ج31وج32وج33
. كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني
ج31. كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني أخبرني عمي قال حدثنا أحمد بن الحارث قال حدثنا المدائني عن عبد الأعلى القرشي قال قال معاوية يوما لجلسائه أخبروني بأشجع بيت وصف به رجل قومه فقال له روح بن زنباع قول كعب بن مالك ( نصل السيوفَ إذا قَصُرْن بخطونا ... قِدْماً ونُلْحِقها إذا لم تَلْحَقِ ) فقال له معاوية صدقت وأما أبوه مالك بن أبي كعب أبو كعب بن مالك فإني أذكر قبل أخباره شيئا مما يغنى فيه من شعره فمن ذلك قوله صوت ( لَعمرُ أبيها لا تقول حليلتي ... ألا فَرَّ عني مالك بن أبي كعبِ ) ( وهم يضربون الكبش يَبْرُق بيضه ... ترى حوله الأبطال في حَلَقٍ شُهْب ) الشعر لمالك بن أبي كعب والغناء لمالك - ثقيل - أول بالبنصر عن يونس والهشامي وفيه لإبراهيم - خفيف ثقيل - بالوسطى جميعا عن الهشامي وزعم ابن المكي أن خفيف الثقيل هو لحن مالك الخصومة بين أبيه وبرذع بن عدي وهذا الشعر يقوله مالك بن أبي كعب في حرب كانت بينه وبين رجل من بني ظفر يقال له برذع بن عدي وكان السبب فيما ذكره جعفر العاصمي عن عيينة بن المنهال ونسخته من كتاب أعطانيه علي بن سليمان الأخفش أن رجلا من طيىء قدم يثرب بإبل له يبيعها فنزل في جوار برذع بن عدي أخي بني ظفر فباع إبله واقتضى أثمانها وكان مالك بن أبي كعب بن القين أخو بني سلمة اشترى منه جملا فجعله ناضحا فمطله مالك بن أبي كعب بثمن جمله وحضر شخوص الطائي فشكا ذلك إلى برذع فمشى معه إلى منزل مالك ليكلمه أن يوفيه ثمن جمله أو يرده عليه فلم يجدا مالكا في منزله ووجدا الجمل باركا بالفناء فبعثه برذع وقال للطائي انطلق بجملك ثم خرجا مسرعين حتى دخلا في دار النبيت فأمنا فارتحل الطائي بالجمل إلى بلاده وبلغ مالكا ما صنع برذع فكره أن ينشب بين قومه وبين النبيت حرب فكف وقد أغضبه ذلك وجعل يسفه برذعا في جراءته عليه وما صنع فقال برذع بن عدي في ذلك ( أمِن شَحْط دار من لُبابة تجزعُ ... وصرف النوى مما يُشِتُّ ويَجمعُ ) ( وليس بها إلا ثلاثٌ كأنها ... مُسَفَّعة أو قد علاهنَّ أَيدع ) ( قد اقتربت لو كان في قرب دارها ... جَداء ولكن قد تضَن وتمنع ) ( وكان لها بالمنحنَى وجُنوبِه ... مصيف ومشتىً قبل ذلك ومَرْبع ) ( أتاني وعيد الخزرجيّ كأنني ... ذليل له عند اليهوديّ مَضْرَع ) ( متى تَلْقني لا تلقَ نُهْزةَ واجد ... وتعلمُ أني في الهَزاهز أروع ) ( معي سَمْحة صفراء من فَرْع نَبعةٍ ... ولَيْنٌ إذا مسّ الضريبةَ يقطع ) ( ومطَّرِدٌ لَدْنٌ إذا هُزَّ متنهُ ... متين كخرْصِ الذابلات وأهزع ) ( فلا وإلهي لا يقول مجاوري ... ألا إنني قد خانني اليوم برذع ) ( وأحفظ جاري أن أخاتلَ عِرسه ... ومولاي بالنَّكراء لا أتطلع ) ( وأجعل مالي دون عِرضِيَ إنه ... على الوُجْد والإِعدام عِرض ممنَّع ) ( وأصبرِ نفسي في الكريهة إنه ... لِذِي كل نفس مستقر ومصرع ) ( وإني بحمد الله لا ثوبَ فاجر ... لبِست ولا من خَزْيةٍ أتقنع ) فأجابه مالك بن أبي كعب فقال صوت ( هل للفؤاد لدى شَنْباءَ تنويلُ ... أم لا نوالٌ فإعراضٌ وتحميل ) ( إن النساء كأشجار نبتن معاً ... منهن مُرَ وبعض المُرّ مأكول ) ( إنَّ النساء ولو صُوّرن من ذهب ... فيهن من هفوات الجهل تخبيل ) الغناء لسليم هزج بالوسطى عن الهشامي وبذل ( إنك إن تنهَ إحداهن عن خلق ... فإنه واجب لا بدّ مفعول ) ( ونعجةٍ من نِعاج الرملِ خاذلةٍ ... كأن مَأْقِيهَا بالحسنِ مكحول ) ( ودَّعتها في مُقامي ثم قلت لها ... حياك ربك إني عنكِ مشغول ) ( وليلةٍ من جُمادَى قد شربت بها ... والزِّق بيني وبين الشَّرج مَعدول ) ( ومُرْجَحنٍّ على عمد دَلَفْت به ... كأنه رجل في الصفّ مقتول ) ( ولا أهاب إذا ما الحرب حَرَّشها الأْبطال ... واضطربت فيها البهاليل ) ( أمضِي أمامَهُمُ والموت مكتنِعٌ ... قُدْماً إذا ما كبا فيها التَّنابيل ) ( عليَّ فَضْفاضة كالنِّهي سابغة ... وصارم مثل لون المِلح مصقولُ ) ( ولدنةٌ في يدي صفراء تعْلُبها ... بعامل كشهاب النار موصول ) ( إني من الخزرج الغُرِّ الذين هُم ... أهلُ المكارم لا يلفى لهم جيل ) ( في الحرب أَنْهكَ منهم للعدوّ إذا ... شُبت وأعظَم نَيلاً إن هم سِيلوا ) ( أشبهتُ من والدي عِزَاً ومَكْرُمةً ... وبرذعٌ مُدغَم في الأوس مجهول ) ( نُبِّئته يدَّعي عزاً ويُوعِدني ... نُوكاً وعندي له بالسيف تنكيل ) قال ثم إن مالك بن أبي كعب خرج يوما لبعض حاجته فبينا هو يمشي وحده إذ لقيه برذع ومعه رجلان من بني ظفر فلما رأوا مالكا أقبلوا نحوه فبدرهم مالك إلى مكان من الحرة كثير الحجارة مشرف فقام عليه وأخذ في يده أحجارا وأقبلوا حتى دنوا منه فشاتموه وراموه بالحجارة وجعل مالك يلتفت إلى الطريق الذي جاء منه كأنه يستبطىء ناسا فلما رآه برذع وصاحباه يكثر الالتفات ظنوا أنه ينتظر ناسا كانوا معه وخشوا أن يأتوهم على تلك الحال فانصرفوا عنه فقال مالك بن أبي كعب في ذلك ( لعمرُ أبيها لا تقول حليلتي ... ألا فرَّ عني مالك بن أبي كَعْبِ ) ( أقاتل حتى لا أرى لي مُقاتِلا ... وأنجو إذا غُمّ الجبان من الكَرْب ) ( أبى لِيَ أن أُعْطَى الصَّغار ظلامةً ... جدودي وآبائي الكرامُ أولو السَّلْب ) ( همُ يضربون الكبشَ يَبرقُ بيضُه ... ترى حوله الأبطال في حَلَق شُهْب ) ( وهم أورثوني مجدَهم وفَعالَهم ... فأُقسم لا يُزْرِي بهم أبدا عَقْبي ) ويروى لا يخزيهم ( وأرعَى لجاري ما حييتُ ذِمامه ... وأعرِف ما حقُّ الرفيق على الصحْبِ ) ( ولا أُسمِع النَّدْمان شيئاً يَريبه ... إذا الكأس دارت بالمدام على الشَّرْبِ ) ( إذا ما اعترى بعضُ الندامَى لحاجةٍ ... فقولي له أهلاً وسهلاً وفي الرحب ) ( إذا أنفدُوا الزِّق الرويّ وصُرِّعوا ... نَشَاوَى فلم أقنع بقولهمُ حَسْبي ) ( بعثت إلى حانوتها فاسْتبأتُها ... بغير مِكاس في السَّوام ولا غصْب ) ( وقلت اشربوا رِيًّا هنيئاُ فإنها ... كماء القَليب في اليسارة والقُرب ) ( يطاف عليهم بالسَّديف وعندهم ... قيانٌ يلَهِّينَ المزاهرَ بالضربِ ) ( فإن يصبِروا لِي الدهرَ أَصبِرهم بها ... ويَرْحُبْ لهم باعي ويغزرْ لهم شِرْبي ) ( وكان أبي في المَحْل يطعم ضيفه ... ويُروِي نداماه ويصبِرُ في الحرب ) ( ويمنع مولاه ويدرك تَبْلهَ ... ولو كان ذاك التبلُ في مركبٍ صعب ) ( إذا ما منعت المال منكم لثروةٍ ... فلا يَهْنني مالي ولا ينمُ لي كسبي ) وقد روي أن الشعر المنسوب إلى مالك بن أبي كعب لرجل من مراد يقال له مالك بن أبي كعب وذكر له خبر في ذلك أخبرني به محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عباس عن مجالد عن الشعبي قال كان رجل من مراد يكنى أبا كعب وكان له ابن يدعى مالكا وبنت يقال لها طريفة فزوج ابنه مالكا امرأة من أرحب فلم تزل معه حتى مات أبو كعب فقالت الأرحبية لمالك إني قد اشتقت إلى أهلي ووطني ونحن هاهنا في جدب وضيق عيش فلو ارتحلت بأهلك وبي فنزلت على أهلي لكان عيشنا أرغد وشملنا أجمع فأطاعها وارتحل بها وبأمه وبأخته إلى بلاد أرحب فمر بحي كان بينهم وبين أبيه ثأر فعرفوا فرسه فخرجوا إليه وأحدقوا به وقالوا له استسلم وسلم الظعينة فقال أما وسيفي بيدي وفرسي تحتي فلا وقاتلهم حتى صرع فقال وهو يجود بنفسه ( لعمر أبيها لا تقول حليلتي ... ألا فرَّ عني مالك بن أبي كعب ) وذكر باقي الأبيات التي تقدم ذكرها قبل هذا الخبر قال مؤلف هذا الكتاب وأحسب هذا الخبر مصنوعا وأن الصحيح هو الأول صوت ( خُيِّرتُ أمرين ضاع الحزم بينهما ... إما الضَّياعُ وإما فِتنة عَمَمُ ) ( فقد هممت مِراراً أن أساجلهم ... كأسَ المنيةِ لولا اللهُ والرَّحِمُ ) الشعر لعيسى بن موسى الهاشمي والغناء لمتيم الهاشمية - خفيف رمل - من روايتي ابن المعتز والهشامي أخبار عيسى بن موسى ونسبه عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وقد مضى في عدة مواضع من هذا الكتاب ما تجاوزه نسب هاشم إلى أقصى مدى الأنساب وأمه وأم سائر إخوته وأخواته أم ولد وعيسى ممن ولد ونشأ بالحميمة من أرض الشام وكان من فحول أهله وشجعانهم وذوي النجدة والرأي والبأس والسودد منهم وقبل أن أذكر أخباره فإني أبدأ بالرواية في أن الشعر له إذ كان الشعر ليس من شأنه ولعل منكرا أن ينكر ذلك إذا قرأه أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وعمي قالا حدثنا عبد الله بن أبي سعد ورأيت هذا الخبر بعد ذلك في بعض كتب ابن أبي سعد فقابلت به ما روياه فوجدته موافقا قال ابن أبي سعد حدثني علي بن النطاح قال حدثني أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن عيسى بن موسى قال لما خلع أبو جعفر عيسى بن موسى وبايع للمهدي قال عيسى بن موسى ( خُيِّرْت أمرين ضاع الحزم بينهما ... إما صَغار وإما فتنة عَمَمُ ) ( وقد هممت مِراراً أن أساقِيَهم ... كأس المنية لولا اللهُ والرَّحِم ) ( ولو فعلت لزالت عنهمُ نِعَمٌ ... بكفر أمثالها تُسْتَنْزَل النّقَمُ ) على هذه الرواية في الشعر روى من ذكرت وعلى ما صدرت من الخلاف في الألفاظ يغنى أنشدني طاهر بن عبد الله الهاشمي قال أنشدني ابن بريهة المنصوري هذه الأبيات وحكى أن ناقدا خادم عيسى كان واقفا بين يديه ليلة أتاه خبر المنصور وما دبره عليه من الخلع قال فجعل يتململ على فراشه ويهمهم ثم جلس فأنشد هذه الأبيات فعلمت أنه كان يهمهم بها وسألت الله أن يلهمه العزاء والصبر على ما جرى شفقة عليه قال ابن أبي سعد في الخبر الذي قدمت ذكره عنهم وحدثني محمد بن يوسف الهاشمي قال حدثني عبد الله بن عبد الرحيم قال حدثتني كلثم بنت عيسى قالت قال موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس رأيت في المنام كأني دخلت بستانا فلم آخذ منه إلا عنقودا واحدا عليه من الحب المرصف ما الله به عليم فولد له عيسى بن موسى ثم ولد لعيسى من قد رأيت قال ابن أبي سعد في خبره هذا وحدثني علي بن مسلم الهاشمي قال حدثني عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن مالك مولى عيسى بن موسى قال حدثني أبي قال كنا مع عيسى بن موسى لما سكن الحيرة فأرسل إلي ليلة من الليالي فأخرجني من منزلي فجئت إليه فإذا هو جالس على كرسي فقال لي يا عبد الرحمن لقد سمعت الليلة في داري شيئا ما دخل سمعي قط إلا ليلة بالحميمة والليلة فانظر ما هو فدخلت أستقري الصوت فإذا هو في المطبخ وإذا الطباخون قد اجتمعوا وعندهم رجل من أهل الحيرة يغنيهم بالعود فكسرت العود وأخرجت الرجل وعدت إليه فأخبرته فحلف لي أنه ما سمعه قط إلا تلك الليلة بالحميمة وليلته هذه أخبرني الحرمي بن أبي العلاء والطوسي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الله بن محمد بن المنذر عن صفية بنت الزبير بن هشام بن عروة عن أبيها قال كان عيسى بن موسى إذا حج يحج ناس كثير من أهل المدينة يتعرضون لمعروفه فيصلهم قالت فمر أبي بأبي الشدائد الفزاري وهو ينشد بالمصلى ( عصابة إن حج عيسى حجُّوا ... ) ( وإن أقام بالعراق دَجُّوا ... ) ( قد لَعِقوا لُعَيقةً فلَجُّوا ... ) ( فالقوم قوم حَجُّهم مُعْوَجُّ ... ) ( ما هكذا كان يكون الحج ... ) قال ثم لقي أبو الشدائد بعد ذلك أبي فسلم عليه فلم يردد عليه فقال له مالك يا أبا عبد الله لا ترد السلام علي فقال ألم أسمعك تهجو حاج بيت الله الحرام فقال أبو الشدائد ( إني وَربِّ الكعبةِ المبنيَّهْ ... ) ( واللهِ ما هجوتُ مِن ذِي نيهْ ... ) ( ولا امرىء ذي رِعَةٍ نقيهْ ... ) ( لكنني أُرعي على البريهْ ... ) ( من عُصبةٍ أَغْلَوا على الرِعيهْ ... ) ( بغير أخلاق لهم سَرِيهْ ... ) صوت ( آثار ربع قَدُما ... أعيا جواباً صَمَما ) ( سحت عليه دِيمٌ ... بمائها فانهدَما ) ( كان لسُعَدَى علماً ... فصار وَحْشاً رِمَما ) ( أيامَ سُعدَى سَقَمٌ ... وهي تداوي السَّقَمَا ) الشعر للرقاشي والغناء لابن المكي رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة أخبار الرقاشي ونسبه هو الفضل بن عبد الصمد مولى رقاش وهو من ربيعة وكان مطبوعا سهل الشعر نقي الكلام وقد ناقض أبا نواس وفيه يقول أبو نواس ( وجدنا الفضل أكرم مِن رقاشٍ ... لأن الفضل مولاه الرسول ) أراد أبو نواس بهذا نفيه عن ولائه لأنه كان أكرم ممن ينتمي إليه وذهب أبو نواس إلى قول النبي أنا مولى من لا مولى له وذكر إبراهيم بن تميم عن المعلى بن حميد أن الرقاشي كان من العجم من أهل الري الرقاشي شاعر آل برمك وقد مدح الرقاشي الرشيد وأجازه إلا أن انقطاعه كان إلى آل برمك فأغنوه عن سواهم أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا أحمد بن يزيد المهلبي قال حدثني أبي قال كان الفضل الرقاشي منقطعا إلى آل برمك مستغنيا بهم عن سواهم وكانوا يصولون به على الشعراء ويروون أولادهم أشعاره ويدونون القليل والكثير منها تعصبا له وحفظا لخدمته وتنويها باسمه وتحريكا لنشاطه فحفظ ذلك لهم فلما نكبوا صار إليهم في حبسهم فأقام معهم مدة أيامهم ينشدهم ويسامرهم حتى ماتوا ثم رثاهم فأكثر ونشر محاسنهم وجودهم ومآثرهم فأفرط حتى نشر منها ما كان مطويا وأذاع منها ما كان مستورا وجرى على شاكلته بعدهم وكان كالموقوف المديح على جميعهم صغيرهم وكبيرهم ثم انقطع إلى طاهر وخرج معه إلى خراسان فلم يزل بها معه حتى مات وكان مع تقدمه في الشعر ماجنا خليعا متهاونا بمروءته ودينه وقصيدته التي يوصي فيها بالخلاعة والمجون مشهورة سائرة في الناس مبتذلة في أيدي الخاصة والعامة وهي التي أولها ( أوصَى الرقاشيُّ إلى إخوانِه ... وصِية المحمودِ في نُدْمانِهِ ) وقد رأيت هذه القصيدة بعينها بخط الجاحظ في شعر أبي نعامة من جملة قصيدة له طويلة يهجو فيها جماعة ويأتي في وسطها بقصيدة الرقاشي وقال عبد الله بن المعتز حدثني ابن أبي الخنساء عن أبيه قال لما قال أبو دلف صوت ( ناوليني الرمح قد طال ... عن الحرب جَمامِي ) ( مرّ لي شهران مذْ لم ... أرمِ قوماً بِسِهامِي ) قال الرقاشي يعارضه ( جنبِيني الدّرعَ قد طال ... عن القَصْف جَمامِي ) ( واكسِرِي المِطْرد والبِيْض ... وأثني بالحُسامِ ) ( واقذفي في لُجَّة البحرِ ... بقوسِي وسِهامِي ) ( وبتُرسِي وبرُمحي ... وبِسرجي ولجامِي ) ( فبحسبي أن تَرَيْني ... بين فِتيانٍ كِرام ) ( سادةٍ نغدو مُجدين ... على حَرْب المدامِ ) ( واصطِفاقِ العودِ والناياتِ ... في جوف الظلامِ ) ( هَزْم أرواح دِنانٍ ... لم ننلها باصطلامِ ) ( نهزِم الراح إذا ما ... هَمَّ قوم بانهزامِ ) ( ثم خلِّ الضرب والطعن ... لأجساد وهامِ ) ( لِشقِيّ قال قد طال ... عن الحرب جَمامِي ) رثاؤه العباس البرمكي وجعفر البرمكي أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن موسى عن ابن النطاح قال توفي العباس بن محمد بن خالد بن برمك بالخلد والرشيد بالرصافة في يوم جمعة فأخرجت جنازته مع العصر وحضر الرشيد والأمين وأخرجت المضارب إلى مقابر البرامكة بباب البردان وفرش للرشيد في مسجد هناك وجاء الرشيد في الحلق بالأعلام والحراب فصلى عليه ووقف على قبره حتى دفن فلما خرج يحيى ومحمد أخواه من القبر قبلا يد الرشيد وسألاه الانصراف فقال لا حتى يسوى عليه التراب ولم يزل قائما حتى فرغ من أمره وعزاهما وأمرهما بالركوب فقال الرقاشي يرثي العباس بن محمد بن خالد بن برمك ( أتحسِبني باكرتُ بعدك لذة ... أبا الفضل أو رَفَّعت عن عاتقٍ سِترا ) ( أوِ انتفعت عينايَ بعدُ بنظرة ... أَو ادْنيتُ من كأسٍ بمشمولة ثغرا ) ( جفانِي إذن يوما إلى الليل مؤنِسي ... وأضحت يميني من ذخائرها صفرا ) ( ولكنني استشعرت ثوب استكانة ... وبِتُّ كأن الموت يحفِر لي قبرا ) غنى في الأول والثاني من هذه الأبيات الرف ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشامي وعبد الله بن موسى وفيه ثقيل أول مجهول أحسبه لبعض جواري البرامكة وفيهما لإبراهيم بن المهدي خفيف رمل عن عبد الله بن موسى ومن ذلك قوله في جعفر ( كم هاتفٍ بك من باكٍ وباكيةٍ ... يا طيبَ للضيفِ إذ تُدْعَى وللجارِ ) ( إن يُعْدَمِ القطر كنتَ المُزنَ بارقُه ... لمعُ الدنانيرِ لا ما خيِّل السارِي ) وقوله ( لعمرك ما بالموت عار على الفتى ... إذا لم تصبه في الحياة المَعايِرُ ) ( وما أحد حيٌّ وإن كان سالماً ... بأسلم ممن غيبته المقابرُ ) ( ومن كان مما يُحدث الدهر جازِعاً ... فلا بد يوماً أن يُرِى وهو صابر ) ( وليس لذي عيش عن الموت مَقْصَرٌ ... وليس على الأيام والدهر غابر ) ( وكل شباب أو جديد إلى البِلى ... وكل امرىء يوماً إلى الله صائر ) ( فلا يُبْعدَنْك الله عني جعفراً ... بِروحي ولو دارت عليَّ الدّوائر ) ( فآليْت لا أنفكُّ أَبكيك ما دَعتْ ... على فَنَنٍ ورقاءُ أو طار طائر ) أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان عن عبد العزيز بن أبي ثابت عن محمد بن عبد العزيز أن الرقاشي الشاعر فني في حب البرامكة حتى خيف عليه أخبرني محمد بن القاسم الأنباري قال حدثني أبي عن أبي عكرمة قال وأخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن موسى عن إسماعيل بن مجمع عن أحمد بن الحارث عن المدائني أنه لما دارت الدوائر على آل برمك وأمر بقتل جعفر بن يحيى وصلب اجتاز به الرقاشي الشاعر وهو على الجذع فوقف يبكي أحر بكاء ثم أنشأ يقول ( أما واللهِ لولا خوف واشٍ ... وعين للخليفة لا تنامُ ) ( لَطُفنا حول جِذعك واستلمنا ... كما للناس بالحَجَر استلام ) ( فما أبصرتُ قبلك يابن يحيى ... حساماً قدَّهُ السيفُ الحسام ) ( على اللذات والدنيا جميعاً ... ودولة آلِ برمكٍ السلام ) فكتب أصحاب الأخبار بذلك إلى الرشيد فأحضره فقال له ما حملك على ما قلت فقال يا أمير المؤمنين كان إلي محسنا فلما رأيته على الحال التي هو عليها حركني إحسانه فما ملكت نفسي حتى قلت الذي قلت قال وكم كان يجري عليك قال ألف دينار في كل سنة قال فإنا قد أضعفناها لك أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي أبو دلف قال حدثنا الرياشي قال كان الفضل الرقاشي يجلس إلى إخوان له يحادثهم ويألفونه ويأنسون به فتفرقوا في طلب المعاش وترامت بهم الأسفار فمر الرقاشي بمجلسهم الذي كانوا يجلسون فيه فوقف فيه طويلا ثم استعبر وقال ( لولا التطيُّر قلتُ غيَّركم ... ريبُ الزمان فخنتُم عهدي ) ( درستْ معالمُ كنت آلِفُها ... من بعدكمْ وتغيرتْ عندِي ) أخبرني محمد بن جعفر الصيدلاني النحوي قال حدثنا محمد بن القاسم قال حدثني أبو هفان عن يوسف بن الداية قال كان أبو نواس والفضل الرقاشي جالسين فجاءهما عمرو الوراق فقال رأيت جارية خرجت من دور آل سليمان بن علي فما رأيت جارية أحسن منها هيفاء نجلاء زجاء دعجاء كأنها خوط بان أو جدل عنان فخاطبتها فأجابتني بأحلى لفظ وأحسن لسان وأجمل خطاب فقال الرقاشي قد والله عشقتها فقال أبو نواس أو تعرفها قال لا والله ولكن بالصفة ثم أنشأ يقول ( صفاتٌ وظَنٌّ أورثا القلب لوعةً ... تضرَّم في أحشاء قلب متيَّمِ ) ( تُمَثِّلها نفسي لعيني فانثنى ... إليها بطرف الناظر المتوسِّم ) ( يحمِّلني حبِّي لها فوق طاقتي ... من الشوق دأْبَ الحائرِ المتقسَّم ) أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عبد الرحيم بن أحمد بن زيد الحراني قال قيل لابن دراج الطفيلي أتتطفل على الرؤوس قال وكيف لي بها قيل إن فلانا وفلانا قد اشترياها ودخلا بستان ابن بزيع فخرج يحضر خوفا من فوتهما فوجدهما قد لوحا بالعظام فوقف عليها ينظر ثم استعبر وتمثل قول الرقاشي ( آثار رَبْع قَدُما ... أعيا جوابي صَمَمَا ) وابن دراج هذا يقال له عثمان وهو مولى لكندة وكان في زمن المأمون وله شعر مليح وأدب صالح وأخبار طيبة يجري ذكرها ههنا أخبار ابن دراج الطفيلي أخبرني الجوهري عن ابن مهرويه عن أبيه قال قيل لعثمان بن دراج أتعرف بستان فلان قال إي والله وإنه للجنة الحاضرة في الدنيا قيل له فلم لا تدخل إليه فتأكل من ثماره تحت أشجاره وتسبح في أنهاره قال لأن فيه كلبا لا يتمضمض إلا بدماء عراقيب الرجال أخبرني الجوهري قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا عبد الرحيم بن أحمد بن زيد الحراني قال كان عثمان بن دراج يلزم سعيد بن عبد الكريم الخطابي أحد ولد زيد بن الخطاب فقال له ويحك إني أبخل بأدبك وعلمك وأصونك وأضن بك عما أنت فيه من التطفيل ولي وظيفة راتبة في كل يوم فالزمني وكن مدعوا أصلح لك مما تفعل فقال رحمك الله أين يذهب بك فأين لذة الجديد وطيب التنقل كل يوم من مكان إلى مكان وأين نيلك ووظيفتك من احتفال الأعراس وأين ألوانك من ألوان الوليمة قال فأما إذا أبيت ذاك فإذا ضاقت عليك المذاهب فإني فيئة لك قال أما هذا فنعم فبينا هو عنده ذات يوم إذ أتت الخطابي مولاة له فقالت جعلت فداك زوجت ابنتي من ابن عم لها ومنزلي بين قوم طفيليين لا آمنهم أن يهجموا علي فيأكلوا ما صنعت ويبقى من دعوت فوجه معي بمن يمنعهم فقال نعم هذا أبو سعيد قم معها يا أبا سعيد فقال مري بين يدي وقام وهو يقول ( ضجت تميمٌ أن تُقَتَّل عامرٌ ... يومَ النسار فأُعتِبوا بالصَّيْلم ) قال وقال الخطابي هذا لابن دراج كيف تصنع بأهل العرس إذا لم يدخلوك قال أنوح على بابهم فيتطيرون بذلك فيدخلوني قال وقال له رجل ما هذه الصفرة في لونك قال من الفترة بين القصفين ومن خوفي كل يوم من نفاد الطعام قبل أن أشبع أخبرني أحمد قال حدثنا ابن مهرويه عن عبد الرحيم بن أحمد أن ابن دراج صار إلى باب علي بن زيد أيام كان يكتب للعباس بن المأمون فحجبه الحاجب وقال ليس هذا وقتك قد رأيت القواد يحجبون فكيف يؤذن لك أنت قال ليست سبيلي سبيلهم لأنه يحب أن يراني ويكره أن يراهم فلم يأذن له فبيناهما على ذلك إذ خرج علي بن زيد فقال ما منعك يا أبا سعيد أن تدخل فقال منعني هذا البغيض فالتفت إلى الحاجب فقال بلغ بك بغضك أن تحجب هذا ثم قال يا أبا سعيد ما أهديت إلي من النوادر قال مرت بي جنازة ومعي ابني ومع الجنازة امرأة تبكيه تقول بك يذهبون إلى بيت لا فرش فيه ولا وطاء ولا ضيافة ولا غطاء ولا خبز فيه ولا ماء فقال لي ابني يا أبة إلى بيتنا والله يذهبون بهذه الجنازة فقلت له وكيف ويلك قال لأن هذه صفة بيتنا فضحك علي وقال قد أمرت لك بثلاث مئة درهم قال قد وفر الله عليك نصفها على أن أتغدى معك قال وكان عثمان مع تطفيله أشره الناس فقال هي عليك موفرة كلها وتتغدى معنا وعثمان بن دراج الذي يقول ( لذةَ التطفيل دُومي ... وأقيمي لا تَرِيمي ) ( أنتِ تشفين غليلي ... وتسلِّين همومي ) عود إلى الرقاشي أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا العكلي قال دخل الرقاشي على بعض أمراء الصدقة فقال له قد أصبح خضابك قانيا قال لأني أمسيت له معانيا قال وكيف تفعله قال أنعم الحناء عجنا واجعل ماءه سخنا وأروي شعري قبله دهنا فإن بات قنا وإن لم يفعل أغنى صوت ( من لعين رأت خيالاً مطِيفا ... واقفاً هكذا علينا وقوفا ) ( طارقا موهِناً ألم فحيا ... ثم ولَّى فهاج قلباً ضعيفاً ) ( ليت نفسي وليت أنفس قومِي ... يا يزيد الندى تقيك الحتوفا ) ( عَتَكِي مُهَلَّبي كريم ... حاتمي قد نال فرعا منيفا ) عروضه من الخفيف والشعر لربيعة الرقي يمدح يزيد بن حاتم المهلبي والغناء لعبد الرحيم الرف - خفيف رمل - بالوسطى عن عمرو أخبار ربيعة الرقي ونسبه هو ربيعة بن ثابت الأنصاري ويكنى أبا شبابة وقيل إنه كان يكنى أبا ثابت وكان ينزل الرقة وبها مولده ومنشؤه فأشخصه المهدي إليه فمدحه بعدة قصائد وأثابه عليها ثوابا كثيرا وهو من المكثرين المجيدين وكان ضريرا وإنما أخمل ذكره وأسقطه عن طبقته بعده عن العراق وتركه خدمة الخلفاء ومخالطة الشعراء وعلى ذلك فما عدم مفضلا لشعره مقدما له أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا محمد بن داود عن ابن أبي خيثمة عن دعبل قال قلت لمروان بن أبي حفصة من أشعركم جماعة المحدثين يا أبا السمط قال أشعرنا أسيرنا بيتا قلت ومن هو قال ربيعة الرقي الذي يقول ( لَشتانَ ما بين اليزيدينِ في الندى ... يزيد سُلَيم والأغر ابن حاتم ) وهذا البيت من قصيدة له مدح بها يزيد بن حاتم المهلبي وهجا يزيد بن أسيد السلمي وبعد البيت الذي ذكره مروان ( يزيد سُلَيم سالم المالِ والفتى ... أخو الأزدِ للأموال غير مُسالِم ) ( فهَمُّ الفتى الأزديّ إتلاف مالِه ... وهم الفتى القيسيّ جمع الدراهم ) ( فلا يحسَبِ التَّمتام أني هجوتُه ... ولكنني فضلت أهل المكارمِ ) ( فيابن أُسَيد لا تسامِ ابن حاتم ... فتقرَعَ إن ساميتَه سِنَّ نادم ) ( هو البحر إن كَلَّفت نفسك خوضه ... تهالكتَ في موج له متلاطمِ ) أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أسيد بن خالد الأنصاري قال قلت لأبي زيد النحوي إن الأصمعي قال لا يقال شتان ما بينهما إنما يقال شتان ما هما وأنشد قول الأعشى ( شتانَ ما يومى على كُورها ... ) فقال كذب الأصمعي يقال شتان ما هما وشتان ما بينهما وأنشدني لربيعة الرقي واحتج به ( لشتانَ ما بين اليزيدينِ في الندى ... يزيد سُلَيم والأغرّ ابن حاتم ) وفي استشهاد مثل أبي زيد على دفع مثل قول الأصمعي بشعر ربيعة الرقي كفاية له في تفضيله وذكره عبد الله بن المعتز فقال كان ربيعة أشعر غزلا من أبي نواس لأن في غزل أبي نواس بردا كثيرا وغزل هذا سليم سهل عذب نسخت من كتاب لعمي حدثنا ابن أبي فنن قال اشتهى جواري المهدي أن يسمعن ربيعة الرقي فوجه إليه المهدي من أخذه من مسجده بالرقة وحمل على البريد حتى قدم به على المهدي فأدخل عليه فسمع ربيعة حسا من وراء الستر فقال إني أسمع حسا يا أمير المؤمنين فقال اسكت يابن اللخناء واستنشده ما أراد فضحك وضحكن منه قال وكان فيه لين وكذلك كان أبو العتاهية ثم أجازه جائزة سنية فقال له ( يا أمير المؤمنينَ اللّه ... سَمّاك الأمينا ) ( سَرقوني من بلادِي ... يا أمير المؤمنينا ) ( سرقوني فاقضِ فيهم ... بجزاءِ السارقينا ) قال قد قضيت فيهم أن يردوك إلى حيث أخذوك ثم أمر به فحمل على البريد من ساعته إلى الرقة وفي يزيد بن حاتم يقول أيضا ( يزيدَ الأزدِ إن يزيدَ قومِي ... سميَّك لا يجود كما تجودُ ) ( يقودُ جماعة وتقودُ أخرى ... فترزُقُ من تقود ومن يقود ) ( فما تِسعون يَحقرها ثلاث ... يقيم حسابَها رجل شديد ) ( وكفّ شَثْنة جُمِعَتْ لوَجْءٍ ... بأنكدَ من عطائك يا يزيد ) كان السبب في غضب الرشيد على العباس بن محمد أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني قال امتدح ربيعة الرقي العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بقصيدة لم يسبق إليها حسنا وهي طويلة يقول فيها صوت ( لو قيل للعباس يا بن محمدٍ ... قل لا وأنت مخلَّد ما قالِها ) ( ما إن أَعُدُّ من المكارم خَصْلة ... إلا وجدتك عمها أو خالَها ) ( وإذا الملوك تسايروا في بلدة ... كانوا كواكبها وكنت هلالَها ) ( إن المكارم لم تزل معقولة ... حتى حللت براحتيك عِقَالها ) في البيت الأول والبيت الأخير - خفيف رمل - بالوسطى يقال إنه لإبراهيم ويقال إنه للحسين بن محرز قال فبعث إليه بدينارين وكان يقدر فيه ألفين فلما نظر إلى الدينارين كاد يجن غيظا وقال للرسول خذ الدينارين فهما لك على أن ترد الرقعة من حيث لا يدري العباس ففعل الرسول ذلك فأخذها ربيعة وأمر من كتب في ظهرها ( مدحتك مِدحةَ السيفِ المُحَلَّى ... لتجريَ في الكرامِ كما جريتُ ) ( فهبها مِدحةً ذهبت ضَياعا ... كذبتُ عليك فيها وافتريتُ ) ( فأنت المرءُ ليس له وفاءٌ ... كأني إذ مدحتك قد رثَيتُ ) ثم دفعها إلى الرسول وقال له ضعها في الموضع الذي أخذتها منه فردها الرسول في موضعها فلما كان من الغد أخذها العباس فنظر فيها فلما قرأ الأبيات غضب وقام من وقته فركب إلى الرشيد وكان أثيرا عنده يبجله ويقدمه وكان قد هم أن يخطب إليه ابنته فرأى الكراهة في وجهه فقال ما شأنك قال هجاني ربيعة الرقي فأحضر فقال له الرشيد يا ماص كذا وكذا من أمه أتهجو عمي وآثر الخلق عندي لقد هممت أن أضرب عنقك فقال والله يا أمير المؤمنين لقد مدحته بقصيدة ما قال مثلها أحد من الشعراء في أحد من الخلفاء ولقد بالغت في الثناء وأكثرت في الوصف فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمره بإحضارها فلما سمع الرشيد ذلك منه سكن غضبه وأحب أن ينظر في القصيدة فأمر العباس بإحضار الرقعة فتلكأ عليه العباس ساعة فقال له الرشيد سألتك بحق أمير المؤمنين إلا أمرت بإحضارها فعلم العباس أنه قد أخطأ وغلط فأمر بإحضارها فأحضرت فأخذها الرشيد وإذا فيها القصيدة بعينها فاستحسنها واستجادها وأعجب بها وقال والله ما قال أحد من الشعراء في أحد من الخلفاء مثلها لقد صدق ربيعة وبر ثم قال للعباس كم أثبته عليها فسكت العباس وتغير لونه وجرض بريقه فقال ربيعة أثابني عليها يا أمير المؤمنين بدينارين فتوهم الرشيد أنه قال ذلك من الموجدة على العباس فقال بحياتي يا رقي كم أثابك قال وحياتك يا أمير المؤمنين ما أثابني إلا بدينارين فغضب الرشيد غضبا شديدا ونظر في وجه العباس بن محمد وقال سوءة لك أية حال قعدت بك عن إثابته أقلة المال فوالله لقد مولتك جهدي أم انقطاع المادة عنك فوالله ما انقطعت عنك أم أصلك فهو الأصل لا يدانيه شيء أم نفسك فلا ذنب لي بل نفسك فعلت ذلك بك حتى فضحت أباك وأجدادك وفضحتني ونفسك فنكس العباس رأسه ولم ينطق فقال الرشيد يا غلام أعط ربيعة ثلاثين ألف درهم وخلعة واحمله على بغلة فلما حمل المال بين يديه والبس الخلعة قال له الرشيد بحياتي يا رقي لا تذكره في شيء من شعرك تعريضا ولا تصريحا وفتر الرشيد عما كان هم به أن يتزوج إليه وظهر منه له بعد ذلك جفاء كثير واطراح عبثه بالعباس بن محمد بحضرة الرشيد أخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال حدثني أحمد بن أبي فنن الشاعر قال حدثني من لا أحصي من الجلساء أن ربيعة الرقي كان لا يزال يعبث بالعباس بن محمد بحضرة الرشيد العبث الذي يبلغ منه منذ جرى بينهما في مديحه إياه ما جرى من حيث لا يتعلق عليه فيه بشيء فجاء العباس يوما إلى الرشيد ببرنية فيها غالية فوضعها بين يديه ثم قال هذه يا أمير المؤمنين غالية صنعتها لك بيدي اختير عنبرها من شحر عمان ومسكها من مفاوز التبت وبانها من قعر تهامة فالفضائل كلها مجموعة فيها والنعت يقصر عنها فاعترضه ربيعة فقال ما رأيت أعجب منك ومن صفتك لهذه الغالية عند من إليه كل موصوف يجلب وفي سوقه ينفق وبه إليه يتقرب وما قدر غاليتك هذه أعزك الله حتى تبلغ في وصفها ما بلغت أأجريت بها إليه نهرا أم حملت إليه منها وقرا إن تعظيمك هذا عند من تجبى إليه خزائن الأرض وأموالها من كل بلدة وتذل لهيبته جبابرة الملوك المطيعة والمخالفة وتتحفه بطرف بلدانها وبدائع ممالكها حتى كأنك قد فقت به على كل ما عنده أو أبدعت له ما لا يعرفه أو خصصته بما لم يحوه ملكه لا تخلو فيه من ضعف أو قصر همة أنشدك الله يا أمير المؤمنين إلا جعلت حظي من كل جائزة وفائدة توصلها إلي مدة سنتي الغالية حتى أتلقاها بحقها فقال ادفعوها إليه فدفعت إليه فأدخل يده فيها وأخرج ملئها وحل سراويله وأدخل يده فطلى بها استه وأخذ حفنة أخرى وطلى بها ذكره وأنثييه وأخرج حفنتين فجعلهما تحت إبطيه ثم قال يا أمير المؤمنين مر غلامي أن يدخل إلي فقال أدخلوه إليه وهو يضحك فأدخلوه إليه فدفع إليه البرنية غير مختومة وقال اذهب إلى جاريتي فلانة بهذه البرنية وقل لها طيبي بها حرك واستك وإبطيك حتى أجيء الساعة وأنيكك فأخذها الغلام ومضى وضحك الرشيد حتى غشي عليه وكاد العباس يموت غيظا ثم قام فانصرف وأمر الرشيد لربيعة بثلاثين ألف درهم وذكر علي بن الحسين بن عبد الأعلى أنه رأى قصيدة لربيعة الرقي مكتوبة في دور بساط من بسط السلطان قديم وكان مبسوطا في دار العامة بسر من رأى فنسخها منه وهي قوله صوت ( وتزعم أني قد تبدَّلت خُلَّةً ... سِواها وهذا الباطل المتقَوَّلُ ) ( لحا الله من باع الصديقَ بغيرِه ... فقالت نعم حاشاك إن كنت تفعلُ ) ( سَتصرِم إنساناً إذا ما صَرَمتني ... يحبكَ فانظر بعدَه من تَبدَّل ) في هذه الأبيات الثلاثة الأبيات لحن من الثقيل الأول ينسب إلى إبراهيم الموصلي وإلى إبراهيم بن المهدي وفيه لعريب رمل من رواية ابن المعتز وكان سبب إغراق ربيعة في هجاء يزيد بن أسيد أنه زاره يستميحه لقضاء دين كان عليه فلم يجد عنده ما أحب وبلغ ذلك يزيد بن حاتم المهلبي فطفل على قضاء دينه وبره فاستفرغ ربيعة جهده في مدحه وله فيه عدة قصائد مختارة يطول ذكرها وقد كان أبو الشمقمق عارضه في قوله ( لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر ابن حاتم ) في قصيدة مدح بها يزيد بن مزيد وسلخ بيت الرقي بل نقله وقال ( لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... إذا عُد في الناس المكارمُ والمجدُ ) ( يزيدُ بني شَيبانَ أكرم منهما ... وإن غضبت قيسُ بن عَيلانَ والأَزدُ ) ( فتى لم تلِده من رُعَين قبيلةٌ ... ولا لَخْمُ تنميه ولم تنمه نَهْدُ ) ( ولكن نمته الغُرُّ من آل وائلٍ ... وبَرّةُ تَنميه ومِن بعدها هند ) ولم يسر في هذا المعنى شيء كما سار بيت ربيعة أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا محمد بن داود بن الجراح قال حدثنا محمد بن أبي الأزهر قال عرض نخاس على أحمد بن يزيد بن أسيد الذي هجاه ربيعة جواري فاختار جاريتين منهن ثم قال للنخاس أيتهما أحب إليك قال بينهما أعز الله الأمير كما قال الشاعر ( لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيدِ سليم والأغرّ ابن حاتم ) فأمر بجر رجله وجواريه أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال لما حج الرشيد لقيه قبل دخوله مكة رجلان من قريش فانتسب له أحدهما ثم قال يا أمير المؤمنين نهكتنا النوائب وأجحفت بأموالنا المصائب ولنا بك رحم أنت أولى من وصلها وأمل أنت أحق من صدقه فما بعدك مطلب ولا عنك مذهب ولا فوقك مسؤول ولا مثلك مأمول وتكلم الآخر فلم يأت بشيء فوصلهما وفضل الأول تفضيلا كثيرا ثم أقبل على الفضل بن الربيع فقال يا فضل ( لشتانَ ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سُلَيم والأغرّ ابن حاتم ) سبب هجائه ليزيد بن أسيد قال أحمد بن أبي طاهر حدثني أبو دعامة علي بن زيد بن عطاء الملط قال لما هجا ربيعة يزيد بن أسيد السلمي وكان جليلا عند المنصور والمهدي وفضل عليه يزيد بن حاتم قلت لربيعة يا أبا شبابة ما حملك على أن هجوت رجلا من قومك وفضلت عليه رجلا من الأزد فقال أخبرك أملقت فلم يبق لي شيء إلا داري فرهنتها على خمس مئة درهم ورحلت إليه إلى أرمينية فأعلمته ذلك ومدحته وأقمت عنده حولا فوهب لي خمس مئة درهم فتحملت وصرت بها إلى منزلي فلم يبقي معي كبير شيء فنزلت في دار بكراء فقلت لو أتيت يزيد بن حاتم ثم قلت هذا ابن عمي فعل بي هذا الفعل فكيف غيره ثم حملت نفسي على أن أتيته فأعلم بمكاني فتركني شهرا حتى ضجرت فأكريت نفسي من الحمالين وكتبت بيتا في رقعة وطرحتها في دهليزه والبيت ( أراني ولا كفران لله راجعا ... بخُفَّيْ حنينٍ من يزيدَ بن حاتم ) فوقعت الرقعة في يد حاجبه فأوصلها إليه من غير علمي ولا أمري فبعث خلفي فلما دخلت عليه قال هيه أنشدني ما قلت فتمنعت فقال والله لتنشدني فأنشدته فقال والله لا ترجع كذلك ثم قال انزعوا خفيه فنزعا فحشاهما دنانير وأمر لي بغلمان وجوار وكسا أفلا ترى لي أن أمدح هذا وأهجو ذاك قلت بلى والله ثم قال وسار شعري حتى بلغ المهدي فكان سبب دخولي إليه أخبرني الحسن بن علي الأدمي قال حدثني محمد بن الحسن بن عباد بن الشهيد القرقيسياني قال حدثني عمي عبد الله بن عباد أن ربيعة بن ثابت الرقي الأسدي كان يلقب الغاوي وكان يهوى جارية يقال لها عثمة أمة لرجل من أهل قرقيسياء يقال له ابن مرار وكان بنو هاشم في سلطانهم قد ولوه مصر فأصاب بها مالا عظيما وبلغه خبر ربيعة مع جاريته فأحضره وعرض عليه أن يهبها له فقال لا تهبها لي فإن كل مبذول مملول وأكره أن يذهب حبها من قلبي ولكن دعني أواصلها هكذا فهو أحب إلي قال وقال فيها ( اعتاد قلبَك من حبيبك عِيدُهُ ... شوقٌ عَراك فأنت عنه تذُودُهُ ) ( والشوق قد غلب الفؤاد فقاده ... والشوق يغلب ذا الهوى فيقودُه ) ( في دار مَرَّار غزالُ كَنِيسة ... عَطِرٌ عليه خُزوزه وبُروده ) ( ريِمٌ أغر كأنه من حسنه ... صنم يُحَجُّ ببِيعه معبوده ) ( عيناه عينا جؤذَر بصَريمة ... وله من الظبي المربَّب جِيده ) ( ما ضرُّ عَثْمة أن تُلِم بعاشق ... دنِفِ الفؤاد متيم فتعودُه ) ( وتَلُده من رِيقها فلربما ... نفع السقيم من السَّقام لَدودُه ) وهي قصيدة طويلة مدح فيها بعض ولد يزيد بن المهلب أخبرني يحيى بن علي قال حدثني أبي عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن أبي بشر الفزاري قال لقي ربيعة الرقي معن بن زائدة في قدمة قدمها إلى العراق فامتدحه بقصيدة وأنشده إياها راويته فلم يهش له معن ولا رضي ربيعة لقاءه إياه وأثابه ثوابا نزرا فرده ربيعة وهجاه هجاء كثيرا فمما هجاه به قوله ( معنُ يا معنُ يا بنَ زائدةِ الكلْب ... التي في الذراع لا في البنانِ ) ( لا تفاخر إذا فخرت بآبائك ... وافخر بعمك الحَوْفزانِ ) ( فهشام من وائلٍ في مكانٍ ... أنت ترضى بدون ذاك المكانِ ) ( ومتى كنت يابن ظَبية ترجو ... أن تُثَنِّي على ابنةِ الغضَبان ) ( وهي حَوْراء كالمَهاة هِجانٌ ... لهجانٍ وأنت غير هِجان ) ( وبنات السَّلِيل عند بني ظبية ... أفٍّ لكم بني شيبانِ ) ( قيل معن لنا فلما اختبرنا ... كان مرعىً وليس كالسَّعْدانِ ) قال أبو بشر ظبية التي عيره بها أمة كانت لبني نهار بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان لقيها عبد الله بن زائدة بن مطر بن شريك وكانت راعية لأهلها وهي في غنمها فسرقها ووقع عليها فولدت له زائدة بن عبد الله أبا معن بن زائدة ودجاجة بنت عبد الله قال وبنت السليل التي عناها امرأة من ولد الحوفزان أخبرني يحيى عن أبيه عن إسحاق عن أبي بشر الفزاري قال كان ربيعة الرقي يهوى جارية لرجل من أهل الكوفة يقال لها عثمة وكان أهلها ينزلون في جوار جعفي فقال فيها في أبيات له ( جُعْفيّ جيرانُها فقد عَطِرت ... جعفِيّ من نشرِها ورياها ) فقال له رجل من جعفي وأنا جار لها بيت بيت والله ما شممت من دارهم ريحا طيبة قط فتشمم ربيعة رائحته وقال وما ذنبي إذا كنت أخشم والله إني لأجد ريحها وريح طيبها منك وأنت لا تجده من نفسك أخبرني يحيى عن أبيه عن إسحاق عن أبي بشر قال كنت حاضرا ربيعة الرقي يوما وجاءته امرأة من منزل هذه الجارية فقالت تقول لك فلانة إن بنت مولاي محمومة فإن كنت تعرف عوذة تكتبها لها فافعل فقال اكتب لها يا أبا بشر هذه العوذة ( تفُو تفُو باسم إلهي الذي ... لا يعرِض السقم لمن قد شَفَى ) ( أعِيذ مولاتِي ومولاتَها ... وابنتها بعُوذة المصطفَى ) ( من شرّ ما يعرِض من عِلة ... في الصبح والليل إذا أسْدفا ) قال فقلت له يا أبا ثابت لست أحسن أن أكتب تفو تفو فكيف أكتبها قال انضح المداد من رأس القلم في موضعين حتى يكون كالنفث وادفع العوذة إليها فإنها نافعة ففعلت ودفعتها إليها فلم تلبث أن جاءتنا الجارية وهي لا تتمالك ضحكا فقالت له يا مجنون ما فعلت بنا كدنا والله نفتضح بما صنعت قال فما أصنع بك أشاعر أنا أم صاحب تعاويذ صوت ( ألا مَنْ بَيّن الأَخَوينِ ... أُمُّهما هي الثكلى ) ( تسائل من رأى ابنيها ... وتستشفي فما تُشفَى ) ( فلما استيأست رجعت ... بعبرة والهٍ حَرَّى ) ( تتابِعُ بين وَلولة ... وبين مدامعٍ تَتْرى ) عروضه من - الهزج - الشعر لجويرية بنت خالد بن قارظ الكنانية وتكنى أم حكيم زوجة عبيد الله بن عبد المطلب في ابنيها اللذين قتلهما بسر بن أرطأة أحد بني عامر بن لؤي باليمن والغناء لابن سريج ولحنه من القدر الأوسط من - الثقيل - الأول بالخنصر في مجرى البنصر وفيه لحنين الحيري ثاني - ثقيل - عن الهشامي وفيه لأبي سعيد مولى فائد - خفيف ثقيل - الأول مطلق في مجرى الوسطى ذكر الخبر في مقتل ابني عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب أخبرني بالسبب في ذلك محمد بن أحمد بن الطلاس قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا علي بن محمد المدائني عن أبي مخنف عن جويرية بن أسماء والصقعب بن زهير وأبي بكر الهذلي عن أبي عمرو الوقاصي أن معاوية بن أبي سفيان بعث بسر بن أرطاة أحد بني عامر بن لؤي بعد تحكيم الحكمين وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يومئذ حي وبعث معه جيشا ووجه برجل من غامد ضم إليه جيشا آخر ووجه الضحاك بن قيس الفهري في جيش آخر وأمرهم أن يسيروا في البلاد فيقتلوا كل من وجدوه من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام وأصحابه وأن يغيروا على سائر أعماله ويقتلوا أصحابه ولا يكفوا أيديهم عن النساء والصبيان فمضى بسر لذلك على وجهه حتى انتهى إلى المدينة فقتل بها ناسا من أصحاب علي عليه السلام وأهل هواه وهدم بها دورا من دور القوم ومضى إلى مكة فقتل نفرا من آل أبي لهب ثم أتى السراة فقتل من بها من أصحابه وأتى نجران فقتل عبد الله بن عبد المدان الحارثي وابنه وكانا من أصهار بني العباس ثم أتى اليمن وعليها عبيد الله بن العباس عاملا لعلي بن أبي طالب وكان غائبا وقيل بل هرب لما بلغه خبر بسر فلم يصادفه بسر ووجد ابنين له صبيين فأخذهما بسر لعنه الله وذبحهما بيده بمدية كانت معه ثم انكفأ راجعا إلى معاوية وفعل مثل ذلك سائر من بعث به فقصد الغامدي إلى الأنبار فقتل ابن حسان البكري وقتل رجالا ونساء من الشيعة خطبة الجهاد لعلي فحدثني العباس بن علي بن العباس النسائي قال حدثنا محمد بن حسان الأزرق قال حدثنا شبابة بن سوار قال حدثنا قيس بن الربيع عن عمرو بن قيس عن أبي صادق قال أغارت خيل لمعاوية على الأنبار فقتلوا عاملا لعلي عليه السلام يقال له حسان بن حسان وقتلوا رجالا كثيرا ونساء فبلغ ذلك علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فخرج حتى أتى المنبر فرقيه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ثم قال إن الجهاد باب من أبواب الجنة فمن تركه ألبسه الله ثوب الذلة وشمله البلاء وديث بالصغار وسيم الخسف وقد قلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم فإنه لم يغز قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا فتواكلتم وتخاذلتم وتركتم قولي وراءكم ظهريا حتى شنت عليكم الغارات هذا أخو غامد قد جاء الأنبار فقتل عاملي عليها حسان بن حسان وقتل رجالا كثيرا ونساء والله لقد بلغني أنه كان يأتي المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينزع حجلها ورعاثها ثم ينصرفون موفورين لم يكلم أحد منهم كلما فلو أن امرأ مسلما مات من دون هذا أسفا لم يكن عليه ملوما بل كان به جديرا يا عجبا عجبا يميت القلب ويشعل الأحزان من اجتماع هؤلاء القوم على ضلالتهم وباطلهم وفشلكم عن حقكم حتى صرتم غرضا ترمون ولا ترمون وتغزون ولا تغزون ويعصى الله وترضون إذا قلت لكم اغزوهم في الحر قلتم هذه حمارة القيظ فأمهلنا وإذا قلت لكم اغزوهم في البرد قلتم هذا أوان قر وصر فأمهلنا فإذا كنتم من الحر والبرد تفرون فأنتم والله من السيف أشد فرارا يا أشباه الرجال ولا رجال ويا طغام الأحلام وعقول ربات الحجال وددت والله أني لم أعرفكم بل وددت أني لم أركم معرفة والله جرعت بلاء وندما وملأتم جوفي غيظا بالعصيان والخذلان حتى لقد قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب ويحهم هل فيهم أشد مراسا لها مني والله لقد دخلت فيها وأنا ابن عشرين وأنا الآن قد نيفت على الستين ولكن لا رأي لمن لا يطاع فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين أنا كما قال الله تعالى ( لا أملك إلا نفسي وأخي ) فمرنا بأمرك فوالله لنطيعنك ولو حال بيننا وبينك جمر الغضى وشوك القتاد قال وأين تبلغان مما أريد هذا أو نحوه ثم نزل رسائل بين علي وأخيه عقيل حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله بن محمد قال حدثني جعفر بن بشير قال حدثني صالح بن يزيد الخراساني عن أبي مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن ابن أبي الكنود عبد الرحمن بن عبيد قال كتب عقيل بن أبي طالب إلى أخيه علي بن أبي طالب عليه السلام أما بعد فإن الله عز و جل جارك من كل سوء وعاصمك من المكروه إني خرجت معتمرا فلقيت عبد الله بن أبي سرح في نحو من أربعين شابا من أبناء الطلقاء فقلت لهم وعرفت المنكر في وجوههم يا أبناء الطلقاء العداوة والله لنا منكم غير مستنكرة قديما تريدون بها إطفاء نور الله وتغيير أمره فأسمعني القوم وأسمعتهم ثم قدمت مكة وأهلها يتحدثون أن الضحاك بن قيس أغار على الحيرة فاحتمل من أموال أهلها ما شاء ثم انكفأ راجعا فأف لحياة في دهر جرأ عليك الضحاك وما الضحاك وهل هو إلا فقع بقرقرة وقد ظننت وبلغني أن أنصارك قد خذلوك فاكتب إلي يابن أم برأيك فإن كنت الموت تريد تحملت إليك ببني أبيك وولد أخيك فعشنا ما عشت ومتنا معك فوالله ما أحب أن أبقى بعدك فواقا وأقسم بالله الأعز الأجل أن عيشا أعيشه في هذه الدنيا بعدك لعيش غير هنيء ولا مريء ولا نجيع والسلام فأجابه علي بن أبي طالب عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد كلأنا الله وإياك كلاءة من يخشاه بالغيب إنه حميد مجيد فقد قدم علي عبد الرحمن بن عبيد الأزدي بكتابك تذكر فيه أنك لقيت ابن أبي سرح مقبلا من قديد في نحو من أربعين شابا من أبناء الطلقاء وإن بني أبي سرح طال ما كاد الله ورسوله وكتابه وصد عن سبيله وبغاها عوجا فدع بني أبي سرح عنك ودع قريشا وتركاضهم في الضلالة وتجوالهم في الشقاق فإن قريشا قد أجمعت على حرب أخيك إجماعها على حرب رسول الله قبل اليوم فأصبحوا قد جهلوا حقه وجحدوا فضله وبادوه بالعداوة ونصبوا له الحرب وجهدوا عليه كل الجهد وساقوا إليه جيش الأمرين اللهم فاجز عني قريشا الجوازي فقد قطعت رحمي وتظاهرت علي والحمد لله على كل حال وأما ما ذكرت من غارة الضحاك بن قيس على الحيرة فهو أقل وأذل من أن يقرب الحيرة ولكنه جاء في خيل جريدة فلزم الظهر وأخذ على السماوة فمر بواقصة وشراف وما والى ذلك الصقع فسرحت إليه جيشا كثيفا من المسلمين فلما بلغه ذلك جاز هاربا فاتبعوه فلحقوه ببعض الطريق وقد أمعن في السير وقد طفلت الشمس للإياب فاقتتلوا شيئا كلا ولا فولى ولم يصبر وقتل من أصحابه بضعة عشر رجلا ونجا جريضا بعد ما أخذ منه بالمخنق فلأيا بلأي ما نجا وأما ما سألت عنه أن أكتب إليك فيه برأيي فإن رأيي قتال المحلين حتى ألقى الله لا يزيدني كثرة الناس حولي عزة ولا نفرقهم عني وحشة لأني محق والله مع الحق وأهله وما أكره الموت على الحق وما الخير كله إلا بعد الموت لمن كان محقا وأما ما عرضته علي من مسيرك إلي ببنيك وبني أبيك فلا حاجة لي في ذلك فأقم راشدا مهديا فوالله ما أحب أن تهلكوا معي إن هلكت ولا تحسبن ابن أبيك لو أسلمه الزمان والناس متضرعا متخشعا لكني أقول كما قال أخو بني سليم ( فإن تسأليني كيف أنتَ فإنني ... صبور على ريب الزمان صَلِيب ) ( يعِزُّ عليّ أن تُرَى بي كآبة ... فيشمتَ عادٍ أو يُساءَ حبيب ) والسلام رجع الخبر إلى سياقة مقتل الصبيين ثم إن بسر بن أرطأة كر راجعا وانتهى خبره إلى علي عليه السلام أنه قتل عبد الرحمن وقثم ابني عبيد الله بن العباس فسرح حارثة بن قدامة السعدي في طلبه وأمره أن يغذ السير فخرج مسرعا فلما وصل إلى المدينة وانتهى إليه قتل علي بن أبي طالب عليه السلام وبيعة الحسن رضي الله تعالى عنه ركب في السلاح ودعا أهل المدينة إلى البيعة للحسن فامتنعوا فقال والله لتبايعن ولو بأستاهكم فلما رأى أهل المدينة الجد منه بايعوا للحسن وكر راجعا إلى الكوفة فأصاب أم حكيم بنت قارظ ولهى على ابنيها فكانت لا تعقل ولا تصغي إلى قول من أعلمها أنهما قد قتلا ولا تزال تطوف في المواسم تنشد الناس ابنيها بهذه الأبيات صوت ( يا من أحس بُنَيَّيَّ اللذين هما ... كالدَّرَّتين تَشظَّى عنهما الصدفُ ) ( يا من أحس بُنَيَّيَّ اللذين هما ... سمعي وقلبي فقلبي اليوم مختَطَف ) ( يا من أحس بُنَيَّيَّ اللذين هما ... مُخُّ العظام فمخي اليوم مُزْدَهَفُ ) ( نُبئت بُسْراً وما صدّقت ما زعموا ... من قولهم ومِن الإِفك الذي اقترفوا ) ( أنحى على ودَجَيْ ابنيَّ مُرْهَفَةً ... مشحوذة وكذاك الإثم يقترف ) ( حتى لقِيت رجالاً من أرومته ... شم الأنوف لهم في قومهم شرف ) ( فالآن ألعن بُسْراً حقَّ لعنته ... هذا لعمر أبي بُسْرٍ هو السَّرَف ) ( من دّلَّ والهةً حَرَّى مُدَلَّهة ... على صبيينِ ضلا إذ هوى السلف ) الغناء لأبي سعيد مولى فائد - ثقيل - أول بالوسطى عن عمرو وفيه - خفيف ثقيل - يقال إنه له أيضا وفيه لعريب - رمل - نشيد قالوا ولما بلغ علي بن أبي طالب عليه السلام قتل بسر الصبيين جزع لذلك جزعا شديدا ودعا على بسر لعنه الله فقال اللهم اسلبه دينه ولا تخرجه من الدنيا حتى تسلبه عقله فأصابه ذلك وفقد عقله فكان يهذي بالسيف ويطلبه فيؤتى بسيف من خشب ويجعل بين يديه زق منفوخ فلا يزال يضربه حتى يسأم ثم مات لعنه الله ولما كانت الجماعة واستقر الأمر على معاوية دخل عليه عبيد الله بن العباس وعنده بسر بن أرطأة فقال له عبيد الله أأنت قاتل الصبيين أيها الشيخ قال بسر نعم أنا قاتلهما فقال عبيد الله أما والله لوددت أن الأرض كانت أنبتتني عندك فقال بسر فقد أنبتتك الآن عندي فقال عبيد الله إلى السيف فقال له بسر هاك سيفي فلما أهوى عبيد الله إلى السيف ليتناوله أخذه معاوية ثم قال لبسر أخزاك الله شيخا قد كبرت وذهب عقلك تعمد إلى رجل من بني هاشم قد وترته وقتلت ابنيه تدفع إليه سيفك إنك لغافل عن قلوب بني هاشم والله لو تمكن منه لبدأ بي قبلك فقال عبيد الله أجل والله ثم إذن لثنيت به أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال أخبرني محمد بن مسروق قال قال الأصمعي سمع رجل من أهل اليمن وقد قدم مكة امرأة عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب تندب ابنيها اللذين قتلهما بسر بن أرطأة بقولها ( يا من أحس بُبَنَّييَّ اللذين هما ... كالدرتين تشظَّى عنهما الصَّدف ) فرق لها فاتصل ببسر حتى وثق به ثم احتال لقتل ابنيه فخرج بهما إلى وادي أوطاس فقتلهما وهرب وقال ( يا بسرُ بسرَ بني أرطاةَ ما طلعت ... شمس النهارِ ولا غابت على ناسِ ) ( خيرٍ من الهاشمِّيين الذين هُمُ ... عين الهدى وسِمام الأشوس القاسي ) ( ماذا أردت إلى طفلي مُدَلَّهة ... تبكي وتندب من أثكلت في الناسِ ) ( إما قتلتهما ظلما فقد شرِقت ... في صاحبيك قناتي يوم أوطاسِ ) ( فاشرب بكأسهما ثُكلا كما شربت ... أم الصبيَّين أو ذاق ابن عباس ) صوت ( ألا فاسقياني من شرابكما الوَرْدِي ... وإن كنت قد أنفدتُ فاستَرهِنا بُردي ) ( سِواري ودُملوجي وما ملكت يدي ... مباح لكم نَهْبٌ فلا تقطعوا وِرْدِي ) عروضه من - الطويل - والشعر لأم حكيم بنت يحيى بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس والغناء لإبراهيم الموصلي - رمل - بالوسطى من رواية عمرو بن بانة ذكر أم حكيم وأخبارها قد مضى ذكر نسبها وأمها زينب بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وكانت هي وأمها من أجمل نساء قريش فكانت قريش تقول لأم حكيم الواصلة بنت الواصلة وقيل الموصلة بنت الموصلة لأنهما وصلتا الجمال بالكمال وأم زينب بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام سعدى بنت عوف بن خارجة بن سنان بن أبي خارجة بن عوف بن أبي حارثة بن لأم الطائي وكانت سعدى بنت عوف عند عبد الله بن الوليد بن المغيرة فولدت له سلمة وريطة ثم توفي عنها فخلف عليها طلحة بن عبيد الله فولدت له يحيى وعيسى ثم قتل عنها فخطبها عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فتكلم بنوها وكرهوا أن تتزوج وقد صاروا رجالا فقالت إنه قد بقي في رحم أمكم فضلة شريفة لا بد من خروجها فتزوجها فولدت له المغيرة بن عبد الرحمن الفقيه وزينب وهي أم حكيم وكان المغيرة أحد أجواد قريش والمطعمين منهم وقد قدم الكوفة على عبد الملك بن بشر بن مروان وكان صديقه وبها جماعة يطعمون الناس من قريش وغيرهم فلما قدم تغيبوا فلم يظهر أحد منهم حتى خرج وبث المغيرة الجفان في السكك والقبائل يطعم الناس فقال فيه شاعر من أهل الكوفة ( أتاك البحرُ طَمَّ على قُريشٍ ... مُغِيريّ فقد راغ ابنُ بِشر ) قال مصعب الزبيري هو - يعني المغيرة - مطعم الجيش بمنى وهو إلى الآن يطعم عنه قال وكانت أخته زينب أحسن الناس وجها وقدا وكأن أعلاها قضيب وأسفلها كثيب فكانت تسمى الموصلة وسميت بنتها أم حكيم بذلك لأنها أشبهتها زواجها من يحيى بن الحكم أخبرني عمي قال حدثني ابن أبي سعد قال حدثني علي بن محمد بن يحيى الكناني عن أبيه قال كانت زينب بنت عبد الرحمن من لين جسدها يقال لها الموصلة قال مصعب فتزوج زينب أبان بن مروان بن الحكم فولدت له عبد العزيز بن أبان ثم مات عنها فخطبها يحيى بن الحكم وعبد الملك بن مروان فمالوا إلى عبد الملك فأرسل يحيى إلى المغيرة بن عبد الرحمن كم الذي تأمل من عبد الملك والله لا يزيدها على ألف دينار ولا يزيدك على خمس مئة دينار ولها عندي خمسون ألف دينار ولك عندي عشرة آلاف دينار إن زوجتنيها فزوجه إياها على ذلك فغضب عليه عبد الملك وقال دخل علي في خطبتي والله لا يخطب على منبر ما دمت حيا ولا رأى مني ما يحب فأسقطه فقال يحيى لا أبالي كعكتان وزينب قال ابن أبي سعد وأخبرت عن محمد بن إسحاق المسيبي قال حدثني عبد الملك بن إبراهيم الطلحي أنها لما خطبت قالت لا أتزوج والله أبدا إلا من يغني أخي المغيرة فأرسل إليها يحيى بن الحكم أيغنيه خمسون ألف دينار قالت نعم قال فهي له ولك مثلها فقالت ما بعد هذا شيء أرسل إلى أهلك شيئا من طيب وشيئا من كسوة قال ويقال إن عبد الملك لما تزوجها يحيى قال لقد تزوجت أفوه غليظ الشفتين فقالت زينب هو خير من أبي الذبان فما فما له يعيبه بفمه وقال يحيى قولوا له أقبح من فمي ما كرهت من فمك أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان عن عبد العزيز بن أبي ثابت عن عمه محمد بن عبد العزيز أن عبد الملك خطب زينب إلى المغيرة أخيها وكتب إليه أن يلحق به وكان بفلسطين أو بالأردن فعرض له يحيى بن الحكم فقال له أين تريد قال أريد أمير المؤمنين قال وما تصنع به فوالله لا يزيدك على ألف دينار يكرمك بها وأربع مئة دينار لزينب ولك عندي ثلاثون ألف دينار سوى صداق زينب فقال المغيرة أو تنقل إلي المال قبل عقد النكاح قال نعم فنقل إليه المال فتجهز المغيرة وسير ثقله ثم دخل على يحيى فزوجه وخرج إلى المدينة فجعل عبد الملك ينتظر المغيرة فلما أبطأ عليه قيل له يا أمير المؤمنين إنه زوج يحيى بن الحكم زينب بنت عبد الرحمن بثلاثين ألف دينار وأعطاه إياها ورجع إلى منزله فغضب على يحيى وخلعه عن ماله وعزله عن عمله فجعل يحيى يقول ( ألا لا أبالي اليوم ما فعل الدهرُ ... إذا بقيت لي كعكتان وزينب ) زواج أم حكيم من عبد العزيز بن الوليد قال وكانت زينب تسمى الموصلة من حسن جسدها وكانت أم حكيم تحت عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك تزوجها في حياة جده عبد الملك ولما عقد النكاح بينهما عقد في مجلس عبد الملك وأمر بإدخال الشعراء ليهنئوهم بالعقد ويقولوا في ذلك أشعارا كثيرة يرويها الناس فاختير منهم جرير وعدي بن الرقاع فدخلا وبدأ عدي لموضعه منهم فقال ( قمرُ السماء وشمسُها اجتمعا ... بالسَّعد ما غابا وما طلعا ) ( ما وارت الأستارُ مثلَهما ... مَن ذا رأى هذا ومن سمِعا ) ( دام السرور له بها ولها ... وتَهنَّيا طول الحياة معا ) وقال جرير ( جَمع الأمير إليه أكرم حرةٍ ... في كل ما حالٍ من الأحوال ) ( حَكَميّة عَلتِ الروابِيَ كلَّها ... بمفاخر الأعمام والأخوالِ ) ( وإذا النساء تفاخرت ببعولةٍ ... فخرتهمُ بالسَّيِّد المفضال ) ( عبد العزيز ومن يكلفْ نفسه ... أخلاقه يلْبَثْ بأكسف بال ) ( هنأتكم بمودّة ونصيحة ... وصدقت في نفسي لكم ومقالي ) ( فلتهنِك النِّعَم التي خُوِّلتَها ... يا خير مأمول وأفضل وال ) فأمر له عبد الملك بعشرة آلاف درهم ولعدي بن الرقاع بمثلها وقضى لأهله ومواليه يومئذ مئة حاجة وأمر لجميع من حضر من الحرس والكتاب بعشرة دنانير عشرة دنانير فلم تزل أم حكيم عند عبد العزيز مدة ثم تزوج ميمونة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر فملكته وأحبها وذهبت بقلبه كل مذهب فلم ترض منه إلا بطلاق أم حكيم فطلقها فتزوجها هشام بن عبد الملك ثم مات عبد العزيز فتزوج هشام ميمونة أيضا وكان شديد المحبة لأم حكيم فطلق لها ميمونة اقتصاصا لها منها فيما فعلته بها في اجتماعهما عند عبد العزيز وقال لها هل أرضيتك منها فقالت نعم فولدت أم حكيم من هشام ابنه يزيد بن هشام وكان من رجالات بني أمية وكان أحد من يطعن على الوليد بن يزيد بن عبد الملك ويغري الناس به كأس أم حكيم قد وكانت أم حكيم منهومة بالشراب مدمنة عليه لا تكاد تفارقه وكأسها الذي كانت تشرب فيه مشهور عند الناس إلى اليوم وهو في خزائن الخلفاء حتى الآن وفيه يقول الوليد بن يزيد صوت ( عَلِّلاني بعاتقات الكرومِ ... واسقياني بكأس أم حكيمِ ) ( إنها تشربُ المدامة صِرفا ... في إناء من الزجاج عظيم ) ( جَنِّبوني أذاة كل لئيم ... إنه ما علمتُ شرُّ نديم ) ( ثم إن كان في النَّدامى كريم ... فأَذيقوه مَس بعض النعيم ) ( ليت حظي من النساء سُلَيْمَى ... ان سَلْمايَ جَنّتِي ونعيمي ) ( فدعوني من الملامة فيها ... إنَّ من لامني لغيرُ حليم ) عروضه من - الخفيف - غناء عمر الوادي من رواية يونس وفي رواية إسحاق غناه الغزيل أبو كامل خفيف رمل بالسبابة في مجرى البنصر فيقال إن هذا الشعر بلغ هشاما فقال لأم حكيم أتفعلين ما ذكره الوليد فقالت أو تصدقه الفاسق في شيء فتصدقه في هذا قال لا قالت فهو كبعض كذبه أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال كان يزيد بن هشام هجا الوليد بن يزيد بن عبد الملك فقال ( فحسْب أبي العباس كأس وقَيْنةٌ ... وزِقّ إذا دارت به في الذوائب ) ( ومن جلساء الناس مثلُ ابن مالك ... ومثل ابن جَزْء والغلام ابن غالِب ) فقال الوليد يهجوه ويعيره بشرب أمه الشراب ( إن كأس العجوز كأسٌ رَواءٌ ... ليس كأس ككأس أمِّ حكيمِ ) ( إنها تشرب الرَّساطون صِرْفا ... في إناء من الزجاج عظيم ) ( لو به يشرب البعيرُ أو الفيل ... لظَلاّ في سَكرة وغُموم ) ( ولدته سَكْرى فلم تحسن الطَّلْق ... فوافى لذاك غير حليم ) وكان لهشام منها ابن يقال له مسلمة ويكنى أبا شاكر وكان هشام ينوه باسمه وأراد أن يوليه العهد بعده وولاه الحج فحج بالناس وفيه يقول عروة بن أذينة - لما وفد على هشام - وفرق في الحجاز على أهلها مالا كثيرا وأحبه الناس ومدحوه ( أتينا نَمُتُّ بأرحامنا ... وجئنا بأمر أبي شاكرِ ) وفيه يقول الوليد بن يزيد بن عبد الملك في حياة أبيه وأشاع ذلك وغنى فيه وأراد أن يعيره بذلك صوت ( يا أيها السائلُ عن ديننا ... نحن على دين أبي شاكر ) ( نشربُها صِرْفاً وممزوجةً ... بالسخن أحياناً وبالفاترِ ) فقال بعض شعراء أهل الحجاز يجيبه ( يا أيها السائل عن ديننا ... نحن على دين أبي شاكر ) ( الواهبِ البُزْلِ بأرسانها ... ليس بزنديقٍ ولا كافرِ ) فذكر أحمد بن الحارث عن المدائني أن هشاما لما أراد أن يوليه العهد كتب بذلك إلى خالد بن عبد الله القسري فقال خالد أنا بريء من خليفة يكنى أبا شاكر فبلغ قوله هشاما فكان سبب إيقاعه به أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن موسى قمطر عن إسماعيل بن مجمع قال كنا نخرج ما في خزائن المأمون من الذهب والفضة فنزكي عنه فكان فيما يزكى عنه قائم كأس أم حكيم وكان فيه من الذهب ثمانون مثقالا قال محمد بن موسى سألت إسماعيل بن مجمع عن صفته فقال كأس كبير من زجاج أخضر مقبضه من ذهب هكذا ذكر إسماعيل وقد حدثني علي بن صالح بن الهيثم بمثله قال حدثنا إبراهيم بن أحمد المادرائي قال لما أخرج المعتمد ما في الخزائن ليباع في أيام ظهور الناجم بالبصرة أخرج إلينا كأس أم حكيم فكان كأسا مدورا على هيئة القحف يسع ثلاثة أرطال فقوم بأربعة دراهم فعجبنا من حصول مثله في الخزانة مع خساسة قدره فسألنا الخازن عنه فقال هذا كأس أم حكيم فرددناه إلى الخزانة ولعل الذهب الذي كان عليه أخذ منه حينئذ ثم أخرج ليباع قال محمد بن موسى وذكر لي عبيد الله بن محمد عن أبي الأغر قال كنا مع محمد بن الجنيد الختلي أيام الرشيد فشرب ذات ليلة فكان صوته ( عَلِّلاني بعاتقات الكرومِ ... واسقياني بكأس أم حكيم ) فلم يزل يقترحه ويشرب عليه حتى السحر فوافاه كتاب خليفته في دار الرشيد إن الخليفة على الركوب وكان محمد أحد أصحاب الرشيد ومن يقدم دابته فقال ويحكم كيف أعمل والرشيد لا يقبل لي عذرا وأنا سكران فقالوا لا بد من الركوب فركب على تلك الحال فلما قدم إلى الرشيد دابته قال له يا محمد ما هذه الحال التي أراك عليها قال لم أعلم برأي أمير المؤمنين في الركوب فشربت ليلي أجمع قال فما كان صوتك فأخبره فقال له عد إلى منزلك فلا فضل فيك فرجع إلينا وخبرنا بما جرى وقال خذوا بنا في شأننا فجلسنا على سطح فلما متع النهار إذا خادم من خدم أمير المؤمنين قد أقبل إلينا على برذون في يده شيء مغطى بمنديل قد كاد ينال الأرض فصعد إلينا وقال لمحمد أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لك قد بعثنا إليك بكأس أم حكيم لتشرب فيه وبألف دينار تنفقها في صبوحك فقام محمد فأخذ الكأس من يد الخادم وقبلها وصب فيها ثلاثة أرطال وشربها قائما وسقانا مثل ذلك ووهب للخادم مئتي دينار وغسل الكأس وردها إلى موضعها وجعل يفرق علينا تلك الدنانير حتى بقي معه أقلها صوت ( علقمَ ما أنت إلى عامرِ ... الناقضِ الأوتارِ والواترِ ) ( إن تَسُد الحُوصَ فلم تعدُهْم ... وعامر سادَ بني عامرِ ) ( عهدي بها في الحي قد دُرِّعت ... صفراء مثل المُهْرة الضامرِ ) ( قد حَجَم الثديُ على صدرها ... في مُشْرِق ذي بهجة ناضِر ) ( لو أسندت مَيتاً إلى نحرها ... عاش ولم يُحْمَل إلى قابر ) ( حتى يقولَ الناس مما رأوا ... يا عَجَبا للميّتِ الناشِرِ ) عروضه من - السريع - والشعر للأعشى أعشى بني قيس بن ثعلبة يمدح عامر بن الطفيل ويهجو علقمة بن علاثة والغناء لمعبد في الثالث وما بعده خفيف ثقيل الأول بالبنصر وفي الأبيات لحنين - ثقيل - أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وفيها أيضا لحن آخر ذكره في المجرد ولم يجنسه ولم ينسبه إلى أحد الخبر في هذه القصة وسبب منافرة عامر وعلقمة وخبر الأعشى وعلقمة وغيره معهما فيها أخبرني بذلك محمد بن الحسين بن دريد إجازة عن أبي حاتم عن أبي عبيدة ونسخت من روايات ابن الكلبي عن أبيه ومن رواية دماذ والأثرم عن أبي عبيدة والأصمعي ومن رواية ابن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل ومن رواية أبي عمرو الشيباني عن أصحابه فجمعت رواياتهم ولكل امرىء منهم زيادة على صاحبه ونقصان عنه واللفظ مشترك في الروايات إلا ما حكيته مفردا قال ابن الكلبي حدثني أبي ومحرز بن جعفر وجعفر بن كلاب الجعفري عن بشر بن عبد الله بن حبان بن سلمى بن مالك بن جعفر عن أبيه عن أشياخه وذكر بعضه أبو مسكين قالوا سبب المنافرة بين عامر وعلقمة أول ما هاج النفار بين عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر وبين علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص وأم عامر كبشة بنت عروة الرحال بن عتبة بن جعفر وأمها أم الظباء بنت معاوية فارس الهرار ابن عبادة بن عقيل بن كعب بن ربيعة وأمها خالدة بنت جعفر بن كلاب وأمها فاطمة بنت عبد شمس بن عبد مناف وأم أبيه الطفيل أم البنين بنت ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة قال أبو الحسن الأثرم وكانت أم علقمة ليلى بنت أبي سفيان بن هلال بن النخع سبية وأم أبيه ماوية بنت عبد الله بن الشيطان بن بكر بن عوف بن النخع مهيرة أن علقمة كان قاعدا ذات يوم يبول فبصر به عامر فقال لم أر كاليوم عورة رجل أقبح فقال علقمة أما والله ما تثب على جاراتها ولا تنازل كناتها يعرض بعامر فقال عامر وما أنت والقروم والله لفرس أبي حنوة أذكر من أبيك ولفحل أبي غيهب أعظم ذكرا منك في نجد قال وكان فرسه فرسا جوادا نجا عليه يوم بني مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان وكان فحله فحلا لبني حرملة بن الأشعر بن صرمة بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان قال الأثرم وأخبرني رجل من جهينة بدمشق قال هو الأشعر بن صرمة قال الأثرم سمي صرمة غيهب لسواده قال ابن الكلبي فاستعاره منهم يستطرقه فغلبهم عليه فقال علقمة أما فرسكم فعارة وأما فحلكم فغدرة ولكن إن شئت نافرتك فقال قد شئت فقال عامر والله أنا أكرم منك حسبا وأثبت منك نسبا وأطول منك قصبا فقال علقمة لأنا خير منك ليلا ونهارا فقال عامر لأنا أحب إلى نسائك أن أصبح فيهن منك فقال علقمة على ماذا تنافرني يا عامر فقال عامر أنافرك على أني أنحر منك للقاح وخير منك في الصباح وأطعم منك في السنة الشياح فقال علقمة أنت رجل تقاتل والناس يزعمون أني جبان ولأن تلقى العدو وأنا أمامك أعز لك من أن تلقاهم وأنا خلفك وأنت جواد والناس يزعمون أني بخيل ولست كذلك ولكن أنافرك أني خير منك أثرا وأحد منك بصرا وأعز منك نفرا وأسرح منك ذكرا فقال عامر ليس لبني الأحوص فضل على بني مالك في العدد وبصري ناقص وبصرك صحيح ولكني أنافرك على أني أنشر منك أمة وأطول منك قمة وأحسن منك لمة وأجعد منك جمة وأبعد منك همة قال علقمة أنت رجل جسيم وأنا رجل قضيف وأنت جميل وأنا قبيح ولكني أنافرك بآبائي وأعمامي فقال عامر آباؤك أعمامي ولم أكن لأنافرك بهم ولكني أنافرك أني خير منك عقبا وأطعم منك جدبا قال علقمة قد علمت أن لك عقبا في العشيرة وقد أطعمت طيبا إذ سارت ولكني أنافرك أني خير منك وأولى بالخيرات منك وقد أكثرنا المراجعة منذ اليوم قال فخرجت أم عامر وكانت تسمع كلامهما فقالت يا عامر نافره أيكما أولى بالخيرات قال أبو المنذر قال أبو مسكين قال عامر في مراجعته والله لأنا أركب منك في الحماة وأقتل منك للكماة وخير منك للمولى والمولاة فقال له علقمة والله إني أعز منك إني لبر وإنك لفاجر وإني لوفي وإنك لغادر ففيم تفاخرني يا عامر فقال عامر والله إني لأنزل منك للقفرة وأنحر منك للبكرة وأطعم منك للهبرة وأطعن منك للثغرة فقال علقمة والله إنك لكليل البصر نكد النظر وثاب على جاراتك بالسحر فقال بنو خالد بن جعفر وكانوا يدا مع بني الأحوص على بني مالك بن جعفر لن تطيق عامرا ولكن قل له أنافرك بخيرنا وأقربنا إلى الخيرات وخذ عليه بالكبر فقال له علقمة هذا القول فقال عامر عنز وتيس وتيس وعنز فذهبت مثلا نعم على مئة من الإبل إلى مئة من الإبل يعطاها الحكم أينا نفر عليه صاحبه أخرجها ففعلوا ذلك ووضعوا بها رهنا من أبنائهم على يدي رجل من بني الوحيد فسمي الضمين إلى الساعة وهو الكفيل قال وخرج علقمة ومن معه من بني خالد وخرج عامر فيمن معه من بني مالك وقد أتى عامر بن الطفيل عمه عامر بن مالك وهو أبو براء فقال يا عماه أعني فقال يابن أخي سبني فقال لا أسبك وأنت عمي قال فسب الأحوص فقال عامر ولا أسب والله الأحوص وهو عمي فقال فكيف إذن أعينك ولكن دونك نعلي فإني قد ربعت فيها أربعين مرباعا فاستعن بها في نفارك وجعلا منافرتهما إلى أبي سفيان بن حرب بن أمية فلم يقل بينهما شيئا وكره ذلك لحالهما وحال عشيرتهما وقال أنتما كركبتي البعير الأدرم تقعان بالأرض قالا فأينا اليمين فقال كلاكما اليمين وأبى أن يقضي بينهما فانطلقا إلى أبي جهل بن هشام فأبى أن يحكم بينهما فوثب مروان بن سراقة ابن قتادة بن عمرو بن الأحوص بن جعفر فقال ( يالَ قريشٍ بيِّنوا الكلاما ... إنا رضينا منكم الأحكاما ) ( فبيِّنوا إن كنتمُ حكّاما ... كان أبونا لهمُ إماما ) ( وعبد عمْروٍ منع الفِئاما ... في يوم فخر مُعْلَم إعلاما ) ( ودَعْلَجٌ أقدمه إقداما ... لولا الذي أجشمهم إجشاما ) ( لا تخذتْهم مَذْحِج نَعاما ... ) قال فأبوا أن يقولوا بينهما شيئا وقد كانت العرب تحاكم إلى قريش فأتيا عيينة بن حصن بن حذيفة فأبى أن يقول بينهما شيئا فأتيا غيلان بن سلمة بن معتب الثقفي فردهما إلى حرملة بن الأشعر المري فردهما إلى هرم بن قطبة بن سنان بن عمرو الفزاري فانطلقا حتى نزلا به هرم بن قطبة يحكم بينهما وقال بشر بن عبد الله بن حبان بن سلمى إنهما ساقا الإبل معهما حتى أشتت وأربعت لا يأتيان أحدا إلا هاب أن يقضي بينهما فقال هرم لعمري لأحكمن بينكما ثم لأفصلن ثم لست أثق بواحد منكما فأعطياني موثقا أطمئن إليه أن ترضيا بما أقول وتسلما لما قضيت بينكما وأمرهما بالانصراف ووعدهما ذلك اليوم من قابل فانصرفا حتى إذا بلغ الأجل من قابل خرجا إليه فخرج علقمة ببني الأحوص فلم يتخلف منهم أحد معهم القباب والجزر والقدور ينحرون في كل منزل ويطعمون وجمع عامر بني مالك فقال إنما تخاطرون عن أحسابكم فأجابوه وساروا معه ولم ينهض أبو براء معهم وقال لعامر والله لا تطلع ثنية إلا وجدت الأحوص منيخا بها وكره أبو براء ما كان من أمرهما فقال عامر فيما كره من منافرتهما ودعاء عامر إياه أن يسير معه ( أَأوُمر أن أَسُبَّ أبا شُريح ... ولا والله أفعلُ ما حييتُ ) ( ولا أُهدي إلى هرم لِقاحا ... فيُحيي بعد ذلك أو يُميتُ ) ( أُكَلَّف سعيَ لُقمانِ بن عاد ... فيال أبي شُريْح ما لقيتُ ) قال وأبو شريح هو الأحوص فكره كل واحد من البطنين ما كان بينهما وقال عبد عمرو بن شريح بن الأحوص ( لَحَى الله وَفْدينا وما ارتحلا به ... من السَّوءة الباقي عليهم وبالُها ) ( ألا إنما بُرْدي صِفاق متينة ... أبى الضيم أعلاها وأُثبتَ حالُها ) فقال فسار عامر وبنو عامر على الخيل مجنبي الإبل وعليهم السلاح قال رجل من غني يا عامر ما صنعت أخرجت بني مالك تنافر بني الأحوص ومعهم القباب والجزر وليس معك شيء تطعمه الناس ما أسوأ ما صنعت فقال عامر لرجلين من بني عمه أحصيا كل شيء مع علقمة من قبة أو قدر أو لقحة ففعلا فقال عامر يا بني مالك إنها المقارعة عن أحسابكم فاشخصوا بمثل ما شخصوا به ففعلوا وثار مع عامر لبيد بن ربيعة والأعشى ومع علقمة الحطيئة وفتيان من بني الأحوص منهم السندري بن يزيد بن شريح ومروان بن سراقة بن قتادة بن عمرو بن الأحوص وهم يرتجزون فقال لبيد ( يا هرِما وأنت أهلُ عدلِ ... إن نُفِّر الأحوص يوما قبلي ) ( ليذهَبنَّ أهلُه بأهلي ... لا تَجْمَعَنَّ شكلَهم وشكلي ) ( ونسلَ آبائِهم ونسلي ... ) وقال أيضا ( إني امرؤ من مالك بن جعفرِ ... علقم قد نافرت غيرَ مُنْفَرِ ) ( نافرتَ سَقْبا من سِقاب العَرْعَر ... ) فقال قحافة بن عوف بن الأحوص ( نهنهْ إليك الشعرَ يا لَبيدُ ... واصْدُد فقد ينفعك الصُّدود ) ( ساد أبونا قبل أن تَسودوا ... سُؤدُدُكم مُطَّرف زَهيد ) وقال أيضا ( إني إذا ما نُسي الحياءُ ... وضاع يوم المَشهد اللِّواء ) ( أُنْمَى وقد حُقَّ ليَ النماءُ ... إلى ذكور ذِكرها سناء ) ( إذ لا تزال جَلدةٌ كومَاء ... مبقورة لسَقْبها دعاء ) ( لم يَنْهنا عن نحرها الصفاء ... لنا عليكم سُورَة وِلاءُ ) ( المجدُ والسؤْدُدُ والعَطاء ... ) وقال أيضا ( أنتم هَزَلْتمْ عامرَ بنَ مالكِ ... في شَتَواتِ مُضَرَ الهوالكِ ) ( يا شَرَّ أحياءٍ وشرَّ هالك ... ) قال وأنشدها السندري يومئذ ورفع صوته فقيل من هذا فقال ( أنا لمن أنكر صوتي السَّنْدَريّ ... أنا الفتى الجعد الطويل الجعفريّ ) ( من ولد الأحوص أخوالي غَنِيّ ... ) فقال عامر أجب يا لبيد فرغب لبيد عن إجابته وذلك لأن السندري كانت جدته أمة اسمها عيساء فقال ( لما دعاني عامرٌ لأسُبَّهم ... أَبَيتُ وإن كان ابن عَيْساء ظالما ) ( لكيما يكونَ السَّندَريُّ نَدِيدتِي ... وأشتُمَ أعماماً عُموماً عَماعما ) ( وأُنْشِرَ من تحت القبورِ أُبُوّةً ... كراماً هم شَدُّوا عليّ التّمائما ) ( لعِبت على أكتافهمْ وحُجُورهم ... وليداً وسَمَّوني مُفيداً وعاصما ) ( ألا أينا ما كان شراً لمالكٍ ... فلا زال في الدنيا مَلُوماً ولائما ) قال ووثب الحطيئة فقال ( ما يحبس الحُكّام بالفصْل بعدما ... بدا سابقٌ ذو غُرَّة وحُجُولِ ) وقال أيضا ( يا عامِ قد كنت ذا باع ومكرمة ... لو أن مَسعاة من جاريتَه أَمَمُ ) ( جاريت قَرْماً أجاد الأَحوصان به ... سمحَ اليدين وفي عِرْنينه شَمَمُ ) ( لا يصعُبُ الأمرُ إلاّ ريثَ يركبُه ... ولا يبيت على مالٍ له قَسَمُ ) ( هابتْ بنو مالك مجداً ومَكْرُمَةً ... وغايةً كان فيها الموتُ لو قَدِموا ) ( وما أساؤوا فِراراً عن مُجَلِّحةٍ ... لا كاهنٌ يَمترِي فيها ولا حَكَمُ ) دهاء هرم بن قطبة وذكاؤه قال وأقام القوم عنده أياما وأرسل إلى عامر فأتاه سرا لا يعلم به علقمة فقال يا عامر قد كنت أرى لك رأيا وأن فيك خيرا وما حبستك هذه الأيام إلا لتنصرف عن صاحبك أتنافر رجلا لا تفخر أنت وقومك إلا بآبائه فما الذي أنت به خير منه قال عامر أنشدك الله والرحم أن لا تفضل علي علقمة فوالله لئن فعلت لا أفلح بعدها أبدا هذه ناصيتي فاجززها واحتكم في مالي فإن كنت لا بد فاعلا فسو بيني وبينه قال انصرف فسوف أرى رأيي فخرج عامر وهو لا يشك أنه ينفره عليه ثم أرسل إلى علقمة سرا لا يعلم به عامر فأتاه فقال يا علقمة والله إن كنت لأحسب فيك خيرا وأن لك رأيا وما حسبتك هذه الأيام إلا لتنصرف عن صاحبك أتفاخر رجلا هو ابن عمك في النسب وأبوه أبوك وهو مع هذا أعظم قومك غناء وأحمدهم لقاء فما الذي أنت به خير منه عشرا علقمة أنشدك الله والرحم ألا تنفر علي عامرا اجزز ناصيتي واحتكم في مالي وإن كنت لا بد أن تفعل فسو بيني وبينه فقال انصرف فسوف أرى رأيي فخرج وهو لا يشك أنه سيفضل عليه عامرا قال أبي وسمعت أن هرما قال لعامر حين دعاه يا عامر كيف تفاضل علقمة فقال عامر ولم يا هرم قال لأنه أنجل منك عينا في النساء وأكثر منك نفيرا عند ثورة الدعاء قال عامر هل غير هذا قال نعم هو أكثر منك نائلا في الثراء وأعظم منك حقيقة عند الدعاء ثم قال لعلقمة كيف تفاضل عامرا قال ولم يا هرم قال هو أنفذ منك لسانا وأمضى منك سنانا قال علقمة فهل غير هذا قال نعم هو أقتل منك للكماة وأفك منك للعناة قال ثم إن هرما أرسل إلى بنيه وبني أبيه إني قائل غدا بين هذين الرجلين مقالة فإذا فعلت فليطرد بعضكم عشر جزائر فلينحرها عن علقمة ويطرد بعضكم عشر جزائر فلينحرها عن عامر وفرقوا بين الناس لا تكون لهم جماعة وأصبح هرم فجلس مجلسه وأقبل الناس وأقبل علقمة وعامر حتى جلسا فقام لبيد فقال ( يا هرَم ابنَ الأكرمين مَنصِبا ... إنك قد وُلِّيتَ حُكما مُعْجِبا ) ( فاحكم وصوِّب رأس من تصوّبا ... إن الذي يعلو علينا تُرتُبا ) ( لخَيرُنا عماً وأماً وأبا ... وعامرٌ خيرهما مُرَكَّبا ) ( وعامر أدنى لقيسٍ نسبا ... ) فقام هرم فقال يا بني جعفر قد تحاكمتما عندي وأنتما كركبتي البعير الأدرم تقعان إلى الأرض معا وليس فيكما أحد إلا وفيه ما ليس في صاحبه وكلاكما سيد كريم وعمد بنو هرم وبنو أخيه إلى تلك الجزر فنحروها حيث أمرهم هرم عن علقمة عشرا وعن عامر عشرا وفرقوا الناس فلم يفضل هرم واحدا منهما على صاحبه وكره أن يفعل وهما ابنا عم فيجلب عداوة ويوقع بين الحيين شرا قال وكان الأعشى حين رجع من عند قيس بن معد يكرب بما أعطاه طلب الجوار والخفرة من علقمة فلم يكن عنده ما طلب وأجاره وخفره عامر حتى إذا أداه وماله إلى أهله قال ( عَلْقَمَ ما أنت إلى عامرِ ... الناقضِ الأوتارِ والواترِ ) ثم أتمها بعد النفار فلما بلغ علقمة ما قال الأعشى وأشاع في العرب أن هرما قد فضل عامرا توعد الأعشى فقال الأعشى ( لعمري لئن أمسي من الحيّ شاخصا ... ) قال ابن الكلبي حدثني أبي قال فعاش هرم حتى ادرك سلطان عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسأله عمر فقال يا هرم أي الرجلين كنت مفضلا لو فضلت فقال لو قلت ذاك يا أمير المؤمنين لعادت جذعة ولبلغت شعاف هجر فقال عمر نعم مستودع السر ومسند الأمر إليه أنت يا هرم مثل هذا فليسد العشيرة وقال إلى مثلك فليستبضع القوم أحكامهم إسلام علقمة قال مؤلف الكتاب وقد أدرك علقمة بن علاثة الإسلام فأسلم ثم ارتد فيمن ارتد من العرب فلما وجه أبو بكر خالد بن الوليد المخزومي إلى بني كلاب ليوقع بهم وعلقمة يومئذ رئيسهم هرب وأسلم ثم أتى أبا بكر رضي الله عنه فأعلمه أنه قد نزع عما كان عليه فقبل إسلامه وأمنه هكذا ذكر المدائني وأما سيف بن عمر فإنه روى عن الكوفيين غير ذلك حدثنا محمد بن جرير الطبري قال حدثنا السري بن يحيى قال حدثنا شعيب بن إبراهيم عن سيف بن عمر عن سهل بن يوسف قال كان علقمة بن علاثة على كلاب ومن لافها وقد كان علقمة أسلم ثم ارتد في حياة النبي ثم خرج بعد فتح الطائف حتى لحق بالشام مرتدا فلما توفي النبي أقبل مسرعا حتى عسكر في بني كعب مقدما رجلا ومؤخرا أخرى وبلغ ذلك أبا بكر رضي الله عنه فبعث إليه سرية وأمر عليها القعقاع بن عمرو وقال يا قعقاع سر حتى تغير على علقمة بن علاثة لعلك تأخذه لي أو تقتله واعلم أن شفاء النفس الحوص فاصنع ما عندك فخرج في تلك السرية حتى أغار على الماء الذي عليه علقمة وكان لا يبرح أن يكون على رحل فسابقهم على فرسه مراكضة وأسلم أهله وولده واستبى القعقاع امرأة علقمة وبناته ونساءه ومن أقام من الرجال فاتقوه بالإسلام فقدم بهم على أبي بكر رضي الله عنه فجحدت زوجته وولده أن يكونوا مالؤوا علقمة على أمره وكانوا مقيمين في الدار ولم يكن بلغه عنهم غير ذلك وقالوا لأبي بكر ما ذنبنا نحن فيما صنع علقمة فأرسلهم ثم أسلم علقمة فقبل ذلك منه أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا عمرو بن عثمان قال كان رسول الله ربما حدث أصحابه وربما تركهم يتحدثون ويصغي إليهم ويتبسم فبينا هم يوما على ذلك يتذاكرون الشعر وأيام العرب إذ سمع حسان بن ثابت ينشد هجاء أعشى بن قيس بن ثعلبة علقمة بن علاثة ومديحه عامر بن الطفيل ( علقمَ ما أنت إلى عامرِ ... الناقِض الأوتارِ والواترِ ) ( إن تسُد الحُوص فلم تَعْدُهمْ ... وعامرٌ سادَ بني عامر ) ( ساد وألْفى رهطه سادة ... وكابرا سادوك عن كابرِ ) فقال رسول الله كف عن ذكره يا حسان فإن أبا سفيان لما شعث مني عند هرقل رد عليه علقمة فقال حسان بن ثابت بأبي أنت وأمي يا رسول الله من نالتك يده فقد وجب علينا شكره علقمة يموت قبل وصول الحطيئة إليه أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني عن أبي بكر الهذلي قال لما أطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحطيئة من حبسه قال له يا أمير المؤمنين اكتب لي كتابا إلى علقمة بن علاثة لأقصده به فقد منعتني التكسب بشعري فقال لا أفعل فقيل له يا أمير المؤمنين وما عليك من ذلك إن علقمة ليس بعاملك فتخشى أن تأثم وإنما هو رجل من المسلمين تشفع له إليه فكتب له بما أراد فمضى الحطيئة بالكتاب فصادف علقمة قد مات والناس منصرفون عن قبره فوقف عليه ثم أنشد قوله ( لعمري لنعم المرءُ من آل جعفرٍ ... بحَوران أمسى أعْلَقَته الحبائلُ ) ( فإن تحيَ لا أملَل حياتي وإن تمت ... فما في حياةٍ بعد موتك طائل ) ( وما كان بيني لو لقيتُك سالما ... وبين الغِنى إلا ليالٍ قلائلُ ) فقال له ابنه يا حطيئة كم ظننت أن علقمة يعطيك قال مئة ناقة قال فلك مئة ناقة يتبعها مئة من أولادها فأعطاه إياها أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمر بن أبي بكر قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد والضحاك بن عثمان قالا لما قدم علقمة بن علاثة المدينة وكان قد ارتد عن الإسلام وكان لخالد بن الوليد صديقا لقيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المسجد في جوف الليل وكان عمر يشبه بخالد وذلك أن أمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم فسلم عليه وظن أنه خالد فقال أعزلك قال كان ذلك قال والله ما هو إلا نفاسة عليك وحسد لك فقال له عمر فما عندك معونة على ذلك قال معاذ الله إن لعمر علينا سمعا وطاعة وما نخرج إلى خلافه فلما أصبح عمر رضي الله عنه أذن للناس فدخل خالد وعلقمة فجلس علقمة إلى جنب خالد فالتفت عمر إلى علقمة فقال إيه يا علقمة أأنت القائل لخالد ما قلت فالتفت علقمة إلى خالد فقال يا أبا سليمان أفعلتها قال ويحك والله ما لقيتك قبل ما ترى وإني لأراك لقيت الرجل قال أراه والله ثم التفت إلى عمر فقال يا أمير المؤمنين ما سمعت إلا خيرا قال أجل فهل لك أن أوليك حوران قال نعم فولاه إياها فمات بها فقال الحطيئة يرثيه ( لَعمري لنعم الحيُّ من آل جعفرِ ... بحَوْران أمسى أقصدته الحبائل ) ( لقد أقصدَتْ جُوداً ومجداً وسؤدداً ... وحلماً أصيلاً خالفته المجَاهَل ) ( فإن تَحي لا أَمْلَلْ حياتي وإن تمت ... فما في حياةِ بعد موتك طائلُ ) وفي أول هذه القصيدة التي رثى بها الحطيئة علقمة غناء نسبته صوت ( أرى العِيسَ تَخْدِي بين قَوٍّ فضارجٍ ... كما لاح في الصبح الأَشاءُ الحواملُ ) ( فأَتبعتهمْ عينيّ حتى تفرقَتْ ... مع الليل عن ساق الفريدِ الجمَائل ) ( فلأْياً قصرتُ الطرفَ عنهم بِجسرةٍ ... أمونٍ إذا واكلتُها لا تواكِلُ ) غنى في هذه الأبيات سائب خاثر ثاني - ثقيل - بالوسطى من رواية حماد بن إسحاق والهشامي صوت ( لَيتَ شعري أفاحَ رائحةُ المسكِ ... وما إِنْ إِخال بالخَيْفِ إنْسِي ) ( حينَ غابَتْ بنو أُمَيَّة عنه ... والبهاليلُ من بني عبد شمسِ ) ( خُطَباءٌ على المنابر فُرْسانٌ ... علَيها وقالةٌ غيرُ خُرْسِ ) إخال أظن خلت كذا وكذا فأنا إخاله إذا ظننته وخال علي الشيء يخيل إذا شككت فيه وليت شعري كلمة تقولها العرب عند الشيء تحب علمه وتسأل عنه وأخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثني عمر بن شبة قال سأل رجل أبا عبيدة ما أصل ليت شعري فقال كأنه قال ليتني شعرت بكذا وكذا ليتني علمت حقيقته الشعر لأبي العباس الأعمى والغناء لابن سريج - رمل - بالبنصر في مجراها أخبار أبي العباس الأعمى هو السائب بن فروخ مولى بني ليث وقيل إنه مولى بني الديل وهذا القول هو الصحيح ذكر محمد بن معاوية الأسدي عن المدائني والواقدي أن أبا العباس الأعمى الذي يروي عنه حبيب بن أبي ثابت مولى جذيمة بن علي بن الديل بن بكر بن عبد مناة وكان من شعراء بني أمية المعدودين المقدمين في مدحهم والتشيع لهم وانصباب الهوى إليهم وهو الذي يقول في أبي الطفيل عامر بن واثلة صاحب علي بن أبي طالب عليه السلام ( لعمرَكَ إنني وأبا طُفَيلٍ ... لمختلفان والله الشهيدُ ) ( أرى عثمانَ مهتدياً ويأبى ... متابعتي وآبَى ما يريد ) أخبرني بذلك وكيع عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبيه عن عبد الله بن أبي سعد وقد روى أبو العباس الأعمى عن صدر من الصحابة الحديث وروى عنه عطاء وعمرو بن دينار وحبيب بن أبي ثابت أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن عطاء عن أبي العباس الأعمى الشاعر عن عبد الله بن عمر قال إنما جمع منزل تدلج منه إذا شئت قال حدثنا أحمد بن محمد بن دلان الخيشي قال حدثنا أحمد بن إسماعيل قال حدثنا أبو ضمرة قال حدثني أبو الحارث بن عبد الرحمن عن أبي ذئب عن أبي العباس عن سعيد بن المسيب قال قال علي بن أبي طالب قال رسول الله إسباغ الوضوء على المكاره وإعمال الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلا حدثني أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي قال حدثنا أبو قلابة قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت قال سمعت أبا العباس السائب بن فروخ الأعمى الشاعر يحدث عن عبد الله بن عمر قال جاء رجل إلى النبي يستأذنه في الجهاد فقال أحي والداك قال نعم قال فيهما فجاهد أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن إسرائيل مولى المنصور قال حدثنا الفضل بن عبد الله الخلنجي بجرجان قال حدثني مسلم بن الوليد الأنصاري قال سمعت يزيد بن مزيد يقول سمعت هارون الرشيد يقول سمعت المهدي يقول سمعت المنصور يقول خرجت أريد الشأم أيام مروان بن محمد فصحبني في الطريق رجل ضرير فسألته عن مقصده فأخبرني أنه يريد مروان بشعر امتدحه به فاستنشدته إياه فأنشدني ( ليتَ شِعري أفاح رائحة المِسك ... وما إن إخال بالخَيف إنسِي ) ( حين غابت بنو أميّةَ عنه ... والبهاليلُ من بني عبد شمسِ ) ( خطباء على المنابر فُرْسانَ ... عليها وقالةٌ غير خُرْسِ ) ( لا يُعابون صامتين وإن قالوا ... أصابوا ولم يقولوا بلَبْس ) ( بِحُلوم إذا الحلوم تقضَّتْ ... ووجوه مثل الدنانير مُلْسِ ) ويروى مكان تقضت اضمحلت قال فوالله ما فرغ من إنشاده حتى توهمت أن العمى قد أدركني وافترقنا فلما أفضت الخلافة إلي خرجت حاجا فنزلت أمشي بجبلي زرود فبصرت بالضرير ففرقت من كان معي ثم دنوت منه فقلت أتعرفني قال لا فقلت أنا رفيقك وأنت تريد الشام أيام مروان فقال أوه ( آمتْ نساءُ بني أميّة منهمُ ... وبناتُهُمْ بمَضِيعةٍ أيتامُ ) ( نامتْ جدودُهم وأُسْقِط نجمهمْ ... والنجم يَسْقُط والجدود تَنام ) ( خَلَتِ المنابرُ والأسرّةُ منهمُ ... فعليهمُ حتى المماتِ سلامُ ) فقلت وكم كان مروان أعطاك بأبي أنت قال أغناني أن أسأل أحدا بعده فهممت بقتله ثم ذكرت حق الاسترسال والصحبة فأمسكت عنه وغاب عن عيني فبدا لي فيه فأمرت بطلبه فكأنما البيداء بادت به أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة قال قال أبو عبيدة هوي أبو العباس الأعمى امرأة ذات بعل فراسلها فأعلمت زوجها فقال أطمعيه فأطمعته ثم قال أرسلي إليه فليأتك فأرسلت إليه فأتاها وجلس زوجها إلى جانبها فقال لها أبو العباس إنك قد وصفت لنا وما نراك فألمسينا فأخذت يده فوضعتها على أيرها فنفر وعلم أن قد كيد فنهض من عندها وقال صوت ( عليَّ أَلِيَّةٌ ما دمت حيّا ... أَمَسُّك طائعاً إلا بعُودِ ) ( ولا أُهدِي لأرضٍ أنتِ فيها ... سلامَ الله إلا من بعيدِ ) ( رجوتُ غنيمة فوضعت كفّي ... على أيرٍ أشدَّ من الحديدِ ) ( فخير منكِ من لا خيرَ فيهِ ... وخيرٌ من زيارتكم قُعودِي ) وقرأت هذه الحكاية مروية عن الأصمعي غير مذكور راويها عنه وزعم أن بشارا صاحب القصة وأنه كان له مجلس يسميه البردان يجتمع إليه فيه النساء فعشق هذه المرأة وقد سمع كلامها ثم ذكر الخبر بطوله وقال فيه فلما وصل إليها أنشأ يقول ( مُلَيكةُ قد وُصِفتِ لنا بحسنٍ ... وإنا لا نراكِ فأَلمِسِينا ) فأخذ زوجها يده فوضعها على أيره ذكر إسحاق أن في البيتين الأولين والرابع من هذه الأبيات لحنا من خفيف الثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى ولم ينسبه إلى أحد ووجدته في غناء عمرو بن بانة في هذه الطريقة منسوبا إليه فلا أدري هو ذلك اللحن أو غيره أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أيوب بن عمر أبو سلمة قال قال أبو العباس الأعمى مولى بني الديل بن بكر يحض بني أمية على عبد الله بن الزبير ( أبني أميّةَ لا أرى لَكُم ... شِبْهاً إذا ما التفَّتِ الشِّيَعُ ) ( سَعَةً وأحلاماً إذا نَزِعَتْ ... أهلُ الحلومِ فضرَّها النَّزَعُ ) ( وحفيظةً في كل نائبةٍ ... شَهباءَ لا يُنْهَى لها الرُّبَعُ ) ( اللهُ أعطاكمْ وإنْ رغِمتْ ... من ذاك أنفُ معاشِرٍ رَتَعُوا ) ( أبني أميةَ غيرَ أنكمُ ... والناس فيما أُطمِعوا طَمِعوا ) ( أَطْمَعْتُمُ فيكمْ عَدُوَّكُم ... فسما بهمْ في ذاكُمُ الطَّمَعُ ) ( فَلَو انَّكُم كنتمْ لقولكُم ... مثلَ الذي كانوا لكمْ رجَعوا ) ( عما كرهتمْ أو لَرَدَّهُمُ ... حذرُ العقوبة إنها تَزَعُ ) وله أشعار كثيرة في مدائح بني أمية وهجاء آل الزبير وأكثرها في هجاء عمرو بن الزبير ليس ذكرها مما قصدنا له أبو العباس يهجو ابن الزبير والمجاشعي ونسخت من كتاب قعنب بن المحرز قال حدثنا المدائني عن جويرية بن أسماء أن ابن الزبير رأى رجلا من حلفاء بني أسد بن عبد العزى في حالة رثة فكساه ثوبين وأمر له ببر وتمر فقال أبو العباس الأعمى في ذلك صوت ( كَسَتْ أسدٌ إخوانَها ولَوَ انني ... ببلدةِ إخواني إذاً لكُسِيتُ ) ( فلم تر عيني مثل حيٍّ تَحمَّلوا ... إلى الشأم مظلومين منذ بُرِيتُ ) غنى في هذين البيتين دحمان - ثقيل - أول بالبنصر من رواية ابن المكي ورأيت في بعض الكتب لزرزور غلام المارقي فيهما صنعة أيضا وقال محمد بن معاوية حدثني المدائني قال قدم البعيث المجاشعي مكة وكان أبو العباس الأعمى الشاعر لا يكاد يفارقها وكانت جوائز أمية تأتيه من الشام وكانت قريش كلها تبره للسانه وتقربا إلى بني أمية ببره قال فصلى البعيث مع الناس وسأل في حمالة كانت عليه وكان سؤولا ملحا شديد الطمع وكان الرجل من قريش يأتيه بالشيء يتحمله عنه فيقول لا أقبله إلا أن تجيء معي إلى الصراف حتى ينقده ويزنه فإن لم يفعل ذمه وهجاه فشكوه إلى أبي العباس الأعمى فقال قودوني إليه ففعلوا فلما عرف مجلسه رفع عصاه فضرب بها رأسه ثم قال له ( فهلْ أنتَ إلا مُلْصَقٌ في مُجاشِعٍ ... نَفاكَ جريرٌ فاضْطُرِرْتَ إلى نَجْدِ ) ( نفاك جرير بالهجاء إلى نجد ... ) ويروى ( تظلُّ إذا أُعطيتَ شيئاً سأَلتَه ... تطالبُ من أعطاك بالوزن والنقدِ ) ( فلا تطْمَعَنْ من بعدِ ذا في عطيّةٍ ... وثِقْ بقبيح المنعِ والدفعِ والردِّ ) ( فلستَ بمُبْقٍ في قريشٍ خِزاية ... تُذَم ولو أبْعَدْت فيه مَدَى الجَهْدِ ) قال فتضاحك به من حضر واستحيا ولم يحر جوابا فلما جن الليل عليه هرب من مكة وقال قعنب بن المحرز حدثني المدائني قال قال عبد الملك بن مروان لأبي العباس الأعمى مولى بني الديل أنشدني مديحك مصعبا فاستعفاه فقال يا أمير المؤمنين إنما رثيته بذلك لأنه كان صديقي وقد علمت أن هواي أموي قال صدقت ولكن أنشدني ما قلته فأنشده ( يرحمُ الله مصعباً فلقد ماتَ ... كريما ورامَ أمراً جسيمَا ) فقال عبد الملك أجل لقد مات كريما ثم تمثل ( ولكنه رام التي لا يرومُها ... من الناس إلا كلّ خِرْق مُعَمَّمِ ) أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني إسحاق بن محمد الأموي قال لما حج عبد الملك بن مروان جلس للناس بمكة فدخلوا إليه على مراتبهم وقامت الشعراء والخطباء فتكلموا ودخل أبو العباس الأعمى فلما رآه عبد الملك قال مرحبا بك يا أبا العباس أخبرني بخبر الملحد المحل حيث كسا أشياعه ولم يكسك وأنشدني ما قلت في ذلك فأخبره بخبر ابن الزبير وأنه كسا بني أسد وأحلافها ولم يكسه وأنشده الأبيات فقال عبد الملك أقسم على كل من حضرني من بني أمية وأحلافهم ومواليهم ثم على كل من حضرني من أوليائي وشيعتي على دعوتهم إلا كسا أبا العباس فخلعت والله حلل الوشي والخز والقوهي وجعلت ترمى عليه حتى إذا غطته نهض فجلس فوق ما اجتمع منها وطرح عليه قال حتى رأيت في الدار من الثياب ما ستر عني عبد الملك وجلساءه وأمر له عبد الملك بمئة ألف درهم أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال حدثني أبي وأهلي أن عبد الله بن الزبير لما غلب على الحجاز جعل يتتبع شيعة بني مروان فينفيهم عن المدينة ومكة حتى لم يبق بهما أحد منهم ثم بلغه عن أبي العباس الأعمى الشاعر نبذ من كلام وأنه يكاتب بني مروان بعوراته ويمدح عبد الملك وتجيئه جوائزه وصلاته فدعا به ثم أغلظ له وهم به ثم كلم فيه وقيل له رجل مضرور فعفا عنه ونفاه إلى الطائف فأنشأ يقول يهجوه ويهجو آل الزبير ( بني أسد لا تذكروا الفخرَ إنكمْ ... متى تذكروه تُكْذَبوا وتُحَمَّقوا ) ( بُعَيْدات بَيْنٍ خيرُكم لصديقكم ... وشرُّكُم يغدو عليه ويَطْرُق ) ( متى تُسألوا فضلاً تَضَنّوا وتبخلوا ... ونيرانكم بالشر فيها تَحَرُّقُ ) ( إذا استبقت يوماً قريش خرجْتُمُ ... بني أسدٍ سَكْتاً وذو المجد يسبق ) ( تجيئون خلف القوم سوداً وجوهكمْ ... إذا ما قريش للأضاميم أصفقوا ) ( وما ذاك إلا أن للّؤم طابَعاً ... يلوح عليكم وسْمه ليس يَخْلُق ) أبو العباس وعمر بن أبي ربيعة أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني عمي مصعب قال قال عمر بن أبي ربيعة لأبي العباس الأعمى الشاعر مولى بني الديل بن بكر ( أفْتِني إن كنتَ ثَقْفاً شاعراً ... عن فتىً أعرجَ أعمى مختلِفْ ) ( سيىءِ السَّحْنة كابٍ لونُه ... مثلِ عود الخروعِ البالي القصِف ) فقال أبو العباس يرد عليه ( أنت الفتى وابن الفتى وأخو الفتى ... وسيدُنا لولا خلائقُ أربعُ ) ( نُكُولك في الهيجا وتَقْوالُك الخنا ... وشتمك للمولَى وأنك تُبَّعُ ) قال الزبير يقال رجل تبع نساء وتبع نساء إذا كان كلفا بهن أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي قال حدثني المكيون أن عمر بن أبي ربيعة كان يرامي جارية لأبي العباس الأعمى ببنادق الغالية فبلغ ذلك أبا العباس فقال لقائده قفني على باب بني مخزوم فإذا مر عمر بن أبي ربيعة فضع يدي عليه فلما مر عمر وضع يده عليه فأخذ بحجزته وقال ( ألا من يشتري جارا نؤوماً ... بجارٍ لا ينام ولا يُنِيمُ ) ( ويلبس بالنهار ثيابَ ناسٍ ... وشَطْرَ الليلِ شيطانٌ رجيمُ ) فنهضت إليه بنو مخزوم فأمسكوا فمه وضمنوا له عن عمر أن لا يعاود ما يكرهه صوت ( ألا حيِّ من أجل الحبيب المَغانيا ... لبِسن البلى لما لَبِسن الليالِيا ) ( إذا ما تقاضى المرءَ يومٌ وليلة ... تقاضاه شيء لا يملّ التقاضيا ) الشعر لأبي حية النميري والغناء لأحمد بن يحيى المكي - خفيف رمل - بالبنصر عن الهشامي أخبار أبي حية النميري ونسبه أبو حية الهيثم بن الربيع بن زرارة بن كثير بن جناب بن كعب بن مالك بن عامر بن نمير بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار وكان يقال لمالك الأصقع وقال قوم إن الأصقع هو الأصم بن مالك بن جناب بن كعب وأبو حية شاعر مجيد مقدم من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية وقد مدح الخلفاء فيهما جميعا وكان فصيحا مقصدا راجزا من ساكني البصرة وكان أهوج جبانا بخيلا كذابا معروفا بذلك أجمع وكان أبو عمرو بن العلاء يقدمه وقيل إنه كان يصرع طرائف من أخباره أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني محمد بن سلام الجمحي وأخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة قالوا كان لأبي حية سيف يسميه لعاب المنية ليس بينه وبين الخشبة فرق وكان من أجبن الناس قال فحدثني جار له قال دخل ليلة إلى بيته كلب فظنه لصا فأشرفت عليه وقد انتضى سيفه لعاب المنية وهو واقف في وسط الدار وهو يقول أيها المغتر بنا والمجترئ علينا بئس والله ما اخترت لنفسك خير قليل وسيف صقيل لعاب المنية الذي سمعت به مشهورة ضربته لا تخاف نبوته اخرج بالعفو عنك قبل أن أدخل بالعقوبة عليك إني والله إن أدع قيسا إليك لا تقم لها وما قيس تملأ والله الفضاء خيلا ورجلا سبحان الله ما أكثرها وأطيبها فبينا هو كذلك إذ خرج الكلب فقال الحمد لله الذي مسخك كلبا وكفاني حربا أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني محمد بن علي بن حمزة قال حدثني أبو عثمان المازني قال حدثني سعيد بن مسعدة الأخفش قال قال أبو حية النميري أتدري ما يقول القدريون قلت لا قال يقولون الله لا يكلف العباد ما لا يطيقون ولا يسالهم ما لا يجدون وصدق والله القدريون ولكني لا أقول كما يقولون قال محمد بن علي بن حمزة وحدثني أبو عثمان قال قال سلمة بن عياش لأبي حية النميري أتدري ما يقول الناس قال وما يقولون قال يقولون إني اشعر منك قال إنا لله هلك والله الناس قال وكان أبو حية النميري مجنونا يصرع وقد أدرك هشام بن عبد الملك أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي قال سمعت عمي يقول أبو حية في الشعراء كالرجل الربعة لا يعد طويلا ولا قصيرا قال وسمعت أبا عمرو يقول هو أشعر في عظم الشعر من الراعي أخبرني الحسن بن علي وعلي بن سليمان الأخفش قالا حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال حدثني عبد الصمد بن المعذل وأخبرنا إبراهيم بن محمد بن أيوب قال حدثنا عبد الله بن مسلم قالوا كان ابو حية النميري من أكذب الناس فحدث يوما أنه يخرج إلى الصحراء فيدعو الغربان فتقع حوله فيأخذ منها ما شاء فقيل له يا أبا حية ارأيت إن أخرجناك إلى الصحراء فدعوتها فلم تأتك فما نصنع بك قال أبعدها الله إذن قال وحدثنا يوما قال عن لي ظبي يوما فرميته فراغ عن سهمي فعارضه السهم ثم راغ فعارضه السهم فما زال والله يروغ ويعارضه حتى صرعه ببعض الجبانات قال وقال يوما رميت والله ظبية فلما نفذ سهمي عن القوس ذكرت بالظبية حبيبة لي فعدوت خلف السهم حتى قبضت على قذذه قبل أن يدركها وذكر يحيى بن علي عن الحسن بن عليل العنزي قال قال الرياشي عن الأصمعي قال وفد أبو حية النميري على المنصور وقد امتدحه وهجا بني حسن بقصيدته التي أولها ( عُوجا نحيِّ ديار الحيّ بالسندِ ... وهل بتلك الديارِ اليوم من أحدِ ) يقول فيها ( أحين شِيمَ فلم يتركْ لهم ترَةً ... سيفٌ تقلّده الرئبال ذو اللِّبَدِ ) ( سللتموه عليكمَ يا بني حسنٍ ... ما إنْ لكم من فلاحٍ آخرَ الأبد ) ( قد أصبحتْ لبنِي العباس صافيةً ... لجدع آناف أهل البغي والحسد ) ( وأصبحت كلَهاة الليثِ في فمه ... ومَنْ يحاولُ شيئاً في فم الأسد ) فوصله أبو جعفر بشيء دون ما كان يؤمل فاحتجن لعياله أكثره وصار إلى الحيرة فشرب عند خمارة بها فأعجبه الشرب فكره إنفاد ما معه وأحب أن يدوم له ما كان فيه فسأل الخمارة أن تبيعه بنسيئة وأعلمها أنه مدح الخليفة وجماعة من القواد ففعلت وشرهت إلى فضل النسيئة وكان لأبي حية أير كعنق الظليم فأبرز لها عنه فتدلهت وكانت كلما سقته خطت في الحائط فأنشأ أبو حية يقول ( إذا أسقيتِني كُوزاً بخَطٍّ ... فخُطِّي ما بدا لك في الجدار ) ( فإن أعطيتني عيناً بدين ... فهاتي العَيْن وانتظري ضِماري ) ( خرقتُ مقدّماً من جنب ثوبي ... حِيال مكان ذاك من الإِزار ) ( فقالت ويلَها رجل ويمشي ... بما يمشي به عُجَرُ الحمار ) ( وقالت ما تريد فقلت خيراً ... نسيئةَ ما عليّ إلى يساري ) ( فصدّت بعدما نظرت إليه ... وقد ألمحتُها عُنُق الحُوار ) أخبرني إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم قال لقي ابن مناذر أبا حية فقال له أنشدني بعض شعرك فأنشده ( ألا حي من أجل الحبيب المغانيا ... ) فقال له ابن مناذر وهذا شعر فقال أبو حية ما في شعري عيب هو شر من أنك تسمعه ثم أنشده ابن مناذر شيئا من شعره فقال له أبو حية قد عرفتك ما قصتك وهذه القصيدة يفخر فيها أبو حية ويذكر يوم النشاش وهو يوم لبني نمير أخبار أحمد بن يحيى المكي أحمد بن يحيى بن مرزوق المكي ويكنى أبا جعفر وكان يلقب ظنينا وقد تقدم ذكر أبيه وأخباره وهو أحد المحسنين المبرزين الرواة للغناء المحكمي الصنعة وكان إسحاق يقدمه ويؤثره ويشيد بذكره ويجهر بتفضيله وكتابه المجرد في الأغاني ونسبها أصل من الأصول المعمول عليها وما أعرف كتابا بعد كتاب إسحاق الذي ألفه لشبحا يقارب كتابه ولا يقاس به وكان مع جودة غنائه وحسن صنعته أحد الضراب الموصوفين المتقدمين أخبرني عمي قال حدثني أبو عبد الله الهشامي عن محمد بن أحمد المكي أن أباه جمع لمحمد بن عبد الله بن طاهر ديوانا للغناء ونسبه وجنسه فكان محتويا على أربعة عشر ألف صوت أخبرني جحظة قال حدثني علي بن يحيى ونسخت من بعض الكتب حدثني محمد بن أحمد المكي قال حدثني علي بن يحيى قال قلت لإسحاق بن إبراهيم الموصلي وقد جرى ذكر أحمد بن يحيى المكي يا أبا محمد لو كان أبو جعفر أحمد بن يحيى المكي مملوكا كم كان يساوي فقال أخبرك عن ذلك انصرفت ليلة من دار الواثق فاجتزت بدار الحسن بن وهب فدخلت إليه فإذا أحمد عنده فلما قام لصلاة العشاء الآخرة قال لي الحسن بن وهب كم يساوي أحمد لو كان مملوكا قلت يساوي عشرين ألف دينار قال ثم رجع فغنى صوتا فقال لي الحسن بن وهب يا أبا محمد أضعفها قال ثم تغني صوتا آخر فقلت للحسن يا أبا علي أضعفها ثم أردت الانصراف فقلت لأحمد غنني صوت ( لولا الحياءُ وأن السَّتْر من خُلُقي ... إذن قعدتُ إليكَ الدهرَ لم أَقُم ) ( أليس عندك شُكر للتي جعلت ... ما ابيضَّ من قادمات الرأس كالحُمَمِ ) الغناء فيه لمعبد خفيف ثقيل أول في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر عمرو بن بانة أنه لمالك وليس كما قال لحن مالك ثقيل أول ذكره الهشامي ودنانير وغيرهما قال فغناه أحمد بن يحيى المكي فأحسن فيه كل الإحسان فلما قمت للانصراف قلت للحسن يا أبا علي أضعف الجميع فقال له أحمد ما هذا الذي أسمعكما تقولانه ولست أدري ما معناه قال نحن نبيعك ونشتريك منذ الليلة وأنت لا تدري وأخبرنا بهذا الخبر يحيى بن علي بن يحيى عن أخيه أحمد بن علي عن عافية بن شبيب عن أبي حاتم قال كان إسحاق عندنا في منزل أبي علي الحسن بن وهب وعندنا ظنين بن المكي وذكر الحديث مثله وقال فيه إنه قومه مئة ألف درهم وذكر أن الصوت الذي غناه آخرا صوت ( أمِن دِمنٍ وخَيم بالياتِ ... وسُفْعٍ كالحمائم جاثماتِ ) ( أرِقتَ لهنّ شطرَ الليل حتى ... طلعن من المناقب مُنجداتِ ) وأن إسحاق لما سمعه قال كم كنت قومته قال مئة ألف درهم قال أضعفوا القيمة قيمته مئتا ألف درهم في هذين البيتين لحن من القدر الأوسط من - الثقيل - الأول بالسبابة في مجرى الوسطى ينسب إلى ابن مسجح وإلى ابن محرز وفيه لابن سريج ثاني - ثقيل - بالوسطى عن عمرو وللغريض - خفيف ثقيل - عن الهشامي مناظرته للمغنين أخبرني جحظة قال حدثني محمد بن أحمد المكي قال ناظر أبي بعض المغنين ذات ليلة بين يدي المعتصم وطال تلاحيهما في الغناء فقال أبي للمعتصم يا أمير المؤمنين من شاء منهم فليغن عشرة أصوات لا أعرف منها ثلاثة وأنا أغني عشرة وعشرة وعشرة لا يعرف أحد منهم صوتا منها فقال إسحاق صدق يا أمير المؤمنين واتبعه ابن بسختر وعلويه فقالا صدق يا أمير المؤمنين إسحاق فيما يقوله فأمر له بعشرين ألف درهم قال محمد ثم عاد ذلك الرجل إلى مماظته يوما فقال له قد دعوتك إلى النصفة فلم تقبل وأنا أدعوك وأبدأ بما دعوتك إليه فاندفع فغنى عشرة أصوات فلم يعرف أحد منهم منها صوتا واحدا كلها من الغناء القديم والغناء اللاحق به من صنعة المكيين الحذاق الخاملي الذكر فاستحسن المعتصم منها صوتا وأسكت المغنين له واستعاده مرات عدة ولم يزل يشرب عليه سحابة يومه وأمر ألا يراجع أحدا من المغنين كلاما ولا يعارضه أحد منهم إذ كان قد أبر عليهم وأوضح الحجة في انقطاعهم وإدحاض حججهم كان الصوت الذي اختاره المعتصم عليه وأمر له لما سمعه بألفي دينار صوت ( لعنَ الله من يلوم محبًّا ... ولحى الله من يُحَبُّ فيَابَى ) ( رُبَّ إلفين أضمرا الحُبَّ دهرا ... فعفا الله عنهما حين تابا ) الغناء ليحيى المكي - رمل - قال محمد قال أبي وكان المعتصم قد خلع علينا في ذلك اليوم مماطر لها شأن من ألوان شتى فسألني عبد الوهاب بن علي أن أرد عليه هذا الصوت وجعل لي ممطره فغنيته إياه فلما خرجنا للانصراف إلى منازلنا أمر غلمانه بدفع الممطر إلى غلماني فسلموه إليهم أخبرني عبد الله بن الربيع عن أبيه قال حدثني محمد بن عبد الله بن مالك قال سألني إسحاق بن إبراهيم الموصلي يوما من بقي من المغنين قلت وجه القرعة محمد بن عيسى مولى عيسى بن جعفر فقال صالح كيس ومن أيضا قلت أحمد بن يحيى المكي قال بخ بخ ذاك المحسن المجمل الضارب المغني القائم بمجلسه لا يحوج أهل المجلس إلى غيره ومن بأبي أنت قلت ابن مقامرة قال لا والله ما سمعت بهذا قط فمن مقامرة هذه زامرة أم نائحة أم مغنية قلت لا ولكنها من الناس وليست من أهل صناعته قال ومن أيضا بأبي أنت قلت يحيى بن القاسم ابن أخي سلمة قال الذي كان له أخ يغني مرتجلا قلت نعم قال لم يحسن ذاك ولا أبوه شيئا قط ولا أشك أن هذا كذلك لأنهما مؤدباه وذكر ابن المكي عن أبيه قال قال المعتصم يوما لجلسائه ونحن عنده خلعت اليوم على فتى شريف ظريف نظيف حسن الوجه شجاع القلب ووليته المصيصة ونواحيها فقلنا من هذا يا أمير المؤمنين فقال خالد بن يزيد بن مزيد فقال علويه يا أحمد غن أمير المؤمنين صوتك في مدح خالد فأمسكت عنه فقال المعتصم مالك لا تجيبه فقلت يا أمير المؤمنين ليس هو مما يغنى بحضرة الخليفة فقال ما من أن تغنيه بد قال فغنيته صنعة لي في هذا الشعر صوت ( علَّمَ النَّاسَ خالدُ بنُ يزيدٍ ... كلَّ حلم وكل بأسٍ وجُودِ ) ( فترى الناسِ هيبةً حين يبدو ... مِن قيامٍ ورُكَّعٍ وسجودِ ) فقال المعتصم يا سمانة خذ أحمد بإلقاء هذا الصوت على الجواري في غد وأمر لي بعشرة آلاف درهم قال وغنى أبي يوما محمدا الأمين صوت ( فعش عُمرَ نوحٍ في سرورٍ وغِبْطَةٍ ... وفي خفض عيش ليس في طوله إثمُ ) ( تساعدُك الأقدارُ فيه وتنثنِي ... إليك وترعَى فضلَك العُرْبُ والعُجْم ) فأمر له بخمس مئة دينار وتوفي أحمد بن يحيى المكي في خلافة المستعين في أولها أخبرني بذلك جحظة البرمكي عن محمد بن أحمد بن يحيى المكي أن أباه توفي في هذا الوقت انقضت أخباره صوت ( إن الذين غَدَوا بلُبِّك غادروا ... وشَلاً بعينك ما يزال مَعِينا ) ( غَيَّضْن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيتَ من الهوى ولقينا ) غادروا تركوا والوشل الماء القليل والمعين الماء الصافي الجاري وغيضن من عبراتهن أي كففنها ومسحنها حتى تغيض الشعر لجرير والغناء لإسحاق - رمل - بالوسطى عن عمرو وهو من طريف أرمال إسحاق وعيونها وفيه لابن سريج ثقيل أول بالبنصر عن الهشامي وعمرو وذكر علي بن يحيى أن فيه لابن سريج رملا آخر وذكر عيسى أن الثقيل الأول لإبراهيم وأن فيه للهذلي ثاني - ثقيل - بالوسطى ولإبراهيم أيضا ماخوري بالبنصر من غزل جرير وقد أخبرني إبراهيم بن محمد بن أيوب الصائغ قال حدثنا عبد الله بن مسلم بن قتيبة أن هذين البيتين للمعلوط وأن جريرا سرقهما منه وأدخلهما في شعره أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي وغيره قالوا غدا عبد الله بن مسلم ابن جندب الهذلي على أبي السائب المخزومي في منزله فلما خرج إليه أبو السائب أنشده قول جرير ( إن الذين غَدَوا بلبك غادَروا ... وشَلاً بعينك لا يزال مَعينا ) البيتين فحلف أبو السائب ألا يرد على أحد سلاما ولا يكلمه إلا بهذين البيتين حتى يرجع إلى منزله فخرجا فلقيهما عبد العزيز بن المطلب وهو قاض وكانا يدعيان القرينين لملازمتهما فلما رآهما قال كيف أصبح القرينان فغمز أبو السائب ابن جندب أن أخبره بالقصة وابن جندب يتغافل فقال لابن جندب ما لأبي السائب فجعل أبو السائب يغمزه أي أخبره بيميني قال ابن جندب أحمد الله إليك ما زلت منكرا لفعله منذ خرجنا فانصرف ابن المطلب إلى منزله والخصوم ينتظرونه فصرفهم ودخل منزله مغتما فلما أتى أبو السائب منزله وبرت يمينه خرج إلى ابن جندب فقال اذهب بنا إلى ابن المطلب فإني أخاف أن يرد شهادتي فاستأذنا عليه فأذن لهما فقال له أبو السائب قد علمت - أعزك الله - غرامي بالشعر وإن هذا الضال جاءني حين خرجت من منزلي فأنشدني بيتين فحلفت ألا أرد على أحد سلاما ولا أكلمه إلا بهما حتى أرجع إلى منزلي فقال ابن المطلب اللهم غفرا ألا تترك المجون يا أبا السائب أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد المطلب بن عبد العزيز قال أنشدت أبا السائب قول جرير ( غَيَّضْنَ مِن عَبَراتهن وقُلْنَ لي ... ماذا لقيتَ من الهوى ولقينا ) فقال يابن أخي أتدري ما التغييض قلت لا قال هكذا وأشار بأصبعه إلى جفنه كأنه يأخذ الدمع ثم ينضحه أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا المدائني وأخبرنا محمد بن العباس اليزيدي عن أحمد بن زهير عن الزبير بن بكار قال عن المدائني قال شهد رجل عند قاض بشهادة فقيل له من يعرفك قال ابن أبي عتيق فبعث إليه يسأله عنه فقال عدل رضا فقيل له أكنت تعرفه قبل اليوم قال لا ولكني سمعته ينشد ( غَيَّضْنً مِن عَبَراتهن وقُلْنَ لي ... ماذا لقيتَ من الهوى ولقينا ) فعلمت أن هذا لا يرسخ إلا في قلب مؤمن فشهدت له بالعدالة أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا محمد بن الحسن ومحمد بن الضحاك قالا كان أبو السائب المخزومي واقفا على رأس بئر فأنشده ابن جندب ( إن الذين غدوا بلبك غادروا ... وشَلاً بعينك لا يزال مَعينا ) فرمى بنفسه في البئر بثيابه فبعد لأي ما أخرجوه أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا محمد بن الحسن الزرقي قال حدثنا العلاء بن عمرو الزبيري من ولد عمرو بن الزبير قال حدثنا يحيى بن أبي قتيلة قال حدثني إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي عليهم السلام عن أشعب قال جاءني فتية من قريش فقالوا لي نحب أن تسمع سالم بن عبد الله بن عمر صوتا من الغناء وتعلمنا ما يقول لك وجعلوا لي في ذلك جعلا فدخلت عليه فقلت يا أبا عمرو لي مجالسة وحرمة ومودة وسن وأنا مولع بالترنم قال وما الترنم قلت الغناء قال وفي أي وقت قلت في الخلوة ومع الإخوان في الخارج وأحب أن أسمعك فإن كرهته أمسكت عنه ثم غنيته فقال ما أرى بأسا فخرجت إليهم فأعلمتهم فقالوا وما غنيته فقلت غنيته ( قَرِّبا مَرْبَطَ النعامةِ مِني ... لقِحَتْ حربُ وائلٍ عن حيالِ ) قالوا هذا بارد لا حركة فيه ولسنا نرضى فلما رأيت دفعهم إياي وخفت ذهاب ما جعلوا لي رجعت إليه فقلت يا أبا عمرو آخر قال ما لي ولك ولم أملكه أمره حتى غنيت فقال ما أرى بأسا فخرجت إليهم فأعلمتهم قالوا وما غنيته قلت ( لم يُطِيقوا أن ينزِلوا ونزلْنا ... وأخو الحرب من أطاق النزولا ) قالوا وليس هذا بشيء فرجعت إليه فقلت آخر فاستكفني فلم أملكه القول حتى غنيته ( غَيَّضْنَ مِن عَبَراتهن وقُلْنَ لي ... ماذا لقيتَ من الهوى ولقينا ) فقال مهلا مهلا قلت لا والله إلا بذاك الذي فيه تمر عجوة من صدقة عمر فقال هو لك فخرجت عليهم به وأنا أخطر فقالوا مه فقلت أطربت الشيخ حتى أعطاني هذا وقال مرة أخرى حتى فرض لي هذا قال ووالله ما فعل وإنما كان فدية لأصمت وأخذت منهم الجعل أخبرني يحيى بن علي بن يحيى المنجم قال حدثت عن حماد بن إسحاق قال حدثني علويه الأعسر قال أتيت أباك في داره هذه يوما وقد بنى إيوانها وسائرها خراب فجلسنا على تل من تراب فغناني لحنه في ( غَيَّضْنً مِن عَبَراتهن وقُلْنَ لي ... ماذا لقيتَ من الهوى ولقينا ) فسألته أن يعيده علي ففعل وأتانا رسول أبيه بطبق رطب فقال للرسول قل له سأرسل إليك برطب أطيب من الرطب الذي بعثت به إلي فأبلغه الرسول ذلك فقال له ومن عنده فأخبره أنني عنده فقال ما أخلقه أن يكون قد أتاني بآبدة أتانا رسوله بعد ساعة فقال ما آن لرطبكم أن يأتينا فأرسلني إليه وقد أخذت الصوت فغنيته إياه فقال أجاد والله أألام على هذا وحبه والله لو لم يكن بيني وبينه قرابة لأحببته فكيف وهو ابني صوت ( ألست ترى يا ضبُّ بالله أنني ... مصاحبة نحو المدينة ارْكُبا ) ( إذا قطعوا حَزْنا تَخُبُّ رِكابُهم ... كما حرّكتْ ريحٌ يَراعاً مُثَقَّبا ) عروضه من - الطويل - والشعر لنائلة بنت الفرافصة والغناء لابن عائشة ولحنه من الثقيل الأول بالوسطى ووجدت في كتاب بخط عبيد الله بن عبد الله بن طاهر أنه مما نحله يحيى المكي لابن عائشة أخبار نائلة بنت الفرافصة ونسبها هي نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو وقيل ابن عفر بن ثعلبة وقيل عمرو بن ثعلبة بن الحارث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب الكلبية زوجة عثمان بن عفان رضي الله عنه تقوله لأخيها لما نقلها إلى عثمان أخبرني بخبره وخبرها أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عبد الله بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد عن أبيه قال تزوج سعيد بن العاص وهو على الكوفة هند بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة فبلغ ذلك عثمان فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإنه قد بلغني أنك تزوجت امرأة من كلب فاكتب إلي بنسبها وجمالها فكتب إليه أما بعد فإن نسبها أنها بنت الفرافصة بن الأحوص وجمالها أنها بيضاء مديدة القامة فكتب إليه إن كانت لها أخت فزوجنيها فبعث سعيد إلى الفرافصة يخطب إحدى بناته على عثمان فأمر الفرافصة ابنه ضبا فزوجها إياه وكان ضب مسلما وكان الفرافصة نصرانيا فلما أرادوا حملها إليه قال لها أبوها يا بنية إنك تقدمين على نساء من نساء قريش هن أقدر على الطيب منك فاحفظي عني خصلتين تكحلي وتطيبي بالماء حتى يكون ريحك ريح شن أصابه مطر فلما حملت كرهت الغربة وحزنت لفراق أهلها فأنشأت تقول ( ألستَ تَرى يا ضبُّ بالله أنني ... مصاحبةٌ نحو المدينة أَرْكُبا ) ( إذا قطعوا حَزْناً تَخُبّ رِكابُهم ... كما حرّكتْ ريحٌ يَراعاً مُثَقَّبا ) ( لقد كان في أبناء حِصْن بن ضَمْضمٍ ... لكَ الويلُ ما يغني الخِباءَ المطَنّبا ) فلما قدمت على عثمان رضي الله عنه قعد على سريره ووضع لها سريرا حياله فجلست عليه فوضع عثمان قلنسيته فبدا الصلع فقال يا بنة الفرافصة لا يهولنك ما ترين من صلعي فإن وراءه ما تحبين فسكتت فقال إما أن تقومي إلي وإما أن أقوم إليك فقالت أما ما ذكرت من الصلع فإني من نساء أحب بعولتهن إليهن السادة الصلع وأما قولك إما أن تقومي إلي وإما أن أقوم إليك فوالله ما تجشمت من جنبات السماوة أبعد مما بيني وبينك بل أقوم إليك فقامت فجلست إلى جنبه فمسح رأسها ودعا لها بالبركة ثم قال لها اطرحي عنك رداءك فطرحته ثم قال لها اطرحي خمارك فطرحته ثم قال لها انزعي درعك فنزعته ثم قال حلي إزارك فقالت ذاك إليك فحل إزارها فكانت من أحظى نساءه عنده أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال ( إذا قطعوا حَزْنا تَخُبُّ رِكابُهم ... كما حرّكتْ ريحٌ يَراعاً مُثَقَّبا ) عروضه من - الطويل - والشعر لنائلة بنت الفرافصة والغناء لابن عائشة ولحنه من الثقيل الأول بالوسطى ووجدت في كتاب بخط عبيد الله بن عبد الله بن طاهر أنه مما نحله يحيى المكي لابن عائشة كتاب نائلة إلى معاوية أخبرني أحمد قال حدثني عمر قال حدثنا علي بن محمد عن أبي مخنف عن نمير بن وعلة عن الشعبي ومسلمة بن محارب عن حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية أن نائلة بنت الفرافصة كتبت إلى معاوية بن أبي سفيان وبعثت بقميص عثمان مع النعمان بن بشير أو عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة من نائلة بنت الفرافصة إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فإني أذكركم بالله الذي أنعم عليكم وعلمكم الإسلام وهداكم من الضلالة وأنقذكم من الكفر ونصركم على العدو وأسبغ النعمة وأنشدكم بالله وأذكركم حقه وحق خليفته الذي لم تنصروه وبعزمة الله عليكم فإنه عز و جل يقول ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) وإن أمير المؤمنين بغي عليه ولو لم يكن له عليكم حق إلا حق الولاية ثم أتي بما أتي لحق على كل مسلم يرجو أيام الله أن ينصره لقدمه في الإسلام وحسن بلائه وأنه أجاب داعي الله وصدق كتابه والله أعلم به إذ انتجبه فأعطاه شرف الدنيا وشرف الآخرة وإني أقص عليكم خبره لأني كنت مشاهدة أمره كله حتى أفضي إليه وإن أهل المدينة حصروه في داره يحرسونه ليلهم ونهارهم قيام على أبوابه بسلاحهم يمنعونه كل شيء قدروا عليه حتى منعوه الماء يحضرونه الأذى ويقولون له الإفك فمكث هو ومن معه خمسين ليلة وأهل مصر قد أسندوا أمرهم إلى محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر وكان علي مع المحرضين من أهل المدينة ولم يقاتل مع أمير المؤمنين ولم ينصره ولم يأمر بالعدل الذي أمر الله تبارك وتعالى به فظلت تقاتل خزاعة وسعد بن بكر وهذيل وطوائف من مزينة وجهينة وأنباط يثرب ولا أرى سائرهم ولكني سميت لكم الذين كانوا أشد الناس عليه في أول أمره وآخره ثم إنه رمي بالنبل والحجارة فقتل ممن كان في الدار ثلاثة نفر فأتوه يصرخون إليه ليأذن لهم في القتال فنهاهم عنه وأمرهم أن يردوا عليهم نبلهم فردوها إليهم فلم يزدهم ذلك على القتال إلا جراءة وفي الأمر إلا إغراء ثم أحرقوا باب الدار فجاءه ثلاثة نفر من أصحابه فقالوا إن في المسجد ناسا يريدون أن يأخذوا أمر الناس بالعدل فأخرج إلى المسجد حتى يأتوك فانطلق فجلس فيه ساعة وأسلحة القوم مطلة عليه من كل ناحية وما أرى أحدا يعدل فدخل الدار وقد كان نفر من قريش على عامتهم السلاح فلبس درعه وقال لأصحابه لولا أنتم ما لبست درعا فوثب عليه القوم فكلمهم ابن الزبير وأخذ عليهم ميثاقا في صحيفة بعث بها إلى عثمان إن عليكم عهد الله وميثاقه ألا تعروه بشيء فكلموه وتحرجوا فوضع السلاح فلم يكن إلا وضعه حتى دخل عليه القوم يقدمهم ابن أبي بكر حتى أخذوا بلحيته ودعوه باللقب فقال أنا عبد الله وخليفته فضربوه على رأسه ثلاث ضربات وطعنوه في صدره ثلاث طعنات وضربوه على مقدم الجبين فوق الأنف ضربة أسرعت في العظم فسقطت عليه وقد أثخنوه وبه حياة وهم يريدون قطع رأسه ليذهبوا به فأتتني بنت شيبة بن ربيعة فألقت نفسها معي عليه فوطئنا وطئا شديدا وعرينا من ثيابنا وحرمة أمير المؤمنين أعظم فقتلوه رحمة الله عليه في بيته وعلى فراشه وقد أرسلت إليكم بثوبه وعليه دمه وإنه والله لئن كان أثم من قتله لما يسلم من خذله فانظروا أين أنتم من الله جل وعز فإنا نشكي ما مسنا إليه ونستنصر وليه وصالح عباده ورحمة الله على عثمان ولعن الله من قتله وصرعهم في الدنيا مصارع الخزي والمذلة وشفى منهم الصدور فحلف رجال من أهل الشام ألا يطأوا النساء حتى يقتلوا قتلته أو تذهب أرواحهم صوت ( فيا راكباً إما عرضْت فبلِّغنْ ... ندامايَ من نجرانَ أَنْ لاَ تلاقَيا ) ( أبَا كرِبٍ والأَيْهَمين كليهما ... وقيساً بأعلى حضرموت الْيَمانِيَا ) ( وتضحكُ مِنّي شَيْخةٌ عَبْشَميّةٌ ... كأن لم تَرَا قبلي أسيراً يمانِيا ) ( أقول وقد شَدُّوا لساني بِنسْعةٍ ... أمعشَر تيْمٍ أطلِقوا عن لِسانيا ) الشعر لعبد يغوث بن صلاءة الحارثي والغناء لإسحاق - ثقيل - أول أخبار عبد يغوث ونسبه هو عبد يغوث بن صلاءة وقيل بل هو عبد يغوث بن الحارث بن وقاص بن صلاءة - وهو قول ابن الكلبي - بن المغفل واسم المغفل ربيعة بن كعب الأرت بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن خالد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان قال ابن الكلبي قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح قال وكان يقال ليعرب المرعف وكان عبد يغوث بن صلاءة شاعرا من شعراء الجاهلية فارسا سيدا لقومه من بني الحارث بن كعب وهو كان قائدهم في يوم الكلاب الثاني إلى بني تميم وفي ذلك اليوم أسر فقتل وعبد يغوث من أهل بيت شعر معرق لهم في الجاهلية والإسلام منهم اللجلاج الحارثي وهو طفيل بن يزيد بن عبد يغوث بن صلاءة وأخوه مسهر فارس شاعر وهو الذي طعن عامر بن الطفيل في عينه يوم فيف الريح ومنهم ممن أدرك الإسلام جعفر بن علبة بن ربيعة بن الحارث بن عبد يغوث بن الحارث بن معاوية بن صلاءة وكان فارسا شاعرا صعلوكا أخذ في دم فحبس بالمدينة ثم قتل صبرا وخبره يذكر منفردا لأن له شعرا فيه غناء والشعر المذكور في هذا الموضع لعبد يغوث بن صلاءة يقوله في يوم الكلاب الثاني وهو اليوم الذي جمع فيه قومه وغزا بني تميم فظفرت به بنو تميم وأسروه وقتل يومئذ حديث يوم الكلاب وكان من حديث هذا اليوم فيما ذكر أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء وهشام بن الكلبي عن أبيه والمفضل بن محمد الضبي وإسحاق بن الجصاص عن العنبري قالوا لما أوقع كسرى ببني تميم يوم الصفا بالمشقر فقتل المقاتلة وبقيت الأموال والذراري بلغ ذلك مذحجا فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا اغتنموا بني تميم ثم بعثوا الرسل في قبائل اليمن وأحلافها من قضاعة فقالت مذحج للمأمور الحارثي وهو كاهن ما ترى فقال لهم لا تغزوا بني تميم فإنهم يسيرون أغبابا ويردون مياها جبابا فتكون غنيمتكم ترابا قال أبو عبيدة فذكر أنه اجتمع من مذحج ولفها اثنا عشر ألفا وكان رئيس مذحج عبد يغوث بن صلاءة ورئيس همدان يقال له مسرح ورئيس كندة البراء بن قيس بن الحارث فأقبلوا إلى تميم فبلغ ذلك سعدا والرباب فانطلق ناس من أشرافهم إلى أكثم بن صيفي وهو قاضي العرب يومئذ فاستشاروه فقال لهم أقلوا الخلاف على أمرائكم واعلموا أن كثرة الصياح من الفشل والمرء يعجز لا محالة يا قوم تثبتوا فإن أحزم الفريقين الركين ورب عجلة تهب ريثا واتزروا للحرب وادرعوا الليل فإنه أخفى للويل ولا جماعة لمن اختلف فلما انصرفوا من عند أكثم تهيؤوا واستعدوا للحرب وأقبل أهل اليمن من بني الحارث من أشرافهم يزيد بن عبد المدان ويزيد بن مخرم ويزيد بن الطيثم بن المأمور ويزيد بن هوبر حتى إذا كانوا بتيمن نزلوا قريبا من الكلاب ورجل من بني زيد بن رياح بن يربوع يقال له مشمت بن زنباع في إبل له عند خال له من بني سعد يقال له زهير بن بو فلما أبصرهم المشمت قال لزهير دونك الإبل وتنح عن طريقهم حتى آتي الحي فأنذرهم قال فركب المشمت ناقة ثم سار حتى أتى سعدا والرباب وهم على الكلاب فأنذرهم فأعدوا للقوم وصبحوهم فأغاروا على النعم فطردوها وجعل رجل من أهل اليمن يرتجز ويقول ( في كل عام نَعَمٌ ننتابُهُ ... على الكُلاب غُيَّبا أربابُهُ ) قال فأجابه غلام من بني سعد كان في النعم على فرس له فقال ( عما قليل سَتُرى أربابُهُ ... صُلْبَ القناةِ حازماً شبابُهُ ) ( على جيادٍ ضُمَّرٍ عيابه ... ) قال فأقبلت سعد والرباب ورئيس الرباب النعمان بن جساس ورئيس بني سعد قيس بن عاصم المنقري قال أبو عبيدة اجتمع العلماء على أن الرئيس كان يومئذ قيس بن عاصم فقال ضبي حين دنا من القوم ( في كلِّ عام نعمٌ تحوُونَهُ ... يُلْقِحُهُ قوم وَتَنْتِجُونَهُ ) ( أربابُه نوكَى فلا يَحْمونه ... ولا يلاقون طِعاناً دونَهُ ) ( أَنَعَمَ الأبناءِ تَحْسِبُونَهُ ... هيهاتَ هيهاتَ لما تَرْجُونَهُ ) فقال ضمرة بن لبيد الحماسي انظروا إذا سقتم النعم فإن أتتكم الخيل عصبا عصبا وثبتت الأولى للأخرى حتى تلحق فإن أمر القوم هين وإن لحق بكم القوم فلم ينظروا إليكم حتى يردوا وجوه النعم ولا ينتظر بعضهم بعضا فإن أمر القوم شديد وتقدمت سعد والرباب فالتقوا في أوائل الناس فلم يلتفتوا إليهم واستقبلوا النعم من قبل وجوهها فجعلوا يصرفونها بأرماحهم واختلط القوم فاقتتلوا قتالا شديدا يومهم حتى إذا كان من آخر النهار قتل النعمان بن جساس قتله رجل من أهل اليمن كانت أمه من بني حنظلة يقال له عبد الله بن كعب وهو الذي رماه فقال للنعمان حين رماه خذها وأنا ابن الحنظلية فقال النعمان ثكلتك أمك رب حنظلية قد غاظتني فذهبت مثلا وظن أهل اليمن أن بني تميم سيهدهم قتل النعمان فلم يزدهم ذلك إلا جراءة عليهم فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل فباتوا يحرس بعضهم بعضا فلما أصبحوا غدوا على القتال فنادى قيس بن عاصم يال سعد ونادى عبد يغوث يال سعد قيس بن عاصم يدعو سعد بن زيد مناة بن تميم وعبد يغوث يدعو سعد العشيرة فلما سمع ذلك قيس نادى يال كعب فنادى عبد يغوث يال كعب قيس يدعو كعب بن سعد وعبد يغوث يدعو كعب بن عمرو فلما رأى ذلك قيس من صنيع عبد يغوث قال ما لهم أخزاهم الله ما ندعو بشعار إلا دعوا بمثله فنادى قيس يال مقاعس يعني بني الحارث بن عمرو بن كعب وكان يلقب مقاعسا فلما سمع وعلة بن عبد الله الجرمي الصوت وكان صاحب اللواء يومئذ طرحه وكان أول من انهزم من اليمن وحملت عليهم بنو سعد والرباب فهزموهم أفظع هزيمة وجعل رجل منهم يقول ( يا قومُ لا يُفْلِتْكُمُ اليزيدانْ ... مُخَرِّماً أعني به والدَّيانْ ) وجعل قيس بن عاصم ينادي يال تميم لا تقتلوا إلا فارسا فإن الرجالة لكم وجعل يرتجز ويقول ( لما تَوَلَّوا عُصَبا شَوازبا ... أقسمت لا أطعنُ إلاَّ راكبا ) ( إني وجدت الطعنَ فيهم صائبا ... ) وجعل يأخذ الأسارى فإذا أخذ أسيرا قال له ممن أنت فيقول من بني زعبل وهو زعبل بن كعب أخو الحارث بن كعب وهم أنذال فكأن الأسارى يريدون بذلك رخص الفداء فجعل قيس إذا أخذ أسيرا منهم دفعه إلى من يليه من بني تميم ويقول أمسك حتى أصطاد لك زعبلة أخرى فذهبت مثلا فما زالوا في آثارهم يقتلون ويأسرون حتى أسر عبد يغوث أسره فتى من بني عمير بن عبد شمس وقتل يومئذ علقمة بن سباع القريعي وهو فارس هبود وهبود فرس عمرو بن الجعيد المرادي وكان علقمة قتل عمرا وأخذ فرسه من تحته وأسر الأهتم واسمه سنان بن سمي بن خالد بن منقر ويومئذ سمي الأهتم - رئيس كندة البراء بن قيس وقتلت التيم الأوبر الحارثي وآخر من بني الحارث يقال له معاوية قتلهما النعمان بن جساس وقتل يومئذ من أشرافهم خمسة وقتلت بنو ضبة ضمرة بن لبيد الحماسي الكاهن قتله قبيصة بن ضرار بن عمرو الضبي وأما عبد يغوث فانطلق به العبشمي إلى أهله وكان العبشمي أهوج فقالت له أمه - ورأت عبد يغوث عظيما جميلا جسيما - من أنت قال أنا سيد القوم فضحكت وقالت قبحك الله من سيد قوم حين أسرك هذا الأهوج فقال عبد يغوث ( وتَضْحَكُ مني شيخةٌ عَبْشَمِيّة ... كأن لم ترا قبلي أسيراً يمانيا ) ثم قال لها أيتها الحرة هل لك إلى خير قالت وما ذاك قال أعطى ابنك مئة من الإبل وينطلق بي إلى الأهتم فإني أتخوف أن تنتزعني سعد والرباب منه فضمن له مئة من الإبل وأرسل إلى بني الحارث فوجهوا بها إليه فقبضها العبشمي فانطلق به إلى الأهتم وأنشأ عبد يغوث يقول ( أأهتمُ يا خيرَ البرية والدا ... ورَهْطا إذا ما الناسُ عَدُّوا المساعيا ) ( تداركْ أسيراً عانياً في بلادكم ... ولا تثقفنّي التيمُ أَلْقَى الدواهيا ) فمشت سعد والرباب فيه فقالت الرباب يا بني سعد قتل فارسنا ولم يقتل لكم فارس مذكور فدفعه الأهتم إليهم فأخذه عصمة بن أبير التيمي فانطلق به إلى منزله فقال عبد يغوث يا بني تيم اقتلوني قتلة كريمة فقال له عصمة وما تلك القتلة قال اسقوني الخمر ودعوني أنح على نفسي فقال له عصمة نعم فسقاه الخمر ثم قطع له عرقا يقال له الأكحل وتركه ينزف ومضى عنه عصمة وترك معه ابنين له فقالا جمعت أهل اليمن وجئت لتصطلمنا فكيف رأيت الله صنع بك فقال عبد يغوث في ذلك ( ألا لا تلوماني كفى اللومَ ما بيا ... فما لكما في اللوم نفعٌ ولا ليا ) ( ألم تعلما أن المَلامة نفعُها ... قليل وما لومي أخي مِن شِماليا ) ( فيا راكباً إما عرضت فبلِّغنْ ... ندامايَ من نَجْرانَ أنْ لا تلاقيا ) ( أبا كَرِبٍ والأَيهمينِ كليهما ... وقيْساً بأعلى حضرموت اليمانيا ) ( جزى الله قومي بالكُلاب ملامةً ... صريحَهم والآخرينَ المَواليا ) ( ولو شئتُ نَجَّتْني من الخيل نَهْدةٌ ... ترى خَلْفَها الحُوَّ الجيادَ تواليا ) ( ولكنني أحمي ذمار أبيكم ... وكان الرماح يختطفن المحاميا ) ( وتضحك مني شيخة عبشمية ... كأن لم ترا قبلي أسيراً يمانيا ) ( وقد علمتْ عرسي مُلَيْكَة أننِي ... أنا الليثُ معدوّاً عليه وعاديا ) ( أقول وقد شدّوا لساني بنِسعةٍ ... أمعشر تيم أطلقوا لِي لسانيا ) ( أمعشر تيم قد ملكتمْ فأَسْجِحُوا ... فإن أخاكم لم يكن من بَوائيا ) ( فإن تقتلوني تقتلوا بيَ سيدا ... وإن تطلقوني تَحْرُبُوني بما ليا ) ( أحقًّا عبادَ الله أنْ لست سامعا ... نشيدَ الرِّعاء المُعْزِبين المَتاليا ) ( وقد كنت نحار الجزور ومُعْمِلَ الْمَطيّ ... وأمضى حيث لا حيَّ ماضيا ) ( وأنحر للشّرْب الكرام مطيتي ... وأصدع بين القَينتين ردائيا ) ( وعاديةٍ سومَ الجراد وزَعتها ... بكفِّي وقد أنحوا إليَّ العواليا ) ( كأنيَ لم أركب جواداً ولم أقل ... لخيليَ كُرِّي نَفِّسي عن رجاليا ) ( ولم أَسْبأ الزِّقّ الرويّ ولم أقل ... لأيسار صدق أعظموا ضَوْء ناريا ) قال فضحكت العبشمية وهم آسروه وذلك لما أسروه شدوا لسانه بنسعة لئلا يهجوهم وأبوا إلا قتله فقتلوه بالنعمان بن جساس فقالت صفية بنت الخرع ترثي النعمان ( نِطاقه هُنْدُوانيُّ وجُبَّتُهُ ... فَضْفاضة كَأَضاة النَّهْيِ مَوْضونهْ ) ( لقد أخذنا شفاء النفس لو شُفِيت ... وما قتلْنا به إلا امرأً دونهْ ) وقال علقمة بن سباع لعمرو بن الجعيد ( لما رأيت الأمر مَخْلُوجةً ... أكرهت فيه ذابلا مارِنا ) ( قلت له خذها فإني امرؤ ... يعرف رمحي الرجلَ الكاهنا ) قوله يعرف رمحي الرجل الكاهنا يريد أن عمرو بن الجعيد كان كاهنا وهو أحد بني عامر بن الديل بن شن بن أفصى بن عبد القيس ولم يزل ذلك في ولده ومنهم الرباب بن البراء كان يتكهن ثم طلب خلاف أهل الجاهلية فصار على دين المسيح عليه السلام فذكر أبو اليقظان أن الناس سمعوا في زمانه مناديا ينادي في الليل وذلك قبل مبعث النبي خير أهل الأرض رباب الشني وبحيرا الراهب وآخر لم يأت بعد قال وكان لا يموت أحد من ولد الرباب إلا رأوا على قبره طشا ومن ولده مخربة وهو أحد أجواد العرب وإنما سمي مخربة لأن السلاح خربه لكثرة لبسه إياه وقد أدرك النبي فأسلم فأرسله إلى ابن الجلندى العماني وابنه المثنى بن مخربة أحد وجوه أصحاب المختار وكان قد وجهه إلى البصرة ليأخذها فحاربه عباد بن الحصين فهزمه وكان ابنه بلج بن المثنى جوادا وفيه يقول بعض شعراء عبد القيس ( ألا يا بلْجُ بلجَ بني المُثَنَّى ... وأنت لكل مَكرُمة كِفاءُ ) ( ألومُك طائعاً ما دمتُ حيًّا ... عليّ إذَنْ من الله العَفاء ) ( كَفَى قوماً مكارمَ ضَيَّعوها ... وأحسنَ حين أبصرهم أساؤوا ) رجع الخبر إلى سياقة حديث عبد يغوث والوقعة قال فأما وعلة بن عبد الله الجرمي فإنه لحقه رجل من بني سعد فعقر به فنزل وجعل يحضر على رجليه فلحق رجلا من بني نهد يقال له سليط بن قتب من بني رفاعة فقال له لما لحقه أردفني فأبى فطرحه عن فرسه وركب عليها وأدركت الخيل النهدي فقتلوه فقال وعلة في ذلك ( ولما سمعت الخيل تدعوا مقاعِساً ... علمتُ بأن اليوم أغبرُ فاجرُ ) ( نجوتُ نجاءً ليس فيه وتِيرة ... كأني عُقاب دون تَيْمَنَ كاسر ) ( خُداريَّةٌ صَقْعاء لَبَّد ريشها ... بِطَخفة يومٌ ذو أهاضيبَ ماطر ) ( وقد قلت للنهديّ هل أنت مردِفِي ... وكيف رِداف الفَلِّ أمك عاثر ) ( فإن أستطع لا تَبْتئِس بي مقاعِس ... ولا يرني باديهم والحواضِر ) ( فِدَى لكما رِجليّ أمي وخالتي ... غداة الكُلاب إذ تحز الحناجر ) ( فمن كان يرجو في تميم هوادة ... فليست لجَرم في تميم أواصر ) وقالت نائحة عمرو بن الجعيد ( أشابَ قَذال الرأس مَصْرَعُ سيِّد ... وفارسُ هَبُّودٍ أشاب النواصيا ) وقال محرز بن مكعبر الضبي ( فِدىً لقوميَ ما جمَّعت من نَشَبٍ ... إذ ساقت الحرب أقواماً لأقوامِ ) ( قد حَدَّثتْ مَذْحج عنا وقد كَذَبَتْ ... أن لا يُوَرِّع عن نسواننا حامِ ) ( دارت رحاهمْ قَليلاً ثم واجههمْ ... ضرب يصبّح منهم مَسْكَن الهامِ ) ( ساروا إلينا وهم صِيد رؤوسهمُ ... فقد جعلنا لهمْ يوماً كأيام ) ( ظلّتْ ضباعُ مُجيراتٍ يَعُدْنَهُمُ ... وألحموهن منهمْ أيَّ إلْحامِ ) ( ظلت تدوس بني كعب بكَلْكلها ... وهَم يومُ بني نهدٍ بإظلامِ ) وقال أوس بن مغراء ( وفي يوم الكُلاب إذ اعترتنا ... قبائلُ أقبلوا متناسِبِينا ) ( قبائلُ مذحِجَ اجتمعتْ وجَرْمٍ ... وهَمْدانٍ وكِندةَ أجمعينا ) ( وحمِيرَ ثم ساروا في لُهامٍ ... على جُرْدٍ جميعاً قادِرِينا ) ( فلما أن أتونا لم نُكَذِّب ... ولم نَسْأَلهُم أن يُمهِلونا ) ( قتلنا منهم قَتْلَى وولَى ... شِريدُهم شَعاعا هاربينا ) ( وفاظتْ منهم فينا أُسارَى ... لدينا منهمُ مُتَخَشِّعِينا ) وقال ذو الرمة غيلان بن عقبة في ذلك ( وعمِّي الذي قاد الرِّباب جماعةً ... وسَعدُهُمُ الرأسُ الرئيسُ المؤَمَّر ) ( عشيةَ أعطتنا أزمَّةَ أمرِها ... ضِرارٌ بنو القَرْم الأغرّ ومِنْقر ) ( وعبدُ يغوثٍ تَحجِل الطيرُ حولَه ... قد احتَزَّ عُرْشَيه الحسام المذكَّرُ ) العرشان عرقان في العنق ( عشيّةَ فرّ الحارِثِيون بعدما ... قضى نَحْبَه في مَعْرَك الخيل هَوْبَر ) ( وقال أخو جَرْمٍ ألا لا هوادةٌ ... ولا وَزَرٌ إلا النجاءُ المشمر ) ( أبى اللهُ إلاَّ أننا آل خِندِفٍ ... بنا يَسْمَع الصوتَ الأنام ويُبْصر ) ( إذا ما تمضَّرنا فلا ناسَ غيرُنا ... ونُضْعِف أحيانا ولا نتمضَّر ) وقال أيضا ( فما شَهدت خيلُ امرىء القيس غارةً ... بثهلانَ تحمِي عن ثغورِ الحقائقِ ) ( أثَرنا بِهِ نَقْعَ الكُلاب وأنتُم ... تُثِيرونَ نقعَ الملتقَى بالمعازقِ ) ( أَدَرْنا على جَرْمٍ وأفناءِ مذحِجٍ ... رَحَى الموت فوق العاملاتِ الخوافِق ) ( صدمناهُم دُونَ الأمانيّ صَدْمةً ... عَماساً بأطوادٍ طِوالٍ شواهقِ ) ( إذا نطحتْ شهباءُ شهباءَ بينها ... شُعاع القَنا والمشرِفيِّ البوارقِ ) وقال البراء بن قيس الكندي ( قَتَلَتْنا تميمُ يوماً جديدا ... قتل عادٍ وذاكَ يومُ الكُلابِ ) ( يوم جئنا يَسوقنا الحَين سوقا ... نحو قَومٍ كأنهم أسدُ غابِ ) ( سرتُ في الأزد والمذاحج طُرًّا ... بين صِلٍّ وكاشِر الأنيابِ ) ( وبني كِندة الملوكِ ولخمٍ ... وجُذامٍ وحمِيرَ الأربابِ ) ( ومُرادٍ وخَثْعم وزُبيد ... وبني الحارث الطوالِ الرِّغاب ) ( وحشدنا الصميمَ نرجو نِهابا ... فلقِينا البَوار دون النِّهاب ) ( لَقِيتْنا أسود سَعدٍ وسعدٌ ... خُلِقت في الحروب سَوْط عذاب ) ( تركوني مُسهَّداً في وَثاق ... أرقب النجم ما أُسيغُ شرابي ) ( خائفاً للردَى ولولا دفاعي ... بمئينٍ عن مهجتي كالهضابِ ) ( لسُقِيت الرّدَى وكنت كقومِي ... في ضريح مغيّباً في التراب ) ( تذرفُ الدمع بالعوِيلِ نسائي ... كنساءٍ بكت قتيلَ الرِّبابِ ) ( فلِعيني على اللأُلَى فارقوني ... دِرَر من دموعها بانسكاب ) ( كيف أبغي الحياة بعد رجالٍ ... قُتلوا كالأسودِ قتل الكلاب ) ( منهم الحارثيُّ عبدُ يغوثٍ ... ويزيدُ الفتيانِ وابن شهابِ ) ( في مِئينٍ نعدّها ومئينٍ ... بعد ألف مُنوا بقوم غِضاب ) ( برجال من العرانين شُمٍّ ... أسْدِ حربٍ ممحوضةِ الأنسابِ ) وقال وعلة بن عبد الله الجرمي ( عَذَلتني نهد فقلت لنهدِ ... حين حاست على الكُلاب أخاها ) ( يوم كنا عليهمُ طيرَ ماء ... وتميم صُقورَها وبُزاها ) ( لا تلوموا على الفِرار فسعدٌ ... يال نَهْد يخافها من يراها ) ( إنما هَمُّها الطِّعان إذا ما ... كَرِه الطعن والضراب سِواها ) ( تركوا مَذْحِجاً حديثاً مشاعاً ... مثل طَسْم وحِمْيَرِ وصُداها ) ( يالَ قحطانَ وادِعوا حَيَّ سعدٍ ... وابتغوا سَلمْها وفضل نداها ) ( إن سعد السعود أُسْدُ غِياض ... باسل بأسها شديد قُواها ) ( فُضِحتْ بالكُلاب حارِ بنُ كعبٍ ... وبنو كندةَ الملوكُ أباها ) ( أسلموا للمنون عبدَ يغوثٍ ... ولعِضّ الكبول حولاً يَراها ) ( بعد ألف سُقوا المنُيّةَ صِرفا ... فأصابت في ذاك سَعْدٌ مُناها ) ( ليتَ نَهْداً وجَرْمها ومُراداً ... والمذاحيج ذو أناةٍ نَهاها ) ( عن تميم فلم تكن فَقْع قاعٍ ... تبتدرْها رِبابُها ومَناها ) ( قل لبكر العراق تَستُر عَمراً ... عمروَ قيسٍ فرأيُ عمرو قَراها ) ( عن تميم ولو غزتها لكانت ... مثل قطحانَ مستباحاً حماها ) صوت ( ما بالُ شمس أبي الخطاب قد حُجِبَتْ ... أَظُنّ يا صاحبيَّ الساعةَ اقتربتْ ) ( أوْلا فما بال ريح كنت آنَسُها ... عادتْ عليَّ بِصرٍّ بعدما جَنَبَتْ ) ( أشكو إليك أبا الخطاب جارية ... غريرةً بفؤادي اليوم قد لَعِبتْ ) ( وأنت قَيِّمها فانظر لعاشقها ... يا ليتَ قد قَرَّبت مني وما بَعُدَتْ ) عروضه من - البسيط - الشعر والغناء لإبراهيم الموصلي - رمل - بالبنصر عن الهشامي وعلي بن يحيى وذكر محمد بن الحارث بن بسخنز أن فيه هزجا بالبنصر لإبراهيم بن المهدي وذكر عمرو بن بانة أنه لإبراهيم الموصلي أيضا وأبو الخطاب الذي عناه إبراهيم في شعره هذا رجل نخاس يعرف بقرين مولى العباسة بنت المهدي وكان إبراهيم يهوى جارية له يقال لها خنث وكانت من أجمل النساء وأكملهن وكان لها خال فوق شفتها العليا وكانت تعرف بذات الخال ولإبراهيم ولغيره فيها أشعار كثيرة نذكر منها كل ما كان فيه غناء بعد خبرها إن شاء الله أخبار ذات الخال أخبرني بخبرها الحسين بن يحيى قال حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أبي أن جدي كان يتعشق جارية لقرين المكنى بأبي الخطاب النخاس وكان يقول فيها الشعر ويغني فيه فشهرها بشعره وغنائه وبلغ الرشيد خبرها فاشتراها بسبعين ألف درهم فقال لها ذات يوم أسألك عن شيء فإن صدقتني وإلا صدقني غيرك وكذبتك قالت له بل أصدقك قال هل كان بينك وبين إبراهيم الموصلي شيء قط وأنا أحلفه أن يصدقني قال فتلكأت ساعة ثم قالت نعم مرة واحدة فأبغضها وقال يوما في مجلسه أيكم لا يبالي أن يكون كشخانا حتى أهب له ذات الخال فبدر حمويه الوصيف فقال أنا فوهبها له وفيها يقول إبراهيم ( أتحسِب ذات الخال راجية رَبّا ... وقد فَتَنَتْ قلباً يَهِيم بها حُبَّا ) ( وما عُذْرها نفسي فداها ولم تدَع ... على أعظمي لحماً ولم تُبقِ لي لُبَّا ) الشعر والغناء لإبراهيم خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى وذكر أحمد بن أبي طاهر أن الرشيد اشتراها بسبعين ألف درهم وذكر قصة حمويه كما ذكرها حماد وقال في خبره فاشتاقها الرشيد يوما بعدما وهبها لحمويه فقال له ويلك يا حمويه وهبنا لك الجارية على أن تسمع غناءها وحدك فقال يا أمير المؤمنين مر فيها بأمرك قال نحن عندك غدا فمضى فاستعد لذلك واستأجر لها من بعض الجوهريين بدنة وعقودا ثمنها اثنا عشر ألف دينار فأخرجها إلى الرشيد وهو عليها فلما رآها أنكره وقال ويلك يا حمويه من أين لك هذا وما وليتك عملا تكسب فيه مثله ولا وصل إليك مني هذا القدر فصدقه عن أمره فبعث الرشيد إلى أصحاب الجوهر فأحضرهم واشترى الجوهر منهم ووهبه لها ثم حلف ألا تسأله يومه ذلك شيئا إلا أعطاها ولا حاجة إلا قضاها فسألته أن يولي حمويه الحرب والخراج بفارس سبع سنين ففعل ذلك وكتب له عهده به وشرط على ولي العهد بعده أن يتمها له إن لم تتم في حياته قصة خالها حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني محمد بن عبد الله العاصمي قال حدثني أحمد بن عبد الله طماس عن عبد الله وإبراهيم ابني العباس الصولي قالا كانت للرشيد جارية تعرف بذات الخال فدعته يوما فوعدها أن يصير إليها وخرج يريدها فاعترضته جارية فسألته أن يدخل إليها فدخل وأقام عندها فشق ذلك على ذات الخال وقالت والله لأطلبن له شيئا أغيظه به وكانت أحسن الناس وجها ولها خال على خدها لم ير الناس أحسن منه في موضعه فدعت بمقراض فقصت الخال الذي كان في خدها وبلغ ذلك الرشيد فشق عليه وبلغ منه فخرج من موضعه وقال للفضل بن الربيع انظر من بالباب من الشعراء فقال الساعة رأيت العباس بن الأحنف فقال أدخله فأدخله فعرفه الرشيد القصة وقال اعمل في هذا شيئا على معنى رسمه له فقال صوت ( تخلَّصْتُ ممن لم يكن ذا حَفِيظةٍ ... وملْت إلى من لا يغيِّره حالُ ) ( فإن كان قطعُ الخال لما تطلعتْ ... الى غيرها نفسي فقد ظُلِمَ الخالُ ) غناه إبراهيم فنهض الرشيد إلى ذات الخال مسرعا مسترضيا لها وجعل هذين البيتين سببا وأمر للعباس بألفي دينار وأمر إبراهيم الموصلي فغناه في هذا الشعر أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني محمد بن الفضل قال كان محمد بن موسى المنجم يعجبه التقسيم في الشعر ويشغف بجيد الأشعار فكان مما يعجبه قول نصيب صوت ( أيا بعلَ لَيلَى كيف تجمعُ سَلْمَها ... وحَرْبي وفيما بيننا شَبَّتِ الحربُ ) ( لها مثلُ ذنبي اليومَ إن كنتُ مذنبا ... ولا ذنب لي إن كان ليس لها ذنبُ ) عروضه من - الطويل - والشعر لنُصَيب ويروى للمجنون ويروى لكعب بن مالك الخثعمي والغناء لمالك ثاني - ثقيل - بالوسطى عن عمرو قال وكان محمد بن موسى ينشد كثيرا للعباس بن الأحنف صوت ( ألا ليتَ ذاتَ الخال تَلْقَى من الهوى ... عَشِير الذي أَلْقَى فيلتئمَ الشَّعْبُ ) ( إذا رَضِيتْ لم يَهْنِني ذلك الرضا ... لعلمي به أن سوف يتبعُه العَتب ) ( وأبكي إذا ما أذنبتْ خوفَ صَدّها ... وأسألها مَرضاتها ولها الذنب ) ( وصالُكمُ صُرْمٌ وحبُّكمُ قِلىً ... وعطفُكُم صَدّ وسَلْمُكم حَرْب ) ويقول ما أحسن ما قسم حتى جعل بإزاء كل شيء ضده والله إن هذا لأحسن من تقسيمات إقليدس الغناء في هذه الأبيات الأربعة لإبراهيم الموصلي ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي وكانت ذات الخال إحدى الثلاث الجواري اللواتي كان الرشيد يهواهن ويقول الشعر فيهن وهن سحر وضياء وخنث وفيهن يقول الرشيد ( إن سِحْراً وضياءً وخُنُثْ ... هنَّ سحر وضياءٌ وخُنُثْ ) ( أَخَذَتْ سِحْرٌ ولا ذنبَ لها ... ثُلُثَيْ قلبي وتِرْباها الثُّلُثْ ) حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا أحمد بن محمد الأسدي قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن علي بن سويد بن منجوف السدوسي قال حدثني محمد بن إسماعيل بن صبيح قال وجه الرشيد إلى جاريته سحر لتصير إليه فاعتلت عليه ذلك اليوم بعلة ثم جاءته من الغد فقال الرشيد ( أيا مَنْ رَدَّ وُدِّي أَمْسِ ... لا أُعْطيكَهُ اليومَا ) ( ولا والله لا أعطيك ... إلا الصدَّ واللَّوْمَا ) ( وإن كان بقلبي منك ... حُبٌّ يمنع النَّوما ) ( أيا من سُمْتُه الوَصْلَ ... فأغلى المَهْرَ والسَّوْما ) قال وفيهن يقول وقد قيل إن العباس بن الأحنف قالها على لسانه صوت ( مَلَكَ الثَّلاثُ الآنساتُ عِنانِي ... وحَلَلْن من قلبي بكلِّ مَكانِ ) ( ما لي تُطاوعني البريةُ كلها ... وأطيعُهُن وهنّ في عصياني ) ( ما ذاك إلا أن سُلْطان الهوى ... وبه عَزَزْن أعزّ من سلطاني ) غنته عريب - خفيف ثقيل - الأول بالوسطى الرشيد وذات الخال وروى أحمد بن أبي طاهر عن إسحاق قال وجه الرشيد إلى ذات الخال ليلة وقد مضى شطر الليل فحضرت فأخرج إلي جارية كأنها المهاة فأجلسها في حجره ثم قال غنني فغنته ( جِئْنَ مِنَ الروم وقالِيقَلا ... يرفُلْن في المِرْط ولين المُلاَ ) ( مُقَرْطَقاتٌ بصُنوف الحُِلَى ... يا حَبَّذا البيْضُ وتلك الحُِلَى ) فاستحسنه وشرب عليه ثم استؤذن للفضل بن الربيع فأذن له فلما دخل قال ما وراءك في هذا الوقت قال كل خير يا أمير المؤمنين ولكن جرى الساعة لي سبب لم يجز لي كتمانه أمير المؤمنين قال وما ذاك قال أخرج إلي في هذا الوقت ثلاث جوار لي مكية ومدينية وعراقية فقبضت المدينية على ذكري فلما أنعظت وثبت المكية فقعدت عليه فقالت لها المدينية ما هذا التعدي ألم تعلمي أن مالكا حدثنا عن الزهري عن عبد الله بن ظالم عن سعيد بن زيد أن النبي قال من أحيا أرضا ميتة فهي له فقالت الأخرى أو لم تعلمي أن سفيان حدثنا عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي قال الصيد لمن صاده لا لمن أثاره فدفعتهما العراقية عنه ووثبت عليه وقالت هذا لي وفي يدي حتى تصطلحا فضحك الرشيد وأمره بحملهن إليه ففعل وحظين عنده وفيهن يقول ( ملكَ الثلاثُ الآنساتُ عِنانِي ... وحَلَلْن من قلبي بكل مكانِ ) حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا الغلابي قال حدثني مهدي بن سابق قال حججنا مع الرشيد آخر حجة فكان الناس يتناشدون له في جواريه ( ثلاث قد حَلَلن حِمَى فؤادي ... ويُعْطَين الرغائب من وِدادي ) ( نظمت قلوبَهُن بخيطِ قلْبي ... فهنَّ قرابتي حتى التنادِي ) ( فمن يكُ حلّ من قلب مَحَلاًّ ... فهن مع النواظر والسَّواد ) ومما قاله إبراهيم وغيره في ذات الخال وغنى فيه صوت ( أذاتَ الخالِ أَقصَيْتِ ... مُحبًّا بكُمُ صَبّا ) ( فلا أَنْسَى حياتَي ما ... عَبدْتُ الدهرَ لي رَبّا ) ( وقد قلت أنيليني ... فقالت أَفْرَقُ الذَّنْبا ) الشعر والغناء لإبراهيم - هزج - بالوسطى عن عمرو ومنها صوت ( أذات الخال قد طالَ ... بمن أسقمتِهِ الوجَعُ ) ( وليس إلى سواكم في الْلَذِي ... يلقَى له فَزَع ) ( أما يمنعُك الإِسلامُ ... من قتلي ولا الوَرَع ) ( وما ينفكُّ لي فيكِ ... هوىً تَغتَرُّه خُدَعُ ) الشعر والغناء لإبراهيم - هزج - بالوسطى عن عمرو ومنها صوت ( ثَعلَبُ يا هذا الكثيرُ العَبَثِ ... بالله لَمَّا قُلْتَ لي عن خُنُث ) ( عن ظبيةٍ تميس في مِشيتها ... أحسنُ من أبصرتُه في شَعَث ) ( فقال قالت قل له أنت امرؤ ... مُوَكَّل فيما ترى بالعَبثِ ) ( والله لولا خَصْلَةٌ أرقبُها ... لقَلّ في الدنيا لما بي لَبَثي ) الشعر لإبراهيم وله فيه لحنان أحدهما - ثقيل - الأول عن أبي العنبس والآخر هزج بالبنصر عن عمرو وفيه لعريب - ثقيل - أول آخر وذكر حبش أن فيه لابن جامع هزجا آخر بالوسطى وذكر هارون بن الزيات أن حماد بن إسحاق حدثه عن أبيه أن ثعلبا هذا كان مملوكا لإبراهيم فقال هذه الأبيات في خنث جارية جزء بن مغول الموصلي وكانت مغنية محسنة وخاطب ثعلبا فيها مستخبرا له وذكر هارون بن محمد بن عبد الملك أن حماد بن إسحاق حدثه عن أبيه أنه قال في خنث جارية جزء بن مغول الموصلي وخاطب في شعره غلاما يقال له ثعلب وكانت خنث مغنية محسنة وكانت تعرف بذات الخال صوت ( ثعلبُ يا هذا الكثيرَ الخُبُث ... بالله إلا قلت لي عن خُنُث ) وذكر الأبيات قال وقال له أيضا صوت ( أبد لذات الخال يا ثعلبُ ... قولَ امرىء في الحبّ لا يكذبُ ) ( إني أقول الحق فاستيقِني ... كل امرىء في حُبِّه يلعبُ ) الشعر والغناء لإبراهيم له فيه لحنان - رمل - وخفيف ثقيل - عن ابن المكي ومنها صوت ( جزى الله خيراً من كلِفت بحبِه ... وليس به إلا المموهُ من حُبِّي ) ( وقالوا قلوب العاشقين رقيقة ... فما بال ذات الخالِ قاسية القلبِ ) ( وقالوا لها هذا محبك مُعرضاً ... فقالت أرى إعراضه أيسر الخطبِ ) ( فما هو إلا نظرة بتبسم ... فتنشَب رجلاه ويسقُطَ للجنب ) ومنها صوت ( إذا لم يكن حب ذات الخال عَنَّاني ... إذنْ فَحُوِّلْتُ في مَسْكِ ابن زَيدان ) ( فإنَّ هذي يمين ما حلفت بها ... إلا على الحق في سري وإعلاني ) الشعر والغناء لإبراهيم - هزج - بالبنصر ومنها صوت ( لقد أخلو بذات الخالِ ... والحراسُ قد هَجَعُوا ) ( فمن يُبْصِرْ أبا الخطَّاب ... يطلُبُها ويتَّبِعُ ) ( ألا لم تَرَ محزونا ... تَسَنَّم صبْرَهُ الجزع ) ( وقارعَني ففزْت بها ... وحازتها لي القُرَعُ ) غناه إبراهيم من رواية بَذْل عنه ولم تذكر طريقته إبراهيم الموصلي وذات الخال قال علي بن محمد الهشامي حدثني جدي يعني ابن حمدون قال حدثني مخارق قال كنت عند إبراهيم الموصلي ومعي ابن زيدان صاحب البرامكة وإبراهيم يلاعبه بالشطرنج فدخل علينا إسحاق فقال له أبوه ما أفدت اليوم فقال أعظم فائدة سألني رجل ما أفخم كلمة في الفم فقلت لا إله إلا الله فقال له أبوه إبراهيم أخطأت هلا قلت دنيا ودينا فأخذ ابن زيدان الشاه فضرب به رأس إبراهيم وقال له يا زنديق أتكفر بحضرتي فأمر إبراهيم غلمانه فضربوا ابن زيدان ضربا شديدا فانصرف من ساعته إلى جعفر بن يحيى فحدثه بخبره قال وعلم إبراهيم أنه قد أخطأ وجنى فركب إلى الفضل بن يحيى فاستجار به فاستوهبه الفضل من جعفر فوهبه له فانصرف وهو يقول صوت ( إن لم يكن حب ذات الخال عَنَّاني ... إذاً فَحُوِّلتُ في مَسْك ابن زَيْدان ) ( فإن هذي يمين ما حلَفْت بها ... إلا على الصدق في سري وإعلاني ) قال وله في هذين البيتين صنعة وهي - هزج - منها صوت ( مَنْ يرحمُ محزونَا ... بذات الخالِ مَفْتونَا ) ( أبى فيها فما يسلو ... وكل الناس يَسْلُونا ) ( فقد أودى به السُّقْمُ ... وقد أصبح مَجنونا ) ( فإن دام على هذا ... ثَوَى في اللحد مدفونا ) الشعر والغناء لإبراهيم - خفيف ثقيل - عن الهشامي ومنها صوت ( لذات الخال أرَّقني ... خيالٌ بات يَلْثمنِي ) ( بكى وجرى له دمع ... لما بالقلب من حَزَن ) ( فلا أنساه أو أنسَى ... إذا أُدْرِجْت في كَفَني ) الشعر والغناء لإبراهيم - خفيف رمل - بالوسطى عن الهشامي ومنها صوت ( هل علمتَ اليومَ يا عاصمُ ... يا خيرَ خَدينِ ) ( أنّ ذات الخال تأتيِنِي ... على رَغمِ قَرينِ ) ( لا تلُمْني إنّ ذات الخالِ ... دنيايَ وديني ) ( وإلى حفص خليلي ... ووَزيري وأميني ) ( بُحْت لا أكتُمه شيئاً ... من الداء الدفين ) ( إنّ بي من حب ذات الخال ... شيئاً كالجنون ) فيه لإبراهيم - هزج - بالوسطى عن ابن المكي ومنها صوت ( تقول ذات الخالِ ... لي يا خَلِيّ البالِ ) ( فقلتُ حاشاكِ من أنْ ... يكونَ حالُك حالِي ) ( أعرَضْتِ عَنِّيَ لمّا ... أوقعتنِي في الحبال ) ( إن الخليّ هو الغافِلُ ... الذي لا يُبالي ) لإبراهيم من كتابه عن حبش فيه لحن وذكر ابن المكي أنه - رمل - ومنها صوت ( أما تعلمُ ذات الخالِ ... فوقَ الشفة العليا ) ( بأني لست أهوى غير ... هاشيئاً من الدنيا ) ( وأني عن جميع الناس ... إلا عنهُم أعمى ) ( وأني لو سُقِيت الدَّه ... من ريقك لا أَرْوَى ) الشعر والغناء لإبراهيم رمل بالوسطى عن عمرو وابن المكي وغيرهما وقد روي أما تعلم يا ذا الخال وهذا هو الصحيح ومنها صوت ( يا ليت شِعريَ كيفَ ذاتُ الخالِ ... أمْ أينَ تَحسِبُ حالَها من حالِي ) ( هل أَنْسَيَنْ منها وضَمَّتْ مرةً ... رأسي إليها ثم قالت مالي ) ( ألِزَلَّة أقصيتَني نفسي الفدا ... لك أم أطعت مَقالَة العذال ) ( والله ما استحسنتُ شيئاً مُونِقا ... ألتذُّه إلاّ خَطَرْت ببالي ) الشعر والغناء لإبراهيم وله فيه لحنان هزج بالأصابع كلها عن ابن المكي - وثقيل - أول بالوسطى عن حبش ومنها صوت ( يا ليتَ شِعريَ والنساءُ غوادِرٌ ... خُلْفُ العِداتِ وفَاؤُهن قليلُ ) ( هل وصلُ ذاتِ الخال يوماً عائدٌ ... فتزولَ لَوْعاتي وحَرُّ غليلِي ) ( أم قد تناستْ عهدَنا وأحالَها ... عن ذاك مَلْك حال دون خليلِ ) الشعر والغناء لإبراهيم من كتابه - ثقيل - أول بالبنصر عن إسحاق بن إبراهيم وابن المكي والهشامي انقضت أخبارها صوت ( إن من غَرَّهُ النساءُ بشيء ... بعد هندٍ لجَاهلٌ مغرورُ ) ( حُلْوة القول واللسان ومُرٌّ ... كل شيء أَجَنَّ منها الضميرُ ) ( كل أنثى وإن بدا لك منها ... آيةُ الحبّ حبُّها خَيْتَعُور ) الشعر لحجر بن عمرو آكل المرار والغناء لحنين ثاني - ثقيل - بالبنصر عن الهشامي وفيه لنبيه - ثقيل - أول بالوسطى عن حبش وفيه - رمل - له نسب حجر بن عمرو والسبب الذي من أجله قال هذا الشعر هو حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع واسمه عمرو بن ثور وقيل ابن معاوية بن ثور وهو كندة بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن ادد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان حجر وزياد بن الهبولة أخبرني بخبره محمد بن الحسن بن دريد إجازة قال حدثني عمي عن ابن الكلبي عن أبيه عن الشرقي بن القطامي قال أقبل تبع أيام سار إلى العراق فنزل بأرض معد فاستعمل عليهم حجر بن عمرو وهو آكل المرار فلم يزل ملكا حتى خرف وله من الولد عمرو ومعاوية وهو الجون ثم إن زياد بن الهبولة بن عمرو بن عوف بن ضجعم بن حماطة بن سعد بن سليح القضاعي أغار عليه وهو ملك في ربيعة بن نزار ومنزله بغمر ذي كندة وكان قد غزا بربيعة البحرين فبلغ زيادا غزاته فأقبل حتى أغار في مملكة حجر فأخذ مالا كثيرا وسبى امرأة حجر وهي هند ابنة ظالم بن وهب بن الحارث بن معاوية وأخذ نسوة من نساء بكر بن وائل فلما بلغ حجرا وبكر بن وائل مغاره وما أخذ أقبلوا معه ومعه يومئذ أشراف بكر بن وائل منهم عوف بن محلم بن ذهل بن شيبان وصليع بن عبد غنم بن ذهل بن شيبان وسدوس بن شيبان بن ذهل وضبيعة بن قيس بن ثعلبة وعامر بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة فتعجل عمرو بن معاوية وعوف بن محلم قالا لحجر إنا متعجلان إلى الرجل لعلنا نأخذ منه بعض ما أصاب منا فلقياه دون عين أباغ فكلمه عوف بن محلم وقال يا خير الفتيان اردد علي ما أخذته مني فأعطاه إياه وكلمه عمرو بن معاوية في فحل إبله فقال خذه فأخذه عمرو وكان قويا فجعل الفحل ينزع إلى الإبل فاعتقله عمرو فصرعه فقال له ابن الهبولة أما والله يا بني شيبان لو كنتم تعتقلون الرجال كما تعتقلون الإبل لكنتم أنتم أنتم فقال عمرو أما والله لقد وهبت قليلا وشتمت جليلا ولقد جررت على نفسك شرا ولتجدني عند ما ساءك ثم ركض حتى صار إلى حجر فأخبره الخبر فأقبل حجر في أصحابه حتى إذا كان بمكان يقال له الحفير بالبر وهو دون عين أباغ بعث سدوسا وصليعا يتجسسان له الخبر ويعلمان له علم العسكر فخرجا حتى هجما على عسكره وقد أوقد نارا ونادى مناد له من جاء بحزمة من حطب فله فدرة من تمر وكان ابن الهبولة قد أصاب في عسكر حجر تمرا كثيرا فضرب قبابه وأجج ناره ونثر التمر بين يديه فمن جاء بحطب أعطاه تمرا فاحتطب سدوس وصليع ثم أتيا به ابن الهبولة فطرحاه بين يديه فناولهما من التمر وجلسا قريبا من القبة فأما صليع فقال هذه آية وعلم ما يريد فانصرف إلى حجر فأعلمه بعسكره وأراه التمر وأما سدوس فقال لا أبرح حتى آتيه بأمر جلي فلما ذهب هزيع من الليل أقبل ناس من أصحابه يحرسونه وقد تفرق أهل العسكر في كل ناحية فضرب سدوس بيده إلى جليس له فقال له من أنت مخافة أن يستنكر فقال أنا فلان ابن فلان قال نعم ودنا سدوس من القبة فكان حيث يسمع الكلام فدنا ابن الهبولة من هند امرأة حجر فقبلها وداعبها ثم قال لها فيما يقول ما ظنك الآن بحجر لو علم بمكاني منك قالت ظني به والله أنه لن يدع طلبك حتى يطالع القصور الحمر وكأني أنظر إليه في فوارس من بني شيبان يذمرهم ويذمرونه وهو شديد الكلب سريع الطلب يزبد شدقاه كأنه بعير آكل مرار فسمي حجر آكل المرار يومئذ قال فرفع يده فلطمها ثم قال ما قلت هذا إلا من عجبك به وحبك له فقالت والله ما أبغضت ذا نسمة قط بغضي له ولا رأيت رجلا قط أحزم منه نائما ومستيقظا إن كان لتنام عيناه وبعض أعضائه حي لا ينام وكان إذا أراد النوم أمرني أن أجعل عنده عسا مملوءا لبنا فبينا هو ذات ليلة نائم وأنا قريبة منه أنظر إليه إذ أقبل أسود سالخ إلى رأسه فنحى رأسه فمال إلى يديه وإحداهما مقبوضة والأخرى مبسوطة فأهوى إليها فقبضها فمال إلى رجليه وقد قبض واحدة وبسط الأخرى فأهوى إليها فقبضها فمال إلى العس شربه ثم مجه فقلت يستيقظ فيشرب فيموت فأستريح منه فانتبه من نومه فقال علي بالإناء فناولته فشمه فاضطربت يداه حتى سقط الإناء فأهريق وذلك كله بأذن سدوس فلما نامت الأحراس خرج يسري ليلته حتى صبح حجرا فقال ( أتاك المرجفون برجم غيبٍ ... على دَهَش وجئتك باليقينِ ) ( فمن يَكُ قد أتاك بأمر لبْس ... فقد آتِي بأمر مُستبين ) ثم قص عليه جميع ما سمع فأسف ونادى في الناس الرحيل فساروا حتى انتهوا إلى عسكر ابن الهبولة فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم أصحاب ابن الهبولة وعرفه سدوس فحمل عليه فاعتنقه وصرعه فقتله وبصر به عمرو بن معاوية فشد عليه فأخذ رأسه منه وأخذ سدوس سلبه وأخذ حجر هندا فربطها بين فرسين ثم ركضا بها حتى قطعاها قطعا هذه رواية ابن الكلبي وأما أبو عبيدة فإنه ذكر أن ابن الهبولة لما غنم عسكر حجر غنم مع ذلك زوجته هند بنت ظالم وأم أناس بنت عوف بن محلم الشيباني وهي أم الحارث بن حجر وهند بنت حجر ولابنها الحارث ابن يقال له عمرو وله يقول بشر بن أبي خازم ( فإلى ابن أم أناسَ أُعْمِل ناقتي ... عمروٍ فتنجَحُ حاجتي أم تُرْجَفُ ) ( مَلِك إذا نزل الوفودُ ببابه ... غَرَفوا غواربَ مُزبد ما يُنزَف ) قال وبنتها هند هي التي تزوجها المنذر بن ماء السماء اللخمي قال وكان ابن الهبولة بعد أن غنم يسوق ما معه من السبايا والنعم ويتصيد في المسير ولا يمر بواد إلا أقام به يوما أو يومين حتى أتى على ضرية فوجدها معشبة فأعجبته فأقام بها أياما وقالت له أم أناس إني لأرى ذات ودك وسوء درك كأني قد نظرت إلى رجل أسود أدلم كأن مشافره مشافر بعير آكل مرار قد أخذ برقبته فسمي حجر آكل المرار بذلك وذكر باقي القصة نحو ما مضى وقال في خبر ابن الهبولة إن سدوسا أسره وإن عمرو بن معاوية لما رآه معه حسده فطعنه فقتله فغضب سدوس لذلك وقال قتلت أسيري وديته دية الملوك وتحاكما إلى حجر فحكم لسدوس على عمرو وقومه بدية ملك وأعانهم في ذلك بماله وقال سدوس في ذلك يعاتب بني شيبان ( ما بعدكُم عيشٌ ولا مَعْكُمُ ... عيشٌ لذي أَنَف ولا حَسَب ) ( لولا بنو ذهل وجَمْعُ بني ... قيس وما جَمَّعْت من نَشَبِ ) ( ما سُمْتُمونِي خُطَّة غَبَناً ... وعلى ضَرِيَّةَ رمتُم غَلَبِي ) قال وقد روي أن حجرا ليس بآكل المرار وإنما أبوه الحارث آكل المرار وروي أيضا أنه إنما سمي آكل المرار لأن سدوسا لما أتاه بخبر ابن الهبولة ومداعبته لهند وأن رأسه كان في حجرها وحدثه بقولها وقوله فجعل يسمع ذلك وهو يعبث بالمرار وهو نبت شديد المرارة وكان جالسا في موضع فيه منه شيء كثير فجعل يأكل من ذلك المرار غضبا وهو يسمع من سدوس ولا يعلم أنه يأكله من شدة الغضب حتى انتهى سدوس إلى آخر الحديث فعلم حينئذ بذلك ووجد طعمه فسمي يومئذ آكل المرار قال ابن الكلبي وقال حجر في هند ( لمن النارُ أُوقدَتْ بحَفيرِ ... لم تَنمْ عند مُصْطِلٍ مَقْرورِ ) ( أوقدتْها إحدى الهنود وقالت ... أنت ذا مُوثَقٌ وثاق الأسيرِ ) ( انّ من غَرّه النساء بشيء ... بعدَ هند لجاهلٌ مغرورُ ) وبعده باقي الأبيات المذكورة متقدما وفيها الغناء صوت ( طَرِبَ الفؤادُ وعاودتْ أحزانُه ... وتفرّقت فِرقاً به أشجانُهُ ) ( وبدا له من بعد ما اندمل الهَوى ... برقٌ تألقَ مَوْهنا لَمَعانُه ) ( يبدو كحاشية الرداءِ ودونه ... صعبُ الذَّرَى متمنِّع أركانه ) ( فالنار ما اشتملت عليه ضُلوعه ... والماء ما جادت به أجفانه ) الشعر لمحمد بن صالح العلوي والغناء لرذاذ ويقال إنه لبنان خفيف ثقيل وفيه ثقيل أول يقال إنه لأبي العنبس ويقال إنه للقاسم بن زرزور وفيه لعمرو الميداني - رمل - طنبوري وهو لحن مشهور أخبار محمد بن صالح العلوي ونسبه هو محمد بن صالح بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب ويكنى أبا عبد الله شاعر حجازي ظريف صالح الشعر من شعراء أهل بيته المتقدمين وكان جده موسى بن عبد الله أخا محمد وإبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن الحجازيين الخارجين في أيام المنصور أمهم جميعا هند بنت أبي عبيدة أخبرني الحرمي بن أبي العلاء والطوسي قالا حدثنا الزبير بن بكار وأخبرني أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني قال حدثنا يحيى بن الحسن العلوي قال حدثني الزبير بن بكار أن هندا حملت بموسى بن عبد الله ولها ستون سنة قال ولا تحمل لستين إلا قرشية ولا تحمل لخمسين إلا عربية قال وكان موسى آدم شديد الأدمة وله تقول أمه هند ( إنك أنْ تكونَ جَوْنا أنزعا ... أجدرُ أن تضرَّهُمْ وتنفعا ) ( وتسلكَ العيش طريقاً مَهْيعا ... فرْداً من الأصحاب أو مُشَيَّعا ) وكان موسى استتر بعد قتل أخويه زمانا ثم ظفر به أبو جعفر فضربه بالسوط وحبسه مدة ثم عفا عنه وأطلقه وله أخبار كثيرة ليس هذا موضعها خروج محمد بن صالح على المتوكل وكان محمد بن صالح خرج على المتوكل مع من بيض في تلك السنة فظفر به وبجماعة من أهل بيته أبو الساج فأخذهم وقيدهم وقتل بعضهم وأخرب سويقة وهي منزل للحسنيين ومن جملة صدقات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وقعر بها نخلا كثيرا وحرق منازل لهم بها وأثر فيهم آثارا قبيحة وحمل محمد بن صالح فيمن حمل منهم إلى سر من رأى فحبس ثلاث سنين ثم مدح المتوكل فأنشده الفتح قصيدته بعد أن غني في شعره المذكور فطرب وسأل عن قائله فعرفه وتلا ذلك إنشاد الفتح قصيدته فأمر بإطلاقه وأخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني أحمد بن أبي خيثمة قال أنكر موسى بن عبد الله بن موسى على ابن أخيه محمد بن صالح بن عبد الله بن موسى بعض ما ينكره العمومة على بني أخيهم في شيء من أمور السلطان وكان محمد بن صالح قد خرج بسويقة فصار أبو الساج إلى سويقة فأسلمه عمه موسى وبنوه بعد أن أعطاه أبو الساج الأمان فطرح سلاحه ونزل إليه فقيده وحمله إلى سر من رأى فلم يزل محبوسا بها ثلاث سنين ثم أطلق وأقام بها إلى أن مات وكان سبب موته أنه جدر فمات في الجدري وهو الذي يقول في الحبس ( طرِبَ الفؤادُ وعاودتْ أحزانُه ... وتشعبتْ شُعَباً به أشجانُهُ ) ( وبدا له من بعد ما اندملَ الهوى ... بَرْق تألَّق مَوْهِناً لَمَعانه ) ( يبدو كحاشية الرِّداء ودونَهُ ... صعْب الذُّرَا متمنعٌ أركانه ) ( فدنا لينظر كيف لاح فلم يُطِق ... نظرا إليه ورده سَجّانُه ) ( فالنار ما اشتملت عليه ضُلوعه ... والماءُ ما سَحَّت به أجفانه ) ( ثم استعاذ من القبيح وردَّهُ ... نحوَ العزاء عن الصِّبا إيقانه ) ( وبدا له أن الذي قد ناله ... ما كان قدَّره له دَيّانه ) ( حتى اطمأن ضميرُه وكأنما ... هتكَ العلائقَ عاملٌ وسنانه ) ( يا قلبُ لا يذهبَ بحلمك باخلٌ ... بالنَّيْل باذِلُ تافهٍ مَنّانه ) ( يعِدُ القضاءَ وليس ينجز مَوعداً ... ويكونُ قبل قضائه لَيّانه ) ( خَدَلُ الشَّوَى حَسن القَوام مُخَصَّر ... عذبٌ لَمَاه طيِّب أردانه ) ( واقنع بما قسم الإله فأمرُهُ ... ما لا يزال على الفتى إتيانه ) ( والبؤس ماض ما يدوم كما مضى ... عصرُ النعيم وزال عنك أوانه ) أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال كنت مع أبي عبد الله محمد بن صالح في منزل بعض إخواننا فأقمنا إلى أن انتصف الليل وأنا أرى أنه يبيت فإذا هو قد قام فتقلد سيفه وخرج فأشفقت عليه من خروجه في ذلك الوقت وسألته المقام والمبيت وأعلمته خوفي عليه فالتفت إلي متبسما وقال ( إذا ما اشتملتُ السيفَ والليلَ لم أُهَلْ ... لِشيءٍ ولم تَقْرَع فؤادي القوارعُ ) أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال مر محمد بن صالح بقبر لبعض ولد المتوكل فرأى الجواري يلطمن عنده فأنشدني لنفسه ( رأيت بسامَرّا صَبيحةَ جمعة ... عيونا يروق الناظرين فُتورُها ) ( تزور العِظام الباليات لدى الثَّرَى ... تَجاوزَ عن تلك العظام غَفورُها ) ( فلولا قضاءُ الله أن تَعْمُرَ الثرى ... الى أن يُنادَى يوم يُنْفَخُ صُورُها ) ( لقلتُ عساها أن تَعِيش وأنها ... ستُنْشَرُ من جَرّا عيونٍ تزورها ) ( أسيلاتِ مجرى الدمع إمّا تهلّلتْ ... شُؤون المآقِي ثم سَحّ مَطِيرها ) ( بوبْلٍ كأتْوام الجمان يُفيضُه ... على نحرها أنفاسُها وزفيرها ) ( فيا رحمةَ ما قد رحمتِ بَواكيا ... ثقالا تواليها لِطافا خُصورها ) أخبار زوجته حمدونة أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني إبراهيم بن المدبر قال جاءني محمد بن صالح الحسني فسألني أن أخطب عليه بنت عيسى بن موسى بن أبي خالد الحري أو أخته حمدونة ففعلت ذلك وصرت إلى عيسى فسألته أن يجيبه فأبى وقال لي لا أكذبك والله ما أرده لأني لا أعرف أشرف وأشهر منه لمن يصاهره ولكني أخاف المتوكل وولده بعده على نعمتي ونفسي فرجعت إليه فأخبرته بذلك فأضرب عن ذلك مدة ثم عاودني بعد ذلك وسألني معاودته فعاودته ورفقت به حتى أجاب فزوجه أخته فأنشدني بعد ذلك محمد ( خطبتُ إلى عيسى بن موسى فردَّني ... فلِلَّهِ والي حُرَّة وعَليقُها ) ( لقد ردني عيسى ويعلم أنني ... سليلُ بنات المصطفى وعريقها ) ( وإن لنا بعد الولادة نبعةً ... نبيُّ الإِله صِنوُها وشقيقُها ) ( فلما أبى بُخْلاً بها وتمنُّعا ... وصَّيرني ذا خُلَّة لا يُطيقها ) ( تداركني المرءُ الذي لم يزل له ... من المكرُمات رحبُها وطليقُها ) ( سَمِيُّ خليلِ اللهِ وابنُ وليه ... وحَمّالُ أعباء العُلا وطريقُها ) ( وزوَّجها والمنُّ عندي لغيره ... فيا بيعةً وقَّتْنِي الربح سوقُها ) ( ويا نعمةً لابن المدبِّر عندنا ... يجدّ على كر الزمان أنيقها ) قال ابن مهرويه قال لي إبراهيم بن المدبر فلما نقلت حمدونة إليه شغف بها وكانت امرأة جميلة عاقلة فأنشدني لنفسه فيها ( لعمرُ حمدونةَ إنّي بها ... لمغرمُ القلبِ طويلُ السَّقامْ ) ( مجاوز للقدر في حُبِّها ... مباينٌ فيها لأهل الملامْ ) ( مُطَّرِحٌ للعذل ماضٍ على ... مخافة النفس وهولِ المَقام ) ( مُشايعي قلب يخاف الخَنا ... وصارمٌ يقطع صُمّ العظام ) ( جَشَّمني ذلك وَجْدي بها ... وفضلُها بين النساء الوسام ) ( ممكورة الساقِ رُدَيْنيَّةٌ ... مع الشَّوَى الخَدْلِ وحسن القَوام ) ( صامتة الحِجْل خَفوق الحَشَا ... مائرة الساق ثَقالُ القِيام ) ( ساجية الطَّرْف نؤوم الضُّحَى ... منيرة الوجه كَبَرْقِ الغَمام ) ( زينها اللهُ وما شانَها ... وأُعطيت مُنيتَها من تَمام ) ( تلك التي لولا غرامي بها ... كنتُ بسامرَّا قليلَ المُقام ) هكذا روى ابن مهرويه عن ابن المدبر في خبر محمد بن صالح وتزويجه حمدونة وحدثني عمي عن أبي جعفر بن الدهقانة النديم قال حدثني إبراهيم بن المدبر قال جاءني يوما محمد بن صالح الحسني العلوي بعد أن أطلق من الحبس فقال لي إني أريد المقام عندك اليوم على خلوة لأبثك من أمري شيئا لا يصلح أن يسمعه غيرنا فقلت أفعل فصرفت من كان بحضرتي وخلوت معه وأمرت برد دابته وأخذ ثيابه فلما اطمأن وأكلنا واضطجعنا قال لي أعلمك أني خرجت في سنة كذا وكذا ومعي أصحابي على القافلة الفلانية فقاتلنا من كان فيها فهزمناهم وملكنا القافلة فبينا أنا أحوزها وأنيخ الجمال إذ طلعت علي امرأة من العمارية ما رأيت قط أحسن منها وجها ولا أحلى منطقا فقالت يا فتى إن رأيت أن تدعو لي بالشريف المتولي أمر هذا الجيش فقلت وقد رأيته وسمع كلامك فقالت سألتك بحق الله وحق رسوله أنت هو فقلت نعم وحق الله وحق رسوله إني لهو فقالت أنا حمدونة بنت عيسى بن موسى بن أبي خالد الحري ولأبي محل من سلطانه ولنا نعمة إن كنت ممن سمع بها فقد كفاك ما سمعت وإن كنت لم تسمع بها فسل عنها غيري ووالله لا استأثرت عنك بشيء أملكه ولك بذلك عهد الله وميثاقه علي وما أسألك إلا أن تصونني وتسترني وهذه ألف دينار معي لنفقتي فخذها حلالا وهذا حلي علي من خمس مئة دينار فخذه وضمني ما شئت بعده خذه لك من تجار المدينة أو مكة أو أهل الموسم فليس منهم أحد يمنعني شيئا أطلبه وادفع عني واحمني من أصحابك ومن عار يلحقني فوقع قولها من قلبي موقعا عظيما فقلت لها قد وهب الله لك مالك وجاهك وحالك ووهب لك القافلة بجميع ما فيها ثم خرجت فناديت في أصحابي فاجتمعوا فناديت فيهم إني قد أجرت هذه القافلة وأهلها وخفرتها وحميتها ولها ذمة الله وذمة رسوله وذمتي فمن أخذ منها خيطا أو عقالا فقد آذنته بحرب فانصرفوا معي وانصرفت فلما أخذت وحبست بينا أنا ذات يوم في محبسي إذ جاءني السجان وقال لي إن بالباب امرأتين تزعمان أنهما من أهلك وقد حظر علي أن يدخل عليك أحد إلا أنهما أعطتاني دملج ذهب وجعلتاه لي إن أوصلتهما إليك وقد أذنت لهما وهما في الدهليز فاخرج إليهما إن شئت ففكرت فيمن يجيئني في هذا البلد وأنا به غريب لا أعرف أحدا ثم قلت لعلهما من ولد أبي أو بعض نساء أهلي فخرجت إليهما فإذا بصاحبتي فلما رأتني بكت لما رأت من تغير خلقي وثقل حديدي فأقبلت عليها الأخرى فقالت أهو هو فقالت إي والله إنه لهو هو ثم أقبلت علي فقالت فداك أبي وأمي والله لو استطعت أن أقيك مما أنت فيه بنفسي وأهلي لفعلت وكنت بذلك مني حقيقا ووالله لا تركت المعاونة لك والسعي في حاجتك وخلاصك بكل حيلة ومال وشفاعة وهذه دنانير وثياب وطيب فاستعن بها على موضعك ورسولي يأتيك في كل يوم بما يصلحك حتى يفرج الله عنك ثم أخرجت إلي كسوة وطيبا ومائتي دينار وكان رسولها يأتيني في كل يوم بطعام نظيف وتواصل برها بالسجان فلا يمتنع من كل شيء أريده فمن الله بخلاصي ثم راسلتها فخطبتها فقالت أما من جهتي فأنا لك متابعة مطيعة والأمر إلى أبي فأتيته فخطبتها إليه فردني وقال ما كنت لأحقق عليها ما قد شاع في الناس عنك في أمرها وقد صيرتها فضيحة فقمت من عنده منكسا مستحيا وقلت له في ذلك ( رَمَوْني وإياها بشنعاءَ هُمْ بها ... أحقّ أدال الله منهمْ فعجَّلاَ ) ( بأمر تركناه وربِّ محمد ... عِيانا فإما عِفَّة أو تجمُّلا ) فقلت له إن عيسى صنيعة أخي وهو لي مطيع وأنا أكفيك أمره فلما كان من الغد لقيت عيسى في منزله وقلت له قد جئتك في حاجة لي فقال مقضية ولو كنت استعملت ما أحبه لأمرتني فجئتك وكان أسر إلي فقلت له قد جئتك خاطبا إليك ابنتك فقال هي لك أمة وأنا لك عبد وقد أجبتك فقلت إني خطبتها على من هو خير مني أبا وأما وأشرف لك صهرا ومتصلا محمد بن صالح العلوي فقال لي يا سيدي هذا رجل قد لحقتنا بسببه ظنه وقيلت فينا أقوال فقلت أفليست باطلة قال بلى والحمد لله قلت فكأنها لم تقل وإذا وقع النكاح زال كل قول وتشنيع ولم أزل أرفق به حتى أجاب وبعثت إلى محمد بن صالح فأحضرته وما برحت حتى زوجته وسقت الصداق عنه مدحه إبراهيم بن المدبر قال أبو الفرج الأصبهاني وقد مدح محمد بن صالح إبراهيم بن المدبر مدائح كثيرة لما أولاه من هذا الفعل ولصداقة كانت بينهما فمن جيد ما قاله فيه قوله ( أتخبِر عنهم الدِّمَنُ الدثور ... وقد يُنبِي إذا سُئِل الخبيرُ ) ( وكيف تُبَيِّنُ الأنباءَ دارٌ ... تعاقَبَها الشمائلُ والدَّبُورُ ) يقول فيها في مدحه ( فهلاَّ في الذي أولاكَ عُرْفا ... تُسَدِّي من مقالك ما تُنِير ) ( ثناءً غيرَ مختلَق ومَدْحا ... مع الركبان يُنْجد أو يَغُور ) ( أخ واساك في كَلَب الليالي ... وقد خَذَلَ الأقارب والنصيرُ ) ( حِفاظاً حين أسلمك الموالي ... وضَنّ بنفسه الرجلُ الصبور ) ( فإن تشكر فقد أولى جميلا ... وإن تكفر فإنك لَلْكَفُور ) ( وما في آل خاقانَ اعتصامٌ ... إذا ما عُمِّم الخَطْبُ الكبير ) ( لئام الناس إثراء وفقرا ... وأعجزُهم إذا حمي القَتير ) ( قُوَيْم لا يزوّجهم كريمٌ ... ولا تُسْنَى لنسوتهم مُهور ) وإنما ذكر آل خاقان ههنا لأن عبيد الله بن يحيى قصر به وتحامل عليه وكان يقول ما يكره ويؤكد ما يوجب حبسه وكان فيه وفي ولده نصب شديد ولمحمد بن صالح في آل المدبر مدائح كثيرة لا معنى لذكرها في هذا الكتاب أخبرني علي بن العباس بن أبي طلحة الكاتب قال حدثني عبد الله بن طالب الكاتب قال كان محمد بن صالح العلوي حلو اللسان ظريفا أديبا فكان بسر من رأى مخالطا لسراة الناس ووجوه أهل البلد وكان لا يكاد يفارق سعيد بن حميد وكانا يتقارضان الأشعار ويتكاتبان بها وفي سعيد يقول محمد بن صالح العلوي ( أصاحِبُ من صاحبتُ ثُمَّتَ أَنثَنِي ... إليك أبا عثمانَ عطشانَ صاديا ) ( أبى القلبُ أن يُرْوى بهمْ وهو حائمٌ ... إليك وإن كانوا الفروعَ العواليا ) ( ولكن إذا جئناكَ لم نبغ مشرَباً ... سِواك ورَوَّيْنا العظامَ الصَّواديا ) قال عبد الله بن طالب وكان بعض بني هاشم دعاه فمضى إليه وكتب سعيد إليه يسأله المصير إليه فأخبر بموضعه عند الهاشمي فلما عاد عرف خبر سعيد وإرساله إليه فكتب إليه بهذه الأبيات قال عبد الله وشرب يوما هو وسعيد بن حميد فسكر محمد بن صالح قبله فقام لينصرف والتفت إلى سعيد وقال له ( لعمرُك إنني لما افترقنا ... أخو ضِنّ بخُلصاني سعيدِ ) ( تبقَّته المدامُ وأزعجتنِي ... إلى رحلي بتعجيل الورودِ ) سعيد بن حميد يرثي صديقه محمد بن صالح قال وتوفي محمد بن صالح بسر من رأى وكان يجهد في أن يؤذن له في الرجوع إلى الحجاز فلا يجاب إلى ذلك فقال سعيد يرثيه ( بأيّ يد أسطو على الدهرِ بعدما ... أبان يدي عضْبُ الذُّبابين قاضبُ ) ( وهاضَ جَناحي حادثٌ جَلَّ خطبُه ... وسُدَّت عن الصبر الجميل المذاهب ) ( ومن عادة الأيام أنَّ صروفها ... إذا سَرَّ منها جانبٌ ساءَ جانب ) ( لعمري لقد غال التجلدَ أننا ... فقدناك فقد الغيثِ والعامُ جادب ) ( فما أعرفُ الأيامَ إلا ذميمةً ... ولا الدهرَ إلا وهو بالثأرِ طالب ) ( ولا لي من الإخوان إلا مكاشِرٌ ... فوجه له راضٍ ووجه مُغاضِب ) ( فقدتُ فتىً قد كان للأرض زِينة ... كما زَيَّنَتْ وجهَ السماء الكواكب ) ( لعمري لئن كان الردَى بك فاتني ... وكلُّ امرىء يوما إلى الله ذاهب ) ( لقد أخذتْ مني النوائبُ حكمَها ... فما تركتْ حَقا عليَّ النوائب ) ( ولا تركتني أرهبُ الدهرَ بعدَه ... لقد كلَّ عني نابُه والمخالب ) ( سقى جَدَثاً أمسى الكريمُ ابنُ صالح ... يَحُلّ به دان من المزن ساكب ) ( إذا بشَّرَ الرُّواد بالغيث برقه ... مَرَتْه الصَّبا واستحْلبته الجنائب ) ( فغادر باقي الدهر تأثيرُ صَوْبه ... رَبيعا زَهَت منه الرُّبا والمَذائب ) أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني المبرد قال لم يزل محمد بن صالح محبوسا حتى توصل بنان له بأن غنى بين يدي المتوكل في شعره ( وبدا له من بعد ما اندمل الهوى ... برق تألق مَوْهِنا لمعانُهُ ) فاستحسن المتوكل الشعر واللحن وسأل عن قائله فأخبر به وكلم في أمره وأحسنت الجماعة رفده وقام الفتح بأمره قياما تاما فأمر بإطلاقه من حبسه على أن يكون عند الفتح وفي يده حتى يقيم كفيلا بنفسه ألا يبرح من سر من رأى فأطلق وأخذ عليه الفتح الأيمان الموثقة ألا يبرح من سر من رأى إلا بإذنه ثم أطلقه مدحه المتوكل والمنتصر وهجاؤه أبا الساج ولمحمد بن صالح في المتوكل والمنتصر مدائح جياد كثيرة منها قوله في المتوكل ( ألِفَ التُّقَى ووفَى بنذر الناذِرِ ... وأبى الوقوفَ على المحل الداثرِ ) ( ولقدْ تَهِيج له الديارُ صبابةً ... حينا وتَكْلَف بالخليط السائر ) ( فرأى الهدايةَ أن أناب وأنهُ ... قصرَ المديحَ على الإِمام العاشر ) ( يابن الخلائف والذين بهَديهمْ ... ظهرَ الوفاء وبانَ غدرُ الغادرِ ) ( وابن الذين حَوَوْا تُراث محمدٍ ... دون الأقارب بالنصيب الوافرِ ) ( نَطَق الكتابُ لكم بذاكَ مُصدِّقا ... ومضتْ به سُنَنُ النبيّ الطاهرِ ) ( ووصلتَ أسبابَ الخلافة بالهُدَى ... إذ نِلْتها وأنمتَ عين الساهرِ ) ( أحييتَ سنة من مضى فتجدّدتْ ... وأبنتَ بدعة ذي الضلالِ الخاسرِ ) ( فافخرْ بنفسك أو بجَدِّك مُعْلِنا ... أو دعْ فقد جاوزتَ فخرَ الفاخرِ ) ( ما للمكارم غيرُكُم من أولٍ ... بعدَ النبيّ وما لَها من آخرِ ) ( إني دعوتُك فاستجبتَ لدعوتِي ... والموتُ مني قِيدُ شِبْر الشابرِ ) ( فانتشتَني من قَعْر مَوْرِدة الردَى ... أمْنا ولم تسمع مقالة زاجرِ ) ( وفككتَ أسري والبلاءُ مُوَكَّل ... وجبرتَ كَسْرا ما له من جابرِ ) ( وعطفتَ بالرَّحمِ التي ترجُو بها ... قربَ المَحَلِّ من المليك القادرِ ) ( وأنا أعوذ بفضل عفوِك أن أُرَى ... غَرَضَاً ببابك للمُلِم الفاقِرِ ) ( أو أن أُضَيَّع بعدما أنقذتَني ... من رَيب مُهْلِكة وجَدٍّ عاثرِ ) ( ولقد مننتَ فكنتَ غيرَ مكَدِّر ... ولقد نهضتُ بها نهوضَ الشاكرِ ) أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار ومحمد بن خلف بن وكيع قالا حدثنا الفضل بن سعيد بن أبي حرب قال حدثني أبو عبد الله الجهني قال دخلت على محمد بن صالح الحسني في حبس المتوكل فأنشدني لنفسه يهجو أبا الساج ( ألم يحزِنْك يا ذلفاءُ أَنِّي ... سكنتُ مساكن الأموات حَيَّا ) ( وأنَّ حمائلي ونجادَ سيفي ... علونَ مُجَدَّعا أَشْرُوسَنِيّا ) ( فقصَّرَهنّ لما طُلْنَ حتى أستوين ... عليه لا أمْسَى سَويا ) ( أما والراقصاتِ بذات عرق ... تريدُ البيت تحسبها قِسيا ) ( لو أمكنني غداتَئذٍ جِلاد ... لألفوني به سَمْحاً سَخيا ) قال ابن عمار وأنشدني عبيد الله بن طاهر أبو محمد لمحمد بن صالح أيضا ( نظرتُ ودوني ماءُ دجلة مَوْهِناً ... بمطروفة الإنسان محسورة جدا ) ( لتُؤْنِس لي ناراً بليلٍ توقَّدتْ ... وتالله ما كلفتها نظرا قَصْدا ) ( فلو أنها منها لقلتُ كأنني ... أرى النارَ قد أمست تضيء لنا هِنْدا ) ( تضيء لنا منها جَبيناً ومَحْجِراً ... ومبتسَماً عَذْباً وذا غُدَر جَعْدا ) انقضت أخباره صوت ( يا عدِيّا لقلبكَ المهتاجِ ... أن عفا رسمُ منزلٍ بالنِّباجِ ) ( غيرته الصَّبَا وكُلُّ مُلِثٍّ ... دائم الودق ذي أهاضيبَ داج ) ( وحملنا غلامَنا ثم قُلنا ... هاجرُ العِيس ليس منك بناج ) ( فانتحى مثل ما انتحى بازُ دَجْنِ ... جَوَّعته القُنّاص للدُّرّاج ) الشعر لأبي دواد الإيادي والغناء لحنين ثاني - ثقيل - بالبنصر في مجراها عن إسحاق وذكر عمرو بن بانة أنه لابن عائشة وفيه لعريب - هزج - وفيه - ثقيل - أول ينسب إلى يزيد الحذاء وإلى أحمد النصيبي ذكر أخبار أبي دواد الإيادي ونسبه هو فيما ذكر يعقوب بن السكيت جارية بن الحجاج وكان الحجاج يلقب حمران بن بحر بن عصام بن منبه بن حذاقة بن زهير بن إياد بن نزار بن معد وقال ابن حبيب هو جارية بن الحجاج أحد بني برد بن دعمي بن إياد بن نزار شاعر قديم من شعراء الجاهلية وكان وصافا للخيل وأكثر أشعاره في وصفها وله في غير وصفها تصرف بين مدح وفخر وغير ذلك إلا أن شعره في وصف الفرس أكثر أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني الهيثم بن عدي وابن الكلبي عن أبيه والشرقي أن أبا دواد الإيادي مدح الحارث بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان فأعطاه عطايا كثيرة ثم مات ابن لأبي دواد وهو في جواره فوداه فمدحه أبو دواد فحلف له الحارث أنه لا يموت له ولد إلا وداه ولا يذهب له مال إلا أخلفه فضربت العرب المثل بجار أبي دواد وفيه يقول قيس بن زهير ( أُطوّف ما أُطوّفُ ثم آوِي ... إلى جار كجار أبي دُوادِ ) هذه رواية هؤلاء وأبو عبيدة يخالف ذلك أخبرني ابن دريد قال أخبرني أبو حاتم عن أبي عبيدة قال جاور أبو دواد الإيادي كعب بن مامة الإيادي فكان إذا هلك له بعير أو شاة أخلفها وفيه يقول طرفة يمدح عمرو بن هند ( جارٌ كجار الحُذاقيّ الذي انتصفا ... ) وكان لأبي دواد ابن يقال له دواد شاعر وهو الذي يقول يرثي أباه ( فبات فينا وأمسى تحتَ هائرة ... ما بعد يومك من مُمْسًى وإصباحِ ) ( لا يدفع السُّقْمَ إلا أنْ نُفَدِّيَهُ ... ولو ملكنا مسكنا السُّقْم بالراحِ ) أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي بن الصباح قال أخبرنا أبو المنذر عن أبيه قال تزوج أبو دواد امرأة من قومه فولدت له دوادا ثم ماتت ثم تزوج أخرى فأولعت بدواد وأمرت أباه أن يجفوه ويبعده وكان يحبها فلما أكثرت عليه قالت أخرجه عني فخرج به وقد أردفه خلفه إلى أن انتهى إلى أرض جرداء ليس فيها شيء فألقى سوطه متعمدا وقال أي دواد انزل فناولني سوطي فنزل فدفع بعيره وناداه ( أدوادُ إن الأمر أصبح ما ترى ... فانظر دوادُ لأي أرض تُعْمِدُ ) فقال له دواد على رسلك فوقف له فناداه ( وبأي ظنك أن أقيمَ ببلدةٍ ... جرداءَ ليس بغيرها مُتَلدَّدُ ) فرجع إليه وقال له أنت والله ابني حقا ثم رده إلى منزله وطلق امرأته أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي عمرو الشيباني قال كانت لأبي دواد امرأة يقال لها أم حبتر وفيها يقول ( في ثلاثين ذعْذَعتها حقوقٌ ... أصبحت أم حَبتر تشكوني ) ( زعمت لي بأنني أُفسد المالَ ... وأَزويه عن قضاء ديوني ) ( أَمَّلت أَن أكون عبداً لمالي ... وتَهَنَّا بنافع المال دوني ) وهي طويلة قال ولها يقول وقد عاتبته على سماحته بماله فلم يعتبها فصرمته ( حاولتُ حين صَرَمْتِنِي ... والمرءُ يعجز لا مَحالهْ ) ( والدهر يلعب بالفتى ... والدهر أروغُ من ثُعالهْ ) ( والمرء يكسِب مالَهُ ... والشُّحّ يُورِثُهُ الكَلالَه ) ( والعبدُ يُقْرع بالعصا ... والحرُّ تكفيه المقاله ) ( والسَّكْت خير للفتى ... فالحَينُ من بعض المقاله ) أبو دواد شاعر الخيل أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني أبي عن إسحاق عن الأصمعي قال ثلاثة كانوا يصفون الخيل لا يقاربهم أحد طفيل وأبو دواد والجعدي فأما أبو دواد فإنه كان على خيل المنذر بن النعمان بن المنذر وأما طفيل فإنه كان يركبها وهو أغرل إلى أن كبر وأما الجعدي فإنه سمع ذكرها من أشعار الشعراء فأخذ عنهم أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني أبو حاتم عن أبي عبيدة قال أبو دواد أوصف الناس للفرس في الجاهلية والإسلام وبعده طفيل الغنوي والنابغة الجعدي أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن ابن الأعرابي قال لم يصف أحد قط الخيل إلا احتاج إلى أبي دواد ولا وصف الخمر إلا احتاج إلى أوس بن حجر ولا وصف أحد نعامة إلا احتاج إلى علقمة بن عبدة ولا اعتذر أحد في شعره إلا احتاج إلى النابغة الذبياني أخبرني عمي قال حدثني جعفر بن محمد العاصمي قال حدثنا عيينة بن المنهال قال حدثنا شداد بن عبيد الله قال حدثني عبيد الله بن الحر العنزي القاضي عن أبي عرادة قال كان علي صلوات الله عليه يفطر الناس في شهر رمضان فإذا فرغ من العشاء تكلم فأقل وأوجز فأبلغ فاختصم الناس ليلة حتى ارتفعت أصواتهم في أشعر الناس فقال علي عليه السلام لأبي الأسود الدؤلي قل يا أبا الأسود فقال أبو الأسود وكان يتعصب لأبي دواد الإيادي أشعرهم الذي يقول ( ولقد أغتدِي يدافعُ رُكني ... أَحْوَزِيٌّ ذو مَيْعة إضْريجُ ) ( مِخْلط مِزْيَل مِكَرٌّ مِفَرّ ... مِنْفَح مِطْرَح سَبَوحٌ خَروج ) ( سَلْهَبٌ شَرْجَبٌ كأنَّ رِماحاً ... حَمَلْته وفي السراة دُموج ) وكان لأبي الأسود رأي في أبي دواد فأقبل علي على الناس فقال كل شعرائكم محسن ولو جمعهم زمان واحد وغاية واحدة ومذهب واحد في القول لعلمنا أيهم أسبق إلى ذلك وكلهم قد أصاب الذي أراد وأحسن فيه وإن يكن أحد فضلهم فالذي لم يقل رغبة ولا رهبة امرؤ القيس بن حجر فإنه كان أصحهم بادرة وأجودهم نادرة أبو دواد يخالف مذاهب الشعراء أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه عن إسحاق عن الأصمعي قال كانت الرواة لا تروي شعر أبي دواد ولا عدي بن زيد لمخالفتهما مذاهب الشعراء قال وكان أبو دواد على خيل المنذر بن ماء السماء فأكثر وصفه للخيل أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني ابن أبي الهيذام قال اسم أبي دواد الإيادي جويرية بن الحجاج وكانت له ناقة يقال لها الزباء فكانت بنو إياد يتبركون بها فلما أصابتهم السنة تفرقوا ثلاث فرق فرقة سلكت في البحر فهلكت وفرقة قصدت اليمن فسلمت وفرقة قصدت أرض بكر بن وائل فنزلوا على الحارث بن همام وكان السبب في ذلك أنهم أرسلوا الزباء وقالوا إنها ناقة ميمونة فخلوها فحيث توجهت فاتبعوها وكذلك كانوا يفعلون إذا أرادوا نجعة فخرجت تخوض العرب حتى بركت بفناء الحارث بن همام وكان أكرم الناس جوارا وهو جار أبي دواد المضروب به المثل فقال أبو دواد يمدح الحارث ويذكر ناقته الزباء ( فإلَى ابن هَمّام بن مُرّة اصعدتْ ... ظُعُن الخليط بهم فقلّ زِيالُها ) ( أنعمتَ نِعمةَ ماجد ذي مِنة ... نُصِبَت عليه من العُلا أظلالها ) ( وجعلتنا دون الوليّ فأصبحت ... زباءُ منقطعاً إليك عَقالُها ) أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا يحيى بن سعيد قال كانت إياد تفخر على العرب تقول منا أجود الناس كعب بن مامة ومنا أشعر الناس أبو دواد ومنا أنكح الناس ابن ألغز أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل تينة قال حدثني القحذمي قال كان ابن ألغز أيرا فكان إذا أنعظ احتكت الفصال بأيره قال وكان في إياد امرأة تستصغر أيور الرجال فجامعها ابن ألغز فقالت يا معشر إياد أبالركب تجامعون النساء قال فضرب بيده على أليتها وقال ما هذا فقالت وهي لا تعقل ما تقول هذا القمر فضرب العرب بها المثل أريها استها وتريني القمر وأنشد وقد كان الحجاج منع من لحوم البقر خوفا من قلة العمارة في السواد فقيل فيه ( شكونا إليه خرابَ السوادِ ... فحرَّم فينا لُحومَ البقَرْ ) ( فكنا كمن قال منْ قبلنا ... أُريها اسْتَها وتريني القَمَرْ ) رأي الحطيئة في أبي دواد أخبرني عمي عن الكراني عن العمري عن الهيثم بن عدي بنحوه وأخبرني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال حدثني العمري عن لقيط قال أخبرني التوزي عن أبي عبيدة قال كان الحطيئة عند سعيد بن العاص ليلة فتذاكروا الشعراء وفضلوا بعضهم على بعض وهو ساكت فقال له يا أبا مليكة ما تقول فقال ما ذكرتم والله أشعر الشعراء ولا أنشدتم أجود الشعر فقالوا فمن أشعر الناس فقال الذي يقول ( لا أعدُّ الإقتار عُدماً ولكن ... فقدُ من قد رُزِئته الإعْدام ) والشعر لأبي دواد الإيادي قالوا ثم من قال ثم عبيد بن الأبرص قالوا ثم من قال كفاكم والله بي إذا أخذتني رغبة أو رهبة ثم عويت في إثر القوافي عواء الفصيل في إثر أمه أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي قال حدثنا عمي وأخبرنا أبو حاتم قال أخبرنا الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء عن هجاس بن مرير الإيادي عن أبيه وكان قد أدرك الجاهلية قال بينا أبو دواد وزوجته وابنه وابنته على ربوة وإياد إذ ذاك بالسواد إذ خرج ثور من أجمة فقال أبو دواد ( وبَدَتْ له أُذُن توجَّسُ ... حُرَّةٌ وأحمُّ واردْ ) ( وقوائمٌ عُوج لها ... من خلفها زَمَع زوائد ) ( كمقاعد الرقباء للضُّرَباء ... أيديهمْ نواهد ) ثم قال أنفذي يا أم دواد فقالت ( وبَدَت له أُذُن تَوَجَّسُ ... حُرَّة وأحُمُّ مُولَقْ ) ( وقوائمٌ عُوج لها ... من خلفها زَمَع مُعَلَّقْ ) ( كمقاعد الرقباء ... للضُّرَباء أيديهمْ تأَلَّقْ ) ثم قال أنفذ يا دواد فقال ( وبَدَتْ له أُذُن توجَّسُ ... حُرَّة وأحُمُّ مُرْهَفْ ) ( وقوائمٌ عُوج لها ... من خلفها زَمَع مُلفَّفْ ) ( كمقاعد الرقباء للضُّرَباء ... أيديهمْ تلَقَّفْ ) ثم قال أنفذي يا دوادة قالت وما أقول مع من أخطأ قالوا ومن أين أخطأناه قالت جعلتم له قرنا واحدا وله قرنان قالوا فقولي قالت ( وبَدَتْ له أُذُن توجَّسُ ... حُرَّة وأحَمّتانْ ) ( وقوائمٌ عُوج لها ... من خلفها زَمَع ثَمانْ ) ( كمقاعد الرقباء للضُّرَباء ... أيديهمْ دّوانْ ) أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرني عمي عن العباس بن هشام عن أبيه قال كان أبو دواد الإيادي الشاعر جارا للمنذر بن ماء السماء وإن أبا دواد نازع رجلا بالحيرة من بهراء يقال له رقبة بن عامر بن كعب بن عمرو فقال له رقبة صالحني وحالفني فقال أبو دواد فمن أين تعيش إياد إذا فوالله لولا ما تصيب من بهراء لهلكت وانصرفا على تلك الحال ثم إن أبا دواد أخرج بنين له ثلاثة في تجارة إلى الشام فبلغ ذلك رقبة البهراني فبعث إلى قومه فأخبرهم بما قال له أبو دواد عند المنذر وأخبرهم أن القوم ولد أبي دواد فخرجوا إلى الشام فلقوهم فقتلوهم وبعثوا برؤوسهم إلى رقبة فلما أتته الرؤوس صنع طعاما كثيرا ثم أتى المنذر فقال له قد اصطنعت لك طعاما كثيرا فأنا أحب أن تتغدى عندي فأتاه المنذر وأبو دواد معه فبينا الجفان ترفع وتوضع إذا جاءته جفنة عليها بعض رؤوس بني أبي دواد فوثب وقال أبيت اللعن إني جارك وقد ترى ما صنع بي وكان رقبة أيضا جارا للمنذر فوقع المنذر منهما في سوءة وأمر برقبة فحبس وقال لأبي دواد أما يرضيك توجيهي بكتيبتي الشهباء والدوسر إليهم قال بلى قال قد فعلت فوجه إليهم بالكتيبتين فلما بلغ ذلك رقبة قال لامرأته ويحك الحقي بقومك فأنذريهم فعمدت إلى بعض إبل زوجها فركبته ثم خرجت حتى أتت قومها فلما قربت منهم تعرت من ثيابها وصاحت وقالت أنا النذير العريان فأرسلتها مثلا فعرف القوم ما تريد فصعدوا إلى أعالي الشأم وأقبلت الكتيبتان فلم تصيبا منهم أحدا فقال المنذر لأبي دواد قد رأيت ما كان منهم وأنا أدي كل ابن لك بمئتي بعير فأمر له بست مئة بعير فرضي بذلك فقال فيه قيس بن زهير العبسي ( سأفعل ما بدا ليَ ثم آوِي ... الى جارٍ كجار أبي دُواد ) صوت ( ورَكْب كأطراف الأسنة عرسوا ... على مثلها والليلُ داج غياهبه ) ( لأمْرٍ عليهم أن تتمَّ صدورُه ... وليس عليهم أن تتم عواقبُهْ ) الشعر لأبي تمام الطائي والغناء للقاسم بن زرزور ثاني - ثقيل - بالوسطى في مجرى البنصر وفيه لجعفر بن رفعة خفيف ثقيل أخبرني إبراهيم بن القاسم بن زرزور عن أبيه وحدثني المظفر بن كيغلغ عن القاسم أيضا أن المكتفي بالله أخرج إليهم هذين البيتين بالرقة في رقعة وهو أمير وأمر أن يصنع فيهما لحن فصنع القاسم هذا اللحن وصنع جعفر خفيف الثقيل أخبار أبي تمام ونسبه أبو تمام حبيب بن أوس الطائي من نفس طيىء صليبة مولده ومنشؤه منبج بقرية منها يقال لها جاسم شاعر مطبوع لطيف الفطنة دقيق المعاني غواص على ما يستصعب منها ويعسر متناوله على غيره وله مذهب في المطابق هو كالسابق إليه جميع الشعراء وإن كانوا قد فتحوه قبله وقالوا القليل منه فإن له فضل الإكثار فيه والسلوك في جميع طرقه والسليم من شعره النادر شيء لا يتعلق به أحد وله أشياء متوسطة ورديئة رذلة جدا وفي عصرنا هذا من يتعصب له فيفرط حتى يفضله على كل سالف وخالف وأقوام يتعمدون الرديء من شعره فينشرونه ويطوون محاسنه ويستعملون القحة والمكابرة في ذلك ليقول الجاهل بهم إنهم لم يبلغوا علم هذا وتمييزه إلا بأدب فاضل وعلم ثاقب وهذا مما يتكسب به كثير من أهل هذا الدهر ويجعلونه وما جرى مجراه من ثلب الناس وطلب معايبهم سببا للترفع وطلبا للرياسة وليست إساءة من أساء في القليل وأحسن في الكثير مسقطة إحسانه ولو كثرت إساءته أيضا ثم أحسن لم يقل له عند الإحسان أسأت ولا عند الصواب أخطأت والتوسط في كل شيء أجمل والحق أحق أن يتبع وقد روي عن بعض الشعراء أن أبا تمام أنشده قصيدة له أحسن في جميعها إلا في بيت واحد فقال له يا أبا تمام لو ألقيت هذا البيت ما كان في قصيدتك عيب فقال له أنا والله أعلم منه مثل ما تعلم ولكن مثل شعر الرجل عنده مثل أولاده فيهم الجميل والقبيح والرشيد والساقط وكلهم حلو في نفسه فهو وإن أحب الفاضل لم يبغض الناقص وإن هوي بقاء المتقدم لم يهو موت المتأخر واعتذاره بهذا ضد لما وصف به نفسه في مدحه الواثق حيث يقول ( جاءتكَ من نظم اللسان قِلادَةٌ ... سِمطانِ فيها اللؤلؤُ المكنونُ ) ( أَحْذاكَهَا صَنَعُ اللسان يُمدُّه ... جَفْرٌ إذا نَضَب الكلامُ مَعِين ) ( ويُسيءُ بالإحسان ظنّا لا كمن ... هو بابنه وبشعره مفتون ) فلو كان يسيء بالإساءة ظنا ولا يفتتن بشعره كنا في غنى عن الاعتذار له وقد فضل أبا تمام من الرؤساء والكبراء والشعراء من لا يشق الطاعنون عليه غباره ولا يدركون - وإن جدوا - آثاره وما رأى الناس بعده إلى حيث انتهوا له في جيده نظيرا ولا شكلا ولولا أن الرواة قد أكثروا في الاحتجاج له وعليه وأكثر متعصبوه الشرح لجيد شعره وأفرط معادوه في التسطير لرديئه والتنبيه على رذله ودنيئه لذكرت منه طرفا ولكن قد أتى من ذلك ما لا مزيد عليه المعجبون بشعره كثيرون أخبرني عمي قال حدثني أبي قال سمعت محمد بن عبد الملك الزيات يقول أشعر الناس طرا الذي يقول ( وما أبالي وخيرُ القولِ أصدقُهُ ... حقنتَ لي ماء وجهي أو حَقَنتَ دمي ) فأحببت أن أستثبت إبراهيم بن العباس وكان في نفسي أعلم من محمد وآدب فجلست إليه وكنت أجرى عنده مجرى الولد فقلت له من أشعر أهل زماننا هذا فقال الذي يقول ( مطر أبوك أبو أهلَّة وائلٍ ... ملأ البسيطةَ عُدَّةً وعَديدَا ) ( نسبٌ كأنّ عليه من شمس الضُّحَى ... نُوراً ومن فَلَق الصباح عَمُودا ) ( ورثوا الأُبوَّة والحظوظَ فأصبحوا ... جمعوا جُدودا في العلا وجُدودا ) فاتفقا على أن أبا تمام أشعر أهل زمانه أخبرني محمد بن يحيى الصولي وعلي بن سليمان الأخفش قالا حدثنا محمد بن يزيد النحوي قال قدم عمارة بن عقيل بغداد فاجتمع الناس إليه فكتبوا شعره وشعر أبيه وعرضوا عليه الأشعار فقال بعضهم ها هنا شاعر يزعم قوم أنه أشعر الناس طرا ويزعم غيرهم ضد ذلك فقال أنشدوني قوله فأنشدوه ( غَدَتْ تستجيرُ الدمعَ خوفَ نَوَى غَدِ ... وعادَ قَتاداً عندها كلُّ مَرقَدِ ) ( وأنقذها من غَمرة الموت أَنَّهُ ... صُدُودُ فراقٍ لا صدودُ تَعَمُّدِ ) ( فأجرَى لها الإِشفاقُ دمعاً مُوَرَّداً ... من الدم يجري فوق خد مُوَرَّدِ ) ( هِيَ البدرُ يغنيها تودَّدُ وجهِها ... الى كلِّ من لاقتْ وإن لم تَوَدَّدِ ) ثم قطع المنشد فقال له عمارة زدنا من هذا فوصل نشيده وقال ( ولكنني لم أحوِ وَفْرا مُجَمَّعا ... ففزْتُ به إلا بشَمْل مُبَدَّدِ ) ( ولم تُعْطني الأيام نوماً مُسَكَّنا ... أَلَذُّ به إلا بنوم مُشَرَّدِ ) فقال عمارة لله دره لقد تقدم في هذا المعنى من سبقه إليه على كثرة القول فيه حتى لقد حبب إلي الاغتراب هيه فأنشده ( وطولُ مُقام المرء في الحيّ مُخْلِقٌ ... لديباجتيه فاغتربْ تتجدَّدِ ) ( فإني رأيتُ الشمسَ زيدت محبّةً ... الى الناسِ أنْ ليستْ عليهمْ بسرْمَدِ ) فقال عمارة كمل والله لئن كان الشعر بجودة اللفظ وحسن المعاني واطراد المراد واتساق الكلام فإن صاحبكم هذا أشعر الناس أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني محمد بن موسى بن حماد قال سمعت علي بن الجهم يصف أبا تمام ويفضله فقال له رجل والله لو كان أبو تمام أخاك ما زدت على مدحك هذا فقال إن لم يكن أخا بالنسب فإنه أخ بالأدب والمودة أما سمعت ما خاطبني به حيث يقول ( إنْ يُكْدِ مُطَّرَفُ الإِخاء فإننا ... نغدو ونسري في إخاء تالد ) ( أو يختلفْ ماء الوصال فماؤنا ... عذبٌ تحدَّرَ من غمام واحدِ ) ( أو يفترقْ نسبٌ يؤلفْ بيننا ... أدبٌ أقمناه مَقَام الوالد ) أخبرني محمد قال حدثني هارون بن عبد الله المهلبي قال كنا في حلقة دعبل فجرى ذكر أبي تمام فقال دعبل كان يتتبع معاني فيأخذها فقال له رجل في مجلسه وأي شيء من ذلك أعزك الله قال قولي ( وإن امرأً أَسْدَى إليّ بشافع ... إليه ويرجو الشكرَ مني لأحمقُ ) ( شفيعَك فاشكر في الحوائج إنه ... يصونُك عن مكروهِها وهو يَخْلُق ) فقال الرجل فكيف قال أبو تمام فقال قال ( فلقيتُ بين يديكَ حُلْوَ عَطائِه ... ولقيت بين يديَّ مُرَّ سُؤالِه ) ( وإذا امْرؤ أسدَى إليكَ صَنيعةً ... من جاهه فكأنها من مالِهِ ) فقال له الرجل أحسن والله فقال كذبت قبحك الله فقال والله لئن كان أخذه منك لقد أجاد فصار أولى به منك وإن كنت أخذته منه فما بلغت مبلغه فغضب دعبل وانصرف أخبرني الحسن بن علي قال حدثني ابن مهرويه قال حدثني عبد الله بن محمد بن جرير قال سمعت محمد بن حازم الباهلي يقدم أبا تمام ويفضله ويقول لو لم يقل إلا مرثيته التي أولها ( أصمَّ بك الناعي وإن كان أسمعا ... ) وقوله ( لو يقدرونَ مَشَوْا على وَجَناتهم ... وجباههم فضلاً عن الأقدامِ ) لكفتاه أخبرني عمي قال حدثني عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال كان عمارة بن عقيل عندنا يوما فسمع مؤدبا كان لولد أخي يرويهم قصيدة أبي تمام ( الحق أبلج والسيوف عَوارِ ... ) فلما بلغ إلى قوله ( سُودُ اللباسِ كأنما نَسَجَت لهم ... أيدي السَّموم مَدارِعا من قارِ ) ( بَكَروا وأسْرَوا في مُتون ضوامرٍ ... قِيدَت لهم من مَرْبط النَّجارِ ) ( لا يبرَحون ومن رآهم خالهم ... أبدا على سَفَر من الأسفارِ ) فقال عمارة لله دره ما يعتمد معنى إلا أصاب أحسنه كأنه موقوف عليه أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني أبو ذكوان قال قال لي إبراهيم بن العباس ما اتكلت في مكاتبتي قط إلا على ما جاش به صدري وجلبه خاطري إلا أني قد استحسنت قول أبي تمام ( فإن باشر الإصحار فالبِيضُ والقنا ... قِراهُ وأحواضُ المنايا مناهلُه ) ( وإن يَبن حِيطاناً عليهِ فإنما ... أولئك عُقَّالاتُهُ لا مَعاقلُه ) ( وإلا فأعلمه بأنك ساخطٌ ... عليه فإن الخوف لا شكّ قاتلُه ) فأخذت هذا المعنى في بعض رسائلي فقلت فصار ما كان يحرزهم يبرزهم وما كان يعقلهم يعتقلهم قال ثم قال لي إبراهيم إن أبا تمام اخترم وما استمتع بخاطره ولا نزح ركي فكره حتى انقطع رشاء عمره أخبرني محمد قال حدثني أبو الحسين بن السخي قال حدثني الحسين بن عبد الله قال سمعت عمي إبراهيم بن العباس يقول لأبي تمام وقد أنشد شعرا له في المعتصم يا أبا تمام أمراء الكلام رعية لإحسانك أخبرني محمد قال حدثني هارون بن عبد الله قال لي محمد بن جابر الأزدي وكان يتعصب لأبي تمام أنشدت دعبل بن علي شعرا لأبي تمام ولم أعلمه أنه له ثم قلت له كيف تراه قال أحسن من عافية بعد يأس فقلت إنه لأبي تمام فقال لعله سرقه مات أبو تمام فاقتسم الشعراء ما كان يأخذه أخبرني محمد قال حدثني أحمد بن يزيد المهلبي عن أبيه قال ما كان أحد من الشعراء يقدر على أن يأخذ درهما بالشعر في حياة أبي تمام فلما مات اقتسم الشعراء ما كان يأخذه أخبرني عمي والحسن بن علي ومحمد بن يحيى وجماعة من أصحابنا وأظن أيضا جحظة حدثنا به قالوا حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال لما قدم أبو تمام إلى خراسان اجتمع الشعراء إليه وسألوه أن ينشدهم فقال قد وعدني الأمير أن أنشده غدا وستسمعوني فلما دخل على عبد الله أنشده ( هنَّ عوادي يوسف وصواحبُهْ ... فعزما فقدِما أدرك السؤلَ طالبُهْ ) فلما بلغ إلى قوله ( وقَلقلَ نأْيٌ من خراسان جأْشَها ... فقلتُ اطمئني أنضرُ الروض عازبُهْ ) ( وركبٍ كأطراف الأسنة عَرَّسوا ... على مثلها والليل تسطو غياهِبه ) ( لأمر عليهم أن تتم صُدورُه ... وليس عليهم أن تتم عواقبه ) فصاح الشعراء بالأمير أبي العباس ما يستحق مثل هذا الشعر غير الأمير أعزه الله وقال شاعر منهم يعرف بالرياحي لي عنده أعزه الله جائزة وعدني بها وقد جعلتها لهذا الرجل جزاء عن قوله للأمير فقال له بل نضعفها لك ونقوم له بما يجب له علينا فلما فرغ من القصيدة نثر عليه ألف دينار فلقطها الغلمان ولم يمس منها شيئا فوجد عليه عبد الله وقال يترفع عن بري ويتهاون بما أكرمته به فلم يبلغ ما أراده منه بعد ذلك أخبرني أبو مسلم محمد بن بحر الكاتب وعمي عن الحزنبل عن سعيد بن جابر الكرخي عن أبيه أنه حضر أبا دلف القاسم بن عيسى وعنده أبو تمام الطائي وقد أنشده قصيدته ( على مثلها من أربُعٍ وملاعبِ ... أُذيلتْ مصُونات الدموع السواكبِ ) فلما بلغ إلى قوله ( إذا افتخرت يوماً تميم بقوسِها ... وزادت على ما وطَّدت من مَناقِبِ ) ( فأنتم بذي قارٍ أمالتْ سُيوفُكم ... عُروش الذين اسْتُرْهِنوا قوسَ حاجبِ ) ( محاسنُ من مجد متى تَقْرُنوا بها ... محاسن أقوامٍ تكن كالمعايب ) فقال أبو دلف يا معشر ربيعة ما مدحتم بمثل هذا الشعر قط فما عندكم لقائله فبادروه بمطارفهم يرمون بها إليه فقال أبو دلف قد قبلها وأعاركم لبسها وسأنوب عنكم في ثوابه تمم القصيدة يا أبا تمام فتممها فأمر له بخمسين ألف درهم وقال والله ما هي بإزاء استحقاقك وقدرك فاعذرنا فشكره وقام ليقبل يده فحلف ألا يفعل ثم قال له أنشدني قولك في محمد بن حميد ( وما مات حتى ماتَ مَضْرِب سيفهِ ... من الضرب واعتلت عليه القنا السُّمْرُ ) ( وقد كان فوتُ الموت سهلاً فردّه ... إليه الحِفاظ المرُّ والخلُقُ الوعْر ) ( فأثبت في مستنقَع الموت رجلَه ... وقال لها من تحت أُخْمُصِك الحشر ) ( غدا غَدوةً والحمد نَسْجُ ردائهِ ... فلم ينصرف إلا وأكفانه الأجر ) ( كأن بني نَبهانَ يوم مُصابه ... نجومُ سماء خرَّ من بينها البدر ) ( يُعَزَّوْن عن ثاو يُعزَّى به العُلَى ... ويبكي عليه البأسُ والجود والشعر ) فأنشده إياها فقال والله لوددت أنها في فقال بل أفدي الأمير بنفسي وأهلي وأكون المقدم فقال إنه لم يمت من رثي بهذا الشعر أو مثله الواثق وابن أبي دواد وخالد الشيباني يمدحونه أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني إسحاق بن يحيى الكاتب قال قال الواثق لأحمد بن أبي دواد بلغني أنك أعطيت أبا تمام الطائي في قصيدة مدحك بها ألف دينار قال لم أفعل ذلك يا أمير المؤمنين ولكني أعطيته خمس مئة دينار رعاية للذي قاله للمعتصم ( فاشدُدْ بهارونَ الخلافةَ إنه ... سَكَنٌ لوَحشتها ودارُ قَرارِ ) ( ولقد علمت بأن ذلك مِعْصمٌ ... ما كنتَ تتركه بغير سوارِ ) فابتسم وقال إنه لحقيق بذلك أخبرني علي بن سليمان قال حدثنا محمد بن يزيد النحوي قال خرج أبو تمام إلى خالد بن يزيد بن مزيد وهو بأرمينية فامتدحه فأعطاه عشرة آلاف درهم ونفقة لسفره وقال تكون العشرة الآلاف موفورة فإن أردت الشخوص فاعجل وإن أردت المقام عندنا فلك الحباء والبر قال بل أشخص فودعه ومضت أيام وركب خالد يتصيد فرآه تحت شجرة وبين يديه زكرة فيها شراب وغلام يغنيه بالطنبور فقال أبو تمام قال خادمك وعبدك قال ما فعل المال فقال ( عَلَّمني جودُكَ السماحَ فما ... أبقيت شيئاً لديّ من صِلَتكْ ) ( ما مرّ شهر حتى سمحتُ به ... كأنّ لي قدرةً كمقدُرتِك ) ( تُنفق في اليوم بالهبات وفي الساعة ... ما تجتنيه في سَنَتك ) ( فلستُ أدري من أين تنفق لولا ... أن ربي يَمُدّ في هبتك ) فأمر له بعشرة أخرى فأخذها وخرج أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا عون بن محمد الكندي قال حدثنا محمد بن سعد أبو عبد الله الرقي وكان يكتب للحسن بن رجاء قال قدم أبو تمام مادحا للحسن بن رجاء فرأيت منه رجلا عقله وعلمه فوق شعره فاستنشده الحسن ونحن على نبيذ قصيدته اللامية التي امتدحه بها فلما انتهى إلى قوله ( أنا مَن عَرَفْت فإن عرتكَ جَهالة ... فأنا المقيمُ قِيامةَ العُذّالِ ) ( عادتْ له أيامه مُسْوَدَّة ... حتى توهم أنهن ليالِ ) فقال الحسن والله لا تسود عليك بعد اليوم فلما قال ( لا تنكري عَطَل الكريم من الغنى ... فالسيل حربٌ للمكان العالي ) ( وتنظُّري حَيْث الركابُ ينصُّها ... محيي القريضِ إلى مميت المالِ ) فقام الحسن بن رجاء على رجليه وقال والله لا أتممتها إلا وأنا قائم فقام أبو تمام لقيامه وقال ( لما بلغنا ساحةَ الحَسن انقضَى ... عنا تملُّكُ دولةِ الإِمحالِ ) ( بسطَ الرجاء لنا برغْم نوائبٍ ... كَثُرتْ بهن مصارعُ الآمالِ ) ( أغلَى عَذارى الشعرِ إنّ مُهورَها ... عند الكرام وإن رَخُصن غَوالِ ) ( تَرِدُ الظُّنونُ بنا على تصديقها ... ويُحَكِّم الآمالَ في الأموالِ ) ( أضحى سميُّ أبيك فيك مصدِّقا ... بأجلّ فائدةٍ وأيمن فالِ ) ( ورأيتني فسألتَ نفسك سَيْبَها ... لِي ثم جُدْت وما انتظرتَ سؤالِي ) ( كالغيث ليس له - أُريد غمامه ... أو لم يرد - بُدٌّ من التَّهطالِ ) فتعانقا وجلسا وقال له الحسن ما أحسن ما جلوت هذه العروس فقال والله لو كانت من الحور العين لكان قيامك لها أوفى مهورها قال محمد بن سعد وأقام شهرين فأخذ على يدي عشرة آلاف درهم وأخذ غير ذلك مما لم أعلم به على بخل كان في الحسن بن رجاء أخبرني الصولي قال حدثني عون بن محمد قال شهدت دعبلا عند الحسن بن رجاء وهو يضع من أبي تمام فاعترضه عصابة الجرجرائي فقال يا أبا علي اسمع مني ما قاله فإن أنت رضيته فذاك وإلا وافقتك على ما تذمه منه وأعوذ بالله فيك من ألا ترضاه ثم أنشده قوله ( أما إنه لولا الخليطُ المودِّعُ ... ومغنًى عفا منه مَصِيفٌ ومَرْبَعُ ) فلما بلغ قوله ( هو السيلُ إن واجهته انقدْتَ طَوْعَه ... وتقتادُه من جانبيه فيَتبعُ ) ( ولم أر نفعاً عند من ليس ضائراُ ... ولم أر ضُرّاً عند من ليس ينفع ) ( مَعادُ الوَرَى بعد الممات وسيبُه ... معادٌ لنا قبل المماتِ ومَرجِع ) فقال له دعبل لم ندفع فضل هذا الرجل ولكنكم ترفعونه فوق قدره وتقدمونه على من يتقدمه وتنسبون إليه ما قد سرقه فقال له عصابة إحسانه صيرك له عائبا وعليه عاتبا أخبرني الصولي قال حدثنا الحسن بن وداع كاتب الحسن بن رجاء قال حضرت أبا الحسين محمد بن الهيثم بالجبل وأبو تمام ينشده ( أَسْقَى ديارَهُمُ أجشُّ هَزيمُ ... وغدتْ عليهمْ نضرةٌ ونعيمُ ) قال فلما فرغ أمر له بألف دينار وخلع عليه خلعة حسنة وأقمنا عنده يومنا فلما كان من غد كتب إليه أبو تمام ( قد كسانا من كُسوةِ الصيف خِرْقٌ ... مكتسٍ من مَكارمٍ ومَساعِ ) ( حُلَّةً سابريَّة ورِداءً ... كسَحا القيضِ أو رداءِ الشُّجاع ) ( كالسَّراب الرَّقْراق في الحسن إلا ... أنه ليس مثلَه في الخِداع ) ( قَصَبِيًّا تسترجِفُ الريحُ مَتنيه ... بأمرٍ من الهُبوب مطاع ) ( رَجَفانا كأنه الدهرَ منه ... كبِدُ الضَّبِّ أو حشا المُرْتاع ) ( لازما ما يليه تحسِبه جُزْءاً ... من المَتْنَتَيْنِ والأضلاع ) ( يَطردُ اليومَ ذا الهَجير ولو شُبِّهَ ... في حرِّه بيوم الوَداع ) ( خِلعةً من أغرَّ أرْوَعَ رَحْب الصَّدر ... رحب الفؤاد رحْب الذراع ) ( سوف أكسوك ما يُعَفِّي عليها ... من ثناء كالبُرد بُرْدِ الصَّناع ) ( حسن هاتيكَ في العيون وهذا ... حسنه في القلوب والأسماع ) فقال محمد بن الهيثم ومن لا يعطي على هذا ملكه والله لا بقي في داري ثوب إلا دفعته إلى أبي تمام فأمر له بكل ثوب كان يملكه في ذلك الوقت أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي الفضل قال لما شخص أبو تمام إلى عبد الله بن طاهر وهو بخراسان أقبل الشتاء وهو هناك فاستثقل البلد وقد كان عبد الله وجد عليه وأبطأ بجائزته لأنه نثر عليه ألف دينار فلم يمسسها بيده ترفعا عنها فأغضبه وقال يحتقر فعلي ويترفع علي فكان يبعث إليه بالشيء بعد الشيء كالقوت فقال أبو تمام ( لم يبق للصيف لا رسمٌ ولا طَلَلُ ... ولا قشيبٌ فَيُسْتكْسى ولا سَمَلُ ) ( عدلٌ من الدمع أن يُبكى المَصيفُ كما ... يُبكى الشبابُ ويُبكى اللهوُ والغَزلُ ) ( يُمْنَى الزمانِ انقضى معروفُها وغَدَتْ ... يُسْراه وهْي لنا من بعدها بَدَل ) فبلغت الأبيات أبا العميثل شاعر آل عبد الله بن طاهر فأتى أبا تمام واعتذر إليه لعبد الله بن طاهر وعاتبه على ما عتب عليه من أجله وتضمن له ما يحبه ثم دخل إلى عبد الله فقال أيها الأمير أتتهاون بمثل أبي تمام وتجفوه فوالله لو لم يكن له ماله من النباهة في قدره والإحسان في شعره والشائع من ذكره لكان الخوف من شره والتوقي لذمه يوجب على مثلك رعايته ومراقبته فكيف وله بنزوعه إليك من الوطن وفراقه السكن وقد قصدك عاقدا بك أمله معملا إليك ركابه متعبا فيك فكره وجسمه وفي ذلك ما يلزمك قضاء حقه حتى ينصرف راضيا ولو لم يأت بفائدة ولا سمع فيك منه ما سمع إلا قوله ( تقولُ في قُومَسٍ صحبي وقد أخذتْ ... منا السُّرى وخُطَا المهريّة القُودِ ) ( أمَطْلَع الشمس تبغي أن تؤمَّ بنا ... فقلت كَلاّ ولكن مَطْلِع الجودِ ) فقال له عبد الله لقد نبهت فأحسنت وشفعت فلطفت وعاتبت فأوجعت ولك ولأبي تمام العتبى ادعه يا غلام فدعاه فنادمه يومه وأمر له بألفي دينار وما يحمله من الظهر وخلع عليه خلعة تامة من ثيابه وأمر ببذرقته إلى آخر عمله حديث المعاني وسرقة القصائد أخبرني جحظة قال حدثني ميمون بن هارون قال مر أبو تمام بمخنث يقول لآخر جئتك أمس فاحتجبت عني فقال له السماء إذا احتجبت بالغيم رجي خيرها فتبينت في وجه أبي تمام أنه قد أخذ المعنى ليضمنه في شعره فما لبثنا إلا أياما حتى أنشدت قوله ( ليس الحجابُ بمقصٍ عنكَ لي أملا ... إنّ السماءَ تُرَجَّى حين تَحْتَجِبُ ) أخبرني أبو العباس أحمد بن وصيف وأبو عبد الله أحمد بن الحسن بن محمد الأصبهاني ابن عمي قال حدثنا محمد بن موسى بن حماد قال كنا عند دعبل أنا والقاسم في سنة خمس وثلاثين ومئتين بعد قدومه من الشام فذكرنا أبا تمام فثلبه وقال هو سروق للشعر ثم قال لغلامه يا ثقيف هات تلك المخلاة فجاء بمخلاة فيها دفاتر فجعل يمرها على يده حتى أخرج منها دفترا فقال اقرأوا هذا فنظرنا فيه فإذا فيه قال مكنف أبو سلمى من ولد زهير بن أبي سلمى وكان هجا ذفافة العبسي بأبيات منها ( إن الضُّراطَ به تصاعدَ جَدُّكُم ... فتعاظموا ضَرطاً بني القَعقاعِ ) قال ثم مات ذفافة بعد ذلك فرثاه فقال ( أبعد أبي العباس يُسْتَعذَبُ الدهرُ ... فما بعده للدهر حسنٌ ولا عُذْرُ ) ( ألا أيُّها الناعي ذُفافةَ والندَى ... تَعَسْت وشَلَّت من أناملك العشر ) ( أتنعَى لنا مِنْ قيس عيلانَ صَخرة ... تفلَّق عنها من جبالِ العِدا الصخر ) ( إذا ما أبو العباس خَلَّى مكانه ... فلا حَمَلتْ أنثى ولا نالَها طُهْرُ ) ( ولا أمطرتْ أرضاً سماءٌ ولا جرتْ ... نجومٌ ولا لذَّتْ لشاربها الخمر ) ( كأنّ بني القعقاع يوم مُصابه ... نجومُ سماءٍ خَرَّ من بينها البدر ) ( تُوُفِّيت الآمالُ يومَ وفاته ... وأصبح في شُغْل عن السَّفْر السفْر ) ثم قال سرق أبو تمام أكثر هذه القصيدة فأدخلها في قصيدته ( كذا فليجِلَّ الخطبُ ولْيفدَحِ الأمرُ ... وليسَ لعين لم يَفضْ ماؤُها عُذْر ) أخبرني الصولي قال حدثني محمد بن موسى قال كان أبو تمام يعشق غلاما خزريا للحسن بن وهب وكان الحسن يتعشق غلاما روميا لأبي تمام فرآه أبو تمام يوما يعبث بغلامه فقال له والله لئن أعنقت إلى الروم لنركضن إلى الخزر فقال له الحسن لو شئت حكَّمتنا واحتكمت فقال أبو تمام أنا أشبهك بداود عليه السلام وأشبه نفسي بخصمه فقال الحسن لو كان هذا منظوما خفناه فأما وهو منثور فلا لأنه عارض لا حقيقة له فقال أبو تمام ( أبا عليٍّ لصرِف الدهر والغِيَرِ ... وللحوادث والأيامِ والعِبَرِ ) ( أذكرتني أمر داودٍ وكنتُ فتًى ... مُصَرَّف القلب في الأهواء والفِكر ) ( أعندك الشمس لم يَحظ المغيبُ بها ... وأنت مضطربُ الأحشاء للقمر ) ( إن أنت لم تترك السير الحثيث إلى ... جآذر الرومِ أعنقنا إلى الخَزَر ) ( إن القَطُوبَ له مني محلُّ هوًى ... يَحل مني محلَّ السمع والبصر ) ( وربّ أمنعَ منه جانباً وحِمًى ... أمسى وتِكَّتُهُ منِّي على خَطَر ) ( جَرَّدتُ فيه جنودَ العزم فانكشفت ... منه غَيابتُها عن نَيكة هَدَر ) ( سبحانَ من سَبَّحتْهُ كلُّ جارحةٍ ... ما فيك من طَمَحان الأير والنظر ) ( أنت المقيمُ فما تغدو رواحلُه ... وأيرُه أبدا منه على سفر ) أخبرني الصولي قال حدثني عبد الله بن الحسين قال حدثني وهب بن سعيد قال جاء دعبل إلى الحسن بن وهب في حاجة بعد موت أبي تمام فقال له رجل في المجلس يا أبا علي أنت الذي تطعن علي من يقول ( شَهِدتُ لقد أقوتْ مغانيكُمُ بعدِي ... ومَحَّتْ كما محت وشائعُ من بُرْدِ ) ( وأَنجدتم من بعد إتهام داركُمْ ... فيا دمعُ أنجدنِي على ساكني نجدِ ) فصاح دعبل أحسن والله وجعل يردد فيا دمع أنجدني على ساكني نجد ثم قال رحمه الله لو كان ترك لي شيئا من شعره لقلت إنه أشعر الناس أخبرني علي بن سليمان ومحمد بن يحيى قالا حدثنا محمد بن يزيد قال مات لعبد الله بن طاهر ابنان صغيران في يوم واحد فدخل عليه أبو تمام فأنشده ( ما زالت الأيامُ تخبرُ سائلا ... أن سَوفَ تفجعُ مُسْهِلاُ أو عاقِلا ) ( مجدٌ تأوَّبَ طارقاً حتى إذا ... قلنا أقام الدهرَ أصبحَ راحلا ) ( نجمان شاء الله ألا يَطْلُعا ... إلا ارتدادَ الطرف حتى يأفِلا ) ( إن الفجيعة بالرياض نواضراً ... لأجل منها بالرياض ذَوابِلا ) ( لو يُنْسبان لكان هذا غاربا ... للمكرُمات وكان هذا كاهلا ) ( لَهْفي على تلك المخايلِ منهما ... لو أُمْهلَت حتى تكون شمائِلا ) ( لغدا سكونُهما حِجًى وصِباهُما ... حِلْماً وتلك الأريحيةُ نائلا ) ( إن الهلالَ إذا رأيت نموَّهُ ... أيقنتَ أنْ سيكونُ بدرا كاملا ) صوت ( بالله قلْ يا طَلَلُ ... أهلُك ماذا فعلُوا ) ( فإن قلبي حَذِرٌ ... من أن يَبينوا وَجِلُ ) عروضه من - الرجز - الشعر لأبي الشيص والغناء لأحمد بن يحيى المكي - خفيف ثقيل - بالوسطى من نسخة عمرو بن بانة الثانية ومن رواية الهشامي أخبار أبي الشيص ونسبه اسمه محمد بن رزين بن سليمان بن تميم بن نهشل وقيل ابن بهيش - ابن خراش بن خالد بن عبد بن دعبل بن أنس بن خزيمة بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو مزيقيا ابن عامر بن ثعلبة وكان أبو الشيص لقبا غلب عليه وكنيته أبو جعفر وهو ابن عم دعبل بن علي بن رزين لحا وكان أبو الشيص من شعراء عصره متوسط المحل فيهم غير نبيه الذكر لوقوعه بين مسلم بن الوليد وأشجع وأبي نواس فخمل وانقطع إلى عقبة بن جعفر بن الأشعث الخزاعي وكان أميرا على الرقة فمدحه بأكثر شعره فقلما يروى له في غيره وكان عقبة جوادا فأغناه عن غيره ولأبي الشيص ابن يقال له عبد الله شاعر أيضا صالح الشعر وكان منقطعا إلى محمد بن طالب فأخذ منه جامع شعر أبيه ومن جهته خرج إلى الناس وعمي أبو الشيص في آخر عمره وله مراث في عينيه قبل ذهابهما وبعده نذكر منها مختارها مع أخباره وكان سريع الهاجس جدا فيما ذكر عنه فحكى عبد الله بن المعتز أن أبا خالد العامري قال له من أخبرك أنه كان في الدنيا أشعر من أبي الشيص فكذبه والله لكان الشعر عليه أهون من شرب الماء على العطشان وكان من أوصف الناس للشراب وأمدحهم للملوك وهكذا ذكر ابن المعتز وليس توجد هذه الصفات كما ذكر في ديوان شعره ولا هو بساقط ولكن هذا سرف شديد أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن النضر بن عمر قال قال لي أبو الشيص لما مدحت عقبة بن جعفر بقصيدتي التي أولها ( لا تُنكري صَدِّي ولا إعراضي ... ليس المقلُّ عن الزمان براضِ ) أمر بأن تعد وأعطاني لكل بيت ألف درهم أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال أنشدت إبراهيم بن المهدي أبيات أبي يعقوب الخريمي التي يرثي بها عينه يقول فيها ( إذا ما مات بعضُك فابكِ بعضاً ... فإن البعض من بعض قريبُ ) فأنشدني لأبي الشيص يبكي عينيه ( يا نفسُ بكّي بأدمع هُتُنِ ... وواكفٍ كالجُمان في سَنَنِ ) ( على دليلي وقائدي ويدي ... ونور وجهي وسائسِ البدنِ ) ( أبكي عليها بها مخافةَ أن ... تَقْرنَني والظلامَ في قَرنِ ) وقال أبو هفان حدثني دعبل أن امرأة لقيت أبا الشيص فقالت يا أبا الشيص عميت بعدي فقال قبحك الله دعوتني باللقب وعيرتني بالضرر مجالس شعرية أخبرني محمد بن القاسم الأنباري قال حدثني أبي عن أحمد بن عبيد قال اجتمع مسلم بن الوليد وأبو نواس وأبو الشيص ودعبل في مجلس فقالوا لينشد كل واحد منكم أجود ما قاله من الشعر فاندفع رجل كان معهم فقال اسمعوا مني أخبركم بما ينشد كل واحد منكم قبل أن ينشد قالوا هات فقال لمسلم أما أنت يا أبا الوليد فكأني بك قد أنشدت ( إذا ما علَتْ منا ذؤابةُ واحدٍ ... وإن كان ذا حلم دعته إلى الجهلِ ) ( هل العيشُ إلا أن تروح مع الصِّبا ... وتغدو صريعَ الكأس والأعين النُّجْلِ ) قال وبهذا البيت لقب صريع الغواني لقبه به الرشيد فقال له مسلم صدقت ثم أقبل على أبي نواس فقال له كأني بك يا أبا علي قد أنشدت ( لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هندِ ... واشربْ على الوَرْد من حمراءَ كالوردِ ) ( تَسقيك من عينها خمراً ومن يدها ... خمراً فما لك من سُكرين من بُدِّ ) فقال له صدقت ثم أقبل على دعبل فقال له وأنت يا أبا علي فكأني بك تنشد قولك ( أين الشبابُ وأيَّةً سَلَكا ... لا أينَ يُطلَب ضلّ بلْ هَلَكا ) ( لا تعجبي يا سَلْمَ من رجُل ... ضحكَ المشيبُ برأسه فبكى ) فقال صدقت ثم أقبل على أبي الشيص فقال له وأنت يا أبا جعفر فكأني بك وقد أنشدت قولك ( لا تنكري صدِّي ولا إعراضي ... ليس المقلُّ عن الزمان براضِ ) فقال له لا ما هذا أردت أن أنشد ولا هذا بأجود شيء قلته قالوا فأنشدنا ما بدا له فأنشدهم قوله صوت ( وقف الهوى بي حيثُ أنتِ فليسَ لي ... متأخَّرٌ عنهُ ولا متقدَّمُ ) ( أجدُ الملاَمَة في هواكِ لذيذةً ... حباً لذكرك فليلُمني اللُّوَّم ) ( أشبهتِ أعدائي فصرتُ أُحبُّهْم ... إذ كان حظي منكِ حظِّي منهمُ ) ( وأَهنتِني فأهنتُ نفسيَ صاغراً ... ما مَنْ يهون عليك ممن يُكْرَم ) لعريب في هذا الشعر لحنان ثقيل أول ورمل قال فقال أبو نواس أحسنت والله جودت وحياتك لأسرقن هذا المعنى منك ثم لأغلبنك عليه فيشتهر ما أقول ويموت ما قلت قال فسرق قوله ( وقَف الهوى بي حيث أنتِ فليس لي ... متأخَّرٌ عنه ولا متقدَّمُ ) سرقا خفيا فقال في الخصيب ( فما جازه جودٌ ولا حل دُونَهُ ... ولكن يسير الجودُ حيث يسيرُ ) فسار بيت أبي نواس وسقط بيت أبي الشيص نسخت من كتاب جدي لأمي يحيى بن محمد بن ثوابة بخطه حدثني الحسن بن سعد قال حدثني رزين بن علي الخزاعي أخو دعبل قال كنا عند أبي نواس أنا ودعبل وأبو الشيص ومسلم بن الوليد الأنصاري فقال أبو نواس لأبي الشيص أنشدني قصيدتك المخزية قال وما هي قال الضادية فما خطر بخلدي قولك ( ليس المقلُّ عن الزمان براضِ ... ) إلا أخزيتك استحسانا لها فإن الأعشى كان إذا قال القصيدة عرضها على ابنته وقد كان ثقفها وعلمها ما بلغت به استحقاق التحكيم الإختيار لجيد الكلام ثم يقول لها عدي لي المخزيات فتعد قوله ( أغَرُّ أرْوَعُ يُستسقَى الغمام به ... لو قارعَ الناسَ عن أحسابهم قَرَعا ) وما أشبهها من شعره قال أبو الشيص لا أفعل إنها ليست عندي عقد در مفصل ولكني أكاثر بغيرها ثم أنشده قوله ( وقَفَ الهوى بي حيثُ أنت فليسَ لي ... متأخَّر عنه ولا متقدَّم ) الأبيات المذكورة فقال له أبو نواس قد أردت صرفك عنها فأبيت أن تخلى عن سلبك أو تدرك في هربك قال بل أقول في طلبي فكيف رأيت هذا الطراز قال أرى نمطا خسروانيا مذهبا حسنا فكيف تركت ( في رِداء من الصَّفيح صَقِيلٍ ... وقميصٍ من الحديدِ مُذالِ ) قال تركته كما ترك مختار الدُّرّتين إحداهما بما سبق في ألحاظه وزين في ناظره أخبرني الحسن بن علي قال حدثني ابن مهرويه قال حدثني أبي قال حدثني من قال لأبي نواس من أشعر طبقات المحدثين قال الذي يقول ( يطوفُ علينا بها أحْورٌ ... يداه من الكأسِ مخضوبتان ) والشعر لأبي الشيص أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثني الفضل بن موسى بن معروف الأصبهاني قال حدثني أبي قال دخل أبو الشيص على أبي دلف وهو يلاعب خادما له بالشطرنج فقيل له يا أبا الشيص سل هذا الخادم أن يحل أزرار قميصه فقال أبو الشيص الأمير أعزه الله أحق بمسألته قال قد سألته فزعم أنه يخاف العين على صدره فقل فيه شيئا فقال ( وشادنٍ كالبدر يجلو الدُّجَى ... في الفرقِ منه المسكُ مذرورُ ) ( يُحاذر العينَ على صَدْره ... فالجيبُ منه الدهرَ مزرور ) فقال أبو دلف وحياتي لقد أحسنت وأمر له بخمسة آلاف درهم فقال الخادم قد والله أحسن كما قلت ولكنك أنت ما أحسنت فضحك وأمر له بخمسة آلاف أخرى أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني علي بن سعد بن إياس الشيباني قال تعشق أبو الشيص محمد بن رزين قينة لرجل من أهل بغداد فكان يختلف إليها وينفق عليها في منزل الرجل حتى أتلف مالا كثيرا فلما كف بصره وأخفق جعل إذا جاء إلى مولى الجارية حجبه ومنعه من الدخول فجاءني أبو الشيص فشكا إلي وجده بالجارية واستخفاف مولاها به وسألني المضي معه إليه فمضيت معه فاستؤذن لنا عليه فأذن فدخلت أنا وأبو الشيص فعاتبته في أمره وعظمت عليه حقه وخوفته من لسانه ومن إخوانه فجعل له يوما في الجمعة يزورها فيه فكان يأكل في بيته ويحمل معه نبيذه ونقله فمضيت معه ذات يوم إليها فلما وقفنا على بابهم سمعنا صراخا شديدا من الدار فقال لي ما لها تصرخ أتراه قد مات لعنه الله فما زلنا ندق الباب حتى فتح لنا فإذا هو قد حسر كميه وبيده سوط وقال لنا ادخلا فدخلنا وإنما حمله على الإذن لنا الفرق مني فدخلنا وعاد الرجل إلى داخل يضربها فاستمعنا عليه وأطلعنا فإذا هي مشدودة على سلم وهو يضربها أشد ضرب وهي تصرخ وهو يقول وأنت أيضا فاسرقي الخبز فاندفع أبو الشيص على المكان يقول في ذلك ( يقولُ والسوط على كفّه ... قد حَزّ في جلدتها حَزَّا ) ( وهي على السُّلَّم مشدودة ... وأنت أيضا فاسرقي الخُبْزا ) قال وجعل أبو الشيص يرددهما فسمعهما الرجل فخرج إلينا مبادرا وقال له أنشدني البيتين اللذين قلتهما فدافعه فحلف أنه لا بد من إنشادهما فأنشده إياهما فقال لي يا أبا الحسن أنت كنت شفيع هذا وقد أسعفتك بما تحب فإن شاع هذان البيتان فضحتني فقل له يقطع هذا ولا يسمعهما وله علي يومان في الجمعة ففعلت ذلك ووافقته عليه فلم يزل يتردد إليه يومين في الجمعة حتى مات أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أحمد بن عبد الرحمن الكاتب عن أبيه قال كانت لأبي الشيص جارية سوداء اسمها تِبْر وكان يتعشقها وفيها يقول ( لم تُنْصِفي يا سَمِية الذَّهَبِ ... تتلفُ نفسي وأنت في لَعبِ ) ( يابنة عم المِسكِ الذكي ومَن ... لولاك لم يُتخَذْ ولم يَطِبِ ) ( ناسَبَك المسكُ في السواد وفي الرِّيحِ ... فأكرم بذاك من نسبِ ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا علي بن محمد النوفلي عن عمه قال كان أبو الشيص صديقا لمحمد بن إسحاق بن سليمان الهاشمي وهما حينئذ مملقان فنال محمد بن إسحاق مرتبة عند سلطانه واستغنى فجفا أبا الشيص وتغير له فكتب إليه ( الحمدُ لله رب العالَمين على ... قُربِي وبعدِكَ مني يابن إسحاقِ ) ( يا ليتَ شعري متى تُجْدِي عليّ وقد ... أصبحتَ رب دنانير وأوْراقِ ) ( تُجْدي عليَّ إذا ما قيلَ مَنْ راقِ ... والتفت الساقُ عند الموت بالساقِ ) ( يومٌ لَعمري تَهُمُّ الناسَ أنفُسهمْ ... وليس ينفع فيه رُقية الراقِي ) حدثني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أبو العباس بن الفرات قال كنت أسير مع عبيد الله بن سليمان فاستقبله جعفر بن حفص على دابة هزيل وخلفه غلام له وشيخ على بغل له هرم وما فيهم إلا نضو فأقبل علي عبيد الله بن سليمان فقال كأنهم والله صفة أبي الشيص حيث يقول ( أكلَ الوجيفُ لحومَها ولحومَهم ... فأتَوكَ أنقاضاً على أنقاضِ ) مقتل أبي الشيص وقال عبد الله بن المعتز حدثني أبو مالك عبد الله قال قال لي عبد الله بن الأعمش كان أبو الشيص عند عقبة بن جعفر بن الأشعث الخزاعي يشرب فلما ثمل نام عنده ثم انتبه في بعض الليل فذهب يدب إلى خادم له فوجأه بسكين فقال له ويحك قتلتني والله وما أحب والله أن أفتضح أني قتلت في مثل هذا ولا تفضح أنت بي ولكن خذ دستيجة فاكسرها ولوثها بدمي واجعل زجاجها في الجرح فإذا سئلت عن خبري فقل إني سقطت في سكري على الدستيجة فانكسرت فقتلتني ومات من ساعته ففعل الخادم ما أمره به ودفن أبو الشيص وجزع عقبة عليه جزعا شديدا فلما كان بعد أيام سكر الخادم فصدق عقبة عن خبره وأنه هو قتله فلم يلبثه أن قام إليه بسيفه فلم يزل يضربه حتى قتله صوت ( هَلاّ سألتَ معالمَ الأطلالِ ... والرسمَ بعد تقادم الأحوالِ ) ( دِمَناً تَهيجُ رسومُها بعد البلى ... طَرَباً وكيف سؤالُ أعجمَ بال ) ( يمشين مشي قَطا البِطاح تأوُّدا ... قُبَّ البطون رواجح الأكفال ) ( من كل آنسة الحديث حييَّةٍ ... ليست بفاحشةٍ ولا مِتْفالِ ) ( أَقصى مذاهبها إذا لاقيتها ... في الشهر بين أسِرَّةٍ وحِجالِ ) ( وتكونُ رِيقتُها إذا نبهتُها ... كالشهدِ أو كَسُلافة الجِريالِ ) المتفال المنتنة الريح والجريال فيما قيل اسم للون الخمر وقيل بل هو من أسمائها والدليل على أنه لونها قول الأعشى ( وسُلافةِ مما تعتق بابل ... كدمِ الذبيح سلبتُها جِرْيالِها ) قال سماك بن حرب حدثني يحنس بن متى الحيري راوية الأعشى أنه سأله عن هذا البيت فقال شربتها حمراء وبلتها بيضاء الشعر في هذا الغناء المذكور للكميت بن زيد والغناء لابن سريج ثقيل أول بالبنصر عن عمرو بن بانة وذكر المكي أنه لابن محرز وفيه لعطرد - خفيف ثقيل - وهذا الشعر من قصيدة للكميت يمدح بها مخلد بن يزيد بن المهلب يقول فيها ( قادَ الجيوشَ لخمسَ عَشْرةَ حِجَّةً ... ولِداتُهُ عن ذاك في أشغال ) ( قَعَدتْ بهم هِماتُهُمْ وسَمَتْ به ... هممُ الملوك وسَوْرة الأبطال ) ( فكأنما عاشَ المهلَّبُ بينهمْ ... بأغرَّ قاسَ مثالَه بمثالِ ) ( في كَفِّه قَصَبات كلّ مُقَلَّدٍ ... يومَ الرِّهان وفوزُ كلِّ نِصَالِ ) ( ومتى أزِنْك بمعشر وأَزنهمُ ... بك أُلْفِ وزنك أرجحَ الأثقالِ ) تم الجزء السادس عشر من كتاب الأغاني ذكر الكميت ونسبه وخبره هو الكميت بن زيد بن خنيس بن مجالد بن وهيب بن عمرو بن سبيع وقيل الكميت بن زيد بن خنيس بن مجالد بن ذؤيبة بن قيس بن عمرو بن سبيع بن مالك بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار شاعر مقدم عالم بلغات العرب خبير بأيامها من شعراء مضر وألسنتها والمتعصبين على القحطانية المقارنين المقارعين لشعرائهم العلماء بالمثالب والأيام المفاخرين بها وكان في أيام بني أمية ولم يدرك الدولة العباسية ومات قبلها وكان معروفا بالتشيع لبني هاشم مشهورا بذلك وقصائده الهاشميات من جيد شعره ومختاره ولم تزل عصبيته للعدنانية ومهاجاته شعراء اليمن متصلة والمناقضة بينه وبينهم شائعة في حياته وبعد وفاته حتى ناقض دعبل وابن أبي عيينة قصيدته المذهبة بعد وفاته وأجابهما أبو البلقاء البصري مولى بني هاشم عنها وذلك يذكر في موضع آخر يصلح له من هذا الكتاب إن شاء الله أخبرني محمد بن الحسن بن دريد عن أبي حاتم عن الأصمعي عن خلف الأحمر أنه رأى الكميت يعلم الصبيان في مسجد بالكوفة قال ابن قتيبة في خبره خاصة وكانت بينه وبين الطرماح خلطة ومودة وصفاء لم يكن بين اثنين قال فحدثني بعض أصحابه عن محمد بن سهل راوية الكميت قال أنشدت الكميت قول الطرماح ( إذا قُبِضت نفس الطِّرِمّاح أخلقتْ ... عُرا المجد واسترخَى عِنان القصائدِ ) قال إي والله وعنان الخطابة والرواية قال وهذه الأحوال بينهما على تفاوت المذاهب والعصبية والديانة كان الكميت شيعيا عصبيا عدنانيا من شعراء مضر متعصبا لأهل الكوفة والطرماح خارجي صفري قحطاني عصبي لقحطان من شعراء اليمن متعصب لأهل الشام فقيل لهما ففيم اتفقتما هذا الاتفاق مع اختلاف سائر الأهواء قالا اتفقنا على بغض العامة أخبرني عمي قال حدثني محمد بن سعد الكراني قال حدثنا أبو عمر العمري عن لقيط قال الكميت عالم بأيام العرب وأشعارها اجتمع الكميت بن زيد وحماد الراوية في مسجد الكوفة فتذاكرا أشعار العرب وأيامها فخالفه حماد في شيء ونازعه فقال له الكميت أتظن أنك أعلم مني بأيام العرب وأشعارها قال وما هو إلا الظن هذا والله هو اليقين فغضب الكميت ثم قال له لكم شاعر بصير يقال له عمرو ابن فلان تروي ولكم شاعر أعور أو أعمى اسمه فلان ابن عمرو تروي فقال حماد قولا لم يحفظه فجعل الكميت يذكر رجلا رجلا من صنف صنف ويسأل حمادا هل يعرفه فإذا قال لا أنشده جزءا منه حتى ضجرنا ثم قال له الكميت فإني سائلك عن شيء من الشعر فسأله عن قول الشاعر ( طَرَحُوا أصحابَهُمْ في ورطةٍ ... قَذْفَكِ المَقْلَةَ شَطْرَ المُعْتَرَكْ ) فلم يعلم حماد تفسيره فسأله عن قول الآخر ( تَدَرَّيْنَنَا بالقَوْلِ حتى كأنما ... تَدَرَّيْنَ وِلْدَانا تَصِيدُ الرَّهادِنا ) فأفحم حماد فقال له قد أجلتك إلى الجمعة الأخرى فجاء حماد ولم يأت بتفسيرهما وسأل الكميت أن يفسرهما له فقال المقلة حصاة أو نواة من نوى المقل يحملها القوم معهم إذا سافروا وتوضع في الإناء ويصب عليها الماء حتى يغمرها فيكون ذلك علامة يقتسمون بها الماء والشطر النصيب والمعترك الموضع الذي يختصمون فيه في الماء فيلقونها هناك عند الشر وقوله تدريننا يعني النساء أي ختلننا فرميننا والرهادن طير بمكة كالعصافير الكميت يحبس في المخيس وكان خالد بن عبد الله القسري - فيما حدثني به عيسى بن الحسين الوراق قال أخبرنا أحمد بن الحارث الفزاري عن ابن الأعرابي وذكره محمد بن أنس السلامي عن المستهل بن الكميت وذكره ابن كناسة عن جماعة من بني أسد - قد بلغه أن الكميت أنشد قصيدته التي يهجو فيها اليمن وهي ( ألا حُيِّيتِ عَنَّا يا مَدِينا ... ) فأحفظته عليه فروى جارية حسناء قصائده الهاشميات وأعدها ليهديها إلى هشام وكتب إليه بأخبار الكميت وهجائه بني أمية وأنفذ إليه قصيدته التي يقول فيها ( فيا رَبِّ هل إلاَّ بكَ النَّصْرُ يُبْتَغَى ... ويا ربّ هل إلاّ عَلَيْكَ المُعَوَّلُ ! ) وهي طويلة يرثي فيها زيد بن علي وابنه الحسين بن زيد ويمدح بني هاشم فلما قرأها أكبرها وعظمت عليه واستنكرها وكتب إلى خالد يقسم عليه أن يقطع لسان الكميت ويده فلم يشعر الكميت إلا والخيل محدقة بداره فأخذ وحبس في المخيس وكان أبان بن الوليد عاملا على واسط وكان الكميت صديقه فبعث إليه بغلام على بغل وقال له أنت حر إن لحقته والبغل لك وكتب إليه قد بلغني ما صرت إليه وهو القتل إلا أن يدفع الله عز و جل وأرى لك أن تبعث إلى حبى - يعني زوجة الكميت وهي بنت نكيف بن عبد الواحد وهي ممن يتشيع أيضا - فإذا دخلت إليك تنقبت نقابها ولبست ثيابها وخرجت فإني أرجو ألا يؤبه لك فأرسل الكميت إلى أبي وضاح حبيب بن بديل وإلى فتيان من بني عمه من مالك بن سعيد فدخل عليه حبيب فأخبره الخبر وشاوره فيه فسدد رأيه ثم بعث إلى حبى امرأته فقص عليها القصة وقال لها أي ابنة عم إن الوالي لا يقدم عليك ولا يسلمك قومك ولو خفته عليك لما عرضتك له فألبسته ثيابها وإزارها وخمرته وقالت له أقبل وأدبر ففعل فقالت ما أنكر منك شيئا إلا يبسا في كتفك فاخرج على اسم الله وأخرجت معه جارية لها فخرج وعلى باب السجن أبو وضاح ومعه فتيان من أسد فلم يؤبه له ومشى والفتيان بين يديه إلى سكة شبيب بناحية الكناسة فمر بمجلس من مجالس بني تميم فقال بعضهم رجل ورب الكعبة وأمر غلامه فاتبعه فصاح به أبو الوضاح يا كذا وكذا لا أراك تتبع هذه المرأة منذ اليوم وأومأ إليه بنعله فولى العبد مدبرا وأدخله أبو الوضاح منزله ولما طال على السجان الأمر نادى الكميت فلم يجبه فدخل ليعرف خبره فصاحت به المرأة وراءك لا أم لك فشق ثوبه ومضى صارخا إلى باب خالد فأخبره الخبر فأحضر حبى فقال لها يا عدوة الله احتلت على أمير المؤمنين وأخرجت عدوه لأمثلن بك ولأصنعن ولأفعلن فاجتمعت بنو أسد إليه وقالوا ما سبيلك على امرأة منا خدعت فخافهم فخلى سبيلها قال وسقط غراب على الحائط فنعب فقال الكميت لأبي وضاح إني لمأخوذ وإن حائطك لساقط فقال سبحان الله هذا ما لا يكون إن شاء الله فقال له لا بد من أن تحولني فخرج به إلى بني علقمة - وكانوا يتشيعون - فأقام فيهم ولم يصبح حتى سقط الحائط الذي سقط عليه الغراب خروجه إلى الشام قال ابن الأعرابي قال المستهل وأقام الكميت مدة متواريا حتى إذا أيقن أن الطلب قد خف عنه خرج ليلا في جماعة من بني أسد على خوف ووجل وفيمن معه صاعد غلامه قال وأخذ الطريق على القطقطانة - وكان عالما بالنجوم مهتديا بها - فلما صار سحير صاح بنا هوموا يا فتيان فهومنا وقام يصلي قال المستهل فرأيت شخصا فتضعضعت له فقال مالك قلت أرى شيئا مقبلا فنظر إليه فقال هذا ذئب قد جاء يستطعمكم فجاء الذئب فربض ناحية فأطعمناه يد جزور فتعرقها ثم أهوينا له بإناء فيه ماء فشرب منه وارتحلنا فجعل الذئب يعوي فقال الكميت ما له ويله ألم نطعمه ونسقه وما أعرفني بما يريد هو يعلمنا أنا لسنا على الطريق تيامنوا يا فتيان فتيامنا فسكن عواؤه فلم نزل نسير حتى جئنا الشام فتوارى في بني أسد وبني تميم وأرسل إلى أشراف قريش - وكان سيدهم يومئذ عنبسة بن سعيد بن العاص - فمشت رجالات قريش بعضها إلى بعض وأتوا عنبسة فقالوا يا أبا خالد هذه مكرمة قد أتاك الله بها هذا الكميت بن زيد لسان مضر وكان أمير المؤمنين كتب في قتله فنجا حتى تخلص إليك وإلينا قال فمروه أن يعوذ بقبر معاوية ابن هشام بدير حنيناء فمضى الكميت فضرب فسطاطه عند قبره ومضى عنبسة فأتى مسلمة بن هشام فقال له يا أبا شاكر مكرمة أتيتك بها تبلغ الثريا إن اعتقدتها فإن علمت أنك تفي بها وإلا كتمتها قال وما هي فأخبره الخبر وقال إنه قد مدحكم عامة وإياك خاصة بما لم يسمع بمثله فقال علي خلاصه فدخل على أبيه هشام وهو عند أمه في غير وقت دخول فقال هشام أجئت لحاجة قال نعم قال هي مقضية إلا أن يكون الكميت فقال ما أحب أن تستثني علي في حاجتي وما أنا والكميت فقالت أمه والله لتقضين حاجته كائنة ما كانت قال قد قضيتها ولو أحاطت بما بين قطريها قال هي الكميت يا أمير المؤمنين وهو آمن بأمان الله عز و جل وأماني وهو شاعر مضر وقد قال فينا قولا لم يقل مثله قال قد أمنته وأجزت أمانك له فاجلس له مجلسا ينشدك فيه ما قال فينا مدائحه في بني أمية فعقد له وعنده الأبرش الكلبي فتكلم بخطبة ارتجلها ما سمع بمثلها قط وامتدحه بقصيدته الرائية ويقال إنه قالها ارتجالا وهي قوله ( قِفْ بالديار وقوفَ زائرْ ... ) فمضى فيها حتى انتهى إلى قوله ( ماذا عليك مِنَ الوُقُوف ... ِ بها وأنكَ غَيْرُ صاغِرْ ) ( دَرَجَتْ عليها الغاديات ... ُ الرَّائحاتُ مِنَ الأعاصر ) وفيها يقول ( فالآن صِرْتُ إلى أُميَّة ... َ والأُمورُ إلى المَصايِرْ ) وجعل هشام يغمز مسلمة بقضيب في يده فيقول اسمع اسمع ثم استأذنه في مرثية ابنه معاوية فأذن له فأنشده قوله ( سأبْكِيكَ للدُّنيا وللدِّين إنني ... رأيْتُ يدَ المعروفِ بعدك شَلَّتِ ) ( فدامَتْ عليكَ بالسلام تحيةً ... ملائكةُ اللهِ الكرامُ وصلّتِ ) فبكى هشام بكاء شديدا فوثب الحاجب فسكته ثم جاء الكميت إلى منزله آمنا فحشدت له المضرية بالهدايا وأمر له مسلمة بعشرين ألف درهم وأمر له هشام بأربعين ألف درهم وكتب إلى خالد بأمانه وأمان أهل بيته وأنه لا سلطان له عليهم قال وجمعت له بنو أمية بينها مالا كثيرا قال ولم يجمع من قصيدته تلك يومئذ إلا ما حفظه الناس منها فألف وسئل عنها فقال ما أحفظ منها شيئا إنما هو كلام ارتجلته فقال وودع هشاما وأنشده قوله فيه ( ذكر القلبُ إلْفَه المذكورَا ... ) قال محمد بن كناسة وكان الكميت يقول سبقت الناس في هذه القصيدة من أهل الجاهلية والإسلام إلى معنى ما سبقت إليه في صفة الفرس حين أقول ( يَبْحثُ التُّرْبَ عن كواسر في المَشْرب ... لا يُجْشِمُ السُّقاةَ الصَّفِيرا ... ) هذه رواية ابن عمار وقد روى فيه غير هذا سبب المنافرة بين الكميت وخالد وقيل في سبب المنافرة بين خالد والكميت غير هذا نسخته من كتاب محمد بن يحيى الخراز قال حدثني أحمد بن إبراهيم الحاسب قال حدثني عبد الرحمن بن داود بن أبي أمية البلخي قال كان حكيم بن عياش الأعور الكلبي ولعا بهجاء مضر فكانت شعراء مضر تهجوه ويجيبهم وكان الكميت يقول هو والله أشعر منكم قالوا فأجب الرجل قال إن خالد بن عبد الله القسري محسن إلي فلا أقدر أن أرد عليه قالوا فاسمع بأذنك ما يقول في بنات عمك وبنات خالك من الهجاء وأنشدوه ذلك فحمى الكميت لعشيرته فقال المذهبة ( ألاَ حُيِّيتِ عنّا يا مَدِينَا ... ) فأحسن فيها وبلغ خالدا خبرها فقال لا أبالي ما لم يجر لعشيرتي ذكر فأنشدوه قوله ( ومِنْ عَجَبٍ عليَّ لعَمْرُ أمِّ ... غذَتك وغير هاتيّا يمينا ) ( تجاوزت المياهَ بلا دَليل ... ولا عَلَمٍ تعَسُّفَ مخطئينا ) فإنكَ والتحوّل مِنْ مَعَدّ ... كهيلةَ قَبْلَنَا والحالبينا ) ( تخطّت خيرهم حَلَباً ونَسْئاً ... إلى المَوْلَى المغادِر هارِبينا ) ( كعَنْزِ السّوء تنطحُ عالِفيها ... وترميها عِصيُّ الذابحينا ) فبلغ ذلك خالدا فقال فعلها والله لأقتلنه ثم اشترى ثلاثين جارية بأغلى ثمن وتخيرهن نهاية في حسن الوجوه والكمال والأدب فرواهن الهاشميات ودسهن مع نخاس إلى هشام بن عبد الملك فاشتراهن جميعا فلما أنس بهن استنطقهن فرأى فصاحة وأدبا فاستقرأهن القرآن فقرأن واستنشدهن الشعر فأنشدنه قصائد الكيمت الهاشميات فقال ويلكن من قائل هذا الشعر قلن الكميت بن زيد الأسدي قال وفي أي بلد هو قلن في العراق ثم بالكوفة فكتب إلى خالد وهو عامله على العراق ابعث إلي برأس الكميت بن زيد فبعث خالد إلى الكميت في الليل فأخذه وأودعه السجن ولما كان من الغد أقرأ من حضره من مضر كتاب هشام واعتذر إليهم من قتله وآذنهم في إنفاذ الأمر فيه في غد فقال لأبان بن الوليد البجلي - وكان صديقا للكميت - انظر ما ورد في صديقك فقال عز علي والله ما به ثم قام أبان فبعث إلى الكميت فأنذره فوجه إلى امرأته الكميت وهشام بن عبد الملك ثم ذكر الخبر في خروجه ومقامها مكانه كما ذكر من تقدمه وقال فيه فأتى مسملة بن عبد الملك فاستجار به فقال إني أخشى ألا ينفعك جواري عنده ولكن استجر بابنه مسلمة بن هشام فقال كن أنت السفير بيني وبينه في ذلك ففعل مسلمة وقال لابن أخيه قد أتيتك بشرف الدهر واعتقاد الصنيعة في مضر وأخبره الخبر فأجاره مسلمة بن هشام وبلغ ذلك هشاما فدعا به ثم قال أتجير على أمير المؤمنين بغير أمره فقال كلا ولكني انتظرت سكون غضبه قال أحضرنيه الساعة فإنه لا جوار لك فقال مسلمة للكميت يا أبا المستهل إن أمير المؤمنين أمرني بإحضارك قال أتسلمني يا أبا شاكر قال كلا ولكني أحتال لك ثم قال له إن معاوية بن هشام مات قريبا وقد جزع عليه جزعا شديدا فإذا كان من الليل فاضرب رواقك على قبره وأنا أبعث إليك بنيه يكونون معك في الرواق فإذا دعا بك تقدمت إليهم أن يربطوا ثيابهم بثيابك ويقولوا هذا استجار بقبر أبينا ونحن أحق من أجاره فأصبح هشام على عادته متطلعا من قصره إلى القبر فقال من هذا فقالوا لعله مستجير بالقبر فقال يجار من كان إلا الكميت فإنه لا جوار له فقيل فإنه الكميت قال يحضر أعنف إحضار فلما دعي به ربط الصبيان ثيابهم بثيابه فلما نظر هشام إليهم اغرورقت عيناه واستعبر وهم يقولون يا أمير المؤمنين استجار بقبر أبينا وقد مات ومات حظه من الدنيا فاجعله هبة له ولنا ولا تفضحنا فيمن استجار به فبكى هشام حتى انتحب ثم أقبل على الكميت فقال له يا كميت أنت القائل ( وإلاَّ تَقُولوا غيرها تتعرّفوا ... نَواَصِيها تَرْدِي بِنَا وهي شُزَّبُ ) فقال لا والله ولا أتان من أتن الحجاز وحشية فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال أما بعد فإني كنت أتدهدى في غمرة وأعوم في بحر غواية أخنى علي خطلها واستفزني وهلها فتحيرت في الضلالة وتسكعت في الجهالة مهرعا عن الحق جائرا عن القصد أقول الباطل ضلالا وأفوه بالبهتان وبالا وهذا مقام العائذ مبصر الهدى ورافض العمى فاغسل عني يا أمير المؤمنين الحوبة بالتوبة واصفح عن الزلة واعف عن الجرمة ثم قال ( كَمْ قالَ قائُلُكم لَعالكً ... عند عَثْرتِهِ لعاثِرْ ) ( وغَفَرْتُمُ لِذَوِي الذنُوب ... ِ من الأكابرِ والأصاغِرْ ) ( أبني أُميةَ إنُكْم ... أهلُ الوسائل والأوَامِرْ ) ( ثِقَتي لكُلِّ مُلِمَّةٍ ... وعشِيرتي دُونَ العشائرْ ) ( أنْتُمْ مَعَادِنُ للخلافة ... فَةِ كابِراً مِنْ بَعْدِ كابِر ) ( بالتِّسْعَةِ المتتابعين ... خلائفاً وبخيْرِ عاشِرْ ) ( وإلى القيامةِ لا تزال ... ُ لِشافعٍ منكمْ وَوَاتِرْ ) ثم قطع الإنشاد وعاد إلى خطبته فقال إغضاء أمير المؤمنين وسماحته وصباحته ومناط المنتجعين بحبله من لا تحل حبوته لإساءة المذنبين فضلا عن استشاطة غضبه بجهل الجاهلين فقال له ويلك يا كميت من زين لك الغواية ودلاك في العماية قال الذي أخرج أبانا من الجنة وأنساه العهد فلم يجد له عزما فقال إيه أنت القائل ( فيا مُوقداً ناراً لغيرك ضَوْؤها ... ويا حاطِباً في غير حَبْلك تحطِبُ ) فقال بل أنا القائل ( إلى آلِ بَيْتِ أبي مالكٍ ... مناخٌ هو الأرْحَبُ الأسْهَلُ ) ( نَمُتُّ بأرْحامنا الدَّاخِلات ... مِنْ حيْثُ لا يُنْكَرُ المدخَلُ ) ( بِبَرَّةَ والنَّضْر والمالِكين ... َ رَهْط هم الأنبلُ الأنبلُ ) ( وبابْنَى ] خُزَيمة بَدْر السماء ... والشمس مفتاح ما نَأْمُلُ ) ( وجَدْنا قريشاً قريشَ البِطاح ... على ما بَنى الأوّلُ الأوّلُ ) ( بهم صَلُح الناسُ بعد الفساد ... وحِيص من الفَتْق ما رَعْبَلُوا ) قال له وأنت القائل ( لا كعَبْد المَلِيك أو كَوليدْ ... أو سُليمان بَعْدُ أو كهشام ) ( مَنْ يَمُتْ لا يَمُتْ فقِيداً ومن يَحيىْ ... فلا ذُو إلٍّ ولا ذُو ذِمام ) ويلك يا كميت جعلتنا ممن لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة فقال بل أنا القائل يا أمير المؤمنين ( فالآنَ صَرْتُ إلى أُميّة ... والأُمورُ إلى المَصايِرْ ) ( والآنَ صِرْتُ بها المُصِيب ... كمُهْتَدٍ بالأمْسِ حَائِرْ ) ( يَابْنَ العقائل للْعقائِل ... ِ والجحاجحةِ الأخايرْ ) ( مِنْ عَبْد شمسٍ والأكابِر ... مِنْ أُميَّةَ فالأكابِرْ ) ( إنَّ الخلافة والإلافَ ... برَغْمِ ذِي حَسَدٍ ووَاغِرْ ) ( دَلفاً مِنَ الشَّرفِ التَّلِيد ... إليكَ بالرِّفْدِ المُوافِرْ ) ( فحللتَ مُعْتَلجَ البِطاح ... ِ وحلَّ غيرك بالظواهِرْ ) قال له إيه فأنت القائل ( فقُلْ لبني أُميَّةَ حيْثُ حَلُّوا ... وإنْ خِفْتَ المُهَنَّد والقَطِيعا ) ( أجاعَ اللهُ مَنْ أشبعتموه ... وأشبعَ مَنْ بجَوْركمُ أُجِيعَا ) ( بمرْضيِّ السياسةِ هاشميٍّ ... يكونُ حَيّاً لأُمَّتِهِ رَبِيعَا ) فقال لا تثريب يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تمحو عني قولي الكاذب قال بماذا قال بقولي الصادق ( أورثَتْهُ الحصانُ أمُّ هِشامٍ ... حَسَباً ثاقِباً ووَجْهاً نَضِيرا ) ( وتعاطَى به ابنُ عائشةَ البدر ... َ فأمسى له رَقيباً نَظِيرَا ) ( وكساه أبو الخلائف مَرْوَان ... ُ سَنِيَّ المكارِم المأثورَا ) ( لم تجهَّمْ لَهُ البِطاحُ ولكِنْ ... وَجَدَتْها لَهُ مغاراً ودُورا ) وكان هشام متكئا فاستوى جالسا وقال هكذا فليكن الشعر - يقولها لسالم بن عبد الله بن عمر وكان إلى جانبه - ثم قال قد رضيت عنك يا كميت فقبل يده وقال يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تزيد في تشريفي ولا تجعل لخالد علي إمارة قال قد فعلت وكتب له بذلك وأمر له بأربعين ألف درهم وثلاثين ثوبا هشامية وكتب إلى خالد أن يخلي سبيل امرأته ويعطيها عشرين ألفا وثلاثين ثوبا ففعل ذلك الكميت وخالد بن عبد الله وله مع خالد أخبار بعد قدومه الكوفة بالعهد الذي كتب له منها أنه مر به خالد يوما وقد تحدث الناس بعزله عن العراق فلما جاز تمثل الكميت ( أراها - وإن كانت تُحَبُّ - كأنها ... سحابةُ صَيْفٍ عن قليل تَقَشَّعُ ) فسمعه خالد فرجع وقال أما والله لا تنقشع حتى يغشاك منها شؤبوب برد ثم أمر به فجرد فضربه مائة سوط ثم خلى عنه ومضى هذه رواية ابن حبيب ========================= 32. كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني وقد أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا النوفلي علي بن محمد ابن سليمان أبو الحسن قال حدثني أبي قال كان هشام بن عبد الملك قد اتهم خالد بن عبد الله - وكان يقال إنه يريد خلعك - فوجد بباب هشام يوما رقعة فيها شعر فدخل بها على هشام فقرئت عليه وهي ( تألَّقَ بَرْقٌ عندنا وتقابَلَتْ ... أَثَافٍ لِقدْرِ الحَرْبِ أخْشَى اقْتِبالَها ) ( فدونَك قِدْرَ الحرْبِ وهي مُقِرَّةٌ ... لكفَّيك واجعل دُونَ قِدْرٍ جِعالها ) ( ولن تنتهي أو يبلغ الأمْرَ حَدَّه ... فنَلْهَا برِسْل قبل ألاَّ تنالَها ) ( فتجْشَم منها ما جَشَمْتَ مِنَ التي ... بسُوراء هرَّت نحو حالكَ حالها ) ( تلافَ أمورَ الناسِ قبل تفاقُمٍ ... بعَقْدَةِ حَزْم لا تَخافُ انحلاَلَها ) ( فما أبرم الأقوامُ يَوْماً لِحيلةٍ ... مِنَ الأمر إلاّ قلَّدُوكِ احتيالها ) ( وقد تُخبِرُ الحَرْبُ العَوانُ بسرِّها ... - وإنْ لم تُبحْ - مَنْ لا يُرِيدُ سؤالَها ) فأمر هشام أن يجمع له من بحضرته من الرواة فجمعوا فأمر بالأبيات فقرئت عليهم فقال شعر من تشبه هذه الأبيات فأجمعوا جميعا من ساعتهم أنه كلام الكميت بن زيد الأسدي فقال هشام نعم هذا الكميت ينذرني بخالد بن عبد الله ثم كتب إلى خالد بخبره وكتب إليه بالأبيات وخالد يومئذ بواسط فكتب خالد إلى واليه بالكوفة يأمره بأخذ الكميت وحبسه وقال لأصحابه إنه بلغني أن هذا يمدح بني هاشم ويهجو بني أمية فأتوني من شعره هذا بشيء فأتي بقصيدته اللامية التي أولها ( أَلاَ هَلْ عَمٍ في رَأْيِهِ مُتأمِّلُ ... وهل مُدْبِرٌ بعد الإِساءةِ مُقْبِلُ ! ) فكتبها وأدرجها في كتاب إلى هشام يقول هذا شعر الكميت فإن كان قد صدق في هذا فقد صدق في ذاك فلما قرئت على هشام اغتاظ فلما قال ( فيا ساسةً هاتوا لنا مِنْ جوابكم ... ففيكم لعَمْري ذُو أفانين مِقْوَلُ ) اشتد غيظه فكتب إلى خالد يأمره أن يقطع يدي الكميت ورجليه ويضرب عنقه ويهدم داره ويصلبه على ترابها فلما قرأ خالد الكتاب كره أن يستفسد عشيرته وأعلن الأمر رجاء أن يتخلص الكميت فقال لقد كتب إلي أمير المؤمنين وإني لأكره أن أستفسد عشيرته وسماه فعرف عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد ما أراد فأخرج غلاما له مولدا ظريفا فأعطاه بغلة له شقراء فارهة من بغال الخليفة وقال إن أنت وردت الكوفة فأنذرت الكميت لعله أن يتخلص من الحبس فأنت حر لوجه الله والبغلة لك ولك علي بعد ذلك إكرامك والإحسان إليك فركب البغلة وسار بقية يومه وليلته من واسط إلى الكوفة فصبحها فدخل الحبس متنكرا فخبر الكميت بالقصة فأرسل إلى امرأته وهي ابنة عمه يأمرها أن تجيئه ومعها ثياب من لباسها وخفان ففعلت فقال ألبسيني لبسة النساء ففعلت ثم قالت له أقبل فأقبل وأدبر فأدبر فقالت ما أرى إلا يبسا في منكبيك اذهب في حفظ الله فخرج فمر بالسجان فظن أنه المرأة فلم يعرض له فنجا وأنشأ يقول ( خرجتُ خروجَ القِدْح قِدْحِ ابن مُقْبِل ... على الرّغْم من تلك النوابِح والمُشْلِي ) ( عليَّ ثيابُ الغانيات وتحتَها ... عزيمةُ أمرٍ أشبَهَتْ سَلَّةَ النَّصْلِ ) وورد كتاب خالد على والي الكوفة يأمره فيه بما كتب به إليه هشام فأرسل إلى الكميت ليؤتى به من الحبس فينفذ فيه أمر خالد فدنا من باب البيت فكلمتهم المرأة وخبرتهم أنها في البيت وأن الكميت قد خرج فكتب بذلك إلى خالد فأجابه حرة كريمة آست ابن عمها بنفسها وأمر بتخليتها فبلغ الخبر الأعور الكلبي بالشام فقال قصديته التي يرمي فيها امرأة الكميت بأهل الحبس ويقول أسودين وأحمرينا فهاج الكميت ذلك حتى قال ( ألاَ حُيّيتِ عنّا يا مَدِينا ... ) وهي ثلاثمائة بيت لم يترك فيها حيا من أحياء اليمن إلا هجاهم وتوارى وطلب فمضى إلى الشام فقال شعره الذي يقول فيه ( قِفْ بالدِّيار وقوفَ زائرْ ... ) في مسلمة بن عبد الملك ويقول ( يا مَسْلَمُ ابْنَ أبي الوليد ... ِ لميّتٍ إنْ شئتَ ناشِرْ ) ( اليومَ صرتُ إلى أُميةّ ... والأمورُ إلى المصايِرْ ) قال أبو الحسن قال أبي إنما أراد اليوم صرت إلى أمية والأمور إلى مصايرها أي بني هاشم وبذلك احتج ابنه المستهل على أبي العباس حين عيره بقول أبيه هذا الشعر فأذن له ليلا فسأله أن يجيره على هشام فقال إني قد أجرت على أمير المؤمنين فأخفر جواري وقبيح برجل مثلي أن يخفر في كل يوم ولكني أدلك فاستجر بمسلمة بن هشام وبأمه أم الحكم بنت يحيى بن الحكم فإن أمير المؤمنين قد رشحه لولاية العهد فقال الكميت بئس الرأي أضيع دمي بين صبي وامرأة فهل غير هذا قال نعم مات معاوية ابن أمير المؤمنين وكان يحبه وقد جعل أمير المؤمنين على نفسه أن يزور قبره في كل أسبوع يوما - وسمى يوما بعينه - وهو يزوره في ذلك اليوم فامض فاضرب بناءك عند قبره واستجر به فإني سأحضر معه وأكلمه بأكثر من الجوار ففعل ذلك الكميت في اليوم الذي يأتيه فيه أبوه فجاء هشام ومعه مسلمة فنظر إلى البناء فقال لبعض أعوانه انظر ما هذا فرجع فقال الكميت بن زيد مستجير بقبر معاوية ابن أمير المؤمنين فأمر بقتله فكلمه مسلمة وقال يا أمير المؤمنين إن إخفار الأموات عار على الأحياء فلم يزل يعظم عليه الأمر حتى أجاره فحدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا حجر بن عبد الجبار قال خرجت الجعفرية على خالد بن عبد الله القسري وهو يخطب على المنبر وهو لا يعلم بهم فخرجوا في التبابين ينادون لبيك جعفر لبيك جعفر وعرف خالد خبرهم وهو يخطب على المنبر فدهش فلم يعلم ما يقول فزعا فقال أطعموني ماء ثم خرج الناس إليهم فأخذوا فجعل يجيء بهم إلى المسجد ويؤخذ طن قصب فيطلى بالنفط ويقال للرجل احتضنه ويضرب حتى يفعل ثم يحرق فحرقهم جميعا فلما قدم يوسف بن عمر دخل عليه الكميت وقد مدحه بعد قتله زيد بن علي فأنشده قوله فيه ( خرجْتَ لهم تَمْشِي البَرَاح ولم تكُنْ ... كمَنْ حِصْنُه فيه الرِّتَاجُ المضبَّبُ ) ( وما خالدٌ يستَطْعِمُ الماءَ فاغِراً ... بِعِدْلِكَ والدّاعِي إلى الموت ينعَب ) موت الكميت قال والجند قيام على رأس يوسف بن عمر وهم يمانية فتعصبوا لخالد فوضعوا ذباب سيوفهم في بطن الكميت فوجئوه بها وقالوا أتنشد الأمير ولم تستأمره فلم يزل ينزفه الدم حتى مات وأخبرني عمي قال حدثنا يعقوب بن إسرائيل قال حدثنا إبراهيم بن عبداللهً الطلحي عن محمد بن سلمة بن أرتبيل قال لما دخل الكميت بن زيد على هشام سلم ثم قال يا أمير المؤمنين غائب آب ومذنب تاب محا بالإنابة ذنبه وبالصدق كذبه والتوبة تذهب الحوبة ومثلك حلم عن ذي الجريمة وصفح عن ذي الريبة فقال له هشام ما الذي نجاك من القسري قال صدق النية في التوبة قال ومن سن لك الغي وأورطك فيه قال الذي أغوى آدم فنسي ولم يجد له عزما فإن رأيت يا أمير المؤمنين فدتك نفسي إن تأذن لي بمحو الباطل بالحق بالاستماع لما قلته فأنشده ( ذَكَر القلبُ إلْفَهُ المذكورا ... وتلافَى مِنَ الشباب أخِيرا ) حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني أحمد بن بكير الأسدي قال حدثني محمد بن أنس قال حدثني محمد بن سهل الأسدي قال دخل المستهل بن الكميت على عبد الصمد بن علي فقال له من أنت فأخبره فقال لا حياك الله ولا حيا أباك وهو الذي يقول ( فالآن صرتُ إلى أُميةّ ... َ والأمورُ إلى المصايِرْ ) قال فأطرقت استحياء مما قال وعرفت البيت قال ثم قال لي ارفع رأسك فلئن كان قال هذا فلقد قال ( بخاتمكم كرهاً تجوزُ أُمورُهم ... فلم أرَ غَصْباً مِثْله حين يُغْصَبُ ) قال فسلى بعض ما كان بي وحادثني ساعة ثم قال ما يعجبك من النساء يا مستهل قلت ( غَرّاء تَسْحَبُ مِنْ قيامٍ فَرْعَها ... جَثْلاُ يُزَيِّنه سَوادٌ أسْحَمُ ) ( فكأنها فيه نَهارٌ مُشْرِقٌ ... وكأنَّهُ ليلٌ عَلَيْها مُظْلِمُ ) قال يا بني هذه لا تصاب إلا في الفردوس وأمر له بجائزة أخبرني عمي قال حدثنا يعقوب بن إسرائيل قال حدثني إبراهيم بن عبد الله الخصاف الطلحي عن محمد بن أنس السلامي قال كان هشام بن عبد الملك مشغوفا بجارية له يقال لها صدوف مدنية اشتريت له بمال جزيل فعتب عليها ذات يوم في شيء وهجرها وحلف ألا يبدأها بكلام فدخل عليه الكميت وهو مغموم بذلك فقال مالي أراك مغموما يا أمير المؤمنين لا غمك الله فأخبره هشام بالقصة فأطرق الكميت ساعة ثم أنشأ يقول ( أعتبْت أمْ عَتَبَتْ عَلَيْكَ صَدُوفُ ... وعِتابُ مَثْلك مِثلَها تَشريفُ ) ( لا تقعُدَنَّ تَلُومُ نفسَك دَائباً ... فيها وأنتَ بحُبِّها مشغوفُ ) ( إنَّ الصريمةَ لا يقومُ بثِقْلها ... إلاَّ القوِيُّ بها وأنْتَ ضَعيفُ ) فقال هشام صدقت والله ونهض من مجلسه فدخل إليها ونهضت إليه فاعتنقته وانصرف الكميت فبعث إليه هشام بألف دينار وبعثت إليه بمثلها قال الطلحي أخبرني حبيش بن الكميت أخو المستهل بن الكميت بن زيد قال الكميت ويزيد بن عبد الملك وفد الكميت بن زيد على يزيد بن عبد الملك فدخل عليه يوما وقد اشتريت له سلامة القس فأدخلها إليه والكميت حاضر فقال له يا أبا المستهل هذه جارية تباع أفترى أن نبتاعها قال إي والله يا أمير المؤمنين وما أرى أن لها مثلا في الدنيا فلا تفوتنك قال فصفها لي في شعر حتى أقبل رأيك فقال الكميت ( هي شمسُ النهار في الحُسْنِ إلاّ ... أنها فُضِّلت بِقَتْلِ الظِّرافِ ) ( غَضّةٌ بَضَّةٌ رَخيم لَعُوبٌ ... وَعْثَةٌ المتن شًخْتة الأطراف ) ( زانها دَلُّها وثَغْرٌ نَقِيُّ ... وحَدِيثٌ مُرَتّل غَيْر جَافِي ) ( خُلِقَتْ فَوْقَ مُنْيَةِ المتمنّي ... فأقْبَلِ النُّصحَ يابْنَ عَبْدِ مَنَافِ ) فضحك يزيد وقال قد قبلنا نصحك يا أبا المستهل وأمر له بجائزة سنية أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال أخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة قال مر الفرزدق بالكميت وهو ينشد - والكميت يومئذ صبي - فقال له الفرزدق يا غلام أيسرك أني أبوك فقال لا ولكن يسرني أن تكون أمي فحصر الفرزدق فأقبل على جلسائه وقال ما مر بي مثل هذا قط أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني بن عقدة قال أخبرنا علي بن محمد الحسيني قال حدثنا جعفر بن محمد بن عيسى الحمال قال حدثنا مصبح بن الهلقام قال حدثنا محمد بن سهل صاحب الكميت قال دخلت مع الكميت على أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام فقال له جعلت فداك ألا أنشدك قال إنها أيام عظام قال إنها فيكم قال هات - وبعث أبو عبد الله إلى بعض أهله فقرب - فأنشده فكثر البكاء حين أتى على هذا البيت ( يُصيبُ به الرّامون عن قَوْسِ غيرِهم ... فيا آخراً سَدَّى له الغَيَّ أوّلُ ) فرفع أبو عبد الله - عليه السلام - يديه فقال اللهم اغفر للكميت ما قدم وما أخر وما أسر وما أعلن وأعطه حتى يرضى أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال قال محمد بن كناسة حدثني صاعد مولى الكميت قال دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي - عليهما السلام - فأنشده الكميت قصيدته التي أولها ( مَنْ لقَلْبٍ متيَّم مُسْتهامِ ... ) فقال اللهم اغفر للكميت اللهم اغفر للكميت قال ودخلنا يوما على أبي جعفر محمد بن علي فأعطانا ألف دينار وكسوة فقال له الكميت والله ما أحببتكم للدنيا ولو أردت الدنيا لأتيت من هي في يديه ولكني أحببتكم للآخرة فأما الثياب التي أصابت أجسامكم فأنا أقبلها لبركاتها وأما المال فلا أقبله فرده وقبل الثياب قال ودخلنا على فاطمة بنت الحسين - عليهما السلام - فقالت هذا شاعرنا أهل البيت وجاءت بقدح فيه سويق فحركته بيدها وسقت الكميت فشربه ثم أمرت له بثلاثين دينارا ومركب فهملت عيناه وقال لا والله لا أقبلها إني لم أحبكم للدنيا أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال أخبرني عمي عن عبيد الله بن محمد بن حبيب عن ابن كناسة قال لما جاءت المسودة سخروا بالمستهل بن الكميت وحملوا عليه حملا ثقيلا وضربوه فمر ببني أسد فقال أترضون أن يفعل بي هذا الفعل قالوا له هؤلاء الذين يقول أبوك فيهم ( والمُصيبون بابَ ما أخطأ النَّاس ... ومُرْسُو قواعِد الإسلام ) قد أصابوا فيك فلا نكذب أباك قال ودخل المستهل على أبي مسلم فقال له أبوك الذي كفر بعد إسلامه فقال كيف وهو الذي يقول ( بخاتمكم كرْهاً تجوزُ أمُورهم ... فلم أر غَصْباً مِثْلَه حين يُغْصَبُ ) فأطرق أبو مسلم مستحييا منه أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال حدثنا الحسن بن بشر السعدي قال أخذ العسس المستهل بن الكميت في أيام أبي جعفر وكان الأمر صعبا فحبس فكتب إلى أبي جعفر يشكو حاله وكتب في آخر الرقعة ( لئِنْ نحن خِفْنا في زمانِ عدّوكم ... وخِفْناكُمُ إنَّ البلاء لراكِدُ ) فلما قرأها أبو جعفر قال صدق المستهل وأمر بتخليته حدثني علي بن محمد بن علي إمام مسجد الكوفة قال أخبرنا إسماعيل ابن علي الخزاعي - ابن أخي دعبل - قال حدثني عمي دعبل بن علي قال رأيت النبي في النوم فقال فقال لي مالك وللكميت بن زيد فقلت يا رسول الله ما بيني وبينه إلا كما بين الشعراء فقال لا تفعل أليس هو القائل ( فلا زلتُ فيهم حيثُ يتّهمونَنِي ... ولا زِلْتُ في أشْياعِهم أتقلَّبُ ) فإن الله قد غفر له بهذا البيت قال فانتهيت عن الكميت بعدها حدثني علي بن محمد قال حدثني إسماعيل بن علي قال حدثني إبراهيم بن سعد الأسدي قال سمعت أبي يقول رأيت رسول الله في المنام فقال من أي الناس أنت قلت من العرب قال أعلم فمن أي العرب قلت من بني أسد قال من أسد بن خزيمة قلت نعم قال لي أهلالي أنت قلت نعم قال أتعرف الكميت بن زيد قلت يا رسول الله عمي ومن قبيلتي قال أتحفظ من شعره شيئا قلت نعم قال أنشدني ( طرِبْتُ وما شوقاً إلى البيضِ أطرَبُ ... ) قال فأنشدته حتى بلغت إلى قوله ( فما لِيَ إلاَّ آلَ أحمدَ شِيعةً ... وما ليَ إلاَّ مشْعَب الحقِّ مَشْعَبُ ) فقال لي إذا أصبحت فاقرأ عليه السلام وقل له قد غفر الله لك بهذه القصيدة وجدت في كتاب بخط المرهبي الكوفي حدثني سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخراز قال حدثني نصر بن مزاحم المنقري أنه رأى النبي في النوم وبين يديه رجل ينشده ( من لِقلْبِ مُتَيَّمٍ مُسْتَهامِ ... ) قال فسألت عنه فقيل لي هذا الكميت بن زيد الأسدي قال فجعل النبي يقول له جزاك الله خيرا وأثنى عليه أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني أحمد بن بكير الأسدي قال حدثني محمد بن أنس السلامي قال حدثني محمد بن سهل راوية الكميت قال الكميت والفرزدق جاء الكميت إلى الفرزدق لما قدم الكوفة فقال له إني قد قلت شيئا فاسمعه مني يا أبا فراس قال هاته فأنشده قوله ( طرِبْتُ وما شوقاً إلى البيضِ أطربُ ... ولا لَعِباً مني وذو الشيبِ يَلْعَبُ ) ( ولكِنْ إلى أهل الفضائلِ والنُّهَى ... وخَيْر بني حَوَّاء والخَيْرُ يُطْلَبُ ) فقال له قد طربت إلى شيء ما طرب إليه أحد قبلك فأما نحن فما نطرب ولا طرب من كان قبلنا إلا إلى ما تركت أنت الطرب إليه أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا محمد بن علي النوفلي قال سمعت أبي يقول لما قال الكميت بن زيد الشعر كان أول ما قال الهاشميات فسترها ثم أتى الفرزدق بن غالب فقال له يا أبا فراس إنك شيخ مضر وشاعرها وأنا ابن أخيك الكميت بن زيد الأسدي قال له صدقت أنت ابن أخي فما حاجتك قال نفث على لساني فقلت شعرا فأحببت أن أعرضه عليك فإن كان حسنا أمرتني بإذاعته وإن كان قبيحاً أمرتني بستره وكنت أولى من ستره علي فقال له الفرزدق أما عقلك فحسن وإني لأرجو أن يكون شعرك على قدر عقلك فأنشدني ما قلت فأنشده ( طربْتُ وما شوقاً إلى البيض أطرَبُ ... ) قال فقال لي فيم تطرب يابن أخي فقال ( ولا لعِباً مني وذو الشيب يَلْعب ... ) فقال بلى يابن أخي فالعب فإنك في أوان اللعب فقال ( ولم يُلْهِني دَارٌ ولا رسْم منزلٍ ... ولم يَتَطَرَّبْنِي بَنانٌ مخضَّب ) فقال ما يطربك يا بن أخي فقال ( ولا السانحاتُ البارِحاتُ عشيةً ... أمَرَّ سلِيمُ القَرْنِ أمْ مَرَّ أعْضَبُ ) فقال أجل لا تتطير فقال ( ولكِنْ إلى أهل الفضائلِ والنُّهَى ... وخَيْر بني حَوَّاء والخَيْرُ يُطْلَبُ ) فقال ومن هؤلاء ويحك فقال ( إلى النَّفَر البيضِ الَّذينَ بِحُبِّهم ... إلى اللهِ فيما نَابَنِي أتَقَرَّب ) قال أرحني ويحك من هؤلاء قال ( بَنِي هاشمٍ رَهْطِ النبيِّ فإنني ... بهم ولَهُمْ أرضَى مِرَاراً وأغْضَبُ ) ( خَفَضْتُ لهم مِنّي جَنَاحَيْ مَوَدّةٍ ... إلى كَنَفٍ عِطْفَاهُ أهلٌ ومَرْحَبُ ) ( وكنتُ لهم مِنْ هؤلاء وهؤُلا ... مُحبّاً على أني أذَمُّ وأقْصَب ) ( وأُرْمَى وأرْمِي بالعَدَاوَةْ أهْلَها ... وإني لأُوذَى فِيهمُ وأُؤنّب ) فقال له الفرزدق يا بن أخي أذع ثم أذع فأنت والله أشعر من مضى وأشعر من بقي أخبرني الحسن قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني أحمد بن بكير قال حدثني محمد بن أنس قال حدثني محمد بن سهل راوية الكميت عن الكميت قال لما قدم ذو الرمة أتيته فقلت له إني قلت قصيدة عارضت بها قصيدتك ( ما بال عيْنِك منها الماءُ ينسكب ... ) فقال لي وأي شيء قلت قال قلت ( هل أنتَ عن طَلَب الأيْفَاعِ مُنْقَلِبُ ... أم كيف يحسنُ مِنْ ذي الشَّيْبَةِ اللَّعِبُ ) حتى أنشدته إياها فقال لي ويحك إنك لتقول قولا ما يقدر إنسان أن يقول لك أصبت ولا أخطأت وذلك أنك تصف الشيء فلا تجيء به ولا تقع بعيدا منه بل تقع قريبا قلت له أو تدري لم ذلك قال لا قلت لأنك تصف شيئا رأيته بعينك وأنا أصف شيئا وصف لي وليست المعاينة كالوصف قال فسكت أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا يعقوب بن إسرائيل قال حدثني إسماعيل بن عبد الله الطلحي عن محمد بن سلمة بن أرتبيل عن حماد الراوية قال كانت للكميت جدتان أدركتا الجاهلية فكانتا تصفان له البادية وأمورها وتخبرانه بأخبار الناس في الجاهلية فإذا شك في شعر أو خبر عرضه عليهما فيخبرانه عنه فمن هناك كان علمه أخبرني الحسن بن القاسم البجلي الكوفي قال حدثنا علي بن إبراهيم ابن المعلى قال حدثنا محمد بن فضيل - يعني الصيرفي - عن أبي بكر الحضرمي قال استأذنت للكميت على أبي جعفر محمد بن علي - عليهما السلام - في أيام التشريق بمنى فأذن له فقال له الكميت جعلت فداك إني قلت فيكم شعرا أحب أن أنشدكه فقال يا كميت اذكر الله في هذه الأيام المعلومات وفي هذه الأيام المعدودات فأعاد عليه الكميت القول فرق له أبو جعفر عليه السلام فقال هات فأنشده قصيدته حتى بلغ ( يُصِيب به الرَّامُون عن قَوْسِ غيرهمْ ... فيا آخراً سَدَّى له الغَيَّ أوَّلُ ) فرفع أبو جعفر يديه إلى السماء وقال اللهم اغفر للكميت أخبرني جعفر بن محمد بن مروان الغزال الكوفي قال حدثني أبي قال حدثنا أرطأة بن حبيب عن فضيل الرسان عن ورد بن زيد أخي الكميت قال أرسلني الكميت إلى أبي جعفر فقلت له إن الكميت أرسلني إليك وقد صنع بنفسه ما صنع فتأذن له أن يمدح بني أمية قال نعم هو في حل فليقل ما شاء أخبرني محمد بن العباس قال أخبرني عمي عن عبيد الله بن محمد بن حبيب عن ابن كناسة قال مات ورد أخو الكميت فقيل للكميت ألا ترثي أخاك فقال مرثيته ومرزيته عندي سواء وإني لا أطيق أن أرثيه جزعا عليه الكميت وروايته للحديث والتفسير وقد روى الكميت بن زيد الحديث وروي عنه أخبرني جعفر بن محمد بن عبيد بن عتبة في كتابه إلي قال حدثني الحسين بن محمد بن علي الأزدي قال حدثني الوليد بن صالح قال حدثني محمد بن سعيد بن عمير الصيداوي عن أبيه عن الكميت بن زيد قال حدثني عكرمة أن عبد الله بن عباس بعثه مع الحسين بن علي - عليهما السلام - فجعل يهل حتى رمى جمرة العقبة أو حين رمى جمرة العقبة فسألته عن ذلك فأخبرني أن أباه فعله فحدثت به ابن عباس فقال لي لا أم لك أتسألني عن شيء أخبرك به الحسين بن علي عن أبيه والله إنها لسنة أخبرنا أبو الحسن بن سراج الجاحظ قال حدثنا مسروق بن عبد الرحمن أبو صالح عن الحسن بن محمد بن أعين عن حفص بن محمد الأسدي قال حدثنا الكميت بن زيد عن مذكور مولى زينب عن زينب قالت دخل علي النبي وأنا فضل قالت فقلت بيدي هكذا - واستترت - قالت فقال لي إن الله عز و جل زوجنيك حدثني أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال حدثني أحمد بن سراج قال حدثني الحسن بن أيوب الخثعمي قال حدثنا فرات ابن حبيب الأسدي قال حدثني أبي حبيب بن أبي سليمان قال حدثني الكميت بن زيد قال سألت أبا جعفر عن قول الله عز و جل ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) قال دخلت أنا وأبي إلى أبي سعيد الخدري فسأله أبي عنها فقال معاد آخرته الموت أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني إسحاق بن محمد بن أبان قال حدثني محمد بن عبد الله بن مهران قال حدثني ربعي بن عبد الله بن الجارود بن أبي سبرة عن أبيه قال دخل الكميت بن زيد الأسدي على أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام فقال له يا كميت أنت القائل ( فالآن صِرُتُ إلى أُمَيةّ ... والأمورُ إلى المصايِرْ ) قال نعم قد قلت ولا والله ما أردت به إلا الدنيا ولقد عرفت فضلكم قال أما أن قلت ذلك فإن التقية لتحل أخبرني محمد بن القاسم الأنباري قال حدثني أبي قال حدثنا الحسن ابن عبد الرحمن الربعي قال حدثنا أحمد بن بكير الأسدي قال حدثنا محمد بن أنس السلامي الأسدي قال سئل معاذ الهراء من أشعر الناس قال أمن الجاهليين أم من الإسلاميين قال بل من الجاهليين قال امرؤ القيس وزهير وعبيد بن الأبرص قالوا فمن الإسلاميين قال الفرزدق وجرير والأخطل والراعي قال فقيل له يا أبا محمد ما رأيناك ذكرت الكميت فيمن ذكرت قال ذاك أشعر الأولين والآخرين أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال حدثنا العباس بن بكار قال حدثنا أبو بكر الهذلي قال لما خرج زيد بن علي كتب إلى الكميت اخرج معنا يا أعيمش ألست القائل ( ما أُبالي - إذا حُفِظْتَ أبا القاسم ... - فيكم ملامةَ اللوَّامِ ) فكتب إليه الكميت ( تجودُ لكم نفسي بما دُون وَثْبَةٍ ... تظَلُّ لها الغِرْبان حَوْلِي تَحْجِلُ ) أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عن عبيد الله بن محمد بن حبيب عن محمد بن كناسة قال لما أنشد هشام بن عبد الملك قول الكميت ( فَبِهِمْ صرتَ للبعيد ابْنَ عَمٍّ ... واتّهمت القريبَ أيَّ اتّهامِ ) ( مُبْدياً صفحتي على الموقف المُعلم ... بالله قوَّتي واعتصامي ) قال استقتل المرائي الكميت يمدح خالد القسري قال ودخل الكميت على خالد القسري فأنشده قوله فيه ( لو قِيل للجُود مَنْ حَلِيفُكِ ما ... إنْ كان إلاّ إليك ينْتَسِبُ ) ( أنتَ أخوه وأنْتَ صًورَتُهُ ... والرأْسُ منه وغيرُك الذَّنَبُ ) ( أحرَزْتَ فَضْل النِّضالِ في مَهَلٍ ... فَكُلُّ يوْمٍ بِكفّكَ القَصَبُ ) ( لو أنّ كَعْباً وحاتماً نُشِرَا ... كانَا جميعاً مِنْ بَعْضِ ما تَهَبُ ) ( لا تخلِفُ الوَعْدَ إنْ وَعدتَ ولا ... أنتَ عن المعُتَفِين تحتجِبُ ) ( ما دُونَك اليوم من نَوالٍ ولا ... خَلْفَكَ للراغبين مُنْقَلبُ ) فأمر له بمائة ألف درهم قال وحضر المستهل بن الكميت باب عيسى بن موسى - وكان يكرمه - فبلغه أنه قد غلب عليه الشراب فاستخف به وكان آخر من يدخل إلى عيسى بن موسى قوم يقال لهم الراشدون يؤذن لهم في القعود فأدخل المستهل معهم فقال ( ألم تر أنّي لما حضرت ... دُعِيتُ فكنتُ مع الرَّاشِدينا ) ( ففُزْتُ بأحسنِ أسمائهم ... وأقْبَحِ منزلة الدَّاخلينا ) أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال دخل الكميت على مخلد بن يزيد بن المهلب فأنشده ( قاد الجيوشَ لخمسَ عَشْرَةَ حِجَّةً ... ولِدَاتُه عن ذاكَ في أشْغَالِ ) ( قعَدتْ بهم هِمَّاتُهم وسَمْت به ... هِمَمُ الملوكِ وسَوْرَةُ الأبطالِ ) قال وقدام مخلد دراهم يقال لها الرويجة فقال خذ وقرك منها فقال له البغلة بالباب وهي أجلد مني فقال خذ وقرها فأخذ أربعة وعشرين ألف درهم فقيل لأبيه في ذلك فقال لا أرد مكرمة فعلها ابني أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني أبو بكر الأموي قال حدثنا ابن فضيل قال سمعت ابن شبرمة قال قلت للكميت إنك قلت في بني هاشم فأحسنت وقلت في بني أمية أفضل قال إني إذا قلت أحببت أن أحسن وأخبرني الحسن بن علي ومحمد بن عمران الصيرفي قالا حدثنا الحسن ابن عليل العنزي قال حدثنا محمد بن معاوية عن ابن كناسة قال كان الكميت بن زيد طويلا أصم ولم يكن حسن الصوت ولا جيد الإنشاد فكان إذا استنشد أمر ابنه المستهل فأنشد وكان فصيحا حسن الإنشاد سبب هجائه أهل اليمن أخبرني عمي وابن عمار قالا حدثنا يعقوب بن إسرائيل قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله الطلحي عن محمد بن سلمة بن أرتبيل أن سبب هجاء الكميت أهل اليمن أن شاعرا من أهل الشام يقال له حكيم ابن عياش الكلبي كان يهجو علي بن أبي طالب - عليه السلام - وبني هاشم جميعا وكان منقطعا إلى بني أمية فانتدب له الكميت فهجاه وسبه فأجابه ولج الهجاء بينهما وكان الكميت يخاف أن يفتضح في شعره عن علي - عليه السلام - لما وقع بينه وبين هشام وكان يظهر أن هجاءه إياه في العصبية التي بين عدنان وقحطان فكان ولد إسماعيل بن الصباح بن الأشعث بن قيس وولد علقمة بن وائل الحضرمي يروون شعر الكلبي فهجا أهل اليمن جميعا إلا هذين فإنه قال في آل علقمة ( ولولا آلُ عَلْقَمَة اجتَدَعْنا ... بقايا من أُنوفِ مُصَلَّمينا ) وقال في إسماعيل ( فإنّ لإسماعيل حقّا وإننا ... له شاعِبُو الصَّدْع المُقَارِب للشّعْبِ ) وكانت لآل علقمة عنده يد لأن علقمة آواه ليلة خرج إلى الشام وأم إسماعيل من بني أسد فكف عنهما لذلك قال الطلحي قال أبو سلمة حدثني محمد بن سهل قال قال الكلبي ( ما سَرَّني أنّ أُمِّي منْ بني أسدٍ ... وأنّ ربّيَ نَجَّانِي مِنَ النَّارِ ) ( وأنهم زوّجوني من بناتهمُ ... وأنّ لي كل يوم ألف دِينار ) فأجابه الكميت ( يا كلب مالك أُمٌّ من بني أسد ... معروفة فاحترق يا كلبُ بالنار ) ( لكنَّ أُمَّك مِنْ قوم شُنِئْت بهم ... قد قنَّعوك قناعَ الخِزْيِ والعارِ ) قال فقال له الكلبي ( لن يَبْرَحَ اللُّؤْمُ هذا الحيَّ من أسد ... حتى يُفَرَّقَ بين السَّبْتِ والأحدِ ) قال محمد بن أنس حدثني المستهل بن الكميت قال قلت لأبي يا أبت إنك هجوت الكلبي فقلت ( ألا يا سَلْم يا تِرْبي ... أفي أسماء من تِرْب ) وغمزت عليه فيها ففخرت ببني أمية وأنت تشهد عليها بالكفر فألا فخرت بعلي وبني هاشم الذين تتولاهم فقال يا بني أنت تعلم انقطاع الكلبي إلى بني أمية وهم أعداء علي عليه السلام فلو ذكرت عليا لترك ذكري وأقبل على هجائه فأكون قد عرضت عليا له ولا أجد له ناصرا من بني أمية ففخرت عليه ببني أمية وقلت إن نقضها علي قتلوه وإن أمسك عن ذكرهم قتلته غما وغلبته فكان كما قال أمسك الكلبي عن جوابه فغلب عليه وأفحم الكلبي وفي أول هذه القصيدة غناء نسبته صوت ( ألاَ يا سَلْم يا تِرْبِي ... أفي أسماء من تِرْب ) ( ألاَ يا سَلم حُيّيِتِ ... سلِي عنِّي وعن صحبي ) ( ألاَ يا سلم غَنّينا ... وإنْ هَيَّجْتُما حُبِّي ) ( على حادِثة الأيام ... ِ لي نَصْباً من النَّصْبِ ) الغناء لابن سريج ثقيل أول بالبنصر عن عمرو أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال أخبرني أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن إبراهيم بن عبد الله الطلحي قال قال محمد بن سلمة كان الكميت مداحا لأبان بن الوليد البجلي وكان أبان له محبا وإليه محسنا فمدح الكميت الحكم بن الصلت وهو يومئذ يخلف يوسف بن عمر بقصيدته التي أولها ( طربتَ وهاجكَ الشوقُ الحَثِيثُ ... ) فلما أنشده إياها وفرغ دعا الحكم بخازنه ليعطيه الجائزة ثم دعا بأبان بن الوليد فأدخل إليه وهو مكبل بالحديد فطالبه بالمال فالتفت الكميت فرآه فدمعت عيناه وأقبل على الحكم فقال أصلح الله الأمير اجعل جائزتي لأبان واحتسب بها له من هذا النجم فقال له الحكم قد فعلت ردوه إلى السجن فقال له أبان يا أبا المستهل ما حل له علي شيء بعد فقال الكميت للحكم أبي تسخر أصلح الله الأمير فقال الحكم كذب قد حل عليه المال ولو لم يحل لاحتسبنا له مما يحل فقال له حوشب بن يزيد الشيباني - وكان خليفة الحكم - أصلح الله الأمير أتشفع حمار بني أسد في عبد بجيلة فقال له الكميت لئن قلت ذاك فوالله ما فررنا عن آبائنا حتى قتلوا ولا نكحنا حلائل آبائنا بعد أن ماتوا - وكان يقال إن حوشبا فر عن أبيه في بعض الحروب فقتل أبوه ونجا هو ويقال إنه وطىء جارية لأبيه بعد وفاته - فسكت حوشب مفحما خجلا فقال له الحكم ما كان تعرضك للسان الكميت قال وفي حوشب يقول الشاعر ( نَجَّى حُشاشَتَه وأسلم شيْخَه ... لمَّا رأى وَقْعَ الأسِنَّة حَوْشَبُ ) قال الطلحي في هذا الخبر وحدثني إبراهيم بن علي الأسدي قال التقت ريا بنت الكميت بن زيد وفاطمة بنت أبان بن الوليد بمكة وهما حاجتان فتساءلتا حتى تعارفتا فدفعت بنت أبان إلى بنت الكميت خلخالي ذهب كانا عليها فقالت لها بنت الكميت جزاكم الله خيرا يا آل أبان فما تتركون بركم بنا قديما ولا حديثا فقالت لها بنت أبان بل أنتم فجزاكم الله خيرا فإنا أعطيناكم ما يبيد ويفنى وأعطيتمونا من المجد والشرف ما يبقى أبدا ولا يبيد يتناشده الناس في المحافل فيحيي ميت الذكر ويرفع بقية العقب أخبرني عمي وابن عمار قالا حدثنا يعقوب بن نعيم قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن زيد الخصاف الطلحي قال قال محمد بن سلمة بن أرتبيل مولد الكميت وموته ووصيته ولد الكميت أيام مقتل الحسين بن علي سنة ستين ومات في سنة ست وعشرين ومائة في خلافة مروان بن محمد وكان مبلغ شعره حين مات خمسة آلاف ومائتين وتسعة وثمانين بيتا وقال يعقوب بن إسرائيل في رواية عمي خاصة عنه حدثت عن المستهل ابن الكميت أنه قال حضرت أبي عند الموت وهو يجود بنفسه ثم أفاق ففتح عينيه ثم قال اللهم آل محمد اللهم آل محمد اللهم آل محمد - ثلاثا ثم قال لي يا بني وددت أني لم أكن هجوت نساء بني كلب بهذا البيت ( مع العُضْروطِ والعُسَفَاء ألْقَوْا ... بَرَادِعَهُنّ غير مُحَصَّنِينا ) فعممتهن قذفا بالفجور والله ما خرجت بليل قط إلا خشيت أن أرمى بنجوم السماء لذلك ثم قال يا بني إنه بلغني في الروايات أنه يحفر بظهر الكوفة خندق يخرج فيه الموتى من قبورهم وينبشون منها فيحولون إلى قبور غير قبورهم فلا تدفني في الظهر ولكن إذا مت فامض بي إلى موضع يقال له مكران فادفني فيه فدفن في ذلك الموضع وكان أول من دفن فيه وهي مقبرة بني أسد إلى الساعة قال المستهل ومات أبي في خلافة مروان بن محمد سنة ست وعشرين ومائة صوت ( أستعين الذي بكفَّيْهِ نَفْعِي ... ورَجائي على الَّتي قَتَلَتَني ) ( ولقد كنتُ قد عرفْتُ وأبصرت ... أُموراً لَوْ أنَّها نفَعَتْني ) ( قلت إني أهوَى شِفَا ما أُلاقي ... مِن خطوب تتابعت فَدَحَتْني ) عروضه من السريع يقال إن الشعر لعمر والغناء لابن سريج ثقيل أول بالوسطى عن حماد عن أبيه وفيه لحن للهذلي وقيل بل لحن ابن سريج للهذلي ذكر ذلك حبش وقيل بل هو مما نسب من غناء ابن سريج إلى الهذلي خبر ابن سريج مع سكينة بنت الحسين عليهما السلام أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن مصعب الزبيري قال حدثني شيخ من المكيين ووجدت هذا الخبر أيضا في بعض الكتب مرويا عن محمد بن سعد كاتب الواقدي عن مصعب عن شيخ من المكيين والرواية عنهما متفقة قال كان ابن سريج قد أصابته الريح الخبيثة وآلى يمينا ألا يغني ونسك ولزم المسجد الحرام حتى عوفي ثم خرج وفيه بقية من العلة فأتى قبر النبي وموضع مصلاه فلما قدم المدينة نزل على بعض إخوانه من أهل النسك والقراءة فكان أهل الغناء يأتونه مسلمين عليه فلا يأذن لهم في الجلوس والمحادثة فأقام بالمدينة حولا حتى لم يحس من علته بشيء وأراد الشخوص إلى مكة وبلغ ذلك سكينة بنت الحسين فاغتمت اغتماما شديدا وضاق به ذرعها وكان أشعب يخدمها وكانت تأنس بمضاحكته ونوادره وقالت لأشعب ويلك إن ابن سريج شاخص وقد دخل المدينة منذ حول ولم أسمع من غنائه قليلا ولا كثيرا ويعز ذلك علي فكيف الحيلة في الاستماع منه ولو صوتا واحدا فقال لها أشعب جعلت فداك وأنى لك بذلك والرجل اليوم زاهد ولا حيلة فيه فارفعي طمعك والحسي تورك تنفعك حلاوة فمك فأمرت بعض جواريها فوطئن بطنه حتى كادت أن تخرج أمعاؤه وخنقنه حتى كادت نفسه أن تتلف ثم أمرت به فسحب على وجهه حتى أخرج من الدار إخراجا عنيفا فخرج على أسوأ الحالات واغتم أشعب غما شديدا وندم على ممازحتها في وقت لم ينبغ له ذلك فأتى منزل ابن سريج ليلا فطرقه فقيل من هذا فقال أشعب ففتحوا له فرأى على وجهه ولحيته التراب والدم سائلا من أنفه وجبهته على لحيته وثيابه ممزقة وبطنه وصدره وحلقه قد عصرها الدوس والخنق ومات الدم فيها فنظر ابن سريج إلى منظر فظيع هاله وراعه فقال له ما هذا ويحك فقص عليه القصة امتناعه من الذهاب إليها وحيلة أشعب لإرغامه فقال ابن سريج إنا لله وإنا إليه راجعون ماذا نزل بك والحمد لله الذي سلم نفسك لا تعودن إلى هذه أبدا قال أشعب فديتك هي مولاتي ولا بد لي منها ولكن هل لك حيلة في أن تصير إليها وتغنيها فيكون ذلك سببا لرضاها عني قال ابن سريج كلا والله لا يكون ذلك أبدا بعد أن تركته قال أشعب قد قطعت أملي ورفعت رزقي وتركتني حيران بالمدينة لا يقبلني أحد وهي ساخطة علي فالله الله في وأنا أنشدك الله إلا تحملت هذا الإثم في فأبى عليه فلما رأى أشعب أن عزم ابن سريج قد تم على الامتناع قال في نفسه لا حيلة لي وهذا خارج وإن خرج هلكت فصرخ صرخة آذن أهل المدينة لها ونبه الجيران من رقادهم وأقام الناس من فرشهم ثم سكت فلم يدر الناس ما القصة عند خفوت الصوت بعد أن قد راعهم فقال له ابن سريج ويلك ما هذا قال لئن لم تصر معي إليها لأصرخن صرخة أخرى لا يبقى بالمدينة أحد إلا صار بالباب ثم لأفتحنه ولأرينهم ما بي ولأعلمنهم أنك أردت تفعل كذا وكذا بفلان - يعني غلاما كان ابن سريج مشهورا به - فمنعتك وخلصت الغلام من يدك حتى فتح الباب ومضى ففعلت بي هذا غيظا وتأسفا وأنك إنما أظهرت النسك والقراءة لتظفر بحاجتك منه وكان أهل مكة والمدينة يعلمون حاله معه فقال ابن سريج اغرب أخزاك الله قال أشعب والله الذي لا إله إلا هو وإلا فما أملك صدقة وامرأته طالق ثلاثا وهو نحير في مقام إبراهيم والكعبة وبيت النار والقبر قبر أبي رغال إن أنت لم تنهض معي في ليلتي هذه لأفعلن نجاح حيلة أشعب فلما رأى ابن سريج الجد منه قال لصاحبه ويحك أما ترى ما وقعنا فيه وكان صاحبه الذي نزل عنده ناسكا فقال لا أدري ما أقول فيما نزل بنا من هذا الخبيث وتذمم ابن سريج من الرجل صاحب المنزل فقال لأشعب اخرج من منزل الرجل فقال رجلي مع رجلك فخرجا فلما صارا في بعض الطريق قال ابن سريج لأشعب امض عني قال والله لئن لم تفعل ما قلت لأصيحن الساعة حتى يجتمع الناس ولأقولن إنك أخذت مني سوارا من ذهب لسكينة على أن تجيئها فتغنيها سرا وإنك كابرتني عليه وجحدتني وفعلت بي هذا الفعل فوقع ابن سريج فيما حيلة له فيه فقال أمضي لا بارك الله فيك فمضى معه فلما صار إلى باب سكينة قرع الباب فقيل من هذا فقال أشعب قد جاء بابن سريج ففتح الباب لهما ودخلا إلى حجرة خارجة عن دار سكينة فجلسا ساعة ثم أذن لهما فدخلا إلى سكينة فقالت يا عبيد ما هذا الجفاء قال قد علمت بأبي أنت ما كان مني قالت أجل فتحدثا ساعة وقص عليها ما صنع به أشعب فضحكت وقالت لقد أذهب ما كان في قلبي عليه وأمرت لأشعب بعشرين دينارا وكسوة ثم قال لها ابن سريج أتأذنين بأبي أنت قالت وأين قال المنزل قالت برئت من جدي إن برحت داري ثلاثا وبرئت من جدي إن أنت لم تغن إن خرجت من داري شهرا وبرئت من جدي إن أقمت في داري شهرا إن لم أضربك لكل يوم تقيم فيه عشرا وبرئت من جدي إن حنثت في يميني أو شفعت فيك أحدا مجلس غناء بوجود عزة الميلاء فقال عبيد وا سخنة عيناه وا ذهاب دنياه وا فضيحتاه ثم اندفع يغني ( أستعينُ الذي بكفّيْه نفْعِي ... ورَجائي على التي قَتَلَتْنِي ) الصوت المذكور آنفا فقالت له سكينة فهل عندك يا عبيد من صبر ثم أخرجت دملجا من ذهب كان في عضدها وزنه أربعون مثقالا فرمت به إليه ثم قالت أقسمت عليك لما أدخلته في يدك ففعل ذلك ثم قالت لأشعب اذهب إلى عزة فأقرئها مني السلام وأعلمها أن عبيدا عندنا فلتأتنا متفضلة بالزيارة فأتاها أشعب فأعلمها فأسرعت المجيء فتحدثوا باقي ليلتهم ثم أمرت عبيدا وأشعب فخرجا فناما في حجرة مواليها فلما أصبحت هيىء لهم غداؤهم وأذنت لابن سريج فدخل فتغدى قريبا منها مع أشعب ومواليها وقعدت هي مع عزة وخاصة جواريها فلما فرغوا من الغداء قالت يا عز إن رأيت أن تغنينا فافعلي قالت إي وعيشك فتغنت لحنها في شعر عنترة العبسي ( حُيِّيتَ مِنْ طَلَلٍ تقادَمَ عَهْدُهُ ... أقوَى وأقفرَ بعد أمِّ الهَيْثَمِ ) ( إن كنْتِ أزْمعْتِ الفِراقَ فإنما ... زُمَّت رِكابُكُم بلَيْلٍ مُظْلِم ) فقال ابن سريج أحسنت والله يا عزة وأخرجت سكينة الدملج الآخر من يدها فرمته إلى عزة وقالت صيري هذا في يدك ففعلت ثم قالت لعبيد هات غننا فقال حسبك ما سمعت البارحة فقالت لا بد أن تغنينا في كل يوم لحنا فلما رأى ابن سريج أنه لا يقدر على الامتناع مما تسأله غنى ( قالت مَنْ أنْتَ على ذُكْرٍ - فقلت لها ... أنا الذي ساقَهُ للحَيْن مقْدَارُ ) ( قد حانَ منكِ - فلا تَبْعُدْ بك الدار - ... بَيْنٌ وفي البَيْنِ للمَتْبُولِ إضْرَارُ ) ثم قالت لعزة في اليوم الثاني غني فغنت لحنها في شعر الحارث بن خالد - ولابن محرز فيه لحن - ولحن عزة أحسنهما ( وقرَّتْ بها عَيْنِي وقد كنتُ قبْلَها ... كثيرَ البكاءِ مُشْفِقاً مِنْ صُدُودِها ) ( وَبِشْرَة خَوْدٌ مِثْل تمثالِ بيعَةٍ ... تظلُّ النصارَى حوله يَوْمَ عِيدها ) قال ابن سريج والله ما سمعت مثل هذا قط حسنا ولا طيبا ثم قالت لابن سريج هات فاندفع يغني ( أرقتُ فلم أنَمْ طَرَبا ... وبِتّ مُسَهَّداً نَصِبا ) ( لِطَيْفِ أحبِّ خَلْقِ الله ... إنساناً وإنْ غَضِبا ) ( فلم أرددْ مقالَتَها ... ولم أكُ عاتِباً عَتَبا ) ( ولكنْ صرَّمَتْ حَبْلِي ... فأمسّى الحَبْلُ مُنْقَضِيا ) فقالت سكينة قد علمت ما أردت بهذا وقد شفعناك ولم نردك وإنما كانت يميني على ثلاثة أيام فاذهب في حفظ الله وكلاءته ثم قالت لعزة إذا شئت ودعت لها بحلة ولابن سريج بمثلها فانصرفت عزة وأقام ابن سريج حتى انقضت ليلته وانصرف فمضى من وجهه إلى مكة راجعا نسبة الأصوات التي في هذا الخبر منها صوت ( حُيِّيتَ مِنْ طَلَلٍ تقادم عَهْدُه ... أقوَى وأقفر بعد أمِّ الهَيْثَمِ ) الشعر لعنترة بن شداد العبسي والغناء لعزة الميلاء وقد كتب ذلك في أول هذه القصيدة وسائر ما يغنى فيها ومنها صوت ( أرقتُ فلم أنَمْ طَرَبا ... وبِتّ مُسَهَّداً نَصِبا ) ( لِطَيْفِ أحبِّ خَلْقِ الله ... إنساناً وإنْ غَضِبا ) ( إلى نَفْسي وأوْجَهِهم ... وإن أمْسَى قَدِ احتجبا ) ( وصرَّمَ حَبْلنا ظُلْماً ... لبلْغَةِ كاشحٍ كذَبا ) عروضه من الوافر الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر ومنها قوله صوت ( قد حانَ منكِ - فلا تَبْعُدْ بك الدار ... بَيْنٌ وفي البَيْنِ للمَتْبُولِ إضْرَارُ ) ( قالت مَنْ أنْتَ على ذُكْرٍ - فقلت لها ... أنا الذي ساقَنيُ للحَيْن مقْدَارُ ) الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى الوسطى ومنها الصوت الذي أوله ( وقَرَّتْ بها عَيْني وقد كنتُ قبلها ... ) أول قوله صوت ( لبَشْرَةَ أسْرَى الطّيْفُ والخَبْتُ دونَها ... وما بَيْنَنا من حَزْنِ أرْضٍ وبِيدِها ) ( وقرَّتْ بها عَيْنِي وقد كنتُ قبْلها ... كثيراً بُكائي مُشفقاً من صُدودِها ) ( وبِشْرَةُ خَوْدٌ مِثْلُ تمثالِ بِيعَةٍ ... تظلُّ النصارى حَوْلَها يوم عِيدها ) الشعر للحارث بن خالد المخزومي والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى وذكر إسحاق هذه الطريقة في هذا الصوت ولم ينسبها إلى أحد ولابن ! محرز في هذه الأبيات ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى وفيها لعزة الميلاء خفيف رمل وبشرة هذه - التي ذكرها الحارث بن خالد - أمة كانت لعائشة بنت طلحة وكان الحارث يكنى عن ذكر عائشة بها وله فيها أشعار كثيرة منها مما يغني فيه قوله صوت ( يا رَبْعَ بِشْرَةَ بالجَنابِ تَكَلَّمِ ... وأبِنْ لنا خَبَراً ولا تَسْتَعْجِم ) ( ما لِي رأيتُك بعد أهْلِكَ مُوحِشاً ... خَلَقاً كحوض الباقرِ المتهدِّم ) ( تسقِي الضجيعَ إذا النجومُ تغَوَّرَتْ ... طوعُ الضجيع وغاية المتوسِّمِ ) ( قُبُّ البطون أوانِسٌ شِبْهُ الدُّمَى ... يَخْلِطْنَ ذاكَ بعِفَّةٍ وتكرُّمِ ) عروضه من الكامل والشعر للحارث بن خالد والغناء لمعبد ولحنه من خفيف الرمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه أيضا ثقيل أول بالوسطى على مذهب إسحاق في رواية عمرو ومنها صوت ( يا رَبْعَ بشْرة إنْ أضَرَّ بكَ البلى ... فلقد عهدتُك آهِلاً مَعْمُورا ) ( عقَب الرّذاذُ خلافَه فكأنما ... بَسطَ الشَّواطِبُ بينهنّ حَصِيرَا ) غناه ابن سريج رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه لحن لمالك وقيل بل هو لابن محرز وعروضه من الكامل وقوله عقب الرذاذ خلافه يقول جاء الرذاذ بعده ومنه يقال عقب لفلان غنى بعد فقر وعقب الرجل أباه إذا قام بعده مقامه وعواقب الأمور مأخوذة منه واحدتها عاقبة والرذاذ صغار المطر وقوله خلافه أي بعده قال متمم بن نويرة ( وفَقْدِي بَني أُمّ تَدَاعَوْا فلم أكُنْ ... خِلاَفَهُمُ أنْ أستَكِينَ وأضْرَعَا ) أي بعدهم والشواطب النساء اللواتي يشطبن لحاء السعف يعملن منه الحصر ومنه السيف المشطب والشطيبة الشعبة من الشيء ويقال بعثنا إلى فلان شطيبة من خيلنا أي قطعة أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال كانت مغنية تختلف إلى صديق لها فأتته يوما فوجدته مريضا لا حراك به فدعت بالعود وغنت ( يا رَبْعَ بشْرة إنْ أضَرَّ بكَ البلى ... فلقد عهدتُك آهِلاً مَعْمُورا ) ومما يغنى به فيه من هذه الأبيات الرائية صوت ( أعرفتَ أطلاَل الرُّسومِ تنكَّرَتْ ... بَعْدِي وغُيِّر اَيُهُنَّ دُثُورا ) ( وتبدَّلَتْ بَعْدَ الأنيس بأهلها ... عُفْرَ البواقر يَرْتَعِينَ وعُورَا ) ( مِنْ كل مُصْبِيَةِ الحديثِ تَرَى لها ... كَفَلاً كرابيةِ الكثيبِ وَثِيرا ) الأطلال ما شخص من آثار الديار الرسوم البقايا من الديار وهي دون الأطلال وأخفى منها وتنكرت تغيرت والداثر الدارس والعفر الظباء واحدها أعفر والوعور المواضع التي لا أنيس فيها والرابية الأرض المشرفة وهي دون الجبل والكثيب القطعة العالية المرتفعة من الرمل جمعها كثب والوثير التام المرتفع يقال فراش وثير إذا كان مرتفعا عن الأرض لإسحاق الموصلي في البيتين الأولين ثاني ثقيل بالبنصر ولإبراهيم فيهما خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى ولطويس فيهما خفيف ثقيل وقيل إنه ليس له ولابن سريج في الثالث ثم الأول خفيف رمل وقيل بل هو لخليدة المكية وفي البيت الأول والثاني لمالك رمل بالوسطى وقيل الرمل لطويس وخفيف الثقيل لمالك ولمعبد في هذا الصوت لحنان أحدهما ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى والآخر خفيف ثقيل أول ومنها صوت ( يا دَارُ حَسَّرها البِلَى تَحْسِيرا ... وسفَتْ عليها الريحُ بعدك مُورَا ) ( دُقَّ الترابُ بخَيْلِها فمخيِّمٌ ... بِعراصِها ومُسيَّرٌ تَسْيِيرا ) غنى في هذين البيتين ابن مسجح خفيف ثقيل الأول بالسبابة في مجرى الوسطى وللغريض في ( أعرفت أطلال الرسوم ... ) وما بعده ثقيل أول بالبنصر وللغريض أيضا ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى حسرها أذهب معالمها ومنه حسر الرجل عن ذراعه وعن رأسه إذا كشفهما وحسر الصلع شعر الرأس إذا حصه والمور التراب والمخيم المقيم ومنها صوت أوله ( مِنْ كل مُصْبِيَةِ الحديثِ تَرَى لها ... كَفَلاً كرابيةِ الكثيبِ وَثِيرا ) ( يفْتِنّ - لا يألون - كُلَّ مغَفَّلٍ ... يملأْنَهُ بحديثهنّ سُرُورَا ) ومنها صوت ( دَعْ ذا ولكنْ هل رأيت ظعائناً ... قَرَّبن أجمالاً لهُنَّ قُحُورا ) ( قرَّبْنَ كلَّ مُخَيَّسٍ مُتحمّلٍ ... بُزْلاً تشبِّه هَامُهنَّ قبورا ) القحور واحدها قحر وهو المسن والمخيس المحبوس للرحلة والمتحمل معتاد الحمل وفي هذه الأربعة الأبيات الأربعة للغريض اللحن الذي ذكرناه ولابن جامع في ( دَعْ ذا ولكن هل رأيت ظعائنا ... ) والذي بعده ثاني ثقيل بالوسطى ومنها صوت ( إنْ يُمْسِ حَبْلُكِ بعد طُول تواصُلٍ ... خَلَقاً ويصبح بَيْتُكُم مَهْجورا ) ( فلقد أراني - والجديدُ إلى بِلىً - ... زمَناً بِوَصْلِكِ راضياً مَسْرُورا ) ( جَذِلاً بمالِي عندكم لا أبتغي ... للنفس بعدكِ خُلَّةً وعشِيرا ) ( كنتِ الهَوى وأعزَّ من وطِيءَ الحَصَا ... عندي وكنتُ بذاكَ منكِ جديرا ) لإبراهيم الموصلي ويحيى المكي في هذه الأبيات لحنان كلاهما من الثقيل الثاني فلحن إبراهيم بالوسطى ولحن يحيى بالبنصر ولإسحاق فيهما رمل وقيل إن لابن سريج فيهما أيضا لحنا آخر أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني رجل من أهل البصرة قال اشتريت جارية مغنية فأقامت عندي زمنا وهويتني وكرهت أن يراها أهلي فعرضتها للبيع فجزعت وقالت لقد اشتريتني وأنا لك كارهة وإنك لتبيعني وأنا لذلك كارهة فقال أخ لي أرنيها فقلت هي عند فلانة فانظر إليها فأتاها فنظر إليها وأنا حاضر فلما اعترضها وفرغ من ذلك غنت ( إنْ يُمْسِ حَبْلُكِ بعد طُول تواصُلٍ ... خَلَقاً ويصبح بَيْتُكُم مَهْجورا ) ( فلقد أراني - والجديدُ إلى بِلىً - ... زمَناً بِوَصْلِكِ راضياً مَسْرُورا ) ثم بكت وضربت بالعود الأرض فكسرته فخيرتها بين أن أعتقها أو أبيعها ممن شاءت فاختارت البيع وطلبت موضعا ترضاه حتى أصابته فصيرتها إليه أخبرني يحيى بن علي قال حدثني أبو أيوب المدائني قال حدثني إبراهيم بن علي بن هشام قال حدثتني جارية يقال لها طباع - جارية محمد بن سهل بن فرخند - قالت غنيت إسحاق في لحنه ( أعرفت أطلالَ الرسوم تنكرت ... بعدي . . . . ) فأنكر علي في مقاطعة شيئا وقال ممن أخذته فقلت من مخارق فقال لي تعثر الجواد بل هو كما أقول لك ورده علي فهو يقال كما يقول مخارق وكما غيره إسحاق صوت ( أخْشَى على أربدَ الحتُوفَ ولا ... أرهبُ نَوْء السِّماكِ والأسَدِ ) ( فجَّعني الرَّعْدُ والصَّواعِقُ بالْفارس ... ِ يَوْمَ الكرِيهةِ النَّجُدِ ) ( يا عَيْنُ هلاَّ بكَيْتِ أرْبَد إذْ ... قُمنا وقام الخصُومُ في كَبَدِ ) ( إن يَشْغَبُوا لا يُبالِ شَغْبُهُم ... أو يَقًصِدُوا في الخِصام يقْتَصِد ) عروضه من المنسرح النجد البطل ذو النجدة وقال الأصمعي في النجد مثل ذلك وقال النجد - بكسر الجيم - الذي قد عرق جدا والكبد الثبات والقيام الشعر للبيد بن ربيعة والغناء للأبجر رمل بالبنصر عن عمرو بن بانه ولإبراهيم فيها رمل آخر بالوسطى في مجراها عن إسحاق أوله الثالث والرابع ثم الأول والثاني وذكرت بذل أن في الثالث والرابع لحنا لحنين بن محرز خبر لبيد في مرثية أخيه وقد تقدم من خبر لبيد ونسبه ما فيه كفاية يرثي أخاه لأمه أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر بن كلاب وكانت أصابته صاعقة فأحرقته أخبرنا بالسبب في ذلك محمد بن جرير الطبري قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عاصم عن عمرو بن قتادة قال وفد بني عامر بن صعصعة قدم على رسول الله وفد بني عامر بن صعصعة فيهم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس وجبار بن سلمى بن مالك بن جعفر بن كلاب وكان هؤلاء الثلاثة رؤوس القوم وشياطينهم فهم عامر بن الطفيل بالغدر برسول الله وقد قال له قومه يا عامر إن الناس قد أسلموا فأسلم فقال والله لقد كنت آليت ألا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي فأتبع أنا عقب هذا الفتى من قريش ثم قال لأربد إذا أقبلنا على الرجل فإني شاغل عنك وجهه فإذا فعلت ذلك فاعله أنت بالسيف فلما قدموا على رسول الله قال له عامر يا محمد خالني قال لا والله حتى تؤمن بالله وحده قال يا محمد خالني وجعل يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره فجعل أربد لا يحير شيئا فلما رأى عامر ما يصنع أربد قال يا محمد خالني قال لا والله حتى تؤمن بالله وحده لا تشرك به فلما أبى عليه رسول الله قال أما والله لأملأنها عليك خيلا حمرا ورجالا سمرا فلما ولى قال رسول الله اللهم اكفني عامر بن الطفيل فلما خرجوا من عند رسول الله قال عامر لأربد ويلك يا أربد أين ما كنت أوصيتك به والله ما كان على ظهر الأرض رجل هو أخوف عندي على نفسي منك وآيم الله لا أخافك بعد اليوم أبدا قال لا تعجل علي لا أبا لك والله ما هممت بالذي أمرتني به من مرة إلا دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك أفأضربك بالسيف فقال عامر ( بُعِثَ الرسولُ بما تَرَى فكأنما ... عَمْداً أشُدُّ على المَقانِبِ غارَا ) ( ولقد وَرَدْنَ بنا المدينة شُزَّباً ... ولقد قتَلْنَ بجوِّها الأنْصارَا ) موت عامر وخرجوا راجعين إلى بلادهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله على عامر الطاعون في عنقه فقتله الله وإنه لفي بيت امرأة من بني سلول فجعل يقول يا بني عامر أغدة كغدة البكر وموت في بيت امرأة من بني سلول فمات ثم خرج أصحابه حين واروه حتى قدموا أرض بني عامر فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا ما وراءك يا أربد فقال لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الآن فأرميه بنبلي هذه حتى أقتله فخرج بعد مقالته هذه بيوم أو يومين معه جمل له يبيعه فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما وكان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لأمه نسخت من كتاب يحيى بن حازم قال حدثنا علي بن صالح صاحب المصلى قال حدثنا ابن دأب قال وفود لبيد إلى الرسول كان أبو براء عامر بن مالك قد أصابته دبيلة فبعث لبيد بن ربيعة إلى رسول الله وأهدى له رواحل فقدم بها لبيد وأمره أن يستشفيه من وجعه فقال له رسول الله لو قبلت من مشرك لقبلت منه وتناول من الأرض مدرة فتفل عليها ثم أعطاها لبيدا وقال دفها له بماء ثم إسقه إياه وأقام عندهم لبيد يقرأ القرآن وكتب منهم ( الرحمن علم القرآن ) فخرج بها ولقيه أخوه أربد على ليلة من الحي فقال له انزل فنزل فقال يا أخي أخبرني عن هذا الرجل فإنه لم يأته رجل أوثق عندي فيه قولا منك فقال يا أخي ما رأيت مثله وجعل يذكر صدقه وبره وحسن حديثه فقال له هل معك من قوله شيء قال نعم فأخرجها له فقرأها عليه فلما فرغ منها قال له أربد لوددت أني ألقى الرحمن بتلك البرقة فإن لم أضربه بسيفي فعلي وعلي قال ونشأت سحابة وقد خليا عن بعيريهما فخرج أربد يريد البعيرين حتى إذا كان عند تلك البرقة غشيته صاعقة فمات وقدم لبيد على أبي براء فأخبره خبر رسول الله وأمره قال فما فعل فيما استشفيته قال تالله ما رأيت منه شيئا كان أضعف عندي من ذلك وأخبره بالخبر قال فأين هي قال ها هي ذه معي قال هاتها فأخرجها له فدافها ثم شربها فبرأ قال ابن دأب فحدثني حنظلة بن قطرب بن إياد أحد بني أبي بكر بن كلاب قال لما أصاب عامر بن الطفيل ما أصابه بعث بنو عامر لبيدا وقالوا له اقدم لنا على هذا الرجل فاعلم لنا علمه فقدم عليه فأسلم وأصابه وجع هناك شديد من حمى فرجع إلى قومه بفضل تلك الحمى وجاءهم بذكر البعث والجنة والنار فقال سراقة بن عوف بن الأحوص ( لعَمْرُ لبيدٍ إنه لابْنُ أُمِّه ... ولكِنْ أبوه مَسَّهُ قِدَمُ العَهْدِ ) ( دَفَعْنَاك في أرضِ الحجازِ كأنما ... دفعناك فَحْلاً فوقه قَزَعُ اللّبَدِ ) ( فعالجْتَ حُمَّاه وداء ضُلوعِه ... وتَرْنِيقَ عَيْشٍ مَسَّهُ طَرفُ الجَهْدِ ) ( وجئتَ بدِين الصابئين تَشُوبُه ... بألواحِ نَجْدٍ بُعْدَ عَهْدِكَ مِنْ عَهْد ) ( وإنَّ لنا داراً - زعمتَ - ومَرجعاً ... وثمَّ إيابُ القارِظَيْنِ وذِي البُرْدِ ) قال فكان عمر يقول وايم الله إياب القارظين وذي البرد أخبرني عبد العزيز بن أحمد عم أبي وحبيب بن نصر المهلبي وغيرهما قالوا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثتني ظمياء بنت عبد العزيز بن مولة قالت وفود عامر بن الطفيل على الرسول حدثني أبي عن جدي مولة بن كثيف أن عامر بن الطفيل أتى رسول الله فوسده وسادة ثم قال أسلم يا عامر قال على أن لي الوبر ولك المدر فأبى رسول الله فقام عامر مغضبا فولى وقال لأملأنها عليك خيلا جردا ورجالا مردا ولأربطن بكل نخلة فرسا فسألته عائشة من هذا فقال هذا عامر بن الطفيل والذي نفسي بيده لو أسلم فأسلمت بنو عامر معه لزاحموا قريشا على منابرهم قال ثم دعا رسول الله وقال يا فوم إذا دعوت فأمنوا فقال اللهم اهد بني عامر واشغل عني عامر بن الطفيل بما شئت وكيف شئت وأنى شئت فخرج فأخذته غدة مثل غدة البكر فجعل يثب وينزو في السماء ويقول يا موت ابرز لي ويقول غدة مثل غدة البكر وموت في بيت سلولية ومات أخبرني محمد بن الحسن بن دريد إجازة عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال أخبرني أسعد بن عمرو الجعفي قال أخبرني خالد بن قطن الحارثي قال لما مات عامر بن الطفيل خرجت امرأة من بني سلول كأنها نخلة حاسرا وهي تقول ( أنْعَى عامرَ بن الطفيل وأبقى ... وهل يموتُ عامرٌ من حقا ) ( وما أرى عامراً ماتَ حقّاً ! ... ) قال فما رئي يوم أكثر باكيا وباكية وخمش وجوه وشق جيوب من ذلك اليوم وقال أبو عبيدة عن الحرمازي قال لما مات عامر بن الطفيل بعد منصرفه عن النبي نصبت عليه بنو عامر أنصابا ميلا في ميل حمى على قبره لا تنشر فيه ماشية ولا يرعى ولا يسلكه راكب ولا ماش وكان جبار بن سلمى بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب غائبا فلما قدم قال ما هذه الأنصاب قالوا نصبناها حمى لقبر عامر بن الطفيل فقال ضيقتم علي أبي علي إن أبا علي بان من الناس بثلاث كان لا يعطش حتى يعطش الجمل وكان لا يضل حتى يضل النجم وكان لا يجبن حتى يجبن السيل قال أبو عبيدة وقدم عامر على النبي وهو ابن بضع وثمانين سنة لبيد يرثي أخاه ومما رثى به لبيد أخاه أربد قوله ( ألاَ ذهب المُحافِظُ والمُحامِي ... ودَافِعُ ضَيْمِنا يَوْمَ الخِصامِ ) ( وأيقَنْتُ التَّفَرُّقَ يومَ قالوا ... تَقَسَّم مالُ أربدَ بالسِّهامِ ) ( وأرْبَدُ فارِسُ الهَيْجا إذَا ما ... تقعَّرت المشاجِرُ بالفِئام ) وهي طويلة يقول فيها ( فودِّعْ بالسلامِ أبا حُزَيزٍ ... وَقلَّ ودَاعُ أرْبَدَ بالسَّلاَمِ ) قال وكانت كنية أربد أبا حزاز فصغره ضرورة وقال فيه أيضا ( ما إن تَعدّى المنونُ مِنْ أحدِ ... لا والدٍ مُشْفِقٍ ولا ولَدِ ) ( أخْشَى على أرْبَدَ الحتوفَ ولا ... أرهَبُ نَوْء السِّماكِ والأسَدِ ) ( فجَّعني الرَّعْدُ والصَّواعِقُ بالْفارِسِ ... يَوْمَ الكريهةِ النَّجُدِ ) ( الحارب الجابرِ الحَرِيب إذا ... جاء نَكيباً وإن يَعُدْ يَعُدِ ) ( يَعْفُو على الجَهْدِ والسُّؤال كما ... أُنْزِل صَوْبُ الربيع ذي الرَّصَدِ ) ( لم تبلغ العَيْنُ كلَّ نَهْمَتِها ... ليلةَ تُمْسِي الجِيادُ كالقِدَدِ ) ( كلُّ بني حُرَّةٍ مَصِيرهمُ ... قُلٌّ وإن أكثرَتْ من العَدَدِ ) ( إنْ يُغْبطُوا يُهْبَطوا وإن أُمِرُوا ... يوماً يَصيرُوا للهُلْكِ والنَّفَدِ ) ( يا عَيْنُ هلاّ بكيتِ أرْبَد إذ ... قُمْنا وقام الخصومُ في كَبَدِ ) ( يا عَيْنُ هَلاَّ بكيتِ أرْبَد إذ ... ألْوَتْ رياحُ الشتاء بالعَضَدِ ) ( وأصبحَتْ لاقحاً مُصَرَّمةً ... حين تقضَّتْ غَوابرُ المُدَدِ ) ( إنْ يشغَبُوا لا يُبال شَغْبَهُم ... أو يقْصِدُوا في الخصام يَقْتَصِدِ ) ( حُلْوٌ كريمٌ وفي حلاوَتِه ... مُرٌّ لطيفُ الأحشاءِ والكِبدِ ) نسخت من كتاب ابن النطاح عن المدائني عن علي بن مجاهد قال أنشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه قول لبيد في أخيه أربد ( لَعمْرِي لَئِنْ كان المخبِّرُ صادقاً ... لقد رُزِئَتْ في حادث الدَّهْر جَعْفَرُ ) ( أخٌ لي أمّا كلّ شيء سألْته ... فيُعْطِي وأما كلُّ ذَنْبٍ فيغفِرُ ) فقال أبو بكر رضوان الله عليه ذلك رسول الله لا أربد بن قيس وقد رثاه بعد ذلك بقصائد يطول الخبر بذكرها ومما رثاه به وفيه غناء قوله صوت ( بَلِينا وما تَبْلَى النجومُ الطَّوَالِعُ ... وتَبْقَى الجِبالُ بعدنا والمَصانِعُ ) ( وقد كنتُ في أكنافِ دارِ مَضِنَّةٍ ... ففارقني جارٌ بأرْبَدَ نافِعُ ) ( فلا جَزِعٌ إنْ فرّقَ الدَّهرُ بيننا ... فكلُّ فتىْ يوماً به الدَّهْرُ فاجِعُ ) ( وما المرءُ إلاَّ كالشِّهاب وضَوْئِه ... يَحُورُ رمَاداً بعد إذْ هو ساطِعُ ) ( أليسَ وَرائي إنْ تراخَتْ منيَّتي ... لُزومُ العَصا تُحْنَى عليها الأصابِعُ ) ( أُخَبِّر أخبارَ القُرونِ التي مَضَتْ ... أدِبُّ كأنّي كُلَّما قمتُ راكِعُ ) ( فأصبحْتُ مِثْلَ السيفِ أخْلَق جَفْنَه ... تقادمُ عِهْدِ القَيْن والنّصلُ قاطِعُ ) ( فلا تَبْعَدنْ إنّ المنيةَ موعدٌ ... علينا فَدانٍ للطُّلوعِ وطالِعُ ) ( أعاذِل ما يُدْرَيكَ إلاَّ تظَنِّياً ... إذا رحل السُّفَّار مَنْ هو راجعُ ) ( أتَجْزَعُ مما أحدث الدهرُ لِلْفَتى ... وأيُّ كرِيم لم تُصِبُه القَوارعُ ! ) غنى في الأول والخامس والسادس والسابع حنين الحيري خفيف ثقيل أول بالبنصر عن الهشامي وابن المكي وحماد وفيها ثقيل أول بالوسطى يقال إنه لحنين أيضا ويقال إنه لأحمد النصبي ويقال إنه منحول ومما رثاه به قوله وهي من مختار مراثيه ( طرِبَ الفؤادُ ولَيْته لم يَطْرَبِ ... وعَنَاه ذِكْرَى خُلّة لم تَصْقَبِ ) ( سَفهاً ولو أني أطَعْتُ عَواذِلي ... فيما يُشِرْنَ به بسَفْح المِذْنَبِ ) ( لزَجَرْتُ قَلْباً لا يَريعُ لِزاجِرٍ ... إنَّ الغَوِيَّ إذا نُهِي لم يُعْتِبِ ) ( فتعزَّ عن هذا وقُلْ في غَيْرِهِ ... واذكُرْ شَمَائلَ من أخيك المُنُجِبِ ) ( يا أرْبَدَ الخَيْرِ الكريم جدودُه ... أفردتني أمشِي بقَرْنٍ أعضب ) ( إنَّ الرزيَّة لا رَزِيَّة مثلها ... فِقْدانُ كلِّ أخٍ كضَوْء الكوكبِ ) ( ذهب الذين يُعاشُ في أكنافهم ... وبقيتُ في خَلْفٍ كجِلْدِ الأجربِ ) ( يتأكَّلُونَ مغالةً وخِيَانَةً ... ويُعابُ قائلُهم وإنْ لم يَشْغَبِ ) ( ولقد أراني تارةً مِنْ جَعْفَرٍ ... في مثل غَيْثِ الوابلِ المتحَلِّبِ ) ( مِنْ كل كَهْلٍ كالسِّنان وسَيِّدٍ ... صَعْبِ المقادَةِ كالفَنيق المُصْعَبِ ) ( مِنْ مَعْشَرٍ سنَّتْ لهم آباؤهم ... والعزُّ قد يأتي بغير تَطَلُّبِ ) ( فبرَى عِظامي بعد لحمي فَقْدَهُم ... والدَّهْرُ إنْ عاتبتَ ليس بمُعْتِبِ ) حدثنا محمد بن جرير الطبري قال حدثنا أبو السائب سالم بن جنادة قال حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها كانت تنشد بيت لبيد ( ذهب الذين يُعاشُ في أكنافهم ... وبقيتُ في خَلْفٍ كجِلْدِ الأجربِ ) ثم تقول رحم الله لبيدا فكيف لو أدرك من نحن بين ظهرانيهم قال عروة رحم الله عائشة فكيف بها لو أدركت من نحن بين ظهرانيهم قال هشام رحم الله أبي فكيف لو أدرك من نحن بين ظهرانيهم وقال وكيع رحم الله هشاما فكيف لو أدرك من نحن بين ظهرانيهم قال أبو السائب رحم الله وكيعا فكيف لو أدرك من نحن بين ظهرانيهم قال أبو جعفر رحم الله أبا السائب فكيف لو أدرك من نحن بين ظهرانيهم قال أبو الفرج الأصبهاني ونحن نقول الله المستعان فالقصة أعظم من أن توصف صوت ( فإن كان حَقّاً ما زعمتِ أتيْتُه ... إليكِ فقامَ النائحاتُ على قَبْري ) ( وإن كان ما بُلِّغْتِه كان باطلاً ... فلا متِّ حتى تَسْهَرِي الليلَ مِنْ ذكري ) عروضه من الطويل والشعر للعباس بن الأحنف يقوله في فوز وخبرهما يأتي هاهنا والغناء لبذل خفيف رمل بالبنصر وفيه لبنان بن عمرو ثاني ثقيل بالبنصر وفيه لحن لابن جامع من كتاب إبراهيم وزعم أبو العباس أن لمعبد اليقطيني فيه خفيف رمل وذكر حبش أن لإبراهيم خفيف الرمل بالوسطى وذكر علي بن يحيى المنجم أنه لعلية وقيل إن خفيف الرمل بالبنصر للقاسم بن زنقطة والصحيح أنه لبذل ذكر خبر العباس وفوز أخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن إسحاق الخراساني قال حدثنا محمد بن النضر قال كانت فوز جارية لمحمد بن منصور وكان يلقب فتى العسكر ثم اشتراها بعض شباب البرامكة فدبرها وحج بها فلما قدمت قال العباس ( ألاَ قد قَدِمَتْ فَوْزُ ... فقرَّت عَيْنُ عَبَّاسِ ) ( لِمَنْ بَشَّرنِي البشرى ... على العينين والرّاس ) ( أيا ديباجة الحُسْنِ ... وَيَا رامُشْنَةَ الآس ) ( يلوموني على الحبّ ... وما بالحبِّ مِنْ باس ) أخبرني محمد قال حدثنا محمد بن أحمد بن جعفر الأنباري - وهو أبو عاصم بن محمد الكاتب - قال حدثني علي بن محمد النوفلي قال كانت فوز لرجل جليل من أسباب السلطان وكان العباس يتشبه في أشعاره وذكر فوز بما قاله أبو العتاهية في عتبة فحج بها مولاها فقال العباس ( يا رّبِّ رُدَّ عَلَيْنَا ... مَنْ كان أُنساً وزَيْنا ) ( مَنْ لا نُسَرُّ بعَيْشٍ ... حتى يكون لدَيْنا ) ( يا مَنْ أتاح لِقَلْبي ... هَوَاهُ شُؤْماً وحَيْنا ) ( ما زِلْتُ مُذْ غِبْتِ عنِّي ... مِنْ أسْخَنِ الناسِ عَيْنا ) ( ما كان حَجُّكِ عندي ... إلاَّ بلاءً عَلَيْنا ) فلما قدمت قال ( ألاَ قد قدمَتْ فوزُ ... فقرَّت عَيْنُ عَبَّاسِ ) وذكر الأبيات المتقدمة أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه أنه دخل على الفضل بن الربيع يوما والعباس بن الأحنف بين يديه فقال العباس للفضل دعني أعابث الأصمعي قال لا تفعل فليس المزاح من شأنه قال إن رأى الأمير أن يفعل قال ذاك إليك قال فلما دخلت قال لي العباس يا أبا سعيد من الذي يقول ( إذا أحْبَبْتَ أن تصنع ... شيئاً يعجِب النَّاسا ) ( فصَوِّر هاهنا فَوْزاً ... وصَور ثَمَّ عبَّاسا ) ( فإنْ لم يَدْنوَا حتى ... ترى رَأسيهما رَاسا ) ( فكِّذبها بما قاسَتْ ... وكذِّبه بما قاسى ) فقال لي ابن أبي السعلاء الشاعر إنه أراد العبث بك وهو نبطي فأجبه على هذا قال فقلت له لا أعرف هذا ولكني أعرف الذي يقول ( إذا أحببت أنْ تبصر ... شيئاً يعجبُ الخَلْقَا ) ( فصوِّر هاهنا زْوراً ... وصوِّر ههنا فَلْقا ) ( فإنْ لم يَدْنُوَا حتى ... ترى خَلْقَيهما خَلقَا ) ( فكذِّبْها بما لاقَتْ ... وكذِّبه بما يَلْقى ) فعرض بالعباس أنه نبطي فضحك الفضل فوجم العباس فقال له الفضل قد كنت نهيتك عنه فلم تقبل أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن الفضل الهاشمي قال حدثني أبو توبة الحنفي قال العباس بن الأحنف والجارية فوز وجه العباس بن الأحنف رسولا إلى فوز فعاد فأخبره أنها تجد صداعا وأنه رآها معصوبة الرأس فقال العباس ( عصبَتْ رأسَها فليتَ صُدَاعاً ... قد شَكَتْه إليّ كان بِراسِي ) ( ثم لا تشتكِي وكان لها الأجْر ... ُ وكنتُ السَّقَامَ عنها أُقاسِي ) ( ذاكَ حتى يقولَ لِي مَنْ رآني ... هكذا يفعلُ المحِبُّ المُواسِي ) قال فبرئت ثم نكست فقال ( إنَّ التي هامت بها النَّفْسُ ... عاودَها مِنْ عارضٍ نُكْسُ ) ( كانت إذا ما جاءها المُبْتَلَى ... أبرأهُ مِنْ كفِّها اللَّمْسُ ) ( وَابأبي الوجْهُ المليحُ الّذي ... قد عشِقَتْهُ الجنُّ والإِنْسُ ) ( إنْ تكنِ الحمَّى أضرَّتْ به ... فربما تَنْكَسِفُ الشمسُ ) أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني أبو العباس الخلنجي قال حدثني أبو عبد كان الكاتب قال حدثني أبو توبة الحنفي قال لما قال العباس بن الأحنف ( أمَا والذي أَبْلَى المحبَّ وزادَني ... بلاءً لقد أسرفْتِ في الظلم والهَجْرِ ) ( فإنْ كان حقّاً ما زعمتِ أتيتُه ... إليك فقام النائحاتُ على قبري ) ( وإن كان عُدْواناً عليَّ وباطلاً ... فلا مِتُّ حتى تسهَرِي الليلَ مِنْ ذكري ) بعثت إليه فوز أظننا ظلمناك يا أبا الفضل فاستجيب لك فينا ما زلت البارحة ساهرة ذاكرة لك أخبرني جحظة البرمكي قال حدثني أبو عبد الله بن حمدون عن أحمد بن إبراهيم قال حدثني محمد بن سلام قال كان في خلق العباس بن الأحنف شدة فضرب غلاما له وحلف أنه يبيعه فمضى الغلامُ إلى فوز فاستشفع بها عليه فكتبت إليه فيه فقال ( يا مَنْ أتانا بالشفاعاتِ ... مِنْ عِنْد مَنْ فيه لَجاجاتي ) ( إنْ كنتُ مولاكَ فإنَّ التي ... قد شفعَتْ فيكَ لمَوْلاتي ) ( إرسالها فيكَ إلينا لنا ... كرامةٌ فوق الكرامات ) ورضي عنه ووصله وأعتقه أخبرني جحظة قال حدثنا أبو عبد الله بن حمدون عن أبيه حمدون بن إسماعيل عن أخيه إبراهيم بن إسماعيل قال جاءنا العباس بن الأحنف يوما وهو كئيب فنشطناه فأبى أن ينشط فقلنا ما دهاك فقال لقيتني فوز اليوم فقالت لي يا شيخ وما قالت ذلك إلا من حادث ملال فقلنا له هون عليك فإنها امرأة لا تثبت على حال وما أرادت إلا العبث بك والمزاح معك فقال إني والله قد قلت أقبح مما قالت ثم أنشدنا ( هزِئَتْ إذ رأت كئيباً مُعَنَّى ... أقصدَتْهُ الخطوبُ فهو حزينُ ) ( هزِئَتْ بي ونِلْتُ ما شئتُ منها ... يا لقَوْمي فأيُّنا المغبون ) فقلت له لقد انتصفت وزدت أخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا علي بن الصباح قال حدثنا أبو ذكوان قال كانت لفوز جارية يقال لها يمن وكانت تجيء إلى العباس برسالتها فمضت إلى فوز وقد طلبت من العباس شيئا فمنعها إياه وزعمت أنه أرادها ودعاها إلى نفسه فغضبت فوز من ذلك فكتب إليها ( لقد زَعَمَتْ يُمْنٌ بأني أرَدْتُها ... على نفسها تَبّاً لذلكَ مِنْ فِعْلِ ) ( سَلُوا عن قميصي مثلَ شاهِد يُوسفٍ ... فإنّ قميصي لم يكن قُدَّ مِنْ قُبْلِ ) أخبرني محمد قال حدثنا أحمد بن إسماعيل قال حدثني سعيد بن حميد قال كانت فوز قد مالت إلى بعض أولاد الجند وبلغ ذلك العباس فتركها ولم ترض هي البديل بعد ذلك فعادت إلى العباس وكتبت إليه تعاتبه في جفائه فكتب إليها ( كتَبتْ تلومُ وتَستريبُ زيارتي ... وتقولُ لستَ لنا كعَهْدِ العاهِدِ ) ( فأجبتُها ودموعُ عيني جمَّةٌ ... تَجْرِي على الخدَّيْنِ غَيْرَ جَوَامِدِ ) ( يا فَوْز لم أهجركُمُ لملاَلَةٍ ... منِّي ولا لمَقَالِ واشٍ حاسدِ ) ( لكنَّني جرَّبتكمْ فوجدتُكمْ ... لاَ تصبرونَ على طعامٍ واحدِ ) وقد أنشدني علي بن سليمان الأخفش هذه الأبيات وقال سرقها من أبي نواس حيث يقول صوت ( ومُظْهِرة لخَلْقِ الله وُدّاً ... وتلْقى بالتحيَّةِ والسلامِ ) ( أتيتُ فؤادَها أشكو إليه ... فلم أْخلُصْ إليه من الزَّحامِ ) ( فيا مَنْ ليس يَكْفِيهِ مُحِبٌّ ... ولا ألْفا مُحِبٍّ كلَّ عامِ ) ( أظنُّكِ مِنْ بقية قوم مُوسى ... فهُمْ لا يصبرون على طَعَامِ ) غنت فيه عريب لحنا ذكره ابن المعتز ولم يذكر طريقته ومما يغنى فيه من شعر العباس في فوز قوله صوت ( يا فَوْزُ ما ضَرَّ مَنْ يُمْسِي وأنْتِ له ... ألاَّ يفوزَ بدُنْيَا آلِ عَبّاسِ ) ( أبصرتُ شيباً بمولاها فواعَجباً ... منه يراها ويَبْدُو الشَّيْبُ في الرَّاسِ ) غناه سليم رمل مطلق في مجرى الوسطى عن ابن المكي وأخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن الفضل بن الأسود قال قرأت على أحمد بن أبي فنن شعر العباس بن الأحنف وكان مشغوفا به فسمعته يقول وددت أن أبياته التي يقول فيها ( يا فَوْز ما ضَرَّ من يُمْسِي وأنتِ له ... ) لي بكل شعري وفي بذل يقول عبد الله بن العباس الربيعي يخاطب عمرا في بذل بقوله صوت ( تسمَّعْ بحقِّ الله يا عَمْرُو مِنْ بَذْلِ ... فقد أحسنَتْ واللهِ واعتمدت قَتْلي ) ( كأني أرَى حُبّيك يرجحُ كلّما ... تغنَّتْ لإعجابي وأفْقِد مِنْ عقْلِي ) غناه عبد الله بن العباس الربيعي ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو وغنى فيه عمرو بن بانة خفيف رمل بالبنصر عن حبش ذكر بذل وأخبارها كانت بذل صفراء مولدة من مولدات المدينة وربيت بالبصرة وهي إحدى المحسنات المتقدمات الموصوفات بكثرة الرواية يقال إنها كانت تغني ثلاثين ألف صوت ولها كتاب في الأغاني منسوب الأصوات غير مجنس يشتمل على اثني عشر ألف صوت يقال إنها عملته لعلي بن هشام وكانت حلوة الوجه ظريفة ضاربة متقدمة وابتاعها جعفر بن موسى الهادي فأخذها منه محمد الأمين وأعطاه مالا جزيلا فولدهما جميعا يدعون ولاءها فأخذت بذل عن أبي سعيد مولى فائد ودحمان وفليح وابن جامع وإبراهيم وطبقتهم وقرأت على جحظة عن أبي حشيشة في كتابه الذي جمعه من أخباره وما شاهده قال كانت بذل من أحسن الناس غناء في دهرها وكانت أستاذة كل محسن ومحسنة وكانت صفراء مدنية وكانت أروى خلق الله تعالى للغناء ولم يكن لها معرفة وكانت لجعفر بن موسى الهادي فوصفت لمحمد بن زبيدة فبعث إلى جعفر يسأله أن يريه إياها فأبى فزاره محمد إلى منزله فسمع شيئا لم يسمع مثله فقال لجعفر يا أخي بعني هذه الجارية فقال يا سيدي مثلي لا يبيع جارية قال فهبها لي قال هي مدبرة فاحتال عليه محمد حتى أسكره وأمر ببذل فحملت معه إلى الحراقة وانصرف بها فلما انتبه سأل عنها فأخبر بخبرها فسكت فبعث إليه محمد من الغد فجاءه وبذل جالسة فلم يقل شيئا فلما أراد جعفر أن ينصرف قال أوقروا حراقة ابن عمي دراهم فأوقرت قال فحدثني عبد الله بن الحنيني - وكان أبوه على بيت مال جعفر بن موسى - أن مبلغ ذلك المال كان عشرين ألف ألف درهم قال وبقيت بذل في دار محمد إلى أن قتل ثم خرجت فكان ولد جعفر وولد محمد يدعون ولاءها فلما ماتت ورثها ولد عبد الله بن محمد بن زبيدة وقد روى محمد بن الحسن الكاتب هذا الخبر عن ابن المكي عن أبيه وقال فيه إن محمدا وهب لها من الجوهر شيئا لم يملك أحد مثله فسلم لها فكانت تخرج منه الشيء بعد الشيء فتبيعه بالمال العظيم فكان ذلك معتمدها مع ما يصل إليها من الخلفاء إلى أن ماتت وعندها منه بقية عظيمة قال ورغب إليها وجوه القواد والكتاب والهاشميين في التزويج فأبت وأقامت على حالها حتى ماتت بذل وعلي بن هشام قال أبو حشيشة في خبره وكنت عند بذل يوما وأنا غلام وذلك في أيام المأمون ببغداد وهي في طارمة لها تمتشط ثم خرجت إلى الباب فرأيت الموكب فظننت أن الخليفة يمر في ذلك الموضع فرجعت إليها فقلت يا ستي الخليفة يمر على بابك فقالت انظروا أي شيء هذا إذ دخل بوابها فقال علي بن هشام بالباب فقالت وما أصنع به فقامت إليها وشيكة جاريتها - وكانت ترسلها إلى الخليفة وغيره في حوائجها - فأكبت على رجلها وقالت الله الله أتحجبين علي بن هشام فدعت بمنديل فطرحته على رأسها ولم تقم إليه فقال إني جئتك بأمر سيدي أمير المؤمنين وذلك أنه سألني عنك فقلت لم أرها منذ أيام فقال هي عليك غضبى فبحياتي لا تدخل منزلك حتى تذهب إليها فتسترضيها فقالت إن كنت جئت بأمر الخليفة فأنا أقوم فقامت فقبلت رأسه ويديه وقعد ساعة وانصرف فساعة خرج قالت يا وشيكة هاتي دواة وقرطاسا فجعلت تكتب فيه يومها وليلتها حتى كتبت اثني عشر ألف صوت - وفي بعض النسخ رؤوس سبعة آلاف صوت - ثم كتبت إليه يا علي بن هشام تقول قد استغنيت عن بذل بأربعة آلاف صوت أخذناها منها وقد كتبت هذا وأنا ضجرة فكيف لو فرغت لك قلبي كله وختمت الكتاب وقالت لها امضي به إليه فما كان أسرع من أن جاء رسوله خادم أسود يقال له مخارق - بالجواب يقول فيه يا ستي لا والله ما قلت الذي بلغك ولقد كذب علي عندك إنما قلت لا ينبغي أن يكون في الدنيا غناء أكثر من أربعة آلاف صوت وقد بعثت إلي بديوان لا أؤدي شكرك عليه أبدا وبعث إليها عشرة آلاف درهم وتخوتا فيها خز ووشي وملح وتختا مطبقا فيه ألوان الطيب أنشدني علي بن سليمان الأخفش لعلي بن هشام يعاتب بذلا في جفوة نالته منها ( تغَيَّرْتِ بَعْدِي والزمانُ مُغَيِّرٌ ... وخِسْتِ بعَهْدِي والملوكُ تَخِيسُ ) ( وأظهرتِ لي هَجْراً وأخفَيْتِ بِغَضةً ... وقرَّبْتِ وَعْداً واللسانُ عَبُوسُ ) ( وممَّا شجاني أنني يوْمَ زُرْتُكمْ ... حُجِبْت وأعدائي لدَيْكَ جُلوسُ ) ( وفِي دُون ذا ما يَسْتَدِلُّ به الفَتَى ... على الغَدْرِ مِنْ أحْبابه ويَقِيسُ ) ( كفرتُ بديْنِ الحُبِّ إنْ طُرتُ بابَكم ... وتلك يَمينٌ - ما علمت - غَمُوسُ ) ( فإنْ ذَهَبَتْ نفسي عليكم تَشوُّقاً ... فقد ذهبتْ للعاشقين نُفوسُ ) ( ولو كان نَجْمِي في السُّعودِ وَصَلْتُمُ ... ولكنْ نجومُ العاشقينَ نُحُوسُ ) وأخبرني أبو العباس الهشامي المشك عن أهله أن علي بن هشام كان يهوى بذلا ويكتم ذلك وأنها هجرته مدة فكتب إليها بهذه الأبيات وذكر محمد بن الحسن أن أبا حارثة حدثه عن أخيه أن معاوية قال قالت لي بذل كنت أروي ثلاثين ألف صوت فلما تركت الدرس أنسيت نصفها فذكرت قولها لزرزر الكبير فقال كذبت الزانية إجادتها صنعة الغناء قال وحدثني أحمد بن محمد بن الفيزران عن بعض أصحابه - أن إبراهيم بن المهدي كان يعظمها ويتوافى لها ثم تغير بعد ذلك استغناء عند نفسه عنها فصارت إليه فدعا بعود فغنت - في طريقة واحدة وإيقاع واحد وإصبع واحدة - مائة صوت لم يعرف إبراهيم منها صوتا واحدا ووضعت العود وانصرفت فلم تدخل داره حتى طال طلبه لها وتضرعه إليها في الرجوع إليه وقال محمد بن الحسن وذكر أحمد بن سعيد المالكي أن إسحاق بن إبراهيم الموصلي خالف بذلا في نسبة صوت غنته بحضرة المأمون فأمسكت عنه ساعة ثم غنت ثلاثة أصوات في الثقيل الثاني واحدا بعد واحد وسألت إسحاق عن صانعها فلم يعرفه فقالت للمأمون يا أمير المؤمنين هي والله لأبيه أخذتها من فيه فإذا كان هذا لا يعرف غناء أبيه فكيف يعرف غناء غيره فاشتد ذلك على إسحاق حتى رئي ذلك فيه أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثني حماد بن إسحاق قال غنت بذل يوما بين يدي أبي ( إنْ تَرَيْني ناحِلَ البَدَنِ ... فلِطول الْهَمِّ والحَزَنِ ) ( كان ما أخشى بواحِدتي ... ليتَه واللهِ لَمْ يَكُنِ ) فطرب أبي والله طربا شديدا وشرب رطلا وقال لها أحسنت يا بنتي والله لا تغنين صوتا إلا شربت عليه رطلا قال أبو الفرج والغناء في هذا الشعر لبذل خفيف رمل بالوسطى وذكر أحمد بن أبي طاهر أن محمد بن علي بن طاهر بن الحسين حدثه أن المأمون كان يوما قاعدا يشرب وبيده قدح إذ غنت بذل ( ألاَ لا أرى شيئاً ألذَّ من الوَعْدِ ... ) فجعلته ( ألاَ لا أرى شيئاً ألذّ من السَّحْقِ ... ) فوضع المأمون القدح من يده والتفت إليها وقال بلى يا بذل النيك ألذ من السحق فتشورت وخافت غضبه فأخذ قدحه ثم قال أتمي صوتك وزيدي فيه ( ومِنْ غَفْلة الْوَاشي إذا ما أَتْيتُها ... ومِنْ زَوْرَتِي أبياتَها خالياً وَحْدِي ) ( ومِنْ صيحةْ في المُلْتَقَى ثم سَكْتَةٍ ... وكلتاهُما عِنْدِي ألذُّ مِنَ الخُلْدِ ) نسبة هذا الصوت ( ألاَ لا أرَى شيئاً ألَذَّ من الوَعْد ... ومن أمَلِي فيه وإنْ كان لا يُجْدِي ) الغناء لإبراهيم خفيف رمل بالبنصر في رواية عمرو بن بانة صوت ( بانَتْ سُعَادُ فقلبي اليوم مَتْبُولُ ... متيَّمٌ عندها لم يُجْزَ مَكْبُولُ ) ( وما سعادُ غداةَ البَيْنِ إذ رحلوا ... إلاّ أغنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مكحولُ ) الشعر لكعب بن زهير بن أبي سلمى المزني والغناء لابن محرز ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو بن بانة والهشامي أخبار كعب بن زهير كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني وقد تقدم خبر أبيه ونسبه وأم كعب امرأة من بني عبد الله بن غطفان يقال لها كبشة بنت عمار بن عدي بن سحيم وهي أم سائر أولاد زهير وهو من المخضرمين ومن فحول الشعراء وسأله الحطيئة أن يقول شعرا يقدم فيه نفسه ثم يثني به بعده ففعل أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قالا أتى الحطيئة كعب بن زهير - وكان الحطيئة راوية زهير وآل زهير - فقال له يا كعب قد علمت روايتي لكم أهل البيت وانقطاعي إليكم وقد ذهب الفحول غيري وغيرك فلو قلت شعرا تذكر فيه نفسك وتضعني موضعا بعدك وقال أبو عبيدة في خبره تبدأ بنفسك فيه وتثني بي فإن الناس لأشعاركم أروى وإليها أسرع فقال كعب ( فَمَنْ للقوافي شانَها مَنْ يَحُوكها ... إذا ما ثَوَى كَعْبٌ وفَوَّزَ جَرْوَلُ ) ( يقول فلا تعْيَا بشيء يَقولُه ... ومِنْ قائليها مَنْ يُسِيء ويَعْمَلُ ) ( كفيتُكَ لا تلْقَى مِن الناسِ واحداً ... تنخَّلَ مِنها مِثْل ما يُتنخَّلُ ) ( يُثقِّفُها حتى تَلِينَ مُتُونُها ... فيَقْصُرُ عنها كلُّ ما يُتمثَّلُ ) أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا علي بن الصباح عن هشام عن إسحاق بن الجصاص قال قال زهير بيتا ونصفا ثم أكدى فمر به النابغة فقال له أبا أمامة أجز فقال وما قلت قال قلت ( تَزيد الأرضُ إمَّا متَّ خفّاً ... وتَحْيَا إنْ حَيِيتَ بها ثَقِيلا ) ( نزلت بمستقر العرض منها ... ) أجز قال فأكدى والله النابغة وأقبل كعب بن زهير وإنه لغلام فقال أبوه أجز يا بني فقال وما أجيز فأنشده فأجاز النصف بيت فقال ( وتمنع جَانِبيهَا أنْ يَزُولا ... ) فضمه زهير إليه وقال أشهد أنك ابني زهير ينهاه عن الشعر ثم يأذن له وقال ابن الأعرابي قال حماد الراوية تحرك كعب بن زهير وهو يتكلم بالشعر فكان زهير ينهاه مخافة أن يكون لم يستحكم شعره فيروى له ما لا خير فيه فكان يضربه في ذلك فكلما ضربه يزيد فيه فغلبه فطال عليه ذلك فأخذه فحبسه فقال والذي أحلف به لا تتكلم ببيت شعر إلا ضربتك ضربا ينكلك عن ذلك فمكث محبوسا عدة أيام ثم أخبر أنه يتكلم به فدعاه فضربه ضربا شديدا ثم أطلقه وسرحه في بهمة وهو غليم صغير فانطلق فرعى ثم راح عشية وهو يرتجز ( كأنما أحْدُو ببَهمي عِيرَا ... من القُرَى مُوقرةً شعيراً ) فخرج إليه زهير وهو غضبان فدعا بناقته فكفلها بكسائه ثم قعد عليها حتى انتهى إلى ابنه كعب فأخذ بيده فأردفه خلفه ثم خرج فضرب ناقته وهو يريد أن يبعث ابنه كعبا ويعلم ما عنده من الشعر فقال زهير حين برز إلى الحي ( إني لتُعْدِيني على الحيّ جَسْرَةٌ ... تَخُبُّ بِوَصَّالٍ صَرُومٍ وتُعْنِقُ ) ثم ضرب كعبا وقال له أجز يا لكع فقال كعب ( كبُنْيانةِ القَرْئيّ موضعُ رحلها ... وآثارُ نِسْعَيْها من الدَّفِّ أبْلَقُ ) فقال زهير ( على لاحِبٍ مثل المجَرَّةِ خِلْتَهُ ... إذا ما عَلاَ نَشْزاً من الأرض مُهْرَقُ ) أجزيا لكع فقال كعب ( مُنِيرٌ هَداهُ ليلُه كنَهارِه ... جميعٌ إذا يَعْلُو الحُزُونةَ أفْرُقُ ) قال فتبدى زهير في نعت النعام وترك الإبل يتعسفه عمدا ليعلم ما عنده قال ( وظَلَّ بوَعْساءِ الكَثِيبِ كأنَّه ... خِباءٌ على صَقْبَيْ بِوَانٍ مُرَوَّقِ ) صقبي عمودي بوان عمود من أعمدة البيت فقال كعب ( تَراخى به حُبُّ الضَّحاء وقد رأى ... سَماوَةَ قِشْراءِ الوَظِيفين عوْهَقِ ) فقال زهير ( تَحنُّ إلى مِثْلِ الحَبابِيرِ جُثَّمٍ ... لدَى منتِج مِنْ قَيْضِها المُتَفَلَّقِ ) الحبابير جمع حبارى وتجمع أيضا حباريات فقال كعب ( تحطَّمَ عَنْها قَيْضُهَا عن خَراطِمِ ... وعَنْ حَدَقٍ كالنَّبْخِ لم يَتَفَتَّقِ ) الخراطم هاهنا المناقير والنبخ الجدري شبه أعين ولد النعامة به قال فأخذ زهير بيد ابنه كعب ثم قال له قد أذنت لك في الشعر يا بني فلما نزل كعب وانتهى إلى أهله - وهو صغير يومئذ - قال ( أبِيتُ فلا أهجو الصديقَ ومَنْ يبعْ ... بعِرْضِ أبيه في المعاشر يُنْفقِ ) قال وهي أول قصيدة قالها أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إبراهيم بن المنذر الحزامي قال حدثني الحجاج بن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن مضرب بن كعب بن زهير بن أبي سلمى عن أبيه عن جده قال خرج كعب وبجير ابنا زهير بن أبي سلمى إلى رسول الله حتى بلغا أبرق العزاف فقال كعب لبجير الحق الرجل وأنا مقيم هاهنا فانظر ما يقول لك فقدم بجير على رسول الله فسمع منه وأسلم وبلغ ذلك كعبا فقال ( ألا أبْلِغَا عنّي بُجَيْراً رِسالةً ... على أيِّ شيء - وَيْب غَيْرِك - دَلَّكَا ) ( على خُلق لم تُلْفِ أُمّا ولا أباً ... عَلَيْه ولم تُدْرِك عليه أخاً لَكَا ) ( سقاكَ أبو بكر بكأسٍ رَوِيّةٍ ... فأنهلَك المأمونُ مِنْها وعَلَّكَا ) الرسول يهدر دمه ويروى المأمور قال فبلغت أبياته هذه رسول الله فأهدر دمه وقال من لقي منكم كعب بن زهير فليقتله فكتب إليه أخوه بجير يخبره وقال له انجه وما أراك بمفلت وكتب إليه بعد ذلك يأمره أن يسلم ويقبل إلى رسول الله ويقول له إن من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله قبل منه وأسقط ما كان قبل ذلك فأسلم كعب وقال القصيدة التي اعتذر فيها إلى رسول الله ( بانَتْ سُعادُ فَقَلْبِي اليومَ مَتْبُولُ ... مُتَيَّمٌ عِنْدَها لم يجْزَ مَكْبُولُ ) قال ثم أقبل حتى أناخ راحلته بباب مسجد رسول الله وكان مجلسه من أصحابه مكان المائدة من القوم حلقة ثم حلقة ثم حلقة وهو وسطهم فيقبل على هؤلاء يحدثهم ثم على هؤلاء ثم على هؤلاء فأقبل كعب حتى دخل المسجد فتخطى حتى جلس إلى رسول الله فقال يا رسول الله الأمان قال ومن أنت قال كعب بن زهير قال أنت الذي يقول . . كيف قال يا أبا بكر فأنشده حتى بلغ إلى قوله ( سقاكَ أبو بَكْرٍ بكَأْسٍ رَوِيَّةٍ ... وأنْهَلَكَ المأمونَ منها وعَلَّكا ) فقال رسول الله مأمون والله ثم أنشده - يعني كعبا - ( بانت سعاد فقلبي اليوم مَتْبُولُ ... ) قال عمر بن شبة فحدثني الحزامي قال حدثني محمد بن فليح عن موسى بن عقبة وأخبرني بمثل ذلك أحمد بن الجعد قال حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة قال أنشدها رسول الله في مسجده فلما بلغ إلى قوله ( إنّ الرَّسولَ لسَيْفٌ يُستضاءُ به ... مهنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ الله مَسْلُولُ ) ( في فِتْيَةٍ مِنْ قريش قال قائلُهم ... بِبَطْنِ مكة لَّما أسلموا زُولوا ) ( زَالُوا فما زال أنكاسٌ ولا كُشُفٌ ... عند اللقاء ولا خُورٌ مَعازِيل ) أشار رسول الله إلى الحلق أن يسمعوا شعر كعب بن زهير قال الحزامي قال علي بن المديني لم أسمع قط في خبر كعب بن زهير حديثا قط أتم ولا أحسن من هذا ولا أبالي ألا أسمع من خبره غير هذا إسلام بجير وكعب قال أبو زيد عمر بن شبة ومما يروى من خبره أن زهيرا كان نظارا متوقيا وأنه رأى في منامه آتيا أتاه فحمله إلى السماء حتى كاد يمسها بيده ثم تركه فهوى إلى الأرض فلما احتضر قص رؤياه على ولده وقال إني لا أشك أنه كائن من خبر السماء بعدي شيء فإن كان فتمسكوا به وسارعوا إليه فلما بعث النبي خرج إليه بجير بن زهير فأسلم ثم رجع إلى بلاد قومه فلما هاجر رسول الله أتاه بجير بالمدينة - وكان من خيار المسلمين وشهد يوم الفتح مع رسول الله ويوم خيبر ويوم حنين وقال في ذلك ( صَبَحْناهُم بألْفٍ من سُلَيْمٍ ... وألْف من بني عثمانَ وافِ ) ( فرُحْنا والجيادُ تجول فيهم ... بأرْماحٍ مُثَقَّفَةٍ خِفافِ ) ( وفي أكتافهم طعْنٌ وضَرْبٌ ... ورَشْقٌ بالمُرَيَّشةِ اللِّطافِ ) ثم ذكر خبره وخبر أخيه كعب مثل ما ذكر الحزامي وزاد في الأبيات التي كتب بها كعب إليه ( فخالفتَ أسبابَ الهُدَى وتبعتَهُ ... فهل لك فيما قُلْت بالخَيْفِ هَلْ لكا ) ثم قال في خبره أيضا إن كعبا نزل برجل من جهينة فلما أصبح أتى النبي عليه السلام فقال يا رسول الله أرأيت إن أتيتك بكعب بن زهير مسلما أتؤمنه قال نعم قال فأنا كعب بن زهير فتواثبت الأنصار تقول يا رسول الله ائذن لنا فيه فقال وكيف وقد أتاني مسلما وكف عنه المهاجرون ولم يقولوا شيئا فأنشد رسولَ الله قصيدته ( بانت سعادُ فقَلْبي اليوم متبول ... ) حتى انتهى إلى قوله ( لا يَقَعُ الطَّعْنُ إلاَّ في نُحورهمُ ... وما بِهِم عن حِياضِ المَوْتِ تَهْلِيلُ ) هكذا في رواية عمر بن شبة ورواية غيره تعليل فعند ذلك أومأ رسول الله إلى الحلق حوله أن تسمع منه قال وعرض بالأنصار في قصيدته في عدة مواضع منها قوله ( كانت مواعيد عُرْقُوبٍ لها مَثَلاً ... وما موَاعيدُها إلاَّ الأباطِيلُ ) وعرقوب رجل من الأوس فلما سمع المهاجرون بذلك قالوا ما مدحنا من هجا الأنصار فأنكروا قوله وعوتب على ذلك فقال ( مَنْ سرَّه كَرَمُ الحياةِ فلا يَزَلْ ... في مِقْنَب مِن صَالحي الأنصارِ ) ( الباذِلينَ نفوسَهمْ لِنَبِيِّهم ... عند الهِياج وسَطْوَةِ الجبَّارِ ) ( والناظِرين بأعْيُنٍ محمَرَّة ... كالجَمْرِ غَيْرِ كَليلةِ الإِبْصارِ ) ( والضَّاربِين الناسَ عن أديانهم ... بالمَشْرَفيّ وبالقَنا الخَطَّارِ ) ( يتطهَّرُونَ يَروْنَهُ نسكاً لهم ... بدماء مَنْ علِقُوا مِنَ الكفَّارِ ) ( صَدَمُوا الكتيبةَ يوم بَدْرٍ صَدْمَةً ... ذَلَّتْ لوَقْعَتِها رِقَابُ نِزارِ ) قال أبو زيد الذي عناه كعب رجل من الأوس كان وعد رجلا ثمر نخلة فلما أطلعت أتاه فقال دعها حتى تلقح فلما لقحت قال دعها حتى تزهي فلما أزهت أتاه فقال دعها حتى ترطب ثم أتاه فقال دعها حتى تتمر فلما أتمرت عدا عليها ليلا فجدها فضرب به في الخلف المثل وذلك قول الشماخ ( وَوَاعَدَنِي ما لاَ أُحاوِل نَفْعَه ... مواعيدَ عُرْقُوبٍ أخاه بِيَتْرِبِ ) وقال المتلمس لعمرو بن هند ( مَنْ كان خُلْفَ الوعدِ شيمتَه ... والغَدْرُ عرقوبٌ لَهُ مَثَلُ ) وما قالته الشعراء في ذكر عرقوب يكثر قال إبراهيم بن المنذر حدثني معن بن عيسى قال حدثني الأوقص محمد بن عبد الرحمن المخزومي قال حدثني علي بن زيد أن كعب بن زهير أنشد رسول الله هذه القصيدة في المسجد الحرام لا في مسجد المدينة قال إبراهيم حدثني محمد بن الضحاك بن عثمان عن أبيه قال عنى كعب بن زهير بقوله ( في فِتْيَةٍ من قريش قال قائلهم ... ) عمر بن الخطاب رضي الله عنه صوت ( أبِيني أفي يُمْنَى يَدَيْكِ جَعَلْتِني ... فأفرحَ أمْ صيَّرتِني في شِمالِكِ ) ( أبِيتُ كأنّي بين شِقَّيْنِ مِنْ عَصاً ... حذَارَ الرَّدَى أو خِيفةً من زِيالِكِ ) ( تَعَالَلْتِ كي أشجَى وما بِكِ عِلَّة ... تُريدينَ قَتْلِي قد ظَفِرْتِ بذلكِ ) عروضه من الطويل الشعر لابن الدمينة بعضه وبعضه ألحقه المغنون به وهو لغيره والغناء لابن جامع ثاني ثقيل بالوسطى وفيه لإبراهيم ثقيل أول بالبنصر أخبار ابن الدمينة ونسبه الدمينة أمه وهي الدمينة بنت حذيفة السلولية واسم ابن الدمينة عبد الله بن عبيد الله أحد بني عامر بن تيم الله بن مبشر بن أكلب بن ربيعة بن عفرس بن حلف بن أفتل وهو خثعم بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك وقيل إن أكلب هو ابن ربيعة بن نزار ليس ابن ربيعة بن عفرس وإنهم حالفوا خثعم ونزلوا فيهم فنسبوا إليهم ويكنى ابن الدمينة أبا السري وكان بلغه أن رجلا من أخواله من سلول يأتي امرأته ليلا فرصده حتى أتاها فقتله ثم قتلها بعده ثم اغتالته سلول بعد ذلك فقتلته أخبرني بخبره علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن أبي عبيدة وابن الأعرابي وأضفت إلى ذلك ما رواه الزبير بن بكار عن أصحابه وما اتفقت الروايتان فيه فإذا اختلفتا نسبت كل خبر إلى راويه مزاحم بن عمرو يرمى بامرأته ويشهر به قال الزبير حدثني موهوب بن رشيد الكلابي وإبراهيم بن سعد السلمي وعمر بن إبراهيم السعدي عن ميناس بن عبد الصمد عن مصعب بن عمرو السلولي أخي مزاحم بن عمرو قالوا جميعا إن رجلا من سلول يقال له مزاحم بن عمرو كان يرمى بامرأة ابن الدمينة وكان اسمها حماء قال السكري كان اسمها حمادة فكان يأتيها ويتحدث إليها حتى اشتهر ذلك فمنعه ابن الدمينة من إتيانها واشتد عليها فقال مزاحم يذكر ذلك - وهذا من رواية ابن حبيب وهي أتم وأصح - ( يا بْنَ الدُّمينةِ والأخبارُ يرفَعُها ... وخْدُ النّجائِب والمحقُورُ يُخْفيها ) ( يا بْنَ الدُّمَيْنة إنْ تغضَبْ لَما فَعَلتْ ... فطال خِزْيُكَ أو تغضَبْ مَوالِيها ) ( أو تُبغضوني فكم مِنْ طعنةٍ نَفَذٍ ... يَغْذُو خِلاَلَ اختلاج الجَوْفِ غَاذِيها ) ( جاهَدْتُ فيها لكُمْ إني لكُمْ أبداً ... أبْغِي معايبكم عَمْداً فآتِيها ) ( فذاكَ عندي لكم حتّى تُغَيِّبَنِي ... غَبْراءُ مُظْلِمةٌ هارٍ نَواحِيها ) ( أغْشَى نساء بني تَيْم إذا هجعَتْ ... عنّي العُيُونَ ولا أبغِي مَقارِيها ) ( كم كاعبٍ مِنْ بني تَيْم قعدْتُ لها ... وعانِسٍ حين ذاقَ النومَ حَامِيها ) ( كقِعْدة الأعْسر العُلْفوف مُنْتَحِياً ... مَتِينةً من متون النَّبْلِ يُنْحِيها ) ( وشَهْقَةٍ عند حسِّ الماء تشهَقُها ... وقولُ رُكْبَتِها قِضْ حين تثنيها ) ( علامَة كيِّة ما بَيْنَ عانَتِها ... وبين سَبَّتِها لا شلَّ كاويها ) ( وتَعْدِلُ الأَيْرَ إنْ زاغتْ فتبعثه ... حتى يقيمَ برفقٍ صَدْرَهُ فيها ) ( بَيْنَ الصَّفُوقَيْنِ في مستهدفِ ومِدٍ ... ذِي حَرَّة ذاق طعْمَ الموتِ صالِيها ) ( ماذا تَرى ابن عُبَيْد الله في امرأةٍ ... ليست بمُحْصنةٍ عَذْراءُ حاويها ) ( أيَّام أنْتَ طرِيدٌ لا تقاربُها ... وصادفَ القَوْسَ في الغِرَّاتِ بارِيها ) ( تَرَى عجُوزَ بني تيم ملفّعةً ... شُمْطا عوارِضُها رُبْداً دَوَاهِيها ) ( إذ تجعلُ الدِّفْنِسُ الوَرْهاء عُذْرَتها ... قُشارةً من أديم ثم تفريها ) ( حتى يظلَّ هِدَان القوم يَحْسبُها ... بِكْراً وقَبْلُ هَوى في الدار هاوِيها ) قال الزبير عن رجاله وابن حبيب عن ابن الأعرابي لما بلغ ابن الدمينة شعر مزاحم أتى امرأته فقال لها قد قال فيك هذا الرجل ما قال وقد بلغك قالت والله ما أرى ذلك مني قط قال فمن أين له العلامات قالت وصفهن له النساء قال هيهات والله أن يكون ذلك كذلك ثم أمسك مدة وصبر حتى ظن أن مزاحما قد نسي القصة ثم أعاد عليها القول وأعادت الحلف أن ذلك مما وصفه له النساء فقال لها والله لئن لم تمكنيني منه لأقتلنك فعلمت أنه سيفعل ذلك فبعثت إليه وواعدته ليلا وقعد له ابن الدمينة وصاحب له فجاءها للموعد فجعل يكلمها وهي مكانها فلم تكلمه فقال لها يا حماء ما هذا الجفاء الليلة قال فتقول له هي بصوت ضعيف ادخل فدخل فأهوى بيده ليضعها عليها فوضعها على ابن الدمينة فوثب عليه هو وصاحبه وقد جعل له حصى في ثوب فضرب بها كبده حتى قتله وأخرجه فطرحه ميتا فجاء أهله فاحتملوه ولم يجدوا به أثر السلاح فعلموا أن ابن الدمينة قتله قال الزبير في حديثه وقد قال ابن الدمينة في تحقيق ذلك ( قالوا هجَتْكَ سَلولُ الّلُّؤمِ مُخْفِيةً ... فاليومَ أهْجُو سَلُولاً لا أُخافيها ) ( قالوا هجاكَ سلُوليٌّ فقلتُ لهم ... قد أنصف الصَّخْرَة الصَّماء رَامِيها ) ( رِجالُهم شَرُّ من يَمْشِي ونسْوَتُهم ... شرُّ البريَّةِ واسْتٌ ذَلَّ حامِيها ) ( يَحْكُكْنَ بالصَّخْر أستاهاً بها نُقَب ... كما يُحُكُّ نِقابَ الجُرْبِ طالِيها ) قال وقال أيضا يذكر دخول مزاحم ووضعه يده عليه ( لكَ الخَيْرُ إنْ واعدْتَ حَمَّاءُ فالْقَها ... نهاراً ولا تُدْلج إذا الليلُ أظلما ) ( فإنَّكِ لا تَدْرِي أَبيضاء طَفْلَةً ... تُعانِقُ أمْ لَيْثاً من القوم قَشْعَما ) ( فلما سَرَى عن ساعِدَيَّ ولحيتي ... وأيقن أني لستُ حَمَّاء جَمْجَما ) ابن الدمينة يقتل امرأته قالوا جميعا ثم أتى ابن الدمينة امرأته فطرح على وجهها قطيفة ثم جلس عليها حتى قتلها فلما ماتت قال ( إذا قَعَدْتَ على عِرْنين جاريةٍ ... فوق القطيفةِ فادْعُوا لي بحَفَّار ) فبكت بنية له منها فضرب بها الأرض فقتلها وقال متمثلا لا تتخذن من كلب سوء جروا قال الزبير في خبره عن عمه مصعب عن حميد بن أنيف قال فخرج جناح أخو المقتول إلى أحمد بن إسماعيل فاستعداه على ابن الدمينة فبعث إليه فحبسه وقالوا جميعا قالت أم أبان والدة مزاحم بن عمرو المقتول وهي من خثعم ترثي ابنها وتحضض مصعبا وجناحا أخويه ( بأهْلِي ومالِي بل بِجُلِّ عشيرتي ... قَتيلُ بني تَيْمٍ بغير سِلاح ) ( فهَلاَّ قَتَلْتُم بالسِّلاحِ ابْنَ أُختِكم ... فتظهرَ فيه للشهودِ جِرَاحُ ) ( فلا تطمعوا في الصلح ما دمْتُ حيّةً ... وما دامَ حيّاً مُصْعَبٌ وجَناحُ ) ( ألَم تعلموا أنَّ الدَّوائرَ بيننا ... تَدُورُ وأنَّ الطالبين شِحاحُ ) قالوا فلما طال حبسه ولم يجد عليه أحمد بن إسماعيل سبيلا ولا حجة خلاه وقتلت بنو سلول رجلا من خثعم مكان المقتول وقتلت خثعم بعد ذلك نفرا من سلول ولهم في ذلك قصص وأشعار كثيرة رواية مقتله قالوا وأقبل ابن الدمينة حاجا بعد مدة طويلة فنزل بتبالة فعدا عليه مصعب أخو المقتول لما رآه وقد كانت أمه حرضته عليه وقالت اقتل ابن الدمينة فإنه قتل أخاك وهجا قومك وذم أختك وقد كنت أعذرك قبل هذا لأنك كنت صغيرا وقد كبرت الآن فلما أكثرت عليه خرج من عندها وبصر بابن الدمينة واقفا ينشد الناس فغدا إلى جزار فأخذ شفرته وعدا على ابن الدمينة فجرحه جراحتين فقيل إنه مات لوقته وقيل بل سلم تلك الدفعة ومر به مصعب بعد ذلك وهو في سوق العبلاء ينشد فعلاه بسيفه حتى قتله وعدا وتبعه الناس حتى اقتحم دارا وأغلقها على نفسه فجاءه رجل من قومه فصاح به يا مصعب إن لم تضع يدك في يد السلطان قتلتك العامة فاخرج فلما عرفه قال له أنا في ذمتك حتى تسلمني إلى السلطان قال نعم فخرج إليه ووضع يده في يده فسلمه إلى السلطان فقذفه في سجن تبالة قال السكري في خبره ومكث ابن الدمينة جريحا ليلته ومات في غد فقال في تلك الليلة يحرض قومه ويوبخهم ( هَتفتَ بأكْلُبٍ ودَعَوْتَ قَيْساً ... فلا خذُلاً دعَوْتَ ولا قَلِيلا ) ( ثأرتَ مزاحماً وسَرَرت قيْساً ... وكنتَ لِما هممت بِه فَعُولا ) ( فلا تَشلَلْ يَدَاك ولا تزالاَ ... تُفِيدان الغنائمَ والجزِيلاَ ) ( فلو كان ابْنُ عبْدِ الله حيّاً ... لصبَّحَ في منازِلَها سَلُولاَ ) قال وبلغ مصعبا أن قوم ابن الدمينة يريدون أن يقتحموا عليه سجن تبالة فيقتلوه به غيلة فقال يحرض قومه ( لقيتُ أبا السَّرِيِّ وقد تَكَالا ... لهُ حقُّ العداوَةِ في فؤادي ) ( فكاد الغيظُ يُفْرِطَني إليه ... بطَعْن دونه طَعْنُ السَّدَادِ ) ( إذا نبحَتْ كِلابُ السجْنِ حَوْلِي ... طَمِعْتُ هشَاشَةً وهَفا فُؤادِي ) ( طماعَةَ أنْ يدَُقَّ السجْنَ قَوْمِي ... وخَوْفَا أنْ يُبَيِّتَنِي الأعادِي ) ( فما ظنِّي بقومي شَرُّ ظَنٍّ ... ولا أنْ يُسْلِمُوني في البلادِ ) ( وقد جدّلتُ قاتِلُهُم فأمسَى ... يَمُجُّ دَمَ الوَتِين على الوِسَادِ ) فجاءت بنو عقيل إليه ليلا فكسروا السجن وأخرجوه منه مصعب السلولي يهرب إلى صنعاء قال مصعب فلما أفلت من السجن هرب إلى صنعاء فقدم علينا وأبى بها يومئذ وال فنزل على كاتب لأبي كان مولى لهم فرأيته حينئذ ولم يكن جلدا من الرجال ومما يغنى به من شعر ابن الدمينة قوله من قصيدة أولها ( أقمتُ على زِمَّان يوماً وليلةً ... لأنظُرَ ما واشِي أُمَيْمَة صانِعُ ) ( فقَصْرُكِ مني كلَّ عامٍ قَصيدة ... تخُبُّ بها خُوصُ المَطِيِّ النَّزائِعُ ) وهذه القصيدة ذكر أحمد بن يحيى ثعلب أن عبد الله بن شبيب أنشده إياها عن محمد بن عبد الله الكراني لابن الدمينة والذي يغني به منها قوله صوت ( أُقَضِّي نَهارِي بالحديثِ وبالمُنَى ... ويجمَعُني والهمَّ بالليل جَامِعُ ) ( نهارِي نَهارُ الناسِ حتى إذا بَدَا ... ليَ الليلُ شاقتني إليكِ المضاجعُ ) ( لقد ثَبتتْ في القلْبِ مِنْكِ محبَّةٌ ... كما ثبَتتْ في الرَّاحَتيْن الأصابِعُ ) غناه إبراهيم رملا بالوسطى عن عمرو بن بانة نسخت من كتاب أبي سعيد قال حدثنا ابن أبي السري عن هشام قال هوي ابن الدمينة امرأة من قومه يقال لها أميمة فهام بها مدة فلما وصلته تجنى عليها وجعل ينقطع عنها ثم زارها ذات يوم فتعاتبا طويلا ثم أقبلت عليه فقالت صوت ( وأنْتَ الذِي أخلَفْتِني ما وعدتني ... وأشْمَتَّ بي مَنْ كان فيكَ يَلُومُ ) ( وأبرزْتَنِي للناس ثم تركْتَنِي ... لهم غَرَضاً أُرْمَى وأنت سَلِيمُ ) ( فلولا أنَّ قولاً يَكْلُمُ الجِسْمَ قد بَدَا ... بجسمِيَ مِن قْولِ الوُشاةِ كُلُومُ ) الشعر لأميمة امرأة ابن الدمينة والغناء لإبراهيم الموصلي خفيف رمل بالوسطى عن عمرو والهشامي وذكر حبش أن لإبراهيم أيضا فيه لحنا من الثقيل الأول بالوسطى وذكر حكم الوادي أن هذا اللحن ليعقوب الوادي وفيه لعريب خفيف ثقيل قال فأجابها ابن الدمينة فقال ( وأنتِ التي قطَّعْتِ قلبي حزازةً ... ومزَّقْت قَرْح القَلْبِ فَهْوَ كليمُ ) ( وأنتِ التي كلفتْنِي دَلَجَ السُّرَى ... وجُونُ القطَا بالجَلْهَتين جُثومُ ) ( وأنتِ التي أحفظتِ قومي فكلُّهم ... بَعِيدُ الرِّضا داني الصدودِ كظيمُ ) قال ثم تزوجها بعد ذلك وقتل وهي عنده قصة عاشقين فأخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد بن إسحاق حدثني أبي قال حدثنا سعيد بن سلم عن أبي الحسن الينبعي قال بينا أنا وصديق لي من قريش نمشي بالبلاط ليلا إذا بظل نسوة في القمر فالتفتنا فإذا بجماعة نسوة فسمعت واحدة منهن وهي تقول أهو هو فقالت الأخرى نعم والله إنه لهو هو فدنت مني ثم قالت يا كهل قل لهذا الذي معك ( ليسَتْ لَياليك في خَاخٍ بعائدةٍ ... كما عَهِدْتَ ولا أيّام ذِي سَلَمِ ) فقلت له أجب فقد سمعت فقال قد والله قطع بي وأرتج علي فأجب عني فالتفت إليها ثم قلت ( فقلتُ لها يا عَزَّ كلُّ مُصِيبةٍ ... إذا وُطِّنَتْ يوماً لها النفْسُ ذلَت ) فقالت المرأة أوه ثم مضت ومضينا حتى إذا كنا بمفرق طريقين مضى الفتى إلى منزله ومضيت أنا إلى منزلي فإذا أنا بجويرية تجذب ردائي فالتفت إليها فقالت المرأة التي كلمتك تدعوك فمضيت معها حتى دخلت دارا ثم صرت إلى بيت فيه حصير وثنيت لي وسادة فجلست عليها ثم جاءت جارية بوسادة مثنية فطرحتها وجاءت المرأة فجلست عليها وقالت أنت المجيب قلت نعم قالت ما كان أفظ جوابك وأغلظه قلت والله ما حضرني غيره فبكت ثم قالت لي والله ما خلق الله خلقا أحب إلي من إنسان كان معك قلت أنا الضامن لك عنه ما تحبين قالت أو تفعل قلت نعم فوعدتها أن آتيها به في الليلة القابلة وانصرفت فإذا الفتى ببابي فقلت ما جاء بك قال علمت أنها سترسل إليك وسألت عنك فلم أجدك فعلمت أنك عندها فجلست أنتظرك فقلت فقد كان كل ما ظننت ووعدتها أن آتيها بك في الليلة القابلة فمضى ثم أصبحنا فتهيأنا ورحنا فإذا الجارية تنتظرنا فمضت أمامنا حتى دخلنا الدار فإذا برائحة الطيب وجاءت فجلست مليا ثم أقبلت عليه فعاتبته طويلا ثم قالت صوت ( وأنتَ الذي أخلفْتَنِي ما وَعَدْتَنِي ... وأشمَتَّ بي مَنْ كان فيكَ يلومُ ) ( وأبرزْتَنِي للناس ثم تركْتَنِي ... لهم غَرضاً أُرْمى وأنتَ سلِيمُ ) ( فلو أنّ قولاً يَكْلُمُ الجِسْمَ قد بدَا ... بجِسْميَ مِنْ قولِ الوُشاةِ كُلُومُ ) ثم سكتت فسكت الفتى هنيهة ثم قال ( غَدَرْتِ ولم أغْدِر وخُنْت ولم أخُنْ ... وفي دُونِ هَذَا للمُحِبِّ عَزَاء ) ( جَزَيْتُكِ ضِعْفَ الوُدَّ ثم صَرَمْتِني ... فحبُّكِ في قلبي إليك أدَاء ) فالتفتت إلي وقالت ألا تسمع ما يقول قد أخبرتك قال فغمزته فكف ثم قالت صوت ( تجاهَلْتَ وَصْلِي حِيْنَ لَجَّتْ عمايتِي ... وهلا صرمت الحبل إذ أنا مبصرا ) ( ولي من قوى الحبل الذي قد قطعته ... نصيب وإذ رأيي جميع موفر ) ( ولكنَّما آذَنتَ بالصّرْمِ بَغْتةً ... ولستُ على مِثْلِ الذي جئتَ أقْدِرُ ) غنى في هذه الأبيات إبراهيم الموصلي ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وذكر حبش أن فيها ثاني ثقيل بالبنصر قال فقال الفتى مجيبا لها ( لقد جَعَلَتْ نَفْسي - وأنت اجْتَرَمْتِه ... وكنتِ أحبّ الناس - عنكِ تَطِيبُ ) فبكت ثم قالت أو قد طابت نفسك لا والله ما فيك خير بعدها فعليك السلام ثم قامت والتفتت إلي وقالت قد علمت أنك لا تفي بضمانك عنه وانصرفنا أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أبي قال كان العباس بن الأحنف إذا سمع شيئا يستحسنه أطرفني به وأفعل مثل ذلك فجاءني يوما فوقف بين البابين وأنشد لابن الدمينة صوت ( ألا يا صَبَا نَجْدٍ متى هِجْتَ مِنْ نَجْدِ ... فقد زادَنِي مَسْراك وَجْداً على وَجْدِ ) ( أإنْ هَتَفَتْ ورْقاء في رَونَقِ الضحى ... على فَنَنٍ غَضِّ النبات من الرَّنْدِ ) ( بَكَيْتَ كما يَبْكِي الحزينُ صبابةً ... وذُبْت من الشّوق المُبرِّح والصَّدِّ ) ( بكيت كما يَبْكِي الوَليدُ ولم تكن ... جَزُوعاً وأبدْيتَ الذي لم تكن تُبْدِي ) ( وقد زَعَمُوا أنَّ المُحِبَّ إذا دَنَا ... يَمَلُّ وأنَّ النأْيَ يَشفي من الوَجْدِ ) ( بكُلِّ تَدَاوَينا فلم يُشْفِ ما بِنا ... على أنَّ قُرْبَ الدارِ خَيْرٌ مِنَ البُعْدِ ) وزيد على ذلك بيت وهو ( ولكنَّ قُرْبَ الدَّارِ ليس بنافعٍ ... إذا كان مَنْ تهْواه ليس بذِي وُدّ ) ثم ترنح ساعة وترجح أخرى ثم قال أنطح العمود برأسي من حسن هذا فقلت لا ارفق بنفسك الغناء في هذه الأبيات لإبراهيم له فيه لحنان أحدهما ما خوري بالبنصر أوله البيت الثاني والآخر خفيف ثقيل بالوسطى أوله البيت الأول أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال حدثني أحمد بن سعيد عن ابن زبنج راوية ابن هرمة قال لقي ابن هرمة بعض أصدقائه بالبلاط فقال له من أين أقبلت قال من المسجد قال فأي شيء صنعت هناك قال كنت جالسا مع إبراهيم بن الوليد المخزومي قال فأي شيء قال لك قال أمرني أن أطلق امرأتي قال فأي شيء قلت له قال ما قلت له شيئا قال فوالله ما قال لك ذلك إلا لأمر أظهرته عليه وكتمتنيه أفرأيت إن أمرتَه بطلاق امرأته أيطلقها قال لا والله قال فابن الدمينة كان أنصف منك كان يهوى امرأة من قومه فأرسلت إليه إن أهلي قد نهوني عن لقائك ومراسلتك فأرسل إليها صوت ( أطعْتِ الآمِرِيكِ بقَطْعِ حَبْلِي ... مُرِيهمْ في أحبّتِهم بذاكِ ) ( فإنْ هُمْ طاوَعوكِ فطاوعيهم ... وإنْ عاصَوْكِ فاعصي مَنْ عصاكِ ) ( أما والرَّاقِصاتِ بكلِّ فَجٍّ ... ومَنْ صَلَّى بنَعْمانِ الأراكِ ) ( لقد أضمَرْتُ حُبَّك في فُؤَادِي ... وما أضْمَرْتُ حُبّاً مِنْ سِواكِ ) في هذه الأبيات لإسحاق رمل وفيها لشارية خفيف رمل بالوسطى ولعريب خفيف ثقيل ابتداؤه ينشد في الثالث والرابع ثم الثاني والأول وفيه لمتيم خفيف رمل آخر وحدثني بعض أصدقائنا عن أبي بكر بن دريد - ولم أسمعه منه - قال حدثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه ووجدته أيضا في بعض الكتب بغير هذا الإسناد عن الأصمعي فجمعت الحكايتين قال مررت بالكوفة وإذا أنا بجارية تطلع من جدار إلى الطريق وفتى واقف وظهره إلي وهو يقول لها أسهر فيك وتنامين عني وتضحكين مني وأبكي وتستريحين وأتعب وأمحضك المودة وتمذقينها لي وأصدقك وتنافقيني ويأمرك عدوي بهجري فتطيعينه ويأمرني نصيحي بذلك فأعصيه ثم تنفس وأجهش باكيا فقالت له إن أهلي يمنعونني منك وينهونني عنك فكيف أصنع فقال لها ( أطَعْتِ الآمِريكِ بصَرْمِ حَبْلِي ... مُرِيهم في أحِبَّتهم بِذاكِ ) ( فإنْ هُمْ طاوَعُوك فطاوِعيهم ... وإنْ عاصَوْك فاعصي مَنْ عَصَاكِ ) ثم التفت فرآني فقال يا فتى ما تقول أنت فيما قلت فقلت له والله لو عاش ابن أبي ليلى ما حكم إلا بمثل حكمك تمت أخبار ابن الدمينة صوت ( وإنَّ الذي بَيْنِي وبَيْنَ بَنِي أبي ... وبَيْنَ بني عَمِّي لمُخْتَلِفٌ جِدّا ) ( فما أحْمِل الحقد القديم عليهمُ ... وليس رئيس القوم من يحمل الحِقدا ) ( وليسوا إلى نَصْري سِرَاعا وإنْ همُ ... دعَوْني إلى نَصْرٍ أتيتهُم شَدّا ) ( إذا أكلوا لَحْمِي وفَرْتُ لحومَهم ... وإنْ هَدمُوا مَجْدِي بنيتُ لهم مَجْدا ) ( يعاتِبُني في الدِّينِ قومِي وإنما ... تديَّنْت في أشياء تُكسبهم حَمْدا ) عروضه من الطويل الشعر للمقنع الكندي والغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو وفيه من روايته أيضا لمالك خفيف رمل بالوسطى وذكر علي بن يحيى أن لحن ابن سريج خفيف ثقيل وذكر إبراهيم أن فيه لقفا النجار لحنا لم يذكر طريقته وأظنه من خفيف الثقيل نسب المقنع الكندي وأخباره المقنع لقب غلب عليه لأنه كان أجمل الناس وجها وكان إذا سفر اللثام عن وجهه أصابته العين قال الهيثم كان المقنع أحسن الناس وجها وأمدهم قامة وأكملهم خلقا فكان إذا سفر لقع - أي أصابته أعين الناس - فيمرض ويلحقه عنت فكان لا يمشي إلا مقنعا واسمه محمد بن ظفر بن عمير بن أبي شمر بن فرعان بن قيس بن الأسود ابن عبد الله بن الحارث الولادة - سمي بذلك لكثرة ولده - بن عمرو بن معاوية ابن كندة بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب قحطان شاعر مقل من شعراء الدولة الأموية وكان له محل كبير وشرف ومروءة وسؤدد في عشيرته قال الهيثم بن عدي أن عمير جده سيد كندة وكان عمه عمرو بن أبي شمر ينازع أباه الرياسة ويساجله فيها فيقصر عنه المقنع متخرق في عطاياه سمح اليد ونشأ محمد بن عمير المقنع فكان متخرقا في عطاياه سمح اليد بماله لا يرد سائلا عن شيء حتى أتلف كل ما خلفه أبوه من مال فاستعلاه بنو عمه عمرو بن أبي شمر بأموالهم وجاههم وهوي بنت عمه عمرو فخطبها إلى إخوتها فردوه وعيروه بتخرقه وفقره وما عليه من الدين فقال هذه الأبيات المذكورة وأخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني محمد بن زكريا الغلابي عن العتبي قال حدثني أبو خالد من ولد أمية بن خلف قال قال عبد الملك بن مروان - وكان أول خليفة ظهر منه بخل - أي الشعراء أفضل فقال له كثير بن هراسة يعرض ببخل عبد الملك أفضلهم المقنع الكندي حيث يقول ( إني أحرِّضُ أهْلَ البُخْل كُلَّهم ... لو كان ينفَعُ أهلَ البخل تَحْرِيضي ) ( ما قَلَّ مَالِيَ إلاَّ زادَني كرَماً ... حتى يكونَ برزقِ اللهِ تعويضي ) ( والمالُ يرفعُ مَنْ لوْلاَ دَراهِمُه ... أمْسى يُقلِّبُ فينا طَرْفَ مخفوضِ ) ( لن تُخرجَ البيضُ عَفْواً من أكفهُم ... إلاّ عَلى وَجَعٍ منهم وتَمْرِيض ) ( كأنَّها مِنْ جُلودِ الباخلين بها ... عند النوائب تُحْذَى بالمقاريض ) فقال عبد الملك - وعرف ما أراد - الله أصدق من المقنع حيث يقول ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا ) صوت ( يا بْنَ هشام يا علِيّ النَّدَى ... فَدَتْكَ نَفْسِي ووَقَتْكَ الرَدَى ) ( نسيتَ عَهْدِي أوْ تناسيْتَنِي ... لَمّا عَدَانِي عَنْكَ صَرْفُ النَّوَى ) الشعر والغناء لإسحاق الموصلي رمل بالبنصر خبر لإسحاق وابن هشام وهذا الشعر يقوله في علي بن هشام أيام كان إسحاق بالبصرة وله إليه رسالة حسنة هذا موضع ذكرها أخبرنا بها علي بن يحيى المنجم عن أبيه ووقعت إلينا من عدة وجوه أن إسحاق كتب إلى علي بن هشام جعلت فداك بعث إلي أبو نصر مولاك بكتاب منك إلي يرتفع عن قدري ويقصر عنه شكري فلولا ما أعرف من معانيه لظننت أن الرسول غلط بي فيه فما لنا ولك يا عبد الله تدعنا حتى إذا أنسينا الدنيا وأبغضناها ورجونا السلامة من شرها أفسدت قلوبنا وعلقت أنفسنا فلا أنت تريدنا ولا أنت تتركنا فبأي شيء تستحل هذا فأما ما ذكرته من شوقك إلي فلولا أنك حلفت عليه لقلت ( يا مَنْ شكا عَبَثاً إلينا شَوْقَهُ ... شَكْوَى المُحِبِّ وليس بالمُشْتاقِ ) ( لو كنْتَ مشتاقاً إلَيَّ تُرِيدُني ... ما طِبْتَ نفساً ساعةً بفِراقِي ) ( وحفِظْتَني حِفْظ الخليلِ خلِيلَه ... ووفيْتَ لي بالعَهْدِ والميثاقِ ) ( هيهاتَ قد حدثَتْ أمورٌ بَعْدَنا ... وشُغِلْتَ باللذَّاتِ عن إسحاقِ ) وقد تركت - جعلت فداك - ما كرهت من العتاب في الشعر وغيره وقلت أبياتا لا أزال أخرج بها إلى ظهر المربد وأستقبل الشمال وأتنسم أرواحكم فيها ثم يكون ما الله أعلم به وإن كنت تكرهها تركتها إن شاء الله ( ألاَ قد أرى أنَّ الثَّواءَ قَلِيلُ ... وأنْ لَيْس يَبْقَى للخليلِ خَلِيلُ ) ( وإني وإنْ مُكّنْتُ في العَيْشِ حِقْبَةً ... كذِي سَفَرٍ قد حان منه رَحِيلُ ) ( فهلْ لي إلى أنْ تنظرَ العيْنُ مَرَّةً ... الى ابْنِ هشامٍ في الحياةِ سَبيلُ ! ) ( فقد خِفْتُ أنْ ألْقَى المنايا بحَسْرةٍ ... وفي النَّفْسِ مِنه حاجةٌ وغَلِيلُ ) وأما بعد فإني أعلم أنك - وإن لم تسل عن حالي - تحب أن تعلمها وأن تأتيك عني سلامة فأنا يوم كتبت إليك سالم البدن مريض القلب وبعد فأنا - جعلت فداك - في صنعة كتاب مليح ظريف فيه تسمية القوم ونسبهم وبلادهم وأسبابهم وأزمنتهم وما اختلفوا فيه من غنائهم وبعض أحاديثهم وأحاديث قيان الحجاز والكوفة والبصرة المعروفات والمذكورات وما قيل فيهن من الأشعار ولمن كن وإلى من صرن ومن كان يغشاهن ومن كان يرخص في السماع من الفقهاء والأشراف فأعلمني رأيك فيما تشتهي لأعمل على قدر ذلك إن شاء الله وقد بعثت إليك بأنموذج فإن كان كما قال القائل قبح الله كل دن أوله دردي لم نتجشم إتمامه وربحنا العناء فيه وإن كان كما قال العربي إن الجواد عينه فراره أعلمتنا فأتممناه مسرورين بحسن رأيك فيه إن شاء الله وهذا مما يدل على أن كتاب الأغاني المنسوب إلى إسحاق ليس له وإنما ألف ما رواه حماد ابنه عنه من دواوين القدماء غير مختلط بعضها ببعض وكان إسحاق يألف عليا وأحمد ابني هشام وسائر أهلهما إلفا شديدا ثم وقعت بينهم نبوة ووحشة في أمر لم يقع إلينا إلا لمعا غير مشروحة فهجاهم هجاء كثيرا وانفرجت الحال بينه وبينهم نماذج من شعره فأخبرني محمد بن خلف وكيع ويحيى بن علي بن يحيى وغيرهما عن أبي أيوب سليمان المديني عن مصعب قال قال لي أحمد بن هشام أما تستحي أنت وصباح بن خاقان وأنتما شيخان من مشايخ المروءة والعلم والأدب أن شبب بذكركما إسحاق في الشعر وهو مغن مذكور فيقول ( قد نهانا مُصْعَبٌ وصباحٌ ... فعَصَيْنا مُصْعَباً وصبَاحا ) ( عَذلاً ما عَذَلا أمْ ملاماً ... فاسترَحْنا منهما فاستراحا ) ويروى ( علما في العَذْل أم قد ألاما ... ) ويروى ( عذلا عَذْلَهما ثم أناما ... ) فقلت إن كان فعل فما قال إلا خيرا إنما ذكر أنا نهيناه عن خمر شربها وامرأة عشقها وقد أشاد باسمك في الشعر بأشد من هذا قال وما هو قلت قوله ( وصافيةٍ تغْشَى العيونَ رقيقةٍ ... رهينة عامٍ في الدِّنان وعَامِ ) ( أدَرْنا بها الكأْسَ الرَّوِيَّةَ مَوْهِناً ... من الليل حتى انْجَاب كلُّ ظَلامِ ) ( فما ذَرّ قَرْنُ الشَّمْسِ حتى كأننا ... من العي نحكي أحمد بنَ هِشامِ ) قال أو قد فعل العاض بظر أمه قلت إي والله لقد فعل إلى هاهنا رواية مصعب ووجدت هذا الخبر في غير روايته وفيه زيادة قد ذكرتها قال فآلى أحمد بن هشام أن يبلغ فيه كل مبلغ يقدر عليه وأن يجتهد في اغتياله قال إسحاق حضرت بدار الخليفة وحضر علي بن هشام فقال لي أتهجو أخي وتذكره بما بلغني من القبيح فقلت أو يتعرض أخوك لي ويتوعدني فوالله ما أبالي بما يكون منه لأني أعلم أنه لا يقدر لي على ضر والنفع فلا أريده منه وأنا شاعر مغن والله لأهجونه بما أفري به جلده وأهتك مروءته ثم لأغنين في أقبح ما أقوله فيه غناء تسري به الركبان فقال لي أو تهب لي عرضه وأصلح بينكما فقلت ذاك إليك وإن فعلته فلك لا له ففعل ذلك وفعلته به أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن يزيد النحوي قال كان صباح بن خاقان المنقري نديما لمصعب الزبيري فقال عبد الرحمن ابن أبي عبد الرحمن بن عائشة - وكان خليعا من أهل البصرة - ( مَنْ يكن إبْطُه كآباطِ ذَا الخَلقْ ... فإبْطاي في عِداد الفِقاحِ ) ( لِيَ إبْطانِ يَرْمِيانِ جَلِيسي ... بشبِيه السُّلاح بَلْ بالسُّلاحِ ) ( فكأنِّي مِنْ نَتْنِ هذا وهذا ... جالسٌ بين مُصْعَبٍ وصباحِ ) أخبرني علي بن يحيى المنجم قال حدثني أبي قال حدثني إسحاق قال دخلت على الفضل بن الربيع يوما فقال ما عندك قلت بيتان أرجو أن يكونا فيما يستطرف وأنشدته ( سنُغْضي عن المكروهِ من كلِّ ظالمٍ ... ونصبرُ حتى يصنَع اللهُ بالفَضْل ) ( فتنتصر الأحرارُ ممَّنْ يضِيمُها ... وتُدْرِكُ أقْصَى ما تطالِبُ من ذَحْلِ ) قال فدمعت عينه وقال من آذاك لعنه الله فقلت بنو هاشم وأخبرته الخبر قال يحيى بن علي ولم يذكر بأي شيء أخبره صوت ( قد حَصَّتِ الْبَيْضةُ رَأْسِي فما ... أطعَمُ نوماً غَيْرَ تَهْجاعِ ) ( أسْعَى على جُلِّ بَني مالكٍ ... كلُّ امرىء في شأنِه ساعِ ) ( مَنْ يَذُقِ الحَرْبَ يجِدْ طَعْمَها ... مُرّاً وتتركه بجَعْجاعِ ) ( لا نألم القَتْلَ ونَجْزِي به الأعداء ... كَيْلَ الصّاعِ بالصَّاعِ ) الشعر لأبي قيس بن الأسلت والغناء لإبراهيم خفيف ثقيل أول وقيل بل هو لمعبد نسب أبي قيس بن الأسلت وأخباره أبو قيس لم يقع إلي اسمه غير ابن الأسلت والأسلت لقب أبيه واسمه عامر بن جشم بن وائل بن زيد بن قيس بن عمارة بن مرة بن مالك بن الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر وهو شاعر من شعراء الجاهلية وكانت الأوس قد أسندت إليه حربها وجعلته رئيسا عليها فكفى وساد وأسلم ابنه عقبة بن أبي قيس واستشهد يوم القادسية وكان يزيد بن مرداس السلمي أخو عباس بن مرداس الشاعر قتل قيس بن أبي قيس بن الأسلت في بعض حروبهم فطلبه بثأره هارون بن النعمان بن الأسلت حتى تمكن من يزيد بن مرداس فقتله بقيس بن أبي قيس وهو ابن عمه ولقيس يقول أبوه أبو قيس بن الأسلت ( أقيسٌ إن هلكتُ وأنت حيُّ ... فلا تعدَمْ مُواصَلةَ الفَقيرِ ) وهذا الشعر الذي فيه الغناء يقوله أبو قيس في حرب بعاث ابن الأسلت قائد الأوس في حربها قال هشام بن الكلبي كانت الأوس قد أسندوا أمرهم في يوم بعاث إلى أبي قيس بن الأسلت الوائلي فقام في حربهم وآثرها على كل أمر حتى شحب وتغير ولبث أشهرا لا يقرب امرأة ثم إنه جاء ليلة فدق على امرأته وهي كبشة بنت ضمرة بن مالك بن عدي بن عمرو بن عوف ففتحت له فأهوى إليها بيده فدفعته وأنكرته فقال أنا أبو قيس فقالت والله ما عرفتك حتى تكلمت فقال في ذلك أبو قيس هذه القصيدة وأولها ( قالت ولم تَقْصِدْ لقيلِ الخَنا ... مَهْلاً فقد أبلغْتَ أسْماعِي ) ( استنكرَتْ لَوْناً لهُ شاحِباً ... والحربُ غُولٌ ذاتُ أوْجاع ) ( مَنْ يَذُقِ الحَرْبَ يَجدْ طعْمَها ... مُرّاً وتتركْه بِجَعْجَاع ) يوم بعاث سبب يوم بعاث فأما السبب في هذا اليوم وهو يوم بعاث فيما أخبرني به محمد بن جرير الطبري قال حدثنا محمد بن حميد الرازي قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق وأضفت إليه ما ذكره ابن الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن أبي عبيدة عن محمد بن عمار بن ياسر وعن عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة الغسيل ابن أبي عامر الراهب أن الأوس كانت استعانت ببني قريظة والنضير في حروبهم التي كانت بينهم وبين الخزرج وبلغ ذلك الخزرج فبعثت إليهم إن الأوس فيما بلغنا قد استعانت بكم علينا ولن يعجزنا أن نستعين بأعدادكم وأكثر منكم من العرب فإن ظفرنا بكم فذاك ما تكرهون وإن ظفرتم لم ننم عن الطلب أبدا فتصيروا إلى ما تكرهون ويشغلكم من شأننا ما أنتم الآن منه خالون وأسلم لكم من ذلك أن تدعونا وتخلوا بيننا وبين إخواننا فلما سمعوا ذلك علموا أنه الحق فأرسلوا إلى الخزرج إنه قد كان الذي بلغكم والتمست الأوس نصرنا وما كنا لننصرهم عليكم أبدا فقالت لهم الخزرج فإن كان ذلك كذلك فابعثوا إلينا برهائن تكون في أيدينا فبعثوا إليهم أربعين غلاما منهم ففرقهم الخزرج في دورهم فمكثوا بذلك مدة ثم إن عمرو بن النعمان البياضي قال لقومه بياضة إن عامرا أنزلكم منزل سوء بين سبخة ومفازة وإنه والله لا يمس رأسي غسل حتى أنزلكم منازل بني قريظة والنضير على عذب الماء وكريم النخل ثم راسهلم إما أن تخلوا بيننا وبين دياركم نسكنها وإما أن نقتل رهنكم فهموا أن يخرجوا من ديارهم فقال لهم كعب بن أسد القرظي يا قوم امنعوا دياركم وخلوه يقتل الرهن والله ما هي إلا ليلة يصيب فيها أحدكم امرأته حتى يولد له غلام مثل أحد الرهن فاجتمع رأيهم على ذلك فأرسلوا إلى عمرو بألا نسلم لكم دورنا وانظروا الذي عاهدتمونا عليه في رهننا فقوموا لنا به فعدا عمرو بن النعمان على رهنهم هو ومن أطاعه من الخزرج فقتلوهم وأبى عبد الله بن أبي وكان سيدا حليما وقال هذا عقوق ومأثم وبغي فلست معينا عليه ولا أحد من قومي أطاعني وكان عنده في الرهن سليم بن أسد القرظي - وهو جد محمد بن كعب القرظي - فخلى عنه وأطلق ناس من الخزرج نفرا فلحقوا بأهليهم فناوشت الأوس الخزرج يوم قتل الرهن شيئا من قتال غير كبير واجتمعت قريظة والنضير إلى كعب بن أسد أخي بني عمرو بن قريظة ثم توامروا أن يعينوا الأوس على الخزرج فبعث إلى الأوس بذلك ثم أجمعوا عليه على أن ينزل كل أهل بيت من النبيت على بيت من قريظة والنضير فنزلوا معهم في دورهم وأرسلوا إلى النبيت يأمرونهم بإتيانهم وتعاهدوا ألا يسلموهم أبدا وأن يقاتلوا معهم حتى لا يبقى منهم أحد فجاءتهم النبيت فنزلوا مع قريظة والنضير في بيوتهم ثم أرسلوا إلى سائر الأوس في الحرب والقيام معهم على الخزرج فأجابوهم إلى ذلك فاجتمع الملأ منهم واستحكم أمرهم وجدوا في حربهم ودخلت معهم قبائل من أهل المدينة منهم بنو ثعلبة - وهم من غسان - وبنو زعوراء وهم من غسان فلما سمعت بذلك الخزرج اجتمعوا ثم خرجوا وفيهم عمرو بن النعمان البياضي وعمرو بن الجموح السلمي حتى جاؤوا عبد الله بن أبي وقالوا له قد كان الذي بلغك من أمر الأوس وأمر قريظة والنضير واجتماعهم على حربنا وإنا نرى أن نقاتلهم فإن هزمناهم لم يحرز أحد منهم معقله ولا ملجأه حتى لا يبقى منهم أحد فلما فرغوا من مقالتهم قام عبد الله بن أبي خطيبا وقال إن هذا بغي منكم على قومكم وعقوق ووالله ما أحب أن رجلا من جراد لقيناهم وقد بلغني أنهم يقولون هؤلاء قومنا منعونا الحياة أفيمنعوننا الموت والله إني أرى قوما لا ينتهون أو يهلكوا عامتكم وإني لأخاف إن قاتلوكم أن ينصروا عليكم لبغيكم عليهم فقاتلوا قومكم كما كنتم تقاتلونهم فإذا ولوا فخلوا عنهم فإذا هزموكم فدخلتم أدنى البيوت خلوا عنكم فقال له عمرو بن النعمان انتفخ والله سحرك يا أبا الحارث حين بلغك حلف الأوس قريظة والنضير فقال عبد الله والله لا حضرتكم أبدا ولا أحد أطاعني أبدا ولكأني أنظر إليك قتيلا تحملك أربعة في عباءة وتابع عبد الله بن أبي رجال من الخزرج منهم عمرو بن الجموح الحرامي واجتمع كلام الخزرج على أن رأسوا عليهم عمرو بن النعمان البياضي وولوه أمر حربهم ولبثت الأوس والخزرج أربعين ليلة يتصنعون للحرب ويجمع بعضهم لبعض ويرسلون إلى حلفائهم من قبائل العرب فأرسلت الخزرج إلى جهينة وأشجع فكان الذي ذهب إلى أشجع ثابت بن قيس بن شماس فأجابوه وأقبلوا إليهم وأقبلت جهينة إليهم أيضا وأرسلت الأوس إلى مزينة وذهب حضير الكتائب الأشهلي إلى أبي قيس بن الأسلت فأمره أن يجمع له أوس الله فجمعهم له أبو قيس فقام حضير فاعتمد على قوسه وعليه نمرة تشف عن عورته فحرضهم وأمرهم بالجد في حربهم وذكر ما صنعت بهم الخزرج من إخراج النبيت وإذلال من تخلف من سائر الأوس في كلام كثير فجعل كلما ذكر ما صنعت بهم الخزرج وما ركبوه منهم يستشيط ويحمى وتقلص خصيتاه حتى تغيبا فإذا كلموه بما يحب تدلتا حتى ترجعا إلى حالهما فأجابته أوس الله بالذي يحب من النصرة والموازرة والجد في الحرب قال هشام فحدثني عبد المجيد بن أبي عيسى عن خير عن أشياخ من قومه أن الأوس اجتمعت يومئذ إلى حضير بموضع يقال له الجباة فأجالوا الرأي فقالت الأوس إن ظفرنا بالخزرج لم نبق منهم أحدا ولم نقاتلهم كما كنا نقاتلهم فقال حضير يا معشر الأوس ما سميتم الأوس إلا لأنكم تؤوسون الأمور الواسعة ثم قال ( يا قوم قد أصْبَحْتُمُ دَوَارا ... لمعشَرٍ قد قَتَلُوا الخِيارا ) ( يُوشِكُ أنْ يستَأصِلُوا الدِّيارا ... ) قال ولما اجتمعوا بالجباة طرحوا بين أيديهم تمرا وجعلوا يأكلون وحضير الكتائب جالس وعليه بردة له قد اشتمل بها الصماء وما يأكل معهم ولا يدنو إلى التمر غضبا وحنقا فقال يا قوم اعقدوا لأبي قيس بن الأسلت فقال لهم أبو قيس لا أقبل ذلك فإني لم أرأس على قوم في حرب قط إلا هزموا وتشاءموا برياستي وجعلوا ينظرون إلى حضير واعتزاله أكلهم واشتغاله بما هم فيه من أمر الحرب وقد بدت خصيتاه من تحت البرد فإذا رأى منهم ما يكره من الفتور والتخاذل تقلصتا غيظا وغضبا وإذا رأى منهم ما يحب من الجد والتشمير في الحرب عادتا لحالهما وأجابت إلى ذلك أوس مناة وجدوا في الموازرة والمظاهرة وقدمت مزينة على الأوس فانطلق حضير وأبو عامر الراهب بن صيفي إلى أبي قيس بن الأسلت فقالا قد جاءتنا مزينة واجتمع إلينا من أهل يثرب ما لا قبل للخزرج به فما الرأي إن نحن ظهرنا عليهم الإنجاز أم البقية فقال أبو قيس بل البقية فقال أبو عامر والله لوددت أن مكانهم ثعلبا ضباحا فقال أبو قيس اقتلوهم حتى يقولوا بزا بزا - كلمة كانوا يقولونها إذا غلبوا - فتشاجروا في ذلك وأقسم حضير ألا يشرب الخمر أو يظهر ويهدم مزاحما أطم عبد الله بن أبي فلبثوا شهرين يعدون ويستعدون ثم التقوا ببعاث وتخلف عن الأوس بنو حارثة بن الحارث فبعثوا إلى الخزرج إنا والله ما نريد قتالكم فبعثوا إليهم أن ابعثوا إلينا برهن منكم يكونون في أيدينا فبعثوا إليهم اثني عشر رجلا منهم خديج أبو رافع بن خديج وبعاث من أموال بني قريظة فيها مزرعة يقال لها قورى فلذلك تدعى بعاث الحرب حشد القوات وحشد الحيان فلم يتخلف عنهم إلا من لا ذكر له ولم يكونوا حشدوا قبل ذلك في يوم التقوا فيه فلما رأت الأوس الخزرج أعظموهم وقالوا لحضير يا أبا أسيد لو حاجزت القوم وبعثت إلى من تخلف من حلفائك من مزينة فطرح قوسا كانت في يده ثم قال أنتظر مزينة وقد نظر إلي القوم ونظرت إليهم الموت قبل ذلك ثم حمل وحملوا فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزمت الأوس حين وجدوا مس السلاح فولوا مصعدين في حرة قورى نحو العريض وذلك وجه طريق نجد فنزل حضير وصاحت بهم الخزرج أين الفرار ألا إن نجدا سنة - أي مجدب - يعيرونهم فلما سمع حضير طعن بسنان رمحه فخذه ونزل وصاح واعقراه والله لا أريم حتى أقتل فإن شئتم يا معشر الأوس أن تسلموني فافعلوا فتعطفت عليه الأوس وقام على رأسه غلامان من بني عبد الأشهل يقال لهما محمود ولبيد - ابنا خليفة بن ثعلبة - وهما يومئذ معرسان ذوا بطش فجعلا يرتجزان ويقولان ( أيَّ غلامَيْ ملكٍ تَرانا ... في الحَرْبِ إذ دَارَتْ بنا رَحانا ) ( وعدَّدَ الناسُ لنَا مَكانا ... ) مقتل عمرو بن النعمان وانهزام الخزرج فقاتلا حتى قتلا وأقبل سهم حتى أصاب عمرو بن النعمان رأس الخزرج فقتله لا يدرى من رمى به إلا أن بني قريظة تزعم أنه سهم رجل يقال له أبو لبابة فقتله فبينا عبد الله بن أبي يتردد على بغلة له قريبا من بعاث يتحسس أخبار القوم إذ طلع عليه بعمرو بن النعمان ميتا في عباءة يحمله أربعة إلى داره فلما رآه عبد الله بن أبي قال من هذا قالوا عمرو بن النعمان قال ذق وبال العقوق وانهزمت الخزرج ووضعت الأوس فيهم السلاح وصاح صائح يا معشر الأوس أسجحوا ولا تهلكوا إخوتكم فجوارهم خير من جوار الثعالب فتناهت الأوس وكفت عن سلبهم بعد إثخان فيهم وسلبتهم قريظة والنضير وحملت الأوس حضيرا من الجراح التي به وهم يرتجزون حوله ويقولون ( كَتِيبة زَيَّنَها مَوْلاها ... لا كَهْلُها هِدٌّ ولا فَتاها ) وجعلت الأوس تحرق على الخزرج نخلها ودورها فخرج سعد بن معاذ الأشهلي حتى وقف على باب بني سلمة وأجارهم وأموالهم جزاء لهم بيوم الرعل وكان للخزرج على الأوس يوم يقال له يوم مغلس ومضرس وكان سعد بن معاذ حمل يومئذ جريحا إلى عمرو بن الجموح الحرامي فمن عليه وأجاره وأخاه يوم رعل وهو على الأوس من القطع والحرق فكافأه سعد بمثل ذلك في يوم بعاث وأقسم كعب بن أسد القرظي ليذلن عبد الله بن أبي وليحلقن رأسه تحت مزاحم فناداه كعب انزل يا عدو الله فقال له عبد الله أنشدك الله وما خذلت عنكم فسأل عما قال فوجده حقا فرجع عنه وأجمعت الأوس على أن تهدم مزاحما أطم عبد الله بن أبي وحلف حضير ليهدمنه فكلم فيه فأمرهم أن يريثوا فيه فحفروا فيه كوة وأفلت يومئذ الزبير بن إياس بن باطا ثابت بن قيس بن شماس أخا بني الحارث بن الخزرج وهي النعمة التي كافأه بها ثابت في الإسلام يوم بني قريظة وخرج حضير الكتائب وأبو عامر الراهب حتى أتيا أبا قيس بن الأسلت بعد الهزيمة فقال له حضير يا أبا قيس إن رأيت أن تأتي الخزرج قصرا قصرا ودارا دارا نقتل ونهدم حتى لا يبقى منهم أحد فقال أبو قيس والله لا نفعل ذلك فغضب حضير وقال ما سميتم الأوس إلا لأنكم تووسون الأمر أوسا ولو ظفرت منا الخزرج بمثلها ما أقالوناها ثم انصرف إلى الأوس فأمرهم بالرجوع إلى ديارهم موت حضير الكتائب الأشهلي وكان حضير جرح يومئذ جراحة شديدة فذهب به كليب بن صيفي بن عبد الأشهل إلى منزله في بني أمية بن زيد فلبث عنده أياما ثم مات من الجراحة التي كانت به فقبره اليوم في بني أمية بن زيد قال وكان يهودي أعمى من بني قريظة يومئذ في أطم من آطامهم فقال لابنة له أشرفي على الأطم فانظري ما فعل القوم فأشرفت فقالت أسمع الصوت قد ارتفع في أعلى قورى وأسمع قائلا يقول اضربوا يا آل الخزرج فقال الدولة إذا على الأوس لا خير في البقاء ثم قال ماذا تسمعين قالت أسمع رجالا يقولون يا آل الأوس ورجالا يقولون يا آل الخزرج قال الآن حمي القتال ثم لبث ساعة ثم قال أشرفي فاسمعي فأشرفت فقالت أسمع قوما يقولون ( نحن بنو صَخْرَة أصحابُ الرَّعَلْ ... ) قال تلك بنو عبد الأشهل ظفرت والله الأوس - وصخرة أمهم بنت مرة بن ظفر أم بني عبد الأشهل - ثم وثب فرحا نحو باب الأطم فضرب رأسه بحلق بابه وكان من حجارة فسقط فمات وكان أبو عامر قد حلف ليركزن رمحه في أصل مزاحم أطم عبد الله بن أبي فخرجت جماعة من الأوس حتى أحاطوا به وكانت تحت أبي عامر جميلة بنت عبد الله بن أبي وهي أم حنظلة الغسيل بن أبي عامر فأشرف عليهم عبد الله فقال إني والله ما رضيت هذا الأمر ولا كان عن رأيي وقد عرفتم كراهتي له فانصرفوا عني فقال أبو عامر لا والله لا أنصرف حتى أركز لوائي في أصل أطمك فلما رأى حنظلة أنه لا ينصرف قال لهم إن أبي شديد الوجد بي فأشرفوا بي عليه ثم قولوا والله لئن لم تنصرف عنا لنرمين برأسه إليك فقالوا ذلك له فركز رمحه في أصل الأطم ليمينه ثم انصرف فذلك قول قيس بن الخطيم ( صبَحْنَا به الآطامَ حَوْلَ مُزاحِمٍ ... قَوانِسُ أولَى بَيْضِنا كالكواكب ) وأسر أبو قيس بن الأسلت يومئذ مخلد بن الصامت الساعدي أبا مسلمة بن مخلد اجتمع إليه ناس من قومه من مزينة ومن يهود فقالوا اقتله فأبى وخلى سبيله وأنشأ يقول ( أسرت مخلدا فعفوت عنه ... وعند الله صالح ما أتيت ) ( مزينة عنده ويهود قورى ... وقومي كل ذلكم كفيت ) رثاء حضير ( وقال خفاف بن ندبة يرثي حضير الكتائب وكان نديمه وصديقه ( لو انَّ المنايا حِدْنَ عن ذِي مَهابةٍ ... لَهِبْنَ حُضيراً يومَ أغلق وَاقِما ) ( أطاف به حتى إذا الليلُ جَنَّهُ ... تَبَوَّأ منه منزلاً مُتَناعِما ) وقال أيضا يرثيه ( أتَاني حديثُ فكذَّبْتُه ... وقيل خَليلُكَ في المَرْمَسِ ) ( فيا عين بَكِّي حُضَير النّدَى ... حُضَيرَ الكَتائبِ والمجلس ) ( ويومٍ شديدِ أُوَارِ الحديدِ ... تقطَّعُ منه عُرَى الأنْفُسِ ) ( صَلِيتَ به وعليك الحديد ... ُ ما بين سَلعٍ إلى الأعْرُسِ ) ( فأوْدَى بنفسكَ يومُ الوَغى ... ونقَّى ثيابك لم تدنَسِ ) أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني داود بن محمد بن جميل عن ابن الأعرابي قال قال لي الهيثم بن عدي كنا جلوسا عند صالح بن حسان فقال لنا وأخبرني عمي عن الكراني عن النوشجاني عن العمري عن الهيثم بن عدي قال قال لنا صالح بن حسان وأخبرني به الأخفش عن المبرد قال قال لي صالح بن حسان أنشدوني بيتا خفرا في امرأة خفرة شريفة فقلنا قول حاتم ( يُضِيءُ لها البيتُ الظليلُ خصاصُه ... إذا هِيَ يَوْماً حاولَتْ أن تبسَّما ) فقال هذه من الأصنام أريد أحسن من هذا قلنا قول الأعشى ( كأنَّ مِشْيَتَها مِنْ بَيْتِ جارتِها ... مَرُّ السحابة لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ ) فقال هذه خراجة ولاجة كثيرة الاختلاف قلنا بيت ذي الرمة ( تَنُوءُ بأُخراها فلأياً قِيامُها ... وتَمْشي الهُوَيْنا مِنْ قَرِيبٍ فتُبْهَرُ ) فقال هذا ليس ما أردت إنما وصف هذه بالسمن وثقل البدن فقلنا ما عندنا شيء فقال قول أبي قيس بن الأسلت ( ويكرِمُها جاراتها فيزرْنَها ... وتَعْتَلُّ عن إتيانِهنَّ فتُعْذَرُ ) ( وليس لها أنْ تستهين بجارةٍ ... ولكنها مِنْهُنَّ تحْيَا وتخفَرُ ) ثم قال أنشدوني أحسن بيت وصفت به الثريا قلنا بيت ابن الزبير الأسدي ( وقد لاح في القُور الثُّريَّا كأنما ... به رايةٌ بيضاء تخفقٌ للطَّعْنِ ) قال أريد أحسن من هذا قلنا بيت امرىء القيس ( إذا ما الثريَّا في السماء تعرَّضَتْ ... تعرضَ أثناءِ الوِشاحِ المُفصَّلِ ) قال أريد أحسن من هذا قلنا بيت ابن الظثرية ( إذا ما الثريَّا في السماء كأنها ... جُمانٌ وَهَى مِنْ سِلْكِه فتَسرَّعا ) قال أريد أحسن من هذا قلنا ما عندنا شيء قال قول أبي قيس بن الأسلت ( وقد لاح في الصُّبْح الثريَّا لمن رَأى ... كعنقود مُلاَّحِيَّة حين نَّورا ) قال فحكم له عليهم في هذين المعنيين بالتقدم استشهاد عبد الملك بشعر ابن الأسلت أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الحسين بن أحمد بن طالب الديناري قال حدثني أبو عدنان قال حدثني الهيثم بن عدي قال حدثني الضحاك بن زميل السكسكي قال لما قتل عبد الملك بن مروان مصعب بن الزبير خطب الناس بالنخيلة فقال في خطبته أيها الناس دعوا الأهواء المضلة والآراء المتشتتة ولا تكلفونا أعمال المهاجرين وأنتم لا تعملون بها فقد جاريتمونا إلى السيف فرأيتم كيف صنع الله بكم ولا أعرفنكم بعد الموعظة تزدادون جراءة فإني لا أزداد بعدها إلا عقوبة وما مثلي ومثلكم إلا كما قال أبو قيس بن الأسلت ( من يَصْلَ نارِي بلا ذَنْبٍ ولا تِرَةٍ ... يصلَ بنارِ كريمٍ غيْر غَدَّارِ ) ( أنا النذيرُ لكم مِنِّي مُجاهرة ... كي لا أُلامَ على نهيٍ وإعذار ) ( فإنْ عصيْتم مقالي اليومَ فاعترفوا ... أنْ سوف تلقون خِزياً ظاهِرَ العارِ ) ( لتُتْرَكُنَّ أحاديثاً مُلَعَّنَةً ... عند المقيم وعند المُدْلج السَّارِي ) ( وصاحب الوِتْر ليس الدهرَ مُدْرِكَه ... عندي وإني لطلاَّبٌ لأوْتارِ ) ( أُقِيمُ عَوْجَتَهُ إن كان ذا عِوجٍ ... كما يقوِّمُ قِدح النَّبْعَةِ الباري ) صوت ( ترفَّعْ أيها القمر المنيرُ ... لعلَّكِ أن ترى حُجْراً يَسيرُ ) ( يَسير إلى مُعاوية بن حَرْبٍ ... ليقتلَه كما زعم الأميرُ ) ( ألا يا حُجْر حجر بني عَدِيٍّ ... تلقَّتكَ السلامة والسرور ) ( تنعّمت الجَبابِرُ بعد حُجْرٍ ... وطاب لها الخورنَقُ والسَّدِيرُ ) الشعر لامرأة من كندة ترثي حجر بن عدي صاحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه والغناء لحكم الوادي رمل بالوسطى وفيه لحنين هزج خفيف بالوسطى عن ابن المكي والهشامي خبر مقتل حجر بن عدي حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا محمد بن الحكم قال حدثنا أبو مخنف قال حدثنا خالد بن قطن عن المجالد بن سعيد الهمداني والصقعب بن زهير وفضيل بن خديج والحسن بن عقبة المرادي وقد اختصرت جملا من ذلك يسيرة تحرزا من الإطالة استنكاره ذم علي ولعنه أن المغيرة بن شعبة لما ولي الكوفة كان يقوم على المنبر فيذم علي بن أبي طالب وشيعته وينال منهم ويلعن قتلة عثمان ويستغفر لعثمان ويزكيه فيقوم حجر بن عدي فيقول ( يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم ) وإني أشهد أن من تذمون أحق بالفضل ممن تطرون ومن تزكون أحق بالذم ممن تعيبون فيقول له المغيرة يا حجر ويحك أكفف من هذا واتق غضبة السلطان وسطوته فإنها كثيرا ما تقتل مثلك ثم يكف عنه فلم يزل كذلك حتى كان المغيرة يوما في آخر أيامه يخطب على المنبر فنال من علي بن أبي طالب عليه السلام ولعنه ولعن شيعته فوثب حجر فنعر نعرة أسمعت كل من كان في المسجد وخارجه فقال له إنك لا تدري أيها الإنسان بمن تولع أو هرمت مر لنا بأعطياتنا وأرزاقنا فإنك قد حبستها عنا ولم يكن ذلك لك ولا لمن كان قبلك وقد أصبحت مولعا بذم أمير المؤمنين وتقريظ المجرمين فقام معه أكثر من ثلاثين رجلا يقولون صدق والله حجر مر لنا بأعطياتنا فإنا لا ننتفع بقولك هذا ولا يجدي علينا وأكثروا في ذلك فنزل المغيرة ودخل القصر فاستأذن عليه قومه ودخلوا ولاموه في احتماله حجرا فقال لهم إني قد قتلته قالوا وكيف ذلك قال إنه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه فيأخذه عند أول وهلة فيقتله شر قتلة إنه قد اقترب أجلي وضعف عملي وما أحب أن أبتدىء أهل هذا المصر بقتل خيارهم وسفك دمائهم فيسعدوا بذلك وأشقى ويعز معاوية في الدنيا ويذل المغيرة في الآخرة سيذكرونني لو قد جربوا العمال قال الحسن بن عقبة فسمعت شيخا من الحي يقول قد والله جربناهم فوجدناه خيرهم زياد يحذره وينذره قال ثم هلك المغيرة سنة خمسين فجمعت الكوفة والبصرة لزياد فدخلها ووجه إلى حجر فجاءه وكان له قبل ذلك صديقا فقال له قد بلغني ما كنت تفعله بالمغيرة فيحتمله منك وإني والله لا أحتملك على مثل ذلك أبدا أرأيت ما كنت تعرفني به من حب علي ووده فإن الله قد سلخه من صدري فصيره بغضا وعداوة وما كنت تعرفني به من بغض معاوية وعداوته فإن الله قد سلخه من صدري وحوله حبا ومودة وإني أخوك الذي تعهد إذا أتيتني وأنا جالس للناس فاجلس معي على مجلسي وإذا أتيت ولم أجلس للناس فاجلس حتى أخرج إليك ولك عندي في كل يوم حاجتان حاجة غدوة وحاجة عشية إنك إن تستقم تسلم لك دنياك ودينك وإن تأخذ يمينا وشمالا تهلك نفسك وتشط عندي دمك إني لا أحب التنكيل قبل التقدمة ولا آخذ بغير حجة اللهم اشهد فقال حجر لن يرى الأمير مني إلا ما يحب وقد نصح وأنا قابل نصيحته ثم خرج من عنده فكان يتقيه ويهابه وكان زياد يدنيه ويكرمه ويفضله والشيعة تختلف إلى حجر وتسمع منه وكان زياد يشتو بالبصرة ويصيف بالكوفة ويستخلف على البصرة سمرة بن جندب وعلى الكوفة عمرو بن حريث فقال له عمارة بن عقبة إن الشيعة تختلف إلى حجر وتسمع منه ولا أراه عند خروجك إلا ثائرا فدعاه زياد فحذره ووعظه وخرج إلى البصرة واستعمل عمرو بن حريث فجعلت الشيعة تختلف إلى حجر ويجيء حتى يجلس في المسجد فتجتمع إليه الشيعة حتى يأخذوا ثلث المسجد أو نصفه وتطيف بهم النظارة ثم يمتلىء المسجد ثم كثروا وكثر لغطهم وارتفعت أصواتهم بذم معاوية وشتمه ونقص زياد وبلغ ذلك عمرو بن حريث فصعد المنبر واجتمع إليه أشراف أهل المصر فحثهم على الطاعة والجماعة وحذرهم الخلاف فوثب إليه عنق من أصحاب حجر يكبرون ويشتمون حتى دنوا منه فحصبوه وشتموه حتى نزل ودخل القصر وأغلق عليه بابه وكتب إلى زياد بالخبر فلما أتاه أنشد يتمثل بقول كعب بن مالك ( فلما غدْوا بالعِرْض قال سَراتنا ... علامَ إذا لم نمنع العِرْض نزرعُ ) ما أنا بشيء إن لم أمنع الكوفة من حجر وأدعه نكالا لمن بعده ويل أمك حجر لقد سقط بك العشاء على سرحان زياد يعود إلى الكوفة ويأمر بإحضاره ثم أقبل حتى أتى الكوفة فدخل القصر ثم خرج وعليه قباء سندس ومطرف خز أخضر وحجر جالس في المسجد وحوله أصحابه ما كانوا فصعد المنبر فخطب وحذر الناس ثم قال لشداد بن الهيثم الهلالي أمير الشرط اذهب فائتني بحجر فذهب إليه فدعاه فقال أصحابه لا يأتيه ولا كرامة فسبوا الشرط فرجعوا إلى زياد فأخبروه فقال يا أشراف أهل الكوفة أتشجون بيد وتأسون بأخرى أبدانكم عندي وأهواؤكم مع هذا الهجاجة المذبوب أنتم معي وإخوتكم وأبناؤكم وعشيرتكم مع حجر فوثبوا إلى زياد فقالوا معاذ الله أن يكون لنا فيما ها هنا رأي إلا طاعتك وطاعة أمير المؤمنين وكل ما ظننت أن يكون فيه رضاك فمرنا به قال ليقم كل امرىء منكم إلى هذه الجماعة التي حول حجر فليدع الرجل أخاه وابنه وذا قرابته ومن يطيعه من عشيرته حتى تقيموا عنه كل من استطعتم ففعلوا وجعلوا يقيمون عنه أصحابه حتى تفرق أكثرهم وبقي أقلهم فلما رأى زياد خفة أصحابه قال لصاحب شرطته اذهب فائتني بحجر فإن تبعك وإلا فمر من معك أن ينتزعوا عمد السيوف ثم يشدوا عليه حتى يأتوا به ويضربوا من حال دونه فلما أتاه شداد قال له أجب الأمير فقال أصحاب حجر لا والله ولا نعمة عين لا يجيبه فقال لأصحابه علي بعمد السيوف فاشتدوا إليها فأقبلوا بها فقال عمير بن زيد الكلبي أبو العمرطة إنه ليس معك رجل معه سيف غيري فما يغني سيفي قال فما ترى قال قم من هذا المكان فالحق بأهلك يمنعك قومك فقام وزياد ينظر على المنبر إليهم فغشوا حجرا بالعمد فضرب رجل من الحمراء يقال له بكر بن عبيد رأس عمرو بن الحمق بعمود فوقع وأتاه أبو سفيان بن العويمر والعجلان بن ربيعة - وهما رجلان من الأزد - فحملاه فأتيا به دار رجل من الأزد يقال له عبيد الله بن موعد فلم يزل بها متواريا حتى خرج منها قال أبو مخنف فحدثني يوسف بن زياد عن عبيد الله بن عوف قال لما انصرفنا عن عروة باجميرى قبل قتل عبد الملك مصعبا بعام فإذا أنا بالأحمري الذي ضرب عمرو بن الحمق يسايرني ولا والله ما رأيته منذ ذلك اليوم وما كنت أرى لو رأيته أن أعرفه فلما رأيته ظننته هو هو وذلك حين نظرنا إلى أبيات الكوفة فكرهت أن أسأله أنت ضارب عمرو بن الحمق فيكابرني فقلت له ما رأيتك منذ اليوم الذي ضربت فيه رأس عمرو بن الحمق بالعمود في المسجد فصرعته حتى يومي ولقد عرفتك الآن حين رأيتك فقال لي لا تعدم بصرك ما أثبت نظرك كان ذلك أمر السلطان أما والله لقد بلغني أنه قد كان امرأ صالحا ولقد ندمت على تلك الضربة فأستغفر الله فقلت له الآن ترى لا والله لا أفترق أنا وأنت حتى أضربك في رأسك مثل الضربة التي ضربتها عمرو بن الحمق وأموت أو تموت قال فناشدني وسألني بالله فأبيت عليه ودعوت غلاما يدعى رشيدا من سبي أصبهان معه قناة له صلبة فأخذتها منه ثم أحمل عليه فنزل عن دابته فألحقه حين استوت قدماه على الأرض فأصفق بها هامته فخر لوجهه وتركته ومضيت فبرأ بعد ذلك فلقيته مرتين من دهري كل ذلك يقول لي الله بيني وبينك فأقول له الله بينك وبين عمرو بن الحمق رجع الحديث إلى سياقه الأول قال فقال زياد - وهو على المنبر - لتقم همدان وتميم وهوازن وأبناء بغيض ومذحج وأسد وغطفان فليأتوا جبانة كندة وليمضوا من ثم إلى حجر فليأتوني به ثم كره أن تسير مضر مع اليمن فيقع شغب واختلاف أو تنشب الحمية فيما بينهم فقال لتقم تميم وهوازن وأبناء بغيض وأسد وغطفان ولتمض مذحج وهمدان إلى جبانة كندة ثم ليمضوا إلى حجر فليأتوني به وليسير أهل اليمن حتى ينزلوا جبانة الصيداويين وليمضوا إلى صاحبهم فليأتوني به فخرجت الأزد وبجيلة وخثعم والأنصار وقضاعة وخزاعة فنزلوا جبانة الصيداويين ولم تخرج حضرموت مع اليمن لمكانهم من كندة قال أبو مخنف فحدثني سعيد بن يحيى بن مخنف عن محمد بن مخنف قال فإني لمع أهل اليمن وهم يتشاورون في أمر حجر فقال لهم عبد الرحمن بن مخنف أنا مشير عليكم برأي فإن قبلتموه رجوت أن تسلموا من اللائمة والإثم أن تلبثوا قليلا حتى تكفيكم عجلة في شباب مذحج وهمدان ما تكرهون أن يكون من مساءة قومكم في صاحبكم فأجمع رأيهم على ذلك فلا والله ما كان إلا كلا ولا حتى أتينا فقيل لنا إن شباب مذحج وهمدان قد دخلوا فأخذوا كل ما وجدوا في بني بجيلة حجر الهارب لا يحب الهلاك لأصحابه قال فمر أهل اليمن على نواحي دور كندة معذرين فبلغ ذلك زيادا فأثنى على مذحج وهمدان وذم أهل اليمن فلما انتهى حجر إلى داره ورأى قلة من معه قال لأصحابه انصرفوا فوالله ما لكم طاقة بمن اجتمع عليكم من قومكم وما أحب أن أعرضكم للهلاك فذهبوا لينصرفوا فلحقتهم أوائل خيل مذحج وهمدان فعطف عليهم عمير بن يزيد وقيس بن يزيد وعبيدة بن عمرو وجماعة فتقاتلوا معهم فقاتلوا عنه ساعة فجرحوا وأسر قيس بن يزيد وأفلت سائر القوم فقال لهم حجر لا أبا لكم تفرقوا لا تقتلوا فإني آخذ في بعض هذه الطرق ثم أخذ نحو طريق بني حرب من كندة حتى أتى دار رجل منهم يقال له سليمان بن يزيد فدخل داره وجاء القوم في طلبه ثم انتهوا إلى تلك الدار فأخذ سليمان بن يزيد سيفه ثم ذهب ليخرج إليهم فبكت بناته فقال له حجر ما تريد لا أبا لك فقال له أريد والله أن ينصرفوا عنك فإن فعلوا وإلا ضاربتهم بسيفي هذا ما ثبت قائمه في يدي دونك فقال له حجر بئس والله إذن ما دخلت به على بناتك أما في دارك هذه حائط أقتحمه أو خوخة أخرج منها عسى الله أن يسلمني منهم ويسلمك فإن القوم إن لم يقدروا علي في دارك لم يضرك أمرهم قال بلى هذه خوخة تخرجك إلى دور بني العنبر من كندة فخرج معه فتية من الحي يقصون له الطريق ويسلكون به الأزقة حتى أفضى إلى النخع فقال عند ذلك انصرفوا رحمكم الله فانصرفوا عنه وأقبل إلى دار عبد الله بن الحارث أخي الأشتر فدخلها فإنه لكذلك قد ألقى له عبد الله الفرش وبسط له البسط وتلقاه ببسط الوجه وحسن البشر إذ أتي فقيل له إن الشرط تسأل عنك في النخع وذلك أن أمة سوداء يقال لها أدماء لقيتهم فقالت لهم من تطلبون قالوا نطلب حجرا فقالت هو ذا قد رأيته في النخع فانصرفوا نحو النخع فخرج متنكرا وركب معه عبد الله ليلا حتى أتى دار ربيعة بن ناجذ الأزدي فنزل بها فمكث يوما وليلة فلما أعجزهم أن يقدروا عليه دعا زياد محمد بن الأشعث فقال أما والله لتأتيني بحجر أو لا أدع لك نخلة إلا قطعتها ولا دارا إلا هدمتها ثم لا تسلم مني بذلك حتى أقطعك إربا إربا فقال له أمهلني أطلبه قال قد أمهلتك ثلاثا فإن جئت به وإلا فاعدد نفسك من الهلكى وأخرج محمد نحو السجن وهو منتقع اللون يتل تلا عنيفا فقال حجر بن يزيد الكندي من بني مرة لزياد ضمنيه وخل سبيله ليطلب صاحبه فإنه مخلى سربه أحرى أن يقدر عليه منه إذا كان محبوسا قال أتضمنه لي قال نعم قال أما والله لئن حاص عنك لأوردنك شعوب وإن كنت الآن علي كريما قال إنه لا يفعل فخلى سبيله ثم إن حجر بن يزيد كلمه في قيس بن يزيد وقد أتي به أسيرا فقال ما عليه من بأس قد عرفنا رأيه في عثمان رضي الله عنه وبلاءه مع أمير المؤمنين بصفين ثم أرسل إليه فأتي به فقال قد علمت أنك لم تقاتل مع حجر أنك ترى رأيه ولكن قاتلت معه حمية وقد غفرنا لك لما نعلمه من حسن رأيك ولكن لا أدعك حتى تأتيني بأخيك عمير قال آتيك به إن شاء الله قال هات من يضمنه معك قال هذا حجر بن يزيد قال حجر نعم على أن تؤمنه على ماله ودمه قال ذلك لك فانطلقا فأتيا به فأمر به فأوقر حديدا ثم أخذته الرجال ترفعه حتى إذا بلغ سررها ألقوه فوقع على الأرض ثم رفعوه فألقوه ففعل به ذلك مرارا فقام إليه حجر بن يزيد فقال أولم تؤمنه قال بلى لست أهريق له دما ولا آخذ له مالا فقال هذا يشفي به على الموت وقام كل من كان عنده من أهل اليمن فكلموه فيه فقال أتضمنونه لي بنفسه متى أحدث حدثا أتيتموني به قالوا نعم فخلى سبيله ومكث حجر في منزل ربيعة بن ناجذ يوما وليلة ثم بعث إلى ابن الأشعث غلاما رشيدا من سبي أصبهان فقال له إنه قد بلغني ما استقبلك به هذا الجبار العنيد فلا يهولنك شيء من أمره فإني خارج إليك فاجمع نفرا من قومك وادخل عليه واسأله أن يؤمنني حتى يبعثني إلى معاوية فيرى في رأيه زياد يأمر بحبسه ويطلب رؤوس أصحابه فخرج محمد إلى حجر بن يزيد وجرير بن عبد الله وعبد الله أخي الأشتر فدخلوا إلى زياد فطلبوا إليه فيما سأله حجر فأجاب فبعثوا إليه رسولا يعلمونه بذلك فأقبل حتى دخل على زياد فقال له مرحبا يا أبا عبد الرحمن حرب في أيام الحرب وحرب وقد سالم الناس على نفسها تجني براقش فقال له ما خلعت يدا عن طاعة ولا فارقت جماعة وإني لعلى بيعتي فقال هيهات يا حجر أتشج بيد وتأسو بأخرى وتريد إذا أمكننا الله منك أن نرضى هيهات والله فقال ألم تؤمنني حتى آتي معاوية فيرى في رأيه قال بلى انطلقوا به إلى السجن فلما مضي به قال أما والله لولا أمانة ما برح حتى يلقط عصبه فأخرج وعليه برنس في غداة باردة فحبس عشر ليال وزياد ماله عمل غير الطلب لرؤوس أصحاب حجر فخرج عمرو بن الحمق ورفاعة بن شداد حتى نزلا المدائن ثم ارتحلا حتى أتيا الموصل فأتيا جبلا فكمنا فيه وبلغ عامل ذلك الرستاق - وهو رجل من همدان يقال له عبيد الله بن بلتعة - خبرهما فسار إليهما في الخيل ومعه أهل البلد فلما انتهى إليهما خرجا فأما عمرو فكان بطنه قد استسقى فلم يكن عنده امتناع وأما رفاعة فكان شابا قويا فوثب على فرس له جواد وقال لعمرو أقاتل عنك قال وما ينفعني أن تقتل انج بنفسك فحمل عليهم فأفرجوا له حتى أخرجه فرسه وخرجت الخيل في طلبه وكان راميا فلم يلحقه فارس إلا رماه فجرحه أو عقره فانصرفوا عنه فأخذ عمرو بن الحمق فسألوه من أنت فقال من إن تركتموه كان أسلم لكم وإن قتلتموه كان أضر عليكم فسألوه فأبى أن يخبرهم فبعثوا به إلى عبد الرحمن بن عثمان وهو ابن أم الحكم الثقفي فلما رأى عمرا عرفه فكتب إلى معاوية بخبره فكتب إليه معاوية إنه زعم أنه طعن عثمان تسع طعنات وإنه لا يتعدى عليه فاطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان فأخرج فطعن تسع طعنات فمات في الأولى منهن أو في الثانية وبعث برأسه إلى معاوية فكان رأسه أول رأس حمل في الإسلام وجد زياد في طلب أصحاب حجر وهم يهربون منه ويأخذ من قدر عليه منهم فجاء قيس بن عباد الشيباني إلى زياد فقال له إن امرأ منا يقال له صيفي ابن فسيل من رؤوس أصحاب حجر وهو أشد الناس عليك فبعث إليه فأتي به فقال له زياد يا عدو الله ما تقول في أبي تراب فقال ما أعرف أبا تراب قال ما أعرفك به أما تعرف علي بن أبي طالب قال بلى قال فذاك أبو تراب قال كلا فذاك أبو الحسن والحسين فقال له صاحب الشرطة أيقول لك الأمير هو أبو تراب وتقول أنت لا قال أفإن كذب الأمير أردت أن أكذب وأشهد له بالباطل كما شهد قال له زياد وهذا أيضا مع ذنبك علي بالعصي فأتي بها فقال ما قولك في علي قال أحسن قول أنا قائله في عبد من عبيد الله أقوله في أمير المؤمنين قال اضربوا عاتقه بالعصي حتى يلصق بالأرض فضرب حتى لصق بالأرض ثم قال أقلعوا عنه ما قولك فيه قال والله لو شرحتني بالمدى والمواسي ما زلت عما سمعت قال لتلعننه أو لأضربن عنقك قال إذا والله تضربها قبل ذلك فأسعد وتشقى إن شاء الله قال أوقروه حديدا واطرحوه في السجن زياد يأمر رؤوس الأرباع أن يشهدوا على حجر وجمع زياد من أصحاب حجر بن عدي اثني عشر رجلا في السجن وبعث إلى رؤوس الأرباع فأشخصهم فحضروا وقال اشهدوا على حجر بما رأيتموه وهم عمرو بن حريث وخالد بن عرفطة وقيس بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة وأبو بردة بن أبي موسى فشهدوا أن حجرا جمع إليه الجموع وأظهر شتم الخليفة وعيب زياد وأظهر عذر أبي تراب والترحم عليه والبراءة من عدوه وأهل حربه وأن هؤلاء الذين معه رؤوس أصحابه وعلى مثل رأيه فنظر زياد في الشهادة فقال ما أظن هذه شهادة قاطعة وأحب أن يكون الشهود أكثر من أربعة فكتب أبو بردة بن أبي موسى بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى لله رب العالمين شهد أن حجر بن عدي خلع الطاعة وفارق الجماعة ولعن الخليفة ودعا إلى الحرب والفتنة وجمع إليه الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة وخلع أمير المؤمنين معاوية وكفر بالله كفرة صلعاء فقال زياد على مثل هذه الشهادة فاشهدوا والله لأجهدن في قطع عنق الخائن الأحمق فشهد رؤوس الأرباع الثلاثة الآخرون على مثل ذلك ثم دعا الناس فقال اشهدوا على مثل ما شهد عليه رؤوس الأرباع فقام عثمان بن شرحبيل التيمي أول الناس فقال اكتبوا اسمي فقال زياد ابدأوا بقريش ثم اكتبوا اسم من نعرفه ويعرفه أمير المؤمنين بالصحة والاستقامة فشهد إسحاق وموسى وإسماعيل بنو طلحة بن عبيد الله والمنذر بن الزبير وعمارة بن عقبة وعبد الرحمن بن هبار وعمر بن سعد ابن أبي وقاص وشهد عنان ووائل بن حجر الحضرمي وضرار بن هبيرة وشداد بن المنذر أخو الحضين بن المنذر وكان يدعى ابن بزيعة فكتب شداد بن بزيعة فقال أما لهذا أب ينسب إليه ألغوا هذا من الشهود فقيل له إنه أخو الحضين بن المنذر فقال انسبوه إلى أبيه فنسب فبلغ ذلك شدادا فقال والهفاه على ابن الزانية أوليست أمه أعرف من أبيه فوالله ما ينسب إلا إلى أمه سمية وشهد حجار بن أبجر العجلي وعمرو بن الحجاج ولبيد بن عطارد ومحمد بن عمير بن عطارد وأسماء بن خارجة وشمر بن ذي الجوشن وزحر ابن قيس الجعفي وشبث بن ربعي وسماك بن مخرمة الأسدي صاحب مسجد سماك ودعا المختار بن أبي عبيد وعروة بن المغيرة بن شعبة إلى الشهادة فراغا وشهد سبعون رجلا ودفع ذلك إلى وائل بن حجر وكثير بن شهاب وبعثهما عليهم وأمرهما أن يخرجوهم وكتب في الشهود شريح بن الحارث وشريح بن هانىء فأما شريح بن الحارث فقال سألني عنه فقلت أما إنه كان صواما قواما وأما شريح ابن هانىء فقال بلغني أن شهادتي كتبت فأكذبته ولمته وجاء وائل بن حجر وكثير بن شهاب فأخرجا القوم عشية وسار معهم أصحاب الشرط حتى أخرجوهم فلما انتهوا إلى جبانة عرزم نظر قبيصة بن ضبيعة العبسي إلى داره في جبانة عرزم فإذا بناته مشرفات فقال لوائل وكثير أدنياني أوص أهلي فأدنياه فلما دنا منهن بكين فسكت عنهن ساعة ثم قال اسكتن فسكتن فقال اتقين الله واصبرن فإني أرجو من ربي في وجهي هذا خيرا إحدى الحسنيين إما الشهادة فنعم سعادة وإما الانصراف إليكن في عافية فإن الذي كان يرزقكن ويكفيني مؤنتكن هو الله تبارك وتعالى وهو حي لا يموت وأرجو ألا يضيعكن وأن يحفظني فيكن ثم انصرف فجعل قومه يدعون له بالعافية وجاء شريح بن هانيء بكتاب فقال بلغوا هذا عني أمير المؤمنين فتحمله وائل بن حجر ومضوا بهم حتى انتهوا إلى مرج عذراء فحبسوا به وهم على أميال من دمشق وهم حجر بن عدي الكندي والأرقم بن عبد الله الكندي وشريك بن شداد الحضرمي وصيفي بن فسيل الشيباني وقبيصة بن ضبيعة العبسي وكريم بن عفيف الخثعمي وعاصم بن عوف البجلي وورقاء بن سمي البجلي وكدام بن حيان وعبد الرحمن بن حسان العنزيان ومحرز بن شهاب المنقري وعبد الله بن جؤية التميمي وأتبعهم زياد برجلين وهما عتبة بن الأخنس السعدي وسعيد بن نمران الهمداني الناعطي فكانوا أربعة عشر كتاب زياد إلى معاوية فبعث معاوية إلى وائل بن حجر وكثير فأدخلهما وفض كتابهما وقرأه على أهل الشام بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين من زياد بن أبي سفيان أما بعد فإن الله قد أحسن عند أمير المؤمنين البلاء فأداله من عدوه وكفاه مؤونة من بغى عليه إن طواغيت الترابية السابة رأسهم حجر بن عدي خلعوا أمير المؤمنين وفارقوا جماعة المسلمين ونصبوا لنا حربا فأطفأها الله عليهم وأمكننا منهم وقد دعوت خيار أهل المصر وأشرافهم وذوي النهى والدين فشهدوا عليهم بما رأوا وعلموا وقد بعثت إلى أمير المؤمنين وكتبت شهادة صلحاء أهل المصر وخيارهم في أسفل كتابي هذا فلما قرأ الكتاب قال ما ترون في هؤلاء فقال يزيد بن أسد البجلي أرى أن تفرقهم في قرى الشام فتكفيكهم طواغيتها كتاب شريح بن هانىء إلى معاوية ودفع وائل كتاب شريح إليه فقرأه وهو بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله معاوية أمير المؤمنين من شريح بن هانىء أما بعد فقد بلغني أن زيادا كتب إليك بشهادتي على حجر وإن شهادتي على حجر أنه ممن يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حرام المال والدم فإن شئت فاقتله وإن شئت فدعه فقرأ كتابه على وائل وقال ما أرى هذا إلا قد أخرج نفسه من شهادتكم فحبس القوم بعد هذا وكتب إلى زياد فهمت ما اقتصصت من أمر حجر وأصحابه والشهادة عليهم فأحيانا أرى أن قتلهم أفضل وأحيانا أرى أن العفو أفضل من قتلهم فكتب زياد إليه مع يزيد بن حجية التيمي قد عجبت لاشتباه الأمر عليك فيهم مع شهادة أهل مصرهم عليهم وهم أعلم بهم فإن كانت لك حاجة في هذا المصر فلا تردن حجرا وأصحابه إليه فمر يزيد بحجر وأصحابه فأخبرهم بما كتب به زياد فقال له حجر أبلغ أمير المؤمنين أنا على بيعته لا نقيلها ولا نستقيلها وإنما شهد علينا الأعداء والأظناء فقدم يزيد بن حجية على معاوية بالكتاب وأخبره يقول حجر فقال معاوية زياد أصدق عندنا من حجر وكتب جرير بن عبد الله في أمر الرجلين اللذين من بجيلة فوهبهما له وليزيد بن أسد وطلب وائل بن حجر في الأرقم الكندي فتركه وطلب أبو الأعور في عتبة بن الأخنس فوهبه له وطلب حمزة بن مالك الهمداني في سعيد ابن نمران فوهبه له وطلب حبيب بن مسلمة في عبد الله بن جؤية التميمي فخلى سبيله فقام مالك بن هبيرة فسأله في حجر فلم يشفعه فغضب وجلس في بيته وبعث معاوية هدبة بن فياض القضاعي والحصين بن عبد الله الكلابي وآخر معهما يقال له أبو صريف البدري فأتوهم عند المساء فقال الخثعمي حين رأى الأعور يقتل نصفنا وينجو نصفنا فقال سعيد بن نمران اللهم اجعلني ممن ينجو وأنت عني راض فقال عبد الرحمن بن حسان العنزي اللهم اجعلني ممن يكرم بهوانهم وأنت عني راض فطالما عرضت نفسي للقتل فأبى الله إلا ما أراد رسول معاوية إلى أصحاب حجر فجاء رسول معاوية إليهم فإنه لمعهم إذ جاء رسول بتخلية ستة منهم وبقي ثمانية فقال لهم رسول معاوية إنا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له فإن فعلتم هذا تركناكم وإن أبيتم قتلناكم وأمير المؤمنين يزعم أن دماءكم قد حلت بشهادة أهل مصركم عليكم غير أنه قد عفا عن ذلك فابرأوا من هذا الرجل يخل سبيلكم قالوا لسنا فاعلين فأمر بقيودهم فحلت وأتي بأكفانهم فقاموا الليل كله يصلون فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية يا هؤلاء قد رأيناكم البارحة أطلتم الصلاة وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولكم في عثمان قالوا هو أول من جار في الحكم وعمل بغير الحق فقالوا أمير المؤمنين كان أعرف بكم ثم قاموا إليهم وقالوا تبرأون من هذا الرجل قالوا بل نتولاه فأخذ كل رجل منهم رجلا يقتله فوقع قبيصة في يدي أبي صريف البدري فقال له قبيصة إن الشر بين قومي وقومك أمين أي آمن فليقتلني غيرك فقال برتك رحم فأخذه الحضرمي فقتله وقتل القضاعي صاحبه ثم قال لهم حجر دعوني أصلي ركعتين فإني والله ما توضأت قط إلا صليت فقالوا له صل فصلى ثم انصرف فقال والله ما صليت صلاة قط أقصر منها ولولا أن يروا أن ما بي جزع من الموت لأحببت أن أستكثر منها ثم قال اللهم إنا نستعديك على أمتنا فإن أهل الكوفة قد شهدوا علينا وإن أهل الشام يقتلوننا أما والله لئن قتلتمونا فإني أول فارس من المسلمين سلك في واديها وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها فمشى إليه هدبة بن الفياض الأعور بالسيف فأرعدت خصائله فقال كلا زعمت أنك لا تجزع من الموت فإنا ندعك فابرأ من صاحبك فقال ما لي لا أجزع وأنا أرى قبرا محفورا وكفنا منشورا وسيفا مشهورا وإني والله إن جزعت لا أقول ما يسخط الرب فقتله وأقبلوا يقتلونهم واحدا واحدا حتى قتلوا ستة نفر فقال عبد الرحمن بن حسان وكريم بن عفيف ابعثوا بنا إلى أمير المؤمنين فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته فبعثوا إلى معاوية فأخبروه فبعث ائتوني بهما فالتفتا إلى حجر فقال له العنزي لا تبعد يا حجر ولا يبعد مثواك فنعم أخو الإسلام كنت وقال الخثعمي نحو ذلك ثم مضى بهما فالتفت العنزي فقال متمثلا ( كَفَى بشَفَاةِ القبر بُعْداً لِهالِكٍ ... وبالموت قَطَّاعاً لِحَبْلِ القرائنِ ) فلما دخل عليه الخثعمي قال له الله الله يا معاوية إنك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة ومسؤول عما أردت بقتلنا وفيما سفكت دماءنا فقال ما تقول في علي قال أقول فيه قولك أتبرأ من دين علي الذي كان يدين الله به وقام شمر بن عبد الله الخثعمي فاستوهبه فقال هو لك غير أني حابسه شهرا فحبسه ثم أطلقه على ألا يدخل الكوفة ما دام له سلطان فنزل الموصل فكان ينتظر موت معاوية ليعود إلى الكوفة فمات قبل معاوية بشهر وأقبل على عبد الرحمن بن حسان فقال له يا أخا ربيعة ما تقول في علي قال أشهد أنه من الذاكرين الله كثيرا والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والعافين عن الناس قال فما تقول في عثمان قال هو أول من فتح أبواب الظلم وأرتج أبواب الحق قال قتلت نفسك قال بل إياك قتلت لا ربيعة بالوادي يعني أنه ليس ثم أحد من قومه فيتكلم فيه فبعث به معاوية إلى زياد وكتب إليه إن هذا شر من بعثت به فعاقبه بالعقوبة التي هو أهلها واقتله شر قتلة فلما قدم به على زياد بعث به إلى قس الناطف فدفنه حيا قال أبو مخنف عن رجاله فكان من قتل منهم سبعة نفر حجر بن عدي وشريك بن شداد الحضرمي وصيفي بن فسيل الشيباني وقبيصة بن ضبيعة العبسي ومحرز بن شهاب المنقري وكدام بن حيان العنزي وعبد الرحمن بن حسان العنزي ونجا منهم سبعة كريم بن عفيف الخثعمي وعبد الله بن جؤية التميمي وعاصم بن عوف البجلي وورقاء بن سمي البجلي وأرقم بن عبد الله الكندي وعتبة بن الأخنس السعدي من هوازن وسعيد بن نمران الهمداني وبعث معاوية إلى مالك بن هبيرة لما غضب بسبب حجر مائة ألف درهم فرضي قال أبو مخنف فحدثني ابن أبي زائدة عن أبي إسحاق قال أدركت الناس يقولون أول ذل دخل الكوفة قتل حجر ودعوة زياد وقتل الحسين قال وجعل معاوية يقول عند موته أي يوم لي من ابن الأدبر طويل رسول عائشة إلى معاوية في أمر حجر قال أبو مخنف وحدثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق من بني عامر بن لؤي أن عائشة بعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى معاوية في حجر وأصحابه فقدم عليه وقد قتلهم فقال له أين غاب عنك حلم أبي سفيان فقال حين غاب عني مثلك من حلماء قومي وحملني ابن سمية فاحتملت قال وكانت عائشة رضي الله عنها تقول لولا أنا لم نغير شيئا قط إلا آلت بنا الأمور إلى أشد مما كنا فيه لغيرنا قتل حجر أما والله إن كان لمسلما ما علمته حاجا معتمرا وقالت امرأة من كندة ترثي حجرا ( ترفّع أيُّها القمَرُ المُنِرُ ... لعلَّكَ أن تَرى حُجْراً يَسيرُ ) ( يسير إلى معاوية بن حرب ... لِيَقْتُلَهُ كما زعم الأميرُ ) ( ألا يا ليتَ حُجْراً مات مَوْتاً ... ولم يُنْحَر كما نُحِرَ البَعيرُ ) ( ترفّعَت الجبابِرُ بعد حُجْرٍ ... وطاب لها الخَوَرْنَقُ والسَّديرُ ) ( وأصبحتِ البلادُ له مُحُولاً ... كأنْ لم يُحيها مُزْنٌ مَطِيرُ ) ( ألا يا حُجْرُ حُجْرَ بني عَدِيٍّ ... تلقَّتْكَ السلامةُ والسرورُ ) ( أخافُ عليكَ سطوةَ آلِ حربٍ ... وشيخاً في دمشقَ له زَئيرُ ) ( يرى قَتْلَ الخِيار عليه حقّاً ... له مِنْ شَرّ أُمَّتِه وَزِيرُ ) ( فإنْ تهلِكْ فكلُّ زعيم قومٍ ... إلى هُلْكٍ من الدنيا يَصِيرُ ) صوت ( أحِنُّ إذا رأيْتُ جمالَ سُعْدَى ... وأبكي إن رأيتُ لها قَرِينا ) ( وقد أفِدَ الرَّحيل فقُلْ لسُعْدَى ... لعمركِ خَبِّرِي ما تَأمرينا ) الشعر لعمر بن أبي ربيعة يقوله في سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف والغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن حبش وقد قيل إن عمر قال هذا البيت مع بيت آخر في ليلى بنت الحارث بن عوف المري وفيه أيضا غناء وهو صوت ( ألا يا لَيْلَ إنَّ شفَاء نفسي ... نوالُكِ إنْ بخلتِ فزوِّدِينا ) ( وقد أفِد الرحيل وحان منّا ... فِراقُك فانظري ما تَأمرينا ) غنى به الغريض ثقيلا أول بالبنصر عن عمرو وحبش وفيه خفيف ثقيل يقال إنه أيضا للغريض ومن الناس من ينسبه إلى ابن سريج أخبار لعمر بن أبي ربيعة أخبرني حرمي عن الزبير عن طارق بن عبد الواحد قال قال عبد الرحمن المخزومي كانت سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف جالسة في المسجد فرأت عمر ابن أبي ربيعة في الطواف فأرسلت إليه إذا قضيت طوافك فائتنا فلما قضى طوافه أتاها فحادثها وأنشدها فقالت ويحك يابن أبي ربيعة ما تزال سادرا في حرم الله منتهكا تتناول بلسانك ربات الحجال من قريش فقال دعي هذا عنك أما سمعت ما قلت فيك قالت وما قلت في فأنشدها ( أحِنُّ إذا رأيْتُ جمالَ سُعْدَى ... وأبكي إنْ رأيت لها قَرِينا ) ( أسُعدى إنّ أهلك قد أجَدُّوا ... رحيلاً فانْظُري ما تأمرينا ) فقالت آمرك بتقوى الله وترك ما أنت عليه قال الزبير وحدثني عبد الله بن مسلم قال أنشد عمر بن أبي ربيعة ابن أبي عتيق قوله ( أحِنُّ إذا رأيتُ جمالَ سُعدى ... ) قال فركب ابن أبي عتيق فأتى سعدى بالجناب من أرض بني فزارة فأنشدها قول عمر وقال لها ما تأمرين فقالت آمره بتقوى الله يا بن الصديق قال الزبير وحدثني طارق بن عبد الواحد عن أبي عبيدة عن عبد الرحمن المخزومي قال لقي عمر بن أبي ربيعة ليلى بنت الحارث بن عوف المري وهو يسير على بغلة فقال لها قفي أسمعك بعض ما قلت فيك فوقفت فقال ( ألاَ يا ليلَ إنّ شفاء نفسي ... نوالُكِ إنْ بخلتِ فنوِّلِينا ) قال فما بلغنا أنها ردت عليه شيئا ومضت وقد روى هذا الخبر إبراهيم بن المنذر عن محمد بن معن فذكر أن ابن أبي عتيق إنما مضى إلى ليلى بنت الحارث بن عوف فأنشدها هذا البيت وهو الصحيح لأن حلولها بالجناب من أرض فزارة أشبه بها منه بسعدى بنت عبد الرحمن بن عوف ورواية الزبير فيما أروي وهم لاختلاط الشعرين في سعدى وليلى أخبرني حرمي عن الزبير عن محمد بن سلام قال كانت سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف جالسة في المسجد الحرام فرأت عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت فأرسلت إليه إذا فرغت من طوافك فائتنا فأتاها فقالت ألا أراك يابن أبي ربيعة إلا سادرا في حرم الله أما تخاف الله ويحك إلى متى هذا السفه قال أي هذه دعي عنك هذا من القول أما سمعت ما قلت فيك قالت لا فما قلت فأنشدها قوله صوت ( قالت سُعَيْدَةُ والدموعُ ذَوَارِفٌ ... منها على الخدَّيْنِ والجِلْبابِ ) ( ليت المغيري الذي لم أَجِزْهِ ... فيما أطال تصيُّدي وطِلابي ) ( كانت تردّ لنا المُنَى أيامُنا ... إذ لا نُلامُ على هوًى وتَصابي ) ( أسُعَيدَ ما ماءُ الفراتِ وطِيْبُه ... منّي على ظمأ وحُبِّ شراب ) ( بألذَ منك وإن نأيْتِ وقلَّما ... يَرْعَى النساء أمانة الغُيَّابِ ) عروضه من الكامل غناه الهذلي رملا بالوسطى عن الهشامي وغناه الغريض خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو فقالت أخزاك الله يا فاسق ما علم الله أني قلت مما قلت حرفا ولكنك إنسان بهوت وهذا الشعر تغني فيه ( قالت سكينة والدموعُ ذوارفٌ ... ) وفي موضع ( أسعيد ما ماءُ الفرات وبَرْده ... ) أسكين وإنما غيره المغنون ولفظ عمر ما ذكر فيه في الخبر وقد أخبرني إسماعيل بن يونس عن ابن شبة عن إسحاق قال غنيت الرشيد يوما بقوله ( قالت سُكَيْنَةَ والدموعُ ذَوَارِفٌ ... منها على الخدَّيْن والجِلْبابِ ) فوضع القدح من يده وغضب غضبا شديدا وقال لعنه الله الفاسق ولعنك معه فسقط في يدي وعرف ما بي فسكن ثم قال ويحك أتغنيني بأحاديث الفاسق ابن أبي ربيعة في بنت عمي وبنت رسول الله ألا تتحفظ في غنائك وتدري ما يخرج من رأسك عد إلى غنائك الآن وانظر بين يديك فتركت هذا الصوت حتى أنسيته فما سمعه مني أحد بعده والله أعلم صوت ( فلا زال قَبْرٌ بين تُبْنَى وجَاسم ... عليه من الوسْميِّ جَوْدٌ ووَابِلُ ) ( فينبت حَوْذاناً وعوفاً مُنَوَّراً ... سأتبعه مِنْ خير ما قال قائلُ ) عروضه من الطويل والشعر لحسان بن ثابت الأنصاري وهذا القبر الذي ذكره حسان فيما يقال قبر الأيهم بن جبلة بن الأيهم الغساني وقيل إنه قبر الحارث بن مارية الجفني وهو منهم أيضا والغناء لعزة الميلاء خفيف ثقيل أول بالوسطى مما لا يشك فيه من غنائها وقد نسبه قوم إلى ابن عائشة وذلك خطأ أخبار عزة الميلاء كانت عزة مولاة للأنصار ومسكنها المدينة وهي أقدم من غنى الغناء الموقع من النساء بالحجاز وماتت قبل جميلة وكانت من أجمل النساء وجها وأحسنهن جسما وسميت الميلاء لتمايلها في مشيها وقيل بل كانت تلبس الملاء وتشبه بالرجال فسميت بذلك وقيل بل كانت مغرمة بالشراب وكانت تقول خذ ملئا واردد فارغا - ذكر ذلك حماد بن إسحاق عن أبيه والصحيح أنها سميت الميلاء لميلها في مشيتها آراء في عزة وغنائها قال إسحاق ذكر لي ابن جامع عن يونس الكاتب عن معبد قال كانت عزة الميلاء ممن أحسن ضربا بعود وكانت مطبوعة على الغناء لا يعيبها أداؤه ولا صنعته ولا تأليفه وكانت تغني أغاني القيان من القدائم مثل سيرين وزرنب وخولة والرباب وسلمى ورائقة وكانت رائقة أستاذتها فلما قدم نشيط وسائب خاثر المدينة غنيا أغاني بالفارسية فلقنت عزة عنهما نغما وألفت عليها ألحانا عجيبة فهي أول من فتن أهل المدينة بالغناء وحرض نساءهم ورجالهم عليه قال إسحاق وقال الزبير إنه وجد مشايخ أهل المدينة إذا ذكروا عزة قالوا لله درها ما كان أحسن غناءها ومد صوتها وأندى حلقها وأحسن ضربها بالمزاهر والمعازف وسائر الملاهي وأجمل وجهها وأظرف لسانها وأقرب مجلسها وأكرم خلقها وأسخى نفسها وأحسن مساعدتها قال إسحاق وحدثني أبي عن سياط عن معبد عن جميلة بمثل ذلك من القول فيها قال إسحاق وحدثني أبي عن يونس قال كان ابن سريج في حداثة سنه يأتي المدينة فيسمع من عزة ويتعلم غناءها ويأخذ عنها وكان بها معجبا وكان إذا سئل من أحسن الناس غناء قال مولاة الأنصار المفضلة على كل من غنى وضرب بالمعازف والعيدان من الرجال والنساء قال وحدثني هشام بن المرية أن ابن محرز كان يقيم بمكة ثلاثة أشهر ويأتي المدينة فيقيم بها ثلاثة أشهر من أجل عزة وكان يأخذ عنها قال إسحاق وحدثني الجمحي عن جرير المغني المديني أن طويسا كان أكثر ما يأوي إلى منزل عزة الميلاء وكان في جوارها وكان إذا ذكرها يقول هي سيدة من غنى من النساء مع جمال بارع وخلق فاضل وإسلام لا يشوبه دنس تأمر بالخير وهي من أهله وتنهى عن السوء وهي مجانبة له فناهيك ما كان أنبلها وأنبل مجلسها ثم قال كانت إذا جلست جلوسا عاما فكأن الطير على رؤوس أهل مجلسها من تكلم أو تحرك نقر رأسه قال ابن سلام فما ظنك بمن يقول فيه طويس هذا القول ومن ذلك الذي سلم من طويس قال إسحاق وحدثني أبو عبد الله الأسلمي عن معبد أنه أتى عزة يوما وهي عند جميلة وقد أسنت وهي تغني على معزفة في شعر ابن الإطنابة قال ( عَلِّلانِي وعَلِّلاَ صاحبَيَّا ... واسقِياني مِنَ المرَّوق رِيّا ) قال فما سمع السامعون قط بشيء أحسن من ذلك قال معبد هذا غناؤها وقد أسنت فكيف بها وهي شابة قال إسحاق وذكر لي عن صالح بن حسان الأنصاري قال كانت عزة مولاة لنا وكانت عفيفة جميلة وكان عبد الله بن جعفر وابن أبي عتيق وعمر بن أبي ربيعة يغشونها في منزلها فتغنيهم وغنت يوما عمر بن أبي ربيعة لحنا لها في شيء من شعره فشق ثيابه وصاح صيحة عظيمة صعق معها فلما أفاق قال له القوم لغيرك الجهل يا أبا الخطاب قال إني سمعت والله ما لم أملك معه نفسي ولا عقلي وقال إسحاق وحدثني أبو عبد الله الأسلمي المدني قال كان حسان بن ثابت معجبا بعزة الميلاء وكان يقدمها على سائر قيان المدينة عزة تغني شعرا لحسان فيبكي أخبرني حرمي عن الزبير عن محمد بن الحسن المخزومي عن محرز ابن جعفر قال ختن زيد بن ثابت الأنصاري بنته فأولم فاجتمع إليه المهاجرون والأنصار وعامة أهل المدينة وحضر حسان بن ثابت وقد كف بصره يومئذ وثقل سمعه وكان يقول إذا دعي أعرس أم عذار فحضر ووضع بين يديه خوان ليس عليه إلا عبد الرحمن ابنه فكان يسأله أطعام يد أم يدين فلم يزل يأكل حتى جاؤوا بالشواء فقال طعام يدين فأمسك يده حتى إذا فرغ من الطعام ثنيت وسادة وأقبلت الميلاء وهي يومئذ شابة فوضع في حجرها مزهر فضربت به ثم تغنت فكان أول ما ابتدأت به شعر حسان قال ( فلا زالَ قَبْرٌ بَيْن بُصرى وجِلَّق ... عليه من الوَسْمِيّ جَوْدٌ ووَابِلُ ) فطرب حسان وجعلت عيناه تنضحان وهو مصغ لها أخبرني ابن عبد العزيز الجوهري عن ابن شبة عن الأصمعي عن أبي الزناد قال قلت لخارجة بن زيد أكان يكون هذا الغناء عندكم قال كان يكون في العرسات ولم يكن يشهد بما يشهد به اليوم من السعة وكان في إخواننا بني نبيط مأدبة فدعينا وثم قينة أو قينتان تنشدان شعر حسان بن ثابت قال ( انظُرْ خَلِيلِي ببابِ جِلَّقَ هلْ ... تُبْصِرُ دون البَلْقَاء مِنْ أحَدِ ) قال وحسان يبكي وابنه يومىء إليهما أن زيدا فإذا زادتا بكى حسان فأعجبني ما يعجبه من أن تبكيا أباه وقد كف بصر حسان بن ثابت يومئذ أخبرنا وكيع عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن الواقدي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال سمعت خارجة بن زيد يقول دعينا إلى مأدبة في آل نبيط قال خارجة فحضرتها وحسان بن ثابت قد حضرها فجلسنا جميعا على مائدة واحدة وهو يومئذ قد ذهب بصره ومعه ابنه عبد الرحمن فكان إذا أتى طعام سأل ابنه أطعام يد أم يدين يعني باليد الثريد وباليدين الشواء لأنه ينهش نهشا فإذا قال طعام يدين أمسك يده فلما فرغوا من الطعام أتوا بجاريتين إحداهما رائقة والأخرى عزة فجلستا وأخذتا مزهريهما وضربتا ضربا عجيبا وغنتا بقول حسان ( انظر خَلِيلي بباب جلّق هَلْ ... تُبْصَرُ دُونَ البَلْقاء من أحَدِ ) فأسمع حسانا يقول ( قد أراني بها سَمِيعاً بصيرا ... ) وعيناه تدمعان فإذا سكتتا سكت عنه البكاء وإذا غنتا بكى فكنت أرى ابنه عبد الرحمن إذا سكتتا يشير إليهما أن تغنيا فيبكي أبوه فأقول ما حاجته إلى إبكاء أبيه قال الواقدي فحدثت بهذا الحديث يعقوب بن محمد الظفري فقال سمعت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان يقول لما انقلب حسان من مأدبة بني نبيط إلى منزله استلقى على فراشه ووضع إحدى رجليه على الأخرى وقال لقد أذكرتني رائقة وصاحبتها أمرا ما سمعته أذناي بعيد ليالي جاهليتنا مع جبلة بن الأيهم فقلت يا أبا الوليد أكان القيان يكن عند جبلة فتبسم ثم جلس فقال لقد رأيتُ عشر قِيَان خمس روميات يغنين بالرومية بالبرابط وخمس يغنين غناء أهل الحيرة وأهداهن إليه إياس بن قبيصة وكان يفد إليه من يغنيه من العرب من مكة وغيرها وكان إذا جلس للشرب فرش تحته الآس والياسمين وأصناف الرياحين وضرب له العنبر والمسك في صحاف الفضة والذهب وأتي بالمسك الصحيح في صحاف الفضة وأوقد له العود المندى إن كان شاتيا وإن كان صائفا بطن بالثلج وأتي هو وأصحابه بكسا صيفية يتفضل هو وأصحابه بها في الصيف وفي الشتاء الفراء الفنك وما أشبهه ولا والله ما جلست معه يوما قط إلا خلع علي ثيابه التي عليه في ذلك اليوم وعلى غيري من جلسائه هذا مع حلم عمن جهل وضحك وبذل من غير مسألة مع حسن وجه وحسن حديث ما رأيت منه خنى قط ولا عربدة ونحن يومئذ على الشرك فجاء الله بالإسلام فمحا به كل كفر وتركنا الخمرة وما كره وأنتم اليوم مسلمون تشربون هذا النبيذ من التمر والفضيخ من الزهر والرطب فلا يشرب أحدكم ثلاثة أقداح حتى يصاحب صاحبته ويفارقها وتضربون فيه كما تضرب غرائب الإبل فلا تنتهون أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن أبي أيوب المديني عن مصعب الزبيري عن الضحاك عن عثمان بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد مثله وزاد فيه فلما فرغنا من الطعام ثقل علينا جلوس حسان فأومأ ابنه إلى عزة الميلاء فغنت ( انظر خَلِيلي ببابِ جِلَّق هلْ ... تُبْصِرُ دونَ البَلْقاء مِنْ أحَدِ ) فبكى حسان حتى سدر ثم قال هذا عمل الفاسق أما لقد كرهتم مجالستي فقبح الله مجلسكم سائر اليوم وقام فانصرف أخبرني حرمي عن الزبير عن عمه مصعب قال ذكر هشام بن عروة عن أبيه أنه دعي إلى مأدبة في زمن عثمان ودعي حسان ومعه ابنه عبد الرحمن ثم ذكر نحو ما ذكره عمر بن شبة عن الأصمعي في الحديث الأول قال نسبة هذا الصوت ( انظُرْ خليلي بباب جلّق هلْ ... تُؤْنِسُ دُونَ البَلْقَاءِ مِنْ أحَدِ ) ( أجمال شَعْثا إنْ هَبَطْنَ من المحبس ... بين الكثبان فالسند ) ( يملن حورا حور المدامع في الْريط ... وبِيضَ الوُجُوهِ كالبَردِ ) ( مِنْ دون بُصْرَى ودونَها جبل الثَّلج ... عليه السَّحابُ كالقَرَدِ ) ( إنِّي وأيدي المخيَّساتِ وما ... يقْطَعْنَ من كلِّ سَرْبَخ جَدَدِ ) ( أهوَى حديثَ النُّدْمان في فَلقِ الصُّبْح ... وصَوْتَ المُسامر الغَرِدِ ) ( تقولُ شَعْثا بعدما هبطت ... بصَوْر حُسنى من احتدى بَلدِي ) ( لا أخدِشُ الخَدْشَ بالحبيب ولا ... يَخْشَى نديمي إذا انتشيتُ يَدي ) الشعر لحسان بن ثابت والغناء لعزة الميلاء رمل بالبنصر وفيه خفيف ثقيل ينسب إلى ابن محرز وإلى عزة الميلاء وإلى الهذلي في ( تقول شْعثاء بعدما هبطت ... ) وما بعده من الأبيات ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وفيها لعبد الرحيم ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو حسان بن ثابت وشعثاء وشعثاء هذه التي شبب بها حسان - فيما ذكر الواقدي ومصعب الزبيري - امرأة من أسلم تزوجها حسان وولدت منه بنتا يقال لها أم فراس تزوجها عبد الرحمن بن أم الحكم وذكر أبو عمرو الشيباني مثل ما ذكره في نسبها ووصف له أنه خطبها إلى قومها من أسلم فردوه فقال يهجوهم ( لقد أتى عن بني الجَرْباء قولُهُم ... ودونهم قُفُّ جُمْدَانٍ فمَوْضُوعُ ) ( قد علمت أسلمُ الأرذالُ أنَّ لها ... جاراً سيقتُله في دارِه الجُوعُ ) ( وأنْ سيمنَعُهم ما نَوَوْا حَسَبٌ ... - لن يبلغ المجدَ والعلياء - مقطوعُ ) ( وقد عَلوْا - زَعموا - عنّي بأختهمُ ... وفي الذُّرَا حسبي والمَجْدُ مرفوعُ ) ( ويلُ أمّ شعثاء شيئاً تستغيثُ به ... إذا تجلَّلها النَّعْظُ الأفاقيع ) ( كأنه في صَلاها وهي بارِكةٌ ... ذِرَاعُ بَكْرٍ مِن النَّياط مَنْزُوعُ ) أخبرني حرمي عن الزبير عن إبراهيم بن المنذر عن أبي القاسم بن أبي الزناد عن أخيه عبد الرحمن عن أبيه عن خارجة بن زيد قال شعثاء هذه بنت عمرو من بني ماسكة من يهود وكانت مساكن بني ماسكة بناحية القف وكان أبو الشعثاء قد رأس اليهود التي تلي بيت الدراسة للتوراة وكان ذا قدر فيهم فقال حسان يذكر ذلك ( هل في تَصابِي الكريم مِنْ فَنَدِ ... أم هل لمدَى الأيام مِنْ نَفَدِ ) ( تقول شَعْثاء لو أفقتَ عن الكاس ... لأُلفِيتَ مُثرِيَ العَدَدِ ) ( يَأْبى لي السيفُ واللسانُ وقوْم ... ٌ لم يُضَامُوا كلِبْدَة الأسَدِ ) وذكر باقي الأبيات التي فيها الغناء ومما قاله حسان بن ثابت في شعثاء وغني به قوله ( ما هاج حسّانَ رسومُ المُقامْ ... ومظعَنُ الحيّ ومبنى الخِيامْ ) ( والنُّؤْيُ قد هَدّم أعضادَهُِ ... تقادُمُ العَهْد بوادي تِهَامْ ) ( قد أدرك الواشون ما حاوَلُوا ... والحَبْلُ من شَعْثَاء رثٌ رِمام ) ( جنِّيَّةٌ أرَّقني طَيْفُها ... يذهبُ صُبْحاً ويُرى في المنام ) ( هل هِي إلاّ ظبيةٌ مُطْفِلٌ ... مألَفُها السِّدْر بنعفَيْ بَرَام ) ( ترعى غَزالاً فاتِراً طَرْفُه ... مُقارِبَ الخَطْوِ ضعيف البُغَامْ ) ( كأنَّ فاهَا ثَغبٌ باردٌ ... في رَصفَ تحتَ ظلالِ الغَمامْ ) ( شُجَّ بِصَهْبَاء لها سَوْرَةٌ ... من بنت كَرْمٍ عُتِّقت في الخِيام ) ( تدبّ في الكأس دَبيباً كما ... دبَّ دَبىً وسْطَ رفاقٍ هُيام ) ( مِنْ خَمْرِ بَيْسان تخيَّرتُها ... دِرْياقةً توشِكُ فَتْر العظام ) ( يَسْعى بها أحمَرُ ذُو بُرْنُسٍ ... مُحْتلَق الذِّفْرى شَديد الحِزام ) يقول فيها ( قَوْمِي بنو النّجّار إذْ أقبلَت ... شَهْباء تَرْمِي أهلَها بالقَتامْ ) ( لا تخذل الجارَ ولا تُسلم المَوْلَى ... ولا تُخْصَمُ يَوْمَ الخِصامُ ) الشعر لحسان والغناء لمعبد خفيف رمل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى في البيت الأول من الأبيات والرابع والتاسع والحادي عشر وذكر الهشامي أن فيه لحنا لابن سريج من الرمل بالوسطى وهذه الأبيات يقولها حسان في حرب كانت بينهم وبين الأوس تعرف بحرب مزاحم وهو حصن من حصونهم أخبرني بخبره حرمي عن الزبير عن عمه مصعب قال جمعت الأوس وحشدت بأحلافها ورأسوا عليهم أبا قيس بن الأسلت يومئذ فسار بهم حتى كان قريبا من مزاحم وبلغ ذلك الخزرج فخرجوا يومئذ عليهم سعد بن عبادة وذلك أن عبد الله بن أبي كان مريضا أو متمارضا فاقتتلوا قتالا شديدا وقتلت بينهم قتلى كثيرة وكان الطول يومئذ للأوس فقال حسان في ذلك ( ما هاج حسّانَ رسومُ المقامْ ... ومَظْعَنُ الحيّ ومَبْنَى الخِيامْ ) وذكر الأبيات كلها أخبرني أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن القاسم بن الحسن عن محمد ابن سعد عن الواقدي عن عثمان بن إبراهيم الحاطبي قال قال رجل من أهل المدينة ما ذكر بيت حسان بن ثابت ( أهْوَى حَديث النُّدْمانِ في فَلقِ الصُّبْح ... وصَوْتَ المُسَامِرِ الغَرِدِ ) إلا عدت في الفتوة كما كنت قال وهذا البيت من قصيدته التي يقول فيها ( انظر خليلي بباب جلّق هل ... تُؤْنِسُ دونَ البَلْقاء مِنْ أحَدِ ) وقد روي أيضا في هذا الخبر غير الروايتين اللتين ذكرتهما أخبرني بذلك حرمي عن الزبير عن وهب بن جرير عن جويرية بن أسماء عن عبد الوهاب بن يحيى عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن شيخ من قريش قال إني وفتية من قريش عند قينة من قيان المدينة ومعنا عبد الرحمن بن حسان بن ثابت إذ استأذن حسان فكرهنا دخوله وشق ذلك علينا فقال لنا عبد الرحمن أيسركم ألا يجلس قلنا نعم قال فمروها إذا نظرت إليه أن ترفع عقيرتها وتغني ( أولادُ جَفْنَةَ عند قَبْرِ أبيهمُ ... قَبْرِ ابْنِ مارية الكريم المُفْضِلِ ) ( يُغشَوْنَ حتى ما تَهِرُّ كلابُهم ... لا يَسألُون عن السَّوَادِ المقبلِ ) قال فوالله لقد بكى حتى ظننا أنه سقطت نفسه ثم قال أفيكم الفاسق لعمري لقد كرهتم مجلسي سائر اليوم وقام فانصرف والله تعالى أعلم نسبة هذا الصوت وسائر ما يغنى فيه من القصيدة التي هو منها صوت ( أولادُ جَفْنَةَ عند قَبْرِ أبيهمُ ... قَبْرِ ابْنِ مارية الجواد المُفْضِلِ ) ( يسقُون مَنْ وَرَدَ البَرِيصَ عليهمُ ... كأساً تصفَّق بالرحيق السَّلْسَلِ ) البريص موضع بدمشق ( بيضُ الوجوهِ كريمةٌ أحسابُهم ... شُمّ الأُنوفِ مِنَ الطِّراز الأوَّلِ ) ( يُغشَوْنَ حتى ما تَهِرُّ كلابُهم ... لا يَسألُون عن السَّوَادِ المقبلِ ) ذكر حبش أن فيه لسيرين قينة حسان بن ثابت لحنا ثقيلا أول ابتداؤه نشيد وفيه لعريب ثقيل أول لا يشك فيه ومما يغنى فيه من هذه القصيدة قوله صوت ( كِلْتاهُما حَلَبُ العَصِير فعَاطِني ... بزُجَاجَةٍ أرْخاهُما للمِفْصَلِ ) ( بِزُجَاجَةٍ رقَصَتْ بما في قَعْرِها ... رَقْصَ القُلوصِ براكبٍ مستعجلِ ) غناه إبراهيم الموصلي رملا مطلقا في مجرى الوسطى عن إسحاق وعمرو وغيرهما ويروى كلتاهما حلب العصير بجعل الفعل للعصير ويروى للمفصل بكسر الميم وفتح الصاد وللمفصل بفتح الميم وكسر الصاد وهو اللسان أخبرنا بذلك علي بن سليمان الأخفش عن المبرد حكاية عن أصحابه عن الأصمعي رجع الحديث إلى أخبار عزة الميلاء قال إسحاق حدثني مصعب الزبيري عن محمد بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة عن أبيه عن جده قال كان بالمدينة رجل ناسك من أهل العلم والفقه وكان يغشى عبد الله بن جعفر فسمع جارية مغنية لبعض النخاسين تغني ( بانَتْ سُعَادُ وأمسى حَبْلُها انقَطَعا ... ) فاستهتر بها وهام وترك ما كان عليه حتى مشى إليه عطاء وطاوس فلاماه فكان جوابه لهما أن تمثل بقول الشاعر ( بلُومَني فيكِ أقوامٌ أُجالِسُهم ... فما أُبالِي أطارَ اللَّوْمُ أمْ وَقَعَا ) وبلغ عبد الله بن جعفر خبره فبعث إلى النخاس فاعترض الجارية وسمع غناءها بهذا الصوت وقال لها ممن أخذته قالت من عزة الميلاء فابتاعها بأربعين ألف درهم ثم بعث إلى الرجل فسأله عن خبره فأعلمه إياه وصدقه عنه فقال له أتحب أن تسمع هذا الصوت ممن أخذته عنه تلك الجارية قال نعم فدعا بعزة وقال لها غنيه إياه فغنته فصعق الرجل وخر مغشيا عليه فقال ابن جعفر أثمنا فيه الماء الماء فنضح على وجهه فلما أفاق قال له أكل هذا بلغ بك عشقها قال وما خفي عنك أكثر قال أفتحب أن تسمعه منها قال قد رأيت ما نالني حين سمعته من غيرها وأنا لا أحبها فكيف يكون حالي إن سمعته منها وأنا لا أقدر على ملكها قال أفتعرفها إن رأيتها قال أو أعرف غيرها فأمر بها فأخرجت وقال خذها فهي لك والله ما نظرت إليها إلا عن عرض فقبل الرجل يديه ورجليه وقال أنمت عيني وأحييت نفسي وتركتني أعيش بين قومي ورددت إلي عقلي ودعا له دعاء كثيرا فقال ما أرضى أن أعطيكها هكذا يا غلام احمل معها مثل ثمنها لكيلا تهتم به ويهتم بها نسبة هذا الصوت صوت ( بانت سعادُ وأمسى حَبْلُها انقطَعا ... واحتلَّت الغَوْر فالجدَّين فالفَرَعا ) ( وأنكرتْنِي وما كان الذي نَكِرَتْ ... من الحوادِث إلاَّ الشَّيْبَ والصَّلَعا ) عروضه من البسيط والشعر للأعشى أعشى بني قيس بن ثعلبة وزعم الأصمعي أن البيت الثاني هو صنعه ونحله الأعشى أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي عن عمه عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه قال ما نحلت أحدا من الشعراء شيئا قط لم يقله إلا بيتا واحدا نحلته الأعشى وهو ( وأنكرَتْنِي وما كان الذي نكَرَتْ ... من الحوادث إلاّ الشَّيْبَ والصَّلَعا ) الغناء لعزة الميلاء خفيف ثقيل أول بالوسطى وذكر عمرو بن بانة أنه لمعبد وأنكر إسحاق ذلك ودفعه وفيه للغريض ثقيل أول بالبنصر وقيل إنه لجميلة عزة تغني في المدينة قال إسحاق وحدثني ابن سلام عن ابن جعدبة قال كان ابن أبي عتيق معجبا بعزة الميلاء فأتى يوما عند عبد الله بن جعفر فقال له بأبي أنت وأمي هل لك في عزة فقد اشتقت إليها قال لا أنا اليوم مشغول فقال بأبي أنت وأمي إنها لا تنشط إلا بحضورك فأقسمت عليك إلا ساعدتني وتركت شغلك ففعل فأتياها ورسول الأمير على بابها يقول لها دعي الغناء فقد ضج أهل المدينة منك وذكروا أنك قد فتنت رجالهم ونساءهم فقال له ابن جعفر ارجع إلى صاحبك فقل له عني أقسم عليك إلا ناديت في المدينة أيما رجل فسد أو امرأة فتنت بسبب عزة إلا كشف نفسه بذلك لنعرفه ويظهر لنا ولك أمره فنادى الرسول بذلك فما أظهر أحد نفسه ودخل ابن جعفر إليها وابن أبي عتيق معه فقال لها لا يهولنك ما سمعت وهاتي فغنينا فغنته بشعر القطامي ( إنّا محيُّوك فاسْلَمْ أيُّها الطَّلَلُ ... وإنْ بليت وإن طالتْ بك الطِّيَلُ ) فاهتز ابن أبي عتيق طربا فقال عبد الله بن جعفر ما أراني أدرك ركابك بعد أن سمعت هذا الصوت من عزة وقد مضت نسبة ما في هذه الأخبار من الأغاني في مواضع أخر صوت ( مَنْ كان مسروراً بمَقْتَلِ مالكٍ ... فليَأْتِ نسوتَنا بوَجْهِ نَهارِ ) ( يَجِدِ النساءَ حواسراً يَنْدُبْنَهُ ... قد قُمْنَ قبل تبلُّج الأسحارِ ) عروضه من الكامل قوله ( قد قمن قبل تَبَلُّج الأسحار ... ) يعني أنهن يندبنه في ذلك الوقت وإنما خصه بالندبة لأنه وقت الغارة يقول فهن يذكرنه حينئذ لأنه كان من الأوقات التي ينهض فيها للحرب والغارات قال الله تبارك وتعالى ( فالمغيرات صبحا ) وأما قول الخنساء ( يُذَكِّرُني طلوعُ الشمسِ صَخْراً ... وأذْكُره لكلِّ غُرُوبِ شَمْسِ ) فإنما ذكرته عند طلوع الشمس للغارة وعند غروبها للضيف الشعر للربيع بن زياد العبسي والغناء لابن سريج رمل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق والله أعلم ذكر نسب الربيع بن زياد وبعض أخباره وقصة هذا الشعر والسبب الذي قتل من أجله هو الربيع بن زياد بن عبد الله بن سفيان بن ناشب بن هدم بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار وأمه فاطمة بنت الخرشب واسم الخرشب عمرو بن النضر بن حارثة ابن طريف بن أنمار بن بغيض بن ريث بن غطفان وهي إحدى المنجبات كان يقال لبنيها الكملة وهم الربيع وعمارة وأنس أم الربيع إحدى المنجبات ولما سأل معاوية علماء العرب عن البيوتات والمنجبات وحظر عليهم أن يتجاوزوا في البيوتات ثلاثة وفي المنجبات ثلاثا عدوا فاطمة بنت الخرشب فيمن عدوا وقبلها حيية بنت رياح الغنوية أم الأحوص وخالد ومالك وربيعة بني جعفر بن كلاب وماوية بنت عبد مناة بن مالك بن زيد بن عبد الله بن دارم بن عمرو بن تميم وهي أم لقيط وحاجب وعلقمة بني زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم أخبرني محمد بن جعفر النحوي صهر المبرد قال حدثني محمد بن موسى اليزيدي قال حدثني محمد بن صالح بن النطاح واللفظ له وخبره أتم وأخبرني به أبو الحسن الأسدي قال حدثنا محمد بن صالح بن النطاح قال ولدت فاطمة بنت الخرشب من زياد بن عبد الله العبسي سبعة فعدت العرب المنجبين منهم ثلاثة وهم خيارهم قال محمد بن موسى قال محمد بن صالح وحدثني موسى بن طلحة والوليد بن هشام القحذمي بمثل ذلك قال فمنهم الربيع ويقال له الكامل وعمارة وهو الوهاب وأنس وهو أنس الفوارس وهو الواقعة وقيس وهو البرد والحارث وهو الحرون ومالك وهو لاحق وعمرو وهو الدراك قال محمد بن موسى قال ابن النطاح وحدثني أبو عثمان العمري أن عبد الله بن جدعان لقي فاطمة بنت الخرشب وهي تطوف بالكعبة فقال لها نشدتك برب هذه البنية أي بنيك أفضل قالت الربيع لا بل عمارة لا بل أنس ثكلتهم إن كنت أدري أيهم أفضل قال ابن النطاح وحدثني أبو اليقظان سحيم بن حفص العجيفي قال حدثني أبو الخنساء قال سئلت فاطمة عن بنيها أيهم أفضل فقالت الربيع لا بل عمارة لا بل أنس لا بل قيس وعيشي ما أدري أما والله ما حملت واحدا منهما تضعا ولا ولدته يتنا ولا أرضعته غيلا ولا منعته قيلا ولا أبته على ماقة قال أبو اليقظان أما قولها ما حملت واحدا منهم تضعا فتقول لم أحمله في دبر الطهر وقبل الحيض وقولها ولا ولدته يتنا وهو أن تخرج رجلاه قبل رأسه ولا أرضعته غيلا أي ما أرضعته قبل أن أحلب ثديي ولا منعته قيلا أي لم أمنعه اللبن عند القائلة ولا أبته على ماقة أي وهو يبكي قال ابن النطاح وحدثني أبو اليقظان قال حدثني أبو صالح الأسدي قال سئلت فاطمة بنت الخرشب عن بنيها فوصفتهم وقالت في عمارة لا ينام ليلة يخاف ولا يشبع ليلة يضاف وقالت في الربيع لا تعد مآثره ولا تخشى في الجهل بوادره وقالت في أنس إذا عزم أمضى وإذا سئل أرضى وإذا قدر أغضى وقالت في الآخرين أشياء لم يحفظها أبو اليقظان وقال ابن النطاح وحدثني القحذمي قال حدثني أبي قال حدثني ابن عياش عن رجل من بني عبس قال ذكاء الربيع ضاف فاطمة ضيف فطرحت عليه شملة من خز وهي مسك كما هي فلما وجد رائحتها وأعتم دنا منها فصاحت به فكف عنها ثم إنه تحرك أيضا فأرادها عن نفسها فصاحت فكف ثم إنه لم يصبر فواثبها فبطشت به فإذا هي من أشد الناس فقبضت عليه ثم صاحت يا قيس فأتاها فقالت إن هذا أرادني عن نفسي فما ترى فيه فقال أخي أكبر منك فعليك فه فنادت يا أنس فأتاها فقالت إن هذا أرادني عن نفسي فما ترى فيه فقال لها أخي أكبر مني فسليه فنادت يا عمارة فأتاها فذكرت ذلك له فقال لها السيف وأراد قتله فقالت له يا بني لو دعونا أخاك فهو أكبر منك فدعت الربيع فذكرت ذلك له فقال أفتطيعونني يا بني زياد قالوا نعم قال فلا تزنوا أمكم ولا تقتلوا ضيفكم وخلوه يذهب فذهب قال ابن النطاح وقال بعض الشعراء يمدح بني زياد من فاطمة يقال إنه قيس بن زهير ويقال حاتم طيىء ( بنو جِنِّيَّةٍ ولدَتْ سيوفاً ... قواطعَ كلُّهم ذكرٌ صَنِيعُ ) ( وجارتُهم حَصانٌ لم تُزَنَّى ... وطاعمة الشتاء فما تجوعُ ) ( شرى وُدِّي ومكرمتي جميعاً ... طَوالَ زمانه مني الربيع ) وقال سلمة بن الخرشب خالهم فيهم يخاطب قوما منهم أرادوا حربه ( أتيتُم إلينا تَرْجُفُونَ جماعةً ... فأيْن أبو قيس وأين ربيعُ ) ( وذاك ابنُ أختٍ زانه ثوبُ خاله ... وأعمامه الأعمام وهو نَزِيعُ ) ( رَفيقٌ بداءِ الحرب طبٌّ بصَعْبها ... إذا شتَّ رأيُ القوم فهو جَميعُ ) ( عطوفٌ على المولى ثقيلٌ على العِدا ... أصمُّ عن العَوْراء وهو سميعُ ) وقال رجل من طيىء ويقال له الربيع بن عمارة ( فإن تكن الحوادثُ أفْظَعَتْنِي ... فلم أرَ هالِكاً كابْنيْ زِيادِ ) ( هما رُمْحان خَطِّيَّان كانَا ... من السُّمْر المثقَّفةِ الجِيادِ ) ( تهاب الأرض أنْ يَطأ عليها ... بمثلهما تُسالمُ أو تُعَادي ) وأمه تقتل نفسها خوفا من النار وقال الأثرم حدثني أبو عمرو الشيباني قال أغار حمل بن بدر أخو حذيفة بن بدر الفزاري على بني عبس فظفر بفاطمة بنت الخرشب أم الربيع بن زياد إخوته راكبة على جمل لها فقادها بجملها فقالت له أي رجل ضل حلمك والله لئن أخذتني فصارت هذه الأكمة بي وبك التي أمامنا وراءنا لا يكون بينك وبين بني زياد صلح أبدا لأن الناس يقولون في هذه الحال ما شاؤوه وحسبك من شر سماعه قال فإني أذهب بك حتى ترعى علي إبلي فلما أيقنت أنه ذاهب بها رمت بنفسها على رأسها من البعير فماتت خوفا من أن يحلق بنيها عار فيها وحدثني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي قال لبيد يحاول الإيقاع بينه وبين النعمان وفد أبو براء ملاعب الأسنة - وهو عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب - وإخوته طفيل ومعاوية وعبيدة ومعهم لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر وهو غلام على النعمان بن المنذر فوجدوا عنده الربيع بن زياد العبسي وكان الربيع ينادم النعمان مع رجل من أهل الشام تاجر يقال له سرجون بن توفل وكان حريفا للنعمان - يعني سرجون - يبايعه وكان أديبا حسن الحديث والمنادمة فاستخفه النعمان وكان إذا أراد أن يخلو على شرابه بعث إليه وإلى النطاسي - متطبب كان له - وإلى الربيع بن زياد وكان يدعى الكامل فلما قدم الجعفريون كانوا يحضرون النعمان لحاجتهم فإذا خلا الربيع بالنعمان طعن فيهم وذكر معايبهم ففعل ذلك بهم مرارا وكانت بنو جعفر له أعداء فصده عنهم فدخلوا عليه يوما فرأوا منه تغيرا وجفاء وقد كان يكرمهم قبل ذلك ويقرب مجلسهم فخرجوا من عنده غضابا ولبيد في رحالهم يحفظ أمتعتهم ويغدوا بإبلهم كل صباح فيرعاها فإذا أمسى انصرف بإبلهم فأتاهم ذات ليلة فألفاهم يتذاكرون أمر الربيع وما يلقون منه فسألهم فكتموه فقال لهم والله لا أحفظ لكم متاعا ولا أسرح لكم بعيرا أو تخبروني وكانت أم لبيد امرأة من بني عبس وكانت يتيمة في حجر الربيع فقالوا خالك قد غلبنا على الملك وصد عنا وجهه فقال لهم لبيد هل تقدرون على أن تجمعوا بينه وبيني فأزجره عنكم بقول ممض ثم لا يلتفت النعمان إليه بعده أبدا فقالوا وهل عندك من ذلك شيء قال نعم قالوا فإنا نبلوك بشتم هذه البقلة - لبقلة قدامهم دقيقة القضبان قليلة الورق لاصقة فروعها بالأرض تدعى التربة - فقال هذه التربة التي لا تذكي نارا ولا تؤهل دارا ولا تسر جارا عودها ضئيل وفرعها كليل وخيرها قليل بلدها شاسع ونبتها خاشع وآكلها جائع والمقيم عليها ضائع أقصر البقول فرعا وأخبثها مرعى وأشدها قلعا فتعسا لها وجدعا ألقوا بي أخا بني عبس أرجعه عنكم بتعس ونكس وأتركه من أمره في لبس فقالوا نصبح فنرى فيك رأينا فقال لهم عامر انظروا غلامكم فإن رأيتموه نائما فليس أمره بشيء وإنما يتكلم بما جاء على لسانه ويهذي بما يهجس في خاطره وإذا رأيتموه ساهرا فهو صاحبكم فرمقوه بأبصارهم فوجدوه قد ركب رحلا فهو يكدم بأوسطه حتى أصبح فلما أصبحوا قالوا أنت والله صاحبنا فحلقوا رأسه وتركوا ذؤابتين وألبسوه حلة ثم غدوا به معهم على النعمان فوجدوه يتغدى ومعه الربيع وهما يأكلان ليس معه غيره والدار والمجالس مملوءة من الوفود فلما فرغ من الغداء أذن للجعفريين فدخلوا عليه وقد كان تقارب أمرهم فذكروا للنعمان الذي قدموا له من حاجتهم فاعترض الربيع في كلامهم فقام لبيد يرتجز ويقول ( يا رُبَّ هَيْجا هي خَيْرٌ من دَعَهْ ... أكُلَّ يوم هامَتِي مقَزَّعهْ ) ( نحن بَنُو أُمِّ البنينَ الأربعهْ ... ومِنْ خيارِ عامرِ بْنِ صَعْصَعَهْ ) ( المطعمون الجَفْنَةَ المُدَعْدَعَهْ ... والضاربون الهامَ تحت الخَيْضَعهْ ) ( يا واهِبَ الخير الكثير مِنْ سَعهْ ... إليكَ جاوَزْنَا بلاداً مُسْبِعَهْ ) ( يخبر عن هذا خبيرٌ فاسْمَعَهْ ... مَهْلاً - أبيت اللَّعْنَ - لا تأكُلْ معَهْ ) ( إنّ استَهُ مِنْ بَرَصٍ مُلَمَّعَهْ ... وإنه يُدْخِلُ فيها إصبعهْ ) ( يُدْخِلُها حتى يُواري أشْجَعَهْ ... كأنما يطلب شيئاً أطمعهْ ) فلما فرغ من إنشاده التفت النعمان إلى الربيع شزرا يرمقه فقال أكذا أنت قال لا والله لقد كذب علي ابن الحمق اللئيم فقال النعمان أف لهذا الغلام لقد خبث علي طعامي فقال أبيت اللعن أما إني لقد فعلت بأمه فقال لبيد أنت لهذا الكلام أهل وهي من نساء غير فعل وأنت المرء فعل هذا بيتيمة في حجره فأمر النعمان ببني جعفر فأخرجوا وقام الربيع فانصرف إلى منزله فبعث إليه النعمان بضعف ما كان يحبوه به وأمره بالانصراف إلى أهله وكتب إليه الربيع إني قد تخوفت أن يكون قد وقر في صدرك ما قاله لبيد ولست برائم حتى تبعث من يجردني فيعلم من حضرك من الناس أني لست كما قال فأرسل إليه إنك لست صانعا بانتفائك مما قال لبيد شيئا ولا قادرا على ما زلت به الألسن فالحق بأهلك فقال الربيع ( لئن رحلت جِمالي إنَّ لي سعةً ... ما مِثْلُها سَعة عَرْضاً ولا طُولاً ) ( بحيْثُ لو وُزنت لَخْمٌ بأجمعها ... لم يَعْدِلُوا ريشة من ريش سمويلا ) ( تَرْعَى الرَّوائمُ أحرارَ البقُول بها ... لا مِثْلَ رَعْيكم مِلْحاً وغَسْويلا ) ( فابرُقْ بأرضك يا نعمان متّكِئاً ... مع النطاسيّ يوماً وابن توفيلا ) فكتب إليه النعمان ( شَرِّدْ برَحْلك عني حيثُ شئتَ ولا ... تكثَرْ عليّ وَدَعْ عنك الأباطيلا ) ( فقد ذُكرتَ به والركبُ حامِلُه ... وِرْداً يُعلِّل أهلَ الشام والنِّيلا ) ( فما انتِفاؤُك مِنْهُ بعدما جزَعت ... هُوجُ المطيّ به إبْرَاقَ شِمْليلا ) ( قد قِيل ذلك إنْ حقّاً وإنْ كذباً ... فما اعتذارُك من شيء إذا قِيلا ) ( فالحقْ بحيث رأيتَ الأرضَ واسعة ... وانشر بها الطَّرْفَ إنْ عرضًا وإن طولا ) وأما الشعر الذي فيه الغناء فإن الربيع بن زياد يقوله في مقتل مالك بن زهير وكان قتله في بعض تلك الوقائع التي يعرف مبدؤها بداحس والغبراء حرب داحس والغبراء سبب الحرب وكان السبب في ذلك فيما أخبرني به علي بن سليمان الأخفش ومحمد بن العباس اليزيدي قالا حدثنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب وأبي غسان دماذ عن أبي عبيدة وإبراهيم بن سعدان عن أبيه قال كان من حديث داحس أن أمه فرس كانت لقرواش بن عوف بن عاصم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع يقال لها جلوى وكان أبوه يسمى ذا العقال وكان لحوط بن أبي جابر بن أوس بن حميري بن رياح وإنما سمي داحسا لأن بني يربوع احتملوا ذات يوم سائرين في نجعه وكان ذو العقال مع ابنتي حوط بن أبي جابر بن أوس تجنبانه فمرتا به على جلوى فرس قرواش وديقا فلما رآها الفرس ودى وصهل فضحك شبان من الحي رأوه فاستحيت الفتاتان فأرسلتاه فنزا على جلوى فوافق قبولها فأقصت ثم أخذه لهما بعض الحي فلحق بهما حوط وكان رجلا شريرا سيىء الخلق فلما نظر إلى عين الفرس قال والله لقد نزا فرسي فأخبراني ما شأنه فأخبرتاه الخبر فقال يا آل رياح لا والله لا أرضى أبدا حتى أخرج ماء فرسي فقال له بنو ثعلبة والله ما استكرهنا فرسك إنما كان منفلتا فلم يزل الشر بينهما حتى عظم فلما رأى ذلك بنو ثعلبة قالوا دونكم ماء فرسكم فسطا عليها وأدخل يده في ماء وتراب ثم أدخلها في رحمها حتى ظن أنه قد أخرج الماء واشتملت الرحم على ما كان فيها فنتجها قرواش مهرا فسماه داحسا لذلك وخرج كأنه أبو ذو العقال وفيه يقول جرير ( إنَّ الجيادَ يَبِتْنَ حَوْلَ خِبائنا ... مِنْ آلِ أعوجَ أو لذِي العُقَّالِ ) وأعوج فرس لبني هلال فلما تحرك المهر سام مع أمه وهو فلو يتبعها وبنو ثعلبة سائرون فرآه حوط فأخذه فقالت بنو ثعلبة يا بني رياح ألم تفعلوا فيه أول مرة ما فعلتم ثم هذا الآن فقالوا هو فرسنا ولن نترككم أو نقاتلكم عنه أو تدفعوه إلينا فلما رأى ذلك بنو ثعلبة قالوا إذا لا نقاتلكم عنه أنتم أعز علينا هو فداؤكم ودفعوه إليهم فلما رأى ذلك بنو رياح قالوا والله لقد ظلمنا إخوتنا مرتين ولقد حلموا وكرموا فأرسلوا به إليهم مع لقوحين فمكث عند قرواش ما شاء الله وخرج أجود خيول العرب ثم إن زهير بن قيس بن جذيمة العبسي أغار على بني يربوع فلم يصب أحدا غير ابنتي قرواش بن عوف ومائة من الإبل لقرواش وأصاب الحي وهم خلوف ولم يشهد من رجالهم غير غلامين من بني أزنم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع فجالا في متن الفرس مرتدفيه وهو مقيد بقيد من حديد فأعجلهما القوم عن حل قيده واتبعهما القوم فضبر بالغلامين ضبرا حتى نجوا به ونادتهما إحدى الجاريتين إن مفتاح القيد مدفون في مذود الفرس بمكان كذا وكذا أي بجنب مذود وهو مكان أي لا تنزلا عنه إلا في ذلك المكان فسبقا إليه حتى أطلقاه ثم كرا راجعين فلما رأى ذلك قيس بن زهير رغب في الفرس فقال لهما لكما حكمكما وادفعا إلي الفرس فقالا أو فاعل أنت قال نعم فاستوثقا منه على أن يرد ما أصاب من قليل وكثير ثم يرجع عوده على بدئه ويطلق الفتاتين ويخلي عن الإبل وينصرف عنهم راجعا فقل ذلك قيس فدفعا إليه الفرس فلما رأى ذلك أصحاب قيس قالوا لا نصالحك أبدا أصبنا مائة من الإبل وامرأتين فعمدت إلى غنيمتنا فجعلتها في فرس لك تذهب به دوننا فعظم في ذلك الشر حتى اشترى منهم غنيمتهم بمائة من الإبل فلما جاء قرواش قال للغلامين الأزنميين أين فرسي فأخبراه فأبى أن يرضى إلا أن يدفع إليه فرسه فعظم في ذلك الشر حتى تنافروا فيه فقضي بينهم أن ترد الفتاتان والإبل إلى قيس بن زهير ويرد عليه الفرس فلما رأى ذلك قرواش رضي بعد شر وانصرف قيس بن زهير ومعه داحس فمكث ما شاء الله وزعم بعضهم أن الرهان إنما هاجه بين قيس بن زهير وحذيفة بن بدر ابن عمرو بن جوية بن لوذان بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار - أن قيسا دخل على بعض الملوك وعنده قينة لحذيفة بن بدر تغنيه بقول امرىء القيس ( دارٌ لهندٍ والرَّبابِ وَفَرْتَنَى ... ولَمِيسَ قَبْلَ حوادِثِ الأيامِ ) وهن - فيما يذكر - نسوة من بني عبس فغضب قيس بن زهير وشق رداءها وشتمها فغضب حذيفة فبلغ ذلك قيسا فأتاه يسترضيه فوقف عليه فجعل يكلمه وهو لا يعرفه من الغضب وعنده أفراس له فعابها وقال ما يرتبط مثلك مثل هذه يا أبا مسهر فقال حذيفة أتعيبها قال نعم فتجاريا حتى تراهنا وقال بعض الرواة إن الذي هاج الرهان أن رجلا من بني عبد الله بن غطفان ثم أحد بني جوشن - وهم أهل بيت شؤم أتى حذيفة زائرا - ويقال إن الذي أتاه الورد العبسي أبو عروة بن الورد - قال فعرض عليه حذيفة خيله فقال ما أرى فيها جوادا مبرا والمبر الغالب قال ذو الرمة ( أبرّ على الخُصومً فليس خَصْمٌ ... ولا خصْمانِ يَغْلِبُه جِدَالا ) فقال له حذيفة فعند من الجواد المبر فقال عند قيس بن زهير فقال له هل لك أن تراهنني عنه قال نعم قد فعلت فراهنه على ذكر من خيله وأنثى ثم إن العبدي أتى قيس بن زهير وقال إني قد راهنت عنك على فرسين من خيلك ذكر وأنثى وأوجبت الرهان فقال قيس ما أبالي من راهنت غير حذيفة فقال ما راهنت غيره فقال له قيس إنك ما علمت لأنكد ثم ركب قيس حتى أتى حذيفة فوقف عليه فقال له ما غدا بك قال غدوت لأواضعك الرهان قال بل غدوت لتغلقه قال ما أردت ذلك فأبى حذيفة إلا الرهان فقال قيس أخيرك ثلاث خلال فإن بدأت فاخترت قبلي فلي خلتان ولك الأولى وإن بدأت فاخترت قبلك فلك خلتان ولي الأولى قال حذيفة فابدأ قال قيس الغاية من مائة غلوة - والغلوة الرمية بالنشابة - قال حذيفة فالمضمار أربعون ليلة والمجرى من ذات الإصاد ففعلا ووضعا السبق على يدي غلاق او ابن غلاق أحد بني ثعلبة بن سعد بن ثعلبة فأما بنو عبس فزعموا أنه أجرى الخطار والحنفاء وزعمت بنو فزارة أنه أجرى قرزلا والحنفاء وأجرى قيس داحسا والغبراء ويزعم بعضهم أن الذي هاج الرهان أن رجلا من بني المعتمر بن قطيعة بن عبس يقال له سراقة راهن شابا من بني بدر - وقيس غائب - على أربع جزائر من خمسين غلوة فلما جاء قيس كره ذلك وقال له لم ينته رهان قط إلا إلى شر ثم أتى بني بدر فسألهم المواضعة فقالوا لا حتى نعرف سبقنا فإن أخذنا فحقنا وإن تركنا فحقنا فغضب قيس ومحك وقال أما إذ فعلتم فأعظموا الخطر وأبعدوا الغاية قالوا فذلك لك فجعلوا الغاية من واردات إلى ذات الإصاد وذلك مائة غلوة والثنية فيما بينهما وجعلوا القصبة في يدي رجل من بني ثعلبة بن سعد يقال له حصين ويقال رجل من بني العشراء من بني فزارة وهو ابن أخت لبني عبس وملؤوا البركة ماء وجعلوا السابق أول الخيل يكرع فيها ثم إن حذيفة بن بدر وقيس بن زهير أتيا المدى الذي أرسلن منه ينظران إلى الخيل كيف خروجها منه فلما أرسلت عارضاها فقال حذيفة خدعتك يا قيس قال ترك الخداع من أجرى من مائة فأرسلها مثلا ثم ركضا ساعة فجعلت خيل حذيفة تبر وخيل قيس تقصر فقال حذيفة سبقتك يا قيس فقال جري المذكيات غلاب فأرسلها مثلا ثم ركضا ساعة فقال حذيفة إنك لا تركض مركضا فأرسلها مثلا وقال سبقت خيلك يا قيس فقال قيس رويدا يعلون الجدد فأرسلها مثلا قال وقد جعل بنو فزارة كمينا بالثنية فاستقبلوا داحسا فعرفوه فأمسكوه وهو السابق ولم يعرفوا الغبراء وهي خلفه مصلية حتى مضت الخيل واستهلت من الثنية ثم أرسلوه فتمطر في آثارها أي أسرع فجعل يبدرها فرسا فرسا حتى سبقها إلى الغاية مصليا وقد طرح الخيل غير الغبراء ولو تباعدت الغاية لسبقها فاستقبلها بنو فزارة فلطموها ثم حلؤوها عن البركة ثم لطموا داحسا وقد جاءا متواليين وكان الذي لطمه عمير بن نضلة فجسأت يده فسمي جاسئا فجاء قيس وحذيفة في آخر الناس وقد دفعتهم بنو فزارة عن سبقهم ولطموا أفراسهم ولم تطقهم بنو عبس يقاتلونهم وإنما كان من شهد ذلك من بني عبس أبياتا غير كثيرة فقال قيس بن زهير يا قوم إنه لا يأتي قوم إلى قومهم شرا من الظلم فأعطونا حسنا فأبت بنو فزارة أن يعطوهم شيئا - وكان الخطر - عشرين من الإبل - فقالت بنو عبس أعطونا بعض سبقنا فأبوا فقالوا أعطونا جزورا ننحرها نطعمها أهل الماء فإنا نكره القالة في العرب فقال رجل من بني فزارة مائة جزور وجزور واحد سواء والله ما كنا لنقر لكم بالسبق علينا ولم نسبق فقام رجل من بني مازن بن فزارة فقال يا قوم إن قيسا كان كارها لأول هذا الرهان وقد أحسن في آخره وإن الظلم لا ينتهي إلا إلى الشر فأعطوه جزورا من نعمكم فأبوا فقام إلى جزور من إبله فعقلها ليعطيها قيسا ويرضيه فقام ابنه فقال إنك لكثير الخطأ أتريد أن تخالف قومك وتلحق بهم خزاية بما ليس عليهم فأطلق الغلام عقالها فلحقت بالنعم فلما رأى ذلك قيس بن زهير احتمل عنهم هو ومن معه من بني عبس فأتى على ذلك ما شاء الله مقتل عوف بن بدر ومالك بن زهير ثم إن قيسا أغار عليهم فلقي عوف بن بدر فقتله وأخذ إبله فبلغ ذلك بني فزارة فهموا بالقتال وغضبوا فحمل الربيع بن زياد أحد بني عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس دية عوف بن بدر مائة عشراء متلية العشراء التي أتى عليها من حملها عشرة أشهر من ملقحها والمتالي التي نتج بعضها والباقي يتلوها في النتاج وأم عوف وأم حذيفة ابنة نضلة بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة واصطلح الناس فمكثوا ما شاء الله ثم إن مالك بن زهير أتى امرأة يقال لها مليكة بنت حارثة من بني عوذ بن فزارة فابتنى بها باللقاطة قريبا من الحاجر فبلغ ذلك حذيفة بن بدر فدس له فرسانا على أفراس من مسان خيله وقال لا تنظروا مالكا إن وجدتموه أن تقتلوه والربيع بن زياد بن عبد الله بن سفيان بن ناشب العبسي مجاور حذيفة بن بدر وكانت تحت الربيع بن زياد معاذة ابنة بدر فانطلق القوم فلقوا مالكا فقتلوه ثم انصرفوا عنه فجاؤوا عشية وقد جهدوا أفراسهم فوقفوا على حذيفة ومعه الربيع بن زياد فقال حذيفة أقدرتم على حماركم قالوا نعم وعقرناه فقال الربيع ما رأيت كاليوم قط أهلكت أفراسك من أجل حمار فقال حذيفة لما أكثر عليه من الملامة وهو يحسب أن الذي أصابوا حمارا إنا لم نقتل حمارا ولكنا قتلنا مالك بن زهير بعوف بن بدر فقال الربيع بئس لعمر الله القتيل قتلت أما والله إني لأظنه سيبلغ ما نكره فتراجعا شيئا من كلام ثم تفرقا فقام الربيع يطأ الأرض وطأ شديدا وأخذ يومئذ حمل بن بدر ذا النون سيف مالك بن زهير قال أبو عبيدة فزعموا أن حذيفة لما قام الربيع بن زياد أرسل إليه بمولدة له فقال لها اذهبي إلى معاذة بنت بدر امرأة الربيع فانظري ما ترين الربيع يصنع فانطلقت الجارية حتى دخلت البيت فاندست بين الكفاء والنضد - والكفاء شقة في آخر البيت والنضد متاع يجعل على حمار من خشب - فجاء الربيع فنفذ البيت حتى أتى فرسه فقبض بمعرفته ثم مسح متنه حتى قبض بعكوة ذنبه - العكوة أصل الذنب - ثم رجع إلى البيت ورمحه مركوز بفنائه فهزه هزا شديدا ثم ركزه كما كان ثم قال لامرأته اطرحي لي شيئا فطرحت له شيئا فاضطجع عليه وكانت قد طهرت تلك الليلة فدنت منه فقال إليك قد حدث أمر ثم تغنى وقال ( نام الخَلِيُّ وما أُغمِّضُ حارِ ... من سيِّىء النَّبَأ الجليلِ السَّارِي ) ( مِنْ مِثْله تُمسِي النساءُ حواسِراً ... وتقوم مُعْوِلةٌ مع الأسحار ) ( مَنْ كان مسروراً بمَقْتَلِ مالكٍ ... فَلْيَأْتِ نِسوَتنا بوَجْهِ نهار ) ( يَجد النساء حواسراً ينْدُبْنَه ... يبكين قبل تبلُّج الأسحارِ ) ( قد كُنَّ يَخْبأن الوُجوهَ تستُّراً ... فاليوم حين بدَوْنَ للنُّظَّارِ ) ( يَخْمِشْنَ حُرَّات الوُجوهِ على امرىء ... سَهْلِ الخليقة طيّب الأخبار ) ( أفبَعْدَ مَقْتَل مالك بن زُهَيْرٍ ... تَرْجُوِ النساءُ عواقبَ الأطهارِ ) ( ما إنْ أرَى في قتله لِذَوي الحِجا ... إلاَّ المطيّ تُشدُّ بالأكَوارِ ) ( ومجَّنباتٍ ما يَذُقْنَ عذُوفةً ... يَقْذِفْنَ بالمُهَرات والأمْهارِ ) العذوف والعدوف واحد وهو ما أكلته ( ومساعِراً صدأُ الحديدِ عليهم فكأنما ... طُلِيَ الوجوهُ بقار ) ( يا رُبَّ مَسْرُورٍ بمَقْتَلِ مالكٍ ... ولسوف نصرِفُه بشرِّ مَحارِ ) فرجعت المرأة فأخبرت حذيفة الخبر فقال هذا حين اجتمع أمر إخوتكم ووقعت الحرب وقال الربيع لحذيفة وهو يومئذ جاره سيرني فإني جاركم فسيره ثلاث ليال ومع الربيع فضلة من خمر فلما سار الربيع دس حذيفة في أثره فوارس فقال اتبعوه فإذا مضت ثلاث ليال فإن معه فضلة من خمر فإن وجدتموه قد أهراقها فهو جاد وقد مضى فانصرفوا وإن لم تجدوه قد أراقها فاتبعوه فإنكم تجدونه قد مال لأدنى منزل فرتع وشرب فاقتلوه فتبعوه فوجدوه قد شق الزق ومضى فانصرفوا فلما أتى الربيع قومه وقد كان بينه وبين قيس بن زهير شحناء وذلك أن الربيع ساوم قيس بن زهير في درع كانت عنده فلما نظر إليها وهو راكب وضعها بين يديه ثم ركض بها فلم يردها على قيس فعرض قيس لفاطمة ابنة الخرشب الأنمارية - من أنمار من بغيض وهي إحدى منجبات قيس وهي أم الربيع - وهي تسير في ظعائن من عبس فاقتاد جملها يريد أن يرتهنها بالدرع حتى يرد عليه فقالت ما رأيت كاليوم فعل رجل أي قيس ضل حلمك أترجو أن تصطلح أنت وبنو زياد وقد أخذت أمهم فذهبت بها يمينا وشمالا فقال الناس في ذلك ما شاؤوا وحسبك من شر سماعه فأرسلتها مثلا فعرف قيس بن زهير ما قالت له فخلى سبيلها وأطرد إبلا لبني زياد فقدم بها مكة فباعها من عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي وقال في ذلك قيس بن زهير ( ألم يبلغك والأنباءُ تَنْمِي ... بما لاقَتْ لَبُونُ بني زِيادِ ) ( ومَحْبِسُها على القرشي تُشْرَى ... بأدراعٍ وأسيافٍ حِداد ) ( كما لاقيتَ مِنْ حَمَلِ بن بَدْرٍ ... وإخوتِه على ذات الإصاد ) ( هُم فَخَرُوا عليّ بغير فَخْرٍ ... وذَادُوا دُونَ غايتِه جَوادي ) ( وكنتُ إذا مُنِيتُ بخَصْمِ سوءٍ ... دلفْتُ له بِداهيةٍ نآدا ) ( بداهِيةٍ تدقّ الصُّلْبَ منه ... فتقصِمُ أو تجوبُ عن الفؤاد ) ( وكنتُ إذا أتاني الدَّهرَ رِبْقٌ ... بداهيةٍ شددتُ لها نِجادي ) الربق ما يتقلده ( ألم تعلم بنو المِيقاب أنِّي ... كريمٌ غير مُنْغَلِثِ الزِّنادِ ) الوقب الأحمق والميقاب التي تلد الحمقى والمنغلث الذي ليس بمنتقى ( أُطوِّفُ ما أُطوِّفُ ثم آوي ... الى جارٍ كجارِ أبي دُوَاد ) جاره يعني ربيعة الخير بن قرط بن سلمة بن قشير وجار أبي دواد يقال له الحارث بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان وكان أبو دواد في جواره فخرج صبيان الحي يلعبون في غدير فغمس الصبيان ابن أبي دواد فيه فقتلوه فخرج الحارث فقال لا يبقى صبي في الحي إلا غرق في الغدير أو يرضى أبو دواد فودي ابن أبي دواد عشر ديات فرضي وهو قول أبي دواد ( إبلي الإِبْلُ لا يحوزها الراعون ... ومَجَّ النّدَى عليها المُدَامُ ) قال أبو سعيد حفظي لا يحوزها الراعي ومج الندى ( إليكَ ربيعةَ الخير بن قُرْط وَهُوباً للطَّريف وللتَّلادِ ... ) ( كفانِي ما أخافُ أبو هلال ... ربيعةُ فانتهَتْ عَنّي الأعَادِي ) ( تَظَلُّ جِيَادُه يحدين حوْلي ... بذات الرِّمْث كالحِدَإ الغَوَادِي ) ( كأني إذ أنختُ إلى ابْنِ قرط ... عقلْتُ إلى يَلَمْلَمَ أو نَضَادِ ) وقال أيضا قيس بن زهير ( إن تك حَرْبٌ فلم أَجْنِها ... جَنَتْها خيارُهُم أوْ هُمُ ) ( حِذَار الرَّدَى إذ رأوا خَيْلَنا ... مُقَدِّمُها سابحٌ أدْهَمُ ) ( عليه كَمِيٌ وسِرْبالُه ... مُضاعفة نسجُها مُحْكمُ ) ( فإنْ شَمَّرَتْ لكَ عن ساقِها ... فَوَيْهاً ربيعُ ولم يسأمُوا ) ( نَهيتُ رَبيعاً فلم يَزْدَجِرُ ... كما انزجر الحارثُ الأضْجَمُ ) قال أبو عبد الله الحارث الأضجم رجل من بني ضبيعة بن ربيعة بن نزار وهو صاحب المرباع قال فكانت تلك الشحناء بين بني زياد وبين بني زهير فكان قيس يخاف خذلانهم إياه فزعموا أن قيسا دس غلاما له مولدا فقال انطلق كأنك تطلب إبلا فإنهم سيسألونك فذكر مقتل مالك ثم احفظ ما يقولون فأتاهم العبد فسمع الربيع يتغنى بقوله ( أفبَعْدَ مَقْتلِ مالكِ بْنِ زُهَير ... ترجُو النساءُ عواقبَ الأطهارِ ) فلما رجع العبد إلى قيس فأخبره بما سمع من الربيع بن زياد عرف قيس أن قد غضب فاجتمعت بنو عبس على قتال بني فزارة فأرسلوا إليهم أن ردوا علينا إبلنا التي ودينا بها عوفا أخا حذيفة بن بدر لأمه فقال لا أعطيكم دية ابن أمي وإنما قتل صاحبكم حمل بن بدر وهو ابن الأسدية وأنتم وهو أعلم فزعم بعض الناس أنهم كانوا ودوا عوف بن بدر بمائة من الإبل متلية أي قد دنا نتاجها وأنه أتى على تلك الإبل أربع سنين وأن حذيفة بن بدر أراد أن يردها بأعيانها فقال له سنان بن خارجة المري أتريد أن تلحق بنا خزاية فنعطيهم أكثر مما أعطونا فتسبنا العرب بذلك فأمسكها حذيفة وأبى بنو عبس أن يقبلوا إلا إبلهم بعينها فمكث القوم ما شاء الله أن يمكثوا مقتل مالك بن بدر ثم إن مالك بن بدر خرج يطلب إبلا له فمر على بني رواحة فرماه جندب - أحد بني رواحة - بسهم فقتله فقالت ابنة مالك بن بدر في ذلك ( لِلَّهِ عَيْنا مَنْ رأى مِثْلَ مالكٍ ... عَقيرةَ قَوْمٍ أنْ جَرَى فَرَسانِ ) ( فليتهما لم يَشْربا قطُّ قطرةً ... وليتهما لم يُرْسلا لِرهان ) ( أُحِلَّ به مِنْ جندب أمس نَذْره ... فأيُّ قتيلٍ كان في غطفان ) ( إذا سجعَتْ بالرَّقْمَتَيْن حَمامةٌ ... أو الرَّسِّ تبْكِي فارسَ الكَتفانِ ) فرس له كانت تسمى الكتفان ثم إن الأسلع بن عبد الله بن ناشب بن زيد بن هدم بن أد بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس مشى في الصلح ورهن بني ذبيان ثلاثة من بنيه وأربعة من بني أخيه حتى يصطلحوا جعلهم على يدي سبيع بن عمرو من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان فمات سبيع وهم عنده فلما حضرته الوفاة قال لابنه مالك بن سبيع إن عندك مكرمة لا تبيد إن أنت احتفظت بهؤلاء الأغيلمة وكأني بك لو قدمت قد أتاك حذيفة خالك - وكانت أم مالك هذا ابنة بدر - فعصر عينيه وقال هلك سيدنا ثم خدعك عنهم حتى تدفعهم إليه فيقتلهم فلا شرف بعدها فإن خفت ذلك فاذهب بهم إلى قومهم فلما ثقل جعل حذيفة يبكي ويقول هلك سيدنا فوقع ذلك له في قلب مالك فلما هلك سبيع أطاف بابنه مالك فأعظمه ثم قال له يا مالك إني خالك وإني أسن منك فادفع إلي هؤلاء الصبيان ليكونوا عندي إلى أن ننظر في أمرنا ولم يزل به حتى دفعهم إلى حذيفة باليعمرية واليعمرية ماء بواد من بطن نخل من الشربة لبني ثعلبة فلما دفع مالك إلى حذيفة الرهن جعل كل يوم يبرز غلاما فينصبه غرضا ويرمي بالنبل ثم يقول ناد أباك فينادي أباه حتى يمزقه النبل ويقول لواقد بن جنيدب ناد أباك فجعل ينادي يا عماه خلافا عليهم ويكره أن يأبس أباه بذلك - والأبس القهر والحمل على المكروه - وقال لابن جنيدب بن عمرو بن عبد الأسلع ناد جنيبة - وكان جنيبة لقب أبيه - فجعل ينادي يا عمراه باسم أبيه حتى قتل وقتل عتبة بن قيس بن زهير ثم إن بني فزارة اجتمعوا هم وبنو ثعلبة وبنو مرة فالتقوا هم وبنو عبس فقتلوا منهم مالك بن سبيع بن عمرو الثعلبي - قتله مروان بن زنباع العبسي - وعبد العزى بن حذار الثعلبي والحارث بن بدر الفزاري وهرم بن ضمضم المري - قتله ورد بن حابس العبسي ولم يشهد ذلك اليوم حذيفة بن بدر فقالت ناجية أخت هرم بن ضمضم المري ( يا لَهْفَ نفسي لهفةَ المفجوع ... ألاّ أرى هَرِماً على مَوْدُوعِ ) ( مِنْ أجل سيّدنا ومَصْرَع جَنْبه ... عَلِقَ الفؤاد بحنظلٍ مجدوع ) مودوع فرسه بين ذبيان وعبس ثم إن حذيفة بن بدر جمع وتأهب واجتمع معه بنو ذبيان بن بغيض فبلغ بني عبس أنهم قد ساروا إليهم فقال قيس أطيعوني فوالله لئن لم تفعلوا لأتكئن على سيفي حتى يخرج من ظهري قالوا فإنا نطيعك فأمرهم فسرحوا السوام والضعاف بليل وهم يريدون أن يظعنوا من منزلهم ذلك ثم ارتحلوا في الصبح وأصبحوا على ظهر العقبة وقد مضى سوامهم وضعفاؤهم فلما أصبحوا طلعت عليهم الخيل من الثنايا فقال قيس خذوا غير طريق المال فإنه لا حاجة للقوم أن يقعوا في شوكتكم ولا يريدون بكم في أنفسكم شرا من ذهاب أموالكم فأخذوا غير طريق المال فلما أدرك حذيفة الأثر ورآه قال أبعدهم الله وما خيرهم بعد ذهاب أموالهم فاتبع المال وسارت ظعن بني عبس والمقاتلة من ورائهم وتبع حذيفة وبنو ذبيان المال فلما أدركوه ردوه أوله على آخره ولم يفلت منهم شيء وجعل الرجل يطرد ما قدر عليه من الإبل فيذهب بها وتفرقوا واشتد الحرب فقال قيس بن زهير يا قوم إن القوم قد فرق بينهم المغنم فاعطفوا الخيل في آثارهم فلم تشعر بنو ذبيان إلا والخيل دوائس فلم يقاتلهم كبير أحد وجعل بنو ذبيان إنما همة الرجل في غنيمته أن يحوزها ويمضي بها فوضعت بنو عبس فيهم السلاح حتى ناشدتهم بنو ذبيان البقية ولم يكن لهم هم غير حذيفة فأرسلوا خيلهم مجتهدين في أثره وأرسلوا خيلا تقص الناس ويسألونهم حتى سقط خبر حذيفة من الجانب الأيسر على شداد بن معاوية العبسي وعمرو بن ذهل بن مرة بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة العبسي وعمرو بن الأسلع والحارث بن زهير وقرواش بن هني بن أسيد بن جذيمة وجنيدب وكان حذيفة قد استرخى حزام فرسه فنزل عنه فوضع رجله على حجر مخافة أن يقتص أثره ثم شد الحزام فوقع صدر قدمه على الأرض فعرفوه وعرفوا حنف نفسه - والحنف أن تقبل إحدى اليدين على الأخرى وفي الناس أن تقبل إحدى الرجلين على الأخرى وأن يطأ الرجل وحشيهما وجمع الأحنف حنف - فاتبعوه ومضى حتى استغاث بجفر الهباءة وقد اشتد الحر فرمى بنفسه ومعه حمل بن بدر وحنش بن عمرو وورقاء بن بلال وأخوه - وهما من بني عدي بن فزارة - وقد نزعوا سروجهم وطرحوا سلاحهم ووقعوا في الماء وتمعكت دوابهم وقد بعثوا ربيئة فجعل يطلع فينظر فإذا لم ير شيئا رجع فنظر نظرة فقال إني قد رأيت شخصا كالنعامة أو كالطائر فوق القتادة من قبل مجيئنا فقال حذيفة هنا وهنا هذا شداد على جروة وجروة فرس شداد والمعنى دع ذكر شداد عن يمينك وعن شمالك واذكر غيره لما كان يخاف من شداد فبينا هم يتكلمون إذا هم بشداد بن معاوية واقفا عليهم فحال بينهم وبين الخيل ثم جاء عمرو بن الأسلع ثم جاء قرواش حتى تناموا خمسة فحمل جنيدب على خيلهم فاطردها وحمل عمرو بن الأسلع فاقتحم هو وشداد عليهم في الجفر فقال حذيفة يا بني عبس فأين العقول والأحلام فضربه أخوه حمل بن بدر بين كتفيه وقال اتق مأثور القول بعد اليوم فأرسلها مثلا وقتل قرواش بن هني حذيفة وقتل الحارث بن زهير حمل بن بدر وأخذ منه ذا النون سيف مالك بن زهير وكان حمل أخذه من مالك بن زهير يوم قتله فقال الحارث بن زهير في ذلك ( تركتُ على الهَباءةِ غيْر فخر ... حُذيفةَ حوله قِصَدُ العَوالِي ) ( سيخبرُ عنهُمُ حَنَشُ بن عَمْروٍ ... إذا لاقاهُمُ وابْنَا بِلالِ ) ( ويُخبرهم مكانَ النُّون مني ... وما أعطيتُه عرَقَ الخِلالِ ) العرق المكافأة والخلال المودة يقول لم يعطوني السيف عن مكافأة ومودة ولكني قتلت وأخذت فأجابه حنش بن عمرو أخو بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان ( سيُخْبرك الحديثَ به خبيرٌ ... يُجاهِرك العداوةَ غَيْرَ آلِي ) ( بُداءتها لِقِرْواشٍ وعَمْرٍو ... وأنْتَ تجُولُ جَوْبُكَ في الشمال ) الجوب الترس يقول بداءة الأمر لقرواش وعمرو بن الأسلع وهما اقتحما الجفر وقتلا من قتلا وأنت ترسك في يدك يجول لم تغن شيئا ويقال لك البداءة ولفلان العودة وقال قيس بن زهير ( تعلّم أنّ خيْر الناسِ مَيْتٌ ... على جَفْر الهَباءةِ ما يَريمُ ) ( ولولا ظُلْمُه ما زلتُ أبْكي ... عليه الدهرَ ما طلع النجوم ) ( ولكنَّ الفتى حمَلَ بن بدرٍ ... بَغَى والبَغْيُ مَرْتَعُه وَخِيم ) ( أظنُّ الحلم دلَّ عليَّ قومي ... وقد يُستجهَلُ الرجلُ الحليمُ ) ( فلا تَغْشَ المظالم لن تراه ... يُمتَّعُ بالغَنى الرجلُ الظَّلُوم ) ( ولا تَعْجَلْ بأمرك واستَدِمْه ... فما صلَّى عصاك كمستديم ) ( أُلاقي مِنْ رجالٍ مُنْكراتٍ ... فأنكرها وما أنَا بالغَشُوم ) ( ولا يُعْييك عُرْقُوبٌ بَلأيٍ ... إذا لم يعطك النِّصْفَ الخصيم ) ( ومارَسْتُ الرجال ومارسُوني ... فمعوجٌّ عليَ ومُسْتَقِيمُ ) قوله فما صلى عصاك كمستديم يقول عليك بالتأني والرفق وإياك والعجلة فإن العجول لا يبرم أمر أبدا كما أن الذي يثقف العود إذا لم يجد تصليته على النار لم يستقم له وقال في ذلك شداد بن معاوية العبسي ( مَنْ يَكُ سائلاً عنِّي فإنِّي ... وجِروةَ لا نَرودُ ولا نُعارُ ) ( مُقَرَّبة النّساء ولا تراها ... أمام الحيّ يتبعُها المِهار ) ( لها في الصيف آصِرَةُ وُجُلٌّ ... وسِتٌّ من كرائمها غِزارُ ) آصرة حشيش وست أي ست أينق تسقى لبنها ( ألاَ أبلغ بني العُشَراء عنِّي ... علانيةً وما يُغْني السِّرار ) ( قتلتُ سراتكمْ وحَسلْتُ منكم ... حسِيلاً مثلَ ما حُسِل الوبارُ ) حسالة الناس وحفالتهم ورعاعهم وخمانهم وشرطهم وحثالتهم وخشارتهم وغثاؤهم واحد وهم السفلة يقول قتلت سراتكم وجعلتكم بعدهم حسالة كما خلقت الوبار حسالة وكان ذلك اليوم يوم ذي حسا ويزعم بعض بني فزارة أن حذيفة كان أصاب يومئذ فيمن أصاب من بني عبس تماضر ابنة الشريد السلمية أم قيس فقتلها وكانت في المال وقال ( ولم أقتلكُمْ سِرّاً ولكن ... علانيةً وقد سطع الغُبار ) صوت ( جاء البريدُ بِقرطاسٍ يخبّ به ... فأوجس القلبُ من قِرطاسِه فَزَعا ) ( قلنا لك الويلُ ماذا في صحيفتكم ... قال الخليفة أمسى مُثبَتا وجَعا ) عروضه من الكامل الشعر ليزيد بن معاوية والغناء لابن محرز هزج بالوسطى عن عمرو وهذا الشعر يقوله يزيد في علة أبيه التي مات فيها وكان يزيد يومئذ غازيا غزاة الصائفة خبر ليزيد بن معاوية أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني السكري والمبرد عن دماذ أبي غسان - واسمه رفيع بن سلمة - عن أبي عبيدة أن معاوية وجه جيشا إلى بلد الروم ليغزو الصائفة فأصابهم جدري فمات أكثر المسلمين وكان ابنه يزيد مصطبحا بدير مران مع زوجته أم كلثوم فبلغه خبرهم فقال ( إذا ارتفقتُ على الأنماط مصطبِحاً ... بدَيْر مُرّان عندي أمُّ كُلْثومِ ) ( فما أُبَالِي بما لاَقَتْ جنودُهُم ... بالغَذْقَذُونة مِنْ حُمَّى ومن مُومِ ) فبلغ شعره أباه فقال أجل والله ليلحقن بهم فليصيبنه ما أصابهم فخرج حتى لحق بهم وغزا حتى بلغ القسطنطينية فنظر إلى قبتين مبنيتين عليهما ثياب الديباج فإذا كانت الحملة للمسلمين ارتفع من إحداهما أصوات الدفوف والطبول والمزامير وإذا كانت الحملة للروم ارتفع من الأخرى فسأل يزيد عنهما فقيل له هذه بنت ملك الروم وتلك بنت جبلة بن الأيهم وكل واحدة منهما تظهر السرور بما تفعله عشيرتها فقال أما والله لأسرنها ثم صف العسكر وحمل حتى هزم الروم فأحجرهم في المدينة وضرب باب القسطنطينية بعمود حديد كان في يده فهشمه حتى انخرق فضرب عليه لوح من ذهب فهو عليه إلى اليوم نسخت من كتاب محمد بن موسى اليزيدي حدثني العباس بن ميمون طابع قال حدثني ابن عائشة عن أبيه وحدثني القحذمي أن ميسون بنت بحدل الكلبية كانت تزين يزيد بن معاوية وترجل جمته قال فإذا نظر إليه معاوية قال ( فإنْ مات لم تُفلح مزينةُ بَعْدَه ... فَنُوطِي عليه يا مزين التَّمائما ) يزيد وعنبسة في حضرة معاوية وهو يحتضر فلما احتضر معاوية حضره يزيد بن معاوية وعنبسة بن أبي سفيان فبكى يزيد إلى عنبسة وقال ( لو فات شيء يُرى لفات أبو ... حيّان لا عاجِزٌ ولا وَكَلُ ) ( الحُوَّلُ القلَّب الأريب ولن ... يَدْفَع زَوْءَ المنيةِ الحِيَلُ ) فسمعهما معاوية بعد أن رددهما مرارا فقال يا بني إن أخوف ما أخاف على نفسي شيء صنعته قبل ذلك إني كنت أوضىء رسول الله فكساني قميصا وأخذت شعرا من شعره فإذا أنا مت فكفني قميصه واجعل الشعر في منخري وأذني وفمي وخل بيني وبين ربي لعل ذلك ينفعني شيئا قال العباس بن ميمون فقلت للقحذمي هذا غلط والدليل على ذلك أن أبا عدنان حدثني - وها هو حي فاسأله - عن الهيثم بن عدي عن ابن عياش عن الشعبي أن معاوية مات ويزيد بالصائفة فأتاه البريد بنعيه فأنشأ يقول ( جاء البريدُ بقرطاسٍ يخبُّ به ... فأوجس القلبُ من قرطاسه فَزَعا ) ( قلنا لك الويلُ ماذا في صحيفتكم ... قال الخليفةُ أمسى مُثْبَتاً وَجَعا ) ( مادَتْ بنا الأرضُ أو كادت تَمِيدُ بنا ... كأنّ ما عزَّ من أركانها انقلعا ) ( مَنْ لم تَزَلْ نَفْسُه تُوفِي على وَجلٍ ... تُوشكْ مقاديرُ تلك النفس أنْ تقعا ) ( لما وَردتُ وبابُ القَصْرِ منطبِقٌ ... لصوت رَمْلة هُدَّ القلبُ فانصدعا ) الضحاك بن قيس يتولى دفن معاوية وكان الذي تولى غسله ودفنه الضحاك بن قيس فخطب الناس فقال إن ابن هند قد توفي وهذه أكفانه على المنبر ونحن مدرجوه فيها ومخلون بينه وبين ربه ثم هو البرزخ إلى يوم القيامة ولو كان يزيد حاضرا لم يكن للضحاك ولا غيره أن يفعل من هذا شيئا قال العباس فسكت القحذمي وما رد علي شيئا أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني عمي عن جدي عن هشام بن عروة عن أبيه قال صلى بنا عبد الله بن الزبير يوما ثم انفتل من الصلاة فنشج وكان قد نعي له معاوية ثم قال رحم الله معاوية إن كنا لنخدعه فيتخادع لنا وما ابن أنثى بأكرم منه وإن كنا لنعرفه يتفاوق لنا وما الليث المحرب بأجرأ منه كان والله كما قال بطحاء العذري ( رَكُوبُ المنابر وثَّابها ... مِعَنٌّ بخُطبته يَجْهَرُ ) ( تَريع إليه عيونُ الكلام ... إذا حَصِر الهذِر المِهْمَرُ ) كان والله كما قالت رقيقة أو قال بنت رقيقة ( ألاَ أبكيه ألا أبكيه ... ألاَ كلّ الفَتَى فيه ) والله لودي أنه بقي بقاء أبي قبيس لا يتخون له عقل ولا تنقص له قوة قال فعرفنا أن الرجل قد استوجس أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا ابن أبي سعد قال قال محمد بن إسحاق المسيبي حدثني جماعة من أصحابنا أن ابن عباس أتاه نعي معاوية وولاية يزيد وهو يعشي أصحابه ويأكل معهم وقد رفع إلى فيه لقمة فألقاها وأطرق هنيهة ثم قال جبل تدكدك ثم مال بجميعه في البحر واشتملت عليه الأبحر لله در ابن هند ما كان أجمل وجهه وأكرم خلقه وأعظم حلمه فقطع عليه الكلام رجل من أصحابه وقال أتقول هذا فيه فقال ويحك إنك لا تدري من مضى عنك ومن بقي عليك وستعلم ثم قطع الكلام صوت ( إذا زينبٌ زارها أهلُها ... حَشَدتُ وأكرَمْتُ زوّارَها ) ( وإن هي زارتهم زُرتُهم ... وإن لم أجد لي هوىً دارها ) ( فسَلْمِي لمن سالمَتْ زينب ... وحَرْبي لمن أشعلت نارَها ) ( وما زلتُ أرعى لها عَهْدَها ... ولم أتّبع ساعة عارَها ) عروضه من المتقارب الشعر لشريح القاضي في زوجته زينب بنت حدير التميمية والغناء لعمرو بن بانة ثاني ثقيل بالبنصر عنه على مذهب إسحاق وذكر إسحاق في كتاب الأغاني المنسوب إليه أنه لابن محرز ذكر شريح ونسبه وخبره هو فيما أخبرني به الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو سعيد عن هشام بن السائب وأخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني علي بن عبد الله بن معاوية بن ميسرة بن شريح كلاهما اتفق في الرواية لنسبه أنه شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم بن معاوية بن عامر بن الرائش بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع الكندي قال هشام في خبره خاصة وليس بالكوفة من بني الرائش غيرهم وسائرهم من هجر وحضرموت وقد اختلف الرواة بعد هذا في نسبه فقال بعضهم شريح بن هانىء - وهذا غلط - ذاك شريح بن هانىء الحارثي واعتل من قال هذا بخبر روي عن مجالد عن الشعبي أنه قرأ كتابا من عمر إلى شريح من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى شريح بن هانىء وقد يجوز أن يكون كتب عمر رضي الله عنه هذا الكتاب إلى شريح بن هانىء الحارثي وقرأه الشعبي وكلا هذين الرجلين معروف والفرق بينهما النسب والقضاء فإن شريح بن هانىء لم يقض وشريح بن الحارث قد قضى لعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب عليه السلام وقيل شريح بن عبد الله وشريح بن شراحيل والصحيح ابن الحارث وابنه أعلم به وقد أخبرنا وكيع قال حدثنا أحمد بن عمر بن بكير قال حدثني أبي عن الهيثم بن عدي عن أبي ليلى أن خاتم شريح كان نقشه شريح بن الحارث وقيل إنه من أولاد الفرس الذين قدموا اليمن مع سيف بن ذي يزن وعداده في كندة وقد روي عنه شبيه بذلك أخبرنا وكيع قال حدثنا عبد الله بن محمد الحنفي قال حدثنا عبدان قال حدثنا عبد الله بن المبارك قال حدثنا سفيان الثوري عن ابن أبي السفر عن الشعبي قال جاء أعرابي إلى شريح فقال ممن أنت قال أنا من الذين أنعم الله عليهم وعدادي في كندة قال وكيع وقال أبو حسان عن أيوب بن جابر عن أبي حصين قال كان شريح إذا قيل له ممن أنت قال ممن أنعم الله عليه بالإسلام عديد كندة قال وكيع وقيل إنما خرج إلى المدينة ثم إلى العراق لأن أمه تزوجت بعد أبيه فاستحيا وقد اختلف أيضا في سنه فقيل مائة وعشرون سنة وقيل مائة وعشر وقيل أقل من ذلك وأكثر فمن ذكر أنه عمر مائة وعشرين سنة أشعث بن سوار روى ذلك يحيى بن معين عن المحاربي عن أشعث وأبو سعيد الجعفي روى ذلك عنه أبو إبراهيم الزهري وممن قال أقل من ذلك أبو نعيم أخبرنا الحسن بن علي عن الحارث عن ابن سعد عن أبي نعيم قال بلغ شريح مائة وثمانين سنة سنة وفاته قال الحارث وأخبرني ابن سعد عن الواقدي عن أبي سبرة عن عيسى عن الشعبي قال توفي شريح في سنة ثمانين أو تسع وسبعين قال أبو سعيد وقال إبراهيم في سنة ست وسبعين وقال أبو إبراهيم الزهري عن أبي سعيد الجعفي إن شريحا مات في زمن عبد الملك بن مروان أخبرني وكيع قال حدثنا الكراني عن سهل عن الأصمعي قال ولد لشريح وهو ابن مائة سنة وروى إسماعيل بن أبان الوراق عن علي بن صالح قال قيل لشريح كيف أصبحت قال أصبحت ابن ست ومائة قضيت منها ستين سنة عمر بن الخطاب يستقضي شريحا وأخبرني وكيع بخبر عمر حين استقضاه قال حدثنا عبد الله بن محمد بن أيوب قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا شعبة قال سمعت سيارا قال سمعت الشعبي يقول إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ من رجل فرسا على سوم فحمل عليه رجلا فعطب الفرس فقال عمر اجعل بيني وبينك رجلا فقال له الرجل اجعل بيني وبينك شريحا العراقي فقال يا أمير المؤمنين أخذته صحيحا سليما على سوم فعليك أن ترده كما أخذته قال فأعجبه ما قال وبعث به قاضيا ثم قال ما وجدته في كتاب الله فلا تسأل عنه أحدا وما لم تستبن في كتاب فالزم السنة فإن لم يكن في السنة فاجتهد رأيك أخبرني وكيع قال أخبرني عبد الله بن الحسن عن النميري عن حاتم بن قبيصة المهلبي عن شيخ من كنانة قال قال عمر لشريح حين استقضاه لا تشار ولا تضار ولا تشتر ولا تبع فقال عمرو بن العاص يا أمير المؤمنين ( إن القُضاة إن أرادوا عَدْلا ... وفَصلوا بين الخصوم فَصْلا ) ( وزَحْزَحُوا بالحكم منهم جهلا ... كانوا كمثل الغيث صَابَ مَحْلاَ ) وله أخبار في قضايا كثيرة يطول ذكرها وفيها ما لا يستغنى عن ذكره منها محاكمة أمير المؤمنين علي عليه السلام إليه في الدرع شريح يقضي بين علي ويهودي أخذ درعه حدثني به عبد الله بن محمد بن إسحاق ابن أخت داهر بن نوح بالأهواز قال حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي قال حدثني حكيم بن حزام عن الأعمش عن إبراهيم التيمي قال عرف علي صلوات الله عليه درعا مع يهودي فقال يا يهودي درعي سقطت مني يوم كذا وكذا فقال اليهودي ما أدري ما تقول درعي وفي يدي بيني وبينك قاضي المسلمين فانطلقا إلى شريح فلما رآه شريح قام له عن مجلسه فقال له علي اجلس فجلس شريح ثم قال إن خصمي لو كان مسلما لجلست معه بين يديك ولكني سمعت رسول الله يقول لا تساووهم في المجلس ولا تعودوا مرضاهم ولا تشيعوا جنائزهم واضطروهم إلى أضيق الطرق وإن سبوكم فاضربوهم وإن ضربوكم فاقتلوهم ثم قال درعي عرفتها مع هذا اليهودي فقال شريح لليهودي ما تقول قال درعي وفي يدي قال شريح صدقت والله يا أمير المؤمنين إنها لدرعك كما قلت ولكن لا بد من شاهد فدعا قنبرا فشهد له ودعا الحسن بن علي فشهد له فقال أما شهادة مولاك فقد قبلتها وأما شهادة ابنك لك فلا فقال علي سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت رسول الله يقول إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة قال اللهم نعم قال أفلا تجيز شهادة أحد سيدي شباب أهل الجنة والله لتخرجن إلى بانقيا فلتقضين بين أهلها أربعين يوما ثم سلم الدرع إلى اليهودي فقال اليهودي أمير المؤمنين مشى معي إلى قاضيه فقضى عليه فرضي به صدقت إنها لدرعك سقطت منك يوم كذا وكذا عن جمل أورق فالتقطتها وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقال علي عليه السلام هذه الدرع لك وهذه الفرس لك وفرض له في تسعمائة فلم يزل معه حتى قتل يوم صفين خبر زينب بنت حدير وتزويج شريح إياها أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع قال حدثنا ابن أبي زائدة وأبو محمد رجل ثقة قال حدثنا مجالد عن الشعبي قال قال لي شريح يا شعبي عليكم بنساء بني تميم فإنهن النساء قال قلت وكيف ذاك قال انصرفت من جنازة ذات يوم مظهرا فمررت بدور بني تميم فإذا امرأة جالسة في سقيفة على وسادة وتجاهها جارية رؤد - يعني التي قد بلغت - ولها ذؤابة على ظهرها جالسة على وسادة فاستسقيت فقالت لي أي الشراب أعجب إليك النبيذ أم اللبن أم الماء قلت أي ذلك يتيسر عليكم قالت اسقوا الرجل لبنا فإني إخاله غريبا فلما شربت نظرت إلى الجارية فأعجبتني فقلت من هذه قالت ابنتي قلت وممن قالت زينب بنت حدير إحدى نساء بني تميم ثم إحدى نساء بني حنظلة ثم إحدى نساء بني طهية قلت أفارغة أم مشغولة قالت بل فارغة قلت أتزوجينيها قالت نعم إن كنت كفيا ولها عم فاقصده فانصرفت فامتنعت من القائلة فأرسلت إلى إخواني القراء الأشراف مسروق بن الأجدع والمسيب بن نجبة وسليمان بن صرد الخزاعي وخالد بن عرفطة العذري وعروة بن المغيرة بن شعبة وأبي بردة بن أبي موسى فوافيت معهم صلاة العصر فإذا عمها جالس فقال أبا أمية حاجتك قلت إليك قال وما هي قلت ذكرت لي بنت أخيك زينب بنت حدير قال ما بها عنك رغبة ولا بك عنها مقصر وإنك لنهزة فتكلمت فحمدت الله جل ذكره وصليت على النبي وذكرت حاجتي فرد الرجل علي وزوجني وبارك القوم لي ثم نهضنا فما بلغت منزلي حتى ندمت فقلت تزوجت إلى أغلظ العرب وأجفاها فهممت بطلاقها ثم قلت أجمعها إلي فإن رأيت ما أحب وإلا طلقتها فأقمت أياما ثم أقبل نساؤها يهادينها فلما أجلست في البيت أخذت بناصيتها فبركت وأخلى لي البيت فقلت يا هذه إن من السنة إذا دخلت المرأة على الرجل أن يصلي ركعتين وتصلي ركعتين ويسألا الله خير ليلتهما ويتعوذا بالله من شرها فقمت أصلي ثم التفت فإذا هي خلفي فصليت ثم التفت فإذا هي على فراشها فمددت يدي فقالت لي على رسلك فقلت إحدى الدواهي منيت بها فقالت إن الحمد لله أحمده وأستعينه إني امرأة غريبة ولا والله ما سرت مسيرا قط أشد علي منه وأنت رجل غريب لا أعرف أخلاقك فحدثني بما تحب فآتيه وما تكره فأنزجر عنه فقلت الحمد لله وصلى الله على محمد قدمت خير مقدم قدمت على أهل دار زوجك سيد رجالهم وأنت سيدة نسائهم أحب كذا وأكره كذا قالت أخبرني عن أختانك أتحب أن يزوروك فقلت إني رجل قاض وما أحب أن تملوني قال فبت بأنعم ليلة وأقمت عندها ثلاثا ثم خرجت إلى مجلس القضاء فكنت لا أرى يوما إلا هو أفضل من الذي قبله حتى إذا كان عند رأس الحول دخلت منزلي فإذا عجوز تأمر وتنهى قلت يا زينب من هذه فقالت أمي فلانة قلت حياك الله بالسلام قالت أبا أمية كيف أنت وحالك قلت بخير أحمد الله قالت أبا أمية كيف زوجك قلت كخير امرأة قالت إن المرأة لا ترى في حال أسوأ خلقا منها في حالين إذا حظيت عند زوجها وإذا ولدت غلاما فإن رابك منها ريب فالسوط فإن الرجال والله ما حازت إلى بيوتها شرا من الورهاء المتدللة قلت أشهد أنها ابنتك قد كفيتنا الرياضة وأحسنت الأدب قال فكانت في كل حول تأتينا فتذكر هذا ثم تنصرف شريح يعالج زينب قال شريح فما غضبت عليها قط إلا مرة كنت لها ظالما فيها وذاك أني كنت أمام قومي فسمعت الإقامة وقد ركعت ركعتي الفجر فأبصرت عقربا فعجلت عن قتلها فأكفأت عليها الإناء فلما كنت عند الباب قلت يا زينب لا تحركي الإناء حتى أجيء فعجلت فحركت الإناء فضربتها العقرب فجئت فإذا هي تلوى فقلت مالك قالت لسعتني العقرب فلو رأيتني يا شعبي وأنا أعرك أصبعها بالماء والملح وأقرأ عليها المعوذتين وفاتحة الكتاب وكان لي يا شعبي جار يقال له ميسرة بن عرير من الحي فكان لا يزال يضرب امرأته فقلت ( رأيتُ رجالاً يضربون نساءهم ... فشَلَّت يميني يوم أضْرِبُ زينبا ) يا شعبي فوددت أني قاسمتها عيشي ومما يغنى فيه من الأشعار التي قالها شريح في امرأته زينب صوت ( رأيتُ رجالاً يضربُون نساءهم ... فشلَّت يميني يَوْمَ أضرِبُ زَيْنَبا ) ( أأضربها في غير جُرمٍ أتَتْ به ... إليّ فما عذري إذا كُنْتُ مذنبا ) ( فتاة تزينُ الحلْي إن هي حُلِّيتْ ... كأن بفيها المسكَ خالط مَحلبا ) والغناء ليونس الكاتب من كتابه غير مجنس صوت ( أمِنْ رسم دارٍ مربعٌ ومصيفُ ... لعينك من ماء الشؤون وكِيفُ ) ( تذكرْتُ فيها الجَهْلَ حتى تبادَرتْ ... دُموعي وأصحابي عليّ وقوف ) عروضه من مصرع الطويل الشعر للحطيئة من قصيدة يمدح بها سعيد ابن العاص لما ولي الكوفة لعثمان والغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو أخبار الحطيئة مع سعيد بن العاص أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عبد الله بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد عن أبيه قال لقيني إياس بن الحطيئة فقال لي يا أبا عثمان مات أبي وفي كسر بيته عشرون ألفا أعطاه إياها أبوك وقال فيه خمس قصائد فذهب والله ما أعطيتمونا وبقي ما أعطيناكم فقلت صدقت والله قال أبو زيد فمما قال فيه قوله ( أمِنْ رَسْمِ دارٍ مرَبعٌ ومَصيفُ ... لعينك من ماء الشؤون وَكِيفْ ) ( إليك سعيدَ الخير جُبْتُ مهامِهاً ... يقابلني آلٌ بها وتُنُوف ) ( ولولا أصيلُ اللُّبِّ غضّ شبابه ... كريم لأيام المنون عَرُوف ) ( إذا همّ بالأعداء لم يَثْن همّه ... كعابٌ عليها لؤلؤ وشُنُوف ) ( حَصَانٌ لها في البيت زيّ وبهجة ... ومَشْيٌ كما تمشي القَطَاة قَطُوفُ ) ( ولو شاء وارى الشمس مِنْ دُونِ وَجْهه ... حِجابٌ ومطويّ السراةِ منيف ) أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عبد الله بن محمد بن حكيم الطائي عن خالد بن سعيد بن العاص عن أبيه قال كان سعيد بن العاص في المدينة زمن معاوية وكان يعشي الناس فإذا فرغ من العشاء قال الآذِنُ أجيزوا إلا من كان من أهل سمرة قال فدخل الحطيئة فتعشى مع الناس ثم أقبل فقال الآذن أجيزوا حتى انتهى إلى الحطيئة فقال أجز فأبى فأعاد عليه فأبى فلما رأى سعيد إباءه قال دعه وأخذ في الشعر والحطيئة مطرق لا ينطق فقال الحطيئة والله ما أصبتم جيد الشعر ولا شاعر الشعراء قال سعيد من أشعر العرب يا هذا فقال الذي يقول ( لا أعدُّ الإِقتارَ عُدْماً ولكن ... فَقْدُ مَنْ قد رُزئتُه الإِعدامُ ) ( مِنْ رجالٍ من الأقارب بانُوا ... من جُذامٍ هم الرؤوس الكرام ) ( سُلِّط الموتُ والمنون عليهم ... فلهم في صُوَى المقابر هَامُ ) ( وكذَاكُم سبيل كلِّ أناس ... سوف حقّاً تُبْلِيهمُ الأيام ) قال ويحك من يقول هذا الشعر قال أبو دواد الإيادي قال أو ترويه قال نعم قال فأنشدنيه فأنشدته الشعر كله قال ومن الثاني قال الذي يقول ( أفْلْحْ بما شئتَ فقد يُبْلَغ بالضعف ... وقد يُخدع الأريبُ ) قال ومن يقول هذا قال عبيد قال أو ترويه قال نعم قال فأنشدنيه فأنشده ثم قال له ثم من قال والله لحسبك بي عند رهبة أو رغبة إذا وضعت إحدى رجلي على الأخرى ثم رفعت عقيرتي بالشعر ثم عويت على أثر القوافي عواء الفصيل الصادر عن الماء قال ومن أنت قال الحطيئة قال ويحك قد علمت تشوقنا إلى مجلسك وأنت تكتمنا نفسك منذ الليلة قال نعم لمكان هذين الكلبين عندك وكان عنده كعب بن جعيل وأخوه وكان عنده سويد بن مشنوء النهدي حليف بني عدي بن جناب الكلبيين فأنشده الحطيئة قوله ( ألستَ بجاعلي كابنَيْ جُعَيْلٍ ... هداكَ الله أو كابْنَيْ جنابِ ) ( أدبُّ فلا أُقدِّرَ أنْ تراني ... ودونك بالمدينة ألفُ باب ) ( وأُحْبَسُ بالعراء المحْل بيتي ... ودونك عازِبٌ ضخم الذباب ) العازب الكلأ الذي لم يرع وقد التف نبته فقال له سعيد لعمر الله لأنت أشعر عندي منهم فأنشدني فأنشده ( سعِيدٌ وما يفعلْ سَعِيدٌ فإنه ... نجيبٌ فَلاهُ في الرِّباط نَجيبُ ) ( سَعِيدٌ فلا يغررك قِلَّة لحمه ... تخدَّدَ عنه اللحمُ فهو صَلِيبُ ) ويروى خفة لحمه ( إذا غاب عنّا غاب عنا رَبِيعُنا ... ونُسقَى الغمامَ الغُرَّ حينَ يَؤُوبُ ) ( فنعم الفتى تَعْشُو إلى ضَوْء ناره ... إذا الريحُ هبت والمكانُ جَدِيبُ ) فأمر له بعشرة آلاف درهم ثم عاد فأنشده قصيدته التي يقول فيها ( أمِنْ رسم دارٍ مربع ومَصِيف ... ) يقول فيها ( إذا همّ بالأعداء لم يثن عَزْمَه ... كعابٌ عليها لؤلؤٌ وشُنُوفُ ) فأعطاه عشرة آلاف أخرى أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة بهذا الحديث نحو ما رواه خالد بن سعيد وزاد فيه فانتهى الشرط إلى الحطيئة فرأوه أعرابيا قبيح الوجه كبير السن سيىء الحال رث الهيئة فأرادوا أن يقيموه فأبى أن يقوم وحانت من سعيد التفاتة فقال دعوا الرجل وباقي الخبر مثله الحطيئة وخالد بن سعيد بن العاص قال أبو عبيدة في هذا الخبر وأخبرني رجل من بني كنانة قال أقبل الحطيئة في ركب من بني عبس حتى قدم المدينة فأقام مدة ثم قال له من في رفقته إنا قد أرذينا وأخلينا فلو تقدمت إلى رجل شريف من أهل هذه القرية فقرانا وحملنا فأتى خالد بن سعيد بن العاص فسأله فاعتذر إليه وقال ما عندي شيء فلم يعد عليه الكلام وخرج من عنده فارتاب به خالد فبعث يسأل عنه فأخبر أنه الحطيئة فرده فأقبل الحطيئة فقعد لا يتكلم فأراد خالد أن يستفتحه الكلام فقال من أشعر الناس فقال الذي يقول ( ومَنْ يجعل المعروفَ مِنْ دونِ عِرْضه ... يَفِرْه ومَنْ لا يَتَّقِ الشَّتْم يُشْتَمِ ) فقال خالد لبعض جلسائه هذه بعض عقاربه وأمر بكسوة وحملان فخرج بذلك من عنده صوت ( حبَّذَا لَيْلَتي بِتَلّ بَونَّى ... حين نُسَقَّى شرابَنا ونُغَنَّى ) ( إذْ رأَيْنَا جَوَارِياً عَطِراتٍ ... وغناءٌ وقَرْقفاً فنزلنا ) ( ما لهم لا يُبَارِكُ اللهُ فيهم ... إذ يسألون ويحنا ما فَعَلْنا ) عروضه الضرب الأول من الخفيف الشعر لمالك بن أسماء بن خارجة والغناء لحنين رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق أخبار مالك بن أسماء بن خارجة ونسبه هو مالك بن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري وقد مضى هذا النسب في أخبار عويف القوافي وقد مضت أخباره وذكر هذا البيت من فزارة وشرفه فيها وسائر قصصه هناك وكان الحجاج بن يوسف ولى مالك بن أسماء بعد أن تزوج أخته هندا بأصبهان بعد حبس طويل في خيانة ظهرت عليه ثم خلاه بعد ذلك وطالت أيامه بأصبهان فظهرت عليه خيانة أخرى فحبسه وناله بكل مكروه أخبرني بخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن عيسى بن موسى قال حدثني هشام بن محمد الهلالي قال اختلف الحجاج وهند بنت أسماء زوجته في وقعة بنات قين فبعث إلى مالك بن أسماء بن خارجة فأخرجه من السجن وكان محبوسا بمال عليه للحجاج فسأله عن الحديث فحدثه به ثم أقبل على هند فقال قومي إلى أخيك فقالت لا أقوم إليه وأنت ساخط عليه فأقبل الحجاج عليه فقال إنك والله ما علمت للخائن أمانته اللئيم حسبه الزاني فرجه فقال إن أذن لي الأمير تكلمت قال قل قال أما قول الأمير الزاني فرجه فوالله لأنا أحقر عند الله عز و جل وأصغر في عين الأمير من أن يجب لله علي حد فلا يقيمه وأما قوله اللئيم حسبه فوالله لو علم الأمير مكان رجل أشرف مني لم يصاهرني وأما قوله إني خؤون فلقد ائتمنني فوفرت فأخذني بما أخذني به فبعت ما كان وراء ظهري ولو ملكت الدنيا بأسرها لافتديت بها من مثل هذا الكلام قال فنهض الحجاج وقال شأنك يا هند بأخيك قال مالك بن أسماء فوثبت هند إلي فأكبت علي ودعت بالجواري ونزعن عني حديدي وأمرت بي إلى الحمام وكستني وانصرفت فلبثت أياما ثم دخلت على الحجاج وبين يديه عهود وفيها عهدي على أصبهان قال خذ هذا العهد وامض إلى عملك فأخذته ونهضت قال وهي ولايته التي عزله عنها وبلغ به ما بلغ من الشر قال أبو زيد ويقال إنه كان في الحبس في الدفعة الثانية مضيقا عليه في كل أحواله حتى كان يشاب له الماء الذي كان يشربه بالرماد والملح فاشتاق الحجاج إلى حديثه يوما فأرسل إليه فأحضر فبينا هو يحدثه إذا استسقى ماء فأتي به فلما نظر إليه الحجاج قال لا هات ماء السجن فأتي به وقد خلط بالملح والرماد فسقيه قال ويقال إنه هرب من الحبس فلم يزل متواريا حتى مات الحجاج قال وكتب إليه بعض أهله أن يمضي إلى الشام فيستجير ببعض بني أمية حتى يأمن ثم يعود إلى مصره مالك يكتب لأبيه يسأله شفاعة الحجاج وقد كان خالد بن عتاب الرياحي فعل ذلك واستجار بزفر بن الحارث الكلابي فأجاره فراجعه عبد الملك في أمره ثم أجاره فكتب مالك إلى أبيه يسأله أن يدخل إلى الحجاج ويسأله في أمره فقال أسماء في ذلك ( أبَنِي فزارةَ لا تُعَنُّوا شَيْخَكم ... مَا لِي وما لزيارةِ الحجَّاجِ ) ( شبَّهْتُه شِبْلاً غداةَ لقيتُه ... يُلْقي الرؤوسَ شَوَاخبَ الأوْدَاج ) ========================================== 33. كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ( تجري الدماءُ على النّطاع كأنها ... رَاحٌ شَمُولٌ غَيْرُ ذاتِ مزاج ) ( لا تطلبوا حاجاً إليه فإنه ... بِئس المؤمَّل في طِلابِ الحاج ) ( يا ليت هنداً أصبحَتْ مرموسةً ... أوْلَيْتَها جلست عن الأزْوَاجِ ) قال أبو زيد فأما خبر خالد بن عتاب الرياحي فإن الحجاج كان استعمله على الري وكانت أمه أم ولد فكتب إليه الحجاج يلخن أمه ويقول يابن اللخناء أنت الذي هربت عن أبيك حتى قتل وقد كان حلف ألا يسب أحد أمه إلا أجابه كائنا من كان فكتب إليه خالد كتبت إلي تلخنني وتزعم أني فررت عن أبي حتى قتل ولعمري لقد فررت عنه ولكن بعد أن قتل وحين لم أجد لي مقاتلا ولكن أخبرني عنك يا بن اللخناء المستفرمة بعجم زبيب الطائف حين فررت أنت وأبوك يوم الحرة على جمل ثفال أيكما كان أمام صاحبه فقرأ الحجاج الكتاب وقال صدق ( أنا الَّذي فَرَرْتُ يوم الحَرَّهْ ... ثم ثنَّيْتُ كرَّةً بفَرّه ) ( والشيخُ لا يَفِرُّ إلا مَرَّه ... ) ثم طلبه وهرب إلى الشام وسلم بيت المال ولم يأخذ منه شيئا زفر بن الحارث يجير خالد بن عتاب وكتب الحجاج إلى عبد الملك بما كان منه وقدم خالد الشام فسأل عن خاصة عبد الملك فقيل له روح بن زنباع فأتاه حين طلعت الشمس فقال إني جئتك مستجيرا فقال إنني قد أجرتك إلا أن تكون خالدا قال فإني خالد فتغير وقال أنشدك الله إلا خرجت عني فإني لا آمن عبد الملك فقال أنظرني حتى تغرب الشمس فجعل روح يراعيها حتى خرج خالد فأتى زفر بن الحارث الكلابي فقال إني جئتك مستجيرا قال قد أجرتك قال أنا خالد بن عتاب قال وإن كنت خالدا فلما أصبح دعا بنين له فتهادى بينهما وقد أسن فدخل على عبد الملك وقد أذن للناس فلما رآه دعا له بكرسي فجعل عند فراشه فجلس ثم قال يا أمير المؤمنين إني قد أجرت عليك رجلا فأجره قال قد أجرته إلا أن يكون خالدا قال فهو خالد قال لا ولا كرامة فقال زفر لابنيه أنهضاني فلما ولى قال يا عبد الملك أما والله لو كنت تعلم أن يدي تطيق حمل القناة ورأس الجواد لأجرت من أجرت فضحك وقال يا أبا الهذيل قد أجرناه فلا أرينه وأرسل إلى خالد بألفي درهم فأخذها ودفع إلى رسوله أربعة آلاف درهم رجع الخبر إلى حديث مالك بن أسماء أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال أخبرنا محمد بن يزيد النحوي وأخبرنا إبراهيم بن محمد بن أيوب قال حدثنا عبد الله بن مسلم قالا عشق مالك بن أسماء جارية لأخته هند وعشقها أخوه عيينة بن أسماء بن خارجة فاستعان بأخيها مالك وهو لا يعلم ما يجد بها يشكو إليه حبها فقال مالك ( أعُيَيْنُ هَلاَّ إذْ كَلِفْتَ بها ... كنْتَ استغثْتَ بفارغ العَقْل ) ( أرسلتَ تَبْغِي الغَوْثَ مِنْ قِبَلِي ... والمستغاثُ إليه في شغْلِ ) قال ابن قتيبة خاصة وهوي مالك بن أسماء جارية من بني أسد وكانت تنزل دارا من قصب وكانت دار مالك في بني أسد دارا سرية مبنية بالجص والآجر فقال ( يا ليت لي خُصّاً يُجَاوِرُها ... بَدلاً بدَارِي في بني أسدِ ) ( الخُصُّ فيه تقرّ أعينُنا ... خَيْرٌ مِنَ الآجُرّ والكَمدِ ) أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي ويعقوب بن عيسى وأخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق الموصلي عن الزبير أن عمر بن أبي ربيعة رأى مالك بن أسماء قال أبو هفان في خبره وهو يطوف بالبيت وقد بهر الناس جماله وكماله فأعجب عمر ما رأى منه فسأل عنه فعرفه فعانقه وسلم عليه وقال له أنت أخي حقا فقال له مالك ومن أنا ومن أنت فقال أما أنا فستعرفني وأما أنت فالذي تقول ( إنَّ لي عند كلّ نفحةِ بستانٍ ... مِنَ الورْدِ أو مِنَ الياسمينا ) ( نظراً والتفاتةً أَتَرَجَّى ... أنْ تكونِي حَلَلْتِ فيما يَلِينا ) غنت فيه علية بنت المهدي خفيف رمل بالوسطى وقال أبو هفان في حديثه قال له عمر ما زلت أحبك منذ سمعت هذا الشعر لك فقال له مالك أنت عمر بن أبي ربيعة قال نعم قال الزبير في خبره خاصة وحدثني ابن أبي كناسة أن عمر لما لقي مالكا استنشده فأنشده مالك شيئا من شعره فقال له عمر ما أحسن شعرك لولا أسماء القرى التي تذكرها فيه قال مثل ماذا قال مثل قولك ( إنَّ في الرفْقَةِ التي شيَّعتنا ... بجويرِ سما لزَيْنَ الرِّفَاقِ ) ومثل قولك ( أشَهِدْتنا أم كنتِ غائبةً ... عن ليلتي بحديثةِ القَسْبِ ) ومثل قولك ( حبَّذَا ليلتي بتَلِّ بَوَنَّى ... حين نُسْقَى شرابنا ونُغنَّى ) فقال له مالك هي قرى البلد الذي أنا فيه وهو مثل ما تذكره في شعرك من أرض بلادك قال مثل ماذا قال مثل قولك ( حَيِّ المنازِلَ قد دَثَرْنَ خرابا ... بين الجوين وبَيْن رُكْن كُساباً ) ومثل قولك ( ما على الرَّسْم بالبُليَّيْن لو بَيَّنَ ... رجْعَ السلام أوْ لو أجابا ) فأمسك عنه عمر بن أبي ربيعة ومالك بن أسماء الذي يقول ( وحديثٍ ألذُّه هُوَ مِمَّا ... ينعَتُ الناعتون يُوزَنُ وَزْنَا ) ( مَنْطِقٌ صائبٌ وتلحَنُ أحيانا ... ً وأحْلَى الحديثِ ما كان لحْنا ) أخبرني يحيى بن علي بن يحيى المنجم قال حدثني أبي قال قلت للجاحظ إني قرأت في فصل من كتابك المسمى بكتاب البيان والتبيين إنما يستحسن من النساء اللحن في الكلام واستشهدت ببيتي مالك بن أسماء - يعني هذين البيتين - قال هو كذاك فقال أما سمعت بخبر هند ابنة أسماء بن خارجة مع الحجاج حين لحنت في كلامه فعاب ذلك عليها فاحتجت ببيتي أخيها فقال لها إن أخاك أراد أن المرأة فطنة فهي تلحن بالكلام إلى غير الظاهر بالمعنى لتستر معناه وتوري عنه وتفهمه من أرادت بالتعريض كما قال الله عز و جل ( ولتعرفنهم في لحن القول ) ولم يرد الخطأ من الكلام والخطأ لا يستحسن من أحد فوجم الجاحظ ساعة ثم قال لو سقط إلي هذا الخبر أولا لما قلت ما تقدم فقلت له فأصلحه فقال الآن وقد سار به الكتاب في الآفاق وهذا لا يصلح أو كلاما نحو ما ذكرنا فإن أبا أحمد أخبرنا به على سبيل المذاكرة فحفظته عنه المتوكل يبتاع تل بونى أخبرني الحسين بن يحيى وجعفر بن قدامة قالا قال حماد حدثني أحمد بن داود السدي قال ورد علي كتاب أمير المؤمنين المتوكل وأنا على سواد الكوفة أن ابتع لي تل بونى بما بلغت فابتعتها له فإذا قرية صغيرة على تل قد خرب ما حواليها من الضياع فابتعتها له بعشرة آلاف درهم قال فظننته حركه على طلبها أنه غني ( حبَّذا ليلتي بتَلّ بَوَنَّى ... ) فسألت عن ذلك فعرفت أن جاريته مكتومة غنته هذا الصوت قال حماد ومكتومة هذه جارية أهداها أبي إليه لما ولي الخلافة فإنه سأل عنه فعرف أنه قد كف بصره فكتب له بمائة ألف درهم وأمر بإشخاصه إليه مكرما فأشخص إليه وأهدى إليه عدة جوار هذه فيهن وروي الهيثم بن عدي عن ابن عياش أن الحجاج دعا يوما بمالك بن أسماء فعاتبه عتابا طويلا ثم قال له أنت والله كما قال أخو بني جعدة ( إذا ما سَوْأَةٌ غرّاء ماتَتْ ... أتيتَ بسوْءةٍ أُخرى بَهِيم ) ( وما تنفكُّ تُرْحَضُ كلَّ يومٍ ... مِنَ السَّوءات كالطّفْل النهيم ) ( أكُلَّ الدّهر سعيُك في تبابٍ ... تناغي كلَّ مُومِسة أثيم ) فقال له لست كما قال الجعدي ولكني كما قلت ( لكل جوادٍ عَثْرَةٌ يَسْتقِيلُها ... وعثرةُ مِثْلي لا تُقَال مَدَى الدَّهْرِ ) ( فَهبنيَ يا حجَّاج أخطأتُ مرَّةً ... وجُرْتُ عن المُثْلَى وغنَّيتُ بالشعر ) ( فهل لي إذا ما تبتُ عندك توبةً ... تَدارك ما قد فات في سالف العمر ) فقال له الحجاج بلى والله لئن تبت لأقبلن توبتك ولأعفين على ما كان من ذنبك ومن لي بذلك يا مالك قال له لك والله به قال حسبي الله ونعم الوكيل فانظر ما تقول قال الحق أصلحك الله لا يخفى على أحد قال فترك مالك الشراب ووفى بعهده وأظهر النسك ثم طما به الشعر وطال عليه ترك اللذات والشراب فقال مالك يشرب ولا يقبل العذل ( وَنَدَمانِ صِدْقٍ قال لي بعد هَدأةٍ ... من الليل قم نَشْرَبْ فقلتُ له مَهْلا ) ( فقال أبُخْلاً يابْنَ أسماء هاكها ... كُميْتاً كريح المِسْكِ تَزْدهِف العَقْلا ) ( فتابعْتُه فيما أراد ولم أكُنْ ... بَخِيلاً على النّدمان أو شَكسا وغْلاَ ) ( ولكنني جَلْدُ القُوَى أبذلُ النَّدى ... وأشربُ ما أُعْطى ولا أقبلُ العَذْلا ) ( ضحوكٌ إذا ما دبّت الكأسُ في الفتى ... وغيَّره سُكْرٌ وإنْ أكثرَ الجَهْلاَ ) قال فبلغ الحجاج أن مالكا قد راجع الشراب فقال لا يأتي مالك بخير سجيس الأوجس قاتل الله أيمن بن خريم حيث يقول ( إذا المَرْءُ وفَّى الأربعين ولم يكُنْ ... له دُونَ ما يَأْتِي حِجَابٌ ولا سِتْرُ ) ( فدَعْه وما يأتي ولا تعذلنّه ... وإنْ مدّ أسبابَ الحياة له العُمْرُ ) وأنشدنا علي بن سليمان الأخفش أبيات أيمن هذه الرائية وقال أخذ معناها من قول ابن عباس إذا بلغ المرء أربعين سنة ولم يتب أخذ إبليس بناصيته وقال حبذا من لا يفلح أبدا وأول الأبيات هذه ( وصَهْبَاء جُرجانيّةٍ لم يَطُف بها ... حَنِيفٌ ولم تَنْغرْ بها ساعةً قِدرُ ) ( ولم يشهد القَسُّ المُهَيْنِمُ نارَها ... طَرُوقاً ولا صلَّى على طَبْخها حَبْرُ ) ( أتانِي بها يَحْيى وقد نمْتُ نومةً ... وقد غابت الجَوْزاء وانحدر النَّسْر ) ( فقلت اصطبحْها أو لغيري سَقَّها ... فما أنا بَعْدَ الشَّيْبِ وَيْحَكَ والخمر ) ( إذا المرْءُ وفَّى الأربعين ولم يكن ... له دُونَ ما يأتي حِجابٌ ولا سَتْرُ ) ( فدَعْه ولا تنفس عليه الذي أتى ... ولو مَدَّ أسبابَ الحياة له العمر ) صوت ( تلك عِرْسِي تَرُومُ هَجْري سِفاهاً ... وجَفتني فما تُوافي عِنَاقي ) ( زعمتْ أنها تُواتِي مع المالِ ... وأني محالف إملاقي ) ( وتناست رَزِيَّةً بدمشقٍ ... أشخصَتْ مُهْجَتي فُوَيْقَ التَّراقي ) ( يوم نلقى نعشَ ابنِ عُروة محمولا ... ً بأيدي الرجال والأعناق ) ( مستحثّاً به سِباقاً إلى القَبْر ... ِ وما إن لحَثِّهم من سِباق ) ( ثم وَلَّيْتُ مُوجَعاً قد شَجَاني ... قربُ عَهْدٍ بهم وبعد تلاقِ ) عروضه من الخفيف الشعر لإسماعيل بن يسار النسائي يرثي محمد بن عروة بن الزبير والغناء لدحمان خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لابن محرز ثقيل أول بالبنصر عن حبش من أخبار عروة بن الزبير أخبرنا الطوسي والحرمي بن أبي العلاء قالا حدثنا الزبير قال حدثنا مصعب بن عثمان عن عامر بن صالح عن هشام بن عروة قال قدم عروة بن الزبير على عبد الملك بن مروان فدخل فأجلسه معه على السرير فجاء قوم فوقعوا في عبد الله بن الزبير فخرج عروة فقال للآذن إن عبد الله بن الزبير ابن أمي وأبي فإذا أردتم أن تقعوا فيه فلا تأذنوا لي عليكم فذكر ذلك لعبد الملك بن مروان فقال له عبد الملك قد أخبرني في الآذن بما قلت وإن أخاك لم يكن قتلنا إياه لعداوة ولكنه طلب أمرا وطلبناه فقتل دونه وإن الشام قوم من أخلاقهم ألا يقتلوا أحدا إلا شتموه فإذا أذنا لأحد قبلك فقد جاء من يشتمه فلا تدخل وإذا أذنا لأحد وأنت جالس فانصرف قدومه على الوليد بن عبد الملك ثم قدم عروة على الوليد بن عبد الملك حين شلت رجله فقيل له اقطعها قال إني لأكره أن أقطع مني طابقا فارتفعت إلى الركبة فقيل له إنها إن وقعت في الركبة قتلتك فقطعت ولم يقبض وجهه وقيل له قبل أن يقطعها نسقيك دواء لا تجد معه ألما فقال ما يسعني أن هذا الحائط وقاني أذاها قال الزبير وحدثني مصعب بن عثمان بن عامر عن صالح عن هشام ابن عروة قال سقط محمد بن عروة بن الزبير وأمه بنت الحكم بن أبي العاص بن أمية من سطح في اصطبل دواب الوليد بن عبد الملك فضربته بقوائمها حتى قتلته فأتى عروة رجل يعزيه فقال عروة إن كنت تعزيني برجلي فقد احتسبتها فقال بل أعزيك بمحمد قال وماله فخبره بشأنه فقال ( وكنتُ إذا الأيّامُ أحدَثْنَ نكبةً ... أقول شَوًى ما لم يُصِبْن صَميمي ) اللهم أخذت عضوا وتركت أعضاء وأخذت ابنا وتركت أبناء فإنك إن كنت أخذت لقد أبقيت وإن كنت ابتليت لقد عافيت فلما قدم المدينة نزل قصره بالعقيق فأتاه ابن المنكدر وقال كيف كنت فقال ( لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) قال الزبير وحدثني عبد الملك بن عبد العزيز عن ابن الماجشون أن عيسى بن طلحة جاء إلى عروة بن الزبير حين قدم من عند الوليد بن عبد الملك وقد قطعت رجله فقال عروة لبعض بنيه اكشف لعمك عن رجلي ينظر إليها ففعل فقال له عيسى إنا لله وإنا إليه راجعون يا أبا عبد الله ما أعددناك للصراع ولا للسباق ولقد أبقى الله لنا منك ما كنا نحتاج إليه منك رأيك وعلمك فقال عروة ما عزاني أحد عن رجلي مثلك قال الزبير وحدثني مصعب بن عثمان عن عامر بن صالح عن هشام ابن عروة الوليد يبعث إليه من هو أعظم بلاء منه أنه قدم على الوليد رجل من عبس ضرير محطوم الوجه فسأله عن سبب ذلك فقال بت ليلة في بطن واد ولا أعلم في الأرض عبسيا يزيد ماله على مالي فطرقنا سيل فذهب بما كان لي من أهل ومال وولد إلا صبيا مولودا وبعيرا ضعيفا فند البعير والصبي معي فوضعته واتبعت البعير فما جاوزت ابني قليلا إلا ورأس الذئب في بطنه فتركته واتبعت البعير فرمحني رمحة حطم بها وجهي وأذهب عيني فأصبحت لا ذا مال ولا ذا ولد ولا ذا بصر فقال الوليد بن عبد الملك اذهبوا به إلى عروة ليعلم أن في الناس من هو أعظم بلاء منه أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وعمر بن عبد العزيز بن أحمد ومحمد ابن العباس اليزيدي وجماعة أخبروني قالوا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي عن جدي عن هشام بن عروة قال خرجت مع أبي عروة بن الزبير حاجا ومعنا أخي محمد بن عروة وكان من أحسن الناس وجها فلما كنا في بعض الطريق إذا نحن بعمر بن أبي ربيعة يكلم بعضنا فقلنا هذا أبو الخطاب لو سايرناه فرآنا عروة فقال فيم أنتم قلنا هذا عمر بن أبي ربيعة فضرب عروة إليه راحلته فلما رآها عمر عدل إليه فسلم عليه ثم قال وأين زين المواكب يعني محمد بن عروة فقال قد تقدم فعدل عن عروة واتبع محمدا فقال له عروة نحن أكفى لك وأولى أن تسايرنا فقال إني رجل موكل بالجمال أتبعه حيث كان وضرب راحلته ومضى صوت ( يا بني الصَّيْداءِ رُدُّوا فَرَسِي ... إنَّما يُفْعَلُ هذا بالذَّلِيلْ ) ( عَوّدوا مُهْرِي الذي عوَّدْتُه ... دَلَج الليلِ وإيطاء القتيلْ ) ( واسْتِباء الزِّقِّ مِنْ حانَاتِه ... شائلَ الرّجلين معصوباً يَمِيلْ ) عروضه من ثاني الرمل بنو الصيداء بطن من بني اسد والدلج السير في آخر الليل يقال دلج يدلج مخففة إذا سار من آخر الليل وادلج يدلج إذا سار الليل كله واستباء الزق أراد استباء الخمر فيه أي ابتاعها من حاناتها والحانات جمع حانة وهي الموضع الذي تباع فيه الخمر وشائل الرجلين رافعهما وروى الأصمعي وأبو عمرو ( أحملُ الزِّقَّ على منْسِجه ... فيظلّ الضيفُ نَشْواناً يَمِيلْ ) الشعر لزيد الخيل الطائي والغناء لابن محرز خفيف رمل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن يحيى المكي وذكره إسحاق في هذه الطريقة ولم ينسبه إلى أحد وفيه لعاذل لحن من كتاب إبراهيم غير مجنس وذكر حبش أن فيه لنبيه لحنا من الثقيل الثاني بالوسطى أخبار زيد الخيل ونسبه هو زيد بن مهلهل بن يزيد بن منهب بن عبد رضا ورضا صنم كان لطيئ ابن محلس بن ثور بن عدي بن كنانة بن مالك بن نائل بن نبهان وهو أسود بن عمرو بن الغوث بن جلهمة وهو طيئ سمي بذلك لأنه كان يطوي المناهل في غزواته ابن أدد بن مذحج بن زيد بن يشجب الأصفر بن عريب بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر وهو هود النبي كذا نسبه النسابون والله أعلم وأم طيئ مدلة بنت ذي منحسان بن عريب بن الغوث بن زهير بن وائل بن الهميسع بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ومدلة هذه هي مذحج وهو لقبها وهي أم مالك بن أدد وكانت مدلة عند أدد أيضا فولدت له الأشعر واسمه نبت ومرة ابني أدد ومن الناس من يقول مذحج ظرب صغير اجتمعوا عليه وليس بأم ولا أب والله أعلم النبي يسميه زيد الخير وكان زيد الخيل فارسا مغوارا مظفرا شجاعا بعيد الصيت في الجاهلية وأدرك الإسلام ووفد إلى النبي ولقيه وسر به وقرظه وسماه زيد الخير وهو شاعر مقل مخضرم معدود في الشعراء الفرسان وإنما كان يقول الشعر في غاراته ومفاخراته ومغازيه وأياديه عند من مر عليه وأحسن في قراه إليه وإنما سمي زيد الخيل لكثرة خيله وأنه لم يكن لأحد من قومه ولا لكثير من العرب إلا الفرس والفرسان وكانت له خيل كثيرة منها المسماة المعروفة التي ذكرها في شعره وهي ستة وهي الهطال والكميت والورد وكامل ودؤول ولاحق وفي الهطال يقول ( أُقرِّبُ مَرْبِطَ الهطَّالِ إنِّي ... أرى حَرْباً ستَلْقَحُ عن حِيَالِ ) وفي الورد يقول ( أبَتْ عادةٌ للوَرْدِ أنْ يُكرِهَ القَنَا ... وحاجةُ نَفْسي في نُميْرٍ وعامِرِ ) وفي دؤول يقول ( فأقسم لا يُفَارِقني دؤول ... أجولُ به إذا كثر الضِّرَابُ ) هذا ما حضرني في تسمية خيله في شعره وقد ذكرها وكان لزيد الخيل ثلاثة بنين كلهم يقول الشعر وهم عروة وحريث ومهلهل ومن الناس من ينكر أن يكون له من الولد إلا عروة وحريث وهذا الشعر الذي فيه الغناء يقوله في فرس من خيله ظلع في بعض غزواته بني أسد فلم يتبع الخيل ووقف فأخذته بنو الصيداء فصلح عندهم واستقل وقيل بل أغزى عليه بعض بني نبهان فنكس عنه وأخذ وقيل إنه خلفه في بعض أحياء العرب ظالعا ليستقل فأغارت عليهم بنو أسد فأخذوا الفرس فيما استاقوه لهم فقال في ذلك زيد الخيل ( يا بني الصَّيْداء ردُّوا فرسي ... إنما يُفْعَلُ هذا بالذَّليلْ ) ( لا تُذِيلوه فإني لم أكُنْ ... يا بَنِي الصَّيْداء لمُهْرِي بالمُذِيل ) ( عوّدوهُ كالذي عوَّدتْهُ ... دَلَج اللَّيْل وإيطاء القَتِيلْ ) ( أحمِل الزقَّ على مِنْسَجه ... فيظلّ الضيفُ نشواناً يَميل ) قال أبو عمرو الشيباني وكان زيد الخيل ملحا على بني أسد بغاراته ثم على بني الصيداء منهم ففيهم يقول ( ضجَّتْ بَنُو الصَّيْداء من حربنا ... والحربُ من يحللْ بها يضجر ) ( بتْنا نُزجِّي نحوهم ضمُرّاً ... معروفةَ الأنساب من منسر ) ( حتى صبحناهم بها غُدْوَةً ... نقتلهم قَسْراً على ضُمَّر ) ( يدعون بالوَيْل وقد مَسَّهم ... منا غداةَ الشّعب ذي الهَيْشر ) ( ضربٌ يُزِيلُ الهامَ ذو مصْدَقٍ ... يَعْلُو على البيضة والمِغْفَر ) الهيشر شجر كثير الشوك تأكله الإبل نسخت من كتاب لأبي المحلم قال حدثني أضبط بن الملوح قال لي أبي أنشد حبيب بن خالد بن نضلة الفقعسي قول زيد الخيل ( عَوّدُوا مُهْرِي الذي عَوَّدْتُه ... ) فضحك ثم قال قولوا له إن عودناه ما عودته دفعناه إلى أول من يلقانا وهربنا وفوده على النبي وإسلامه أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبي إجازة قال حدثني علي بن حرب قال أنبأني هشام بن الكلبي أبو المنذر قال حدثني عباد بن عبد الله النبهاني عن أبيه عن جده وأضفت إلى ذلك ما رواه أبو عمرو الشيباني قالا وفد زيد الخيل بن مهلهل على رسول الله ومعه وزر بن سدوس النبهاني وقبيصة بن الأسود بن عامر بن جوين الجرمي ومالك بن جبير المغني وقعين بن خليل الطريفي في عدة من طيىء فأناخوا ركابهم بباب المسجد ودخلوا ورسول الله يخطب الناس فلما رآهم قال إني خير لكم من العزى ومما حازت مناع من كل ضار غير يفاع ومن الجبل الأسود الذي تعبدونه من دون الله عز و جل قال أبو المنذر يعني بمناع جبل طيىء فقام زيد وكان من أجمل الرجال وأتمهم وكان يركب الفرس المشرف ورجلاه تخطان الأرض كأنه على حمار فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله قال ومن أنت قال أنا زيد الخيل بن مهلهل فقال رسول الله بل أنت زيد الخير وقال الحمد لله الذي جاء بك من سهلك وجبلك ورقق قلبك على الإسلام يا زيد ما وصف لي رجل قط فرأيته إلا كان دون ما وصف به إلا أنت فإنك فوق ما قيل فيك مات بالحمى فلما ولى قال النبي أي رجل إن سلم من آطام المدينة فأخذته الحمى فأنشأ يقول ( أنَخْتُ بآطام المدينة أرْبَعاً ... وخمساً يغنّي فوقها الليلَ طائِرُ ) ( شددتُ عليها رَحْلَها وشَليلَها ... من الدَّرْس والشَّعْراء والبَطْنُ ضامر ) فمكث سبعا ثم اشتدت الحمى به فخرج فقال لأصحابه جنبوني بلاد قيس فقد كانت بيننا حماسات في الجاهلية ولا والله لا أقاتل مسلما حتى ألقى الله فنزل بماء لحي من طيىء يقال له فردة واشتدت به الحمى فأنشأ يقول ( أمُرْتَحِلٌ صَحْبِي المشارقَ غدوةً ... وأُتركَ في بَيْتٍ بفَرْدَةَ مُنجدِ ) ( سقى الله ما بين القَفيل فطابَةٍ ... فما دونَ أرمام فما فوق مُنْشِد ) ( هنالك لو أني مرضتُ لعادني ... عوائدُ من لم يَشْفِ منهنّ يَجْهدِ ) ( فليت اللواتي عُدْنَني لم يَعُدْنَني ... وليت اللواتي غِبْنَ عنِّيَ عُوَّدِي ) قال وكتب معه رسول الله لبني نبهان بفيدك كتابا مفردا وقال له أنت زيد الخير فمكث بالفردة سبعة أيام ثم مات فأقام عليه قبيصة بن الأسود المناحة سبعا ثم بعث راحلته ورحله وفيه كتاب رسول الله فلما نظرت امرأته وكانت على الشرك إلى الراحلة ليس عليها زيد ضربتها بالنار وقالت ( ألاَ إنما زيدٌ لكُلِّ عظيمةٍ ... إذا أقبلتْ أوْبَ الجرادِ رِعالها ) ( لقَاهُمْ فما طاشَتْ يَدَاه بضربهم ... ولا طَعْنهم حتى تولّى سِجالها ) قال فبلغني أن رسول الله وآله لما بلغه ضرب امرأة زيد الراحلة بالنار واحتراق الكتاب قال بؤسا لبني نبهان وقال أبو عمرو الشيباني لما وفد زيد الخيل على رسول الله فدخل إليه طرح له متكأ فأعظم أن يتكئ بين يدي رسول الله وآله فرد المتكأ فأعاده عليه ثلاثا وعلمه دعوات كان يدعو بها فيعرف الإجابة ويستسقي فيسقى وقال يا رسول الله أعطني ثلاثمائة فارس أغير بهم على قصور الروم فقال له أي رجل أنت يا زيد ولكن أم الكلبة تقتلك يعني الحمى فلم يلبث زيد بعد انصرافه إلا قليلا حتى حم ومات قال أبو عمرو وأسلموا جميعا إلا وزر فإنه قال لما رأى النبي وآله إني لأرى رجلا ليملكن رقاب العرب ووالله لا يملك رقبتي أبدا فلحق بالشام فتنصر وحلق رأسه فمات على ذلك أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكلبي قال أقبل زيد الخيل الطائي حتى أتى النبي وكان زيد رجلا جسيما طويلا جميلا فقال له النبي من أنت قال أنا زيد الخيل قال بل أنت زيد الخير أما إني لم أخبر عن رجل خبرا إلا وجدته دون ما أخبرت به عنه غيرك إن فيك لخصلتين يحبهما الله عز و جل ورسوله قال وما هما يا رسول الله قال الأناة والحلم فقال زيد الحمد لله الذي جبلني على ما يحب الله ورسوله عمر يسأله عن ملوك طيئ وأصحاب مرابعها قال ودخل زيد على رسول الله وعنده عمر رضي الله عنه فقال عمر لزيد أخبرنا يا ابا مكنف عن طيئ وملوكها نجدتها وأصحاب مرابعها فقال زيد في كل يا عمر نجدة وبأس وسيادة ولكل رجل من حيه مرباع أما بنو حية فملوكنا وملوك غيرنا وهم القداميس القادة والحماة الذادة والأنجاد السادة أعظمنا خميسا وأكرمنا رئيسا وأجملنا مجالس وأنجدنا فوارس فقال له عمر رضي الله عنه ما تركت لمن بقي من طيىء شيئا فقال بلى والله أما بنو ثعل وبنو نبهان وجرم ففوارس العدوة وطلاعو كل نجوة ولا تحل لهم حبوة ولا تراع لهم ندوة ولا تدرك لهم نبوة عمود البلاد وحية كل واد وأهل الأسل الحداد والخيل الجياد والطارف والتلاد وأما بنو جديلة فأسهلنا قرارا وأعظمنا أخطارا وأطلبنا للأوتار وأحمانا للذمار وأطعمنا للجار فقال له عمر سم لنا هؤلاء الملوك قال نعم منهم عفير المجير على الملوك وعمرو المفاخر ويزيد شارب الدماء والغمر ذو الجود ومجير الجراد وسراج كل ظلام ولامة وملحم بن حنظلة هؤلاء كلهم من بني حية وأما حاتم بن عبد الله الثعلي الجواد فلا يجارى والسمح فلا يبارى والليث الضرغامة قراع كل هامة جوده في الناس علامة لا يقر على ظلامة فاعترض رجل من بني ثعل لما مدح زيد حاتما فقال ومنا زيد بن مهلهل النبهاني رئيس قومه وسيد الشيب والشبان وسم الفرسان وآفة الأقران والمهيب بكل مكان أسرع إلى الإيمان وآمن بالفرقان رئيس قومه في الجاهلية وقائدهم إلى أعدائهم على شحط المزار وطموس الآثار وفي الإسلام رائدنا إلى رسول الله ومجيبه من غير تلعثم ولا تلبث ومنا زيد بن سدوس النبهاني عصمة الجيران والغيث بكل أوان ومضرم النيران ومطعم الندمان وفخر كل يمان ومنا الأسد الرهيص سيد بني جديلة ومدوخ كل قبيلة قاتل عنترة فارس بني عبس ومكشف كل لبس فقال عمر لزيد الخيل لله درك يا أبا مكنف فلو لم يكن لطيىء غيرك وغير عدي بن حاتم لقهرت بكما العرب أخبرني ابن دريد قال أخبرني عمي عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبيه قال أخبرني شيخ من بني نبهان قال أصابت بني شيبان سنة ذهبت بالأموال فخرج رجل منهم بعياله حتى أنزلهم الحيرة فقال لهم كونوا قريبا من الملك يصبكن من خيره حتى أرجع إليكن وآلى ألية لا يرجع حتى يكسبهن خيرا أو يموت فتزود زادا ثم مشى يوما إلى الليل فإذا هو بمهر مقيد يدور حول خباء فقال هذا أول الغنيمة فذهب يحله ويركبه فنودي خل عنه واغنم بنفسك فتركه ومضى سبعة أيام حتى انتهى إلى عطن إبل مع تطفيل الشمس فإذا خباء عظيم وقبة من أدم فقال في نفسه ما لهذا الخباء بد من أهل وما لهذه القبة بد من رب وما لهذا العطن بد من إبل فنظر في الخباء فإذا شيخ كبير قد اختلفت ترقوتاه كأنه نسر قال فجلست خلفه فلما وجبت الشمس إذا فارس قد أقبل لم أر فارسا قط أعظم منه ولا أجسم على فرس مشرف ومعه أسودان يمشيان جنبيه وإذا مائة من الإبل مع فحلها فبرك الفحل وبركت حوله ونزل الفارس فقال لأحد عبديه احلب فلانة ثم اسق الشيخ فحلب في عس حتى ملأه ووضعه بين يدي الشيخ وتنحى فكرع منه الشيخ مرة أو مرتين ثم نزع فثرت إليه فشربته فرجع إليه العبد فقال يا مولاي قد أتى على آخره ففرح بذلك وقال احلب فلانة فحلبها ثم وضع العس بين يدي الشيخ فكرع منه واحدة ثم نزع فثرت إليه فشربت نصفه وكرهت أن آتي على آخره فأتهم فجاء العبد فأخذه وقال لمولاه قد شرب وروي فقال دعه ثم أمر بشاة فذبحت وشوى للشيخ منها ثم أكل هو وعبداه فأمهلت حتى إذا ناموا وسمعت الغطيط ثرت إلى الفحل فحللت عقاله وركبته فاندفع بي وتبعته الإبل فمشيت ليلتي حتى الصباح فلما أصبحت نظرت فلم أر أحدا فشللتها إذا شلا عنيفا حتى تعالى النهار ثم التفت التفاتة فإذا أنا بشيء كأنه طائر فما زال يدنو حتى تبينته فإذا هو فارس على فرس وإذا هو صاحبي بالأمس فعقلت الفحل ونثلت كنانني ووقفت بينه وبين الإبل فقال احلل عقال الفحل فقلت كلا والله لقد خلفت نسيات بالحيرة وآليت ألية لا أرجع حتى أفيدهن خيرا أو أموت قال فإنك لميت حل عقاله لا أم لك فقلت ما هو إلا ما قلت لك فقال إنك لمغرور انصب لي خطامه واجعل فيه خمس عجر ففعلت فقال أين تريد أن أضع سهمي فقلت في هذا الموضع فكأنما وضعه بيده ثم أقبل يرمي حتى أصاب الخمسة بخمسة أسهم فرددت نبلي وحططت قوسي ووقفت مستسلما فدنا مني وأخذ السيف والقوس ثم قال ارتدف خلفي وعرف أني الرجل الذي شربت اللبن عنده فقال كيف ظنك بي قلت أسوأ ظن قال وكيف قلت لما قليت من تعب ليلتك وقد أظفرك الله بي فقال أترانا كنا نهيجك وقد بت تنادم مهلهلا قلت أزيد الخيل أنت قال نعم أنا زيد الخيل فقلت كن خير آخذ فقال ليس عليك بأس فمضى إلى موضعه الذي كان فيه ثم قال أما لو كانت هذه الإبل لي لسلمتها إليك ولكنها ليست مهلهل فأقم علي فإني على شرف غارة فأقمت أياما ثم أغار على بني نمير بالملح فأصاب مائة بعير فقال هذه أحب إليك أم تلك قلت هذه قال دونكها وبعث معي خفراء من ماء إلى ماء حتى وردوا بي الحيرة فلقيني نبطي فقال لي يا أعرابي أيسرك أن لك بإبلك بستانا من هذه البساتين قلت وكيف ذاك قال هذا قرب مخرج نبي يخرج فيملك هذه الأرض ويحول بين أربابها وبينها حتى إن أحدهم ليبتاع البستان من هذه البساتين بثمن بعير قال فاحتملت بأهلي حتى انتهيت إلى موضع الشيطين فبينما نحن في الشيطين على ماء لنا وقد كان الحوفزان بن شريك أغار على بني تميم فجاءنا رسول الله فأسلمنا وما مضت الأيام حتى شريت بثمن بعير من إبلي بستانا بالحيرة فقال في يوم الملح زيد الخيل ( ويوم الملحِ ملحِ بني نُمَيْرٍ ... أصابتكم بأظفارٍ ونابِ ) أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرني عمي عن ابن الكلبي عن أبيه والشرقي أن زيد الخيل قال للنبي إن في الحي رجلين لهما كلاب مضريات تصيد الوحش أفنأكل مما أمسكته ولم تدرك ذكاته فقال ( إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله عليه وكل مما أمسك ) أو كما قال عليه السلام أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه إسحاق عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية عن ابن أبي ليلى قال أنشدتني ليلى بنت عروة بن زيد الخيل الطائي شعر أبيها في يوم محجر ( بني عامرٍ هل تعرفون إذا غَدَا ... أبو مُكْنِف قد شدَّ عَقْدَ الدوابرِ ) ( بجيشٍ تضلُّ البُلْقُ في حَجَراتِه ... تَرَى الأُكْمَ فيه سُجَّداً للحَوافِر ) ( وجَمعٍ كمثل الليل مرتجزٍ الوَغَى ... كثيرٍ حواشيه سريعِ البوادرِ ) قالت ليلى فقلت لأبي يا أبه أشهدت ذلك اليوم مع أبيك قال إي والله يا بنية لقد شهدته قلت كم كانت خيل أبيك هذه التي وصفت قال ثلاثة أفراس زيد الخيل يغزو بني عامر نسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشيباني بخطه عن أبيه أن زيد الخيل بن مهلهل جمع طيئا وأخلاطا لهم وجموعا من شذاذ العرب فغزا بهم بني عامر ومن جاورهم من قبائل العرب من قيس وسار إليهم فصبحهم من طلوع الشمس فنذروا به وفزعوا به إلى الخيل وركبوها وكان أول من نذر بهم فلقي جمعهم غني بن أعصر وإخوتهم الحارث وهو الطفاوة واسمه مالك بن سعد بن قيس بن عيلان فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انهزمت بنو عامر فاستحر القتل بغني وفيهم يومئذ فرسان وشعراء فملأت طيىء أيديهم من غنائمهم وأسر زيد الخيل يومئذ الحطيئة الشاعر فجز ناصيته وأطلقه ثم إن غنيا تجمعت بعد ذلك مع لف من بني عامر فغزوا طيئا في أرضهم فغنموا وقتلوا وأدركوا ثأرهم منهم وقد كان زيد الخيل قال في وقعته لبني عامر قصيدته التي يقول فيها ( وخيبة من يخيب على غَنيٍّ ... وباهلةَ بْنِ أعًصَر والكلابِ ) فلما أدركوا ثارهم أجابه طفيل الغنوي فقال ( سَمَوْنا بالجِيادِ إلى أعادٍ ... مُغاورةً بجدٍّ واعتصابِ ) ( نؤمّهم على وَعْثٍ وشحطٍ ... بقُودٍ يَطَّلِعن من النِّقاب ) وهي طويلة يقول فيها ( أخذنا بالمخَطَّم مَنْ أتاهم ... من السُّودِ المزَنَّمةِ الرِّغابِ ) ( وقَتَّلْنا سَراتَهُم جِهاراً ... وجئنا بالسَّبَايا والنِّهابِ ) ( سبايا طَيِّىءٍ أُبرزن قَسْراً ... وأُبدلن القصورَ من الشِّعابِ ) ( سبايا طَيِّىءٍ من كلّ حَيٍّ ... نما في الفرع منها والنِّصابِ ) ( وما كانت بناتُهُم سبيّاً ... ولا رغباً يعدُّ من الرِّغاب ) ( ولا كانت دماؤهُم وفاءً ... لنا فيما يُعدّ من العِقاب ) أخبرني الحسن بن يحيى قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال كان لزيد الخيل ابن يقال له عروة وكان فارسا شاعرا فشهد القادسية فحسن فيها بلاؤه وقال في ذلك يذكر حسن بلائه ( برزتُ لأهْلِ القادسيّة مُعْلِما ... وما كلّ مَنْ يَغْشَى الكريهةَ يُعلِمُ ) ( ويوم بأكناف النُّخَيْلة قَبْلَها ... شهدتُ فلم أبْرَحْ أُدمِّي وأُكْلَمُ ) ( وأقعصتُ منهم فارساً بَعْدَ فارسٍ ... وما كلّ مَنْ يلقى الفَوارسَ يَسْلَمُ ) ( ونجَّانَي اللهُ الأجَلّ وجِيرتي ... وسيفٌ لأطراف المرازب مِخْذَمُ ) ( وأيقنتُ يوم الدَّيْلَميِّين أنني ... متى ينصرف وجْهي عن القوم يُهْزَمُوا ) ( فما رُمْتُ حتى مزَّقوا برماحهم ... ثيابي وحتى بلَّ أخْمصي الدّمُ ) ( محافظةً إني امرء ذو حَفيظة ... إذا لمْ أجِدْ مستأخراً أتقَدَّمُ ) قال وشهد مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه صفين وعاش إلى إمارة معاوية فأراده على البراءة من علي عليه السلام فامتنع عليه وقال ( يحاولُني معاويةُ بن حَربٍ ... وليس إلى الذي يَهوى سبيلُ ) ( على جَحْدي أبا حَسنٍ عليّاً ... وحظِّي من أبي حَسنٍ جليلُ ) قال وله أشعار كثيرة قال أبو عمرو كان لتغلب رئيس يقال له الجرار وأدرك النبي وأبى الإسلام وامتنع منه فيقال إن رسول الله بعث إليه زيد الخيل وأمره بقتاله فمضى زيد فقاتله فقتله لما أبى الإسلام وقال في ذلك ( صبّحتُ حَيّ بني الجرّار داهيةً ... ما إن لتغلبَ بعد اليوم جَرّارُ ) ( نحوى النِّهابَ ونَحْوي كلَّ جاريةٍ ... كأن نُقبتها في الخدِّ دِينارُ ) قال مؤرج خرج رجل من طيىء يقال له ذؤاب بن عبد الله إلى صهر له من هوازن فأصيب الرجل - وكان شريفا ذا رياسة في حيه - فبلغ ذلك زيدا فركب في نبهان ومن تبعه من ولد الغوث وأغار على بني عامر وجعل كلما أخذ أسيرا قال له ألك علم بالطائي المقتول فإن قال نعم قتله وإن قال لا خلى سبيله ومن عليه وأصاب رجالا من بني الوحيد والضباب وبني نفيل ثم رجع زيد إلى قومه فقالوا ما صنعت فقال ما أصبت بثأر ذؤاب ولا يبوء به إلا عامر ابن مالك ملاعب الأسنة فأما ابن الطفيل فلا يبوء به وأنشأ زيد يقول ( لا أرَى أن بالقَتِيل قَتِيلاً ... عامريّاً يَفي بقَتْل ذُؤاب ) ( ليس مَنْ لاعَب الأسنة في النقع ... وسُمِّي ملاعباً بأرابِ ) ( عامرٌ ليس عامرَ بنَ طُفيل ... لكن العَمْرُ رأسُ حيّ كِلاب ) ( ذاكَ إن ألْقَه أنالُ به الوِتْر ... َ وقَرَّتُ به عُيونُ الصِّحابِ ) ( أو يَفُتْنِي فقد سُبِقْتُ بوترٍ ... مَذْحِجيٍّ وجَدُّ قوميَ كابي ) ( قد تقنَّصْتُ للضَّبابِ رجالاً ... وتكرمتُ عنْ دماءِ الضَّبابِ ) ( وأصبنا مِن الوَحيد رجالاً ... ونُفيلٍ فما أساغُوا شَرَابِيَ ) فبلغ عامر بن الطفيل قول زيد الخيل وشعره فأغضبه وقال مجيبا له ( قل لزيدٍ قد كنتَ تؤثرَ بالحلم ... إذا سُفِّهَتْ حلومُ الرِّجال ) ( ليس هذا القتيلُ مِنْ سَلَفِ الحي ... ّ كَلاَعٍ ويَحْصُبٍ وكُلاَلِ ) ( أو بني آكلِ المُرار ولا صِيد ... ِ بني جَفْنَة الملوك الطِّوالِ ) ( وابن ماء السماء قد علم النّاسُ ... ولا خَيْرَ في مقالةِ غالِي ) ( إنَّ في قَتْل عامِر بْنِ طُفيلٍ ... لَبَواءً لطيِّىء الأجبالِ ) ( إنني والذي يحجُّ له النّاس ... قليلٌ في عامر الأمثالِ ) ( يوم لا مال للمحارب في الحرْب ... ِ سِوَى نَصْلِ أسمرٍ عَسّالِ ) ( ولجامٍ في رَأْس أجْرَد كالجِذْع ... ِ طُوَالٍ وأبيضٍ قَصَّالِ ) ( ودِلاَصٍ كالنِّهْي ذاتِ فضولٍ ... ذاكَ في حَلْبَةِ الحوادث مالِي ) ( ولِعَمِّي فضل الرياسةِ والسنّ ... ِ وَجدٌ على هوازنَ عالِي ) ( غير أني أُولِي هوازنَ في الحرب ... ِ بضَرْبِ المتوَّجِ المختال ) ( وبطَعْنِ الكَمِيّ في حَمَسِ النَّقْع ... ِ على مَتْن هَيْكَلٍ جَوَّالِ ) زيد الخيل يغير على بني مرة وبني فزارة قال أبو عمرو الشيباني لما بلغ زيد الخيل ما كان من الحارث بن ظالم وعمرو بن الإطنابة الخزرجي وهجائه إياه غضب زيد لذلك فأغار على بني مرة بن غطفان فأسر الحارث بن ظالم وامرأته في غارته ثم من عليهما وقال يذكر ذلك ( ألاَ هل أتى غَوْثاً ورُومانَ أننا ... صبحنا بني ذُبْيانَ إحدى العظائمِ ) ( وسُقْنا نساءَ الحيَ مُرَّةَ بالقَنا ... وبالخيل تَرْدِي قد حوينا ابن ظالم ) ( جَنِيباً لأعضاد النواجي يَقُدْنَه ... على تَعَبٍ بين النَّواجِي الرواسم ) ( يقول اقبلُوا مِنّي الفداء وأنعِمُوا ... عليّ وجُزُّوني مكانَ القَوَادِمِ ) ( وقد مسّ حدُّ الرمح قوَّارةَ اسْتِه ... فصارت كشِدْقِ الأعْلَمِ المُتَضاجِم ) ( وسائِلْ بنا جارَ ابْنِ عَوف فقد رأى ... حليلتَه جالَتْ عليها مقاسمي ) ( تُلاعب وُحْدَان العَضاريط بَعْدَمَا ... جَلاَها بسهميه لقيطُ بن حازِم ) ( أغرّك أنْ قيل ابنُ عوف ولا أرى ... عَزِيمك إلاّ وَاهِياً في العزائم ) ( غداة سَبَيْنَا مِنْ خَفاجة سَبْيَها ... ومرَّتْ لهم مِنّا نحوسُ الأشائم ) ( فمن مُبلِغٌ عني الخزارجَ غارةً ... على حيِّ عوفٍ موجفاً غيْرَ نائم ) وقال أبو عمرو أغار زيد على بني فزارة وبني عبد الله بن غطفان ورئيسهم يومئذ أبو ضب ومع زيد الخيل من بني نبهان بطنان يقال لهما بنو نصر وبنو مالك فأصاب وغنم وساقوا الغنيمة وانتهى إلى العلم فاقتسموا النهاب فقال لهم زيد أعطوني حق الرياسة فأعطاه بنو نصر وأبى بنو مالك فغضب زيد وانحدر إلى بني نصر فبينما بنو مالك يقتسمون إذ غشيتهم فزارة وغطفان وهم حلفاء فاستنقذوا ما بأيديهم فلما رأى زيد ذلك شد على القوم فقتل رئيسهم أبا ضب وأخذ ما في أيديهم فدفعه إلى بني مالك وكانوا نادوه يومئذ يا زيداه أغثنا فكر على القوم حتى استنقذ ما في أيديهم ورده وقال يذكر ذلك ( كررْتُ على أبطالِ سعْدٍ ومالكٍ ... ومَنْ يَدَعُ الدَّاعِي إذا هو ندّدا ) ( فلأياً كررتُ الوَرْدَ حتى رَأيْتُهُم ... يُكَبّون في الصحراء مَثْنَى ومَوْحَدا ) ( وحتى نبذتُم بالصَّعِيد رِماحَكم ... وقد ظهرت دَعوى زُنَيْمٍ وأسْعَدَا ) ( فما زلتُ أرميهم بغُرَّة وَجْهِه ... وبالسيف حتى كلَّ تَحْتي وبَلَّدا ) ( إذا شكَّ أطرافُ العَوالي لَبانَهُ ... أُقدِّمه حتى يَرى المَوتَ أسودا ) ( عُلالِتها بالأمس ما قد علمتمُ ... وعَلُّ الجواري بيننا أن تُسَهَّدا ) ( لقد علمَتْ نَبْهَانُ أنّي حميتُها ... وأني منعتُ السَّبْيَ أنْ يتبدَّدَا ) ( عشيَّةَ غادرتُ ابْنَ ضبّ كأنما ... هوى عن عُقاب من شماريخ صَنْددا ) ( بِذي شُطَبٍ أُغشي الكتيبة سَلْهباً ... أقَبَّ كسِرْحان الظلام مُعَوَّدا ) زيد الخيل وعامر بن الطفيل قال أبو عمرو وخرج زيد الخيل يطلب نعما له من بني بدر وأغار عامر بن الطفيل على بني فزارة فأخذ امرأة يقال لها هند واستاق نعما لهم فقالت بنو بدر لزيد ما كنا قط إلى نعمك أحوج منا اليوم فتبعه زيد الخيل وقد مضى وعامر يقول يا هند ما ظنك بالقوم فقالت ظني بهم أنهم سيطلبونك وليسوا نياما عنك قال فحطأ عجزها ثم قال لا تقول استها شيئا فذهبت مثلا فأدركه زيد الخيل فنظر إلى عامر فأنكره لعظمه وجماله وغشيه زيد فبرز له عامر فقال يا عامر خل سبيل الظعينة والنعم فقال عامر من أنت قال فزاري أنا قال عامر والله ما أنت من القلح أفواها فقال زيد خل عنها قال لا أوتخبرني من أنت قال أسدي قال لا والله ما أنت من المتكورين على ظهور الخيل قال خل سبيلها قال لا والله أوتخبرني فأصدقني قال أنا زيد الخيل قال صدقت فما تريد من قتالي فوالله لئن قتلتني لتطلبنك بنو عامر ولتذهبن فزارة بالذكر فقال له زيد خل عنها قال تخلى عني وأدعك والظعينة والنعم قال فاستأسر قال أفعل فجز ناصيته وأخذ رمحه وأخذ هندا والنعم فردها إلى بني بدر وقال في ذلك ( إنا لنُكْثِرُ في قَيْسٍ وقائعَنا ... وفي تميمٍ وهذا الحيِّ من أسدِ ) ( وعامر بن طفيل قد نحوتُ له ... صَدْرَ القناة بماضي الحدّ مطَّرد ) ( لما أحسّ بأنّ الوَرْدَ مُدْرِكه ... وصارِماً ورَبِيطَ الجَأْش ذا لُبدِ ) ( نادَى إليَّ بسلْمٍ بعدما أخذَتْ ... منه المنيةُ بالحَيْزُومِ واللُّغُدِ ) ( ولو تصبَّر لي حتى أُخالِطَه ... أسْعرته طعنَةٌ تكْتار بالزَّبَدِ ) زيد الخيل يأسر الحطيئة وكعب بن زهير قال فانطلق عامر إلى قومه مجزوزا وأخبرهم الخبر فغضبوا لذلك وقالوا لا ترأسنا أبدا وتجهزوا ليغيروا على طيىء ورأسوا عليهم علقمة بن علاثة فخرجوا ومعهم الحطيئة وكعب بن زهير فبعث عامر إلى زيد الخيل دسيسا ينذره فجمع زيد قومه فلقيهم بالمضيق فقاتلهم فأسر الحطيئة وكعب بن زهير قوما منهم فحبسهم فلما طال عليهم الأسر قالوا يا زيد فادنا قال الأمر إلى عامر بن الطفيل فأبوا ذلك عليه فوهبهم لعامر إلا الحطيئة وكعبا فأعطاه كعب فرسه الكميت وشكا الحطيئة الحاجة فمن عليه فقال زيد ( أقول لعبدَيْ جَرْوَل إذ أسَرْتُهُ ... أثِبْنِي ولا يَغْرُركَ أنك شاعِرُ ) ( أنا الفارِسُ الحامِي الحقيقةُ والذي ... له المَكْرمات واللُّهى والمآثِرُ ) ( وقومي رؤوسُ الناسِ والرأسُ قائد ... إذا الحربُ شبَّتْها الأكُفُّ المساعِرُ ) ( فلستُ إذا ما الموتُ حُوذِرَ وِرْدُهُ ... وأتْرَع حَوْضاهَ وحَمَّجَ ناظِرُ ) ( بوَقَافةٍ يخشى الحُتُوف تَهَيُّباً ... يُباعِدُني عنها من القُبِّ ضامِر ) ( ولكنني أغْشَى الحُتوفَ بصَعْدتي ... مجاهرةً إنّ الكريمَ يُجاهِرُ ) ( وأرْوِي سِناني من دِمَاءٍ عزيزة ... على أهلها إذ لا ترجَّى الأياصِرُ ) فقال الحطيئة لزيد ( إن لم يكن مالِي بآتٍ فإنّني ... سَيأْتي ثنائي زيداً بن مُهَلْهِل ) ( فأعطيتَ منا الوُدّ يوم لقيتنا ... ومن آل بَدْرٍ شدَّة لم تُهلَّلِ ) ( فما نلتَنا غَدْراً ولكن صبَحْتَنا ... غداةَ التقينا في المضيق بأخْيَل ) ( تَفَادَى حماةُ القومِ من وقع رمحه ... تَفَادِي ضعافِ الطَّيرِ مِن وقْع أجدل ) وقال فيه الحطيئة أيضا ( وقعْتَ بعَبْس ثم أنعمت فيهم ... ومن آل بدر قد أصبت الأخايرا ) ( فإنْ يشكروا فالشكرُ أدنى إلى التُّقى ... وإن يكفروا لا ألْف يا زيدُ كافرا ) ( تركتَ المِياهَ من تميمٍ بَلاقعاً ... بما قد ترى منهم حُلُولاً كراكرا ) ( وحيَّ سُلَيْمٍ قد أثَرْتَ شَرِيدَهم ... وبالأمس ما قتَّلتَ يا زيد عامرا ) فرضي عنه زيد ومن عليه لما قال هذا فيه وعد ذلك ثوابا من الحطيئة وقبله الحطيئة يمتنع عن هجاء زيد الخيل فلما رجع الحطيئة إلى قومه قام فيهم حامدا لزيد شاكرا لنعمته حتى أسرت طيىء بني بدر فطلبت فزارة وأفناء قيس إلى شعراء العرب أن يهجوا بني لأم وزيدا فتحامتهم شعراء العرب وامتنعت عن هجائهم فصاروا إلى الحطيئة فأبى عليهم وقال اطلبوا غيري فقد حقن دمي وأطلقني بغير فداء فلست بكافر نعمته أبدا قالوا فإنا نعطيك مائة ناقة قال والله لو جعلتموها ألفا ما فعلت ذلك وقال الحطيئة ( كيف الهجاءُ وما تنفكُّ صالحةً ... من آل لأمٍ بظَهْر الغَيْب تأْتِينا ) ( المنعمين أقام العِزُّ وسطَهُمُ ... بيضُ الوجُوه وفي الهيجَا مَطَاعِينا ) وقد أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال خرج بجير بن زهير والحطيئة ورجل من فزارة يتقنصون الوحش فلقيهم زيد الخيل فافتدى بجير نفسه بفرس كان لكعب أخيه وكعب يومئذ مجاور في بني ملقط من وطيىء وشكا إليه الحطيئة الفاقة فأطلقه وقال أبو عمرو غزت بنو نبهان فزارة وهم متساندون ومعهم زيد الخيل فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انهزمت فزارة وساقت بنو نبهان الغنائم من النساء والصبيان ثم إن فزارة حشدت واستعانت بأحياء من قيس وفيهم رجل من سليم شديد البأس سيد يقال له عباس بن أنس الرعلي كانت بنو سليم قد أرادوا عقد التاج على رأسه في الجاهلية فحسده ابن عم له فلطم عينه فخرج عباس من أعمال بني سليم في عدة من أهل بيته وقومه فنزل في بني فزارة وكان معهم يومئذ ولم يكن لزيد المرباع حينئذ وأدركت فزارة بني نبهان فاقتتلوا قتالا شديدا فلما رأى زيد ما لقيت بنو نبهان نادى يا بني نبهان أأحمل ولي المرباع قالوا نعم فشد على بني سليم فهزمهم وأخذ أم الأسود امرأة عباس بن أنس ثم شد على فزارة والأخلاط فهزمهم وقال في ذلك ( ألاَ ودَّعَتْ جيرانَها أمُّ أسْوَدَا ... وضنَّت على ذي حاجَةٍ أن يُزوّدا ) ( وأبغضُ أخلاقِ النساء أشَدُّه ... إليّ فلا تُولنَّ أهلي تشددا ) ( وسائلْ بني نَبْهَان عنّا وعندهم ... بلاءٌ كحدّ السيف إذْ قَطَعَ اليدا ) ( دَعَوْا مالكاً ثم اتَّصلنا بمالكٍ ... فكلٌّ ذَكا مصباحَهُ فتوقّدا ) ( وبشرَ بن عمرو قد تركنا مُجَنْدلاً ... ينوء بخطَّار هناك ومَعْبَدا ) ( تمطّت به قَوْدَاءُ ذاتُ عُلاَلة ... إذا الصِّلْدِم الخِنْذيذ أعْيَا وبَلَّدا ) ( لقيناهُمُ نستنقذُ الخيلَ كالقنا ... ويستسلبون السَّمْهَريَّ المُقَصَّدا ) ( فيا رُبَّ قِدْرٍ قد كفَأنا وجَفْنَةٍ ... بذي الرَّمثِ إذ يدعون مَثْنَى ومَوْحَدا ) ( على أنني أثوي سناني وصَعْدَتي ... - بِساقين - زيداً أن يبوء ومعبدا ) زيد الخيل وقيس بن عاصم قال أبو عمرو وقعت حرب بين أخلاط طيىء فنهاهم زيد عن ذلك وكرهه فلم ينتهوا فاعتزل وجاور بني تميم ونزل على قيس بن عاصم فغزت بنو تميم بكر بن وائل وعليهم قيس وزيد معه فاقتتلوا قتالا شديدا وزيد كاف فلما رأى ما لقيت تميم ركب فرسه وحمل على القوم وجعل يدعو يا لتميم ويتكنى بكنية قيس إذا قتل رجلا أو أذراه عن فرسه أو هزم ناحية حتى هزمت بكر وظفرت تميم فصارت فخرا لهم في العرب وافتخر بها قيس فلما قدموا قال له زيد أقسم لي يا قيس نصيبي فقال وأي نصيب فوالله ما ولي القتال غيري وغير أصحابي فقال زيد ( ألا هل أتاها والأحاديثُ جَمَّةٌ ... مُغلغَلةٌ أنباءُ جَيْشِ اللَّهازِمِ ) ( فلستُ بوقّافٍ إذا الخيل أحجمت ... ولست بكذَّابٍ كقيسِ بنِ عاصمِ ) ( تُخبِّر مَنْ لاقيتُ أن قد هزمتهم ... ولم تَدر ما سيماهُمُ والعمائم ) ( بل الفارس الطائيُّ فَضَّ جموعَهم ... ومكَّةَ والبيتِ الذي عند هاشم ) ( إذا ما دَعَوْا عِجْلاً عَجِلنا عليهمُ ... بِمَأْثُورَةٍ تَشْفي صُداعَ الجماجمِ ) فبلغ المكشر بن حنظلة العجلي أحد بني سنان قول زيد فخرج في ناس من عجل حتى أغار على بني نبهان فأخذ من نعمهم ما شاء وبلغ ذلك زيد الخيل فخرج على فرسه في فوارس من نبهان حتى اعترض القوم فقال ما لي ولك يا مكشر فقال قولك ( إذا ما دعوا عجلاً عجلْنا عليهم ... ) فقاتلهم زيد حتى استنقذ بعض ما كان في أيديهم ورجع المكشر ببقية ما أصاب فأغار زيد على بني تيم الله بن ثعلبة فغنم وسبى وقال في ذلك ( إذا عركت عِجْلٌ بنا ذَنْبَ غيْرنا ... عَرَكنا بتَيْم اللاتِ ذنْب بني عجل ) وقال أبو عمرو كان حريث بن زيد الخيل شاعرا فبعث عمر بن الخطاب رجلا من قريش يقال له أبو سفيان يستقرىء أهل البادية فمن لم يقرأ شيئا من القرآن عاقبه فأقبل حتى نزل بمحلة بني نبهان فاستقرأ ابن عم لزيد الخيل يقال له أوس بن خالد بن زيد بن منهب فلم يقرأ شيئا فضربه فمات فأقامت بنته أم أوس تندبه وأقبل حريث بن زيد الخيل فأخبرته فأخذ الرمح فشد على أبي سفيان فطعنه فقتله وقتل ناسا من أصحابه ثم هرب إلى الشام وقال في ذلك ( ألاَ بكَّر الناعِي بأوْسِ بن خالد ... أخي الشَّتْوَة الغَبْراءَ والزَّمَنِ المَحْلِ ) ( فلا تَجْزَعِي يا أمَّ أوسٍ فإنّه ... يلاقي المنايا كلُّ حافٍ وذي نَعْلِ ) ( فإنْ يقتلوا أوساً عزيزاً فإنني ... تركتُ أبا سُفْيان ملتزِمَ الرَّحْلِ ) ( ولولا الأُسَى ما عشْتُ في الناس بعده ... ولكنْ إذا ما شئت جاوبني مِثْلي ) ( أصبْنَا به من خِيرة القوم سَبْعةً ... كِراماً ولم نأكُلُ به حَشَف النَّخْلِ ) صوت ( بَشَّرَ الظبْيُ والغرابُ بسُعْدَى ... مَرْحباً بالذي يقول الغرابُ ) ( اذْهبي فاقرئي السلام عليهم ... ثم رُدِّي جوابَنا يا رَبابُ ) عروضه من الخفيف الشعر لعبيد الله بن قيس الرقيات والغناء لفند المخنث - مولى عائشة بنت سعد بن أبي وقاص - خفيف رمل بالبنصر وذكر حبش أن هذا اللحن ليحيى المكي وليس ممن يحصل قوله خبر لابن قيس الرقيات أخبرني بالسبب الذي قال فيه ابن قيس هذا الشعر الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي الحارث الكاتب مولى بني عامر بن لؤي وأبو الحارث هذا هو الذي يقول فيه عمر بن أبي ربيعة ( يا أبا الحارثِ قلبي طائرٌ ... فائتمر أمْرَ رشيد مُؤتمنْ ) قال حدثني عمرو بن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل قال حدثني سليمان بن نوفل بن مساحق عن أبيه عن جده قال عبد العزيز بن مروان وابن قيس الرقيات أراد عبد الملك بن مروان البيعة لابنه الوليد بعد عبد العزيز بن مروان وكتب إلى عبد العزيز يسأله ذلك فامتنع عليه وكتب إليه يقول له لي ابن ليس ابنك أحب إلي منه فإن استطعت ألا يفرق بيننا الموت وأنت لي قاطع فافعل فرق له عبد الملك وكف عن ذلك فقال عبيد الله بن قيس في ذلك - وكان عند عبد العزيز - ( يَخلُفكَ البيضُ منْ بنيك كما ... يُخْلَفُ عُودُ النُّضارِ في شُعَبِهْ ) ( ليسوا مِنَ الخِرْوع الضِّعاف ولا ... أشباهِ عيدانه ولا غَرَبِهْ ) ( نحن على بيعةِ الرسول التي ... أُعطيتْ في عُجمه وفي عَرَبِه ) ( نأتي إذا ما دعوتَ في الزَّغَفِ المَسْرُود ... ِ أبدانُه وفي جُنَبِه ) ( نُهدِي رَعِيلاً أمام أرْعَنَ لا ... يُعرفُ وجْهُ البلقاء في لَجَبِه ) فقال عبد الملك لقد دخل ابن قيس الرقيات مدخلا ضيقا وتهدده وشتمه وقال أليس هو القائل ( كَيْفَ نومي على الفراش ولما ... تَشْمِلِ الشأمَ غارةٌ شعواءُ ) ( تُذْهِلُ الشيخَ عن بنيه وتبدي ... عن خِدَامِ العقيلةُ العَذْراءُ ) وهو القائل أيضا ( على بَيْعَةِ الإسلام بايَعْنَ مُصْعَبا ... كرادِيسَ مِنْ خيل وجمعاً مُباركا ) ( تداركَ أُخرانا ويَمْضِي أمامنا ... ويتْبع ميمونَ النقيبة ناسكا ) ( إذا فرغَتْ أظفارُه مِنْ كتيبةٍ ... أمال على أُخرى السيوفَ البواتكا ) قال فلما بلغ عبيد الله قول عبد الملك وشتمه إياه قال ( بَشَّرَ الظَّبْيُ والغُرَابُ بسُعْدَى ... مَرْحباً بالذي يقول الغرابُ ) ( قال لي إنّ خيرَ سعدى قريب ... قد أنَى أنْ يكون عنه اقتراب ) ( قلت أنَّى تكون سُعْدَى قريباً ... وعليها الحصونُ والأبواب ) ( حبذا الرِّيمُ ذو الوشاحين والخَصْر ... ُ الذي لا ينالُه الأثواب ) ( إنَّ في القصر لو دخلتَ غزالاً ... مُصْفَقاً موصَداً عليه الحِجابُ ) ( أرسَلَتْ أن فَدتْكَ نفسي فاحذرْ ... هاهُنا شُرْطةٌ عليك غضاب ) ( أقسموا إنْ رأوك لا تَطْعَم الماء ... َ وهم حين يقدُرُون ذِئابُ ) ( قلت قد يَغْفل الرَّقيبُ ويُغْفِي ... شُرْطةٌ أو يحينُ منه انقلاب ) ( أو عسى أنْ يُوَرِّ الله أمرا ... ً ليس في غَيْبِهِ علينا ارتِقابُ ) ( اذهبي فاقرئي السلامَ عليها ... ثم رُدِّي يورى جوابَنا يا رَبابُ ) ( حدِّثيها ما قد لقيتُ وقُولِي ... حَقَّ للعاشق الكريم ثوابُ ) ( رجلٌ أنتِ همُّهُ حين يُمْسِي ... خَامَرَتُهُ منْ أجلكِ الأوصابُ ) ( لا أشمُّ الريحانَ إلاَّ بعَيْنيّ ... كَرماً إنما يشمُّ الكلابُ ) ( رُبَّ زارٍ عليَّ لم يَرَ منّي ... عثرةً وهو مُومِسٌ كذّابُ ) ( خادَع اللهَ حين جلّله الشيبُ ... فأضحى قد بان منه الشَّبابُ ) ( يأمُرُ الناس أن يبرّوا ويُمْسِي ... وعليهِ من عَيبه جِلْبابُ ) ( لا تَعِبْني فليس عندك علم ... لا تنامَنَّ أيُّها المغتابُ ) ( تخْتِلُ الناسَ بالكتاب فهلاّ ... حين تغتابني نهاكَ الكتابُ ) ( لَسْتَ بالمُخْبِتِ التقيِّ ولا المُحْضِيه ... جِ من مقالتي الاحتساب ) ( إنني والتي رمَتْ بك كرهاً ... ساقطاً مُلصَقاً عليك التراب ) ( لتذوقنّ غِبَّ رأيك فينا ... حين تبْدُو بعرضِكِ الأنداب ) قال الزبير معنى قوله ( لا أشمّ الريحانَ إلاَّ بعينيّ ... كرَماً إنّما يشمُّ الكلاب ) يعرض بعبد الملك لأنه كان متغير الفم يؤذيه رائحته فكان في يده أبدا ريحان أو تفاحة أو طيب يشمه أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن عمه أن ابن قيس قال في عبد العزيز بن مروان ( يلتفتُ الناسُ عند مِنْبره ... إذا عمودُ البريّةِ انهدما ) يعني إذا مات عبد الملك لأن العهد كان إليه بعده قال الزبير فأخبرني مصعب بن عثمان قال لما بلغ عبد الملك هذا البيت أحفظه وقال بفيه الحجر وحينئذ قال لقد دخل ابن قيس مدخلا ضيقا أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني كثير بن جعفر عن أبيه قال قال الحجاج يوما لأهل ثقته من جلسائه ما من أحد من بني أمية أشد نصبا لي من عبد العزيز بن مروان وليس يوم من الأيام إلا وأنا أتخوف أن تأتيني منه قارعة فهل من رجل تدلوني عليه له لسان وشعر وجلد قالوا نعم عمران بن عصام العنزي فدعاه فأخلاه ثم قال اخرج بكتابي هذا إلى أمير المؤمنين فاقدح في قلبه من ابنه شيئا من الولاية فقال له عمران دس أيها الأمير إلي دسا فقال له الحجاج إن العوان لا تعلم الخمرة فخرج بكتاب الحجاج فلما دخل على عبد الملك دفع إليه الكتاب وسأله عن الحجاج وأمر العراق فاندفع يقول ( أميرَ المؤمنين إليك أُهدِي ... على الشَّحْط التحيّةَ والسلاما ) ( أميرٌ من بَنِيك يكن جوابي ... لهم أُكرومةً ولنا نظاما ) ( فلو أن الوليدَ أطاعَ فيه ... جعلتَ له الإمامةَ والذِماما ) فكتب عبد الملك إلى عبد العزيز في ذلك ثم ذكر من خبرهما في المكاتبة مثل الخبر الذي قبله وقال فيه فرق عبد الملك رقة شديدة وقال لا يكون إلى الصلة أسرع مني فكف عن ذلك وما لبث عبد العزيز إلا ستة أشهر حتى مات فلما كان زمان ابن الأشعث خرج عمران بن عصام معه على الحجاج فأتى به حين قتل ابن الأشعث فقتله فبلغ ذلك عبد الملك فقال قطع الله يدي الحجاج أقتله وهو الذي يقول ( وبعثت من ولد الأغرِّ مُعَتّبٍ ... صَقْراً يلوذُ حمَامُه بالعَوْسَج ) ( وإذا طبختَ بنارِه أنضجتَها ... وإذا طبخت بغيرها لم تُنْضِجِ ) ذكر فند وأخباره هو فند أبو زيد مولى عائشة بنت سعد بن أبي وقاص ومنشؤه المدينة وكان خليعا متهتكا يجمع بين الرجال والنساء في منزله ولذلك يقول فيه ابن قيس الرقيات صوت ( قل لِفنْدٍ يُشَيِّعُ الأظْعانا ... طالما سرَّ عيشَنا وكفَانَا ) ( صادراتٍ عشيةً منْ قُدَيد ... وارداتٍ مع الضحى عُسْفانا ) ( زوَّدَتْنا رُقَيَّةُ الأحزانا ... يوم جازت حُمولُها السَّكْرانا ) عروضه من الخفيف غناه مالك بن أبي السمح من روايتي إسحاق وعمرو بن بانة ولحنه من خفيف الثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى وقد اختلف في اسمه فقيل قند بالقاف وفند بالفاء أصح وبه ضرب المثل في الإبطاء فيقال تعست العجلة عائشة طلبت نارا فجاءها بها بعد سنة أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال كانت عائشة بنت سعد أرسلته ليجيئها بنار فخرج لذلك فلقي عيرا خارجا إلى مصر فخرج معهم فلما كان بعد سنة رجع فأخذ نارا ودخل على عائشة وهو يعدو فسقط وقد قرب منها فقال تعست العجلة فقال بعض الشعراء في رجل ذكر بمثل هذه الحال ( ما رأينا لعُبَيْدٍ مثَلاً ... إذْ بعَثْنَاهُ يَجِي بالمَسَلَهْ ) ( غير فِنْد بعثُوه قابساً ... فثوَى حَوْلاً وسبَّ العَجَلَهْ ) أخبرني الحسين قال قال حماد قرأت على أبي الهيثم بن عدي قال كان فند أبو زيد مولى لسعد بن أبي وقاص فضربه سعد بن إبراهيم ضربا مبرحا فحلفت عائشة بنت سعد أنها لا تكلمه أبدا أو يرضى عنه - وكانت خالته - فصار إليه سعد طاعة لخالته فوجده وجعا من ضربه فسلم عليه فحول وجهه عنه إلى الحائط ولم يكلمه فقال له أبا زيد إن خالتي حلفت ألا تكلمني حتى ترضى ولست ببارح حتى ترضى عني فقال أما أنا فأشهد أنك مقيت سمج مبغض وقد رضيت عنك على هذه الحال لتقوم عني وتريحني من وجهك ومن النظر إليك فقام من عنده فدخل على عائشة وأخبرها بما قال له فند فقالت قد صدق وأنت كذلك ورضيت عنه قال وكان سعد مضطر الخلق سمجا مروان بن الحكم يتهدده أخبرني الحسين قال قال حماد قرأت على أبي بكر وذكر عوانة أن معاوية كان يستعمل مروان بن الحكم على المدينة سنة ويستعمل سعيد بن العاص سنة فكانت ولاية مروان شديدة يهرب فيها أهل الدعارة والفسوق وولاية سعيد لينة يرجعون إليها فبينا مروان يأتي المسجد وفي يده عكازة له وهو يومئذ معزول إذا هو بفند يمسي بين يديه فوكزه بالعكازة وقال له ويلك هيه ( قل لِفنْد يُشيِّع الأظْعانَا ... ) أتشيع الأظعان للفساد - لا أم لك - إلى أهل الريبة ستعلم ما يحل بك مني فالتفت إليه فند وقال أنا ذلك وسبحان الله ما أسمجك واليا ومعزولا فضحك مروان وقال له تمتع إنما هي أيام قلائل ثم تعلم ما يمر بك مني صوت ( حَيِّ الدُّوَيْرَةَ إذ نأتْ ... منّا على عُدَوائِها ) ( لا بالفراق تُنِيلنا ... شيئاً ولا بلقائها ) عروضه من الكامل الشعر لنبيه بن الحجاج السهمي والغناء لابن سريج رمل بالوسطى عن عمرو أخبار نبيه ونسبه هو نبيه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب وأمه وأم أخيه منبه أروى بنت عميلة بن السباق بن عبد الدار بن قصي وكان نبيه بن الحجاج وأخوه من وجوه قريش وذوي النباهة فيهم وقتلا جميعا يوم بدر مشركين ولهما يقول أعشى بني تميم - وهو ابن النباش بن زرارة وكان أخوه أبو هالة بن النباش زوج خديجة أم المؤمنين في الجاهلية ولها منه أولاد لهم عقب إلى الآن - وكان الأعشى مداحا لهم وفيهم يقول وهي قصيدة طويلة ( لله دَرُّ بني الحجَّاج إذْ نُدِبوا ... لا يَشتكي فِعْلَهم ضيفٌ ولا جارُ ) ( إن يكسبوا يُطعِموا مِنْ فَضْل كسبِهُم ... وأوفِياءُ بعَقْدِ الجارِ أحرارُ ) وفي نبيه يقول أيضا ( إنَّ نُبَيهاً أبا الرزّامِ أفضلُهم ... حِلْماً وأجوَدُهم والجودُ تَفْضِيلُ ) ( ليس لفعل نُبيهٍ إنْ مَضَى خَلفٌ ... ولا لقول أبي الرزّام تَبْديِلُ ) ( ثَقْفٌ كلُقْمانَ عَدْلٌ في حكومتِه ... سيْف إذا قام وَسْطَ القوم مَسْلُولُ ) ( وإنَّ بيتَ نُبيهٍ مَنْهَجٌ فَلجٌ ... مُخَضَّر بالندى ما عاش مأهُولُ ) ( من لا يَعُرُّ ولا يؤذِي عشيرتَه ... ولا نَدَاهُ عن المُعْتَرّ معدول ) وله أيضا فيهما مراث قالها فيهما لما قتلا ببدر لم أستجز ذكرها لأنهما قتلا مشركين محاربين لله ورسوله نماذج من شعره وكان نبيه من شعراء قريش وهو القائل وقد سألته زوجتاه الطلاق ذكر ذلك الزبير بن بكار ( تلك عِرْسايَ تنطقان بِهْجْرِ ... وتقولان قَوْلَ زُورٍ وهِتْرِ ) ( تسألاني الطلاقَ أنْ رأتاني ... قلَّ مالِي قد جئتماني بِنُكْر ) ( فلعليّ أنْ يَكْثُرَ المالُ عِنْدِي ... ويُخلَّى من المغارم ظَهْرِي ) ( ويُرَى أعْبُدٌ لنا وجِيَادٌ ... ومَنَاصِيف مِنْ وَلائِدَ عَشْر ) ( وَيْكَأَنْ مَنْ يكن له نَشَبٌ يُحْبَبْ ... وَمنْ يفتقر يَعِشْ عَيش ضُرِّ ) ( ويُجنَّبْ يُسْرَ الأُمورِ ولكنّ ... ذَوِي المال حُضَّرٌ كلَّ يُسْر ) أخبرني الطوسي والحرمي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني علي بن صالح أن عامر بن صالح أنشده لنبيه بن الحجاج ( قَصَّرَ العُدْم بي ولو كنت ذا مال ... ٍ كثيرٍ لأجلبَ الناسُ حَوْلي ) ( ولقالوا أنت الكريمُ علينا ... ولحطّوا إلى هوايَ ومَيْلي ) ( ولَكِلْتُ المعروفَ كَيْلاً هَنِيّاً ... يَعْجِزُ الناسُ أنْ يكيلوا ككيلي ) قال الزبير قال علي بن صالح وأنشدني عامر بن صالح لنبيه بن الحجاج أيضا ( قالت سُليمَى إذ طَرَقْتُ أزورُها ... لا أبتغي إلاّ امْرأً ذَا مَالِ ) ( لا أبتغي إلاّ امْرأً ذا ثَرْوةٍ ... كيما يَسُدُّ مفَاقِري وخِلالي ) ( فلأحرِصَنَّ على اكتسابِ محبَّبٍ ... ولأكْسِبَنْ في عِفّةٍ وجمال ) أخبرني الطوسي والحرمي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب قال نزل نبيه بن الحجاج قديدا يريد الشام فغيب بعض بني بكر ناقته يريد أخذ الجعالة عليها منه فقال نبيه في ذلك ( وردتُ قُدَيْداً فالْتَوى بذراعها ... ذؤبان بكرٍ كلُّ أطلسَ أَفْحَجِ ) ( رجلٌ صديقٌ ما بَدَت لك عَيْنُه ... فإذا تغيَّب فاحتفظْ مِنْ دَعْلج ) قال الزبير الدعلج الكلب والذئب وكل مختلس من السباع فهو دعلج ويقال لاختلاسه الدعلجة وأنشد ( باتت كلابُ الحي تَسْرِي بَيْنَنا ... يَأْكُلْنَ دَعلجةً ويشبعَ مَنْ ثَوَى ) يعني بالدعلجة السرقة قال الزبير ولا عقب للحجاج أبي نبيه ومنبه إلا من ولد نبيه فإن العقب من ولد أبي سلمة إبراهيم بن عبد الله بن عفيف بن نبيه وفي ريطة بنت منبه فإن عمرو بن العاص تزوجها فولدت له عبد الله بن عمرو وهذا الشعر الذي فيه الغناء يقوله في امرأة كان غلب أباها عليها فاستغاث أبوها بالحلفاء من قريش والحلف المعروف بحلف الفضول فانتزعوها من نبيه وردوها على أبيها أخبرني الطوسي قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني غير واحد من قريش منهم عبد العزيز بن عمر العنبسي عن مغن واسمه عيينة بن عبد الله بن عنبسة أن رجلا من خثعم قدم مكة تاجرا ومعه ابنة له يقال لها القتول أوضأ نساء العالمين وجها فعلقها نبيه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم فلم يبرح حتى نقلها إليه وغلب أباها عليها فقيل لأبيها عليك بحلف الفضول فأتاهم فشكا ذلك إليهم فأتوا نبيه بن الحجاج فقالوا أخرج ابنة هذا الرجل وهو يومئذ متبد بناحية مكة وهي معه فقال لا أفعل قالوا فإنا من قد عرفت فقال يا قوم متعوني بها الليلة فقالوا قبحك الله ما أجهلك لا والله ولا شخب لقحة وهي أوسع أحابيك من السائل فأخرجها إليهم فأعطوها أباها وركبوا وركب معهم الخثعمي فلذلك يقول نبيه بن الحجاج ( راحَ صَحْبي ولم أُحَيّ القَتُولا ... لم أُودّعهمُ وَداعاً جميلا ) ( إذْ أجدَّ الفُضولُ أنْ يمنَعُوها ... قد أراني ولا أخافُ الفُضولا ) ( لا تخالِي أنِّي عشيةَ راح الرَّكْبُ هُنْتُم عليّ ألاّ أقُولاَ ) ( إنني والذي تحُجّ له شُمُطُ ... إياد وهلَّلوا تهليلا ) ( لا تَبَرَّأْتُ مِنْ قُتَيْلةَ بالنَّاس ... ِ وهَلْ تَبْتَغُون إلاّ القَتُولا ) ( لَمْ أُخَبِّر عن الحديث ولا أبْدأ ... رَسَّ الحديث والتقبيلا ) ( ومَبِيتاً بذِي المجاز ثلاثاً ... ومتى كان حجُّنا تحليلا ) ( لن أُذيعَ الحديثَ عنها ولا أنقاد ... ُ لو أبيت فيها فتيلا ) ( أتلوَّى بها كما تَتَلَوَّى ... حيَّةُ الماءِ بالأباء طويلا ) ( ثم عدْواً عِداء نَخْلَة ما يدرك ... ُ منهمُ أدنى رَعِيل رَعِيلا ) ( وبنو غالب أولئك قومي ... ومتى يفزعوا تراهم قَبيلا ) ( ونَدامَى بيضُ الوجوه كهولٌ ... وشبابٌ أسهرتُ لَيْلاً طَويلا ) ( غير هُجنٍ ولا لئامٍ ولا تعرف ... منهمْ إلاَّ فتىً بُهْلُولا ) وفي ذلك يقول نبيه بن الحجاج ( حيِّ الدُّوَيْرَة إذْ نأتْ ... مِنَّا على عُدوائِها ) ( لا بالفراق تُنِيلُنا ... شيئاً ولا بلقائها ) ( أخذَتْ حُشَاشةُ قَلْبِهِ ... ونأتْ فكيف بنائها ) ( حلْت تِهامةَ خُلَّةٌ ... مِنْ بَيْتِها ووطائها ) ( ولهما بمكةَ مَنْزِلٌ ... مِنْ سهلها وحِرائها ) ( رفعُوا المحلّة فوقها ... واستعذبوا مِنْ مائِها ) ( تَدْعو شِهاباً حوْلَها ... وتعمُّ في حُلفائها ) ( لولا الفُضولُ وأنّه ... لا أمْنَ مِنْ عُدَوائها ) ( لدنوتُ مِنْ أبياتِها ... ولطُفْتُ حَوْلَ خِبائها ) ( ولجئتُها أمشي بِلا ... هادٍ لَدَى ظَلْمائها ) ( فشربتُ فضلةَ رِيقها ... وَلَبِتُّ في أحشائها ) ( فَسَلِي بمكة تُخْبَرِي ... أنّا مِن أهل وَفائِها ) ( قِدْماً وأفضلُ أهلها ... مِنَّا على أكفائها ) ( نمشي بألْوِيَة الوَغَى ... ونموتُ في أودائِها ) حلف الفضول أخبرنا به الطوسي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو الحسن الأثرم عن أبي عبيدة قال كان سبب حلف الفضول أن رجلا من أهل اليمن قدم مكة ببضاعة فاشتراها رجل من بني سهم فلوى الرجل بحقه فسأله متاعه فأبى عليه فقام في الحجر فقال ( يَالَ قُصيٍّ لمظْلُومٍ بضاعتُه ... ببَطْن مكة نائي الدار والنَّفَرِ ) ( وأشعثٍ مُحرمٍ لم يَقضِ حُرْمته ... بين المقام وَبَيْنَ الرُّكْنِ والحَجَر ) وروى بعض الثقات تماما لهذين البيتين وهو ( أقائمُ مِنْ بني سَهمٍ بذمّتهم ... أم ذاهبٌ في ضَلالٍ مالُ مُعْتَمَرِ ) ( إنّ الحرامَ لِمَنْ تَمّتُ حرَامتُه ... ولا حرام لثَوْبِ الفاجرِ الغُدر ) قال وقال بعض العلماء إن قيس بن شيبة السلمي باع متاعا من أبي بن خلف فلواه وذهب بحقه فاستجار برجل من بني جمح فلم يقم بجواره فقال ( يالَ قُصيّ كيف هذا في الحَرَمْ ... وحرمةِ البيت وأعلاقِ الكَرَمْ ) ( أُظْلَمُ لا يُمْنَعُ منّي مَنْ ظَلَمْ ... ) قال وبلغ الخبر العباس بن مرداس السلمي فقال ( إن كان جارُكَ لم تنفعكَ ذِمَّتُه ... وقد شرِبتَ بكأس الغلِّ أنفاسا ) ( فائْتِ البيوتَ وكُنْ من أهلها صَدداً ... لا تُلْف ناديَهُمْ فُحْشاً ولا باسا ) ( وثَمَّ كُنْ بفناء البيْتِ مُعْتَصِما ... تَلْقَ ابْنَ حَربٍ وتَلْقٌ المرء عبّاسا ) ( قَرْمى قُريشٍ وحَلاًّ في ذُؤابتها ... بالمجد والحَزْمِ ما حازا وما ساسا ) ( ساقِي الحجيج وهذا ياسرٌ فَلَجٌ ... والمجدُ يورثُ أخماساً وأسداسا ) فقام العباس وأبو سفيان حتى ردا عليه واجتمعت بطون قريش فتحالفوا على رد الظلم بمكة وألا يظلم رجل بمكة إلا منعوه وأخذوا له بحقه وكان حلفهم في دار ابن جدعان فكان رسول الله يقول ( لقد شهدت حلفا في دار ابن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت به لأجبت ) فقال قوم من قريش هذا والله فضل من الحلف فسمي حلف الفضول قال وقال آخرون تحالفوا على مثل حلف تحالف عليه قوم من جرهم في هذا الأمر ألا يقروا ظلما ببطن مكة إلا غيروه وأسماؤهم الفضل بن شراعة والفضل بن قضاعة والفضل بن سماعة قال وحدثني محمد بن فضالة عن عبد الله بن سمعان عن ابن شهاب قال كان شأن حلف الفضول أن بدء ذلك أن رجلا من بني زبيد قدم مكة معتمرا في الجاهلية ومعه تجارة له فاشتراها منه رجل من بني سهم فأواها إلى بيته ثم تغيب فابتغى متاعه الزبيدي فلم يقدر عليه فجاء إلى بني سهم يستعديهم عليه فأغلظوا عليه فعرف أن لا سبيل إلى ماله فطوف في قبائل قريش يستعين بهم فتخاذلت القبائل عنه فلما رأى ذلك أشرف على أبي قبيس حتى أخذت قريش مجالسها في المسجد ثم قال ( يا آل فِهْرٍ لمظلوم بضاعَتُه ... ببَطْن مكّة نائي الدارِ والنَّفَرِ ) ( ومُحْرِمٍ شَعِثٍ لم يقضِ عُمرتَهُ ... يا آل فِهرٍ وبين الحِجْرِ والحَجَرِ ) ( أقائمٌ من بني سَهْم بِخُفرتهم ... فعادلٌ أم ضلالٌ مالُ معتمرِ ) الحلف ينعقد بوجود رسول الله فلما نزل أعظمت قريش ذلك فتكلموا فيه فقال المطيبون والله لئن قمنا في هذا ليغضبن الأحلاف وقال الأحلاف والله لئن تكلمنا في هذا ليغضبن المطيبون وقال ناس من قريش تعالوا فليكن حلفا فضولا دون المطيبين ودون الأحلاف فاجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان وصنع لهما طعاما يومئذ كثيرا وكان رسول الله يومئذ معهم قبل أن يوحي الله إليه وهو ابن خمس وعشرين سنة فاجتمعت بنو هاشم وأسد وزهرة وتيم وكان الذي تعاقد عليه القوم تحالفوا على ألا يظلم بمكة غريب ولا قريب ولا حر ولا عبد إلا كانوا معه حتى يأخذوا له بحقه ويؤدوا إليه مظلمته من أنفسهم ومن غيرهم ثم عمدوا إلى ماء من زمزم فجعلوه في جفنة ثم بعثوا به إلى البيت فغسلت به أركانه ثم أتوا به فشربوه قال فحدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله يقول ( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلف الفضول أما لو دعيت إليه اليوم لأجبت وما أحب أن لي به حمر النعم وأني نقضته ) مبادىء أهل الحلف قال وحدثني عمر بن عبد العزيز العنبسي أن الذي اشترى من الزبيدي المتاع العاص بن وائل السهمي وقال أهل حلف الفضول بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد بن عبد العزى وبنو زهرة وبنو تيم تحالفوا بينهم ألا يظلم بمكة أحد إلا كنا جميعا مع المظلوم على الظالم حتى نأخذ له مظلمته ممن ظلمه شريفا أو وضيعا منا أو من غيرنا ثم انطلقوا إلى العاص بن وائل ثم قالوا والله لا نفارقك حتى تؤدي إليه حقه فأعطى الرجل حقه فمكثوا كذلك لا يظلم أحد حقه بمكة إلا أخذوه له وكان عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يقول لو أن رجلا وحده خرج من قومه لخرجت من عبد شمس حتى أدخل في حلف الفضول وليس عبد شمس في حلف الفضول وحدثني محمد بن حسن عن محمد بن طلحة عن موسى بن عبد الله بن إبراهيم عن أبيه وعن محمد بن فضالة عن هشام بن عروة عن أبيه وعن إبراهيم بن محمد وعن أبي عبد الله بن الهاد أن بني هاشم وبني المطلب وبني أسد بن عبد العزى وتيم بن مرة اختلفوا على ألا يدعوا بمكة كلها ولا في الأحابيش مظلوما يدعوهم إلى نصرته إلا أنجدوه حتى يردوا عليه مظلمته أو يبلوا في ذلك عذرا أو على ألا يتركوا لأحد عند أحد فضلا إلا أخذوه وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وبذلك سمي حلف الفضول - بالله الغالب أن اليد على الظالم حتى يأخذوا للمظلوم حقه ما بل بحر صوفه وعلى التأسي في المعاش قال محمد بن الحسن قال محمد بن طلحة في حديثه عن موسى بن محمد عن أبيه وعن محمد بن فضالة عن أبيه قال لم يكن بنو أسد بن عبد العزى في حلف الفضول قال وكان بعد عبد المطلب قال وحدثني محمد بن الحسن عن عيسى بن يزيد بن دأب قال أهل حلف الفضول هاشم وزهرة وتيم قال وقيل له فهل لذلك شاهد من الشعر قال نعم قال أنشدني بعض أهل العلم قول بعض الشعراء ( تيْمُ بن مُرَّةَ إن سألت وهاشمٌ ... وزهرةُ الخير في دار ابن جُدعانِ ) ( متحالفون على النَّدى ما غرَّدت ... وَرْقاءُ في فَنَنٍ من جِزْع كُتْمانِ ) فقيل له وأين كتمان فقال واد بنجران فجاء ببيتين مضطربين مختلفي النصفين وحدثني أبو الحسن الأثرم عن أبي عبيدة قال تداعى بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد بن عبد العزى وبنو زهرة بن كلاب وتيم بن مرة إلى حلف الفضول فاجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان فتحالفوا عنده وتعاقدوا ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها ولا من غيرهم إلا قدموا معه على من ظلمه حتى يردوا مظلمته وشهد النبي هذا الحلف قبل أن يبعث فهذا حلف الفضول قال وحدثني إبراهيم بن حمزة عن جدي عبد الله بن مصعب عن أبيه قال إنما سمي حلف الفضول لأنه كان في جرهم رجال يردون المظالم يقال لهم فضيل وفضال وفضل ومفضل قال فلذلك سمي حلف الفضول تعاقدوا أن يردوا المظالم قال فتحالفوا بالله الغالب لنأخذن للمظلوم من الظالم وللمقهور من القاهر ما بل بحر صوفه قال وقال أبي قال رسول الله ( فشهدت حلفا في دار عبد الله بن جدعان لم يزده الإسلام إلا شدة ولهو أحب إلي من حمر النعم ) قال وقال غيره ( لو دعيت إليه لأجبت ) لماذا سمي حلف الفضول قال وحدثني محمد بن حسن عن نوفل بن عمارة عن إسحاق بن الفضل قال إنما سمت قريش في هذا الحلف حلف الفضول لأن نفرا من جرهم يقال لهم الفضل وفضال والفضيل تحالفوا على مثل ما تحالفت عليه هذه القبائل قال وحدثني رجل عن محمد بن حسن عن محمد بن فضالة عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت سمعت رسول الله يقول ( لقد شهدت في دار ابن جدعان حلف الفضول أما لو دعيت إليه لأجبت وما أحب أني نقضته وأن لي حمر النعم ) قال الزبير وحدثني علي بن صالح عن جدي عبد الله بن مصعب عن أبيه أن رسول الله قال ( والذي نفسي بيده لقد شهدت في الجاهلية حلفا - يعني حلف الفضول - أما لو دعيت إليه اليوم لأجبت لهو أحب إلي من حمر النعم لا يزيده الإسلام إلا شدة ) قال وحدثني أبو الحسن الأثرم عن أبي عبيدة قال حدثني رجل عن محمد بن يزيد الليثي قال سمعت طلحة بن عبد الله بن عوف الزبيري يقول قال رسول الله ( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى إليه في الإسلام لأجبت ) قال وحدثني محمد بن حسن عن نصر بن مزاحم عن معروف بن خربوذ قال تداعت بنو هاشم وبنو المطلب وأسد وتيم فاحتلفوا على ألا يدعوا بمكة كلها ولا في الأحابيش مظلوما يدعوهم إلى نصرته إلا أنجدوه حتى يردوا إليه مظلمته أو يبلوا في ذلك عذرا وكره ذلك سائر المطيبين والأحلاف من أمره وسموه حلف الفضول عيبا له وقالوا هذا من فضول القوم فسموه حلف الفضول قال وحدثني محمد بن حسن عن إبراهيم بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم قال كان حلف الفضول بين بني هاشم وبني أسد وبني زهرة وبني تيم قال فحدثني أبو خيثمة زهير بن حرب قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن محمد بن حبيب عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف قال قال رسول الله شهدت مع عمومتي حلف المكيين فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه قال وحدثني محمد بن الحسن عن محمد بن طلحة عن عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي أنه بلغه أن الذي بدأ بحلف الفضول من هذه القبائل أمر الغزال الذي سرق من الكعبة حدثني محمد بن الحسن قال حدثنا محمد بن طلحة عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبيه قال قدم ابن جبير بن مطعم على عبد الملك بن مروان وكان من حلفاء قريش فقال له عبد الملك يا أبا سعيد لم يكن بنو عبد شمس وأنتم يعني بني نوفل في حلف الفضول قال وأنتم أعلم يا أمير المؤمنين قال لتحدثني بالحق من ذلك قال لا والله يا أمير المؤمنين لقد خرجنا نحن وأنتم منه ولم تكن يدنا ويدكم إلا جميعا في الجاهلية والإسلام أخبار الحسين بن علي قال وحدثني محمد بن حسن عن إبراهيم بن محمد بن يزيد بن عبد الله بن الهاد الليثي أن محمد بن الحارث التيمي أخبره أنه كان بين الحسين بن علي عليهما السلام وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان كلام والوليد يومئذ أمير المدينة في زمن معاوية بن أبي سفيان في مال كان بينهما بذي المروة فقال الحسين بن علي عليهما السلام استطال علي الوليد بن عتبة في حقي بسلطانه فقلت أقسم بالله لتنصفني في حقي أو لآخذن سيفي ثم لأقومن في مسجد رسول الله ثم لأدعون بحلف الفضول قال فقال عبد الله بن الزبير وكان عند الوليد لما قال الحسين ما قال وأنا أحلف بالله لئن دعا به لآخذن سيفي ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه أو نموت جميعا فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري فقال مثل ذلك فبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي فقال مثل ذلك فلما بلغ الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي قال وحدثني أبو الحسن الأثرم علي بن المغيرة عن أبي عبيدة قال حدثني رجل عن يزيد بن عبد الله بن أسامة الليثي أن محمد بن إبراهيم التيمي حدثه مثل حديث محمد بن حسن الذي قبل هذا قال وحدثني إبراهيم بن حمزة عن جدي عبد الله بن مصعب عن أبيه أن الحسين بن علي عليهما السلام كان بينه وبين معاوية كلام في أرض له فقال له الحسين عليه السلام اختر خصلة من ثلاث خصال إما أن تشتري مني حقي وإما أن ترده علي أو تجعل بيني وبينك ابن الزبير وابن عمر والرابعة الصيلم قال وما الصيلم قال أن أهتف بحلف الفضول قال فلا حاجة لنا بالصيلم قال فخرج وهو مغضب فمر بعبد الله بن الزبير فأخبره فقال والله لئن لم ينصفني لأهتفن بحلف الفضول فقال عبد الله بن الزبير والله لئن هتفت به وأنا مضطجع لأقعدن أو قاعد لأقومن ولئن هتفت به وأنا ماش لأسعين ثم لينفدن روحي مع روحك أو لينصفنك قال فخرج عبد الله بن الزبير فدخل على معاوية فباعه منه وخرج عبد الله فجاء إلى الحسين عليه السلام فقال أرسل فانتقد مالك فقد بعته لك قال وحدثني علي بن صالح عن جدي عبد الله بن مصعب عن أبيه قال خرج الحسين عليه السلام من عند معاوية فلقي عبد الله بن الزبير والحسين مغضب فذكر الحسين أن معاوية ظلمه في حق له فقال الحسين أخيره في ثلاث خصال والرابعة الصيلم أن يجعلك أو ابن عمر بيني وبينه أو يقر بحقي ثم يسألني فأهبه له أو يشتريه مني فإن لم يفعل فوالذي نفسي بيده لأهتفن بحلف الفضول قال ابن الزبير والذي نفسي بيده لئن هتفت به وأنا قاعد لأقومن أو قائم لأمشين أو ماش لأشتدن حتى تفنى روحي مع روحك أو ينصفك قال ثم ذهب ابن الزبير إلى معاوية فقال لقيني الحسين فخيرك في ثلاث خصال والرابعة الصيلم قال معاوية لا حاجة لنا بالصيلم إنك لقيته مغضبا فهات الثلاث قال تجعلني أو ابن عمر بينك وبينه قال فقد جعلتك بيني وبينه أو ابن عمر أو جعلتكما قال أو تقر له بحقه وتسأله إياه قال أنا أقر له بحقه وأسأله إياه قال أو تشتريه منه قال وأنا أشتريه منه قال فلما انتهى إلى الرابعة قال لمعاوية كما قال للحسين عليه السلام إن دعاني إلى حلف الفضول لأجبته فقال معاوية لا حاجة لنا بهذا أهل الحلف موضع ثقة قال وبلغني أن عبد الرحمن بن أبي بكرة والمسور بن مخرمة قالا للحسين بن علي عليهما السلام مثل ما قال ابن الزبير فبلغ ذلك معاوية وعنده جبير بن مطعم فقال له معاوية يا أبا محمد أكنا في حلف الفضول قال لا قال فكيف كان قال قدم رجل من ثمالة فباع سلعة له من أبي بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح فظلمه وكان يسيء المخالطة فأتى الثمالي إلى أهل حلف الفضول فأخبرهم فقالوا اذهب فأخبره أنك أتينا فإن أعطاك حقك وإلا فارجع إلينا فأتاه فأخبره بما قال له أهل حلف الفضول قال فأخرج إليه ماله وأعطاه إياه بعينه وقال ( أيأخذني في بَطْنِ مكّةَ ظالماً ... أُبَيٌّ ولا قَوْمِي لدَيَّ ولا صَحْبي ) ( وناديتُ قومي صارخاً ليُجيبني ... وكم دُونَ قومي من فَيَافٍ ومن سُهْب ) ( ويَأبى لكم حِلْفُ الفضول ظلامتي ... بني جُمحٍ والحقُّ يُؤْخَذُ بالغَصْبِ ) وقد روى إبراهيم بن المنذر الحزامي في أمر حلف الفضول غير ما رواه الزبير قال إبراهيم حدثني عبد العزيز بن عمران قال قدم أبو الطمحان القيني الشاعر واسمه حنظلة بن الشرقي فاستجار عبد الله بن جدعان التيمي ومعه مال له من الإبل فعدا عليه قوم من بني سهم فانتحروا ثلاثة من إبله وبلغه ذلك فأتاهم بمثلها فقال أنتم لها ولأكثر منها أهل فأخذوها فانتحروها ثم أمسكوا عنه زمانا ثم جلسوا على شراب لهم فلما انتشوا غدوا على إبله فاستاقوها كلها فأتى عبد الله بن جدعان يستصرخه فلم يكن فيه ولا في قومه قوة ببني سهم فأمسك عنهم ولم ينصره فقال أبو الطمحان ( ألاَ حنَّت المِرْقَال واشتاقَ رَبُّها ... تذكَّرُ أَرْمَاماً وأَذكرُ مَعْشَري ) ( ولو عَلِمت صَرْفَ البيوع لسرَّها ... بمكةَ أن تبتاع حَمْضاً بإِذخر ) ( أَجَدَّ بني الشَّرقيّ أنَّ أخَاهُمُ ... متى يَعتلقْ جاراً وإِنْ عزَّ يَغْدرِ ) ( إذا قلتُ وافٍ أدْرَكَتْهُ دُروكه ... فيا مُوزع الجيران بالغَيّ أقْصِر ) ثم ارتحل عنهم ووفد لميس بن سعد البارقي مكة فاشترى منه أبي بن خلف سلعة فظلمه إياها فمشى في قريش فلم يجره أحد فقال ( أيظلمني مالي أَبَيُّ سَفَاهةً ... وبَغْياً ولا قَوْمي لديَّ ولا صَحْبي ) ( وناديتُ قومي بارقاً لتجِيبَني ... وكم دونَ قومي من فيافٍ ومن سَهْب ) ثم قدم رجل من بني زبيد فاشترى منه رجل من بني سهم يقال له حذيفة سلعة وظلمه حقه فصعد الزبيدي على أبي قبيس ثم نادى بأعلى صوته ( يا آل فِهْرٍ لمظلوم بضاعتُه ... ببَطْنِ مكّةَ نائي الحيْ والنَّفَر ) ( يا آل فهرٍ لمظلوم ومُضْطَهَدٍ ... بين المقام وبين الركن والحجر ) ( إنَّ الحرامَ لمن تمَّتْ حَرامته ... ولا حرام لثوب الفاجر الغُدرِ ) فأعظم الزبير بن عبد المطلب ذلك وقال يا قوم إني والله لأخشى أن يصيبنا ما أصاب الأمم السالفة من ساكني مكة فمشى إلى ابن جدعان وهو يومئذ شيخ قريش فقال له في ذلك وأخبره بظلم بني سهم وبغيهم وقد كان أصاب بني سهم أمران لا يشك أنهما للبغي احتراق المقاييس منهم وهم قيس ومقيس وعبد قيس بصاعقة وأقبل منهم ركب من الشام فنزلوا بماء يقال له القطيعة فصبوا فضلة خمر لهم في إناء وشربوا ثم ناموا وقد بقيت منهم بقية فكرع منها حية أسود ثم تقيأ في الإناء فهب القوم فشربوا منه فماتوا عن آخرهم فأذكره هذا ومثله فتحالف بنو هاشم وبنو المطلب وبنو زهرة وبنو تيم بالله الغالب إنا ليد واحدة على الظالم حتى يرد الحق وخرج سائر قريش من هذا الحلف إلا أن ابن الزبير ادعاه لبني أسد في الإسلام قال فأخبرني الواقدي وغيره أن محمد بن جبير بن مطعم دخل على عبد الملك بن مروان فسأله عن حلف الفضول فقال أما أنا وأنت يا أمير المؤمنين فلسنا فيه فقال صدقت والله إني لأعرفك بالصدق قال فإن ابن الزبير يدعيه فقال ذاك هو الباطل قال وكان عتبة بن ربيعة يقول لو أن رجلا خرج عن قومه إلى غيرهم لكرم حلف لخرجت عن قومي إلى حلف الفضول قال الواقدي قد اختلف فيه لم سمي حلف الفضول فقيل إنه سمي بذلك لأنهم قالوا لا ندع لأحد عند أحد فضلا إلا أخذناه منه وقيل بل سمع بهذا بعض من لم يدخل فيه فقال هذا فضول من الأمر وقال الواقدي والصحيح أن قوما من جرهم يقال لهم فضل وفضالة وفضال ومفضل تحالفوا على مثل هذا في أيامهم فلما تحالفت قريش هذا الحلف سموا بذلك نسبة ما في هذا الخبر من الغناء صوت ( يا لَلرَّجال لمظلوم بضاعتُه ... ببَطْن مكَّة نائي الدار والنفَر ) ( إنَّ الحرامَ لِمَنْ تَمَّتْ حرامته ... ولا حرامَ لِثَوْبِي لابس الغَدْرِ ) غناه ابن عائشة ثقيل أول بالبنصر عن حبش أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا المدائني عن ابن أبي سبرة عن لقيط بن نصر المحاربي قال كان يزيد بن معاوية أول من سن الملاهي في الإسلام من الخلفاء وآوى المغنين وأظهر الفتك وشرب الخمر وكان ينادم عليها سرجون النصراني مولاه والأخطل وكان يأتيه من المغنين سائب خاثر فيقيم عنده فيخلع عليه ويصله فغناه يوما ( يا للرِّجال لمظلوم بضاعته ... بِبَطْنِ مكةَ نائي الأهْلِ والنَّفَرِ ) فاعترته أريحية فرقص حتى سقط ثم قال اخلعوا عليه خلعا يغيب فيها حتى لا يرى منه شيء فطرحت عليه الثياب والجباب والمطارف والخز حتى غاب فيها صوت ( اشربْ هنيئاً عليك التاجُ مُرْتَفِقاً ... في رَأْس غُمدانَ َداراً منك مِحْلالا ) ( تلك المكارمُ لا قَعْبانِ من لَبنٍ ... شِيبَا بماءٍ فعادَا بَعْدُ أبوالا ) عروضه من البسيط المرتفق المتكىء على مرفقه وغمدان اسم قصر كان لسيف بن ذي يزن باليمن والمحلال الدار التي يحل فيها أي يقيم فيها وشيبا معناه خلطا والشوب الخلط يقال شاب كذا بكذا إذا خلطهما الشعر لأمية بن أبي الصلت الثقفي وقيل بل هو للنابغة الجعدي وهذا خطأ من قائله وإنما أدخل النابغة البيت الثاني من هذه الأبيات في قصيدة له على جهة التضمين والغناء لسائب خاثر خفيف رمل بالوسطى من رواية حماد عن أبيه وفيه لطويس لحن من كتاب يونس الكاتب غير مجنس نسب أمية بن أبي الصلت وخبره في قوله هذا الشعر أبو الصلت عبد الله بن أبي ربيعة بن عمرو بن عقدة بن عنزة بن عوف بن قسي وهو ثقيف شاعر من شعراء الجاهلية قديم وهذا الشعر يقوله في سيف بن ذي يزن لما ظفر بالحبشة يهنيه بذلك ويمدحه وكان السبب في قدوم الحبشة اليمن وغلبتهم عليها وخروج سيف بن ذي يزن إلى كسرى يستنجد عليهم أن ملكا من ملوك اليمن يقال له ذو نواس غزا أهل نجران وكانوا نصارى فحصرهم ثم إنه ظفر بهم فخدد لهم الأخاديد وعرضهم على اليهودية فامتنعوا من ذلك فحرقهم بالنار وحرق الإنجيل وهدم بيعتهم ثم انصرف إلى اليمن وأفلت منه رجل يقال له دوس ذو ثعلبان على فرس فركضه حتى أعجزهم في الرمل ومضى دوس إلى قيصر ملك الروم يستغيثه ويخبره بما صنع ذو نواس بنجران ومن قتل من النصارى وأنه خرب كنائسهم وبقر النساء وهدم الكنائس فما فيها ناقوس يضرب به فقال له قيصر بعدت بلادي من بلادكم ولكن أبعث إلى قوم من أهل ديني أهل مملكته قريب منكم فينصرونكم قال دوس ذو ثعلبان فذاك إذا قال قيصر إن هذا الذي أصنعه بكم أذل للعرب أن يطأها سودان ليس ألوانهم على ألوانهم ولا ألسنتهم على ألسنتهم فقال الملك أنظر لأهل دينه إنما هم خوله فكتب إلى ملك الحبشة أن أنصر هذا الرجل الذي جاء يستنصرني واغضب للنصرانية فأوطىء بلادهم الحبشة خبر أرياط فخرج دوس ذو ثعلبان بكتاب قيصر إلى ملك الحبشة فلما قرأ كتابه أمر أرياط - وكان عظيما من عظمائهم - أن يخرج معه فينصره فخرج أرياط في سبعين ألفا من الحبشة وقود على جنده قوادا من رؤسائهم وأقبل بفيله وكان معه أبرهة بن الصباح وكان في عهد ملك الحبشة إلى أرياط إذا دخلت اليمن فاقتل ثلث رجالها وخرب ثلث بلادها وابعث إلي بثلث نسائها فخرج أرياط في الجنود فحملهم في السفن في البحر وعبر بهم حتى ورد اليمن وقد قدم مقدمات الحبشة فرأى أهل اليمن جندا كثيرا فلما تلاحقوا قام أرياط في جنده خطيبا فقال يا معشر الحبشة قد علمتم أنكم لن ترجعوا إلى بلادكم أبدا هذا البحر بين أيديكم إن دخلتموه غرقتم وإن سلتكم البر هلكتم واتخذتم العرب عبيدا وليس لكم إلا الصبر حتى تموتوا أو تقتلوا عدوكم فجمع ذو نواس جمعا كثيرا ثم سار إليهم فاقتتلوا قتالا شديدا فكانت الدولة للحبشة فظفر أرياط وقتل أصحاب ذي نواس وانهزموا في كل وجه فلما تخوف ذو نواس أن سيؤسر ركض فرسه واستعرض به البحر وقال الموت بالبحر أحسن من إسار أسود ثم أقحم فرسه لجة البحر فمضى به فرسه وكان آخر العهد به ثم خرج إليهم ذو جدن الهمداني في قومه فناوشهم وتفرقت عنه همدان فلما تخوف على نفسه قال ما الأمر إلا ما صنع ذو نواس فأقحم فرسه البحر فكان آخر العهد به ودخل أرياط اليمن فقتل ثلثا وبعث ثلث السبي إلى ملك الحبشة وخرب ثلثا وملك اليمن وقتل أهلها وهدم حصونها وكانت تلك الحصون بنتها الشياطين في عهد سليمان لبلقيس واسمها بلقمة وكان مما خرب من حصونهم سلحون وبينون وغمدان حصونا لم ير مثلها فقال الحميري وهو يذكر ما دخل على حمير من الذل ( هونكَ أين ترُدُّ العَيْنُ ما فاتا ... لا تهلِكَنْ أسفاً في إثر من فاتا ) ( أبعدَ بَيْنونَ لا عَيْنٌ ولا أثر ... وبعد سَلْحون يَبْنِي الناسُ أبياتا ) قال فلما ظفر أرياط أخذ الأموال وأظهر العطاء في أهل الشرف فغضبت الحبشة حين أعطى أشرافهم وترك أهل الفقر منهم واستذلهم وأجاعهم وأعراهم وأتعبهم في العمل وكلفهم ما لا يطيقون فجزع من ذلك الفقراء وشكا ذلك بعضهم إلى بعض وقالوا ما نرانا إلا أذلة أشقياء أينما كنا إن كان قتال قدمنا في نحور العدو وإن كان قتل قتلنا وإن كان عمل فعلينا والبلايا علينا والعطايا لغيرنا مع ما يقصينا ويجفونا أبرهة وأرياط فقال لهم عند ذلك رجل من الحبشة يقال له أبرهة من قواد أرياط لو أن رجلا غضب لغضبكم إذا لأسلمتموه حتى يذبح كما تذبح الشاة قالوا لا والمسيح ما كنا نسلمه أبدا فواثقوه بالإنجيل ألا يسلموه حتى يموتوا عن آخرهم فنادى منادي فيهم فاجتمعوا إليه فبلغ ذلك أرياط أن أبا أصحم أبرهة جمع لك الجموع ودعا الناس إلى قتالك قال أوقد فعل ذلك أبرهة وهو ممن لا بيت له في الحبشة وغضب أرياط غضبا شديدا وقال هو أدنى من ذلك نفسا وبيتا هذا باطل قالوا فأرسل إليه فإن أتاك فهو باطل وإن لم يأتك فاعلم أنه كما يقال فأرسل إليه أجب الملك أرياط فجثا أبرهة على ركبتيه وخر لوجهه وأخذ عودا من الأرض فجعله في فيه وقال للرسول اذهب إلى الملك فأخبره بما رأيت مني أنا أخلعه أنا أشد تعظيما له من ذلك وأنا آتيه على أربع قوائم بحساب البهيمة فرجع الرسول إلى الملك فأخبره بالخبر فقال ألم أقل لكم قالوا الملك أعقل وأعلم منا فلما ولى الرسول من عند أبرهة وتوارى عنه صاح أبرهة في الفقراء من الحبشة فاجتمعوا إليه معهم السلاح والآلة التي كانوا يعملون بها ويهدمون بها مدن اليمن المعاول والكرازين والمساحي ثم صفوا صفا وصفوا خلفه آخر بإزائه فلما أبطأ أبرهة على الملك وهو يرى أنه يأتيه على أربع قوائم كما قال وأتى الرسول أرياط فأخبره بما صنع أبرهة ركب في الملوك ومن تبعه من أتباعهم فلبسوا السلاح وجاؤوا بالفيلة وكان معه سبعة فيلة حتى إذا دنا بعضهم من بعض برز أبرهة بين الصفين فنادى بأعلى صوته يا معشر الحبشة الله ربنا والإنجيل كتابنا وعيسى نبينا والنجاشي ملكنا علام يقتل بعضنا بعضا في مذهب النصرانية هذا رجل وأنا رجل فخلوا بيني وبينه فإن قتلني عاد الملك إلى ما كان عليه من أثرة الأغنياء وهلاك الفقراء وإن قتلته سلمتم وعملت فيكم بالإنصاف بينكم ما بقيت فقال الملوك لأرياط قد أخبرناك أنه صنع ما قد ترى وقد أبيت إلا حسن الرأي فيه وقد أنصفك وكان أرياط قد عرف بالشجاعة والنجدة وكان جميلا وكان أبرهة قصيرا دميما قبيحا منكر الجمة فاستحيا أرياط من الملوك أن يجبن فبرز بين الصفين ومشى أحدهما إلى صاحبه وحمل عليه أرياط فضرب أبرهة ضربة وقع منها حاجباه وعامة أنفه ووقع بين رجلي أرياط فعمد أبرهة إلى عمامته فشد بها وجهه فسكن الدم والتأم الجرح وأخذ عودا وجعله في فيه وقال أيها الملك إنما أنا شاة فاصنع ما أردت فقد أبصرت أمري ففرح أرياط بما صنع وكان أبرهة قد سم خنجرا وجعله في بطن فخذه كأنه خافية نسر أبرهة يقتل أرياط فلما رأى أبرهة أن أرياط قد أفلت عنه وهو ينظر يمينا وشمالا لئلا تراه ملوك الحبشة استل خنجره فطعنه في فرج درعه فأثبته وخر أرياط على قفاه وقعد أبرهة على صدره فأجهز عليه فسمي أبرهة الأشرم بتلك الضربة التي شرمت وجهه وأنفه فملك أبرهة عشرين سنة ثم ملك بعد أبرهة ابنه يكسوم ثم أخوه مسروق بن أبرهة وأمه ريحانة امرأة ذي يزن أم سيف بن يزن الحميري تحرك سيف بن ذي يزن فلما طال على أهل اليمن البلاء مشوا إلى سيف بن ذي يزن الحميري فكلموه في الخروج وقالوا إنا نجد فيما روت حمير عن خبر لسطيح أنه يوشك أن هذا البلاء يفرج بيد رجل من أهل بيتك ابن ذي يزن وقد رجونا أن ندرك بثأرنا فأنعم لهم فخرج إلى قيصر ملك الروم فكلمه أن ينصره على الحبشة فأبى وقال الحبشة على ديني ودين أهل مملكتي وأنتم على دين يهود فخرج من عنده يائسا فخرج عامدا إلى كسرى فانتهى إلى النعمان بن المنذر بالحيرة فدخل عليه فأخبره بما لقي قومه من الحبشة فقال أقم فإن لي على الملك كسرى إذنا في كل سنة وقد حان ذلك فلما خرج أخرج معه سيف بن ذي يزن فأدخله على كسرى فقال غلبنا على بلادنا وغلب الأحابيش علينا وأنا أقرب إليك منهم لأني أبيض وأنت أبيض وهم سودان فقال بلادك بلاد بعيدة ولا أبعث معك جيشا في غير منفعة ولا أمر أخافه على ملكي فلما أيأسه من النصر أمر له بعشرة آلاف درهم واف وكساه كسا فلما خرج بها من باب كسرى نثرها بين الصبيان والعبيد فرأى ذلك أصحاب كسرى فقالوا ذلك له فأرسل إليه لم صنعت بجائزة الملك تنثرها للصبيان والناس فقال سيف وما أعطاني الملك جبال أرضي ذهب وفضة جئت إلى الملك ليمنعني من الظلم ولم آته ليعطيني الدراهم ولو أردت الدراهم كان ذلك في بلدي كثيرا فقال كسرى أنظر في أمرك فخرج سيف على طمع وأقام عنده فجعل سيف كلما ركب كسرى عرض له فجمع له كسرى مرازبته وقال ما ترون في هذا العربي وقد رأيته رجلا جلدا فقال قائل منهم إن في السجون قوما قد سجنهم الملك في موجدة عليهم فلو بعثهم الملك معه فإن قتلوا استراح منهم وإن ظفروا بما يريد هذا العربي فهو زيادة في ملك الملك فقال كسرى هذا الرأي وأمر بهم كسرى فأحضروا فوجد ثمانمائة رجل فولى أمرهم رجلا معهم يقال له وهرز وكان راميا شجاعا مع مكانة في الفرس وجهزهم وأعطاهم سلاحا وحملهم في البحر في ثماني سفن فغرقت سفينتان وبقي من بقي وهم ستمائة رجل فأرسوا إلى ساحل عدن فلما أرسوا قال وهرز لسيف ما عندك فقد جئنا بلادك فقال ما شئت من رجل عربي وفرس عربي ثم اجعل رجلي مع رجلك حتى نموت جميعا أو نظفر جميعا وهرز يقتل مسروق بن أبرهة ويملك اليمن قال وهرز أنصفت فاستجلب سيف من استطاع من اليمن ثم زحفوا إلى مسروق بن أبرهة وقد سمع بهم مسروق وبتعبيتهم فجمع إليه جنده من الحبشة وسار إليهم والتقى العسكران وجعلت أمداد اليمن تثوب إلى سيف وبعث وهرز ابنا له كان معه على جريدة خيل فقال ناوشوهم القتال حتى ننظر قتالهم فناوشهم ابنه وناوشوه شيئا من قتال ثم تورط ابنه في هلكة لم يستطع التخلص منها فاشتملوا عليه فقتلوه فازداد وهرز عليهم حنقا وسيء العرب وفرحت الحبشة فأظهروا الصليب فوتر وهرز قوسه وكان لا يقدر أن يوترها غيرها وقال وهرز والناس في صفوفهم انظروا أين ترون ملكهم قال سيف أرى رجلا قاعدا على فيل تاجه على رأسه بين عينيه ياقوتة حمراء قال ذلك ملكهم وقال وهرز اتركوه ثم وقف طويلا ثم قال انظروا هل تحول قالوا قد تحول على فرس قال هذا منه اختلاط ثم وقف طويلا وقال انظروا هل تحول قالوا قد تحول على بغلة فقال ابنة الحمار ذل الأسود وذل ملكه ثم قال لأصحابه نقتله في هذه الرمية تأملوا النشابة وأخذ النشابة وجعل فوقها في الوتر ثم نزع فيها حتى ملأها وكان أيدا ثم أرسلها فصكت الياقوتة التي بين عيني ملكهم مسروق فتغلغلت النشابة في رأسه حتى خرجت من قفاه وحملت عليهم الفرس فانهزمت الحبشة في كل وجه وجعلت حمير تقتل من أدركوا منهم وتجهز على جريحهم وأقبل وهرز يريد أن يدخل صنعاء وكان موضعهم الذي التقوا فيه خارج صنعاء وكان اسم صنعاء أزال فلما قدمت الحبشة بنوها وأحكموها فقالت صنعة فسميت صنعاء وكانت صنعاء مدينة لها باب صغير يدخل منه فلما دنا وهرز من باب المدينة رآه صغيرا فقال لا تدخل رايتي منكسة اهدموا الباب فهدم باب صنعاء ودخل ناصبا رايته وسير بها بين يديه فقال سيف بن ذي يزن ذهب ملك حمير آخر الدهر لا يرجع إليهم أبدا فملك وهرز اليمن وقهر الحبشة وكتب إلى كسرى يخبره إني قد ملكت للملك اليمن وهي أرض العرب القديمة التي تكون فيها ملوكهم وبعث بجوهر وعنبر ومال وعود وزباد وهو جلود لها رائحة طيبة كسرى يملك سيفا اليمن والحبشة يغتالونه فكتب كسرى يأمره أن يملك سيفا ويقدم وهرز إلى كسرى فخلف على اليمن سيفا فلما خلا سيف باليمن وملكها عدا على الحبشة فجعل يقتل رجالها ويبقر نساءها عما في بطونها حتى أفناها إلا بقايا منها أهل ذلة وقلة فاتخذهم خولا واتخذ منهم جمازين بحرابهم بين يديه فمكث كذلك غير كثير وركب يوما وتلك الحبشة معه ومعهم حرابهم يسعون بها بين يديه حتى إذا كان وسطا منهم مالوا عليه بحرابهم فطعنوه حتى قتلوه وكان سيف قد آلى ألا يشرب الخمر ولا يمس امرأة حتى يدرك ثأره من الحبشة فجعلت له حلتان واسعتان فأتزر بواحدة وارتدى الأخرى وجلس على رأس غمدان يشرب وبرت يمينه وخرج بعد ذلك يتصيد فقتلته الحبشة وكان ملك أرياط عشرين سنة وملك أبرهة ثلاثا وعشرين سنة وملك يكسوم تسع عشرة سنة وملك مسروق اثنتي عشرة سنة فهذه أربع وسبعون سنة وكان قدوم أهل فارس اليمن مع وهرز بعد الفجار بعشر سنين وقبل بنيان قريش البيت بخمس سنين ورسول الله وآله ابن ثلاثين سنة أو نحوها لأن رسول الله ولد بعد قدوم الفيل بخمس وخمسين ليلة ونسخت خبر مديحه سيفا بهذا الشعر من كتاب عبد الأعلى بن حسان قال حدثنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وحدثني به محمد بن عمران المؤدب بإسناد لست أحفظ الاتصال بينه وبين الكلبي فيه فاعتمدت هذه الرواية قال لما ظفر سيف بن ذي يزن بالحبشة وذلك بعد مولد النبي بسنتين أتته وفود العرب وأشرافها لتهنيه وتمدحه وتذكر ما كان من بلائه وطلبه بثأر قومه فأتته وفود العرب من قريش فيهم عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس وخويلد بن أسد في ناس من وجوه قريش فأتوه بصنعاء وهو في رأس قصر له يقال له غمدان فأخبره الآذن بمكانهم فأذن لهم فدخلوا عليه وهو على شرابه وعلى رأسه غلام واقف ينثر في مفرقه المسك وعن يمينه ويساره الملوك والمقاول وبين يديه أمية بن أبي الصلت الثقفي ينشده قوله في هذه الأبيات أمية يمدح سيفا ( لا يطلُبُ الثأر إلاَّ كابْنِ ذِي يَزَن ... في البَحْر خيَّم للأعداء أحوالا ) ( أتى هِرَقْلَ وقد شالَتْ نَعامَتُهُ ... فلم يَجِدْ عنده النّصر الذي سالا ) ( ثم انتحى نحو كِسْرى بعد عاشرة ... من السِّنينَ يُهينُ النفسَ والمالا ) ( حتى أتى بِبَنِي الأَحرار يَقْدُمُهُمْ ... تخالُهم فوقَ مَتْنِ الأَرض أَجْبَالا ) ( لله دَرُّهُمُ مِنْ فِتْيَةٍ صَبَروا ... ما إن رأيت لهم في الناس أمثالا ) ( بيضٌ مَرَازِبةٌ غُلْبٌ أسَاوِرَة ... أسد تُربِّتُ في الغَيْضاتِ أشبالا ) ( فالْتَطْ من المسك إذ شالت نَعَامتهم ... وأسْبِلِ اليومَ في بُرْدَيْكَ إسبالا ) ( واشرب هنيئاً عليك التاجُ مرتفقاً ... في رأس غُمْدَانَ داراً منك مِحْلالا ) ( تلك المكارم لا قَعْبَان مِنْ لَبَنٍ ... شِيباً بماءٍ فعاَدا بعدُ أبوالا ) بنو الأحرار الذين عناهم أمية في شعره هم الفرس الذين قدموا مع سيف بن ذي يزن وهم إلى الآن يسمون بني الأحرار بصنعاء ويسمون باليمن الأبناء وبالكوفة الأحامرة وبالبصرة الأساورة وبالجزيرة الخضارمة وبالشام الجراجمة عبد المطلب يهنىء سيفا وسيف يسر إليه بأمارات ظهور النبي فبدأ عبد المطلب فاستأذن في الكلام فقال له سيف بن ذي يزن إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنا لك فقال عبد المطلب إن الله قد أحلك أيها الملك محلا رفيعا صعبا منيعا شامخا باذخا وأنبتك منبتا طابت أرومته وعزت جرثومته في أكرم موطن وأطيب معدن فأنت - أبيت اللعن - ملك العرب وربيعها الذي به تخصب وأنت أيها الملك رأس العرب الذي له تنقاد وعمودها الذي عليه العماد ومعقلها الذي إليه يلجأ العباد فسلفك لنا خير سلف وأنت لنا منهم خير خلف فلم يخمل من أنت خلفه ولن يهلك من أنت سلفه نحن أهل حرم الله وسدنة بيته أشخصنا إليك الذي أبهجنا لكشفك الكرب الذي فدحنا فنحن وفود التهنية لا وفود المرزية قال وأيهم أنت المتكلم قال أنا عبد المطلب بن هاشم قال ابن أختنا قال نعم فأدناه حتى أجلسه إلى جنبه ثم أقبل على القوم وعليه فقال مرحبا وأهلا وناقة ورحلا ومستناخا سهلا وملكا ربحلا يعطي عطاء جزلا قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل وسيلتكم وأنتم أهل الشرف والنباهة ولكم الكرامة ما أقمتم والحباء إذا ظعنتم ثم استنهضوا إلى دار الضيافة والوفود فأقاموا فيها شهرا لا يصلون إليه ولا يؤذن لهم في الانصراف وأجرى لهم الأنزال ثم انتبه لهم انتباهة فأرسل إلى عبد المطلب فأدناه وأخلى مجلسه ثم قال يا عبد المطلب إني مفوض إليك من سر علمي أمرا لو يكون غيرك لم أبح به إليه ولكني رأيتك موضعه فأطلعتك طلعه فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله فيه فإن الله بالغ أمره إني أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون الذي اخترناه لأنفسنا واحتجناه دون غيرنا خبرا عظيما وخطرا جسيما فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاء للناس عامة ولرهطك كافة ولك خاصة قال عبد المطلب مثلك أيها الملك من سر وبر فما هو فداك أهل الوبر زمرا بعد زمر قال ابن ذي يزن إذا ولد غلام بتهامة بين كتفيه شامة كانت له الإمامة ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة قال عبد المطلب أيها الملك لقد أبت بخير ما آب بمثله وافد ولولا هيبة الملك وإكرامه وإعظامه لسألته أن يزيدني في البشارة ما أزداد به سرورا قال ابن ذي يزن هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد اسمه محمد يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه قد ولدناه مرارا والله باعثه جهارا وجاعل له منا أنصارا يعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه يضرب بهم الناس عن عرض ويستبيح بهم كرائم الأرض يخمد النيران ويدحر الشيطان ويكسر الأوثان ويعبد الرحمن قوله فصل وحكمه عدل يأمر بالمعروف ويفعله وينهى عن المنكر ويبطله فقال عبد المطلب أيها الملك عز جدك وعلا كعبك ودام ملكك وطال عمرك فهل الملك مخبري بإفصاح فقد أوضح لي بعض الإيضاح فقال ابن ذي يزن والبيت ذي الحجب والعلامات على النصب إنك يا عبد المطلب لجده غير الكذب سيف يطلب كتم أمر محمد والحذر من اليهود فخر عبد المطلب ساجدا فقال له ارفع رأسك ثلج صدرك وعلا أمرك فهل أحسست شيئا مما ذكرته لك فقال عبد المطلب أيها الملك كان لي ابن وكنت به معجبا وعليه رفيقا زوجته كريمة من كرائم قومي اسمها آمنة بنت وهب فجاءت بغلام سميته محمدا مات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه قال الأمر ما قلت لك فاحتفظ بابنك واحذر عليه من اليهود فإنهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا واطو ما ذكرت لك عن هؤلاء الرهط الذين معك فإني لا آمن أن تدخلهم النفاسة من أن تكون له الرياسة فينصبون له الحبائل ويطلبون له الغوائل وهم فاعلون وأبناؤهم وبطيء ما يجيبه قومه وسيلقى منهم عنتا والله مبلج حجته ومظهر دعوته وناصر شيعته ولولا أني أعلم أن الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حتى أصير يثرب دار ملكي فإني أجد في الكتاب المكنون أن بيثرب استحكام أمره وأهل نصرته وموضع قبره ولولا أني أتوقى عليه الآفات وأحذر عليه العاهات لأعلنت على حداثة سنه أمره ولكني صارف ذلك إليك من غير تقصير مني بمن معك سيف يكرم بعثة عبد المطلب ويجزلها العطاء قال ثم أمر لكل رجل بعشرة أعبد وعشر إماء ومائة من الإبل وحلتين برودا وخمسة أرطال ذهبا وعشرة أرطال فضة وكرش مملوءة عنبرا ثم أمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك وقال يا عبد المطلب إذا حال الحول فائتني فمات ابن ذي يزن قبل أن يحول الحول وكان عبد المطلب كثيرا ما يقول يا معشر قريش لا يغبطني رجل منكم بجزيل عطاء الملك وإن كثر فإنه إلى نفاد ولكن ليغبطني بما بقي لي شرفه وذكره إلى يوم القيامة فإذا قيل له وما ذاك قال ستعلمون نبأ ما أقول ولو بعد حين وفي ذلك يقول أمية بن عبد شمس ( جلبْنَا النُّصحَ تحمله المَطايا ... الى أكوارِ أجمالٍ ونُوقِ ) ( مغلغلةً مرافِقُها ثِقَالا ... الى صنعاءَ مِنْ فجٍّ عَمِيق ) ( تَؤُمُّ بنا ابْنَ ذِي يَزن ونُهدي ... مَخالِيهَا إلى أمَمِ الطريق ) ( فلما وافقتْ صَنْعاءَ صارَتْ ... بدارِ المُلْكِ والحَسَب العَرِيقِ ) أخبرني علي بن عبد العزيز قال حدثني عبد الله بن عبد الله بن خرداذبة قال كان أحمد بن سعيد بن قادم المعروف بالمالكي أحد القواد مع طاهر بن الحسين بن عبد الله بن طاهر فكان معه بالري وكان مع محله من خدمة السلطان مغنيا حسن الغناء وله صنعة فحضر مجلس طاهر بن عبد الله وهو متنزه بظاهر الري بموضع يعرف بشاذمهر وقيل بل حضره بقصره بالشاذياخ فغنى هذا الصوت ( اشْرَبْ هنيئاً عليك التاجُ مُرْتَفِقاً ... في رأس غمدان . . . . . البيت ) فقال ابن عباد الرازي في وقته من الشعر مثل ذلك المعنى وصنع فيه وغنى فيه أحمد بن سعيد لحنا من خفيف الرمل وهو صوت ( اشْرَبْ هنيئاً عليك التاجُ مُرْتَفِقاً ... بالشاذياخ ودَعْ غُمْدَان لِلَيمَنِ ) ( فأنتَ أوْلَى بتاج المُلْك تَلْبَسُه ... مِنْ هَوْذَة بن علي وابن ذي يزن ) فطرب طاهر فاستعاده مرات وشرب عليه حتى سكر وأسنى لأحمد بن سعيد الجائزة أما ذكره هوذة بن علي ولبسه التاج فإن السبب في ذلك أن كسرى توج هوذة بن علي الحنفي وضم إليه جيشا من الأساورة فأوقع ببني تميم يوم الصفقة يوم الصفقة أخبرني بالسبب في ذلك علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أبو سعيد السكري قال حدثنا ابن حبيب ودماذ عن أبي عبيدة قال ابن حبيب قال أبو سعيد وأخبرنا إبراهيم بن سعدان عن أبيه عن أبي عبيدة قال ابن حبيب وأخبرني ابن الأعرابي عن المفضل قال أبو سعيد قالوا جميعا كان من حديث يوم الصفقة أن باذام عامل كسرى باليمن بعث إلى كسرى عيرا تحمل ثيابا من ثياب اليمن ومسكا وعنبرا وخرجين فيهما مناطق محلاة وخفراء تلك العير فيما يزعم بعض الناس بنو الجعيد المراديون فساروا من اليمن لا يعرض لهم أحد حتى إذا كان بحمض من بلاد بني حنظلة بن يربوع وغيرهم أغاروا عليها فقتلوا من فيها من بني جعيد والأساورة واقتسموها وكان فيمن فعل ذلك ناجية بن عقال وعتبة بن الحارث بن شهاب وقعنب بن عتاب وجزء بن سعد وأبو مليل عبد الله بن الحارث والنطف بن جبير وأسيد بن جنادة فبلغ ذلك الأساورة الذين بهجر مع كزارجر المكعبر فساروا إلى بني حنظلة بن يربوع فصادفوهم على حوض فقاتلوهم قتالا شديدا فهزمت الأساورة وقتلوا قتلا شديدا ذريعا ويومئذ أخذ النطف الخرجين اللذين يضرب بهما المثل فلما بلغ ذلك كسرى استشاط غضبا وأمر بالطعام فادخر بالمشقر ومدينة اليمامة وقد أصابت الناس سنة شديدة ثم قال من دخلها من العرب فأميروه ما شاء فبلغ ذلك الناس قال وكان أعظم من أتاها بنو سعد فنادى منادي الأساورة لا يدخلها عربي بسلاح فأقيم بوابون على باب المشقر فإذا جاء الرجل ليدخل قالوا ضع سلاحك وامتر واخرج من الباب الآخر فيذهب به إلى رأس الأساورة فيقتله فيزعمون أنا خيبري بن عبادة بن النوال بن مرة بن عبيد - وهو مقاعس - قال يا بني تميم ما بعد السلب إلا القتل وأرى قوما يدخلون ولا يخرجون فانصرف منهم من انصرف من بقيتهم فقتلوا بعضهم وتركوا بعضا محتبسين عندهم هذا حديث المفضل وأما ما وجد عن ابن الكلبي في كتاب حماد الراوية فإن كسرى بعث إلى عامله باليمن بعير وكان باذام على الجيش الذي بعثه كسرى إلى اليمن وكانت العير تحمل نبعا فكانت تبذرق من المدائن حتى تدفع إلى النعمان ويبذرقها النعمان بخفراء من بني ربيعة ومضر حتى يدفعها إلى هوذة بن علي الحنفي فيبذرقها حتى يخرجها من أرض بني حنيفة ثم تدفع إلى سعد وتجعل لهم جعالة فتسير فيها فيدفعونها إلى عمال باذام باليمن فلما بعث كسرى بهذه العير قال هوذة للأساورة انظروا الذي تجعلونه لبني تميم فأعطونيه فأنا أكفيكم أمرهم وأسير فيها معكم حتى تبلغوا مأمنكم فخرج هوذة والأساورة والعير معهم من هجر حتى إذا كانوا بنطاع بلغ بني سعد ما صنع هوذة فساروا إليهم وأخذوا ما كان معهم واقتسموه وقتلوا عامة الأساورة وسلبوهم وأسروا هوذة بن علي فاشترى هوذة نفسه بثلاثمائة بعير فساروا معه إلى هجر فأخذوا منه فداءه ففي ذلك يقول شاعر بني سعد ( ومِنّا رئيسُ القَوْمِ ليلةَ أدلَجُوا ... بهَوْذَةَ مقرونَ اليدين إلى النَّحْرِ ) ( ورَدْنا به نَخْلَ اليمامةِ عانِياً ... عليه وَثاقُ القِدّ والحَلَقِ السُّمْرِ ) فعمد هوذة عند ذلك إلى الأساورة الذين أطلقهم بنو سعد وكانوا قد سلبوا فكساهم وحملهم ثم انطلق معهم إلى كسرى وكان هوذة رجلا جميلا شجاعا لبيبا فدخل عليه فقص أمر بني تميم وما صنعوا فدعا كسرى بكأس من ذهب فسقاه فيها وأعطاه إياها وكساه قباء ديباج منسوجا بالذهب واللؤلؤ وقلنسوة قيمتها ثلاثون ألف درهم وهو قول الأعشى ( له أكاليلُ بالياقوت فصَّلها ... صَوَّاغُها لا ترى عَيْباً ولا طَبَعا ) وذكر أن كسرى سأل هوذة عن ماله ومعيشته فأخبره أنه في عيش رغد وأنه يغزو المغازي فيصيب فقال له كسرى في ذلك كم ولدك قال عشرة قال فأيهم أحب إليك قال غائبهم حتى يقدم وصغيرهم حتى يكبر ومريضهم حتى يبرأ قال كسرى الذي أخرج منك هذا العقل حملك على أن طلبت مني الوسيلة وقال كسرى لهوذة رأيت هؤلاء الذين قتلوا أساورتي وأخذوا مالي أبينك وبينهم صلح قال هوذة أيها الملك بيني وبينهم حساء الموت وهم قتلوا أبي فقال كسرى قد أدركت ثأرك فكيف لي بهم قال هوذة إن أرضهم لا تطيقها أساورتك وهم يمتنعون بها ولكن احبس عنهم الميرة فإذا فعلت ذلك بهم سنة أرسلت معي جندا من أساورتك فأقيم لهم السوق فإنهم يأتونها فتصيبهم عند ذلك خيلك ففعل كسرى ذلك وحبس عنهم الأسواق في سنة مجدبة ثم سرح إلى هوذة فأتاه فقال ائت هؤلاء فاشفني منهم واشتف وسرح معهم جوار بودار ورجلا من أردشير خره فقال لهوذة سر مع رسولي هذا فسار في ألف أسوار حتى نزلوا المشقر من أرض البحرين وهو حصن هجر وبعث هوذة إلى بني حنيفة فأتوه فدنوا من حيطان المشقر ثم نودي إن كسرى قد بلغه الذي أصابكم في هذه السنة وقد أمر لكم بميرة فتعالوا فامتاروا فانصب عليهم الناس وكان أعظم من أتاهم بنو سعد فجعلوا إذا جاؤوا إلى باب المشقر أدخلوا رجلا رجلا حتى يذهب به إلى المكعبر فتضرب عنقه وقد وضع سلاحه قبل أن يدخل فيقال له ادخل من هذا الباب واخرج من الباب الآخر فإذا مر رجل من بني سعد بينه وبين هوذة إخاء أو رجل يرجوه قال للمكعبر هذا من قومي فيخليه له فنظر خيبري بن عبادة إلى قومه يدخلون ولا يخرجون وتؤخذ أسلحتهم وجاء ليمتار فلما رأى ما رأى قال ويلكم أين عقولكم فوالله ما بعد السلب إلا القتل وتناول سيفا من رجل من بني سعد يقال له مصاد وعلى باب المشقر سلسلة ورجل من الأساورة قابض عليها فضربها فقطعها ويد الأسوار فانفتح الباب فإذا الناس يقتلون فثارت بنو تميم ويقال إن الذي فعل هذا رجل من بني عبس يقال له عبيد بن وهب فلما علم هوذة أن القوم قد نذروا به أمر المكعبر فأطلق منهم مائة من خيارهم وخرج هاربا من الباب الأول هو والأساورة فتبعتهم بنو سعد والرباب فقتل بعضهم وأفلت من أفلت صوت ( إذا سلكتْ حورَانَ مِنْ رَمْل عالجٍ ... فقُولاَ لها ليس الطريقُ هنالكِ ) ( دَعُوا فَلجاتِ الشامِ قد حِيل دُونَها ... بضَرْبٍ كأفواه العِشار الأوارِكِ ) عروضه من الطويل الشعر لحسان بن ثابت والغناء لابن محرز ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول مطلق في مجرى البنصر وهذا الشعر يقوله حسان بن ثابت لقريش حين تركت الطريق الذي كانت تسلكه إلى الشام بعد غزوة بدر واستأجرت فرات بن حيان العجلي دليلا فأخذ بهم غيرها وبلغ النبي الخبر فأرسل زيد بن حارثة في سرية إلى العير فظفر بها وأعجزه القوم ذكر الخبر في سرية زيد بن حارثة أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا محمد بن سعد عن الواقدي قال كان سبب هذه الغزوة أن قريشا قالت قد عور علينا محمد متجرنا وهو على طريقنا وقال أبو سفيان وصفوان بن أمية إن أقمنا بمكة أكلنا رؤوس أموالنا فقال زمعة بن الأسود وأنا أدلكم على رجل يسلك بكم النجدة ولو سلكها مغمض العين لاهتدى فقال صفوان من هو قال فرات بن حيان العجلي فاستأجراه فخرج بهم في الشتاء فسلك بهم ذات عرق ثم سلك بهم على غمرة فانتهى إلى النبي خبر العير فخرج وفيها مال كثير وآنية من فضة حملها صفوان بن أمية فخرج زيد بن حارثة فاعترضها فظفر بالعير وأفلت أعيان القوم وكان الخمس عشرين ألفا فأخذه رسول الله فقسم الأربعة الأخماس على السرية وأتي بفرات بن حيان العجلي أسيرا فقيل له إن أسلمت لم يقتلك رسول الله فلما دعا به رسول الله أسلم فأرسله حدثنا محمد بن جرير الطبري قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق في خبر هذه السرية بمثل رواية الواقدي وزاد فيها فيما رواه إن قريشا لما خافت طريقها إلى الشام أخذت على طريق العراق وذكر أن الوقعة كانت على القردة ماء من مياه نجد أخبرني حرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني يعقوب بن محمد الزهري قال كتب إبراهيم بن هشام إلى هشام بن عبد الملك إن رأى أمير المؤمنين إذا فرغ من دعوة أعمامه بني عبد مناف أن يبدأ بدعوة أخواله بني مخزوم فكتب إن رضي بذلك آل الزبير فافعل فلما فرغ من إعطاء بني عبد مناف نادى مناديه ببني مخزوم فناداه عثمان بن عروة وقال ( إذا هبطتْ حورانَ مِنْ أرْض عالج ... فقُولاَ لها ليسَ الطَّريقُ هنالك ) فأمر مناديه فنادى بني أسد بن عبد العزى ثم مضى على الدعوة أخبرني محمد بن عبد الله الحضرمي إجازة قال حدثنا ضرار بن صرد قال حدثنا علي بن هشام عن عمار بن زريق عن أبي إسحاق عن عدي بن حاتم أن النبي أتي بفرات بن حيان فقال إني مسلم فقال لعلي صلوات الله عليه إن منكم من أكله إلى إيمانه منهم فرات بن حيان وأقطعه أرضا بالبحرين تغل ألفا ومائتين حدثني أحمد بن يوسف بن سعيد قال حدثنا محمد بن عبيد الله بن عتبة قال حدثنا موسى بن زياد الزيات قال حدثنا عبد الرحمن بن سليمان الأشل عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن جارية بن مضرب عن أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه قال أتى النبي بفرات بن حيان يوم الخندق وكان عينا للمشركين فأمر بقتله فقال إني مسلم فقال إن منكم من أتألفه على الإسلام وأكله إلى إيمانه منهم فرات بن حيان صوت ( إذا المرء لم يطلب معاشاً لِنَفْسِهِ ... شكى الفَقْر أو لامَ الصَّديِق فأكثرا ) ( وصار على الأَدْنَيْنِ كلاًّ وأوشكت ... صِلاَتُ ذَوِي القُرْبى له أن تَنَكَّرا ) ( فسر في بلادِ الله والتمسِ الغِنَى ... تَعِشْ ذَا يَسارٍ أو تموتَ فتُعذرا ) ( ولا تَرْضَ مِنْ عيش بدُونٍ ولا تنم ... وكيف يَنامُ الليلَ مَنْ كان مُعْسِرا ) عروضه من الطويل الشعر لأبي عطاء السندي والغناء لإبراهيم خفيف ثقيل بالوسطى من نسخة عمرو الثانية ذكر أبي عطاء السندي أبو عطاء اسمه أفلح بن يسار مولى بني أسد ثم مولى عنبر بن سماك ابن حصين الأسدي منشؤه الكوفة وهو من مخضرمي الدولتين مدح بني أمية وبني هاشم وكان أبوه يسار سنديا أعجميا لا يفصح وكان في لسان أبي عطاء لكنة شديدة ولثغة فكان لا يفصح وكان له غلام فصيح سماه عطاء وتكنى به وقال قد جعلتك ابني وسميتك بكنيتي فكان يرويه شعره فإذا مدح من يجتديه أو ينتجعه أمره بإنشاده ما قاله وكان ابن كناسة يذكر أنه كاتب مواليه وأنهم لم يعتقوه نماذج من شعره أخبرني بذلك محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن ابن كناسة قال كثر مال أبي عطاء السندي بعد أن أعتق فأعنته مواليه وطمعوا فيه وادعوا رقه فشكا ذلك إلى إخوانه فقالوا له كاتبهم فكاتبوه على أربعة آلاف وسعى له أهل الأدب والشعر فيها فتركهم وأتى الحر بن عبد الله القرشي وهو حليف لقريش لا من أنفسهم فقال فيه ( أتيتُك لا مِنْ قُرْبَةٍ هي بَيْنَنا ... ولا نعمةٍ قَدَّمتُها أستَثيبُها ) ( ولكن مع الرَّاجِين أن كنتَ مَوْرِداً ... إليه بُغَاةَ الدَّيْن تَهْفُو قلوبها ) ( أغِثْنِي بِسَجْلٍ مِنْ نَدَاك يكفُّني ... وقاك الرَّدَى مُرْدُ الرِّجَالِ وشِيبُها ) ( تسمى ابن عبدالله حرا لوصفه ... وتلك العلا يعنى بها من يصيبها ) فأعطاه أربعة آلاف درهم فأداها في مكاتبته وعتق أخبرني جعفر بن قدامة قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال كان أبو عطاء السندي يجمع بين لثغة ولكنة وكان لا يكاد يفهم كلامه فأتى سليمان ابن سليم فأنشده ( أعوزَتْني الرُّواةُ يابْنَ سُلِيم ... وأبى أنْ يقيم شِعْرِي لساني ) ( وغَلَى بالذي أُجَمْجِمُ صَدْرِي ... وجَفَاني بعُجْمَتي سلْطانِي ) ( وازْدَرَتْني العيونُ إذ كان لَوْنِي ... حالكاً مُجْتَوىً من الألوان ) ( فضربتُ الأمورَ ظَهْراً لبَطْنٍ ... كيف أحْتَالُ حِيلةً للساني ) ( وتمنيتُ أنني كنت بالشِّعْر ... فَصِيحاً وبانَ بَعْضُ بَناني ) ( ثم أصبحتُ قد أنخْتُ رِكابي ... عند رَحْبِ الفِنَاء والأعطان ) ( فاكفِني ما يَضِيقُ عنه رُوَاتي ... بفصيح مِنْ صَالحِ الغِلمان ) ( يُفْهِمُ الناسَ ما أقول من الشِّعر ... ِ فإنَّ البيانَ قَدْ أعياني ) ( فاعْتَمِدْني بالشكر يابْنَ سُلَيم ... في بلادِي وسائرِ البُلدان ) ( ستُوافيهُمُ قَصائدُ غُرٌّ ... فيك سَبَّاقةٌ لكل لسان ) ( فقديماً جعلتُ شكري جَزَاء ... كلّ ذِي نعمةٍ بما أوْلاَني ) ( لم تَزَلْ تشتري المحامِدَ قِدماً ... بالرَّبيح الغالي من الأَثمان ) فأمر له بوصيف بربري فصيح فسماه عطاء وتكنى به ورواه شعره فكان إذا أراد إنشاد مديح لمن يجتديه أو مذاكرة لشعره أنشده أبو عطاء يهجو عنبر الأسدي أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا ثعلب عن أبي العالية الحر بن مالك الشامي قال لما أثرى أبو عطاء أعنته مولاه عنبر بن سماك الأسدي حتى ابتاع نفسه منه فقال يهجوه ( إذا ما كنتَ متخذاً خليلاً ... فلا تَثِقَنْ بكلّ أخِي إخَاء ) ( وإنْ خُيِّرْتَ بينهمُ فألْصقْ ... بأهل العقل منهم والحياءِ ) ( فإنَّ العقل ليس له إذا ما ... تُذُوكِرَتِ الفَضَائِلُ مِنْ كِفاء ) ( وإنَّ النَّوْكَ للأحسابِ غُولٌ ... به تأوِي إلى دَاءٍ عَيَاء ) ( فلا تَثِقَنْ مِن النَّوكى بشَيْءٍ ... ولو كانوا بَنِي ماءِ السماء ) ( كعَنْبَرٍ الوثيقِ بناءَ بَيْتٍ ... ولكن عقلُه مِثْلُ الهَبَاء ) ( وليس بقابلٍ أدباً فَدَعْه ... وكن منه بمنقطعِ الرَّجَاء ) قال وكان أبو عطاء من شعراء بني أمية ومداحهم والمنصبي الهوى إليهم وأدرك دولة بني العباس فلم تكن له فيها نباهة فهجاهم وفي آخر أيام المنصور مات وكان مع ذلك من أحسن الناس بديهة وأشدهم عارضة وتقدما وشهد أبو عطاء حرب بني أمية وبني العباس فأبلى وقتل غلامه عطاء مع ابن هبيرة وانهزم هو وقيل بل كان أبو عطاء المقتول معه لا غلامه أخبرني الحسن بن علي عن أحمد بن الحارث عن المدائني قال كان أبو عطاء يقاتل المسودة وقدامه رجل من بني مرة يكنى أبا يزيد وقد عقر فرسه فقال لأبي عطاء أعطني فرسك حتى أقاتل عني وعنك وقد كانا أيقنا بالهلاك فأعطاه أبو عطاء فرسه فركبه المري ثم مضى وترك أبا عطاء فقال أبو عطاء في ذلك ( لعمرك إنني وأبا يزيد ... لكالساعي إلى وَضَح السَّرَابِ ) ( رأيْتُ مَخيلةً فطمعتُ فيها ... وفي الطمع المذلَّةُ للرِّقَاب ) ( فما أعياك مِنْ طلبٍ ورِزقٍ ... كما يعييك في سَرَق الدَّواب ) ( وأشهد أنْ مرَّة حيُّ صِدْقٍ ... ولكن لستَ منهم في النِّصاب ) أخبرني الحسن عن أحمد بن الحارث عن المدائني أن يحيى بن زياد الحارثي وحمادا الراوية كان بينهما وبين معلى بن هبيرة ما يكون مثله بين الشعراء والرواة من النفاسة وكان معلى بن هبيرة يحب أن يطرح حمادا في لسان شاعر يهجوه أبو عطاء وحماد الراوية قال حماد الراوية فقال لي يوما بحضرة يحيى بن زياد أتقول لأبي عطاء السندي أن يقول في زج وجرادة ومسجد بني شيطان قال فقلت له فما تجعله لي على ذلك قال بغلتي بسرجها ولجامها قلت فعدلها على يدي يحيى ابن زياد ففعل وأخذت عليه موثقا بالوفاء وجاء أبو عطاء السندي فجلس إلينا وقال مرهبا مرهبا هياكم الله فرحبت به وعرضت عليه العشاء فقال لا هاجة لي به فقال أعندكم نبيذ فأتيناه بنبيذ كان عندنا فشرب حتى احمرت عيناه واسترخت علابيه ثم قلت يا أبا عطاء إن إنسانا طرح علينا أبياتا فيها لغز ولست أقدر على إجابته البتة ومنذ أمس إلى الآن ما يستوي لي منها شيء ففرج عني قال هات فقلت ( أبن لي إنْ سُئلْتَ أبا عطاء ... يقيناً كيف علمُك بالمعانِي ) فقال ( خبيرٌ عالم فاسأَل تَجِدني ... بها طَبّاً وآياتِ المَثَانِي ) فقلت ( فما اسمُ حَدِيْدَةٍ في رأس رُمحٍ ... دُوَين الكَعْبِ ليست بالسِّنان ) فقال أبو عطاء ( هو الزُّزُّ الذي إن بات ضَيْفاً ... لصَدْرك لم تَزَلْ لك عَوْلتان ) قلت فرج الله عنك تعني الزج وقلت ( فما صفراء تُدْعى أمَّ عوف ... كأن رُجَيْلَتَيْها مِنْجلانِ ) فقال ( أردتَ زَرَادةً وأَزُنُّ زَنّا ... بأنَّكَ ما أردتَ سِوَى لساني ) قلت فرج الله عنك وأطال بقاءك تريد جرادة وأظن ظنا وقلت ( أتعرِف مسجداً لبني تميم ... فُوَيْقَ المِيل دُونَ بَني أبان ) فقال ( بنو سَيْطان دُونَ بني أبان ... كقُرْب أبيك من عَبْدِ المدان ) قال حماد فرأيت عينيه قد احمرتا وعرفت الغضب في وجهه وتخوفته فقلت يا أبا عطاء هذا مقام المستجير بك ولك النصف مما أخذته قال فاصدقني قال فأخبرته فقال لي أولى لك قد سلمت وسلم لك جعلك خذه بورك لك فيه ولا حاجة لي فيه فأخذته وانقلب يهجو معلى بن هبيرة مدح أبا جعفر فلم يثبه فهجاه أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني أن أبا عطاء مدح أبا جعفر فلم يثبه فأظهر الانحراف عنه لعلمه بمذهبه في بني أمية فعاوده بالمدح فقال له يا ماص كذا من أمه ألست القائل في عدو الله الفاجر نصر بن سيار ترثيه ( فاضَتْ دُموعي على نَصْرٍ وما ظلمت ... عينٌ تفيضُ على نصر بن سيَّارِ ) ( يا نَصْرُ مِنْ لِلِقاء الحرب إِن لَقِحَتْ ... يا نَصْرُ بعدك أو للضيف والجارِ ) ( الخِنْدفيّ الذي يَحْمِي حَقيقَتَه ... في كل يَوْم مخوف الشرِّ والعارِ ) ( والقائد الخَيْل قُبّاً في أعنَّتِها ... بالقوم حتى تلفَّ القار بالقار ) ( منْ كُلِّ أبيض كالمصباحِ مِنْ مُضَرٍ ... يَجْلُو بسُنَّته الظلماءَ لِلسَّارِي ) ( ماضٍ على الهَوْل مِقدام إذا اعترضت ... سُمْرُ الرِّماح وولّى كلُّ فَرَّارِ ) ( إنْ قالَ قَوْلاً وَفى بالقول مَوْعِدُه ... إنَّ الكنانيَّ وافٍ غَيْرُ غَدَّارِ ) والله لا أعطيك بعد هذا شيئا أبدا قال فخرج من عنده وقال عدة قصائد يذمه فيها منها ( فليت جَوْرَ بني مَرْوَان عادَ لَنا ... وليتَ عَدْلَ بني العبّاس في النار ) وقال أيضا ( ألَيس اللهُ يعلمُ أنَّ قلبي ... يُحِبُّ بني أُميّة ما استطاعا ) ( وما بي أنْ يكونوا أهل عَدْل ... ولكنّي رأيتُ الأَمْرَ ضاعا ) أخبرني الحسن قال حدثني الخراز عن المدائني قال كان أبو عطاء مع ابن هبيرة وهو يبني مدينته التي على شاطىء الفرات فأعطى ناسا كثيرا صلات ولم يعطه شيئا فقال ( قصائدُ حكتُهنَّ ليَوْمِ فَخْرٍ ... رَجَعْنَ إلي صُفْراً خَالياتِ ) ( رَجَعن وما أَفَأْنَ عليّ شيئاً ... سِوَى أنِّي وُعِدت التُّرَّهاتِ ) ( أقام على الفرات يزيد حَوْلاً ... فقال الناس أيّهما الفراتي ) ( فيا عجباً لبَحْرٍ باتَ يَسْقي ... جميعَ الخَلْقِ لم يَبْلُلْ لهَاتِي ) فقال له يزيد بن عمر بن هبيرة وكم يبل لهاتك يا أبا عطاء قال عشرة آلاف درهم فأمر ابنه بدفعها إليه فقال يمدح ابنه ( أَمَّا أبوكَ فَعَيْنُ الجودِ تعرفُه ... وأنتَ أشَبهُ خَلْقِ الله بالجودِ ) ( ولولا يزيدٌ ولولا قَبْله عمرٌ ... ألقَتْ إليك معدٌّ بالمَقَاليدِ ) ( ما ينبتُ العودُ إلا في أرُومته ... ولا يكون الجَنَي إلاَّ من العودِ ) أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد عن المدائني قال وهب نصر بن سيار لأبي عطاء جارية فلما أصبح غدا على نصر فقال ما فعلت أنت وهي فقال قد كان شيء مني منعني من بعض حاجتي - يعني النوم - فقال وهل قلت في ذلك شعرا قال نعم وأنشد ( إنّ النكاحَ وإن هَرِمْتَ لصالحٌ ... خَلَفٌ لَعَيْنِك مِن لذيذ المَرْقَدِ ) فقال نصر ( ذاك الشقاء فلا تَظُنَّنْ غَيْرَهُ ... ليس المشاهِدُ مِثْلَ مَنْ لم يَشْهَدِ ) فقال أصلحك الله إني قد امتدحتك فائذن لي أن أنشدك قال إني لفي شغل ولكن ائت تميما فأتاه فأنشده فحمله على برذون أبلق فقال له نصر من الغد ما فعل بك تميم فقال ( لئن كان أُغْلِقَ بابُ الندى ... فقد فُتِحَ البابُ بالأبلق ) ثم أنشده قوله ( وهيكلٍ يُقال في جَلالِهِ ... تقصُر أيْدي الناسِ عَنْ قَذالِه ) ( جَعَلْتُ أوصالي على أوصالِهِ ... إنّك حمّالٌ على أمثالِهِ ) أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني قال لما أمر أبو جعفر الناس بلبس السواد لبسه أبو عطاء فقال ( كُسِيتُ ولم أكفُرْ مِنَ الله نعمةً ... سواداً إلى لوني ودنّا مُلَهْوَجا ) ( وبايعتُ كرهاً بيعةً بعد بَيعة ... مُبَهرجة إن كان أمرٌ مبهرجا ) أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد عن المدائني قال بعث إبراهيم بن الأشتر إلى أبي عطاء ببيتين من شعر وسأله أن يضيف إليهما بيتين من رويهما وقافيتهما وهما ( وبلدةٍ يزدهي الجِنّانُ طارِقَها ... قطعتها بِكناز اللحْمِ مُعْتاطَهْ ) ( وَهْناً وقد حلّق النّسران أو كَرَباً ... وكانت الدلو بالجَوْزَاء مُنْتَاطَهْ ) فقال أبو عطاء ( فانجاب عنها قميصُ الليل فابتكَرت ... تسير كالفَحْلِ تحت الكُور لَطَّاطَهْ ) ( في أينُقٍ كلما حثّ الحداةُ لها ... بَدَتْ مناسِمُها هَوْجَاءَ حَطَّاطَهْ ) أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد عن المدائني قال كان سبب هجاء أبي دلامة بغلته أن أبا عطاء السندي هجاها فخاف أبو دلامة أن تشتهر بذلك وتعره فباعها وهجاها بقصيدته المشهورة قال وأبيات أبي عطاء فيها ( أبغلَ أبي دلامةَ متّ هَزْلاً ... عليه بالسخاء تُعَوِّلينا ) ( دوابّ الناس تقضُم مِلْمَخَالِي ... وأنْتِ مهانَةً لا تَقْضُمينا ) ( سَلِيه البيعَ واسْتَعْدي عليه ... فإنَّكِ إنْ تُباعِي تسمِنينا ) أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد عن المدائني قال كان أبو عطاء منقطعا في طريق مكة وخباؤه مطروح فمر به نهيك بن معبد العطاردي فقال لمن هذا الخباء الملقى فقيل لأبي عطاء السندي فبعث غلمانا له فضربوا له خباء وبعث إليه بألطاف وكسوة فقال من صنع هذا قالوا نهيك بن معبد فنادى بأعلى صوته يقول ( إذا كنتَ مُرْتَادَ الرجال لِنَفْعِهِم ... فنادِ بصَوْت يا نَهِيكُ بنَ مَعْبد ) فبعث إليه نهيك لا زدنا يا أبا عطاء فقال أبو عطاء إنما أعطيناك على قدر ما أعطيتنا فإن زدتنا زدناك والله أعلم نسخت من كتاب ابن الطحان قال الهيثم بن عدي أخبرنا حماد الراوية قال أنشدت أبا عطاء السندي في أثناء حديث هذا البيت ( إذا كنْتَ في حاجةٍ مُرسِلاً ... فأرْسِلْ حكيماً ولا تُوصِهِ ) فقال أبو عطاء بئس ما قال فقلت كيف تقول أنت قال أقول ( إذا أرسلتَ في أمرٍ رسولا ... فأفْهِمْه وأرسِلْه أدِيبا ) ( وإنْ ضيَّعْتَ ذاك فلا تَلُمْهُ ... على أن لم يكن عَلِمَ الغُيوبا ) شعره في مدح سليمان بن سليم نسخت من كتاب عبيد الله بن محمد اليزيدي قال الهيثم بن عدي عن حماد بن سلمة الكلبي قال دخل أبو عطاء السندي على سليمان بن سليم بن بشار فقال له ( أعوزَتْني الرُّواةُ يابن سُليم ... وأبى أن يقيمَ شِعْرِي لساني ) ( وغلا بالذي أُجَمْجِم صَدْري ... وشَكاني من عجمتي شيطاني ) ( وَعدَتْنِي العيونُ أن كان لَوْني ... حالكاً مُظْلِماً مِنْ الألوان ) ( وضربت الأمورَ ظَهْراً لبطن ... كيف أحتال حيلةً لِبَيَانِي ) ( فتمنّيت أنني كنْتُ بالشعر ... فصيحاً وبانَ بَعْضُ بناني ) ( ثم أصبحت قد أنخْتُ ركابي ... عند رحب الفِناء والأعطان ) ( فإلى مَن سِوَاك يابن سليم ... أشتكي كُرْبَتي وما قد عَناني ) ( فاكْفِني ما يضيق عنه ذراعي ... بفصيح مِنْ صالحي الغلمان ) ( يُفهم الناسَ ما أقول من الشعر ... فإنَّ البيان قد أعياني ) ( ثم خذني بالشكر يابن سُليم ... حيْثُ كانتْ دارِي من البلدان ) فأمر له بوصيف فصيح كان حسن الإنشاد فقال أبو عطاء أيضا ( فأقبلوا نحْوي معا بالقنا ... وكلّهم يسأل ما شأني ) ( فقلت شأني كلّه أنني ... في تعب من لفظ جُرْداني ) ( يابْنَ سليمَ أنْتَ لي عصمة ... من حدثٍ أفزع جيراني ) ( فقد رماني الدَّهْرُ عن فقره ... بسهم فقر غير لَغبان ) ( صادَ فُؤادي بعدما قد سلا ... فصرت كالمقتبِل العاني ) ( فانعَشْ فدَتْكَ النفس مني ومَن ... أطاعَني مِنْ جلّ إخواني ) ( وهبْ فدتك النفْسُ لي طَفلة ... يقمع حِرها رَأسَ شيطاني ) ( فإن أيري قد عَتَا واعتدى ... وصار يبغي بغيةَ الزَّاني ) ( فاللهَ ثم الله في قَمْعه ... من قبل أنْ أُمَنّى بسلطان ) ( يتركني أضحوكةً بعدما ... أضرب في سِرٍّ وإعْلانِ ) فأمر له بجارية قندهارية فارهة فقال ( أحصنني اللهُ بكفَّيْ فتى ... مهذّبٍ مِنْ سرّ قَحْطَان ) ( من حمير أهل السَّدى والندى ... وةعصمة الخائفِ والجانِي ) ( يا خَيْرَ خَلْقِ الله أنت الذي ... أيْأَسْتَ مِنْ فسقِي شيطاني ) أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا علي بن محمد النوفلي عن أبيه قال كنت جالسا مع سليمان بن مجالد وعنده أبو عطاء السندي إذ قام راوية أبي عطاء ينشد سليمان مديحا لأبي عطاء وأبو عطاء جالس لا يتكلم إذ قال الراوية في إنشاده ( فما فضلت يمينُك من يمين ... ولا فضلَتْ شمالُك عن شمال ) هكذا بالرفع فغضب أبو عطاء وقال ويلك فما مدهته إذا إنما هزوته يريد فما مدحته إنما هجوته ثم أنشده أبو عطاء ( فما فدَلت يمينَك من يمين ... ولا فدَلت شمالَك عن شمال ) فكدت أضحك ولم أجسر لأني رأيْتُ القوم جميعا بهم مثل ما بي وهم لا يضحكون خوفا منه حدثنا وكيع قال أخبرنا أحمد بن زهير قال حدثنا سليمان بن منصور قال حدثني صالح بن سليمان قال أبو عطاء السندي على نصر بن سيار فأنشده ( قالت تَرِيكة بَيْتِي وهي عاتِبةٌ ... إنَّ المقام على الإِفْلاسِ تعْذِيبُ ) ( ما بال همِّ دخيلٍ بات محتضراً ... رأس الفؤادِ فنوم العَيْنِ توجيبُ ) ( إني دعاني إليك الخَيْرُ مِنْ بلدي ... والخيرُ عنْدَ ذوي الأحساب مطلوبُ ) فأمر له بأربعين ألف درهم أخبرني محمد بن خلف وكيع والحسن بن علي قالا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني سليمان بن أبي شيخ عن صالح بن سليمان قال دخل إلى أبي عطاء السندي ضيف فأتاه بطعام فأكل وأتاه بشراب وجلسا يشربان فنظر أبو عطاء إلى الرجل يلاحظ جاريته فأنشأ يقول ( كُلْ هنيئاً وما شربت مَرِيئاً ... ثم قُمْ صاغراً وأنْتَ ذميمُ ) ( لا أحبُّ النديم يُومِض بالطَّرفِ ... إذا ما خلا لعِرْسِ النَّدِيمِ ) صوت ( تجولُ خلاخيلُ النساء ولا أرى ... لرَمْلَةَ خَلْخَالاً يَجول ُولا قُلبا ) ( أُحبّ بني العوَّام طُرّاً لحبِّها ... ومِنْ أجلها أحبَبْتُ أخوالها كَلْبا ) ( فإن تُسْلِمي نُسْلِم وإن تتنصَّري ... تخطّ رجالٌ بين أعينهم صُلْبا ) عروضه من الطويل الشعر لخالد بن يزيد بن معاوية يقوله في زوجته رملة بنت الزبير والغناء ليحيى المكي ثاني ثقيل أول بالوسطى من رواية ابنه وأبي العبيس وفيه لعبيد الله بن أبي غسان رمل وفيه لسعيد بن جابر خفيف رمل بالبنصر عن حبش ذكر خالد ورملة وأحبارهما وأنسابهما خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وكان من رجالات قريش سخاء وعارضة وفصاحة وكان قد شغل نفسه بطلب الكيمياء فأفنى بذلك عمره وأسقط نفسه وأم خالد بن يزيد أم هاشم بنت هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف أخبرني الطوسي وحرمي قالا حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب قال كان خالد بن يزيد بن معاوية يوصف بالعلم ويقول الشعر وزعموا أنه هو الذي وضع خبر السفياني وكبره وأراد أن يكون للناس فيه طمع حين غلبه مروان بن الحكم على الملك وتزوج أمه أم هاشم وهذا وهم من مصعب فإن السفياني قد رواه غير واحد وتتابعت فيه رواية الخاصة والعامة وذكر خبر أمره أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام وغيره من أهل البيت صلوات الله عليهم حدثني أبو عبد الله الصيرفي قال حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار قال حدثنا الحسن بن صالح عن أبي الأسود قال حدثنا صالح بن أبي الأسود يعني أباه عن عبد الجبار بن العباس الهمداني عن عمار الدهني قال قال أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام كم تعدون بقاء السفياني فيكم قلت حمل امرأة تسعة أشهر قال ما أعلمكم يا أهل الكوفة حدثني أبو عبد الله قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا الحسن بن صالح قال حدثنا منصور بن الأسود قال أتيت جابرا الجعفي أنا والأسود أخي فقلنا له إنا قوم نضرب في هذه التجارات وقد بلغنا أن الرايات قد قطع بها الفرات فماذا تشير علينا وماذا تأمرنا قال اذهبوا حيث شئتم من أرض الله تعالى حتى إذا خرج السفياني فأقبلوا عودكم على بدئكم أخبرني الطوسي وحرمي قالا حدثنا الزبير بن بكار عن عمه قال لما ولدت أم هاشم خالد بن يزيد بن معاوية تركت كنيتها واكتنت بخالد وقال فيها يزيد بن معاوية ( وما نحْنُ يومن استعبرَتْ أُمُّ خالدٍ ... بمَرضى ذوي داءٍ ولا بصِحَاحِ ) ولها يقول وقد قدم من المدينة وقد تزوج أم مسكين بنت عمر بن عاصم ابن عمر بن الخطاب فحملت إليه بالشام فأعجب بها وجفا أم خالد ودخل عليها وهي تبكي فقال ( مالك أُمّض خالدٍ تبكينْ ... مِنْ قَدَرٍ حلَّ بِكُمْ تَضجّين ) ( بَاعَتْ على بَيْعك أُمُّ مِسكينْ ... ميمونة مِنْ نِسوةٍ مَيَامينْ ) ( حَلَّتْ محَلَّكِ الَّذي تَحُلِّين ... زارتك مِنْ يثرب في جوارين ) ( في منزل كنت به تكونين ... ) أخبرني الطوسي وحرمي قالا حدثنا الزبير بن بكار عن عمه أن رملة بنت الزبير كانت أخت مصعب بن الزبير لأمه كانت أمهما أم الرباب بنت أنيف بن عبيد بن مصاد بن كعب بن عليم بن عتاب بن ذهل من كلب وإنما كانت قبل خالد بن يزيد عند عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى فولدت له عبد الله بن عثمان وهو زوج سكينة بنت الحسين بن علي عليهما السلام معاتبة الحجاج له قال الزبير فحدثني رجل عن عمر بن عبد العزيز وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال لما قتل ابن الزبير حج خالد بن يزيد بن معاوية فخطب رملة بنت الزبير بن العوام فأرسل إليه الحجاج حاجبه عبيد الله بن موهب وقال له ما كنت أراك تخطب إلى آل الزبير حتى تشاورني وكيف خطبت إلى قوم ليسوا لك بأكفاء وكذلك قال جدك معاوية وهم الذين قارعوا أباك على الخلافة ورموه بكل قبيحة وشهدوا عليه وعلى جدك بالضلالة فنظر إليه خالد طويلا ثم قال له لولا أنك رسول والرسول لا يعاقب لقطعتك إربا إربا ثم طرحتك على باب صاحبك قل له ما كنت أرى أن الأمور بلغت بك إلى أن أشاورك في خطبة النساء وأما قولك لي قارعوا أباك وشهدوا عليه بكل قببح فإنها قريش يقارع بعضها بعضا فإذا أقر الله عز و جل الحق قراره كان تقاطعهم وتراحمهم على قدر أحلامهم وفضلهم وأما قولك إنهم ليسوا بأكفاء فقاتلك الله يا حجاج ما أقل علمك بأنساب قريش أيكون العوام كفؤا لعبد المطلب بن هاشم بتزوجه صفية وبتزوج رسول الله خديجة بنت خويلد ولا تراهم أهلا لأبي سفيان فرجع الحاجب إليه فأعلمه شعره في رملة قال وقال عمر بن شبة في خبره قال خالد بن يزيد بن معاوية فيها ( أليس يزيد السيرُ في كل ليلة ... وفي كلّ يوم من أحبّتنا قُربا ) ( أحِنّ إلى بنت الزبير وقد عَلتْ ... بنا العِيسُ خَرقاً من تهامة أو نقبا ) ( إذا نزلت أرضاً تحبّبَ أهلها ... إلينا وإنْ كانت منازلها خرْبا ) ( وإن نزلت ماء وإن كان قَبْلَها ... مليحاً وجَدْنا ماءه بارِداً عَذْبا ) ( تجولُ خلاخيلُ النساءِ ولا أرَى ... لرَمْلَة خلخالا يجُولُ ولا قُلْبَا ) ( أقلّوا عليّ اللومَ فيها فإنني ... تخيَّرتُها منهم زُبيريةً قَلْبا ) ( أحبُّ بني العوّام طُرّاً لحبِّها ... ومِنْ حبها أحبَبْتُ أخوالها كلبا ) قال أبو زيد وزادوا في الأبيات ( فإن تُسْلِمي نُسْلِم وإن تتنصَّري ... تخطّ رجالٌ بين أعينهم صُلْبا ) فقال له عبد الملك تنصرت يا خالد قال وما ذاك فأنشده هذا البيت فقال له خالد على من قاله ومن نحلنيه لعنة الله أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة قال حدثني موسى بن سعيد بن سلم قال قدم الحجاج على عبد الملك فمر بخالد بن يزيد بن معاوية ومعه بعض أهل الشام فقال الشامي لخالد من هذا فقال خالد كالمستهزئ هذا عمرو بن العاص فعدل إليه الحجاج فقال إني والله ما أنا بعمرو بن العاصي ولا ولدت عمرا ولا ولدني ولكني ابن الغطاريف من ثقيف والعقائل من قريش ولقد ضربت بسيفي هذا أكثر من مائة ألف كلهم يشهد أنك وأباك من أهل النار ثم لم أجد لذلك عندك أجرا ولا شكرا وانصرف عنه وهو يقول عمرو بن العاصي عمرو بن العاصي أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني قال حدثنا عبد الله بن مسلم القرشي عن مطر مولى يزيد بن عبد الملك أن محمد بن عمرو بن سعيد بن العاصي قدم الشام غازيا فأتى عمته أمية بنت سعيد وهي عند خالد بن يزيد بن معاوية فدخل خالد فرآه فقال ما يقدم علينا أحد من أهل الحجاز إلا اختار المقام عندنا على المدينة فظن محمد أنه يعرض به فقال له وما يمنعهم من ذلك وقد قدم قوم من أهل المدينة على النواضح فنكحوا أمك وسلبوك ملكك وفرغوك لطلب الحديث وقراءة الكتب وعمل الكيميا الذي لا تقدر عليه انتهى أمه تقتل زوجها مروان بن الحكم أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخراز عن المدائني عن أبي أيوب القرشي عن يزيد بن حصين بن نمير أن مروان بن الحكم تزوج أم خالد بن يزيد بن معاوية فناظر خالدا يوما وأراد أن يضع منه في شيء جرى بينهما فقال له يابن الرطبة فقال له خالد إنك لأمي مختبر وأنت بهذا أعلم ثم أتى أمه فأخبرها وقال أنت صنعت بي هذا فقالت له دعه فإنه لا يقولها لك بعد اليوم فدخل مروان عليهما فقال لها هل أخبرك خالد بشيء فقالت يا أمير المؤمنين خالد أشد تعظيما لك من أن يذكر لي خبرا جرى بينك وبينه فلما أمسى وضعت مرفقة على وجهه وقعدت عليها وهي وجواريها حتى مات وأراد عبد الملك قتلها وبلغها ذلك فقالت أما إنه اشد عليك أن يعلم الناس أن أباك قتلته امرأة فكف عنها أخبرني محمد قال حدثني الخراز عن المدائني قال وأخبرني الطوسي عن الزبير عن المدائني عن جويرية قال نشزت سكينة بنت الحسين بن علي عليهما السلام على زوجها عبد الله ابن عثمان - وأمه رملة بنت الزبير - فدخلت رملة على عبد الملك بن مروان وهو عند خالد بن يزيد بن معاوية فقالت يا أمير المؤمنين لولا أن يبتز أمرنا ما كانت لنا رغبة فيمن لا يرغب فينا سكينة بنت الحسين عليه السلام قد نشزت على ابني قال يا رملة إنها سكينة قالت وإن كانت سكينة فوالله لقد ولدنا خيرهم ونكحنا خيرهم وأنكحنا خيرهم تعني بمن ولدوا فاطمة بنت رسول الله ومن نكحوا صفية بنت عبد المطلب ومن أنكحوا النبي فقال يا رملة غرني منك عروة بن الزبير فقالت ما غرك ولكن نصح لك لأنك قتلت أخي مصعبا فلم يأمني عليك أخبرني الطوسي قال حدثني عمي مصعب قال تزوج خالد بن يزيد بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام فقال فيها ( جاءتْ بها دُهْمُ البغال وشهبها ... مقنّعة في جَوْفِ حِدْجٍ مُخدَّرِ ) ( مقابلةً بين النبيّ محمد ... وبين عليّ والحَوَارِي وجَعْفَرِ ) ( مَنافِيَّةً جادَت بخالِص وُدّها ... لعبدٍ مَنافيّ أغَرّ مُشهَّرِ ) قال مصعب ومن الناس من ينكر تزويجه إياها ومما يثبته قول شديد بن شداد بن عامر بن لقيط بن جابر بن وهيب بن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي لعبد الملك بن مروان هذا يعيره بخالد في تزويجه بنت الزبير وبنت عبد الله بن جعفر قال ( لا يستوي الحَبْلاَن حَبْلٌ تَلَبَّست ... قُواهُ وحَبْل قد أُمِرّ شَديدُ ) ( عليك أمير المؤمنين بخالدٍ ... ففي خالدٍ عما تُرِيدُ صُدُودُ ) ( إذا ما نَظَرْنا في مناكح خالدٍ ... عَرَفْنا الذي يَهْوَى وحَيثُ يُريدُ ) خالد يشكو الوليد إلى أبيه عبد الملك أخبرنا الطوسي قال حدثنا الزبير قال حدثني مصعب بن عثمان قال دخل عبد الله بن بزيد بن معاوية على أخيه خالد فقال لقد هممت اليوم بقتل الوليد بن عبد الملك فقال له خالد بئس ما هممت به في ابن أمير المؤمنين وولي عهد المسلمين قال إنه لقي خيلي فنفرها وتلاعب بها فقال له خالد أنا أكفيكه إن شاء الله فدخل خالد على عبد الملك وعنده الوليد فقال له يا أمير المؤمنين إن ولي عهد المسلمين الوليد ابن أمير المؤمنين لقي خيل ابن عمه عبد الله بن يزيد فنفرها وتلعب بها فشق ذلك على عبد الله فنكس عبد الملك رأسه وقرع الأرض بقضيب في يده ثم رفع رأسه إليه فقال ( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون ) فقال له خالد ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) فقال له عبد الملك أتكلمني فيه وقد دخل علي لا يقيم لسانه لحنا فقال له خالد يا أمير المؤمنين أفعلى الوليد تعول في اللحن فقال عبد الملك إن يكن الوليد لحانا فأخوه سليمان قال خالد وإن يكن عبد الله لحانا فأخوه خالد قال الوليد لخالد أتكلمني ولست في عير ولا نفير قال ألا تسمع يا أمير المؤمنين ما يقول هذا أنا والله ابن العير والنفير سيد العير جدي أبو سفيان وسيد النفير جدي عتبة بن ربيعة ولكن لو قلت حبيلات - يعني حبلة العنب - وغنيمات والطائف لقلنا صدقت ورحم الله عثمان هذا آخر الحديث قال مؤلف هذا الكتاب يعيره بأم مروان وأنها من الطائف ويعيره بالحكم وأن رسول الله طرده إلى الطائف وترحم على عثمان لرده إياه ضعف معاوية بن مروان حدثني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن إسحاق بن أيوب أن معاوية بن مروان كان ضعيفا فقال له خالد بن يزيد يا أبا المغيرة ما الذي هونك على أخيك فلا يوليك ولاية قال لو أردت لفعل قال كلا قال بلى والله قال فسله أن يوليك بيت لهيا قال نعم فغدا على عبد الملك فقال له معاوية يا أمير المؤمنين ألست أخاك قال بلى والله إنك لأخي وشقيقي قال فولني بيت لهيا قال متى عهدك بخالد قال عشية أمس قال إياك أن تكلمه ودخل خالد فقال له كيف أصبحت يا أبا المغيرة قال قد نهانا هذا عن كلامك فغلب على عبد الملك الضحك فقام وتفرق الناس قال وأفلت لمعاوية هذا باز فصاح أغلقوا أبواب المدينة لا يخرج قال وقال له رجل أنت الشريف ابن أمير المؤمنين وأخو أمير المؤمنين وابن عم أمير المؤمنين عثمان وأمك عائشة بنت معاوية قال فأنا إذا مردد في بن اللخناء تردادا أخبرني الطوسي عن الزبير عن عمه قال كان خالد بن يزيد يتعصب لكلب على قيس في الحرب التي كانت بينهم لأن كلبا أخوال أبيه يزيد وأخوال زوجته فقال شاعر قيس ( يا خالد بن أبي سفيان قد قَرِحَتْ ... منّا القلوبُ وضاقَ السَّهْلُ والجَبَلُ ) ( أأنت تَأْمرُ كَلْباً أنْ تقاتِلَنا ... جَهْلاً وتمنعهم منّا إذا قَتَلُوا ) ( ها إنّ ذا لا يُقِرّ الطير ساكنةً ... ولا تَبرَّك مِنْ نكرائِه الإِبلُ ) صوت ( خَمْسٌ دَسَسْنَ إليَّ في لَطَفٍ ... حُور العيون نواعمٌ زُهرُ ) ( فطرقتهنّ مع الجَرِيِّ وقد ... نام الرَّقِيبُ وحَلَّقَ النَّسرُ ) عروضه من الكامل الشعر للأحوص والغناء لمعبد رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق خبر للأحوص أخبرني حرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير بن بكار قال أخبرني إبراهيم بن عبد الرحمن قال حدثني إسماعيل بن محمد المخزومي قال اجتمع نسوة عند امرأة من أهل المدينة فقلن أرسلي إلي الأحوص فإنا نحب أن نتحدث معه ونسمع من شعره فقالت لهن إذا لا يزيدكن على أن يخرج إذا عرفكن فيشهركن وينظم الشعر فيكن فلم يزلن بها حتى أرسلت إليه رسولا يذكر له أمرهن ولا يسميهن ويقول له أن يأتيهن مخمر الرأس ففعل وتحدث معهن وأنشدهن فلما أراد الخروج وضع يده في تور بين أيديهن في خلوق فغطى رأسه وخرج ووضع يده على الباب ثم تفقد الموضع الذي كان فيه فغدا إليه وطاف حتى وجد أثر يده في الباب فقال ( خَمْسٌ دَسَسْنَ إليّ في لَطفٍ ... حورُ العيون نواعمٌ زُهْرُ ) ( فطرقتهنَّ مع الجَرِيّ وقد ... نام الرقيبُ وحَلّق النسر ) ( مستبطناً للحيّ إذ قرعوا ... عَضْباً يَلُوحُ بمَتْنِه أثر ) ( فعكفْن ليلتهن ناعِمَة ... ثم استفَقْنَ وقد بَدَا الفَجْرُ ) ( بأشَمْ معسول فكاهته ... غضّ الشبابِ رداؤه غَمْر ) ( رَزْنٍ بَعِيد الصَّوْت مُشْتَهر ... جِيبت له جَوْب الرحى عَمْرو ) ( قامت تخاصِرُه لكِلَّتِها ... تمشي تَأوَّدُ غادة بكرُ ) ( فتنازعا مِن دُونِ نسوتها ... كَلِماً يَسُرُّ كأَنه سِحْرُ ) ( كلٌّ يَرَى أّنْ الشَّبابَ له ... في كل غايةِ صَبوةٍ عُذُْ ) ( سَيْفَانَةٌ أمْرُ الشباب بها ... رَقراقةٌ لم يُبْلها الدَّهرُ ) ( حتى إذا أبدى هَوَاهُ لها ... وبَدَا هواها مالَهُ سِتْر ) ( سَفَرَتْ وما سَفَرَتْ لمعرفة ... وجْهاً أَغرَّ كأّنَّهُ البَدْرُ ) قال إسماعيل بن محمد فخرجت وأنا شاب ومعي شباب نريد مسجد رسول الله فذكرنا حديث الأحوص وشعره وقدامنا عجوز عليها بقايا من الجمال فلما بلغنا المسجد وقفت علينا والتفتت إلينا وقالت يا فتيان أنا والله إحدى الخمس كذب ورب هذا القبر والمنبر ما خلت معه واحدة منا ولا راجعته دون نسوتها كلاما قال الزبير وحدثني غير إبراهيم بن عبد الرحمن أن نسوة من أهل المدينة نذرن مشيا إلى قباء وصلاة فيه فخرجن ليلا فطال عليهن الليل فنمن فجاءهن الأحوص متكئا على عرجون ابن طاب فتحدث معهن حتى أصبح ثم انصرف وانصرفن فقال قصيدته ( خَمْسٌ دَسَسْنَ إليّ في لَطفٍ ... حورُ العيون نواعمٌ زُهْرُ ) وحدثني عمي عن أبيه قال قال حبيب بن ثابت صدرت إلى العقيق فخلا لي الطريق فأنشدت أبيات الأحوص هذه وعجوز سوداء قاعدة ناحية تسمع ما أقول ولا أشعر بها فقالت كذب والله يا سيدي إن سيفه ليلتئذ لعرجون ابن طاب يتخصر به وإني لرسولهن إليه قال الزبير وحدثني عمي عن أبيه عن الزبير بن حبيب قال كنت أنشد قول الأحوص ( خَمْسٌ دَسَسْنَ إليّ في لَطفٍ ... ) قال فإذا نسوة فيهن عجوز سوداء فأقبلن على العجوز فقلن لها لمن هذا الشعر قالت للأحوص فقلت للأحوص لعمري فقالت لهن أنا والله الجري خرج نسوة يصلين في مسجد قباء ثم تحدثن في رحبة المسجد في ليلة مقمرة فقلن لو كان عندنا الأحوص فخرجت حتى أتيتهن به وهو متخصر بعرجون ابن طاب فتحدث معهن حتى دنا الصبح فقلن له لا تذكر خبرنا ولا تذكر إلا خيرا قال قد فعلت وأنشدهن تلك الساعة من الليلة تلك الأبيات ثم استمرت بأفواه الناس تغنى ( خَمْسٌ دَسَسْنَ إليّ في لَطفٍ ... ) الأبيات كلها والله ما قامت معه امرأة ولا كان بينه وبين واحدة منهن سر صوت ( يابْنَةَ الجُودِيّ قَلْبِي كئِيبُ ... مُسْتَهامٌ عندها ما يُنِيبُ ) ( ولقد قالوا فقُلت دَعُوهَا ... إنَّ مَنْ تَنْهَوْنَ عنه حَبيب ) ( إنما أبْلَى عِظَامي وجسْمِي ... حبُّها والحبُّ شيءٌ عجيبُ ) عروضه من الرمل الشعر لعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه والغناء لمعبد ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لمالك خفيف ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه رمل بالسبابة في مجرى الوسطى لم ينسبه إسحاق إلى أحد وذكر أحمد بن يحيى المكي أنه لأبيه يحيى والله أعلم ذكر عبد الرحمن بن أبي بكر وخبره وقصة بنت الجودي عبد الرحمن بن أبي بكر واسم أبي بكر رضي الله عنه عبدالله - وكان اسمه في الجاهلية عتيقا فسماه رسول الله عبد الله - بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار وكان اسم عبد الرحمن عبد العزى فسماه رسول الله عبد الرحمن وأمه وأم عائشة أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة بن خزيمة هذا قول الزبير وعمه وحكى إبراهيم بن موسى أنها بنت عويمر بن عتاب بن دهمان بن الحارث ابن غنم صحبته بالنبي وروي عن محمد بن عبد الرحمن المرواني أنها بنت عامر بن عويمر بن أذينة بن سبيع بن الحارث بن دهمان بن غنم بن مالك بن كنانة ولعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه صحبة بالنبي ولم يهاجر مع أبيه صغرا عن ذلك فبقي بمكانه ثم خرج قبل الفتح مع فتية من قريش وقيل بل كان إسلامه في يوم الفتح وإسلام معاوية بن أبي سفيان في وقت واحد غير مدفوع انتهى أخبرني الطوسي وحرمي بن أبي العلاء قالا حدثنا الزبير قال حدثني إبراهيم بن حمزة عن سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان أن عبد الرحمن بن أبي بكر خرج في فتية من قريش مهاجرا إلى النبي قبل الفتح قال وأحسبه قال إن معاوية كان معهم قال الزبير وحدثني عمي مصعب قال وقف محكم اليمامة على ثلمة فحماها فلم يجز عليه أحد فرماه عبد الرحمن بن أبي بكر فقتله وكان أحد الرماة فدخل المسلمون من تلك الثلمة وهو المخاطب لمروان يوم دعا إلى بيعة يزيد والقائل إنما تريدون أن تجعلوها كسروية أو هرقلية كلما هلك كسرى أو هرقل ملك كسرى أو هرقل فقال مروان أيها الناس هذا الذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي فصاحت به عائشة ألعبد الرحمن تقول هذا كذبت والله ما هو به ولو شئت أن أسمي من أنزلت فيه لسميته ولكن أشهد أن رسول الله لعن أباك وأنت في صلبه فأنت فضض من لعنة الله حدثنا بذلك أحمد بن الجعد قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثنا وهب بن جرير عن جويرية بن أسماء وفي غير رواية أن عائشة قالت له يا مروان أفينا تتأول القرآن وإلينا تسوق اللعن والله لأقومن يوم الجمعة بك مقاما تود أني لم أقمه فأرسل إليها بعد ذلك وترضاها واستعفاها وحلف ألا يصلي بالناس أو تؤمنه ففعلت هيامه بليلى بنت الجودي وشعره فيها أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا عبد العزيز بن عمران عن عبد الله بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأخبرني الطوسي قال حدثنا الزبير قال حدثنا محمد بن الضحاك عن أبيه عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال استهيم عبد الرحمن بن أبي بكر بليلى بنت الجودي بن عدي بن عمرو بن أبي عمرو الغساني فقال فيها ( تذكرتُ ليلى والسماوةُ دُونَها ... وما لابنَةِ الجُودِيِّ ليلى ومَا لِيا ) ( وأنِّى تُعاطِي قلبه حَارِثِيَّةً ... تحلُّ بِبُصْرَى أو تحل الجَوَابيا ) ( وكيف يُلاَقيها بلَى ولعَلَّها ... إذا الناسُ حجّوا قابلاً أن تلاقيا ) قال أبو زيد وقال فيها ( يابْنَةَ الجُودِيّ قَلْبِي كَئِيبُ ... مُسْتَهامٌ عندها ما يُنِيبُ ) ( جاورْتُ أخوالها حَيَّ عَكٍّ ... فلِعَكٍّ من فؤادِي نَصِيب ) وقد ذكرنا باقي الأبيات فيما تقدم قال الزبير في خبره وكان قدم في تجارة فرآها هناك على طنفسة حولها ولائد فأعجبته وقال أبو زيد في خبره فقال له عمر ما لك ولها يا عبد الرحمن فقال والله ما رأيتها قط إلا ليلة في بيت المقدس في جوار ونساء يتهادين فإذا عثرت إحداهن قالت بابنة الجودي فإذا حلفت إحداهن حلفت بابنة الجودي فكتب عمر إلى صاحب الثغر الذي هي به إذا فتح الله عليكم دمشق فقد غنمت عبد الرحمن بن أبي بكر ليلى بنت الجودي فلما فتح الله عليهم غنموه إياها قالت عائشة فكنت أكلمه فيما يصنع بها فيقول يا أخيه دعيني فوالله لكأني أرشف من ثناياها حب الرمان ثم ملها وهانت عليه فكنت أكلمه فيما يسيء إليها كما كنت أكلمه في الإحسان إليها فكان إحسانه أن ردها إلى أهلها قال الشيخ في خبره فقالت له عائشة يا عبد الرحمن لقد أحببت ليلى فأفرطت وأبغضت ليلى فأفرطت فإما أن تنصفها وإما أن تجهزها إلى أهلها فجهزها إلى أهلها قال الزبير وحدثني عبد الله بن نافع الصائغ عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب نفل عبد الرحمن بن أبي بكر بنت الجودي حين فتح دمشق وكانت بنت ملك دمشق أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الصلت بن مسعود قال حدثنا محمد بن شيرويه عن سليمان بن صالح قال قرأت على عبد الله بن المبارك عن مصعب بن ثابت عن عبد الله بن الزبير عن عائشة بنت مصعب عن عروة بن الزبير قال كانت ليلى بنت الجودي بنت ملك من ملوك الشام فشبب بها عبد الرحمن بن أبي بكر وكان قد رآها فيما تقدم بالشام فلما فتح الله عز و جل على المسلمين وقتلوا أباها أصابوها فقال المسلمون لأبي بكر يا خليفة رسول الله أعط هذه الجارية عبد الرحمن فقد سلمناها له قال أبو بكر أكلكم على هذا قالوا نعم فأعطاه وكان لها بساط في بلدها لا تذهب إلى الكنيف ولا إلى الحاجة إلا بسط لها ورمي بين يديها برمانتين من ذهب تتلهى بهما في طريقها فكان عبد الرحمن إذا خرج من عندها ثم رجع إليها رأى في عينيها أثر البكاء فيقول ما يبكيك اختاري خصالا أيها شئت فعلت بك إما أن أعتقك وأنكحك فتقول لا أشتهيه وإن شئت رددتك على قومك قالت ولا أريد وإن أحببت رددتك على المسلمين قالت لا اريد قال فأخبريني ما يبكيك قالت أبكي الملك من يوم البؤس أخبرني أحمد قال حدثني أبو زيد قال حدثني هارون بن إبراهيم بن معروف قال حدثني حمزة بن ربيعة عن العلاء بن هارون عن عبد الله بن عون عن يحيى بن يحيى الغساني أن عبد الرحمن قدم على يعلى بن منية وهو على اليمن فوجدها في السبي فسأله أن يدفعها إليه أخبرني أحمد قال حدثنا عمر قال كتب إلي محمد بن زياد بن عبيد الله يذكر أن عبد الرحمن قال فيها ( فإمَّا تًصبِحي بعد اقترابٍ ... بسلْع أو ثنيّات الوَدَاعِ ) ( فلم ألفظك مِنْ شبَعٍ ولكن ... لأقضي حاجةَ النفس الشَّعاع ) ( كأنَّ جوانِحَ الأضلاعِ مِنّي ... بُعيْدَ النوم مُبْطَنَة اليَرَاعِ ) موته ورثاء عائشة له أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا عبد الله بن لاحق عن أبي مليكة قال مات عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه بالحبشي جبل من مكة على أميال فحمل فدفن بمكة فقدمت عائشة فوقفت على قبره ثم قالت ( وكُنَّا كنَدْمانيْ جذِيمةَ حِقْبَةً ... من الدَّهْرِ حتى قِيل لن يتصدَّعا ) ( فلما تفرَّقْنا كأنّي ومَالِكاً ... لطُولِ اجْتِمَاعٍ لم نَبِتْ ليلةً معا ) أما والله لو حضرتك لدفنتك حيث مت ولو شهدتك لزرتك صوت ( أماوِيّ إنّ المالَ غادٍ ورَائحٌ ... ويَبْقَى مِنَ المالِ الأحاديثُ والذِّكْرُ ) ( وقد عَلِمَ الأقوامُ لو أنَّ حاتماً ... أرادَ ثَرَاء المالِ أمْسَى له وَفْرُ ) ( أماوِيَّ إنْ يُصْبِحْ صَدايَ بقَفْرَةٍ ... مِنَ الأرضِ لا ماءٌ لديَّ ولا خَمْرُ ) ( تَرَى أنَّ ما أنفقتُ لم يكُ ضائِري ... وأنَّ يَدي مما بخِلْتُ به صِفْرُ ) عروضه من الطويل الثراء الكثرة في المال وفي عدد القوم أيضا والوفر الغنى ووفور المال والصدى ها هنا كان أهل الجاهلية يذكرون أن طائرا يخرج من جسم الإنسان أو من رأسه فإذا قتل أقبل يصوت على قبره حتى يدرك بثأره والصفر الخالي والصدى العطش والصدى ما يجيب إذا صوت في المكان الخالي وصدأ الحديد مهموز الشعر لحاتم الطائي والغناء لإسحاق رمل بالسبابة في مجرى البنصر وذكر الهشامي أن فيه ثقيلا أول ولمالك خفيفا وذكر حبش أن فيه لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى وذكر عمرو بن بانة أن فيه لابن جامع خفيف رمل بالوسطى أخبار حاتم ونسبه ذكر ابن الأعرابي عن المفضل والأثرم عن أبي عمرو الشيباني وابن الكلبي عن أبيه والسكري عن يعقوب بن السكيت أنه حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم بن أبي أخزم واسمه هزومه بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيىء وقال يعقوب بن السكيت إنما سمي هزومة لأنه شج أو شج وإنما سمي طيىء طيئا - واسمه جلهمة - لأنه أول من طوى المناهل وهو ابن أدد بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان ويكنى حاتم أبا سفانة وأبا عدي كني بذلك بابنته سفانة وهي أكبر ولده وبابنه عدي بن حاتم وقد أدركت سفانة وعدي الإسلام فأسلما وأتى بسفانة النبي في أسرى طيىء فمن عليها أخبرني بذلك أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني عبد الله بن عمرو بن أبي سعد قال حدثني سليمان بن الربيع بن هشام الكوفي - ووجدته في بعض نسخ الكوفيين عن سليمان بن الربيع - أتم من هذا فنسخته وجمعتهما قال حدثنا عبد الحميد بن صالح الموصلي البرجمي قال حدثنا زكريا بن عبد الله بن يزيد الصهباني عن أبيه عن كميل بن زياد النخعي عن علي عليه السلام قال يا سبحان الله ما أزهد كثيرا من الناس في الخير عجبت لرجل يجيئه أخوه في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا فلو كنا لا نرجو جنة ولا نخاف نارا ولا ننتظر ثوابا ولا نخشى عقابا لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق فإنها تدل على سبيل النجاة فقام رجل فقال فداك أبي وأمي يا أمير المؤمنين أسمعته من رسول الله قال نعم وما هو خير منه لما أتينا بسبايا طيىء كانت في النساء جارية حماء حوراء العينين لعساء لمياء عيطاء شماء الأنف معتدلة القامة درماء الكعبين خدلجة الساقين لفاء الفخذين خميصة الخصر ضامرة الكشحين مصقولة المتنين فلما رأيتها أعجبت بها فقلت لأطلبنها إلى رسول الله ليجعلها من فيئي فلما تكلمت أنسيت جمالها لما سمعت من فصاحتها فقالت يا محمد هلك الوالد وغاب الوافد فإن رأيت أن تخلي عني فلا تشمت بي أحياء العرب فإني بنت سيد قومي كان أبي يفك العاني ويحمي الذمار ويقري الضيف ويشبع الجائع ويفرج عن المكروب ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط أنا بنت حاتم طيىء فقال لها رسول الله يا جارية هذه صفة المؤمن لو كان أبوك إسلاميا لترحمنا عليه خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق والله يحب مكارم الأخلاق وأم حاتم عتبة بنت عفيف بن عمرو بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم وكانت في الجود بمنزلة حاتم لا تدخر شيئا ولا يسألها أحد شيئا فتمنعه سخاء أم حاتم أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا الحرمازي عن العباس ابن هشام عن أبيه قال كانت عتبة بنت عفيف وهي أم حاتم ذات يسار وكانت من أسخى الناس وأقراهم للضيف وكانت لا تليق شيئا تملكه فلما رأى إخوتها إتلافها حجروا عليها ومنعوها مالها فمكثت دهرا لا يدفع إليها شيء منه حتى إذا ظنوا أنها قد وجدت ألم ذلك أعطوها صرمة من إبلها فجاءتها امرأة من هوازن كانت تأتيها في كل سنة تسألها فقالت لها دونك هذه الصرمة فخذيها فوالله لقد عضني من الجوع ما لا أمنع معه سائلا أبدا ثم أنشأت تقول ( لعَمْرِي لَقِدْماً عضَّني الجوعُ عَضَّةً ... فآلَيْتُ ألاَّ أمنَع الدَّهْرَ جائعا ) ( فقُولاَ لهذا اللائمي اليومَ أعفِني ... فإن أنْتَ لم تفعَلْ فعَضّ الأصابِعَا ) ( فماذا عساكم أن تقُولُوا لأختكم ... سِوَى عَذْلِكم أو عَذْلِ مَنْ كان مانعا ) ( وماذا ترَوْنَ اليومَ إلاّ طبيعةً ... فكيف بتَرْكي يابْنَ أُمِّ الطَّبَائعا ) قال ابن الكلبي وحدثني أبو مسكين قال كانت سفانة بنت حاتم من أجود نساء العرب وكان أبوها يعطيها الصرمة بعد الصرمة من إبله فتنهبها وتعطيها الناس فقال لها حاتم يا بنية إن القرينين إذا اجتمعا في المال أتلفاه فإما أن أعطي وتمسكي أو أمسك وتعطي فإنه لا يبقى على هذا شيء أخبار في كرم حاتم قال ابن الأعرابي كان حاتم من شعراء العرب وكان جوادا يشبه شعره جوده ويصدق قوله فعله وكان حيثما نزل عرف منزله وكان مظفرا إذا قاتل غلب وإذا غنم أنهب وإذا سئل وهب وإذا ضرب بالقداح فاز وإذا سابق سبق وإذا أسر أطلق وكان يقسم بالله ألا يقتل واحد أمه وكان إذا أهل الشهر الأصم الذي كانت مضر تعظمه في الجاهلية ينحر في كل يوم عشرا من الإبل فأطعم الناس واجتمعوا إليه فكان ممن يأتيه من الشعراء الحطيئة وبشر بن أبي خازم فذكروا أن أم حاتم أوتيت وهي حبلى في المنام فقيل لها أغلام سمح يقال له حاتم أحب إليك أم عشرة غلمة كالناس ليوث ساعة البأس ليسوا بأوغال ولا أنكاس فقالت بل حاتم فولدت حاتما فلما ترعرع جعل يخرج طعامه فإن وجد من يأكله معه أكل وإن لم يجد طرحه فلما رأى أبوه أنه يهلك طعامه قال له الحق بالإبل فخرج إليها ووهب له جارية وفرسا وفلوها فلما أتى الإبل طفق يبغي الناس فلا يجدهم ويأتي الطريق فلا يجد عليه أحدا فبينا هو كذلك إذ بصر بركب على الطريق فأتاهم فقالوا يا فتى هل من قرى فقال تسألوني عن القرى وقد ترون الإبل وكان الذين بصر بهم عبيد بن الأبرص وبشر بن أبي خازم والنابغة الذبياني وكانوا يريدون النعمان فنحر لهم ثلاثة من الإبل فقال عبيد إنما أردنا بالقرى اللبن وكانت تكفينا ببكرة إذا كنت لا بد متكلفا لنا شيئا فقال حاتم قد عرفت ولكني رأيت وجوها مختلفة وألوانا متفرقة فظننت أن البلدان غير واحدة فأردت أن يذكر كل واحد منكم ما رأى إذا أتى قومه فقالوا فيه أشعارا امتدحوه بها وذكروا فضله فقال حاتم أردت أن أحسن إليكم فكان لكم الفضل علي وأنا أعاهد الله أن أضرب عراقيب إبلي عن آخرها أو تقدموا إليها فتقتسموها ففعلوا فأصاب الرجل تسعة وتسعين بعيرا ومضوا على سفرهم إلى النعمان وإن أبا حاتم سمع بما فعل فأتاه فقال له أين الإبل فقال يا أبت طوقتك بها طوق الحمامة مجد الدهر وكرما لا يزال الرجل يحمل بيت شعر أثني به علينا عوضا من إبلك فلما سمع أبوه ذلك قال أبإبلي فعلت ذلك قال نعم قال والله لا أساكنك أبدا فخرج أبوه بأهله وترك حاتما ومعه جاريته وفرسه وفلوها فقال يذكر تحول أبيه عنه ( وإني لعَفُّ الفَقْرِ مُشْتَرَك الغِنَى ... وتَارك شكْلٍ لا يوافقُه شكْلي ) ( وشَكْلِيَ شكلٌ لا يقومُ لمثله ... منَ الناسِ إلاّ كلُّ ذي نيقة مِثْلي ) ( وأجْعَلُ مالي دُونَ عِرْضِي جُنَّةً ... لنفسي وأستغني بما كان مِنْ فضلي ) ( وما ضَرَّني أن سَارَ سعْدٌ بأهلِه ... وأفْرَدَني في الدارِ لَيْسَ معي أهلي ) ( سيَكفي ابتنائي المجد سَعْدَ بن حَشرج ... وأحمِل عنكم كلَّ ما ضاع من ثِقْلِ ) ( ولي مَع بَذْلِ المال في المجد صَوْلَةٌ ... إذا الحربُ أبْدَتْ عن نَوَاجذها العُصْل ) وهذا شعر يدل على أن جده صاحب هذه القصة معه لا أنها قصة أبيه وهكذا ذكر يعقوب بن السكيت ووصف أن أبا حاتم هلك وحاتم صغير فكان في حجر جده سعد بن الحشرج فلما فتح يده بالعطاء وأنهب ماله ضيق عليه جده ورحل عنه بأهله وخلفه في دار فقال يعقوب خاصة فبينا حاتم يوما بعد أن أنهب ماله وهو نائم إذ انتبه وإذا حوله مائتا بعير أو نحوها تجول ويحطم بعضها بعضا فساقها إلى قومه فقالوا يا حاتم أبق على نفسك فقد رزقت مالا ولا تعودن إلى ما كنت عليه من الإسراف قال فإنها نهبى بينكم فانتهبت فأنشأ حاتم يقول ( تَدَارَكَني مَجْدِي بسَفْحِ مُتَالعٍ ... فلا يَيْأَسَنْ ذو نَوْمَةٍ أَنْ يغنَّما ) قال ولم يزل حاتم على حاله في إطعام الطعام وإنهاب ماله حتى مضى لسبيله حاتم وبنو لأم قال ابن الأعرابي ويعقوب بن السكيت وسائر من ذكرنا من الرواة خرج الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس ومعه عطر يريد الحيرة وكان بالحيرة سوق يجتمع إليه الناس كل سنة وكان النعمان بن المنذر قد جعل لبني لأم بن عمرو بن طريف بن عمرو بن ثمامة بن مالك بن جدعان بن ذهل بن رومان بن حبيب بن خارجة بن سعد بن قطنة بن طيىء ربع الطريق طعمة لهم وذلك لأن بنت سعد بن حارثة بن لأم كانت عند النعمان وكانوا أصهاره فمر الحكم بن أبي العاصي بحاتم بن عبد الله فسأله الجوار في أرض طيىء حتى يصير إلى الحيرة فأجاره ثم أمر حاتم بجزور فنحرت وطبخت أعضاء فأكلوا ومع حاتم ملحان بن حارثة بن سعد بن الحشرج وهو ابن عمه فلما فرغوا من الطعام طيبهم الحكم من طيبة ذلك فمر حاتم بسعد بن حارثة بن لأم وليس مع حاتم من بني أبيه غير ملحان وحاتم على راحلته وفرسه تقاد فأتاه بنو لأم فوضع حاتم سفرته وقال أطعموا حياكم الله فقالوا من هؤلاء معك يا حاتم قال هؤلاء جيراني قال له سعد فأنت تجير علينا في بلادنا قال له أنا ابن عمكم وأحق من لم تخفروا ذمته فقالوا لست هناك وأرادوا أن يفضحوه كما فضح عامر بن جوين قبله فوثبوا إليه فتناول سعد بن حارثة بن لأم حاتما فأهوى له حاتم بالسيف فأطار أرنبة أنفه ووقع الشر حتى تحاجزوا فقال حاتم في ذلك ( وَدِدْتُ وبَيْتِ اللَّهِ لو أنَّ أنْفَه ... هواٌء فما مَتَّ المُخَاطُ عن العَظْمِ ) ( ولكنَّما لاقاهُ سَيْفُ ابنِ عَمِّهِ ... فآبَ ومرَّ السَّيْفُ منه على الخَطْمِ ) فقالوا لحاتم بيننا وبينك سوق الحيرة فنماجدك ونضع الرهن ففعلوا ووضعوا تسعة أفراس هنا على يدي رجل من كلب يقال له امرؤ القيس بن عدي ابن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن جناب وهو جد سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما ووضع حاتم فرسه ثم خرجوا حتى انتهوا إلى الحيرة وسمع بذلك إياس بن قبيصة الطائي فخاف أن يعينهم النعمان بن المنذر يقويهم بماله وسلطانه للصهر الذي بينهم وبينه فجمع إياس رهطه من بني حية وقال يا بني حية إن هؤلاء القوم قد أرادوا أن يفضحوا ابن عمكم في مجاده أي مماجدته فقال رجل من بني حية عندي مائة ناقة سوداء ومائة ناقة حمراء أدماء وقام آخر فقال عندي عشرة حصن على كل حصان منها فارس مدجج لا يرى منه إلا عيناه وقال حسان بن جبلة الخير قد علمتم أن أبي قد مات وترك كلأ كثيرا فعلي كل خمر أو لحم أو طعام ما أقاموا في سوق الحيرة ثم قام إياس فقال علي مثل جميع ما أعطيتم كلكم قال وحاتم لا يعلم بشيء مما فعلوا وذهب حاتم إلى مالك بن جبار ابن عم له بالحيرة كان كثير المال فقال يابن عم أعني على مخايلتي قال والمخايلة المفاخرة ثم أنشد ( يا مالُِ إِحْدَى خطوب الدَّهْر قد طَرَقَتْ ... يا مالُِ ما أنْتُمُ عنها بزَحْزاحِ ) ( يا مالُِ جاءَتْ حِيَاضُ الموتِ وارِدَةً ... من بَيْنِ غَمْر فخُضْنَاه وضَحْضاحِ ) فقال له مالك ما كنت لأحرب نفسي ولا عيالي وأعطيك مالي فانصرف عنه وقال مالك في ذلك قوله ( إنّا بَنُو عمِّكم لا أنْ نُبَاعِلكم ... ولا نجاوِركم إَلاَّ على نَاحِ ) ( وقد بلَوتُك إذ نلْتَ الثراءَ فلم ... ألقك بالمالِ إَلاَّ غير مرتاح ) قال أبو عمرو الشيباني في خبره ثم أتى حاتم ابن عم له يقال له وهم بن عمرو وكان حاتم يومئذ مصارما له لا يكلمه فقالت له امرأته أي وهم هذا والله أبو سفانة حاتم قد طلع فقال ما لنا ولحاتم أثبتي النظر فقالت ها هو قال ويحك هو لا يكلمني فما جاء به إلي فنزل حتى سلم عليه ورد سلامه وحياه ثم قال له ما جاء بك يا حاتم قال خاطرت على حسبك وحسبي قال في الرحب والسعة هذا مالي - قال وعدته يومئذ تسعمائة بعير - فخذها مائة مائة حتى تذهب الإبل أو تصيب ما تريد فقالت امرأته يا حاتم أنت تخرجنا من مالنا وتفضح صاحبنا - تعني زوجها - فقال اذهبي عنك فوالله ما كان الذي غمك ليردني عما قبلي وقال حاتم ( ألاَ أبلِغَا وَهْمَ بن عَمرو رسالةً ... فإِنكَ أنْتَ المرءُ بالخير أجْدَرُ ) ( رأيتُكَ أدْنَى الناسِ منّا قرابةً ... وغَيْركَ منهم كنتُ أحْبُو وأنصُرُ ) ( إذا ما أتَى يومٌ يُفَرِّقُ بيننا ... بمَوْتٍ فكُنْ يا وَهْمُ ذُو يتأَخَّرُ ) ذو في لغة طيىء الذي قالوا ثم قال إياس بن قبيصة احملوني إلى الملك وكان به نقرس فحمل حتى أدخل عليه فقال أنعم صباحا أبيت اللعن فقال النعمان وحياك إلهك فقال إياس أتمد أختانك بالمال والخيل وجعلت بني ثعل في قعر الكنانة أظن أختانك أن يصنعوا بحاتم كما صنعوا بعامر بن جوين ولم يشعروا أن بني حية بالبلد فإن شئت والله ناجزناك حتى يسفح الوادي دما فليحضروا مجادهم غدا بمجمع العرب فعرف النعمان الغضب في وجهه وكلامه فقال له النعمان يا أحلمنا لا تغضب فإني سأكفيك وأرسل النعمان إلى سعد بن حارثة وإلى أصحابه انظروا ابن عمكم حاتما فأرضوه فوالله ما أنا بالذي أعطيكم مالي تبذرونه وما أطيق بني حية فخرج بنو لأم إلى حاتم فقالوا له أعرض عن هذا المجاد ندع أرش أنف ابن عمنا قال لا والله لا أفعل حتى تتركوا أفراسكم ويغلب مجادكم فتركوا أرش أنف صاحبهم وأفراسهم وقالوا قبحها الله وأبعدها فإنما هي مقارف فعمد إليها حاتم وأطعمها الناس وسقاهم الخمر وقال حاتم في ذلك ( أبْلِغْ بني لأَمٍ فإِنَّ خيولَهُم ... عَقْرَى وإنَّ مجاَدهم لم يَمْجُدِ ) ( ها إِنَّما مَطرَتْ سمَاؤكمُ دَماً ... ورفعْتَ رأسَك مِثل رأْسِ الأَصْيَدِ ) ( ليكونَ جيراني أُكَالاً بينَكم ... نُحْلاً لِكنْديّ وسَبْيٍ مزبد ) ( وابن النُّجُودِ إذا غَدَا مُتلاطماً ... وابن الغدَوَّرِ ذي العِجان الأبرد ) ( ولثابِتٍ عَيْني جذ متماوت ... وللعمظ أوْس قد عَوَى لمقلد ) ( أَبْلِغْ بني ثُعَلٍ بأنيَ لم أكُنْ ... أبداً لأَفعلَها طوالَ المُسْنَدِ ) ( لا جئتُهم فَلاًَ وأتركَ صُحْبَتِي ... نَهْباً ولم تَغْدرْ بقائمه يَدِي ) وخرج حاتم في نفر من أصحابه في حاجة لهم فسقطوا على عمرو بن أوس بن طريف بن المثنى بن عبد الله بن يشجب بن عبد ود في فضاء من الأرض فقال لهم أوس بن حارثة بن لأم لا تعجلوا بقتله فإن أصبحتم وقد أحدق الناس بكم استجرتموه وإن لم تروا أحدا قتلتموه فأصبحوا وقد أحدق الناس بهم فاستجاروه فأجارهم فقال حاتم ( عَمرو بن أوس إذا أشياعه غَضِبوا ... فأحرزوه بلا غُرْمٍ ولا عارِ ) ( إنَّ بني عَبْد وُدٍّ كلَّما وقعت ... إحدى الهنات أتَوْهَا غير أغْمَارِ ) أبو الخيبري وقبر حاتم أخبرني أحمد بن محمد البزار الأطروش عن علي بن حرب عن هشام ابن محمد عن أبي مسكين جعفر بن المحرز بن الوليد عن أبيه قال قال الوليد جده وهو مولى لأبي هريرة سمعت محرز بن أبي هريرة يتحدث قال كان رجل يقال له أبو الخيبري مر في نفر من قومه بقبر حاتم وحوله أنصاب متقابلات من حجارة كأنهن نساء نوائح قال فنزلوا به فبات أبو الخيبري ليلته كلها ينادي أبا جعفر اقر أضيافك قال فيقال له مهلا ما تكلم من رمة بالية فقال إن طيئا يزعمون أنه لم ينزل به أحد إلا قراه قال فلما كان من آخر الليل نام أبو الخيبري حتى إذا كان في السحر وثب فجعل يصيح واراحلتاه فقال له أصحابه ويلك مالك قال خرج والله حاتم بالسيف وأنا أنظر إليه حتى عقر ناقتي قالوا كذبت قال بلى فنظروا إلى راحلته فإذا هي منخزلة لا تنبعث فقالوا قد والله قراك فظلوا يأكلون من لحمها ثم أردفوه فانطلقوا فساروا ما شاء الله ثم نظروا إلى راكب فإذا هو عدي بن حاتم راكبا قارنا جملا أسود فلحقهم فقال أيكم أبو الخيبري فقالوا هو هذا فقال جاءني أبي في النوم فذكر لي شتمك إياه وأنه قرى راحلتك لأصحابك وقد قال في ذلك أبياتا ورددها حتى حفظتها وهي ( أبَا خيبريٍّ وأنْتَ امرؤٌ ... ظلُومُ العشيرةِ شَتَّامُها ) ( فماذا أردْتَ إلى رَمَّة ... ببادِية صَخب هَامُها ) ( تُبَغِّي أذاها وإعسارها ... وحولَك غَوْث وأنعامها ) ( وإِنَّا لنُطعم أضْيَافَنَا ... مِنَ الكُومِ بالسَّيْف نَعْتَامُها ) وقد أمرني أن أحملك على جمل فدونكه فأخذه وركبه وذهبوا الحارث بن عمر يأسر قوم حاتم وحاتم يطلقهم أغارت طيىء على إبل للنعمان بن الحارث بن أبي شمر الجفني ويقال هو الحارث بن عمرو رجل من بني جفنة وقتلوا ابنا له وكان الحارث إذا غضب حلف ليقتلن وليسبين الذراري فحلف ليقتلن من بني الغوث أهل بيت على دم واحد فخرج يريد طيئا فأصاب من بني عدي بن أخزم سبعين رجلا وهم ابن عمرو من رهط حاتم - وحاتم يومئذ بالحيرة عند النعمان - فأصابتهم مقدمات خيله فلما قدم حاتم الجبلين جعلت المرأة تأتيه بالصبي من ولدها فتقول يا حاتم أسر أبو هذا فلم يلبث إلا ليلة حتى سار إلى النعمان ومعه ملحان بن حارثة وكان لا يسافر إلا وهو معه فقال حاتم ( ألاَ إنني قَدْ هَاجَنِي الليلَةَ الذِّكْر ... وما ذاكَ من حبّ النساء ولا الأَشَرْ ) ( ولكنه مما أصاب عَشِيرتي ... وقومي بأقْرَانٍ حَوَالَيْهم الصِّيَرْ ) الأقران الحبال والصير الحظائر واحدها صيرة ( ليالي نَمشي بين جَوٍّ ومِسْطَحٍ ... نَشَاوَى لنا من كُلِّ سائمةٍ جُزُرْ ) ( فيا ليتَ خَبر الناس حيّاً وميِّتاً ... يقول لنا خيراً ويُمْضي الذي ائتمرْ ) ( فإنْ كان شرّاً فالعزاء فإننا ... على وقعات الدَّهرِ مِنْ قَبْلِها صُبُرْ ) ( سَقى اللهُ ربُّ الناس سَحّاً وديمةً ... جنوبَ السَّرَاة من مَآبٍ إلى زُغَرْ ) ( بلادَ امرىءٍ لا يعرفُ الذَّمُّ بيته ... له المشربُ الصَّافِي ولا يَطْعَم الكدرْ ) ( تذكرتُ مِنْ وَهْم بن عَمْروٍ جَلادَةً ... وجُرْأَة مَغْزاهُ إذا صارِخٌ بَكَرْ ) ( فأبْشِرْ وقَرَّ العينَ منك فإنَّني ... أحيِّي كرِيماً لا ضعيفاً ولا حَصِرْ ) فدخل حاتم على النعمان فأنشده فأعجب به واستوهبهم منه فوهب له بني امرىء القيس بن عدي ثم أنزله فأتي بالطعام والخمر فقال له ملحان أتشرب الخمر وقومك في الأغلال قم إليه فسله إياهم فدخل عليه فأنشده ( إنَّ امرأ القيس أضحَت من صَنيعتكم ... وعبدَ شمس - أبيتَ اللَّعْن - فاصطنعوا ) ( إنَّ عَدِيّاً إذا مَلَكْتَ جانبها ... من أمْرِ غَوْثٍ على مرأى ومُسْتَمَعِ ) ( أتبِعْ بني عبد شمسٍ أمْرَ صاحبهم ... أهْلِي فِدَاؤُك إنْ ضَرُّوا وإنْ نَفَعُوا ) ( لا تَجْعَلنَّا - أبيتَ الَّلعْنَ - ضاحيَةً ... كمعشرٍ صُلِمُوا الآذانَ أو جُدِعُوا ) ( أو كَالجَنَاحِ إذا سُلّت قَوَادِمُه ... صارَ الجَنَاحُ لفَضْلِ الرِّيْشِ يَتَّبِعُ ) فأطلق له بني عبد شمس بن عدي بن أخزم وبقي قيس بن جحدر بن ثعلبة ابن عبد رضي بن مالك بن ذبيان بن عمرو بن ربيعة بن جرول الأجئي وهو من لخم وأمه من بني عدي وهو جد الطرماح بن حكيم بن نفر بن قيس بن جحدر فقال له النعمان أفبقي أحد من أصحابك فقال حاتم ( فككتَ عَديّاً كلَّها من إسارِها ... فافْضلْ وشفِّعْنِي بقَيْس بن جَحْدَرِ ) ( أبُوهُ أبِي والأمهاتُ أمهّاتنا ... فأنْعِمْ فَدَتْكَ اليومَ نَفْسِي ومَعْشَرِي ) فقال هو لك يا حاتم فقال حاتم ( أبْلِغْ الحارثَ بن عَمْرو بأنّي ... حافِظُ الوُدِّ مُرْصِدٌ للثَّوَابِ ) ( ومُجِيبٌ دُعاءه إنْ دَعَاني ... عَجِلاً واحداً وذا أصحابِ ) ( إنما بَيْنَنَا وبينك فاعْلَمْ ... سَيْرُ تِسْعٍ للعاجلِ المُنْتَابِ ) ( فثلاثٌ مِنَ السَّراة إلى الحَلَّةِ ... للخَيْلِ جاهداً والرِّكَابِ ) ( وثلاثٌ يُورَدْن تَيْماءَ رَهْواً ... وثلاثٌ يُقْرَبْنَ بالأَعْجَابِ ) ( فإذا ما مَرَرْنَ في مُسْبَطرٍّ ... فاجْمَحِ الخَيْلَ مثل جَمْحِ الكِعَابِ ) اجمح ارم بهم كما يرمى بالكعاب ويقال إذا انتصب لك أمر فقد جمح ( بينما ذاك أصبحَتْ وهي عَضْدى ... مِنْ سبيٍّ مجموعةٍ ونهاب ) عضدى مكسورة الأعضاد ( ليْتَ شعري متى أرَى قُبةً ذات ... َ قِلاَعٍ للحارث الحَرَّابِ ) ( بِيَفاعٍ وذاك منها تَحلٌّ ... فَوْقَ مَلْكٍ يدين بالأحساب ) ( أيها المُوعدي فإنَّ لُبوني ... بين حَقلٍ وبين هَضْبِ دَبابِ ) ( حيث لا أرهبُ الجُرأةَ وحَوْلي ... ثُعَلِيُّون كاللُّيوثِ الغِضابِ ) وقال حاتم أيضا ( لم تُنسِني أطلال ماويّةٍ يأسِي ... ولا الزمن الماضي الذي مِثْلُه يُنْسِي ) ( إذا غَرَبَتْ شَمْسُ النهارِ وردْتُها ... كما يرد الظمآن آتيةَ الخِمْسِ ) حاتم وماوية بنت عفزر قال وكنا عند معاوية فتذاكرنا ملوك العرب حتى ذكرنا الزباء وابنة عفزر فقال معاوية إني لأحب أن أسمع حديث ماوية وحاتم وماوية بنت عفزر فقال رجل من القوم أفلا أحدثك يا أمير المؤمنين فقال بلى فقال إن ماوية بنت عفزر كانت ملكة وكانت تتزوج من أرادت وإنها بعثت غلمانا لها وأمرتهم أن يأتوها بأوسم من يجدونه بالحيرة فجاؤوها بحاتم فقالت له استقدم إلى الفراش فقال حتى أخبرك وقعد على الباب وقال إني أنتظر صاحبين لي فقالت دونك أستدخل المجمر فقال استي لم تعود المجمر فأرسلها مثلا فارتابت منه وسقته خمرا ليسكر فجعل يهريقه بالباب فلا تراه تحت الليل ثم قال ما أنا بذائق قرى ولا قار حتى أنظر ما فعل صاحباي فقالت إنا سنرسل إليهما بقرى فقال حاتم ليس بنافعي شيئا أو آتيهما قال فأتاهما فقال أفتكونان عبدين لابنة غفزر ترعيان غنمها أحب إليكما أم تقتلكما فقالا كل شيء يشبه بعضه بعضا وبعض الشر أهون من بعض فقال حاتم الرحيل والنجاة وقال يذكر ابنة عفزر وأنه ليس بصاحب ريبة ( حننتُ إلى الأجبال أجبالِ طيىء ... وحنَّت قَلوُصي أن رأت سوط أحمرا ) ( فقلتُ لها إنّ الطريقَ أمامنا ... وإنا ملحْيُو رَبْعِنا إن تَيَسَّرا ) ( فيا راكبيْ عَلْيَا جَدِيلَةَ إنما ... تُسامان ضَيْماً مستبيناً فتُنْظَرَا ) ( فما نَكِراهُ غيرَ أنَّ ابنَ مِلْقَط ... أراهُ وقد أعطى الظُّلامة أوْجَرَا ) ( وإني لمُزْجٍ للْمطيِّ على الوجَا ... وما أنا من خِلاَّنِكَ ابنةَ عَفْزرا ) ( وما زِلْت أسعى بين نَابٍ ودَارَةٍ ... بلَحْيانَ حتى خِفْتُ أن أَتَنَضَّرا ) ( وحتى حسِبْتُ الليلَ والصبحَ إذْ بدا ... حِصَانَيْنِ سيَّالَيْن جَوْناً وأشْقَرا ) ( لشَعْبٌ من الرَّيَّان أملِكُ بابَه ... أُنادِي به آل الكبير وجَعْفَرا ) ( أحَبُّ إليَّ مِنْ خطيب رأيْتُه ... إذا قلتُ معروفاً تبدل مُنْكَرَا ) ( تنادي إلى جاراتها إنَّ حاتماً ... أراهُ لعَمْرِي بَعْدَنا قد تَغَيَّرا ) ( تغيَّرْتُ إني غَيرُ آتٍ لرِيبةٍ ... ولا قائلٍ يوماً لذِي العُرْفِ مُنْكَرا ) ( فلا تَسأليني واسْألي أيّ فارس ... إذا بادَرَ القومُ الكنيف المُسَتَّرا ) ( ولا تَسأليني واسألِي أيّ فارس ... إذا الخيلُ جالَت في قَناً قد تكسَّرا ) ( فلا هي ما تَرْعَى جَمِيعاً عِشارُها ... ويُصْبح ضيفي ساهِمَ الوجهِ أغبَرا ) ( متى تَرَنِي أمشي بسيفيَ وَسْطَهَا ... تَخَفْني وتُضْمِرْ بينها أن تُجَزَّرَا ) ( وإني ليغشى أبعدُ الحيِّ جَفْتَنِي ... إذا ورقُ الطَّلْحِ الطوالِ تَحَسَّرا ) ( فلا تسأليني واسألي بي صُحْبَتِي ... إذا ما المَطِيّ بالْفَلاةِ تضوَّرا ) ( وإني لَوَهَّابٌ قُطُوعِي ونَاقتي ... إذا ما انتشيْتُ والكميتَ المصَدَّرا ) ( وإني كأشْلاَء اللِّجَامِ ولَنْ تَرَي ... أخَا الحَرْبِ إلاَّ ساهِمَ الوَجْهِ أغبَرَا ) ( أخُو الحَرْبِ إن عضَّتْ به الحَرْبُ عضْها ... وإنْ شمّرت عن ساقها الحَرْبُ شَمَّرا ) ( وإني إذا ما الموْتُ لم يَكُ دونَه ... قِدَى الشِّبرِ أحمى الأنْف أن أتأخرا ) ( متى تبْغ وُدّاً مِنْ جَدِيلةَ تَلْقَهُ ... مع الشَّنْء مِنْهُ باقياً متأثِّرا ) ( فإلاّ يُفادونا جِهَاراً نُلاقِهم ... لأعدائنا رِدْءاً دليلاً ومُنْذِرا ) ( إذا حال دُوني منْ سَلامان رَمْلةٌ ... وَجَدْتُ توالي الوَصْلِ عِنْدِي ابْتَرا ) وذكروا أن حاتما دعته نفسه إليها بعد انصرافه من عندها فأتاها يخطبها فوجد عندها النابغة ورجلا من الأنصار من النبيت فقالت لهم انقلبوا إلى رحالكم وليقل كل واحد منكم شعرا يذكر فيه فعاله ومنصبه فإني أتزوج أكرمكم وأشعركم فانصرفوا ونحر كل واحد منهم جزورا ولبس ماوية ثيابا لأمة لها وبتعتهم فأتت النبيتي فاستطعمته من جزوره فأطعمها ثيل جمله فأخذته ثم أتت نابغة بني ذبيان فاستطعمته فأطعمها ذنب جزوره فأخذته ثم أتت حاتما وقد نصب قدره فاستطعمته فقال لها قفي حتى أعطيك ما تنتفعين به إذا صار إليك فانتظرت فأطعمها قطعا من العجز والسنام ومثلها من المخدش وهو عند الحارك ثم انصرفت وأرسل كل واحد منهم إليها ظهر جمله وأهدى حاتم إلى جاراتها مثل ما أسل إليها ولم يكن يترك جاراته إلا بهدية وصبحوها فاستنشدتهم فأنشدها النبيتي ( هلاَّ سألْتِ النَّبيتِيِّين ما حَسبي ... عند الشتاء إذا ما هبَّتِ الرِّيحُ ) ( ورَدَّ جازِرُهم حرفاً مُصَرَّمة ... في الرَّأس منها وفي الأصلاء تمليح ) ( وقال رائِدُهم سِيّان مالهُم ... مِثْلاَنِ مِثْلٌ لمن يرعى وتَسْريحُ ) ( إذا الِّلقَاحُ غدت مُلْقًى أصرَّتها ... ولا كريمَ مِنَ الولدان مَصْبُوحُ ) فقالت له لقد ذكرت مجهدة ثم استنشدت النابغة فأنشدها يقول ( هَلا سألتِ بني ذبيانَ ما حَسبي ... إذا الدُّخَانُ تَغَشَّى الأشمطَ البَرَما ) ( وهَبَّتْ الريحُ مِنْ تلقاء ذي أُرُلٍ ... تُزْجِي مع الليل مِنْ صرَّادِها الصِّرما ) ( إنِّي أتمم أيْساري وأمْنحُهم ... مَثْنَى الأيادي وأكْسُو الجَفْنةَ الأُدُما ) فلما أنشدها قالت ما ينفك الناس بخير ما ائتدموا ثم قالت يا أخا طيئ أنشدني فأنشدها ( أمَاوِيَّ قد طال التَّجنُّبُ والهَجْرُ ... وقد عذَرَتْنِي في طِلابكم العُذْرُ ) ( أمَاوِيَّ إنَّ المالَ غادٍ ورَائِح ... ويَبْقى مِنَ المال الأحاديثُ والذِّكرُ ) ( أمَاويَّ إني لا أقولُ لسائلٍ ... إذا جاء يَوْماً حلَّ في مالنا النَّذْرُ ) ( أمَاوِيَّ إمَّا مَانِعٌ فمبيِّن ... وإما عطاءٌ لا يُنهْنِهُهُ الزَّجْرُ ) ( أمَاوِيَّ ما يُغْنِي الثَّرَاءَ عَن الفَتَى ... إذا حشرجَتْ يَوْماً وضاقَ بِهَا الصَّدْرُ ) ( إذا أنا دَلاّني الذين أُحبّهم ... بملحودةْ زَلْجٍ جوانِبُها غُبر ) ( ورَاحُوا سِراعاً ينفضُونَ أكفَّهم ... يقولون قد دَمَّى أناملَنا الحَفْرُ ) ( أمَاوِيَّ إنْ يُصبحْ صَدايَ بقَفْزَةٍ ... من الأرضِ لا ماء لديّ ولا خَمْر ) ( تَرَى أنَّ ما أنفقت لم يَكُ ضَرَّني ... وأنَّ يَدِي مما بخلْتُ به صِفْرُ ) ( أمَاوِيَّ إنِّي رُبَّ واحِد أُمِّهِ ... أخذْتُ فلا قَتْلٌ عليه ولا أسْرُ ) ( وقد عَلِم الأقوامُ لو أنَّ حاتماً ... أرادَ ثراءَ المالِ كان لَهُ وَفْرُ ) ( فإنيَ لا آلُو بمالِي صنِيعةً ... فأوَّلُه زادٌ وآخِرُهُ ذُخْرُ ) ( يُفَكّ به الْعاني ويُؤكَلُ طيِّباً ... وما إنْ تعرَّتْه القِدَاحُ ولا الخَمْرُ ... ) ( ولا أظلِم ابنَ العمّ إن كان إخوتي ... شُهوداً وقد أوْدَى بإخوته الدَّهْر ) ( غنينا زماناً بالتَّصَعْلُكِ والغِنَى ... وكلاًّ سقاناه بِكَأْسهما العَصْرُ ) ( فما زادنا بَغْياً على ذِي قَرَابةٍ ... غِنَانا ولا أزرَى بأحْسابِنَا الفَقْرُ ) ( وما ضَرّ جاراً يابْنَةَ القومِ فاعْلمِي ... يجاورني ألاَّ يكون له ستْر ) ( بعينيَ عن جاراتِ قَوْمي غَفْلةٌ ... وفي السَّمْعِ منّي عن حديثهم وَقْرُ ) فلما فرغ حاتم من إنشاده دعت بالغداء وكانت قد أمرت إماءها أن يقدمن إلى كل رجل منهم ما كان أطعمها فقدمن إليهم ما كانت أمرتهن أن يقدمنه إليهم فنكس النبيتي رأسه والنابغة فلما نظر حاتم إلى ذلك رمى بالذي قدم إليهما وأطعمهما مما قدم إليه فتسللا لواذا وقالت إن حاتما أكرمكم وأشعركم فلما خرج النبيتي والنابغة قالت لحاتم خل سبيل امرأتك فأبى فزودته وردته فلما انصرف دعته نفسه إليها وماتت امرأته فخطبها فتزوجنه فولدت عديا إسلام عدي بن حاتم وقد كان عدي أسلم وحسن إسلامه فبلغنا أن النبي قال له وقد سأله عدي يا رسول الله أن أبي كان يعطي ويحمل ويوفي بالذمة ويأمر بمكارم الأخلاق فقال له رسول الله إن أباك خشبة من خشبات جهنم فكأن النبي رأى الكآبة في وجهه فقال له يا عدي إن أباك وأبي وأبا إبراهيم في النار وكانت ماوية عنده زمانا وإن ابن عم لحاتم كان يقال له مالك قال لها ما تصنعين بحاتم فوالله لئن وجد شيئا ليتلفنه وإن لمن يجد ليتكلفن وإن مات ليتركن ولده عيالا على قومك فقالت ماوية صدقت إنه كذلك وكان النساء - أو بعضهن - يطلقن الرجال في الجاهلية وكان طلاقهن أنهن إن كن في بيت من شعر حولن الخباء فإن كان بابه قبل المشرق حولنه قبل المغرب وإن كان بابه قبل اليمن حولنه قبل الشام فإذا رأى ذلك الرجل علم أنها قد طلقته فلم يأتها وإن ابن عم حاتم قال لماوية - وكانت أحسن نساء الناس - طلقي حاتما وأنا أنكحك وأنا خير لك منه وأكثر مالا وأنا أمسك عليك وعلى ولدك فلم يزل بها حتى طلقت حاتما فأتاها حاتم وقد حولت باب الخباء فقال يا عدي ما ترى أمك عدي عليها قال لا أدري غير أنها قد غيرت باب الخباء وكأنه لم يلحن لما قال فدعاه فهبط به بطن واد وجاء قوم فنزلوا على باب الخباء كما كانوا ينزلون فتوافوا خمسين رجلا فضاقت بهم ماوية ذرعا وقالت لجاريتها اذهبي إلى مالك فقولي له إن أضيافا لحاتم قد نزلوا بنا خمسين رجلا فأرسل بناب نقرهم ولبن نغبقهم وقالت لجاريتها انظري إلى جبينه وفمه فإن شافهك بالمعروف فاقبلي منه وإن ضرب بلحيته على زوره وأدخل يده في رأسه فاقفلي ودعيه وإنها لما أتت مالكا وجدته متوسدا وطبا من لبن وتحت بطنه آخر فأيقظته فأدخل يده في رأسه وضرب بلحيته على زوره فأبلغته ما أرسلتها به ماوية وقالت إنما هي الليلة حتى يعلم الناس مكانه فقال لها اقرئي عليها السلام وقولي لها هذا الذي أمرتك أن تطلقي حاتما فيه فما عندي من كبيرة قد تركت العمل وما كنت لأنحر صفية غزيرة بشحم كلاها وما عندي لبن يكفي أضياف حاتم فرجعت الجارية فأخبرتها بما رأت منه وما قال فقالت ائت حاتما فقولي إن أضيافك قد نزلوا الليلة بنا ولم يعلموا بمكانك فأرسل إلينا بناب ننحرها ونقرهم وبلبن نسقهم فإنما هي الليلة حتى يعرفوا مكانك فأتت الجارية حاتما فصرخت به فقال حاتم لبيك قريبا دعوت فقالت إن ماوية تقرأ عليك السلام وتقول لك إن أضيافك قد نزلوا بنا الليلة فأرسل إليهم بناب ننحرها ولبن نسقهم فقال نعم وأبي ثم قام إلى الإبل فأطلق ثنيتين من عقالهما ثم صاح بهما حتى أتى الخباء فضرب عراقيبهما فطفقت ماوية تصبح وتقول هذا الذي طلقتك فيه تترك ولدك وليس لهم شيء فقال حاتم ( هل الدَّهرُ إلاَّ اليومُ أو أمسِ أو غَدُ ... كذاكِ الزمانُ بيننا يَتَرَدَّدُ ) ( يَرُدُّ علينا ليلةً بعد يَوْمِها ... فلا نَحْنُ ما نَبْقَى ولا الدهْرُ يَنْفَدُ ) ( لنا أجَلٌ إمَّا تَنَاهَى أمامه ... فنحن على آثارِه نتورَّدُ ) ( بنو ثُعَلٍ قومِي فما أنا مُدَّعٍ ... سِوَاهُمْ إلى قوم وما أنا مُسْنِدُ ) ( بِدَرْئهمُ أغْشَى دُرُوءَ مَعَاشِرٍ ... ويحنف عَنّي الأَبْلَخُ المُتَعَمِّدُ ) ( فمهلاً فِدَاكِ اليومَ أُمِّي وخالتي ... فلا يأمُرَنِّي بالدَّنية أسْوَدُ ) ( على حين أن ذَكيت واشتدَّ جانبي ... أُسامُ التي أعْيَيْتُ إذْ أنَا أمْرَدُ ) ( فهل تركَتْ قَبْلِي حضُورَ مكانِها ... وهل مَنْ أَتَى ضَيْماً وخَسْفاً مخلَّد ) ( ومُعتَسَفٍ بالرُّمْحِ دونَ صِحَابه ... تعسَّفْتُهُ بالسَّيْفِ والقومُ شُهَّدُ ) ( فخَرَّ على حُرِّ الجَبِين وذَادَه ... الى الموت مَطرورُ الوَقِيعة مِذْودُ ) ( فما رمْتُه حتى أزحْتُ عَوِيصَهُ ... وحتى عَلاَه حَالِكُ اللَّوْنِ أسودُ ) ( فأقسمتُ لا أمشي على سرِّجارتي ... يَدَ الدَّهْرِ ما دام الحَمامُ يغرِّدُ ) ( ولا أشْتَرِي مالاً بِغَدْرٍ علِمْتُهُ ... ألاَ كُلُّ مَالٍ خالطَ الغَدْرَ أنْكَدُ ) ( إذا كان بعضُ المالِ ربّاً لأهْلِهِ ... فإنِّي بحمد الله مَالِي مُعَبَّدُ ) ( يُفَكَّ به العانِي ويُؤكل طيِّباً ... ويُعطَى إذا ضَنَّ البخيل المُصَرَّد ) ( إذا ما البخيلُ الخِبُّ أخْمَد نارَه ... أقولُ لِمَنْ يصْلَى بنارِيَ أوْقِدُوا ) ( توسَّعْ قليلاً أو يكن ثَمَّ حَسْبُنَا ... ومُوقدها البادِي أعَفُّ وأحمدُ ) ( كذاك أمُورُ الناسِ رَاضٍ دَنِيَّةً ... وسامٍ إلى فَرْع العُلا مُتَوَرِّد ) ( فمنهم جوادٌ قد تلفَّت حَوْلَه ... ومنهم لئيم دائم الطرف أقْوَدُ ) ( وَدَاعٍ دَعاني دَعْوةً فأجَبْتُه ... وهل يَدَعُ الدّاعِين إلا اليَلَنْددُ ) أسرت عنزة حاتما فجعل نساء عنزة يدارئن بعيرا ليفصدنه فضعفن عنه فقلن يا حاتم أفاصده أنت إن أطلقنا يديك قال نعم فأطلقن إحدى يديه فوجأ لبته فاستدمينه ثم إن البعير عضد أي لوى عنقه أي خر فقلن ما صنعت قال هكذا فصادتي فجرت مثلا قال فلطمته إحداهن فقال ما أنتن نساء عنزة بكرام ولا ذوات أحلام وإن امرأة منهن يقال لها عاجزة أعجبت به فأطلقته ولم ينقموا عليه ما فعل فقال حاتم يذكر البعير الذي فصده ( كذَلِكَ فَصْدِي إنْ سألتِ مَطِيَّتي ... دَمُ الجَوْفِ إذْ كلُّ الفِصَادِ وَخِيمُ ) أقبل ركب من بني أسد من قيس يريدون النعمان فلقوا حاتما فقالوا له إنا تركنا قومنا يثنون عليك خيرا وقد أرسلوا إليك رسولا برسالة قال وما هي فأنشده الأسديون شعرا لعبيد ولبشر يمدحانه وأنشد القيسيون شعرا للنابغة فلما أنشدوه قالوا إنا نستحي أن نسألك شيئا وإن لنا لحاجة قال وما هي قالوا صاحب لنا قد أرجل فقال حاتم خذوا فرسي هذه فاحملوا عليها صاحبكم فأخذوها وربطت الجارية فلوها بثوبها فأفلت فاتبعته الجارية فقال حاتم ما تبعكم من شيء فهو لكم فذهبوا بالفرس والفلو والجارية وإنهم وردوا على أبي حاتم فعرف الفرس والفلو فقال ما هذا معكم فقالوا مررنا بغلام كريم فسألناه فأعطى الجسيم قال وكنا عند معاوية فتذاكرنا الجود فقال رجل من القوم أجود الناس حيا وميتا حاتم فقال معاوية وكيف ذلك فإن الرجل من قريش ليعطي في المجلس ما لم يملكه حاتم قط ولا قومه فقال أخبرك يا أمير المؤمنين أن نفرا من بني أسد مروا بقبر حاتم فقالوا لنبخلنه ولنخبرن العرب أنا نزلنا بحاتم فلم يقرنا فجعلوا ينادون يا حاتم ألا تقري أضيافك وكان رئيس القوم رجل يقال له أبا الخيبري فإذا هو بصوت ينادي في جوف الليل ( أبَا خَيْبريٍّ وأنت امرؤٌ ... ظلوم العشيرة شَتَّامُها ) إلى آخرها فذهبوا ينظرون فإذا ناقة أحدهم تكوس على ثلاثة أرجل عقيرا قال فعجب القوم من ذلك جميعا حاتم وأوس بن سعد وكان أوس بن سعد قال للنعمان بن المنذر أنا أدخلك بين جبلي طيئ حتى يدين لك أهلهما فبلغ ذلك حاتما فقال ( ولقد بَغَى بِخًلاد أوسٌ قومَه ... ذُلاًّ وقد علمَتْ بذلكَ سِنْبِسُ ) ( حَاشَا بَنِي عَمْرِو بْنِ سِنْبِسَ إنهم ... مَنَعُوا ذِمَارَ أبيهم أنْ يدنَسوا ) ( وتواعَدُوا وِرْدَ القُرَيَّة غُدوَةً ... وحلفْتُ باللهِ العزيز لنَحبِسُ ) ( واللهُ يعلَمُ لو أتَى بِسُلافِهم ... طَرَفُ الجَرِيض لَظَلَّ يَوْمٌ مِشْكَسُ ) ( كالنار والشّمسِ التي قالَتْ لها ... بيد اللُّوَيمِس عالماً ما يَلْمَسُ ) ( لا تطعمنَّ الماء إنْ أوْرَدْتَهُم ... لِتَمامِ ظِمْئِكُم ففُوزُوا واحْلِسُوا ) ( أو ذو الحصين وفارِسٌ ذُو مِرَّة ... بكَتِيبةٍ مَنْ يُدْرِكُوه يُفْرَسُ ) ( ومُوَطَّأ الأكنافِ غير ملعَّن ... في الحيِّ مَشَّاء إليه المَجْلِسُ ) قال وجاور في بني بدر زمن احتربت جديلة وثعل وكان ذلك زمن الفساد فقال يمدح بني بدر ( إن كنْتِ كارِهةً مَعِيشتنا ... هاتِي فَحُلِّي في بَنِي بدْرِ ) ( جاوَرتُهم زَمَنَ الفسادِ فَنِعْم ... َ الحيُّ في العَوْصَاء واليُسر ) ( فسُقيتُ بالماء النَّمير ولم ... يُنْظَرْ إليَّ بأعيُنٍ خُزْرِ ) ( الضارِبين لدَى أعنَّتِهم ... والطاعنين وخَيْلُهم تَجْرِي ) ( الخالطين نَحيِتُهم بنُضَارِهْم ... وَذَوِي الغِنَى منهم بِذِي الفَقْر ) وزعموا أن حاتما خرج في الشهر الحرام يطلب حاجة فلما كان بأرض عنزة ناداه أسير لهم يا أبا سفانة أكلني الإسار والقمل قال ويلك والله ما أنا في بلاد قومي وما معي شيء وقد أسأت بي إذ نوهت باسمي ومالك مترك فساوم به العنزيين فاشتراه منهم فقال خلوا عنه وأنا أقيم مكانه في قيده حتى أؤدي فداءه ففعلوا فأتي بفدائه حديث ماوية عن كرم حاتم وحدث الهيثم بن عدي عمن حدثه عن ملحان ابن أخي ماوية امرأة حاتم قال قلت لماوية ياعمة حدثيني بعض عجائب حاتم فقالت كل أمره عجب فعن أيه تسأل قال قلت حدثينى ما شئت قالت أصابت الناس سنة فأذهبت الخف والظلف فإني وإياه ليلة قد أسهرنا الجوع قالت فأخذ عديا وأخذت سفانة وجعلنا نعللهما حتى ناما حتى أقبل علي يحدثني ويعللني بالحديث كي أنام فرققت له لما به من الجهد فأمسكت عن كلامه لينام فقال لي أنمت مرارا فلم أجب فسكت فنظر في فتق الخباء فإذا شيء قد أقبل فرفع رأسه فإذا امرأة فقال ما هذا قالت يا أبا سفانة أتيتك من عند صبية يتعاوون كالذئاب جوعا فقال أحضريني صبيانك فوالله لأشبعنهم قالت فقمت سريعا فقلت بماذا يا حاتم فوالله ما نام صبيانك من الجوع إلا بالتعليل فقال والله لأشبعن صبيانك مع صبيانها فلما جاءت قام إلى فرسه فذبحها ثم قدح نارا ثم أججها ثم دفع إليها شفرة فقال اشتوي وكلي ثم قال أيقظي صبيانك قالت فأيقظتهم ثم قال والله إن هذا للؤم تأكلون وأهل الصوم حالهم مثل حالكم فجعل يأتي الصرم بيتا بيتا فيقول انهضوا عليكم بالنار قال فاجتمعوا حول تلك الفرس وتقنع بكسائه فجلس ناحية فما أصبحوا ومن الفرس على الأرض قليل ولا كثير إلا عظم وحافر وإنه لأشد جوعا منهم وما ذاقه حاتم والمحرق عمرو بن هند أتى حاتم محرقا فقال له محرق بايعني فقال له إن لي أخوين ورائي فإن يأذنا لي أبايعك وإلا فلا قال فاذهب إليهما فإن أطاعاك فأتني بهما وإن أبيا فأذن بحرب فلما خرج حاتم قال ( أتاني مِن الريَّان أمْسِ رسالةٌ ... وعُدْوَى وَغيٌّ ما يقول مُواسِلُ ) ( هُما سألاني ما فعلتَ وإنني ... كذلك عما أحْدثا أنا سائل ) ( فَقْلْتُ ألا كيف الزمانُ عليكما ... فقالا بِخَيْر كلُّ أرضِك سائلُ ) فقال محرق ما أخواه قال طرفا الجبل فقال ومحلوفه لأجللن مواسلا الريط مصبوغات بالزيت ثم لأشعلنه بالنار فقال رجل من الناس جهل مرتقى بين مداخل سبلات فلما بلغ ذلك محرقا قال لأقدمن عليك قريتك ثم إنه أتاه رجل فقال له إنك إن تقدم القرية تهلك فانصرف ولم يقدم غزت فزارة طيئا وعليهم حصين بن حذيفة وخرجت طيىء في طلب القوم فلحق حاتم رجلا من بدر فطعنه ثم مضى فقال إن مر بك أحد فقل له أنا أسير حاتم فمر به أبو حنبل فقال من أنت قال أنا أسير حاتم فقال له إنه يقتلك فإن زعمت لحاتم أو لمن سألك أني أسرتك ثم صرت في يدي خليت سبيلك فلما رجعوا قال حاتم يا أبا حنبل خل سبيل أسيري فقال أبو حنبل أنا أسرته فقال حاتم قد رضيت بقوله فقال أسرني أبو حنبل فقال حاتم ( إنَّ أباكَ الجَوْنَ لم يَكُ غادراً ... ألاَ مِنْ بَنِي بدر أتتْكَ الغَوائلُ ) صوت ( وهاجرةٍ مِنْ دُونِ مَيَّةَ لم تَقِلْ ... قَلُوصي بها والجُندبُ الجَوْنُ يَرْمَحُ ) ( بِتَيْهاءِ مِقْفَارٍ يَكادُ ارْتكاضُها ... بآل الضُّحَى والهَجْرُ بالطَّرْفِ يَمْصَحُ ) الهجر ها هنا مرفوع بفعله كأنه قال يكاد ارتكاضها بالآل يمصح بالطرف هو والهجر ويمصح يذهب بالطرف ( كأنَّ الفِرِنْدَ المَحْضَ معصوبةٌ بهِ ... ذُرَا قُورِها يَنْقَدُّ عنها ويُنْصَحُ ) ( إذا ارفضَّ أطرافُ السِّيَاطِ وهَلَّلتْ ... جُرومُ المَهَارِي عُدَّ مِنهنَّ صَيْدَحُ ) عروضه من الطويل الهاجرة تكون وقت الزوال والجندب الجرادة والجون الأسود والجون الأبيض أيضا وهو من الأضداد وقوله يرمح أي ينزو من شدة الحر لا يكاد يستقر على الأرض والتيهاء من الأرض التي يتاه فيها والمقفار التي لا أحد فيها ولا ساكن بها ذكر ذلك أبو نصر عن الأصمعي وارتكاضها يعني ارتكاض هذه التيهاء وهو نزولها بالآل والآل السراب والهجر والهاجرة واحد وقوله الهجر بالطرف يمصح رفع الهجر بفعله كأنه قال يكاد ارتكاضها بالآل يمصح بالطرف هو والهجر يمصح يذهب بالطرف والفرند الحرير الأبيض والمحض الخالص يقول كأن هذا السراب حرير أبيض وقد عصبت به ذرى قورها وهي الجبال الصغار والواحدة قارة فتارة يغطيها وتارة ينجاب عنها وينكشف فكأنه إذا انكشف عنها ينقد عنها وكأنه إذا غطاها ينصح عنها أي يخاط ويقال نصحت الثوب إذا خطته والناصح الخياط والنصاح الخيط وقوله ارفض أطراف السياط يعني أنها انفتحت أطرافها من طول السفر وأصل الأرفضاض التفرق والجروم الأبدان واحدها جرم بالكسر وقوله هللت جروم المطايا يعني أنها صارت كالأهلة في الدقة وصيدح اسم ناقته الشعر لذي الرمة والغناء لإبراهيم الموصلي ماخوري بالوسطى تم الجزء السابع عشر من كتاب الأغاني ويليه الجزء الثامن عشر وأوله ذكر ذي الرمة وخبره ذكر ذي الرمة وخبره اسمه غيلان بن عقبة بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ملكان بن عدي بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر وقال ابن سلام هو غيلان بن عقبة بن بهيش بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ملكان ويكنى أبا الحارث وذو الرمة لقب يقال لقبته به مية وكان اجتاز بخبائها وهي جالسة إلى جنب أمها فاستسقاها ماء فقالت لها أمها قومي فاسقيه وقيل بل خرق إداوته لما رآها وقال لها اخرزي لي هذه فقالت والله ما أحسن ذلك فإني لخرقاء قال والخرقاء التي لا تعمل بيدها شيئا لكرامتها على قومها فقال لأمها مريها أن تسقيني ماء فقالت لها قومي يا خرقاء فاسقيه ماء فقامت فأتته بماء وكانت على كتفه رمة وهي قطعة من حبل فقالت اشرب يا ذا الرمة فلقب بذلك وحكى ابن قتيبة أن هذه القصة جرت بينه وبين خرقاء العامرية وقال ابن حبيب لقب ذا الرمة لقوله ( أشعَث باقي رُمَّةِ التّقليدِ ... ) وقيل بل كان يصيبه في صغره فزع فكتبت له تميمة فعلقها بحبل فلقب بذلك ذا الرمة ونسخت من كتاب محمد بن داود بن الجراح حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات عن محمد بن صالح العدوي عن أبيه وعن أشياخه وعدة من أهل البادية من بني عدي منهم زرعة بن أذبول وابنه سليمان وأبو قيس وتميم وغيرهم من علمائهم أن أم ذي الرمة جاءت إلى الحصين بن عبدة بن نعيم العدوي وهو يقرىء الأعراب بالبادية احتسابا بما يقيم لهم صلاتهم فقالت له يا أبا الخليل إن ابني هذا يروع بالليل فاكتب لي معاذة أعلقها على عنقه فقال لها ائتيني برق أكتب فيه قالت فإن لم يكن فهل يستقيم في غير رق أن يكتب له قال فجيئيني بجلد فأتته بقطعة جلد غليظ فكتب له معاذة فيه فعلقته في عنقه فمكث دهرا ثم إنها مرت مع ابنها لبعض حوائجها بالحصين وهو جالس في ملأٍ من أصحابه ومواليه فدنت منه فسلمت عليه وقالت يا أبا الخليل ألا تسمع قول غيلان وشعره قال بلى فتقدم فأنشده وكانت المعاذة مشدودة على يساره في حبل أسود فقال الحصين أحسن ذو الرمة فغلبت عليه وقال الأصمعي أم ذي الرمة امرأة من بني أسد يقال لها ظبية وكان له إخوة لأبيه وأمه شعراء منهم مسعود وهو الذي يقول يرثي أخاه ذا الرمة ويذكر ليلى بنته ( إلى الله أشكو لا إلى الناس أنني ... وليلَى كِلانا مُوجعٌ مات وافِدُهْ ) ولمسعود يقول ذو الرمة صوت ( أقولُ لمسعود بِجَرْعاءِ مالكٍ ... وقد همَّ دَمْعِي أن تَسِحَّ أوائِلُهْ ) ( ألا هل تَرى الأظعان جاوَزْنَ مُشرِفاً ... من الرمل أو سالت بهنَّ سلاسلُهْ ) غنى فيه يحيى بن المكي ثاني ثقيل بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو ومسعود الذي يقول يرثي أخاه أيضا ذا الرمة ويرثي أوفى بن دلهم ابن عمه وأوفى هذا أحد من يروى عنه الحديث وقال هارون بن الزيات أخبرني ابن حبيب عن ابن الأعرابي قال كان لذي الرمة إخوة ثلاثة مسعود وجرفاس وهشام كلهم شعراء وكان الواحد منهم يقول الأبيات فيبني عليها ذو الرمة أبياتا أخر فينشدها الناس فيغلب عليها لشهرته وتنسب إليه ( نعى الركبُ أوفَى حين آبتْ رِكابُهم ... لعَمْرِي لقد جاؤوا بشَرٍّ فأوجعوا ) ( نَعَوْا باسِقَ الأَخلاقِ لا يُخلَفونَه ... تكادُ الجبالُ الصُّمُّ مِنه تَصدَّعُ ) ( خوى المسجدُ المعمورُ بَعْدَد ابْنِ دَلْهمٍ ... فأضحى بأوْفَى قومهُ قد تضعضعوا ) ( تعزَّيتُ عن أوفَى بغَيْلانَ بَعْدَ ... عَزاءً وجَفنُ العين ملآنُ مُتْرَعُ ) ( ولم تُنْسِني أوفَى المصيبات بعده ... ولكنْ نِكاءُ القَرْح بالقَرْحِ أوْجَعُ ) وأخوه الآخر هشام وهو رباه وكان شاعرا ولذي الرمة يقول ( أغَيلانُ إن ترجع قُوى الوُدّ بيننا ... فكلُّ الذي ولّى من العيش راجع ) ( فكنْ مثل أقصَى الناسِ عندِي فإنني ... بطول التَّنَائي مِنْ أخِي السوء قانِعُ ) وقال ذو الرمة لهشام أخيه ( أغرَّ هشاماً من أخيه ابنِ أُمه ... قوادِمُ ضَأنٍ أقبلَتْ ورَبِيعُ ) ( وهل تُخلِفُ الضأنُ الغزَارُ أخَا النَّدى ... إذا حَلَّ أمرٌ في الصُّدُورِ فَظِيعُ ) فأجابه هشام فقال ( إذا بانَ مالِي مِنْ سَوامِك لم يكُنْ ... إليك ورَبِّ العالمين رُجوعُ ) ( فأنْتَ الفتى ما اهتزّ في الزّهَرِ النَّدي ... وأنتَ إذا اشتدّ الزمانُ مَنُوعُ ) وذكر المهلبي عن أبي كريمة النحوي قال خرج ذو الرمة يسير مع أخيه مسعود بأرض الدهناء فسنحت لهما ظبية فقال ذو الرمة ( أقُولُ لدَهناويةٍ عَوْهَجٍ جرَتْ ... لنا بين أعلى بُرْقةٍ بالصّرائمٍ ) ( أيا ظَبْيةَ الوَعْساءِ بين جُلاجِلٍ ... وبين النَّقا آأنتِ أمْ أمُّ سالمِ ) وقال مسعود ( فلو تُحْسِنُ التشبيهَ والنعْتَ لم تقُلْ ... لِشاةِ النَّقا آأنْتِ أمْ أمِّ سالمِ ) ( جعلت لها قَرْنَيْن فوق قُصاصِها ... وظِلْفَين مُسوَدَّين تحت القوائِم ) وقال ذو الرمة ( هِيَ الشِّبْهُ لولا مِذْرواها وأُذْنُها ... سواء ولولا مَشْقَةٌ في القَوَائِم ) وكان ذو الرمّة كثيراً ما يأتي الحضر فيقيم بالكوفة والبصرة وكان طفيليا أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني الحسن بن علي قال حدثني ابن سعيد الكندي قال سمعت ابن عياش يقول حدثني من رأى ذا الرمة طفيليا يأتي العرسات بعض صفاته نسخت من كتاب محمد بن داود الجراح حدثني هارون بن الزيات قال أخبرني محمد بن صالح العدوي قال قال زرعة بن أذبول كان ذو الرمة مدور الوجه حسن الشعرة جعدها أقنى أنزع خفيف العارضين أكحل حسن الضحك مفوها إذا كلمك كلمك أبلغ الناس يضع لسانه حيث يشاء وقال حماد بن إسحاق حدثني إدريس بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة عن عمته عافية وغيرها من أهله أنهم رأوا ذا الرمة باليمامة عند المهاجر بن عبد الله شيخا أجنأ سناطا متساقطا وقال هارون بن الزيات حدثني علي بن أحمد الباهلي قال حدثني ربيح النميري قال اجتمع الناس مرة وتحلقوا عن ذي الرمة وهو ينشدهم فجاءت أمه فاطلعت من بينهم فإذا رجل قاعد وهو ذو الرمة وكان دميما شختا أجنأ فقالت أمه استمعوا إلى شعره ولا تنظروا إلى وجهه قال هارون وأخبرني يعقوب بن السكيت عن أبي عدنان قال أخبرني أسيد الغنوي قال سمعت بباديتنا من قوم هضبوا في الحديث أن ذا الرمة كان ترعية وكان كناز اللحم مربوعا قصيرا وكان أنفه ليس بالحسن أخبرني ابن عمار عن سليمان بن أبي شيخ عن أبيه عن صالح بن سليمان قال كان الفرزدق وجرير يحسدان ذا الرمة وأهل البادية يعجبهم شعره قالو كان صالح بن سليمان راوية لشعر ذي الرمة فأنشد يوما قصيدة له وأعرابي من بني عدي يسمع فقال أشهد عنك - أي أنك - لفقيه تحسن ما تتلوه وكان يحسبه قرآنا نسخت من كتاب محمد بن داود وحدثني هارون بن الزيات عن محمد بن صالح العدوي قال قال حماد الراوية قال الكميت حين سمع قول ذي الرمة ( أعاذِلُ قد أكثرتِ مِنْ قول قائلٍ ... وعَيْبٌ على ذي الوُدّ لَوْمُ العواذلِ ) هذا والله ملهم وما علم بدوي بدقائق الفطنة وذخائر كنز العقل المعد لذوي الألباب أحسن ثم أحسن قال محمد بن صالح وحدثني محمد بن كناسة بذلك عن الكميت وقال لما أنشد قوله في هذه القصيدة ( دعاني وما دَاعِيَ الهوى مِنْ بلادِها ... إذا ما نأتْ خَرْقَاءُ عنِّي بِغافِلِ ) فقال الكميت لله بلاد هذا الغلام ما أحسن قوله وما أجود وصفه ولقد شفع البيت الأول بمثله في جودة الفهم والفطنة وقال قول مستسلم قال ابن كناسة وقال لي حماد الراوية ما أخر القوم ذكره إلا لحداثة سنه وأنهم حسدوه آراء في شعره قال محمد بن صالح وقال لي خالد بن كلثوم وأبو عمرو قال أبو حزام وأبو المطرف لم يكن أحد من القوم في زمانه أبلغ من ذي الرمة ولا أحسن جوابا كان كلامه أكثر من شعره وقال الأصمعي ما أعلم أحدا من العشاق الحضريين وغيرهم شكا حبا أحسن من شكوى ذي الرمة مع عفة وعقل رصين قال وقال أبو عبيدة ذو الرمة يخبر فيحسن الخبر ثم يرد على نفسه الحجة من صاحبه فيحسن الرد ثم يعتذر فيحسن التخلص مع حسن إنصاف وعفاف في الحكم أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني قال حدثنا الفضل بن إسحاق الهاشمي عن مولى لجده قال رأيت ذو الرمة بسوق المربد وقد عارضه رجل يهزأ به فقال له يا أعرابي أتشهد بما لم تر قال نعم قال بماذا قال أشهد أن أباك ناك أمك أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله عن ابن حبيب عن عمارة بن عقيل قال كان جرير عند بعض الخلفاء فسأله عن ذي الرمة فقال أخذ من طريف الشعر وحسنه ما لم يسبقه إليه أحد غيره أخبرني وكيع عن حماد بن إسحاق قال قال حماد الراوية قدم علينا ذو الرمة الكوفة فلم أر أفصح ولا أعلم بغريب منه نسخت من كتاب ابن النطاح حدثني أبو عبيدة عن أبي عمرو قال ختم الشعر بذي الرمة وختم الرجز برؤبة قال فما تقول في هؤلاء الذين يقولون قال كل على غيرهم إن قالوا حسنا فقد سبقوا إليه وإن قالوا قبيحا فمن عندهم أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن بعض أصحابه عن حماد الراوية قال أحسن الجاهلية تشبيها امرؤ القيس وذو الرمة أحسن أهل الإسلام تشبيها أخبرني محمد بن العباس اليزيدي عن عمه عبيد الله عن ابن حبيب عن عمارة بن عقيل أن جريرا والفرزدق اتفقا عند خليفة من خلفاء بني أمية فسأل كل واحد منهما على انفراد عن ذي الرمة فكلاهما قال أخذ من طريف الشعر وحسنه ما لم يسبقه إليه غيره فقال الخليفة أشهد لاتفاقكما فيه أنه أشعر منكما جميعا أخبرني جحظة عن حماد بن إسحاق قال حدثني أبي قال أنشد الصيقل شعر ذي الرمة فاستحسنه وقال ماله قاتله الله ما كان إلا ربيقة هلا عاش قليلا وقال هارون بن محمد أخبرني علي بن أحمد الباهلي قال حدثني محمد بن إسحاق البلخي عن سفيان بن عيينة عن ابن شبرمة قال سمعت ذا الرمة يقول إذا قلت كأنه ثم لم أجد مخرجا فقطع الله لساني قال هارون وحدثني العباس بن ميمون طائع قال قال الأصمعي كان ذو الرمة أشعر الناس إذا شبه ولم يكن بالمفلق وحدثني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال كان لذي الرمة حظ في حسن التشبيه لم يكن لأحد من الإسلاميين كان علماؤنا يقولون أحسن الجاهلية تشبيها امرؤ القيس وأحسن أهل الإسلام تشبيها ذو الرمة ذو الرمة ومية المنقرية أخبرني محمد بن يزيد قال حدثنا حماد عن أبيه عن أبي عقيل عمارة بن عقيل عن عمته أم القاسم ابنة بلال بن جرير عن جارية كانت لأم مي قالت كنا نازلين بأسفل الدهناء وكان رهط ذي الرمة مجاورين لنا فجلست مية - وهي حينئذ فتاة حين نهد ثدياها أحسن من رأيته - تغسل ثيابا لها ولأمها في بيت منفرد وكان بيتا رثا قد أخلق ففيه خروق فلما فرغت ولبست ثيابها جاءت فجلست عند أمها فأقبل ذو الرمة حتى دخل إلينا ثم سلم ونشد ضالة وجلس ساعة ثم خرج فقالت مية إني لأرى هذا العدوي قد رآني منكشفة واطلع علي من حيث لا أدري فإن بني عدي أخبث قوم في الأرض فاذهبي فقصي أثره فخرجت فوجدته ما يثبت مقامه فقصصت أثره ثانية حتى رأيته وقد تردد أكثر من ثلاثين طرقة كل ذلك يدنو فيطلع إليها ثم يرجع على عقبيه ثم يعود فيطلع إليها فأخبرتها بذلك ثم لم ننشب أن جاءنا شعره فيها من كل وجه ومكان وذكر علي بن سعيد بن بشر الرازي أن هارون بن مسلم بن سعد حدثه عن حسين بن براق الأسدي عن عمارة بن ثقيف قال حدثني ذو الرمة أن أول ما قاد المودة بينه وبين مية أنه خرج هو وأخوه وابن عمه في بغاء إبل لهم قال بينا نحن نسير إذ وردنا على ماء وقد أجهدنا العطش فعدلنا إلى حواء عظيم فقال لي أخي وابن عمي ائت الحواء فاستسق لنا فأتيته وبين يديه في رواقه عجوز جالسة قال فاستسقيت فالتفتت وراءها فقالت يا مي اسقي هذا الغلام فدخلت عليها فإذا هي تنسج علقة لها وهي تقول ( يا مَنْ يرى بَرْقاً يَمُرُّ حينا ... زَمْزَمَ رَعْداً وانتحى يمينا ) ( كأنَّ في حافاتهِ حنينا ... أو صوتَ خيل ضُمَّرٍ يَرْدِينَا ) قال ثم قامت تصب في شكوتي ماء وعليها شوذب لها فلما انحطت على القربة رأيت مولى لم أر أحسن منه قال فلهوت بالنظر إليها وأقبلت تصب الماء في شكوتي والماء يذهب يمينا وشمالا قال فأقبلت علي العجوز وقالت يا بني ألهتك مي عما بعثك أهلك له أما ترى الماء يذهب يمينا وشمالا فقلت أما والله ليطولن هيامي بها قال وملأت شكوتي وأتيت أخي وابن عمي ولففت رأسي فانتبذت ناحية وقد كانت مي قالت لقد كلفك أهلك السفر على ما أرى من صغرك وحداثة سنك فأنشأت أقول ( قد سَخْرَتْ أُختُ بني لَبِيدِ ... منّي ومِنْ سَلْمٍ ومِنْ وَليدِ ) ( رأتْ غُلامَيْ سَفَرٍ بعيدِ ... يَدَّرِعانِ اللَّيلَ ذا السُّدودِ ) ( مثل ادِّرَاعِ اليَمْلَقِ الجديد ... ) قال وهي أول قصيدة قلتها ثم أتممتها ( هل تعرف المنزل بالوَحِيدِ ... ) ثم مكثت أهيم بها في ديارها عشرين سنة ذو الرمة وزوج مي أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن النوفلي قال سمعت أبي يقول ضاف ذو الرمة زوج مي في ليلة ظلماء وهو طامع في ألا يعرفه زوجها فيدخله بيته فيراها ويكلمها ففطن له الزوج وعرفه فلم يدخله وأخرج إليه قراه وتركه بالعراء وقد عرفته مية فلما كان في جوف الليل تغني غناء الركبان قال ( أراجعةٌ يا ميُّ أيامُنا الأُلَى ... بذِي الأثْل أم لاَ ما لهنّ رجوعُ ) فغضب زوجها وقال قومي فصيحي به يابن الزانية وأي أيام كانت لي معك بذي الأثل فقالت يا سبحان الله ضيف والشاعر يقول فانتضى السيف وقال والله لأضربنك به حتى آتي عليك أو تقولي فصاحت به كما أمرها زوجها فنهض على راحلته فركبها وانصرف عنها مغضبا يريد أن يصرف مودته عنها إلى غيرها فمر بفلج في ركب وبعض أصحابه يريد أن يرقع خفه فإذا هو بجوار خارجات من بيت يردن آخر وإذا خرقاء فيهن - وهي امرأة من بني عامر - فإذا جارية حلوة شهلاء فوقعت عين ذي الرمة عليها فقال لها يا جارية أترقعين لهذا الرجل خفه فقالت تهزأ به أنا خرقاء لا أحسن أن أعمل فسماها خرقاء وترك ذكر مي يريد أن يغيظ بذلك ميا فقال فيها قصيدتين أو ثلاثا ثم لم يلبث أن مات أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن الأصمعي عن عمارة بن عقيل قال قال جرير خرجت مع المهاجر بن عبد الله إلى حجة فلقينا ذا الرمة فاستنشده المهاجر فأنشده ( ومِنْ حاجتي لَوْلاَ التَّنَائي ورُبّما ... منحتُ الهَوَى مَنْ ليس بالمُتَقَارب ) ( عطابيلُ بيضٌ مِنْ ربيعة عامرٍ ... عِذابُ الثنايا مُثقَلاتُ الحقائب ) ( يَقِظْنَ الحِمَى والرّمْلُ منهنّ مَحْضَرٌ ... ويَشْرَبْنَ ألبانَ الهِجان النجائب ) فالتفت إلي المهاجر وقال أتراه مجنونا أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال أخبرنا أبو البيداء الرياحي قال قال جرير قاتل الله ذا الرمة حيث يقول ( ومُنْتَزِعٍ مِنْ بين نِسْعَيْهِ جِرَّةً ... نشيجَ الشَّجَا جاءَت إلى ضِرْسِه نَزْرَا ) أما والله لو قال ما بين جنبيه لما كان عليه من سبيل أخبرني الطوسي وحبيب المهلبي عن ابن شبة عن أبي غزالة عن هشام بن محمد الكلبي عن رجل من كندة قال سئل جرير عن شعر ذي الرمة فقال بعر ظباء ونقط عروس يضمحل عن قليل أخبرني أبو خليفة عن ابن سلام قال كان أبو عمرو بن العلاء يقول إنما شعر ذي الرمة نقط عروس يضمحل عن قليل وأبعار لها مشم في أول شمة ثم تعود إلى أرواح البعر الفرزدق لا يعده من الفحول قال أبو زيد بن شبة قال أبو عبيدة وقف الفرزدق على ذي الرمة وهو ينشد قصيدته الحائية التي يقول فيها ( إذا ارْفَضّ أطرافُ السِّياط وهُلِّلَتْ ... جُرومُ المطايا عدّبتهنّ صَيْدَحُ ) فقال ذو الرمة كيف تسمع يا أبا فراس قال أسمع حسنا قال فمالي لا أعد في الفحول من الشعراء قال يمنعك من ذلك ويباعدك ذكرك الأبعار وبكاؤك الديار ثم قال ( ودَوِّيَّةٍ لو ذُو الرُّمَيْمةِ رَامَها ... لقصَّر عنها ذو الرُّمَيْم وصَيْدَحُ ) ( قطعتُ إلى معروفها منكراتِها ... إذا اشتدّ آلُ الأَمْعَزِ المتوضِّحُ ) وقال عمر بن شبة في هذا الخبر فقام إليه ذو الرمة فقال أنشدك الله أبا فراس أن تزيد عليهما شيئا فقال إنهما بيتان ولن أزيد عليهما شيئا قال وكان عمر بن شبة يقول عمن أخبره عن أبي عمرو إنما شعره نقط عروس تضمحل عما قليل وأبعار ظباء لها مشم في أول شمها ثم تعود إلى أرواح الأبعار وكان هوى ذي الرمة مع الفرزدق على جرير وذلك لما كان بين جرير وابن لجأ التيمي وتيم وعدي اخوان من الرباب وعكل أخوهم ولذلك يقول جرير لعكل ( فلا يضغَمنَّ الليثُ عُكْلاً بغرَّةٍ ... وعُكلٌ يَشمُّونَ الفَرِيسَ المنيَّبا ) الفريس ها هنا ابن لجأ وكذلك يفعل السبع إذا ضغم شاة ثم طرد عنها أو سبقته أقبلت الغنم تشم موضع الضغم فيفترسها السبع وهي تشم ولذلك قال جرير لبني عدي ( وقُلْتُ نضاحةً لبَني عَدِيٍّ ... ثيابَكُم ونَضْحَ دَمِ القَتِيلِ ) يحذر عديا ما لقي ابن لجأ أخبرني أبو خليفة عن ابن سلام أن أبا يحيى الضبي قال قال ذو الرمة يوما لقد قلت أبياتا إن لها لعروضا وإن لها لمرادا ومعنى بعيدا قال له الفرزدق ما هي قال قلت ( أحين أعاذَتْ بي تميمٌ نساءَها ... وجُرِّدْتُ تجرِيدَ اليَمانِي من الغِمْدِ ) ( ومَدَّت بضَبْعَيَّ الرِّبابُ ومالِكٌ ... وعَمْرُو وشالتْ مِنْ ورائي بنو سَعْدِ ) ( ومن آلِ يَرْبُوعٍ زُهَاءٌ كأّنّه ... زُهَا اللَّيْلِ محمودُ النِّكايَةِ والرِّفْدِ ) فقال له الفرزدق لا تعودن فيها فأنا أحق بها منك قال والله لا أعود ولا أنشدها أبدا إلا لك فهي قصيدة الفرزدق التي يقول فيها ( وكُنَّا إذا القَيْسِيُّ نَبّ عَتُوده ... ضَرَبْنَاه فوْق الأُنثيين على الكَرْدِ ) - الأنثيان الأذنان والكرد العنق - وروى هذا الخبر حماد عن أبيه عن أبي عبيدة عن الضحاك الفقيمي قال بينا أنا بكاظمة وذو الرمة ينشد قصيدته التي يقول فيها ( أحينَ أعاذَتْ بي تَميمٌ نساءَها ... ) إذا راكبان قد تدليا من نقب كاظمة مقنعان فوقفا فلما فرغ ذو الرمة حسر الفرزدق عن وجهه وقال لراويته يا عبيد اضمم إليك هذه الأبيات قال له ذو الرمة نشدتك الله يا أبا فراس فقال له أنا أحق بها منك وانتحل منها هذه الأربعة الأبيات ذو الرمة وهشام المرئي حدثنا محمد قال حدثنا أبو الغراف قال مر ذو الرمة بمنزل لامرىء القيس بن زيد مناة يقال له مرأة به نخل فلم ينزلوه ولم يقروه فقال ( نَزلْنَا وقد طال النهارُ وأوْقَدَتْ ... علينا حصى المَعزاءِ شَمْسٌ تنالُها ) ( أَنَخْنا نظُلِّلنا بأَبْرَادِ يُمْنَةٍ ... عِتاقٍ وأسيافٍ قديمٍ صِقالُها ) ( فلما رآنَا أهْلُ مَرْأَةَ أغلقوا ... مخادِعَ لم ترفَعْ لخيرٍ ظِلالُها ) ( وقد سُمِّيَتْ باسْمِ امرىء القيس قَريةٌ ... كِرامٌ صَوَادِيها لِئامٌ رِجالُها ) فلج الهجاء بين ذي الرمة وبين هشام المرئي فمر الفرزدق بذي الرمة وهو ينشد صوت ( وقَفْتُ على رَبْعٍ لِمَيَّة ناقتي ... فما زِلْتُ أبْكِي عنده وأُخَاطِبُه ) ( وأسقِيهِ حتى كاد مما أَبُثُّه ... تُكلِّمني أحجارُه وَمَلاعِبُه ) غنى فيه إبراهيم ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر وسيأتي خبره بعد لئلا ينقطع هذا الخبر فقال له الفرزدق ألهاك البكاء في الديار والعبد يرتجز بك في المقابر يعني هشاما وكان ذو الرمة مستعليا هشاما حتى لقي جرير هشاما فقال غلبك العبد يعني ذا الرمة قال فما أصنع يا أبا حزرة وأنا راجز وهو يقصد والرجز لا يقوم للقصيد في الهجاء ولو رفدتني فقال جرير - لتهمته ذا الرمة بالميل إلى الفرزدق - قل له ( غَضِبْتُ لرَجْلٍ مِنْ عَدِيّ تشمَّسوا ... وفي أيِّ يَوْمٍ لم تَشَمَّسْ رجالُها ) ( وفيم عَديٌّ عند تَيْمٍ من العُلاَ ... وأيامنا اللاتي تُعَدُّ فَعَالُها ) ( وضَبَّةُ عَمي يابْنَ جُلٍّ فلا تَرُمْ ... مَساعِي قومٍ ليس منكَ سِجالُهَا ) ( يُمَاشي عَدِيّاً لؤمُها لا تُجِنُّه ... من الناس ما مسَّت عَدِيّاً ظِلالُها ) ( فقل لعديٍّ تَستعنْ بنسائِها ... عليّ فقد أعيا عَدِيّاً رِجالُها ) ( إذَا الرُّمَّ قد قَلَّدْتَ قومَك رُمَّةً ... بطيئاً بأمر المُطْلقين انحلالُها ) قال أبو عبد الله فحدثني أبو الغراف قال لما بلغت الأبيات ذا الرمة قال والله ما هذا بكلام هشام ولكنه كلام ابن الأتان أخبرنا أبو خليفة قال حدثنا ابن سلام قال وحدثني أبو البيداء قال لما سمعها قال هو والله ينتمي شعر حنظلي عذري وغلب هشام على ذي الرمة بها نسخت من كتاب ابن النطاح حدثني أبو عبيدة قال حدثني فلان المرئي قال أتانا جرير على حمار وأنا لا أعرفه فأتي بنبيذ فشرب فلما أخذ فيه قال أين هشام فدعي فقال له أنشدني ما قلت في ذي الرمة فأنشده فجعل كلما أنشده قصيدة قال لم تصنع شيئا ثم قال له قد دنا رواحي فاردد هذه الأبيات ومر شبانكم بروايتها وذكر الأبيات التي اولها قوله ( غَضِبْتَ لرَجْلٍ من تميم تَشَمَّسُوا ... ) ذو الرمة يعاتب جريرا قال فغلبه هشام بها فلما كان بعد ذلك لقي ذو الرمة جريرا فقال تعصبت على خالك للمرئي فقال جرير حيث فعلت ماذا قال حين تقول للمرئي كذا وكذا فقال جرير لأنك ألهاك البكاء في دار مية حتى استقبحته محارمك قال وقول ذي الرمة تعصبت على خالك أن النوار بنت جل أم حنظلة بن مالك وهي من رهط ذي الرمة وكذلك عنى جرير بقوله ( ولولا أن تقولَ بنو عديٍّ ... ألم تك أُمَّ حنظلة النَّوارُ ) ( أتتْكم يا بني مِلْكانَ منّي ... قصائدُ لا تعاوَرُها البِحارُ ) فقال ذو الرمة لا ولكن اتهمتني بالميل مع الفرزدق عليك قال كذلك هو قال فوالله ما فعلت وحلف له بما يرضيه قال فأنشدني ما هجوت به المرئي فأنشده قوله ( نَبَتْ عَيْنَاك عن طَللٍ بِحُزْوَى ... عَفَتْه الريح وامتضح القِطَارا ) فأطال جدا فقال له جرير ما صنعت شيئا أفأرفدك قال نعم قال قل ( يَعدُّ الناسِبُون إلى تميم ... بُيوتَ المجْدِ أربعةً كبارا ) ( يَعُدُّونَ الرِّبابَ وآلَ سَعْدٍ ... وعَمْراً ثم حنظلةَ الخيارا ) ( ويَهْلك بينها المَرئيُّ لَغْواً ... كما ألفيْتَ في الدِّيَةِ الحُوَارا ) ويروى ويذهب بينها فغلبه ذو الرمة بها قال حدثني محمد بن عمر الجرجاني قال حدثني جماعة من أهل العلم أن ذا الرمة مر بالفرزدق فقال له أنشدني أحدث ما قلت في المرئي فأنشده هذه الأبيات فأطرق الفرزدق ساعة ثم قال أعد فأعاد فقال كذبت وايم الله ما هذا لك ولقد قاله أشد لحيين منك وما هذا إلا شعر ابن الأتان فلما سمعها المرئي جعل يلطم رأسه ويصرخ ويدعو بويله ويقول قتلني جرير قتله الله هذا والله شعره الذي لو نقطت منه نقطة في البحر لكدرته قتلني وفضحني فلما استعلى ذو الرمة على هشام أتى هشام وقومه جريرا فقالوا يا أبا حزرة عادتك الحسنى فقال هيهات ظلمت أخوالي قد أتاني ذو الرمة فاعتذر إلي وحلف فلست أعين عليهم فلما يئسوا من عنده أتوا لهذا المكاتب وقد طلع بمكاتبته فأعطوه عشرة أعنز وأعانوه على مكاتبته فقال أبياتا عينية يفضل فيها بني امرئ القيس على بني عدي وهشاما على ذي الرمة ومات ذو الرمة في تلك الأيام فقال الناس غلبه هشام قال ابن النطاح إنما مات ذو الرمة بعقب إرفاد جرير إياه على المرئي فقال الناس غلبه ولم يغلبه إنما مات قبل الجواب أخبرني اليزيدي عن محمد بن الحسن الأحول عن بعض أصحابه عن الشبو بن قسيم العذري قال سمعت ذا الرمة يقول من شهري ما طاوعني فيه القول وساعدني ومنه ما أجهدت نفسي فيه ومنه ما جننت به جنونا فأما ما طاوعني القول فيه فقولي ( خليليّ عُوَجا مِنْ صُدورِ الرَّواحِلِ ... ) وأما ما أجهدت نفسي فيه فقولي ( أأنْ تَوسّمت من خَرْقاء منزلة ... ) أما ما جننت به جنونا فقولي ( ما بالُ عينك منها الدَّمْعُ ينسكِبُ ... ) أخبرني علي بن سليمان عن محمد بن يزيد عن عمارة بن عقيل قال كان جرير يقول ما أحببت أن ينسب إلي من شعر ذي الرمة إلا قوله ( ما بَالُ عَيْنِكَ منها الماءُ يَنْسَكِبُ ... ) فإن شيطانه كان له فيها ناصحا أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال قال حماد الراوية ما تمم ذو الرمة قصيدته التي يقول فيها ( ما بالُ عَيْنِك منها الماء ينسكب ... ) حتى مات كان يزيد فيها منذ قالها حتى توفي ذو الرمة في سوق المربد أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبي عدنان قال أخبرنا جابر بن عبد الله بن جامع بن جرموز الباهلي عن كثير بن ناجية قال بينا ذو الرمة ينشد بالمربد والناس مجتمعون إليه إذا هو بخياط يطالعه ويقول يا غيلان ( أأنتَ الذي تستنطق الدارَ واقفاً ... مِنَ الجهل هل كانت بكنّ حلولُ ) فقال ذو الرمة وفكر زمانا ثم عاد فقعد في المربد ينشد فإذا الخياط قد وقف عليه ثم قال ( أأنت الذي شبَّهت عَنْزاً بقفرةٍ ... لها ذَنَبٌ فوق اسْتِها أُمّ سالم ) ( وَقَرْنانِ إمَّا يَلزقا بِكَ يَتْركا ... بجَنْبَيْك يَا غيلاَنُ مِثلَ المواسمِ ) ( جعلت لها قرنين فوق شواتها ... وَرَابَك منها مَشْقَةٌ في القَوَائِمِ ) فقام ذو الرمة فذهب ولم ينشد بعدها في المربد حتى مات الخياط قال وأراد الخياط بقوله هذا قول ذي الرمة ( أقول لدَهْنَاوِيّةٍ عَوْهَجٍ جَرَتْ ... لنا بين أعْلَى بُرقةٍ في الصَّرائم ) ( أيا ظبية الوَعْسَاء بين جُلاَجلٍ ... وبين النَّقَا آأنْتِ أم أُمُّ سالمِ ) ( هي الشِّبْهُ لولا مِدْرياها وأذْنها ... سواء وإلا مَشْقَةٌ في القَوَائم ) فانتبه ذو الرمة لذلك فقال ( أقولُ بذِي الأَرْطَى عشِيَّةَ أَرشَقَتْ ... الى الرَّكْبِ أعناقُ الظِّباءِ الخَواذلِ ) ( لأدماءَ مِنْ آرام بين سُوَيْقةٍ ... وبين الجبال العُفْر ذاتِ السَّلاَسِلِ ) ( أرى فيكِ من خرقاءَ يا ظبيةَ اللِّوَى ... مشابهَ جُنِّبْتِ اعتلاقَ الحبائِل ) ( فعيناكِ عيناها وجِيدُك جِيدُها ... ولونك لولا أنها غيرُ عاطل ) في البيتين الأخيرين من هذه الأبيات رمل بالوسطى لإبراهيم أخبرني علي بن سليمان الأخفش عن أبي سعيد السكري عن يعقوب ابن السكيت عن محمد بن سلام عن أبي الغراف قال قال ذو الرمة لرؤبة ما عنى الراعي بقوله ( أنَاخَا بأَسْوَا الظَّنّ ثمّتَ عرَّسَا ... قَلِيلاً وقد أبقى سُهَيْلٌ فعَرّدا ) فجعل رؤبة يقول هي كذا هي كذا لأشياء لا يقبلها ذو الرمة فقال له رؤبة فمه ويحك قال هي الأرض بين المكلئة وبين المجدبة أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبي عدنان عن إبراهيم بن نافع أن الفرزدق دخل على الوليد بن عبد الملك أو غيره فقال له من أشعر الناس قال أنا قال أفتعلم أحدا أشعر منك قال لا إلا أن غلاما من بني عدي بن كعب يركب أعجاز الإبل وينعت الفلوات ثم أتاه جرير فسأله فقال له مثل ذلك ثم أتاه ذو الرمة فقال له ويحك أنت أشعر الناس قال لا ولكن غلام من بني عقيل يقال له مزاحم يسكن الروضات يقول وحشيا من الشعر لا نقدر على أن نقول مثله وقال وكان ذو الرمة يتشبب بمي بنت طلبة بن قيس بن عاصم المنقري وكانت كثيرة أمة مولدة لآل قيس بن عاصم وهي أم سهم بن بردة اللص الذي قتله سنان بن مخيس القشيري أيام محمد بن سليمان فقالت كثيرة ( على وَجْه مَيٍّ مَسْحَةٌ مِنْ مَلاَحةٍ ... وتحت الثيابِ الخَزِيُ لو كان بَادِيا ) ( ألم تر أنّ الماءَ يخبثُ طعْمهُ ... ولو كان لَوْنُ الماء في العين صَافيا ) ونحلتها ذا الرمة فامتعض من ذلك وحلف بجهد إيمانه ما قالها قال وكيف أقول هذا وقد قطعت دهري وأفنيت شبابي أشبب بها وأمدحها ثم أقول هذا ثم اطلع على أن كثيرة قالتهما ونحلتهما إياه أخباره مع مية وقال هارون بن محمد حدثني عبد الرحمن بن عبد الله قال حدثني هارون بن سعيد قال حدثني أبو المسافر الفقعسي عن أبي بكر بن جبلة الفقعسي قال وقف ذو الرمة في ركب معه على مية فسلموا عليها فقالت وعليكم إلا ذا الرمة فأحفظه ذلك وغمه ما سمع منها بحضرة القوم فغضب وانصرف وهو يقول ( أيا ميّ قد أشمتِّ بي ويحك العِدَا ... وقطَّعتِ حَبْلاً كان يا ميّ باقيا ) ( فيا ميّ لا مرجوعَ للْوَصْلِ بيننا ... ولكنّ هَجْراً بيننا وتَقَاليا ) ( ألم تر أنّ الماءَ يخْبثُ طعْمُه ... وإنْ كان لون الماء في العين صافيا ) أخبرني الحسن بن علي الأدمي عن ابن مهرويه عن ابن النطاح عن محمد بن الحجاج الأسيدي من بني أسيد بن عمرو بن تميم قال مررت على مية وقد أسنت فوقفت عليها وأنا يومئذ شاب فقلت يا مية ما أرى ذا الرمة إلا قد ضيع فيك قوله حيث يقول صوت ( أَما أَنْتَ عن ذِكراك مَيَّة مُقْصِرُ ... ولا أنتَ ناسي العَهْدِ منها فتذكُرُ ) ( تَهيمُ بها ما تستفيقُ ودُونها ... حِجابٌ وأَبوابٌ وسِتْرٌ مُسَتَّر ) قال فضحكت وقالت رأيتني يا بن أخي وقد وليت وذهبت محاسني ويرحم الله غيلان فلقد قال هذا في وأنا أحسن من النار الموقدة في الليلة القرة في عين المقرور ولن تبرح حتى أقيم عندك عذره ثم صاحت يا أسماء اخرجي فخرجت جارية كالمهاة ما رأيت مثلها فقالت أما لمن شبب بهذه وهويها عذر فقلت بلى فقالت والله لقد كنت أزمان كنت مثلها أحسن منها ولو رأيتني يومئذ لا زدريت هذه ازدراءك إياي اليوم انصرف راشدا في هذين البيتين لإبراهيم ثاني ثقيل بالوسطى أخبرني أبو خليفة قال قال محمد بن سلام قال أبو سوار الغنوي رأيت مية وإذا معها بنون لها صغار فقلت صفها لي فقال مسنونة الوجه طويلة الخد شماء الأنف عليها وسم جمال فقالت ما تلقيت بأحد من بني هؤلاء إلا في الإبل قلت أفكانت تنشدك شيئا مما قاله ذو الرمة فيها قال نعم كانت تسح سحا ما رأى أبوك مثله فأما ابن قتيبة فقال في خبره مكثت مية زمانا لا ترى ذا الرمة وهي تسمع مع ذلك شعره فجعلت لله عليها أن تنحر بدنة يوم تراه فلما رأته رجلا دميما أسود وكانت من أجمل الناس قالت واسوأتاه وابؤساه واضيعة بدنتاه فقال ذو الرمة ( على وَجْه مَيٍّ مَسحةٌ من مَلاحةٍ ... وتحت الثيابِ الشَّيْنُ لو كانَ بادِيا ) قال فكشفت ثوبها عن جسدها ثم قالت أشينا ترى لا أم لك فقال ( ألم تَر أنَّ الماء يخبُثُ طَعْمُهُ ... وإنْ كان لونُ الماء أبيضَ صافيا ) فقالت أما ما تحت الثياب فقد رأيته وعلمت أن لا شين فيه ولم يبق إلا أن أقول لك هلم حتى تذوق ما وراءه ووالله لا ذقت ذاك أبدا فقال ( فيا ضيعةَ الشِّعرِ الذي لجّ فانقضَى ... بِميَّ ولم أملك ضلالَ فؤادِيا ) قال ثم صلح الأمر بينهما بعد ذلك فعاد لما كان عليه من حبها وذكر محمد بن علي بن حفص الجبيري الحنفي - من ولد أبي جبيرة - أن النوار بنت عاصم المنقرية - وأمها مية صاحبة ذي الرمة - أخبرته وقد ذكر عندها ذا الرمة وأنشدها قوله في أمها ( هي البُرْء والأسقام والهمُّ والمُنَى ... ومَوتُ الهوى في القَلْب مني المبرِّحُ ) ( وكان الهوى بالنأي يُمْحَى فيمَّحي ... وحُبُّكِ عندي يَستَجِدُّ ويربح ) يربح أي يزيد الربح هكذا ذكره الأصمعي ( إذا غَيَّر النأيُ المحِبِّين لم أجد ... رَسِيسَ الهوى مِنْ حُبِّ ميَّةَ يَبرح ) فلما سمعت قوله ( إذا غَيَّرَ النَّأْيُ المحبَّين . . ... . ) قالت قبحه الله هو الذي يقول أيضا ( على وَجْه مَيٍّ مَسحةٌ مِنْ مَلاَحةٍ ... وتحت الثياب الشَّين لو كان بادِيا ) فقلت لها أكانت مية جدتك قالت لا بل أمي فقلت لها كم تعدين قالت ستين سنة أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على أبي عن محمد بن سلام قال كانت مي صاحبة ذي الرمة من ولد طلبة بن قيس بن عاصم المنقري وكانت لها بنت عم من ولد قيس يقال لها كثيرة أم سلهمة فقالت على لسان ذي الرمة ( على وَجْه ميٍّ سَسْحَةٌ من مَلاَحة ... ) الأبيات فكان ذو الرمة إذا ذكر له ذلك يمتعض منه ويحلف أنه ما قالها قط أخبرني بهذا الخبر أبو خليفة عن محمد بن سلام عن أبي الغراف الضبي بمثله وقال فيه إن كثيرة مولاة لهم وهي أم سلهمة اللص الذي قتله خيل محمد بن سليمان والله أعلم أخبرنا أحمد بن عبد العزيز وحبيب المهلبي عن ابن شبة عن المدائني عن سلمة عن محارب قال كان ذو الرمة يقرأ ويكتب ويكتم ذلك فقيل له كيف تقول عزير ابن الله أو عزير بن الله فقال أكثرهما حروفا أخبرني إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم قال قال عيسى بن عمر قال لي ذو الرمة ارفع هذا الحرف فقلت له أتكتب فقال بيده على فيه اكتم علي فإنه عندنا عيب أخبرني ابن دريد عن أبي حاتم عن الأصمعي عن محمد بن أبي بكر المخزومي قال قال رؤبة كلما قلت شعرا سرقه ذو الرمة فقيل له وما ذاك قال قلت ( حَيُّ الشهيقِ ميّتُ الأنفاسِ ... ) فقال هو ( يَطْرحنَ بالمهارق الأَغفال ... كلَّ جَهِيضٍ لَثِقِ السِّرْبالِ ) ( حيِّ الشهيق مَيّتِ الأوصالِ ... ) فقلت له فقوله والله أجود من قولك وإن كان سرقة منك فقال ذلك أغم لي أخبرني ابن عبد العزيز عن ابن شبة قال قيل لذي الرمة إنما أنت راوية الراعي فقال أما والله لئن قيل ذاك ما مثلي ومثله إلا شاب صحب شيخا فسلك به طرقا ثم فارقه فسلك الشاب بعده شعابا وأودية لم يسلكها الشيخ قط أخبرني محمد بن أحمد بن الطلاس عن الخراز عن المدائني وأخبرني به إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم عن ابن أخي الأصمعي عن عمه دخل حديث بعضهم في حديث بعض قال إنما وضع من ذي الرمة أنه كان لا يحسن أن يهجو ولا يمدح وقد مدح بلال بن أبي بردة فقال ( رأيتُ الناس ينتجعون غَيثاً ... فقلتُ لِصَيْدحَ انتَجِعِي بِلاَلاَ ) فلما أنشده قال له أو لم ينتجعني غير صيدح يا غلام أعطه حبل ( قلت ) لصيدح فأخجله أخبرني أبو خليفة عن ابن سلام قال حدثني أبو الغراف قال عاب الحكم بن عوانة الكلبي ذا الرمة في بعض قوله فقال فيه ( فلو كنت من كَلْبٍ صميماً هجوتكُم ... جميعاً ولكن لا إخالُكَ من كَلْبِ ) ( ولكنما أُخبِرتُ أنك مُلْصَقٌ ... كما أُلصِقَتْ من غيرها ثُلْمَةُ القعْبِ ) ( تدَهْدَى فخرَّتْ ثُلْمَةٌ من صميمه ... فَكِيفَ بأخرى بالغِراء وبالشَّعْبِ ) اخباره مع بلال بن أبي بردة أخبرني أبو خليفة عن ابن سلام قال وحدثني أبو الغراف قال دخل ذو الرمة على بلال بن أبي بردة وكان بلال راوية فصيحا أديبا فأنشده بلال أبيات حاتم طيىء قال ( لحا اللهُ صُعْلُوكاً مُناهُ وهمُّه ... مِنَ العَيْشِ أن يلقى لَبُوساً ومَطْعَما ) ( يَرَى الخِمْسَ تعذيباً وإنْ نال شَبْعَةً ... يَبِتْ قلْبُه مِنْ شِدَّة الهَمِّ مُبْهَما ) هكذا أنشد بلال فقال ذو الرمة يرى الخمص تعذيبا وإنما الخمس للإبل وإنما هو خمص البطن فمحك بلال - وكان محكا - وقال هكذا أنشدنيه رواة طيىء فرد عليه ذو الرمة فضحك ودخل أبو عمرو بن العلاء فقال له بلال كيف تنشدهما وعرف أبو عمرو الذي به فقال كلا الوجهين جائز فقال أتأخذون عن ذي الرمة فقال إنه لفصيح وإنا لنأخذ عنه بتمريض وخرجا من عنده فقال ذو الرمة لأبي عمرو والله لولا أني أعلم أنك حطبت في حبله وملت مع هواه لهجوتك هجاء لا يقعد إليك اثنان بعده نسخت من كتاب محمد بن داود بن الجراح حدثني هارون بن محمد الزيات قال حدثني حماد بن إسحاق عن عمارة بن عقيل قال قيل لبلال بن جرير أي شعر ذي الرمة أجود فقال ( هل حبل خَرْقاء بَعْدَ اليَوْمِ مَرْمُوم ... ) إنها مدينة الشعر حدثنا أبو خليفة عن ابن سلام قال كان ذو الرمة من جرير والفرزدق بمنزلة قتادة من الحسن وابن سيرين كان يروي عنهما ويروي عن الصحابة وكذلك ذو الرمة هو دونهما ويساويهما في بعض شعره أخبرني الجوهري قال حدثنا ابن شبة عن ابن معاوية قال قال حماد الراوية قدم علينا ذو الرمة الكوفة فلم نر أحسن ولا أفصح ولا أعلم بغريب منه فغم ذلك كثيرا من أهل المدينة فصنعوا له أبياتا وهي قوله ( رأى جملاً يوماً ولم يكُ قبلها ... من الدَّهر يدري كيف خَلْقُ الأباعرِ ) ( فقال شظايا مَعْ ظبايا ألا لنا ... وأجفل إجفال الظَّلِم المبادرِ ) ( فقلت له لا ذَهْلَ مِلْكَيْل بعد ما ... مَلا نَيفَق التُّبَّان منه بعاذر ) قال فاستعادها مرتين وثلاثا ثم قال ما أحسب هذا من كلام العرب أخبرني أبو الحسن الأسدي عن العباس بن ميمون طائع قال حدثنا أبو عثمان المازني عن الأصمعي عن عنبسة النحوي قال قلت لذي الرمة وسمعته ينشد ويقول ( وعَيْنَان قال الله كُونا فكانَتا ... فَعُولَيْنِ بالألْبَابِ ما تَفْعَل الخَمْرُ ) قال فقلت له فهلا قلت فعولان فقال لو قلت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر كان خيرا لك أي أنك أردت القدر وأراد ذو الرمة كونا فعولين بالألباب وأراد عنبسة وعينان فعولان وروى هذا الخبر ابن الزيات عن محمد بن عبادة عن الأصمعي عن العلاء بن أسلم فذكر مثله وحكي أن إسحاق بن سويد المعارض له قال وأخبرني الأخفش قال حدثني محمد بن يزيد النحوي قال حدثني عبد الصمد بن المعذل قال حدثني أبي عن أبيه قال قدم ذو الرمة الكوفة فوقف ينشد الناس بالكناسة قصيدته الحائية حتى أتى على قوله ( إذا غَيَّر النَّأْيُ المُحِبِّين لم يَكدْ ... رَسيسُ الهَوَى مِنْ حُبّ مَيَّةَ يَبْرَحُ ) فناداه ابن شبرمة يا غيلان أراه قد برح فشنق ناقته وجعل يتأخر بها ويفكر ثم عاد فأنشد قوله ( إذا غَيَّر النَّأْيُ المحبين لم أجِدُ ... ) قال فلما انصرفت حدثت أبي فقال أخطأ ابن شبرمة حين أنكر على ذي الرمة ما أنشد وأخطأ ذو الرمة حين غير شعره لقول ابن شبرمة إنما هذا مثل قول الله عز و جل ( ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ) وإنما معناه لم يرها ولم يكد أخبرني الجوهري عن ابن شبرمة عن يحيى بن نجيم قال قال رؤبة لبلال بن أبي بردة علام تعطي ذا الرمة فوالله إنه ليعمد إلى مقطعاتنا فيصلها فيمدحك بها فقال والله لو لم أعطه إلا على تأليفه لأعطيته وأمر له بعشرة آلاف درهم أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة حدثنا إسحاق الموصلي عن الأصمعي قال قال رجل رأيت ذا الرمة بمربد البصرة وعليه جماعة مجتمعة وهو قائم وعليه برد قيمته مائتا دينار وهو ينشد ودموعه تجري على لحيته ( ما بالُ عَيْنِك منها الماءُ يَنْسَكِبُ ... ) فلما انتهى إلى قوله ( تُصْغِي إذَا شَدَّها بالكُورِ جانحةً ... حتى إذا ما اسْتَوى في غرْزِها تَثِبُ ) قلت يا أخا بني تميم ما هكذا قال عمك قال وأي أعمامي يرحمك الله قلت الراعي قال وما قال قال قلت قوله ( ولا تُعْجل المرء قبل الوُروك ... وَهْيَ بركبته أبْصَرُ ) ( وهِيَّ إذَا قَام في غَرْزِها ... كمثل السفينةِ إذ تُوقَر ) ( ومُصْغية خَدَّها بالزّمامِ ... فالرأس منها لَهُ أصعَر ) ( حتى إذا ما اسْتَوَى طبَّقَتْ ... كما طبَّقَ المِسحَلُ الأَغْبَرُ ) قال فأرتج عليه ساعة ثم قال إنه نعت ناقة ملك ونعت ناقة سوقة فخرج منها على رؤوس الناس أخباره مع خرقاء فأما السبب بين ذي الرمة وخرقاء فقد اختلف فيه الرواة فقيل إنه كان يهواها وقيل بل كاد بها مية وقيل بل كانت كحالة فداوت عينه فشبب بها أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن النوفلي عن أبيه أن زوج مية أمرها أن تسب ذا الرمة غيرة عليها فامتنعت فتوعدها بالقتل فسبته فغضب وشبب بخرقاء العامرية يكيد مية بذلك فما قال فيها إلا قصيدتين أو ثلاثا حتى مات أخبرني حبيب بن نصر عن ابن شبة عن العتبي عن هارون بن عتبة قال شبب ذو الرمة بخرقاء العامرية بغير هوى وإنما كانت كحالة فداوت عينه من رمد كان بها فزال فقال لها ما تحبين حتى أعطيك فقالت عشرة أبيات تشبب بي ليرغب الناس في إذا سمعوا أن في بقية للتشبيب ففعل أخبرنا أبو خليفة عن ابن سلام قال كان ذو الرمة شبب بخرقاء إحدى نساء بني عامر بن ربيعة وكانت تحل فلجا ويمر بها الحاج فتقعد لهم وتحادثهم وتهاديهم وكانت تجلس معها فاطمة بنتها فحدثني من رآهما فلم تكن فاطمة مثلها وكانت تقول أنا منسك من مناسك الحج لقول ذي الرمة فيها ( تمامُ الحجِّ أنْ تقِفَ المطايَا ... على خَرْقَاءَ واضِعَةَ اللِّثَامِ ) قال ابن سلام في خبره وأرسلت خرقاء إلى القحيف العقيلي تسأله أن يشبب بها فقال صوت ( لقد أرسلتْ خرقاءُ نَحوِي جَرِيّها ... لتجعلَني خَرْقَاءُ فِيمن أضلَّتِ ) ( وخَرْقاءُ لا تزدادُ إلاّ مَلاحةً ... ولو عُمِّرَتْ تعميرَ نُوحٍ وجَلّتِ ) حدثني حبيب بن نصر عن الزبير عن موهوب بن رشيد عمن حدثه قال نزل ركب بأبي خرقاء العامرية فأمر لهم بلبن فسقوه وقصر عن شاب منهم فأعطته خرقاء صبوحها وهي لا تعرفه فشربه ومضوا فركبوا فقال لها أبوها أتعرفين الرجل الذي سقيته صبوحك قالت لا والله قال هو ذو الرمة القائل فيك الأقاويل فوضعت يدها على رأسها وقالت واسوأتاه وابؤساه ودخلت بيتها فما رآها أبوها ثلاثا حدثني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة قال قال الضبي كنت أنزل على بعض الأعراب إذا حججت فقال لي يوما هل لك إلى أن أريك خرقاء صاحبة ذي الرمة فقلت إن فعلت بررت فتوجهنا جميعا نريدها فعدل بي عن الطريق قدر ميل ثم أتينا أبيات شعر فاستفتح بيتا ففتح له وخرجت امرأة طويلة حسنة بها قوة فسلمت وجلست فتحدثنا ساعة ثم قالت لي هل حججت قط قلت غير مرة قالت فما منعك من زيارتي أما علمت أني منسك من مناسك الحج قلت وكيف ذاك قلت أما سمعت قول ذي الرمة ( تمام الحجِّ أن تقِفَ المطايا ... على خَرْقَاءَ واضعةَ اللّثَامِ ) أخبرني وكيع عن أبي أيوب المدائني عن مصعب الزبيري قال شبب ذو الرمة بخرقاء ولها ثمانون سنة قال هارون بن الزيات حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن إبراهيم عن محمد بن يعقوب عن أبيه قال رأيت خرقاء بالبصرة وقد ذهبت أسنانها وإن في ديباجة وجهها لبقية فقلت أخبريني عن السبب بينك وبين ذي الرمة فقالت اجتاز بنا في ركب ونحن عدة جوار على بعض المياه فقال أسفرن فسفرن غيري فقال لئن لم تسفري لأفضحنك فسفرت فلم يزل يقول حتى أزبد ثم لم أره بعد ذلك أخبرني الحرمي ابن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني موهوب بن رشيد قال حدثني جدي قال كنت مع خرقاء ذي الرمة إذ نزل بابها ركب من بني تميم فأمر لهم بلبن فسقوه وقصر اللبن عن شاب منهم فأمرت له خرقاء بغبوقها فلما أن رحل عنهم الركب قال لها أبوها يا خرقاء أتعرفين من سقيت غبوقك اليوم قالت لا والله ما أعرفه قال ذاك ذو الرمة فوضعت يدها على رأسها وقالت واسوأتاه ودخلت خدرها قال الزبير وحدثني عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال حدثنا أبو الشبل المعدي قال كانت خرقاء البكائية أصبح من القبس وبقيت بقاء طويلا حتى شبب بها القحيف العقيلي أخبرنا أبو الحسن الأسدي عن أحمد بن سليمان عن أبي شيخ عن أبيه عن علي بن صالح بن سليمان عن صباح بن الهذيل أخي زفر بن الهذيل قال خرجت أريد الحج فمررت بالمنزل الذي تنزله خرقاء فأتيتها فإذا امرأة جزلة عندها سماطان من الأعراب تحدثهم وتناشدهم فسلمت فردت ونسبتني فانتسبت لها وهي تنزلني حتى انتسبت إلى أبي فقالت حسبك أكرمت ما شئت ما اسمك قلت صباح قالت وأبو من قلت أبو المغلس قالت أخذت أول الليل وآخره قال فما كان لي همة إلا الذهاب عنها نسخت من كتاب محمد بن صالح بن النطاح حدثني محمد بن الحجاج الأسدي التميمي - وما رأيت تميميا أعلم منه - قال حججت فلما صرت بمران منصرفا فإذا أنا بغلام أشعث الذؤابة قد أورد غنيمات له فجئته فاستنشدته فقال لي إليك عني فإني مشغول عنك وألححت عليه فقال أرشدك إلى بعض ما تحب انظر إلى ذلك البيت الذي يلقاك فإن فيه حاجتك هذا بيت خرقاء ذي الرمة فمضيت نحوه فطوحت بالسلام من بعيد فقالت ادنه فدنوت فقالت إنك لحضري فمن أنت قلت من بني تميم - وأنا أحسب أنها لا معرفة لها بالناس - قالت من أي تميم فأعلمتها فلم تزل تنزلني حتى انتسبت إلى أبي فقالت الحجاج بن عمير بن يزيد قلت نعم قالت رحم الله أبا المثنى قد كنا نرجو أن يكون خلفا من عمير بن يزيد قلت نعم فعاجلته المنية شابا قالت حياك الله يا بني وقربك من أين أقبلت قلت من الحج قالت فما لك لم تمر بي وأنا أحد مناسك الحج إن حجك ناقص فأقم حتى تحج أو تكفر بعتق قلت وكيف ذلك قالت أما سمعت قول غيلان عمك ( تمامُ الحجِّ أنْ تَقِفَ المطايَا ... على خَرْقَاءَ واضعة اللِّثَامِ ) قال وكانت هي قاعدة بفناء البيت كأنها قائمة من طولها بيضاء شهلاء فخمة الوجه قال فسألتها عن سنها فقالت لا أدري إلا أني كنت أذكر شمر بن ذي الجوشن حين قتل الحسين عليه السلام مر بنا وأنا جارية ومعه كسوة فقسمها في قومه قالت وكان أبي قد أدرك الجاهلية وحمل فيها حمالات قال ولما أنشدتني خرقاء بيت ذي الرمة فيها قلت هيهات يا عمة قد ذهب ذلك منك قالت لا تقل يا بني أما سمعت قول قحيف في ( وخَرْقاء لا تزدادُ إلاَّ ملاحةً ... ولو عُمِّرت تعميرَ نُوح وجلَّتِ ) ثم قالت رحم الله ذا الرمة فقد كان رقيق البشرة عذب المنطق حسن الوصف مقارب الرصف عفيف الطرف فقلت لها لقد أحسنت الوصف فقالت هيهات أن يدركه وصف رحمه الله ورحم من سماه اسمه فقلت ومن سماه قالت سيد بني عدي الحصين بن عبدة بن نعيم ثم أنشدتني لنفسها في ذي الرمة ( لقد أصبحتُ في فَرْعيْ مَعَدٍّ ... مكان النّجم في فَلَك السماء ) ( إذا ذُكرت محاسنُه تدرَّت ... بِحارُ الجود من نحو السماء ) ( حُصَيْنٌ شادَ باسمِك غيرَ شَكٍّ ... فَأنْتَ غِياثُ مَحْلٍ بالفِناء ) ( إذا ضنَّتْ سحابةُ ماءِ مُزْنٍ ... تَثُجُّ بحارُ جُودك بارتواء ) ( لقد نُصِرت باسمِك أرضُ قَحطٍ ... كما نُثِرت عديٌّ بالثَّراءِ ) فقلت أحسنت يا خرقاء فهل سمع ذلك منك ذو الرمة قالت إي وربي قلت فماذا قال قالت قال شكر الله لك يا خرقاء نعمة ربيت شكرها من ذكرها فقالت أثقلنا حقها ثم قالت اللهم غفرا هذا في اللفظ ونحتاج إلى العمل أخبرني جحظة عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن ابن كناسة عن خيثم بن حجية العجلي قال حدثني رجل من بني النجار قال خرجت أمشي في ناحية البادية فمررت على فتاة قائمة على باب بيت فقمت أكلمها فنادتني عجوز من ناحية الخباء ما يقيمك على هذا الغزال النجدي فوالله ما تنال خيرا منه ولا ينفعك قال وتقول هي دعيه يا أماه يكن كما قال ذو الرمة ( وإن لم يكن إلاّ مُعَرَّسُ ساعةٍ ... قليلاً فإني نافعٌ لِي قليلُها ) فسألت عنهما فقيل لي العجوز خرقاء ذي الرمة والفتاة بنتها روايات في وفاته وتوفي ذو الرمة في خلافة هشام بن عبد الملك وله أربعون سنة وقد اختلفت الرواة في سبب وفاته أخبرني علي بن سليمان الأخفش عن أبي سعيد السكري عن يعقوب بن السكيت أنه بلغ أربعين سنة وفيها توفي وهو خارج إلى هشام بن عبد الملك ودفن بحزوى وهي الرملة التي كان يذكرها في شعره أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال حدثني ابن أبي عدي قال قال ذو الرمة بلغت نصف الهرم وأنا ابن أربعين سنة قال ابن سلام وحدثني أبو الغراف أنه مات وهو يريد هشاما وقال في طريقه في ذلك ( بلادٌ بها أهلُون لستُ ابن أهلها ... وأُخْرَى بها أهلون ليس بها أهلُ ) وقال هارون بن محمد بن عبد الملك حدثني القاسم بن محمد الأسدي قال حدثني جبر بن رياط قال أنشد ذو الرمة الناس شعرا له وصف فيه الفلاة بالثعلبية فقال له حلبس الأسدي إنك لتنعت الفلاة نعتا لا تكون منيتك إلا بها قال وصدر ذو الرمة على أحد جفري بني تميم وهما على طريق الحاج من البصرة فلما أشرف على البصرة قال ( وإنِّي لعاليها وإني لخائفٌ ... لِما قال يَومَ الثَّعْلَبِيَّة حَلْبَسُ ) قال ويقال إن هذا آخر شعر قاله فلما توسط الفلاة نزل عن راحلته فنفرت منه ولم تكن تنفر منه وعليها شرابه وطعامه فلما دنا منها نفرت حتى مات فيقال إنه قال عند ذلك ( ألاَ أبلغِ الفِتيان عنِّي رِسالةً ... أهِينوا المَطايا هُنَّ أهْلُ هَوَانِ ) ( فقد تركَتْنِي صَيْدَحٌ بمَضلَّةٍ ... لِسانِيَ مُلْتَاثٌ مِنَ الطلَّوَانِ ) قال هارون وأخبرني أحمد بن محمد الكلابي بهذه القصة وذكر أن ناقته وردت على أهله في مياههم فركبها أخوه وقص أثره حتى وجده ميتا وعليه خلع الخليفة ووجد هذين البيتين مكتوبين على قوسه أخبرني أحمد بن عبد العزيز عن الرياشي عن الأصمعي عن أبي الوجيه قال دخلت على ذي الرمة وهو يجود بنفسه فقلت له كيف تجدك قال أجدني والله أجد ما لا أجد أيام أزعم أني أجد ما لم أجد حيث أقول ( كأنّي غداة الزُّرْق يا مَيُّ مُدْنَفٌ ... يَجودُ بنَفْسٍ قد أحَمَّ حِمَامُها ) ( حِذارَ اجْتذامِ البَيْن أقرانَ نيّة ... مُصَابٌ ولوعاتُ الفؤاد انجذامُها ) قال وكان آخره ما قاله ( يا ربّ قد أشرفَتْ نَفْسِي وقد عَلِمَتْ ... عِلْماً يقيناً لقد أحصَيْتَ آثاري ) ( يا مُخرجَ الرّوح من جسمي إذا احْتُضِرَت ... وفارِجَ الكَرْبِ زَحْزحني عن النَّارِ ) قال أبو الوجيه وكانت منيته هذه في الجدري وفي ذلك يقول ( ألَمْ يَأْتِها أنِّي تلبّستُ بعدها ... مُفَوَّقَةً صَوَّاغُها غيرُ أخرقِ ) نسخت من كتاب هارون بن الزيات حدثني عبد الوهاب بن إبراهيم الأزدي قال حدثني جهم بن مسعدة قال حدثني محمد بن الحجاج الأسدي عن أبيه قال وردت حجرا وذو الرمة به فاشتكى شكايته التي كانت منها منيته وكرهت أن أخرج حتى أعلم بما يكون في شكاته وكنت أتعهده وأعوده في اليوم واليومين فأتيته يوما وقد ثقل فقلت يا غيلان كيف تجدك فقال أجدني والله يا أبا المثنى اليوم في الموت لا غداة أقول ( كأني غداة الزُّرق يا ميّ مدنَفٌ ... يكيد بنَفْسٍ قد أحمّ حِمامُها ) فأنا والله الغداة في ذلك لا تلك الغداة قال هارون بن الزيات حدثني موسى بن عيسى الجعفري قال أخبرني أبي قال أخبرني رجل من بني تميم قال كانت ميتة ذي الرمة أنه اشتكى النوطة فوجعها دهرا فقال في ذلك ( ألِفتُ كلاب الحيِّ حتى عَرَفْنَنِي ... ومُدَّتْ نِساجُ العنكبوت على رَحْلِي ) قال ثم قال لمسعود أخيه يا مسعود قد أجدني تماثلت وخفت الأشياء عندنا واحتجنا إلى زيارة بني مروان فهل لك بنا فيهم فقال نعم فأرسله إلى إبله يأتيه منها بلبن يتزوده وواعده مكانا وركب ذو الرمة ناقته فقمصت به وكانت قد أعفيت من الركوب وانفجرت النوطة التي كانت به قال وبلغ موعد صاحبه وجهد وقال أردنا شيئا وأراد الله شيئا وإن العلة التي كانت بي انفجرت فأرسل إلى أهله فصلوا عليه ودفن برأس حزوى وهي الرملة التي كان يذكرها في شعره قبره بالدهناء نسخت من كتاب عبيد الله بن محمد اليزيدي قال أبو عبيدة وذكر هارون بن الزيات عن محمد بن علي بن المغيرة عن أبيه وعن أبي عبيدة عن المنتجع بن نبهان قال لما احتضر ذو الرمة قال إني لست ممن يدفن في الغموض والوهاد قالوا فكيف نصنع بك ونحن في رمال الدهناء قال فأين أنتم من كثبان حزوى - قال وهما رملتان مشرفتان على ما حولهما من الرمال - قالوا فكيف نحفر لك في الرمل وهو هائل قال فأين الشجر والمدر والأعواد قال فصلينا عليه في بطن الماء ثم حملنا له الشجر والمدر على الكباش وهي أقوى على الصعود في الرمل من الإبل فجعلوا قبره هناك وزبروه بذلك الشجر والمدر ودلوه في قبره فأنت إذا عرفت موضع قبره رأيته قبل أن تدخل الدهناء وأنت بالدو على مسيرة ثلاث قال هارون وحدثني محمد بن صالح العدوي قال ذكر أبو عمرو المرادي =======
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق