرة الرشيد صوت ( جَسورٌ على هجري جبانٌ على وصلي ... كَذوب غدا يستتبع الوعد بالمطلِ ) ( مقدِّم رِجل في الوصال مؤخِّر ... لأخرى يشوب الجِدّ في ذاك بالهزل ) ( يهمّ بنا حتى إذا قلتُ قد دنا ... وجاد ثَنى عِطفاً ومال إلى البخلِ ) ( يزيد امتناعاً كلَّما زِدت صبوةً ... وأزداد حرصاً كلَّما ضنَّ بالبذل ) فأحسن فيه ما شاء وأجمل فغمزت عليه محمدا الزف وفطن لما أردت واستحسنه الرشيد وشرب عليه واستعاده مرتين أو ثلاثا ثم قمت للصلاة وغمزت الزف وجاءني وأومأت إلى مخارق وعلويه وعقيد فجاؤوني فأمرته بإعادة الصوت فأعاده وأداه كأنه لم يزل يرويه فلم يزل يكرره على الجماعة حتى غنوه ودار لهم ثم عدت إلى المجلس فلما انتهى الدور إلي بدأت فغنيته قبل كل شيء غنيته فنظر إلي ابن جامع محددا نظره وأقبل علي الرشيد فقال أكنت تروي هذا الصوت فقلت نعم يا سيدي فقال ابن جامع كذب والله ما أخذه إلا مني الساعة فقلت هذا صوت أرويه قديما وما فيمن حضر أحد إلا وقد أخذه مني وأقبلت عليه فغناه علويه ثم عقيد ثم مخارق فوثب ابن جامع فجلس بين يديه وحلف بحياته وبطلاق امرأته أن اللحن صنعه منذ ثلاث ليال ما سمع منه قبل ذلك الوقت فأقبل علي فقال بحياتي اصدقني عن القصة فصدقته فجعل يضحك ويصفق ويقول لكل شيء آفة وآفة ابن جامع الزف لحن هذا الصوت خفيف ثقيل أول بالبنصر والصنعة لابن جامع من رواية الهشامي وغيره قال أبو الفرج وقد أخبرني بهذا الخبر محمد بن مزيد عن حمّاد عن أبيه بخلاف هذه الرواية فقال فيه قال محمد الزف أروى خلق الله للغناء وأسرعهم أخذا لما سمعه منه ليست عليه في ذلك كلفة وإنما يسمع الصوت مرة واحدة وقد أخذه وكنا معه في بلاء إذا حضر فكان من غنى منا صوتا فسأله عدو له أو صديق أن يلقيه عليه فبخل ومنعه إياه سأل محمدا الزف أن يأخذه فما هو إلا أن يسمعه مرة واحدة حتى قد أخذه وألقاه على من سأله فكان أبي يبره ويصله ويجديه من كل جائزة وفائدة تصل إليه فكان غناؤه عنده حمى مصونا لا يقربه ولم يكن طيب المسموع ولكنه كان أطيب الناس نادرة وأملحهم مجلسا وكان مغرى بابن جامع خاصة من بين المغنين لبخله فكان لا يفتح ابن جامع فاه بصوت إلا وضع عينه عليه وأصغى سمعه إليه حتى يحكيه وكان في ابن جامع بخل شديد لا يقدر معه على أن يسعفه ببر ورفد فغنى يوما بحضرة الرشيد غناء لابن جامع بحضرة الرشيد صوت ( أرسلت تُقرئ السلامَ الرَّبابُ ... في كتابٍ وقد أتانا الكتابُ ) ( فيه لو زُرتَنا لزرناك ليلاً ... بمِنىً حيث تستقلّ الركاب ) ( فأجبتُ الرَّباب قد زرت لكن ... ليَ منكم دون الحجاب حجاب ) ( إنما دهرك العتاب وذمّي ... ليس يُبقي على المحبّ عتابُ ) ولحنه من الثقيل الأول فأحسن فيه ما شاء ونظرت إلى الزف فغمزته وقمت إلى الخلاء فإذا هو قد جاءني فقلت له أي شيء عملت فقال قد فرغت لك منه قلت هاته فرده علي ثلاث مرات وأخذته وعدت إلى مجلسي وغمزت عليه عقيدا ومخارقا فقاما وتبعهما فألقاه عليهما وابن جامع لا يعرف الخبر فلما عاد إلى المجلس أومأت إليهما أسألهما عنه فعرفاني أنهما قد أخذاه فلما بلغ الدور إلي كان الصوت أول شيء غنيته فحدد الرشيد نظره إلي ومات ابن جامع وسقط في يده فقال لي الرشيد من أين لك هذا قلت أنا أرويه قديما وقد أخذه عني مخارق وعقيد فقال غنياه فغنياه فوثب ابن جامع فجلس بين يديه ثم حلف بالطلاق ثلاثا بأنه صنعه في ليلته الماضية ما سبق إليه ابن جامع أحد فنظر الرشيد إلي فغمزته بعيني أنه صدق وجد الرشيد في العبث به بقية يومه ثم سألني بعد ذلك عن الخبر فصدقته عنه وعن الزف فجعل يضحك ويقول لكل شيء آفة وآفة ابن جامع الزف قال حماد وللزف صنعة يسيرة جيدة منها في الرمل الثاني صوت لمن الظعائن سيرُهنَّ تزحُّفُ ... عَوْمَ السَّفينِ إذا تَقَاذَفَ مِجذَفُ ) ( مرَّت بذي حُسُمٍ كأنَّ حُمولَها ... نخل بيثربَ طلعُها متزحِّف ) ( فلئن أصابتْني الحروب لربَّما ... أُدعَى إذا مُنع الرِّدافُ فأردف ) ( فأثير غاراتٍ وأشهد مَشْهَداً ... قلبُ الجبان به يَطيش فَيرجُف ) قال ومن مشهور صنعته في هذه الطريقة صوت ( إذا شئت غنَّتني بأجراع بِيشةٍ ... أو النخل من تَثْليثَ أو من يَلَمْلَمَا ) ( مطوَّقةٌ طَوْقاً وليس بِحلْيةٍ ... ولا ضربَ صوَّاغٍ بكفّيه دِرهما ) ( تُبكِّي على فرخٍ لها ثم تَغتدي ... مدلَّهةً تَبغِي له الدهرَ مَطعمَا ) ( تؤمل منه مؤنِساً لانفرادها ... وتبكي عليه إن زَقَا أو ترنما ) ومن صنعته في هذه الطريقة صوت ( يا زائرَيْنا من الخيامِ ... حيَّاكما الله بالسلامِ ) ( يَحزُنني أن أطعتُماني ... ولَم تَنالاَ سوى الكلام ) ( بُورِك هارونُ من إمامٍ ... بطاعة الله ذي اعتصامِ ) ( له إلى ذي الجلال قُربَى ... ليست لعدل ولا إمام ) وله في هذ الطريقة 💥💥💥💥💥💥 💥💥💥💥💥💥 ج27 كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني صوت ( بان الحبيبُ فلاحَ الشَّيبُ في راسي ... وبتُّ منفرداً وحدي بِوَسْواسِ ) ( ماذا لقيتُ فدتك النفسُ بعدَكم ... من التبرم بالدنيا وبالناس ) ( لو كان شيء يسلي النفسَ عن َشجَن ... سلّت فؤاديَ عنكم لذَّةُ الكاس ) صوت ( بأبي ريمٌ رَمَى قلبي ... بألحاظٍ مِراضِ ) ( وحَمَى عيني أن تلتَذ ... َّ طِيبَ الاغتماض ) ( كلَّما رُمْت انبساطاً ... كفَّ بَسْطي بانقباض ) ( أو تعالَى أملي فيه ... رَمَاهُ بانخفاضِ ) ( فمتى ينتصفُ المظلومُ ... والظالمُ قاضي ) الشعر لأبي الشبل البرجمي والغناء لعثعث الأسود خفيف ثقيل أول بالوسطى وفيه لكثير رمل ولبنان خفيف رمل أخبار أبي الشبل ونسبه أبو الشبل اسمه عاصم بن وهب من البراجم مولده الكوفة ونشأ وتأدب بالبصرة اتصاله بالمتوكل أخبرني بذلك الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن علي بن الحسن الأعرابي وقدم إلى سر من رأى في ايام المتوكل ومدحه وكان طبا نادرا كثير الغزل ماجنا فنفق عند المتوكل بإيثاره العبث وخدمه وخص به فأثرى وأفاد فذكر لي عمي عن محمد بن المرزبان بن الفيرزان عن أبيه أنه لما مدحه بقوله ( أقبلي فالخيرُ مقبلْ ... واتركي قولَ المعلِّلْ ) ( وثِقي بالنُّجح إذ أبصرت ... وجه المتوكِّلْ ) ( ملِكٌ يُنْصِفُ يا ظالمتي ... فيكِ ويَعدلْ ) ( فهُوَ الغايةُ والمأمول ... يرجوهُ المؤمِّلْ ) أمر له بألف درهم لكل بيت وكانت ثلاثين بيتا فانصرف بثلاثين ألف درهم الغناء في هذه الأبيات لأحمد المكي رمل بالبنصر أخبرني يحيى بن علي عن أبي أيوب المديني عن أحمد بن المكي قال غنيت المتوكل صوتا شعره لأبي الشبل البرجمي وهو ( أقبلي فالخير مقبلْ ... ودعي قول المعلِّلْ ) فأمر لي بعشرين ألف درهم فقلت يا سيدي أسأل الله أن يبلغك الهنيدة فسأل عنها الفتح فقال يعني مائة سنة فأمر لي بعشرة آلاف أخرى وحدثنيه الحسن بن علي عن هارون بن محمد الزيات عن أحمد بن المكي مثله حدثني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أبو الشبل عاصم بن وهب الشاعر وهو القائل ( أَقبِلي فالخير مقبلْ ... ودعي قول المعلِّلْ ) قال كانت لي جارية اسمها سكر فدخلت يوما منزلي ولبست ثيابي لأمضي إلى دعوة دعيت إليها فقالت أقم اليوم في دعوتي أنا فأقمت وقلت ( أنا في دعوةِ سُكَّرْ ... والهوى ليس بمنكَرْ ) ( كيف صبري عن غزالٍ ... وجهُهُ دلو مُقَيَّرْ ) فلما سمعت الأول ضحكت وسرت فلما أنشدتها البيت الثاني قامت إلي تضربني وتقول لي هذا البيت الأخير الذي فيه دلو لمالك لولا الفضول فما زالت يعلم الله تضربني حتى غشي علي خبره مع مالك بن طوق وذكر ابن المعتز أن ابا الأغر الأسدي حدثه قال مدح أبو الشبل مالك بن طوق بمدح عجيب وقدر منه ألف درهم فبعث إليه صرة مختومة فيها مائة دينار فظنها دراهم فردها وكتب معها قوله ( فليت الذي جادت به كفُّ مالكٍ ... ومالك مدسوسان في اسْت أمِّ مالِكِ ) ( فكانَ إلى يوم القيامةِ في استها ... فأيسَرُ مفقودٍ وأيسَرُ هالك ) وكان مالك يومئذ أميرا على الأهواز فلما قرأ الرقعة أمر بإحضاره فأحضر فقال له يا هذا ظلمتنا واعتديت علينا فقال قد قدرت عندك ألف درهم فوصلتني بمائة درهم فقال افتحها ففتحتها فإذا فيها مائة دينار فقال أقلني أيها الاميرقال قد أقلتك ولك عندي كل ما تحب أبدا ما بقيت وقصدتني حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال قال لي أبو الشبل البرجمي كان في جيراني طبيب أحمق فمات فرثيته فقلت ( قد بكاه بَولُ المريضِ بدمعٍ ... واكِفٍ فوق مُقلتيه ذَرُوفِ ) ( ثم شقَّت جيوبَهن القوارير ... ُ عليه ونُحْنَ نَوْحَ اللَّهيفِ ) ( يا كسادَ الخِيارِ شَنْبَرَ والأقراصِ ... طرّاً ويا كسادَ السَّفوفِ ) ( كنتَ تمشي مع القويِّ فإن جاء ... ضعيفٌ لم تَكترثْ بالضَّعيفِ ) ( لهفَ نفسي على صُنوفِ رَقاعاتٍ ... تولَّت منه وعقلٍ سخيفِ ) سخريته بخالد بن يزيد حدثنا الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا أبو الشبل قال إن خالد بن يزيد بن هبيرة كان يشرب النبيذ فكان يغشانا وكانت له جارية صفراء مغنية يقال لها لهب فكانت تغشانا معه فكنت أعبث بهما كثيرا ويشتماني فقام مولاها يوما إلى الخابية يستقي نبيذا فإذا قميصه قد انشق فقلت فيه ( قالت له لهبٌ يوماً وجادَلَها ... بالشعر في باب فَعْلاَنٍ ومفعولِ ) ( أمّا القميص فقد أودى الزمان به ... فليت شعري ما حال السراويلِ ) فبلغ الشعر أبا الجهم أحمد بن يوسف فقال ( حالُ السراويل حالٌ غيرُ صالحة ... تَحكي طرائقُه نسجَ الغرابيلِ ) ( وتحته حفرة قَوْراء واسعة ... تسيل فيها مَيازيبُ الأحاليلِ ) قال أبو الشبل وكانت أم خالد هذا ضراطة تضرط على صوت العيدان وغيرها في الإيقاع فقلت فيه ( في الحَيِّ من لا عدِمْتُ خُلَّتَه ... فتىً إذا ما قطعتُهُ وَصَلاَ ) ( له عجوز بالحَبْق أبصرُ مَنْ ... أبصرتَه ضارِباً ومرتجِلا ) ( نادمتُها مرَّةً وكنت فتىً ... ما زلتُ أهوَى وأَشتهي الغَزَلا ) ( حتى إذا ما أمالَها سَكَرٌ ... يَبْعث في قلبها لها مَثَلاَ ) ( إِتَّكَأتْ يَسرةً وقد حَرَقَتْ ... أشراجَها كي تقوِّم الرَّملا ) ( فَلَمْ تَزَلْ باستها تُطارِحني ... إِسمَعْ إلى مَنْ يَسومُني العِلَلاَ ) حدثني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أبو الشبل قال لما عرض لي الشعر أتيت جارا لي نحويا وأنا يومئذ حديث السن أظنه قال إنه المازني فقلت له إن رجلا لم يكن من أهل الشعر ولا من أهل الرواية قد جاش صدره بشيء من الشعر فكره أن يظهره حتى تسمعه قال هاته وكنت قد قلت شعرا ليس بجيد إنما هو قول مبتدئ فأنشدته إياه فقال من العاض بظر أمه القائل لهذا فقمت خجلا فقلت لأبي الشبل فأي شيء قلت له أنت قال قلت في نفسي أعضك الله بظر أمك وبهضك ذكر بعض نوادره أخبرني عمي عن محمد بن المرزبان بن الفيرزان قال كنت أرى أبا الشبل كثيرا عند أبي وكان إذا حضر أضحك الثكلى بنوادره فقال له أبي يوما حدثنا ببعض نوادرك وطرائفك قال نعم من طرائف أموري أن ابني زنى بجارية سندية لبعض جيراني فحبلت وولدت وكانت قيمة الجارية عشرين دينارا فقال يا أبت الصبي والله ابني فساومت به فقيل لي خمسون دينارا فقلت له ويلك كنت تخبرني الخبر وهي حبلى فأشتريها بعشرين دينارا ونربح الفضل بين الثمنين وأمسكت عن المساومة بالصبي حتى اشتريته من القوم بما أرادوا ثم أحبلها ثانيا فولدت له ابنا آخر فجاءني يسألني أن ابتاعه فقلت له عليك لعنة الله ما يحملك أن تحبل هذه فقال يا أبت لا أستحب العزل وأقبل على جماعة عندي يعجبهم مني ويقول شيخ كبير يأمرني بالعزل ويستحله فقلت له يابن الزانية تستحل الزنا وتتحرج من العزل فضحكنا منه وقلت له وأي شيء أيضا قال دخلت أنا ومحمود الوراق إلى حانة يهودي خمار فأخرج إلينا منها شيئا عجيبا فظنناه خمرا بنت عشر قد أنضجها الهجير فأخرج إلينا منها شيئا عجيبا وشربنا فقلت له اشرب معنا قال لا أستحل شرب الخمر فقال لي محمود ويحك رأيت أعجب مما نحن فيه يهودي يتحرج من شرب الخمر ونشربها ونحن مسلمون فقلت له أجل والله لا نفلح أبدا ولا يعبأ الله بنا ثم شربنا حتى سكرنا وقمنا في الليل فنكنا بنته وامرأته وأخته وسرقنا ثيابه وخرينا في نقيوات نبيذ له وانصرفنا أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال أخبرنا عون بن محمد الكندي قال وقعت لأبي الشبل البرجمي إلى هبة الله بن إبراهيم بن المهدي حاجة فلم يقضها فهجاه فقال ( صَلَفٌ تندقُّ منه الرقبهْ ... ومساوٍ لم تُطِقْها الكَتَبَهْ ) كلَّما بادَرَهُ رَكْبٌ بما ... يشتهيه منه نادى يا أبَهْ ) ( ليته كان الترى الفَرْجُ به ... لم يزد في هاشمٍ هذي هِبَهْ ) يعني غلاما لهبة الله كان يسمى بدرا وكان غالبا على أمره حدثني الصولي قال حدثني القاسم بن إسماعيل قال قال رأى أبو الشبل إبراهيم بن العباس يكتب فأنشأ يقول ( ينظِّم اللؤلؤَ المنثورَ منطقُه ... وينظِم الدرَّ بالأقلام في الكُتُبِ ) حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أبو الشبل البرجمي قال حضرت مجلس عبيد الله بن يحيى بن خاقان وكان إلي محسنا وعلي مفضلا فجرى ذكر البرامكة فوصفهم الناس بالجود وقالوا في كرمهم وجوائزهم وصلاتهم فأكثروا فقمت في وسط المجلس فقلت لعبيد الله أيها الوزير إني قد حكمت في هذا الخطب حكما نظمته في بيتي شعر لا يقدر أحد أن يرده علي وإنما جعلته شعرا ليدور ويبقى فيأذن الوزير في إنشادهما قال قل فرب صواب قد قلته فقلت ( رأيتُ عبيدَ الله أفضلَ سُودَداً ... وأكرمَ مِن فضلٍ ويحيى بنِ خالِدِ ) ( أولئك جادوا والزَّمانُ مُساعِدٌ ... وقد جاد ذا والدَهرُ غيرُ مساعِدِ ) فتهلل وجه عبيد الله وظهر السرور فيه وقال أفرطت أبا الشبل ولا كل هذا فقلت والله ما حابيتك أيها الوزير ولا قلت إلا حقا واتبعني القوم في وصفه وتقريظه فما خرجت من مجلسه إلا وعلي الخلع وتحتي دابة بسرجه ولجامه وبين يدي خمسة آلاف درهم خبره مع جاريتين تقولان الشعر حدثني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني علي بن الحسن الشيباني قال حدثني أبو الشبل الشاعر قال كنت أختلف إلى جاريتين من جواري النخاسين كانتا تقولان الشعر فأتيت إحداهما فتحدثت إليها ثم أنشدتها بيتا لأبي المستهل شاعر منصور بن المهدي في المعتصم ( أقام الإمامُ مَنَارَ الهُدَى ... وأخرَسَ ناقوسَ عَمُّورِيَّهْ ) ثم قلت لها أجيزي فقالت ( كساني المليكُ جلابيبَه ... ثيابٌ عَلاها بسَمُّورِيَهْ ) ثم دعت بطعام فأكلنا وخرجت من عندها فمضيت إلى الأخرى فقالت من أين يا ابا الشبل فقلت من عند فلانة قالت قد علمت أنك تبدأ بها وصدقت كانت أجملهما فكنت أبدأ بها ثم قالت أما الطعام فاعلم أنه لا حيلة لي في أن تأكله لعلمي بأن تلك لا تدعك تنصرف أو تأكل فقلت أجل قالت فهل لك في الشراب قلت نعم فأحضرته وأخذنا في الحديث ثم قالت فأخبرني ما دار بينكما فأخبرتها فقالت هذه المسكينة كانت تجد البرد وبيتها أيضا هذا الذي جاءت به يحتاج إلى سمورية أفلا قالت ( فأضحَى به الدِّين مستبشِراً ... وأضحت زِنادُهما وارِيَهْ ) فقلت أنت والله أشعر منها في شعرها وأنت والله في شعرك فوق أهل عصرِك والله أعلم ذكره للشيب في شعره أخبرنا الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال أنشدني أبو الشبل لنفسه ( عَذِيري مِن جَواري الحي ... إذ يَرغبن عن وصلي ) ( رأَين الشيبَ قد ألبسني ... أُبَّهَةَ الكَهْلِ ) ( فأعرضْنَ وقد كُنَّ ... إذا قيل أبو الشبلِ ) ( تَساعَيْن فرقَّعن الكُوَى ... بالأعيُن النُّجلِ ) قال وهذا سرقه من قول العتبي ( رأين الغواني الشيب لاح بمَفرقي ... فأعرضْنَ عنيِّ بالخدودِ النواضِرِ ) ( وكُنَّ إذا أبصرنَنِي أو سمِعْنَنِي ... سَعَيْنَ فرقَّعْنَ الكُوَى بالمَحَاجِرِ ) حدثني الحسن قال حدثني ابن مهرويه قال حدثني أبو الشبل قال كان حاتم بن الفرج يعاشرني ويدعوني وكان أهتم قال أبو الشبل وأنا أهتم وهكذا كان أبي وأهل بيتي لا تكاد تبقى في أفواههم حاكة فقال أبو عمرو أحمد بن المنجم ( لِحاتِم ٍفي بُخله فِطنةٌ ... أدقُّ حِسّاً من خُطا النملِ ) ( قد جعل الهُتمانَ ضَيْفاً له ... فصار في أمنٍ من الأكلِ ) ( ليس على خبز امرئ ضَيعةٌ ... أكيلُهُ عُصْمٌ أبو الشبلِ ) ( ما قدرُ ما يحمله كفُّه ... إلى فمٍ من سِنِّه عُطْلِ ) ( فحاتِمُ الجُودِ أخو طيئ ... مضى وهذا حاتمُ البخلِ ) نسيبه بجارية سوداء أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو العيناء قال كانت لأبي الشبل البرجمي جارية سوداء وكان يحبها حبا شديدا فعوتب فيها فقال ( غدتْ بطولِ الملام عاذلةٌ ... تلومُني في السواد والدَّعَجِ ) ( ويحكِ كيف السلوّ عن غُرَرٍ ... مفترقات الأرجاءِ كالسَّبَجِ ) ( يحملن بين الأفخاذ أسْنِمَةً ... تحرق أوبارها من الوَهجِ ) ( لا عذَّب الله مسلماً بهمُ ... غيري ولا حان منهمُ فَرَجِي ) ( فإنَّني بالسواد مبتهِجٌ ... وكنتُ بالبيض غيرَ مبتهِجِ حدثني عمي قال حدثني أحمد بن الطيب قال حدثني أبو هريرة البصري النحوي الضرير قال كان أبو الشبل الشاعر البرجمي يعابث قينة لهاشم النحوي يقال لها خنساء وكانت تقول الشعر فعبث بها يوما فأفرط حتى أغضبها فقالت له ليت شعري بأي شيء تدل أنا والله أشعر منك لئن شئت لأهجونك حتى أفضحك فأقبل عليها وقال ( حسناءُ قد أَفرطتْ علينا ... فليس منها لنا مجيرُ ) ( تاهت بأشعارها علينا ... كأنَّما ناكَها جريرُ ) قال فخجلت حتى بان ذلك عليها وأمسكت عن جوابه شعره في ذم المطر قال عمي قال أحمد بن الطيب حدثني أبو هريرة هذا قال حدثني أبو الشبل أنها وعدته أن تزوره في يوم بعينه كان مولاها غائبا فيه فلما حضر ذلك اليوم جاء مطر منعها من الوفاء بالموعد قال فقلت أذم المطر ( دع المواعيدَ لا تَعرِضْ لِوِجهتها ... إن المواعيد مقرونٌ بها المطرُ ) ( إنَّ المواعيد والأعيادَ قد مُنِيَتْ ... منه بأنكدِ ما يُمْنَى به بَشَرُ ) ( أمّا الثياب فلا يغررْك إن غسِلتْ ... صحوٌ شديد ولا شمس ولا قمرُ ) ( وفي الشخوص له نوءٌ وبارقةٌ ... وإن تبيّت فذاك الفالجُ الذكر ) ( وإن هممتَ بأن تدعو مغنِّيةً ... فالغيث لا شكّ مقرونٌ به السَّحَرُ ) حدثني عمي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال كان لعبيد الله بن يحيى بن خاقان غلام يقال له نسيم فأمره عبيد الله بقضاء حاجة كان أبو الشبل البرجمي سأله إياها فأخرها نسيم فشكاه إلى عبيد الله فأمر عبيد الله غلاما له آخر فقضاها بين يديه فقال أبو الشبل يهجو نسيما ( قل لنسيمٍ أنتَ في صورة ... خُلِقْتَ من كلبٍ وخِنزيرَهْ ) ( رَعَيت دهراً بعد أعفاجها ... في سَلْح مخمورٍ ومخموره ) ( حتى بدا رأسك مِن صَدْعِها ... زانية بالفسق مشهوره ) ( لا تقرب الماء إذا أجنَبَتْ ... ولا تَرَى أن تقربَ النُّوره ) ( ترى نباتَ الشَّعر حَوْلَ استها ... دَرَابِزِيناً حول مَقْصُوره ) حدثني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثني ابن مهرويه قال كان أبو الشبل يعاشر محمد بن حماد بن دلقيش ثم تهاجرا بشيء أنكره عليه فقال أبو الشبل فيه ( لابن حمّاد ايادٍ ... عندنا ليست بدونِ ) ( عنده جارية تشفِي ... من الداء الدفينِ ) ( ولها في رأس مولاها ... أكاليلُ قُرونِ ) ( ذات صَدْعٍ حاتميّ الفعل ... في كِن مَكِينِ ) ( لا يرى مَنْعَ الذي يحوِي ... ولو أمَّ البنينِ ) قال شعرا في كبش أفلت منه حدثني عمي قال حدثني أحمد بن الطيب قال حدثني أبو هريرة النحوي قال كان أبو الشبل البرجمي قد اشترى كبشا للأضحى فجعل يعلفه ويسمنه فأفلت يوما على قنديل له كان يسرجه بين يديه وسراج وقارورة للزيت فنطحه فكسره وانصب الزيت على ثيابه وكتبه وفراشه فلما عاين ذلك ذبح الكبش قبل الأضحى وقال يرثي سراجه ( يا عين بكِّي لفقد مَسْرَجةٍ ... كانت عمود الضياء والنورِ ) ( كانت إذا ما الظلام ألبسني ... من حِندِس الليل ثوب دَيْجُورِ ) ( شقّت بنيرانها غياطِلَهُ ... شقّاً دَعَا الليلَ بالدَّياجِيرِ ) ( صِينية الصين حين أبدعها ... مصوِّر الحسن بالتصاويرِ ) ( وقيل ذا بدعةٌ أتيح لها ... من قِبَلِ الدَّهر قرنُ يَعْفُورِ ) ( وصَكّها صكّةً فما لبثت ... أنْ وَرَدت عسكر المكاسيرِ ) ( وإن تولَّت فقدْ لها تركَتْ ... ذِكراً سيبقى على الأعاصيرِ ) ( مَن ذا رأيتَ الزمانَ يأسره ... فلم يَشُب يُسرَه بتعسيرِ ) ( ومن أباح الزمانُ صفوتَه ... فلم يشب صفوه بتكديرِ ) ( مسْرجتي لو فديت ما بَخِلَتْ ... عنَك يدُ الجود بالدنانيرِ ) ( ليس لنا فيكِ ما نقدِّره ... لكنما الأمر بالمقاديرِ ) ( مسرجتي كم كشفتِ من ظُلَمٍ ... جَلَّيتِ ظلماءها بتنويرِ ) ( وكم غزالٍ على يديكِ نجا ... من دقّ خُصييه بالطواميرِ ) ( مَن لي إذا ما النديمُ دبَّ إلى النّدمان ... في ظُلمةِ الدَّياجِيرِ ) ( وقام هذا يَبُوس ذاك وذا ... يُعْنِق هذا بغير تقدير ) ( وازدَوَجَ القومُ في الظلام فما ... تسمعُ إلاَّ الرِّشاء في البِيرِ ) ( فما يُصلُّون عند خَلوتهمْ ... إلاَّ صلاةً بغير تطهيرِ ) ( أوحشتِ الدارُ من ضيائك والبيت ... إلى مطبخ وتَنُّورِ ) ( إلى الرواقين فالمجالسُ فالمِربَد ... ُ مذ غبتِ غيرُ معمورِ ) ( قلبي حزين عليك إذ بخلتْ ... عليك بالدمع عينُ تنمير ) ( إن كان أودى بكِ الزمان فقد ... أبقيتِ منك الحديثَ في الدُّورِ ) ( دع ذكرهَا واهجُ قَرْنَ ناطِحِها ... واسرُد أحاديثَه بتفسيرِ ) ( كان حديثي أني اشتريتُ فما اشتريت ... كَبْشاً سليلَ خِنزيرِ ) ( فلم أَزَلْ بالنَّوى أسمِّنه ... والتبن والقَتِّ والأثاجِيرِ ) ( أبرِّد الماء في القِلالِ له ... وأتَّقي فيه كلَّ محذورِ ) ( تخدمه طولَ كلّ ليلتها ... خِدمَةَ عبدٍ بالذل مأسورِ ) ( وهي من التِّيه ما تكلمني الفصيح ... إلا من بعد تفكيرِ ) ( شمس كأنَّ الظلام ألبسَها ... ثوباً من الزِّفت أو من القِيرِ ) ( من جلدها خُفُّها وبرقعها ... حَوراءُ في غير خِلقة الحُورِ ) ( فلم يزل يغتذي السرورَ وما المحزونُ ... في عيشةٍ كمسرورِ ) ( حتى عدا طوره وحُقَّ لمن ... يكفُرُ نُعْمَى بِقُرْبِ تغييرِ ) ( فمدَّ قرنيه نحو مسرجةٍ ... تُعَدُّ في صون كلّ مذْخورِ ) ( شدَّ عليها بقَرْن ذي حَنَقٍ ... معوَّدِ للنِّطاحِ مشهورِ ) ( وليس يَقوَى برَوْقه جَبَلٌ ... صَلْدٌ من الشَّمَّخ المذاكِيرِ ) ( فكيف تَقْوَى عليه مِسْرَجَةٌ ... أرقُّ من جوهر القواريرِ ) ( تكسَّرتْ كسرةً لها ألمٌ ... وما صحيحُ الهوى كمكسورِ ) ( فأدركتْه شَعُوبُ فاشعبتْ ... بالرُّوعِ والشِّلْوُ غير مقتورِ ) ( أُديلَ منه فأدركتْه يدٌ ... من المنايا بحَدِّ مطرورِ ) ( يَلتهب الموتُ في ظُباهُ كما ... تلتهب النارُ في المساعيرِ ) ( ومزّقتْه المُدَى فما تركت ... كفَّ القِرَا منه غيرَ تعسيرِ ) ( واغتاله بعد كسرها قَدَرٌ ... صيره نُهْزَة السَّنانيرِ ) ( فمزَّقَتْ لحمَه بَراثِنُهَا ... وبذَّرَتْه أشدَّ تبذيرِ ) ( واختلستْهُ الحِداءُ خَلْساً مع الغِرْبَانِ لم تزدجرْ لتكبيرِ ) ( وصار حَظَّ الكلاب أعظمُهُ ... تهشم أنحاءها بتكسيرِ ) ( كم كاسرٍ نحوَه وكاسرةٍ ... سلاحُها في شَفَا المناقيرِ ) ( وخامِعٍ نحوَه وخامعةٍ ... سلاحُها في شَبَا الأظافيرِ ) ( قد جعلتْ حول شِلْوِهِ عُرُساً ... بلا افتقار إلى مزاميرِ ) ( ولا مُغَنٍّ سوى هَماهِمِها ... إذا تمطَّت لواردِ العِيرِ ) ( يا كبشُ ذق إذ كسرتَ مسرجتي ... لمدية الموت كأس تنحيرِ ) ( بغيتَ ظُلماً والبغيُ مصرعُ من ... بَغَى على أهله بتغييرِ ) ( أُضحِيَّة ما أظن صاحبها ... في قَسْمه لَحمها بمأجورِ ) سرق منه ثلث قرطاس فرثاه أخبرني الحسن بن علي الشيباني قال دخلت على أبي الشبل يوماً فوجدت تحت مخدته ثلث قرطاس فسرقته منه ولم يعلم بي فلما كان بعد أيام جاءني فأنشدني لنفسه يرثي ذلك الثلث القرطاس ( فِكَر تَعتري وحزنٌ طويلُ ... وسقيمٌ أَنْحَى عليه النُّحُولُ ) ( ليس يبكي رَسْماً ولا طَلَلاً مَحَّ ... كما تُنْدَب الرُّبا والطُّلول ) ( إنما حزنُه على ثُلُثٍ كان ... لحاجاته فغالتْه غُول ) ( كان للسر والأمانة والكتمان ... إن باح بالحديث الرسول ) ( كان مِثلَ الوكيل في كلّ سوق ... إنْ تلكَّا أو ملَّ يوماً وكيل ) ( كان للهمِّ إن تراكَمَ في الصدر ... فلم يُشْفَ من عليلٍ غليل ) ( لم يكن يبتغي الحِجَاب من الحُجاب ... إن قيل ليس فيها دخول ) ( إنْ شكا حاجباً تَشدَّد في الإذن ... فللحاجب الشقيِّ العويلُ ) ( يُرفَع الخيرُ عنه والرزق والكسوةُ ... فهو المطرود وهو الذليل ) ( كان يُثْنَى في جَيب كلِّ فتاةٍ ... دونَها خَندقٌ وسُورٌ طويل ) ( يقف الناس وهو أوَّل من يدخله ... القصرَ غادةٌ عُطْبول ) ( فإذا أبرزَتْه باح به في القصر ... مسكٌ وعنبر مَعْلول ) ( وله الحبّ والكرامة ممن ... بات صَبّاً والشمّ والتقبيل ) ( ليس كالكاتب الذي بأبي الخطَّاب ... يُكْنَى قد شابه التطفيل ) ( ذا كريمٌ يُدْعَى وهذا طفيليٌّ ... وهذا وذا جميعاً دليل ) ( ذاك بالبشر والجماعة يُلقَى ... ولهذا الحجاب والتنكيل ) ( لم يفِد وفدُه الزمانَ على الألسن منه عطفٌ ولا تنويل ) ( كان مع ذا عدل الشهادة مقبولاً ... إذا عَزَّ شاهداً تعديلُ ) ( وإذا ما التوى الهوى بالأليفَين ... فلم يَرْعَ واصلاً مَوْصُولُ ) ( فهو الحاكمُ الَّذي قولُه بين ... َ الألِيفَين جائزٌ مقبول ) ( فلئن شَتَّت الزمانُ به شَملَ ... دَواتي وحانَ منه رحيل ) ( لَقديماً ما شَتَّت البينُ والأُلفَةُ ... ُ من صاحبٍ فصبر جميل ) ( لا تَلُمْني على البكاء عليه ... إنَّ فقدَ الخليل خطبٌ جليل ) قال فرددته عليه وكان اتهم به أبا الخطاب الذي هجاه في هذه القصيدة فقال لي ويلك نجيت ووقع أبو الخطاب بلا ذنب ولو عرفت أنك صاحبها لكان هذا لك ولكنك قد سلمت أخبار عثعث كان عثعث أسود مملوكا لمحمد بن يحيى بن معاذ ظهر له منه طبع وحسن أخذ وأداء فعلمه الغناء وخرجه وأدبه فبرع في صناعته ويكنى أبا دليجة وكان مأبونا والله أعلم أخبرني بذلك محمد بن العباس اليزيدي عن ميمون بن هارون قال حدثني عثعث الأسود قال مخارق كناني بأبي دليجة وكان السبب في ذلك أن أول صوت سمعني أغنيه ( أبا دُلَيْجَةَ مَنْ توصِي بأرمَلةٍ ... أم من لأشعثَ ذي طِمْرَينِ مِمحالِ ) فقال لي أحسنت يا أبا دُلَيجة فقبلتُها وقبلت يده وقلت أنا يا سيدي أبا المهنا أتشرف بهذه الكنية إذا كانت نحلة منك قال ميمون وكان مخارق يشتهي غناءه ويحزنه إذا سمعه خبره في مجلس غناء قال أبو الفرج نسخت من كتاب علي بن محمد بن نصر بخطه حدثني يعني ابن حمدون قال كنا يوما مجتمعين في منزل أبي عيسى بن المتوكل وقد عزمنا على الصبوح ومعنا جعفر بن المأمون وسليمان بن وهب وإبراهيم بن المدبر وحضرت عريب وشارية وجواريهما ونحن في أتم سرور فغنت بدعة جارية عريب ( أعاذلتي أكثرت جَهْلاً من العذْلِ ... على غير شيءٍ من مَلامي وفي عَذْلي ) والصنعة لعريب وغنت عرفان ( إذا رام قلبي هجرها حال دونه ... شفيعان مِنْ قلبي لها جَدِلان ) والغناء لشارية وكان أهل الظرف والمتعانون في ذلك الوقت صنفين عريبية وشارية فمال كل حزب إلى من يتعصب له منهما من الاستحسان والطرب والاقتراح وعريب وشارية ساكتتان لا تنطقان وكل واحدة من جواريهما تغني صنعة ستها لا تتجاوزها حتى غنت عرفان ( بأبِي مَن زارني في منامي ... فدنا منِّي وفيهِ نِفار ) فأحسنت ما شاءت وشربنا جميعا فلما أمسكت قالت عريب لشارية يا أختي لمن هذا اللحن قالت لي كنت صنعته في حياة سيدي تعني إبراهيم بن المهدي وغنيته إياه فاستحسنه وعرضه على إسحاق وغيره فاستحسنوه فأسكتت عريب ثم قالت لأبي عيسى أحب يا بني فديتك أن تبعث إلى عثعث فتجيئني به فوجه إليه فحضر وجلس فلما اطمأن وشرب وغنى قالت له يا أبا دليجة أوتذكر صوت زبير بن دحمان عندي وأنت حاضر فسألته أن يطرحه عليك قال وهل تنسى العذراء أبا عذرها نعم والله إني لذاكره حتى كأننا أمس افترقنا عنه قالت فغنه فاندفع فغنى الصوت الذي ادعته شارية حتى استوفاه وتضاحكت عريب ثم قالت لجواريها خذوا في الحق ودعونا من الباطل وغنوا الغناء القديم فغنت بدعة وسائر جواري عريب وخجلت شارية وأطرقت وظهر الانكسار فيها ولم تنتفع هي يومئذ بنفسها ولا أحد من جواريها ولا متعصبيها أيضا بأنفسهم غناؤه في مجلس المتوكل قال وحدثني يحيى بن حمدون قال قال لي عثعث الأسود دخلت يوما على المتوكل وهو مصطبح وابن المارقي يغنيه قوله ( أقاتلتي بالجِيد والقدِّ والخدَّ ... وباللون في وجهٍ أرقَّ من الوردِ ) وهو على البركة جالس وقد طرب واستعاده الصوت مرارا وأقبل عليه فجلست ساعة ثم قمت لأبول فصنعت هزجا في شعر البحتري الذي يصف فيه البركة صوت ( إذا النجومُ تراءت في جوانبها ... ليلاً حسبتَ سماءً ركَّبت فيها ) ( وإن عَلتْها الصَّبا أبدت لها حُبُكاً ... مثلَ الجَواشن مصقولاً حواشيها ) ( وزادها زينةً من بعد زينتها ... أن اسمه يومَ يُدْعَى من أَساميها ) فما سكت ابن المارقي سكوتا مستوجبا حتى اندفعت أغني هذا الصوت فأقبل علي وقال لي أحسنت وحياتي أعد فأعدت فشرب قدحا ولم يزل يستعيدنيه ويشرب حتى اتكأ ثم قال للفتح بحياتي ادفع إليه الساعة ألف دينار وخلعة تامة واحمله على شهري فاره بسرجه ولجامه فانصرفت بذلك أجمع نسبة ما في هذه الأخبار من الغناء صوت ( أعاذِلتي أكثرتِ جَهْلاً مِنَ العَذْلِ ... على غير شيءٍ من مَلامي ولا عَذْلي ) ( نأيتِ فلم يُحدِث لي الناسُ سَلوةً ... ولم أُلف طول النأي عن خُلة يُسْلي ) عروضه من الطويل الشعر لجميل والغناء لعريب ثقيل أول بالبنصر ومنها صوت ( إذا رامَ قلبي هجرَها حالَ دونَه ... شفيعان من قلبي لها جَدِلانِ ) ( إذا قلتُ لا قالا بلى ثم أصبَحا ... جميعاً على الرأي الَّذي يَرَيان ) عروضه من الطويل والناس ينسبون هذا الشعر إلى عروة بن حزام وليس له الشعر لعلي بن عمرو الأنصاري رجل من أهل الأدب والرواية كان بسر من رأى كالمنقطع إلى إبراهيم بن المهدي والغناء لشارية ثقيل أول بالوسطى وقيل إنه من صنعة إبراهيم ونحلها إياه وفيه لعريب خفيف رمل بالبنصر ومنها صوت ( بأبي من زارني في منامي ... فدنا منِّي وفيه نِفارٌ ) ( ليلةً بعدَ طُلوعِ الثُّريَّا ... وليالي الصَّيف بُتْر قِصار ) ( قلت هُلكي أم صلاحي فعَطْفاً ... دون هذا منك فيه الدَّمارُ ) ( فدنا منِّي وأَعطَى وأَرضَى ... وشفى سُقْمي ولذَّ المَزارُ ) لم يقع إلينا لمن الشعر والغناء لزبير بن دحمان ثقيل أول بالوسطى وهو من جيد صنعته وصدور أغانيه أخبرني ابن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا أحمد بن طيفور قال كتب صديق لأحمد بن يوسف الكاتب في يوم دجن يومنا يوم ظريف النواة رقيق الحواشي قد رعدت سماؤه وبرقت وحنت وارجحنت وأنت قطب السرور ونظام الأمور فلا تفردنا منك فنقل ولا تنفرد عنا فنذل فإن المرء بأخيه كثير وبمساعدته جدير قال فصار أحمد بن يوسف إلى الرجل وحضرهم عثعث بن الأسود فقال أحمد صوت ( أرَى غَيْماً يؤلِّفه جَنُوبُ ... وأحسِبه سيأتينا بهَطْلِ ) ( فعينُ الرأي أن تأتي برْطلٍ ... فتشربَه وتدعو لي برِطل ) ( وتسقيه نَدامانا جميعاً ... فينصرفون عنه بغير عَقْل ) ( فيوم الغَيْم يومُ الغَمّ إن لم ... تبادر بالمُدامة كلَّ شغل ) ( ولا تُكْرِه محرِّمَها عليها ... فإنِّي لا أَراه لها بأهل ) قال وغَنَّى فيه عثعث اللحن المشهور الذي يغنى به اليوم صوت ( نرى الجُندَ والأعرابَ يغشَون بابَه ... كما وردت ماءَ الكُلاب هَوامِلُهْ ) ( إذا ما أَتَوا أبوابه قال مرحباً ... لِجُوا الدار حتى يقتلَ الجوعَ قاتلُهْ ) عروضه من الطويل الهوامل التي لا رعاء لها ولجوا ادخلوا يقال ولج يلج ولجا وقوله حتى يقتل الجوع قاتله أي يطعمكم فيذهب جوعكم جعل الشبع قاتلا للجوع الشعر لعبد الله بن الزبير الأسدي والغناء لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق أخبار عبد الله بن الزبير ونسبه عبد الله بن الزبير بن الأشيم بن الأعشى بن بجرة بن قيس بن منقذ بن طريف بن عمرو بن قعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة أخبرني بذلك أحمد عن الخراز عن ابن الأعرابي وهو شاعر كوفي المنشأ والمنزل من شعراء الدولة الأموية وكان من شيعة بني أمية وذوي الهوى فيهم والتعصب والنصرة على عدوهم فلما غلب مصعب بن الزبير على الكوفة أتي به أسيرا فمن عليه ووصله وأحسن إليه فمدحه وأكثر وانقطع إليه فلم يزل معه حتى قتل مصعب ثم عمي عبد الله بن الزبير بعد ذلك ومات في خلافة عبد الملك بن مروان ويكنى عبد الله أبا كثير وهو القائل يعني نفسه ( فقالت ما فعلتَ أبا كثِير ... أصح الودّأم أخلفتَ بَعدي ) وهو أحد الهجائين للناس المرهوب شرهم قصته مع عبد الرحمن والي الكوفة قال ابن الأعرابي كان عبد الرحمن بن أم الحكم على الكوفة من قبل خاله معاوية بن أبي سفيان وكان ناس من بني علقمة بن قيس بن وهب بن الأعشى بن بجرة بن قيس بن منقذ قتلوا رجلا من بني الأشيم من رهط عبد الله بن الزبير دنية فخرج عبد الرحمن بن أم الحكم وافدا إلى معاوية ومعه ابن الزبير ورفيقان له من بني أسد يقال لأحدهما أكل بن ربيعة من بني جذيمة بن مالك بن نصر بن قعين وعدي بن الحرث أحد بني العدان من بني نصر فقال عبد الرحمن بن أم الحكم لابن الزبير خذ من بني عمك ديتين لقتيلك فأبى ابن الزبير وكان ابن أم الحكم يميل إلى أهل القاتل فغضب عليه عبد الرحمن ورده عن الوفد من منزل يقال له فياض فخالف ابن الزبير الطريق إلى يزيد بن معاوية فعاذ به فأعاذه وقام بأمره وأمره يزيد بأن يهجو ابن أم الحكم وكان يزيد يبغضه وينتقصه ويعيبه فقال فيه ابن الزبير قصيدة أولها قوله ( أبَى الليلُ بالمَرَّان أن يتصرَّما ... كأنِّي أَسومُ العَينَ نوماً مُحرَّما ) ( ورُدَّ بثنْيَيه كأن نجومه ... صِوارٌ تناهَى من إِرانٍ فقَوَّما ) ( إلى الله أشكو لا إلى الناس أنني ... أمَصّ بناتِ الدر ثدياً مُصرَّماً ) ( وسَوقَ نساء يسلبون ثيابها ... يُهادُونها هَمْدانَ رِقّاً وخَثعَما ) ( على أي شيء يا لؤيُّ بن غالب ... تُجيبون مَن أجرَى عليَّ وألجما ) ( وهاتوا فقُصُّوا آية تقرؤونها ... أحلَّتْ بلادي أن تباح وتُظلمَا ) ( وإلاَّ فأقصَى الله بيني وبينكم ... وولَّى كثيرَ اللؤم مَن كان ألأما ) ( وقد شهدَتْنا من ثقيفٍ رَضاعةٌ ... وغيَّب عنها الحَوْمَ قُوَّامُ زمزما ) ( بنو هاشم لو صادفوك تجُدُّها ... مججتَ ولم تملك حَيازيمَك الدما ) ( ستعلم إن زلَّتْ بك النعلُ زَلَّةً ... وكلّ امرئ لاقى الذي كان قدَّما ) ( بأنك قد ماطَلْتَ أنيابَ حيَّةٍ ... تزجِّي بعينيها شُجاعاً وأَرقَما ) ( وكم من عدو قد أراد مساءتي ... بغَيبٍ ولو لاقيتُه لتندَّما ) ( وأنتم بني حامِ بنِ نُوح أَرَى لكم ... شِفاهاً كأذناب المشاجر وُرَّما ) ( فإن قلتَ خالي من قريش فلم أجد ... من الناس شَرّاً من أبيك وألأما ) ( صغيراً ضغا في خرقة فأمضَّه ... مُربِّيه حتى إذ أَهمّ وأفطما ) ( رأى جلدةً من آل حامٍ متينةً ... ورأساً كأمثال الجَرِيب مُؤَوّما ) ( وكنتم سقيطاً في ثقيفٍ مكانكم ... بني العبد لا تُوفي دماؤكمو دما ) شعره في عزل عبد الرحمن عن الكوفة قال ابن الأعرابي ثم عزل ابن أم الحكم عن الكوفة ووليها عبيد الله بن زياد فقال ابن الزبير ( أبلِغ عبيدَ الله عنِّي فإنني ... رميتُ ابن عَوذ إذ بدَتْ لي مقاتِلُهْ ) ( على قفرةٍ إذ هابَه الوفدُ كلُّهم ... ولم أك أُشوِي القِرنَ حين أناضِله ) ( وكان يُماري مِن يزِيدَ بوقعةٍ ... فما زال حتى استدرجَتْه حَبائلُه ) ( فتُقصيه من ميراث حربٍ ورَهْطِه ... وآلَ إلى ما ورّثَتْه أوائِلُه ) ( وأَصبحَ لمَّا أسلمْته حِبالُهم ... ككلب القطار حلّ عنه جَلاجِلُه ) ونسخت من كتاب جدي لأمي يحيى بن محمد بن ثوابة قال يحيى بن حازم وحدثنا علي بن صالح صاحب المصلى عن القاسم بن معدان أن عبد الرحمن بن أم الحكم غضب على عبد الله بن الزبير الأسدي لما بلغه أنه هجاه فهدم داره فأتى معاوية فشكاه إليه فقال له كم كانت قيمة دارك فاستشهد أسماء بن خارجة وقال له سله عنها فسأله فقال ما أعرف يا أمير المؤمنين قيمتها ولكنه بعث إلى البصرة بعشرة آلاف درهم للساج فأمر له معاوية بألف درهم قال وإنما شهد له أسماء كذلك ليرفده عند معاوية ولم تكن داره إلا خصاص قصب وكان عبد الرحمن بن أم الحكم لما ولي الكوفة أساء بها السيرة فقدم قادم من الكوفة إلى المدينة فسألته امرأة عبد الرحمن عنه فقال لها تركته يسأل إلحافا وينفق إسرافا وكان محمقا ولاه معاوية خاله عدة أعمال فذمه أهلها وتظلموا منه فعزله واطرحه وقال له يا بني قد جهدت أن أنفقك وأنت تزداد كسادا وقالت له أخته أم الحكم بنت أبي سفيان بن حرب يا أخي زوج ابني بعض بناتك فقال ليس لهن بكفء فقالت له زوجني أبو سفيان أباه وأبو سفيان خير منك وأنا خير من بناتك فقال لها يا أخية إنما فعل ذلك أبو سفيان لأنه كان حينئذ يشتهي الزبيب وقد كثر الآن الزبيب عندنا فلن نزوج إلا كفئا خبره مع عمرو بن عثمان بن عفان حدثنا الحسن بن الطيب البلخي قال حدثني أبو غسان قال بلغني أن أول من أخذ بعينة في الإسلام عمرو بن عثمان بن عفان أتاه عبد الله بن الزبير الأسدي فرأى عمرو تحت ثيابه ثوبا رثا فدعا وكيله وقال اقترض لنا مالا فقال هيهات ما يعطينا التجار شيئا قال فأربحهم ما شاؤوا فاقترض له ثمانية آلاف درهم وثانيا عشرة آلاف فوجه بها إليه مع تخت ثياب فقال عبد الله بن الزبير في ذلك ( سأشكر عمراً إن تراخت منيَّتي ... أياديَ لم تُمْنَنْ وإن هي جَلّتِ ) ( فتًى غير محجوبِ الغِنَى عن صديقِه ... ولا مُظِهرِ الشكوى إذا النعلُ زَلَّتِ ) ( رأى خَلَّتي من حيثُ يخفَى مكانُها ... فكانت قَذَى عينيه حتى تجلَّت ) أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبي إجازة قال حدثني أحمد بن عرفة المؤدب قال أخبرني أبو المصبح عادية بن المصبح السلولي قال أخبرني أبي قال كان عبد الله بن الزبير الأسدي قد مدح أسماء بن خارجة الفزاري فقال صوت ( تراه إذا ما جئتَه متهلِّلاً ... كأنَّك تعطيه الذي أنت نائلُهْ ) ( ولو لم يكن في كفّه غيرُ رُوحه ... لجاد بها فليتَّقِ اللهَ سائله ) فأثابه أسماء ثوابا لم يرضه فغضب وقال يهجوه ( بَنَت لكُم هندٌ بتلذيع بَظْرها ... دكاكينَ من جِصِّ عليها المَجالسُ ) ( فوالله لولا رَهْزُ هند ببظرها ... لَعُدَّ أبوها في اللئام العوابِسُ ) فبلغ ذلك أسماء فركب إليه فاعتذر من فعله بضيقة شكاها وأرضاه وجعل على نفسه وظيفة في كل سنة واقتطعه جنتيه فكان بعد ذلك يمدحه ويفضله وكان أسماء يقول لبنيه والله ما رأيت قط جصا في بناء ولا غيره إلا ذكرت بظر أمكم هند فخجلت ابن أم الحكم يحبسه في جناية وضعها عليه أخبرني عمي عن ابن مهرويه عن أبي مسلم عن ابن الأعرابي قال حبس ابن أم الحكم عبد الله بن الزبير وهو أمير في جناية وضعها عليه وضربه ضربا مبرحا لهجائه إياه فاستغاثت بأسماء بن خارجة فلم يزل يلطف في أمره ويرضي خصومه ويشفع إلى ابن أم الحكم في أمره حتى يخلصه فأطلق شفاعته وكساه أسماء ووصله وجعل له ولعياله جراية دائمة من ماله فقال فيه هذه القصيدة التي أولها الصوت المذكور بذكر أخبار ابن الزبير يقول فيها ( ألم تَرَ أنَّ الجُودَ أَرْسَلَ فانتَقَى ... حَلِيفَ صفاءٍ وأتَلَى لا يُزايلُهْ ) ( تخيَّر أسماء بنَ حصنٍ فبُطّنتْ ... بفعل العُلا أيمانُهُ وشمائِلُهْ ) ( ولا مجدَ إلا مجدُ أسماءَ فوقَهُ ... ولا جَرَى إلا جَري أسماءَ فاضِلُهْ ) ( ومحتملٍ ضغناً لأسماءَ لو جرى ... بسَجْلَيْنِ من أسماءَ فارت أَباجِلُهْ ) ( عَوَى يستجيشُ النابِحاتِ وإنما ... بأنيابه صُمُّ الصَّفا وجنادِلُهْ ) ( وأقصرَ عن مجراةِ أسماء سعيهْ ... حَسِيراً كما يلقى من التُّرب ناخِلُهْ ) ( وفضَّل أسماءَ بنَ حِصنٍ عليهمُ ... سماحةُ أسماء بن حصن ونائِلُهْ ) ( فَمَن مثلُ أسماءَ بن حصن إذا غَدَتْ ... شآبِيبُهُ أم أيُّ شيءٍ يُعادِلُهْ ) ( وكنتُ إذا لاقيت منهم حَطِيطَةً ... لقيتُ أبا حسانَ تَنْدَى أصائِلُهْ ) ( تَضَيَّفُه غسَّانُ يَرجون سَيْبهُْ ... وذو يَمَنٍ أُحبُوشُه ومَقاوِلُهْ ) ( فتًى لا يزال الدهر ما عاش مُخْصِباً ... ولو كان بالمَوْماة تَخْدِي رَواحِلُهْ ) ( فأصبح ما في الأرض خَلْقٌ علمتُهُ ... من الناس إلا باعُ أسماءَ طائلُهْ ) ( تراه إذا ما جئتَه متهلِّلاً ... كأنك تعطيه الَّذي أنت سائِلُهْ ) ( ترى الجندَ والأعراب يغشونَ بابه ... كما وردت ماءَ الكُلاب نواهِلُهْ ) ( إذا ما أَتَوْا أبوابه قال مرحباً ... لِجُوا البابَ حتى يقتلَ الجوعَ قاتِلُهْ ) ( ترى البازِلَ البُخْتيَّ فوق خِوانِهِ ... مقطَّعةً أعضاؤه ومفاصِلُهْ ) ( إذا ما أتوا أسماءَ كان هو الذي ... تحلَّب كفاه الندى وأنامِلُهْ ) ( تراهُمْ كثيراً حين يغشونَ بابَه ... فتسترهم جُدْرَانُهُ ومنازِلُهْ ) قال فأعطاه أسماء حين أنشده هذه القصيدة ألفي درهم أنشد عبد الله بن زياد من شعره أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا العباس بن ميمون طائع قال حدثني أبو عدنان عن الهيثم بن عدي عن ابن عياش وقال ابن الأعرابي أيضا دخل عبد الله بن الزبير على عبيد الله بن زياد بالكوفة وعنده أسماء بن خارجة حين قدم ابن الزبير من الشام فلما مثل بين يديه أنشأ يقول ( حنَّت قَلوصيَ وهْناً بعد هَدْأَتها ... فهيَّجتْ مغرَماً صَبّاً على الطَّرَبِ ) ( حنّت إلى خيرِ من حُثَّ المطيُّ له ... كالبدر بين أبي سفيان والعُتب ) ( تذكَّرَتْ بِقُرَى البَلقاء نائلَه ... لقد تذكرتُه مِن نازِحٍ عَزَب ) ( والله ما كان بي لولا زيارته ... وأن أُلاقِي أبا حسان من أَرَب ) ( حنَّت لتَرجِعني خلفي فقلت لها ... هذا أمامك فالقَيْه فتى العرب ) ( لا يحسب الشرّ جاراً لا يفارقه ... ولا يعاقِب عند الحِلم بالغضب ) ( مِن خير بيت عَلمِناه وأكرَمه ... كانت دماؤهم تُشفي من الكَلَب ) ابن الأعرابي كانت العرب تقول من أصابه الكلب والجنون لا يبرأ منه إلى أن يسقى من دم ملك فيقول إنه من أولاد الملوك بقية أخبار عبد الله بن الزبير أسباب كراهية الشيعة لأسماء بن خارجة أخبرني أحمد بن عيسى العجلي بالكوفة قال حدثنا سليمان بن الربيع البرجمي قال حدثنا مضر بن مزاحم عن عمرو بن سعد عن أبي مخنف عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود وأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الحارث بن محمد قال حدثنا ابن سعد عن الواقدي وذكر بعض ذلك ابن الأعرابي في روايته عن المفضل وقد دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين أن المختار بن أبي عبيد خطب الناس يوما على المنبر فقال لتنزلن نار من السماء تسوقها ريح حالكة دهماء حتى تحرق دار أسماء وآل أسماء وكان لأسماء بن خارجة بالكوفة ذكر قبيح عند الشيعة يعدونه في قتلة الحسين عليه السلام لما كان من معاونته عبيد الله بن زياد على هانىء بن عروة المرادي حتى قتل وحركته في نصرته على مسلم بن عقيل بن أبي طالب وقد ذكر ذلك شاعرهم فقال ( أيركب أسماءُ الهماليجَ آمِناً ... وقد طلبتْه مَذْحِجٌ بقتيلِ ) يعني بالقتيل هانئ بن عروة المرادي وكان المختار يحتال ويدبر في قتله من غير أن يغضب قيسا فتنصره فبلغ أسماء قول المختار فيه فقال أوقد سجع بي أبو إسحاق لا قرار على زأر من الأسد وهرب إلى الشام فأمر المختار بطلبه ففاته فأمر بهدم داره فما تقدم عليها مضري بتة لموضع أسماء وجلالة قدره في قيس فتولت ربيعة واليمن هدمها وكانت بنو تيم الله وعبد القيس مع رجل من بني عجل كان على شرطة المختار فقال في ذلك عبد الله بن الزبير ( تَأَوَّبَ عينَ ابنِ الزَّبير سُهودُها ... ووَلَّى على ما قد عراها هُجُودُها ) ( كأنّ سواد العين أبطَنَ نحلةً ... وعاوَدَهَا مما تذكَّرُ عِيدُها ) ( مخصَّرةً من نحل جَيْحَانَ صعبةً ... لَوَى بجناحيها وليدٌ يَصِيدُها ) ( من الليل وهْناً أو شَظِيَّةَ سُنبلٍ ... أذاعت به الأرواحُ يُذرَى حَصِيدُها ) ( إذا طُرِفت أذرَتْ دموعاً كأنها ... نَثِيرُ جُمانٍ بانَ عنها فرِيدُها ) ( وبتُّ كأنَّ الصدرَ فيه ذُبَالةٌ ... شَبَا حَرَّها القِنديل ذاكٍ وَقُودُها ) ( فقلتُ أناجي النفسَ بيني وبينها ... كذاك الليالي نحسُها وسُعودُها ) ( فلا تجزعي مما ألمَّ فإنَّني ... أرى سَنَةً لم يَبْقَ إلا شَرِيدُها ) ( أتاني وعُرْضُ الشامِ بيني وبينها ... أحاديثُ والأنباءُ يَنمِي بعيدُها ) ( بأنّ أبا حَسان تهدِم دارَه ... لُكْيزٌ سَعت فُسَّاقها وعَبِيدُها ) ( جَزَتْ مُضَراً عَنِّي الجوازِي بفعلها ... ولا أصبحتْ إلاّ بشرٍّ جُدودُها ) ( فما خيرُكم لا سيِّداً تنصرونه ... ولا خائفاً إن جاء يوماً طريدُها ) ( أخذلانَه في كلِّ يومِ كَريهةٍ ... ومسألة ما إن ينادَى وليدُها ) ( لأِمِّكم الوَيْلاتُ أنَّ أُتِيتُمُ ... جماعات أقوامٍ كثيرٍ عديدُها ) ( فَيَا لَيتَكُم مِنْ بعد خذلانِكُمْ له ... جوارٍ على الأعناق منها عُقودُها ) ( ألم تغضبوا تَبّاً لكم إذ سَطَتْ بكم ... مَجُوسُ القُرى في داركم ويَهُودُها ) ( تركتُمْ أبا حسَّان تُهدَم دارُه ... مشيَّدةً أبوابُها وحديدُها ) ( يهدِّمها العِجْلِيُّ فيكُمْ بشُرْطة ... كما نَبَّ في شِبْل التُّيوسِ عَتُودُها ) ( لعمري لقد لفَّ اليهوديُّ ثوبَهْ ... على غَدرة شنعاءَ باق نَشِيدُها ) ( فلو كان من قحطان أسماء شمَّرت ... كتائبُ من قحطانَ صُعْرٌ خدودُها ) ( ففي رجب أو غُرَّةِ الشهر بعدهُ ... تزورُكُمْ حُمْرُ المنايَا وسُودُها ) ( ثمانون ألفاً دينُ عثمانَ دينُهم ... كتائبُ فيها جَبْرَئيل يقودُها ) ( فمن عاش منكم عاش عبداً ومن يمت ... ففي النار سُقياه هناك صَدِيدُها ) وقال ابن مهرويه أخبرني به الحسن بن علي عنه حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي بن الصباح عن ابن الكلبي أن مصعب بن الزبير لما ولي العراق لأخيه هرب أسماء بن خارجة إلى الشام وبها يومئذ عبد الملك بن مروان قد ولي الخلافة وقتل عمرو بن سعيد وكان أسماء أموي الهوى فهدم مصعب بن الزبير داره وحرقها فقال عبد الله بن الزبير في ذلك ( تأوَّب عين ابن الزبير سهودها ... ) وذكر القصيدة بأسرها وهذا الخبر أصح عندي من الأول لأن الحسن بن علي حدثني قال حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب قال لما ولي مصعب بن الزبير العراق دخل إليه عبد الله بن الزبير الأسدي فقال له إيه يابن الزبير أنت القائل ( إلى رَجَب السبعينَ أو ذاك قبلَه ... تصبِّحكم حُمر المنايا وسودُها ) ( ثمانون ألفاً نصرُ مروانَ دينهُم ... كتائبُ فيها جَبْرَئيلُ يقودُها ) فقال أنا القائل لذلك وإن الحقين ليأبى العذرة ولو قدرت على جحده لجحدته فاصنع ما أنت صانع فقال أما إني ما أصنع بك إلا خيرا أحسن إليك قوم فأحببتهم وواليتهم ومدحتهم ثم أمر له بجائزة وكسوة ورده إلى منزله مكرما فكان ابن الزبير بعد ذلك يمدحه ويشيد بذكره فلما قتل مصعب بن الزبير اجتمع ابن الزبير وعبيد الله بن زياد بن ظبيان في مجلس فعرف ابن الزبير خبره وكان عبيد الله هو الذي قتل مصعب بن الزبير فاستقبله بوجهه وقال له ( أبا مطر شَلَّت يمينٌ تفرَّعَتْ ... بسيفك رأس ابنِ الحَوارِيِّ مصعبِ ) فقال له ابن ظبيان فكيف النجاة من ذلك قال لا نجاة هيهات سبق السيف العذل قال فكان ابن ظبيان بعد قتله مصعبا لا ينتفع بنفسه في نوم ولا يقظة كان يهول عليه في منامه فلا ينام حتى كل جسمه ونهك فلم يزل كذلك حتى مات شعره في حضرة عبيد الله بن زياد وقال ابن الأعرابي لما قدم ابن الزبير من الشام إلى الكوفة دخل على عبيد الله بن زياد بكتاب من يزيد بن معاوية إليه يأمره بصيانته وإكرامه وقضاء دينه وحوائجه وإدرار عطائه فأوصله إليه ثم استأذنه في الإنشاد فأذن له فأنشده قصيدته التي أولها صوت ( أَصَرْمٌ بليلى حادِثٌ أم تجنُّبُ ... أم الحبل منها واهِنٌ متقضِّبُ ) ( أم الودّ من ليلى كعهدي مكانه ... ولكنَّ ليلَى تستزيد وتَعتبُ ) غنى في هذين البيتين حنين ثاني ثقيل عن الهشامي ( ألم تعلمي يا لَيْلَ أنِّيَ لَيِّنٌ ... هَضومٌ وأَنِّي عَنْبَسٌ حين أغضبُ ) ( وأني متى أُنفقْ من المال طارِفاً ... فإنيَ أرجو أن يَثُوبَ المثوّبُ ) ( أَأَن تلِفَ المالُ التِّلادُ بحقِّه ... تَشَمَّسُ ليلَى عن كلامي وتَقْطِبُ ) ( عشيةَ قالت والركابُ مُناخةٌ ... بأَكوارِها مشدودةً أين تذهبُ ) ( أفي كل مصرٍ نازحٍ لك حاجةٌ ... كذلك ما أمرُ الفتى المتشعِّبُ ) ( فوالله ما زالت تُلِبِّثُ ناقتي ... وتقسم حتى كادت الشَّمسُ تغربُ ) ( دعينيَ ما للموت عنيَ دافِعٌ ... ولا للذي ولَّى من العيشِ مَطْلَبُ ) ( إليك عبيدَ الله تَهْوِي ركابُنا ... تَعَسَّفُ مجهولَ الفلاةِ وتدأَبُ ) ( وقد ضمرت حتَّى كأنَّ عيونَها ... نِطافُ فَلاةٍ ماؤها متصبِّبُ ) ( فقلت لها لا تشتكي الأَيْنَ إنه ... أمامكِ قَرْمٌ من أمية مُصْعَبُ ) ( إذا ذَكروا فضلَ امرئ كان قبلَه ... ففضلُ عبيدِ الله أَثرى وأطيَبُ ) ( وأنك لو يُشفى بك القَرْحُ لم يعُد ... وأنت على الأعداء نابٌ ومخلبُ ) ( تصافى عبيدُ الله والمجدُ صفوةَ الحليفين ... ما أرسَى ثَبِيرٌ ويَثْرِبُ ) ( وأنت إلى الخيراتِ أوّل سابق ... فأبشِر فقد أدركت ما كنتَ تطلبُ ) ( أَعِنِّي بسَجْل من سِجالِك نافع ... ففي كل يوم قد سرى لك مِحلبُ ) ( فإنك لو إيَّاي تطلب حاجةً ... جرى لك أهلٌ في المقال ومَرْحبُ ) قال فقال له عُبيد الله وقد ضحك من هذا البيت الأخير فإني لا أطلب إليك حاجة كم السجل الذي يرويك قال نوالك أيها الأمير يكفيني فأمر له بعشرة آلاف درهم شعره في صديقه نعيم بن دجانة قال ابن الأعرابي كان نعيم بن دجانة بن شداد بن حذيفة بن بكر بن قيس بن منقذ بن طريف صديقا لعبيد الله بن الزبير ثم تغير عليه وبلغه عنه قول قبيح فقال في ذلك ( ألا طَرَقَتْ رُوَيْمةُ بعد هَدْءٍ ... تَخَطَّى هولَ أنمارٍ وأسْدِ ) ( تَجُوس رحالنا حتى أتتنا ... طُرُوقاً بين أعرابٍ وجُنْدِ ) ( فقالت ما فعلت أبا كثيرٍ ... أصحَّ الودُّ أم أخلفتَ عهدي ) ( كأنَّ المسك ضمَّ على الخُزَامَى ... إلى أحشائها وقضيبَ رَنْدِ ) ( ألا مَنْ مُبْلِغ عني نُعيْماً ... فسوف يجرِّبُ الإخوانَ بعدي ) ( رأيتك كالشموس تُرى قريباً ... وتمنع مسحَ ناصيةٍ وخَدّ ) ( فإنِّي إن أقَعْ بك لا أهَلِّلْ ... كوقع السيف ذي الأَثْرِ الفِرِندِ ) ( فَأَوْلَى ثم أَوْلى ثم أَوْلَى ... فهل للدَّرِّ يُحْلَبُ من مَرَدِّ ) أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثني عيسى بن إسماعيل تينة وأخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثني عيسى بن إسماعيل عن المدائني عن خالد بن سعيد عن أبيه قال كان عبد الله بن الزبير صديقا لعمرو بن الزبير بن العوام فلما أقامه أخوه ليقتص منه بالغ كل ذي حقد عليه في ذلك وتدسس فيه من يتقرب إلى أخيه وكان أخوه لا يسأل من ادعى عليه شيئا بينة ولا يطالبه بحجة وإنما يقبل قوله ثم يدخله إليه السجن ليقتص منه فكانوا يضربونه والقيح ينتضح من ظهره وأكتافه على الأرض لشدة ما يمر به ثم يضرب وهو على تلك الحال ثم أمر بأن يرسل عليه الجعلان فكانت تدب عليه فتثقب لحمه وهو مقيد مغلول يستغيث فلا يغاث حتى مات على تلك الحال فدخل الموكل به على أخيه عبد الله بن الزبير وفي يده قدح لبن يريد أن يتسحر به وهو يبكي فقال له ما لك أمات عمرو قال نعم قال أبعده الله وشرب اللبن ثم قال لا تغسلوه ولا تكفنوه وادفنوه في مقابر المشركين فدفن فيها فقال ابن الزبير الأسدي يرثيه ويؤنب أخاه بفعله وكان له صديقا وخلا ونديما ( أيا راكباً إمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ ... كبيرَ بني العَوَّام إن قيل مَنْ تَعْنِي ) ( ستعلم إن جالت بك الحربُ جولةً ... إذا فَوَّق الرامون أسهم مَن تُغْنِي ) ( فأصبحتِ الأرحامُ حين وَليتها ... بكفَّيك أكراشاً تُجرُّ على دِمْنِ ) ( عقدتمْ لعمرو عُقدةً وغَدرتمْ ... بأبيضَ كالمصباح في ليلة الدَّجْنِ ) ( وكَبَّلَته حَوْلاً يجود بنفسه ... تَنُوء به في ساقه حَلَقُ اللَّبْنِ ) ( فما قال عمرو إذ يجودُ بنفسهِ ... لضاربِهِ حتى قضى نَحْبَه دَعْنِي ) ( تحدِّثُ من لاقيتَ أنك عائذ ... وصرَّعتَ قتلَى بين زمزمَ والرُّكنِ ) ( جعلتم لضرب الظَّهر منه عِصِيَّكم ... تُراوِحُهُ والأَصْبِحِيَّةُ للبطنِ ) ( تُعَذِّرُ منه الآن لمَّا قتلتَه ... تَفاُوُتَ أرجاءِ القَلِيبِ من الشَّطْنِ ) ( فلم أر وَفْداً كان للغدرِ عاقداً ... كوفدِكَ شدُّوا غيرَ مُوفٍ ولا مُسْنِي ) ( وكنتَ كذاتِ الفِسْقِ لم تدرِ ما حَوَتْ ... تَخَيَّرُ حالَيْهَا أتسرق أم تزني ) ( جزى الله عني خالداً شرَّ ما جزى ... وعُروةَ شرّا من خَلِيلٍ ومن خِدْنِ ) ( قتلتم أخاكم بالسِّياطِ سفاهةً ... فيا لَكَ للرأي المضلَّلِ والأَفْنِ ) ( فلو أنكُمْ أجهزتُم إذ قتلتُمُ ... ولكنْ قتلتمْ بالسِّياط وبالسِّجْنِ ) ( وإني لأرجو أن أرى فيك ما ترى ... به من عِقاب الله ما دونه يُغني ) ( قطعتَ من الأرحام ما كان واشِجاً ... على الشَّيب وابتعتَ المخافَةَ بالأمنِ ) وأصبحتَ تَسْعَى قاسِطاً بكتيبةٍ ... تُهَدِّمُ ما حول الحَطِيمِ ولا تبني ) ( فلا تجزعَنْ من سُنَّةٍ قد سَننَتْهَا ... فما للدماء الدهر تُهْرَقُ من حَقْنِ ) شعره في رثاء يعقوب بن طلحة أخبرني عمي قال حدثني الخراز عن المدائني قال قتل يعقوب بن طلحة يوم الحرة وكان يعقوب ابن خالة يزيد بن معاوية فقال يزيد يا عجبا قاتلني كل أحد حتى ابن خالتي قال وكان الذي جاء بنعيه إلى الكوفة رجل يقال له الكروس فقال ابن الزبير الأسدي يرثيه ( لعمرك ما هذا بعيش فيُبْتَغَى ... هنيءٍ ولا موتٍ يُريحُ سريعِ ) ( لعمري لقد جاء الكَرَوَّسُ كاظماً ... على أمرِ سَوْءٍ حين شاع فظيعِ ) ( نعى أسرةً يعقوبُ منهم فأقفرتْ ... منازلُهم من رُومةٍ فَبَقيعِ ) ( وكلهمُ غيثُ إذا قُحِطَ الورى ... ويعقوبُ منهم للأنام ربيع ) وقال ابن الأعرابي كان على ابن الزبير دين لجماعة فلازموه ومنعوه التصرف في حوائجه وألح عليه غريم له من بني نهشل يقال له ذئب فقال ابن الزبير ( أحابسَ كيدِ الفيل عن بطن مكّةٍ ... وأنتَ على ما شئتَ جمُّ الفواضِلِ ) ( أرِحْنِي من اللائي إذا حَلَّ دَينُهم ... يمشُّون في الدارات مشيَ الأراملِ ) ( إذا دخلوا قالوا السلام عليكم ... وغير السلام بالسلام يُحاوَلُ ) ( أَلِينُ إذا اشتدّ الغريم وألتوِى ... إذا استدّ حتى يُدركَ الدينَ قابِلُ ) ( عرضت على زَيْد ليأخذ بعض ما ... يحاوله قبل اشتغال الشواغِلِ ) ( تثاءب حتى قلتُ داسِع نفِسه ... وأَخرَجَ أنياباً له كالمَعاوِل ) وقال ابن الأعرابي استجار ابن الزبير بمروان بن الحكم وعبد الله بن عامر لما هجا عبد الرحمن بن أم الحكم فأجاراه وقاما بأمره ودخل مع مروان إلى المدينة وقال في ذلك ( أَجِدِّي إلى مَرْوَانَ عَدْواً فَقَلِّصي ... وإلاّ فروحي واغتدِي لابن عامِرِ ) ( إلى نفرٍ حولَ النَّبيِّ بيوتُهم ... مكاريمُ للعافي رِقاقُ المآزِرِ ) ( لهمْ سورة في المجد قد عُلِمَتْ لهم ... تُذَبْذِبُ باعَ المتعَب المتقاصِرِ ) ( لهم عامِر البَطْحَاءِ من بطنِ مَكَّة ... ورُومة تسقى بالجمالِ القياسِرِ ) شعره لما حبسه زفر بن الحارث وقال ابن الأعرابي عرض قوم من أهل المدراء لابن الزبير الأسدي في طريقه من الشام إلى الكوفة وقد نزل بقرقيسياء فاستعدوا عليه زفر بن الحارث الكلابي وقالوا إنه أموي الهوى وكانت قيس يومئذ زبيرية وقرقيسياء وما والاها في يد ابن الزبير فحبسه زفر أياما وقيده وكان معه رفيق من بني أمية يقال له أبو الحدراء فرحل وتركه في حبسه أياما ثم تكلمت فيه جماعة من مضر فأطلق فقال في ذلك ( أغادٍ أبو الحَدْراء أم متروِّحُ ... كذاك النَّوى مما تُجِدّ وتَمزحُ ) ( لعمري لقد كانت بلادٌ عريضةٌ ... لي الرَّوْحُ فيها عنك والمتسرَّحُ ) ( ولكنه يدنو البغيضُ ويبعد الحبيبُ ... وينأى في المَزارِ وينزَحُ ) ( ألا ليت شعري هل أتى أمَّ واصلٍ ... كُبُولٌ أَعَضُّوهَا بساقَيَّ تَجْرَحُ ) ( إذا ما صرفتُ الكعبَ صاحت كأنها ... صريفُ خَطاطِيفٍ بدَلوين تَمتَحُ ) ( تُبَغِّي أباها في الرفاق وتنثني ... وأَلوَى به في لُجَّةِ البحر تمْسَحُ ) ( أمر تَحِلٌ وفدُ العراقِ وغُودِرت ... تَحِنُّ بأبوابِ المدينةِ صَيْدَحُ ) ( فإنكِ لا تدرين فيما أصابني ... أَريثُك أم تعجيلُ سيرِك أنجَحُ ) ( أَظَنَّ أبو الحدراء سَجنى تجارةً ... ترجَّى وما كل التجارة تُرْبِحُ ) أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل قال حدثني محمد بن معاوية الأسدي قال لما قدم الحجاج الكوفة واليا عليها صعد المنبر فخطبهم فقال يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق إن الشيطان قد باض وفرخ في صدوركم ودب ودرج في حجوركم فأنتم له دين وهو لكم قرين ( ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا ) ثم حثهم على اللحاق بالمهلب بن أبي صفرة وأقسم ألا يجد منهم أحدا اسمه في جريدة المهلب بعد ثالثة بالكوفة إلا قتله فجاء عمير بن ضابئ البرجمي فقال أيها الأمير إني شيخ لا فضل في ولي ابن شاب جلد فاقبله بدلا مني فقال له عنبسة بن سعيد بن العاص أيها الأمير هذا جاء إلى عثمان وهو مقتول فرفسه وكسر ضلعين من أضلاعه وهو يقول ( أين تركتَ ضابئاً يا نَعْثَلُ ... ) فقال له الحجاج فهلا يومئذ بعثت بديلا يا حرسي اضرب عنقه وسمع الحجاج ضوضاء فقال ما هذا فقال هذه البراجم جاءت لتنصر عميرا فيما ذكرت فقال أتحفوهم برأسه فرموهم براسه فولوا هاربين فازدحم الناس على الجسر للعبور إلى المهلب حتى غرق بعضهم فقال عبد الله بن الزبير الأسدي ( أقول لإبراهيمَ لمّا لقيتُهُ ... أرى الأمر أمسى واهياً متشعبَا ) ( تخيرْ فإما أن تزور ابنَ ضابىءٍ ... عميراً وإمَّا أن تزور المهلَّبَا ) ( هما خُطَّتا خَسْفٍ نَجاؤك منهما ... ركوبُكَ حَوْلِيّاً من الثلجِ أشهبا ) ( فَأَضْحَى ولو كانت خُراسانُ دونَهُ ... رآها مكان السَّوقِ أو هي أقربا ) أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني علي بن عثام الكلابي قال دخل عبد الله بن الزبير الأسدي على مصعب بن الزبير بالكوفة لما وليها وقد مدحه فاستأذنه الإنشاد فلم يأذن له وقال له ألم تسقط السماء علينا وتمنعنا قطرها في مديحك لأسماء بن خارجة ثم قال لبعض من حضر أنشدها فأنشده ( إذا ماتَ ابنُ خارجةَ بنِ حِصنٍ ... فلا مَطَرَتْ على الأرض السماءُ ) ( ولا رجعَ الوُفود بغُنم جيشٍ ... ولا حَمَلَتْ على الطُّهْرِ النساءُ ) ( ليَوم منك خيرٌ من أُناسٍ ... كثيرٍ حَولَهم نَعَمٌ وشَاء ) ( فَبُورِكَ في بنيكَ وفي أبيهمْ ... إذا ذُكروا ونحن لك الفداء ) فالتفت إليه مصعب وقال له اذهب إلى أسماء فما لك عندنا شيء فانصرف وبلغ ذلك أسماء فعوضه حتى أرضاه ثم عوضه مصعب بعد ذلك وخص به وسمع مديحه وأحسن عليه ثوابه مدحه لبشر بن مروان قال ابن الأعرابي لما ولي بشر بن مروان الكوفة أدنى عبد الله بن الزبير الأسدي وبره وخصه بأنسه لعلمه بهواه في بني أمية فقال يمدحه ( ألَمْ تَرَنِي والحمد للهِ أنني ... برئت وداواني بمعْرُوفِهِ بِشْرُ ) ( رعى ما رعى مروانُ مِنِّي قَبْلَهُ ... فصحَّت له منِّي النَّصيحةُ والشُّكْرُ ) ( ففي كلّ عام عاشَهُ الدَّهرَ صالحاً ... عليَّ لربِّ العالَمِينَ له نَذْرُ ) ( إذا ما أبو مروان خَلَّى مكانَهُ ... فلا تَهنأ الدنيا ولا يُرسَل القطرُ ) ( ولا يَهنِيء الناسَ الولادةُ بينهم ... ولا يَبْقَ فوق الأرض من أهلها شَفْرُ ) ( فليس البُحور بالتي تخبرونني ... ولكن أبو مروان بشرٌ هو البحرُ ) وقال فيه أيضا فذكر قطبة بنت بشر بن مالك ملاعب الأسنة ( جاءت به عُجُزٌ مقابلةٌ ... ما هن مِن جَرْم ومن عُكْلِ ) ( يا بشرُ يابن الجعفريَّة ما ... خَلَقَ الإلهُ يديْك للبُخْلِ ) ( أنت ابن سادات لأجمَعِهِم ... في بطن مَكَّةَ عزَّةُ الأصلِ ) ( بحر من الأعياص جُدْنَ به ... في مغرِسٍ للجُودِ والفضلِ ) ( متهلِّلٌ تَنْدَى يَداهُ إذا ... ضَنَّ السحابُ بوابِلٍ سَجْلِ ) خبره مع الحجاج بن يوسف أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش قال أخبرني مشيخة من بني أسد أن ابن الزبير الأسدي لما قفل من قتال الأزارقة صوب بعث إلى الري قال فكنت فيه وخرج الحجاج إلى القنطرة يعني قنطرة الكوفة التي بزبارة ليعرض الجيش فعرضهم وجعل يسأل عن رجل رجل من هو فمر به ابن الزبير فسأله من هو فأخبره فقال أنت الذي تقول ( تَخَيَّرْ فإما أن تزورَ ابنَ ضابئٍ ... عُمَيْراً وإمَّا أَنْ تزورَ المُهَلَّبَا ) قال بلى أنا الذي أقول ( ألم تَرَ أنِّي قد أَخَذْتُ جَعِيلةً ... وكنتُ كمَنْ قاد الجَنيبَ فأسمَحا ) فقال له الحجاج ذلك خير لك فقال ( وَأَوقَدَتِ الأعداء يا مَيَّ فاعلَمِي ... بكلِّ شَرًى ناراً فَلَمْ أَرَ مَجْمَحَا ) فقال له الحجاج قد كان بعض ذلك فقال ( ولا يَعدَم الدَّاعي إلى الخير تابعاً ... ولا يَعْدَم الداعي إلى الشَّرِّ مَجْدَحَا ) فقال له الحجاج إن ذلك كذلك فامض إلى بعثك فمضى إلى بعثه فمات بالري أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي قال لما ولي عبد الرحمن بن أم الحكم الكوفة مدحه عبد الله بن الزبير فلم يثبه وكان قدم في هيئة رثة فلما اكتسب وأثرى بالكوفة تاه وتجبر فقال ابن الزبير فيه ( تبقَّلْت لما أن أَتيتَ بلادَكُمْ ... وفي مصرنا أنت الهمام القَلَمَّسُ ) ( ألستَ ببغل أمّه عربية ... أبوك حمار أدبرُ الظهر يُنخَسُ ) قال وكان بنو أمية إذا رأوا عبد الرحمن يلقبونه البغل وغلبت عليه حتى كان يشتم من ذكر بغلا يظنه يعرض به أرضى الحجاج بشعر قاله في مقتل عبد الله بن الزبير أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن العمري عن العتبي قال لما قتل عبد الله بن الزبير صلب الحجاج جسده وبعث برأسه إلى عبد الملك فجلس على سريره وأذن للناس فدخلوا عليه فقام عبد الله بن الزبير الأسدي فاستأذنه في الكلام فقال له تكلم ولا تقل إلا خيرا وتوخ الحق فيما تقوله فأنشأ يقول ( مشى ابن الزبير القَهْقَرَى فتقدمت ... أميَّةُ حتَّى أحرزوا القَصَبَاتِ ) ( وجئتَ المجَلِّى يابنَ مروان سابقاً ... أمامَ قريش تنفُض العُذُرَاتِ ) ( فلا زلتَ سبّاقاً إلى كلِّ غايَةٍ ... من المَجْدِ نَجَّاءً من الغَمَرَاتِ ) قال فقال له أحسنت فسل حاجتك فقال له أنت أعلى عينا بها وأرحب صدرا يا أمير المؤمنين فأمر له بعشرين ألف درهم وكسوة ثم قال له كيف قلت فذهب يعيد هذه الأبيات فقال لا ولكن أبياتك في المحل في وفي الحجاج التي قلتها فأنشده ( كأني بعبد اللهِ يركب رَدْعَهُ ... وفيه سنان زاعبِيٌّ مُحَرَّبُ ) ( وقد فرَّ عنه الملحِدُونَ وحلَّقَتْ ... به وبمن آساهُ عَنْقَاءُ مُغْرِبُ ) ( تولَّوا فخلَّوه فشالَ بشِلوه ... طويل من الأجذاع عارٍ مشذَّبُ ) ( بِكَفِّي غلام من ثقيفٍ نَمَتْ به ... قريش وذو المجدِ التليدِ مُعَتّبُ ) فقال له عبد الملك لا تقل غلام ولكن همام وكتب له إلى الحجاج بعشرة آلاف درهم أخرى والله أعلم هجاؤه ابن الزبير ومدحه بشر بن مروان أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن مجالد قال قتل ابن الزبير من شيعة بني أمية قوما بلغه أنهم يتجسسون لعبد الملك فقال فيه عبد الله بن الزبير في ذلك يهجوه ويعيره بفعله ( أيها العائذ في مَكَّةَ كَمْ ... من دمٍ أهرَقْتَهُ في غير دمْ ) ( أَيَدٌ عائذةٌ معصمةٌ ... ويد تقتل مَنْ حَلَّ الحَرَمْ ) قال أبو الفرج ونسخت من كتاب لإسحاق بن إبراهيم الموصلي فيه إصلاحات بخطه والكتاب بخط النضر بن حديد من أخبار عبد الله بن الزبير وشعره قال دخل عبد الله بن الزبير على بشر بن مروان وعليه ثياب كان بشر خلعها عليه وكان قد بلغ بشرا عنه شيء يكرهه فجفاه فلما وصل إليه وقف بين يديه وجعل يتأمل من حواليه من بني أمية ويجيل بصره فيهم كالمتعجب من جمالهم وهيئتهم فقال له بشر إن نظرك يابن الزبير ليدل أن وراءه قولا فقال نعم قال قل فقال ( كأن بني أُمية حول بشر ... نجومٌ وَسْطَها قمر منيرُ ) ( هو الفرع المقدَّم من قريش ... إذا أخذتْ مآخِذَها الأمورُ ) ( لقد عمَّت نوافلُه فأضحى ... غنيّاً مِن نوافله الفقيرُ ) ( جَبَرْتَ مَهِيضَنا وعَدَلْتَ فينا ... فعاش البائس الكَلُّ الكَسِيرُ ) ( فأنت الغيثُ قد علمتْ قريش ... لنا والواكِفُ الجَوْنُ المَطِيرُ ) قال فأمر له بخمسة آلاف درهم ورضي عنه فقال ابن الزبير ( لِبِشْرِ بنِ مروانٍ على الناس نعمة ... تروح وتغدو لا يطاقُ ثوابُها ) ( به أمّن الله النفوسَ من الردى ... وكانت بحال لا يَقَرُّ ذُبابُها ) ( دمغْتَ ذوي الأضغان يا بشر عَنوةً ... بسيفك حتى ذَلَّ منها صِعابُها ) ( وكنت لنا كهفاً وحِصناً ومَعْقِلاً ... إذا الفِتنة الصَّمَّاء طارت عُقابُها ) ( وكم لك يا بشر بنَ مروانَ من يدٍ ... مهذَّبةٍ بيضاءَ راسٍ ظِرابُها ) ( وَطَدْتَ لنا دينَ النَّبيّ محمد ... ٍبحلمك إذ هرَّت سفاهاً كِلابُها ) ( وسُدت ابنَ مروانٍ قريشاً وغيرها ... إذا السنةُ الشهباءُ قلَّ سَحابُها ) ( رَأبْتَ ثَآناً واصطنعتَ أيادياً ... إلينا ونارُ الحربِ ذاكٍ شِهابُها ) قال النضر بن حديد في كتابه هذا ودخل عبد الله بن الزبير إلى بشر بن مروان متعرضا له ويسمعه بيتا من شعره فيه فقال له بشر أراك متعرضاً لأن أسمع منك وهل أبقى أسماء بن خارجة منك أو من شعرك أو من ودك شيئا لقد نزحت فيه بحرك يابن الزبير فقال أصلح الله الأمير إن أسماء بن خارجة كان للمدح أهلا وكانت له عندي أياد كثيرة وكنت لمعروفه شاكرا وأيادي الأمير عندي أجل وأملي فيه أعظم وإن كان قولي لا يحيط بها ففي فضل الأمير على أوليائه ما قبل به ميسورهم وإن أذن لي في الإنشاد رجوتُ أن أوفق للصواب فقال هات فقال ( تداركني بشرُ بنْ مروانَ بعدما ... تعاوَتْ إلى شلوِي الذئابُ العواسِلُ ) ( غِياث الضعاف المُرمِلين وعصمةُ اليتامى ... ومَنْ تأوِي إليه العَباهِلُ ) ( قَرِيعُ قريشٍ والهمامُ الذي له ... أقرَّت بنو قحطان طُرّاً ووائلُ ) ( وقيسُ بن عَيلان وخِنِدَفُ كلُّها ... أقرَّت وجِنُّ الأرض طُرّاً وخابِلُ ) ( يداك ابنَ مروان يدٌ تقتل العِدَا ... وفي يدك الأخرى غياثٌ ونائلُ ) ( إذا أمطَرْتنا منك يوماً سحابَةٌ ... رَوِينا بما جادت عَلَيْنَا الأنامِلُ ) ( فلا زلت يا بشر بن مروانَ سيِّداً ... يُهِلّ علينا منك طَلٌّ ووابلُ ) ( فأنت المصفَّى يابنَ مروانَ والَّذي ... توافت إليه بالعطاء القبائِلُ ) ( يرجُّون فضلَ اللهِ عند دعائِكُمْ ... إذا جمعَتْكُمْ والحَجِيجَ المنازِلُ ) ( ولولا بنو مروان طاشَتْ حُلومُنا ... وكُنَّا فراشاً أحرقتْها الشعائِلُ ) فأمر له بجائزة وكساه خلعة وقال له إني أريد أن أوفدك على أمير المؤمنين فتهيأ لذلك يابن الزبير قال أنا فاعل أيها الأمير قال فماذا تقول له إذا وفدت عليه ولقيته إن شاء الله فارتجل من وقته هذه القصيدة ثم قال ( أقول أميرَ المؤمنين عَصَمتَنَا ... ببشر من الدَّهر الكثير الزَّلازلِ ) ( وأطفأتَ عنا نارَ كلّ منافِقٍ ... بأبيضَ بُهْلولٍ طويل الحمائِلِ ) ( نَمَتْهُ قُرومٌ من أمية للعُلا ... إذا افتخَرَ الأقوامُ وَسْطَ المحافِلِ ) ( هو القائد الميمونُ والعِصْمَةُ التي ... أتى حقُّها فينا على كل باطِلِ ( أقام لنا الدينَ القويمَ بحِلمِهِ ... ورأي له فضلٌ على كلِّ قائِلِ ) ( أخوك أمير المؤمنين ومن بِهِ ... نُجادُ ونُسقَى صَوْبَ أسحَمَ هاطِلِ ) ( إذا ما سألنا رِفده هَطَلَت لنا ... سحابة كفَّيه بِجَوْدٍ ووابِلِ ) ( حليمُ على الجُهَّال مِنَّا ورَحْمَةٌ ... على كُلِّ حافٍ من مَعَدٍّ وناعِلِ ) فقال بشر لجلسائه كيف تسمعون هذا والله الشعر وهذه القدرة عليه فقال له حجار بن أبجر العجلي وكان من أِشراف أهل الكوفة وكان عظيم المنزلة عند بشر هذا أصلح الله الأمير أشعر الناس وأحضرهم قولا إذا أراد فقال محمد بن عمير بن عطارد وكان عدوا لحجار أيها الأمير إنه لشاعر وأشعر منه الذي يقول ( لبشرِ بنِ مروانٍ على كلِّ حالة ... من الدهر فضلٌ في الرخاء وفي الجهدِ ) ( قريعِ قريش والذي باع ماله ... ليَكسِبَ حَمْداً حين لا أحدٌ يُجْدِي ) ( ينافس بشر في السماحة والنَّدى ... ليُحْرِز غاياتِ المكارِمِ بالحمدِ ) ( فكم جبرتْ كفَّاك يا بِشْرُ من فتًى ... ضَريكٍ وكم عيَّلت قوماً على عَمْدِ ) ( وصيَّرتَ ذا فقرٍ غنيّاً ومثرياً ... فقيراً وكلاَّ قد حذوتَ بلا وعْدِ ) خبره مع حجار بن أبجر فقال بشر من يقول هذا قال الفرزدق وكان بشر مغضبا عليه فقال ابعث إليه فأحضره فقال له هو غائب بالبصرة وإنما قال هذه الأبيات وبعث بها لأنشدكها ولترضى عنه فقال بشر هيهات لست راضيا عنه حتى يأتيني فكتب محمد بن عمير إلى الفرزدق فتهيأ للقدوم على بشر ثم بلغه أن البصرة قد جمعت له مع الكوفة فأقام وانتظر قدومه فقال عبد الله بن الزبير لمحمد بن عمير في مجلسه ذلك بحضرة بشر ( بني دارمٍ هل تعرفون محمداً ... بِدعوَتِهِ فيكم إذا الأمر حُقِّقَا ) ( وساميتُم قوماً كراماً بمجدكم ... وجاء سُكَيْتاً آخر القوم مخفِقَا ) ( فأصلُك دُهْمان بنُ نصرٍ فردَّهم ... ولا تك وَغْداً في تميم معلَّقا ) ( فإن تميماً لستَ منهم ولا لهم ... أخاً يابن دُهمانٍ فلا تك أحمقا ) ( ولولا أبو مروان لاقَيْتَ وابِلاً ... من السوط يُنسيك الرَّحيق المعتَّقا ) ( أحينَ عَلاَكَ الشيبُ أصبحتَ عاهراً ... وقلت آسقني الصَّهباء صِرفاً مروَّقا ) ( تركت شرابَ المسلمين ودينَهم ... وصاحبتَ وغْداً من فَزارة أزرقا ) ( تبيتان من شُرب المدامةِ كالَّذي ... أُتيح له حبلٌ فأضحى مخنَّقا ) فقال بشر أقسمت عليك إلا كففت فقال أفعل أصلحك الله والله لولا مكانك لأنفذت حضنيه بالحق وكف ابن الزبير وأحسن بشر جائزته وكسوته وشمت حجار بن أبجر بمحمد بن عمير وكان عدوه وأقبلت بنو أسد على ابن الزبير فقالوا عليك غضب الله أشمت حجارا بمحمد والله لا نرضى عنك حتى تهجوه هجاء يرضى به محمد بن عمير عنك أو لست تعلم أن الفرزدق أشعر العرب قال بلى ولكن محمدا ظلمني وتعرض لي ولم أكن لأحلم عنه إذ فعل فلم تزل به بنو أسد حتى هجا حجارا فقال ( سليلَ النصارى سُدتَ عِجلاً ولم تكن ... لذلك أهْلاً أن تسود بني عِجْلِ ) ( ولكنَّهم كانوا لئاماً فَسُدْتَهمْ ... ومثلُك من ساد اللئامَ بلا عَقْل ) ( وكيف بِعجلٍ إن دنا الفِصْحُ واغتدتْ ... عليك بَنُو عجل ومِرجَلُكم يَغْلي ) ( وعندك قِسّيس النصارى وصُلبُها ... وعانيَّةٌ صَهْباءُ مثلُ جَنَى النحل ) قال فلما بلغ حجارا قوله شكاه إلى بشر بن مروان فقال له بشر هجوت حجارا فقال لا والله أعز الله الأمير ما هجوته لكنه كذب علي فأتاه ناس من بني عجل وتهددوه بالقتل فقال فيهم ( تُهدِّدني عجلٌ وما خِلتُ أنَّني ... خَلاةٌ لعجلٍ والصليبُ لها بعلُ ) ( وما خِلتُني والدهرُ فيه عجائبٌ ... أُعمَّر حتى قد تهدّدني عجلُ ) ( وتُوعِدُني بالقتل منهم عصابةٌ ... وليس لهم في العزّ فرعٌ ولا أصل ) ( وعجلٌ أُسود في الرخاء ثعالبٌ ... إذا التقت الأبطال واختلف النَّبل ) ( فإن تَلْقَنا عجِل هناك فما لنا ... ولا لهمُ مِ الموتِ مَنْجًى ولا وَعْل ) مدح سويد بن منجوف لأنه ساعده على الخروج إلى الشام وقال النضر في كتابه لما منع عبد الرحمن بن أم الحكم عبد الله بن الزبير الخروج إلى الشام وأراد حبسه لجأ إلى سويد بن منجوف واستجار به فأخرجه مع بني شيبان في بلادهم وأجازه عمل ابن أم الحكم فقال يمدحه ( أليس ورائي إن بلادٌ تجهَّمتْ ... سويدُ بنُ مَنْجُوفٍ وبكر بن وائِل ) ( حصونُ بَراها الله لم يُرَ مِثلُها ... طِوالٌ أعاليها شِدادُ الأسافل ) ( هُم أصْبَحوا كَنْزي الذي لَسْتُ تاركاً ... ونبلِي التي أعددتُها للمُناضِلِ ) وقال أيضا في هذا الكتاب جاء عبد الله بن الزبير يوما إلى بشر بن مروان فحجبه حاجبه وجاء حجار بن أبجر فأذن له وانصرف ابن الزبير يومئذ ثم عاد بعد ذلك إلى بشر وهو جالس جلوسا فدخل إليه فلما مثل بين يديه أنشأ يقول ( ألم تر أن الله أعطى فَخَصَّنا ... بأبيضَ قَرمٍ من أمية أزهرَا ) ( طَلوع ثنايا المجد سامٍ بطَرفه ... إذا سُئل المعروفَ ليس بأَوْعَرا ) ( فلولا أبو مروان بِشرٌ لقد غَدت ... ركابيَ في فَيْف من الأرْضِ أغبرا ) ( سِراعاً إلى عبد العزيز دوائباً ... تَخَلَّلُ زَيتوناً بمصر وعَرْعَرا ) ( وحاربتُ في الإسلام بكرَ بنَ وائل ... كحربِ كليب أو أمر وأمْقَرا ) ( إذا قَادتِ الإسلامَ بَكر بن وائلٍ ... فهَبْ ذاك دِيناً قد تغيَّر مُهتَرا ) ( بأيّ بلاءٍ أم بأيّ نصيحةٍ ... تُقدِّم حَجّاراً أمامي ابنَ أبجَرَا ) ( وما زلتُ مذ فارقتُ عثمان صَادِياً ... ومروانَ مُلتاحاً عن الماء أزورَا ) ( ألا ليتني قُدِّمتُ واللهِ قَبْلَهُمْ ... وأن أخي مَرْوان كان المؤخرا ) ( بهم جُمع الشمل الشَّتيتُ وأصْلَح الإله ... وداوَى الصَّدْعَ حتَّى تَجَبَّرا ) ( قضى الله لا ينفكّ منهم خليفةٌ ... كريم يسوس الناسَ يركبُ مِنبرا ) فاعتذر إليه بشر ووصله وحمله وأنكر على حاجبه ما تشكاه وأمر أن يأذن له عند إذنه لأخص أهله وأوليائه وقال النضر في كتابه هذا كان الزبير بن الأشيم أبو عبد الله بن الزبير شاعرا وكان لعبد الله بن الزبير ابن يقال له الزبير شاعر فأما أبوه الزبير بن الأشيم فهو الذي يقول ( ألا يا لقومي للرّقاد المؤرِّقِ ... وللرَّبْع بعد الغبْطَة المتفرِّقِ ) ( وهمِّ الفتى بالأمْرِ من دون نَيْله ... مراتبُ صعباتٌ على كُلّ مُرْتَقي ) ( ويوم بصحراء البَدِيدَيْن قِلته ... بمنزلة النُّعمان وابن محرِّق ) ( وذلك عيش قد مَضَى كان بَعْدَه ... أمورٌ أشابَتْ كلَّ شأن ومَفْرَق ) ( وغيَّر ما استنكرتِ يا أم واصلٍ ... حوادثُ إلاَّ تَكْسر العظم تَعرِق ) ( فراقُ حبيبٍ أو تغيُّر حالةٍ ... من الدهرِ أو رامٍ لشخصي مُفوِّق ) ( على أنني جَلْدٌ صبورٌ مرزَّأٌ ... وهل تتركُ الأيامُ شيئاً لمشفِق ) وأما ابنه الزبير بن عبد الله بن الزبير فهو القائل يمدح محمد بن عيينة بن أسماء بن خارجة الفزاري ( قالت عبيدَةُ مَوْهِناً ... أين اعْتَراكَ الهمُّ أينَهْ ) ( هل تبلغنَّ بك المُنَى ... ما كنت تأمُل في عُيينهْ ) ( بدرٌ له الشِّيَم الكرائم ... كاملاتٌ فاعْتَلَيْنَهْ ) ( والجوعُ يَقْتُله النَّدَى ... منه إذا قَحْطٌ تريْنَه ) ( فهناك يَحْمَدُه الوَرَى ... أخلاق غيركم اشتكينه ) قال وهو القائل في بعض بني عمّه ( ومولَى كدَاءِ البَطْنِ أو فوق دَائه ... يزيدُ موالي الصدق خيراً وينقصُ ) ( تلوَّمتُ أرجو أن يَثُوب فيرْعَوِي ... به الحلمُ حتَّى استيأسَ المتربِّص ) لجوؤه إلى معاوية وقال النضر في كتابه هذا لما هرب ابن الزبير من عبد الرحمن بن أم الحكم إلى معاوية أحرق عبد الرحمن داره فتظلم منه وقال أحرق لي دارا قد قامت علي بمائة ألف درهم فقال معاوية ما أعلم بالكوفة دارا أنفق عليها هذا القدر فمن يعرف صحة ما ادعيت قال هذا المنذر بن الجارود حاضر ويعلم ذلك فقال معاوية للمنذر ما عندك في هذا قال إني لم آبه لنفقته على داره ومبلغها ولكني لما دخلت الكوفة وأردت الخروج عنها أعطاني عشرين ألف درهم وسألني أن أبتاع له بها ساجا من البصرة ففعلت فقال معاوية إن دارا اشتري لها ساج بعشرين ألف درهم لحقيق أن يكون سائر نفقتها مائة ألف درهم وأمر له بها فلما خرجا أقبل معاوية على جلسائه ثم قال لهم أي الشيخين عندكم أكذب والله إني لأعرف داره وما هي إلا خصاص قصب ولكنهم يقولون فنسمع ويخادعوننا فنخدع فجعلوا يعجبون منه أخبرني الحسن بن علي ومحمد بن يحيى قالا حدثنا محمد بن زكريا الغلابي عن عبد الله بن الضحاك عن الهيثم بن عدي قال أتى عبد الله بن الزبير إبراهيم بن الأشتر النخعي فقال له إني قد مدحتك بأبيات فاسمعهن فقال إني لست أعطي الشعراء فقال اسمعها مني وترى رأيك فقال هات إذا فأنشده قوله ( الله أعْطَاك المهابةَ والتُّقَى ... وأحلَّ بيتَك في العَدِيدِ الأكثرِ ) ( وأقرَّ عينَك يوم وقْعَةِ خازِرٍ ... والخيلُ تعثُر بالقَنا المتكسِّر ) ( إنِّي مدحتُك إذ نَبَا بيَ منزلي ... وذممتُ إخوانَ الغِنَى مِنْ مَعْشَرِ ) ( وعرفتُ أنك لا تخيّب مِدْحتي ... ومتى أكن بسبيل خيرٍ أشكر ) ( فهلمَّ نحوي من يمينك نَفحةً ... إن الزمان ألحَّ يابن الأشْتَرِ ) فقال كم ترجو أن أعطيك فقال ألف درهم أصلح بها أمر نفسي وعيالي فأمر له بعشرين ألف درهم صوت ( ما هاج شوقَك من بُكاء حَمَاَمةٍ ... تَدْعُو إلى فَنَن الأَراك حَماما ) ( تَدعو أخا فَرْخين صَادَف ضَارِياً ... ذَا مِخلبين من الصُّقُور قَطاما ) ( إلا تَذَكُّرُكَ الأوانسَ بَعْدَما ... قطع المطيُّ سَباسِباً وهُياما ) الشعر لثابت قطنة وقيل إنه لكعب الأشقري والصحيح أنه لثابت والغناء ليحيى المكي خفيف ثقيل أول بالبنصر من رواية ابنه والهشامي أيضا أخبار ثابت قطنة هو ثابت بن كعب وقيل ابن عبد الرحمن بن كعب ويكنى ابا العلاء أخو بني أسد بن الحارث بن العتيك وقيل بل هو مولى لهم ولقب قطنة لأن سهما أصابه في إحدى عينيه فذهب بها في بعض حروب الترك فكان يجعل عليها قطنة وهو شاعر فارس شجاع من شعراء الدولة الأموية وكان في صحابة يزيد بن المهلب وكان يوليه أعمالا من أعمال الثغور فيحمد فيها مكانه لكفايته وشجاعته فأخبرني إبراهيم بن ايوب قال حدثنا عبد الله بن مسلم بن قتيبة وأخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد قال كان ثابت قطنة قد ولي عملا من أعمال خراسان فلما صعد المنبر يوم الجمعة رام الكلام فتعذر عليه وحصر فقال ( سيجعل الله بعد عسر يسرا ) وبعد عي بيانا وأنتم إلى أمير فعال أحوج منكم إلى أمير قوال ( وإلاَّ أكن فيكمْ خطيباً فإنَّني ... بسَيْفي إذا جدَّ الوغَى لخطيبُ ) فبلغت كلماته خالد بن صفوان ويقال الأحنف بن قيس فقال والله ما علا ذلك المنبر أخطب منه في كلماته هذه ولو أن كلاما استخفني فأخرجني من بلادي إلى قائله استحسانا له لأخرجتني هذه الكلمات إلى قائلها وهذا الكلام بخالد بن صفوان أشبه منه بالأحنف هجاه حاجب الفيل لعيه في الكلام أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني أحمد بن زهير بن حرب عن دعبل بن علي قال كان يزيد بن المهلب تقدم إلى ثابت قطنة في أن يصلي بالناس يوم الجمعة فلما صعد المنبر ولم يطق الكلام قال حاجب الفيل يهجوه ( أبا العَلاءِ لقد لُقِّيتَ معضلةً ... يومَ العَروبة من كربٍ وتخنيق ) ( أمّا القُران فلم تخلَق لمحكَمه ... ولم تسدَّد من الدنيا لتوفيق ) ( لمَّا رمتْكَ عيونُ الناس هِبتَهمُ ... فكدتَ تَشرقَ لمَّا قمتَ بالرِّيق ) ( تلوِي اللسان وقد رُمْتَ الكلام به ... كما هَوَى زَلِقٌ من شَاهقِ النِّيق ) أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي بن الصباح قال كان سبب هجاء حاجب بن ذبيان المازني وهو حاجب الفيل والفيل لقب لقبه به ثابت قطنة وكعب الأشقري أن حاجبا دخل على يزيد بن المهلب فلما مثل بين يديه أنشده ( إليك أمتطيتُ العِيسَ تسعين ليلة ... أرجِّي ندَى كفَّيكَ يابن المهلّبِ ) ( وأنت امرؤٌ جادَتْ سماءُ يمينِه ... على كل حيٍّ بين شَرْق ومَغْرب ) ( فَجُدْ لي بطرْف أعوجِيٍّ مشهَّرٍ ... سَليم الشَّظَا عَبْلِ القوائم سَلْهَبِ ) ( سبوحٍ طموحٍ الطَّرف يستنُّ مِرْجَم ... أُمِرَّ كإمرار الرِّشاء المشذَّب ) ( طوى الضُّمرُ منه البطنَ حتى كأنه ... عقاب تدلَّت من شماريخ كَبكَب ) ( تُبادر جُنْحَ الليلِ فَرْخين أقْوََيا ... من الزاد في قَفْرٍ من الأرض مجدِب ) ( فلمَّا رأت صَيْداً تدلَّتْ كأنها ... دَلاةٌ تَهاوَى مَرْقَباً بعد مَرقَبِ ) ( فشكّت سوادَ القلب من ذئبٍ قَفرةٍ ... طويلِ القَرا عارِي العظامِ معصَّب ) ( وسابغةٍ قد أتْقَن القَينُ صنعَها ... وأسمرَ خَطِّيٍّ طويلٍ مُحَرَّب ) ( وأبيضَ من ماء الحديدِ كأنه ... شِهابٌ متى يَلْقَ الضَّريبةَ يَقْضِبِ ) ( وقل لي إذا ما شئتَ في حَوْمة الوغى ... تقدَّمْ أو اركبْ حومةَ الموت أَركبِ ) ( فإني امرؤٌ من عُصْبَةٍ مازِنيَّةٍ ... نَماني أبٌ ضخمٌ كريمُ المركَّب ) قال فأمر له يزيد بدرع وسيف ورمح وفرس وقال له قد عرفت ما شرطت لنا على نفسك فقال أصلح الله الأمير حجتي بينة وهي قول الله عز و جل ( والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) فقال له ثابت قطنة ما أعجب ما وفدت به من بلدك في تسعين ليلة مدحت الأمير ببيتين وسألته حوائجك في عشرة أبيات وختمت شعرك ببيت تفخر عليه فيه حتى إذا أعطاك ما أردت حدت عما شرطت له على نفسك فأكذبتها كأنك كنت تخدعه فقال له يزيد مه يا ثابت فإنا لا نخدع ولكنا نتخادع وسوغه ما أعطاه وأمر له بألفي درهم ولج حاجب يهجو ثابتا فقال فيه ( لا يعرفُ الناسُ مِنْه غيرَ قُطنَتِه ... وما سِواها من الأَنْسَابِ مَجْهُولُ ) خبره مع حاجب الفيل عند يزيد بن المهلب قال ودخل حاجب يوما على يزيد بن المهلب وعنده ثابت قطنة وكعب الأشقري وكانا لا يفارقان مجلسه فوقف بين يديه فقال له تكلم يا حاجب فقال يأذن لي الأمير أن أنشده أبياتا قال لا حتى تبدأ فتسأل حاجتك قال أيها الأمير إنه ليس أحد ولو أطنب في وصفك موفيك حقك ولكن المجتهد محسن فلا تهجني بمنعي الإنشاد وتأذن لي فيه فإذا سمعت فجودك أوسع من مسألتي فقال له يزيد هات فما زلت مجيدا محسنا مجملا فأنشده ( كم من كميٍّ في الهِياج تركتَه ... يَهوي لِفيه مُجدَّلا مقتولا ) ( جلّلتَ مفرِقَ رأسِه ذا رَونق ... عضْبَ المهزَّة صارِماً مصقولا ) ( قُدْتَ الجِيادَ وأنت غِرٌّ يافعٌُ ... حتى اكتهلتَ ولم تزل مأمولا ) ( كم قد حَرَبْت وقد جَبَرت مَعاشراً ... وكم امتننت وكم شفَيتَ غليلا ) فقال له يزيد سل حاجتك فقال ما على الأمير بها خفاء فقال قل قال إذا لا أقصر ولا أستعظم عظيما أسأله الأمير أعزه الله مع عظم قدره قال أجل فقل يفعل فلست بما تصير إليه أغبط منا قال تحملني وتخدمني وتجزل جائزتي فأمر له بخمسة تخوت ثياب وغلامين وجاريتين وفرس وبغل وبرذون وخمسة آلاف درهم فقال حاجب ( شِم الْغَيْثَ وانْظُرْ وَيْك أين تبعَّجتْ ... كُلاه تَجِدْها في يَدِ ابن المهلّب ) ( يداه يدٌ يُخْزِي بها اللهُ مَن عَصَى ... وفي يَدِهِ الأخْرَى حياةُ المعصَّب ) قال فحسده ثابت قطنة وقال والله لو على قدر شعرك أعطاك لما خرجت بملء كفك نوى ولكنه أعطاك على قدره وقام مغضبا وقال لحاجب يزيد بن المهلب إنما فعل الأمير هذا ليضع منا بإجزاله العطية لمثل هذا وإلا فلو أنا اجتهدنا في مديحه ما زادنا على هذا وقال ثابت قطنة يهجو حاجبا حينئذ ( أحاجبُ لولا أنَّ أصْلَك زَيِّفٌ ... وأنَّك مطبوعٌ على اللؤم والكفر ) ( وأنِّيَ لو أكثرتُ فيك مقصِّرٌ ... رميتُك رمياً لا يَبيد يَدَ الدهر ) ( فقل لي ولا تكذِبْ فإنِّيَ عالمٌ ... بمِثْلِكَ هل في مازنٍ لك من ظَهر ) ( فإنك مِنْهمْ غير شكٍّ ولم يَكُنْ ... أبوكَ من الغُرِّ الجَحاجِحة الزُّهر ) ( أبوكَ دِيافيٌّ وأمُّك حُرَّةٌ ... ولكنَّها لا شَكَّ وافيةُ البَظْر ) ( فلست بهاجِ ابن ذُبيان إنني ... سأُكْرِمُ نفسي عن سِبابِ ذوي الهُجْر ) هجاء حاجب له فقال حاجب والله لا أرضى بهجاء ثابت وحده ولا بهجاء الأزد كلها ولا أرضى حتى أهجو اليمن طرا فقال يهجوهم ( دعُوني وقحطاناً وقولوا لثابتٍ ... تنحَّ ولا تقرَبْ مُصاوَلة البُزْلِ ) ( فلَلزِنج خيرٌ حين تُنْسَب والداً ... من أبناء قحطانَ العفاشلة الغُرْلِ ) ( أناسٌ إذا الهيجاء شَبَّتْ رأيتَهمْ ... أذَلَّ على وَطْءِ الهَوَانِ من النَّعْلِ ) ( نساؤهُم فوضَى لمن كان عاهِراً ... وجِيرانهمْ نَهبُ الفَوارِس والرَّجْلِ ) اخبرني وكيع قال حدثنا أحمد بن زهير قال وحدثني دعبل قال بلغني أن ثابت قطنة قال هذا البيت في نفسه وخطر بباله يوما فقال ( لاَ يَعْرِف الناسُ منه غيرَ قطنته ... وما سِوَاها من الأنْسابِ مجهولُ ) وقال هذا بيت سوف أهجي به أو بمعناه وأنشده جماعة من أصحابه وأهل الرواية وقال اشهدوا أني قائله فقالوا ويحك ما أردت إلا أن تهجو نفسك به ولو بالغ عدوك ما زاد على هذا فقال لا بد من أن يقع على خاطر غيري فأكون قد سبقته إليه فقالوا له أما هذا فشر قد تعجلته ولعله لا يقع لغيرك فلما هجاه به حاجب الفيل استشهدهم على أنه هو قائله فشهدوا على ذلك فقال يرد على حاجب ( هَيْهاتَ ذلك بيتٌ قد سُبقت به ... فاطلبْ له ثَانِياً يا حاجبَ الفيلِ ) ميله إلى قول المرجئة أخبرني أحمد بن عثمان العسكري المؤدب قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا قعنب بن المحرز الباهلي عن أبي عبيدة قال كان ثابت قطنة قد جالس قوما من الشراة وقوما من المرجئة كانوا يجتمعون فيتجادلون بخراسان فمال إلى قول المرجئة وأحبه فلما اجتمعوا بعد ذلك أنشدهم قصيدة قالها في الإرجاء ( يا هندُ إنِّي أظنُّ العيشَ قد نفِدا ... ولا أْرَى الأمرَ إلا مُدْبراً نَكِدا ) ( إني رَهينَةُ يومٍ لستُ سابقه ... إلاّ يكن يومُنا هذا فقد أفِدا ) ( بايعتُ ربِّيَ بيعاً إن وفيتُ به ... جاورتُ قتلَى كراماً جاوَروا أُحُدا ) ( يا هندُ فاستمعي لي إنّ سيرتَنا ... أن نَعْبُد اللهَ لمْ نشركْ به أحدَا ) ( نُرجِي الأمورَ إذا كانتْ مشبَّهة ... ونَصدُق القولَ فيمن جارَ أو عندا ) ( المسلمون على الإسلام كلّهم ... والمشركون أَشَتُّوا دينهمْ قِدَدا ) ( ولا أرى أن ذنباً بالغٌ أَحَداً ... مِ الناسِ شِركاً إذا ما وحَّدوا الصمَدا ) ( لا نَسفِك الدمَ إلا أن يراد بنا ... سَفْكُ الدماء طريقاً واحداً جدَدَا ) ( من يتّق الله في الدنيا فإنّ له ... أجرَ التَّقيِّ إذا وَفَّى الحسابَ غدا ) ( وما قَضَى اللهُ من أمرٍ فليسَ له ... رَدٌّ وما يَقض من شيء يكن رَِشَدا ) ( كلّ الخوارج مُخطٍ في مَقَالته ... ولو تَعبَّد فيما قَالَ واجْتَهَدا ) ( أما عليٌّ وعثمانٌ فإنهما ... عَبْدان لَم يُشرِكا بالله مذ عَبَدا ) ( وكان بينهما شَغْب وقد شهِدا ... شقَّ العصا وبعيْن الله ما شَهدا ) حذف ( يُجزَى عليٌّ وعثمانٌ بسَعْيِهما ... ولستُ أدري بحقٍّ أيَّةً وَرَدا ) ( الله يعلم ماذا يَحضُران به ... وكلُّ عبد سيلقى اللهَ منفردا ) قال أبو الفرج ونسخت من كتاب بخط المرهبي الكوفي في شعر ثابت قطنة قال لما ولي سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص بن أمية خراسان بعد عزل عبد الرحمن بن نعيم جلس يعرض الناس وعنده حميد الرؤاسي وعبادة المحاربي فلما دعي بثابت قطنة تقدم وكان تام السلاح جواد الفرس فارسا من الفرسان فسأل عنه فقيل هذا ثابت قطنة وهو أحد فرسان الثغور فأمضاه وأجاز على اسمه فلما انصرف قال له حميد وعبادة هذا أصلحك الله الذي يقول ( إنا لضرَّابون في حَمَس الوَغَى ... رأْسَ الخليفة إن أراد صدودا ) فقال سعيد علي به فردوه وهو يريد قتله فلما أتاه قال له أنت القائل ( إنا لضرَّابون في حَمَس الوغى ... ) قال نعم أنا القائل ( إنا لضرّابون في حَمَس الوغى ... رأسَ المتوَّجِ إنْ أراد صُدُودا ) ( عن طَاعة الرحمن أو خُلَفَائه ... إن رام إفساداً وكرَّ عُنُودا ) فقال له سعيد أولى لك لولا أنَّك خرجتَ منها لضربتُ عنقكَ قال وبلغ ثابتاً ما قاله حميد وعبادة فأتاه عبادة معتذرا فقال له قد قبلت عذرك ولم يأته حميد فقال ثابت يهجوه ( وما كان الحُنَيد ولا أخوه ... حميدٌ من رؤوسٍ في المَعالي ) ( فإن يك دغْفلٌ أمسى رهيناً ... وزيدٌ والمقيم إلى زوال ) ( فعندكُمُ ابن بشرٍ فاسألوه ... بمروِ الرُّوذِ يَصدقُ في المقال ) ( ويخبر أنه عبدُ زَنيمٌ ... لئيم الجدّ من عَمٍّ وخال ) هجاؤه لمحمد بن مالك لأنه لم يكرمه قال واجتاز ثابت قطنة في بعض أسفاره بمدينة كان أميرها محمد بن مالك بن بدر الهمداني ثم الخيواني وكان يغمز في نسبه وخطب إلى قوم من كندة فردوه فعرف خبر ثابت في نزوله فلم يكرمه ولا أمر له بقرى ولا تفقده بنزل ولا غيره فلما رحل عنه قال يهجوه ويعيره برد من خطب إليه ( لو أنَّ بَكيلاً هُم قومهُ ... وكان أبوه أبا العاقِبِ ) ( لأكرَمَنَا إذ مَررْنَا به ... كرامةَ ذي الحَسَبِ الثاقِبِ ) ( ولكنَّ خيوانَ همْ قومُهُ ... فبئس هم القومُ للصَّاحِبِ ) ( وأنتَ سَنِيدٌ بهم مُلصَق ... كما ألصِقتْ رُقعةُ الشاعبِ ) ( وحَسْبُكَ حَسْبُكَ عند النَّثا ... بأفعالِ كِندَةَ من عائبِ ) ( خَطبتَ فجازَوْك لما خطبتَ ... جِزاءَ يسارٍ من الكاعِبِ ) ( كذبتَ فزيّفْتَ عقدَ النكاح ... لِمتِّكَ بالنَّسَبِ الكاذبِ ) ( فلا تخطبنْ بعدها حُرَّةً ... فتُثْنَى بِوَسْمٍ على الشارِبِ ) هجاؤه لقتيبة بن مسلم قال أبو الفرج ونسخت من هذا الكتاب قال كان لثابت قطنة راوية يقال له النضر فهجا ثابت قطنة قتيبة بن مسلم وقومه وعيرهم بهزيمة انهزموها عن الترك فقال ( توافَتْ تميمٌ في الطِّعان وعرَّدتْ ... بُهَيْلَةُ لما عاينتْ معشراً غُلْبا ) ( كُماة كُفاة يرهَب الناسُ حَدَّهم ... إذا ما مَشَوْا في الحرب تَحْسَبهم نُكْبَا ) ( تُسَامُونَ كعباً في العُلا وكِلابَها ... وهيهاتَ أن تَلْقَوْا كِلاباً ولا كَعْباً ) قال فأفشى عليه راويته ما قاله فقال ثابت فيه وقد كان استكتمه هذه الأبيات ( يا ليت لي بأخي نضرٍ أخا ثقةٍ ... لا أرهب الشَّرَّ منه غابَ أم شَهدا ) ( أصبحتُ منك على أسبابٍ مَهْلكةٍ ... وزَلَةٍ خائفاً منك الرَّدَى أبدا ) ( ما كنتَ إلا كذئب السُّوءِ عارضَهُ ... أخوه يدمي فَفَرَّى جِلْدَه قِدَدَا ) ( أهم بالصَّرْفِ أحياناً فيمنعنِي ... حيَّا ربيعةَ والعَقْد الذي عَقَدَا ) شعره في رثاء المفضل بن المهلب ونسخت منه أيضا قال لما قتل المفضل بن المهلب دخل ثابت قطنة على هند بنت المهلب والناس حولها جلوس يعزونها فأنشدها ( يا هند كيف بِنُصْبٍ بات يَبْكِيني ... وعائِرٍ في سَواد الليل يؤذيني ) ( كأنَّ لَيْلِيَ والأصداءُ هاجدةٌ ... ليلُ السَّليم وأعيا من يُداويني ) لمّا حتى الدهرُ من قَوْسِي وعذَّرني ... شيبي وقاسيت أمرَ الغلْظِ واللينِ ) ( إذا ذكرتُ ابا غَسَّان أرَّقَنِي ... همٌّ إذا عَرَّس السَّارُونَ يُشجيني ) ( أصبحتُ منك على أسبابِ مَهْلكةٍ ... وزَلَّةٍ خائفاً منك الرَّدَى أبدا ) ( ما كنتَ إلا كذئب السُّوءِ عارضَهُ ... أخوه يدمى فَفَرَّى جِلْدَه قِدَدَا ) ( أو كابن آدم خَلًى عن أخيه وقد ... أدْمَى حَشَاهُ ولم يبسط إليهِ يَدَا ) ( أو كابن آدم خَلَّى عن أخيه وقد ... أدْمَى حَشَاهُ ولم يبسط إليهِ يَدَا ) ( أهم بالصَّرْفِ أحياناً فيمنعنِي ... حيَّا ربيعةَ والعَقْد الذي عَقَدَا ) شعره في رثاء المفضل بن المهلب ونسخت منه أيضا قال لما قتل المفضل بن المهلب دخل ثابت قطنة على هند بنت المهلب والناس حولها جلوس يعزونها فأنشدها ( يا هند كيف بِنُصْبٍ بات يَبْكِيني ... وعائِرٍ في سَواد الليل يؤذيني ) ( كأنَّ لَيْلِيَ والأصداءُ هاجدةٌ ... ليلُ السَّليم وأعيا من يُداويني ) ( لمّا حنى الدهرُ من قَوْسِي وعذَّرني ... شيبي وقاسيت أمرَ الغلْظِ واللينِ ) ( إذا ذكرتُ أبا غَسَّان أرَّقَنِي ... همٌّ إذا عَرَّس السَّارُونَ يُشجيني ) ( كان المفضَّلُ عِزّاً في ذوي يَمَنٍ ... وعِصمةً وثمالاً للمساكينِ ) ( ما زلتُ بعدَكَ في همٍّ تجيش به ... نَفْسِي وفي نَصَب قد كادَ يُبْلِيِني ) ( إنِّي تذكَّرْتُ قتلَي لو شهدتُهُم ... في حَوْمَةِ الموْتِ لم يَصَلوا بها دُونِي ) ( لا خير في العَيْشِ إن لم أجن بعدَهم ... حرباً تُبِيء بهم قتلي فيشفوني ) فقالت له هند اجلس يا ثابَت فقد قضيت الحق وما من الملاثية بد وكم من ميتة ميت أشرف من حياة حي وليست المصيبة في قتل من استشهد ذابا عن دينه مطيعا لربه وإنما المصيبة فيمن قلت بصيرته وخمل ذكره بعد موته وأرجو ألا يكون المفضل عند الله خاملا يقال إنه ما عزي يومئذ بأحسن من كلامها قال أبو الفرج ونسخت من كتابه أيضا قال كان ابن الكواء اليشكري مع الشراة والمهلب يحاربهم وكان بعض بني أخيه شاعرا فهجا المهلب وعم الأزد بالهجاء فقال لثابت أجبه فقال له ثابت ( كلُّ القبائلِ من بكرٍ نهدُّهُم ... واليشكُريُّون منهمْ الأَمُ العرَب ) ( أثرى لجيم وأثرى الحصن إذ قعدتْ ... بيشكرٍ أمُّه المَعرورة النَّسبِ ) ( نَحَّاكُمُ عن حياضِ المجدِ والدُكُمْ ... فما لكم في بني البَرْشَاءِ من نَسَبِ ) ( أنتم تَحُلُّونَ من بكرٍ إذا نُسبوا ... مثل القُراد حَوالَيْ عُكْوَة الذَّنبِ ) ( نُبِّئت أن بني الكَوّاء قد نبحوا ... فِعلَ الكلاب تتلّى اللَّيث في الأشبِ ) ( يَكْوِي الأُبَيْجر عبد الله شيخكم ... ونحن نُبري الذي يَكوى من الكَلَبِ ) ونسخَتُ من كتابه أيضا قال كتب ثابت قطنة إلى يزيد بن المهلب يحرضه ( إن امرأً حدبت ربيعةُ حولَه ... والحيُّ من يَمَنٍ وهابَ كَؤودا ) ( لَضعيفُ ما ضمّت جوانِحُ صدرِهِ ... إن لم يَلُفَّ إلى الجُنودِ جنودا ) ( أيزيد كُنْ في الحَرْب إذ هيّجتَها ... كأبيك لا رَعِشا ولا رِعْدِيدا ) ( شاوَرْت أكْرَمَ من تناول ماجد ... فرأيتُ هَمَّك في الهموم بعيدا ) ( ما كان في أبويك قادحُ هُجْنةِ ... فيكون زندُكَ في الزِّنادِ صَلودا ) ( إنا لضرَّابونَ في حَمَس الوَغَى ... رأس المتوَّج إن أراد صدودا ) ( وقُرٌُ إذا كَفَرَ العَجاج تَرى لنا ... في كلِّ معركة فوارسَ صِيدا ) ( يا ليت أسْرتك الَّذَّين تَغَيَّبوا ... كانوا ليومك بالعِراق شهُودا ) ( وترى مواطنهم إذا اختلف القنا ... والمشرفيَّة يلتظين وقودا ) فقال يزيد لما قرأ كتابه إن ثابتا لغافل عما نحن فيه ولعمري لأطيعنه وسيرى ما يكون فاكتبوا إليه بذلك أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن العمري عن الهيثم بن عدي قال أنشد مسلمة بن عبد الملك بعد قتل يزيد بن المهلب قول ثابت قطنة ( يا ليت أسْرتك الذين تَغَيَّبُوا ... كانوا ليومِكَ يا يزيدُ شُهودا ) فقال مسلمة وأنا والله لوددت أنهم كانوا شهودا يومئذ فسقيتهم بكأسه قال فكان مسلمة أحد من أجاب شعرا بكلام منثور فغلبه خطب امرأة فتزوجها صديقه أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني عبيد الله بن أحمد بن محمد الكوفي قال حدثني محمد القحذمي عن سليمان بن ناصح الأسدي قال خطب ثابت قطنة امرأة كان يميل إليها فجعل السفير بينه وبينها جويبر بن سعيد المحدث فاندس فخطبها لنفسه فتزوجها ودفع عنها ثابتا فقال ثابت حين بان له الأمر ( أفْشَى عليَّ مقالةً ما قلتها ... وسعى بأمرٍ كان غيرَ سديدِ ) ( إني دعوت الله حين ظَلَمْتَنِي ... ربِّي وليس لمن دعا ببعيد ) ( أن لا تزال متيَّماً بخريدةٍ ... تَسبي الرجال بمقلتين وجِيد ) ( حتى إذا وجب الصَّداق تلبَّستْ ... لك جلدَ أَغْضَفَ بارزٍ بصعيدِ ) ( تدعو عليك الحاريات مُبِرّة ... فترى الطلاق وأنت غيرُ حميدِ ) قال فلقي جويبر كل ما دعا عليه ثابت به ولحقه من المرأة كل شر وضر حتى طلقها بعد أن قبضت صداقها منه شعره في رثاء يزيد بن المهلب أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال كان ثابت قطنة مع يزيد بن المهلب في يوم العقر فلما خذله أهل العراق وفروا عنه فقتل قال ثابت قطنة يرثيه ( كل القبائل بايَعوك على الذي ... تدعو إليه وتابَعوك وساروا ) ( حتى إذا حَمِس الوَغَى وجعلتَهم ... نصبَ الأسنَّة أسلموك وطاروا ) ( إن يقتلوك فإنَّ قتلَك لم يكن ... عاراً عليك وبعضُ قتلٍ عار ) قال أبو الفرج ونسخت من كتاب المرهبي قال كانت ربيعة لما حالفت اليمن وحشدت مع يزيد بن المهلب تنزل حواليه هي والأزد فاستبطأته ربيعة في بعض الأمر فشغبت عليه حتى أرضاها فيه فقال ثابت قطنة يهجوهم ( عصافير تَنْزُو في الفساد وفي الوغى ... إذا راعَها رَزْعٌ جَمامِيحُ بَرْوَق ) الجماميح ما نبت على رؤوس القصب مجتمعا وواحده جماح فإذا دق تطاير وبروق نبت ضعيف ( أأحلمُ عن ذِبَّان بكر بن وائل ... ويعلق من نفسي الأذى كلَّ مَعلقِ ) ( ألم أك قلَّدتكم طوقَ خِزْيَةِ ... وأنكلتُ عنكمْ فيكُم كلَّ مُلصَقِ ) ( لعمركَ ما استخلفتُ بكراً ليَشغَبوا ... عليَّ وما في حِلْفكم من مُعلَّقِ ) ( ضممتكُم ضمّاً إليَّ وأنتمُ ... شَتاتٌ كفَقْع القاعةِ المتفرّقِ ) ( فأنتُمْ على الأدنى أسودُ خَفِيَّةٍ ... وأنتم على الأعداءِ خِزَّانُ سَمْلَقِ ) أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو بكر العامري قال قال القحذمي دخل ثابت قطنة على بعض أمراء خراسان أظنه قتيبة بن مسلم فمدحه وسأله حاجة فلم يقضها له فخرج من بين يديه وقال لأصحابه لكن يزيد بن المهلب لو سألته هذا أو أكثر منه لم يردني عنه وأنشأ يقول ( أبا خالدٍ لم يَبْقَ بعدك سُوقَةٌ ... ولا مَلك ممَّن يُعين على الرِّفْدِ ) ( ولا فاعلٌ يرجو المقلُّونَ فضلَهُ ... ولا قاتلٌ يَنْكا العدوَّ على حقدِ ) ( لو آن المنايا سامحتْ ذا حَفِيظَة ... لأكرمنه أو عُجْن عَنه على عمدِ ) أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال عتب ثابت قطنة على قومه من الأزد في حال استنصر عليها بعضهم فلم ينصره فقال في ذلك ( تعَفَّفْتُ عن شَتْمِ العشيرةِ إنَّني ... وجدتُ أبي قد عَفَّ عن شَتْمِهَا قَبْلِي ) ( حليماً إذا ما الحلمُ كان مروءةً ... وأجهَلُ أحياناً إذا التمسوا جهلي ) خبره مع أمية بن عبد الله أخبرني عمي قال حدثني العنزي عن مسعود بن بشر قال كان ثابت قطنة بخراسان فوليها أمية بن عبد الله بن خالد بن أسد لعبد الملك بن مروان فأقام بها مدة ثم كتب إلى عبد الملك إن خراج خراسان لا يفي بمطبخي وكان أمية يحمق فرفع ثابت قطنة إلى البريد رقعة وقال أوصل هذه معك فلما أتى عبد الملك أوصل إليه كتاب أمية ثم نثل كنانته بين يديه فقرأ ما فيها حتى انتهى إلى رقعة ثابت قطنة فقرأها ثم عزله عن خراسان صوت ( طَرِبتُ وهاجَ لي ذاك ادّكارا ... بِكَشّ وقد أطلت به الحِصارا ) ( وكنتُ ألَذّ بعضَ العيشِ حتَّى ... كبِرْتُ وصار لي هَمِّي شِعارا ) ( رأيتُ الغانياتِ كرِهْنَ وصلي ... وأبدين الصَّريمَةَ لي جِهارا ) الشعر لكعب الأشقري ويقال إنه لثابت قطنة والصحيح أنه لكعب والغناء للهذلي ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو بن بانة وذكر في نسخته الثانية أن هذا اللحن لقفا النجار أخبار كعب الأشقري ونسبه هو كعب بن معدان الأشاقر والأِقار قبيلة من الأزد وأمه من عبد القيس شاعر فارس خطيب معدود في الشجعان من أصحاب المهلب والمذكورين في حروبه للأزارقة وأوفده المهلب إلى الحجاج وأوفده الحجاج إلى عبد الملك أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال حدثنا أبي قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي عن قتادة قال سمعت الفرزدق يقول شعراء الإسلام أربعة أنا وجرير والأخطل وكعب الأشقري أخبرني وكيع قال حدثني أحمد بن أبي خيثمة قال حدثنا أبي قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي عن المتلمس قال قلت للفرزدق يا أبا فراس أشعرت أنه قد نبغ من عمان شاعر من الأزد يقال له كعب فقال الفرزدق إي والذي خلق الشعر أنشد الحجاج عن وقعة الأزارقة أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد وأخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي واللفظ له وخبره أتم قال أوفد المهلب بن أبي صفرة كعبا الأشقري ومعه مرة بن التليد الأزدي إلى الحجاج بخبر وقعة كانت له مع الأزارقة فلما قدما عليه ودخلا داره بدر كعب بن معدان فأنشد الحجاج قوله ( يا حَفْصَ إنيِّ عَداني عنكُم السَّفَرُ ... وقد سهِرْتُ فآذى عينيَ السِّهَرُ ) ( عُلِّقتَ يا كعبُ بعد الشَّيب غانيةً ... والشيب فيه عن الأهواء مزدجرُ ) ( أممسِك أنتَ منها بالّذي عهدتْ ... أم حبلُها إذ نَأَتْكَ اليومَ منبترُ ) ( ذكرتُ خَوْداً بأعلى الطَّفِّ منزلُها ... في غُرفةٍ دونَها الأبوابُ والحجرُ ) ( وقد تركتُ بشطِّ الزَّابيَيْنِ لها ... داراً بها يسعد البادُون والحَضَرُ ) ( واخترتُ داراً بها قوم أُسَرُّ بِهِمْ ... ما زال فيهم لمن تَختارهم خِيَرُ ) ( أبا سعيدٍ فإني سرتُ مُنْتَجِعاً ... وطالبُ الخَيْرِ مُرْتاد ومنتظِرُ ) ( لولا المهلَّب ما زُرْنَا بلادَهُم ... ما دامَتِ الأرضُ فيها الماء والشجرُ ) ( وما من الناس من حيٍّ علمتُهُمُ ... إلاَّ يُرَى فيهمُ من سَيْبِكم أثرُ ) وهي قصيدة طويلة قد ذكرها الرواة في الخبر فتركت ذكرها لطولها يقول فيها ( فما يجاوز بابَ الجِسْر من أحدٍ ... قد عَضَّت الحربُ أهلَ المصر فانْجَحروا ) ( كنّا نهوِّن قبل اليوم شأنَهُم ... حتى تَفاقَمَ أمرٌ كانَ يُحْتَقَرُ ) ( لمّا وَهَنَّا وقد حلُّوا بِساحَتِنَا ... واستنفَرَ الناسُ تاراتٍ فما نَفَرُوا ) ( نادى امرؤٌ لا خلافٌ في عشيرته ... عنه وليس به عن مثلها قصَرُ ) حتى انتهى إلى قوله بعد وصفه وقائعهم مع المهلب في بلد بلد فقال ( خَبُّوا كَمِينَهُم بالسَّفْحِ إذ نزلوا ... بكازَرُونَ فما عَزّوا وما نَصَرُوا ) ( باتَتْ كتائِبُنَا تَرْدِي مسوَّمةً ... حولَ المهلَّبِ حتى نوّر القمرُ ) ( هناك ولَّوا خزايا بعد ما هُزِمُوا ... وحالَ دُونَهُمُ الأنهارُ والجُدُرُ ) ( تأبى علينا حزازاتُ النفوس فما ... نُبقي عليهمْ ولا يُبقونَ إن قَدروا ) فضحك الحجاج وقال له إنك لمنصف يا كعب ثم قال الحجاج أخطيب أنت أم شاعر فقال شاعر وخطيب فقال له كيف كانت حالكم مع عدوكم قال كنا إذا لقيناهم بعفونا وعفوهم فعفوهم تأنيس منهم فإذا لقيناهم بجهدنا وجهدهم طمعنا فيهم قال فكيف كان بنو المهلب قال حماة للحريم نهارا وفرسان بالليل أيقاظا قال فأين السماع من العيان قال السماع دون العيان قال صفهم رجلا رجلا قال المغيرة فارسهم وسيدهم نار ذاكية وصعدة عالية وكفى بيزيد فارسا شجاعا ليث غاب وبحر جم العباب وجوادهم قبيصة ليث المغار وحامي الذمار ولا يستحي الشجاع أن يفر من مدرك فكيف لا يفر من الموت الحاضر والأسد الخادر وعبد الملك سم ناقع وسيف قاطع وحبيب الموت الذعاف إنما هو طود شامخ وفخر باذخ وأبو عيينة البطل الهمام والسيف الحسام وكفاك بالمفضل نجدة ليث هدار وبحر موار ومحمد ليث غاب وحسام ضراب قال فأيهم أفضل قال هم كالحلقة المفرغة لا يعرف طرفاها قال فكيف جماعة الناس قال على أحسن حال أدركوا ما رجوا وأمنوا مما خافوا وأرضاهم العدل وأغناهم النفل قال فكيف رضاهم عن المهلب قال أحسن رضا وكيف لا يكونون كذلك وهم لا يعدمون منه رضا الوالد ولا يعدم منهم بر الولد قال فكيف فاتكم قطري قال كدناه فتحول عن منزله وظن أنه قد كادنا قال فهلا تبعتموه قال حال الليل بيننا وبينه فكان التحرز إلى أن يقع العيان ويعلم امرؤ ما يصنع أحزم وكان الحد عندنا آثر من الفل فقال له المهلب كان أعلم بك حيث بعثك وأمر له بعشرة آلاف درهم وحمله على فرس وأوفده على عبد الملك بن مروان فأمر له بعشرة آلاف أخرى عبد الملك بن مروان ينشد لكعب في المهلب وولده أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني أبو عمرو بندار الكرجي قال حدثنا أبو غسان التميمي عن أبي عبيدة قال كان عبد الملك بن مروان يقول للشعراء تشبهوني مرة بالأسد ومرة بالبازي ومرة بالصقر ألا قلتم كما قال كعب الأشقري في المهلب وولده ( بَراك الله حِينَ براكَ بَحْراً ... وفَجَّر مِنْكَ أنهاراً غِزارا ) ( بنوك السابقون إلى المعالي ... إذا ما أعظمَ الناسُ الخِطارا ) ( كأنَّهُمُ نجومٌ حولَ بَدْر ... دَرارِيٌّ تَكَمَّل فاسْتدَارا ) ( ملوك ينزلون بكلِّ ثَغْرٍ ... إذا ما الهامُ يومَ الرَّوْع طارا ) ( رِزانٌ في الأمور تَرى عليهم ... من الشَّيخ الشمائلَ والنجارا ) ( نجومٌ يُهتَدَى بهمُ إذا ما ... أخو الظَّلْمَاء في الغَمَراتِ حارا ) وهذه الأبيات من القصيدة التي أولها ( طربتُ وهاج لي ذاك ادّكارا ... ) التي فيها الغناء اتصل الهجاء بينه وبين زياد الأعجم أخبرني محمد بن الحسين الكندي قال حدثنا غسان بن ذكوان الأهوازي قال ذكر العتبي أن زيادا الأعجم هاجى كعبا الأشقري واتصل الهجاء بينهما ثم غلبه زياد وكان سبب ذلك أن شرا وقع بين الأزد وبين عبد القيس وحربا سكنها المهلب وأصلح بينهم وتحمل ما أحدثه كل فريق على الآخر وأدى دياته فقال كعب يهجو عبد القيس ( إنِّي وإن كنتُ فرعَ الأزْد قد عَلموا ... أَخْزَى إذا قيل عبُد القيس أَخْوالي ) ( فَهْمٌ أبو مالكٍ بالمجدِ شرَّفني ... ودنَّس العبدُ عبدُ القيسِ سِرْبَالِي ) قال فبلغ قوله زيادا الأعجم فغضب وقال يا عجبا للعبد ابن العبد ابن الحيتان والسرطان يقول هذا في عبد القيس وهو يعلم موضعي فيهم والله لأدعنه وقومه غرضا لكل لسان ثم قال يهجوه ( نُبِّئت أشقرَ تَهْجُونا فقلتُ لهمْ ... ما كنتُ أحسبهمْ كانوا ولا خلقوا ) ( لا يَكْثُرونَ وإن طالت حياتُهُم ... ولو يبول عليهمْ ثعلبٌ غَرِقُوا ) ( قومٌ من الحَسَبِ الأدنى بمنزلةٍ ... كالفَقْعِ بالقاع لا أصْلٌ ولا وَرَقُ ) ( إنَّ الأشاقرَ قد أَضْحَوْا بمنزلة ... لو يُرْهَنُون بنَعْلَيْ عبدِنا غَلِقوا ) قال وقال فيه أيضا ( هل تسمَع الأَزْدَ ما يقال لها ... في ساحة الدَّار أم بها صَمَمُ ) ( اِختَتَنَ القومُ بعد ما هَرِمُوا ... واستعرَبُوا ضَلَّةً وهمْ عَجَمُ ) قال فشكاه كعب إلى المهلب وأنشده هذين البيتين وقال والله ما عنى بهما غيرك ولقد عم بالهجاء قومك فقال المهلب أنت أسمعتنا هذا وأطلقت لسانه فينا به وقد كنت غنيا عن هجاء عبد القيس وفيهم مثل زياد فاكفف عن ذكره فإنك أنت بدأته ثم دعا بزياد فعاتبه فقال أيها الأمير اسمع ما قال في وفي قومي فإن كنت ظلمته فانتصر وإلا فالحجة عليه ولا حجة على امرىء انتصر لنفسه وحسبه وعشيرته وأنشده قول كعب فيهم ( لعلًّ عُبيدَ القيسِ تَحسَب أنَّها ... كتغلبَ في يوم الحفيظةِ أو بَكرِ ) ( يُضعْضِعُ عبدَ القيسِ في النَّاس مَنصِب ... دنيءٌ وأحسابٌ جُبِرْنَ على كَسْرِ ) ( إذا شاع أمرُ الناس وانشقَّت العصا ... فإنَّ لُكَيْزاً لا تَرِيشُ ولا تَبْرى ) فقال المهلب قد قلت له أيضا قال لا والله ما انتصرت ولولاك ما قصرت وأي انتصار في قولي له ( يا أيُّها الجاهِلُ الجاري ليُدْرِكَنِي ... أقْصِرْ فإنَّكَ إن أدركتَ مصروعُ ) ( يا كعبُ لا تَكُ كالعَنْزِ الَّتي بَحَثتْ ... عن حَتْفِهَا وجَنابُ الأرض مَرْبُوعُ ) وقولي ( لئن نصبتَ لي الرَّوْقين مُعْترِضاً ... لأرمينَّكَ رَمْياً غيرَ ترفيعِ ) ( إنَّ المآثر والأحسابَ أورثنِي ... منها المَجاجيعُ ذِكْراً غيرَ مَوْضُوعِ ) هجاؤه لعمرو بن عبد القيس يعني مجاعة بن مرة الحنفي ومجاعة بن عمرو بن عبد القيس فأقسم عليهما المهلب أن يصطلحا فاصطلحا وتكافا ومما هجا كعب الأشقري عبد القيس به قوله ( ثَوَى عامين في الجِيَفِ اللَّواتي ... مطرَّحة على باب الفصيلِ ) ( أحَبُّ إليَّ من ظِلٍّ وكنٍّ ... لعبد القيس في أصل الفَسِيلِ ) ( إذا ثارَ الفُساءُ بهمْ تَغَنَّوْا ... ألم تَربَعْ على الدِّمَن المُثولِ ) ( تَظَلُّ لها ضَباباتٌ علينا ... موانِعُ من مَبِيتٍ أو مَقِيلِ ) قال أبو الفرج ونسخت من كتاب للنضر بن حديد كانت ربيعة واليمن متحالفة فكان المهلب وابنه يزيد ينزلان هاتين القبيلتين في محلتهما فقال كعب الأشقري ليزيد ( لا ترجوَنَّ هِنائيّاً لصالِحةٍ ... واجعلهمُ وهَداداً أسوةَ الحُمُرِ ) ( حَيَّانِ ما لهما في الأَزْدِ مأثُرَةٌ ... غيرُ النَّواكة والإفراطِ في الَهذَرِ ) ( واجعل لُكَيْزاً وراء الناس كلِّهم ... أهلَ الفُساءِ وأهلَ النَّتْنِ والقّذَرِ ) ( قومٌ علينا ضَبابٌ من فُسائهمُ ... حتى ترانا له ميداً من السُّكُرِ ) ( أبلغ يزيدَ بأنّا ليس يَنْفَعُنَا ... عيشٌ رَغِيدٌ ولا شيءٌ من العِطرِ ) ( حتى تُحِلَّ لُكَيْزاً فوق مَدْرَجةٍ ... من الرِّياح على الأحياء مِنْ مُضَرِ ) ( لِيَأخُذُوا لنزار حَظَّ سُبَّتِها ... كما أخذنا بحظّ الحِلْف والصِّهِرِ ) شعره في المهلب أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثنا أبي قال كتب الحجاج بن يوسف إلى المهلب يأمره بمناجزة الأزارقة ويستبطئه ويضعفه ويعجزه في تأخيره أمرهم ومطاولتهم فقال المهلب لرسوله قل له إنما البلاء أن الأمر إلى من يملكه لا إلى من يعرفه فإن كنت نصبتني لحرب هؤلاء القوم على أن أدبرها كما أرى فإن أمكنتني الفرصة انتهزتها وإن لم تمكني توقفت فأنا أدبر ذلك بما يصلحه وإن أردت مني أن أعمل وأنا حاضر برأيك وأنت غائب فإن كان صوابا فلك وإن كان خطأ فعلي فابعث من رأيت مكاني وكتب من فوره بذلك إلى عبد الملك فكتب إليه عبد الملك لا تعارض المهلب فيما يراه ولا تعجله ودعه يدبر أمره وقام الأشِقري إلى المهلب فأنشده بحضرة رسول الحجاج ( إن ابنَ يوسف غرَّه من غزوِكُمْ ... خفضُ المُقام بجانب الأمصارِ ) ( لو شاهَدَ الصَّفَّين حين تَلاَقيا ... ضاقت عليه رَحِيبةُ الأقطارِ ) ( من أرض سابُورِ الجُنودِ وخَيْلُنَا ... مثْلُ القِداحِ بَرَيْتَها بشفار ) ( من كلّ خنذيذ يُرَى بلبانهِ ... وقْعُ الظُّباةِ مع القنا الخَطَّار ) ( ورأى معاودَة الرِّباعِ غنيمةً ... أزمانَ كان محالفَ الإقتارِ ) ( فدع الحروبَ لشِيبها وشَبابها ... وعليك كلَّ خريدةٍ مِعطارِ ) فبلغت أبياته الحجاج فكتب إلى المهلب يأمره بإشخاص كعب الأشقري إليه فأعلم المهلب كعبا بذلك وأوفده إلى عبد الملك من تحت ليلته وكتب إليه يستوهبه منه فقدم كعب على عبد الملك واستنشده فأعجبه ما سمع منه فأوفده إلى الحجاج وكتب إليه يقسم عليه أن يعفو عنه ويعرض عما بلغه من شعره فلما وصل إليه ودخل عليه قال إيه يا كعب ( ورَأَى معاوَدَة الرِّباعِ غنيمةً ... ) فقال له أيها الأمير والله لقد وددت في بعض ما شاهدته في تلك الحروب وأزماتها وما يوردناه المهلب من خطرها أن أنجو منها وأكون حجاما أو حائكا فقال له الحجاج أولى لك لولا قسم أمير المؤمنين لما نفعك ما أسمع فالحق بصاحبك ورده من وقته شعره حين هرب إلى عمان قال أبو الفرج ونسخت من كتاب النضر بن حديد لمّا عزل يزيد بن المهلب عن خراسان ووليها قتيبة بن مسلم مدحه كعب الأشقري ونال من يزيد وثلبه ثم بلغته ولاية يزيد على خراسان فهرب إلى عمان على طريق الطبسين وقال ( وإنِّي تاركٌ مَرْواً ورائي ... إلى الطَّبَسَيْنِ معتامٌ عُمانا ) ( لآوِي معقِلاً فيها وحِرْزاً ... فَكُنَّا أهل ثروتها زمانا ) فأقام بعمان مدة ثم اجتواها وساءت حاله بها فكتب إلى المهلب معتذرا ( بئس التبدُّل من مَرْوٍ وساكِنِها ... أرضُ عمانَ وسُكنَى تحت أطوادِ ) ( يُضحِي السحابُ مَطيراً دونَ مُنصِفها ... كأنَّ أجبالَها غُلَّت بفِرصادِ ) ( يا لهف نفسي على أمرٍ خطِلت به ... وما شفيتُ به غِمْري وأحقادي ) ( أفنيتُ خمسين عاماً في مديحكُم ... ثم اغتررتُ بقول الظالم العادي ) ( أبلغ يزيدَ قرينَ الجُود مألُكةً ... بأنَّ كعباً أسيرٌ بين أصفادِ ) ( فإن عفوتَ فبيتُ الجودِ بيتُكُم ... والدهرُ طَوْران من غَيٍّ وإرشادِ ) ( وإن مننْتَ بصفحٍ أو سمحتَ به ... نزعتُ نحوَكَ أطنابي وأوتادي ) وذكر المدائني أن يزيد بن المهلب حبسه ودس إليه ابن أخ له فقتله شعره في مقتل بني الأهتم قال أبو الفرج ونسخت من كتاب النضر أيضا أن الحجاج كتب إلى يزيد بن المهلب يأمره بقتل بني الأهتم فكتب إليه يزيد إن بني الأهتم أصحاب مقال وليسوا بأصحاب فعال فلا تقدر أن نحدث فيهم ضررا وفي قتلهم عار وسبة واستوهبهم منه فتغافل عنهم ثم انضموا إلى المفضل بن المهلب فكتب إليه الحجاج يأمره بقتلهم فكتب إليه بمثل ما كتب به أخوه فأعفاهم ثم ولى قتيبة بن مسلم فخرجوا إليه والتقوا معه وذكروا بني المهلب فعابوهم فقبلهم قتيبة واحتوى عليهم فكانوا يغرون الجند عليه ويحملونهم على سوء الطاعة فكتب يشكوهم إلى الحجاج فكتب إليه يأمره بقتلهم جميعا فقال كعب الأشقري في ذلك ( قل للأهاتم من يَعُود بفضْلِهِ ... بعد المفضَّل والأغَرِّ يزيدِ ) ( رَدَّا صحائفَ حَتْفِكم بمعاذِرٍ ... رجعتْ أشائمَ طيرِكم بسعودِ ) ( رَدَّا على الحجّاج فيكمْ أمرَه ... فجزَيتُم إحسانَه بجحودِ ) ( فاليوم فاعتبروا فَعالَ أخيكُم ... إنَّ القياس لجاهل ورشيدِ ) قال أبو الفرج ونسخت من كتابه أيضا قال ولى يزيد بن المهلب رجلا من اليحمد يقال له عمرو بن عمير الزم فلقيه كعب الأشقري فقال له أنت شيخ من الأزد يوليك الزم ويولي ربيعة الأعمال السنية وأنشده ( لقد فَازَتْ ربيعةُ بالمعالي ... وفازَ اليَحْمَدِيُّ بعَهْدِ زَمِّ ) ( فإن تَكُ راضياً منهمْ بهذا ... فزادَكَ ربُّنا غمّاً بِغَمِّ ) ( إذا الأزْدِيُّ وضَّحَ عارِضَاهُ ... وكانت أُمُّهُ مِنْ حِيِّ جَرْمِ ) ( فَثَمَّ حماقَةٌ لا شكّ فيها ... مُقَابلةٌ فمن خالٍ وعَمِّ ) فرد اليحمدي عهد يزيد عليه فحلف لا يستعمله سنة فلما أجحفت به المؤونة قال لكعب ( لو كنتَ خلّيتَنِي يا كعبُ متّكئاً ... في دُور زَمَّ لما أقفرتُ مِن عَلفِ ) ( ومن نبيذٍ ومن لحمٍ أُعَلُّ به ... لكنَّ شِعرَك أمرٌ كان من حِرفِي ) ( إنَّ الشقيَّ بمروٍ من أقام بها ... يُقارع السُّوقَ من بَيْع ومن حَلِفِ ) أخبرني أبو الحسن الأسديّ قال حدثني الرياشي عن الأصمعي قال قال كعب الأشقري يهجو زيادا الأعجم ( وأقلفَ صلَّى بعد ما ناكَ أُمَّه ... يرى ذاك في دِين المَجوس حَلالا ) فقال له زياد يابن النمامة أهي أخبرتك أني أقلف فغلبه زياد والقصيدة التي أولها ( طربتُ وهاج لي ذاك ادّكارا ... ) أبيات له فيها غناء وفيه الغناء المذكور بذكره خبر كعب الأشقري يمدح بها المهلب بن أبي صفرة ويذكر قتاله الأزارقة وفيها يقول بعد الأبيات الأربعة التي فيها الغناء ( غَرِضْنَ بمجلسي وكرِهْنَ وَصْلِي ... أوانَ كُسِيتُ من شَمَطٍ عِذارا ) ( زَرَيْنَ عليَّ حين بَدَا مَشِيبي ... وصارت ساحَتِي للهمِّ دارا ) ( أتاني والحديثُ له نَماءٌ ... مقالةُ جائر أحفى وجارا ) ( سلوا أهلَ الأباطِحِ من قريشٍ ... عن العزِّ المؤبَّدِ أين صارا ) ( ومَنْ يحمي الثغورَ إذا استحرَّت ... حروبٌ لا يَنون لها غِرارا ) ( لقومي الأزد في الغَمَرات أمضي ... وأوفَى ذِمَّةً وأعزُّ جارا ) ( هُم قادوا الجِيادَ على وَجَاها ... من الأمصارِ يقذِفْنَ المِهارا ) ( بكلِّ مفازة وبكلِّ سَهْبٍ ... بَسابِسَ لا يَرَوْنَ لها مَنارا ) ( إلى كرمانَ يحملن المنايا ... بكلِّ ثنيّة يوقِدن نارا ) ( شوازب لم يصبن الثار حتى ... رددناها مكلَّمةً مِرارا ) ( ويشجرن العوالي السُّمْر حتَّى ... تَرَى فيها عن الأَسَلِ ازوِرارا ) ( غداة تركن مصرعَ عبدَ ربٍّ ... يُثِرْنَ عليه من رَهَجٍ عِصارا ) ( ويوم الزحف بالأهواز ظِلْنا ... نروِّي منهمُ الأسَل الحِرارا ) ( فقرَّت أعيُنٌ كانت حديثاً ... ولم يك نومها إلا غِرارا ) ( صنائعنا السَّوابغ والمذَاكي ... ومَن بالمِصر يحتلب العِشارا ) ( فهنَّ يبحن كلَّ حِمًى عزيزٍ ... ويَحمين الحقائقَ والذِّمارا ) ( طُوالاَتُ المُتونِ يُصَنَّ إلا ... إذا سار المهلَّب حيث سارا ) ( فلولا الشَّيخ بالمِصْرَيْن يَنْفِي ... عدوَّهُم لقد تَركوا الديارا ) ( ولكنْ قارع الأبطالَ حتى ... أصابوا الأمنَ واجتنبوا الفرارا ) ( إذا وَهَنوا وحَلَّ بهمْ عظيم ... يَدُقُّ العظمَ كان لهمْ جبارا ) ( ومُبْهَمَةٍ يحيد الناسُ عنها ... تَشُبُّ الموتَ شدَّ لها الإزارا ) ( شِهابٌ تنجلي الظَّلماء عنه ... يَرى في كلِّ مبهمة منارا ) ( بل الرحمنُ جارُك إذ وَهَنَّا ... بِدفعِكَ عن محارِمِنا اخْتِيَارا ) ( بَراك اللهُ حين بَراك بَحْرا ... وفجَّر منك أنهاراً غِزَارا ) وقد مضت هذه الأبيات متقدمة فيما سلف من أخبار كعب وشعره أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال حدثني العمري عن العتبي قال قال عبد الملك بن مروان يا معشر الشعراء تشبهوننا بالأسد الأبخر والجبل الوعر والملح الأجاج ألا قلتم كما قال كعب الأشقري في المهلب وولده ( لقد خاب أقوامٌ سَرَوْا ظُلَمَ الدُّجَى ... يَؤُمُّونَ عَمراً ذا الشعيرِ وذا البُرِّ ) ( يؤمُّونَ من نال الغِنَى بعد شَيْبِه ... وقاسى وليداً ما يقاسي ذوو الفقرِ ) ( فقل لِلجيم يا لبكر بنِ وائل ... مقالةَ من يَلحَى أخاه ومن يُزْرِي ) ( فلو كنتُم حيّاً صميماً نَفَيْتُم ... بخيلكمُ بالرَّغم منه وبالصُّغْرِ ) ( ولكنَّكم يا آل بكر بنِ وائلٍ ... يسودُكُم من كان في المالِ ذا وَفْرِ ) ( هو المانع الكلبَ النُّباحَ وَضَيْفُهُ ... خَمِيصُ الحَشَا يَرعَى النُّجومَ التي تَسْرِي ) سبب هجائه لأخيه قال وكان بين كعب وبين ابن أخيه هذا تباعد وعداوة وكانت أمه سوداء فقال يهجوه ( إنَّ السواد الذي سُرْبِلت تعرفه ... ميراث جَدِّك عن آبائه النُّوبِ ) ( أشبهتَ خالَكَ خالَ اللؤمِ مؤتَسِياً ... بِهَدْيِهِ سالكاً في شرِّ أُسْلُوبِ ) قال المدائني في خبره وكان ابن أخي كعب هذا عدوا له يسعى عليه فلما سأل مجزأة بن زياد بن المهلب أباه في كعب فخلاه دس إليه زياد بن المهلب ابن أخيه الشاعر وجعل له مالا على قتله فجاءه يوما وهو نائم تحت شجرة فضرب رأسه بفأس فقتله وذلك في فتنة يزيد بن المهلب وهو بعمان يومئذ وكان لكعب أخ غير أخيه الذي قتله ابنه فلما قتل يزيد بن المهلب فرق مسلمة بن عبد الملك أعماله على عمال شتى فولى البصرة وعمان عبد الرحمن بن سليمان الكلبي فاستخلف عبد الرحمن على عمان محمد بن جابر الراسبيّ فأخذ أخو كعب الباقي ابن أخيه الذي قتل كعبا فقدمه إلى محمد بن جابر وطلب القود منه بكعب فقيل له قتل أخوك بالأمس وتقتل قاتله وهو ابن أخيك اليوم وقد مضى أخوك وانقضى فتبقى فردا كقرن الأعضب فقال نعم إن أخي كعبا كان سيدنا وعظيمنا ووجهنا فقتله هذا وليس فيه خير ولا في بقائه عز ولا هو خلف من كعب فأنا أقتله به فلا خير في بقائه بعد كعب فقدّمه محمد بن جابر فضرب عنقه والله أعلم مدح قتيبة بن مسلم وهجاء يزيد بن المهلب أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن الهيثم قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي ولقيط وغيرهما قالوا حاصر يزيد بن المهلب مدينة خوارزم في أيام ولايته فلم يقدر على فتحها واستصعب عليه ثم عزل وولي قتيبة بن مسلم فزحف إليها فحاصرها ففتحها فقال كعب الأشقري يمدحه ويهجو يزيد بن المهلب بقوله ( رمتكَ فِيلٌ بما فيها وما ظَلَمَتْ ... من بعد ما رامها الفَجْفاجَةُ الصَّلِفُ ) ( قيسٌ صريحٌ وبعضُ الناس يجمعهمْ ... قُرًى ورِيفٌ ومنسوبٌ ومُقترفُ ) ( منهم شُناسٌ ومَرْداذَاءُ نَعْرِفُه ... وفَسْخَراء قبورٌ حَشْوُها القُلُفُ ) ( لم يركَبُوا الخيلَ إلا بعدما هَرِموا ... فهمْ ثِقالٌ على أكتافها عُنُفُ ) قال الفيل الذي ذكره هو حصن خوارزم يقال له الكهندر والكهندر الحصن العتيق والفجفاجة الكثير الكلام وشناس اسم أبي صفرة فغيره وتسمى ظالما ومرداذاء أبو أبي صفرة وسموه بسراق لما تعربوا وفسخراء جده وهم قوم من الخوز من أهل عمان نزلوا الأزد ثم ادعوا أنهم صليبة صرحاء منهم صوت ( لأسماءَ رسمٌ أصبح اليومَ دارساً ... وقفتُ به يوماً إلى الليل حابِسا ) ( فجئنا بهيتٍ لا نرى غيرَ منزِلٍ ... قليل به الآثارُ إلاَّ الروامِسَا ) ( يدورون بي في ظلِّ كلِّ كنيسةٍ ... فينسُونَنِي قومي وأهوَى الكنائِسَا ) البيت الأول من الشعر للعباس بن مرداس السلمي وبيت العباس مصراعه الثاني ( توهّمتُ منه رَحْرَحَانَ فراكِسا ... ) وغيره يزيد بن معاوية فقال مكان هذا المصراع ( وقفتُ به يوماً إلى الليل حابِسا ... ) والبيت الثاني للعباس بن مرداس والثالث ليزيد بن معاوية ذكر بعض الرواة أنه قاله على هذا الترتيب وأمر بديحا أن يغني فيه ففعل ولم يأت ذلك من جهة يوثق بها والصحيح أن الغناء لمالك خفيف ثقيل بالبنصر عن الهشامي ويحيى المكي وهذا صوت زعموا أن مالكا صنعه على لحن سمعه من الرهبان أخبرني الحسن بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أحمد المكي عن أبيه عن سياط أن مالكا دخل مع الوليد بن يزيد ديرا فسمع لحنا من بعض الرهبان فاستحسنه فصنع عليه ( ليس رسمٌ على الدَّفينِ ببالي ... ) فلما غناه الوليد قال له الأول أحسن فعد إليه اللحن الثاني الذي لمالك ثقيل بالبنصر عن الهشامي وعمرو وأوله ( دَرَّ دَرُّ الشَّباب والشعرِ الأسوَد ... ِ والضامراتِ تحت الرحالِ ) ( والخناذيذ كالقداح من الشوحط ... يحملن شِكّة الأبطالِ ) أخبار العباس بن مرداس ونسبه العباس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثة بن عبد قيس بن رفاعة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار ويكنى أبا الهيثم وإياه يعني أخوه سراقة بقوله يرثيه ( أعَيْن ألا أبكي أبا الهَيْثَمِ ... وأَذْرِي الدموعَ ولا تسأمي ) وهي أبيات تذكر في أخباره وأمه الخنساء الشاعرة بنت عمرو بن الشريد وكان العباس فارسا شاعرا شديد العارضة والبيان سيدا في قومه من كلا طرفيه وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ووفد إلى النبي فلما أعطى المؤلفة قلوبهم فضل عليه عيينة بن حصن والأقرع بن حابس فقام وأنشده شعرا قاله في ذلك فأمر بلالا فأعطاه حتى رضي وخبره في ذلك يأتي بعد هذا الموضع والله أعلم خبره مع صنمه ضمار أخبرني محمد بن جرير الطبري قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن منصور بن المعتمر عن قبيصة عن عمرو والخزاعي عن العباس بن مرداس بن أبي عامر أنه قال كان لأبي صنم اسمه ضمار فلما حضره الموت أوصاني به وبعبادته والقيام عليه فعمدت إلى ذلك الصنم فجعلته في بيت وجعلت آتيه في كل يوم وليلة مرة فلما ظهر أمر رسول الله سمعت صوتا في جوف الليل راعني فوثبت إلى ضمار فإذا الصوت في جوفه يقول ( قل للقبائل من سُليمٍ كلِّها ... هلَكَ الأَنِيسُ وعاشَ أهلُ المسجدِ ) ( إن الذي وَرِث النبوّة والهدى ... بعد ابن مريمَ من قريشٍ مهتدي ) ( أودَى الضِّمارُ وكان يعبَدُ مَرَّةً ... قبل الكتابِ إلى النبيّ محمدِ ) قال فكتمت الناس ذلك فلم أحدث به أحدا حتى انقضت غزوة الأحزاب فبينا أنا في إبلي في طرف العقيق وأنا نائم إذ سمعت صوتا شديدا فرفعت رأسي فإذا أنا برجل على حيالي بعمامة يقول إن النور الذي وقع بين الاثنين وليلة الثلاثاء مع صاحب الناقة العضباء في ديار بني أخي العنقاء فأجابه طائف عن شماله لا ابصره فقال بشر الجن وأجناسها أن وضعت المطي أحلاسها وكفت السماء أحراسها وأن يغص السوق أنفاسها قال فوثبت مذعورا وعرفت أن محمدا رسول الله مصطفى فركبت فرسي وسرت حتى انتهيت إليه فبايعته وأسلمت وانصرفت إلى ضمار فأحرقته بالنار خرج إلى النبي وأسلم وقال أبو عبيدة كانت تحت العباس بن مرداس حبيبة بنت الضحاك بن سفيان السلمي أحد بني رعل بن مالك فخرج عباس حتى انتهى إلى إبله وهو يريد النبي فبات بها فلما أصبح دعا براعيه فأوصاه بإبله وقال له من سألك عني فحدثه أني لحقت بيثرب ولا أحسبني إن شاء الله تعالى إلا آتياً محمدا وكائنا معه فإني أرجو أن نكون برحمة من الله ونور فإن كان خيرا لم أسبق إليه وإن كان شرا نصرته لخؤولته على أني قد رأيت الفضل البين وكرامة الدنيا والآخرة في طاعته ومؤازرته واتباعه ومبايعته وإيثار أمره على جميع الأمور فإن مناهج سبيله واضحة وأعلام ما يجيء به من الحق نيرة ولا أرى أحدا من العرب ينصب له إلا أعطي عليه الظفر والعلو وأراني قد ألقيت علي محبة له وأنا باذل نفسي دون نفسه أريد بذلك رضا إله السماء والأرض قال ثم سار نحو النبي وانتهى الراعي نحو إبله فأتى امرأته فأخبرها بالذي كان من أمره ومسيره إلى النبي فقامت فقوضت بيتها ولحقت بأهلها فذلك حيث يقول عباس بن مرداس حين أحرق ضمارا ولحق بالنبي ( لَعَمْرِي إنِّي يومَ أَجْعَلُ جاهداً ... ضِماراً لربِّ العالمين مُشارِكَا ) ( وتركي رسول الله والأَوسُ حوله ... أولئك أنصار له ما أولئكا ) ( كتارك سهلِ الأرضِ والحزن يبتغي ... ليَسلُك في غيب الأمور المسالكا ) ( فآمنتُ بالله الَّذي أنا عبدُه ... وخالفتُ من أَمسَى يريد الممالكا ) ( وَوجَّهتُ وجهي نحو مكَّة قاصداً ... وتابعت بين الأخشبين المبَارِكا ) ( نبيٌّ أتانا بعدَ عيسى بناطق ... من الحقّ فيه الفضل منه كذلكا ) ( أميناً على الفرقان أوّل شافع ... وآخر مبعوث يجيب الملائكا ) ( تَلافَى عُرا الإسلام بعد انفصامها ... فأحكَمَها حتَّى أقام المَناسِكا ) ( رأيتك يا خير البريّة كلّها ... توسَّطتَ في القربى من المجد مالكا ) ( سبقتَهُم بالمجد والجُود والعُلا ... وبالغاية القصوى تَفوت السَّنابكا ) ( فأنتَ المصفَّى من قريش إذا سمتْ ... غَلاصِمُها تبغي القُروم الفواركا ) قال فقدم عباس على رسول الله المدينة حيث أراد المسير إلى مكة عام الفتح فواعد رسول الله قديدا وقال القني أنت وقومك بقديد فلما نزل رسول الله قديدا وهو ذاهب لقيه عباس في ألف من بني سليم ففي ذلك يقول عباس بن مرداس ( بلِّغْ عبادَ الله أنَّ محمداً ... رسولَ الإله راشد أين يمّما ) ( دعا قومَه واستنصر اللهَ ربَّه ... فأصبح قد وافَى الإله وأنعما ) ( عشيّة واعدنا قُدَيداً محمَّداً ... يؤُم بنا أمراً من الله مُحكَما ) ( حلفت يميناً بَرَّةً لمحمَّد ... فأوفيته ألفاً من الخيل مُعلَما ) ( سرايَا يراها الله وهو أميرُها ... يؤم بها في الدِّين من كان أظلَما ) ( على الخيل مشدوداً علينا دُروعُنا ... وخيلاً كدُفَّاع الأَتِيِّ عرمرما ) ( أطعناك حتَّى اسلم الناس كلهم ... وحتَّى صبَحْنا الخيلَ أهل يَلَمْلَما ) وهي قصيدة طويلة ارتحلت زوجته عنه بعد إسلامه قال ولما عرف راعي العباس بن مرداس زوجته بنت الضحاك بن سفيان خبره وإسلامه قوضت بيتها وارتحلت إلى قومها وقالت تؤنبه ( ألم ينه عباس بنِ مِرْداسَ أنَّني ... رأيت الورى مخصوصةً بالفجائِع ) ( أتاهمْ من الأنصار كلُّ سَمَيْذعٍ ... من القوم يَحمِي قومَه في الوقائِع ) ( بكلّ شديد الوَقْع عَضْب يقودُه ... إلى الموت هامُ المُقربات البرائع ) ( لَعَمري لئن تابعت دينَ محمد ... وفارقت إخوانَ الصَّفا والصنائع ) ( لبدَّلت تلك النفسَ ذلاً بعِزَّة ... غداةَ اختلاف المُرهَفات القواطع ) ( وقوم هم الرأس المقدَّم في الوغى ... وأهلُ الحِجا فينا وأهلُ الدَّسائع ) ( سيوفُهُم عزُّ الذَّليل وخيلُهمْ ... سِهامُ الأعادي في الأمور الفظائع ) خبر توزيع الغنائم من قبل النبي فأخبرني أحمد بن محمد بن الجعد قال حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب وأخبرني عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان الثقفي قال حدثنا داود بن عمرو الضبي قال حدثنا محمد بن راشد عن ابن اسحاق وحدثنيه محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق وقد دخل حديث بعضهم في حديث بعض أن رسول الله قسم غنائم هوازن فأكثر العطايا لأهل مكة وأجزل القسم لهم ولغيرهم ممن خرج إلى حنين حتى إنه كان يعطي الرجل الواحد مائة ناقة والآخر ألف شاة وزوى كثيرا من القسم عن أصحابه فأعطى الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن والعباس بن مرداس عطايا فضل فيها عيينة والأقرع على العباس فجاءه العباس فأنشده ( وكانت نِهاباً تلافيتُها ... بِكَرِّي على المُهْر في الأجرَعِ ) ( وإيقاظِي الحيَّ أن يرقُدوا ... إذا هجع القومُ لم أَهجَعِ ) ( فأصبحَ نَهبِي وَنهبُ العبيدِ ... بين عُيينةَ والأقرعِ ) ( وقد كنتُ في الحرب ذا تُدْرَإٍ ... فلم أُعطَ شيئاً ولم أُمنَعِ ) ( وما كان حصنٌ ولا حابسٌ ... يفوقان مرداسَ في مجمع ) ( وما كُنْت دون امرئ منهما ... ومن تضع اليومَ لا يُرفع ) فبلغ قوله رسول الله فدعاه فقال له أنت القائل أصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي يا رسول الله لم يقل كذلك ولا والله ما أنت بشاعر ولا ينبغي لك الشعر وما أنت براويه قال فكيف قال فأنشده أبو بكر رضي الله عنه فقال هما سواء لا يضرك بأيهما بدأت بالأقرع أم بعيينة فقال رسول الله اقطعوا عني لسانه وأمر بأن يعطوه من الشاء والنعم ما يرضيه ليمسك فأعطي قال فوجدت الأنصار في أنفسها وقالوا نحن أصحاب موطن وشدة فآثر قومه علينا وقسم قسماً لم يقسمه لنا وما نراه فعل هذا الا وهو يريد الإقامة بين أظهرهم فلما بلغ قولهم رسول الله أتاهم في منزلهم فجمعهم وقال من كان ها هنا من غير الأنصار فليرجع إلى أهله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا معشر الأنصار قد بلغتني مقالة قلتموها وموجدة وجدتموها في أنفسكم ألم آتكم ضلالا فهداكم الله قالوا بلى قال ألم آتكم قليلاً فكثركم الله قالوا بلى قال ألم آتكم أعداء فألف الله بين قلوبكم قالوا بلى قال محمد بن إسحاق وحدثني يعقوب بن عيينة أنه قال ألم آتكم وأنتم لا تركبون الخيل فركبتموها قالوا بلى قال أفلا تجيبون يا معشر الأنصار قالوا لله ولرسوله علينا المن والفضل جئتنا يا رسول الله ونحن في الظلمات فأخرجنا الله بك إلى النور وجئتنا يا رسول الله ونحن على شفا حفرة من النار فأنقذنا الله وجئتنا يا رسول الله ونحن أذلة قليلون فأعزنا الله بك فرضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا فقال أما والله لو شئتم لأجبتموني بغير هذا فقلتم جئتنا طريدا فآويناك ومخذولا فنصرناك وعائلا فأغنيناك ومكذبا فصدقناك وقبلنا منك ما رده عليك الناس لقد صدقتم فقال الأنصار لله ولرسوله علينا المن والفضل ثم بكوا حتى كثر بكاؤهم وبكى رسول الله وقال يا معشر الأنصار وجدتم في أنفسكم في الغنائم أن آثرت بها ناسا أتألفهم على الإسلام ليسلموا ووكلتكم إلى الإسلام أولا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والإبل وترجعوا برسول الله إلى رحالكم والذي نفس محمد بيده لو سلك الناس شعبا وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار ولولا الهجرة لكنت آمرأ من الأنصار ثم بكى القوم ثانية حتى أخضلوا لحاهم وقالوا رضينا يا رسول الله بالله وبرسوله حظا وقسما وتفرق القوم راضين وكانوا بما قال لهم رسول الله أشد اغتباطا من المال وقال أبو عمرو الشيباني في هذا الخبر أعطى رسول الله جماعة من أشراف العرب عطايا يتألف بها قلوبهم وقومهم على الإسلام فأعطى كل رجل من هؤلاء النفر وهم أبو سفيان بن حرب وابنه معاوية وحكيم بن حزام والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى وصفوان بن أمية والعلاء بن حارثة الثقفي حليف بني زهرة وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى كل واحد من مخرمة بن نوفل وعمير بن وهب أحد بني عامر بن لؤي وسعيد بن يربوع ورجلا من بني سهم دون ذلك ما بين الخمسين وأكثر وأقل وأعطى العباس بن مرداس أباعر فتسخطها وقال الأبيات المذكورة فأعطاه حتى رضي حدثنا وكيع قال حدثنا الكراني قال حدثنا عطاء بن مصعب عن عاصم بن الحدثان قال كتب عبد الملك بن مروان إلى عبد الله بن الزبير كتابا يتوعده فيه وكتب فيه ( إني لَعِندَ الحرب تحمل شِكَّتي ... إلى الرَّوْع جَرْداء السَّيَالة ضامرُ ) والشعر للعباس بن مرداس فقال ابن الزبير أبالشعر يقوي علي والله لا أجيبه إلا بشعر هذا الرجل فكتب إليه ( إذا فُرِس العَوالي لم يخالجْ ... هُمومي غير نصرٍ واقترابِ ) ( وإنّا والسَّوابح يومَ جُمْعٍ ... وما يتلو الرسول من الكتاب ) ( هزمْنا الجمعَ جمعَ بني قِسِيٍّ ... وحكّت بَرْكَها ببني رِئاب ) هذه الأبيات من قصيدة يفخر فيها العباس برسول الله ونصره له وفيها يقول ( بذي لَجب رسولُ الله فيه ... كتيبتُه تعرَّضُ للضِّراب ) ( ولو أدركن صِرم بني هلالٍ ... لآمَ نساؤهمْ والنَّقْع كابي ) خبر مقتل أخيه هريم قال أبو عبيدة وكان هريم بن مرداس مجاورا في خزاعة في جوار رجل منهم يقال له عامر فقتله رجل من خزاعة يقال له خويلد وبلغ ذلك أخاه العباس بن مرداس فقال يحض عامرا على الطلب بثأر جاره فقال ( إذا كان باغٍ منك نالَ ظُلامةً ... فإنَّ شفاء البغي سيفُك فافصِلِ ) ( ونبّئت أن قد عوّضوك أباعراً ... وذلك للجيران غزل بمغزل ) ( فخذها فليست للعزيز بنُصرةٍ ... وفيها متاعٌ لامرئ متدلِّل ) وهذا البيت الأخير كتب به الوليد بن عقبة إلى معاوية لما دعاه علي عليه السلام إلى البيعة وتحدث الناس أنه وعده أن يوليه الشام إذا بايعه قال فلما بلغته هذه الأبيات آلى لا يصيب رأسه ولا جسده ماء بغسل حتى يثأر بهريم ثم إن أبا حليس النصري لقي خويلدا قاتل هريم فقتله فقال بنو نصر بؤ بدم فلان النصري كانت خزاعة قتلته فقال أبو الحليس لا بل هو بؤ بدم هريم بن مرداس وبلغ العباس فقال يمدحه بقوله ( أتاني من الأنباء أنّ ابنَ مالكٍ ... كفى ثائراً من قومه مَن تغَبَّبَا ) ( ويَلقاك ما بين الخَميس خُويلدٌ ... أرى عَجَباً بل قتله كان أعجبا ) ( فِدًى لك أمِّي إذ ظَفِرتَ بقتلِه ... وأقسم أبغي عنك أمّاً ولا أبا ) ( فمثلُكَ أدَّى نُصرةَ القوم عَنوةً ... ومثلُك أعيا ذا السّلاح المجرّبَا ) شعره في خروجه لحرب بني نصر قال أبو عبيدة أغارت بنو نصر بن معاوية على ناحية من أرض بني سليم فبلغ ذلك العباس بن مرداس فخرج إليهم في جمع من قومه فقاتلهم حتى أكثر فيهم القتل وظهرت عليهم بنو سليم وأسروا ثلاثين رجلا منهم وأخذت بنو نصر فرسا للعباس عائرة يقال لها زرة فانطلق بها عطية بن سفيان النصري وهو يومئذ رئيس القوم فقال في ذلك العباس ( أبى قومنا إلا الفرارَ ومن تكن ... هوازنُ مولاه من الناس يُظلِم ) ( أغار علينا جمعُهمْ بين ظالمٍ ... وبين ابنِ عمٍّ كاذبِ الودٍّ أَيْهَم ) ( كلاب وما تفعل كلابٌ فإنَّها ... وكعب سراة البيت ما لم تهدَّم ) ( فإن كان هذا صُنعُكم فتجرَّدوا ... لألفين منَّا حاسرٍ ومُلأّم ) ( وحربٍ إذا المرء السَّمين تمرّستْ ... بأعطافه بالسيف لم يترمرم ) ( ولم أحتَسِبْ سُفيانَ حتى لقيتُه ... على مأقط إذ بيننا عِطر مَنْشِم ) ( فقلت وقد صاح النساء خلالَهمْ ... لخيلي شُدِّي إنهم قومُ لَهذَمِ ) ( فما كان تهليلٌ لُدن أن رميتُهم ... بزِرَّةَ رَكْضاً حاسِراً غيرَ مُلجَم ) ( إذا هي صدّت نحرَها عن رماحِهم ... أقدّمها حتى تَنعَّل بالدم ) ( وما زال منهم رائغٌ عن سبيلها ... وآخرُ يَهوِي لِليدين وللفم ) ( لَدُن غُدوةً حتى استُبيحوا عشيّةً ... وذَلّوا فكانوا لحْمَة المتلحِّم ) ( فآبوا بها عُرْفاً وألقَيتُ كَلْكَلي ... على بَطَل شاكي السِّلاح مكلَّم ) ( ولن يمنع الأقوام إلاَّ مُشايِحٌ ... يُطارد في الأرض الفضاء ويرتمي ) قال ثم إن العباس بن مرداس جمع الأسارى من بني نصر وكانوا ثلاثين رجلا فأطلقهم وظن أنهم سيثيبونه بفعله وأن سفيان سيرد عليه فرسه زرة فلم يفعلوا فقال في ذلك ( أزِرّة خيرٌ أم ثلاثون منكُم ... طليقاً رددناه إليكُمْ مسلَّما ) قال وجعل العباس يهجو بني نصر فبلغه أن سفيان بن عبد يغوث يتوعده في ذلك فلقيه عباس في المواسم فقال له سفيان والله لتنتهين أو لأصرمنك فقال عباس ( أتوعدني بالصَّرْم إن قلت اوفني ... فأوفِ وزِدْ في الصَّرِم لِهِزمَةَ النتن ) وقال العباس أيضا فيه ( ألا مَن مُبلغ سُفيانَ عنِّي ... وظنِّي أن سيبلغه الرسولُ ) ( ومولاه عطيّة أنّ قِيلاً ... خلا منِّي وأن قد بات قِيل ) ( سئمتمْ ربَّكمْ وكفرتموه ... وذلكُم بأرضكُم جميلُ ) ( ألا تُوفي كما أَوفَى شبيبٌ ... فحلّ له الولايةُ والشُّمول ) ( أبوه كان خيركم وفاءً ... وخيركم إذا حُمِد الجميلُ ) ( ألام على الهجاء وكلّ يوم ... تلاقيني من الجيران غول ) ( سأجعلها لأجَمعَكم شعاراً ... وقد يَمضي اللسان بما يقول ) وهذه الأبيات من شعر العباس بن مرداس التي ذكرنا أخباره بذكرها وفيه الغناء المنسوب من قصيدة قالها في غزاة غزاها بني زبيد باليمن شعره في خروجه على بني زبيد قال أبو عمرو وأبو عبيدة جمع العباس بن مرداس بن أبي عامر وكان يقال للعباس مقطع الأوتاد جمعا من بني سليم فيه من جميع بطونها ثم خرج بهم حتى صبح بني زبيد بتثليث من أرض اليمن بعد تسع وعشرين ليلة فقتل فيها عددا كثيرا وغنم حتى ملأ يديه فقال في ذلك ( لأسماءَ رسمٌ أصبح اليومَ دارساً ... وقفتُ به يوماً إلى اللَّيل حابسَا ) يقول فيها ( فدع ذا ولكنْ هل أتاك مَقادنا ... لأعدائنا نزجِي الثقالَ الكَوادِسا ) ( سموْنا لهم تسعاً وعشرين ليلةً ... نُجيزُ من الأعراض وَحشاً بَسابِسا ) ( فلم أر مِثلَ الحيِّ حيّاً مصبِّحاً ... ولا مِثلَنا يوم التقَينا فوارسا ) ( إذا ما شددْنا شَدّةً نصَبوا لنا ... صدورَ المَذاكي والرماحَ المَداعِسا ) ( وأحصَنَنا منهمْ فما يبلغوننا ... فوارسُ منَّا يحبسون المَحابسا ) ( وجُرْدٌ كأنَّ الأُسد فوق مُتونها ... من القوم مرؤوساً كَمِيّاً ورائسا ) ( وكنتُ أمامَ القوم أوَّلَ ضاربٍ ... وطاعنتُ إذ كان الطِّعان مُخالسا ) ( ولو مات منهمْ من جرحْنا لأصبحتْ ... ضِياعٌ بأكناف الأَرَاكِ عرائسا ) فأجابه عمرو بن معد يكرب عن هذه القصيدة بقصيدة أولها ( لِمن طللٌ بالخَيْفِ أصبَحَ دارساً ... تبدَّل آراماً وعِيناً كوانِسا ) وهي طويلة لم يكن في ذكرها مع أخبار العباس فائدة وإنما ذكرت هذه الأبيات من قصيدة العباس لأن الغناء المذكور في أولها ونصره له وفيها يقول ( بذي لَجب رسولُ الله فيه ... كتيبتُه تعرَّضُ للضِّراب ) ( ولو أدركن صِرم بني هلالٍ ... لآمَ نساؤهمْ والنَّقْع كابي ) خبر مقتل أخيه هريم قال أبو عبيدة وكان هريم بن مرداس مجاورا في خزاعة في جوار رجل منهم يقال له عامر فقتله رجل من خزاعة يقال له خويلد وبلغ ذلك أخاه العباس بن مرداس فقال يحض عامرا على الطلب بثأر جاره فقال ( إذا كان باغٍ منك نالَ ظُلامةً ... فإنَّ شفاء البغي سيفُك فافصِلِ ) ( ونبّئت أن قد عوّضوك أباعراً ... وذلك للجيران غزل بمغزل ) ( فخذها فليست للعزيز بنُصرةٍ ... وفيها متاعٌ لامرئ متدلِّل ) وهذا البيت الأخير كتب به الوليد بن عقبة إلى معاوية لما دعاه علي عليه السلام إلى البيعة وتحدث الناس أنه وعده أن يوليه الشام إذا بايعه قال فلما بلغته هذه الأبيات آلى لا يصيب رأسه ولا جسده ماء بغسل حتى يثأر بهريم ثم إن أبا حليس النصري لقي خويلدا قاتل هريم فقتله فقال بنو نصر بؤ بدم فلان النصري كانت خزاعة قتلته فقال أبو الحليس لا بل هو بؤ بدم هريم بن مرداس وبلغ العباس فقال يمدحه بقوله ( أتاني من الأنباء أنّ ابنَ مالكٍ ... كفى ثائراً من قومه مَن تغَبَّبَا ) ( ويَلقاك ما بين الخَميس خُويلدٌ ... أرى عَجَباً بل قتله كان أعجبا ) ( فِدًى لك أمِّي إذ ظَفِرتَ بقتلِه ... وأقسم أبغي عنك أمّاً ولا أبا ) ( فمثلُكَ أدَّى نُصرةَ القوم عَنوةً ... ومثلُك أعيا ذا السّلاح المجرّبَا ) شعره في خروجه لحرب بني نصر قال أبو عبيدة أغارت بنو نصر بن معاوية على ناحية من أرض بني سليم فبلغ ذلك العباس بن مرداس فخرج إليهم في جمع من قومه فقاتلهم حتى أكثر فيهم القتل وظهرت عليهم بنو سليم وأسروا ثلاثين رجلا منهم وأخذت بنو نصر فرسا للعباس عائرة يقال لها زرة فانطلق بها عطية بن سفيان النصري وهو يومئذ رئيس القوم فقال في ذلك العباس ( أبى قومنا إلا الفرارَ ومن تكن ... هوازنُ مولاه من الناس يُظلِم ) ( أغار علينا جمعُهمْ بين ظالمٍ ... وبين ابنِ عمٍّ كاذبِ الودٍّ أَيْهَم ) ( كلاب وما تفعل كلابٌ فإنَّها ... وكعب سراة البيت ما لم تهدَّم ) ( فإن كان هذا صُنعُكم فتجرَّدوا ... لألفين منَّا حاسرٍ ومُلأّم ) ( وحربٍ إذا المرء السَّمين تمرّستْ ... بأعطافه بالسيف لم يترمرم ) ( ولم أحتَسِبْ سُفيانَ حتى لقيتُه ... على مأقط إذ بيننا عِطر مَنْشِم ) ( فقلت وقد صاح النساء خلالَهمْ ... لخيلي شُدِّي إنهم قومُ لَهذَمِ ) ( فما كان تهليلٌ لُدن أن رميتُهم ... بزِرَّةَ رَكْضاً حاسِراً غيرَ مُلجَم ) ( إذا هي صدّت نحرَها عن رماحِهم ... أقدّمها حتى تَنعَّل بالدم ) ( وما زال منهم رائغٌ عن سبيلها ... وآخرُ يَهوِي لِليدين وللفم ) ( لَدُن غُدوةً حتى استُبيحوا عشيّةً ... وذَلّوا فكانوا لحْمَة المتلحِّم ) ( فآبوا بها عُرْفاً وألقَيتُ كَلْكَلي ... على بَطَل شاكي السِّلاح مكلَّم ) ( ولن يمنع الأقوام إلاَّ مُشايِحٌ ... يُطارد في الأرض الفضاء ويرتمي ) قال ثم إن العباس بن مرداس جمع الأسارى من بني نصر وكانوا ثلاثين رجلا فأطلقهم وظن أنهم سيثيبونه بفعله وأن سفيان سيرد عليه فرسه زرة فلم يفعلوا فقال في ذلك ( أزِرّة خيرٌ أم ثلاثون منكُم ... طليقاً رددناه إليكُمْ مسلَّما ) قال وجعل العباس يهجو بني نصر فبلغه أن سفيان بن عبد يغوث يتوعده في ذلك فلقيه عباس في المواسم فقال له سفيان والله لتنتهين أو لأصرمنك فقال عباس ( لدى الخصم إذ عند الأمير كَفاهُم ... فكان إليه فصلُها وجِدالُها ) ( ومُعضِلة للحاملين كفيتها ... إذا أنهلت هُوج الرياح طِلالُها ) وقد روى العباس بن مرداس عن النبي ونقل عنه الحديث حدثنا الحسين بن الطيب الشجاعي البلخي بالكوفة قال حدثنا أيوب بن محمد الطلحي قال حدثنا عبد القاهر بن السري السلمي قال حدثنا عبد الله بن كنانة بن عباس بن مرداس السلمي أن أباه حدثه عن جده عباس بن مرداس أن النبي دعا لأمته عشية عرفة قال فأجيب لهم بالمغفرة إلا ما كان من مظالم العباد بعضهم لبعض قال فإني آخذ للمظلوم من الظالم قال أي رب إن شئت أعطيت للمظلوم من الجنة وغفرت للظالم فلم يجب في حينه فلما أصبح في المزدلفة أعاد الدعاء فأجيب لهم بما سأل فضحك النبي أو تبسم فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه بأبي أنت وأمي إن هذه لساعة ما كنت تضحك فيها أو تبسم فقال إن إبليس لما علم أن الله غفر لأمتي جعل يحثو التراب على رأسه ويدعو بالويل والثبور فضحكت من جزعه تمت أخبار العباس صوت ( ارجوكَ بعد أبي العبَّاس إذ بانا ... يا أكرمَ الناسِ أعراقاً وعِيداناً ) ( أرجوك من بعدِه إذ بان سيِّدِنا ... عنَّا ولولاك لاستسلمت إذ بانا ) ( فأنت أكرمُ من يَمشي على قدم ... وأنضرُ الناس عند المحَلْ أغصانا ) ( لو مَجّ عُودٌ على قومٍ عُصَارتَه ... لمجّ عودُك فينا المِسكَ والبانا ) الشعر لحماد عجرد والغناء لحكم الوادي ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالبنصر في مجراها أخبار حماد عجرد ونسبه هو حماد بن يحيى بن عمر بن كليب ويكنى أبا عمر مولى بني عامر بن صعصعة وذكر ابن النطاح أنه مولى بني سراة وذكر سليمان بن أبي شيخ عن صالح بن سليمان أنه مولى بني عقيل واصله ومنشؤه بالكوفة وكان يبري النبل وقيل بل أبوه كان نبالا ولم يتكسب هو بصناعة غير الشعر وقال صالح بن سليمان كان عم لحماد عجرد يقال له مؤنس بن كليب وكانت له هيئة وابن عمه عمارة بن حمزة بن كليب إنتقلوا عن الكوفة ونزلوا واسطا فكانوا بها وحماد من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية إلا أنه لم يشتهر في أيام بني أمية شهرته في ايام بني العباس وكان خليعا ماجنا متهما في دينه مرميا بالزندقة هجاء بشار له أخبرني عمي قال حدثنا أحمد بن أبي طاهر قال قال أبو دعامة حدثني عاصم بن أفلح بن مالك بن أسماء قال كان يحيى أبو حماد عجرد مولى لبني هند بنت أسماء بن خارجة وكان وكيلا لها في ضيعتها بالسواد فولدت هند من بشر بن مروان عبد الملك بن بشر فجر عبد الملك ولاء موالي أمه فصاروا مواليه قال ولما كان والد حماد عجرد بالسواد في ضيعتها نبطه بشار لما هجاه بقوله ( واشدُدْ يديك بحمّاد أبي عُمرٍ ... فإنَّه نَبَطِيٌّ من زَنابِيرِ ) قال وإنما لقبه بعجرد عمرو بن سندي مولى ثقيف لقوله فيه ( سَبَحَتْ بغلةٌ ركبتَ عليها ... عَجَباً منك خَيبةً للمَسِيرِ ) ( زعمتْ أنها تراهُ كبيراً ... حَملها عَجرد الزِّنا والفُجورِ ) ( إن دهراً ركبتَ فيه على بَغْلٍ وأوقَفْتَه بباب الأمير ) ( لجدِيرٌ أَلاَّ نَرَى فيه خيراً ... لصغير منَّا ولا لِكَبِيرٍ ) ( ما امرؤ ينْتَقِيك يا عُقْدَة الكَلْبِ ... لأسراره بجدِّ بَصِيرِ ) ( لا ولا مجلسٌ أجَنَّك للذَّاتِ ... يا عَجْرَدَ الخَنَا بسَتيرِ ) يعني بهذا القول محمد بن أبي العباس السفاح وكان عجرد في ندمائه فبلغ هذا الشعر أبا جعفر فقال لمحمد ما لي ولعجرد يدخل عليك لا يبلغني أنك أذنت له قال وعجرد مأخوذ من المعجرد وهو العريان في اللغة يقال تعجرد الرجل إذا تعرى فهو يتعجرد تعجردا وعجردت الرجل أعجرده عجردة إذا عريته هو واحد من ثلاثة حمادين كانوا يتنادمون على الشراب أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة ونسخت من كتاب عبد الله بن المعتز حدثني الثقفي عن إبراهيم بن عمر العامري قال كان بالكوفة ثلاثة نفر يقال لهم الحمادون حماد عجرد وحماد الراوية وحماد بن الزبرقان يتنادمون على الشراب ويتناشدون الأشعار ويتعاشرون معاشرة جميلة وكانوا كأنهم نفس واحدة يرمون بالزندقة جميعا وأشهرهم بها حماد عجرد أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي أبو خليفة إجازة عن التوزي أن حمادا لقب بعجرد لأن أعرابيا مر به في يوم شديد البرد وهو عريان يلعب مع الصبيان فقال له تعجردت يا غلام فسمي عجردا قال أبو خليفة المتعجرد المتعري والعجرد أيضا الذهب سبب مهاجاة بشار أخبرني أحمد بن يحيى بن علي بن يحيى عن علي بن مهدي عن عبد الله بن عطية عن عباد بن الممزق وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال كان السبب في مهاجاة حماد عجرد بشارا أن حمادا كان نديما لنافع بن عقبة فسأله بشار تنجز حاجة له من نافع فأبطأ عنها فقال بشار فيه ( مواعيدُ حَمّاد سماءٌ مُخيلةٌ ... تَكشّفُ عن رعد ولكن سَتَبْرُقُ ) ( إذا جئتَه يوماً أحالَ على غدٍ ... كما وعد الكَمُّون ما ليس يصدقُ ) ( وفي نافع عنّي جَفاءٌ وإنّني ... لأُطرق أحيانا وذو اللُّبّ يُطرِق ) ( وللنَّقَرَى قومٌ فلو كنتُ منهمُ ... دُعيتُ ولكن دونيَ البابُ مغلقُ ) ( أبا عُمَرٍ خَلَّفْتُ خلفَك حاجتي ... وحاجةُ غيري بين عينيك تَبْرُقُ ) ( وما زلتُ أستأنيك حتى حسرتَني ... بوعدٍ كجاري الآلِ يَخفَى ويخفقُ ) قال فغضب حماد وأنشد نافعا الشعر فمنعه من صلة بشار فقال بشار ( أبا عُمَرٍ ما في طِلابيكَ حاجةٌ ... ولا في الَّذي مَنَّيتنا ثمّ أصحرا ) ( وَعَدْتَ فلم تَصدُق وقلتَ غداً غداً ... كما وُعِدَ الكَمُّون شِرْباً مؤخَّرا ) قال فكان ذلك السبب في التهاجي بين بشار وحماد رمي بالزندقة لمجونه أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني أبو إسحاق الطلحي قال حدثني أبو سهبل قال حدثني أبو نواس قال كنت أتوهم أن حماد عجرد إنما رمي بالزندقة لمجونه في شعره حتى حبست في حبس الزنادقة فإذا حماد عجرد إمام من أئمتهم وإذا له شعر مزاوج بيتين بيتين يقرؤون به في صلاتهم قال وكان له صاحب يقال له حريث على مذهبه وله يقول بشار حين مات حماد عجرد على سبيل التعزية له ( بَكَى حُريثٌ فوقِّره بتعزِيَةٍ ... مات ابن نِهْيَا وقد كانا شريكَيْنِ ) ( تَفَاوَضَا حين شابَا في نسائهما ... وحَلَّلاَ كلَّ شيءٍ بين رِجْلَيْنِ ) ( أَمْسَى حُريثٌ بما سَدَّى له غَيراً ... كراكب اثنين يرجو قوّةَ اثنين ) ( حتى إذا أخذَا في غير وجهَهَما ... تفرَّقا وهوَى بين الطَّريقيْنِ ) يعني أنه كان يقول بقول الثنوية في عبادة اثنين فتفرق وبقي بينهما حائرا قال وفي حماد يقول بشار أيضا وينسبه إلى أنه ابن نهيا ( يابن نِهْيَا رأسٌ عليَّ ثقيلُ ... واحتمالُ الرؤوس خَطْبٌ جليلُ ) ( أُدْع غيري إلى عبادة الأثْنَيْنِ ... فإنِّي بواحدٍ مشغولُ ) ( يابن نِهْيَا برئتُ منك إلى الله ... جهاراً وذاك منِّي قليلُ ) قال فأشاع حماد هذه الأبيات لبشار في الناس وجعل فيها مكان فإني بواحد مشغول فإني عن واحد مشغول ليصحح عليه الزندقة والكفر بالله تعالى فما زالت الأبيات تدور في أيدي الناس حتى انتهت إلى بشار فاضطرب منها وتغير وجزع وقال اشاط ابن الزانية بدمي والله ما قلت إلا فإني بواحد مشغول فغيرها حتى شهرني في الناس بما يهلكني أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثني صالح بن سليمان الخثعمي قال قيل لعبد الله بن ياسين إن بشارا المرعث هجا حماد فنبطه فقال عبد الله قد رأيت جد حماد وكان يسمّى كليبا وكانت صناعته صناعة لا يكون فيها نبطي كان يبري النبال ويريشها وكان يقال له كليب النبال مولى بني عامر بن صعصعة أخباره مع بشار بن برد أخبرني أحمد بن العباس العسكري المؤدب قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني أحمد بن خلاد قال كان بشار صديقا لسليم بن سالم مولى بني سعد وكان المنصور أيام استتر بالبصرة نزل على سليم بن سالم فولاه أبو جعفر حين أفضى الأمر إليه السوس وجنديسابور فانضم إليه حماد عجرد فأفسده على بشار وكان له صديقا فقال بشار يهجوهما ( أمسَى سُلَيم بأرض السُّوس مُرْتَفِقاً ... في خَزِّها بعدَ غِرْبالٍ وأَمدادِ ) ( ليس النعيم وإن كُنَّا نُزَنّ به ... إلاَّ نعيم سُلَيم ثمّ حمّادِ ) ( نِيكَا وناكَا ولم يَشْعُر بِذَا أحدٌ ... في غفلةٍ من نبيّ الرَّحمة الهادي ) فنشب الشر بين حماد وبشار أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه عن عمر بن شبه عن أبي أيوب الزبالي قال كان رجل من أهل البصرة يدخل بين حماد وبشار على اتفاق منهما ورضا بأن ينقل إلى كل واحد منهما وعنه الشعر فدخل يوما إلى بشار فقال له إيه يا فلان ما قال ابن الزانية في فأنشده ( إنْ تاهَ بشَّارٌ عليكُمْ فقدْ ... أَمْكَنْتُ بشّاراً من التِّيهِ ) فقال بشار بأي شيء ويحك فقال ( وذاك إذ سَمَّيْتُه باسمه ... ولم يكن حرٌّ يسمِّيهِ ) فقال سخنت عينه فبأي شيء كنت أعرف إيه فقال ( فصارَ إنساناً بذكرى له ... ما يبتَغي من بعد ذِكرِيهِ ) فقال ما صنع شيئا إيه ويحك فقال ( لم أهجُ بشَّاراً ولكنَّنِي ... هجوتُ نفسي بهِجائِيهِ ) فقال على هذا المعنى دار وحوله حام إيه أيضا وأي شيء قال فأنشده ( أنت ابن برد مِثْلُ بُرْدٍ ... في النَّذالةِ والرَّذَالَهْ ) ( منْ كَانَ مثلَ أبيكَ يا ... أعمى أبوهُ فلا أبَا لَهْ ) فقال جود ابن الزانية وتمام الأبيات الأول ( لم آتِ شيئاً قطُّ فيما مضى ... ولست فيما عشتُ آتيهِ ) ( أسوألي في الناس أحدوثةً ... من خطأٍ أخطأتُهُ فيهِ ) ( فأصبحَ اليومَ بِسَبِّي له ... أعظمَ شأناً من مَوالِيهِ ) أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة عن خلاد الأرقط قال أنشد بشارا راويته قول عجرد فيه ( دُعيتَ إلى بُرْد وأنت لغيرِهِ ... فَهَبْكَ ابن بُرْدٍ نكتَ أمَّكَ مَنْ بُرْدُ ) فقال بشار لراويته ها هنا أحد قال لا فقال أحسن والله ما شاء ابن الزانية أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني محمد بن يزيد المهلبي قال حدثني محمد بن عبد الله بن أبي عيينة قال قال حماد عجرد لما أنشد قول بشار فيه ( يا ابنَ نِهْيَا رأسٌ عليَّ ثقيل ... واحتمالُ الرأسين أمرٌ جليلُ ) ( فادعُ غيري إلى عبادة ربَّيْنِ ... فإنِّي بواحدٍ مشغولُ ) والله ما أبالي بهذا من قوله وإنَّما يغيظني منه تجاهلُهُ بالزندقة يوهم الناس أنه يظن أن الزنادقة تعبد رأسا ليظن الجهال أنه لا يعرفها لأن هذا قول تقوله العامة لا حقيقة له وهو والله أعلم بالزندقة من ماني أخبرني أحمد بن عبد العزيز وأحمد بن عبيدالله بن عمار وحبيب بن نصر المهلبي قالوا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو أيوب الزبالي قال قال بشار لراوية حماد ما هجاني به اليوم حماد فأنشده ( ألا مَن مُبلغٌ عنِّي الذي ... والدهُ بُرْدُ ) فقال صدق ابن الفاعلة فما يكون فقال ( إذا ما نُسب الناسُ ... فلا قَبْلٌ ولا بَعْدُ ) فقال كذب ابن الفاعلة وأين هذه العرصات من عقيل فما يكون فقال ( وأعمَى قَلْطَبَانٌ ما ... على قاذِفِه حَدُّ ) فقال كذب ابن الفاعلة بل عليه ثمانون جلدة هيه فقال ( وأعمَى يشبه القِرْدَ ... إذا ما عَمِيَ القِرْدُ ) فقال والله ما أخطأ ابن الزانية حين شبهني بقرد حسبك حسبك ثم صفق بيديه وقال ما حيلتي يراني فيشبهني ولا أراه فأشبهه وقال أخبرني بهذا الخبر هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ فذكر مثله وقال فيه لما قال حماد عجرد في بشار ( شبيهُ الوجهِ بالقردِ ... إذا ما عَمِيَ القِردُ ) بكى بشار فقال له قائل أتبكي من هجاء حماد فقال والله ما ابكي من هجائه ولكن أبكي لأنه يراني ولا أراه فيصفني ولا أصفه قال وتمام هذه الأبيات ( ولو يَنْكَهُ في صَلْدٍ ... صَفاً لا نصدعَ الصَّلْدُ ) ( دنِيٌّ لم يَرُح يوماً ... إلى مَجْدٍ ولم يَغْدُ ) ( ولم يحضرْ مع الحُضّار ... في خيرٍ ولم يَبْدُ ) ( ولَم يُخْشَ له ذَمٌّ ... ولم يُرْجَ له حَمْدُ ) ( جَرَى بالنَّحسِ مذ كان ... ولَمْ يَجْرِ لَهُ سَعْدُ ) ( هو الكلب إذا ما ماتَ ... لم يوجَد له فَقدُ ) أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني خلاد الأرقط قال أشاع بشار في الناس أن حماد عجرد كان ينشد شعرا ورجل بإزائه يقرأ القرآن وقد اجتمع الناس عليه فقال حماد علام اجتمعوا فوالله لما اقول أحسن مما يقول قال وكان بشار يقول لما سمعت هذا من حماد مقته عليه أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال أخبرني أبو إسحاق الطلحي قال حدثني أبو سهيل عبد الله بن ياسين أن بشارا قال في حماد عجرد وسهيل بن سالم وكان سهيل من أشراف أهل البصرة وكان من عمال المنصور ثم قتله بعد ذلك بالعذاب وكان حماد وسهيل نديمين ( ليس النعيمُ وإن كُنَّا نُزَنّ به ... إلاَّ نعيم سُهَيْلٍ ثمّ حَمَّادِ ) ( نَاكَا ونِيكَا إلى أن لاَحَ شَيْبُهما ... في غفلةٍ عن نبيّ الرحمةِ الهادي ) ( فَهدَيْنِ طوراً وفَهّادين آونةً ... ما كانَ قبلَهما فَهْدٌ بفَهَّادِ ) ( سبحانك اللهُ لو شئتَ امتَسَخْتَهُما ... قِردَين فاعْتَلَجَا في بيت قَرَّادِ ) قال يعني بقوله ما كان قبلهما فهد بفهاد أي لم يكن الفهد فهادا كما تقول لم يكن زيد بظريف ولم يكن زيد ظريفا قال ابن ياسين وفيه يقول بشار أيضا ( ما لُمْتُ حَمّاداً على فِسْقِهِ ... يلومه الجاهِلُ والمائِقُ ) ( وما هما من أَيْرِهِ واستِهِ ... مَلَّكه إياهُمَا الخالِقُ ) ( ما بات إلاَّ فوقه فاسقٌ ... يَنْيِكُه أو تحتَهُ فاسقُ ) أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال أنشدني ابن أبي سعد لحماد عجرد في بشار قال وهو من أغلظ ما هجاه به عليه ( نهارُهُ أخبثُ من ليلِهِ ... ويومُه أخبثُ من أمسهِ ) ( وليس بالمُقْلِعِ عن غَيِّه ... حتى يُوارَى في ثَرَى رَمْسِهِ ) قال وكان أغلظَ على بشار من ذلك كله وأوجعه له قوله فيه ( لو طُليتْ جلدتُه عنبراً ... لأفسدتْ جلدتُه العنبَرا ) ( أو طُليتْ مِسكاً ذكيّاً إذاً ... تحوَّل المسكُ عليه خَرَا ) قال ابن أبي سعد وقد بالغ بشار في هجاء حماد ولكن حكم الناس عليه لحماد بهذه الأبيات اتصاله بالربيع بن يونس وزير المنصور أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني أحمد بن إسحاق قال حدثني عثمان بن سفيان العطار قال اتصل حماد عجرد بالربيع يؤدب ولده فكتب إليه بشار رقعة فأوصلت إلى الربيع فطرده لما قرأها وفيها مكتوب ( يا أبا الفضل لا تَنَمْ ... وقعَ الذئبُ في الغنَمْ ) ( إنَّ حمّادَ عَجْرَدٍ ... إنْ رأى غفلةً هَجَمْ ) ( بين فَخْدَيْهِ حَرْبَةٌ ... في غِلافٍ من الأَدَمْ ) ( إنْ خَلاَ البيتُ ساعةً ... مَجْمَجَ الميمَ بالقَلَمْ ) فلما قرأها الربيع قال صيرني حماد دريئة الشعراء أخرجوا عني حمادا فأخرج أخبرني يحيى بن علي بن يحيى إجازة عن علي بن مهدي عن عبد الله بن عطية عن عباد بن الممزق أن حماد عجرد كان يؤدب ولد العباس بن محمد الهاشمي فكتب إليه بشار بهذه الأبيات المذكورة فقال العباس ما لي ولبشار أخرجوا عني حمادا فأخرج أخبرني يحيى بن علي قال حدثني محمد بن القاسم قال حدثني عبد الله بن طاهر بن أبي أحمد الزبيري قال لما أخرج العباس بن محمد حمادا عن خدمته وانقطع عنه ما كان يصل إليه منه أوجعه ذلك فقال يهجو بشارا ( لقد صار بشَّار بصيراً بدُبْره ... وناظِرُه بين الأنام ضَرِيرُ ) ( له مُقلةٌ عمياءُ وآستٌ بصيرةٌ ... إلى الأَيْرِ من تَحْتِ الثيابِ تشيرُ ) ( على وُدِّهِ أن الحمير تَنِيكُهُ ... وأنّ جميعَ العالمينَ حَمِيرُ ) قال أبو الفرج الأصبهاني وقد فعل مثل هذا بعينه حماد عجرد بقطرب أخبرني عمي عن عبد الله بن المعتز قال حدثني أبو حفص الأعمى المؤدب عن الربالي قال اتخذ قطرب النحوي مؤدبا لبعض ولد المهدي وكان حماد عجرد يطمع في أن يجعل هو مؤدبه فلم يتم له ذلك لتهتكه وشهرته في الناس بما قاله فيه بشار فلما تمكن قطرب في موضعه صار حماد عجرد كالملقى على الرضف فجعل يقوم ويقعد بقطرب في الناس ثم أخذ رقعة فكتب فيها ( قل للإمامِ جزاكَ الله صالِحَةً ... لا تَجْمَعَ الدَّهرَ بين السَّخْلِ والذيبِ ) ( السَّخْلُ غِرٌّ وهمُّ الذئبِ فُرْصَتُه ... والذئب يعلم ما في السَّخْل من طِيبِ ) فلما قرأ هذين البيتين قال انظروا لا يكون هذا المؤدب لوطيا ثم قال إنفوه عن الدار فأخرج عنها وجيء بمؤدب غيره ووكل به تسعون خادما يتناوبون يحفظون الصبي فخرج قطرب هاربا مما شهر به إلى عيسى بن إدريس العجلي بن أبي دلف فأقام معه بالكرج إلى أن مات أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني قال لما قال حماد عجرد في بشار ( ويا أقبحَ من قِرْدٍ ... إذا ما عَمَى القردُ ) قال بشار لا إله إلا الله قد والله كنت أخاف أن يأتي به والله لقد وقع لي هذا البيت منذ أكثر من عشرين سنة فما نطقت به خوفا من أن يسمع فأهجى به حتى وقع عليه النبطي ابن الزانية كتابه إلى أبي حنيفة قال أبو الفرج نسخت من كتاب عبد الله بن المعتز حدثني العجلي قال حدثني أبو دهمان قال كان أبو حنيفة الفقيه صديقا لحماد عجرد فنسك أبو حنيفة وطلب الفقه فبلغ فيه ما بلغ ورفض حمادا وبسط لسانه فيه فجعل حماد يلاطفه حتى يكف عن ذكره وأبو حنيفة يذكره فكتب إليه حماد بهذه الأبيات ( إن كان نسكُكَ لا يتمّ ... بغير شَتمي وانتقاضي ) ( أو لم تكن إلاَّ به ... ترجو النجاة من القصاص ) ( فاقعد وقم بي كيف شئتَ ... مع الأداني والأقاصي ) ( فلطالما زكّيْتَنِي ... وأنا المقيم على المعاصي ) ( أيّام تَأخذها وتُعطِي ... في أباريقِ الرَّصاصِ ) قال فأمسك أبو حنيفة رحمه الله بعد ذلك عن ذكره خوفا من لسانه وقد أخبرني بهذا الخبر محمد بن خلف وكيع قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن النضر بن حديد قال كان حماد عجرد صديقا ليحيى بن زياد وكانا يتنادمان ويجتمعان على ما يجتمع عليه مثلهما ثم إن يحيى بن زياد أظهر تورعا وقراءة ونزوعا عما كان عليه وهجر حمادا وأشباهه فكان إذا ذكر عنده ثلبه وذكر تهتكه ومجونه فبلغ ذلك حمادا فكتب إليه ( هل تذكرنْ دَلَجي إليكَ ... على المضمرَّة القِلاصِ ) ( أيّام تعطيني وتأخُذ ... من أباريقِ الرَّصاصِ ) ( إن كان نسكُكَ لا يتمّ ... بغير شَتْمي وانتقاصي ) ( أو كنتَ لستَ بغير ذاكَ ... تنالُ منزلةَ الخَلاصِ ) ( فعليك فاشتمْ آمِناً ... كلَّ الأمان من القِصاصِ ) ( واقعد وقمْ بي ما بدا ... لك في الأداني والأقاصي ) ( فلَطالما زكّيتَني ... وأنا المقيمُ على المعاصي ) ( أيّام أنتَ إذا ذُكِرْتُ ... مناضِلٌ عني مُناصِي ) ( وأنا وأنت على ارتكابِ ... المُوبِقاتِ من الحِراصِ ) ( وبِنَا مواطِنُ مايُنافي ... البِرَّ آهلةُ العِراصِ ) فاتصل هذا الشعر بيحيى بن زياد فنسب حمادا إلى الزندقة ورماه بالخروج عن الإسلام فقال حماد فيه ( لا مؤمنٌ يُعرَفُ إيمانُهُ ... وليس يَحَيى بالفتى الكافِرِ ) ( منافقٌ ظاهرُهُ ناسِكٌ ... مُخالِف الباطن للظاهِرِ ) أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا ابن أبي سعد عن النضر بن عمرو قال كان لحماد عجرد إخوان ينادمونه فانقطع عنه الشراب فقطعوه فقال لبعضهم ( لستَ بغَضْبانٍ ولكنّني ... أعرِف ما شأنك يا صاحِ ) ( أأن فَقدتُ الرَّاحَ جانبتَني ... ما كان حبِّيك على الراحِ ) ( قد كنتَ من قبل وأنت الذي ... يعنيكَ إمسائي وإصباحي ) ( وما أَرَى فِعْلَكَ إلاَّ وقد ... أفسدني من بعد إصلاحي ) ( أنتَ مِن الناس وإن عبتَهم ... منِّي بإفصاحِ ) نادم الوليد بن يزيد أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثني ميمون بن هارون عن أبي محلم أن الوليد بن يزد أمر شراعة بن الزندبوذ أن يسمي له جماعة ينادمهم من ظرفاء أهل الكوفة فسمى له مطيع بن إياس وحماد عجرد والمطيعي المغني فكتب في إشخاصهم إليه فأشخصوا فلم يزالوا في ندمائه إلى أن قتل ثم عادوا إلى أوطانهم أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثني حماد عن أبيه عن محمد بن الفضل السكوني قال تزوج حماد عجرد امرأة فدخلنا إليه صبيحة بنائه بها نهنئه ونسأله عن خبره فقال لنا كنت البارحة جالسا مع أصحابي أشرب وأنا منتظر لامرأتي أن يؤتى بها حتى قيل لي قد دخلت فقمت إليها فوالله ما لبثتها حتى افتضضتها وكتبت من وقتي إلى أصحابي ( قد فتحتُ الحِصنَ بعد امتناعِ ... بمُشيحٍ فاتِحٍ للقِلاعِ ) ( ظَفِرَتْ كفِّي بتفريقِ شَمْلٍ ... جاءنا تفريقُهُ باجتماعِ ) ( فإذا شَعبي وشَعْبُ حَبِيبي ... إنما يَلتامُ بعدَ انصداعِ ) أخبرني محمد بن القاسم الأنباري عن أبيه وأخبرني الحسن بن علي عن القاسم بن محمد الأنباري قال حدثنا الحسن بن عبد الرحمن عن أحمد بن الأسود بن الهيثم عن إبراهيم بن محمد بن عبد الحميد قال اجتمع عمي سهم بن عبد الحميد وجماعة من وجوه أهل البصرة عند يحيى بن حميد الطويل ومعهم حماد عجرد وهو يومئذ هارب من محمد بن سليمان ونازل على عقبة بن سلم وقد أمن وحضر الغداء فقيل له سهم بن عبد الحميد يصلي الضحى فانتظر وأطال سهم الصلاة فقال حماد ( ألا أيُّهذا القانِتُ المتهجِّدُ ... صلاتُكَ للرَّحمن أم لي تَسْجُدُ ) ( أما والذي نادَى من الطُّور عبدَه ... لِمَنْ غيرِ ما بِرٍّ تقومُ وتقعدُ ) ( فهلاَّ اتّقيتَ اللهَ إذ كنتَ والياً ... بصنعاء تَبْرِي من وَليتَ وتَجردُ ) ( ويَشهد لي أنِّي بذلك صادقٌ ... حُرَيْثٌ ويحيى لي بذلك يَشهدُ ) ( وعند أبي صَفوانَ فيك شهادةٌ ... وبَكْرٍ وبكرٌ مُسْلِمٌ متهجِّدُ ) ( فإنْ قلتَ زِدْنِي في الشهودِ فإنَّه ... سيشهد لي أيضاً بذاك محمَّدُ ) قال فلما سمعها قطع الصلاة وجاء مبادراً فقال له قبحك الله يا زنديق فعلت بي هذا كله لشرهك في تقديم أكل وتأخيره هاتوا طعامكم فأطعموه لا أطعمه الله تعالى فقدمت المائدة شعر محمد بن الفضل في الاعتذار إليه أخبرني يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه عن إسحاق الموصلي عن محمد بن الفضل السكوني قال لقيت حماد عجرد بواسط وهو يمشي وأنا راكب فقلت له إنطلق بنا إلى المنزل فإني الساعة فارغ لنتحدث وحبست عليه الدابة فقطعني شغل عرض لي لم أقدر على تركه فمضيت وأنسيته فلما بلغت المنزل خفت شره فكتبت إليه ( أبا عُمَرٍ اغْفِرْ هُديتَ فإنَّني ... قد آذنبتُ ذنباً مخطئاً غيرَ عامِدِ ) ( فلا تَجِدن فيه عليَّ فإنَّني ... أُقِرُّ بإجرامي ولستُ بعائِدِ ) ( وهبْهُ لنا تفديك نفسي فإنَّني ... أرى نعمةً إنْ كنتَ لستَ بواجِدِ ) ( وعُدْ منك بالفضل الذي أنتَ أهلُهُ ... فإنَّكَ ذو فضلٍ طريفٍ وتالِدِ ) فكتب إلي مع رسولي ( محمدُ يابن الفَضْلِ يا ذا المحامِدِ ... ويا بهجةَ النادي وزينَ المَشاهِدِ ) ( وحقِّكَ ما أذنبت منذ عرفتَني ... على خطإٍ يوماً ولا عَمْد عامِدِ ) ( ولو كان ما أَلفَيْتَنِي متسرِّعاً ... إليكَ به يوماً تسرُّعَ واجِدِ ) أي لو كان لك ذنب ما صادفتني مسرعا إليك بالمكافأة ( ولو كان ذو فضل يسمَّى لفضلِهِ ... بغير اسمه سُميت أُمَّ القلائِدِ ) قال فبينا رقعته في يدي وأنا أقرأها إذ جاءني رسوله برقعة فيها ( قد غَفَرْنَا يابن الفضلِ والذنبُ عظيمُ ) ( ومسيءٌ أنتَ يابن الفضلِ ... في ذاك مُليمُ ) ( حينَ تخشاني على الذنبِ ... كما يُخْشَى اللّئيمُ ) ( ليس لي إن كان ما خِفتَ ... من الأمر حَرِيمُ ) ( أنا والله ولا أفخَرُ ... للغيظ كَظُومُ ) ( ولأصحابي وَلاءٌ ... رَبُّه بَرٌّ رحيمُ ) ( وبما يُرضيهم عنِّي ... ويُرضيني عليمُ ) مديحه لجلَّة من أبناء الملوك أخبرني يحيى بن علي عن أبيه عن إسحاق قال خرج حماد عجرد مع بعض الأمراء إلى فارس وبها جلة من أبناء الملوك فعاشر قوما من رؤسائها فأحمد معاشرتهم وسر بمعرفتهم فقال فيهم ( ربّ يوم بفَساءٍ ... ليس عندي بذميم ) ( قد قرعتُ العيشَ فيه ... مَعَ نَدْمانٍ كريم ) ( من بني صَهْيُونَ في البيتِ ... المعلَّى والصَّمِيمِ ) ( في جِنانٍ بين أنهارٍ ... وتعريشِ كُرومِ ) ( نَتَعاطَى قهوةً تُشْخِص ... يقظانَ الهُمومِ ) ( بنتَ عشرٍ تترك المُكْثِرَ ... منها كالأمِيم ) ( فيها دَأْباً أحيِّي ... ويحيِّيني نديمي ) ( في إناءٍ كِسْرَويٍّ ... مستخِفٍّ للحليمِ ) ( شَرْبةٌ تَعْدِل منه ... شربتي أمّ حَكيم ) ( عندنا دِهْقانَةٌ حُسانة ... ٌ ذاتُ هَمِيم ) ( جَمعتْ ما شئتَ من حُسنٍ ... ومن دَلٍّ رَخيم ) ( في اعتدال من قَوامٍ ... وصفاءٍ من أَدِيم ) ( وبَنانٍ كالمَدارِي ... وثَنايَا كالنجوم ) ( لم أنلْ منها سوى غَمْزَةِ ... كفٍّ أو شَمِيم ) ( غيرَ أن أَقْرُصَ منها ... عُكْنَة الكَشْحِ الهَضِيم ) ( وبَلَى أَلْطِمُ منها ... خدَّها لطمَ رَحِيم ) ( وبنفسي ذاكَ يا أَسْوَدُ ... من خَدِّ لَطِيم ) يعني الأسود بن خلف كاتب عيسى بن موسى أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي النضر قال كان حريث بن أبي الصلت الحنفي صديقا لحماد عجرد وكان يعابثه بالشعر ويعيبه بالبخل وفيه يقول ( حُريثٌ أبو الفضل ذو خِبْرةٍ ... بما يُصْلِحُ المِعَد الفاسدهْ ) ( تخوَّف تُخمَةَ أضيافه ... فعوّدَهم أكلةً واحدهْ ) أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل تينة عن ابن عائشة قال ضرط رجل في مجلس حماد عجرد ومطيع بن إياس فتجلد ثم ضرط أخرى متعمدا ثم ثلث ليظنوا أن ذلك كله تعمد فقال له حماد حسبك يا أخي فلو ضرطت ألفا لعلم بأن المخلف الأول مفلت حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثني معاذ بن عيسى مولى بني تميم قال كان سليمان بن الفرات على كسكر ولاه أبو جعفر المنصور وكان قريش مولى صاحب المصلى بواسط في ضياع صالح وهو سندي فحدثني معاذ بن عيسى قال كنّا في دار قريش فحضرت الصلاة فتقدم قريش فصلى بنا وحماد إلى جنبي فقال لي حماد حين سلم اسمع ما قلت وأنشدني ( قد لقيتُ العامَ جَهْداً ... من هِناتٍ وهَناتِ ) ( من همومٍ تعتريني ... وبلايَا مطبقاتِ ) ( وجَوىً شيَّب رأسي ... وحَنَى منِّي قَناتي ) ( وغُدُوِّي ورَواحي ... نحو سَلْم بن الفراتِ ) ( وائتمامِي بالقَمَارِي ... قريشٍ في صَلاتي ) أخباره مع غلام أمرد وجارية أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أبو أيوب المديني عن مصعب الزبيري قال حدثني أبو يعقوب الخريمي قال كنت في مجلس فيه حماد عجرد ومعنا غلام أمرد فوضع حماد عينه عليه وعلى الموضع الذي ينام فيه فلما كان الليل اختلفت مواضع نومنا فقمت فنمت في موضع الغلام قال ودب حماد إلي يظنني الغلام فلما أحسست به أخذت يده فوضعتها على عيني العوراء لأعلمه أني أبو يعقوب قال فنتر يده ومضى في شأنه وهو يقول ( وفديناه بذبح عظيم ) أخبرني عمي قال حدثني مصعب قال كان حماد عجرد ومطيع بن إياس يختلفان إلى جوهر جارية أبي عون بن المقعد وكان حماد يحبها ويحن بها وفيها يقول ( إنِّي لأهوَى جوهراً ... ويُحِبُّ قلبي قلبَها ) ( وأُحِبُّ من حبِّي لها ... مَن وَدَّها وَأَحَبَّها ) ( وأحبُّ جاريةً لها ... تُخفِي وتَكتُمُ ذنبَها ) ( وأحبُّ جيراناً لها ... وابنَ الخبيثةِ ربَّها ) أخبرني عمي قال حدثني محمد بن سعد الكراني قال حدثني أبيض بن عمرو قال كان حماد عجرد يعاشر الأسود بن خلف ولا يكادان يفترقان فمات الأسود قبله فقال يرثيه وفي هذا الشعر غناء صوت ( قلتُ لحنّانةٍ دَلوحِ ... تَسُحُّ من وابِلٍ سَفُوحِ ) ( جادَتْ علينا لها رَبابٌ ... بواكِفٍ هاطِلٍ نَضُوحِ ) ( أُمِّي الضَّريحَ الذي أسمِّي ... ثم استهلِّي على الضَّريحِ ) ( على صَدَى أسودَ المُوارَى ... في اللَّحدِ والتُّرب والصَّفِيحِ ) ( فاسقيهِ رِيَّاً وأوطِنِيه ... ثم اغتدي نحوَه ورُوحي ) ( إِغدي بسُقيايَ فاصبِحيه ... ثم اغبِقِيه مع الصَّبوحِ ) ( ليس من العدل أن تَشِحِّي ... على امرئ ليس بالشحيحِ ) الغناء ليونس الكاتب ذكره في كتابه ولم يجنسه هجاؤه لأبي عون مولى جوهر الجارية أخبرني عمي قال أنشدنا الكراني قال أنشد مصعب لحماد عجرد يهجو أبا عون مولى جوهر وكان يقين عليها وكان حماد عجرد يميل إليها فإذا جاءهم ثقل ولم يمكن أحداً من أصدقائها أن يخلو بها فيضر ذلك بأبي عون فجاءه يوما وعنده أصدقاء لجاريته فحجبها عنه فقال فيه ( إنَّ أبا عون ولن يرعَوِي ... ما رقَّصتْ رَمْضاؤها جُنْدُبَا ) ( ليس يَرَى كَسْباً إذا لم يكن ... من كسبِ شُفْرَى جوهرٍ طيِّبَا ) ( فسلَّط الله على ما حَوَى ... مئزرُها الأفعى أو العقرَبا ) ( يُنْسَب بالكشخِ ولا يَشْتَهِي ... بغير ذاكَ الاسمِ أن يُنْسَبَا ) وقال فيه أيضاً ( إن تكن أغلقتَ دونيَ باباً ... فلقد فتَّحت للكَشْخِ بابا ) وقال فيه أيضا ( قد تخرطمتَ علينا لأنَّا ... لم نكن نأتيك نبغي الصَّوابا ) ( إنَّما تُكْرِم مَنْ كانَ منَّا ... لسنانِ الحَقْو منها قِرابا ) وقال فيه أيضا ( يا نافعُ ابن الفاجرَهْ ... يا سيِّدَ المؤاجِرَهْ ) ( يا حِلْفَ كلِّ داعِرٍ ... وزوجَ كلِّ عاهِرَهْ ) ( ما أَمَةٌ تملِكها ... أو حُرَّة بطاهِرَهْ ) ( تجارةٌ أحدثْتَها ... في الكشخِ غيرُ بائرهْ ) ( لو دخلتْ عفيفةٌ ... بيتَك صارت فاجِرَهْ ) ( حتَّى متى تَرْتَعَ في الخُسْرَانِ ... يابنَ الخاسرَهْ ) ( تجمَع في بيتك بينَ ... العِرْس والبَرابِرَهْ ) وقال يهجوه ( أنتَ إنسانٌ تُسَمَّى ... دارُه دارَ الزَّواني ) ( قد جرى ذلك بالكَرْخِ ... على كلِّ لسانِ ) ( لك في دارٍ حِرٌيزنِي ... وفي دارٍ حِرانِ ) وقال فيه ( تفرحُ إن نيكَتْ وإنْ لم تُنَكْ ... بتَّ حزينَ القلب مستعبِرَا ) ( أسكرَكَ القومُ فساهَلْتَهم ... وكنتَ سهلاً قبل أن تَسْكَرا ) وقال فيه ( قل للشقيِّ الجَدِّ غير الأسعَدِ ... أتحِبُّ أنَّكَ فقْحةُ ابنِ المُقْعَدِ ) ( لو لم يجد شيئاً يسكِّنها به ... يوماً لسكَّنها بزُبِّ المَسْجِدِ ) وقال فيه ( أبا عون لقد صَفَّرَ ... زُوَّارُك أُذْنَيْكَا ) ( وعيناكَ تَرَى ذاك ... فأَعْمَى اللهُ عينيكَا ) هجاؤه لبشار بن برد أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال لما قال حماد عجرد في بشار ( نُسِبْتَ إلى بُرْد وأنتَ لغَيْرِه ... وهَبْكَ لبُرْدٍ نِكْتَ أُمِّك مَن بُرْدُ ) قال بشار تهيأ له علي في هذا البيت خمسة معان من الهجاء قوله نسبت إلى برد معنى ثم قوله وأنت لغيره معنى آخر ثم قوله فهبك لبرد معنى ثالث وقوله نكت أمك شتم مفرد واستخفاف مجدد وهو معنى رابع ثم ختمها بقوله من برد ولقد طلب جرير في هجائه للفرزدق تكثير المعاني ونحا هذا النحو فما تهيأ له أكثر من ثلاثة معان في بيت وهو قوله ( لمّا وَضعتُ على الفرزدقِ مَيْسَمِي ... وضَغَا البَعِيثُ جَدَعتُ أنفَ الأخطلِ ) فلم يُدرِك أكثر من هذا أخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا عمر بن شبة قال قال أبو عبيدة ما زال بشار يهجو حماد ولا يرفث في هجائه إياه حتى قال حماد ( مَنْ كانَ مِثْلَ أبيك يا ... أعَمى أبوه فلا أبا لَهْ ) ( أنت ابنْ بُرْد مثلُ بُرْدٍ ... في النَّذالة والرذالهْ ) ( زَحَرَتْك من جُحْر استِها ... في الحُشِّ خارئةٍ غَزالَه ) ( من حيث يخرج جَعْرُ مُنتِنة ... مدنَّسة مُذالهْ ) ( أعمى كستْ عينيه مِن ... وذَح آستِها وكست قَذالَهْ ) ( خِنزيرةٌ بَظْراء منتنةُ ... البُداهة والعُلالَهْ ) ( رَسْحاء خضراءُ المَغابِنِ ... ريحُها ريحُ الإهالَهْ ) ( عَذْراءُ حُبلَى يا لَقَوْمي ... للمِجَانة والضَّلاله ) ( مَرَقَتْ فصارت قَحبةً ... بجعالةٍ وبلا جِعَالَهْ ) ( ولقد أقلتُك يابنَ بُرْدٍ ... فاجترأتَ فلا إقالَهْ ) فلما بلغت هذه الأبيات بشارا أطرق طويلا ثم قال جزى الله ابن نهيا خيراً فقيل له علام تجزيه الخير أعلى ما تسمع فقال نعم والله لقد كنت أرد على شيطاني أشياء من هجائه إبقاء على المودة ولقد أطلق من لساني ما كان مقيدا عنه وأهدفني عورة ممكنة منه فلم يزل بعد ذلك يذكر أم حماد في هجائه إياه ويذكر أباه اقبح ذكر حتى ماتت أم حماد فقال فيها يخاطب جارا لحماد ( أبا حامدٍ إن كنتَ تَزنِي فَأَسْعِدِ ... وبكِّ حِراً ولَّتْ به أمُّ عَجرَدِ ) ( حِرَّا كان للعُزَّاب سَهلاً ولم يكن ... أبِيّاً على ذي الزوجة المتودِّدِ ) ( أُصيبَ زُناةُ القومِ لمَّا توجَّهتْ ... به أمُّ حمّادٍ إلى المضجَع الرَّدي ) ( لقد كان للأدنى وللجارِ والعِدا ... وللقاعد المعترِّ والمتزَيِّدِ ) أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال قال يحيى بن الجون العبدي راوية بشار أنشدت بشارا يوما قول حماد ( ألا قل لعبد الله إنَّك واحدُ ... ومثلُك في هذا الزمان كثيرُ ) ( قَطعتَ إخائي ظالماً وهجرتَني ... وليس أخي مَن في الإخاء يَجُورُ ) ( أُدِيمُ لأهل الوُدّ ودّي وإنَّني ... لمن رام هجري ظالماً لهجُورُ ) ( ولو أن بَعضي رابَنِي لقطعْته ... وإنِّي بقطع الرائبين جديرُ ) ( فلا تحسبنْ مَنْحِي لك الودَّ خالصاً ... لعِزٍّ ولا أنِّيِّ إليك فقيرُ ) ( ودونَكَ حَظِّي مِنْكَ لستُ أريدُهُ ... طَوالَ اللَّيالي ما أقامَ ثَبيرُ ) فقال بشار ما قال حماد شعرا قط هو أشد علي من هذا قلت كيف ذاك ولم يهجك فيه وقد هجاك في شعر كثير فلم تجزع قال لأن هذا شعر جيد ومثله يروى وأنا أنفس عليه أن يقول شعرا جيدا َ محمد بن النطاح ينشد أخاه قول حماد في بشار أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني هارون بن علي بن يحيى المنجم قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني محمد بن النطاح قال كنت شديد الحب لشعر حماد عجرد فأنشدت يوما أخي بكر بن النطاح قوله في بشار ( أسأتُ في رَدِّي على ابنِ استِها ... إساءةً لم تُبْقِ إحسانا ) ( فصار إنساناً بذكري له ... ولم يكن من قبلُ إنسانا ) ( قَرَعْتُ سِنِّي نَدماً سادِماً ... لو كان يغني ندمي الآنا ) ( يا ضيعةَ الشعر ويا سَوْءَتا ... لي ولأِزمانيَ أزمانا ) ( من بعد شتمي القِردَ لا والذي ... أنزلَ توراةً وقرآنا ) ( ما أحدٌ من بعد شَتْمِي له ... أنذَلُ مِنِّي كانَ من كانا ) قال فقال لي لمن هذا الشعر فقلت لحماد عجرد في بشار فأنشأ يتمثل بقول الشاعر ( ما يَضُرّ البحرَ أمسى زاخراً ... أنْ رَمَى فيه غلامٌ بحَجَرْ ) ثم قال يا أخي إنس هذا الشعر فنسيانه أزين بك والخرس كان أستر على قائله أخبرني علي بن سليمان قال حدثني هرون بن يحيى قال حدثني علي بن مهدي قال أجمع العلماء بالبصرة أنه ليس في هجاء حماد عجرد لبشار شيء جيد إلا أربعين بيتا معدودة ولبشار فيه من الهجاء أكثر من ألف بيت جيد قال وكل واحد منهما هو الذي هتك صاحبه بالزندقة وأظهرها عليه وكانا يجتمعان عليها فسقط حماد عجرد وتهتك بفضل بلاغة بشار وجودة معانيه وبقي بشار على حاله لم يسقط وعرف مذهبه في الزندقة فقتل به هجاه مجاشع بن مسعدة أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي الفضل عن إسحاق الموصلي أن مجاشع بن مسعدة أخا عمرو بن مسعدة هجا حماد عجرد وهو صبي حينئذ ليرتفع بهجائه حمادا فترك حماد وشبب بأمه فقال ( راعتْك أمُّ مُجاشع ... بالصَّدِّ بعد وِصالِها ) ( واستبدَلَتْ بِكَ والبلاءُ ... عليك في استبدالها ) ( جِنِّيَّةُ من بَرْبَرٍ ... مشهورةٌ بجمالها ) ( فحرامُها أشهى لنا ... ولها من استحلالها ) فبلغ الشعر عمرو بن مسعدة فبعث إلى حماد بصلة وسأله الصفح عن أخيه ونال أخاه بكل مكروه وقال له ثكلتك أمك أتتعرض لحماد وهو يناقف بشارا ويقاومه والله لو قاومته لما كان لك في ذلك فخر ولئن تعرضت له ليهتكنك وسائر أهلك وليفضحنا فضيحة لا نغسلها أبدا عنا أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال حدثني أبو علي بن عمار قال كان حماد عجرد عند أبي عمرو بن العلاء وكانت لأبي عمرو جارية يقال لها منيعة وكانت رسحاء عظيمة البطن وكانت تسخر بحماد فقال حماد لأبي عمرو أغن عني جاريتك فإنها حمقاء وقد استغلقت لي فنهاها أبو عمرو فلم تنته فقال لها حماد عجرد ( لو تأتَّى لك التحوُّلُ حتَّى ... تجعل خَلفكَ اللطيفَ أماما ) ( ويكونُ القُدَّامُ ذو الخِلْقَة الجَزْلة ... خَلْقاً مؤثَّلاً مستَكاما ) ( لإِذاً كتنتِ يا مَنِيعةُ خير النّاس ... خَلْفاً وخيرهم قُدَّاما ) أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثني الحسن بن عمارة قال نزل حماد عجرد على محمد بن طلحة فأبطأ عليه بالطعام فاشتد جوعه فقال فيه حماد ( زرتُ امرأً في بيته مرَّةً ... له حَياءٌ وله خيرُ ) ( يَكره أن يُتخِم أضيافَه ... إنَّ أذى التُّخْمة محذورُ ) ( ويَشتهي أن يؤجَرُوا عندَه ... بالصَّومِ والصالحُ مأجورُ ) قال فلما سمعها محمد قال له عليك لعنة الله أي شيء حملك على هجائي وإنما انتظرت أن يفرغ لك من الطعام قال الجوع وحياتك حملني عليه وإن زدت في الإبطاء زدت في القول فمضى مبادرا حتى جاء بالمائدة أخبرني الحسين بن يحيى وعيسى بن الحسين ووكيع وابن أبي الأزهر قالوا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال كان حفص بن أبي وزة صديقا لحماد عجرد وكان حفص مرميا بالزندقة وكان أعمش أفطس أغضف مقبح الوجه فاجتمعوا يوما على شراب وجعلوا يتحدثون ويتناشدون فأخذ حفص بن أبي وزة يطعن على مرقش ويعيب شعره ويلحنه فقال له حماد ( لقد كان في عينيك يا حفصُ شاغلٌ ... وأنفٌ كَثِيلِ العَوْدِ عمّا تَتَبَّعُ ) ( تَتَبَّعُ لحناً في كلامِ مرقِّشٍ ... ووجهُك مبنيُّ على اللَّحنِ أجمعُ ) ( فأُذْناك إقواءٌ وأنفُكَ مُكْفَأٌ ... وعيناك إيطاءٌ فأنت المرقَّعُ ) أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال ذكر أبو دعامة عن عاصم بن الحارث بن أفلح قال رأى حماد عجرد على بعض الكتاب جبة خز دكناء فكتب إليه ( إنَّني عاشق لجبَّتك الدكناء ... عشقاً قد هاج لي أطرابي ) ( فبحقِّ الأميرِ إلا أَتَتْني ... في سراحٍ مقرونةٍ بالجوابِ ) ( ولك اللهُ والأمانةُ أن أجعَلها ... أشهراً أميرَ ثيابي ) فوجه إليه بها وقال للرسول قل له وأي شيء لي من المنفعة في أن تجعلها أمير ثيابك وأي شيء علي من الضرر في غير ذلك من فعلك لو جعلت مكان هذا مدحا لكان أحسن ولكنك رذلت لنا شعرك فاحتملناك عتابه لمطيع بن إياس لأنه لم يعده في مرضه أخبرني أحمد بن العباس العسكري والحسن بن علي الخفاف قالا حدثنا الحسن بن عليل العنزي عن علي بن منصور قال مرض حماد عجرد فلم يعده مطيع بن إياس فكتب إليه ( كفاكَ عيادتي من كان يرجو ... ثوابَ الله في صلةِ المريضِ ) ( فإنْ تُحْدثْ لك الأيَّام سُقْماً ... يَحُولُ جَرِيضُه دونَ القَريضِ ) ( يكُنْ طُولَ التأوُّهِ منكَ عندي ... بمنزلة الطَّنين مِن البَعُوضِ ) أخبرني عمي قال حدثنا ابن أبي سعد قال زعم أبو دعامة أن التيحان بن أبي التيحان قال كنت عند حماد عجرد فأتاه والبة بن الحباب فقال له ما صنعت في حاجتي فقال ما صنعت شيئا فدعا والبة بدواة وقرطاس وأملى علي ( عثمانُ ما كانت عِداتُك ... َ بالعِدات الكاذبهْ ) ( فعَلامَ يا ذا المَكرُماتِ ... وذا الغُيوثِ الصائبهْ ) ( أخَّرْتَ وهيَ يسيرةٌ ... في الرُّزْءِ حاجةَ والبَهْ ) ( فأَبُو أسامةَ حَقُّه ... أحدُ الحقوق الواجبه ) ( فاستحيي مِن تَرْدادِه ... في حاجةٍ متقاربه ) ( ليست بكاذبةٍ ولو ... والله كانت كاذبه ) ( فقضَيتَها أحْمَدْتَ غِبّ ... َ قضائها في العاقبة ) ( إنِّي وما رَأيي يعادِم ... ِ عاتبٍ أو عاتبه ) ( لأِرى لِمثلك كلَّما ... نابت عليه نائبه ) ( ألاَّ يَرُدّ يَدَ امرئٍ ... بُسطت إليه خائبه ) قال فلقيت والبة بعد ذلك فقلت له ما صنعت فقال قضى حاجتي وزاد أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه عن الزبالي قال بلغ حماد عجرد أن المفضل بن بلال أعان بشارا عليه وقدمه وقرظه فقال فيه ( عَجباً للمفضَّل بنِ بلالِ ... ما له يا أبا الزُّبير ومالي ) ( عربيٌّ لا شكّ ولا مِرْ ... ية ما بالهُ وبالُ الموالي ) قال وأبو الزبير هذا الذي خاطبه هو قبيس بن الزبير وكان قبيس ويونس بن أبي فروة كانت عيسى بن موسى صديقين له وكانوا جميعا زنادقة وفي يونس يقول حماد عجرد وقد قدم من غيبة كان غابها ( كيفَ بَعدِي كنتَ يا يو ... نُسُ لا زلتَ بخيرِ ) ( وبغيرِ الخيرِ لا زا ... لَ قُبيسُ بنُ الزبير ) ( أنت مطبوعُ على ما ... شئتَ من خَيْرٍ ومَيْر ) ( وهو إنسانٌ شيبةٌ ... بكُسَيْر وعُوَيْر ) ( رَغْمُه أهوَنُ عند الن ... مِن ضَرْطةِ عير ) خبره مع جارية مغنية يقال لها سعاد أخبرني علي بن سلمان الأخفش ووكيع قالا حدثنا الفضل بن محمد اليزيدي قال حدثني إسحاق الموصلي عن السكوني قال ذكر محمد بن سنان أن حماد عجرد حضر جارية مغنية يقال لها سعاد وكان مولاها ظريسفا ومعه مطيع بن إياس فقال مطيع ( قبِّليني سعادُ بالله قُبلَهْ ... واسألِيني لها فدتِك نِحلهْ ) ( فوربِّ السماءِ لو قلتِ لي ص ... لِّ لوجهي جعلته الدهرَ قِبله فقال لحماد اكفنيه يا عم فقال حماد ( إنّ لي صاحباً سواكَ وَفِيّاً ... لا مَلولاً لنا كما أنتَ مَلّهْ ) ( لا يُباع التقبيل بَيْعاً ولا يُشرَى ... فلا تَجعل التعشُّقَ عِلَّهْ ) فقال مطيع يا حماد هذا هجاء وقد تعديت وتعرضت ولم تأمرك بهذا فقالت الجارية وكانت بارعة ظريفة أجل ما أردنا هذا كله فقال حماد ( أنا واللهِ أشتهِي مِثلَها منك ... ِ بنُحْل والنُّحْل في ذاكَ حِلَّهْ ) ( فأجيبي وأنعِمي وخُذي البَذلَ ... وأَطفِي بقُبلةٍ منكِ غُلَّه ) فرضي مطيع وخجلت الجارية وقالت اكفياني شركما اليوم وخذا فيما جئتما له أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أبو أيوب المديني عن مصعب الزبيري عن أبي يعقوب الخريمي قال أهدى مطيع بن إياس إلى حماد عجرد غلاما وكتب إليه قد بعثت إليك بغلام تتعلم كظم الغيظ هو ومطيع يشببان ببنت دهقان أخبرني وكيع قال حدثنا أبو ايوب المديني قال ذكر محمد بن سنان أن مطيع بن إياس خرج هو وحماد عجرد ويحيى بن زياد في سفر فلما نزلوا في بعض القرى عرفوا ففرغ لهم منزل وأتوا بطعام وشراب وغناء فبينا هم على حالهم يشربون في صحن الدار إذ أشرفت بنت دهقان من سطح لها بوجه مشرق رائق فقال مطيع لحماد ما عندك فقال حماد خذ فيما شئت فقال مطيع ( ألا يا بأبي الناظر ... من بينهمُ تحوي ) فقال حماد عجرد ( ألا يا لَيتَ فوقَ الحَقْو ... ِ منها لاصقاً حَقْوِي ) فقال مطيع ( وأنّ البُضْعَ يَا حمّاد ... ُ منها شَوْبُك المُرْوِي ) فقال يحيى بن زياد ( ويا سَقْياً لسَطْح أشرقتْ ... من بينهمْ حَذْوِي ) أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه أن حماد عجرد قال في جوهر جارية أبي عون قال وفيه غناء صوت ( إنِّي أحبُّك فاعملي ... إن لم تكوني تعلمينَا ) ( حبّاً أقلُّ قليلِه ... كجَميعِ حُبِّ العالمينَا ) أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال كان حماد عجرد صديقا لأبي خالد الأحول أبي أحمد بن أبي خالد فأراد الخروج إلى واسط وأراد وداع أبي خالد فلما جاءه لذلك حجبه الغلام وقال له هو مشغول في هذا الوقت فكتب إليه يقول ( عليك السلامُ أبا خالدٍ ... وما لِلوَداع ذكرتُ السلامَا ) ( ولكنْ تحيّة مستطرِبٍ ... يُحِبُّك حبَّ الغَوِيِّ المداما ) ( أردت الشُّخُوصَ إلى واسطٍ ... ولستُ أطيل هناك المُقاما ) ( فإن كنتَ مكتفياً بالكِتاب ... دون اللِّمام تركتُ اللِّماما ) ( وإلاّ فأوصِ هَدَاك المِليكُ ... ُ بوّابَكم بي وأوصِ الغلاما ) ( فإن جئتُ أُدخلت في الدّاخلين ... إمَّا قعوداً وإمَّا قياما ) ( فإنْ لم أكن منكَ أهلاً لذاكَ ... فلا لومَ لَستُ أحِبُّ الملاما ) ( لأنِّي أذُمّ إليك الأَنَامَ ... أخزاهُم اللهُ طرّاً أناما ) ( فإنِّي وجدتُهمُ كلَّهمْ ... يُميتون حمداً ويُحيُون ذاما ) ( سوى عُصبةٍ لستُ أعنِيهمُ ... كرامٍ فإنِّيِّ أحبّ الكراما ) ( وأَقلِلْ عَديدَهم إنْ عددتَ ... فما أكثرَ الأرذَلين اللِّئاما ) أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثني أبو أيوب المديني قال قال ابن عبد الأعلى الشيباني حضر حماد عجرد ومطيع بن إياس مجلس محمد بن خالد وهو أمير الكوفة لأبي العباس فتمازحا فقال حماد ( يا مُطيعُ يا مُطيعُ ... أنتَ إنسانٌ رَقِيعُ ) ( وعن الخير بطيءٌ ... وإلى الشرّ سريع ) فقال مطيع ( إنّ حمّاداً لئيمُ ... سِفْلةُ الأصل عديمُ ) ( لا تَراه الدهرَ إلاَّ ... بهن العَيْرِ يَهيمُ ) فقال له حماد ويلك أترميني بدائك والله لولا كراهتي لتمادى الشر ولجاج الهجا لقلت لك قولا يبقى ولكني لا أفسد مودتك ولا أكافئك إلا بالمديح ثم قال ( كل شيء لي فداءٌ ... لمطيعِ بنِ إياس ) ( رجلٌ مستملَحٌ في ... كلّ لينٍ وشِماس ) ( عِدْلُ روحي بين جَنْبَيّ ... وعينيّ براسي ) ( غَرس اللهُ له في ... كبِدي أحلَى غِراس ) ( لستُ دهري لمطيع بنِ ... إياسٍ ذا تناسِ ) ( ذاكَ إنسانٌ له فضلٌ ... على كلّ أُناس ) ( فإذا ما الكأس دراتْ ... واحتساها مَن أُحاسي ) ( كان ذِكراناً مُطيعاً ... عندها رَيْحَانَ كاسي ) هجاؤه لصديقه عيسى بن عمرو أخبرني أحمد بن العباس العسكري ومحمد بن عمران الصيرفي قالا حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا التوزي قال كان عيسى بن عمرو بن يزيد صديقا لحماد عجرد وكان يواصله أيام خدمته للربيع فلما طرده الربيع واختلت حاله جفاه عيسى وإنما كان يصله لحوائج يسأل له الربيع فيها فقال حماد عجرد فيه ( أوصلُ الناس إذا كانت له ... حاجةٌ عيسَى وأقضاهمْ لِحَقْ ) ( ولعيسى إنْ أتَى في حاجة ... مَلَقٌ يُنسى به كلَّ مَلَق ) ( فإن اَستغنى فما يَعدِلُ ... نخوةً كِسرَى على بَعْضِ السُّوَقْ ) ( إن تكن كنتَ بعيسى واثقاً ... فبهذا الخُلْق من عيسَى فثِقْ ) قال العنزي وأنشدني بعض أصحابنا لحماد في عيسى بن عمر أيضاً ( كم من أخٍ لستَ تنكِرُهُ ... ما دمتَ من دنياكَ في يُسُرِ ) ( متصنِّع لك في مودَّتِه ... يلقاك بالتَّرحيب والبشرِ ) ( يُطرِي الوفاءَ وذا الوفاءِ ويَلحَى ... الغدرَ مجتهداً وذا الغَدْرِ ) ( فإذا عَدَا والدهرُ ذو غِيَرٍ ... دهرٌ عليك عَدَا مع الدهر ) ( فارفض بإجمالٍ مودَّةَ مَن ... يَقلى المُقِلَّ ويَعشَق المُثري ) ( وعليك من حالاه واحدةٌ ... في العُسْر إمَّا كنتَ واليسرِ ) ( لا تخلطَّنهمُ بغيرهمُ ... من يَخلط العِقْيَان بالُّصُّفْرِ ) أخبرني يحيى بن علي بن يحيى إجازة قال حدثني ابن أبي فنن قال حدثني العتابي وأخبرني عمي عن أحمد بن أبي طاهر قال قال العتابي وحديث ابن أبي طاهر أتم قال كان رجل من أهل الكوفة من الأشاعثة يقال له حشيش وكانت أمه حارثية فمدحه حماد عجرد فلم يثبه وتهاون به فقال يهجوه ( يا لَقومي للبلاءِ ... ومَعاريضِ الشَّقاءِ ) ( قَسمَتْ ألوِيةً بينَ ... رجالٍ ونساءِ ) ( ظفرتْ أخْت بني الحاَرث ... منها بلِواء ) ( حادثٌ في الأرض يرتاعُ ... له أهلُ السماء ) قال فعُرضتْ أسماء العمّال على المنصور فكان فيها اسم حُشيش فقال أهو الذي يقول فيه الشاعر ( يا لَقومي للبلاء ... ومَعاريضِ الشقاءِ ) قالوا نعم يا أمير المؤمنين فقال لو كان في هذا خير ما تعرض لهذا الشاعر ولم يستعمله قال وقال حماد فيه أيضا يخاطب سعيد بن الأسود ويعاتبه على صحبة حشيش وعشرته ( صرتَ بعدي يا سعيد ... مِن أخِلاَّء حُشَيْش ) ( أتلوَّطْتَ أم استُخلِفتَ ... بعدي أم لأِيش ) ( حَلَقيٌّ استُه أوسعُ ... من استِ بُحَيْش ) ( ثم بَغّاءٌ على ذا ... أبلَغُ الناسِ لفَيْش ) ( يا بَني الأَشْعَث ما عَيْشُكُم ... عندي بعَيْش ) ( حين لا يُوجد منكمْ ... غَيرَه قائدُ جَيْش ) قال وكان بحيش هذا رجلا من أهل البصرة لم يكن بينه وبين حماد شيء فلما بلغه هذا الشعر وفد من البصرة إلى حماد قاصدا وقال له يا هذا ما لي ولك وما ذنبي إليك قال ومن أنت قال أنا بحيش أما وجدت أحدا أوسع دبرا مني يتمثل به فضحك ثم قال هذه بلية صبتها عليك القافية وأنت ظريف وليس يجري بعد هذا مثله هجاؤه لأبي عون أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن الحسن بن الحرون قال كان حماد عجرد يعاشر أبا عون جد ابن أبي عون العابد وكان ينزل الكرخ وكان عجرد إذا قدم بغداد زاره فبلغ أبا عون أنه يحدث الناس أنه يهوى جارية يقال لها جوهر فحجبه وجفاه واطرحه فقال يهجو أبا عون ( أبا عَوْنٍ لحَاك اللّه ... يا عُرَّةُ إنسانَا ) ( فقد اصبحتَ في الناس ... إذا سُمِّيت كَشْخانا ) ( بَنَيْت اليومَ في الكَشْحِ ... لأهل الكَرْخ بنيانا ) ( وشرَّفتَ لهم في ذَا ... لنا أبواباً وحِيطانا ) ( وألفَيْتَ على ذاكَ ... من الفُسّاق أعوانا ) ( ومُجّاناً ولَنْ تَعدَم ... َ مَنْ يَمْجُن مُجَّانا ) ( فأخزَى الله من كنتَ ... أخاه كان من كانا ) ( ولا زلت ولا زال ... بأخلاقك خَزْيانا ) ( وعُرْياناً كما أصبحت ... من دِينك عُرْيانا ) وقال فيه أيضاً ( إنّ أبا عَوْن ولا ... أقولُ فيه كَذبَا ) ( غاوٍ أتَى مدينَةً ... فسَنَّ فيها عَجَبا ) ( إخوانُه قد جَعلوا ... أُمَّ بَنيه مَركَبَا ) ( واتَّخَذوا جوهرةً ... مِبْوَلَةً ومَلْعَبا ) ( إن نِكتَها أرضيتَه ... أو لم تَنِكْها غِضبا ) ( أحَبَّهمْ إليه مَن ... أَدخَل فيها ذَنَبا ) ( ومَن إذا ما لَمْ يَنك ... جَرَّ إليها جَلبَا ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الغلابي عن مهدي بن سابق قال استعمل محمد بن أبي العباس وهو يلي البصرة غيلان جد عبد الصمد بن المعذل على بعض أعشار البصرة وظهر منه على خيانة فعزله وأخذ ما خانه فيه فقال حماد عجرد يهجوه ( ظَهرَ الأميرُ عليكَ يا غَيْلانُ ... إذ خُنتَه إنَّ الأميرَ مُعانُ ) ( أمع الدمامة قد جَمعتَ خِيانةً ... قبحَ الدَّميمُ الفاجرُ الخَوَّانُ ) شعره في غلام كان يهواه أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر عن أبي دعامة قال أنشد بشار قول حماد عجرد في غلام كان يهواه يقال له أبو بشر صوت ( أخي كُفّ عن لومي فإنَّك لا تدري ... بما فعل الحبُّ المبرِّح في صدري ) ( أخي أنت تَلحاني وقلبُك فارغٌ ... وقلبيَ مشغولُ الجوانح بالفِكرِ ) ( أخي إنّ دائي ليس عندي دواؤه ... ولكن دوائي عند قلبِ أبي بشر ) ( دوائي ودائي عند من لو رأيتَه ... يقلِّب عينيه لأقصرتَ عن زَجري ) ( فأُقسم لو اصبحت في لوعة الهوى ... لأقصرتَ عن لومي وأَطنبتَ في عذري ) ( ولكن بلائي منك أنّك ناصحٌ ... وأنّك لا تدري بأنك لا تدري ) فطرب بشار ثم قال ويلكم أحسن والله من هذا قالوا حماد عجرد قال أوه وكلتموني والله بقية يومي بهم طويل والله لا أطعم بقية يومي طعاما ولأصوم غما بما يقول النبطي ابن الزانية مثل هذا في الأول والثاني من هذه الأبيات لحن من الثقيل الأول ذكر الهشامي أنه لعطرد أنشدني جحظة عن حماد بن إسحاق عن أبيه لحماد عجرد ( خليلِي لا يَفي أبَداً ... يمنِّيني غداً فغَدَا ) ( وبعدَ غدٍ وبعدَ غدٍ ... كذا لا ينقضي أبدا ) ( له جَمْرٌ على كبِدي ... إذا حَرَّكتَه اتَّقدا ) شعره في يحيى بن زياد أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الزبالي قال كان المهدي سأل أباه أن يولي يحيى بن زياد عملا فلم يجبه وقال هو خليع متخرق في النفقة ماجن فقال إنه قد تاب وأناب وتضمن عنه ما يحب فولاه بعض أعمال الأهواز فقصده حماد عجرد إليها وقال فيه ( فمن كان يسأل اينَ الفَعالُ ... فعندي شفاءٌ لِذا الباحثِ ) ( مَحَلُّ النَّدى وفَعالُ النُّهى ... وبيتُ العُلاَ في بني الحارثِ ) ( حَلَلْن بيَحيى فخالفْنَه ... حَيَاءً من الباعث الوارثِ ) ( فلا تعدِلنَّ إلى غيره ... لعاجِلِ أمرٍ ولا رائثِ ) ( فإنَّ لديه بلا مِنَّةٍ ... عطاءَ المرحّلِ والماكثِ ) قال وقال فيه أيضا ( يحيى امرؤٌ زيَّنَه ربُّه ... بفعله الأقدَمِ والأحدَثِ ) ( إن قال لم يَكذِب وإن وَدَّ لم ... يَقطَع وإن عاهَد لم يَنكُث ) ( أصبحَ في أخلاقه كلِّها ... موكَّلاً بالاسهل الأدمَثِ ) ( طبيعةٌ منه عليها جَرَى ... في خُلُق ليس بمستحدَث ) ( ورَّثَه ذاكَ أبوه فيا ... طِيبَ نَثَا الوارث والمُورِثِ ) فوصله يحيى بصلة سنية وحمله وكساه واقام عنده مدة ثم انصرف وفي عيسى بن عمرو أخبرني عمي قال حدثني الكراني عن النضر بن عمرو قال ولي عيسى بن عمرو إمارة البصرة من قبل محمد بن أبي العباس السفاح لما خرج عنها عليلا فقال له حماد عجرد ( قل لعيسى الأمير عيسى بنِ عَمروٍ ... ذي المساعي العِظام في قَحْطانِ ) ( والبناءِ العالي الَّذي طال حتَّى ... قَصُرَتْ دونَه يَدا كلِّ بانِ ) ( يابن عمروٍ المَكارم والتقوى ... وعَمرو والنَّدَى وعمرو الطِّعانِ ) ( لك جارٌ بالمِصر لَم يجعل الله ... له منكَ حُرمةَ الجيران ) ( لا يصلِّي ولا يصومُ ولا يَقْرأ حرفاً من مُحكَم القرآن ) ( إنَّما مَعدِن الزُّناة من السِّفلةِ ... في بَيتِه ومأوَى الزَّواني ) ( وهو خِدنُ الصِّبيانِ وهو ابن سبعينَ ... فماذا يهوَى من الصِّبيان ) ( طَهِّرِ المصر منه يأيُّها المولى ... المسمَّى بالعدل والإحسان ) ( وتقرَّبْ بذاك فيه إلى الله ... تفُزْ منه فوزَ أهلِ الجِنان ) ( يابن بُرْد إخسأْ إليكَ فمِثلُ الكلبِ ... في الناس أنتَ لا الإنسانِ ) ( ولَعمري لأنت شرٌّ من الكَلْبِ وأولَى منه بكلّ هَوانِ ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى بن حماد قال حدثني محمد بن صالح الجبلي قال كان حماد عجرد قد مدح يقطينا فلم يثبه فقال يهجوه ( متى أرَى فيما أرَى دولةً ... يَعِزّ فيها ناصرُ الدِّين ) ( ميمونة مجَّدها ربُّها ... بصادق النيَّة ميمونِ ) ( ترُدُّ يقطيناً واشياعه ... منها إلى أبزار يقطين ) قال وكان يقطين قبل ظهور الدولة العباسية بخراسان حائكا قال ومر يوما بيونس بن فروة الذي كان الربيع يزعم أنه ابنه فلم يهش له كما عوده فقال يهجوه ( أما ابنُ فروةَ يونسُ فكأنه ... من كِبْره ابنُ للإمام القائِم ) وقال فيه ( ولقد رضيتَ بعُصبة آخيتَهمْ ... وإخاؤهم لكَ بالمَعرَّة لازمُ ) ( فعلمتُ حين جعلتَهم لك دِخْلةً ... أنِّي لِعرضي في إخائك ظالمُ ) ولد لبشار ابن فقال حماد فيه شعرا أخبرني عمي قال حدثني المغيرة بن محمد المهلبي قال حدثني أبو معاذ النميري أن بشارا ولد له ابن فلما ولد قال فيه حماد عجرد ( سائلْ أُمامة يابن بُردٍ ... من أبو هذا الغلام ) ( أمِن الحلالِ أتتْ به ... أم مِن مقارَفَة الحرامِ ) ( فلتُخبِرنَّك أنَّه ... بينَ العراقِي والشآمي ) ( والآخَرِ الروميِّ والنَّبَطِيِّ أيضاً وابن حامِ ) ( أجَعلتَ عِرسَكَ شِقْوةً ... غرضاً لأسهُم كلِّ رامِ ) أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني مسعود بن بشر قال مر حماد عجرد بقصر شيرين فاستظل من الحر بين سدرتين كانتا بإزاء القصر وسمع إنسانا يغني في شعر مطيع بن إياس ( أسعِداني يا نَخْلتيْ حُلْوانِ ... وارثيا لي مِن رَيْب هذا الزمان ) ( أسعِداني وأيقِنا أنَّ نَحساً ... سوف يلقاكما فتفترقان ) فقال حماد عجرد ( جعل الله سِدرتيْ قصرِ شِيرينَ ... َ فداءً لنخلتيْ حُلوانِ ) ( جئتُ مستسعِداً فلم يُسعِداني ... ومطيعٌ بكت له النَّخْلتانِ ) أخبرني يحيى بن علي أجازة عن أبيه عن إسحاق عن محمد بن الفضل السكوني قال كان محمد بن أبي العباس قد وعد حماد عجرد أن يحمله على بغل ثم تشاغل عنه فكتب إليه حماد ( طلبتُ البَذْلَ ممَّن خُلقتْ ... كفَّاه للبذل ) ( ومَن يَنفِي عن المُمحِل ... ِ بالجُود أذَى المَحْلِ ) ( ألا يابن أبي العبَّاس ... يا ذا النائل الجَزل ) ( أما تَذكر يا مولاي ... ميعادَك في البغل ) ( وذاك الرِّجْس في الدار ... جليسٌ لأبي سَهْل ) ( يريك الحزمَ في الإخلاف ... للميعاد والمَطْلِ ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثنا سليمان المديني قال كان عثمان بن شيبة مبخلا وكان حماد عجرد يهجوه فجاء رجل كان يقول الشعر إلى حماد فقال له ( أَعِنِّي مِنْ غِناكَ ببيتِ شِعْرٍ ... على فقرِي لعثمانَ بنِ شَيْبَهْ ) فقال له حماد ( فإنّك إنْ رَضِيتَ به خليلاً ... ملأتَ يديك من فقرٍ وخَيبهْ ) فقال له الرجل جزاك الله خيرا فقد عرفتني من أخلاقه ما قطعني عن مدحه فصنت وجهي عنه هجاؤه مطيع بن إياس أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا ابن اسحاق عن أبيه قال كان حماد عجرد يهوى غلاما من أهل البصرة من موالي العتيك يقال له أبو بشر الحلو ابن الحلال أحسبه من موالي المهلب وكان موصوفا بالجمال فاندس له مطيع بن إياس ولم يزل يحتال عليه حتى وطئه فغضب حماد عجرد من ذلك ونشب بينهما بسببه هجاء فقال فيه حماد ( يا مطيعُ النَّذْلُ أنتَ اليومَ ... مخذولٌ جَهولُ ) ( لا يغرَّنْك غَرورٌ ... ذو أفانينَ مَلولُ ) ( ليس يحلو الفعلُ منه ... وهو يحلو ما يقولُ ) ( مَلذانيٌّ مع الرِّيحِ ... إذا مالت يميلُ ) ( وجَوادٌ بالمواعيدِ ... والبَذْل بخيلُ ) ( ليس يُرضِيه من الجُعْل ... كثيرٌ أو قليلُ ) ( ذاكَ ما اخترت خليلاً ... بئس واللهِ الخليلُ ) ( إنما يكفيك أن يأتيك ... في السِّرِّ رسول ) ( ساخراً منكَ يمنِّيك ... أمانيَّ تطول ) وقال في مطيع أيضا وقد لج الهجاء بينهما ( عجبتُ للمدَّعي في الناس منزلةً ... وليس يَصلح للدّنيا وللدِّينِ ) ( لو أبصَروا فيك وجهَ الرأي ما تركوا ... حتى يَشُدُّوك كَرْهاً شَدَّ مجنونِ ) ( ما نالَ قطُّ مطيعٌ فضلَ مَنزلةٍ ... إلاَّ بأن صرتُ أهجوه ويهجوني ) ( ولو تركتُ مطيعاً لا أجاوبُه ... لكان ما فيه م الآفات يكفيني ) ( يختار قربَ الفُحول المُرْد معتمِداً ... جَهْلاً ويترُك قُربَ الخرَّدِ العِينِ ) أخبرني يحيى بن علي بن يحيى إجازة عن أبيه عن إسحاق قال قال حماد عجرد في داود بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس يمدحه ويعزيه عن ابن مات له ويستجيزه ( إنَّ أَرجَى الأنامِ عندي وأوْلاهَمْ ... بمَدْحي ونصرتي داود ) ( إن يعشْ لي أبو سليمان لا أَحْفِلُ ... ما كادني به من يكيد ) ( هدّ رُكني فَقدِي اباكَ فقد شدّ ... بك اليومَ ركنيَ المهدود ) ( قائلٌ فاعل أبيٌّ وفيٌّ ... مُتلِفٌ مُخلِفٌ مُفيدٌ مُبِيد ) ( وَفَتَى السِّنِّ في كَمالِ ابنِ خمسينَ ... دَهاءً وإرْبةً بل يزيد ) ( مِخلَطٌ مِزْيَلٌ أَريبٌ أديبٌ ... راتقٌ فاتقٌ قريبٌ بعيدُ ) ( وهو الذائد المدافِع عنِّي ... وعزيزٌ ممنَّعٌ مَن يَذودُ ) أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني عبد الملك بن شيبان قال ولى أبو جعفر المنصور محمد بن أبي العباس السفاح البصرة فقدمها ومعه جماعة من الشعراء والمغنين منهم حماد عجرد وحكم الوادي ودحمان فكانوا ينادمونه ولا يفارقونه وشرب الشراب وعاث فبلغ ذلك أبا جعفر فعزله قال وكان ابن أبي العباس كثير الطيب يملأ لحيته بالغالية حتى تسيل على ثيابه فتسود فلقبوه أبا الدبس وقال فيه بعض شعراء أهل البصرة ( صِرْنَا من الرِّبح إلى الوَكْس ... إذْ وَلِي المصرَ أبو الدِّبسِ ) ( ما شئتَ من لُؤْمٍ على نفسِهِ ... وجنسُهُ من أكرم الجِنْسِ ) عرف بالمجون والزندقة أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا علي بن محمد النوفلي قال حدثني أبي قال كان أبو جعفر المنصور يبغض محمد بن أبي العباس ويجب عيبه فولاه البصرة بعقب مقتل إبراهيم بن عبد الله بن حسن فقدمها وأصحبه المنصور قوما يعاب بصحبتهم مجانا زنادقة منهم حماد عجرد وحماد بن يحيى ونظراء لهم ليغض منه ويرتفع ابنه المهدي عند الناس وكان محمد بن أبي العباس محمقا فكان يغلف لحيته إذا ركب بأواق من الغالية فتسيل على ثيابه فيصير شهرة فلقبه أهل البصرة أبا الدبس قال ولما أقام بالبصرة مدة قال لأصحابه قد عزمت على أن أعترض أهل البصرة بالسيف في يوم الجمعة فأقتل كل من وجدت لأنهم خرجوا مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن فقالوا له نعم نحن نفعل ذلك لما يعرفونه منه ثم جاؤوا إلى أمه سلمة بنت أيوب بن سلمة المخزومية فأعلموها بذلك وقالوا والله لئن هم بها ليقتلن ولنقتلن معه فإنما نحن في أهل البصرة أكلة رأس فخرجت إليه وكشفت عن ثدييها وأقسمت عليه بحقها حتى كف عما كان عزم عليه أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى إجازة قال حدثني أبي عن إسحاق الموصلي قال كان حماد عجرد في ناحية محمد بن أبي العباس السفاح وهو الذي أدبه وكان محمد يهوى زينب بنت سليمان بن علي وكان قد قدم البصرة أميرا عليها من قبل عمه أبي جعفر فخطبها فلم يزوجوه لشيء كان في عقله وكان حماد وحكم الوادي ينادمانه فقال محمد لحماد قل فيها شعرا فقال حماد فيها على لسان محمد بن أبي العباس وغنى فيه حكم الوادي صوت من الزيانب صوت ( زينبُ ما ذنبي وماذا الّذي ... غضِبتُم منه ولم تُغْضَبُوا ) ( واللهِ ما أعرِف لي عندكمْ ... ذنباً ففيمَ الهجرُ يا زينبُ ) ( إن كنتُ قد أغضبتُكُمْ ضَلَّةً ... فاستعتِبوني إنني أُعتب ) ( عُودُوا على جهلي بأحلامكمْ ... إني وإن لم أذنبِ المذنبُ ) الغناء لحكم في هذه الأبيات خفيف ثقيل الأول بالوسطى عن عمرو والهشامي وفيه هزَج يقال إنه لخليد بن عبيد الوادي ويقال لعريب أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا الحسين بن يحيى أبو الجمان الكاتب قال حدثني عمرو بن بانة قال كان لمحمد بن أبي العباس السفاح شعر في زينب وغنى فيه حكم الوادي صوت ( قُولاَ لزينبَ لو رأيتِ ... تشوُّفي لكِ واشترافي ) ( وتلفُّتي كيما أراكِ ... وكان شخصُكِ غيرَ جافِ ) ( وشَمَمْتَ ريحَكِ ساطعاً ... كالبيت جُمِّر للطَّوافِ ) ( فتركتِني وكأنَّما ... قلبي يغرَّز بالأَشافي ) أخبرني محمد بن يحيى ايضا قال حدثني الحارث بن أبي أسامة عن المدائني قال خطب محمد بن أبي العباس زينب بنت سليمان ثم ذكر مثل هذا الحديث سواء إلا أنه قال فيه فقال محمد بن أبي العباس فيها وذكر الأبيات كلها ونسبها إلى محمد ولم يذكر حمادا قال أبو الفرج مؤلف هذا الكتاب هذا فيما أراه غلط من رواته لما سمعوا ذكر زينب ولحن حكم نسبوه إلى محمد بن أبي العباس وقد ذكر هذا الشعر بعينه إسحاق الموصلي في كتابه ونسبه إلى ابن رهيمة وهو من زيانب يونس الكاتب المشهورة معروف ومنها فيه يقول ( فذَكرتُ ذاكَ ليونسٍ ... فذكرتُه لأخٍ مُصافِ ) وذكر إسحاق أن لحن يونس فيه خفيف رمل بالبنصر في مجرى الخنصر وأن لحن حكم من الثقيل الأول بالبنصر قال محمد بن يحيى ولمحمد بن أبي العباس في زينب أشعار كثيرة مما غنى فيها المغنون منها صوت آخر من الزيانب صوت ( زينبُ ما لي عنكِ من صبرٍ ... وليس لي منكِ سوى الهجرِ ) ( وجهُكِ والله وإن شَفَّنِي ... أحسنُ من شمسٍ ومن بدرِ ) ( لو أَبْصَرَ العاذلُ منكِ الذي ... أبصرتُه أسرع بالعذرِ ) الغناء في هذه الأبيات لحكم خفيف رمل بالوسطى وأخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا الغلابي قال حدثني عبد الله بن الضحاك عن هشام بن محمد قال دخل دحمان المغني مولى بني مخزوم وهو المعروف بدحمان الأشفر على محمد بن أبي العباس وعنده حكم الوادي فأحضر محمد عشرة آلاف درهم وقال من سبق منكما إلى صوت يطربني فهذه له فابتدأ دحمان فغنى في شعر قيس بن الخطيم ( حَوْرَاءٌ ممكورَةٌ منعَّمةٌ ... كأنما شفَّ وجهَها تَرفُ ) فلم يهش له فغنى حكم في شعر محمد في زينب ( زينبُ ما لي عنكِ من صبرِ ... وليس لي منكِ سوى الهجرِ ) قال فطرب وضرب برجله وقال له خذها وأمر لدحمان بخمسة آلاف درهم قال ومن شعره فيها الذي غنى فيه حكم أيضا صوت أحببتُ من لا يُنصفْ ... ورجوتُ من لا يُسعِفُ ) ( نسبُّ تليدٌ بيننا ... ووِدادُنَا مستطرَفُ ) ( بالله أحلِفُ جاهداً ... ومصدَّقٌ مَن يحلِفُ ) ( إني لأكتُمُ حبَّها ... جَهْدِي لِمَا أتخوَّفُ ) ( والحبّ يَنطق أن سكتّ ... بما أُجِنّ ويُعرفُ ) الغناء في هذه الأبيات لحكم الوادي ولحنه ثيقل أول قال ومن شعر محمد فيها الذي غنى فيه حكم صوت ( أسعِد الصَّبَّ يا حَكَم ... وأعِنْهُ على الألمْ ) ( وأدْرِ في غنائه ... نُغما تشبه النِّعَمْ ) ( أجميلٌ بأن تُرَى ... نائماً وهو لم يَنَمْ ) ( لائمي في هوايَ زينَبَ ... َ أنصِفْ ولا تَلُمْ ) ( لَبِس الجسمُ حُلَّةً ... في هواها من السَّقَمْ ) غناه حكم ولحنه هزج وقد أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني قال قال بريه الهاشمي حدثني من حضر محمد بن أبي العباس وبين يديه حماد وحكم الوادي يغنيه وندماؤه حضور وهم يشربون حتى سكر وسكروا فكان محمد أول من أفاق منهم فقام إلى جماعتهم ينبههم رجلا رجلا فلم يجد فيهم فضلا سوى حماد عجرد وحكم الوادي فانتبها وابتدؤوا يشربون فقال عجرد على لسانه وغنى فيه حكم ( أسعِد الصَّبَّ يا حَكَم ... وأَعِنْهُ على الأَلَمْ ) ( أجميلٌ بأن تُرى ... نائماً وهو لَمْ يَنَمْ ) هكذا ذكر هذا الخبر الحسن ولم يزد على هذين البيتين شيئا محمد بن أبي العباس يشبب بزينب بنت سليمان أخبرني محمد بن يحيى قال أنشدني أبو خليفة وأبو ذكوان والغلابي لمحمد بن أبي العباس في زينب بنت سليمان بن علي ( يا قمرَ المِرْبَد قد هِجتِ لي ... شوقاً فما أَنفَكّ بالمِرْبَدِ ) ( أُراقِبُ الفرقَدَ من حبِّكُمْ ... كأنِّني وُكِّلتُ بالفَرْقَدِ ) ( أَهيم ليلي ونهاري بكُمْ ... كأنَّني منكُمْ على مَوْعِدِ ) ( عُلِّقْتُها رَيَّا الشَّوى طَفْلَةٌ ... قريبة المولِد من مَولدي ) ( جَدِّي إذا ما نُسبتْ جدّها ... في الحَسَب الثاقب والمحتَدِ ) ( والله ما أنساكِ في خَلوتي ... يا نورَ عينيّ ولا مَشْهَدِي ) أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني المدائني قال كان محمد بن أبي العباس نهاية في الشدة فعاتبه يوما المهدي فغمز محمد ركابه حتى انضغطت رجل المهدي في الركاب ثم لم تخرج حتى رد محمد الركاب بيده فأخرجها المهدي حينئذ أخبرني محمد قال حدثنا أبو ذكوان قال حدثنا العتبي قال كان محمد بن أبي العباس شديدا قويا جوادا ممدحا وكان يلوي العمود ثم يلقيه إلى أخته ريطة فترده وفيه يقول حماد عجرد ( أرجوك بعدَ أبي العبَّاس إذ بانا ... يا أكرم الناس أعراقاً وعِيدانَا ) ( فأنت أكرمُ من يمشِي على قَدَمٍ ... وأنضرُ الناس عند المَحْلِ أغصانَا ) ( لو مَجَّ عُودٌ على قوم عُصارتَه ... لَمَجَّ عُودُكَ فينا المِسْكَ والبانَا ) أخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا الغلابي قال حدثني محمد بن عبد الرحمن قال لما أراد محمد بن أبي العباس الخروج عن البصرة لما عزله المنصور عنها قال ( أيا وقفةَ البين ماذا شَبَبْتِ ... من النَّار في كَبِدِ المُغرمِ ) ( رَميتِ جوانحَه إذ رَميتِ ... بقوسٍ مُسَدَّدَةِ اْلأَسْهُمِ ) ( وقفنا لزينبَ يومَ الوداعِ ... على مِثل جَمر الغَضَى المُضْرَمِ ) ( فَمِنْ صَرْف دمع جرى للفراقِ ... للمتزِجٍ بعدَهُ بالدَّمِ ) أخبرني محمد قال حدثنا الفضل بن الحباب قال حدثنا أبو عثمان المازني قال قال حماد عجرد يشبب بزينب سليمان على لسان محمد بن أبي العباس ( ألا مَن لقلبٍ مستهامٍ معذَّبِ ... بحبِّ غزالٍ في الحِجالِ مُربَّبِ ) ( يراه فلا يستطيع ردّاً لطَرْفِهِ ... إليه حِذَار الكاشِحِ المترقِّبِ ) ( ولولا مليكٌ نافذٌ فيه حُكمُهُ ... لأَدْنَى وصالاً ذاهباً كلَّ مَذهب ) ( تغَبرْتُ خلْفَ الَّلهوِ بعد صِراوةِ ... فبحتُ بما ألقاهُ من حُبّ زينبِ ) قال فبلغ الشعر محمد بن سليمان فنذر دمه ولم يقدر عليه لمكانه من محمد أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني الغلابي عن محمد بن عبد الرحمن قال مات محمد بن أبي العباس في أول سنة خمسين ومائة فقال حماد يرثيه بقوله ( صرتُ للدهر خاشعاً مستكيناً ... بعدما كنت قد قهرتُ الدهورا ) ( حين أودى أمير ذاك الذي كنتُ ... به حيث كنتُ أدعَى أميرا ) ( كنتُ إذ كان لي أجير به الدهر ... فقد صرتُ بعدَه مستجيرا ) ( يا سمي النبي يابن أبي العباس ... حقّقتَ عنديَ المحذورا ) ( سلبتْني الهمومُ إذ سلبتنيك ... سروري فلست أرجو سرورا ) ( ليتني مِتّ حين موتك لا بل ... ليتني كنت قبلَك المقبورا ) ( أنت ظلّلتني الغمامَ بنُعماك ... ووطّأْتَ لي وِطاءً وَثيرا ) ( لم تَدَعْ إذ مضيتَ فينا نظيِرا ... مِثل ما لم يدع أبوك نظيرا ) موت محمد بن أبي العباس حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا محمد بن سلام الجمحي قال كان خصيب الطبيب نصرانيا نبيلا فسقى محمد بن أبي العباس شربة دواء وهو على البصرة فمرض منها وحمل إلى بغداد فمات بها واتهم خصيب فحبس حتى مات وسئل عن علته وما به فقال قال جالينوس إن مثل هذا لا يعيش صاحبه فقيل له إن جالينوس ربما أخطأ فقال ما كنت قط إلى خطئه أحوج مني اليوم وفي خصيب يقول ابن قنبر ( ولقد قلتُ لأهلي ... إذ أَتَوْنِي بخَصِيبِ ) ( ليس والله خصيبٌ ... لِلَّذِي بي بطبيبِ ) ( إنَّما يعرِف ما بي ... من به مِثْلُ الَّذي بي ) أخبرني حبيب بن نصر وأحمد بن عبد العزيز وإسماعيل بن يونس قالوا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني عبد الله بن شيبان وابن داحة وأخبرني يحيى بن علي بن يحيى إجازة قال حدثني أبي عن إسحاق قال لما مات محمد بن أبي العباس طلب محمد بن سليمان حماد عجرد لما كان يقوله في أخته زينب من الشعر فعلم أنه لا مقام له معه بالبصرة فمضى فاستجار بقبر أبيه سليمان بن علي وقال فيه ( مِن مقر بالذنب لم يوجب الله ... عليه بسيء إقرارا ) ( ليس إلاَّ بفضل حِلمِك يَعتدّ ... بلاءً وما يُعِدّ اعتذارا ) ( يابن بنت النَّبي أحمدَ لا أجعَلُ ... إلاَّ إليكَ منك الفرارا ) ( غير أنِّي جعلتُ قبرَ أبي أيّوبَ ... لي من حوادث الدهر جارا ) ( وحَرِيٌّ من استجار بذاكَ القبرِ ... أن يأمنَ الردى والعِثارا ) ( لم أجد لي من العباد مجيراً ... فاستجرتُ الترابَ والأحجارا ) ( لستُ أعتاضُ منك في بغية العِزَّةِ ... قحطانَ كلَّها ونِزارا ) ( فأنا اليوم جارُ من ليس في الأرضِ ... مجيرٌ أعزُّ منه جِوارا ) ( يابن بيتِ النَّبيِّ يا خيرَ من حَطَّتْ ... إليه الغوارِبُ الأكوارا ) ( إن أكن مُذنباً فأنت ابنُ من كان ... لمن كان مُذنبا غَفَّارا ) ( فاعفُ عنِّي فقد قَدَرتَ وخيرُ العفوِ ... ما قلتَ كن فكان اقتدارا ) ( لو يطيل الأعمارَ جارٌ لِعِزٍّ ... كان جاري يطوِّل الأعمارا ) أخبرني أحمد بن العباس العسكري ومحمد بن عمران الصيرفي قالا حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني علي بن الصباح قال كان محمد بن سليمان قد طلب حماد عجرد بسبب تشبيبه بأخته زينب ولم يكن يقدر عليه لمكانه من محمد بن أبي العباس فلما هلك محمد جد ابن سليمان في طلبه وخافه حماد خوفا شديدا فكتب إليه ( يابن عمِّ النَّبيِّ وابنِ النبيِّ ... لعليٍّ إذا انتَمَى وعليّ ) ( أنت بدرُ الدُّجى المُضِيءُ إذا أظلَمَ ... واسودَّ كلُّ بدرِ مُضِيِّ ) ( وحَيَا الناسِ في المُحولِ إذا لم ... يُجْدِ غيثُ الربيعِ والوَسْمِيِّ ) ( إنّ مولاكَ قد أساءَ ومن أعتب ... من ذنبه فغير مُسِيِّ ) ( ثم قد جاء تائباً فاقبل التوبة ... منه يا بنَ الوَصِيِّ الرَّضِيِّ ) هجاؤه لمحمد بن سليمان قال ومضى إلى قبر أبيه سليمان بن علي فاستجار به فبلغه ذلك فقال والله لأبلن قبر أبي من دمه فهرب حماد إلى بغداد فعاذ بجعفر بن المنصور فأجاره فقال لا أرضى أو تهجو محمد بن سليمان فقال يهجوه ( قل لوجه الخَصِيِّ ذي العار إنِّي ... سوف أُهْدِي لزينبَ الأشعارا ) ( قد لعمري فررتُ من شدَّة الخوفِ ... وأنكرتُ صاحِبيَّ نهارا ) ( وظننتُ القبورَ تمنَع جارا ... فاستجرتُ الترابَ والأحجارَا ) ( كنتُ عند استجارتي بأبي أيّوبَ ... أبغِي ضلالةً وخسارا ) ( لم يُجِرني ولم أجد فيه حظّاً ... أضرم اللهُ ذلك القبرَ نارا ) قال وقال فيه ( له حَزْمُ بُرغوثٍ وحِلمُ مُكاتبٍ ... وغُلْمَةُ سِنَّوْرٍ بليْل تُوَلْوِلُ ) وقال فيه يهجوه ( يابنَ سليمانَ يا محمَّدُ يا ... من يشتري المكرُمات بالسِّمنِ ) ( إنْ فخرتْ هاشمٌ بمَكْرُمَةٍ ... فخَرْتَ بالشَّحمِ منكَ والعُكَنِ ) ( لُؤْمكَ بادٍ لمن يراك إذا ... أقبلتَ في العارِضَين والذَّقَنِ ) ( ليتَكَ إذ كنتَ ضيِّقاً نَكِرا ... لم تُدْعَ من هاشِمٍ ولم تَكُنِ ) ( جَدَّاكَ جَدَّانِ لم تُعَب بهما ... لكنَّما العيبُ منك في البَدَنِ ) قال فبلغ هجاؤه محمد بن سليمان فقال والله لا يفلتني أبدا وإنما يزداد حتفا بلسانه ولا والله لا أعفو عنه ولا أتغافل أبدا وقد اختلف في وفاة حماد خبر مقتله فأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو داحة وعبد الملك بن شيبان أن حمادا هرب من محمد بن سليمان فأقام بالأهواز مستترا وبلغ محمدا خبره فأرسل مولى له إلى الأهواز فلم يزل يطلبه حتى ظفر به فقتله غيلة وأخبرني أحمد بن العباس وأحمد بن يحيى ومحمد بن عمران قالوا حدثنا الحسن بن عليل العنزي عن أحمد بن خلاد أن حمادا نزل بالأهواز على سليم بن سالم فأقام عنده مدة مستترا من محمد بن سليمان ثم خرج من عنده يربد البصرة فمر بشير زاذان في طريقه فمرض بها فاضطر إلى المقام بها بسبب علته فاشتد مرضه فمات هناك ودفن على تلعة وكان بشار بلغه أن حمادا عليل لما به ثم نعي إليه قبل موته فقال بشار ( لو عاش حمَّاد لهونا به ... لكنَّه صار إلى النارِ ) فبلغ هذا البيت حمادا قبل أن يموت وهو في السياق فقال يرد عليه ( نُبِّئتُ بشَّاراً نَعاني وللموت ... براني الخالِقُ الباري ) ( يا ليتني مِتُّ ولم أَهْجُهُ ... نعمْ ولو صرتُ إلى النَّارِ ) ( وأيُّ خِزي هو أخزى مِنْ أنْ ... يقالَ لي يا سِبَّ بَشَّارِ ) قال فلما قتل المهدي بشارا بالبطيحة اتفق أن حمل إلى منزله ميتا فدفن مع حماد على تلك التلعة فمر بهما أبو هشام الباهلي الشاعر البصري الذي كان يهاجي بشارا فوقف على قبريهما وقال ( قد تَبِع الأعمى قَفا عجردٍ ... فأصبحا جارَين في دارِ ) ( قالت بِقاعُ الأرض لا مَرْحبا ... بقرب حمّاد وبَشَّارِ ) ( تجاوَرَا بعد تنائِيهما ... ما أبغَضَ الجارَ إلى الجارِ ) ( صارا جميعاً في يديْ مالِكٍ ... في النَّارِ والكافِرُ في النارِ ) صوت ( هل قَلْبُكَ اليومَ عن شَنْبَاء منصرِفُ ... وأنتَ ما عشتَ مجنونٌ بها كَلِفُ ) ( ما تُذكر الدهرَ إلا صدَّعت كَبِداً ... حَرَّى عليكَ وأّذْرتْ دمعةً تَكِفُ ) ذكر أبو عمرو الشيباني أن الشعر لحريث بن عتاب الطائي وذكر عمرو بن بانة أنه لاسماعيل بن يسار النساء والصحيح أنه لحريث والغناء لغريض ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وذكر الهشامي أنه لمالك أخبار حُريث ونسبه حريث بن عناب بالنون ابن مطر بن سلسلة بن كعب بن عوف بن عنين بن نائل بن أسودان وهو نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيء شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية وليس بمذكور من الشعراء لأنه كان بدويا مقلا غير متصد بالشعر للناس في مدح ولا هجاء ولا يعدو شعره أمر ما يخصه تشبيبه بحبّي بنت الأسود أخبرني بنسبه وما أذكره من أخباره عمي عن الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه وتمام الأبيات التي فيها الغناء بعد البيتين الأولين قوله ( يدومُ وُدِّي لمن دامت مودَّتُهُ ... وأصرف النفسَ أحياناً فتنصرفُ ) ( يا وَيْحَ كلَّ محبٍّ كيف أرحمُهُ ... لأنَّني عارف صدقَ الذي يصفُ ) ( لا تأمنَنْ بعد حُبّي خُلَّة أبَداً ... على الخيانَةِ إنَّ الخائنَ الطَّرِف ) ( كأنها رِيشةُ في أرض بلقَعَه ... من حيثما واجهتهَا الريحُ تنصرفُ ) ( يُنسِي الخليلين طُولُ النأي بينهما ... وتَلتقي طُرَفٌ شَتَّى فتأتَلِفُ ) قال أبو عمرو قال حريث هذه القصيدة في امرأة يقال لها حبّى بنت الأسود من بني بحتر بن عتود وكان يهواها ويتحدث إليها ثم خطبها فوعده أهلها أن يزوجوه ووعدته ألا تجيب إلى تزويج إلا به فخطبها رجل من بني ثعل وكان موسرا فمالت إليه وتركت حريثا وقد خيرت بينهما فاختارت الثعلي فتزوجها فطفق حريث يهجو قومها وقوم المتزوج بها من بني بحتر وبني ثعل فقال يهجو بني ثعل ( بني ثُعَل أهلَ الخنا ما حديثُكُمْ ... لكم منطق غاوٍ وللنَّاس مَنْطِقُ ) ( كأنَّكُم مِعزىً قواصِعُ جِرَّةٍ ... من العِيِّ أو طيرٌ بِخَفَّانَ يَنْعِقُ ) ( دِيافيَّة قُلْفٌ كأنَّ خطيبَهُمْ ... سراةَ الضُّحَى في سَلْحه يتمطَّقُ ) قال أبو عمرو ولم يزل حريث يهجو بني بحتر وبني ثعل من أجل حبّى فبينا هو ذات يوم بخيبر وقد نزل على رجل من قريش وهو جالس بفنائه ينشد الشعر الذي قاله يهجو به بني ثعل وبني بحتر ابني عتود وبخيبر يومئذ رجل من بني جشم بن أبي حارثة بن جدي بن تدول بن بحتر يقال له أوفى بن حجر بن أسيد بن حيي بن ثرملة بن ثرغل بن خثيم بن أبي حارثة عند بني أخت له من قريش فمر أوفى هذا بحريث بن عناب وهو ينشد شعرا هجا به بني بحتر فسمعه أوفى وهو ينشد قوله ( وإنَّ أحَقَّ النَّاسِ طُرّاً إهانَةً ... عَتُودٌ يُبارِيه فَريرٌ وثَعلَبُ ) العتود التيس الهرم والفرير ولد الظبية ويباريه يفعل فعله فدنا منه أوفى وقال إني رجل أصم لا أكاد أسمع فتقرب إلي فقال له ومن أنت فقال أنا رجل من قيس وأنا أهاجي هذا الحي من بني ثعل وبني بحتر وأحب أن أروي ما قيل فيهم من الهجاء فأدنو منه وكانت معه هراوة قد اشتمل عليها فلما تمكن من ابن عناب جمع يديه بالهراوة ثم ضرب بها أنفه فحطمه وسقط على وجهه ووثب القرشي على أوفى فأخذه فوثب بنو أخته فانتزعوه من القرشي وكاد أن يقع بينهم شر وأفلت أوفى ودوري ابن عناب حتى صلح واستوى أنفه فقال أوفى في ذلك ( لاقَى ابنُ عَنَّاب بخيبرَ ماجداً ... يَزَعُ اللئامَ وينصرُ الأحسابا ) ( فضربتُهُ بهِراوتي فتركتُهُ ... كالحِلْس منعفرَ الجبينِ مصابا ) قال ثم لحق أوفى بقومه فلما كان بعد ذلك بمدة اتهمه رجل من قريش بأنه سرق عبدا له وباعه بخيبر فلم يزل القرشي يطلبه حتى أخذه وأقام عليه البينة فحبس في سجن المدينة وجعلت للقرشي يده فبعث ابن عناب إلى عشيرته بني نبهان فأبوا أن يعاونوه وأقبل عرفاء بني بحتر إلى المدينة يريدون أن يؤدوا صدقات قومهم فيهم حصن وسلامة ابنا معرض وسعد بن عمرو بن لام ومنصور بن الوليد بن حارثة وجبار بن أنيف فلقوا القرشي وانتسبوا له وقالوا نحن نعطيك العوض من عبدك ونرضيك ولم يزالوا به حتى قبل وخلى سبيله فقال حريث يمدحهم ويهجو قومه الأدنين من بني نبهان ( لما رأيتُ العبدَ نَبْهَانَ تارِكي ... بلماعةٍ فيها الحوادثُ تَخطرُ ) ( نُصِرتُ بمنصورٍ وبابْني معرِّضٍ ... وسعدٍ وجبَّارٍ بل اللهُ يَنْصُرُ ) ( وذو العرشِ أعطاني المودَّةَ منهُمُ ... وثبَّتَ ساقي بعدما كدتُ أعثُرُ ) ( إذا ركبَ الناسُ الطريقَ رأيتَهم ... لهم خابِطٌ أعمَى وآخر مُبصِرُ ) ( لكلِّ بني عمرو بن غَوْثٍ رباعة ... وخيرُهُم في الشَّرِّ والخيرِ بُحْتُرُ ) وقال أبو عمرو مر ابن عناب بعدما أسن بنسوة من بني قليع وهو يتوكأ على عصا فضحكن منه فوقف عليهن وأنشأ يقول ( هزئت نساءُ بني قُلَيع أن رأَتْ ... خَلَقَ القميصِ على العصا يَتَرَكَّعُ ) ( وجعلْنَنِي هُزُؤاً ولو يعرفْنَنِي ... لعلمن أنِّي عند ضيميَ أَرْوَعُ ) شعره حين أغار على قوم من بني أسد ) قال أبو عمرو وكان حريث بن عناب أغار على قوم من بني أسد فاستاق إبلاً لهم فطلبه السلطان فهرب من نواحي المدينة وخيبر إلى جبلين في بلاد طيء يقال لهما مرى والشموس حتى غرم عنه قومه ما طلب ثم عاود وقال في ذلك ( إذا الدِّين أودَى بالفساد فقل له ... يَدَعْنَا ورُكْناً من مَعَدٍّ نصادِمُهْ ) ( بِبيضٍ خِفافٍ مرهَفاتٍ قواطع ... لداودَ فيها أَثْرُه وخواتِمُهْ ) ( وزُرْقٍ كستْها ريشَها مَضْرَحِيَّةٌ ... أَثِيثٌ خَوافِي ريشها وقوادِمُهْ ) ( إذا ما خرجْنا خَرَّت الأُكْم سُجَّداً ... لعزٍّ عَلاَ حَيْزُومُه وعلاَجِمُهْ ) ( إذا نحن سِرْنَا بين شرقٍ ومَغربٍ ... تحرَّكَ يقظانُ التُّرابَ ونائِمُهْ ) ( وتفزَع مِنَّا الإِنْسُ والجِنُّ كلُّها ... ويُشرب مهجورُ المِياه وعائِمُهْ ) ( سَتَمْنَع مُرَّى والشُّموسُ أخاهما ... إذا حكم السلطان حُكْماً يُضاجِمُهْ ) يميل فيه ويروى يصاحمه وقال أبو عمرو يصاحمه يزاحمه والأصحم منه مأخوذ إلى هنا انتهى الجزء الرابع عشر من كتاب الأغاني ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الخامس عشر منه وأوله أخبار جعفر بن الزبير ونسبه حذف بسم الله الرحمن الرحيم صوت منسرح ( هَلْ في ادِّكار الحبيبِ من حَرجِ ... أمْ هَلْ لهمِّ الفؤادِ مِن فَرَج ) ( أم كيفَ أنْسَى رحيلَنا حُرُماً ... يوم حلَلْنا بالنَّخل من أَمَجِ ) ( يومَ يقولُ الرسولُ قد أَذِنَتْ ... فائْتِ على غير رِقْبةٍ فَلِجِ ) ( أقبلْتُ أسعَى إلى رحالِهِمُ ... في نَفحةٍ من نسيمِها الأرِجِ ) الشعر لجعفر بن الزبير والغناء للغَريض خفيف ثقيل أوّل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر عمرو بن بانة أنه لدحمان في هذه الطريقة والمجرى وذكره يونس بغير طريقة وقال فيه لحنان لابن سريج والغريض وذكر الهشامي أنّ لحن ابن سريج رمل بالوسطى 1 - خبار جعفر بن الزّبير ونسبه جعفر بن الزبير بن العوّام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصيّ بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وأم جعفر بن الزبير زينب بنت بشر بن عبد عمرو من بني قيس بن ثعلبة بن عُكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل أخبرني الطوسي قال حدثنا الزبير بن بكّار قال حدثني مصعب بن عثمان قال أخبرني جدّك عبد الله بن مصعب عن أبي عثمان بن مصعب عن شعيب بن جعفر بن الزبير قال فرض سليمان بن عبد الملك للناس في خلافته وعرض الفرض قال وكان ابن حزم في ذلك محسناً يعلم الله إنّه كان يأمر الغلمان أن يتطاولوا على خفافهم ليرفعهم بذلك قال شعيب بن جعفر بن الزّبير فقال لي سليمان بن عبد الملك من أنت قلت شعيب بن جعفر بن الزّبير فقال ما فعل جعفر فقال له عمر بن عبد العزيز يا أمير المؤمنين على الكبر والعيال فقال قل له يحضر الباب فقال لجعفر احضر الباب فدعا المنذر بن عبيدة بن الزبير فرفع معه رقعة وأرسله إلى عمر بن عبد العزيز فيها قوله سريع ( يا عُمَر بنِ عمر بنِ الخطّابْ ... إنَّ وقوفي من وراء الأبوَابْ ) ( يَعدِلُ عندي حَطْمَ بعضِ الأنيابْ ... ) قال فلما قرأها عمر عذره عند سليمان فأمر له سليمان بألف دينار في دينه وألف دينار معونة على عياله وبرقيق من البيض والسّودان وكثير من طعام الجاري وأن يدان من الصّدقة بألفي دينار قال فلما جاء ذلك إلى أبي قال أعطيته من غير مسألة فقيل نعم قال الحمد لله ما أسخى هذا الفتى ما كان أبوه سخيّاً ولا ابن سخيٍّ ولكن هذا كأنه من آل حرب ثم قال طويل ( فما كنت دَيَّاناً فقد دِنْتُ إذ بَدَتْ ... صُكوكُ أميرِ المؤمنيْنَ تدورُ ) ( بوَصْلِ أُولي الأرحامِ قَبْلَ سؤالِهِمْ ... وذلك أمرٌ في الكرامِ كثيرُ ) قال بعض من روى هذا الخبر عن الزبير الناس لا ينظرون في عيب أنفسهم وما كان لجعفر أن يعيب أحداً بالبخل وما رئي في الناس أحد أبخل منهم أهل البيت ولا من عبد الله بن الزبير خاصة وما كان فيهم جواد غير مصعب قال الزبير حدثني عمي قال كان السلطان بالمدينة إذا جاء مال الصدقة أدان من أراد من قريش منه وكتب بذلك صكّا عليه فيستعبدهم به ويختلفون إليه ويديرونه فإذا غضب على أحد منهم استخرج ذلك منه حتّى كان هارون الرشيد فكلّمه عبد الله بن مصعب في صكوك بقيت من ذلك على غير واحد من قريش فأمر بها فخرقت عنهم فذلك قول ابن الزبير - طويل - ( فما كنت دَيَّاناً فقد دِنْتُ إذ بَدَتْ ... صُكوكُ أميرِ المؤمنيَنَ تدورُ ) قال الزبير وحدثني عمّي مصعب قال شهد جعفر بن الزبير مع أخيه عبد الله حربه واستعمله عبد الله على المدينة وقاتل يوم قتل عبد الله بن الزبير حتى جمد الدم على يده وفي ذلك يقول جعفر - طويل ( لَعَمْرُكَ إنِّي يوم أجْلَتْ ركائِبي ... لأَطْيَبُ نَفْساً بالجِلادِ لدى الرُّكن ) ( ضَنِيْنٌ بمن خَلفِي شحيْحٌ بطاعتي ... طِرادُ رجال لا مُطاردة الُحُصْنِ ) الحُصْن جمع حصان يقول هذا طراد القتال لا طراد الخيل في الميادين ( غداةَ تحامَتْنا تُجِيْبُ وغافِقٌ ... وهَمْدانُ تبكي من مُطاردةِ الضُّبْنِ ) قال الزبير وحدّثني عمي مصعب بن عثمان أنّ جعفر بن الزبير كانت بينه وبين أخيه عروة معاتبة فقال في ذلك - طويل - ( لا تَلْحَينِّي يابنَ أمِّي فإنّني ... عدُوٌّ لمن عاديْتَ يا عُرْوَ جاهدُ ) ( وفارقْتُ إخواني الذين تَتَابَعوا ... وفارقْتُ عبدَ الله والموتُ عاند ) ( ولولا يمينٌ لا أزال أبرُّها ... لقد جمعَتْنا بالفِناء المقاعد ) قال الزبير أنشدتني عمّتي أسماء بنت مصعب بن ثابت لجعفر بن الزبير وأنشدنيه غيرُها يرثي ابناً له - طويل - صوت ( أهاجَكَ بَيْنٌ من حبيبٍ قدِ احتمَلْ ... نعَمْ ففؤادي هائمُ العقلِ مُحْتَبَلْ ) ( وقالوا صُحَيْرات اليمام وقدَّموا ... أوائِلَهمْ من آخرِ الليل في الثَّقَلْ ) ( مررْنَ على ماءِ العُشَيْرة والهوى ... على مَلَلٍ يا لهْفَ نفسي على مَللْ ) ( فَتى السنِّ كهلُ الحِلْمِ يهتزُّ للندَى ... أمرُّ من الدِّفْلَى وأحلى من العَسَلْ ) في هذه الأبيات خفيف رمل بالبنصر نسبه يحيى المكي إلى ابن سريج ونسبه الهشاميّ إلى الأبجر قال ويقال إنه لابن سهيل فأخبرني الحسن بن عليّ قال حدثنا أحمد بن الحارث الخرّاز عن المدائني وخبره أتمّ قال اصطحب قوم في سفر ومعهم رجل يغنّي وشيخ عليه أثر النّسك والعبادة فكانوا يشتهون أن يغنّيهم الفتى ويستحيون من الشّيخ إلى أن بلغوا إلى صحيرات اليمام فقال له المغنّي أيها الشيخ إنّ عليّ يميناً أن أنشد شعراً إذا انتهيت إلى هذا الموضع وإنّي أهابك وأستحي منك فإن رأيت أن تأذن لي في إنشاده أو تتقدّم حتّى أوفي بيميني ثم نلحق بك فافعل قال وما عليّ من إنشادك أنشد ما بدا لك فاندفع يغني - طويل - ( وقالوا صُحَيْرات اليمام وقدَّموا ... أوائِلَهمْ من آخرِ الليل في الثَّقَلْ ) ( وردْنَ على ماءِ العُشَيْرة والهوى ... على مَلَلٍ يا لَهْفَ نفسي على مَللْ ) فجعل الشيخ يبكي أحرّ بكاء وأشجاه فقالوا له ما لك يا عمّ تبكي فقال لا جزيتم خيراً هذا معكم طول هذا الطريق وأنتم تبخلون عليّ به أتفرّج به ويقطع عني طريقي وأتذكّر أيام شبابي فقالوا لا والله ما كان يمنعنا منه غير هيبتك قال فأنتم إذاً معذورون ثم أقبل عليه فقال عد فديتك إلى ما كنت عليه فلم يزل يغنيهم طول سفرهم حتّى افترقوا قال الزبير وأخبرني مصعب بن عثمان أن أمّ عروة بنت جعفر بن الزبير أنشدته لأبيها جعفر وكان يرقّصها بذلك - رجز - ( يا حبّذا عُرْوَةُ في الدَّمالِج ... أحَبُّ كلِّ داخلٍ وخارجِ ) قال وأخبرتني أن أخاها صالح بن جعفر غزا أرض الروم فقال فيه جعفر رجز البسيط ( قد راحَ يوم السبتِ حِينَ راحُوا ... مع الجَمَال والتُّقى صَلاحُ ) ( من كلِّ حيٍّ نَفَرٌ سِماحُ ... بيضُ الوجوهِ عَرَبٌ صِحاحُ ) ( وفزِعوا وأُخِذَ السلاحُ ... وهُمْ إذا ما كُرِه الشِّياحُ ) ( مصاعبٌ يكرهها الجراحُ ... ) قال الزبير ولجعفر شعر كثير قد نحل عمر بن أبي ربيعة ودخل في شعره فأمّا الأبيات التي ذكرت فيها الغناء فمن الناس من يرويها لعمر بن أبي ربيعة ومنهم من يرويها للأحوص وللعرجيّ وقد أنشدنيها جماعة من أصحابنا لجعفر بن الزبير وأخبرني بذلك الحرمي والطوسيّ وحبيب بن نصر المهلّبي وذكر الأبيات وأخبرنيه عمّي عن ابن أبي سعيد عن سعيد بن عمرو عن أم عروة بنت جعفر مثله قال ابن أبي سعد قال الحزاميّ الناس يروونها للعرجيّ وأمّ عروة أصدق أخبرني الطوسيّ قال حدثنا الزبير قال حدثني سعيد بن عمرو الزبيري قال تزوج جعفر بن الزبير امرأة من خزاعة وفيها يقول - منسرح - ( هل في ادّكارِ الحبيبِ من حَرَجِ ... ) الأبيات وزاد فيها بيتين وهما ( تُسفِر عن واضح إذا سَفَرتْ ... ليس بذي آمَةٍ ولا سَمِجِ ) وسقط البيت الآخر من الأصل قال الزبير في رواية الطوسي حدّثني مصعب بن عثمان وعمي مصعب قالا كان جماعة من قريش منتحين عن المدينة فصدر عن المدينة بدويّ فسألوه هل كان للمدينة خبر قال نعم مات أبو الناس قالوا وأنى ذلك قال شهده أهل المدينة جميعاً وبكي عليه من كلّ دار فقال القوم هذا جعفر ابن الزبير فجاءهم الخبر بعد أنّ جعفر بن الزبير مات أخبرني عمي قال حدّثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدّثني إبراهيم بن معاوية عن أبي محمد الأنصاريّ عن عروة بن هشام بن عروة عن أبيه قال لمّا تزوّج الحجّاج وهو أمير المدينة بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب أتى رجل سعيد ابن المسيب فذكر له ذلك فقال إني لأرجو أن لا يجمع الله بينهما ولقد دعا داعٍ بذلك فابتهل وعسى الله فإن أباها لم يزوّج إلا الدراهم فلما بلغ ذلك عبد الملك بن مروان أبرد البريد إلى الحجاج وكتب إليه يغلظ له ويقصّر به ويذكر تجاوزه قدره ويقسم بالله لئن هو مسّها ليقطعنّ أحبّ أعضائه إليه ويأمره بتسويغ أبيها المهر وبتعجيل فراقها ففعل فما بقي أحد فيه خير إلا سرّه ذلك وقال جعفر بن الزبير وكان شاعراً في هذه القصة - طويل ( وجدْتُ أميرَ المؤمنين ابنَ يوسُفٍ ... حَمِيّاً من الأمر الذي جئْتَ تَنْكَفُ ) ( ونُبِّئْتُ أنْ قد قالَ لمّا نكحتَها ... وجاءت به رسْلٌ تخُبُّ وتُوجِف ) ( ستَعلمُ أَنِّي قد أنِفْتُ لمَا جَرَى ... ومثلُكَ منه عَمْرَك الله يُؤنفُ ) ( ولولا انتكاسُ الدهرِ ما نالَ مثلها ... رجاؤُك إذ لم يَرْجُ ذلك يُوسُفُ ) ( أبِنْتَ المصفَّى ذِي الجناحَيْن تبتغي ... لقد رُمْتَ خَطْباً قدرُه ليس يُوصَف ) صوت طويل ( كأنْ لم يكُن بينَ الحَجُونِ إلى الصَّفا ... أنيس ولم يَسْمُرْ بمكّة سامرُ ) ( بَلَى نحنُ كنّا أهلها فأبادنا ... صروفُ الليالِي والجدودُ العواثر ) عروضه من الطويل الشعر فيما ذكر ابنُ إسحاق صاحب المغازي لمُضَاض بن عمرو الجُرْهُميّ وقال غيره بل هو للحارث بن عمرو بن مضاض أخبرنا بذلك الجوهريُّ عن عمر بن شبة عن أبي غسان محمد بن يحيى عن غسان بن عبد الحميد وقال عبد العزيز بن عمران هو عمرو بن الحارث بن مضاض والغناء ليحيى المكي رمل بالوسطى عن عمرو وفيه لإبراهيم الموصلي ماخوريّ بالبنصر وفيه لأهل مكة لحن قديم ذكره إبراهيم ولم يجنّسه ذكر خبر مضاض بن عمرو هو مضاض بن عمرو بن الحارث الجرهمي وكان جده مضاض قد زوّج ابنته رعلة إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن فولدت له اثني عشر رجلاً أكبرهم قيذار ونابت وكان أبوه إبراهيم عليه السلام أمره بذلك لأنه لما بنى مكة وأنزلها ابنه قدم عليه قدمة من قدماته فسمع كلام العرب وقد كانت طائفة من جرهم نزلت هنالك مع إسماعيل فأعجبته لغتهم واستحسنها فأمر إسماعيل عليه السلام أن يتزوج إليهم فتزوج بنت مضاض بن عمرو وكان سيدهم فأخبرنا محمد بن جرير قال حدّثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق وأخبرني محمد بن جعفر النحوي قال حدثنا إسحاق بن أحمد الخزاعي قال حدثنا محمد بن عبد الله الأزرقي قال حدّثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن محمد بن إسحاق ورواية إسحاق بن أحمد أتمّ وقد جمعتها أن نابت بن إسماعيل ولي البيت بعد أبيه ثم توفي فولي مكانه جدّه لأمه مضاض بن عمرو الجرهمي فضم ولد نابت بن إسماعيل إليه ونزلت جرهم مع ملكهم مضاض بن عمرو بأعلى مكة ونزلت قطوراء مع ملكهم السميدع أجياد أسفل مكة وكان هذان البطنان خرجا سيارة من اليمن وكذلك كانوا لا يخرجون إلا مع ملك يملكونه عليهم فلما رأوا مكة رأوا بلداً طيباً وماء وشجراً فنزلا ورضي كل واحد منهما بصاحبه ولم ينازعه فكان مضاض يعشر من جاء مكة من أعلاها وكان السميدع يعشر من جاءها من أسفلها ومن كداء لا يدخل أحدهما على صاحبه في أمره ثم إن جرهما وقطوراء بغى كل واحد منهما على صاحبه فتنافسوا في الملك حتى نشبت الحرب بينهم وكانت ولاية البيت إلى مضاض دون السميدع فخرج مضاض من بطن قعيقعان مع كتيبته في سلاح شاك يتقعقع فيقال ما سميت قعيقعان إلا بذلك وخرج السميدع من شعب أجياد في الخيل الجياد والرجال ويقال ما سميت أجياداً إلا بذلك حتى التقوا بفاضح فاقتتلوا قتالاً شديداً وفضحت قطوراء ويقال ما سمّي فاضحاً إلا بذلك ثم تداعى القوم إلى الصلح فساروا حتى نزلوا المطابخ شعباً بأعلى مكة وهو الذي يقال له الآن شعب ابن عامر فاصطلحوا هناك وسلّموا الأمر إلى مضاض فلمّا اجتمع له أمر مكة وصار ملكها دون السميدع نحر للناس فطبخوا هناك الجزر فأكلوا وسمي ذلك الموضع المطابخ فيقال إنّ هذا أول بغي بمكة فقال مضاض بن عمرو في تلك الحرب - طويل - ( ونحنُ قتلنا سيِّدَ الحيِّ عَنْوةً ... فأصبحَ منها وهو حَيْرانُ مُوجَعُ ) يعني أنّ الحيَّ أصبح حَيرانَ موجَعاً ( وما كانَ يبغِي أن يكون سَواؤنا ... بها مَلِكاً حتّى أتانا السَّميدعُ ) ( فذاق وبالاً حين حاوَلَ مُلْكَنا ... وحاوَل مِنَّا غُصَّةً تُتَجَرَّعُ ) ( ونحنُ عَمَرْنَا البيتَ كُنّا وُلاتَه ... نُضارِب عنه مَنْ أتانا ونَدْفَعُ ) ( وما كان يبغي ذاك في الناس غيرُنا ... ولم يَكُ حيٌّ قبلنا ثَمَّ يمنعُ ) ( وكُنّا ملوكاً في الدهور التي مضَتْ ... ورِثْنا مُلوكاً لا تُرام فتُوضَعُ ) قال عثمان بن ساج في خبره وحدثني بعض أهل العلم أن سيلاً جاء فدخل البيت فانهدم فأعادته جرهم على بناء إبراهيم بناه لهم رجل منهم يقال له أبو الجدرة واسمه عمر الجارود وسمّي بنوه الجدرة قال ثم استخفت جرهم بحقّ البيت وارتكبوا فيه أموراً عظاماً وأحدثوا فيه أحداثاً قبيحة وكان للبيت خزانة وهي بئر في بطنه يلقى فيها الحلي والمتاع الذي يهدى له وهو يومئذ لا سقف عليه فتواعد عليه خمسة من جرهم أن يسرقوا كلّ ما فيه فقام على كل زاوية من البيت رجل منهم واقتحم الخامس فجعل الله عز و جل أعلاه أسفله وسقط منكّساً فهلك وفرّ الأربعة الآخرون قالوا ودخل إساف ونائلة البيت ففجرا فيه فمسخهما الله حجرين فأخرجا من البيت وقيل إنّه لم يفجر بها في البيت ولكنه قبّلها في البيت وذكر عثمان بن ساج عن أبي الزناد أنه إساف بن سهيل وأنها نائلة بنت عمرو بن ذئب وقال غيره إنها نائلة بنت ذئب فأخرجا من الكعبة ونصبا ليعتبر بهما من رآهما ويزدجر النّاس عن مثل ما ارتكبا فلما غلبت خزاعة على مكة ونسي حديثهما حوّلهما عمرو بن لحيّ بن كلاب بعد ذلك فجعلهما تجاه الكعبة يذبح عندهما عند موضع زمزم قالوا فلما كثر بغي جرهم بمكة قام فيهم مضاض بن عمرو بن الحارث ابن مضاض فقال يا قوم احذروا البغي فإنه لا بقاء لأهله وقد رأيتم من كان قبلكم من العماليق استخفوا بالحرم ولم يعظموه وتنازعوا بينهم واختلفوا حتّى سلطكم الله عليهم فاجتحتموهم فتفرقوا في البلاد فلا تستخفوا بحق الحرم وحرمة بيت الله ولا تظلموا من دخله وجاءه معظماً لحرماته أو خائفاً أو رغب في جواره فإنّكم إن فعلتم ذلكم تخوّفت أن تخرجوا منه خروج ذل وصغار حتى لا يقدر أحد منكم أن يصل إلى الحرم ولا إلى زيارة البيت الذي هو لكم حرز وأمن والطير تأمن فيه فقال قائل منهم يقال له مجدع ومن الذي يخرجنا منه ألسنا أعزّ العرب وأكثرهم مالاً وسلاحاً فقال مضاض إذا جاء الأمر بطل ما تذكرون فقد رأيتم ما صنع الله بالعماليق قالوا وقد كانت العماليق بغت في الحرم فسلّط الله عزّ وجل عليهم الذر فأخرجهم منه ثم رموا بالجدب من خلفهم حتى ردهم الله إلى مساقط رؤوسهم ثم أرسل عليهم الطوفان قال والطوفان الموت قال فلما رأى مضاض بن عمرو بغيهم ومقامهم عليه عمد إلى كنوز الكعبة وهي غزالان من ذهب وأسياف قلعية فحفر لها ليلاً في موضع زمزم ودفنها فبيناهم على ذلك إذ سارت القبائل من أهل مأرب ومعهم طريقة الكاهنة حين خافوا سيل العرم وعليهم مزيقياء وهو عمرو بن عامر بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان فقالت لهم طريقة لما قاربوا مكة وحق ما أقول وما علّمني ما أقول إلا الحكيم المحكم ربّ جميع الأمم من عرب وعجم قالوا لها ما شأنك يا طريقة قالت خذوا البعير الشدقم فخضبوه بالدم تكن لكم أرض جرهم جيران بيته المحرم فلما انتهوا إلى مكة وأهلها أرسل إليهم عمرو ابنة ثعلبة فقال لهم يا قوم إنا قد خرجنا من بلادنا فلم ننزل بلدة إلا أفسح أهلها لنا وتزحزحوا عنا فنقيم معهم حتى نرسل رواداً فيرتادوا لنا بلداً يحملنا فافسحوا لنا في بلادكم حتى نقيم قدر ما نستريح ونرسل روادنا إلى الشأم وإلى الشرق فحيثما بلغنا أنه أمثل لحقنا به وأرجو أن يكون مقامنا معكم يسيراً فأبت ذلك جرهم إباءً شديداً واستكبروا في أنفسهم وقالوا لا والله ما نحب أن تنزلوا فتضيقوا علينا مرابعنا ومواردنا فارحلوا عنا حيث أحببتم فلا حاجة لنا بجواركم فأرسل إليهم إنه لا بدّ من المقام بهذا البلد حولاً حتى ترجع إليّ رسلي التي أرسلت فإن أنزلتموني طوعاً نزلت وحمدتكم وآسيتكم في الرعي والماء وإن أبيتم أقمتُ على كرهكم ثم لم ترتعوا معي إلاّ فضلاً ولم تشربوا إلا رنقا وإن قاتلتموني قاتلتكم ثم إن ظهرت عليكم سبيت النساء وقتلت الرجال ولم أترك منكم أحداً ينزل الحرم أبداً فأبت جرهم أن تنزله طوعاً وتعبت لقتاله فاقتتلوا ثلاثة أيام أفرغ عليهم فيها الصبر ومنعوا النصر ثم انهزمت جرهم فلم يفلت منهم إلا الشريد وكان مضاض بن عمرو قد اعتزل حربهم ولم يعنهم في ذلك وقال قد كنت أحذركم هذا ثم رحل هو وولده وأهل بيته حتّى نزلوا قنوني وما حوله فبقايا جرهم به إلى اليوم وفني الباقون أفناهم السيف في تلك الحروب قالوا فلما حازت خزاعة أمر مكة وصاروا أهلها جاءهم بنو إسماعيل وقد كانوا اعتزلوا حرب جرهم وخزاعة فلم يدخلوا في ذلك فسألوهم السكنى معهم وحولهم فأذنوا لهم فلما رأى ذلك مضاض بن عمرو بن الحارث وقد كان أصابه من الصبابة إلى مكة أمر عظيم أرسل إلى خزاعة يستأذنها ومتّ إليهم برأيه وتوريعه قومه عن القتال وسوء العشرة في الحرم واعتزاله الحرب فأبت خزاعة أن يقروهم ونفوهم عن الحرم كله وقال عمرو بن لحي لقومه من وجد منكم جرهمياً قد قارب الحرم فدمه هدر فنزعت إبل لمضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو من قنوني تريد مكة فخرج في طلبها حتى وجد أثرها قد دخلت مكة فمضى على الجبال نحو أجياد حتى ظهر على أبي قبيس يتبصر الإبل في بطن وادي مكة فأبصر الإبل تنحر وتؤكل ولا سبيل له إليها فخاف إن هبط الوادي أن يقتل فولّى منصرفاً إلى أهله وأنشأ يقول - طويل - ( كأنْ لم يكن بينَ الحَجُون إلى الصّفا ... أنيسٌ ولم يسمُرْ بمكّةَ سامرُ ) ( ولم يَتَربَّعْ واسطاً فَجنوبَه ... إلى المُنْحَنَى من ذي الأراكة حاضر ) ( بَلَى نحنُ كنّا أهلَها فأبادنا ... صروفُ اللَّيالي والجدود العواثر ) ( وأبدلَنَا ربّي بها دارَ غُرْبةٍ ... بها الذئبُ يعوِي والعدوُّ المخامر ) ( أقولُ إذا نام الخَلِيُّ ولم أَنَمْ ... أذَا العَرْشِ لا يَبْعَدْ سُهيلٌ وعامر ) ( قدِ ابدِلْتُ منهمْ أوجُهاً لا أريدُها ... وحِمْيَرُ قد بُدّلْتُها واليُحَابرُ ) ( فإن تَمِلِ الدُّنيا علينا بكَلّها ... ويُصبِحُ شرٌّ بيننا وتشاجُرُ ) ( فنحنُ ولاةُ البيتِ مِن بَعد نابتٍ ... نُمشّى به والخيرُ إذْ ذاكَ ظاهر ) ( وأَنكحَ جدّي خَيْرَ شخصٍ علمْتَهُ ... فأبناؤه مِنّا ونحنُ الأصاهر ) ( وأَخْرَجَنا منها المليكُ بقدرةٍ ... كذلك يا لَلنَّاسِ تجري المقادر ) ( فصرنا أحاديثاً وكُنّا بغِبطةٍ ... كذلك عَضَّتْنا السّنونَ الغوابرُ ) ( وسحَّتْ دموعُ العين تبكي لبلدةٍ ... بها حَرَمٌ أمْنٌ وفيها المشاعرِ ) ( ويا ليتَ شعري مَنْ بأجيادَ بعدَنا ... أقامَ بمُفْضَى سَيله والظَّواهِرِ ) ( فبطنُ مِنىً أمسَى كأنْ لم يكنْ بهِ ... مُضَاضٌ ومِنْ حَيَّيْ عدَيٍّ عمائرُ ) ( فهل فَرَجٌ آتٍ بشَيْءٍ نحِبُّه ... وهل جَزَعٌ مُنْجِيكَ ممّا تحاذرُ ) قالوا وقال أيضاً - بسيط - ( يا أيُّها الحيُّ سِيرُوا إنَّ قَصْرَكُمُ ... أن تُصبِحوا ذاتَ يومٍ لا تسيرونا ) ( إنّا كما أنتُمُ كُنّا فغَيَّرنَا ... دهرٌ بصَرْفٍ كما صِرْنا تصيرونا ) ( أزجوا المطيَّ وأرخُوا من أزِمَّتها ... قَبْلَ المماتِ وقَضُّوا ما تُقَضُّونا ) ( قد مال دهرٌ علينا ثمَّ أهلَكَنا ... بالبَغْي فيه فقد صِرْنا أفانينا ) ( كنّا زماناً ملوكَ الناسِ قَبلكُم ... نأوِي بلاداً حراماً كان مسكونا ) قال الأزرقي فحدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن عمران قال وخرج أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي قبيل الإسلام في نفر من قريش يريدون اليمن فأصابهم عطش شديد ببعض الطريق وأمسوا على غير الطريق فتشاوروا جميعاً فقال لهم أبو سلمة إنّي أرى ناقتي تنازعني شقاً أفلا أرسلها وأتبعها قالوا فافعل فأرسل ناقته وتبعها فأضحوا على ماء وحاضر فاستقوا وسقوا فإنهم لعلى ذلك إذ أقبل إليهم رجل فقال من القوم قالوا من قريش فرجع إلى شجرة أمام الماء فتكلم عندها بشيء ثم رجع إلينا فقال أينطلق معي أحدكم إلى رجل ندعوه قال أبو سلمة فانطلقت معه فوقف بي تحت شجرة فإذا وكر معلق فصوت يا أبت فزعزع شيخ رأسه فأجابه فقال هذا الرجل فقال لي ممن الرجل قلت من قريش قال من أيها قلت من بني مخزوم بن يقظة قال من أيهم قلت أنا أبو سلمة بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة قال أيهات منك أنا ويقظة سن أتدري من يقول - طويل - ( كأنْ لم يكن بينَ الحَجُون إلى الصّفا ... أنيسٌ ولم يسمُرْ بمكّةَ سامرُ ) ( بَلَى نحنُ كنّا أهلَهَا فأبادَنا ... صُروفُ اللَّيالي والجدودُ العواثر ) قلت لا قال أنا قائلها أنا عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي أتدري لم سمي أجياد أجياداً قلت لا قال جادت بالدماء يوم التقينا نحن وقطوراء أتدري لم سمي قعيقعان قلت لا قال لتقعقع السلاح على ظهورنا لما طلعنا عليهم منه وأخبرني بهذا الخبر الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني إبراهيم بن المنذر الحزامي قال حدثنا عبد العزيز بن عمران قال حدثني راشد بن حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال قال أبو سلمة بن عوف وخرجت في نفر من قريش يريدون اليمن وذكر الخبر مثل حديث الأزرقي والله أعلم أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثنا غسان بن عبد العزيز بن عبد الحميد أن ربيعة بن أمية بن خلف كان قد أدمن الشراب وشرب في شهر رمضان فضربه عمر رضي الله عنه وغربه إلى ذي المروة فلم يزل بها حتى توفي واستخلف عثمان رضي الله عنه فقيل له قد توفي عمر واستخلف عثمان فلو دخلت المدينة ما ردك أحد قال لا والله لا أدخل المدينة فتقول قريش قد غربه رجل من بني عدي بن كعب فلحق بالروم وتنصر فكان قيصر يحبوه ويكرمه فأعقب بها قال غسان حدثني أبي قال قدم رسول يزيد بن معاوية على معاوية من بلاد الروم فقال له معاوية هل كان للناس خبر قال بينا نحن محاصرون مدينة كذا وكذا إذ سمعنا رجلاً فصيح اللسان مشرفا من بين شرفتين من شرف الحصن وهو ينشد - طويل - ( كأنْ لم يكن بينَ الحَجُون إلى الصّفا ... أنيسٌ ولم يسمُرْ بمكّةَ سامرُ ) فقال معاوية ويحك ذاك الربيع بن أمية يتغنى بشعر عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال قال لي أبي مر بالدواب تسرج سحراً حتّى نغدو إلى ابن جامع نستقبله بالياسرية بسحرة لا تأخذنا الشمس قال فأمرت بذلك وركبنا في السحر فأصبحنا دون الياسرية وقد طلعت علينا الشمس قال فجئنا إلى ابن جامع وإذا به مختضب وعلى رأسه ولحيته خرق الخضاب وإذا بقدر تطبخ في الشمس فلما نظر إلينا رحب بنا وقام إلينا فسلم علينا ثم دعا الماء فغسل رأسه ولحيته ثم دعا بالغداء فأتي بغدائه فغرف لنا من تلك القدر= التالي بمشيئة الله ج28و29و30.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق