Translate

الجمعة، 22 نوفمبر 2024

الاغاني للأصبهاني/ ج4-5-6.

 

الاغاني للأصبهاني/ ج4-5-6.

ج4و5و6. كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني كان اليوم الثالث دفعنا إلى نسوة فمال إليهن فوجدنا الرجال خلوفا وإذا قدر لبأ وقد جهدت جوعا وعطشا فلما رأيت القدر اقتحمت عن بعيري وتركتهم جانبا ثم أدخلت رأسي في القدر ما يثنيني حرها حتى رويت فذهبت أخرج رأسي من القدر فضاقت علي وإذا هي على رأسي قلنسوة فضحكن مني وغسلن ما أصابني وأتي جميل بقرى فوالله ما التفت إليه فبينا هو يحدثهن إذا رواعي الابل وقد كان السلطان أحل لهم دمه إن وجدوه في بلادهم وجاء الناس فقلن ويحك انج وتقدم فو الله ما أكبرهم ذلك الاكبار فإذا بهم يرمونه ويطردونه فإذا غشوه قاتلهم ورمى فيهم وقام بي جملي فقال لي يسر لنفسك مركبا خلفي فأردفني خلفه لا والله ما انكسر ولا انحل عن فرصته حتى رجع إلى أهله وقد سار ست ليال وستة أيام وما التفت إلى طعام وقال في ذلك ( إنّ المنازلَ هَيجَتْ أطرابي ... واسْتَعْجمتَ آياتُها بجوابي ) وهي قصيدة طويلة وقال أيضا ( وأحسنُ أيامي وأبهجُ عيشَتي ... إذا هِيجَ بي يَوْماً وهُنَّ قُعُودُ ) قال فقال ابن عائشة أفر أغني لكم ذلك فقلنا بلى والله فاندفع فغناه فما سمع السامعون شيئا أحسن من ذلك وبقي أصحابنا يتعجبون من الحديث وحسنه والغناء وطيبه فقال له أصحابنا يا أبا جعفر إنا مستأذنوك فإن أذنت لنا سألناك وإن كرهت تركناك فقال سلوا فقالوا نحب أن تغنينا في مجلسنا هذا ما نشطت هذا الصوت فقط فقال لهم نعم ونعمة عين وكرامة فما زلنا في غاية السرور حتى انقضى المجلس نسبة هذا الغناء صوت ( إنّ المنازلَ هَيجَتْ أطرابي ... واسْتَعْجمتَ آياتُها بجوابي ) ( قَفْرٌ تَلُوحُ بذي اللُّجين كأنها ... أَنْضاءُ وَشْمٍ أو سُطُور كتابِ ) ( لَمّا وقفتُ بها القَلُوصَ تبادرتْ ... منيّ الدموعُ لفُرقةِ الأحبابِ ) ( وذكرتُ عصراً يا بُثَيْنَةُ شاقَنِي ... إذ فاتَنِي وذكرتُ شَرْخَ شبابِي ) الشعر لجميل والغناء للهذلي ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق أخبرني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أحمد بن يحيى المكي عن أبيه حدثني عمرو بن أبي الكنات الحكمي قال حدثني يونس الكاتب قال كنا يوما متنزهين بالعقيق أنا وجماعة من قريش فبينا نحن على حالنا إذ أقبل ابن عائشة يمشي ومعه غلام من بني ليث وهو متوكىء على يده فلما رأى جماعتنا وسمعني أغني جاءنا فسلم وجلس إلينا وتحدث معنا وكانت الجماعة تعرف سوء خلقه وغضبه إذا سئل أن يغني فأقبل بعضهم على بعض يتحدثون بأحاديث كثير وجميل وغيرهما من الشعراء يستجرون بذلك أن يطرب فيغني فلم يجدوا عنده ما ارادوا فقلت لهم أنا لقد حدثني اليوم بعض الأعراب حديثا يأكل الأحاديث فإن شئتم حدثتكم إياه قالوا هات قلت حدثني هذا الرجل أنه مر بناحية الربذة فإذا صبيان يتغاطسون في غدير وإذا شاب جميل منهوك الجسم عليه أثر العلة والنحول في جسمه بين وهو جالس ينظر إليهم فسلمت عليه فرد علي السلام وقال من أين وضح الراكب قلت من الحمى قال ومتى عهدك به قلت رائحا قال وأين كان مبيتك قلت ببني فلان فقال أوه وألقى بنفسه على ظهره وتنفس الصعداء تنفسا قلت إنه خرق حجاب قلبه ثم أنشأ يقول صوت ( سَقَى بلداً أمستْ سُلَيْمَى تحَلُهُّ ... ُمِنَ المُزْنِ ما يَرْوى به ويُسيِمُ ) ( وإِن لم أُكن من قاطِنِيه فإِنْه ... يَحُلّ به شخصٌ عليّ كَرِيمُ ) ( ألا حَبّذا مَنْ لَيْسَ يَعْدِلُ قُرْبَهُ ... لَدَيَّ وإِن شَطَّ المزارُ نَعِيمُ ) ( ومَنْ لامَنِي فيهِ حَمِيمُ وصاحبٌ ... فَرُدَّ بغَيظٍ صاحِبٌ وحَمِيمُ ) ثم سكن كالمغشي عليه فصحت بالصبية فأتوا بماء فصببته على وجهه فأفاق وأنشأ يقول ( إذا الصَّبُّ الغريبُ رأى خُشُوعِي ... وأنفاسِي تَزَيَّنَ بالخُشُوعِ ) ( ولي عَيْنٌ أَضَرّ بها التفاتِي ... إلى الأجزاع مُطلقةُ الدموعِ ) ( إلى الخَلَوات يأنسُ فِيك قلبي ... كما أنِسَ الغريبُ إلى الجميعِ ) فقلت له ألا أنزل فأساعدك أو أكر عودي على بدئي إلى الحمى في حاجة إن كانت لك حاجة أو رسالة فقال جزيت خيرا وصحبتك السلامة امض لطيتك فلو أني علمت أنك تغني عني شيئا لكنت موضعا للرغبة وحقيقا بإسعاف المسألة ولكنك أدركتني في صبابة من حياتي يسيرة فانصرفت وأنا لا أراه يمسي ليلته إلا ميتا فقال القوم ما أعجب هذا الحديث واندفع ابن عائشة فتغنى في الشعرين جميعا وطرب وشرب بقية يومه ولم يزل يغنينا إلى أن انصرفنا فأما نسبة هذين الصوتين فإن في الأول منهما لحنا من خفيف الرمل الثقيل المطلق في مجرى الوسطى نسبه يحيى المكي إلى معبد وذكر الهشامي أنه منحول وفي هذا الخبر أن ابن عائشة غناه وهو يغني في البيت الأول والثاني من الأبيات وفيه للضيزني الملقب بنبيكة لحن جيد من الثقيل الأول وكان نبيكة هذا من حذاق المغنين وكبارهم وقد خدم المعتمد ثم شخص إلى مصر فخدم خمارويه بن أحمد ثم قدم بغداد في أيام المقتدر ورأيناه وشاهدناه وكانت في يده صبابة قوية من إفضال ابن طولون واستغنى بها حتى مات وله صنعة جيدة قد ذكرت ما وقع إلي منها في المجرد وذكرت مما وقع إلي له في هذا الكتاب لحنا جيدا في شعر سعد ذلفاء وهو ( ولمَاَّ وَقَفْنَا دُونَ سَرْحَةِ مَالِكٍ ... ) في موضعه من أخباره وأما الشعر الثاني الذي ذكرت في هذا الخبر الماضي أن ابن عائشة غناه فما رأيت له نسبة في كتاب ولا سمعت فيه صنعة من أحد ولعله مما انطوى عني أو لم يشتهر فسقط عن الناس تعددت الأسباب والموت واحد أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه وأخبرني به الحسن بن علي عن هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات عن حماد عن أبيه عن يعقوب بن طلحة الليثي عن بعض مشايخه من أهل المدينة قال أقبل ابن عائشة من الشأم حتى نزل قصر ذي خشب ومعه مال وطيب وكسا فشرب فيه ثم تطرقوا إلى ظهر القصر فصعدوا ثم نظر فإذا بنسوة يتمشين في ناحية الوادي فقال لأصحابه هل لكم فيهن قالوا وكيف لنا بهن فنهض فلبس ملاءة مدلوكة ثم قام على شرفة من شرفات القصر فتغنى ( وقد قالتْ لأترابٍ ... لها زُهْرٍ تَلاَقَيْنَا ) ( تَعَالَيْنَ فقد طَابَ ... لنا العَيْشُ تَعَالَيْنَا ) فأقبلن إليه فطرب واستدار حتى سقط من السطح وهذا الخبر يذكر على شرحه في خبر وفاته أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على أبي عن محمد بن سلام عن جرير أبي الحصين قال كان ابن عائشة إذا غنى في صوت له من شعر الحطيئة وهو ( عَفَا من سُلَيْمَى مُسْحُلاَنُ فحامِرُهْ ... ) نظر إلى أعطافه في كل رنة فسئل يوما وقد دب فيه الشراب عن ذلك فقال أنا عاشق لهذا الصوت وعاشق لحديثه وعاشق لغريبه وعاشق لقول الحطيئة إن الغناء رقية من رقى النيك ويعجبني فهم الحطيئة بالغناء وليس هو من أهله ولا بصاحب غناء وكيف لا أعجب به ومحله مني هذا المحل وكان لا يسأله أحد إياه إلا غناه فمن فطن له أكثر سؤاله إياه وكان جرير يقول إنه أحسن صوت له وأرقه وأجوده وفاة ابن عائشة وتوفي ابن عائشة فيما قيل في أيام هشام بن عبد الملك وقيل في أيام الوليد وما أظن الصحيح إلا أنه توفي في أيام الوليد لأنه أقدمه إليه وذكر من زعم أنه توفي في خلافة هشام أنه إنما وفد على الوليد وهو ولي عهد أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال ذكر عمران بن هند أن الغمر بن يزيد خرج إلى الشأم فلما نزل قصر ذي خشب شرب على سطحه فغنى ابن عائشة صوتا طرب له الغمر فقال اردده فأبى وكان لا يرد صوتا لسوء خلقه فأمر به فطرح من أعلى السطح فمات ويقال بل قام من الليل وهو سكران ليبول فسقط من السطح فمات قال إسحاق فحدثني المدائني قال حدثني بعض أهل المدينة قال أقبل ابن عائشة من عند الوليد بن يزيد وقد أجازه وأحسن إليه فجاء بما لم يأت به أحد من عنده فلما قرب من المدينة نزل بذي خشب على أربعة فراسخ من المدينة وكان واليها إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي ولاه هشام وهو خاله وكان في قصر هناك فقيل له أصلح الله الأمير هذا ابن عائشة قد أقبل من عند الوليد بن يزيد فلو سألته أن يقيم عندنا اليوم فيطربنا وينصرف من غد فدعا به فسأله المقام عنده فأجابه إلى ذلك فلما أخذوا في شربهم أخرج المخزومي جواريه فنظر إلى ابن عائشة وهو يغمز جارية منهن فقال لخادمه إذا خرج ابن عائشة يريد حاجته فارم به وكانوا يشربون فوق سطح ليس له إفريز ولا شرفات وهو يشرف على بستان فلما قام ليبول رمى به الخادم من فوق السطح فمات فقبره معروف هناك أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه وأخبرني به الحسن بن علي عن هارون بن محمد بن عبد الملك بن حماد بن إسحاق عن أبيه عن يعقوب بن طلحة الليثي عن بعض مشايخه من أهل المدينة قال أقبل ابن عائشة من الشأم حتى نزل بقصر ذي خشب ومعه مال وطيب وكسا فشرب فيه ثم تطوقوا إلى ظهر القصر فصعدوا ثم نظر فإذا بنسوة يتمشين في ناحية الوادي فقال لأصحابه هل لكم فيهن قالوا وكيف لنا بهن فنهض فلبس ملاءة مدلوكة ثم قام على شرفة من شرف القصر فتغنى في شعر ابن أذينة ( وقد قالت لأَتْرابٍ ... لها زُهْرٍ تلاقَيْنَا ) ( تعاليْنَ فقد طاب ... لنا العيشُ تعالَيْنَا ) فأقبلن إليه وطرب فاستدار فسقط فمات قال وقال قوم بل قدم المدينة فمات بها قال ولما مات قال أشعب قد قلت لكم ولكنه لا يغني حذر من قدر زوجوا ابن عائشة ربيحة الشماسية تخرج لكم بينهما مزامير داود فلم تفعلوا وجعل يبكي والناس يضحكون منه نسبة هذا الصوت الذي غناه ابن عائشة صوت ( سُلَيْمَى أزْمعتْ بَيْنَا ... فأين تقولُها أَيْنَا ) ( وقد قالتْ لأترابٍ ... لها زُهْرٍ تلاقيْنَا ) ( تعالَيْنَ فقد طاب ... لنا العيشُ تعالَيْنَا ) ( وغاب البَرَم الليلة ... والعيُن فلا عَيْنَا ) ( فأقبَلْنَ إليها مسرِعاتٍ ... يَتَهادَيَنَا ) ( إلى مثلِ مَهَاةِ الرملِ ... تَكْسُو المجلسَ الزَّيْنَا ) ( إلى خَوْدٍ منعَّمةٍ ... حَفَفْنَ بها وفدَّينَا ) ( تمنَّيْنَ مُنَاهن ... فكُنَّا ما تمنَّيْنَا ) الشعر لعروة بن اذينة والغناء لابن عائشة لحنان أحدهما رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق والآخر ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال سمعت إبراهيم بن سعد يحلف للرشيد وقد سأله عمن بالمدينة يكره الغناء فقال من قنعه الله بخزيه مالك بن أنس ثم حلف له إنه سمع مالكا يغني ( سُلَيمى أزمعتْ بينَا ... فأين تقولها أينا ) في عرس رجل من أهل المدينة يكنى أبا حنظلة أخبرنا أحمد بن عبد العزيز وإسماعيل بن يونس قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان محمد بن يحيى عن بعض أصحابه قال مر ابن عائشة بابن أذينة فقال له قل أبياتا هزجا أعن فيها فقال له اجلس فجلس فقال ( سليمى أزمعت بيننا ... ) الأبيات قال أبو غسان فحدثت أن ابن عائشة رواها ثم ضحك لما سمع قوله ( تمنَّيْنَ مُنَاهنّ ... فكنَّا ما تمنَّيْنا ) ثم قال له يا أبا عامر تمنينك لما أقبل بخرك وأدبر ذفرك وذبل ذكرك فجعل يشتمه هذا لفظ إسماعيل بن يونس أخبرني الجوهري وإسماعيل بن يونس قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان قال فحدثني حماد الخشبي قال ذكر ابن أذينة عند عمر بن عبد العزيز فقال نعم الرجل أبو عامر على أنه الذي يقول ( وقد قالت لتراب ... لها زُهْرٍ تلاقَيْنَا ) ولي عهد المسلمين إذ ا طرب أخبرني محمد بن مزيد والحسين بن يحيى قالا حدثنا حماد عن أبيه عن المدائني عن إسحاق بن أيوب القرشي قال كان هشام بن عبد الملك مكرما للوليد بن يزيد وكان عبد الصمد بن عبد الأعلى مؤدبا للوليد وكان فيما يقال زنديقا فحمل الوليد على الشراب والاستخفاف بدينه فاتخذ ندماء وشرب وتهتك فأراد هشام قطعهم عنه فولاه الموسم في سنة عشر ومائة فرأى الناس منه تهاونا واستخفافا بدينه وأمر مولاه عيسى فصلى بالناس وبعث إلى المغنين فغنوه وفيهم ابن عائشة فغناه ( سُلَيمى أجمعتْ بَيْنَا ... ) فنعر الوليد نعرة أذن لها أهل مكة وأمر لابن عائشة بألف دينار وخلع عليه عدة خلع وحمله فخرج ابن عائشة من عنده بأمر أنكره الناس وأمر للمغنين بدون ذلك فتكلم أهل الحجاز وقالوا أهذا ولي عهد المسلمين وبلغ ذلك هشاما فطمع في خلعه وأراده على ذلك فأبى وتنكر هشام للوليد وتمادى الوليد في الشرب واللذات فأفرط وتعبث هشام بالوليد وخاصته ومواليه فنزل بالأزرق بين أرض بلقين وفزارة على ماء يقال له الأغدق حتى مات هشام انقضت أخباره ومما في المائة الصوت المختارة من أغاني ابن عائشة صوت من رواية علي بن يحيى ( حَنَّتْ إلى بَرْقٍ فقلتُ لها قِرِي ... بعضَ الحَنِين فإن شَجْوَكِ شائِقي ) ( بأبي الوليدُ وأمِّ نفسي كلّما ... بدت النجومُ وذَرّ قَرْنُ الشارِقِ ) ( أثْوَى فأكرَمَ في الثَّوَاء وقُضِّيَتْ ... حاجاتُنا من عند أَرْوعَ باسقِ ) ( لا تَبْعَدنّ إداوةٌ مطروحةٌ ... كانت حَدِيثاً للشَّراب العاتقِ ) ويروى بالشراب العاتق عروضه من الكامل حنت يعني ناقته وهذا البيت يبتع بيتا قبله وهو ( فإلى الوليد اليومَ حنّتْ ناقتي ... تَهْوِي بمُغْبرِّ المُتُون سَمَالِقِ ) وبعده حنت إلى برق وقوله قري من الوقار كأنها لما حنت أسرعت ونازعت إلى الوطن أو المقصد فقال يخاطبها قري وذر قرن الشارق طلع قرن الشمس يريد بأبي الوليد وأمي في كل ليل ونهار أبدا وأثوى أنزل والثواء الإقامة قال الأعشى ( لقد كان في حول ثَوَاء ثويته ... تُقَضَّى لُباناتٌ ويَسأم سائمُ ) والباسق الطويل قال الله عز و جل ( والنخل باسقات ) أي طوالا ويروى ( لا تَبْعَدنّ إداوةٌ مطروحةٌ ... ) الشعر لعبد الرحمن بن أرطأة المحاربي والغناء لابن عائشة ولحنه المختار ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه للهذلي لحن آخر من الثقيل الأول عن الهشامي وابن المكي فأول لحن الهذلي استهلال في ( حنت إلى برق فقلت لها قِرِي ... ) وأول لحن ابن عائشة ( بأبي الوليدُ وأمِّ نفسي كلّما ... بدت النجومُ وذَرّ قرنُ الشارِق ) أخبار ابن أرطأة ونسبه هو عبد الرحمن بن أرطأة وقيل عبد الرحمن بن سيحان بن أرطأة بن سيحان بن عمرو بن نجيد بن سعد بن لاحب بن ربيعة بن شكم بن عبد الله ابن عوف بن زيد بن بكر بن عمير بن علي بن جسر بن محارب بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار وأم جسر بن محارب كأس بنت لكيز بن أفصى بن عبد القيس وأم علي بن جسر ماوية بنت علي بن بكر بن وائل هذه رواية أبي عمرو الشيباني أخبرني بها عمي والصولي عن الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه قال وشكم بن عبد الله أول محاربي ساد قومه وأبذهم رأسا بنفسه وكانوا جيرانا في هوازن وآل سيحان حلفاء حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وبمنزلة بعضهم عندهم خاصة وعند سائر بني أمية عامة أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران قال بنو سيحان من بنى جسر بن محارب وبنو عبد مناف تقوي حلفهم وهم عندي أعزاؤهم وليسوا بأحلافهم أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان قال لما قتل هشام بن الوليد أبا أزيهر بعثت قريش أرطأة بن سيحان حليف حرب بن أمية إلى الشراة يحذر من بها من تجار قريش وخرج حاجز الأزدي ليخبر قومه فسبقه أرطأة وقال في ذلك وقد حذرهم فنجوا ( مثلُ الحِليف يشدُّ عُرْوتَه ... يَثْني العِنَاجَ لها مع الكَرَبِ ) ( زَلَمٌ إذا يَسَرُوا به يُسُرٌ ... ومناضلٌ يَحْمِي عن الحَسَبِ ) ( هل تَشْكُرَنْ فِهْرٌ وتاجِرُها ... دَأْبَ السُّرَى بالليلِ والخَبَبِ ) ( حتى جَلَوْتُ لهم يَقِينَهُمُ ... ببيان لا أَلْسٍ ولا كَذِبِ ) فحل الخمرة وليس فحل الشعر وكان عبد الرحمن شاعرا مقلا إسلاميا ليس من الفحول المشهورين ولكنه كان يقول في الشراب والغزل والفخر ومدح أحلافه من بني أمية وهو أحد المعاقرين للشراب والمحدودين فيه وكان مع بني أمية كواحد منهم إلا أن اختصاصه بآل أبي سفيان وآل عثمان خاصة كان أكثر وخصوصه بالوليد بن عثمان ومؤانسته إياه أزيد من خصوصه بسائرهم لأنهما كانا يتنادمان على الشراب وهذه الأبيات التي فيها الغناء يقولها في الوليد بن عثمان وقيل بل في الوليد بن عتبة وخبره في ذلك يذكر بعد هذا أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال قال عتبة بن المنهال المهلبي حدثني غير واحد من أهل الحجاز قالوا كان ابن سيحان حليفا لقريش ينزل بالمدينة وكان نديما للوليد بن عثمان فأصابه ذات يوم خمار فذهب لسانه وسكنت أطرافه وصرخ أهله عليه فأقبل الوليد إليه فزعا فلما رآه قال أخي مخمور ورب الكعبة ثم أمر غلاما له فأتاه بشراب من منزله في إداوة فأمر به فأسخن ثم سقاه إياه وقيأه وصنع له حساء وجعل على رأسه دهنا وجعل رجليه في ماء سخن فما لبث أن انطلق وذهب ما كان به ومات الوليد بعد ذلك فبينا ابن سيحان يوما جالس وبعض متاعه ينقل من بيت إلى بيت إذ مرت الخادم بإداوة الوليد التي كان داواه بما فيها من الشراب وقد يبست وتقبضت فانتحب وقال ( لا تَبْعَدَنَّ إداوةٌ مطروحةٌ ... كانتْ حديثاً للشرابِ العاتِقِ ) وذكر باقي الأبيات أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أحمد بن معاوية عن الواقدي قال حدثنا عبد الله بن أبي عبيدة عن أبيه قال كان الوليد بن عثمان بن عفان يشرب مع الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وابن سيحان وكان يخمر فأصابه من ذلك شيء شديد خيف عليه وشق النساء عليه الجيوب فدعي له ابن سيحان فلما رآه قال اخرجن عني وعن أخي فخرجن فقال له الصبوح أبا عبد الله فجلس مفيقا فذلك حيث يقول ابن سيحان ( بأبي الوليدُ وأُمِّ نفسي كلّما ... بَدَتِ النجومُ وذَرّ قَرْنُ الشارِق ) ( أَثْْْوَى فأكرَمَ في الثَّوَاء وقُضِّيَتْ ... حاجاتُنا من عند أَرْوَعَ باسِقِ ) ( كم عنده من نائلٍ وسماحةٍ ... وفضائلٍ معدودةٍ وخلائقِ ) ( وسَمَاحةٍ للمُعْتَفِين إذا اعتَفَوْْا ... في ماله حَقَّا وقَوْلٍ صادقٍ ) ( لا تَبْعَدَنَّ إداوةٌ مطروحةٌ ... كانتْ حَديثاً للشرابِ العاتِقِ ) أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال كان الوليد بن عثمان يكنى أبا الجهم وكان لابن سيحان صديقا ونديما وكان صاحب شراب فمرض فعاده الوليد وقال ما تشتهي قال شرابا فبعث فجائه بشراب في إداوة ثم ذكر باقي الخبر نحو الذي قبله أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن ( لا تَبْعَدَنَّ إداوةٌ مطروحةٌ ... كانتْ حديثاً للشرابِ العاتِقِ ) وذكر باقي الأبيات أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أحمد بن معاوية عن الواقدي قال حدثنا عبد الله بن أبي عبيدة عن أبيه قال كان الوليد بن عثمان بن عفان يشرب مع الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وابن سيحان وكان يخمر فأصابه من ذلك شيء شديد خيف عليه وشق النساء عليه الجيوب فدعي له ابن سيحان فلما رآه قال اخرجن عني وعن أخي فخرجن فقال له الصبوح أبا عبد الله فجلس مفيقا فذلك حيث يقول ابن سيحان ( بأبي الوليدُ وأُمِّ نفسي كلّما ... بَدَتِ النجومُ وذَرّ قَرْنُ الشارِق ) ( أَثْْْوَى فأكرَمَ في الثَّوَاء وقُضِّيَتْ ... حاجاتُنا من عند أَرْوَعَ باسِقِ ) ( كم عنده من نائلٍ وسماحةٍ ... وفضائلٍ معدودةٍ وخلائقِ ) ( وسَمَاحةٍ للمُعْتَفِين إذا اعتَفَوْْا ... في ماله حَقَّا وقَوْلٍ صادقٍ ) ( لا تَبْعَدَنَّ إداوةٌ مطروحةٌ ... كانتْ حَديثاً للشرابِ العاتِقِ ) أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال كان الوليد بن عثمان يكنى أبا الجهم وكان لابن سيحان صديقا ونديما وكان صاحب شراب فمرض فعاده الوليد وقال ما تشتهي قال شرابا فبعث فجائه بشراب في إداوة ثم ذكر باقي الخبر نحو الذي قبله أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن حذف 240 أيوب بن عباية قال كان الوليد بن عثمان ذا غلة في الحجاز يخرج إليها في زمان التمر بنفر من قومه يجنون له ويعاونونه فكان إذا حضر خروجهم دفع إليهم نفقات لأهليهم إلىرجعتهم فخرج بهم مرة كما كان يخرج وفيهم ابن سيحان فأتى ابن سيحان كتاب من أهله يسألونه القدوم لحاجة لا بد منها فاستأذنه فأذن له فقال له ابن سيحان زودوني من شرابكم هذا فزودوه إداوة ملأها له من شرابهم فكان يشربها في طريقه حتى قدم على أهله فألقاها في جانب بيته فارغة فمكث زمانا لا يذكرها ثم كنسوا البيت فرآها ملقاة في الكناسة فقال ( لا تَبْعَدَنَّ إداوةٌ مطروحةٌ ... كانت حَدِيثاً للشراب العاتِقِ ) ( إن تُصْبِحي لا شيءَ فيكِ فرُبَّما ... أُتْرِعْتِ من كأسٍ تَلَذُّ لِذائِقِ ) ( بأبي الوليدُ وأُمِّ نفسي كُلَّما ... بَدَتِ النجومُ وذَرّ قَرْنُ الشارِقِ ) ( كم عندَه من نائلٍ وسَمَاحةٍ ... وشمائلٍ مَيْمُونةٍ وخلائِقِ ) ( وكرامةٍ للمُعْتَفِين إذا اعْتَفَوْا ... في ماله حَقَّا وقَوْلٍ صادِقِ ) ( أَثْوَى فأَكرَمَ في الثَّوَاءِ وقُضِّيَتْ ... حاجاتُنَا من عندِ أَرْوَعَ باسِقِ ) ( لَمَّا أتيناهُ أَتَيناُ ماجد الأخلاق ... سَبَّاقاً لِقَرْمٍ سابِقِ ) ( قال الوليدُ يَدِي لكم رَهْنٌ بما ... حَاوَلْتُمُ من صامتٍ أو ناطِقِ ) ( فإِلى الوليدِ اليومَ حَنَّتْ ناقتي ... تَهْوِي بِمُغْبَرِّ المُتُونِ سَمَالِقِ ) ( حَنَّتْ إلى بَرْقٍ فقلتُ لها قِري ... بَعْضَ الحَنِينِ فإِنَّ شَجْوَكِ شائقي ) مروان والوليد بن عثمان يضر بانه الحد ) أخبرني عمي قال حدثني محمد بن عبد الله التميمي الأصبهاني المعروف بالحزنبل قال حدثني عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسي قال قال حماد بن إسحاق قرأت على أبي قالا جميعا كان عبد الرحمن بن سيحان قد غاظ مروان بن الحكم أيام كان معاوية يعاقب بينه وبين سعيد بن العاص في ولاية الحرمين وأنكر عليه أشياء بلغته فغاظته من مدحه سعيدا وانقطاعه إليه وسروره بولايته فرصده حتى وجده خارجا من دار الوليد بن عثمان وهو سكران فضربه الحد ثمانين سوطا وقدم البريد من المدينة على معاوية فسأله عن أخبار الناس فجعل يخبره بها حتى انتهى به الحديث إلى ابن سيحان فأخبره أن مروان ضربه الحد ثمانين فغضب معاوية وقال والله لو كان حليف أبي العاص لما ضربه ولكنه ضربه لأنه حليف حرب أليس هو الذي يقول ( وإني امرؤٌ حِلْفٌ إلى أفضل الوَرَى ... عَدِيداً إذا ارْفَضّتْ عَصا المْتَحلّفِ ) كذب والله مروان لا يضربه في نبيذ أهل المدينة وشكهم وحمقهم ثم قال لكاتبه أكتب إلى مروان فليبطل الحد عن ابن سيحان وليخطب بذلك على المنبر وليقل إنه كان ضربه على شبهة ثم بان له أنه لم يشرب مسكرا وليعطه ألفي درهم فلما ورد الكتاب على مروان عظم ذلك عليه ودعا بابنه عبد الملك فقرأه عليه وشاوره فيه فقال له عبد الملك راجعه ولا تكذب نفسك ولا تبطل حكمك فقال مروان أنا أعلم بمعاوية إذا عزم على شيء أو أراده لا والله لا اراجعه فلما كان يوم الجمعة وفرغ من الخطبة قال وابن سيحان فإنا كشفنا أمره فإذا هو لم يشرب مسكر وإذا نحن قد عجلنا عليه وقد أبطلت عنه الحد ثم نزل فأرسل إليه بألفي درهم أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن معاوية عن الواقدي قال حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال كان عبد الرحمن بن سيحان المحاربي شاعرا وكان حلو الأحاديث عنده أحاديث حسنة غريبة من أخبار العرب وأيامها وأشعارها وكان على ذلك يصيب من الشراب فكان كل من قدم من ولاة بني أمية وأحداثهم ممن يصيب الشراب يدعوه وينادمه فلما ولي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وعزل مروان وجد مروان في نفسه وكان قد سبعه فحقد ذلك عليه مروان واضطغنه وكان الوليد يصيب من الشراب ويبعث إلى ابن سيحان فيشرب معه وابن سيحان لايظن أن مروان يفعل به الذي فعله وقد كان مدحه بان سيحان ووصله مروان ولكن مروان أراد فضيحة الوليد فرصده ليلة في المسجد وكان ابن سيحان يخرج في السحر من عند الوليد ثملا فيمر في المقصورة من المسجد حتى يخرج في زقاق عاصم وكان محمد بن عمرو يبيت في المسجد يصلي وكذلك عبد الله بن حنظلة وغيرهما من القراء يبيتون في المسجد يتهجدون فلما خرج ابن سيحان ثملا من دار الوليد أخذه مروان وأعوانه ثم دعا له محمد بن عمرو وعبد الله بن حنظلة فأشهدهما على سكره وقد سأله أن يقرأ أم القرآن فلم يقرأها فدفعه إلى صاحب شرطته فحبسه فلما أصبح الوليد بلغه الخبر وشاع في المدينة وعلم أن مروان إنما أراد أن يفضحه وأنه لو لقي ابن سيحان ثملا خارجا من عند غيره لم يعرض له فقال الوليد لا يبرئني من هذا عند أهل المدينة إلا ضرب ابن سيحان فأمر صاحب شرطته فضربه الحد ثم أرسله فجلس ابن سيحان في بيته لا يخرج حياء من الناس فجاءه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام في ولده وكان له جليسا فقال له ما يجلسك في بيتك قال الإستحياء من الناس قال اخرج أيها الرجل وكان عبد الرحمن قد حمل له معه كسوة فقال له البسها ورح معنا إلى المسجد فهذا أحرى أن يكذب به مكذب ثم ترحل إلى أمير المؤمنين فتخبره بما صنع بك الوليد فإنه يصلك ويبطل هذا الحد عنك فراح مع عبد الرحمن في جماعة ولده متوسطا لهم حتى دخل المسجد فصلى ركعتين ثم تساند مع عبد الرحمن إلى الأسطوانة فقائل يقول لم يضرب وقائل يقول أنا رأيته يضرب وقائل يقول عزر أسواطا معاوية يبطل الحد عن ابن أرطأة فمكث أياما ثم رحل إلى معاوية فدخل إلى يزيد فشرب معه وكلم يزيد أباه معاوية في أمره فدعا به فأخبره بقصته وما صنعه به مروان فقال قبح الله الوليد ما أضعف عقله أما استحيا من ضربك فيما شرب وأما مروان فإني كنت لا أحسبه يبلغ هذا منك مع رأيك فيه ومودتك له ولكنه أراد أن يضع الوليد عندي ولم يصب وقد صير نفسه في حد كنا ننزهه عنه صار شرطيا ثم قال لكاتبه اكتب بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة أما بعد فالعجب لضربك ابن سيحان فيما تشرب منه ما زدت على أن عرفت أهل المدينة ما كنت تشربه مما حرم عليك فإذا جاءك كتابي هذا فأبطل الحد عن ابن سيحان وطف به في حلق المسجد وأخبرهم أن صاحب شرطك تعدى عليه وظلمه وأن أمير المؤمنين قد أبطل ذلك عنه أليس ابن سيحان الذي يقول ( وإنِّي امرؤٌ أُنْمَى إلى أَفضل الورَى ... عديداً إِذا ارفَضّتْ عصا اُلمتحلِّفِ ) ( إلى نَضَدٍ من عبد شمس كأنّهم ... هِضَابُ أجَا أركانُها لم تَقَصَّفِ ) ( ميامينُ يَرْضَوْن الكِفَايَة إنْ كُفُوا ... وَيكْفُون ما وُلّوا بغير تكلّفِ ) ( غَطَارِفةٌ ساسوا البلاد فأحْسَنوا ... سياستها حتّى أقرّت لمُْرِدِف ) ( فمن يك منهم مُوسِراً يُفْشِ فضلَه ... ومن يكُ منهم مُعسِراً يتَعفَّف ) ( وإنْ تُبْسَطِ النُّعْمَى لهم يَبْسُطوا بها ... أَكُفَّا سِبَاطاً نفعُها غيرُ مُقْرفِ ) ( وإن تُزْوَ عنهم لا يَضِجُّوا وتُلْفِهِمْ ... قليلي التشكِّي عندها والتكلُّفِ ) ( إذا انصرفوا للحقّ يوماً تصرَّفوا ... إذا الجاهل الحيران لم يتصرَّفِ ) ( سَمَوْا فعلَوْا فوق البرية كلّها ... ببُنْيان عالٍ من مُنيفٍ ومُشْرِفِ ) قال وكتب له بأن يعطى أربعمائة شاة وثلاثين لقحة مما يوطن السيالة وأعطاه هو خمسمائة دينار وأعطاه يزيد مائتي دينار ثم قدم بكتاب معاوية إلى الوليد فطاف به في المسجد وأبطل ذلك الحد عنه وأعطاه ما كتب به له معاوية وكتب معاوية إلى مروان يلومه فيما فعله بابن سيحان وما أراده بذلك ودعا الوليد عبد الرحمن بن سيحان إلى أن يعود للشرب معه فقال والله لا ذقت معك شرابا أبدا أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو مسلم الغفاري قال حدثني موسى بن عبد العزيز قال أخذ ابن سيحان الجسري هكذا قال وهو غلط في شراب في إمارة مروان وكان حليفا لأبي سفيان بن حرب فضربه مروان ثمانين سوطاعلى رؤوس الناس فكتب إلى معاوية يشكوه فكتب إ ليه معاوية أما بعد فإنك أخذت حليف حرب فضربته ثمانين علي رؤوس الناس والله لتبطلنها عنه أو لأقيدنه منك فقال مروان لابنه عبد الملك ما ترى قال أرى والله ألا تفعل قال ويحك أنا أعلم بعزمات معاوية منك فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنا كنا ضربنا ابن سيحان بشهادة رجل من الحرس ووجدناه غير عدل ولا رضا فاشهدوا أني قد أبطلت ذلك الحد عنه أخبرني أحمد قال حدثنا عمر قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن عمران قال ضرب مروان عبد الرحمن بن سيحان في الخمر ثمانين سوطا فكتب إليه معاوية أما بعد فإنك ضربت عبد الرحمن في نبيذ أهل الشأم الذي يستعملونه وليس بحرام وإنما ضربته حيث كان حلفه إلى أبي سفيان بن حرب وايم الله لو كان حليفا للحكم ما ضربته فأبطل عنه الحد قبل أن أضرب من أخذ معه أخاك عبد الرحمن بن الحكم فأبطل مروان عنه الحد فقال ابن سيحان في ذلك يذكر حلفه ( إنّي امرؤ عَقْدي إلى أفضل الورَى ... عَديداً إذا ارفَضَّتْ عصا المُتَحلَّفِ ) وقال الطوسي كان عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان يشرب مع ابن سيحان فلما ضربه مروان الحد كتب إليه معاوية والله لتبطلنه عنه أو لأبعثن إلى أخيك من يضرب ظهره بالسوط في السوق أليس ابن سيحان الذي يقول ( سَموْتُ بِحِلْفي للطِّوال مِن الرُّبَى ... ولم تَلْقَني قِنَّاً لدَى مَبْرَك الجُرْبِ ) ( إذا ما حَلِيف الذُّل أَقْمأ شخصَه ... ودبّ كما دبّ الحَسير على نَقْبِ ) ( وهَصْتُ الحَصَى لا أُخْنِسُ الأَنفَ قابعاً ... إذا أنا رَاخَى لي خِنَاقِي بَنو حَرْبِ ) أخبرني الحرمي بن أبي العلاء وأحمد بن سليمان الطوسي قالا حدثنا الزبير ابن بكار قال حدثنا عمي مصعب وغيره قالوا ابن أرطأة يرثي سعيد بن عثمان قدم سعيد بن عثمان المدينة فقتله غلمان جاء بهم من الصغد وكان معه عبد الرحمن بن أرطأة بن سيحان حليف بني حرب بن أمية فهرب عنه لما قتلوه فقال خالد بن عقبة بن أبي معيط يرثي سعيد بن عثمان وعثمان أخوه لأمه ( يا عينُ جُودِي بدمع منكِ تَهْتانَا ... وابكِي سعيدَ بنَ عثمانَ بنِ عَفَّانَا ) ( إنّ ابنَ زِينَةَ لم تصدُق مودَّتهُ ... وفرّ عنه ابنُ أرطأةَ بنِ سَيْحانَا ) فقال ابن سيحان يعتذر من ذلك ( يقول رجالٌ قد دعاك فلم تُجِبْ ... وذلك من تِلْقاءِ مثلِك رائعُ ) ( فإن كان نادَى دعوةً فسمعتُها ... فَشَلَّتْ يدي واستَكَّ منِّي المسامعُ ) ( وإلا فكانتْ بالذي قال باطلاً ... ودارتْ عليه الدائراتُ القوارعُ ) ( يلومونني أن كنتُ في الدار حاسراً ... وقد فرّ عنه خالدٌ وهو دَارعُ ) فقال بعض الشعراء يجيبه ( فإنك لم تسمَعْ ولكن رأيتَه ... بعينك إذ مَجْراك في الدار واسعُ ) ( وأسلمتَه للصُّغْد تَدْمَى كُلُومُه ... وفارقتَه والصوتُ في الدار شائعُ ) ( وما كان فيها خالدٌ بمعذَّرٍ ... سواء عليكم صَمّ أو هو سامعُ ) ( فلا زلتُما في غُلِّ سَوْءٍ بِعِبْرةٍ ... ودارتْ عليكم بالشَّمَاتِ القَوَارعُ ) أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي قال لما قتل سعيد بن عثمان بن عفان قالت أمه أشتهي أن يرثيه شاعر كما في نفسي حتى أعطيه ما يحتكم فقال ابن سيحان ( إن كنتِ باكيةً فتىً ... فأبكِي هَبِلْتِ على سعيدِ ) ( فارقتَ أهلَكَ بغتةً ... وجَلبتَ حَتْفَك من بعيدِ ) ( أذْرِي دموعَكِ والدِّماءَ ... على الشَّهيدِ ابن الشهيدِ ) فقالت هكذا كنت أشتهي أن يقال فيه ووصلت ابن سيحان وكانت تندبه بهذا الشعر قال أبو عمرو في روايته التي ذكرتها عن عمي عن الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه قال جلس ابن سيحان وخالد بن عقبة بعد مقتل سعيد بن عثمان يتحدثان فجرى ذكره فبكيا جميعا عليه فقال ابن سيحان يرثيه ( ألاَ إنّ خيرَ الناس إن كُنت سائلاً ... سعيدُ بنُ عثمانَ القَتِيلُ بلا ذَحْلِ ) ( تداعت عليه عُصْبةٌ فارسيّةٌ ... فأَضْحَى سعيدٌ لا يُمِرُّ ولا يُحْلي ) وقال خالد بن عقبة ( ألا إنّ خيرَ الناس نفساً ووالداً ... سعيدُ بن عثمانٍ قتيلُ الأعاجِمِ ) ( بكتْ عينُ من لم يَبْكِه وَسْطَ يَثْرِبٍ ... مَدَى الدهرِ منه بالدموع السَّوَاجِمِ ) ( فإن تكن الأيامُ أَرْدت صروفُها ... سعيداً فمَنْ هذا عليها بسالِم ) قال الحزنبل أنشدني عمرو بن أبي عمرو عن أبيه لابن سيحان قال عمي وأنشدني السكري عن ابن حبيب والطوسي له صوت ( رحِم اللهُ صاحِبَيَّ ابنَيِ الحارِث ... إذ يَنْهَيَانِنِي أن أَبُوحَا ) ( بالتي تيَّمتْ فؤادي وأن أُذْرِي ... دموعي على ردائي سُفُوحَا ) ( في مَغَانِي منازلٍ من حبيبٍ ... باشرتْ بعدَه قِطَاراً ورِيحَا ) ( ولقد قلتُ للفؤاد ولكنْ ... كان قِدْماً إلى هواه جَمُوحَا ) ( قلتُ أقْصِرْ عن بعضِ حُبِّك أرْوَى ... إن بعض الحِبَابِ كان فُضُوحَا ) ( فعصاني فليس يسمَعُ قولاً ... من حَمامٍ على الأراكِ جُنُوحَا ) ( أُمَّ يحيَى تقبَّل اللهُ يحيى ... بقَبُول كما تَقَبَّلَ نُوحَا ) ( أُمَّ يحيَى لولا طِلاَبُكِ قد سِحْتُ ... مع الوحشِ أو لَبِسْتُ المُسُوحَا ) ( ولقد قلت لا أُحدِّثَ سِرّاً ... سرَّ أخرَى ما دمتُ أمشِي صحيحَا ) والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ويونس وفيه للغريض ثقيل أول عن الهشامي وفيه لزريق رمل قال أبو عمرو وابن سيحان الذي يقول ( ألا هل هاجَك الأظعانُ ... إذ جاوزْنَ مُطَّلحَا ) هجاء ابن أرطأة لبني مطيع والناس يروونه لعمر بن أبي ربيعة لغلبته على أهل الحجاز جميعا وقال أبو عمرو في خبره كان ابن سيحان يحدث قال كنت آلف من قريش أهل بيتين سوى من كنت منقطعا إليه من بني أمية بني عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وبني مطيع فلما ضربني مروان الحد جئت فجلست إلى بني مطيع كما كنت أجلس فلما رأوني عرفت الكراهة في وجوههم والله ما أقبلوا علي بحديثهم ولا وسعوا لي فانصرفت ورحت إلى بني عبد الرحمن فلما رأوني أقبلوا بوجوههم علي وحيوا ورحبوا وسهلوا ووسعوا ورفعوني إلى حيث لم أكن أجلس وأقبلوا علي بوجوههم يحدثونني وقالوا لعلك خشعت للذي لحقك أما والله لقد علم الناس أنك مظلوم وظلموا مروان في فعله ورأوا أنه قد أساء وأخطأ في شأنك وقالوا ما ضرك ذلك ولا نقصك ولا زادك إلا خيرا ولم يزالوا حتى بسطوني فقلت أمدحهم وأذم بني مطيع ( لقد حرَّمتُ وُدَّ بني مُطِيع ... حَرَامَ الدُّهْنِ للرجل الحَرَامِ ) ( وإن جنَف الزمانُ مددتُ حبلاً ... مَتِيناً من حبال بني هِشَامِ ) ( رَطيبٌ عودُهم أبداً وَرِيقٌ ... إذا ما اغبرَّ عِيدانُ اللئامِ ) وقال أبو عمرو في خبره كان عبد الرحمن بن سيحان ينادم الوليد بن عثمان على الشراب فيبيت عنده خوفا من أن يظهر وهو سكران فيحد فقالت له امرأته قد صرت لا تبيت في منزلك وأظنك قد تزوجت وإلا فما مبيتك عن أهلك فقال لها ( لا تَعْدَمِيني نَديماً ماجِداً أَنِفاً ... لا قائلاً قاذِفاً خَلْقَاً ببُهْتَانِ ) ( أغرَّ روَواقُه مَلآنُ صافيةً ... تَنْفِي القَذَى عن جَبِينٍ غيرِ خَزْيانِ ) ( سَبيئة من قُرَى بَيْروتَ صافية ... عَذْراء أو سُبِئتْ من أرض بَيْسَان ) ( إنَّا لنَشربهُا حتى تميلَ بنا ... كما تَمَايلَ وَسْنانٌ بوَسْنانِ ) يشرب الخمرة ويحث على شربها أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال كان بن سيحان صاحب شراب فدخل على ابن عم له يقال له الحارث بن سريع فوجده يشرب نبيذ زبيب فجعل يعظه ويأمره بشرب الخمر وقال له يابن سريع إن كنت تشربه على أن نبيذ الزبيب حلال فإنك أحمق وإن كنت تشربه على أنه حرام تستغفر الله منه وتنوي التوبة فاشرب أجوده فإن الوزر واحد ثم قال ( دَعِ ابنَ سَرِيع شُرْبَ ما مات مرةً ... وخُذْها سُلاَفاً حيةً مُزّةَ الطَّعْمِ ) ( تَدَعْك على مُلْكِ ابن ساسَان قادراً ... إذا حرّمت قُرَّاؤنا حَلَبَ الكَرْمِ ) ( فَشتَّان بين الحيّ والمَيْتِ فاعتزْم ... على مُزَّةٍ صَفْراء راووقُها يَهْمِي ) ( فإِنْ سَرِيعاً كان أوصَى بحبّها ... بَنِيه وعمِّي جاوز الله عن عَمِّي ) ( ويا رُبَّ يومٍ قد شهدتُ بني أبي ... عليها إلى أن غاب تاليةُ النَّجْمِ ) ( حَسَوْها صلاةَ العصرِ والشمسُ حيّةٌ ... تُدَار عليهم بالصغير وبالضَّخْم ) ( فماتوا وعاشوا والمُدَامَة بينهم ... مُشَعْشَعة كالنجم تُوصَف بالوَهْمِ ) أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال كان ابن سيحان حليف حرب بن أمية ينادم الوليد بن عقبة بن أبي معيط ويشرب معه الخمر وهو القائل ( إصبَحْ ندِيمَكَ من صَهْباء صافيةٍٍ ... حتىّ يروح كريماً ناعمَ البالِ ) ( واشربْ هُدِيتَ أبا وَهْبٍ مُجَاهَرةً ... واخْتَلْ فإنك من قوم أُولي خالِ ) ( أنت الجوادُ أبا وَهْبٍ إذا جَمَدتْ ... أيدي الرجال بما تَحْويه من مالِ ) ( لولا رجاؤك قد شمَّرْتُ مُرتجِلاً ... عَنْساً تُعَاقِبُ تَخْويداً بإِرْقَالِ ) ( لما تَوَاصَوْا بقتلي قمتُ معتزماً ... حتى حَميْتُ من الأعداء أوْصالي ) ( عمّ الوليدُ بمعروفٍ عشيرتَه ... والأبعدون حَظُوا منه بإِفضالِ ) قال وكان ابن سيحان قد ضرب رجلا من أخواله بالسيف فقطع يده ولم تقم عليه بينة فتآمر به القوم ومنع منه ابن خال له منهم وخاف الوليد بن عقبة أن يرجع إلى المدينة هاربا منهم وخوفا من جنايته عليهم فيفارقه وينقطع عنه فدعاهم وأرضاهم وأعطاهم دية صاحبهم فلم يزل عند الوليد حتى عزل وهو نديمه وصفيه وهو القائل في الوليد وفيه غناء صوت ( بات الوَليدُ يُعاطِينى مُشَعشَعةً ... حتى هَوَيْتُ صَرِيعاً بين أصحابِي ) في الغناء بات الكريم يعاطيني ( لا أستطيع نهوضاً إن همَمْتُ به ... وما أُنَهْنَهُ من حَسْوٍ وتَشْرابِ ) ( حتى إذا الصبحُ لاحتْ لي جوانبُه ... وليَّتْ أسحَبُ نحوَ القومِ أثوابِي ) ( كأنّني من حُمَيَّا كأسِه جَمَلٌ ... صَحَّتْ قوائمُهُ من بعد أَوْصاب ) ويروى ( كأنني من حُمَيَّا كأسِه ظَلِعٌ ... ) الغناء ليحيى المكي وروي ضلع خفيف ثقيل بالبنصر عن الهشامي وبذل قالت بذل وفيه لحن آخر ليحيى ولم تذكر طريقته أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو فهيرة قال دخل عبد الرحمن بن أرطأة على سعيد بن العاص وهو أمير المدينة فقال له ألست القائل ( إنّا لنشربُها حتى تميل بنا ... كما تَمايل وَسْنانٌ بوَسْنانِ ) فقال له عبد الرحمن معاذ الله أن أشربها وأنعتها ولكني الذي أقول ( سَموْتُ بحِلْفي للطِّوالِ من الذُّرَى ... ولم تَلْقَنِي كالنَّسْرِ في ملتقىً جَدْبِ ) ( إذا ما حَلِيفُ القوم أَقْعَى مكانَه ... ودَبَّ كما يمشي الحَسِير من النَّقْبِ ) ( وهَصْتُ الحَصى لا أرهبُ الضيمَ قائماً ... إذا أنا راخى لي خِنَاقي بنو حَرْبِ ) وقام يجر مطرفه بين الصفين حتى خرج فأقبل عمرو بن سعيد على أبيه فقال لو أمرت بهذا الكلب فضرب مائتي سوط كان خيرا له فقال يا بني أضربه وهو حليف حرب بن أمية ومعاوية خليفة بالشام إذا لا يرضى فلما حج معاوية لقيه بمنى فقال إيه يا سعيد أمرك أحمقك بأن تضرب حليفي مائتي سوط أما والله لو جلدته سوطا لجلدتك سوطين فقال له سعيد ولم ذاك أولم تجلد أنت حليفك عمر بن جبلة فقال له معاوية هو لحمي آكله ولا أوكله قال وكان ابن سيحان قد قال ( لا يَعْدَمنِّي نديمي ماجِداً أنِفاً ... لا قائلاً خالطاً زوراً ببُهْتانِ ) ( أُمْسِي أُعاطيهِ كأساً لذَّ مَشْرَبُها ... كالمسكِ خُفَّتْ بِنِسْرينٍ وريْحَانِ ) ( سبيئةً من قُرَى بَيْرُوت صافيةً ... أو التي سُبِئَتْ من أرض بَيْسانِ ) ( إنّا لنشربُها حتى تميل بنا ... كما تَمايل وَسْنانٌ بوَسْنانِ ) انقضت أخباره صوت من المائةالمختارة من رواية علي بن يحيى ( يا خليليّ هَجِّرَا كيْ تَرُوحا ... هِجْتما للرَّواح قَلْبا قريحا ) ( إنْ تُرِيغا لِتَعْلَما سِرَّ سُعْدى ... تَجِداني بِسرّ سُعْدى شَحِيحا ) ( إنّ سُعْدى لمُنْيَةُ المُتَمنِّي ... جَمَعتْ عِفّة ووَجْها صَبيحاً ) ( كلّمتني وذاك ما نِلْتُ منها ... إنّ سُعْدى ترى الكلامَ ربيحا ) الشعر لابن ميادة والغناء لحنين ولحنه المختار من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر عمرو بن بانة أن فيه لدحمان لحنا من الثقيل الأول بالبنصر وأظنه هذا وأن عمرا غلط في نسبته إلى دحمان أخبار ابن ميادة ونسبه اسمه الرماح بن أبرد بن ثوبان بن سراقة بن حرملة هكذا قال الزبير بن بكار في نسبه وقال ابن الكلبي ثوبان بن سراقة بن سلمى بن ظالم ويقال سراقة بن قيس بن سلمى بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف ابن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن زيد بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر وأمه ميادة أم ولد بربرية وروي أنها كانت صقلبية ويكنى أبا شرحبيل وقيل بل يكنى أبا شراحيل ( وكان ابن ميادة يزعم أن أمه فارسية وذكر ذلك في شعره فقال ( أنا ابْنُ سَلْمى وَجَدِّي ظالمُ ... وأُمِّي حَصَانٌ أخلصتْها الأعاجمُ ) ( أليس غلامٌ بين كسرى وظالمٍ ... بأكرمِ مَن نِيطتْ عليه التمائمُ ) أخبرني بذلك الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو مسلمة مرهوب بن سيد وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني موسى بن زهير الفزاري قال أخبرني موسى بن سيار بن نجيح المزني قال أنشدني ابن ميادة أبياته التي يقول فيها ( أليس غلامٌ بين كِسرى وظالم ... بأكرم من نِيطَتْ عليه التمائمُ ) فقلت له لقد أشحطت بدا العجوز وأبعدت بها النجعة فهلا غربت يريد أنها صقلبية ومحلها بناحية المغرب فقال إي بأبي أنت إنه من جاع انتجع فدعها تسر في الناس فإنه من يسمع يخل قال الزبير قال ابن مسلمة ولما قال ابن ميادة هذه الأبيات قال الحكم الخضري يرد عليه ( وما لكَ فيهم من أبٍ ذي دسِيعةٍ ... ولا وَلَدَتْكَ المُحْصَنَاتُ الكرائم ) ( وما أنتَ إلاّ عبدُهم إن تُرِبْهُمُ ... مِنَ الدهر يوماً تَسْتَرِبْكَ المقاسِمُ ) ( رَمَى نَهْبَلٌ في فَرْجِ أُمِّك رَمْيَةً ... بِحَوْقَاءَ تَسْقِيهَا العُرُوق الثَّواجمُ ) قال أبو مسلمة ونهبل عبد لبني مرة كانت ميادة تزوجته بعد سيدها وكانت صقلبية وابن ميادة شاعر فصيح مقدم مخضرم من شعراء الدولتين وجعله ابن سلام في الطبقة السابعة وقرن به عمر بن لجأ والعجيف العقيلي والعجير السلولي ابن ميادة يتعرض للمهاجاة أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا الحسن بن الحسين السكري قال حدثنا محمد بن حبيب عن ابن الأعربي قال كان ابن ميادة عريضا للشر طالبا مهاجاة الشعراء ومسابة الناس وكان يضرب بيده على جنب أمه ويقول ( اعْرَنْزِمِي مَيّاد للقوافي ... ) أي إني سأهجو الناس فيهجونك وأخبرنا يحيى بن علي عن أبي هفان بهذه الحكاية مثله وزاد فيها ( لإعْرَنْزِمِيّ ميَّادَ للقوافي ... واسْتَسْمِعيهنّ ولا تَخَافِي ) ( سَتجدِينَ ابنَكِ ذا قِذَافِ ... ) أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا داود بن علفة الأسدي قال جاورت امرأة من الخضر رهط الحكم الخضري أبيات ابن ميادة فجاءت ذات يوم تطلب رحى وثفالا لتطحن فأعاروها إياهما فقال لها ابن ميادة يا أخت الخضر أتروين شيئا مما قاله الحكم الخضري لنا يريد بذلك أن تسمع أمه فجعلت تأبى فلم يزل حتى أنشدته ( أمَيَّادَ قد أفسدتِ سيفَ ابن ظالم ... بِبَظْرِك حتى عاد أثْلَمَ باليَا ) قال وميادة جالسة تسمع فضحك الرماح وثارت ميادة إليها بالعمود تضربها به وتقول أي زانية هيا زانية أإياي تعنين وقام ابن ميادة يخلصها فبعد لأي ما أنقذها وقد انتزعت منها الرحى والثفال أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو حرملة منظور بن أبي عدي الفزاري قال حدثني شماطيط وهو الذي يقول ( أنا شَماطيطُ الذي حُدِّثتَ به ... متى أُنبَّهْ للغداء أَنْتَبِهْ ) ( حتى يُقالُ شَرِهٌ ولستُ بِه ... ) قال كنت جالسا مع ابن ميادة فوردت عليه أبيات للحكم الخضري يقول فيها ( أأنت ابن أشبانِيّةٍ أَدْلجَتْ به ... إلى اللؤم مِقْلاتٍ لئيمٍ جَنينُها ) أشبانية صقلبية قال وأمه ميادة تسمع فضرب جنبها وقال ( إعْرَنْزِمي مَيَّادَ للقوافِي ) فقالت هذه جنايتك يابن من خبت وشر وأهوت إلى عصا تريد ضربه بها ففر منها وهو يقول ( يا صِدْقَها ولم تكن صَدُوقَا ... ) فصحت به أيهما المعني فقال أضرعهما خدين وألأمهما جدين فضربت جنبها الآخر وقلت فهي إذا ميادة وخرجت أعدو في أثر الرماح وتبعتنا ترمينا بالحجارة وتفتري علينا حتى فتناها أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني أبو داود الفزاري أن ميادة كانت أمة لرجل من كلب زوجة لعبد له يقال له نهبل فاشتراها بنو ثوبان بن سراقة فأقبلوا بها من الشام فلما قدموا وصبحوا بها المليحة وهي ماءة لبني سلمى ورحل بن ظالم بن جذيمة نظر رجل من بني سلمى إليها وهي ناعسة تمايل على بعيرها فقال ما هذه قالوا اشتراها بنو ثوبان فقال وأبيكم إنها لميادة تميد وتميل على بعيرها فغلب عليها ميادة وكان أبرد ضلة من الضلل ورثة من الرثث جلفا لا تخلص إحدى يديه من الاخرى يرعى على إخوته وأهله وكانت إخوته كلهم ظرفاء غيره فأرسلوا ميادة ترعى الأبل معه فوقع عليها فلم يشعروا بها إلا حبلى قد أقعسها بطنها فقالوا لها لمن ما في بطنك قالت لأبرد وسألوه فجعل يسكت ولا يجيبهم حتى رمت بالرماح فرأوا غلاما فدغما نجيبا فأقر به أبرد وقالت بنو سلمى ويلكم يابني ثوبان ابتطنوه فلعله ينجب فقالوا والله ما له غير ميادة فبنوا لها بيتا وأقعدوها فيه فجاءت بعد الرماح بثوبان وخليل وبشير بني أبرد وكانت أول نسائه و آخرهن و كانت امرأة صدق ما رميت بشيء ولا سبت إلا بنهبل قال عبد الرحمن بن جهيم الأسدي في هجائه ابن مياده ( لَعمْري لئن شابتْ حَليلةُ نَهْبلٍ ... لبئس شبابُ المرءِ كان شبابُها ) ( و لم تدرِ حمراءُ العِجان انْهَبلٌ ... أبوه أمِ المُرِّيّ تَبّ تَبابُها ) قال أبو داود وكان ابن ميادة هجا بني مازن وفزارة بن ذبيان وذلك أنهم ظلموا بني الصارد والصارد من مرة فأخذوا مالهم و غلبوهم عليه حتى الساعة فقال ابن ميادة ( فلأُوردنّ على جماعة مازِنٍ ... خَيْلا مُقلِّصةَ الخُصَى ورجالا ) ( ظلّوا بذي أُرُكٍ كأنّ رؤسهم ... شجَرٌ تخطّاه الربيع فحالا ) فقال رجل من بني مازن يرد عليه ( يا بن الخبيثه يا بن طَلّة نَهْبَلٍ ... هلاّ جَمعت كما زَعمت رجالا ) ( أببَظْرِ مَيْدَة أم بخُصيَيْ نَهْبلٍ ... أم بالفُساةُ تُنازل الأبطالا ) ( و لئن وردتَ على جماعة مازنٍ ... تبغي القتال لَتَلْقَينّ قِتالا ) قال وبنو مرة يسمون الفساه لكثرة امتيارهم التمر وكانت منازلهم بين فدك وخيبر فلقبوا بذلك لأكلهم التمر وقال يحيى بن علي في خبره ولم يذكره عن أحد وقال ابن ميادة يفتخر بأمه ( أَنا ابن مَيَّادَة تَهْوِي نُجُبِي ... سَلْطُ الجبينِ حَسَنٌ مُرَكَّبي ) ( تَرفعني أمي و ينميني أبي ... فوق السحاب ودُوَيْنَ الكوكبِ ) قال يحيى بن علي في خبره عن حماد أبيه عن أبي داود الفزاري إن ابن ميادة قال يفخر بنسب أبيه في العرب ونسب أمه في العجم ( أليس غلامٌ بين كِسرَى وظالم ... بأكرمِ مَن نِيطت عليه التَّمائمُ ) ( لَوَ انَّ جميع الناس كانوا بتَلْعةٍ ... وجئتُ بجَدِّي ظالمٍ وابنِ ظالِم ) ( لظلّت رقابُ الناس خاضِعةً لنا ... سُجوداً على أقدامنا بالجماجِم ) فأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أ بي عبيدة قال كان ابن ميادة واقفا في الموسم ينشد ( لو انّ جميع الناس كانوا بتَلْعةٍ ... ) وذكر تمام البيت والذي بعده قال والفرزدق واقف عليه في جماعة وهو متلثم فلما سمع هذين البيتين أقبل عليه ثم قال أنت يابن أبرد صاحب هذه الصفة كذبت والله وكذب من سمع ذلك منك فلم يكذبك فأقبل عليه فقال فمه يا أبا فراس فقال أنا والله أولى بهما منك ثم أقبل على راويته فقال اضممهما إليك ( لَوَ انَّ جميع الناس كانوا بتَلْعةٍ ... وجئتُ بجَدِّي دارِمٍ وابنِ دارِمِ ) ( لظلّت رقابُ الناس خاضِعةً لنا ... سُجوداً على أقدامنا بالجماجِم ) قال فأطرق ابن ميادة فما أجابه بحرف ومضى الفرزدق فانتحلهما أخبرنا يحيى قال حدثنا حماد عن أبيه عن أبي داود قال أم بني ثوبان وهم أبرد أبو ابن ميادة والعوثبان وقريض وناعضة وكان العوثبان وقريض شاعرين أمهم جميعا سلمى بنت كعب بن زهير بن أبي سلمى ويقال إن الشعر أتى ابن ميادة عن أعمامه من قبل جدهم زهير قال اسحاق في خبره هذا وحدثني حميد بن الحارث أن عقبة بن كعب بن زهير نزل المليحة على بني سلمى بن ظالم فأكلوا له بعيرا وبلغ ابن ميادة أن عقبة قال في ذلك شعرا فقال ابن ميادة يرد عليه ( ولقد حلفتُ بربِّ مكةَ صادقاً ... لولا قرابةُ نِسْوةٍ بالحاجرِ ) ( لكسوتُ عُقْبَةَ كُسْوةً مشهورةً ... تُرِدُ المَنَاهلَ من كلامٍ عائرِ ) وهي قصيدة فقال له عقبة ( ألَوْما أنني أصبحتُ خالاً ... وذكرُ الخال ينقُص أو يزيد ) ( لقد قلَّدتُ من سَلْمَى رجالا ... عليهم مَسْحَةٌ وهُمُ العبِيدُ ) فقال ابن ميادة ( إن تَكُ خالنا فقُبِحْتَ خالاً ... فأنت الخال تنقُص لاتزيدُ ) ( فيوماً في مُزَينة أنت حُرٌّ ... ويوماً أنت مَحْتِدُك العبيدُ ) ( أحقُّ الناسِ أن يَلْقَى هَواَناً ... ويؤكلَ مالُه العبدُ الطَّرِيدُ ) قال إسحاق فحدثني عجرمة قال كان ابن ميادة أحمر سبطا عظيم الخلق طويل اللحية وكان لباسا عطرا ما دنوت من رجل كان أطيب عرفا منه قال إسحاق وحدثني أبو داود قال سمعت شيخا عالما من غطفان يقول كان الرماح أشعر غطفان في الجاهلية والاسلام وكان خيرا لقومه من النابغة لم يمدح غير قريش وقيس وكان النابغة إنما يهذي باليمن مضللا حتى مات قال إسحاق وحدثني أبو داود أن بني ذبيان تزعم أن الرماح بن ميادة كان آخر الشعراء قال إسحاق وحدثني أبو صالح الفزاري أن القاسم بن جندب الفزاري وكان عالما قال لابن ميادة والله لو أصلحت شعرك لذكرت به فإني لأراه كثير السقط فقال له ابن ميادة يابن جندب إنما الشعر كنبل في جفيرك ترمي به الغرض فطالع وواقع وعاصد وقاصد أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال كان ابن ميادة حديث العهد لم يدرك زمان قتيبة بن مسلم ولا دخل فيمن عناه حين قال أشعر قيس الملقبون من بني عامر والمنسوبون إلى أمهاتهم من غطفان ولكنه شاعر مجيد كان في أيام هشام بن عبد الملك وبقي إلى زمن المنصور أخبرنا يحيى بن علي قال كان ابن ميادة فصيحا يحتج بشعره وقد مدح بني أميه وبني هاشم مدح من بني أمية الوليد بن يزيد وعبد الواحد بن سليمان ومدح من بني هاشم المنصور وجعفر بن سليمان وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال أخبرني طماح ابن أخي الرماح بن ميادة قال قال لي عمي الرماح ما علمت أني شاعر حتى وأطأت الحطيئة فإنه قال ( عفا مُسْحُلاَنُ من سُلَيْمى فَحامِرُهْ ... تَمَشَّي به ظِلْمَانُه وجآذِرُهْ ) فو الله ما سمعته ولا رويته فواطآته بطبعي فقلت ( فذو العُشّ والممدورُ أصبح قاوياً ... تَمَشَّي به ظِلْمَانُهُ وجآذِرُهْ ) فلما أنشدتها قيل لي قد قال الحطيئة ( تَمَشَّى به ظلمانه وجآذرهْ ... ) فعلمت أني شاعر حينئذ ابن ميادة وأم جحدر أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني موسى ابن زهير بن مضرس قال كان الرماح بن أبرد المعروف بابن ميادة ينسب بأم جحدر بنت حسان المرية إحدى نساء بني جذيمة فحلف أبوها ليخرجنها إلى رجل من غير عشيرته ولا يزوجها بنجد فقدم عليه رجل من الشأم فزوجه إياها فلقي عليها ابن ميادة شدة فرأيته وما لقي عليها فأتاها نساؤها ينظرن إليها عند خروج الشامي بها قال فوالله ماذكرن منها جمالا بارعا ولا حسنا مشهورا ولكنها كانت أكسب الناس لعجب فلما خرج بها زوجها إلى بلاده اندفع ابن ميادة يقول ( ألاَ ليتَ شِعْرِي هل إلى أمّ جَحْدَرٍ ... سبيلٌ فأما الصبرُ عنها فلا صَبْرَا ) ( إذا نزلتْ بُصْرَى تراخَىمَزارُها ... وأغلقَ بَوَّابَانِ مِن دُونها قَصْرَا ) ( فهل تأتينِّي الريحُ تَدْرُجُ مَوْهِناً ... بريّاكِ تَعْرَوْرِي بها جَرَعاً عُفْرَا ) قال الزبير وزادني عمي مصعب فيها ( فلو كان نَذْرٌ مُدْيِناً أمَّ جَحْدَرٍ ... إليّ لقد أَوْجَبتُ في عُنُقِي نَذْرَا ) ( ألا لا تَلُطِّي السِّتْرَ يا أمّ جَحْدَرٍ ... كَفَى بذُرَا الأعلام مِنْ دُوننا سِتْرا ) ( لَعمرِي لئن أَمْسَيتِ يا أمّ جَحْدَرٍ ... نأيتِ لقد أبليتُ في طلبٍ عُذرا ) ( فَبَهْراً لقومي إذ يبيعون مُهْجتي ... بغانيةٍ بَهْراً لهم بعدَها بَهْرَا ) قال الزبير بهرا هاهنا يدعو عليهم أن ينزل بهم من الأمور ما يبهرهم كما تقول جدعا وعقرا وفي أول هذه القصيدة على ما رواه يحيى بن علي عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن حميد بن الحارث يقول ( ألا لا تَعُدْ لِي لَوْعَةٌ مثلُ لَوْعَتِي ... عليكِ بأَدْمَى والهوى يَرْجِعُ الذِّكْرَا ) ( عَشِيَّةَ أَلْوِي بالرِّدَاء على الحَشَا ... كأنّ رِدَائي مُشْعَلٌ دونَه جَمْرَا ) قال حميد بن الحارث وأم جحدر امراة من بني رحل بن ظالم بن جذيمة ابن يربوع بن غيظ بن مرة أخبرني يحيى بن علي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه وأخبرني الحرمي ابن أبي العلاء عن الزبير عن موهوب بن رشيد عن جبر بن رباط النعامي أن أم جحدر كانت امرأة من بني مرة ثم من بني رحل وأن أباها بلغه مصير ابن ميادة إليها فحلف ليزوجنها رجلا من غير ذلك البلد فزوجها رجلا من أهل الشأم فاهتداها وخرج بها إلى الشأم فتبعها ابن ميادة حتى أدركه أهل بيته فردوه مصمتا لا يتكلم من الوجد بها فقال قصيدة أولها ( خَلِيليّ من أَبْناء عُذْرَة بَلِّغَا ... رسائلَ منّا لا تَزِيدكما وِقْرَا ) ( أَلِمّا على تَيْماءَ نَسْأَلْ يَهُودَها ... فإنّ لدى تيماءَ من رَكْبها خُبْرَا ) ( وبالغَمْر قد جازتْ وجازَ مطِيُّها ... عليه فسَلْ عن ذاك نَيَّانَ فالغَمْرَا ) ( ويا ليتَ شِعْرِي هل يَحُلّنّ أَهلُها ... وأهلُكَ رَوْضاتٍ ببَطن اللِّوَى خُضْرَا ) أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني أبو سعيد يعني عبد الله بن شبيب قال حدثني أبو العالية الحسن بن مالك وأخبرني به الأخفش عن ثعلب عن عبد الله بن شبيب عن أبي العالية الحسن بن مالك الرياحي العذري قال حدثني عمر ابن وهب العبسي قال حدثني زياد بن عثمان الغطفاني من بني عبد الله بن غطفان قال كنا بباب بعض ولاة المدينة فغرضنا من طول الثواء فإذا أعرابي يقول يا معشر العرب أما منكم رجل يأتيني أعلله إذ غرضنا من هذا المكان فأخبره عن أم جحدر وعني فجئت إليه فقلت من أنت فقال أنا الرماح بن أبرد قلت فأخبرني ببدء أمركما قال كانت أم جحدر من عشيرتبي فأعجبتني وكانت بيني وبينها خلة هم إني عتبت عليها في شيء بلغني عنها فأتيتها فقلت يا أم جحدر إن الوصل عليك مردود فقالت ما قضى الله فهو خير فلبثت على تلك ( خَلِيليّ من أَبْناء عُذْرَة بَلِّغَا ... رسائلَ منّا لا تَزِيدكما وِقْرَا ) ( أَلِمّا على تَيْماءَ نَسْأَلْ يَهُودَها ... فإنّ لدى تيماءَ من رَكْبها خُبْرَا ) ( وبالغَمْر قد جازتْ وجازَ مطِيُّها ... عليه فسَلْ عن ذاك نَيَّانَ فالغَمْرَا ) ( ويا ليتَ شِعْرِي هل يَحُلّنّ أَهلُها ... وأهلُكَ رَوْضاتٍ ببَطن اللِّوَى خُضْرَا ) أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني أبو سعيد يعني عبد الله بن شبيب قال حدثني أبو العالية الحسن بن مالك وأخبرني به الأخفش عن ثعلب عن عبد الله بن شبيب عن أبي العالية الحسن بن مالك الرياحي العذري قال حدثني عمر ابن وهب العبسي قال حدثني زياد بن عثمان الغطفاني من بني عبد الله بن غطفان قال كنا بباب بعض ولاة المدينة فغرضنا من طول الثواء فإذا أعرابي يقول يا معشر العرب أما منكم رجل يأتيني أعلله إذ غرضنا من هذا المكان فأخبره عن أم جحدر وعني فجئت إليه فقلت من أنت فقال أنا الرماح بن أبرد قلت فأخبرني ببدء أمركما قال كانت أم جحدر من عشيرتي فأعجبتني وكانت بيني وبينها خلة ثم إني عتبت عليها في شيء بلغني عنها فأتيتها فقلت يا أم جحدر إن الوصل عليك مردود فقالت ما قضى الله فهو خير فلبثت على تلك الحال سنة وذهبت بهم نجعة فتباعدوا واشتقت إليها شوقا شديدا فقلت لامرأة أخ لي والله لئن دنت دارنا من أم جحدر لآتينها ولأطلبن إليها أن ترد الوصل بيني وبينها ولئن ردته لا نقضته أبدا ولم يكن يومان حتى رجعوا فلما أصبحت غدوت عليهم فإذا أنا ببيتين نازلين إلى سند أبرق طويل وإذا امرأتان جالستان في كساء واحد بين البيتين فجئت فسلمت فردت إحداهما ولم ترد الأخرى فقالت ما جاء بك يا رماح إلينا ما كنا حسبنا إلا أنه قد انقطع ما بيننا وبينك فقلت إني جعلت علي نذرا لئن دنت بأم جحدر دار لآتينها ولأطلبن منها أن ترد الوصل بيني وبينها ولئن هي فعلت لا نقضته أبدا وإذا التي تكلمني امرأة أخيها وإذا الساكتة أم جحدر فقالت امرأة أخيها فادخل مقدم البيت فدخلت وجاءت فدخلت من مؤخره فدنت قليلا ثم إذا هي قد برزت فساعة برزت جاء غراب فنعب على رأس الأبرق فنظرت إليه وشهقت وتغير وجهها فقلت ما شأنك قالت لا شيء قلت بالله إلا أخبرتني قالت أرى هذا الغراب يخبرني أنا لا نجتمع بعد هذا اليوم إلا ببلد غير هذا البلد فتقبضت نفسي ثم قلت جارية والله ما هي في بيت عيافة ولا قيافة فأقمت عندها ثم تروحت إلى أهلي فمكثت عندهم يومين ثم أصبحت غاديا إليها فقالت لي امرأة أخيها ويحك يا رماح أين تذهب فقلت إليكم فقالت وما تريد قد والله زوجت أم جحدر البارحة فقلت بمن ويحك قالت برجل من أهل الشأم من أهل بيتها جاءهم من الشأم فخطبها فزوجها وقد حملت إليه فمضيت إليهم فإذا هو قد ضرب سرادقات فجلست إليه فأنشدته وحدثته وعدت إليه أياما ثم إنه احتملها فذهب بها فقلت ( أجارتَنَا إنَّ الخطوبَ تَنُوبُ ... علينا وبعضَ الآمنين تُصِيبُ ) ( أجارَتَنا لَسْتُ الغَدَاةَ ببارحٍ ... ولكنْ مُقِيمٌ ما أقامَ عَسِيبُ ) ( فإن تسألِينِي هل صَبَرْتَ فإنني ... صَبُورٌ على رَيْب الزمانِ صَلِيبُ ) قال علي بن الحسين هذه الأبيات الثلاثة أغار عليها ابن ميادة فأخذها بأعيانها أما البيتان الأولان فهما لامرىء القيس قالهما لما احتضر بأنقرة في بيت واحد هو ( أجارتَنَا إنَّ الخطوبَ تَنُوبُ ... وإنّي مُقِيمٌ ما أقام عَسِيبُ ) والبيت الثالث لشاعر من شعراء الجاهلية وتمثل به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في رسالة كتب بها إلى أخيه عقيل بن أبي طالب فنقله ابن ميادة نقلا ونرجع إلى باقي شعر ابن ميادة ( جَرَى بانْبِتَاتِ الحَبْلِ من أمّ جَحْدَرٍ ... ظباءٌ وطيٌر بالفِرَاق نَعُوبُ ) ( نظرتُ فلم أَعْتَفْ وعافتْ فبيَّنَتْ ... لها الطيرُ قبلي واللبيبُ لبيبُ ) ( فقالت حرامٌ أن نُرَى بعد هذه ... جميعَيْنِ إلا أن يُلِمَّ غريبُ ) ( أجارتَنا صبراً فيا رُبَّ هالكٍ ... تَقَطَّعُ من وَجْدٍ عليه قلوبُ ) قال ثم انحدرت في طلبها وطمعتَ في كلمتها إلا أن نجتمع في بلد غير هذا البلد قال فجئت فدرت الشأم زمانا فتلقاني زوجها فقال م لك لا تغسل ثيابك هذه أرسل بها إلى الدار تغسل فأرسلت بها ثم إني وقفت أنتظر خروج الجارية بالثياب فقالت أم جحدر لجاريتها إذا جاء فأعلميني فلما جئت إذا أم جحدر وراء الباب فقالت ويحك يا رماح قد كنت أحسب أن لك عقلا أما ترى أمرا قد حيل دونه وطابت أنفسنا عنه انصرف إلى عشيرتك فإني أستحيي لك من هذا المقام فانصرفت وأنا أقول صوت ( عسى إن حَجَجْنا أن نرى أمَّ جَحْدَرٍ ... ويجمَعَنا من نَخْلَتيْن طَرِيقُ ) ( وتَصْطَكَّ أعضادُ المَطِيِّ وبينَنا ... حديثٌ مُسَرٌّ دونَ كلّ رَفِيقِ ) شعر ابن ميادة في أم جحدر في هذين البيتين لحن من الثقيل الثاني ذكر الهشامي أنه للحجبي وقال حين خرج إلى الشأم هذه رواية ابن شبيب ( ألا حيِّيا رَسْمَاً بذي العُشِّ مُقْفِرا ... وربعاً بذي المَمْدورِ مستعجِماً قَفْرَاً ) ( فأعجبُ دارٍ دارُها غيرَ أنني ... إذا مما ما أتيتُ الدار تَرْجِعُني صِفْرا ) ( عشيةَ أَثْنِي بالرِّداء على الحَشَى ... كأنّ الحَشَى من دُونِه أُسْعِرَتْ جَمْرَا ) ( يَمِيلُ بنا شَحْطُ النَّوَى ثم نلتقِي ... عِدَادَ الثُّرَيَّا صادفتْ ليلَةً بَدْرَا ) ( وبالغَمْرِ قد جازتْ وجاز مطيُّها ... فأسْقَى الغَوَادِي بَطْنَ نَيَّانَ فالغَمْرَا ) ( خَلِيليّ من غَيْظِ بن مُرَّةَ بلِّغا ... رسائلَ منِّي لا تَزِيدكُما وِقْرَا ) ( ألا ليت شعري هل إلى أمِّ جَحْدَرٍ ... سَبِيلٌ فأما الصبُر عنها فلا صَبْرَا ) ( فإن يَكُ نَذْرٌ راجعاً أمَّ جَحْدَرٍ ... علي لقد أَوْذَمتُ في عُنُقي نَذْرَا ) ( وإني لاستنشي الحديثَ من اجْلِها ... لأسمعَ منها وهي نازِحةٌ ذِكْرَا ) ( وأني لأستحيي من الله أن أُرَى ... إذا غدَر الخُلاَّنُ أنوِي لها غَدْرَا ) أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد عن أبيه قال أنشدني أبو داود لابن ميادة وهو يضحك منذ أنشدني إلى أن سكت ( ألم تَرَ أنْ الصارِدِيَّةَ جاورتْ ... لياليَ بالمَمْدور غيرَ كَثِيرِ ) ( ثلاثاً فلمّا أن أصابتْ فؤادَه ... بسَهْمَيْن من كَحْلٍ دعتْ بهَجِيرِ ) ( بأَصهَبَ يَرْمِي للزِّمام برأسِه ... كأنّ على ذِفْراه نَضْخَ عَبِيرِ ) ( جلتْ إذ جلت عن أهل نجدٍ حَميدةً ... جَلاَء غنيٍّ لا جلاءَ فقيرِ ) ( وقالت وما زادتْ على أن تبسّمتْ ... عَذِيرَكَ من ذي شَيْبةٍ وعَذِيري ) ( عَدِمتُ الهوى ما يَبْرَح الدهرَ مُقْصِداً ... لقلبي بسَهْمٍ في اليدين طَرِيرِ ) ( وقد كان قلبي مات للوَجْد مَوْتةً ... فقد هَمَّ قلبي بعدَها بِنَشَورِ ) قال فقلت ما أضحكك فقال كذب ابن ميادة والله ما جلت إلا على حمار وهو يذكر بعيرا ويصفه وأنها جلت جلاء غني لا جلاء فقير فأنطقه الشيطان بهذا كله كما سمعت أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني موسى بن زهير قال مكثت أم جحدر عند زوجها زمانا ثم مات زوجها عنها ومات ولدها منه فقدمت نجدا على إخوتها وقد مات أبوها أخبرني سيار بن نجيح المزني قال لقيت ابن ميادة وهو يبكي فقلت له ويحك مالك قال أخرجتني أم جحدر وآلت يمينا ألا تكلمني فانطلق فاشفع لي عندها فخرجت حتى غشيت رواق بيتها فوجدتها وهي تدمك جريرا لها بين الصلاية والمدق تريد أن تخطم به بعيرا تحج عليه فقالت إن كنت جئت شفيعا لابن ميادة فبيتي حرام عليك أن تلقي فيه قدمك قال فحجت ولا والله ما كلمته ولا رآها ولا رأته قال موسى قال سيار فقلت له اذكر لي يوما رأيته منها فقال لي أما والله لأخبرنك يا سيار بذلك بعثت إليها عجوزا منهم فقلت هل ترين من رجال فقالت لا والله ما رأيت من رجل فألقيت رحلي على ناقتي ثم أرسلتها حتى أنختها بين أطناب بيتهم ثم جعلت أقيد الناقة فما كان إلا ذاك حتى دخلت وقد ألقت لي فراشا مرقوما مطموما وطرحت لي وسادتين على عجز الفراش وأخريين على مقدمه قال ثم تحدثنا ساعة وكأنما تلعقني بحديثها الرب من حلاوته ثم إذا هي تصب في عس مخضوب بالحناء والزعفران من ألبان اللقاح فأخذت منها ذلك العس وكأنه قناة فراوحته بين يدي ما ألقمته فمي ولا دريت أنه معي حتى قالت لي عجوز ألا تصلي يابن مياد لا صلى الله عليك فقد أظلك صدر النهار ولا أحسب إلا أنني في أول البكرة قال فكان ذلك اليوم آخر يوم كلمتها فيه حتى زوجها أبوها وهو أظرف ما كان بيني وبينها أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني حكم بن طلحة الفزاري ثم المنظوري قال قال ابن ميادة أني لأعلم أقصر يوم مر بي من الدهر قيل له وأي يوم هو يا أبا الشرحبيل قال يوم جئت فيه أم جحدر باكرا فجلست بفناء بيتها فدعت لي بعس من لبن فأتيت به وهي تحدثني فوضعته علي يدي وكرهت أن أقطع حديثها أن شربت فما زال القدح على راحتي وأنا أنظر إليها حتى فاتتني صلاة الظهر وما شربت قال الزبير وحدثني أبو مسلمة موهوب بن رشيد بمثل هذا وزاد في خبره وقال ابن ميادة فيها أيضا ( ألم تَرَ أنْ الصارِدِيَّةَ جاورتْ ... لياليَ بالمَمْدور غيرَ كَثِيرِ ) ( ثلاثاً فلمّا أن أصابتْ فؤادَه ... بسَهْمَيْن من كَحْلٍ دعتْ بهَجِيرِ ) ( بأَحْمرَ ذَيَّالِ العَسِيبِ مُفَرَّجٍ ... كأنّ على ذِفْراه نَضْخَ عَبِيرِ ) ( حلفْتُ بِربِّ الراقصاتِ إلى مِنىً ... زَفِيفَ القَطَا يقطعْن بَطْنَ هَبِيرِ ) ( لقد كاد حبُّ الصارِدِيَّةِ بعدما ... علا في سَوَاد الرأسِ نَبْذُ قَتِير ) ( يكون سَفَاهاً أو يكونُ ضمانة ... على ما مضى من نعمةٍ وعَصَورِ ) ( عدِمتُ الهوى لا يَبْرَحُ الدهرَ مُقْصِداً ... لقلبي بسهمٍ في الفؤاد طَرِيرِ ) ( وقد كان قلبي مات للحبِّ موتةً ... فقد هَمَّ قلبي بعدها بنُشَورِ ) ( جَلَتْ إذ جلت عن أهلِ َنْجد حميدةً ... جلاءَ غنيِّ لا جلاء فقيرِ ) ومما يغنى فيه من أشعار ابن ميادة في النسيب بأم جحدر قوله صوت ( ألاَ يا لَقَوْمِي للهوى والتذكُّرِ ... وعينٍ قَذَى أنسانِها أمُّ َجْحَدِر ) ( فلم تَرَ عينِي مثلَ قلبيَ لم يَطِرْ ... ولا كضلوعٍ فَوقَه لم تُكَسَرِ ) الغناء لإسحاق ثقيل أول بالوسطى أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا حكيم ابن طلحة الفزاري عن رجل من كلب قال جنيت جناية فغرمت فيها فنهضت إلى أخوالي بني مرة فاستعنتهم فأعانوني فأتيت سيار بن نجيح أحد بني سلمى بن ظالم فأعانني ثم قال انهض بنا إلى الرماح بن أبرد يعني ابن ميادة حتى يعينك فدفعنا إلى بيتين له فسألنا عنه فقيل ذهب أمس فقال سيار ذهب إلى أمة لبني سهيل فخرجنا في طلبه فوقعنا عليه في قرارة بيضاء بين حرتين وفي القرارة غنم من الضأن سود وبيض وإذا حمار مقيد مع الغنم وإذا به معها فجلسنا فإذا شابة حلوة صفراء في دراعة مورسة فسلمنا وجلسنا فقال أنشديهم مما قلت فيك شيئا فأنشدتنا ( يُمَنُّونَنِي منكِ اللقاءَ وإنني ... لأَعلمَ لا ألقاكِ من دونِ قَابِل ) ِ ( إلى ذاك ما حارتْ أمورُك وانجلتْ ... غَيَايةُ حُبِّيكِ انجلاء المَخَايل ) ( إذا حَلَّ أهلِي بالجِنابِ وأهلُها ... بحيثُ التقَى الغُلاَّنِ من ذي أرائلِ ) ( أقلْ خُلَّهٌ بانَتْ وأَدْبَر وصلُها ... تقطَّع منها باقياتُ الحَبَائِل ) ( وحالتْ شهورُ الصيفِ بيني وبينها ... ورفعُ الأعادِي كلَّ حقٍّ وباطلِ ) ( أقول لعَذَّالَيَّ لما تَقَابَلا ... عليّ بلَوْمٍ مثلِ طعنِ المَعَابِلِ ) ( لا تُكْثِرا عنها السؤالَ فإنها ... مُصَلْصَلَةٍ من بعض تلك الصَّلاَصلِ ) ( من الصُّفْرِ لا وَرْهاءُ سَمْجٌ دَلاَلُها ... وليستْ من الشُّودِ القِصَارِ الحَوائِلِ ) ( ولكنها ريحانةٌ طال نَشْرُها ... وردتُ عليها بالضُّحَى والأَصَائِلِ ) ثم قال لها قومي فاطرحي عنك دراعتك فقالت لا حتى يقول لي سيار بن نجيح ذلك فأبى سيار فقال له ابن ميادة لئن لم تفعل لا قضيت حاجتكما فقال لها فقامت فطرحتها فما رأيت أحلى منها فقال له سيار فمالك يا أبا الشرحبيل لا تشتريها فقال إذا يفسد حبها ابن ميادة و ابن الجعد الخضري أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثتني مغيرة بنت أبي عدي بن عبد الجبار بن منظور بن زبان بن سيار الفزارية قالت أخبرني أبي قال جمعني وابن ميادة و صخر بن الجعد الخضري مجلس فأنشدنا ابن ميادة قوله ( يُمَنُّونَنِي منكِ اللقاءَ وإنني ... لأَعلمَ لا ألقاكِ من دونِ قَابِل ) ِ فأقبل عليه صخر فقال له المحب المكب يرجو الفائت و يغم الطير و أراك حسن العزاء يا أبا الشرحبيل فأعرض عنه ابن ميادة قال أبو عدي فقلت ( صادَف دَرْءُ السَّيْلِ سيلاً يَرْدَعُهْ ... بهَضْبةٍ ترُدُّه و تَدْفَعُهْ ) و يروي درء السيل سيل فقال لي يا أبا عدي والله لا أتلطخ بالخضر مرتين و قد قال أخو عذرة ( هو العبدُ أَقصَى همِّه أن تسُبَّه ... وكان سِبَابُ الحرِّ أقصَى مدى العَبْدِ ) قال الزبير قوله يغم الطير يقول إذا رأى طيرا لم يزجرها مخافة أن يقع ما يكره قال فلم يحر إليه صخر بن الجعد جوابا يعني بقوله لا أتلطخ بالخضر مرتين مهاجاته الحكم الخضري وكانا تهاجيا زمانا ثم كف ابن ميادة وسأله الصلح فصالحه الحكم أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو مسلمة موهوب بن رشيد عن عبد الرحمن بن الأحول التغلبي ثم الخولاني قال كان أول ما بدأ الهجاء بين ابن ميادة وحكم بن معمر الخضري أن ابن ميادة مر بالحكم بن معمر وهو ينشد في مصلى النبي في جماعة من الناس قوله ( لمن الديارُ كأنهّا لم تُعْمَرِ ... بين الكِنَاسِ وبين بُرْقِ مُحَجِّرِ ) حتى انتهى إلى قوله ( يا صاحبَيَّ ألم تَشِيمَا بارِقاً ... نُضِحَ الصُّرَادُ به فهَضْبُ المَنْحَرِ ) ( قد بتُّ أَرْقُبُه وبات مصعِّداً ... نَهْضَ المقيَّد في الدَّهَاسِ المُوقَرِ ) فقال له ابن ميادة ارفع إلي رأسك أيها المنشد فرفع حكم إليه رأسه فقال له من أنت قال أنا حكم بن معمر الخضري قال فوالله ما أنت في بيت حسب ولا في أرومة شعر فقال له حكم و ماذا عبت من شعري عبت أنك أدهست وأوقرت قال له حكم ومن أنت أنا ابن ميادة قال ويحك ! فلم رغبت عن أبيك و انتسبت إلى أمك قبح الله والدين خيرهما ميادة أما و الله لو وجدت في أبيك خيرا ما انتسبت إلى أمك راعية الضأن وأما إدهاسي وإيقاري فإني لم آت خيبر إلا ممتارا لا متحاملا وما عدوت أن حكيت حالك وحال قومك فلو كنت سكت عن هذا لكان خيرا لك وأبقى عليك فلم يفترقا إلا عن هجاء أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال حدثني عمر بن ضمرة الخضري قال أول ما هاج الهجاء بين ابن ميادة وبين حكم بن معمر بن قنبر بن جحاش بن سلمة بن ثعلبة بن مالك بن طريف بن محارب قال والخضر ولد مالك بن طريف سموا بذلك لأن مالكا كان شديد الأدمة وكذلك خرج ولده فسموا والخضر أن حكما نزل بسمير بن سلمة بن عوسجة بن أنس بن يزيد بن معاوية بن ساعدة بن عمرو وهو خصيلة بن مرة فأقبل ابن ميادة إلى حكم ليعرض عليه شعره وليسمع من شعره وكان حكم أسنهما فأنشدا جميعا جماعة القوم ثم قال ابن ميادة والله لقد أعجبني بيتان قلتهما يا حكم قال أو ما أعجبك من شعري إلا بيتان فقال والله لقد أعجباني يردد ذلك مرارا لا يزيده عليه فقال له حكم فأي بيتين هما قال حين تساهم بين ثوبيها وتقول ( فوالله ما أدرِي أَزِيدتْ مَلاحَةَ ... وحُسناً على النِّسوَان أم ليس لي عقْلُ ) ( تساهَم ثوباها ففي الدِّرعِ غادَةٌ ... وفي المِرْط لفَّاوانِ رِدْفهُما عَبْلُ ) فقال له حكم أو ما أعجبك غير هذين البيتين فقال له ابن ميادة قد أعجباني فقال أو ما في شعري ما أعجبك غيرهما فقال لقد أعجباني فقال له حكم فإني سوف أعيب عليك قولك ( ولا برِح المَمْدور رَيّان مُخْصِباً ... وجِيدَ أَعالي شِعْبه وأسافلُهْ ) فاستسقيت لأعلاه وأسفله وتركت وسطه وهو خير موضع فيه فقال وأي شئ تريد تركته لا يزال ريان مخصبا وتهاترا فغضب حكم فارتحل ناقته وهدر ثم قال ( فإِنّه يومُ قَرِيضٍ ورَجَزْ ... ) فقال رجل من بني مرة لابن ميادة اهدركما هدر يا رماح فقال إنما يغط البكر ثم قال الرماح ( فإِنّه يومُ قَرِيضٍ ورَجَزْ ... مَن كان منكم ناكِزاً فقد نَكْز ) ( وبيَّن الطِّرْفُ النَّجِيب فَبَرَزْ ... ) قال يريد بقوله ناكزا غائضا قد نزف ل الزبير وسمعت رجلا من أهل البادية ينزع على إبل له كثيرة من قليب ويرتجز ( قد نَكَزَتْ أنْ لم تكنْ خَسِيفَا ... أو يكنِ البحرُ لها حَلِيفَا ) أم جحدر تفضل ابن ميادة على الحكم وعملس قال الزبير قال الجمحي قال عمير بن ضمرة فهذه أول ما هاج التهاجي بينهما قال الزبير قال الجمحي وحدثني عبد الرحمن بن ضبعان المحاربي قال كان ابن ميادة وحكم الخضري وعملس بن عقيل بن علفة متجاورين متحالين وكانوا جميعا يتحدثون إلى أم جحدر بنت حسان المرية وكانت أمها مولاة ففضلت ابن ميادة على الحكم وعملس فغضبا وكان ابن ميادة قال في أم جحدر ( ألاَ ليت شِعْرِي هل إلى أمّ جَحْدَر ... سَّبيلٌ فإمّا الصَّبْرُ عنها فلا صَبرا ) ( وياليت شِعْري هل يَحُلَّنّ أهلُها ... وأهلُكَ رَوْضاتٍ ببطن اللِّوَى خُضْرا ) وقال فيها أيضا ( إذا ركَدتْ شمسُ النهار ووضَّعَتْ ... طَنافِسَها ولَّينها الأعْيُنَ الخُزْرَا ) الأبيات فقال عملس بن عقيل وحكم الخضري يهجوانها وهي تنسب إلى حكم ( لاَ عُوفِيتْ في قبرها أمّ جَحْدَرٍ ... ولا لَقِيَتْ إلاّ الكَلالِيب والجَمْرَا ) ( كما حادثتْ عبداً لئيماً وخِلْتُه ... مِن الزاد إلاّ حَشْوَ رَيْطاتهُ صِفْرا ) ( فياليتَ شِعرِي هل رأت أمٌّ جَحْدَرٍ ... أكُشَّكَ أو ذاقت مَغابِنَك القُشْرَا ) ( وهل أبصرتْ أَرْساغَ أَبْرَدَ أورأت ... قفا أمّ رَمَّاح إذا ما استقت دَفْرا ) ( وبالغَمْر قد صَرّت لِقاحاً وحادثتْ ... عبيداً فَسلْ عن ذاك نَيّان بالغَمْرا ) وقال عملس بن عقيل بن علفة ويقال بل قالها علفة بن عقيل ( فلا تَضعا عنها الطنافَس إنّما ... يُقَصِّر بالمِرْماة مَن لم يكن صَقْرَا ) وزاد يحيى بن علي مع هذا البيت عن حماد عن أبيه عن جرير بن رباط وأبي داود قال يعرض بقوله من لم يكن صقرا بابن ميادة أي إنه هجين ليس من أبوين متشابهين كما الصقر وبعده بيت آخر من رواية يحيى ولم يروه الزبير معه ( مُنَعَّمةُ لم تَلَقَ بؤساً وشِقْوةً ... بنجدٍ ولم يَكْشِف هجَينٌ لها سِتْرَا ) قالوا جميعا فقال ابن ميادة يهجو علفة ( أعُلَّفَ إنّ الصقر ليس بمُدْلِجٍ ... ولكنّه بالليل مُتَّخِذٌ وَكْرَا ) ( ومُفْتَرِشٌ بين الجَنَاحين سَلْحَهْ ... إذا الليل ألقَى فوق خُرطومهِ كسْرَا ) ( فإِنْ يكُ صقراً بعد ليلة أمّه ... وليلة جَحّافٍ فأُفٍّ له صقرا ) ( تَشُدّ بكفَّيْها على جِذْل أَيْرِه ... إذا هي خافت من مَطيِتَّها نَفْرا ) يريد أن أم علفة من بني أنمار وكان أبوه عقيل بن علفة ضربها فأرسلت إلى رجل من بني أنمار يقال له جحاف فأتاها ليلا فاحتملها على جمل فذهب بها وقال يحيى بن علي خاصة في خبره عن حماد عن أبيه عن أبي داود إن جحاف بن إياد كان رجلا من بني قتال بن يربوع بن غيظ بن مرة وكان يتحدث إلى امرأة عقيل ابن علفة وهي أم ابنه علفة بن عقيل ويتهم بها وهي امرأة من بني أنمار بن بغيض بن ريث بن غطفان يقال لها سلافة وكانت أحسن الناس وجها وكان عقيل من أغير الناس فربطها بين أربعة أوتاد ودهنها بإهالة وجعلها في قرية نمل فمر بها جحاف بن إياد ليلا فسمع أنينها فأتاها فاحتملها حتى طرحها بفدك فاستعدت واليها على عقيل وقام عقيل من جوف الليل فأوقد عشوة ونظرها فلم يجدها ووجد أثرجحاف فعرفه وتبعه حتى صبح القرية وخنس جحاف عنها فأتى الوالي فقال إن هذه رأتني قد كبرت سني وذهب بصري فاجترأت علي وكان عقيل رجلا مهيبا فلم يعاقبه الوالي بما صنعه لموضعه من صهر بني مروان قال فعير ابن ميادة علفة بن عقيل بأمر جحاف هذا في قوله ( فإِنْ يكُ صقراً بعد ليلة أمّه ... وليلة جَحّافٍ فأُفٍّ له صقرا ) قال ولج الهجاء بينهما وقال فيه ابن ميادة وفي حكم الخضري وقد عاون علفة ( لقد رِكب الخُضْرِيُّ مِنّي وترْبُه ... على مَرْكَب من نابِيات المَراكِبِ ) وقال لعلفة ( يابنَ عَقِيل لا تكن كَذُوبَا ... أأن شَرِبتَ الحَزْرَ والحَلِيبا ) ( من شَوْل زيد وشَمَمْتَ الطِّيبَا ... جَهْلاً تَجنّيتَ لِيَ الذنوبا ) قال ثم لم يلبثه ابن ميادة أن غلبه وهاج التهاجي بينه وبين حكم الخضري وانقطع عنه علفة مفضوحا قال وماتت أم جحدر التي كان ينسب بها ابن ميادة على تفيئة ما كان بينه وبين علفة من المهاجاة ونعيت له فلم يصدق حتى أتاه رجل من بني رحل يقال له عمار فنعاها له فقال ( ما كنتُ أحسَب أن القوم قد صدقوا ... حتّى نعاها لِيّ الرَّحْليُّ عَمّارُ ) وقال يرثيها ( خَلتْ شُعَبُ المَمْدُور لستَ بواجدٍ ... به غيرَ بالٍ من عِضاهٍ وحَرْمَلِ ) ( تمنّيتَ أنْ تَلْقَى به أمَّ جَحْدَرٍ ... وماذا تَمَنَّى من صَدىً تحتَ جَنْدَلِ ) ( فَللْموتُ خيٌر من حياةٍ ذَميمةٍ ... ولَلْبُخلُ خيرٌ من عَناء مُطوّل ) أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الله بن إبراهيم عن ساعدة ابن مرمىء وذكره إسحاق أيضا عن أصحابه أن ابن ميادة وحكما الخضري تواعدا المدينة ليتواقفا بها فتواقفا بها وجاء نفر من قريش أمهاتهم من مرة إلى ابن ميادة فمنعوه من مواقفة حكم وقالوا أتتعرض له ولست بكفئه فيشتم أمهاتنا وأخوالنا وخالاتنا وهو رجل خبيث اللسان قال وكان حكم يسجع سجعا كثيرا فقال والله لئن واقفته لأسجعن به قبل المقارضة سجعا أفضحه به فلم يلقه وذكر الزبير له سجعا طويلا غثا لا فائدة فيه لأنه ليس برجز منظوم ولا كلام فصيح ولا مسجع سجعا مؤتلفا كائتلاف القوافي إلا أن من أسلمه قوله والله لئن ساجعتني سجاعا لتجدني شجاعا للجار مناعا ولأجدنك هياعا للحسب مضياعا ولئن باطشتك بطاشا لأدهشنك إدهاشا ولأذقن منك مشاشا حتى يجيء بولك رشاشا وهذا من غث السجع ورذله وإنما ذكرته ليستدل به على ما هو دونه مما ألغيت ذكره قال ورجز به فقال ( يا معدِنَ اللؤم وأنت جَبَلُه ... وآخرَ اللؤم وأنت أوّلُهْ ) ( جاريتَ سَبَّاقاً بعيداً مَهَلُه ... كان إذا جارَى أباك يُفْشِلُهْ ) ( فكيف ترجوه وكيف تأمُلُهْ ... وأنت شرُّ رجلٍ وأَنْذَلُهْ ) ( ألأ مُه في مأزِقٍ وأجهلُهْ ... أدخله بيتَ المخازي مُدْخِلُهْ ) ( فاللؤم سِرْبالٌ له يُسَرْبَلُهْ ... ثوباً إذا أَنْهَجه يُبَدَّلُهْ ) فأجابه حكم ( يا بنَ التي جيرانَها كانت تَضُرّ ... وتَتْبَعُ الشَّوْلَ وكانت تَمْتَصِرْ ) ( كيف إذا مارسْتَ حُرّاً تنتصِرْ ... ) ولهما أراجيز كثيرة طويلة جدا أسقطتها لكثرتها وقلة فائدتها أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن عبد الله بن إبراهيم قال أخبرني بعض من لقيت من الخضر أن حكما الخضري خرج يريد لقاء ابن ميادة بالرقم من غير موعد فلم يلقه إما لأنه تغيب عنه وإما لأنه لم يصادفه فقال حكم ( فَرّ ابنُ مَيَّادةَ الرَّقْطاءِ من حَكَم ... بالصُّغْرِ مثلَ فِرار الأَعْقد الدَّهِم ) ( أصبحتَ في أْقُرٍ تَعْلُو أطاوِلَه ... تَفِرُّ منيّ وقد أصبحتُ بالرَّقَمِ ) وقال إسحاق في روايته عن أصحابه قال ابن ميادة يهجو حكما وينسب بأم جحدر ( يُمَنُّونَنِي منكِ اللقاءَ وإنني ... لأعلمُ لا ألقاكِ من دون قابِل ) وقد مضى أكثر هذه الأبيات متقدما فذكرت هاهنا منها ما لم يمض وهو قوله ( فياليتَ رَثَّ الوصلِ من أمّ جَحْدَرِ ... لنا بجديدٍ من أُولاكَ البَدَائلِ ) ( ولم يَبْقَ مما كان بيني وبينها ... من الوُدِّ إلا مخْفَيَات الرسائلِ ) ( وإني إذا استَنْبهتُ من حُلْوِ رَقْدةٍ ... رُمِيتُ بُحِّبيها كَرْميِ المُنَاضِلِ ) صوت فما انْسَ مِ الأشياءِ لا أنسَ قولَها ... وأدمُعها يُذْرِينَ حَشْوَ المَكَاحِل ) ( تمتّعْ بذا اليوم القصيرِ فإِنه ... رَهينٌ بأيام الدهور الأطاوِلِ ) الغناء في هذين البيتين لعلي بن يحيى المنجم ولحنه من الثقيل الثاني ( وكنتُ امرَأَ أَرْمِي الزوائلَ مرّةً ... فأصبحتُ قد ودّعتُ رميَ الزوائِل ) ( وعطَّلتُ قوسَ اللهو من سَرَعانها ... وعْادتْ سِهَامِي بين رَثِّ وناصِلِ ) السرعان وتر يعمل من عقب المتن وهو أطول العقب ( إذا حَلَّ بَيْتِي بينْ بَدْرٍ ومازِنٍ ... ومُرَّة نِلْتُ الشمسَ واشتدّ كاهِلِي ) ( يعني بدر بن عمرو بن جؤية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان ومرة ابن عوف بن سعد بن ذبيان ومرة بن فزارة ومازن بن فزارة وهي طويلة قال أبو الفرج الأصبهاني أخذ إسحاق الموصلي معنى بيت ابن ميادة في قوله ( نلتُ الشمسَ واشتدّ كاهلي ... ) فقال ( عطَسْتُ بأنفٍ شامخ وتناولتْ ... يَدَايَ الثريّا قاعداً غيرَ قائمِ ) ولعمري لئن كان استعار معناه لقد اضطلع به وزاد فاحسن وأجاد وفي هذه القصيدة يقول ( فَضَلْنا قريشاً غيرَ رَهْطِ محمدٍ ... وغيرَ بني مروان أهلِ الفضائلِ ) قال يحيى بن علي وأخبرني علي بن سليمان بن أيوب عن مصعب وأخبرني به الحسن بن علي عن أحمد بن زهير عن مصعب قال قال إبراهيم بن هشام بن إسماعيل لابن ميادة أنت فضلت قريشا وجرده فضربه أسواطا أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال لما قال ابن ميادة ( فَضَلْنا قريشاً غيرَ رَهْطِ محمدٍ ... وغيرَ بني مروان أهلِ الفضائلِ ) قال له الوليد بن يزيد قدمت آل محمد قبلنا فقال ما كنت يا أمير المؤمنين أظنه يمكن غير ذلك قال فلما أفضت الخلافة إلى بني هاشم وفد ابن ميادة إلى المنصور ومدحه فقال له أبو جعفر لما دخل إليه كيف قال لك الوليد فأخبره بما قال فجعل المنصور يتعجب ابن ميادة والحكم الخضري بعريجاء أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال حدثني العباس بن سمرة بن عباد بن شماخ بن سمرة عن ريحان بن سويد الخضري وكان راوية حكم بن معمر الخضري قال تواعد حكم وابن ميادة عريجاء وهي ماءة يتواقفان عليها فخرج كل واحد منهما في نفر من قومه وأقبل صخر بن الجعد الخضري يؤم حكما وهو يومئذ عدو لحكم لما كان فرط بينهما من الهجاء في أركوب من بني مازن بن مالك بن طريف بن خلف بن محارب فلما لقيه قال له يا حكم أهؤلاء الذين عرضت للموت وهم وجوه قومك فوالله ما دماؤهم على بني مرة إلا كدماء جدايه فعرف حكم أن قول صخر هو الحق فرد قومه وقال لصخر قد وعدني ابن ميادة أن يواقفني غدا بعريجاء لأن أناشده فقال له صخر أنا كثير الإبل وكان حكم مقلا فإذا وردت إبلي فارتجز فإن القوم لا يشجعون عليك وأنت وحدك فإن لقيت الرجل نحر وأطعم فانحر وأطعم وإن أتيت على مالي كله قال ريحان راويته فورد يومئذ عريجاء وأنا معه فظل على عريجاء ولم يلق رماحا ولم يواف لموعده وظل ينشد يومئذ حتى أمسى ثم صرف وجوه إبل صخر وردها وبلغ الخبر ابن ميادة وموافاة حكم لموعده فأصبح على الماء وهو يرتجز يقول ( أنا ابنُ مَيَّادة عَقّارُ الجُرُزْ ... كلِّ صَفِيَ ذاتِ نابٍ مُنْفَطِرْ ) وظل على الماء فنحر وأطعم فلما بلغ حكا ما صنع ابن ميادة من نحره وإطعامه شق عليه مشقة شديدة ثم إنهما بعد توافيا بحمى ضرية قال ريحان بن سويد وكان ذلك العام عام جدب وسنة إلا بقية كلأ بضرية قال فسبقنا ابن ميادة يومئذ فنزلنا عى مولاة لعكاشة بن مصعب بن الزبير ذات مال ومنزلة من السلطان قال وكان حكم كريما على الولاة هناك يتقى لسانه قال ريحان فبينا نحن عند المولاة وقد حططنا براذع دوابنا إذا ركبان قد أقبلا وإذا نحن برماح وأخيه ثوبان ولم يكن لثوبان ضريب في الشجاعة والجمال فأقبلا يتسايران فلما رآهما حكم عرفهما فقال يا ريحان هذان ابنا أبرد فما رأيك أتكفيني ثوبان أم لا قال فأقبلا نحونا ورماح يتضاحك حتى قبض على يد حكم وقال مرحبا برجل سكت عنه ولم يسكت عني وأصبحت الغداة أطلب سلمه يسوقني الذئب والسنة وأرجو أن أرعى الحمى بجاهه وبركته ثم جلس إلى جنب حكم وجاء ثوبان فقعد إلى جنبي فقال له حكم أما ورب المرسلين يا رماح لولا أبيات جعلت تعتصم بهن وترجع إليهن يعني أبيات ابن ظالم لاستوسقت كما استوسق من كان قبلك قال ريحان وأخذا في حديث أسمع بعضه ويخفى علي بعضه فظللنا عند المرأة وذبح لنا وهما في ذلك يتحادثان مقبل كل واحد منهما على صاحبه لا ينظران شدنا حتى كان العشاء فشددنا للرواح نؤم أهلنا فقال رماح لحكم يا أبا منيع وكانت كنية حكم قد قضيت حاجتك وحاجة من طلبت له من هذا العامل وإن لنا إليه حاجة في أن يرعينا فقال له حكم قد والله قضيت حاجتي منه وإني لأكره الرجوع إليه وما من حاجتك بد ثم رجع معه إلى العامل فقال له بعد الحديث معه إن هذا الرجل من قد عرفت ما بيني وبينه وقد سأل الصلح وأناب إليه فأحببت أن يكون ذلك على يدك وبمحضرك قال فدعا به عامل ضرية ول هل لك حاجة غير ذلك قال لا والله ونسي حاجة رماح فأذكرته إياها فرجع فطلبها واعتذر بالنسيان ف العامل لابن ميادة ما حاجتك فقال ترعيني عريجاء لا يعرض لي فيها أحد فأرعاه إياها فأقبل رماح على حكم فقال جزاك الله خيرا يا أبا منيع فوالله لقد كان ورائي من قومي من يتمنى أن يرعى عريجاء بنصف ماله قال فلما عزما على الانصراف ودع كل واحد منهما صاحبه وانصرفا راضيين وانصرف ابن ميادة إلى قومه فوجد بعضهم قد ركب إلى ابن هشام فاستغضبه على حكم في قوله ( وما ولدتْ مُرِّيَّةٌ ذاتَ ليلةٍ ... من الدهرِ إلا زاد لؤماً جَنِينهُا ) فأطرده وأقسم لئن ظفر به ليسرجنه وليحملن عليه أحدهم فقال رماح وساءه ما صنعوا عمدتم إلى رجل قد صلح ما بيني وبينه وأرعيت بوجهه فاستعديتم عليه وجئتم بإطراده وبلغ الحكم الخبر فطار إلى الشأم فلم يبرحها حتى مات قال العباس بن سمرة مات بالشأم غرقا وكان لا يحسن العوم فمات في بعض أنهارها قال وهو وجهه الذي مدح فيه أسود بن بلال المحاربي ثم السوائي في قصيدته التي يقول فيها ( واستيقنتْ أن لا بَرَاحَ من السُّرَى ... حتى تُنَاخَ بأَسْوَدَ بنِ بِلاَلِ ) ( قَرْمٌ إذا نَزل الوُفودُ ببابه ... سَمَتْ العيونُ إلى أَشَمَّ طُوَالِ ) مناقضات حكم وابن ميادة ولحكم الخضري وابن ميادة مناقضات كثيرة وأراجيز طوال طويت ذكر أكثرها وألغيته وذكرت منها لمعا من جيد ما قالاه لئلا يخلو هذا الكتاب من ذكر بعض ما دار بينهما ولا يستوعب سائره فيطول فمما قاله حكم في ابن ميادة قوله ( خَلِيليّ عُوَجَا حَيِّيَا الدارَ بالجَفْرِ ... وقُولاَ لها سَقْياً لعَصْرِكِ من عَصْرِ ) ( وماذا تُحَيِّي من رُسُومٍ تلاعبتْ ... بها حَرْجَفٌ تَذْرِي بأذيالِها الكُدْرِ ) ومن جيد قوله فيها يفتخر ( إذا يِبِسَت عِيْدانُ قومٍ وجدتَنا ... وعِيدَانُنَا تُغْشَى على الوَرَق الخُضْرِ ) ( إذا الناسُ جاؤوا بالقُرُوم أتيتُهم ... بَقْرم يُساوي رأسُه غُرَّةَ البدرِ ) ( لنا الغَوْرُ والأَنْجاد والخَيْلُ والقَنَا ... عليكم وأيامُ المَكَارِمِ والفخرِ ) ومن جيد هجائه قوله ( فيا مُرّ قد أخزاكِ في كلِّ موطنٍ ... من اللؤم خَلاَّتٌ يزِدْنَ على العَشْر ) ( فمنهنّ أنّ العبدَ حامي ذِمَارِكم ... وبئس المحامي العبدُُ عن حَوْزة الثَّغْرِ ) ( ومنهنّ أن لم تمسَحُوا وجهَ سابقٍ ... جَوَادٍ ولم تأتوا حَصَاناً على طُهْرِ ) ( ومنهنَّ أن الميْتَ يُدْفَن منكمُ ... فَيَفْسُو على دُفَّانه وهو في القبرِ ) ( ومنهنّ أن الجارَ يسكُن وَسْطَكم ... بريئاً فيُلْقَى بالخيانةِ والغَدْر ) ( ومنهنّ أن عُذْتُم بأَرْقَطَ كَوْدَنٍ ... وبئس المحامي أنت يا ضَرْطةَ الجَفْرَ ) ( ومنهنّ أن الشيخ يوجَدُ منكُم ... يَدِبُّ إلى الحاراتِ مُحْدَوْدِب الظهرِ ) ( تَبيت ضِبَابُ الضِّغْنِ تَخْشَى احتراشَها ... وإن هي أمستْ دونها ساحلُ البحرِ ) فأجابه ابن ميادة بقصيدة طويلة منها قوله مجيبا له عن هذه الخصال التي سبهم بها ( لقد سَبقتْ بالمُخْزِيات مُحَارِبٌ ... وفازَت بَخلاَّتٍ على قومِها عَشْرِ ) ( فمنهنّّ أن لم تَعْقِروا ذاتَ ذِرْوةٍ ... لحقٍّ إذا ما احْتِيج يوماً إلى العَقْرِ ) ( ومنهنّ أن لم تمسَحُوا عربيّةً ... من الخَيْل يوماً تحت جُلَّ على مُهْرِ ) ( ومنهنّ أن لم تضرِبوا بسيوفكم ... جَمَاجِمَ إلا فَيْشَلَ القُرّحِ الحُمْر ) ( ومنهنّ أن كانت شيوخُ محارِب ... كما قد علمتم لا تِريشُ ولا تَبْرِي ) ( ومنهنّ أخزى سَوءةٍ لو ذكرتُها ... لكنتم عبيداً تخدُمون بني وَبْرِ ) ( ومنهنّ أن الضأن كانت نساءَكم ... إذا اخضرَّ أطرافُ الثْمَام من القَطْرِ ) ( ومنهنّ أن كانت عجوزُ مُحَارِبٍ ... تُرِيغ الصِّبَا تحت الصَّفِيح من القَبْرِ ) ( ومنهنّ أَنْ لو كان في البحر بعضُكُمْ ... لخبَّثَ ضَاحِي جِلْدِهِ حَوْمةَ البحرِ ) ومما قاله ابن ميادة في حكم قوله من قصيدة أولها ( ألا حَيِّيَا الأطلالَ طالتْ سِنِينُها ... بحيثُ التقتْ رُبْدُ الجِنَاب وعِينُها ) ويقول فيها ( فلمّا أتاني ما تقولُ مُحارِبٌ ... تغنَّتْ شياطيني وجُنَّ جُنُونُها ) ( ألم تَرَ أنَّ اللهَ غَشَّى مُحارِباً ... إذا اجتمعَ الأقوامُ لوناً يَشِينُها ) ( ترى بوجوه الخُضْر خُضْرِ مُحارِبٍ ... طوابعَ لؤم ليسَ يْنَفَتُّ طِينُها ) ( لقد سَاهَمَتْناكُمْ سُليمٌ وعامرٌ ... فَضمِنْاهُمُ إنّا كذاك نَدِينُها ) ( فصارتْ لنا أهلُ الضَّئين مُحَارِبٌ ... وصارتْ لهم جَسْرٌ وذاكَ ثَمينُها ) ( إذا أخذتْ خُضْريَّةٌ قائمَ الرحَى ... تَحَرَّكُ قُنباها فطارَ طَحِينُها ) ( وما حَمَلْت خُضْريَّةٌ ذاتِ ليلةٍ ... من الدهر إلاّ ازدادَ لؤما جَنِينُها ) فقال حكم يجيبه عن هذه بقصيدته ( لأنتَ ابنُ أَشبانيّةٍ أدلجتْ به ... إلى اللّؤمِ مِقْلاتٍ لئيمٍ جَنِينُها ) ( فجاءتْ بَروَّاثٍ كأنّ جَبِينَه ... إذا ما صَغَا في خِرْقَتَيها جَبِينُها ) ( فما حَمَلتْ مُرِّيّة قطُّ ليلةً ... من الدهر إلاّ ازداد لؤماً جَنِينُها ) ( وما حَمَلتْ إلا لألأمِ مَنْ مَشَى ... ولا ذُكرتْ إلاّ بأمرٍ يَشِينها ) ( تزوّجُ عثوانُ الضَّئينَ وتَبْتَغِي ... بها الدَّرَّ لا دَرَّتْ بخيرٍ لبَوُنها ) ( أظنَّتْ بنو عثوان أن لستُ شاتماً ... بشَتْمِي وبعضُ القوم حَمْقَى ظُنُونُها ) ( مَدَانِيسُ أبرامٌ كأنّ لِحَاهُمُ ... لِحَى مُسْتَهِباتٍ طِوَالٍ قُرُونُها ) قال الزبير فحدثني موهوب بن رشيد قال فسمع هذه القصيدة أحد بني قتال بن مرة فقال ماله أخزاه الله يهجو صبيتنا قال وهم أجفى قوم غضبا لصبيتهم وقد هجاهم بما هجاهم به قال وبلغ إبراهيم بن هشام قوله في نساء بني مرة إذ يقول ( وما حَمَلتْ إلا لألأم مَنْ مَشَى ... ) فغضب ثم نذر دمه فهرب من الحجاز إلى الشأم فمات بها أخبرني الحرمي بن ابي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن ضبعان الخضري قال لقي ابن ميادة صخر بن الجعد الخضري فقال له يا صخر أعنت علي ابن عمك الحكم بن معمر فقال له صخر لا والله يا أبا الشرحبيل ما أعنته عليك ولكن خيل إليك ما كان يخيل إلي ولقد هاجيته فكنت أظن أن شجر الوادي يعينه علي ومن جيد قول ابن ميادة في حكم قصيدته التي أولها صوت ( لقد سبَقَتْك اليومَ عَيْناك سَبْقَةً ... وأبكاكَ من عهد الشباب ملاعُبْه ) ( فوالله ما أَدرِي أيَغلِبُني الهَوَى ... إذا جَدَّ جِدُّ البَيْن أم أنا غالبُهْ ) ( فإن أستطِعْ أغلِبْ وإن يَغلِب الهَوَى ... فمثلُ الذي لاقيتُ يُغْلَبُ صاحبُهْ ) في هذه الأبيات غناء ينسب يقول فيها في هجاء حكم ( لقد طالَ حَبْسُ الوَفْدِ وَفْدِ مُحَارِبٍ ... عن المجدلم يَأْذَنْ لهم بَعْدُ حاجِبُهْ ) ( وقال لهم كُرُّوا فلستُ بآذنٍ ... لكم أبداً أو يُحْصِيَ التُّرْبَ حاسِبُهْ ) وهي قصيدة طويلة منزلة ابن ميادة عند الوليد أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني جلال بن عبد العزيز المري ثم الصاردي عن أبيه قال جلال وقد رأيت ابن ميادة في بيت أبي قال قال لي ابن ميادة وصلت أنا والشعراء إلى الوليد بن يزيد وهو خليفة وكان مولى من موالي خرشة يقال له شقران يعيب ابن ميادة ويحسده على مكانه من الوليد فلما اجتمعت الشعراء قال الوليد بن يزيد لشقران يا شقران ما علمك في ابن ميادة قال علمي فيه يا أمير المؤمنين أنه ( لئيمٌ يُبَارِي فيه أَبْردُ نَهْبلا ... لئيمٌ أتاه اللؤمُ من كلّ جانبِ ) فقال الوليد يا ابن ميادة ما علمك في شقران قال علمي يا أمير المؤمنين أنه عبد لعجوز من خرشة كاتبته على أربعين درهما ووعدها أو قال وعدته أن تجيزه بعشرين درهما فقبضته إياها فأغنه عني يا أمير المؤمنين فليس له أصل فأحتفره ولا فرع فاهتصره فقال له الوليد اجتنبه يا شقران فقد أبلغ إليك في الشتيمة فقصر صقران صاغرا ثم أنشدته فأقيمت الشعراء جميعا غيري وأمر لي بمائة لقحة وفحلها وراعيها وجارية بكر وفرس عتيق فاختلت ذلك اليوم وقلت ( أعطيْتَنِي مائةً صُفْرا مَدَامِعُها ... كالنخل زَيَّنَ أعلَى نَبْتِهِ الشَّرَبُ ) ويروى ( كأنها النخلُ رَوَّى نَبْتَها الشَّرَبُ ... ) ( يَسُوقُها يافع جَعْدٌ مفارقُهُ ... مثْلُ الغُرَاب غَذَاه الصَّرُّ والحَلَبُ ) ( وذا سَبِيبٍ صُهَيْبِيّاً له عُرُفٌ ... وهَامَةٌ ذاتُ فَرْقٍ نَابُها صَخِبُ ) لم يذكر الزبير في خبره غير هذه الأبيات الثلاثة وهي من قصيدة للرماح طويلة يمدح فيها الوليد بن يزيد وقد أجاد فيها وأحسن وذكرت من مختارها هاهنا طرفا وأولها ( هل تَعرفُ الدارَ بالعَلْياء غَيَّرَها ... سَافِي الرِّياحِ ومُسْتَنٌّ له طُنُبُ ) ( دارٌ لبيضاءَ مُسْوَدٌّ مسائحُها ... كأنّها ظَبْيَةٌ تَرْعَى وتَنْتَصبُ ) المسائح ما بين الأذن إلى الحاجب من الشعر وتنتصب تقف إذا ارتاعت منتصبة تتوجس ( تحنُو لأكْحَلَ ألْقَتْهُ بمَضيْعَةٍ ... فقَلْبُها شَفَقاً من حَوْلِه يَجِبُ ) يقول فيها ( يا أطيبَ الناسِ ريقاً بعدَ هَجْعَتها ... وأملحَ الناسِ عَيْنَاً حينَ تَنْتَقِبُ ) ( ليستْ تجودُ بنَيْلٍ حينَ أسألها ... ولستُ عندَ خَلاء اللَّهو أَغتصبُ ) ( في مرْفَقَيْها إذا ما عُونِقَتْ جَمَم ... على الضَّجِيعِ وفي أنيابها شَنَبُ ) ( وليلةٍ ذاتِ أهوالٍ كواكِبُها ... مثلُ القناديلِ فيها الزَّيتُ والعُطُبُ ) ( قد جُبْتُها جَوْبَ ذي المِقْراضِ مْمَطَرًة ... إذا استوى مُغْفَلاتُ البِيدِ والَحَدب ) ( بِعَنْتَرِيس كأن الدَّبْرَ يَلْسَعُها ... إذا تَرَنَّمَ حادٍ خَلْفَها طَرِبُ ) ( إلى الوليد أبي العبّاس ما عجِلتْ ... ودونَه المُعْطُ من لُبْنانَ والكُثُبُ ) وبعد هذا البيت قوله ( أعطيتَني مائةً صُفْراً مَدامِعُها ... ) الخ ( لمّا أتيتُك مِن نَجْدٍ وساكنِه ... نَفحتَ لي نَفْحَةً طارتْ بها العَرَبُ ) ( إنّي امرُؤٌ أعتفِي الحاجاتِ أطلُبُها ... كما اعتَفى سَنِقٌ يُلْقَى له العُشُبُ ) السنق الذي قد شبع حتى بشم يقول أطلب الحاجة بغير حرص ولا كلب كما يعتفي هذا البعير البشم من غير شره ولا شدة طلب ( ولا أُلِحَ على الخُلاّن أَسألُهم ... كما يُلِحّ بعظْم الغارب القَتَبُ ) ( ولا أُخادع نَدْمانِي لأخدَعَه ... عن ماله حين يََسْتَرْخِي به اللَّبَبُ ) ( وأنت وابناك لم يوجد لك مَثَلٌٌ ... ثلاثة كلّهم بالتاج مُعْتَصِبُ ) ( الطيّبون إذا طابتْ نفوسُهُم ... شُوسُ الحواجب والأبصار إنْ غَضِبُوا ) ( قِسنِي إلى شُعراء الناسِِ كلِّهِم ... وادعُ الرُّواة إذا ما غَبّ ما اجتَلَبُوا ) ( إنّي وإن قال أقوام مَديحُهُم ... فأَحسنوه وما حابوا وما كَذَبوا ) ( أَجرِي أمامَهُم جَرْيَ امرء فَلَج ... عِنانُه حين يَجْري ليس يَضْطرِبُ ) اشتداد الهجاء بين ابن ميادة وشقران أخبرني يحيى بن علي قال أخبرنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال أخبرني أبو الحسن أظنه المدائني قال أخبرني أبو صالح الفزاري قال أقبل شقران مولى بني سلامان بن سعد هذيم أخي عذرة بن سعدا بن هذيم قال وهذيم عبد حبشي كان حضن سعدا فغلب عليه وهو ابن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة من اليمامة ومعه تمر قد امتاره فلقيه ابن ميادة فقال له ما هذا معك قال تمر امترته لأهلي يقال له زب رباح فقال له ابن ميادة يمازحه ( كأنّك لم تَقْفُلُ لأهلك تَمْرةً ... إذا أنت لم تَقْفُل بزُبِّ رُبَاحِ ) فقال له شقران ( فإِنْْ كان هذا زُبَّه فانطلق به ... إلى نِسْوةِ سُودِ الوُجوه قِباحِ ) فغضب ابن ميادة وأمضه وأنحى عليه بالسوط فضربه ضربات وانصرف مغضبا فكان ذلك سبب الهجاء بينهما قال حماد عن أبيه وحدثني أبو علي الكلبي قال اجتمع ابن ميادة وشقران مولى بني سلامان عند الوليد بن يزيد فقال ابن ميادة يا أمير المؤمنين أتجمع بيني وبين هذا العبد وليس بمثلي في حسبي ولا نسبي ولا لساني ولا منصبي فقال شقران ( لَعَمْرِي لئن كنت ابن شَيْخي عشيرتي ... هِرَقْلٍ وكِسْرى ما أُرانِي مُقَصِّرا ) ( وما أَتمنَّى أنْ أكون ابن نزوةٍ ... نَزَاها ابن أرْضٍ لم تجِدْ مُتَمهرّا ) ( على حائلٍ تَلْوِي الصِّرار بكَفِّها ... فجاءتْ بخَوَّارٍ إذا عُضّ جَرْجرا ) أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار وأخبرنا يحيى بن علي عن أبي أيوب المديني عن زبير قال حدثني جلال بن عبد العزيز وقال يحيى بن خلاد عن أبي أيوب بن عبد العزيز قال استأذن ابن ميادة على الوليد بن يزيد وعنده شقران مولى قضاعة فأدخله في صندوق وأذن لابن ميادة فلما دخل أجلسه على الصندوق واستنشده هجاء شقران فجعل ينشده ثم أمر بفتح الصندوق فخرج عليه شقران وجعل يهدر كما يهدر الفحل ويقول ( سأَكْعَمُ عن قُضاعةَ كَلْبَ قيسٍ ... عَلى حَجَرٍ فيُنْصِتُ للكَعامُ ) ( أسيرُ أمامَ قَيْسٍ كلَّ يومٍ ... وما قيسٌ بسائرةٍ أمامي ) وقال أيضا وهو يسمع ( إنّي إذا الشُعراءُ لاقَى بعضُهُمْ ... بعضاً ببَلْقَعةٍ يريد نِضالهَا ) ( وقَفوا لمُرْتَجِزِ الهدير إذا دنتْ ... منه البِكارة قطَّعَتْ أبوالَها ) ( فتركتهُمْ زُمَراً تَرَمَّزُ باللِّحى ... منها عَنَافِقُ قد حَلقتُ سِبالهَا ) فقال له ابن ميادة يا أمير المؤمنين اكفف عني هذا الذي ليس له أصل فأحفره ولا فرع فأهصره فقال الوليد أشهد أنك قد جرجرت كما قال شقران ( فجاءتْ بخوّار إذا عُضّ جرجرا ... ) قال يحيى في خبره واجتمع ابن ميادة وعقال بن هاشم بباب الوليد بن يزيد و كان عقال شديد الرأي في اليمين فغمز عقال ابن ميادة واعتلاه فقال ابن ميادة ( فَجرْنا ينابيع الكلام و بَحْرَهُ ... فأصبحَ فيه ذو الرِّوايه يَسْبَحُ ) ( وما الشِّعرُ إلاّ شعرُ قيس وخِنْدِفٍ ... وقوْل سِواهم كُلْفَةٌ و تملُّحُ ) فقال عقال يجيبه ( ألاَ أبْلِغ الرَّمَّاح نقْضَ مَقالةٍ ... بها خَطِلَ الرَّمَّاحُ أو كان يَمْزَحُ ) ( لئن كان في قيسٍ وخِنْدَفَ أَلْسُنٌ ... طِوالٌ وشِعْرٌ سائرُ ليس يُقْدَحُ ) ( لقد خَرق الحيُّ اليمانون قبلَهمْ ... بحورَ الكلام تُسْتَقي وهي تَطْفَحُ ) ( وهُمْ عَلَّموا مَنْ بعدَهم فتعلّموا ... وهُمْ اعربوا هذا الكلامَ وأوضحوا ) ( فللسابقين الفضلُ لا يُجْحَدُونه ... و ليس لمَخْلوقٍ عليهم تبجُّحُ ) الحنين إلى الوطن أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا جلال بن عبد العزيز عن أبيه قال حدثني ابن ميادة قال قلت وأنا عند الوليد بن يزيد بأباين وهو موضوع كان الوليد ينزله في الربيع ( لَعمْرُك إني نازلٌ بأَبايِنٍ ... لصَوْءَرَ مشتاقٌ وإِن كُنْتُ مُكْرَما ) ( أبِيتُ كأنّي أرمَدُ العين ساهرٌ ... إذا بات أصحابي من الليل نُوَّما ) قال فقال لي الوليد يا بن ميادة كأنك غرضت من قربنا فقلت ما مثلك يا أمير المؤمنين يغرض من قربه ولكن ( ألا لَيتَ شِعرِي هل أبيتنّ ليلةً ... بحرّةِ ليلَى حيث رَبَّتني أهلي ) ( وهل أَسمعَنّ الدهرَ أصواتَ هَجْمَةٍ ... تَطَالعُ من هَجْلٍ خَصيبٍ إلى هَجْلِ ) ( بلادٌ بها نِيطَتْ عليّ تَمائِمي ... وقُطِّعَن عنيِّ حينَ أدركنِي عَقْلِي ) ( فإِنْ كُنتَ عن تلك المواطنِ حابِسِي ... فأَيْسِرْ عليَّ الرزق واجمَع إذاً شَمْلي ) فقال كم الهجمة مائة ناقة فقال قد صدرت بها كلها عشراء قال ابن ميادة فذكرت ولدانا لي بنجد إذا استطعموا الله عز و جل أطعمهم و أنا و إذا استسقوه سقاهم الله وأنا وإذا استكسوه كساهم الله وأنا فقال يا بن ميادة وكم ولدانك فقلت سبعة عشر منهم عشرة نفر وسبع نسوة فذكرت ذلك منهم فأخذ بقلبي فقال يا بن ميادة قد أطعمهم الله وأمير المؤمنين وسقاهم الله وأمير المؤمنين وكساهم الله وأمير المؤمنين أما النساء فأربع حلل مختلفات الألوان وأما الرجال فثلاث حلل مختلفات الألوان و أما السقي فلا أرى مائة لقحة إلا سترويهم فإن لم تروهم زدتهم عينين من الحجاز قلت يا أمير المؤمنين لسنا بأصحاب عيون يأكلنا بها البعوض و تأخذنا بها الحميات قال فقد أخلفها الله عليك كل عام لك فيه مثل ما أعطيتك العام مائة لقحة و فحلها وجارية بكر وفرس عتيق وأخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني شداد بن عقبة عن عبد السلام بن القتال قال عارضني ابن ميادة فقال أنشدني يابن القتال فأنشدته ( ألاَ ليت شعري هل أبيتَنّ ليلةً ... بصحراءَ مَا بين التَّنُوفة والرّمْلِ ) ( وهل أزجُرنّ العيسَ شاكيَة الوَجى ... كما عَسَلَ السِّرحانُ بالبلد المَحْلِ ) ( وهل أسْمَعَنَّ الدهرَ صوتَ حمامةٍ ... تُغَنّي حمَاماتٍ على فَنَنٍ جَثْلِ ) ( وهل أشرَبنّ الدهر مُزْنَ سحابةٍ ... على ثَمِد الأفعاة حاضرُه أهلي ) ( بلادٌ بها نيطتْ عليّ تمائِمي ... وقُطِّعَن عنِّي حين أدركني عقْلي ) قال فأتاني الرواة بهذا البيت وقد اصطرفه ابن ميادة وحده أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال حدثني رجل من كلب وأخبرني يحيى بن علي بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي علي الكلبي قال أمر الوليد بن يزيد لابن ميادة بمائة من الإبل من صدقات بني كلب فلما أتى الحول أرادوا أن يبتاعوها له من الطرائد وهي الغرائب وأن يمسكوا التلاد فقال ابن ميادة ( ألم يَبْلُغْكَ أنّ الحيّ كلباً ... أرادوا في عطيّتكَ ارتدادا ) ( وقالوا إنّها صُهْب ووُرْقٌ ... وقد أَعطيتَها دُهْماً جِعادا ) فعلموا أن الشعر سيبلغ الوليد فيغضبه فقالوا له انطلق فخذها صفرا جعادا رثاء الوليد وقال يحيى بن على في روايته لما قتل الوليد بن يزيد قال ابن ميادة يرثيه ( ألاَ يا لهْفَتَيّ على وليدٍ ... غداةٌ أصابه القَدَرُ المُتاحُ ) ( ألاَ أبكي الوليد فتى قُرَيْشٍ ... وأسمَحها إذا عُدّ السِّماحُ ) ( وأجبَرها لذي عَظْمٍ مَهِيضٍ ... إذا ضنّت بِدرتها اللِّقَاحِ ) ( لقد فعلَتْ بنو مَرْوانَ فِعْلاً ... وأمراً ما يسوغ به القَرَاحُ ) قال يحيى وغنى فيه عمر الوادي ولم يذكر طريقة غنائه أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا محمد بن زهير بن مضرس الفزاري عن أبيه قال أخصب جناب الحجاز الشامي فمالت لذلك الخصب بنو فزارة وبنو مرة فتحالوا جميعا به فبينا ذات يوم أنا وابن ميادة جالسان على قارعة الطريق عشاء إذا راكبان يوجفان راحلتين حتى وقفا علينا فإذا أحدهما بحر الريح وهو عثمان بن عمرو بن عثمان بن عفان معه مولى له فنسبنا وانتسب لنا وقد كان ابن ميادة يعللني بشعره فلما انقضى كلامنا مع القرشي ومولاه استعدت ابن ميادة ما كنا فيه فأنشدني فخرا له يقول فيه ( وعلى المُلَيْحَة من جَذِيمةَ فِتْيةٌ ... يتمارضُون تمارضَ الأُسْدِ ) ( وتَرى الملوكَ الغُرّ تحت قِبابهم ... يمشُون في الحَلْقَات والقِدِّ ) قال فقال له القرشي كذبت قال ابن ميادة أفي هذا وحده أنا والله في غيره أكذب فقال له القرشي إن كنت تريد في مديحك قريشا فقد كفرت بربك ودفعت قوله ثم قرأ عليه ( لإ يلا ف قريش ) حتى أتى على آخرها ونهض هو ومولاه وركبا راحلتيهما فلما فاتا أبصارنا قال ابن ميادة ( سمِينُ قريشٍ مانعٌ منكَ نفسَهُ ... وغَثُّ قريشٍ حيث كان سمينُ ) هجاء بني حميس ( أخبرنا يحيى بن علي عن حماد عن أبيه عن أبي الحارث المري قال كان ابن ميادة قد هاجى سنان بن جابر أحد بنى حميس بن عامر بن جهينة ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم فقال ابن ميادة له فيما قال من هجائه ( لقد طالما عَلّلتَ حُجْراً وأهلَه ... بأعراض قيسٍ يا سنانُ بن جابِر ) ( أأهجُو قُرَيْشاً ثم تكرهَ رِيبتي ... ويَسرِقُنِي عِرْضِي حُمَيْسُ بَنُ عامِر ) قال وقال فيهم أيضا ( قِصار الخُطَى فُرْق الخُصَى زُمَرُ اللِّحَى ... كأنّهُم ظِرْبَى اهْتَرشْنَ على لَحمْ ) ( ذكرتُ حَمَام القَيْظ لما رأيتُهم ... يُمَشُّون حَوْلي في ثيابهم الدُّسمِ ) ( وتُبْدِي الحُمَيْسيَّاتُ في كلّ زِينِةٍ ... فُروجاً كآثار الصِّغار من البَهْمِ ) قال ثم إن ابن ميادة خرج يبغي إبلا له حتى ورد جبارا وهو ماء لحميس بن عامر فأتى بيتا فوجد فيه عجوزا قد أسنت فنشدها إبله فذكرتها له وقالت ممن أنت قال رجل من سليم بن منصور فأذنت له وقالت ادخل حتى نقريك وقد عرفته وهو لا يدري فلما قرته قال ابن ميادة وجدت ريح الطيب قد نفح علي من البيت فإذا بنت لها قد هتكت الستر ثم استقبلتني وعليها إزار أحمر وهي مؤتزرة به فأطلقته وقالت انظر يا بن ميادة الزانية أهذا كما نعت فلم أر امرأة أضخم قبلا منها فقالت أهذه كما قلت ( وتُبْدِي الحُمَيْسيَّاتُ في كلّ زِينِةٍ ... فُروجاً كآثار الصِّغار من البَهْمِ ) قال قلت لا والله يا سيدتي ما هكذا قلت ولكن قلت ( وتُبْدِي الحُمَيْسيَّاتُ في كلّ زِينِةٍ ... فُروجاً كآثار المُقَيْسرَةِ الدُّهْمِ ) وانصرف يتشبب بها فذلك حين يقول ( نَظَرْنا فهاجَتْنا على الشّوْق والهَوَى ... لزينبَ نارٌ أُوقِدَتْ بجُبَارِ ) ( كأنّ سنَاها لاحَ لي من خَصَاصةٍ ... على غير قَصْدٍ والمَطِيُّ سَوَارِي ) ( حُمَيسيّةٌ بالرملتين مَحلُّها ... تَمُدّ بحِلْفٍ بيننا وجِوَارِ ) قال أبو داود وكانت بنو حميس حلفاء لبنى سهم بن مرة ثم للحصين بن الحمام وتمد وتمت واحد رجع إلى الشعر ( تُجاوِر من سهْمِ بن مُرّة نِسوةٍ ... بمُجْتَمَع النقبين غير عَوِاري ) ( نواعمَ أبكَاراً كأنّ عيونَها ... عيونُ ظِباءٌ أو عيونُ صُوارِ ) ( كأنّا نراها وهي منّا قريبةٌ ... على متْن عصْماءِ اليَدَيْنِ نَوارِ ) ( تَتَبّعُ من حِجْر ذُرا مُتَمَنِّع ... لها مَعْقِلٌ في رأس كلّ طَمار ) ( يَدُور بها ذو أسهُم لا ينالها ... وذو كَلَبات كالقِسيّ ضوَارِي ) ( كأنّ على المَتْنَيْن منها وَدِيّةً ... سَقَتْها السواقي من وَدِيّ دَوارِ ) ( يَظَلّ سحيقُ المِسْك يقطرُ حَوْلَها ... إذا الماشِطاتُ احتفنه بمَدارِي ) ( وما رَوْضَةٌ خضْراءُ يضرِبها النّدى ... بها قُنَّةٌ من حَنْوَةٍ وعَرارِ ) ( بأطيبَ من ريح القَرَنْفُل ساطعاً ... بما التفّ من دِرْع لها وخمَارِ ) ( وما ظبيةٌ ساقتْ لها الريحُ نَغْمَةً ... على غفلَةٍ فاستسمعت لخُوارِ ) ( بأحسنَ منها يومَ قامتْ فأَتْلعتْ ... على شَرَكٍ من رَوْعةٍ ونفارِ ) ( فليتَكِ يا حسناءُ يابنةَ مالكٍ ... يَبيع لنا منكِ المَودّة شَارِي ) ابن ميادة وزينب بنت مالك ) وأخبرني بهذا الخبر الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني أبو حرملة منظور بن أبي عدي الفزاري ثم المنظوري عن أبيه قال حدثني رماح بن أبرد قال خرجت قافلا من السلع إلى نجد حتى إذا كنت ببعض أهضام الحرة هكذا في نسختى وأظنه هضاب الحرة رفع لي بيت كالطراف العظيم وإذ بفنائه غنم لم تسرح فقلت بيت من بيوت بني مرة وبي من العيمة إلى اللبن ما ليس بأحد فقلت آتيهم فأسلم عليهم وأشرب من لبنهم فلما كنت غير بعيد سلمت فردت علي امرأة برزة بفناء البيت وحيت ورحبت واسنزلتني فنزلت فدعت بلبن ولبأ ورسل من رسل تلك الغنم ثم قالت هيا فلانة البسي شفا واخرجي فخرجت علي جارية كأنها شمعة ما رأيت في الخلق لها نظيرا قبل ولا بعد فإذا شفها ذاك ليس يواري منها شيئا وقد نبا عن ركبها ما وقع عليه من الثوب فكأنه قعب مكفأ ثم قالت يا بن ميادة الخبيثة أأنت القائل ( وتُبْدِي الحُمَيْسيَّاتُ في كلّ زِينِةٍ ... فُروجاً كآثار الصِّغار من البَهْمِ ) فقلت لا والله جعلني الله فداك يا سيدتي ما قلت هذا قط وإنما قلت ( وتُبْدِي الحُمَيْسيَّاتُ في كلّ زِينِةٍ ... فُروجاً كآثار المُقَيْسرَةِ الدُّهْمِ ) قال وكان يقال للجارية الحميسية زينب بنت مالك وفيها قال ابن ميادة قصيدته ( ألِمّا فَزُورَا اليومَ خيْرَ مَزارِ ... ) أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني موهوب ابن رشيد الكلابي قال أعطى الوليد بن زيد ابن ميادة جارية طبرية أعجمية لا تفصح حسناء جميلة كاملة لولا العجمة فعشقها وقال فيها ( جزاكَ الله خيرًا من أمير ... فقد أَعطيتَ مِبْراداً سَخُونَا ) ( بأهلي ما أَلذَّكَ عند نفسي ... لَوَ أنَّك بالكلام تُعَرِّيينا ) ( كأنّكِ ظبيةٌ مَضغَتْ أراكاً ... بوادِي الِجْزع حين تُبَغِّمِينَا ) بعض أوصاف ابن ميادة أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني إسحاق بن شعيب بن إبراهيم ابن محمد بن طلحة قال وردت على بني فزارة ساعيا فأتاني ابن ميادة مسلما على وجائتني بنو فزارة ومعها رجل من بني جعفر بن كلاب كان لهم جارا وكان مخططا موسوما بجمال فلما رأيته أعجبني فأقبلت على بني فزارة وقلت لهم أي أخوالي هذا فو الله إنه ليسرني أن أرى فيكم مثله فقالوا هذا أمتع الله بك رجل من بني جعفر بن كلاب وهو لنا جار قال فأصغى إلي ابن ميادة وكان قريبا مني وقال لا يغرنك بأبي أنت ما ترى من جسمه فإنه أجوف لا عقل له فسمعه الجعفري فقال أفي تقع يا بن ميادة وأنت لا تقري ضيفك فقال له بان ميادة إن لم أقره قراه ابن عمي وأنت لا تقري ولا ابن عمك قال ابن عمران فضحكت مما شهد به ابن ميادة على نفسه أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن إسماعيل الجعفري عن المعلى بن نوح الفزاري قال حدثني خال لي كان شريفا من سادات بني فزارة قال ضفت ابن ميادة فأكرمني وتحفى بي وفرغ لي بيتا فكنت فيه ليس معي أحد ثم جاءني بقدح ضخم من لين إبله فشربته ثم ولى فلم ينشب أن جاءني بآخر فتناولت منه شيئا يسيرا فما لبثت حتى عاد بآخر فقلت حسبك يا رماح فلا حاجة لي بشيء فقال اشرب بأبي أنت فوالله لربما بات الضيف عندنا مدحورا أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب عن جدي عبد الله بن مصعب قال أتينا ابن ميادة نتلقى منه الشعر فقال لنا هل لكم في فضل شنة فظنناها تمرا فقلنا له هات لنبسطه بذلك فإذا شنة فيها فضلة من خمر قد شرب بعضها وبقي بعض فلما رأيناها قمنا وتركناه أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن الكثيري قال حدثني نعمة الغفاري قال قدم ابن ميادة المدينة فدعي في وليمة فجاء فوجد على باب الدار التي فيها الوليمة حرسا يضربون الزلالين بالسياط يمنعونهم من الدخول فرجع و هو يقول ( ولمّا رأيتُ الأَصْبَحِيّة قنّعتْ ... مفارِقَ شُمْطٍ حيث تُلْوَى العمائمُ ) ( تركتُ دِفَاع الباب عمّا وراءَه ... وقلتُ صحيحٌ من نجا وهو سالُم ) أخبرني يحيى بن علي عن أبيه عن إسحاق قال قال الوليد بن يزيد لابن ميادة في بعض وفاداته عليه من تركت عند نسائك قال رقيبين لا يخالفاني طرفة عين الجوع والعري وهذا القول والجواب يروى أن عمر بن عبد العزيز وعقيل بن علفة تراجعاهما وقد ذكر في أخبار عقيل مدح أبي جعفر المنصور أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب وأخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الزبير و أخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني عن مصعب أن ابن ميادة مدح أبا جعفر المنصور بقصيدته التي يقول فيها ( طلعتْ علينا العِيسُ بالرَّمَّاحِ ... ) ثم خرج من عند أهله يريده فمر على إبله فحلبت له ناقة من إبله وراح عليه راعيه بلبنها فشربه ثم مسح على بطنه ثم قال سبحان الله إن هذا لهو الشره يكفيني لبن بكرة وأنا شيخ كبير ثم أخرج واغترب في طلب المال ثم رجع فلم يخرج وهذه القصيدة من جيد شعر ابن ميادة أولها ( وكواعبٍ قد قلن يومَ تَوَاعُدٍ ... قَوْلَ المُجِدّ وهُنّ كالمُزَّاحِ ) ( يا ليتَنا في غير أمرٍ فَادِح ... طَلَعَتْ عَلَيْنا العِيسُ بالرَّمّاحِ ) ( بَيْنا كذاكَ رأينَني مُتَعَصِّباً ... بالخَزِّ فوق جُلالةٍ سِرْداحِ ) ( فيهنّ صفراءُ المَعاصِمِ طَفْلَةٌ ... بيْضاءُ مثلُ غَرِيضةِ التُّفّاحِ ) ( فَنظَرنَ من خَلَلِ الحِجَال بأعينٍ ... مَرْضَى مُخالِطُها السَّقَامُ صِحاحِ ) ( وارتشنَ حين اردن أنْ يرمِينَني ... نَبْلاً بلا رِيشٍ ولا بِقدَاحٍ ) يقول فيها في مدح المنصور وبني هاشم ( فلئِنْ بقِيتُ لأَلحقَنّ بأَبْحُرٍ ... يَنْمينَ لا قُطْعٍ ولا أنْزاحِ ) ( ولآتينّ بَني عليّ إنّهُمْ ... مَن يأتهم يُتَلقّ بالإِفلاحِ ) ( قومٌ إذا جُلِب الثناء إليهِمُ ... بِيعَ الثناء هناك بالأرباحِ ) ( ولأجْلِسَنّ إلى الخليفة إنّه ... رَحْبُ الفِناء بواسع بحباحِ ) وهي قصيدة طويلة أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا إسحاق بن أيوب بن سلمة قال اعتمرت في رجب سنة خمس ومائة فصادفني ابن ميادة بمكة وقدمها معتمرا فأصابنا مطر شديد تهدمت منه البيوت وتوالت فيه الصواعق فجلس إلي ابن ميادة الغد من ذلك اليوم فجعل يأتيني قوم من قومي وغيرهم فأستخبرهم عن ذلك الغيث فيقولون صعق فلان وانهدم منزل فلان فقال ابن ميادة هذا العيث لا الغيث فقلت فما الغيث عندك فقال ( سحائبُ لا مِن صَيِّبٍ ذي صَوَاعِقٍ ... ولا مُحْرِقات ماؤُهنّ حَمِيمُ ) ( إذا ما هبطْنَ الأرضَ قد مات عُودُها ... بكَيْنَ بها حتّى يَعيش هَشِيمُ ) أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني موسى بن زهير عن أبيه قال جلست أنا وعيسى بن عميلة وابن ميادة ذات يوم فأنشدنا ابن ميادة شعره مليا ثم أنشدنا قوله ( ألا لَيتَ شِعرِي هل أبيتنّ ليلةً ... بحرّةِ ليلَى حيث رَبَّتني أهلي ) ( بلادٌ بها نِيطَتْ عليّ تَمائِمي ... وقُطِّعَن عنيِّ حينَ أدركنِي عَقْلِي ) ( وهل أَسمعَنّ الدهرَ أصواتَ هَجْمَةٍ ... تَطَالعُ من هَجْلٍ خَصيبٍ إلى هَجْلِ ) ( صُهَيْبَيّةٍ صفراء تُلْقي رِباعها ... بمُنْعَرجِ الصَمَان والجَرَع السهل ) تلقى راعها تطرح أولادها وواحد الرباع ربع ( وهل أجمعنّ الدهرَ كفَّيَّ جَمْعةً ... بمَهْضومةِ الكَشْحَيْن ذاتِ شَوىً عَبْلِ ) ( مُحلَّلةٍ لي لا حَراما أتيتُها ... من الطيبَات حين تَرْكُض في الحِجل ) ( تميلُ إذا مالَ الضجيع بعطفِها ... كما مالَ دِعْص من ذُرَاً عَقْد الرملِ ) فقال له عيسى بن عميلة فأين قولك يا أبا الشرحبيل ( لقد حَرَّمت أُميِّ عليّ عَدِمْتُها ... كَرائمَ قومي ثّم قِلَّةُ ماليا ) فقلت له فاعطف إذا إلى أمة بني سهيل فهي أعند وأنكد وقد كنت أظن أنِ ميادة قد ضربت جأشك على اليأس من الحرائر وأنا أداعبه وأضاحكه فضحك وقال ( ألم تَر قوماً يَنْكِحون بمالِهِمْ ... ولو خَطَبتْ أنسابُهم لم تُزَوْجِ ) أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب وغيره أن حسينة اليسارية كانت جميلة وآل يسار من موالي عثمان رضوان الله عليه يسكنون تيماء ولهم هناك عدد وجلد وقد انتسبوا في كلب إلى يسار بن أبي هند فقبلهم بنو كلب قال وكانت عند رجل من قومها يقال له عيسى بن إبراهيم ابن يسار وكان ابن ميادة يزورها وفيها ( ستأتينا حُسينَةُ حيث شِئْنا ... وإِنْ رَغِمَتْ أُنوفُ بني يَسارِ ) قال فدخل عليها زوجها يوما فوجد ابن ميادة عندها فهم به هو وأهلها فقاتلهم وعاونته عليهم حسينة حتى أفلت ابن ميادة فقال في ذلك ( لقد ظلّتْ تُعاونني عليهمْ ... صَمُوتُ الحِجْل كاظمةُ السِّوارِ ) ( وقد غادرتُ عيسى وهو كَلْبٌ ... يُقطِّع سَلْحَه خَلْف الجِدارِ ) ابن ميادة يمدح عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني إبراهيم بن سعد بن شاهين قال حدثني عبد الله بن خالد بن دفيف التغلبي عن عثمان بن عبد الرحمن بن نميرة العدوي عن أبي العلاء بن وثاب قال قدم ابن ميادة المدينة زائرا لعبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك وهو أميرها وكان يسمر عنده في الليل فقال عبد الواحد لأصحابه إني أهم أن أتزوج فابغوني أيما فقال له ابن ميادة أنا أدلك أصلحك الله أيها الأمير قال على من يا أبا الشرحبيل قال قدمت عليك أيها الأمير فدخلت مسجدكم فإذا أشبه شيء به وبمن فيه الجنة وأهلها فوالله لبينا أنا أمشي فيه إذ قادتني رائحة عطر رجل حتى وقفت بي عليه فلما وقع بصري عليه استلهاني حسنه فما أقلعت عنه حتى تكلم فخلته لما تكلم يتلو زبورا أو يدرس إنجيلا أو يقرأ قرآنا حتى سكت فلولا معرفتي بالأمير لشككت أنه هو ثم خرج من مصلاه إلى داره فسألت من هو فأخبرت أنه للحيين وبين الخليفتين وأن قد نالته ولادة من رسول الله لها نور ساطع من غرته وذؤابته فنعم المنكح ونعم حشو الرحل وابن العشيرة فإن اجتمعت أنت وهو على ولد ساد العباد وجاب ذكره البلاد فلما قضى ابن ميادة كلامه قال عبد الواحد ومن حضره ذاك محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان وأمه فاطمة بنت الحسين فقال ابن ميادة ( لهم نَبْوَةٌ لم يُعْطِها اللهُ غيرَهم ... وكلُّ قضاء الله فهو مُقَسَّم ) قال يحيى بن علي ومما مدح به عبد الواحد لما قدم عليه قوله ( مَن كان أخطأه الربيعُ فإِنما ... نُصِرَ الحجازُ بغَيْثِ عبدِ الواحِد ) ( إنّ المدينةَ أصبحتْ معمورةً ... بمُتَوَّجٍ حُلْوِ الشمائلِ ماجِد ) ( ولقد بَلغتَ بغير أَمرِ تَكَلُّفٍ ... أعلَى الحظوظِ برغْم أَنْفِ الحاسدِ ) ( وملكتَ ما بين العراق ويَثْرِبٍ ... مُلْكاً أجارَ لمسلم ومُعاهِدِ ) ( مَالَيْهِما ودَميْهِما مِن بعد ما ... غَشَّى الضعيفَ شُعَاعُ سيفِ المارِدِ ) أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني سعيد بن زيد السلمي إنا لنزول أنا وأصحاب لي قبل الفطر بثلاث ليال على ماء لنا فإذا راكب يسير على جمل ملتف بثوب والسماء تغسله حتى أناخ إلى أجم عرفته فلما رأيناه لثقا قمنا إليه فوضعنا رحله وقيدنا جمله فلما أقلعت السماء عنا وهو معنا قاعد قام غلمة منا يرتجزون والرجل لم ينتسب لناولا عرفناه فارتجز أحدهم فقال ( أنا ابنُ مَيَّادةَ لَبّاسُ الحُلَلْ ... أَمَرُّ من مُرٍّ وأَحْلَى من عَسَلْ ) حتى قال له الرجل يابن أخي أتدري من قال هذا الشعر قال نعم ابن ميادة قال فأنا هو ابن ميادة الرماح بن أبرد وبات يعللنا من شعره ويقطع عنا الليل بنشيده وسرينا راحلين فصبحنا مكة فقضينا نسكنا ولقيه رجلان من قومه من بني مرة فعرفهما وعرفاه وأفطرنا بمكة فلما انصرفنا من المسجد يوم الفطر إذا نحن بفارسين مسودين وراجلين مع المريين يقولون أين ابن ميادة فقلنا هاهو وقد برزنا من خيمة كنا فيها فقلنا لابن ميادة ابرز فلما نظر إلى المريين قال ( إحدَى عَشِيّاتِك يا شميرجْ ... ) قال وهذا رجز لبعض بني سليم يقوله لفرسه ( أقولُ والرّكبة فوقَ المِنْسَجْ ... إحدَى عَشِيَّاتِك يا شميرجْ ) ويروى مشمرج فقالوا لابن ميادة أجب الأمير عبد الصمد بن علي وخذ معك من أصحابك من أحببت فخرج وخرج معه منا أربعة نفر أنا أحدهم حتى وقفنا على باب دار الندوة فدخل أحد المسودين ثم خرج فقال ادخل يا أبا شجرة فدخلت على عبد الصمد بن علي فوجدته جالسا متوشحا بملحفة موردة فقال لي من أنت قلت رجل من بني سليم فقال مالك تصاحب المري وقد قتلوا معاوية بن عمرو وقالت الخنساء ( أَلاَ ما لِعيني أَلاَ ما لَها ... لقد أَخْضَلَ الدمعُ سِرْبالَها ) ( فآلَيْتُ آسَى على هالكٍ ... وأسألُ نائحةً مالَها ) ( أبعدَ ابنِ عمرو مِنَ آلِ الشَّرِيد ... حَلّتْ به الأرضُ أثقالَها ) ( فإن تَكُ مُرّةُ أوْدَتْ به ... فقد كان يُكثِر تَقْتَالَها ) أترويها قلت نعم أصلح الله الأمير وما زال من المعركة حتى قتل به خفاف ابن عمرو المعروف بابن ندبة كبش القوم مالك بن حمار الفزاري ثم الشمخي أما سمع الأمير قول خفاف بن ندبة في ذلك ( فإن تَكُ خَيْلي قد أُصِيب صَمِيمُها ... فَعَمْداً على عينٍ تَيمّمْتُ مالِكَا ) ( تيمّمت كَبْشَ القوم حين رأيتُه ... وجانَبْتُ شُبّانَ الرِّجال الصَّعَالكَا ) ( أقولُ له والرمحُ يأْطِرُ مَتْنَه ... تَأمّل خُفَافاً إنّني أنا ذَلِكَا ) وقد توسط معاوية بن عمرو خيلهم فأكثر فيهم القتل وقتل كبش القوم الذي أصيب بأيديهم فقال لله درك إذا ولدت النساء فليلدن مثلك وأمر لي بألف درهم فدفعت إلي وخلع علي وأدخل ابن ميادة فسلم عليه بالإمرة فقال له لا سلم الله عليك يا ماص كذا من أمه فقال ابن ميادة ما أكثر الماصين فضحك عبد الصمد ودعا بدفتر فيه قصيدة ابن ميادة التي يقول فيها ( لنا المُلكُ إلاّ أنّ شيئاً تَعُدُّه ... قريشٌ ولو شئنا لداخَتْ رِقابُها ) ثم قال لابن ميادة أعتق ما أملك إن غادرت منها شيئا إن لم أبلغ غيظك فقال ابن ميادة أعتق ما أملك إن أنكرت منها بيتا قلته أو أقرررت ببيت لم أقله فقرأها عبد الصمد ثم قال له أأنت قلت هذا قال نعم قال أفكنت أمنت يابن ميادة أن ينقض عليك باز من قريش فيضرب رأسك فقال ما أكثر البازين أفكان ذلك البازي آمنا أن يلقاه باز من قيس وهو يسير فيرميه فتشول رجلاه فضحك عبد الصمد ثم دعا بكسوة فكساهم أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الصمد بن شبيب قال قال أبو حذافة السهمي سب رجل من قريش في أيام بني أمية بعض ولد الحسن بن علي عليهما السلام فأغلظ له وهو ساكت والناس يعجبون من صبره عليه فلما أطال أقبل الحسني عليه متمثلا بقول ابن ميادة ( أظنَّتْ سَفَاهاً من سَفَاهة رأيِها ... أَنَ اهْجُوهَا لمّا هَجَتْني مُحَارِبُ ) ( فلا وأبِيها إنّني بعَشِيرَتِي ... ونَفْسِيَ عن ذاك المَقَامِ لراغِبُ ) فقام القرشي خجلا وما رد عليه جوابا مدح جعفر بن سليمان أخبرني أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلام قال مدح ابن ميادة جعفر بن سليمان وهو على المدينة فأخبرني مسمع بن عبد الملك أنه قام له بحاجته عند جعفر وأوصلها إليه قال فقال له جزاك الله خيرا ممن أنت رحمك الله قلت أحد بني مسمع قال ممن قلت من قيس بن ثعلبة قال ممن عافاك الله قلت من بكر بن وائل قال والله لو كنت سمعت ببكر بن وائل قط أو عرفتهم لمدحتك ولكني ما سمعت ببكر قط ولا عرفتهم ثم مدح جعفرا فقال ( لَعَمْرُكَ ما سيوفُ بني عليٍّ ... بنابِيَةِ الظُّبَاةِ ولا كِلاَلِ ) ( هُمُ القومُ الأُلَى وَرِثُوا أباهُمْ ... تُرَاثَ محمَدٍ غَيرَ انتحالِ ) ( وهم تَرَكوا المقالَ لهم رفيعاً ... وما تَرَكوا عليهم من مَقَالِ ) ( حَذَوتُمْ قومَكم ما قد حَذَوْتُمْ ... كما يُحْذَى المثالُ على الِمَثالِ ) ( فَرُدُّوا في جِراحكُمُ أسكم ... فقد أبْلَغتمُ مُرَّ النَّكالِ ) يشير عليه بالعفو عن بني أمية ويذكره بأرحامهم أخبرنا بهذا الخبر يحيى بن علي عن سليمان المديني عن محمد بن سلام قال يحيى قال أبو الحارث المري فيما ذكره إسحاق من أخباره قال جعفر بن سليمان لابن ميادة أتحب أن أعطيك مثل ما أعطاك ابن عمك رياح بن عثمان فقال لا أيها الأمير ولكن أعطني كما أعطاني ابن عمك الوليد بن يزيد ابن ميادة يهجو بني أسد وبني تميم قال يحيى وأخبرنا حماد عن أبيه عن أبي الحارث قال قال جعفر بن سليمان لابن ميادة أأنت الذي تقول ( بَني أَسَدٍ إن تَغْضَبوا ثّم تَغْضَبُوا ... وتَغْضَبْ قُرَيشٌ تَحْمِ قَيْساً غِضَابُها ) قال لا والله ما هكذا قلت قال فكيف قلت قال قلت ( بَني أَسَدٍ إن تَغْضَبُوا ثّم تَغْضَبُوا ... وتَعْدل قُرَيشٌ تَحْمِ قَيْساً غِضَابُها ) قال صدقت هكذا قلت وهذه القصيدة يهجو بها ابن ميادة بني أسد وبني تميم وفيها يقول بعد هذا البيت الذي ذكره له جعفر بن سليمان ( وأحقرُ محقورٍ تَمِيمٌ أخوكُمُ ... وإن غَضِبَتْ يَرْبُوعُها ورِبَابُها ) ( أَلاَ ما أباِلي أن تُنَخْدِفَ خِنْدِفٌ ... ولستُ أُباِلي أن يَطْنَّ ذُبابُها ) ( ولو أنّ قَيساً قَيسَ عَيْلاَنَ أقسمِتْ ... على الشمس لم يَطْلُعْ عليكم حِجَابُها ) ( ولو حاربتْنا الجنُّ لم نَرفع القَنَا ... عن الجنّ حتى لا تَهِرّ كِلاَبُها ) ( لنا الُمْلُك إلاّ أنّ شيئاً تَعُدُّه ... قُرَيشٌ ولو شِئنا لَذَلَّتْ رِقابُها ) ( وإن غَضِبتْ من ذا قُرَيشٌ فقُلْ لها ... مَعَاذَ الإِلهِ أن أكونَ أَهَابُها ) ( وإني لقوّالُ الجوابِ وإنني لَمفَتجرٌ أشياءَ يُعيِي جوابُها ) ( إذا غَضِبتْ قيسٌ عليك تقاصرتْ ... يداكَ وفات الرِّجلَ منك ركابُها ) قال إسحاق في خبره فحدثني جبر بن رباط بن عامر بن نصر قال فقال سماعة بن أشول النعامي يعارض ابن ميادة ( لعلّ ابنَ أشبانيّةٍ عارضتْ به ... رِعاءَ الشَّوِيّ من مُرِيح وعازِبِ ) ( يُسَامِي فروعاً من خُزَيمة أحرزتْ ... عليه ثنايا المجد من كل جانبِ ) فقال ابن ميادة من هذا لقد أغلق على أغلق الله عليه قالوا سماعة بن أشول فقال سماعة يسمع بي وأشول يشول بي والله لا أهاجيه أبدا وسكت عنه وقال عبد الرحمن بن جهيم الأسدي أحد بني الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد يرد على ابن ميادة وهي قصيدة طويلة ذكرت منها أبياتا ( لقد كَذَبَ العبدُ ابنُ مّيادة الذي ... رَبَا وهي وَسْطَ الشَّوْلِ تَدْمَى كِعابُها ) ( شَرَنْبَثة الأطرافِ لم يَقْنَ كَفَّها ... خِضَابٌ ولم تَشْرَقْ بعطرٍ ثيابُها ) ( أرامّاحُ إن تَغْضَبْ صناديدُ خِندِفٍ ... يَهِجْ لك حَرْباً قَصْبُها واعتيابُها ) ويروى اغتيابها من الغيبة واعتيابها من العيب ( ولو أَغْضَبَتْ قَيْسٌ قُرَيشاً لَجَدَّعَتْ ... مَسَامعَ قَيسٍ وهي خُضْعٌ رِقابُها ) ( لقد جَرَّ رمّاحُ ابن واهصةِ الُخّصى ... على قومه حَرْباً عظيماً عَذَابُها ) ( وقد عَلِمَ المملوحُ بالشؤم رأسُهُ ... قُتَيبةُ أن لم تَحْمِ قَيْساً غِضابُها ) ( ولم تَحْمِها أيامَ قَتْلِ ابنِ حازمٍ ... وأيامَ قَتْلَى كانَ خِزْياً مُصابُها ) ( ولا يَوْمَ لاقينا نُميرًا فَقُتِّلَتْ ... نُمَيرٌ وفَرَّتْ كَعْبُها وكِلاَبُها ) ( وإن تَدْعُ قَيْساً لا تُجِبْكَ وَحَوْلَها ... خُيُولُ تميم سَعْدُها ورِبَابُها ) ( ولو أنّ قيساً قيسَ عَيْلان أَصْحرت ... لأنواء غَنْمٍ غَرَّقتها شِعابها ) ( ولو أنْ قَرْنَ الشمسِ كان لمعشرٍ ... لكان لنا إشراقُها واحتجابُها ) ( ولكنّها لله يَمْلك أمرَها ... بقُدْرته إصعادها وانصبابُها ) ( لَعَمْري لئن شابتْ حَلِيلةُ نَهْبَلٍ ... لبَئْسَ شبابُ المرءِ كان شبابُها ) ( ولم تدرِ حَمْراءُ العِجَانِ أَنَهْبَلٌ ... أبوهُ أم المُرِّيّ تَبَّ تَبَابُها ) فإن يك رَمَّاحُ بنُ ميَّادةَ التي ... يُصِنّ إذا باتتْ بأرضٍ ترابُها ) ( جَرَى جَرْيَ موهونِ القُوَى قَصَّرتْ به ... لئيمةُ أعراقٍ إليه انتسابُها ) ( فلن تَسْبق المضمارَ في كلّ مَوْطِنٍ ... من الخيل عندَ الِجِّد إلاّ عِرابُها ) ( وواللهِ لولا أنّ قَيْساً أذِلّةٌ ... لئامٌ فِلا يُرْضَى لًحٍّر سِبابُها ) ( لأَْلْحقتُها بالزَّنْج ثم رَمَيْتُها ... بشنعاءَ يُعْيي القائلين جَوَابُها ) ابن ميادة وابان بن سعيد أخبرني يحيى بن علي عن حماد عن أبيه قال وجدت في كتاب أبي عمرو الشيباني فعرضته على أبي داود فعرفه أو عامته قال أنا لجلوس على الهجم في ظل القصر عشية إذا أقبل إلينا ثلاثة نفر يقودون ناقة حتى جلسوا إلى أبان بن سعيد بن عيينة بن حصن وهو في جماعة من بني عيينة قال فرأيت أجلة ثلاثة ما رأيتهم قط فقلنا من القوم فقال أحدهم أنا ابن ميادة وهذان من عشيرتي فقال أبان لأحد بنيه اذهب بهذه الناقة فأطلق عنها عند بيت أمك فقال له ابن ميادة هذا يا أبا جعفر السعلاة أفلا أنشدك ما قلت فيها قال بلى فهات فقال ( قَعَدْتُ على السِّعلاة تَنقِضُ مِسْحَها ... وتُجْذَبُ مِثلَ الأَيْم في بُرة الصُّفْرِ ) ( تُيَمِّم خيَر الناس ماءً وحاضراً ... وتَحْمِلُ حاجاتٍ تضمنَّها صدري ) ( فإني على رَغْمِ الأعادي لقائلٌ ... وجَدْتُ خِيَارَ الناسِ حَيَّ بني بدرِ ) ( لهم حاضرٌ بالَهْجم لم أرَ مثلها ... من الناس حيًّا أهل بَدْوٍ ولا حَضْرِ ) ( وخيرُ مَعَدٍّ مجلساً مجلسٌ لهم ... يَفِيءُ عليه الظلُّ من جانب القَصْرِ ) ( أخُصُّ بها رَوْقَيْ عُيَينة إنه ... كذاك ضحاحُ الماء يأوِي إلى الغَمْرِ ) ( فأنتم أحقُّ الناس أن تتخيَّروا المياه ... وأن تَرْعَوْا ذُرَى البلد القَفْرِ ) قال فكان أول قائم من القوم ركضة بن علي بن عيينة وهو ابن عم أبان وعبدة بنت أبان وكانت إبله في العطن وهي أكرم نعم بني عيينة وأكثره قال ما سمعت كاليوم مديح قوم قط حكمك ماض في هذه الإبل ثم قام آخر فقال مثل ذلك وقام آخر وآخر فقال ابن ميادة يا بني عيينة إني لم آتكم لتتبارى لي شياطينكم في أموالكم إنما كان علي دين فأردت أن تعطوني أبكرا أبيعها في ديني فأقام عند أبان بن سعيد خمسة عشر يوما ثم راح بتسع عشرة ناقة فيها ناقة لابن أبان عشراء أو رباعية قال يحيى في خبره وقال يعقوب بن جعفر بن أبان بن سعيد بن عيينة إني على الهجم يوما إذ أقبل رجل فجعل يصرف راحلته في الحياض فيرده الرجل بعد الرجل فدعوته فقلت اشرع في هذا الحوض فلما شرع فسقى قال من هذا الفتى فقيل هذا جعفر بن أبان بن سعيد بن عيينة فقال ( بَنُو الصالحين الصالحون ومَن يكن ... لآباء سَوْءٍ يَلْقَهم حيثُ سَيَّرا ) ( فما العود إلا نابِتٌ في أَرُومه ... أبى شَجَرُ العِيدان أن يتغيّرا ) قال إسحاق سألت أبا داود عن قوله ( كذاك ضحاحُ الماءِ يَجْرِي إلى الغَمْرِ ... ) فقال أراد أن الأمر كله والسؤدد يصير إليه كما يصير الماء إلى الغمرة حين كانت ابن ميادة وأيوب بن سلمة أخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني قال أخبرني مصعب بن الزبير قال ضاف ابن ميادة أيوب بن سلمة فلم يقره وابن ميادة من أخوال أيوب بن سلمة فقال فيه ( ظَلِلْنا وُقُوفاً عند باب ابن أختنا ... وظَلّ عن المعروف والمجدِ في شُغْلِ ) ( صَفاً صَلَدٌ عند الندَى ونَعَامَةٌ ... إذا الحربُ أبدتْ عن نواجذها العُصْلِ ) قال أبو أيوب وأخبرني مصعب قال قدم ابن ميادة على رياح بن عثمان وقد ولى المدينة وهو جاد في طلب محمد بن عبد الله بن حسن وإبراهيم أخيه فقال له اتخذ حرسا وجندا من غطفان واترك هؤلاء العبيد الذين تعطيهم دراهمك وحذار من قريش فاستخف بقوله ولم يقبل رأيه فلما قتل رياح قال ابن ميادة ( أمرتكَ يا رِيَاحُ بأمر حَزْمٍ ... فقلتَ هَشِيمةٌ من أهل نجد ) ( وقلتُ له تحفَّظ من قُريشٍ ... ورَقِّع كل حاشيةٍ وبُردِ ) ( فوجداً ما وَجَدْتُ على رِيَاحٍ ... وما أغنيتُ شيئاً غَيرَ وَجْدِي ) النساء في شعره أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال حدثني أحمد بن إبراهيم ابن إسماعيل قال حدثني أكثم بن صيفي المري ثم الصاردي عن أبيه قال كان ابن ميادة رأى امرأة من بني جشم بن معاوية ثم من بني حرام يقال لها أم الوليد وكانوا ساروا عليه فأعجب بها وقال فيها ( ألاَ حَبَّذا أمُّ الوليدِ ومَرْبَعٌ ... لنا ولها نُشْتُو به ونَصِيفُ ) ويروى ( . . . . . . . . . . . . . . . . ومَرْبع ... لنا ولها بالمشتوى ومصيفُ ) ( حَرَامِيَّةٌ أمّا مَلاَثٌ إزارِها ... فَوَعْثٌ وأمّا خَصْرُها فلطيفُ ) ( كأنّ القُرُونَ السُّودَ فوقَ مَقَذِّها ... إذا زَالَ عنها بُرْقُعٌ ونَصِيفُ ) ( بها زَرَجُوناتٌ بقَفْرٍ تَنَسَّمت ... لها الريحُ حتى بينهنّ رَفِيفُ ) قال فلما سمع زوجها هذه الأبيات أتاها فحلف بطلاقها لئن وجد ابن ميادة عندها ليدقن فخذها ثم أعرض عنها واغترها حتى وجده يوما عند بيتها فدق فخذها واحتمل فرحل ورحل بها معه فقال ابن ميادة ( أتانا عامَ سار بنو كلابٍ ... حَرَاميّون ليسَ لهم حَرَامُ ) ( كأنّ بيوتهم شجرٌ صِغارٌ ... بِقِيعانٍ تَقِيلُ بها النَّعامُ ) ( حَرَاميّون لا يَقْرُون ضَيْفاً ... ولا يَدْرون ما خُلُقُ الكرامِ ) قال ثم سارت عليهم بعد ذلك بنو جعفر بن كلاب فأعجب بامرأة منهم يقال لها أم البختري وكان يتحدث إليها مدة مقامهم ثم ارتحلوا فقال فيها ( أرِقتُ لِبَرْقٍ لا يُفَتِّر لامعُهُ ... بشُهْب الرُّبَى والليلُ قد نام هاجعُهُ ) ( أرِقتُ له من بعد ما نام صُحْبَتي ... وأعجبني إيماضُه وتتابعُه ) ( يُضيءُ صبَيِراً من سَحابٍ كأَنّه ... هَجانٌ أرنَّتْ للحنين نوازعُهْ ) ( هَنِيئًا لأمّ البَخْتَرِيّ الرِّوَى به ... وإن أَنْهَجَ الحبلُ الذي النأْيُ قاطعُهْ ) ( لقد جَعَل المُسْتَبضِعُ الغشّ بيننا ... ليَصْرِمَ حَبْلينا تَجُوز بضائعُهْ ) ( فما سَرْحةٌ تَجْرِي الجداولُ تحتها ... بمطَّرد القِيعَانِ عَذْبٍ ينابِعُهْ ) ( بأحسنَ منها يومَ قالتْ بذي الغَضَا ... أَتَرْعَى جديدَ الحبلِ أمْ أنتَ قاطعُهْ ) أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال حدثني أحمد بن إبراهيم قال وذكر أبو الأشعث أن ابن ميادة خطب امرأة بني سلمى بن مالك بن جعفر ثم من بني البهثة وهم بطن يقال لهم البهثاء فأبوا أن يزوجوه وقالوا أنت هجين ونحن أشرف منك فقال ( فلو طاوعَتْني آلُ سَلْمَى بن مالكٍ ... لأعطيتُ مَهْراً من مَسَرَّةَ غاليَا ) ( وسِرْبٍ كسِرْبِ العِين من آل جَعْفرٍ ... يُغَادِينَ بالكُحْل العُيُونَ السواجيَا ) ( إذا ما هَبَطْنَ النِّيلَ أو كُنّ دونه ... بسَرْوِ الحِمَى ألْقَيْنَ ثَمّ المَرَاسِيَا ) مات في صدر خلافة المنصور قال أحمد بن إبراهيم مات ابن ميادة في صدر من خلافة المنصور وقد كان مدحه ثم لم يفد إليه ولا مدحه لما بلغه من قلة رغبته في مدائح الشعراء وقلة ثوابه لهم أخبار حنين الحيري ونسبه حنين بن بلوع الحيري مختلف في نسبه فقيل إنه من العباديين من تميم وقيل إنه من بني الحارث بن كعب وقيل إنه من قوم بقوا من جديس وطسم فنزلوا في بني الحارث بن كعب فعدوا فيهم ويكنى أبا كعب وكان شاعرا مغنيا فحلا من فحول المغنين وله صنعة فاضلة متقدم وكان يسكن الحيرة ويكري الجمال إلى الشأم وغيرها وكان نصرانيا وهو القائل يصف الحيرة ومنزله بها صوت ( أنا حُنَينٌ ومَنْزلي النَّجَفُ ... وما نَدِيمي إلاّ الفَتَى القَصِفُ ) ( أَقْرَعُ بالكأس ثَغْرَ باطيةِ ... مُتْرَعَةٍ تارةً وأَغترفُ ) ( من قهوة باكَرَ التِّجَارُ بها ... بيتَ يَهُوٍد قرارُها الخَزَفُ ) ( والعيشُ غَضٌّ ومنزلي خَصِبٌ ... لم تَغْذُني شِقْوَةٌ ولا عُنُفُ ) الغناء والشعر لحنين ولحنه خفيف رمل بالبنصر وفيه لابن المكي خفيف ثقيل قديم ولعريب فيه خفيف ثقيل آخر عن الهشامي غناء حنين وبعض من أوصافه أخبرنا وكيع قال قال حماد حدثني أبي عن أبي الخطاب قال وحدثني ابن كناسة عن سليمان بن داود مولى ليحيى وأخبرني بهذا الخبر الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن قعنب بن المحرز الباهلي عن المدائني قالوا جميعا حج هشام بن عبد الملك وعديله الأبرش الكلبي فوقف له حنين بظهر الكوفة ومعه عوده وزامر له وعليه قلنسية طويلة فلما مر به هشام عرض له فقال من هذا فقيل حنين فأمر به فحمل في محمل على جمل وعديله زامره وسير به أمامه وهو يتغنى صوت ( أَمِنْ سَلْمَى بِظَهْر الكوفَةِ ... الآياتُ والطَّلَلُ ) ( يلوحُ كما تلوحُ على ... جفون الصَّيقلِ الخِلَلُ ) الصنعة في هذا الصوت لحنين ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو وفيه خفيف ثقيل ينسب إلى حنين أيضا وإلى غيره قال فأمر له هشام بمائتي دينار وللزامر بمائة وذكر إسحاق في خبره عن أبيه الخطاب أنه غنى هشاما صوت ( صاحِ هل أبصرتَ بالخَبْتيْن ... من أسماءَ نَارَا ) ( مَوهِناً شَبَّت لعينيكَ ... ولم تُوقَدْ نهارَا ) ( كَتَلاَلي البَرْقِ في المُزْن ... ِ إذا البَرْقُ اسْتَطَارَا ) ( أذكَرْتني الوصلَ من سُعْدَى ... وأيّاماً قِصَارَا ) الشعر للأحوص والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ونسبه ابن المكي إلى الغريض وقال يونس فيه لحنان لمالك ولم يجنسهما وقال الهشامي فيه لمالك خفيف رمل قال فلم يزل هشام يستفيده حتى نزل من النجف فأمر له بمائتي دينار وقال إسحاق قيل لحنين أنت تغني منذخمسين سنة ما تركت لكريم مالا ولا دارا ولا عقاراإلا أتيت عليه فقال بأبي أنتم إنما هي أنفاسي أقسمها بين الناس أفتلومونني أن أغلي بها الثمن وأخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه ومصعب بن الزبير عن بعض المكيين وأخرني به الحرمي بن أبي العلاء وحبيب بن نصر قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب قال حدثني شيخ من المكيين يقال له شريس قال إنا لبالأبطح أيام الموسم نشتري ونبيع إذ أقبل شيخ أبيض الرأس واللحية على بغلة شهباء ما ندري أهو أشد بياضا أم بغلته أم ثيابه فقال أين بيت أبي موسى فأشرنا له إلى الحائط فمضى حتى انتهى إلى الظل من بيت أبي موسى ثم استقبلنا ببغلته ووجهه ثم اندفع يغني صوت ( أَسْعِدِيني بدمعةٍ أَسْرابِ ... من دموعٍ كثيرة التَّسْكابِ ) ( إنّ أهل الِحَصاب قد تركوني ... مُغْرَماً مُولَعاً بأهل الحِصابِ ) ( فارقوني وقد علمتُ يقيناً ... ما لِمَنْ ذاق مِيتةً من إيابِ ) ( سكنوا الجِزْعَ جزعَ بيْت أبي موسى ... إلى النخل من صُفِيّ السِّبابِ ) ( كم بذاكَ الحَجُون من حَيّ صِدْق ... وكهولٍ أعفَّةٍ وشبابِ ) ( أهلُ بيتٍ تتايعُوا للمنايا ... ما عَلَى الموت بعدَهُم من عِتابِ ) ( فليَ الوَيلُ بعدَهم وعليهم ... صِرتُ فردًا ومَلّني أصحابِي ) الشعر لكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي والغناء لمعبد ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى وفيه لابن أبي دباكل الخزاعي ثاني ثقيل بالوسطى عن ابن خرداذبه قال ثم صرف الرجل بغلته وذهب فتبعناه حتى أدركناه فسألناه من هو فقال أنا حنين بن بلوع وأنا رجل جمال أكري الإبل ثم مضى أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على أبي عن المدائني قال كان حنين غلاما يحمل الفاكهة بالحيرة وكان لطيفا في عمل التحيات فكان إذا حمل الرياحين إلى بيوت الفتيان ومياسير أهل الكوفة وأصحاب القيان والمتطربين إلى الحيرة ورأوا رشاقته وحسن قده وحلاوته وخفة روحه استحلوه وأقام عندهم وخف لهم فكان يسمع الغناء ويشتهيه ويصغي إليه ويستمعه ويطيل الإصغاء إليه فلا يكاد ينتفع به في شيء إذا سمعه حتى شدا منه أصواتا فأسمعها الناس وكان مطبوعا حسن الصوت واشتهوا غناءه والاستماع منه وعشرته وشهر بالغناء ومهر فيه وبلغ منه مبلغا كبيرا ثم رحل إلى عمر بن داود الوادي وإلى حكم الوادي وأخذ منهما وغنى لنفسه في أشعار الناس فأجاد الصنعة وأحكمها ولم يكن بالعراق غيره فاستولى عليه في عصره وقدم ابن محرز حينئذ إلى الكوفة فبلغ خبره حنينا وقد كان يعرفه فخشي أن يعرفه الناس فيستحلوه ويستولي على البلد فيسقط هو فقال له كم منتك نفسك من العراق قال ألف دينار قال فهذه خمسمائة دينار عاجلة فخذها وانصرف واحلف لي أنك لا تعود إلى العراق فأخذها وانصرف أخبرني عمي وعيسى بن الحسين قالا حدثنا أبو أيوب المدائني عن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل قال كان ابن محرز قدم الكوفة وبها بشر بن مروان وقد بلغه أنه يشرب الشراب ويسمع الغناء فصادفه وقد خرج إلى البصرة بلغ خبره حنين بن بلوع فتلطف له حتى دعاه فغناه ابن محرز لحنه قال أحمد بن إبراهيم وهو من الثقيل الثاني من جيد الأغاني صوت ( وَحُرُّ الزَّبَرْجَدِ في نَظْمِهِ ... على وَاضِح اللِّيتِ زَانَ العُقُودَا ) ( يُفَصِّلُ ياقوتُهُ دُرَّهُ ... وكالجَمْرِ أَبْصَرْتَ فيهِ الفَرِيدَا ) قال فسمع شيئا هاله وحيره فقال له حنين كم منتك نفسك من العراق قال ألف دينار فقال هذه خمسمائة دينار حاصلة عاجلة ونفقتك في عودتك وبدأتك ودع العراق لي وامض مصاحبا حيث شئت قال وكان ابن محرز صغير الهمة لا يحب عشرة الملوك ولا يؤثر على الخلوة شيئا فأخذها وانصرف حنين يغني في حمص متكسبا وقال حماد في خبره قال أبي حدثني بعض أهل العلم بالغناء عن حنين قال خرجت إلى حمص ألتمس الكسب بها وأرتاد من أستفيد منه شيئا فسألت عن الفتيان بها وأين يجتمعون فقيل لي عليك بالحمامات فإنهم يجتمعون بها إذا أصبحوا فجئت إلى أحدها فدخلته فإذا فيه جماعة منهم فأنست وانبسطت وأخبرتهم أني غريب ثم خرجوا وخرجت معهم فذهبوا بي إلى منزل أحدهم فلما قعدنا أتينا بالطعام فأكلنا وأتينا بالشراب فشربنا فقلت لهم هل لكم في مغن يغنيكم قالوا ومن لنا بذلك قلت أنا لكم به هاتوا عودا فأتيت به فابتدأت في هنيات أبي عباد معبد فكأنما غنيت للحيطان لا فكهوا لغنائي ولا سوا به فقلت ثقل عليهم غناء معبد بكثرة عمله وشدته وصعوبة مذهبه فأخذت في غناء الغريض فإذا هو عندهم كلا شيء وغنيت خفائف ابن سريج وأهزاج حكم والأغاني التي لي واجتهدت في أن يفهموا فلم يتحرك من القوم أحد وجعلوا يقولون ليت أبا منبه قد جاءنا فقلت في نفسي أرى أني سأفتضح اليوم بأبي منبه فضيحة لم يفتضح أحد قط مثلها فبينا نحن كذلك إذ جاء أبو منبه وإذا هو شيخ عليه خفان أحمران كأنه جمال فوثبوا جميعا إليه وسلموا عليه وقالوا يا أبا منبه أبطأت علينا وقدموا له الطعام وسقوه أقداحا وخنست أنا حتى صرت كلا شيء خوفا منه فأخذ العود ثم اندفع يغني ( طَرِبَ البحر فاعبُرِي يا سفينهْ ... لا تَشُقِّي على رجالِ المدينهْ ) فأقبل القوم يصفقون ويطربون ثم أخذ في نحو هذا من الغناء فقلت في نفسي أنتم هاهنا لئن أصبحت سالما لا أمسيت في هذه البلدة فلما أصبحت شددت رحلي على ناقتي واحتقبت ركوة من شراب ورحلت متوجها إلى الحيرة وقلت ( ليت شعري متى تَخُبّ بَي الناقةُ ... بين السَّدِير والصِّنَّيْنِ ) ( مُحْقِباً رَكُوَةً وخُبْزَ رُقَاقٍ ... وبُقُولا وقطعةً من نُونِ ) ( لستُ أبغِي زاداً سواها من الشام ... وحسبي عُلالةٌ تَكْفيني ) ( فإذا أُبْتُ سالماً قلت سُحْقاً ... وبِعَاداً لمعشرٍ فارقوني ) أخبرني محمد بن مزيد والحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه وأخبرنا به وكيع في عقب أخبار رواها عن حماد بن إسحاق عن أبيه فقال وقال لي إسحاق فلا أدري أأدرج الإسناد وهو سماعه أم ذكره مرسلا قال إسحاق وذكر ابن كناسة أن خالد بن عبد الله القسري حرم الغناء بالعراق في أيامه ثم أذن للناس يوما في الدخول عليه عامة فدخل أليه حنين ومعه عود تحت ثيابه فقال أصلح الله الأمير كانت لي صناعة أعود بها على عيالي فحرمها الأمير فأضر ذلك بي وبهم فقال وما صناعتك فكشف عن عوده وقال هذا فقال له خالد عن فحرك أوتاره وغنى صوت ( أيها الشامتُ المُعَيِّر بالدهرِ ... أأنت المُبَرَّأُ الموفورُ ) ( أم لديك العهدُ الوثيقُ من الأيَّامِ ... بل أنت جاهلٌ مغرورُ ) ( مَنْ رأيتَ المنونَ خَلَّدن أم مَنْ ... ذا عليه من أن يُضَامَ خَفيِرُ ) قال فبكى خالد وقال قد أذنت لك وحدك خاصة فلا تجالسن سفيها ولا معربدا فكان إذا دعي قال أفيكم سفيه أو معربد فإذا قيل له لا دخل شعر هذا الصوت المذكور لعدي بن زيد والغناء لحنين رمل بالوسطى عن عمرو وقوله المبرأ يعني المبرأ من المصائب الموفور الذي لم يذهب من ماله ولا من حاله شيء يقال وفر الرجل يوفر ولديك بمعنى عندك هاهنا حنين يغني بشر بن مروان أخبرني أبو صالح محمد بن عبد الواحد الصحاف الكوفي قال حدثنا قعنب ابن المحرز الباهلي قال أخبرنا الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش وعن مجالد عن الشعبي جميعا وأخبرني محمد بن مزيد وحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش عن الشعبي قال لما ولي بشر بن مروان الكوفة كنت على مظالمه فأتيته عشية وحاجبه أعين صاحب حمام أعين جالس فقلت له استأذن لي على الأمير فقال لي يا أبا عمرو هو على حال ما أظنك تصل إليه معها فقلت أعلمه وخلاك ذم فقد حدث أمر لا بد لي من إنهائه إليه وكان لا يجلس بالعشي فقال لا ولكن اكتب حاجتك في رقعة حتى أوصلها إليه فكتبت رقعة فما لبث أن خرج التوقيع على ظهرها ليس الشعبي ممن يحتشم منه فأذن له فأذن لي فقال ادخل فدخلت فإذا بشر بن مروان عليه غلالة رقيقة صفراء وملاءة تقوم قياما من شدة الصقال وعلى رأسه إكليل من ريحان وعلى يمينه عكرمة بن ربعي وعلى يساره خالد بن عتاب بن ورقاء وإذا بين يديه حنين بن بلوع معه عوده فسلمت فرد علي السلام ورحب وقرب ثم قال يا أبا عمرو لو كان غيرك لم آذن له على هذه الحال فقلت أصلح الله الأمير عندي لك الستر لكل ما أرى منك والدخول معك فيما لا يجمل والشكر على ما توليني فقال كذاك الظن بك ثم التفت إلى حنين وعوده في حجره وعليه قباء خشك شوي وقال إسحاق خشكون ومستقة حمراء وخفان مكعبان فسلم علي فقلت له كيف أنت أبا كعب فقال بخير أبا عمرو فقلت احزق الزير وارخ البم ففعل وضرب فأجاد فقال بشر لأصحابه تلومونني على أن آذن له في كل حال ثم أقبل علي فقال أبا عمرو من أين وقع لك حزق الزير فقلت ظننت أن الأمر هناك فقال فإن الأمر كما ظننت هناك كله ثم قال فمن أين تعرف حنينا فقلت هذا بطة أعراسنا فكيف لا أعرفه فضحك وغنى حنين فأجاد فطرب وأمر له بجائزة ثم ودعته وقمت بعد أن ذكرت له ما جئت فيه فأمر لي بعشرة آلاف درهم وعشرة أثواب فقمت مع الخادم حتى قبضت ذلك منه وانصرفت وقد وجدت هذا الخبر بخط أبي سعيد السكري يأثره عن محمد بن عثمان المخزومي عن أبيه عن جده أنه كان عند بشر بن مروان يوم دخل عليه الشعبي هذا المدخل وأن حنين بن بلوع غناه ( هُمُ كتموني سَيْرَهمْ حين أزمَعُوا ... وقالوا اتّعدنا للرَّوَاح وبَكَّرُوا ) وهذا القول خطأ قبيح لأن هذا الشعر للعباس بن الأحنف والغناء لعلويه رمل بالوسطى وغني للمأمون فيه فقال سخروا من أبي الفضل أعزه الله بعض من اوصاف الحيرة أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد بن إسحاق قرأت على أبي وقال أبو عبيد الله الكاتب حدثني سليمان بن بشر بن عبد الملك بن بشر بن مروان قال وكان بعض ولاة الكوفة يذم الحيرة في أيام بني أمية فقال له رجل من أهلها وكان عاقلا ظريفا أتعيب بلدة بها يضرب المثل في الجاهلية والإسلام قال وبماذا تمدح قال بصحة هوائها وطيب مائها ونزهة ظاهرها تصلح للخف والظلف سهل وجبل وبادية وبستان وبر وبحر محل الملوك ومزارهم ومسكنهم ومثواهم وقد قدمتها أصلحك الله مخفا فرجعت مثقلا ووردتها مقلا فأصارتك مكثرا قال فكيف نعرف ما وصفتها به من الفضل قال بأن تصير إلي ثم ادع ما شئت من لذات العيش فوالله لا أجوز بك الحيرة فيه قال فاصنع لنا صنيعا واخرج من قولك قال أفعل فصنع لهم طعاما وأطعمهم من خبزها وسمكها وما صيد من وحشها من ظباء ونعام وأرانب وحبارى وسقاهم ماؤها في قلالها وخمرها في آنيتها وأجلسهم على رقمها وكان يتخذ بها من الفرش أشياء ظريفة ولم يستخدم لهم حرا ولا عبدا إلا من مولديها ومولداتها من خدم ووصائف ووصفاء كأنهم اللؤلؤ لغتهم لغة أهلها ثم غناهم حنين وأصحابه في شعر عدي بن زيد شاعرهم وأعشى همدان لم يتجاوزهما وحياهم برياحينها ونقلهم على خمرها وقد شربوا بفواكهها ثم قال له هل رأيتني استعنت على شيء مما رأيت وأكلت وشربت وافترشت وشممت وسمعت بغير ما في الحيرة قال لا والله ولقد أحسنت صفة بلدك ونصرته فأحسنت نصرته والخروج مما تضمنته فبارك الله لكم في بلدكم قال إسحاق ولم يكن بالحيرة مذكور في الغناء سوى حنين إلا نفرا من السدريين يقال لهم عباديس وزيد بن الطليس وزيد بن كعب ومالك بن حممة وكانوا يغنون غناء الحيرة بين الهزج والنصب وهو إلى النصب أقرب ولم يدون منه شيء لسقوطه وأنه ليس من أغاني الفحول وما سمعنا نحن لأحد من هؤلاء خبرا إلا لمالك بن حممة أخبرني به عمي عن عبد الله بن أبي سعد وقال وكيع في خبره عن إسحاق حدثني أبو بشر الفزاري قال حدثني بشر بن الحسين بن سليمان بن سمرة بن جندب قال عاش حنين بن بلوع مائة سنة وسبع سنين وكان يقال إنه من جديس قال وقيل أيضا إنه من لخم وكان هو يزعم أنه عبادي وأخواله من بني الحارث بن كعب أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلاني قال حدثنا يوسف بن إبراهيم قلا حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي قال كنت مع الرشيد في السنة التي نزل فيها على عون العبادي فأتاني عون بابن ابن حنين بن بلوع وهو شيخ فغناني عدة أصوات لجده فما استحسنتها لأن الشيخ كان مشوه الخلق طن الغناء قليل الحلاوة إلا أنه كان لا يفارق عمود الصوت أبدا حتى يفرغ منه فغناني صوت ابن سريج ( فَتَرَكْتُهُ جَزَرَ السِّباعِ يَنُشْنَهُ ... ما بينَ قُلّةِ رأسِه والمِعْصَمِ ) فما أذكر أني سمعته من أحد قط أحسن مما سمعته منه فقلت له لقد أحسنت في هذا الصوت وما هو من أغاني جدك ولا من أغاني بلدك وإني لأعجب من ذلك فقال لي الشيخ والصليب والقربان ما صنع هذا الصوت إلا في منزلنا وفي سرداب لجدي ولقد كاد أن يأتي على نفس عمتي فسألته عن الخبر في ذلك فقال حنين في ضيافة ابن سريج حدثني أبي أن عبيد بن سريج قدم الحيرة ومعه ثلثمائة دينار فأتى بها منزلنا في ولاية بشر بن مروان الكوفة وقال أنا رجل من أهل الحجاز من أهل مكة بلغني طيب الحيرة وجودة خمرها وحسن غنائك في هذا الشعر ( حَنَتْني حانياتُ الدهر حتّى ... كأنِّي خاتلٌ يَدْنُو لصَيْدِ ) ( قريبُ الخَطْو يَحْسَبُ مَنْ رآني ... ولستُ مُقَيَّداً أَنِّي بِقَيْدِ ) فخرجت بهده الدنانير لأنفقها معك وعندك ونتعاشر حتى تنفد وأنصرف إلى منزلي فسأله جدي عن اسمه ونسبه فغيرهما وانتمى إلى بني مخزوم فأخذ جدي المال منه وقال موفر مالك عليك ولك عندنا كل ما يحتاج إليه مثلك ما نشطت للمقام عندنا فإذا دعتك نفسك إلى بلدك جهزناك إليه ورددنا عليك مالك وأخلفنا ما أنفقته عليك إلى أن جئتنا وأسكنه دارا كان ينفرد فيها فمكث عندنا شهرين لا يعلم جدي ولا أحد من أهلنا أنه يغني حتى انصرف جدي من دار بشر ابن مروان في يوم صائف مع قيام الظهيرة فصار إلى باب الدار التي كان أنزل ابن سريج فيها فوجده مغلقا فارتاب بذلك ودق الباب فلم يفتح له ولم يجبه أحد فصار إلى منازل الحرم فلم يجد فيها ابنته ولا جواريه ورأى ما بين الدار التي فيها الحرم ودار ابن سريج مفتوحا فانتضى سيفه ودخل الدار ليقتل ابنته فلما دخلها رأى ابنته وجواريه وقوفا على باب السرداب وهن يومئن إليه بالسكوت وتخفيف الوطء فلم يلتفت إلى إشارتهن لما تداخله إلى أن سمع ترنم ابن سريج بهذا الصوت فألقى السيف من يده وصاح به وقد عرفه من غير أن يكون رآه ولكن بالنعت والحذق أبا يحيى جعلت فداءك أتيتنا بثلثمائة دينار لتنفقها عندنا في حيرتنا فوحق المسيح لا خرجت منها إلا ومعك ثلثمائة دينار وثلثمائة دينار وثلثمائة دينار سوى ما جئت به معك ثم دخل إليه فعانقه ورحب به ولقيه بخلاف ما كان يلقاه به وسأله عن هذا الصوت فأخبره أنه صاغه في ذلك الوقت فصار معه إلى بشر بن مروان فوصله بعشرة آلاف درهم أول مرة ثم وصله بعد ذلك بمثلها فلما أراد الخروج رد عليه جدي ماله وجهزه ووصله بمقدار نفقته التي أنفقها من مكة إلى الحيرة ورجع ابن سريج إلى أهله وقد أخذ جميع من كان في دارنا منه هذا الصوت غنى للناس فمات بسبب الازدحام أخبرني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني حسان بن محمد الحارثي قال حدثنا عبد الله قال حدثنا عبيد بن حنين الحيري قال كان المغنون في عصر جدي أربعة نفر ثلاثة بالحجاز وهو وحده بالعراق والذين بالحجاز ابن سريج والغريض ومعبد فكان يبلغهم أن جدي حنينا قد غنى في هذا الشعر ( هَلاَّ بكَيْت على الشباب الذاهبِ ... وكَفَفْتَ عن ذَمِّ المَشِيبِ الآئبِ ) ( هذا ورُبَّ مُسَوِّفِينَ سَقَيْتُهُمْ ... من خمر بابلَ لذّةً للشارِبِ ) ( بَكَرُوا عَلَيَّ بسُحْرَةٍ فَصَبَحْتُهم ... من ذات كُوبٍ مثل قَعْبِ الحالِبِ ) ( بزجاجةٍ ملْءِ اليَدَيْن كأنّها ... قِنْديلُ فِصْح في كَنِيسة راهِبِ ) قال فاجتمعوا فتذاكروا أمر جدي وقالوا ما في الدنيا أهل صناعة شر منا لنا أخ بالعراق ونحن بالحجاز لا نزوره ولا نستزيره فكتبوا إليه ووجهوا إليه نفقة وكتبوا يقولون نحن ثلاثة وأنت وحدك فأنت أولى بزيارتنا فشخص إليهم فلما كان على مرحلة من المدينة بلغهم خبره فخرجوا يتلقونه فلم ير يوم كان أكثر حشرا ولا جمعا من يومئذ ودخلوا فلما صاروا في بعض الطريق قال له معبد صيروا إلي فقال له ابن سريج إن كان لك من الشرف والمروءة مثل ما لمولاتي سكينة بنت الحسين عطفنا إليك فقال مالي من ذلك شيء وعدلوا إلى منزل سكينة فلما دخلوا إليها أذنت للناس إذنا عاما فغصت الدار بهم وصعدوا فوق السطح وأمرت لهم بالأطعمة فأكلوا منها ثم إنهم سألوا جدي حنينا أن يغنيهم صوته الذي أوله ( هَلاَّ بكيتَ على الشباب الذاهبِ ... ) فغناهم إياه بعد أن قال لهم ابدأوا أنتم فقالوا ما كنا لنتقدمك ولا نغني قبلك حتى نسمع هذا الصوت فغناهم إياه وكان من أحسن الناس صوتا فازدحم الناس على السطح وكثروا ليسمعوه فسقط الرواق على من تحته فسلموا جميعا وأخرجوا أصحاء ومات حنين تحت الهدم فقالت سكينة عليها السلام لقد كدر علينا حنين سرورنا انتظرناه مدة طويلة كأنا والله كنا نسوقه إلى منيته نسبة ما في الخبر الأول من الغناء صوت ( فَتَرَكْتُهُ جَزَرَ السِّباعِ يَنُشْنَهُ ... ما بينَ قُلّةِ رأسِه والمِعْصَمِ ) ( إن تُغْدِفي دُونِي القِنَاعَ فإنّني ... طَبٌّ بأخذ الفارِس المُسْتَلْئِم ) الشعر لعنترة بن شداد العبسي والعناء فيه لحنين ثاني ثقيل ومنها صوت ( حَنَتْني حانياتُ الدهر حتّى ... كأنِّي خاتلٌ يَدْنُو لصَيْدِ ) ( قريبُ الخَطْو يَحْسَبُ مَنْ رآني ... ولستُ مُقَيَّداً أَنِّي بِقَيْدِ ) الغناء لحنين الحيري ثقيل أول وفيه لإبراهيم الموصلي ماخوري جميعا عن ابن المكي ووافقه عمرو بن بانة في لحن إبراهيم الموصلي ونسبة الشعر الذي غناه حنين في منزل سكينة عليها السلام يقال إنه لعدي بن زيد وقيل إن بعضه له وقد أضافه المغنون إليه ولحنه خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق صوت من المائة المختارة ( رَاعَ الفؤادَ تَفَرُّقُ الأحبابِ ... يَومَ الرحيل فهاجَ لي أَطْرابي ) ( فَظَلِلتُ مكتئباً أَكَفْكِفُ عَبْرةً ... سَحَاً تَفِيضُ كواشلِ الأسراب ) ( لمّا تَنَادَوْا للرحيل وقَرَّبوا ... بُزْلَ الجِمَال لِطِيَّةٍ وذَهَابِ ) كاد الأَسى يَقْضي عليك صبابةً ... والوجهُ منك لِبَيْنِ إِلفك كَابِي ) عروضه من الكامل والشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء للغريض ولحنه المختار من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وقال حبش وفيه لأبي كامل ثاني ثقيل بالوسطى وذكر حبش أنّ للغريض أيضاً فيه خفيفَ ثقيل بالوُسْطى ولمالك ثقيلٌ أوّل بالوسطى وهذه الأبيات قالها عمر ابن أبي ربيعة في بنت لعبد الملك بن مروان كانت حجت في خلافته عمر بن أبي ربيعة وقصته مع بنت عبد الملك أخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال أخبرني أبو هفان عن إسحاق بن إبراهيم عن الزبيري والمدائني ومحمد بن سلام والمسّيبيّ أن بنتا لعبد الملك بن مروان حجت فكتب الحجاج إلى عمر بن أبي ربيعة يتوعده إن ذكرها في شعره بكل مكروه وكانت تحب أن يقول فيها شيئا وتتعرض لذلك فلم يفعل خوفا من الحجاج فلما قضت حجها خرجت فمر بها رجل فقالت له من أين أنت قال من أهل مكة قالت عليك وعلى أهل بلدك لعنة الله قال ولم ذاك قالت حججت فدخلت مكة ومعي من الجواري ما لم تر الأعين مثلهن فلم يستطع ابن أبي ربيعة أن يزودنا من شعره أبياتا نلهو بها في الطريق في سفرنا قال فإني لا أراه إلا قد فعل قالت فأتنا بشيء إن كان قاله ولك بكل بيت عشرة دنانير فمضى إليه فأخبره فقال لقد فعلت ولكن أحب أن تكتم علي قال أفعل فأنشده ( رَاعَ الفؤادَ تَفَرُّقُ الأحبابِ ... يَومَ الرحيل فهاجَ لي أَطْرابي ) وهي طويلة وأنشده ( هَاجَ قلبي تَذَكُّرُ الأحبابِ ... واعترتْني نوائبُ الأطرابِ ) وهي طويلة أيضاً يقول فيها ( أُقْتُلِينِي قَتْلاً سريعاً مُريحاً ... لا تكوني عليّ سَوْطَ عَذَابِ ) ( شَفَّ عنها مُحَقَّق جَنَدِيٌّ ... فهي كالشمس من خلال سَحَابِ ) ذكر حبش أن في هذه الثلاثة الأبيات للهذلي ثاني ثقيل بالبنصر قال فعاد إليها الرجل فأنشدها هاتين القصيدتين فدفعت إليه ما وعدته به ذكر الغريض وأخباره الغريض لقب لقب به لأنه كان طري الوجه نضرا غض الشباب حَسنَ المنظر فلقب بذلك والفريض الطري من كل شيء وقال ابن الكلبي شبه بالإغريض وهو الجمار فسمي به وثقل ذلك على الألسنة فحذفت الألف منه فقيل له الغريض واسمه عبد الملك وكنيته أبو يزيد وأخبرنا إسماعيل بن يونس الشيعى عن عمر بن شبة عن أبي غسان عن جماعة من المكيين أنه كان يكنى أبا مروان وهو مولى العبلات وكان مولدا من مولدي البربر وولاؤه وولاء يحيى قيل وسمية للثريا صاحبة عمر بن أبي ربيعة وأخواتها الرضيا وقريبة وأم عثمان بنات علي بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر وقد مضت أخبارهن في صدر الكتاب أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني محمد بن نصر الضبعي قال حدثني عبد الكريم بن أبي معاوية العلابي عن هشام بن الكلبي عن أبيه وعن أبي مسكين وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان محمد بن يحيى وأخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن أبي الأزهر حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الزبيري والمدائني ومحمد بن سلام وقد جمعت رواياتهم في قصة الغريض قالوا الغريض يتعلم النوح وينوح في المآتم كان الغريض يضرب بالعود وينقر بالدف ويوقع بالقضيب وكان جميلا وضيئا وكان يصنع نفسه ويبرقها وكان قبل أن يغني خياطا وأخذ الغناء في أول أمره عن ابن سريج لأنه كان يخدمه فلما رأى ابن سريج طبعه وظرفه وحلاوة منطقه خشي أن يأخذ غناءه فيغلبه عليه عند الناس ويفوقه بحسن وجهه وجسده فاعتل عليه وشكاه إلى مولياته وهن كن دفعنه إليه ليعلمه الغناء وجعل يتجنى عليه ثم طرده فشكا ذلك إلى مولياته وعرفهن غرض ابن سريج في تنحيته إياه عن نفسه وأنه حسده على تقدمه فقلن له هل لك في أن تسمع نوحنا في قبلانا فتأخذه وتغني عليه قال نعم فافعلن فأسمعنه المراثي فاحتذاها وخرج غناء عليها كالمراثي وكان ينوح مع ذلك فيدخل المآتم وتُضْرَب دونَه الحُجُب ثم يَنُوح فيفتن كل من سمعه ولما كثر غناؤه اشتهاه الناس وعدلوا إليه لما كان فيه من الشجا فكان ابن سريج لا يغني صوتا إلا عارضه الغريض فيه لحنا آخر فلما رأى ابن سريج موقع الغريض اشتد عليه وحسده فغنى الأرمال والأهزاج فاشتهاها الناس فقال له الغريض يا أبا يحيى قصرت الغناء وحذفته قال نعم يا مخنث حين جعلت تنوح على أمك وأبيك قال إسحاق وحدثني أبو عبيدة قال لما غضب ابن سريج على الغريض فأقصاه وهجره لحق بحوراء وبغوم جاريتين نائحتين كانتا في شعب ابن عامر بمكة ولم يكن قبلهما ولا بعدهما مثلهما فرأتاه يوما يعصر عينيه ويبكي فقالتا له مالك تبكي فذكر لهما ما صنع به ابن سريج فقالتا له لا أرقأ الله دمعك ألزز رأسك بين ما أخذته عنه وبين ما تأخذه منا فإن ضعت بعدها فأبعدك الله الغريض من الأربعة المشهورين في الفناء قال إسحاق وحدثني أبو عبد الله الزبيري قال رأيت جريرا في مجلس من مجالس قريش فسمعته يقول كان المغنون بمكة أربعة فسيد مبرز وتابع مسدد فسألناه عن ذاك فقال كان السيد أبو يحيى بن سريج والتابع أبو يزيد الغريض وكان هناك رجل عالم بالصناعة فقال كان الغريض أحذق أهل زمانه بمكة بالغناء بعد ابن سريج وما زال أصحابنا لا يفرقون بينهما لمقاربتهما في الغناء قال الزبيري وقال بعض أهلي لو حكمت بين أبي يحيى وأبي يزيد لما فرقت بينهما وإنما تفضيلي أبا يحيى بالسبق فأما غير ذلك فلا لأن أبا يزيد عنه أخذ ومن بحره اغترف وفي ميدانه جرى فكان كأنه هو ولذلك قالت سكينة لما غنى الغريض وابن سريج ( عُوجِي علينا رَبّة الهودَج ... ) والله ما أفرق بينكما وما مثلكما عندي إلا كمثل اللؤلؤ والياقوت في أعناق الجواري الحسان لا يدري أي ذلك أحسن قال إسحاق وسمعت جماعة من البصراء عند أبي يتذاكرونهما فأجمعوا على أن الغريض أشجى غناء وأن ابن سريج أحكم صنعة قال إسحاق وحدثني أبو عبد الله الزبيري قال حدثني بعض أهلي قال حججنا فلما كنا بجمع سمعنا صوتا لم نسمع أحسن منه ولا أشجى فأصغى الناس كلهم إليه تعجبا من حسنه فسألت من هذا الرجل فقيل لي الغريض فتتابع جماعة من أهل مكة فقالوا ما نعرف اليوم أحدا أحسن غناء من الغريض ويدلك على ذلك أنه يعترض بصوته الحاج وهم في حجهم فيصغون إليه فسألوا الغريض عن ذلك فقال نعم فسألوه أن يغنيهم فأجابهم وخرج فوقف حيث لا يرى ويسمع صوته فترنم ورجع صوته وغنى في شعر عمر بن أبي ربيعة ( أيُّها الرائحُ المُجِدّ ابتِكَارَا ... قد قَضَى مِن تِهَامَةَ الأَوْطَارَ ) فما سمع السامعون شيئا كان أحسن من ذلك الصوت وتكلم الناس فقالوا طائفة من الجن حجاج نسبة هذا الصوت صوت ( أيُّها الرائحُ المُجِدّ ابتِكَارَا ... قد قَضَى مِن تِهَامَةَ الأَوْطَارَ ) ( مَنْ يكنْ قلبُه الغَدَاة خَلِيًّا ... ففؤادي بالخَيْفِ أَمْسَى مُعَارَا ) ( ليت ذا الحجّ كان حَتْماً علينا ... كلَّ شهريْن حِجَّةً واعتِمارَا ) عروضه من الخفيف الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن محرز ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الثاني بالخنصر في مجرى الوسطى وفيه لحن للغريض من رواية حماد عن أبيه أمير مكة ينفي الغريض أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وإسماعيل بن يونس قالا حدثنا عمد ابن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال بلغني أن معبدا وابن سريج والغريض اجتمعوا بمكة ذات ليلة فقالوا هلم نبك أهل مكة ووجدت هذا الخبر بغير إسناد مرويا عن يونس الكاتب أن أميرا من أمراء مكة أمر بإخراج المغنين من الحرم فلما كان في الليلة التي عزم بهم على النفي في غدها اجتمعوا على أبي قبيس وكان معبد قد زارهم فبدأ معبد فغنى كذا روي عن يونس ولم يذكره الباقون صوت ( أَتِرْبَيَّ مِن أَعْلَى مَعَدّ هُدِيتُمَا ... أجِدّا البُكَا إنّ التفرُّقَ باكِرُ ) ( فما مكُثْناُ دام الجَمِيلُ عليكما ... بِثَهْلان إلاّ أنْ تُزَمّ الأباعِرُ ) عروضه من الطويل هكذا ذكره ولم ينسبه ولا جنسه قال فتأوه أهل مكة وأنوا وتمخطوا واندفع الغريض يغني ( أيُّها الرائحُ المُجِدّ ابتِكَارَا ... قد قَضَى مِن تِهَامَةَ الأَوْطَارَ ) فارتفع البكاء والنحيب واندفع ابن سريج يغني ( جَدّدِي الَوصل يا قُريبُ وجُودِي ... لمُحبٍّ فِراقُهَ قد ألَمَّا ) ( ليس بين الحياة والموت إلاّ ... أن يَرُدُّوا جِمَالَهُمْ فتُزَمَّا ) فارتفع الصراخ من الدور بالويل والحرب قال يونس في خبره واجتمع الناس إلى الأمير فاستعفوه من نفيهم فأعفاهم وذكر الباقون أن الغريض ابتدأ بلحنه ( أيُّها الراكب المُجِدّ ابتِكارَا ... ) وتلاه ابن سريج في جددي الوصل قال وارتفع الصراخ فلم يسمع من معبد شيء ولم يقدر على أن يغني أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرني عبد الرحمن بن محمد السعدي قال حضرت شطباء المغنية جارية علي بن جعفر ذات يوم تغني ( ليس بين الرَّحِيل والبيْنِ إلاّ ... أنْ يَرُدُّوا جِمالَهم فتُزَمَّا ) فطرب علي بن جعفر وصاح سبحان الله العظيم ألا يوكون قربة ألا يشدون محملا ألا يعلقون سفرة ألا يسلمون على جار هذه والله العجلة أخبرني أحمد بن عبد العزيز وإسماعيل بن يونس قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى قال زعم عبيد بن يعلى قال قال لي كثير بن كثير السهمي لما ماتت الثريا أتاني الغريض فقال لي قل لي شعرا أبك به عليها فقلت صوت ( أَلاَ يا عينُ مَالَكِ تَدْمَعِينَا ... أَمِنْ رَمَدٍ بكيتِ فتُكْحلِينَا ) ( أَمَ انتِ مريضة تَبْكِينَ شَجْواً ... فَشَجْوُكِ مثلُهُ أبكَى العيونا ) فناح به عليها قال وأخبرني من رآه بين عمودي سريرها ينوح به الغناء للغريض في هذين البيتين خفيف ثقيل بالوسطى عن ابن المكي وفيه ثقيل أول مجهول سكينة بنت الحسين تساوي بين الغريض وابن سريج أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد ابن سلام وأخبرنا وكيع قال حدثنا محمد بن إسماعيل عن محمد بن سلام بن جرير ورواه حماد عن أبيه عن ابن سلام عن جرير أيضا أن سكينة بنت الحسين عليه السلام حجت فدخل إليها ابن سريج والغريض وقد استعار ابن سريج حلة لامرأة من قريش فلبسها فقال لها ابن سريج يا سيدتي إني كنت صنعت صوتا وحسنته وتنوقت فيه وخبأته لك في حريرة في درج مملوء مسكا فنازعنيه هذا الفاسق يعني الغريض فأردنا أن نتحاكم إليك فيه فأينا قدمته فيه تقدم قالت هاته فغناها ( عُوجِي علينا رَبَّةَ الهَوْدَجِ ... إنّكِ إلاّ تَفْعَلِي تَحْرَجِي ) فقالت هاته أنت يا غريض فغناها إياه فقالت لابن سريج أعده فأعاده وقالت يا غريض أعده فأعاده فقالت ما أشبهكما إلا بالجديين الحار والبارد لا يدري أيهما أطيب وقال إسحاق في خبره ما أشبهكما إلا باللؤلؤ والياقوت في أعناق الجواري الحسان لا يدري أيهما أحسن نسبة هذا الصوت صوت ( عُوجِي علينا رَبَّةَ الهَوْدَجِ ... إنّكِ إلاّ تَفْعَلِي تَحْرَجِي ) ( إنِّي أُتِيحتْ لي يَمَانِيَّةٌ ... إحدى بني الحارثِ من مَذْحِج ) ( نَلْبَثُ حَوْلاً كاملاً كُلَّه ... لا نلتقي إلا على مَنْهَج ) ( في الحجِّ إن حَجَّت وماذا مِنًى ... وأهلُه إن هي لم تَحْجُجِ ) ( أيسرُ ما نالَ مُحِبٌّ لدى ... بَيْنِ حبيبٍ قولُهُ عَرِّج ) عروضه من السريع والشعر للعرجي والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو وفيه للغريض ثقيل أول بالوسطى عن حبش ولإسحاق في الأول والثالث ثقيل أول بالبنصر عن عمرو وللأبجر فيه ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى بالبنصر عن ابن المكي ولعلويه خفيف ثقيل عن الهشامي ولحكم خفيف رمل عنه أيضا أخبرني محمد بن خلف قال وكيع قال حدثنا عبد الله بن عمر عمرو بن بشر قال حدثني إبراهيم بن المنذر قال حدثني حمزة بن عتبة اللهبي عن عبد الوهاب بن مجاهد أو غيره قال كنت مع عطاء بن أبي رباح فجاءه رجل فأنشده قول العرجى ( إنّي أُتِيحَتْ لي يمانِيّةٌ ... ) وذكر الأبيات وختمها بقوله ( في الحجِّ إن حَجَّت وماذا مِنًى ... وأهلُه إن هي لم تَحْجُجِ ) قال فقال عطاء بمنى والله وأهله خير كثير إذ غيبها الله وإياه عن مشاعره أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق قال ولي قضاء مكة الأوقص المخزومي فما رأى الناس مثله في عفافه ونبله فإنه لنائم ليلة في جناح له إذ مر به سكران يتغنى ( عُوجِي علينا رَبّة الهَوْدَج ... ) فأشرف عليه فقال يا هذا شربت حراما وأيقظت نياما وغنيت خطأ خذه غني فأصلحه له وانصرف أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق عن حمزة بن عتبة اللهبي قال مر الأبجر بعطاء وهو سكران فعذله وقال شهرت نفسك بالغناء واطرحتها وأنت ذو مروءة فقال امرأته طالق ثلاثا إن برحت أو أغنيك صوتا فإن قلت لي هو قبيح تركته فقال له عطاء هات ويحك فقد أضررت بي فغناه ( في الحجِّ إن حَجَّت وماذا مِنًى ... وأهلُه إن هي لم تَحْجُجِ ) فقال له عطاء الخير والله كله هناك حجت أولم تحج فاذهب الآن راشدا فقد برت يمينك الغريض وابن أبي عتيق أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني المغيرة بن محمد قال حدثني هارون بن موسى الفروي قال حدثني بعض المدنيين قال خرج ابن أبي عتيق على نجيب له من المدينة قد أوقره من طرف المدينة الصخرة ففعل ذلك مرارا فقالوا له ما هذا يا غريض قال كأني بها قد جاءت يوم القيامة رافعة ذيلها تشهد علينا بما كان منا إلى جانبها فأردت أن أجرح شهادتها على ذلك اليوم نسبة هذا الصوت صوت ( جَرَى ناصِحٌ بالوُدِّ بَيْني وبينها ... فقرَّبني يومَ الحِصَاب إلى قَتْلي ) ( فقالتْ وأَرْخَتْ جانبَ السِّتر إنما ... معي فتحدَّثْ غَيْرَ ذي رِقْبَةٍ أهلي ) ( فقلتُ لها ما بِي لهم من تَرَقُّبٍ ... ولكِنَّ سِرِّي ليس يَحْمِلُهُ مِثْلي ) عروضه من الطويل الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج رمل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق في الثلاثة الأبيات وذكر يونس أن فيه لحنا لمالك وفيه للغريض خفيف ثقيل أول بالوسطى عن حبش والهشامي وعلي ابن يحيى وحماد بن إسحاق ولمعبد فيه ثقيل أول بالبنصر عن حبش ولابن محرز ثاني ثقيل بالوسطى عنه عمر وجميل يتعارضان الشعر حدثني علي بن صالح بن الهيثم قال حدثني أبو هفان عن إسحاق بن إبراهيم عن المسيّبيّ والمدائني وابن سلام أن عمر بن أبي ربيعة كان يعارض جميلا إذا قال هذا قصيدة قال هذا مثلها فيقال إن عمر في الرائية والعينية أشعر من جميل وإن جميلا أشعر منه في اللامية وقال الزبير فيما أخبرني به الحرمي بن أبي العلاء عنه من الناس من يفضل قصيدة جميل اللامية على قصيدة عمر وأنا لا أقول هذا لأن قصيدة جميل مختلفة غير مؤتلفة فيها طوالع النجد وخوالد المهد وقصيدة عمر بن أبي ربيعة ملساء المتون مستوية الأبيات آخذ بعضها بأذناب بعض ولو أن جميلا خاطب في قصيدته مخاطبة عمر لأرتج عليه وعثر كلامه به أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم قال حدثني شيخ من أهلي عن أبي الحارث بن نابتة مولى هشام بن الوليد المخزومي وهو الذي يقول له عمر بن أبي ربيعة ( يا أبا الحارِث قَلْبي طائرٌ ... فاستمِعْ قَوْلَ رشيدٍ مُؤْتَمَنْ ) قال شهدت عمر بن أبي ربيعة وجميلا بالأبطح فأنشد جميل قصيدته التي يقول فيها ( لقد فَرِحَ الواشُونَ أَنْ صَرَمَتْ حَبْلي ... بُثَيْنَةُ أو أَبْدَتْ لنا جانبَ البُخْلِ ) ثم قال يا أبا الخطاب هل قلت في هذا الوزن شيئا قال نعم فأنشده قوله ( جَرَى ناصحٌ بالوُدِّ بَيْني وبَيْنَها ... ) فقال جميل هيهات يا أبا الخطاب والله لا أقول مثل هذا سجيس الليالي والله ما خاطب النساء مخاطتبك أحد وقام مشمرا أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال رأيت علماءنا جميعا لا يشكون في أن أحسن ما يروى في تعظيم السر قول عمر ( ولكنَّ سِرِّي ليس يَحْمِله مِثْلي ... ) قال الزبير وحدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني ابن أبي الزناد قال إنما اجتمع عمر بن أبي ربيعة وجميل بالجناب أخبرني محمد بن أحمد الطلاس قال أخبرنا أحمد بن الحارث الخزاز عن المدائني أن الفرزدق سمع عمر بن أبي ربيعة ينشد هذه القصيدة فلما بلغ إلى قوله ( فقُمْنَ وقد أَفْهَمْنَ ذا اللبِّ أنما ... فَعَلْنَ الذي يَفْعَلْنَ مِن ذاك مِن أَجْلي ) صاح الفرزدق وقال هذا والله الشعر الذي أرادته الشعراء فأخطأته وبكت الديار نسبة ما في قصيدة عمر وسائر هذه الأخبار من الأغاني سوى قصيدة جميل فإن لها أخبارا تذكر مع أخباره فمن ذلك قصيدة عمر التي أولها ( جَرَى ناصحٌ بالوُدِّ بَيْني وبينها ... ) صوت ( قِفِي البغلةَ الشهباءَ باللهِ سَلِّمِي ... عُزَيزة ذاتَ الدَّلِّ والخُلُق الجَزْلِ ) ( فَلَمَّا تَوَاقَفْنَا عَرَفْتُ الذي بها ... كمِثْل الذي بي حَذْوَكَ النَّعْلَ بالنَّعْل ) ( فقُلْنَ لها هذا عِشَاءٌ وأهلُنا ... قريبٌ أَلَمَّا تَسْأَمِي مَرْكَبَ البَغْلِ ) عروضه من الطويل الشعر لعمر بن أبي ربيعة و الغناء لمعبد في الأول و الثاني ثقيل أول و بالوسطى عن عمرو بن بانة و علي بن يحيى و قيل إنه لمالك ولابن محرز في الثاني و الثالث خفيف ثقيل أول بالبنصر عن الهشامي ولإبن سريج في الأول ثقيل و الثاني خفيف اخر بالوسطى وهو الذي فيه استهلال ولمالك في الثاني و الثالث ثاني ثقيل بالبنصر و لابراهيم فيهما خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن ابن المكي ومنها صوت ( يا أبا الحارِث قَلْبي طائرٌ ... فاستمِعْ قولَ رشيدٍ مؤتَمَنْ ) ( ليس حبٌّ فوق ما أحببتُكم ... غيرَ أن أقتُلَ نفسي أو أُجَنّ ) ( حَسَنُ الوجهِ نقيٌّ لونُهُ ... طيبُ النَّشْرِ لذيذُ المحتضَنْ ) عروضه من الرمل الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو وقيل إنه لابن عائشة وذكر ابن المكي أنه للغريض في الثاني والثالث وفيهما رمل يقال إنه لأهل مكة ويقال إنه لعبد الله بن يونس صاحب أيلة وفيه ثقيل أول ذكر حبش أنه لابن سريج وذكر غيره أنه لمحمد ابن السندي المكي وأنه غناه بحضرة إسحاق فأخذه عنه أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان محمد بن يحيىقال كان ابن عائشة يغني الهزج والخفيف فقيل له إنك لا تستطيع أن تغني غناء شجيّاً ثقيلا فغنى ( يا أبا الحارث قلْبي طائِرٌ ... ) رجع الحديث إلى أخبار الغريض أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أيوب بن عباية عن مولى لآل الغريض قال حدثني بعض مولياتي وقد ذكرن الغريض فترحمن عليه وقلن جاءنا يوما يحدثنا بحديث أنكرناه عليه ثم عرفنا بعد ذلك حقيقته وكان من أحسن الناس وجها صغيرا وكبيرا وكنا نلقى من الناس عنتا بسببه هو كان ابن سريج في جوارنا فدفعناه إليه فلقن الغناء وكان من أحسن الناس صوتا ففتن أهل مكة بحسن وجهه مع حسن صوته فلما رأى ذلك ابن سريج نحاه عنه وكانت بعض مولياته تعلمه النياحة فبرز فيها فجاءني يوما فقال نهتني الجن أن أنوح وأسمعتني صوتا عجيبا فقد ابتنيت عليه لحنا فاسمعيه مني واندفع فغنى بصوت عجيب في شعر المرار الأسدي ( حَلَفْتُ لها يالله ما بَيْنَ ذي الغَضَا ... وهضْبِ القَنَانِ من عَوانٍ ولا بِكْرِ ) ( أحَبُّ إلينا منكِ دَلاّ وما نَرَى ... به عند لَيْلَى من ثوابٍ ولا أجرِ ) فكذبناه وقلنا شيء فكر فيه وأخرجه على هذا اللحن فكان في كل يوم يأتينا فيقول سمعت البارحة صوتا من الجن بترجيع وتقطيع قد بنيت عليه صوت كذا وكذا بشعر فلان فلم يزل على ذلك ونحن ننكر عليه فإنا لكذلك ليلة وقد اجتمع جماعة من نساء أهل مكة في جمع لنا سهرنا فيه ليلتنا والغريض يغنينا بشعر عمر بن أبي ربيعة ( أمِنْ آلِ زينبَ جدٍّ البُكُورُ ... نَعَمْ فلأيّ هواها تَصِيرُ ) إذ سمعنا في بعض الليل عزيفا عجيبا وأصواتا مختلفة ذعرتنا وأفزعتنا فقال لنا الغريض إن في هذه الأصوات صوتا إذا نمت سمعته وأصبح فأبني عليه غنائي فأصغينا إليه فإذا نغمتة نغمة الغريض بعينها فصدقناه تلك الليلة نسبة ما في هذا الخبر من الغناء صوت ( حلفت لها . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ) البيتان عروضه من الطويل غناه الغريض ولحنه من الثقيل الأول بالوسطى عن حبش قال ولعلويه فيه ثقيل أول آخر بالبنصر ومنها صوت ( أمِنْ آلِ زينبَ جدٍّ البُكُورُ ... نَعَمْ فلأيّ هواها تَصِيرُ ) ( أبا الغَوْر أم أَنْجَدتْ دارُها ... وكانتْ حديثاً بعهدي تغُورُ ) ( نَظَرتُ بخَيْفِ مِنىً نظرةً ... إليها فكاد فؤادي يَطِيرُ ) ( هي الشمسُ تَسْرِي بها بَغْلَةٌ ... وما خِلْتُ شمساً بليلٍ تسيرُ ) ( ألم تَرَ أنك مستشرفٌ ... وأنّ عدوّك حَوْلي حضورُ ) عروضه من المتقارب الشعر للنميري وقيل أنه ليزيد بن معاوية والغناء لسياط خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو ولابن سريج فيه خفيف ثقيل بالوسطى أوله ( هي الشمسُ تَسْري بها بَغْلَةٌ ... ) وفيه للغريض ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشامي وحماد ذكر غيرهما أنه لابن جامع وذكر حبش أن فيها لابن محرز ثقيلا أول بالبنصر الغريض وسكينة أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال قال أبو عبد الله مصعب الزبيري اجتمع نسوة فذكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن مجلسه وحديثه وتشوقن إليه وتمنينه فقالت سكينة أنا لكن به فبعثت إليه رسولا ووعدته الصورين لليلة سمتها فوافاها على رواحله ومعه الغريض فحدثهن حتى وافى الفجر وحان انصرافهن فقال لهن إني والله لمشتاق إلى زيارة قبر النبيوالصلاة في مسجده ولكن لا أخلط بزيارتكن شيئا ثم انصرف إلى مكة وقال ( ألْمِمْ بزينَبَ إنّ البَيْنَ قد أَفدا ... قلَّ الثَّواءُ لَئِنْ كان الرحيلُ غَدَا ) قال وانصرف عمر بالغريض معه فلما كان بمكة قال عمر يا غريض إني أريد أن أخبرك بشيء يتعجل لك نفعه ويبقى لك ذكره فهل لك فيه قال افعل من ذلك ما شئت وما أنت أهله قال إني قد قلت في هذه الليلة التي كنا فيها شعرا فامض به إلى النسوة فأنشدهن ذلك وأخبرهن أني وجهت بك فيه قاصدا قال نعم فحمل الغريض الشعر ورجع إلى المدينة فقصد سكينة وقال لها جعلت فداك إن يا سيدتي ومولاتي إن أبا الخطاب أبقاه الله وجهني إليك قاصدا قالت أوليس في خير وسرور تركته قال نعم قالت وفيم وجهك أبو الخطاب حفظه الله قال جعلت فداك إن ابن أبي ربيعة حملني شعرا وأمرني أن أنشدك إياه قالت فهاته قال فأنشدها ( ألْمِمْ بزينَبَ إنّ البَيْنَ قد أَفدا ... قلَّ الثَّواءُ لَئِنْ كان الرحيلُ غَدَا ) الشعر كله قالت فيا ويحه فما كان عليه ألا يرحل في غده فوجهت إلى النسوة فجمعتهن وأنشدتهن الشعر وقالت للغريض هل عملت فيه شيئا قال قد غنيته ابن أبي ربيعة قالت فهاته فغناه الغريض فقالت سكينه أحسنت والله وأحسن ابن أبي ربيعه لولا أنك سبقت فغنيته عمر قبلنا لأحسنا جائزتك يا بنانة أعطيه بكل بيت ألف درهم فأخرجت اليه بنانة أربعة الاف درهم فدفعتها إليه وقالت سكينة لو زادنا عمر لزدناك نسبة هذا الغناء صوت ( ألْمِمْ بزينَبَ إنّ البَيْنَ قد أَفدا ... قلَّ الثَّواءُ لَئِنْ كان الرحيلُ غَدَا ) ( قد حَلَفَتْ ليلةَ الصَّوْرَيْن جاهِدةً ... وما على الحُرِّ إلا الصَّبْرُ مُجتَهِدا ) ( لأختها ولأخرى من مَنَاصِفِها ... لقد وَجَدتُ به فوقَ الذي وَجَدَا ) ( لَعَمْرُها ما أراني إن نَوىً نَزَحتْ ... وهكذا الحبُّ إلا مَيِّتّاً كَمَدَا ) عروضه - من البسيط - الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج وله فيه لحنان أحدهما رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق والآخر خفيف رمل بالوسطى عن عمرو وفيه لحن للغريض خفيف ثقيل بالنصر عن الهشامي وحماد وذكر عمرو إنه لمالك أوله الرابع ثم الأول ومن الناس من ينسب هذا إلى معبد وأوله ( يا أمّ طَلْحَة إن البَيْنَ قد أفِدا ... ) وذلك خطأ اللحن الذي عمله معبد غير هذا وهو صوت ( يا أمَّ طلحةَ إنّ البَيْنَ قد أفِدَا ... قَلَّ الثَوَاءُ لئن كان الرحيلُ غَدَا ) ( أَ مْسَى العِرَاقِيّ لا يدري إذا بَرَزَتْ ... مَنْ ذا تَطوَّف َ بالأركان أو سَجَدا ) عروضه - من البسيط - الشعر للأحوص ويقال إنه لعمر أيضا والغناء لمعبد ولحنه من الثقيل الأول بالبنصر عن عمرو والهشامي الغريض وعائشة بنت طلحة أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن محمد بن سلام قال حجت عائشة بنت طلحة بن عبيد الله فجاءتها الثريا وأخواتها ونساء أهل مكة القرشيات وغيرهن وكان الغريض فيمن جاء فدخل النسوة عليها فأمرت لهن بكسوة وألطاف كانت قد أعدتها لمن يجيئها فجعلت تخرج كل واحدة ومعها جاريتهاومعها ما أمرت لها به عائشة والغريض بالباب حتى خرج مولياته مع جواريهن الخلع والألطاف فقال الغريض فأين نصيبي من عائشة فقلن له أغفلناك وذهبت عن قلوبنا فقال ما أنا ببارح من بابها أو آخذ بحظي منها فإنها كريمة بنت كرام واندفع يغني بشعر جميل ( تذكّرتُ ليلى فالفؤاد عَمِيد ... وشَطّتْ نواها فالمَزارُ بعيد ) فقالت ويلكم هذا مولى العبلات بالباب يذكر بنفسه هاتوه فدخل فلما رأته ضحكت وقالت لم أعلم بمكانك ثم دعت له بأشياء أمرت له بها ثم قالت له إن أنت غنيتني صوتا في نفسي فلك كذا وكذا شيء سمته له ذهب عن ابن سلام قال فغناها في شعر كثير ( ومازِلتُ من ليلى لَدُن طَرّ شاربي ... إلى اليوم أُخْفِي حبَّها وأُداجِنُ ) ( وأَحمِل في ليلى لقومٍ ضَغِينةً ... وتُحمَل في ليلَى عليّ الضغائنُ ) فقالت له ما عدوت ما في نفسي ووصلته فأجزلت قال إسحاق فقلت لأبي عبد الله وهل علمت حديث هذين البيتين ولم سألت الغريض ذلك قال نعم الشعبي عند مصعب وزوجته عائشة حدثني أبي قال قال الشعبي دخلت المسجد فإذا أنا بمصعب ابن الزبير على سرير جالس والناس عنده فسلمت ثم ذهبت لأنصرف فقال لي ادن فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه ثم قال إذا قمت فاتبعني فجلس قليلا ثم نهض فتوجه نحو دار موسى بن طلحة فتبعته فلما طعن في الدار التفت إلي فقال ادخل فدخلت معه ومضى نحو حجرته وتبعته فالتفت لي فقال ادخل فدخلت معه فإذا حجلة وإنها لأول حجلة رأيتها لأمير فقمت ودخل الحجلة فسمعت حركة فكرهت الجلوس ولم يأمرني بالانصراف فإذا جارية قد خرجت فقالت يا شعبي إن الأمير يأمرك أن تجلس فجلست على وسادة ورفع سجف الحجلة فإذا أنا بمصعب بن الزبير ورفع السجف الآخر فإذا أنا بعائشة بنت طلحة قال فلم أر زوجا قط كان أجمل منهما مصعب وعائشة فقال مصعب يا شعبي هل تعرف هذه فقلت نعم أصلح الله الأمير قال ومن هي قلت سيدة نُساء المسلمين عائشة بنت طلحة قال لا ولكن هذه ليلى التي يقول فيها الشاعر ( ومازِلتُ من ليلى لَدُنْ طَرّ شاربي ... ) وذكر البيتين ثم قال إذا شئت فقم فقمت فلما كان العشي رحت واذا هو جالس على سريره في المسجد فسلمت فلما رآني قال لي ادن فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه فأصغى إلي فقال هل رأيت مثل ذلك لإنسان قط قلت لا والله قال أفتدري لم أدخلناك قلت لا قال لتحدث بما رأيت ثم التفت إلى عبد الله بن أبي فروة فقال أعطه عشرة آلاف درهم وثلاثين ثوبا فما انصرف يومئذ أحد بمثل ما انصرفت به بعشرة آلاف درهم وبمثل كارة القصار ثيابا وبنظرة من عائشة بنت طلحة عائشة بنت طلحة وأزواجها قال وكانت عائشة عند عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وكان أبا عذرتها ثم هلك فتزوجها مصعب فقتل عنها ثم تزوجها عمر بن عبيد الله بن معمر فبنى بها بالحيرة ومهدت له يوم عرسه فرش لم ير مثلها سبع أذرع في عرض أربع فانصرف تلك الليلة عن سبع مرات فلقيته مولاة لها حين أصبح فقالت يا أبا حفص كملت في كل شيء حتى في هذا فلما مات ناحت عليه وهي قائمة ولم تنح على أحد منهم قائمة وكانت العرب إذا ناحت المرأة قائمة على زوجها علم أنها لا تريد أن تتزوج بعده فقيل لها يا عائشة ما صنعت هذا بأحد من أزواجك قالت إنه كان فيه خلال ثلاث لم تكن في أحد منهم كان سيد بنى تيم وكان أقرب القوم بي قرابة وأردت ألا أتزوج بعده وأخبرني بخبر مصعب والشعبي وعائشة أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال أخبرنا محمد بن الحكم عن عوانة قال خرج مصعب بن الزبير من دار الإمارة يريد دار موسى بن طلحة فمر بالمسجد فأخذ بيد الشعبي ثم ذكر باقي الحديث مثلَه ولم يذكر شيئاً من حديث المغنين قال ابن عمار وأخبرني به داود بن جميل بن محمد بن جميل الكاتب عن ابن الأعرابي قال ابن عمار وأخبرني به أحمد بن الحارث الخزاز عن المدائني أن الشعبي قال دخلت المسجد وفيه مصعب بن الزبير فاستدناني فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه فأصغى إلي وقال إذا قمت فاتبعني ثم ذكر باقي الحديث أيضا مثل الذي تقدمه نسبة هذا الصوت صوت ( ومازِلتُ من ليلى لَدُن طَرّ شاربي ... إلى اليوم أُخْفِي حبَّها وأُداجِنُ ) ( وأَحمِل في ليلى ضفائنَ معشرٍ ... وتُحمَل في ليلَى عليّ الضغائنُ ) عروضه - من الطويل - الشعر لكثير بن عبد الرحمن والغناء لمعبد ثقيل أول بالبنصر عن حبش وفيه لحن للغريض الغريض يغني عبد الملك في مكة أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال كان الغريض إذا غنى بيتين لكثير قال أنا السريجي حقا ولم يكن يقول حذف ذلك في شيء من غنائه وكان من جيد غنائه و قدم يزيد بن عبد الملك مكة فبعث إلى الغريض سرا فأتاه فغناه بهذا اللحن وهو فيهما ( و إِنّي لأَرعَى قومَها من جَلالها ... وإِن أَظهروا غِشاً نَصحت لهم جَهْدي ) ( ولو حاربوا قومي لكنتُ لقومها ... صديقاً ولم أحِمْل على قومها حِقْدي ) فأشير إلى الغريض أن اسكت وفطن يزيد فقال دعوا أبا يزيد حتى يغنيني بما يريد فأعاد عليه الصوت مرارا ثم قال زدني مما عندك فغناه بشعر عمرو بن شأس الأسدي ( فَوَانَدمي على الشباب ووانَدَمْ ... ندِمتُ وبان اليومَ منّي بغير ذمّ ) ( أرادتْ عراراً بالهَوان ومن يُرِدْ ... عراراً لعَمْري بالهوان فقد ظَلَمْ ) قال فطرب يزيد وأمر له بجائزة سنية قال إسحاق فحدثت أبا عبد الله هذا الحديث وقد أخذنا في أحاديث الخلفاء ومن كان منهم يسمع الغناء أيضاً فقال أبو عبد الله كان قدوم يزيد مكة وبعثته إلى الغريض سراً قبل أن يستخلف فقلت له فلم أشير إلى الغريض أن يسكت حين غناه بشعر كثير ( وإِني لأَرْعَى قومَها من جَلالها ... ) وما السبب في ذلك فقال أبو عبد الله أنا أحدثكه قصة اختلاف عبد الملك مع زوجته عاتكلة حدثني أبي قال كان عبد الملك بن مروان من أشد الناس حبا لعاتكه امرأته وهي ابنة يزيد بن معاوية وأمها أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر بن كريز وهي أم يزيد بن عبد الملك فغضبت مرة على عبد الملك وكان بينهما باب فحجبته واغلقت ذلك الباب فشق غضبها على عبد الملك وشكا إلى رجل من خاصته يقال له عمر بن بلال الأسدي فقال له مالي عندك إن رضيت قال حكمك فأتى عمر بابها وجعل يتباكى وأرسل إليها بالسلام فخرجت إليه حاضنتها ومواليها وجواريها فقلن مالك قال فزعت إلى عاتكه ورجوتها فقد علمت مكاني من أمير المؤمنين معاوية ومن أبيها بعده قلن ومالك قال ابناي لم يكن لي غيرهما فقتل أحدهما صاحبه فقال أمير المؤمنين أنا قاتل الآخر به فقلت أنا الولي وقد عفوت قال لا أعود الناس هذه العادة فرجوت أن ينجي الله ابني هذا على يدها فدخلن عليها فذكرن ذلك لها فقالت وكيف أصنع مع غضبي عليه وما أظهرت له قلن إذا والله يقتل فلم يزلن حتى دعت بثيابها فأجمرتها ثم خرجت نحو الباب فأقبل حديج الخصي قال يا أمير المؤمنين هذه عاتكة قد أقبلت قال ويلك ما تقول قال قد والله طلعت فأقبلت وسلمت فلم يرد عليها فقالت أما والله لولا عمر ما جئت إن أحد أبنية تعدى على الآخر فقتله فأردت قتل الأخر وهو الولي وقد عفا قال إني أكره أن أعود الناس هذه العادة قالت أنشدك الله يا أمير المؤمنين فقد عرفت مكانه من أمير المؤمنين معاوية ومن أمير المؤمنين يزيد وهو ببابي فلم تزل به حتى أخذت برجله فقبلتها فقال هو لك ولم يبرحا حتى اصطلحا ثم راح عمر بن بلال إلى عبد الملك فقال يا لأمير المؤمنين كيف رأيت قال رأينا أثرك فهات حاجتك قال مزرعة بعدتها وما فيها وألف دينار وفرائض لولدي وأهل بيتي وعيالي قال ذلك لك ثم اندفع عبد الملك يتمثل بشعر كثير ( وإِني لأرعى قومها من جَلالها ... ) البيتين فعلمت عاتكة ما أراد فلما غني يزيد بهذا الشعر كرهته مواليه إذ كان عبد الملك تمثل به في أمه ولم يكرهه يزيد وقال لو قيل هذا الشعر فيها ثم غني به لما كان عيبا فكيف وإنما هو مثل تمثل به أمير المؤمنين في اجمل العالمين قال أبو عبد الله وأما خبره لما غنى بشعر عمرو بن شأس فإن ابن الأشعث لما قتل بعث الحجاج إلى عبد الملك برأسه مع عرار بن عمرو بن شأس فلما ورد به وأوصل كتاب الحجاج جعل عبد الملك يقرأه فكلما شك في شيء سأل عراراً عنه فأخبره فعجب عبد الملك من بيانه وفصاحته مع سواده فقال متمثلا ( وإن عراراً إن يكن غيرَ واضِح ... فإِنّي أحِبّ الجَوْنَ ذا المَنْكِب العَمَمْ ) فضحك عرار من قوله ضحكاً غاظ عبد الملك فقال له مم ضحكت ويلك قال أتعرف عراراً يا أمير المؤمنين الذي قيل فيه هذا الشعر قال لا قال فأنا والله هو فضحك عبد الملك وقال حظ وافق كلمة ثم أحسن جائزته وسرحه قال أبو عبد الله وإنما أراد الغريض أن يغني يزيد بمتمثلات عبد الملك في الأمور العظام فلما تبين كراهة مواليه غناءه فيما تمثل به في عاتكة أراد أن يعقبه ما تمثل به في فتح عظيم كان لعبد الملك فغناه بشعر عمرو بن شأس في عرار نسبة ما في هذا الخبر من الغناء صوت ( و إِنّي لأَرعَى قومَها من جَلالها ... وإِن أَظهروا غِشاً نَصحت لهم جَهْدي ) ( ولو حاربوا قومي لكنتُ لِقومها صديقاً ولم أحمِل على قومها حِقدي ) عروضه - من الطويل - الشعر لكثير والغناء للغريض ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر حبش أن فيه لقفا النجار ثاني ثقيل بالوسطى وفيه لعلويه ثقيل أول الغريض ومعبد وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني إبراهيم عن يونس الكاتب قال حدثني معبد قال خرجت إلى مكة في طلب لقاء الغريض وقد بلغني حسن غنائه في لحنه ( وما أَنْسَ مِ الأشياءِ لا أَنْسَ شادِناً ... بمكّة مَكْحولا أسِيلاً مَدامعُهْ ) وقد كان بلغني أنه أول لحن صنعه وان الجن نهته أن يغنيه لأنه فتن طائفة منهم فانتقلوا عن مكة من اجل حسنه فلما قدمت مكة سألت عنه فدللت على منزله فأتيته فقرعت الباب فما كلمني أحد فسألت بعض الجيران فقلت هل في الدار أحد قالوا لي نعم فيها الغريض فقلت إني قد أكثرت دق الباب فما أجابني أحد قالوا إن الغريض هناك فرجعت فدققت الباب فلم يجبنى أحد فقلت إن نفعني غنائى يوما نفعنى اليوم فاندفعت فغنيت لحني في شعر جميل ( عَلِقتُ الهَوى منها وَلِيداً فلم يزل ... إلى اليومِ يَنْمي حبُّها ويزيدُ ) فو الله ما سمعت حركة الباب فقلت بطل سحري وضاع سفري وجئت أطلب ما هو عسير علي واحتقرت نفسي وقلت لم يتوهمني لضعف غنائي عنده فما شعرت إلابصائح يصيح يا معبد المغني افهم وتلق عني شعر جميل الذي تغني فيه يا شقي البخت وغنّى صوت للغريض ولم تذكر طريقته ( وما أَنْس مِ الأشياءِ لا أَنْس قولَها ... وقد قرّبتْ نِضْوي أَمِصْرَ تريد ) ( ولا قولَها لولا العيونُ التي تَرى ... أتيتُك فاعذِرني فدَتْك جُدودُ ) ( خَليليّ ما أُخفي من الوجد باطن ... ودمعي بما قلتُ الغداةَ شَهيدُ ) ( يقولون جَاهِد يا جميلُ بغزوة ... وأيّ جِهادً غيرهن أُرِيدُ ) ( لكلّ حديثٍ عندهنّ بشاشةٌ ... وكلّ قتيلٍ بينهنّ شَهيدُ ) عروضه - من الطويل - قال فلقد سمعت شيئاً لم أسمع أحس منه وقصر إلي نفسي وعلمت فضيلته علي بما أحسن من نفسه وقلت إنه لحري بالاستتار من الناس تنزيها لنفسه وتعظيماً لقدره وإن مثله لا يستحق الابتذال ولا أن تتداوله الرجال فأردت الانصراف إلى المدينة راجعا فلما كنت غير بعيد إذا بصائح يصيح بي يا معبد انتظر أكلمك فرجعت فقال لي إن الغريض يدعوك فأسرعت فرحا فدنوت من الباب فقال لي أتحب الدخول فقلت وهل إلى ذلك من سبيل فقرع الباب ففتح فقال لي ادخل ولا تطل الجلوس فدخلت فإذا شمس طالعة في بيت فسلمت فرد السلام ثم قال اجلس فجلست فإذا أنبل الناس وأحسنهم وجهاً وخلقاً وخلقا فقال يا معبد كيف طرأت إلى مكة فقلت جعلت فداءك وكيف عرفتني فقال بصوتك فقلت وكيف وأنت لم تسمعه قط قال لما غنيت عرفتك به وقلت إن كان معبد في الدنيا فهذا فقلت جعلت فداءك فكيف أجبتني بقولك ( وما أَنْس مِ الأشياءِ لا أَنْس قولَها ... وقد قرّبتْ نِضْوي أَمِصْرَ تريدُ ) فقال قد علمت أنك تريد أن أسمعك صوتي ( وما أَنْسَ مِ الأشياءِ لا أَنْسَ شادِناً ... بمكّة مَكْحولا أسِيلاً مَدامعُهْ ) ولم يكن إلى ذلك سبيل لأنه صوت قد نهيت أن أغنيه فغنيتك هذا الصوت جوابا لما سألت وغنيت فقلت والله ما عدوت ما أردت فهل لك حاجة فقال لي يا أبا عباد لولا ملالة الحديث وثقل إطالة الجلوس لاستكثرت منك فاعذر فخرجت من عنده وإنه لأجل الناس عندي ورجعت إلى المدينة فتحدثت بحديثه وعجبت من فطنته وقيافته فما رأيت إنسانا إلا وهو أجل منه في عيني وذكرت جميلا وبثينة فقلت ليتني عرفت إنسانا يحدثني بقصة جميل وخبر الشعر فأكون قد أخذت بفضيلة الأمر كله في الغناء والشعر خبر لقاء جميل وبثينة فسألت عن ذلك فإذا الحديث مشهور وقيل لي إن أردت أن تخبر بمشاهدته فأت بني حنظلة فإن فيهم شيخا منهم يقال له فلان يخبرك الخبر فأتيت الشيخ فسألته فقال نعم بينا أنا في الربيع إذا أنا برجل منطو على رحله كأنه جان فسلم علي ثم قال ممن أنت يا عبد الله فقلت أحد بني حنظلة قال فانتسب فانتسبت حتى بلغت إلى فخذي الذي أنا منه ثم سألني عن بني عذرة أين نزلوا فقلت له هل ترى ذلك السفح فإنهم نزلوا من ورائه قال يا أخا بني حنظلة هل لك في خير تصطنعه إلي فو الله لو أعطيتني ما أصبحت تسوق من هذه الإبل ما كنت بأشكر مني لك عليه فقلت نعم ومن أنت أولا قال لا تسألني من أنا ولا أخبرك غير أني رجل بيني وبين هؤلاء القوم مايكون بين بني العم فإن رأيت أن تأتيهم فإنك تجد القوم في مجلسهم فتنشدهم بكرة أدماء تجر خفيها غفلا من السمعة فإن ذكروا لك شيئاً فذاك وإلا استأذنتهم في البيوت وقلت إن المرأة والصبي قد يريان ما لايرى الرجال فتنشدهم ولا تدع أحد تصيبه عينك ولا بيتا من بيوتهم إلا نشدتها فيه فأتيت القوم فإذا هم على جزور يقتسمونها فسلمت وانتسبت لهم ونشدتهم ضالتي فلم يذكروا لي شيئاً فاسستأذنتهم في البيوت وقلت إن الصبي والمرأة يريان ما لاترى الرجال فأذنوا فأتيت أقصاها بيتا ثم استقريتها بيتا بيتا أنشدهم فلا يذكرون شيئاً حتى إذا انتصف النهار وآذاني حر الشمس وعطشت وفرغت من البيوت وذهبت لأنصرف حانت مني التفاته فإذا بثلاثة أبيات فقلت ما عند هؤلاء إلا ما عند غيرهم ثم قلت لنفسي سوءة وثق بي رجل وزعم أن حاجته تعدل مالي ثم آتيه فأقول عجزت عن ثلاثة أبيات فأنصرفت عامدا إلى أعظمها بيتا فإذا هو قد أرخي مؤخره ومقدمه فسلمت فرد علي السلام وذكرت ضالتي فقالت جارية مهنم يا عبد الله قد أصبت ضالتك وما أظنك إلا قد اشتد عليك الحر واشتهيت الشراب قلت أجل قالت ادخل فدخلت فأتتني بصحفه فيها تمر من تمر هجر وقدح فيه لبن والصحفه مصرية مفضضة والقدح مفضض لم أر إناء قط أحسن منه فقالت دونك فتجمعت وشربت من اللبن حتى رويت ثم قلت يا أمة الله والله ما أتيت اليوم أكرم منك ولا أحق بالفضل فهل ذكرت من ضالتي شيئاً فقالت هل ترى هذه الشجرة فوق الشرف قلت نعم قالت فإن الشمس غربت أمس وهي تطيف حولها ثم حال الليل بيني وبينها فقمت وجزيتها الخير وقلت والله لقد تغذيت ورويت فخرجت حتى أتيت الشجرة فأطفت بها فو الله ما رأيت من أثر فأتيت صاحبي فإذا هو متشح في الإبل بكسائه ورافع عقيرته يغني قلت السلام عليك قال وعليك السلام ما وراءك قلت ما ورائي من شيء قال لا عليك فأخبرني بما فعلت فاقتصصت عليه القصة حتى انتهيت إلى ذكر المرأة وأخبرته بالذي صنعت فقال قد أصبت طلبتك فعجبت من قوله وأنا لم أجد شيئاً ثم سألني عن صفة الإناءين الصحفة والقدح فوصفتهما له فتنفس الصعداء وقال قد أصبت طلبتك ويحك ثم ذكرت له الشجرة وأنها رأتها تطيف بها فقال حسبك فمكثت حتى إذا أوت إبلى إلى مباركها دعوته إلى العشاء فلم يدن منه وجلس مني بمزجر الكلب فلما ظن أني قد نمت رمقته فقام إلى عيبة له فاستخرج منها بردين فأتزر بأحدهما وتردى بالآخر ثم انطلق عامدا نحو الشجرة واستبطنت الوادي فجعلت أخفي نفسي حتى إذا خفت أن يراني انبطحت فلم أزل كذلك حتى سبقته إلى شجرات قريب من تلك الشجرة بحيث أسمع كلامهما فاستترت بهن وإذا صاحبته عند الشجرة فأقبل حتى كان منها غير بعيد فقالت اجلس فو الله لكأنه لصق بالأرض فسلم عليها وسألها عن حالها أكرم سؤال سمعت به قط وأبعده من كل ربية وسألته مثل مسالته ثم أمرت جارية معها فقربت إليه طعاما فلما أكل وفرغ قالت أنشدني ما قلت فأنشدها ( عَلِقتُ الهَوى منها وَلِيداً فلم يزل ... إلى اليومِ يَنْمي حبُّها ويزيدُ ) فلم يزالا يتحدثان ما يقولان فحشا ولا هجرا حتى التفتت التفاتة فنظرت إلى الصبح فودع كل واحد منهما صاحبه أحسن وداع ما سمعت به قط ثم انصرفا فقمت فمضيت إلى إبلي فاضطجعت وكل واحد منهما يمشي خطوة ثم يلتفت إلى صاحبه فجاء بعدما أصبحنا فرفع برديه ثم قال يا أخا بني تميم حتى متى تنام فقمت وتوضأت وصليت وحلبت إبلي وأعانني عليها وهو أظهر الناس سرورا ثم دعوته إلى الغداء فتغدى ثم قام إلى عيبته فافتتحها فإذا فيها سلاح وبردان مما كسته الملوك فأعطاني أحدهما وقال أما والله لو كان معي شيء ما ذخرته عنك وحدثني حديثه وانتسب لي فإذا هو جميل بن معمر والمرأة بثينة وقال لي إني قد قلت أبياتا في منصرفي من عندها فهل لك إن رأيتها أن تنشدها قلت نعم فأنشدني ( وما أَنْس مِ الأشياءِ لا أَنْس قولَها ... وقد قرّبتْ نِضْوي أَمِصْرَ تُريدُ ) الأبيات ثم ودعني وأنصرف فمكث حتى أخذت الإبل مراتعها ثم عمدت إلى دهن كان معي فدهنت به رأسي ثم ارتديت بالبرد وأتيت المرأة فقلت السلام عليكم إني جئت أمس طالبا واليوم زائرا أفتأذنون قالت نعم فسمعت جويزيه تقول لها يا بثينة عليه والله برد جميل فجعلت اثني على ضيفي وأذكر فضله وقلت إنه ذكرك فاحسن الذكر فهل أنت بارزة لي حتى أنظر إليك قالت نعم فلبست ثيابها ثم برزت ودعت لي بطرف ثم قالت يا أخا بني تميم والله ما ثوباك هذان بمشتبهين ودعت بعيبتها فأخرجت لي ملحفة مروية مشبعة من العصفر ثم قالت أقسمت عليك لتقومن إلى كسر البيت ولتخلعن مدرعتك ثم لتأتزرن بهذه الملحفة فهي أشبه ببردك ففعلت ذلك وأخذت مدرعتي بيدي فجعلتها إلى جانبي وأنشدتها الأبيات فدمعت عيناها وتحدثنا طويلا من النهار ثم انصرفت إلى إبلي بملحفة بثينة وبرد جميل ونظرة من بثينة قال معبد فجزيت الشيخ خيرا وانصرفت من عنده وأنا والله أحسن الناس حالا بنظرة من الغريض واستماع لغنائه وعلم بحديث جميل وبثينة فيما غنيت أنا به وفيما غنى به الغريض على حق ذلك وصدقه فما رأيت ولا سمعت بزوجين قط احسن من جميل وبثينة ومن الغريض ومني نسبة هذه الأصوات التي ذكرت في هذا الخير وهي كلها من قصيدة واحدة منها صوت ( عَلِقتُ الهوى منها وليداً فلم يزلْ ... إلى اليومِ يَنْمِي حبُّها ويَزِيدُ ) ( وأفنيتُ عُمْرِي في انتظاري نوالَهَا ... وأفنتْ بذاكَ الدهْرَ وهو جَديدُ ) ( فلا أنا مردودٌ بما جِئتُ طالباً ... ولا حُبُّها فيما يَبِيدُ يَبِيدُ ) ( وما أَنسَ مَ الأشياءِ لا أنسَ قولَها ... وقد قَرّبت نِضْوي أمِصرَ ترِيدُ ) ( ولا قولها لولا العيونُ التي ترى ... لَزُرتُك فاعذِرْني فدتْك جُدُودُ ) ( إذا قلتُ ما بي يا بُثَيْنَةُ قاتلِي ... من الحبّ قالتْ ثابتٌ ويَزيدُ ) ( وإن قلتُ رُدِّي بعضَ عقلي اعِشْ به ... تَوَلَّتْ وقالتْ ذاك منكَ بَعِيدُ ) عروضه - من الطويل - الشعر لجميل بن معمر والغناء لمعبد في الأول والثاني والثالث والسادس والسابع ولحنه ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وعمرو بن بانه وذكر عمرو والهشامي أن فيه ثقيلا أول آخر للهذلي وأن فيه خفيف ثقيل ينسب إلى معبد وإلى الغريض وإلى إبراهيم أوله وما أنس م الأشياء وفي الأربعة الابيات الأول ثاني ثقيل بالبنصر لابن أبي قباحة ولإسحاق في الثالث والسادس ثاني ثقيل آخر بالوسطى عن الهشامي وأول هذه القصيدة فيه غناء أيضا وهو موصول بأبيات أخر صوت ( ألا لَيتَ رَيْعانَ الشبابِ جديدُ ... ودهراً تَوَلّى يا بُثَيْنُ يعودُ ) ( فنَغْنَى كما كنّا نكون وأنتُم ... قريبٌ وما قد تَبْذُلِينَ زَهِيدُ ) ( ألاَ ليتَ شِعْرِي هل أَبيتَنّ ليلةً ... بوادي القُرَى إِني إذاً لسعيدُ ) ( وهل أَلْقَيْن سُعْدَى من الدهر ليلةً ... ومارثَّ من حبل الصفاء جديدُ ) ( فقد تَلْتَقِي الأهواءُ بعد تَفاوُتٍ ... وقد تُطْلَبُ الحاجاتُ وهي بَعِيدُ ) في البيتين الأولين خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر ذكر حبش أنه لإسحاق وليس يشبه أن يكون له وفي الثالث وما بعده لابن سريج ثاني ثقيل بالبنصر عن حبش أيضا أخبرني إسماعيل بن يونس إجازة قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان قال حدثني الوليد بن هشام عن محمد بن معن عن خالد بن سلمة المخزومي قال خرجت مع أعمامي وأنا على نجيب ومعنا شيخ فلما أسحرنا قال لي أعمامي انزل عن نجيبك واحمل عليه هذا الشيخ واركب جملة ففعلت فإذا الشيخ قد أخرج عودا له من غلاف ثم ضرب به وغنى ( هاجَ الغَرِيضَ الذِّكَرُ ... لمّا غَدَوْا فانْشَمَرُوا ) فقلت لبعض أصحابنا من هذا قال الغريض نسبة هذا الصوت صوت ( هاجَ الغَرِيضَ الذِّكَرُ ... لمّا غَدَوْا فانْشَمَرُوا ) ( عَلىبِغالٍ شُحَّجٍ ... قد ضَمَّهُنّ السفَرُ ) ( فيهنّ هِنْدٌ ليتَنِي ... ما عُمِّرتْ أُعَمَّرُ ) ( حتىإذاماجاءها ... حَتْفٌ أتانِي القَدَرُ ) عروضه من الرجز الذي قال عمر ( هاجَ القَريضَ الذِّكَرُ ... ) بالقاف فجعله الغريض لما غني فيه الغريض يعني نفسه الشعر لعمربن أبي ربيعة والغناء لابن سريج ذكر يونس أن له فيه لحنين وذكر إسحاق أن أحدهما رمل مطلق في مجرى البنصر ولم يذكر الآخر وذكر الهشامي أن الآخر خفيف رمل وفيه للغريض ثقيل أول بالبنصر وقيل إنه لحن ابن سريج وإن خفيف الرمل للغريض وأول هذا الصوت في كتاب يونس ( هاج فؤادي مَحْضَرُ ... بذي عُكاظٍ مُقْفِرُ ) ( حتّى إذا ما وازنوا المَرْوَةَ ... حين ائْتَمَرُوا ) ( قيل انزلُوا فَعَرِّسُوا ... من ليلكم وانشَمِرُوا ) ( وقولُها لأختها ... أمُطْمَئِنٌّ عُمَرُ ) الغريض يغني الوليد في مكة أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال وذكر السعدي أن الوليد بن عبد الملك قدم مكة فأراد أن يأتي الطائف فقال هل من رجل عالم يخبرني عنها فقالوا عمر بن أبي ربيعة قال لا حاجة لي به ثم عاد فسأل فذكروه ثم عاد فذكروه فقال هاتوه وركب معه فجعل يحدثه ثم حول عمر رداءه ليصلحه على نفسه فرأى الوليد على ظهره أثرا فقال ما هذا الأثر قال كنت عند جارية لي إذ جاءتني جارية برسالة من عند جارية أخرى وجعلت تسارني بها فغارت التي كنت عندها فعضت منكبي فما وجدت ألم عضتها من لذة ما كانت تلك تنفث في أذني حتى بلغت ماترى والوليد يضحك فلما رجع عمر قيل له ما الذي كنت تضحك به أمير المؤمنين قال ما زلنا في حديث الزنا حتى رجع وكان قد حمل الغريض معه فقال له يا أمير المؤمنين إن عندي أجمل الناس وجها وأحسنهم حديثا فهل لك أن تسمعه قال هاته فدعا به فقال أسمع أمير المؤمنين أحسن شيء قلته فاندفع يغني بشعر عمر ومن الناس من يرويه لجميل صوت ( إني لأحفَظُ سِرَّكم ويَسُرُّني ... لو تعلمين بصالح أن تُذْكَرِي ) ( ويكون يومٌ لا أرَى لك مُرْسَلاً ... أو نَلتقِي فيه عليّ كأشهُرِ ) ( يا ليتني ألقَى المنيّةَ بغْتةً ... إنْ كان يومُ لقائكم لم يُقْدَرِ ) ( ما كنتِ والوعدَ الذي تَعِدينَنِي ... إلاّ كَبرْقِ سَحَابةٍ لم تَمْطُرِ ) ( تُقْضَي الدّيونُ وليس يُنْجِزُ عاجلاً ... هذا الغريمُ لنا وليس بِمُعْسِرِ ) عروضه من الكامل وذكر حَبَش أن الغِنَاء للغَرِيض ولحنه ثقيل أوّل بالبنصرقال فاشتد سرور الوليد بذلك وقال له ياعمر هذه رقيتك ووصله وكساه وقضى حوائجه رأي نصيب في عمر وجميل وكثير أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا الحارث بن محمد عن المدائني عن عوانة قال حدثني رجل من أهل الكوفة قال قدم نصيب الكوفة فأرسلني أبي إليه وكان له صديقا فقال أقرئه مني السلام وقال له إن رأيت أن تهدي لنا شيئا مما قلت فأتيته في يوم جمعة وهو يصلي فلما فرغ أقرأته السلام وقلت له فقال قد علم أبوك أني لا أنشد في يوم الجمعة ولكن تلقاني في غيره فأبلغ ما تحب فلما خرجت وانتهيت إلى الباب رددت إليه فقال أتروي شيئا من الشعر قلت نعم قال فأنشدني فأنشدته قول جميل ( إني لأحفظُ غَيْبَكم ويَسُرُّني ... لو تعلمين بصالٍح أن تُذْكَرِي ) الأبيات المتقدمة فقال نصيب أمسك أمسك لله دره ما قال أحد إلادون ما قال ولقد نحت للناس مثالا يحتدون عليه ثم قال أما أصدقنا في شعره فجميل وأما أوصفنا لربات الحجال فكثير وأما أكذبنا فعمر بن أبي ربيعة وأما أنا فأقول ما أعرف وقال هارون بن محمد الزيات حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه أن الغريض سمع أصوات رهبان بالليل في دير لهم فاستحسنها فقال له بعض من معه يا أبا يزيد صغ على مثل هذا الصوت لحنا فصاغ مثله في لحنه ( يا أمّ بكرٍ حُبِّك البادِي ... لا تَصْرِميني إنّني غادي ) فما سمع بأحسن منه نسبة هذا الصوت صوت ( يا أمّ بكرٍ حُبِّك البادِي ... لا تَصْرِميني إنّني غادي ) ( جَدّ الرحيلُ وحثَني صحْبي ... وأُريد إمتاعاً من الزَّادِ ) عروضه من مزاحف - الكامل - الشعر لسعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري والغناء للغريض خفيف ثقيل أول بالوسطى وفيه لابن المكي ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش وفيه لإبراهيم بن أبي الهيثم خرج وأخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة عن أيوب بن عباية عن عمرو بن عقبة وكان يعرف بابن الماشطة قال خرجت أنا وأصحاب لي فيهم إبراهيم بن أبي الهيثم إلى العقيق ومعنا رجل ناسك كنا نحتشم منه وكان محموما نائما وأحببنا أن نسمع من معنا من المغنين ونحن نهابه ونحتشمه فقلت له إن فينا رجلا ينشد الشعر فيحسن ونحن نحب أن نسمعه ولكنا نهابك قال فما علي منكم أنا محموم نائم فاصنعوا ما بدا لكم فاندفع إبراهيم بن أبي الهيثم فغنى ( يا أمّ بكرٍ حُبِّك البادِي ... لا تَصْرِميني إنّني غادي ) ( جَدّ الرحيلُ وحثَني صحْبي ... وأُريد إمتاعاً من الزَّادِ ) فأجاده وأحسنه قال فوثب الناسك فجعل يرقص ويصيح أريد إمتاعا من الزاد والله أريد إمتاعا من الزاد ثم كشف عن أيره وقال أنا أنيك أم الحمى قال يقول لي ابن الماشطة اعتقت ما أملك إن كان ناك أم الحمى أحد قبله أخبرني به الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أيوب فذكر الخبر ولم يذكر فيه كشف الناسك عن سوءته وما قاله بعد ذلك وفاة الغريض وكانت وفاة الغريض في أيام سليمان بن عبد الملك أو عمر بن عبد العزيز لم يتجاوزها والأشبة أنه مات في خلافة سليمان لأن الوليد كان ولي نافع بن علقمة مكة فهرب منه الغريض وأقام باليمن واستوطنها مدة ثم مات بها وأخبرني بخبره الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن المسيبى قال أخبرني بعض المخزوميين ايضا بخبره وأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان أن نافع بن علقمة لما ولي مكة خافه الغريض وكان كثيرا ما يطلبه فلم يجئه فهرب منه واستخفى في بعض منازل اخوانه قال فحدثني رجل من أهل مكة كان يخدمه أنه دفع إليه يوما ربعة له وقال له صر بها إلى فلان العطار يملؤها لي طيبا قال فصرت بها إليه فلقيني نافع بن علقمة فقال هذه ربعة الغريض والله فلم أقدر أن أكتمه فقلت نعم قال ما قصته فأخبرته الخبر فضحك وقال سر معي إلى المنزل ففعلت فملأها طيبا وأعطاني دنانير وقال أعطه وقل له يظهر فلا بأس عليه فسرت إليه مسرورا فأخبرته بذلك فجزع وقال الآن ينبغي أن أهرب إنما هذه حيلة احتالها علي لأقع في يده ثم خرج من وقته إلى اليمن فكان آخر العهد به قال إسحاق فحدثني هذا المخزومي أن الغريض لما صار إلى اليمن وأقام به اجتزنا به في بعض أسفارنا قال فلما رآني بكى فقلت له ما يبكيك قال بأبي أنت وأمي وكيف يطيب لي أن أعيش بين قوم يرونني أحمل عودي فيقولون لي يا هناه أتبيع آخرة الرحل فقلت له فارجع إلى مكة ففيها أهلك فقال يابن أخي إنما كنت أستلذ مكة وأعيش بها مع أبيك ونحوه وقد أوطنت هذا المكان ولست تاركه ما عشت قلنا له فغننا بشيء من غنائك فتأبى ثم أقسمنا عليه فأجاب وعمدنا إلى شاة فذبحناها وخرطنا من مصرانها أوتارا فشدها على عوده واندفع فغنى في شعر زهير ( جَرَى دَمْعي فهيَّج لي شُجُونا ... فقلبي يُسْتَجنُّ به جُنونا ) فما سمعنا شيئا أحسن منه فقلنا له ارجع إلى مكة فكل من بها يشتاقك ولم نزل نرغبه في ذلك حتى أجاب إليه ومضينا لحاجتنا ثم عدنا فوجدناه عليلا فقلنا ما قصتك قال جاءني منذ ليال قوم وقد كنت أغني في الليل فقالوا غننا فأنكرتهم وخفتهم فجعلت أغنيهم فقال لي بعضهم غنني ( لقد حَثُّوا الجمالَ لَيهْربُوا ... منّا فلم يَئِلُوا ) ففعلت فقام إلي هن منهم أزب فقال لي أحسنت والله ودق رأسي حتى سقطت لا أدري أين أنا فأقمتُ بعد ثالثة وأنا عليل كما ترى ولا أراني إلا سأموت قال فأقمنا عنده بقية يومنا ومات من غد فدفناه وانصرفنا أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة عن أبي غسان قال زعم المكيون أن الغريض خرج إلى بلاد عك فغنى ليلا ( هُمُ ركْبٌ لقُوا ركباً ... كما قد تجمعُ السُّبُلُ ) فصاح به صائح اكفف يا أبا مروان فقد سفهت حلماءنا وأصبيت سفهاءنا قال فأصبح ميتا أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن الخطاب قال حدثنا رجل من آل أبي قبيل يقال له محرز عن أبي قبيل قال رأيت الغريض وقال إسحاق في خبره المذكور حدثني محمد بن سلام عن أبي قبيل وهو مولى لآل الغريض قال شهدت مجمعا لآل الغريض إما عروسا أو ختانا فقيل له تغن فقال هو ابن زانية إن فعل فقال له بعض مواليه فأنت والله كذلك قال أو كذلك أناقال نعم قال أنت أعلم بي والله ثم أخذ الدف فرمى به وتمشى مشية لم أر أحسن منها ثم تغنى ( تَشَرَّبَ لونَ الرَّازِقيِّ بياضُه ... أو الزعفرانِ خالط المِسكَ رادعُهْ ) فجعل يغنيه مقبلا ومدبرا حتى التوت عنقه وخر صريعا وما رفعناه إلا ميتا وظننا أن فالجاً عاجله قال إسحاق وحدثني ابن الكلبي عن أبي مسكين قال إنما نهته الجن أن يتغنى بهذا الصوت فلما أغضبه مواليه تغناه فقتلته الجن في ذلك نسبة هذه الأصوات صوت منها ( جَرَى دَمْعي فهيَّج لي شُجُونَا ... فقلبي يُسْتَجَنُّ به جُنونا ) ( أأبكي للفِرَاق وكلُّ حيٍّ ... سيبكي حين يَفْتَقِد القَرِينا ) ( فإن تُصْبِح طُلَيْحَةُ فارقتني ... بَبيْنٍ فالرزيَّةُ أن تَبينا ) ( فقد بانتْ بكُرْهِي يوم بانتْ ... مُفَارقةً وكنتُ بها ضَنِينا ) الشعر لزهير والغناء للغريض عن حبش وقيل إنه لدحمان وفيه لأبي الورد خفيف رمل بالوسطى عن حبش والهشامي انقضت أخبار الغريض ومنها صوت من المائة المختارة في رواية جحظة ( لقد حَثُّوا الجِمالَ ليهرُبُوا ... منّا فلم يَئِلُوا ) ( على آثارهنّ مُقَلّص ... السِّرْبال مُعْتَمِلُ ) ( وفيهم قلبُك المَتبولُ ... بالحسناء مُخْتَبَلُ ) ( مُخَفّفة بحَمْل حمائل ... الدِّيباج والحُلَلِ ) ( أُسائل عاصما في السِّر ... أيْنَ تُراهُمُ نَزَلُوا ) ( فقال هُمُ قَرِيبٌ منكَ ... لو نفعوك إذ رَحَلُوا ) الشعر للحكم بن عبدل الأسدي والغناء في اللحن المختار للغريض ولحنه خفيف ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى في الأول والثاني من الأبيات وذكر الهشامي أن فيهما لحنا لمعبد من الثقيل الأول وفي الثالث وما بعده من الأبيات لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيها لإبراهيم ثقيل أول بالوسطى عن حبش وذكر أحمد بن عبيد أن الذي صح فيه أربعة ألحان منها لحنان في خفيف الثقيل للغريض ومالك ولحنان في الرمل لابن سريج ومخارق وذكر ابن الكلبي أن فيها لعريب رملا ثالثا وذكر حبش أن فيها لابن سريج خفيف رمل بالبنصر ولابن مسجح رملا بالبنصر ولابن سريج ثاني ثقيل بالبنصر هذه الألحان كلها في لقد حثوا والذي بعده أخبار الحكم بن عبدل ونسبه هو الحكم بن عبدل بن جبلة بن عمرو بن ثعلبة بن عقال بن بلال بن سعد بن حبال بن نصر بن غاضرة بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة شاعر مجيد مقدم في طبقته هجاء خبيث اللسان من شعراء الدولة الأموية وكان أعرج أحدب ومنزله ومنشؤه الكوفة الأعمى الذي لا يرد طلبه أخبرني محمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن إسرائيل قال حدثنا محمد بن إدريس القيسي بواسط قال حدثنا العتبي قال كان الحكم بن عبدل الأسدي أعرج لا تفارقه العصا فترك الوقوف بأبواب الملوك وكان يكتب على عصاه حاجته ويبعث بها مع رسله فلا يحبس له رسول ولا تؤخر له حاجة فقال في ذلك يحيى بن نوفل ( عَصَا حَكَمٍ في الدار أوّلُ داخلٍ ... ونحنُ على الأبواب نُقْصى ونُحْجَبُ ) ( وكانتْ عَصَا موسى لِفِرْعَوْنَ آيةً ... وهذي لعمرُ الله أدهَي وأعجبُ ) ( تُطاعُ فلا تُعْصى ويُحْذَرُ سُخْطُها ... ويُرْغَبُ في المَرْضاة منها وتُرْهَبُ ) قال فشاعت هذه الأبيات بالكوفة وضحك الناس منها فكان ابن عبدل بعد ذلك يقول ليحيى يابن الزانية ما أردت من عصاي حتى صيرتها ضحكة واجتنب أن يكتب عليها كما كان يفعل وكاتب الناس بحوائجه في الرقاع أخبرني عمي قال حدثنا الكراني وأخبرني ابن عمار قال حدثني يعقوب بن نعيم قال حدثنا أبو جعفر القرشي قال كان للحكم بن عبدل صديق أعمى يقال له أبو علية وكان ابن عبدل قد أقعد فخرجا ليلة من منزلهما إلى منزل بعض إخوانهما والحكم يحمل وأبو علية يقاد فلقيهما صاحب العسس بالكوفة فأخذهما فحبسهما فلما استقرا في الحبس نظر الحكم إلى عصا أبي علية موضوعة إلى جانب عصاه فضحك وأنشأ يقول ( حَبْسِي وحَبْسُ أبي عُلَيّة ... َ من أعاجيب الزمان ) ( أَعْمى يُقَادُ ومُقْعَدٌلا ... الرِّجْلُ منه ولا اليَدَانِ ) ( هذا بلا بَصَرٍ هناكَ ... وبي يَخُبُّ الحاملانِ ) ( يا مَنْ رأى ضبَّ الفَلاَةِ ... قَرِينَ حُوتٍ في مكانِ ) ( طِرْفي وطِرْفُ أبي عُلَيَّةَ ... دَهْرَنا مُتَوَافقان ) ( مَنْ يَفْتَخِرْ بجوادِهِ ... فَجِيَادُنَا عُكَّازتانِ ) ( طرْفانِ لا عَلَفَاهُمَا ... يُشْرَى ولا يَتَصَاوَلاَنِ ) ( هَبْنِي وإِيّاه الحريقَ ... أكان يَسْطَع بالدُّخانِ ) قال وكان اسم أبي علية يحيى فقال فيه الحكم أيضا ( أقول ليحيى ليلةَ الحبِس سَادِراً ... ونَوْمِي به نَوْمُ الأَسِيرِ المُقَيَّدِ ) ( أَعِنِّي علي رَعْي النجومْ ولحْظِها ... أُعِنْكَ على تحبير شِعْرٍ مُقٌصَّدِ ) ( ففي حالتَيْنا عِبرةٌ وتَفَكُّرٌ ... وأَعجبُ شيءٍ حَبْسُ أعمَى ومُقْعَدِ ) ( كِلاَنا إذا العُكَّازُ فارقَ كَفَّهُ ... يُنِيخ صَرِيعاً أو على الوجه يَسْجُدُ ) ( فعُكَّازة تَهْدي إلى السُّبْل أَكْمَهاً ... وأُخْرى مَقَامَ الرِّجل قامت مع اليَدِ ) اجتماع العرجان أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل قال حدثني أحمد بن بكير الأسدي قال حدثني محمد بن أنس السلامي الأسدي عن محمد بن سهل راوية الكميت قال ولي الشرطة بالكوفة رجل أعرج ثم ولي الإمارة آخر أعرج وخرج ابن عبدل وكان أعرج فلقي سائلاً اعرج وقد تعرض للأمير يسأله فقال ابن عبدل للسائل ( أَلْقِ العصا ودَعِ التخامُعَ والتَمِسْ ... عَمَلاً فهَذِي دَوْلَةُ العُرْجَانِ ) ( لأَميرِنا وأميِر شُرْطَتِنَا مَعاً ... يا قَوْمَنا لِكلَيْهِمَا رِجْلاَنِ ) ( فإذا يكونُ أميرُنا ووزيرُنا ... وأنَا فإنّ الرابعَ الشيطانُ ) فبلغت أبياته ذلك الأمير فبعث إليه بمائتي درهم وسأله أن يكف عنه وحدثنيه الأخفش عن عبيد الله اليزيدي عن سليمان بن أبي شيخ عن محمد بن الحكم عن عوانة عن عمر بن عبد العزيز قال ولي عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب الكوفة وضم إليه رجل من الأشعريين يقال له سهل وكانا جميعا ين ثم ذكر باقي الحديث مثل حديث يعقوب بن نعيم الحكم وعبد الملك بن بشر بن مروان أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن بشر بن مروان فجعل قعنب بن المحرز الباهلي عن الهيثم الأحمري قال كانت لابن عبدل الأسدي حاجة إلى عبد الملك بن إسرائيل عن يدخل عليه ولا يتهيأ له الكلام حتى جاءه رجل فقال إني رأيت لك رؤيا فقال هاتها فقصها عليه فقال ابن عبد وأنا قد رأيت أيضا قال هات ما رأيت فقال ( أَغْفيتُ قبلَ الصبح نومَ مُسَهَّدٍ ... في ساعةٍ ما كنتُ قبلُ أنامُها ) ( فَحَبوتَني فيما أرى بوليدةٍ ... مَغْنوجةٍ حَسَنٍ عليّ قِيامُها ) ( وبِبَدْرةٍ حُمِلتْ إليّ وبغلةٍ ... شَهْباء ناجيةٍ يصِلٌ لِجامُها ) ( ليتَ المنابرَ يابنَ بشْر أصبحتْ ... تُرقَى وأنتَ خطيبُها وإمامُها ) فقال له ابن بشر إذا رأيت هذا في اليقظة أتعرفه قال نعم وإنما رأيته قبيل الصبح قال يا غلام ادع فلانا فجاء بوكيله فقال هات فلانة فجاءت فقال أين هذه مما رأيت قال هي هي وإلا فعليه وعليه ثم دعا له ببدرة فقال مثل ذلك وببغلة فركبها وخرج فلقيه قهرمان عبد الملك قال أتبيعها قال نعم قال بكم قال بستمائة قال هي لك فأعطاه ستمائة فقال له أما والله لو أبيت إلا ألفا لأعطيتك قال إياي تندم لو أبيت إلا ستة لبعتك الحكم يهجو محمد بن حسان أخبرني عمي الحسن بن محمد قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم عن ابن عياش عن لقيط قال تزوج محمد بن حسان بن سعد التميمي امرأة من ولد قيس بن عاصم وهي ابنة مقاتل بن طلبة بن قيس زوجها إياه رجل منهم يقال له زياد فقال ابن عبدل ( أباعَ زيادٌ سوَّد الله وجهَهُ ... عَقِيلَةَ قومٍ سادةٍ بالدراهم ) ( وما كان حسّانُ بن سعدٍ ولا ابُنه ... أبو المسك من أكفاء قَيْس بن عاصم ) ( ولكنّه رد الزمانَ على استِهِ ... وضَيَّع أمرَ المُحصَنات الكرائم ) ( خُذِي دَيةً منه تكُنْ لكِ عُدّةً ... وجيئي إلى باب الأمير فخاصمي ) ( فلو كنت في رَوْحٍ لما قَلتُ خاصمِي ... ولكنَّما ألُقيت في سجن عارِمِ ) قال فلما بلغ أهلها شعره أنفوا من ذلك فاجتمعوا على محمد بن حسان حتى فارقها قال وكان محمد بن حسان عاملا على بعض كور السواد فسأله ابن عبدل حاجة فرده عنها فقال فيه هذا الشعر وغيره وهجاه هجاءً كثيرا أخبرني بهذا الخبر محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا أحمد بن بكير الأسدي عن محمد بن بشر السلامي عن محمد بن سهل راوية الكميت فذكر نحوا مما ذكره عمي وزاد فيه قال وكانت المرأة التي تزوجها معاذة بنت مقاتل بن طلبة فلما سمعت ما قال حذف ابن عبدل فيها نشزت على زوجها وهربت إلى أهلها فتوسطوا مابينهما وافتُديَتْ منه بمال وفارقها أخبرني عمي قال حدثني الكراني عن العمري عن عطاء عن يحيى بن نصر أبي زكريا قال سمع ابن عبدل الأسدي امرأة وهي تتمشى بالبلاط تتمثل بقوله ( أُعسِرُ أحياناً فتشتدّ عُسْرَتي ... وأُدْرِكُ ميسورً الغِنَى ومَعي عرْضي ) فقال لها ابن عبدل وكان قريبا منها يا أخيا أتعرفين قائل هذا الشعر قالت نعم ابن عبدل الأسدي قال أفتثبيتنه معرفة قالت لا قال فأنا هو وأنا الذي أقول ( وأُنْعِظُ أحياناً فينقدُّ جلدُهُ ... وأَعذِلُهُ جُهْدِي فلا ينفعُ العَذْلُ ) ( وأَزدادُ نَعْظاً حين أُبصِرُ جارتي ... فأُوثِقُة كيما يَثُوبَ له عَقْلُ ) ( وَرُبَّتَما لم أَدْرِ ما حِيلَتي له ... إذا هو أذاني وغَرَّ بِه الجهلُ ) ( فآويتُهُ في بطن جَارِي وجارتي ... مكابرةً قُدْما وإِنْ رَغِم البَعْلُ ) فقالت له المرأة بئس والله الجار للمغيبة أنت فقال إي والله وللتي معها زوجها وأبوها وابنها وأخوها ابن هبيرة لايخيب أمل الحكم أخبرني محمد بن زكريا الصحاف قال حدثنا قعنب بن المحرز الباهلي قال حدثنا الهيثم بن عدي وأخبرني به حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي بن الحسن قال حدثني أبو خالد الخزاعي الأسلمي عن الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال : قدم الحكم بن عبدل الشاعر الكوفي واسطا على ابن هبيره وكان بخيلا فأقبل حتى وقف بين يديه ثم قال ( أتيتك في أمرٍ مِنَ أمر عشيرتي ... وأَعْيَا الأمورِ المُفْظِعَاتِ جَسِيمُها ) ( فإِن قلتَ لي في حاجتي أنا فاعلٌ ... فقد ثَلِجَتْ نفسي وولَّتْ همومُها ) قال أنا فاعل إن اقتصدت فما حاجتك قال غرم لزمني في حمالة قال وكم هي قال أربعة الاف قال نحن مناصفوكها قال أصلح الله الأمير أتخاف علي التخمة إن أتممتها قال أكره أن أعود الناس هذه العادة قال فأعطني جميعها سرا وامنعني جميعها ظاهرا حتى تعود الناس المنع وإلا فالضرر عليك واقع إن عودتهم نصف ما يطلبون فضحك ابن هبيرة قال ما عندنا غير ما بذلناه لك فجثا بين يديه وقال امرأته طالق لاأخذت أقل من أربعة آلاف أو أنصرف وأنا غضبان قال أعطوه إياها قبحه الله فإنه ما علمت حلاف مهين فأخذها وانصرف أخبرني حبيب بن نصرالمهلبي قال حدثنا العنزي قال حدثني محمد بن معاوية الأسدي قال حدثني مشايخنا من بني أسد محمد بن أنس وغيره قالوا طاعون الكوفة ورثاء ابن عبدل لما وقع الطاعون بالكوفة أفنى بني غاضرة ومات فيه بنو زر بن حبيش الغاضري صاحب علي بن أبي طالب عليه السلام وكانوا ظرفاء وبنو عم لهم فقال الحكم بن عبدل الغاضري يرثيهم ( أبعدَ بني زِرٍّ وبعدَ ابن جَنْدَلٍ ... وعمرو أُرَجِّي لذَّة العيش في خَفْضِ ) ( مَضَوْا وبَقِينا نأمُلُ العيشَ بعدَهم ... ألاَ إن مَنْ يَبْقَى على إثْر مَنْ يَمْضي ) ( فقد كان حَوْلي من جِيَادٍ وسالٍم ... كُهُولٌ مَسَاعِيرٌ وكلُّ فتىً بَضِّ ) ( يَرَى الشُّحَّ عاراً والسماحةَ رِفْعَةً ... أغرُّ كعودِ البانةِ الناعمِ الغَضِّ ) هجاء محمد بن حسان قال أبو الفرج ونسخت من كتاب أبي محلم قال سأل الحكم بن عبدل أخو بني نصر بن قعين محمد بن حسان بن سعد حاجة لرجل سأله مسألته إياها فرده ولم يقضها فقال فيه ابن عبدل ( رأيتُ محمداً شَرِهاً ظلوماً ... وكنتُ أراهُ ذا وَرَعٍ وقَصْدِ ) ( يقول أماتني ربِّي خدَاعاً ... أماتَ اللهُ حسّانَ بن سَعْدِ ) ( فلولا كَسْبُه لَوُجِدْتَ فَسْلاً ... لَئِيم الكَسْب شأنُك شأنُ عَبْدِ ) ( ركِبتُ اليه في رَجُلٍ أتاني ... كريمٍ يَبْتغي المعروفَ عندي ) ( فقلتُ له وبعضُ القول نُصْحٌ ... ومنه ما أُسِرُّ له وأُبْدِي ) ( تَوَقَّ دراهمَ البَكْرِيِّ إني ... أخافُ عليك عاقبَةَ التعدِّي ) ( أَقَرِّبُ كلَّ اصرةٍ ليدنو ... فما يزدادُ مِنِّي غيَر بُعْدِ ) ( فأُقسمُ غيرَ مُسْتثنٍ يميناً ... أبا بَخرٍ لتتّخمَنَّ رَدِّي ) أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني احمد بن بكير الأسدي قال حدثني محمد بن أنس السلامي قال حدثني محمد بن سهل الأسدي راوية الكميت أن الحكم بن عبدل الأسدي أتى محمد بن حسان بن سعد التميمي وكان على خراج الكوفة فكلمه في رجل من العرب أن يضع عنه ثلاثين درهما من خراجه فقال أماتني الله إن كنت أقدر أن أضع من خراج أمير المؤمنين شيئا فانصرف ابن عبدل وهو يقول ( دَعِ الثلاثين لا تَعْرِض لصاحبها ... لا باركَ اللهُ في تلك الثلاثينا ) ( لَمّا علا صوتُه في الدار مُبْتَكرا ... كأشتفان يرى قوماً يَدُوسُونا ) ( أحسِنْ فإِنّك قد أُعطيتَ مملكةً ... إمارةً صرتَ فيها اليومَ مَفْتونا ) ( لايُعطِك اللهُ خيراً مثلَها أبداً ... أقسمتُ بالله إلاّ قلتَ آمينا ) قال فلم يضع له شيئا مما على الرجل فقال فيه ( رأيتُ محمداً شَرِهاً ظَلُوماً ... وكنتُ أراهُ ذا وَرَعٍ وقَصْدِ ) ( يقولُ أماتني ربِّي خداعاً ... أماتَ اللهُ حَسّانَ بنَ سَعْدِ ) ( فما صادفتَ في قَحْطان مِثْلي ... ولا صادفتُ مِثْلَكَ في مَعَدِّ ) ( أقلَّ براعةً وأشدّ بُخْلاً ... وألأمَ عندَ مسألة وحَمْدِ ) ( نحَوْتُ محمداً ودُخَانُ فيه ... كَرِيح الجَعْرِ فوقَ عَطِين جِلْدِ ) ( فَأُقسمُ غيرَ مُسْتَثْنٍ يَمينا ... أبا بخرٍلَتَتَّخِمَنَّ ردِّي ) ( فلو كنتَ المهذَّبَ من تميمٍ ... لَخِفْتَ ملامَتِي ورَجَوْتَ حَمْدِي ) ( نكهْتَ عليّ نَكْهَةَ أخْدَرِيّ ... شَتيمٍ أعْصَلِ الأنياب وَرْدِ ) ( فما يدنو إلى فَمِهِ ذُبابٌ ... ولو طُلِيَتْ مَشَافِرُهُ بقَنْدِ ) ( فإن أهديتَ لي من فِيك حَتْفا ... فإِنِّي كالذي أهديتَ مُهْدِي ) قال محمد بن سهل وما زال ابن عبدل يزيد في قصيدته هذه الدالية حتى مات وهي طويلة جدا قال واشتهرت حتى إن كان المكاري ليسوق بغله أو حماره فيقول عد أمات الله حسان بن سعد فإذا سمع ذلك أبوه قال بل أمات الله ابني محمدا فهو عرضني لهذا البلاء في ثلاثين درهما ابن عبدل وأبو المهاجر وعمر الأسدي أخبرني أحمد بن محمد بن زكريا الصحاف قال حدثنا قعنب بن محرز قال أخبرنا الهيثم بن عدي قال دعا أبو المهاجر الحكم بن عبدل ليشرب عنده وله جارية تغني فغنت فقال ابن عبدل ( يا أبا المُهَاجر قد أردتَ كرامتي ... فأهنتَني وضررتَني لو تَعْلَمُ ) ( عند التي لو مَسَّ جِلْدي جلدها ... يوماً بَقِيْتُ مخلَّداً لا أهْرَمُ ) ( أو كنتُ في أَحْمَى جهنَّمَ بقعةً ... فرأيتُها بَرَدَتْ عليَّ جهنَّمُ ) قال فجعل أبو المهاجر يضحك ويقول له ويحك والله لو كان إليها سبيل لوهبتها لك ولكن لها مني ولد أخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخزاز عن المدائني قال كان عمر بن يزيد الأسدي مبخلا ووجده أبوه مع أمة له فكان يعير بذلك وجاءه الحكم بن عبدل الأسدي ومعه جماعة من قومه يسألونه حاجة فدخلوا إليه وهو يأكل تمرا فلم يدعهم إليه وذكروا له حاجتهم فلم يقضها فقال فيه ابن عبدل ( جِئْنا وبين يديه التمر في طَبَقٍ ... فما دعانا أبو حَفْص ولا كادا ) ( علا على جسمه ثوبان من دَنَسٍ ... لؤمٌ وجُبْنٌ ولولا أَيْرُه سادا ) أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال أخبرنا محمد بن الحسن الأحول عن أبي نصر عن الأصمعي قال كانت امرأة موسرة بالكوفة وكانت لها على الناس ديون بالسواد فاستعانت بابن عبدل في دينها وقالت إني امرأة ليس لي زوج وجعلت تعرض بأنها تزوجه نفسها فقام ابن عبدل في دينها حتى اقتضاه فلما طالبها بالوفاء كتبت إليه ( سَيُخئطك الذي حاولتَ منّي ... فقطِّعْ حبلَ وصلك من حبالي ) ( كما أخطاك معروفُ ابن بِشْر ... وكنتَ تَعُدّ ذلك رأسَ مالِ ) قال وكان ابن عبدل أتى ابن بشر بالكوفة فسأله فقال له أخمسمائة أحب إليك الآن عاجلة أم ألف في قابل قال ألف في قابل فلما أتاه قال له ألف أحب إليك أم ألفان في قابل قال ألفان فلم يزل ذلك دأبة حتى مات ابن بشر وما أعطاه شيئا أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن لقيط قال دخل ابن عبدل على عبد الملك بن بشر فقال له ما أحدثت بعدي قال خطبت امرأة من قومي فردت علي جواب رسالتي ببيتي شعر قال وما هما قال قالت ( سخطئك الذي حاولتَ مني ... فقطّع حبلَ وصلك من حبالي ) ( كما أخطاك معروف ابن بشر ... وكنتَ تعدّ ذلك رأسَ مالِ ) فضحك عبد الملك ثم قال لجاد ما أذكرت بنفسك وأمر له بألفي درهم ابن عبدل وبشر بن مروان أخبرني أبو الحسن الأسدي وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا الحسن بن عليل قال حدثنا محمد بن معاوية الأسدي قال حدثني منجاب بن الحارث قال حدثني عبد الملك بن عفان قال كان الحكم بن عبدل الأسدي ثم الغاضري صديقا لبشر بن مروان فرأى منه جفاء لشغل عرض له فغبر عنه شهرا ثم التقيا فقال يابن عبدل مالك تركتنا وقد كنت لنا زوارا فقال ابن عبدل ( كنتُ أُثْني عليك خيراً فلمّا ... أضْمَر القلبُ من نَوالك ياسا ) ( كنت ذا مَنْصِب قَنِيتُ حيائي ... لم أقُل غير أن هجرتُك باسا ) ( لم أُطِق ما أردتَ بي يابن مروان ... سَتلقَى إذا أردتَ أناسا ) ( يَقْبلون الخَسيس منك ويُثْنون ... ثناءً مُدَخْمَسا دِخْمَاسا ) فقال له لا نسومك الخسيس ولا نريد منك ثناء مدخمسا ووصله وحمله وكساه أخبرني الأسدي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال وحدثني محمد بن معاوية قال حدثني منجاب بن الحارث عن عبد الملك بن عفان قال أراد عمر بن هبيرة أن يغزي الحكم بن عبدل الغاضري فاعتل بالزمانة فحمل وألقي بين يديه فجرده فإذا هو أعرج مفلوج فوضع عنه الغزو وضمه إليه وشخص به معه إلى واسط فقال الحكم بن عبدل ( لعَمْري لقد جرّدتني فوجدتني ... كثير العيوب سَيِّءَ المُتَجرِّد ) ( فأعفيْتَنِي لمّا رأيتَ زَمانتي ... وَوُفِّقت منِّي للقضاء المُسَدَّدِ ) فلما وصل عمر إلى واسط شكا إليه الحكم بن عبدل الضبعة فوهب له جارية من جواريه فواثبها ليلة صارت إليه فنكحها تسعا أو عشرا طلقا فلما أصبحت قالت له جعلت فداك من أي الناس أنت قال امرؤ من أهل الشام قالت بهذا العمل نصرتم أخبرني بهذا الخبر محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل قال حدثنا أحمد بن بكير الأسدي عن محمد بن أنس السلامي عن محمد بن سهل راوية الكميت فقال فيه ضرب الحجاج البعث على المحتلمين ومن أنبت من الصبيان فكانت المرأة تجيء إلى ابنها وقد جرد فتضمه إليها وتقول له بأبي جزعا عليه فسمي ذلك الجيش جيش بأبي وأحضر ابن عبدل فجرد فوجد أعرج فأعفي فقال في ذلك ( لعمري لقد جَرّدتني فوجدتني ... ) البيتين وزاد معهما ثالثا وهو ( ولستُ بذي شَيْخَيْن يلْتَزِمانه ... ولكن يَتِيمٌ ساقطُ الرِّجل واليدِ ) كره زوجته وقال فيها شعرا أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثنا العنزي قال حدثنا محمد بن معاوية عن منجاب عن عبد الملك بن عفان قال تزوج ابن عبدل امرأة من همدان فقالوا له على كم تزوجت فقال ( تَزوّجْتُ همْدانيّةً ذات بهجةٍ ... على نَمَط عادية ووسائدِ ) ( لعمري لقد غاليتُ بالمَهْر إنه ... كذاك يُغَالَى بالنساء المَواجِدِ ) قال فلما دخل بها كرهها فقال ( أَعاذِلتيّ من لومٍ دعاني ... أقِلاّ اللومَ إن لم تَعْذِراني ) ( فإني قد دُلِلْتُ على عجوز ... مُبَرقَعة مخَضّبة البَنانِ ) ( تَغَضّن جلدُها واخضرّ إلا ... إذا ما ضُرِّجَتْ بالزعفرانِ ) ( فلما أن دخلتُ وحادثَتْنِي ... أَظَلَّتْني بِيومٍ أَرْوَنانِ ) ( تُحدّثني عن الأزمان حتى ... سمعتُ نداءَ حُرِّ بالأذان ) ( فقالت قد نَكَحْتُ اثنين شَتّى ... فلما صاحَباني طَلّقاني ) ( وأربعةٌ نكحتُهم فماتوا ... فليتَ عَرِيف حَيِّ قد نعناي ) ( وقالت ما تِلادُك قلتُ مالي ... حمار ظالع ومَزَادتانِ ) ( وبُورِيُّ وأربعةٌ زُيُوف ... وثَوْبا مُفْلسٍ مُتَخَرِّقان ) ( وقِطعةُ جُلّة لا تَمْرَ فيها ... ودَنّا عومةٍ مُتَقَابِلانِ ) ( فقالت قد رَضِيتُ فسمِّ ألفا ... ليسمع ما تقولُ الشَّاهدانِ ) ( وما لكِ عندنا ألفٌ عَتِيد ... ولا تِسْعٌ تُعَدّ ولا ثَمَانِ ) ( ولا سَبْعٌ ولا سِتٌّ ولكن ... لكم عندي الطويلُ من الهَوانِ ) رثاء بشر بن مروان أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن أبيه عن ابن الكلبي قال كان الحكم بن عبدل الأسدي منقطعا إلي بشر بن مروان وكان يأنس به ويحبه ويستطيبه وأخرجه معه إلي البصرة لما وليها فلما مات بشر جزع عليه الحكم وقال يرثيه ( أصبحتُ جَمَّ بَلابِل الصَّدْرِ ... مُتَعجِّباً لتصرُّفِ الدّهرِ ) ( مازلتُ أطلبُ في البلاد فتىً ... ليكون لي ذُخْراً من الذُّخْرِ ) ( ويكون يسعدني وأُسعِده ... في كلّ نائبةٍ من الأمرِ ) ( حتى إذا ظَفِرتْ يدايَ به ... جاء القَضاءُ بحَيْنِه يَجْري ) ( إنّي لفي هَم يباكرني ... منه وهمٍّ طارقٍ يَسْري ) ( فلأَصْبِرَنَّ وما رأيتُ دوىً ... للهمّ غيرَ عزيمةِ الصبرِ ) ( واللهِ ما استعظمتُ فُرْقَتَه ... حتى أحاط بفضله خُبْرِي ) أخبرني ابن دريد قال حدثني عمي عن أبيه عن ابن الكلبي قال لما ظفر ابن الزبير بالعراق وأخرج عنها عمال بني أمية خرج ابن عبدل معهم إلى الشأم وكان ممن يدخل لى عبد الملك ويسمر عنده فقال لعبد الملك ليلة ( يا ليتَ شِعْرِي وليتٌ رُبَّمَا نفعتْ ... هل أبصِرنَّ بني العَوَّام قد شُمِلُوا ) ( بالذلّ والأَسْرِ والتشريد إنهمُ ... على البَريّة حَتْف حيثما نزَلُوا ) ( أم هل أراكَ بأكنافِ العراق وقد ... ذلّت لِعزِّك أقوامٌ وقد نَكَلُوا ) فقال عبد الملك ويروى أنه قائل هذا الشعر ( إن يُمكِن اللهُ من قَيْس ومن جَدَسٍ ... ومن جُذَام ويُقْتلْ صاحبُ الحَرَمِ ) ( نَضْرِب جَماجِمَ أقوامٍ على حَنَقٍ ... ضَرْباً يُنَكِّلُ عنّا سائر الأممِ ) ابن هبيرة وبنت ابن عبدل أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني هارون بن علي بن يحيى المنجم عن أبيه قال حدثني محمد بن عمر الجرجاني عن رجل من بني أسد قال خرج يزيد بن عمر بن هبيرة يسير بالكوفة فانتهى إلى مسجد بنى غاضرة وأقيمت الصلاة فنزل يصلي واجتمع الناس لمكانه في الطريق وأشرف النساء من السطوح فلما قضى صلاته قال لمن هذا المسجد قالوا لبني غاضرة فتمثل قول الشاعر ( ما إن تَرَكْنَ من الغواضر مُعْصِراً ... إلا فَصَمْنَ بساقها خَلْخَالا ) فقالت له امرأة من المشرفات ( ولقد عَطَفْنَ على فَزَارة عَطْفةً ... كَرَّ المَنِيحِ وجُلْنَ ثَمّ مَجَالا ) فقال يزيد من هذه فقالوا بنت الحكم بن عبدل فقال هل تلد الحية إلا حية وقام خجلا أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أحمد بن الهيثم قال حدثنا العمري عن عطاء بن مصعب عن عاصم بن الحدثان قال كان ابن عبدل الأسدي أعرج أحدب وكان من أطيب الناس وأملحهم فلقيه صاحب العسس ليلة وهو سكران محمول في محفة فقال له من أنت فقال له يا بغيض أنت أعرف بي من أن تسألني من أنا فاذهب إلى شغلك فإنك تعلم أن اللصوص لا يخرجون بالليل للسرقة محمولين في محفة فضحك الرجل وانصرف عنه أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا العباس بن ميمون طائع قال حدثني أبو عدنان عن الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال رأيت ابن عبدل الأسدي وقد دخل على ابن هبيرة فقال له أنشدني شيئا فقال أنشدك مقولة أيها الأمير قال هات فأنشده هذه الأبيات وهي قديمة وقد تمثل بها ابن الأشعث حين خرج ويروى أنها لأعشى همدان ( نجمّ ولا نُعطَى وتُعْطَى جُيُوشُهم ... وقد ملأوا من مالنا ذا الأكارعِ ) ( وقد كلّفُونا عُدّةً وروائعاً ... فَقَدْ وأبي رُعْنَاكُمُ بالرَّوائِعِ ) ( ونحنُ جَلَبْنَا الخيلَ من ألْفِ فَرْسخ ... إليكم بمُحمَرٍّ من الموت ناقِعِ ) قال فغضب ابن هبيرة من تعريضه به وقال له والله لولا أني قد أمنتك واستنشدتك لضربت عنقك أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان أبو عبد الله قال حدثنا القاسم بن عبد الرحمن قال كانت للحكم بن عبدل جارية سوداء وقد كان يميل إليها فولدت له ابنا أسود فكان من أعرم الصبيان فقال فيه ( يَا رُبّ خالٍ لكَ مُسْودّ القَفَا ... لا يَشْتَكي من رِجْله مَسّ الحَفَا ) ( كأنّ عَيْنَيْه إذا تشوَّفا ... عَيْنا غُرابٍ فوقَ نِيقٍ أشْرَفا ) أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان أبو عبد الله قال حدثنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا المدائني قال كان عمر بن يزيد الأسدي بخيلا على الطعام فدخل عليه الحكم بن عبدل الشاعر وهو يأكل بطيخا فسلم فلم يرد عليه السلام ولم يدعه إلى الطعام فقال ابن عبدل يهجوه ( في عمر بن يزيد خلَّتَا دَنَسٍ ... بُخلٌ وجُبْنٌ ولولا أَيْرُه سادا ) ( جئْنَاه يأكل بطّيخاً على طَبَقٍ ... فما دعانا أبو حفصٍ ولا كادا ) قال وكان عمر على شرطة الحجاج وكان بخيلا جدا فأصابه قولنج فحقنه الطبيب بدهن كثير فانحل ما في بطنه في الطست فقال الغلام ما تصنع به قال أصبه قال لا ولكن ميز منه الدهن واستصبح به ابن عبدل وكاتب عبد الملك بن بشر أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا أبو هفان قال كان لعبد المك بن بشر بن مروان كاتب يقال له محمد بن عمير وكان كلما مدحه ابن عبدل بشيْ وأمر له بجائزة دافعه بها وعارضه فيها فدخل يوما إلى عبد الملك وكاتبه هذا يساره فوقف وأنشأ يقول ( ألقيتَ نفسكَ في عَرُوض مَشَقَّةٍ ... وحَصَادُ أنفك بالمَناجِل أَهْونُ ) ( فبحقِّ أُمِّك وهي غيُرحقيقة ... باللِّين واللَّطف الذي لا يُخْزَن ) ( لا تُدْنِ فاكَ إلى الأمير ونَحِّه ... حتى يُداوِي نَتْنَه لك أهونُ ) ( إن كان للظَّرِبَان حُجْرٌ مُنْتِنٌ ... فلحُجْر أنفِكَ يا محمدُ أنتنُ ) أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا العنزي قال حدثني أحمد بن بكير الأسدي عن محمد بن أنس السلامي عن محمد بن سهل راوية الكميت قال خطب ابن عبدل امرأة من همدان يقال لها أم رياح فلم تتزوجه فقال أما والله لأفضحنك ولأعيرنك فقال ( فلا خيرَ في الفِتْيان بعد ابنِ عَبْدلٍ ... ولا في الزواني بعد أُمِّ رِياح ) ( يُرى بحمدِ الله ماضٍ مُجَرَّبٌ ... وأمّ رِيَاحٍ عُرْضَةٌ لنِكَاحِي ) قال فتحاماها الناس فما تزوجت حتى أسنت وبهذا الإسناد عن محمد بن سهل قال ولد للحكم بن عبدل ابن فسماه بشرا ودخل على بشر بن مروان فأنشده ( سَمّيْتُ بِشْراً ببشر النَّدَى ... فلا تَفْضَحنِّي بتَصْداقِهَا ) ( إذا ما قُريشٌ قُريشُ البَطاحِ ... عند تجمُّعِ آفاقِها ) ( تسامَتْ قُرُومُهم للنَّدى ... تُباري الرِّياحَ بأَوْراقِها ) ( فما لَك أنفعُ أموالِها ... وَخُلْقُكَ أكرمُ أخلاقِها ) فأمر له بألفي درهم وقال استعن بهذه على أمرك وبإسناده عن محمد بن سهل قال اقترض ابن عبدل مالا من التجار وحلف لهم بالطلاق ثلاثا أن يقضيهم المال عند طلوع الهلال فلما بقي من الشهر يومان قال ( قد بات هَمِّي قِرْناً أُكابِدُهُ ... كأنّما مَضْجَعِي على حَجَرِ ) ( من رَهْبَةٍ أنْ يُرَى هلالُ غدٍ ... فإِنْ رأوه فحقّ لي حَذَرِي ) ( من فقدِ بيضاء غادةٍ كَمُلتْ ... كأنها صورةٌ من الصُّورِ ) ( أصبحتُ من أهلي الغداةَ ومِن ... مالي على مثل ليلةِ الصَّدرِ ) فبلغ خبره عبد الملك بن بشر فأعطاهم ما لهم عليه وأضعفه له فقال فيه ( لمّا أتاه الذي أُصِبْتُ بِهِ ... وأَنْشَدُوه إيّاه في شِعْرِي ) ( جاد بضِعْفَيْ ما حلَّ من غُرمِي ... عفواً فزالت حرارةُ الصَّدْرِ ) ( لأشكرنَّ الذي مَنَنْتَ بِهِ ... ما دُمْتُ حياً وطال لي عُمْري ) وقال محمد بن سهل بهذا الإسناد اجتمع الشعراء إلى الحجاج وفيهم ابن عبدل فقالوا للحجاج إنما شعر ابن عبدل كله هجاء وشعر سخيف فقال له قد سمعت قولهم فاستمع مني قال هات فأنشده قوله ( وإِنّي لأَسْتَغْني فما أبْطَرُ الغِنَى ... وأَعْرِضُ مَيْسُوري لمَنْ يبْتَغِي قَرْضي ) ( وأُعْسرُ أحياناً فتَشْتَدُّ عُسْرَتي ... فأُدْرِكُ مَيسُورَ الغِنى ومعي عرْضي ) حتى انتهى إلى قوله ( ولستُ بذِي وَجْهيْن فيمن عَرَفْتَهُ ... ولا البُخْلُ فاعلَمْ من سَمائي ولا أَرْضي ) فقال له الحجاج أحسنت وفضله في الجائزة عليهم بألفي درهم صوت من المائة المختارة ( أَجَدّ بعَمْرةَ غُنْيَانُها ... فتهجُرَ أم شأننا شانها ) ( فإِنْ تُمس شطّت بها دارُها ... وباحَ لك اليومَ هِجْرانُها ) ( فما رَوْضةٌ من رِياض القطا ... كأنّ المَصابيحَ حَوْذَانُها ) ( بأحسنَ منها ولا مُزْنَةٌ ... دَلُوحٌ تَكَشَّفَ إدْجَانُها ) ( وعَمْرَةُ من سَرَوات النّساء ... تَنْفَحُ بالمسك أردانُها ) أجد استمر وغنيانها استغناؤها أم شأننا شانها يقول أم هي على ما تحب وشطت بعدت قال ابن الأعرابي يقال شطت وشطنت وشسعت وتشسعت وبعدت ونأت وتزحزحت وشطرت قال الشاعر ( لا تَتْرُكني فيهمُ شَطيرا ... ) ومنه سمي الشاطر وباح ظهر ومنه باحة الدار وأنشد ( أتكْتُمُ حُبّ سَلْمَى أم تَبُوحُ ... ) والروضة موضع فيه نبت وماء مستدير وكذلك الحديقة و قوله ( كأنّ المصابيحَ حَوْذَانُها ... ) أراد كأن حوذانها المصابيح فقلب و العرب تفعل ذلك قال الأعشى ( . . . كأنّ الجَمْرَ مثلُ تُرابِها ... ) أراد كأن ترابها مثل الجمر والمزنة السحابة والدلوح النقيلة يقال مر يدلح بحمله إذا مر مثقلا والدجن إلباس الغيم السحاب برش و ندى يقال أدجنت السماء وقوله تكشف إدجانها إذا انكشف السواد عنها وذلك أحسن لها وأراد مزنة بيضاء والأردان ما يلي الذراعين جميعا والإبطين من الكمين الشعر لقيس بن الخطيم والغناء لطويس خفيف ثقيل أول باطلاق الوتر في مجرى الوسطى الى هنا انتهى الجزء الثاني من كتاب الأغاني ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثالث منه وأوله ذكر قيس بن الخطيم واخباره ونسبه ذكر قيس بن الخطيم وأخباره ونسبه هو قيس بن الخطيم بن عدي بن عمرو بن سود بن ظفر ويكنى قيس أبا يزيد أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا محمد بن موسى بن حماد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال أنشد ابن أبي عتيق قول قيس بن الخطيم ( بينَ شُكُولِ النّساء خِلْقتُها ... حَذْواً فلا جَبْلَةٌ ولا قَضفُ ) فقال لولا أن أبا يزيد قال حذوا ما درى الناس كيف يحشون هذا الموضع وكان أبوه الخطيم قتل وهو صغير قتله رجل من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج فلما بلغ قتل قاتل أبيه ونشبت لذلك حروب بين قومه وبين الخزرج وكان سببها خداش بن زهير يساعد قيس بن الخطيم على الأخذ بالثأر فأخبرني علي بن سليمان الأخفش قال أخبرني أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل قال كان سبب قتل الخطيم أن رجلا من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج يقال له مالك اغتاله فقتله وقيس يومئذ صغير وكان عدي أبو الخطيم أيضا قتل قبله قتله رجل من عبد القيس فلما بلغ قيس بن الخطيم وعرف أخبار قومه وموضع ثأره ولم يزل يلتمس غرة من قاتل أبيه وجده في المواسم حتى ظفر بقاتل أبيه بيثرب فقتله وظفر بقاتل جده بذي المجاز فلما أصابه وجده في ركب عظيم من قومه ولم يكن معه إلا رهط من الأوس فخرج حتى أتى حذيفة بن بدر الفزاري فاستنجده فلم ينجده فأتى خداش بن زهير فنهض معه ببني عامر حتى أتوا قاتل عدي فإذا هو واقف على راحلته في السوق فطعنه قيس بحربة فقتله ثم استمر فأراده رهط الرجل فحالت بنو عامر دونه فقال في ذلك قيس بن الخطيم ( ثأرتُ عَدِيّاً والخَطيمَ فلم أُضِعْ ... وِلايةَ أشباخٍ جُعلتُ إزاءَها ) ( ضربتُ بذي الزَّجَّيْنِ رِبْقةَ مالكٍ ... فأُبتُ بنفسٍ قد أصبتُ شفاءَها ) ( وسامَحَنِي فيها ابنُ عمرو بنِ عامرٍ ... خِدَاشٌ فأدَّى نعمةً وأفاءها ) ( طعنتُ ابنَ عبد القَيْس طعنةَ ثائرٍ ... لها نَفَذٌ لولا الشُّعاعُ أضاءها ) ( ملكت بها كفِّي فأَنْهَرْتُ فَتْقَها ... يَرى قائمٌ من دونِها ما وراءَها ) هذه رواية ابن الأعرابي عن المفضل وأما ابن الكلبي فإنه ذكر أن رجلا من قريش أخبره عن أبي عبيدة أن محمد بن عمار بن ياسر وكان عالما بحديث الأنصار قال كان من حديث قيس بن الخطيم أن جده عدي بن عمرو قتله رجل من بني عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة يقال له مالك وقتل أباه الخطيم بن عدي رجل من عبد القيس ممن يسكن هجر وكان قيس يوم قتل أبوه صبيا صغيرا وقتل الخطيم قبل أن يثأر بأبيه عدي فخشيت أم قيس على ابنها أن يخرج فيطلب بثأر أبيه وجده فيهلك فعمدت إلى كومة من تراب عند باب دارهم فوضعت عليها أحجارا وجعلت تقول لقيس هذا قبر أبيك وجدك فكان قيس لا يشك أن ذلك على ذلك ونشأ أيدا شديد الساعدين فنازع يوما فتى من فتيان بني ظفر فقال له ذلك الفتى والله لو جعلت شدة ساعديك على قاتل أبيك وجدك لكان خيرا لك من أن تخرجها علي فقال ومن قاتل أبي وجدي قال سل أمك تخبرك فأخذ السيف ووضع قائمه على الأرض وذبابه بين ثدييه وقال لأمه أخبريني من قتل أبي وجدي قالت ماتا كما يموت الناس وهذان قبراهما بالفناء فقال والله لتخبرينني من قتلهما أو لأتحاملن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري فقالت أما جدك فقتله رجل من بني عمرو بن عامر بن ربيعة يقال له مالك وأما أبوك فقتله رجل من عبد القيس ممن يسكن هجر فقال والله لا أنتهي حتى أقتل ============================================ ج5. كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني قاتل أبي وجدي فقالت يا بني إن مالكا قاتل جدك من قوم خداش بن زهير ولأبيك عند خداش نعمة هو لها شاكر فأته فاستشره في أمرك واستعنه يعنك قيس بن الخطيم يخرج إلى خداش بن زهير فخرج قيس من ساعته حتى أتى ناضحه وهو يسقي نخله فضرب الجرير بالسيف فقطعه فسقطت الدلو في البئر وأخذ برأس الجمل فحمل عليه غرارتين من تمر وقال من يكفيني أمر هذه العجوز يعني أمه فإن مت أنفق عليها من هذا الحائط حتى تموت ثم هوله وإن عشت فما لي عائد إلي وله منه ما شاء أن يأكل من تمره فقال رجل من قومه أنا له فأعطاه الحائط ثم خرج يسأل عن خداش بن زهير حتى دل عليه بمر الظهران فصار إلى خبائه فلم يجده فنزل تحت شجرة يكون تحتها أضيافه ثم نادى امرأة خداش هل من طعام فأطلعت إليه فأعجبها جماله وكان من أحسن الناس وجها فقالت والله ما عندنا من نزل نرضاه لك إلا تمرا فقال لا أبالي فأخرجي ما كان عندك فأرسلت إليه بقباع فيه تمر فأخذ منه تمرة فأكل شقها ورد شقها الباقي في القباع ثم أمر بالبقاع فأدخل على امرأة خداش بن زهير ثم ذهب لبعض حاجاته ورجع خداش فأخبرته امرأته خبر قيس فقال هذا رجل متحرم زهير بن خداش يخبر قيس بن الخطيم عن قاتلي أبيه وجده وأقبل قيس راجعا وهو مع امرأته يأكل رطبا فلما رأى خداش رجله وهو على بعيره قال لامرأته هذا ضيفك قالت نعم قال كأن قدمه قدم الخطيم صديقي اليثربي فلما دنا منه قرع طنب البيت بسنان رمحه واستأذن فأذن له خداش فدخل إليه فنسبه فانتسب وأخبره بالذي جاء له وسأله أن يعينه وأن يشير عليه في أمره فرحب به خداش وذكر نعمة أبيه عنده وقال إن هذا الأمر ما زلت أتوقعه منك منذ حين فأما قاتل جدك فهو ابن عم لي وأنا أعينك عليه فإذا اجتمعنا في نادينا جلست إلى جنبه وتحدثت معه فإذا ضربت فخذه فثب إليه فاقتله فقال قيس فأقبلت معه نحوه حتى قمت على رأسه لما جالسه خداش فحين ضرب فخذه ضربت رأسه بسيف يقال له ذو الخرصين فثار إلي القوم ليقتلوني فحال خداش بينهم وبيني وقال دعوه فإنه والله ما قتل إلا قاتل جده ثم دعا خداش بجمل من إبله فركبه وانطلق مع قيس إلى العبدي الذي قتل أباه حتى إذا كانا قريبا من هجر أشار عليه خداش أن ينطلق حتى يسأل عن قاتل أبيه فإذا دل عليه قال له إن لصا من لصوص قومك عارضني فأخذ متاعا لي فسألت من سيد قومه فدللت عليك فانطلق معي حتى تأخذ متاعي منه فإن اتبعك وحده فستنال ما تريد منه وإن أخرج معه غيره فاضحك فإن سألك مم ضحكت فقل إن الشريف عندنا لا يصنع كما صنعت إذا دعي إلى اللص من قومه إنما يخرج وحده بسوطه دون سيفه فإذا رآه اللص أعطى كل شيء أخذ هيبة له فإن أمر أصحابه بالرجوع فسبيل ذلك وإن أبي إلا أن يمضوا معه فأتني به فإني أرجو أن تقتله وتقتل أصحابه ونزل خداش تحت ظل شجرة وخرج قيس حتى أتى العبدي فقال له ما أمره خداش فأحفظه فأمر أصحابه فرجعوا ومضى مع قيس فلما طلع على خداش قال له اختر يا قيس إما أن أعينك وإما أن أكفيك قال لا أريد واحدة منهما ولكن إن قتلني فلا يفلتنك ثم ثار إليه فطعنه قيس بالحربة في خاصرته فأنفذها من الجانب الآخر فمات مكانه فلما فرغ منه قال له خداش إنا إن فررنا الآن طلبنا قومه ولكن ادخل بنا مكانا قريبا من مقتله فإن قومه لا يظنون أنك قتلته وأقمت قريبا منه ولكنهم إذا افتقدوه اقتفوا أثره فإذا وجدوه قتيلا خرجوا في طلبنا في كل وجه فإذا يئسوا رجعوا قال فدخلا في دارات من رمال هناك وفقد العبدي قومه فاقتفوا أثره فوجدوه قتيلا فخرجوا يطلبونهما في كل وجه ثم رجعوا فكان من أمرهم ما قال خداش وأقاما مكانهما أياما ثم خرجا فلم يتكلما حتى أتيا منزل خداش ففارقه عنده قيس بن الخطيم ورجع إلى أهله ففي ذلك يقول قيس ( تذكَّر ليلَى حسنَها وصفَاءَها ... وبانتْ فما إن يستطيعُ لقاءَها ) ( ومِثْلُكِ قد أَصبيتُ ليست بكَنَّةٍ ... ولا جارةٍ أَفْضتْ إليّ خِباءَها ) ( إذا مااصطبحتُ أربعاً خَطّ مِئْزَرِي ... وأَتْبعتُ دِلْوِي في السَّماحِ رِشاءَها ) ( ثَأرتُ عديّاً والخَطيمَ فلم أُضِعْ ... وصّيَة أشياخٍ جُعِلتُ إزاءَها ) وهي قصيدة طويلة رسول الله يستنشد شعر قيس ويعجب بشجاعته أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن إسرائيل قال حدثنا زكريا بن يحيى المنقري قال حدثنا زياد بن بيان العقيلي قال حدثنا أبو خولة الأنصاري عن أنس بن مالك قال جلس رسول الله في مجلس ليس فيه إلا خزرجي ثم استنشدهم قصيدة قيس بن الخطيم يعني قوله ( أتعرف رسماً كاطّرادِ المذاهبِ ... لعَمْرَةَ وَحْشاً غيرَ موقِف راكِبِ ) فأنشده بعضهم إياها فلما بلغ إلى قوله ( أُجَالِدُهم يومَ الحَدِيقة حاسِراً ... كأن يدي بالسيف مِخْراقُ لاعبِ ) فالتفت إليهم رسول الله فقال هل كان كما ذكر فشهد له ثابت بن قيس بن شماس وقال له والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد خرج إلينا يوم سابع عرسه عليه غلالة وملحفة مورسة فجالدنا كما ذكر وهكذا في هذه الرواية وقد أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب قال لم تكن بينهم في هذه الأيام حروب إلا في يوم بعاث فإنه كان عظيما وإنما كانوا يخرجون فيترامون بالحجارة ويتضاربون بالخشب قال الزبير وأنشدت محمد بن فضالة قول قيس بن الخطيم ( أجالدهم يوم الحديقة حاسراً ... كأن يدي بالسيف مخراقُ لاعبِ ) فضحك وقال ما اقتتلوا يومئذ إلا بالرطائب والسَّعَف قال أبو الفرج وهذه القصيدة التي استنشدهم إياها رسول الله من جيد شعر قيس بن الخطيم ومما أنشده نابغة بني ذبيان فاستحسنه وفضله وقدمه من أجله أخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الزبير بن بكار قال قال أبو غزية قال حسان بن ثابت قدم النابغة المدينة فدخل السوق فنزل عن راحلته ثم جثا على ركبتيه ثم اعتمد على عصاه ثم أنشأ يقول ( عرفتُ منازلاً بعُرَيْتنَاتٍ ... فأعلَى الجِزْع للحَيّ المُبِنِّ ) فقلت هلك الشيخ ورأيته قد تبع قافية منكرة قال ويقال إنه قالها في موضعه فما زال ينشد حتى أتى على آخرها ثم قال ألا رجل ينشد فتقدم قيس بن الخطيم فجلس بين يديه وأنشده ( أتعرف رَسْما كاطراد المذاهبِ ... ) حتى فرغ منها فقال أنت أشعر الناس يابن أخي قال حسان فدخلني منه وإني في ذلك لأجد القوة في نفسي عليهما ثم تقدمت فجلست بين يديه فقال أنشد فوالله إنك لشاعر قبل أن تتكلم قال وكان يعرفني قبل ذلك فأنشدته فقال أنت أشعر الناس قال الحسن بن موسى وقالت الأوس لم يزد قيس بن الخطيم النابغة على ( أتعرف رسما كاطّراد المذاهِبِ ... ) نصف البيت حتى قال أنت أشعر الناس صفات قيس بن الخطيم الجسدية أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الزبير قال قال سليمان بن داود المجمعي كان قيس بن الخطيم مقرون الحاجبين أدعج العينين أحمر الشفتين براق الثنايا كأن بينها برقا ما رأته حليلة رجل قط إلا ذهب عقلها أخبرني الحسن قال حدثنا محمد قال حدثنا الزبير قال حدثني حسن بن موسى عن سليمان بن داود المجمعي قال قال حسان بن ثابت للخنساء اهجي قيس بن الخطيم فقالت لا أهجو أحدا أبدا حتى أراه قال فجاءته يوما فوجدته في مشرقة ملتفا في كساء له فنخسته برجلها وقالت قم فقام فقالت أدبر فأدبر ثم قالت أقبل فأقبل قال والله لكأنها تعترض عبدا تشتريه ثم عاد إلى حاله نائما فقالت والله لا أهجو هذا أبدا قال الزبير وحدثني عمي مصعب قال كانت عند قيس بن الخطيم حواء بنت يزيد بن سنان بن كريز بن زعوراء فأسلمت وكانت تكتم قيس بن الخطيم إسلامها فلما قدم قيس مكة عرض عليه رسول الله الإسلام فاستنظره قيس حتى يقدم رسول الله المدينة فسأله رسول الله أن يجتنب زوجته حواء بنت يزيد وأوصاه بها خيرا وقال له إنها قد أسلمت ففعل قيس وحفظ وصية رسول الله فبلغ رسول الله فقال وفي الأُدَيْعِجُ قال أبو الفرج وأحسب هذا غلطا من مصعب وأن صاحب هذه القصة قيس بن شماس وأما قيس بن الخطيم فقتل قبل الهجرة مقتل ابن الخطيم على أيدي الخزرج أخبرني علي بن سليمان الأخفش النحوي عن أبي سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل أن حرب الأوس والخزرج لما هدأت تذكرت الخزرج قيس بن الخطيم ونكايته فيهم فتوامروا وتواعدوا قتله فخرج عشية من منزله في ملاءتين يريد مالا له بالشوط حتى مر بأُطُمِ بني حارثة فرمي من الأطم بثلاثة أسهم فوقع أحدها في صدره فصاح صيحة سمعها رهطه فجاءوا فحملوه إلى منزله فلم يروا له كفأ إلا أبا صعصعة يزيد بن عوف بن مدرك النجاري فاندس إليه رجل حتى اغتاله في منزله فضرب عنقه واشتمل على رأسه فأتى به قيسا وهو بآخر رمق فألقاه بين يديه وقال يا قيس قد أدركت بثأرك فقال عضضت بأير أبيك إن كان غير أبي صعصعة فقال هو أبو صعصعة وأراه الرأس فلم يلبث قيس بعد ذلك أن مات وهذا الشعر أعني ( أجَدّ بعَمْرة غنيانُها ... ) فيما قيل يقوله قيس في عمرة بنت رواحة وقيل بل قاله في عمرة امرأة كانت لحسان بن ثابت وهي عمرة بنت صامت بن خالد وكان حسان ذكر ليلى بنت الخطيم في شعره فكافأه قيس بذلك وكان هذا في حربهم التي يقال لها يوم الربيع فأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال أخبرنا الزبير قال حدثني مصعب قال مر حسان بن ثابت بليلى بنت الخطيم وقيس بن الخطيم أخوها بمكة حين خرجوا يطلبون الحلف في قريس فقال له حسان أظعني فالحقي بالحي فقد ظعنوا وليت شعري ما خلفك وما شأنك أقل ناصرك أم راث رافدك فلم تكلمه وشتمه نساؤها فذكرها في شعره في يوم الربيع الذي يقول فيه ( لقد هاج نفسَك أَشْجانُها ... وعاودها اليومَ أَدْيَانُها ) ( تذكرتَ ليلَى وأنَّى بها ... إذا قُطِّعتْ منك أَقْرَانُها ) ( وحَجَّل في الدار غِرْبَانُها ... وخَفَّ من الدار سُكَّانُها ) ( وغيَّرها مُعْصِرَاتُ الرِّياح ... وسَحُّ الجَنُوب وتَهْتانُها ) ( مَهَاةٌ من العِينِ تَمْشِي بها ... وتَتْبَعُها ثَمّ غِزْلاَنُها ) ( وقفتُ عليها فساءلتَها ... وقد ظَعن الحيُّ ما شانُها ) ( فعَيَّتْ وجاوبني دونَها ... بما راع قلبيَ أعوانُها ) وهي طويلة فأجابه قيس بن الخطيم بهذه القصيدة التي أولها ( أجَدّ بعَمْرة غُنْيَانُها ... ) وفخر فيها بيوم الربيع وكان لهم فقال ( ونحن الفوارسُ يومَ الرَّبيع ... قد علِمُوا كيف فُرْسَانُها ) ( حِسانُ الوجوه حِدادُ السيوف ... يبْتَدِرُ المجدَ شُبَّانُها ) وهي أيضا طويلة أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال أخبرنا الأصمعي قال حدثني شيخ قدم من المدينة وأخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان عن أبي السائب المخزومي وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال ذكر لي عن جعفر بن محرز السدوسي قالوا دخل النعمان بن بشير الأنصاري المدينة أيام يزيد بن معاوية وابن الزبير فقال والله لقد أخفقت أذناي من الغناء فأسمعوني فقيل له لو وجهت إلى عزة فإنها من قد عرفت قال إي ورب البيت إنها لمن يزيد النفس طيبا والعقل شحذا ابعثوا إليها عن رسالتي فإن أبت صرنا إليها فقال له بعض القوم إن النقلة تشتد عليها لثقل بدنها وما بالمدينة دابة تحملها فقال النعمان وأين النجائب عليها الهوادج فوجه إليها بنجيب فذكرت علة فلما عاد الرسول إلى النعمان قال لجليسه أنت كنت أخبر بها قوموا بنا فقام هو مع خواص أصحابه حتى طرقوها فأذنت وأكرمت واعتذرت فقبل النعمان عذرها وقال غنيني فغنته ( أجَدَّ بعَمْرة غُنْيانُها ... فتهجُرَ أم شأنُنا شانُها ) فأشير إليها أنها أمة فسكتت فقال غنيني فوالله ما ذكرت إلا كرما وطيبا لا تغنيني سائر اليوم غيره فلم تزل تغنيه هذا اللحن فقط حتى انصرف وتذاكروا هذا الحديث عند الهيثم بن عدي فقال ألا أزيدكم فيه طريفة قلنا بلى يا أبا عبد الرحمن قال قال لقيط كنت عند سعيد الزبيري قال سمعت عامرا الشعبي يقول اشتاق النعمان بن بشير إلى الغناء فصار إلى منزل عزة فلما انصرف إذا امرأة بالباب منتظرة له فلما خرج شكت إليه كثرة غشيان زوجها إياها فقال لها النعمان بن بشير لأقضين بينكما بقضية لا ترد علي قد أحل الله له من النساء مثنى وثلاث ورباع فله امرأتان بالنهار وامرأتان بالليل فهذا يدل على أن المعنية بهذا الشعر عمرة بنت رواحة وأما ما ذكر أنه غنى عمرة امرأة حسان بن ثابت فأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الزبير بن بكار عن عمه أن قيس بن الخطيم لما ذكر حسان أخته ليلى في شعره ذكر امرأته عمرة وهي التي يقول فيها حسان ( أزمعتْ عَمْرة صرْماً فابْتَكرْ ... ) قول حسان بن ثابت في زوجه عمرة بنت الصامت أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب قال تزوج حسان بن ثابت عمرة بنت الصامت بن خالد بن عطية الأوسية ثم إحدى بني عمرو بن عوف فكان كل واحد منهما معجبا بصاحبه وإن الأوس أجاروا مخلد بن الصامت الساعدي فقال في ذلك أبو قيس بن الأسلت ( أجرتُ مخلَّداً ودفعتُ عنه ... وعند الله صالح ما أتيتُ ) فتكلم حسان في أمره بكلام أغضب عمرة فعيرته بأخواله وفخرت عليه بالأوس فغضب لهم فطلقها فأصابها من ذلك ندم وشدة وندم هو بعد فقال صوت ( أزمعتْ عمرةُ صرماً فاْبْتَكِرْ ... إنما يُدْهَن للقلبِ الحَصِرْ ) ( لا يكن حبُّكِ حبّاً ظاهراً ... ليس هذا منكِ يَا عَمْر بِسرّ ) ( سألتْ حَسّانَ مَن أخوالُه ... إنما يَسأل بالشيء الغُمُرْ ) ( قلتُ أخوالي بنو كَعبٍ إذا ... أسلم الأبطالُ عوراتِ الدُّبُرْ ) يريد يدهن القلب فأدخل اللام زائدة للضرورة عمر ترخيم عمرة والسر الخالص الحسن غنت في هذه الأبيات عزة الميلاء ثاني ثقيل بالبنصر من رواية حبش وتمام القصيدة ( رُبَّ خالٍ ليَ لو أبصرتِهِ ... سبِطِ المِشْيَة في اليوم الخَصِرْ ) ( عند هذا الباب إذ ساكَنَه ... كلُّ وجهٍ حسنِ النُّقْبَة حُرّ ) ( يُوقِد النارَ إذا ما أُطْفِئَتْ ... يُعْمِل القِدْرَ بأَثْبَاج الجُزُرْ ) ( من يُغرُّ الدهرُ أو يأمنُه ... من قَبيلٍ بعد عمرو وحُجُرْ ) ( مَلَكَا من جبل الثلج إلى ... جانِبَيْ أيلَةَ من عبدٍ وحُرّ ) ( ثم كانا خيرَ من نالَ النَّدَى ... سبَقا الناسَ بإقساطٍ وبِرّ ) ( فارسيْ خيلٍ إذا ما أمسكتْ ... ربّةُ الخِدْرِ بأطرافِ السُّتُرْ ) ( أَتَيَا فارسَ في دارهمُ ... فتناهَوْا بعد إعصارٍ بقرّْ ) ( ثم نادَوْا يالَغَسّانَ اصبِرُوا ... إنه يومُ مَصَاليتَ صُبُرْ ) ( اِجعلوا مَعْقِلَها أيمانَكم ... بالصَّفِيح المُصْطَفَى غيرِ الفُطُرْ ) ( بِضرَابٍ تأذَن الجِنُّ له ... وطِعانٍ مثلِ أَفْواه الفُقُرْ ) ( ولقد يعلَم مَنْ حارَبنا ... أننا ننفع قِدْماً ونضُرّ ) ( صُبُرٌ للموت إن حَلَّ بنا ... صادِقُو البأسِ غَطَارِيفُ فُخُرْ ) ( وأقام العزُّ فينا والغِنَى ... فلنا فيه على الناس الكُبُرْ ) ( منهمُ أَصْلِي فمن يفْخَرْ به ... يَعرِف الناسُ بفخرِ المفتخِرْ ) ( نحن أهل العزّ والمجد معاً ... غيرُ أنكاسٍ ولا مِيلٍ عُسُرْ ) ( فاسألوا عنا وعن أفعالنا ... كلُّ قومٍ عندهم علمُ الخَبَرْ ) قال الزبير فحدثني عمي قال ثم إن حسان بن ثابت مر يوما بنسوة فيهن عمرة بعد ما طلقها فأعرضت عنه وقالت لامرأة منهن إذا حاذاك هذا الرجل فاسأليه من هو وآنسبيه وآنسبي أخواله وهي متعرضة له فلما حاذاهن سألته من هو ونسبته فانتسب لها فقالت فمن أخوالك فأخبرها فبصقت عن شمالها وأعرضت عنه فحدد النظر إليها وعجب من فعلها وجعل ينظر إليها فبصر بامرأته وهي تضحك فعرفها وعلم أن الأمر من قبلها أتى فقال في ذلك ( قالت له يوماً تخاطِبُه ... رَيّا الروادِف غادَةُ الصُّلبِ ) ( أما المروءةُ والوَسَامةُ أو ... حُشُم الرجال فقد بدا حَسْبِي ) ( فوَدِدْتُ أنك لو تُخَبِّرنا ... مَنْ والداكَ ومِنصبُ الشَّعْبِ ) ( فضحكتُ ثم رَفعتُ متَّصِلاً ... صوتي كرفعِ المنطق الشَّغْبِ ) ( جَدِّي أبو لَيْلَى ووالدُه ... عمروٌ وأخوالي بنو كَعْبِ ) ( وأنا من القوم الذين إذا ... أزَم الشتاءُ بحَلْقة الجَدْبِ ) ( أعطَى ذوو الأموال مُعْسِرَهم ... والضاربين بمَوْطِن الرُّعْبِ ) قال مصعب أبو ليلى الذي عناه حسان حرام بن عمرو بن زيد مناة ومما فيه صنعة من المائة المختارة من شعر قيس بن الخطيم صوت ( حَوْراءُ مَمْكورةٌ منعَّمةٌ ... كأنما شَفَّ وجهَها نُزُفُ ) ( تنامُ عن كُبْرِ شأنها فإذا ... قامتْ رُويداً تكاد تنقصفُ ) ( أوحشَ من بَعدِ خُلَّةٍ سَرِفُ ... فالمُنْحنى فالعَقيقُ فالجُرُفُ ) الشعر لقيس بن الخطيم سوى البيت الثالث والغناء لقفا النجار ولحنه المختار ثاني ثقيل هكذا ذكر يحيى بن علي في الاختيار الواثقي وهو في كتاب إسحاق لقفا النجار ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر ولعله غير هذا اللحن المختار أسباب الحرب بين مالك بن العجلان وبني عمرو بن عوف وهذا الشعر يقوله قيس بن الخطيم في حرب كانت بينهم وبين بني جحجبي وبني خطمة ولم يشهدها قيس ولا كانت في عصره وإنما أجاب عن ذكرها شاعرا منهم يقال له درهم بن يزيد قال أبو المنهال عتيبة بن المنهال بعث رجل من غطفان من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان إلى يثرب بفرس وحلة مع رجل من غطفان وقال ادفعهما إلى أعز أهل يثرب قال وقيل إن الباعث بهما عبد ياليل بن عمرو الثقفي قال وقيل بل الباعث بهما علقمة بن علاثة فجاء الرسول بهما حتى ورد سوق بني قينقاع فقال ما أمر به فوثب إليه رجل من غطفان كان جارا لمالك بن العجلان الخزرجي يقال له كعب الثعلبي فقال مالك بن العجلان أعز أهل يثرب وقام رجل آخر فقال بل أحيحة بن الجلاح أعز أهل يثرب وكثر الكلام فقبل الرسول الغطفاني قول الثعلبي الذي كان جارا لمالك بن العجلان ودفعهما إلى مالك فقال كعب الثعلبي ألم أقل لكم إن حليفي أعزكم وأفضلكم فغضب رجل من بني عمرو بن عوف يقال له سمير فرصد الثعلبي حتى قتله فأخبر مالك بذلك فأرسل إلى بني عوف بن عمرو بن مالك بن الأوس إنكم قتلتم منا قتيلا فأرسلوا إلينا بقاتله فلما جاءهم رسول مالك تراموا به فقالت بنو زيد إنما قتلته بنو جحجبى وقالت بنو جحجبى إنما قتلته بنو زيد ثم أرسلوا إلى مالك إنه قد كان في السوق التي قتل فيها صاحبكم ناس كثير ولا يدرى أيهم قتله وأمر مالك أهل تلك السوق أن يتفرقوا فلم يبق فيها غير سمير وكعب فأرسل مالك إلى بني عمرو بن عوف بالذي بلغه من ذلك وقال إنما قتله سمير فأرسلوا به إلي أقتله فأرسلوا إليه إنه ليس لك أن تقتل سميرا بغير بينة وكثرت الرسل بينهم في ذلك يسألهم مالك أن يعطوه سميرا ويأبون أن يعطوه إياه ثم إن بني عمرو بن عوف كرهوا أن ينشبوا بينهم وبين مالك حربا فأرسلوا إليه يعرضون عليه الدية فقبلها فأرسلوا إليه إن صاحبكم حليف وليس لكم فيه إلا نصف الدية فغضب مالك وأبي أن يأخذ فيه إلا الدية كاملة أو يقتل سميرا فأبت بنو عمرو بن عوف أن يعطوه إلا دية الحليف وهي نصف الدية ثم دعوه أن يحكم بينهم وبينه عمرو بن امرئ القيس أحد بني الحارث بن الخزرج وهو جد عبد الله بن رواحة ففعل فانطلقوا حتى جاءوه في بني الحارث بن الخزرج فقضى على مالك بن العجلان أنه ليس له في حليفه إلا دية الحليف وأبى مالك أن يرضى بذلك وآذن بني عمرو بن عوف بالحرب واستنصر قبائل الخزرج فأبت بنو الحارث بن الخزرج أن تنصره غضبا حين رد قضاء عمرو بن امرئ القيس فقال مالك بن العجلان يذكر خذلان بني الحارث بن الخزرج له وحدب بني عمرو بن عوف على سمير ويحرض بني النجار على نصرته ( إن سُمَيراً أَرَى عشيرتَه ... قد حَدِبُوا دونَه وقد أَنِفُوا ) ( إن يكن الظنُّ صادقاً ببني النَّجّار ... لا يَطْعَمُوا الذي عُلِفُوا ) ( لا يُسْلِمُونا لمعشرٍ أبداً ... ما دام منّا ببَطْنِها شَرَفُ ) ( لكنْ مَواَلِيَّ قد بدا لهمُ ... رأيٌ سِوَى ما لديَّ أوضَعُفُوا ) يقال علفوا الضيم إذا أقروا به أي ظني أنهم لا يقبلون الضيم صوت ( بينَ بني جَحْجَبى وبين بني ... زيدٍ فأنَّى لجارِيَ التَّلَفُ ) ( يمشون في البَيْض والدروع كما ... تمشي جِمالٌ مَصَاعبٌ قُطُفُ ) ( كما تَمَشَّى الأسودُ في رَهَج المُوتِ ... إليه وكلُّهم لَهِفُ ) غنى في هذه الأبيات معبد خفيف ثقيل عن إسحاق وذكر الهشامي أن فيه لحنا من الثقيل الأول للغريض وقال درهم بن يزيد بن ضُبَيْعة أخو سمير في ذلك ( يا قومِ لا تقتلوا سُميراً فإِنَّ ... القتلَ فيه البَوارُ والأسفُ ) ( إن تقتُلوه تَرِنَّ نِسْوتُكم ... على كريمٍ ويَفْزَعِ السَّلَفُ ) ( إني لعَمْرُ الذي يَحُجُّ له النَّاسُ ... ومن دون بيتِه سَرِف ) ( يمينُ بَرِّ بالله مجتهدٍ ... يَحْلِف إن كَان ينفعَ الحَلِفُ ) ( لا نرفَعُ العبدَ فوقَ سُنَّتِه ... ما دام منّا ببَطْنِها شَرَفُ ) ( إنك لاقٍ غداً غُوَاةَ بني ... عمِّي فانظرْ ما أنت مُزْدَهِف ) ( فأبَدِ سِيمَاكَ يَعْرِفوكَ كما ... يُبْدُونَ سِيمَاهُمُ فَتعترِفُ ) معنى قوله فأبد سيماك أن مالك بن العجلان كان إذا شهد الحرب يغير لباسه ويتنكر لئلا يعرف فيقصد وقال درهم بن يزيد في ذلك ( يا مَالِ لا تَبْغِينْ ظُلاَمَتنا ... يا مالِ إنّا مَعَاشِرٌ أنُفُ ) ( يا مَالِ والحقُّ إن قَنِعْتَ به ... فيه وفينا لأمرنا نَصَفُ ) ( إنّ بُجَيراً عبدٌ فخُذْ ثمناً ... فالحقُّ يُوفَى به ويعُتَرفُ ) ( ثم اعلمَنْ إن أردتَ ضَيْمَ بني ... زَيدٍ فإنِّي ومَنْ له الحَلِفُ ) ( لأصْبَحَنْ دارَكم بذي لَجَبٍ ... جَوْنٍ له من أمامِه عَزَفُ ) ( البَيْضُ حِصْنٌ لهم إذا فَزِعُوا ... وسابِغاتٌ كأنها النَّطَفُ ) ( والبِيضٌ قد ثُلِّمت مضاربُها ... بها نفوسُ الكُماةِ تُختطَفُ ) ( كأنها في الأكفِّ إذ لَمعتْ ... ومَيِضُ برقٍ يبدو وينكسفُ ) وقال قيس بن الخطيم الظفري أحد بني النبيت في ذلك ولم يدركه وإنما قاله بعد هذه الحرب بزمان ومن هذه القصيدة الصوت المذكور ( رَدّ الخَليطُ الجِمالَ فانصرفوا ... ماذا عليهم لو أنهم وَقَفُوا ) ( لو وَقفوا ساعةً نسائلُهم ... رَيْث يضحِّي جِمالَه السَّلَفُ ) ( فيهم لَعُوبُ العِشاءِ آنسةُ الدّل ... عَرُوب يَسُوءها الخُلُفُ ) ( بين شُكُول النساءِ خِلقَتُها ... قَصْدٌ فلا جَبْلَةٌ ولا قَضفُ ) ( تنام عن كُبْر شأنِها فإذا ... قامت رُويداً تكاد تَنْغَرِفُ ) ( تَغْترِقُ الطرفَ وهي لاهيةٌ ... كأنما شفَّ وجهَها نُزُفُ ) ( حَوْراء جَيْدَاءُ يُستضاء بها ... كأنها خُوطُ بانةٍ قَصِفُ ) ( قضَى لها اللهُ حين صَوّرها الخالق ... أن لا يُكِنَّها سَدَفُ ) ( خَوْدٌ يَغِثُّ الحديثُ ما صَمَتتْ ... وهو بفِيها ذو لذة طَرِفُ ) ( تخزنُه وهو مشتهىً حسَنٌ ... وهو إذا ما تكلمت أنُفُ ) وهي طويلة يقول فيها ( أبلغْ بني جَحْجَبَى وإخوتَهم ... زيداً بأنّا وراءَهم أُنُفُ ) ( إنا وإِن قلّ نصرُنا لهُم ... أكبادُنا من ورائِهم تَجِفُ ) ( لمّا بدتْ نحوَنا جِباهُهُم ... حنَّت إلينا الأرحامُ والصُّحُفُ ) ( نَفْلِي بحدّ الصَّفيح هامَهُم ... وفَلْيُنا هامَهم بها جَنَفُ ) ( يَتْبَع آثارَها إذا اختُلِجَتْ ... سُخْنٌ عَبِيطٌ عُروقُه تَكِفُ ) ( إنّ بني عمِّنا طغَوْا وبغَوْا ... ولجّ منهم في قومِهم سَرَفُ ) فرد عليه حسان بن ثابت ولم يدرك ذلك ( ما بالُ عينيك دمعُها يَكفُ ... من ذكر خَوْدٍ شَطَّت بها قَذَفُ ) ( بانتْ بها غَرْبَةٌ تؤمّ بها ... أرضاً سِوانا والشكل مختلِفُ ) ( ما كنتُ أَدْري بوَشكِ بَيْنهُم ... حتى رأيتُ الحُدوجَ تَنقذِفُ ) ( دَعْ ذا وعَدِّ القَرِيضَ في نَفَرٍ ... بَرْجُون مدحي ومدحيَ الشرفُ ) ( إن تَدْعُ قومي للمجد تُلْفهُم ... أهلَ فَعالٍ يبدو إذا وُصِفُوا ) ( إن سُمَيراً عبدٌ طغَى سَفَهاً ... ساعده أعبُدٌ لهم نَطَفُ ) قال ثم أرسل مالك بن العجلان إلى بني عمرو بن عوف يؤذنهم بالحرب ويعدهم يوما يلتقون فيه وأمر قومه فتهيؤوا للحرب وتحاشد الحيان وجمع بعضهم لبعض وكانت يهود قد حالفت قبائل الأوس والخزرج إلا بني قريضة وبني النضير فإنهم لم يحالفوا أحدا منهم حتى كان هذا الجمع فأرسلت إليهم الأوس والخزرج كل يدعوهم إلى نفسه فأجابوا الأوس وحالفوهم والتي حالفت قريظة والنضير من الأوس أوس الله وهي خطمة وواقف وأمية ووائل فهذه قبائل أوس الله ثم زحف مالك بمن معه من الخزرج وزحفت الأوس بمن معها من حلفائها من قريظة والنضير فالتقوا بفضاء كان بين بئر سالم وقباء وكان أول يوم التقوا فيه فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انصرفوا وهم منتصفون جميعا ثم التقوا مرة أخرى عند أُطُمِ بني قينقاع فاقتتلوا حتى حجز الليل بينهم وكان الظفر يومئذ للأوس على الخزرج فقال أبو قيس بن الأسلت في ذلك ( لقد رأيتُ بني عمروٍ فما وهَنُوا ... عند اللقاء وما هَمُّوا بتكذيبِ ) ( ألاَ فِدىً لَهُمُ أُّمِّي وما ولَدَتْ ... غداةَ يَمْشُون إرْقَالَ المَصَاعيبِ ) ( بكلِّ سَلْهَبةٍ كالأيْمِ ماضيةٍ ... وكلِّ أبيضَ ماضي الحدّ مخشوبِ ) أصل المخشوب الحديث الطبع ثم صار كل مصقول مخشوبا فشبهها بالحية في انسلالها الأوس والخزرج يقبلون بحكم ثابت بن المنذر قال فلبث الأوس والخزرج متحاربين عشرين سنة في أمر سمير يتعاودون القتال في تلك السنين وكانت لهم فيها أيام ومواطن لم تحفظ فلما رأت الأوس طول الشر وأن مالكا لا ينزع قال لهم سويد بن صامت الأوسي وكان يقال له الكامل في الجاهلية وكان الرجل عند العرب إذا كان شاعرا شجاعا كاتبا سابحا راميا سموه الكامل وكان سويد أحد الكملة يا قوم أرضوا هذا الرجل من حليفه ولا تقيموا على حرب إخوتكم فيقتل بعضكم بعضا ويطمع فيكم غيركم وإن حملتم على أنفسكم بعض الحمل فأرسلت الأوس إلى مالك بن العجلان يدعونه إلى أن يحكم بينه وبينهم ثابت بن المنذر بن حرام أبو حسان بن ثابت فأجابهم إلى ذلك فخرجوا حتى أتوا ثابت بن المنذر وهو في البئر الذي يقال له سُمَيْحَة فقالوا إنا قد حكمناك بيننا فقال لا حاجة لي في ذلك قالوا ولم قال أخاف أن تردوا حكمي كما رددتم حكم عمرو بن امرئ القيس قالوا فإنا لا نرد حكمك فاحكم بيننا قال لا أحكم بينكم حتى تعطوني موثقا وعهدا لترضون بحكمي وما قضيت فيه ولتسلمن له فأعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم فحكم بأن يودى حليف مالك دية الصريح ثم تكون السنة فيهم بعده على ما كانت عليه الصريح على ديته والحليف على ديته وأن تعد القتلى الذين أصاب بعضهم من بعض في حربهم ثم يكون بعض ببعض ثم يعطوا الدية لمن كان له فضل في القتلى من الفريقين فرضي بذلك مالك وسلمت الأوس وتفرقوا على أن على بني النجار نصف دية جار مالك معونة لاخوتهم وعلى بني عمرو بن عوف نصفها فرأت بنو عمرو بن عوف أنهم لم يخرجوا إلا الذي كان عليهم ورأى مالك أنه قد أدرك ما كان يطلب وودي جاره دية الصريح ويقال بل الحاكم المنذر أبو ثابت ذكر طويس وأخباره طويس لقب غلب عليه واسمه عيسى بن عبد الله وكنيته أبو عبد المنعم وغيرها المخنثون فجعلوها أبا عبد النعيم وهو مولى بني مخزوم وقد حدثني جحظة عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن الواقدي عن ابن أبي الزناد قال سعد بن أبي وقاص كني طويس أبا عبد المنعم أخبرنا الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن المسيبي ومحمد بن سلام الجمحي وعن الواقدي عن ابن أبي الزناد وعن المدائني عن زيد بن أسلم عن أبيه وعن ابن الكلبي عن أبيه وعن أبي مسكين قالوا أول من غنى بالعربي بالمدينة طويس وهو أول من ألقى الخنث بها وكان طويلا أحول يكنى أبا عبد المنعم مولى بني مخزوم وكان لا يضرب بالعود إنما كان ينقر بالدف وكان ظريفا عالما بأمر المدينة وأنساب أهلها وكان يتقى للسانه قالوا وسئل عن مولده فذكر أنه ولد يوم قبض رسول الله وفطم يوم مات أبو بكر وختن يوم قتل عمر وزوج يوم قتل عثمان وولد له يوم قتل علي رضوان الله عليهم أجمعين قال وقيل إنه ولد له يوم مات الحسن بن علي عليهما السلام قال وكانت أمي تمشي بين نساء الأنصار بالنميمة قالوا وأول غناء غناه وهزج به صوت ( كيف يأتي من بعيدٍ ... وهو يُخْفيه القريب ) ( نازحٌ بالشأم عنّا ... وهو مِكْسالٌ هَيُوبُ ) ( قد بَراني الحبُّ حتى ... كدتُ من وَجْدِي أَذُوبُ ) الغناء لطويس هزج بالبنصر شؤم طويس قال إسحاق أخبرني الهيثم بن عدي قال قال صالح بن حسان الأنصاري أنبأني أبي قال اجتمع يوما جماعة بالمدينة يتذاكرون أمر المدينة إلى أن ذكروا طويسا فقالوا كان وكان فقال رجل منا أما لو شاهدتموه لرأيتم ما تسرون به علما وظرفا وحسن غناء وجودة نقر بالدف ويضحك كل ثكلى حرى فقال بعض القوم والله إنه على ذلك كان مشؤوما وذكر خبر ميلاده كما قال الواقدي إلا أنه قال ولد يوم مات نبينا وفطم يوم مات صديقنا وختن يوم قتل فاروقنا وزوج يوم قتل نورنا وولد له يوم قتل أخو نبينا وكان مع هذا مخنثا يكيدنا ويطلب عثراتنا وكان مفرطا في طوله مضطربا في خلقه أحول فقال رجل من جلة أهل المجلس لئن كان كما قلت لقد كان ممتعا فهما يحسن رعاية من حفظ له حق المجالسة ورعاية حرمة الخدمة وكان لا يحمل قول من لا يرعى له بعض ما يرعاه له ولقد كان معظما لمواليه بني مخزوم ومن والاهم من سائر قريش ومسالما لمن عاداهم دون التحكيك به وما يلام من قال بعلم وتكلم على فهم والظالم الملوم والبادئ أظلم فقال رجل آخر لئن كان ما قلت لقد رأيت قريشا يكتنفونه ويحدقون به ويحبون مجالسته وينصتون إلى حديثه ويتمنون غناءه وما وضعه شيء إلا خنثه ولولا ذلك ما بقي رجل من قريش والأنصار وغيرهم إلا أدناه أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلاني قال حدثنا يوسف بن إبراهيم قال حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي قال حدثني إسماعيل بن جامع عن سياط قال كان أول من تغنى بالمدينة غناء يدخل في الإيقاع طويس وكان مولده يوم مات رسول الله وفطامه في اليوم الذي توفي فيه أبو بكر وختانه في اليوم الذي قتل فيه عمر وبناءه بأهله في اليوم الذي قتل فيه عثمان وولد له يوم قتل علي رضوان الله عليهم أجمعين وولد وهو ذاهب العين اليمنى وكان يلقب بالذائب وإنما لقب بذلك لأنه غنى ( قد براني الحبُّ حتى ... كدتُ من وَجْدِي أذُوبُ ) أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه قال أخبرني ابن الكلبي عن أبي مسكين قال كان بالمدينة مخنث يقال له النغاشي فقيل لمروان بن الحكم إنه لا يقرأ من كتاب الله شيئا فبعث إليه يومئذ وهو على المدينة فاستقرأه أم الكتاب فقال والله ما معي بناتها أو ما أقرأ البنات فكيف أقرأ أمهن فقال أتهزأ لا أم لك فأمر به فقتل في موضع يقال له بطحان وقال من جاءني بمخنث فله عشرة دنانير فأتي طويس وهو في بني الحارث بن الخزرج من المدينة وهو يغني بشعر حسان بن ثابث ( لقد هاج نفسَك أَشْجانُها ... وعاودها اليومَ أَدْيَانهُا ) ( تذكَّرْتَ هنداً وما ذكرُها ... وقد قُطِّعَتْ منك أَقْرانُها ) ( وقفتُ عليها فساءلتُها ... وقد ظعَن الحيُّ ما شانُها ) ( فصَدَّتْ وجاوب من دونِها ... بما أوجع القلبَ أعوانُها ) فأخبر بمقالة مروان فيهم فقال أما فضلني الأمير عليهم بفضل حتى جعل في وفيهم أمرا واحدا ثم خرج حتى نزل السويداء على ليلتين من المدينة في طريق الشأم فلم يزل بها عمره وعمر حتى مات في ولاية الوليد بن عبد الملك خبر بادية بنت غيلان قال إسحاق وأخبرني ابن الكلبي قال أخبرني خالد بن سعيد عن أبيه وعوانة قالا قال هيت المخنث لعبد الله بن أبي أمية إن فتح الله عليكم الطائف فسل النبي بادية بنت غيلان بن سلمة بن معتب فإنها هيفاء شموع نجلاء إن تكلمت تغنت وإن قامت تثنت تقبل بأربع وتدبر بثمان مع ثغر كأنه الأقحوان وبين رجليها كالإناء المكفوء كما قال قيس بن الخطيم ( تَغْتَرِقُ الطرفَ وهي لاهيةٌ ... كأنما شَفَّ وجهَها نُزُفُ ) ( بين شُكُول النساءِ خِلْقَتُها ... قَصْدٌ فلا جَبْلَةٌ ولا قَضَفُ ) فقال النبي لقد غلغلت النظر يا عدو الله ثم جلاه عن المدينة إلى الحمى قال هشام وأول ما اتخذت النعوش من أجلها قال فلما فتحت الطائف تزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له بريهة فلم يزل هيت بذلك المكان حتى قبض النبي فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه كلم فيه فأبى أن يرده فلما ولي عمر رضي الله عنه كلم فيه فأبى أن يرده وقال إن رأيته لأضربن عنقه فلما ولي عثمان رضي الله عنه كلم فيه فأبى أن يرده فقيل له قد كبر وضعف واحتاج فأذن له أن يدخل كل جمعة فيسأل ويرجع إلى مكانه وكان هيت مولى لعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي وكان طويس له فمن ثم قيل الخنث وجلس يوما فغنى في مجلس فيه ولد لعبد الله بن أبي أمية ( تغترقُ الطرفَ وهي لاهيةٌ ) إلى آخر البيتين فأشير إلى طويس أن اسكت فقال والله ما قيل هذان البيتان في ابنة غيلان بن سلمة وإنما هذا مثل ضربه هيت في أم بريهة ثم التفت إلى ابن عبد الله فقال يابن الطاهر أوجدت علي في نفسك أقسم بالله قسما حقا لا أغني بهذا الشعر أبدا قال إسحاق وحدثنا أبو الحسن الباهلي الرواية عن بعض أهل المدينة وحدثنا الهيثم بن عدي والمدائني قالوا كان عبد الله بن جعفر معه إخوان له في عشية من عشايا الربيع فراحت عليهم السماء بمطر جود فأسال كل شيء فقال عبد الله هل لكم في العقيق وهو متنزه أهل المدينة في أيام الربيع والمطر فركبوا دوابهم ثم انتهوا إليه فوقفوا على شاطئه وهو يرمي بالزبد مثل مد الفرات فإنهم لينظرون إذ هاجت السماء فقال عبد الله لأصحابه ليس معنا جنة نستجن بها وهذه سماء خليقة أن تبل ثيابنا فهل لكم في منزل طويس فإنه قريب منا فنستكن فيه ويحدثنا ويضحكنا وطويس في النظارة يسمع كلام عبد الله بن جعفر فقال له عبد الرحمن بن حسان بن ثابت جعلت فداءك وما تريد من طويس عليه غضب الله مخنث شائن لمن عرفه فقال له عبد الله لا تقل ذلك فإنه مليح خفيف لنا فيه أنس فلما استوفى طويس كلامهم تعجل إلى منزله فقال لامرأته ويحك قد جاءنا عبد الله بن جعفر سيد الناس فما عندك قالت نذبح هذه العناق وكانت عندها عنيقة قد ربتها باللبن واختبز خبزا رقاقا فبادر فذبحها وعجنت هي ثم خرج فتلقاه مقبلا إليه فقال له طويس بأبي أنا وأمي هذا المطر فهل لك في المنزل فتستكن فيه إلى أن تكف السماء قال إياك أريد قال فامض يا سيدي على بركة الله وجاء يمشي بين يديه حتى نزلوا فتحدثوا حتى أدرك الطعام فقال بأبي أنت وأمي تكرمني إذ دخلت منزلي بأن تتعشى عندي قال هات ما عندك فجاءه بعناق سمينة ورقاق فأكل وأكل القوم حتى تملؤوا فأعجبه طيب طعامه فلما غسلوا أيديهم قال بأبي أنت وأمي أتمشى معك وأغنيك قال افعل يا طويس فأخذ ملحفة فأتزر بها وأرخى لها ذنبين ثم أخذ المربع فتمشى وأنشأ يغني ( يا خَلِيلي يا بني سُهدِي ... لم تَنَمْ عيني ولم تكَدِ ) ( كيف تلْحُو بي على رجلٍ ... آنسٍ تلْتَذُّه كبِدي ) ( مثْل ضوءِ البدرِ طَلْعَتُه ... ليس بالزُّمَّيْلة النَّكِدِ ) فطرب القوم وقالوا أحسنت والله يا طويس ثم قال يا سيدي أتدري لمن هذا الشعر قال لا والله ما أدري لمن هو إلا أني سمعت شعرا حسنا قال هو لفارعة بنت ثابت أخت حسان بن ثابت وهي تتعشق عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي وتقول فيه هذا الشعر فنكس القوم رؤوسهم وضرب عبد الرحمن برأسه على صدره فلو شقت الأرض له لدخل فيها قال وحدثني ابن الكلبي والمدائني عن جعفر بن محرز قال خرج عمر بن عبد العزيز وهو على المدينة إلى السويداء وخرج الناس معه وقد أخذت المنازل فلحق بهم يزيد بن بكر بن دأب الليثي وسعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري فلقيهما طويس فقال لهما بأبي أنتما وأمي عرجا إلى منزلي فقال يزيد لسعيد مل بنا مع أبي عبد النعيم فقال سعيد أين تذهب مع هذا المخنث فقال يزيد إنما هو منزل ساعة فمالا واحتمل طويس الكلام على سعيد فأتيا منزله فإذا هو قد نضحه ونصعه فأتاهما بفاكهة من فاكهة الماء ثم قال سعيد لو أسمعتنا يا أبا عبد النعيم فتناول خريطة فاستخرج منها دفا ثم نقره وقال ( يا خَليلي نابَنِي سُهُدِي ... لم تَنَمْ عيني ولم تَكَدِ ) ( فشَرابي ما أُسِيغُ وما ... أَشْتكِي ما بي إلى أحدِ ) ( كيف تَلْحُوني على رجلٍ ... آنسٍ تلتذُّه كبِدي ) ( مثلُ ضوءِ البدر صورتُّهُ ... ليس بالزُّمَّيْلَةِ النَّكِدِ ) ( من بني آل المُغِيرة لا ... خاملٍ نِكْسٍ ولا جَحَدِ ) ( نظرتُ يوماً فلا نظرتْ ... بعدَه عيني إلى أحدِ ) ثم ضرب بالدف الأرض فقال سعيد ما رأيت كاليوم قط شعرا أجود ولا غناء أحسن منه فقال له طويس يابن الحسام أتدري من يقوله قال لا قال قالته عمتك خولة بنت ثابت تشبب بعمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي فخرج سعيد وهو يقول ما رأيت كاليوم قط مثل ما استقبلني به هذا المخنث والله لا يفلتني فقال يزيد دع هذا وأمته ولا ترفع به رأسا قال أبو الفرج الأصبهاني هذه الأبيات فيما ذكر الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير بن بكار لابن زهير المخنث ابن سريج يمدح غناء طويس قال إسحاق وحدثني الهيثم بن عدي عن ابن عياش وابن الكلبي عن أبي مسكين قالا قدم ابن سريج المدينة فغناهم فاستظرف الناس غناءه وآثروه على كل من غنى وطلع عليهم طويس فسمعهم وهم يقولون ذلك فاستخرج دفا من حضنه ثم نقر به وغناهم بشعر عمارة بن الوليد المخزومي في خولة بنت ثابت عارضها بقصيدتها فيه ( يا خليلي نابني سُهُدي ... لم تَنَمْ عَيْني ولم تَكَدِ ) وهو ( تَنَاهى فيكمُ وَجْدِي ... وصدَّع حبُّكم كِبْدِي ) ( فقلبي مُسْعَرٌ حزناً ... بذات الخالِ في الخدّ ) ( فما لاقَى أخو عشقٍ ... عَشِيرَ العُشْر من جَهْدِي ) فأقبل عليهم ابن سريح فقال والله هذا أحسن الناس غناء أخبرني وكيع محمد بن خلف قال حدثنا إسماعيل بن مجمع قال حدثني المدائني قال قدم ابن سريج المدينة فجلس يوما في جماعة وهم يقولون أنت والله أحسن الناس غناء إذ مر بهم طويس فسمعهم وما يقولون فاستل دفه من حضنه ونقره وتغنى ( إن المُجنَّبة التي ... مَرَّتْ بنا قبل الصَّباحِ ) ( في حُلَّةٍ مَوْشيَةٍ ... مكَّيّة غَرْثَى الوِشاحِ ) ( زَيْنٌ لمشهِدِ فِطْرِهم ... وتَزِينهُمُ يومَ الأَضَاحِي ) الشعر لابن زهير المخنث والغناء لطويس هزج أخبرنا بذلك الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير بن بكار فقال ابن سريج هذا والله أحسن الناس غناء لا أنا خبر طويس مع جارية قال إسحاق حدثني المدائني قال حدثت أن طويسا تبع جارية فراوغته فلم ينقطع عنها فخبت في المشي فلم ينقطع عنها فلما جازت بمجلس وقفت ثم قالت يا هؤلاء لي صديق ولي زوج ومولى ينكحني فسلوا هذا ما يريد مني فقال أضيق ما قد وسعوه ثم جعل يتغنى ( أَفِقْ يا قلبُ عن جُمْلِ ... وجُمْلٌ قطَّعتْ حَبْلِي ) ( أفق عنها فقد عُنِّيتَ ... حَوْلاً في هَوى جُمْلِ ) ( وكيف يُفِيق محزونٌ ... بجُمْلٍ هائمُ العقلِ ) ( بَرَاه الحُبّ في جملٍ ... فحَسْبِي الحبُّ من ثِقْلِ ) ( وحَسْبِي فيكِ ما أَلْقَى ... من التَّفْنيد والعَذْلِ ) ( وقِدْماً لامنِي فيها ... فلم أَحْفِل بهم أهلي ) قال إسحاق وقال المدائني قال مسلمة بن محارب حدثني رجل من أصحابنا قال خرجنا في سفرة ومعنا رجل فانتهينا إلى واد فدعونا بالغداء فمد الرجل يده إلى الطعام فلم يقدر عليه وهو قبل ذلك يأكل معنا في كل منزل فخرجنا نسأل عن حاله فلقينا رجلا طويلا أحول مضطرب الخلق في زي الأعراب فقال لنا ما لكم فأنكرنا سؤاله لنا فأخبرناه خبر الرجل فقال ما اسم صاحبكم فقلنا أسيد فقال هذا واد قد أخذت سباعه فارحلوا فلوقد جاوزتم الوادي استمر صاحبكم وأكل قلنا في أنفسنا هذا من الجن ودخلتنا فزعة ففهم ذلك وقال ليفرخ روعكم فأنا طويس قال له بعض من معنا من بني غفار أو من بني عبس مرحبا بك يا أبا عبد النعيم ما هذا الزي فقال دعاني بعض أودائي من الأعراب فخرجت إليهم وأحببت أن أتخطى الأحياء فلا ينكروني فسألت الرجل أن يغنينا فاندفع ونقر بدف كان معه مربع فلقد تخيل لي أن الوادي ينطق معه حسنا وتعجبنا من علمه وما أخبرنا به من أمر صاحبنا وكان الذي غنى به في شعر عروة بن الورد في سلمى امرأته الغفارية حيث رهنها على الشراب ( سَقَوْني الخمرَ ثم تَكَنَّفُونِي ... عُداةُ الله من كّذِبٍ وزُورِ ) ( وقالوا لستَ بعدَ فِداء سَلْمَى ... بمُفْنٍ ما لديك ولا فقيرِ ) ( فلا واللهِ لو مُلِّكْتُ أمري ... ومَنْ لي بالتَّدَبُّر في الأمورِ ) ( إذاً لعَصيتُهم في حبّ سلْمَى ... على ما كان من حَسَكِ الصدورِ ) ( فيا للنّاسِ كيف غُلِبْتُ أمري ... على شيءٍ ويكرهُهُ ضمِيري ) قال إسحاق وحدثني الواقدي قال حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال لما غزا النبي بني النضير وأجلاهم عن المدينة خرجوا يريدون خيبر يضربون بدفوف ويزمرون بالمزامير وعلى النساء المعصفرات وحلي الذهب مظهرين لذلك تجلدا ومرت في الظعن يومئذ سلمى امرأة عروة بن الورد العبسي وكان عروة حليفا في بني عمرو بن عوف وكانت سلمى من بني غفار فسباها عروة من قومها وكانت ذات جمال فولدت له أولادا وكان شديد الحب لها وكان ولده يعيرون بأمهم ويسمون بني الأخيذة أي السبية فقالت ألا ترى ولدك يعيرون قال فماذا ترين قالت أرى أن تردني إلى قومي حتى يكونوا هم الذين يزوجونك فأنعم لها فأرسلت إلى قومها أن القوه بالخمر ثم أتركوه حتى يسكر ويثمل فإنه لا يسأل حينئذ شيئا إلا أعطاه فلقوه وقد نزل في بني النضير فسقوه الخمر فلما سكر سألوه سلمى فردها عليهم ثم أنكحوه بعد ويقال إنما جاء بها إلى بني النضير وكان صعلوكا يغير فسقوه الخمر فلما انتشى منعوه ولا شيء معه إلا هي فرهنها ولم يزل يشرب حتى غلقت فلما قال لها انطلقي قالت لا سبيل إلى ذلك قد أغلقتني فبهذا صارت عند بني النضير فقال في ذلك ( سقَوْنِي الخمرَ ثم تكنَّفُونِي ... عُداةُ الله من كذبٍ وزورِ ) هذه الأبيات مشهورة بأن لطويس فيها غناء وما وجدته في شيء من الكتب مجنسا فتذكر طريقته ولع طويس بالشعر الذي قالته الأوس والخزرج في حروبهم وقال إسحاق وحدثني المدائني قال كان طويس ولعا بالشعر الذي قالته الأوس والحزرج في حروبهم وكان يريد بذلك الإغراء فقل مجلس اجتمع فيه هذان الحيان فغنى فيه طويس إلا وقع فيه شيء فنهي عن ذلك فقال والله لا تركت الغناء بشعر الأنصار حتى يوسدوني التراب وذلك لكثرة تولع القوم به فكان يبدي السرائر ويخرج الضغائن فكان القوم يتشاءمون به وكان يستحسن غناؤه ولا يصبر عن حديثه ويستشهد على معرفته فغنى يوما بشعر قيس بن الخطيم في حرب الأوس والخزرج وهو ( ردّ الخَليطُ الجِمالَ فانصرفوا ... ماذا عليهم لو أنهم وقفُوا ) ( لو وقفوا ساعةً نسائلُهم ... رَيْث يضحِّي جِمَاله السَّلَفُ ) ( فليت أهلي وأهلَ أَثْلَة في الدَّارِ ... قَرِيبٌ من حيثُ نختلفُ ) فلما بلغ إلى آخر بيت غنى فيه طويس من هذه القصيدة وهو ( أبلغْ بني جَحْجَبى وقومَهُم ... خَطْمَةَ أنّا وراءَهم أُنُفُ ) تكلموا وانصرفوا وجرت بينهم دماء وانصرف طويس من عندهم سليما لم يكلم ولم يقل له شيء قال إسحاق فحدثني الواقدي وأبو البختري قالا قال قيس بن الخطيم هذه القصيدة لشغب أثاره القوم بعد دهر طويل ونذكر سبب أول ما جرى بين الأوس والخزرج من الحرب قال إسحاق قال أبو عبد الله اليزيدي وأبو البختري وحدثني مشايخ لنا قالوا كانت الأوس والخزرج أهل عز ومنعة وهما أخوان لأب وأم وهما ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر وأمهما قيلة بنت جفنة بن عتبة بن عمرو وقضاعة تذكر أنها قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن زيد بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة وكانت أول حرب جرت بينهم في مولى كان لمالك بن العجلان قتله سمير بن يزيد بن مالك وسمير رجل من الأوس ثم أحد بني عمرو بن عوف وكان مالك سيد الحيين في زمانه وهو الذي ساق تبعا إلى المدينة وقتل الفطيون صاحب زهرة وأذل اليهود للحيين جميعا فكان له بذلك الذكر والشرف عليهم وكانت دية المولى فيهم وهو الحليف خمسا من الإبل ودية الصريح عشرا فبعث مالك إلى عمرو بن عوف ابعثوا إلي سميرا حتى أقتله بمولاي فإنا نكره أن تنشب بيننا وبينكم حرب فأرسلوا إليه إنا نعطيك الرضا من مولاك فخذ منا عقله فإنك قد عرفت أن الصريح لا يقتل بالمولى قال لا آخذ في مولاي دون دية الصريح فأبوا إلا دية المولى فلما رأى ذلك مالك بن العجلان جمع قومه من الخزرج وكان فيهم مطاعا وأمرهم بالتهيؤ للحرب فلما بلغ الأوس استعدوا لهم وتهيؤوا للحرب واختاروا الموت على الذل ثم خرج بعض القوم إلى بعض فالتقوا بالصفينة بين بئر سالم وبين قباء قرية لبني عمرو بن عوف فاقتتلوا قتالا شديدا حتى نال بعض القوم من بعض ثم إن رجلا من الأوس نادى يا مالك ننشدك الله والرحم وكانت أم مالك إحدى نساء بني عمرو بن عوف فاجعل بيننا وبينك عدلا من قومك فما حكم علينا سلمنا لك فارعوى مالك عند ذلك وقال نعم فاختاروا عمرو بن امرئ القيس أحد بني الحارث بن الحزرج فرضي القوم به واستوثق منهم ثم قال فإني أقضي بينكم إن كان سمير قتل صريحا من القوم فهو به قود وإن قبلوا العقل فلهم دية الصريح وإن كان قتل مولى فلهم دية المولى بلا نقص ولا يعطى فوق نصف الدية وما أصبتم منا في هذه الحرب ففيه الدية مسلمة إلينا وما أصبنا منكم فيها علينا فيه دية مسلمة إليكم فلما قضى بذلك عمرو بن امرئ القيس غضب مالك بن العجلان ورأى أن يرد عليه رأيه وقال لا أقبل هذا القضاء وأمر قومه بالقتال فجمع القوم بعضهم لبعض ثم التقوا بالفضاء عند آطام بني قينقاع فاقتتلوا قتالا شديدا ثم تداعوا إلى الصلح فحكموا ثابت بن حرام بن المنذر أبا حسان بن ثابت النجاري فقضى بينهم أن يدوا مولى مالك بن العجلان بدية الصريح ثم تكون السنة فيهم بعده على مالك وعليهم كما كانت أول مرة المولى على ديته والصريح على ديته فرضي مالك وسلم الآخرون وكان ثابت إذ حكموه أراد إطفاء النائرة فيما بين القوم ولم شعثهم فأخرج خمسا من الإبل من قبيلته حين أبت عليه الأوس أن تؤدي إلى مالك أكثر من خمس وأبى مالك أن يأخذ دون عشر فلما أخرج ثابت الخمس أرضى مالكا بذلك ورضيت الأوس واصطلحوا بعهد وميثاق ألا يقتل رجل في داره ولا معقله والمعاقل النخل فإذا خرج رجل من داره أو معقله فلا دية له ولا عقل ثم انظروا في القتلى فأي الفريقين فضل على صاحبه ودى له صاحبه فأفضلت الأوس على الخزرج بثلاثة نفر فودتهم الأوس واصطلحوا ففي ذلك يقول حسان بن ثابت لما كان أبوه أصلح بينهم ورضاهم بقضائه في ذلك ( وأَبي في سُمَيْحة القائلُ الفاصِل ... ُ حين التفّت عليه الخصومُ ) وفي ذلك يقول قيس بن الخطيم قصيدته وهي طويلة ( رَدّ الخليطُ الجمالَ فانصرفوا ... ماذا عليهم لو أنّهم وقَفوا ) عمر بن عبد العزيز يقول قيس بن الخطيم هو أنسب الناس أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال كان عمر بن عبد العزيز ينشد قول قيس بن الخطيم ( بين شُكول النساء خِلْقتُها ... قَصْدٌ فلا جَبْلةٌ ولا قَضَفُ ) ( تنام عن كُبْر شأنها فإِذا ... قامت رُويداً تكاد تنقصفُ ) ( تغترق الطرفَ وهي لاهيةٌ ... كأنما شفَّ وجهها نُزُفُ ) ثم يقول قائل هذا الشعر أنسب الناس ومما في المائة المختارة من أغاني طويس صوت ( يَا لَقَوْمِي قد أرّقتني الهمومُ ... ففؤادي مما يُجِنُّ سقيمُ ) ( أنْدَبَ الحبُّ في فؤادي ففيه ... لو تَرَاءى للناظرين كلومُ ) يجن يخفي والجنة من ذلك والجن أيضا مأخوذ منه وأندب أبقى فيه ندبا وهو أثر الجرح قال ذو الزمة ( تُرِيكَ سُنّةَ وجهٍ غيرَ مُقْرِفةٍ ... ملساءَ ليس بها خالٌ ولا نَدَبُ ) الشعر لابن قيس الرقيات فيما قيل والغناء لطويس ولحنه المختار خفيف رمل مطلق في مجرى الوسطى قال إسحاق وهو أجود لحن غناه طويس ووجدته في كتاب الهشامي خفيف رمل بالوسطى منسوبا إلى ابن طنبورة قال وقال ابن المكي إنه لحكم وقال عمرو بن بانة إنه لابن عائشة أوله هذان البيتان وبعدهما ( ما لِذَا الهمِّ لا يَرِيمُ فؤادي ... مثلَ ما يَلزَمُ الغريمَ الغريمُ ) ( إنّ مَنْ فَرّق الجماعةَ منّا ... بعد خَفْصٍ ونَعْمةٍ لذميمُ ) انقضت أخبار طويس صوت من المائة المختارة من صنعة قفا النجار ( حُجبَ الأُلى كنّا نُسَرّ بقربهم ... يا ليتَ أنّ حجابَهم لم يُقْدَرِ ) ( حُجُبِوا ولم نَقضِ اللُّبانَةَ منهمُ ... ولنا إليهم صَبْوةٌ لم تُقْصِرِ ) ( ويُحيط مِئزرُها برِدْفٍ كاملٍ ... رَابيَ المَجَسَّةِ كالكَثيب الأعفرِ ) ( وإذا مَشَتْ خِلتَ الطريقَ لمشيها ... وَحِلاً كمشي المُرْجِحنّ المُوقَرِ ) لم يقع إلينا قائل هذا الشعر والغناء لقفا النجار ولحنه المختار من الثقيل الثاني بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى ويقال إن فيه لحنا لابن سريج وذكر يحيى بن علي ابن يحيى في الاختيار الواثقي أن لحن قفا النجار المختار من الثقيل الأول صوت من المائة المختارة ( أَفِقْ يا دَارِميُّ فقد بُلِيتَا ... وإنك سوف تُوشِك أن تَمُوتَا ) ( أراك تَزِيدُ عشقاً كلَّ يومٍ ... إذا ما قلتَ إنك قد بَرِيتا ) الشعر والغناء جميعا لسعيد الدارمي ولحنه المختار من خفيف الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى ذكر الدارمي وخبره ونسبه أخبرني الحسن بن علي قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني أبو أيوب المديني قال حدثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال الدارمي من ولد سويد بن زيد الذي كان جده قتل أسعد بن عمرو بن هند ثم هربوا إلى مكة فحالفوا بني نوفل بن عبد مناف وكان الدارمي في أيام عمر بن عبد العزيز وكانت له أشعار ونوادر وكان من ظرفاء أهل مكة وله أصوات يسيرة وهو الذي يقول ( ولما رأيتُكَ أوليتني الْقبيحَ ... وأبعدتَ عنّي الجميلا ) ( تركتُ وِصالَك في جانبٍ ... وصادفتُ في الناس خِلاًّ بَدِيلا ) مناسبة قصيدته قل للمليحة أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني إسحاق بن إبراهيم عن الأصمعي وأخبرني عمي قال حدثنا فضل اليزيدي عن إسحاق بن إبراهيم عن الأصمعي وأخبرني عمي قال حدثنا أبو الفضل الرياشي عن الأصمعي قال وحدثني به النوشجاني عن شيخ له البصريين عن الأصمعي عن ابن أبي الزناد ولم يقل عن ابن أبي الزناد غيره أن تاجرا من أهل الكوفة قدم المدينة بخمر فباعها كلها وبقيت السود منها فلم تنفق وكان صديقا للدارمي فشكا ذاك إليه وقد كان نسك وترك الغناء وقول الشعر فقال له لا تهتم بذلك فإني سأنفقها لك حتى تبيعها أجمع ثم قال صوت ( قُلْ للمليحةِ في الخِمَارِ الأسودِ ... ماذا صَنَعتِ براهبٍ متعبِّدِ ) ( قد كان شَمِّر للصلاة ثيابَه ... حتى وقَفتِ له ببابِ المسجدِ ) وغنى فيه وغنى فيه أيضا سنان الكاتب وشاع في الناس وقالوا قد فتك الدارمي ورجع عن نسكه فلم تبق في المدينة ظريفة إلا ابتاعت خمارا أسود حتى نفد ما كان مع العراقي منها فلما علم بذلك الدارمي رجع إلى نسكه ولزم المسجد فأما نسبة هذا الصوت فإن الشعر فيه للدارمي والغناء أيضا وهو خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه لسنان الكاتب رمل بالوسطى عن حبش وذكر حبش أن فيه لان سريج هزجا بالبنصر أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثني أبو هفان قال حضرت يوما مجلس بعض قواد الأتراك وكانت له ستارة فنصبت فقال لها غني صوت الخمار السود المليح فلم ندر ما أراد حتى غنت ( قل للمليحةِ في الخمار الأسودِ ... ) ثم أمسك ساعة ثم قال لها غني ( إني خريت وجئت ... ) فضحكت ثم قالت هذا يشبهك فلم ندر أيضا ما أراد حتى غنت ( إنّ الخليطَ أجدّ مُنْتَقَلَهْ ... ) بخل الدارمي أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد قال حدثني محمد ابن أخي سلم الخزاعي قال حدثني الحرمازي قال زعم لي ابن مودود قال كان الدارمي المكي شاعرا ظريفا وكانت متفتيات أهل مكة لا يطيب لهن متنزه إلا بالدارمي فاجتمع جماعة منهن في متنزه لهن وفيهن صديقة له وكل واحدة منهن قد واعدت هواها فخرجن حتى أتين الجحفة وهو معهن فقال بعضهن لبعض كيف لنا أن نخلو مع هؤلاء الرجال من الدارمي فإنا إن فعلنا قطعنا في الأرض قالت لهن صاحبته أنا أكفيكنه قلن إنا نريد ألا يلومنا قالت علي أن ينصرف حامدا وكان أبخل الناس فأتته فقالت يا دارمي إنا قد تفلنا فاجلب لنا طيبا قال نعم هوذا آتي سوق الجحفة آتيكن منها بطيب فأتى المكارين فاكترى حمارا فصار عليه إلى مكة وهو يقول ( أنَا باللَّه ذي العِزِّ ... وبالرُّكنِ وبالصَّخْرَهْ ) ( من اللائي يُرِدنَ الطِّيبَ ... في اليُسر وفي العُسْرَهْ ) ( وما أقوَى على هذا ... ولو كنتُ على البَصْرَهْ ) فمكث النسوة ما شئن ثم قدم من مكة فلقيته صاحبته ليلة في الطواف فأخرجته إلى ناحية المسجد وجعلت تعاتبه على ذهابه ويعاتبها إلى أن قالت له يا دارمي بحق هذه البنية أتحبني فقال نعم فبربها أتحبيني قالت نعم قال فيالك الخير فأنت تحبيني وأنا أحبك فما مدخل الدراهم بيننا أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي قال كان الدارمي عند عبد الصمد بن علي يحدثه فأغفى عبد الصمد فعطس الدارمي عطسة هائلة ففزع عبد الصمد فزعا شديدا وغضب غضبا شديدا ثم استوى جالسا وقال يا عاض كذا من أمه أتفزعني قال لا والله ولكن هكذا عطاسي قال والله لأنقعنك في دمك أو تأتيني ببينة على ذلك قال فخرج ومعه حرسي لا يدري أين يذهب به فلقيه ابن الريان المكي فسأله فقال أنا أشهد لك فمضى حتى دخل على عبد الصمد فقال له بم تشهد لهذا قال أشهد أني رأيته مرة عطس عطسة فسقط ضرسه فضحك عبد الصمد وخلى سبيله أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد قال حدثنا الزبير قال قال محمد بن إبراهيم الإمام للدارمي لو صلحت عليك ثيابي لكسوتك قال فديتك إن لم تصلح علي ثيابك صلحت علي دنانيرك أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الزبير ونسخت من كتاب هارون بن محمد حدثنا الزبير قال حدثني يونس بن عبد الله الخياط قال خرج الدارمي مع السعاة فصادف جماعة منهم قد نزلوا على الماء فسألهم فأعطوه دراهم فأتى بها في ثوبه وأحاط به أعرابيات فجعلن يسألنه وألححن عليه وهو يردهن فعرفته صبية منهن فقالت يا أخواتي أتدرين من تسألن منذ اليوم هذا الدارمي السأل ثم أنشدت ( إذا كنتَ لا بدّ مُستطعِماً ... فدَعْ عنك مَنْ كان يستطعِمُ ) فولى الدارمي هاربا منهن وهن يتضاحكن به خبر الدارمي مع الأوقص القاضي أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال أخبرني أحمد بن أبي خيثمة قال حدثنا مصعب الزبيري قال أتى الدارمي الأوقص القاضي بمكة في شيء فأبطأ عليه فيه وحاكمه إليه خصم له في حق فحبسه به حتى أداه إليه فبينا الأوقص يوما في المسجد الحرام يصلي ويدعو ويقول يا رب أعتق رقبتي من النار إذ قال له الدارمي والناس يسمعون أولك رقبة تعتق لا والله ما جعل الله وله الحمد لك من عتق ولا رقبة فقال له الأوقص ويلك ومن أنت قال أنا الدارمي حبستني وقتلتني قال لا تقل ذلك وأتني فإني أعوضك فأتاه ففعل ذلك به خبر الدارمي مع عبد الصمد بن علي أخبرني الحرمي أحمد بن محمد بن إسحاق قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني عمي قال مدح الدارمي عبد الصمد بن علي بقصيدة واستأذنه في الإنشاد فأذن له فلما فرغ أدخل إليه رجل من الشراة فقال لغلامه أعط هذا مائة دينار واضرب عنق هذا فوثب الدارمي فقال بأبي أنت وأمي برك وعقوبتك جميعا نقد فإن رأيت أن تبدأ بقتل هذا فإذا فرغ منه أمرته فأعطاني فإني لن أريم من حضرتك حتى يفعل ذلك قال ولم ويلك قال أخشى أن يغلط فيما بيننا والغلط في هذا لا يستقال فضحك وأجابه إلى ما سأل مرضه أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي قال أصابت الدارمي قرحة في صدره فدخل إليه بعض أصدقائه يعوده فرآه قد نفث من فيه نفثا أخضر فقال له أبشر قد اخضرت القرحة وعوفيت فقال هيهات والله لو نفثت كل زمردة في الدنيا ما أفلت منها صوت من المائة المختارة ( يا رَبْعَ سَلْمَى لقد هيَّجتَ لي طرَبا ... زِدْتَ الفؤادَ على عِلاَّتِه وَصَبَا ) ( ريعٌ تبدّل ممّن كان يسكنُه ... عُفْرَ الظِّباءِ وظُلْمَاناً به عُصَبَا ) الشعر لهلال بن الأسعر المازني أخبرني بذلك وكيع عن حماد بن إسحاق عن أبيه وهكذا هو في رواية عمرو بن أبي عمرو الشيباني ومن لا يعلم ينسبه إلى عمر بن أبي ربيعة وإلى الحارث بن خالد ونصيب وليس كذلك والغناء في اللحن المختار لعزور الكوفي ومن الناس من يقول عزون بالنون وتشديد الزاي وهو رجل من أهل الكوفة غير مشهور ولا كثير الصنعة ولا أعلم أني سمعت له بخبر ولا صنعة غير هذا الصوت ولحن هذا المختار ثقيل أول بالبنصر في مجراها عن إسحاق وهكذا نسبه في الاختيار الواثقي وذكر عمرو بن بانة أن فيه لابن عائشة لحنا من الثقيل الأول بالبنصر وفي أخبار الغريض عن حماد أن له فيه ثقيلا أول وقال الهشامي فيه لعبد الله بن العباس لحن من الثقيل الثاني وذكر حبش أن فيه لحسين بن محرز خفيف رمل بالبنصر أخبار هلال ونسبه هو فيما ذكر خالد بن كلثوم هلال بن الأسعر بن خالد بن الأرقم بن قسيم بن ناشرة بن سيار بن رزام بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية وأظنه قد أدرك الدولة العباسية وكان رجلا شديدا عظيم الخلق أكولا معدودا من الأكلة قال أبو عمرو وكان هلال فارسا شجاعا شديد البأس والبطش أكثر الناس أكلا وأعظمهم في حرب غناء هذا لفظ أبي عمرو وقال أبو عمرو وعمر هلال بن أسعر عمرا طويلا ومات بعد بلايا عظام مرت على رأسه قال وكان رجل من قومه من بني رزام بن مالك يقال له المغيرة بن قنبر يعوله ويفضل عليه ويحتمل ثقله وثقل عياله فهلك فقال هلال يرثيه ( ألا ليت المُغِيرةَ كان حيّاً ... وأَفْنَى قبلَه الناسَ الفَنَاءُ ) ( لَيَبْكِ على المُغِيرة كلُّ خيلٍ ... إذا أَفْنَى عَرَائكَها اللِّقاءُ ) ( ويَبْكِ على المغيرة كُلُّ كَلٍّ ... فَقِيرٍ كان يَنْعَشُه العَطَاءُ ) ( ويَبْكِ على المغيرة كلُّ جيشٍ ... تَمورُ لدى مَعَارِكه الدِّمَاءُ ) ( فتى الفتيانِ فارسُ كلِّ حربٍ ... إذا شالتْ وقد رُفِع اللِّواءُ ) ( لقد وارَى جديدُ الأرضِ منه ... خِصَالاً عَقْدُ عِصْمتِها الوفاءُ ) ( فصبراً للنوائب إن ألَمَّتْ ... إذا ما ضاق بالحَدَثِ الفضاء ) ( هِزبَرٌ تَنْجلي الغَمْراتُ عنه ... نقيّ العِرْضِ همّتُه العَلاَءُ ) ( إذا شهِد الكَرِيهَةَ خَاض منها ... بحُوراً لا تكدّرُها الدِّلاءُ ) ( جَسُورٌ لا يروَّع عند رَوْعٍ ... ولا يَثْنِي عزيمتَه اتِّقاءُ ) ( حَلِيمٌ في مَشَاهده إذا ما ... حُبَا الحُلَماءِ أطلقها المِرَاءُ ) ( حَميدٌ في عشيرتِه فَقيدٌ ... يَطيب عَليه في الملأ الثناءُ ) ( فإن تكن المنيةُ أَقْصدتْه ... وحُمَّ عليه بالتلف القَضَاءُ ) ( فقد أَوْدَى به كرمٌ وخِيرٌ ... وعَوْدٌ بالفضائل وابتداءُ ) ( وجودٌ لا يَضُمّ إليه جوداً ... مُرَاهِنُه إذا جَدّ الجِرَاءُ ) أخبار عن قوته وصلابته وقال خالد بن كلثوم كان هلال بن الأسعر فيما ذكروا يرد مع الإبل فيأكل ما وجد عند أهله ثم يرجع إليها ولا يتزود طعاما ولا شرابا حتى يرجع يوم ورودها لا يذوق فيما بين ذلك طعاما ولا شرابا وكان عادي الخلق لا توصف صفته قال خالد بن كلثوم فحدثنا عنه من أدركه أنه كان يوما في إبل له وذلك عند الظهيرة في يوم شديد وقع الشمس محتدم الهاجرة وقد عمد إلى عصاه فطرح عليها كساءه ثم أدخل رأسه تحت كسائه من الشمس فبينا هو كذلك إذ مر به رجلان أحدهما من بني نهشل والآخر من بني فقيم كانا أشد تميميين في ذلك الزمان بطشا يقال لأحدهما الهياج وقد أقبلا من البحرين ومعهما أنواط من تمر هجر وكان هلال بناحية الصعاب فلما انتهيا إلى الإبل ولا يعرفان هلالا بوجهه ولا يعرفان أن الإبل له ناديا يا راعي أعندك شراب تسقينا وهما يظنانه عبدا لبعضهم فناداهما هلال ورأسه تحت كسائه عليكما الناقة التي صفتها كذا في موضع كذا فأنيخاها فإن عليها وطبين من لبن فاشربا منهما ما بدا لكما قال فقال له أحدهما ويحك انهض يا غلام فأت بذلك اللبن فقال لهما إن تك لكما حاجة فستأتيانها فتجدان الوطبين فتشربان قال فقال أحدهما إنك يابن اللخناء لغليظ الكلام قم فاسقنا ثم دنا من هلال وهو على تلك الحال وقال لهما حيث قال له أحدهما إنك يابن اللخناء لغيظ الكلام أراكما والله ستلقيان هوانا وصغارا وسمعا ذلك منه فدنا أحدهما فأهوى له ضربا بالسوط على عجزه وهو مضطجع فتناول هلال يده فاجتذبه إليه ورماه تحت فخذه ثم ضغطه ضغطة فنادى صاحبه ويحك أغثني قد قتلني فدنا صاحبه منه فتناوله هلال أيضا فاجتذبه فرمى تحت فخذه الأخرى ثم أخذ برقابهما فجعل يصك برؤوسهما بعضا ببعض لا يستطيعان أن يمتنعا منه فقال أحدهما كن هلالا ولا نبالي ما صنعت فقال لهما أنا والله هلال ولا والله لا تفلتان مني حتى تعطياني عهدا وميثاقا لا تخيسان به لتأتيان المربد إذا قدمتا البصرة ثم لتناديان بأعلى أصواتكما بما كان مني ومنكما فعاهداه وأعطياه نوطا من التمر الذي معهما وقدما البصرة فأتيا المربد فناديا بما كان منه ومنهما وحدث خالد عن كنيف بن عبد الله المازني قال كنت يوما مع هلال ونحن نبغي إبلا لنا فدفعنا إلى قوم من بكر بن وائل وقد لغبنا وعطشنا وإذا نحن بفتية شباب عند ركية لهم وقد وردت إبلهم فلما رأوا هلالا استهولوا خلقه وقامته فقام رجلان منهم إليه فقال له أحدهما يا عبد الله هل لك في الصراع فقال له هلال أنا إلى غير ذلك أحوج قال وما هو قال إلى لبن وماء فإنني لغب ظمآن قال ما أنت بذائق من ذلك شيئا حتى تعطينا عهدا لتجيبننا إلى الصراع إذا أرحت ورويت فقال لهما هلال إنني لكم ضيف والضيف لا يصارع آهله رب منزله وأنتم مكتفون من ذلك بما أقول لكم اعمدوا إلى أشد فحل في إبلكم وأهيبه صولة وإلى أشد رجل منكم ذراعا فإن لم أقبض على هامة البعير وعلى يد صاحبكم فلا يمتنع الرجل ولا البعير حتى أدخل يد الرجل في فم البعير فإن لم أفعل ذلك فقد صرعتموني وإن فعلته علمتم أن صراع أحدكم أيسر من ذلك قال فعجبوا من مقالته تلك وأومؤوا إلى فحل في إبلهم هائج صائل قطم فأتاه هلال ومعه نفر من أولئك القوم وشيخ لهم فأخذ بهامة الفحل مما فوق مشفره فضغطها ضغطة جرجر الفحل منها واستخذى ورغا وقال ليعطني من أحببتم يده أولجها في فم هذا الفحل قال فقال الشيخ يا قوم تنكبوا هذا الشيطان فوالله ما سمعت فلانا يعني الفحل جرجر منذ بزل قبل اليوم فلا تعرضوا لهذا الشيطان وجعلوا يتبعونه وينظرون إلى خطوه ويعجبون من طول أعضائه حتى جازهم قال وحدثنا من سمع هلالا يقول قدمت المدينة وعليها رجل من آل مروان فلم أزل أضع عن إبلي وعليها أحمال للتجار حتى أخذ بيدي وقيل لي أجب الأمير قال قلت لهم ويلكم إبلي وأحمالي فقيل لا بأس على إبلك وأحمالك قال فانطلق بي حتى أدخلت على الأمير فسلمت عليه ثم قلت جعلت فداك بلى وأمانتي قال فقال نحن ضامنون لإبلك وأمانتك حتى نؤديها إليك قال فقلت عند ذلك فما حاجة الأمير إلي جعلني الله فداه قال فقال لي وإلى جنبه رجل أصفر لا والله ما رأيت رجلا قط أشد خلقا منه ولا أغلظ عنقا وما أدري أطوله أكثر أم عرضه إن هذا العبد الذي تراه لا والله ما ترك بالمدينة عربيا يصارع إلا صرعه وبلغني عنك قوة فأردت أن يجري الله صرع هذا العبد على يديك فتدرك ما عنده من أوتار العرب قال فقلت جعلني الله فداء الأمير إني لغب نصب جائع فإن رأى الأمير أن يدعني اليوم حتى أضع عن إبلي وأؤدي أمانتي وأريح يومي هذا وأجيئه غدا فليفعل قال فقال لأعوانه انطلقوا معه فأعينوه على الوضع عن إبله وأداء أمانته وانطلقوا به إلى المطبخ فأشبعوه ففعلوا جميع ما أمرهم به قال فظللت بقية يومي ذلك وبت ليلتي تلك بأحسن حال شبعا وراحة وصلاح أمر فلما كان من الغد غدوت عليه وعلي جبة لي صوف وبت وليس علي إزار إلا أني قد شددت بعمامتي وسطي فسلمت عليه فرد علي السلام وقال للأصفر قم إليه فقد أرى أنه أتاك الله بما يجزيك فقال العبد اتزر يا أعرابي فأخذت بتي فاتزرت به على جبتي فقال هيهات هذا لا يثبت إذا قبضت عليه جاء في يدي قال فقلت والله ما لي من إزار قال فدعا الأمير بملحفة ما رأيت قبلها ولا علا جلدي مثلها فشددت بها على حقوي وخلعت الجبة قال وجعل العبد يدور حولي ويريد ختلي وأنا منه وجل ولا أدري كيف أصنع به ثم دنا مني دنوة فنقد جبهتي نقدة حتى ظننت أنه قد شجني وأوجعني فغاظني ذلك فجعلت أنظر في خلقه ثم أقبض منه فما وجدت في خلقه شيئا أصغر من رأسه فوضعت إبهامي في صدغيه وأصابعي الأخر في أصل أذنيه ثم غمزته غمزة صاح منها قتلني قتلني فقال الأمير اغمس رأس العبد في التراب قال فقلت له ذلك لك علي قال فغمست والله رأسه في التراب ووقع شبيها بالمغشي عليه فضحك الأمير حتى استلقى وأمر لي بجائزة وكسوة وانصرفت فرار هلال إلى اليمن قال أبو الفرج ولهلال أحاديث كثيرة من أعاجيب شدته وقد ذكره حاجب بن ذبيان فقال قوم من بني رباب من بني حنيفة في شيء كان بينهم فيه أربع ضربات بالسيف فقال حاجب ( وقائلةٍ وباكية بشَجْوٍ ... لَبئس السيفُ سيفُ بني رِباب ) ( ولو لاقَى هلالَ بني رِزَام ... لعجّله إلى يوم الحساب ) وكان هلال بن الأسعر ضربه رجل من بني عنزة ثم من بني جلان يقال له عبيد ابن جري في شيء كان بينهما فشجه وخمشه خماشة فأتى هلال بني جلان فقال إن صاحبكم قد فعل بي ما ترون فخذوا لي بحقي فأوعدوه وزجروه فخرج من عندهم وهو يقول عسى أن يكون لهذا جزاء حتى أتى بلاد قومه فمضى لذلك زمن طويل حتى درس ذكره ثم إن عبيد بن جري قدم الوقبى وهو موضع من بلاد بني مالك فلما قدمها ذكر هلالا وما كان بينه وبينه فتخوفه فسأل من أعز أهل الماء فقيل له معاذ بن جعدة بن ثابت بن زرارة بن ربيعة بن سيار بن رزام بن مازن فأتاه فوجده غائبا عن الماء فعقد عبيد بن جري طرف ثيابه إلى جانب طنب بيت معاذ وكانت العرب إذا فعلت ذلك وجب على المعقود بطنب بيته للمستجير به أن يجيره وأن يطلب له بظلامته وكان يوم فعل ذلك غائبا عن الماء فقيل رجل استجار بآل معاذ بن جعدة ثم خرج عبيد بن جري ليستقي فوافق قدوم هلال بإبله يوم وروده وكان إنما يقدمها في الأيام فلما نظر هلال إلى ابن جري ذكر ما كان بينه وبينه ولم يعلم باستجارته بمعاذ بن جعدة فطلب شيئا يضربه به فلم يجده فانتزع المحور من السانية فعلاه به ضربة على رأسه فصرع وقيذا وقيل قتل هلال بن الأسعر جار معاذ بن جعدة فلما سمع ذلك هلال تخوف بني جعدة الرزاميين وهم بنو عمه فأتى راحلته ليركبها قال هلال فأتتني خولة بنت يزيد بن ثابت أخي بني جعدة بن ثابت وهي جدة أبي السفاح زهيد بن عبد الله بن مالك أم أبيه فتعلقت بثوب هلال ثم قالت أي عدو الله قتلت جارنا والله لا تفارقني حتى يأتيك رجالنا قال هلال والمحور في يدي لم أضعه قال فهممت أن أعلوا به رأس خولة ثم قلت في نفسي عجوز لها سن وقرابة قال فضربتها برجلي ضربة رميت بها من بعيد ثم أتيت ناقتي فأركبها ثم أضربها هاربا وجاء معاذ بن جعدة وإخوته وهم يومئذ تسعة إخوة وعبد الله بن مالك زوج لبنت معاذ ويقال لها جبيلة وهو مع ذلك ابن عمتهم خولة بنت يزيد بن ثابت فهو معهم كأنه بعضهم فجاءوا من آخر النهار فسمعوا الواعية على الجلاني وهو دنف لم يمت فسألوا عن تلك الواعية فأخبروا بما كان من استجارة الجلاني بمعاذ بن جعدة وضرب هلال له من بعد ذلك فركب الأخوة التسعة وعبد الله بن مالك عاشرهم وكانوا أمثال الجبال في شدة خلقهم مع نجدتهم وركبوا معهم بعشرة غلمة لهم أشد منهم خلقا لا يقع لأحد منهم سهم في غير موضع يريده من رميته حتى تبعوا هلالا وقد نسل هلال من الهرب يومه ذلك كله وليلته فلما أصبح أمنهم وظن أن قد أبعد في الأرض ونجا منهم وتبعوه فلما أصبحوا من تلك الليلة قصوا أثره وكان لا يخفى أثره على أحد لعظم قدمه فلحقوه من بعد الغد فلما أدركوه وهم عشرون ومعهم النبل والقسي والسيوف والترسة ناداهم يا بني جعدة إني أنشدكم الله أن أكون قتلت رجلا غريبا طلبته بترة تقتلوني وأنا ابن عمكم وظن أن الجلاني قد مات ولم يكن مات إلى أن تبعوه وأخذوه فقال معاذ والله لو أيقنا أنه قد مات ما ناظرنا بك القتل من ساعتنا ولكنا تركناه ولم يمت ولسنا نحب قتلك إلا أن تمتنع منا ولا نقدم عليك حتى نعلم ما يصنع جارنا فقاتلهم وامتنع منهم فجعل معاذ يقول لأصحابه وغلمانه لا ترموه بالنبل ولا تضربوه بالسيوف ولكن ارموه بالحجارة واضربوه بالعصي حتى تأخذوه ففعلوا ذلك فما قدروا على أخذه حتى كسروا من إحدى يديه ثلاث أصابع ومن الأخرى إصبعين ودقوا ضلعين من أضلاعه وأكثروا الشجاج في رأسه ثم أخذوه وما كادوا يقدرون على أخذه فوضعوا في رجله أدهم ثم جاءوا به وهو معروض على بعير حتى انتهوا به إلى الوقبى فدفعوه إلى الجلاني ولم يمت بعد فقالوا انطلقوا به معكم إلى بلادكم ولا تحدثوا في أمره شيئا حتى تنظروا ما يصنع بصاحبكم فإن مات فاقتلوه وإن حيي فأعلمونا حتى نحمل لكم أرش الجناية فقال الجلانيون وفت ذمتكم يا بني جعدة وجزاكم الله أفضل ما يجزي به خيار الجيران إنا نتخوف أن ينزعه منا قومكم إن خليتم عنا وعنهم وهو في أيدينا فقال لهم معاذ فإني أحمله معكم وأشيعكم حتى تردوا بلادكم ففعلوا ذلك فحمل معروضا على بعير وركبت أخته جماء بنت الأسعر معه وجعل يقول قتلتني بنو جعدة وتأتيه أخته بمغرة فيشربها فيقال يمشي بالدم لأن بني جعدة فرثوا كبده في جوفه فلما بلغوا أدنى بلاد بكر بن وائل قال الجلانيون لمعاذ وأصحابه أدام الله عزكم وقد وفيتم فانصرفوا وجعل هلال يريهم أنه يمشي في الليلة عشرين مرة فلما ثقل الجلاني وتخوف هلال أن يموت من ليلته أو يصبح ميتا تبرز هلال كما كان يصنع وفي رجله الأدهم كأنه يقضي حاجة ووضع كساءه على عصاه في ليلة ظلماء ثم اعتمد على الأدهم فحطمه ثم طار تحت ليلته على رجليه وكان أدل الناس فتنكب الطريق التي تعرف ويطلب فيها وجعل يسلك المسالك التي لا يطمع فيها حتى انتهى إلى رجل من بني أثاثة بن مازن يقال له السعر بن يزيد بن طلق بن جبيلة بن أثاثة بن مازن فحمله السعر على ناقة له يقال لها ملوة فركبها ثم تجنب بها الطريق فأخذ نحو بلاد قيس بن عيلان تخوفا من بني مازن أن يتبعوه أيضا فيأخذوه فسار ثلاث ليال وأيامها حتى نزل اليوم الرابع فنحر الناقة فأكل لحمها كله إلا فضلة فضلت منها فاحتملها ثم أتى بلاد اليمن فوقع بها فلبث زمانا وذلك عند مقام الحجاج بالعراق فبلغ إفلاته من بالبصرة من بكر بن وائل فانطلقوا إلى الحجاج فاستعدوه وأخبروه بقتله صاحبهم فبعث الحجاج إلى عبد الله بن شعبة بن العلقم وهو يومئذ عريف بني مازن حاضرتهم وباديتهم فقال له لتأتيني بهلال أو لأفعلن بك ولأفعلن فقال له عبد الله بن شعبة إن أصحاب هلال وبني عمه قد صنعوا كذا وكذا فاقتص عليه ما صنعوا في طلبه وأخذه ودفعه إلى الجلانيين وتشييعهم إياه حتى وردوا بلاد بكر بن وائل فقال له الحجاج ويلك ما تقول قال فقال بعض البكريين صدق أصلح الله الأمير قال فقال الحجاج فلا يرغم الله إلا أنوفكم اشهدوا أني قد آمنت كل قريب لهلال وحميم وعريف ومنعت من أخذ أحد به ومن طلبه حتى يظفر به البكريون أو يموت قبل ذلك فلما وقع هلال إلى بلاد اليمن بعث إلى بني رزام بن مازن بشعر يعاتبهم فيه ويعظم عليهم حقه ويذكر قرابته وذلك أن سائر بني مازن قاموا ليحملوا ذلك الدم فقال معاذ لا أرضى والله أن يحمل لجاري دم واحد حتى يحمل له دم ولجواري دم آخر وإن أراد هلال الأمان وسطنا حمل له دم ثالث فقال هلال في ذلك ( بَني مازنٍ لا تطرُدوني فإِنّني ... أخوكم وإِن جَرَّتْ جَرائرَها يدِي ) ( ولا تُثلِجوا أكبادَ بكر بن وائلٍ ... بترك أخيكم كالخليعِ المُطرَّدِ ) ( ولا تجعلوا حِفظي بظَهرٍ وتحفَظوا ... بعيداَ ببغضاء يروح ويغتدِي ) ( فإِنّ القريب حيثُ كان قريبُكم ... وكيفَ بقطع الكَفّ من سائر اليدِ ) ( وإِن البعيد إن دنا فهو جاركم ... وإِن شطّ عنكم فهو أبعدُ أبعدِ ) ( وإِنّي وإِن أوجدتموني لحافظ ... لكم حفظَ راض عنكُم غير مُوجَدِ ) ( سيَحْمِي حِمَاكم بي وإِن كنتُ غائباً ... أغرُّ إذا ما رِيع لم يتبلَّدِ ) ( وتَعلم بكر أنّكم حيثُ كنتُم ... وكنتُ من الأرض الغريبة محتدِي ) ( وأنّي ثقيلٌ حيثُ كنتُ على العِدا ... وأنّي وإِن أُوحِدتُ لستُ بأوحدِ ) ( وأنهمُ لمّا أرادوا هَضِيمتي ... مُنُوا بجميع القلب عَضبٍ مُهنَّدِ ) ( حُسامٍ متى يعزِمْ على الأمر يأتِه ... ولم يتوقَّف للعواقبِ في غدِ ) ( وهم بدؤوا بالبَغْي حتّى إذا جُزوا ... بأفعالهم قالوا لجازيهُم قَدِ ) ( فلم يَكُ منهم في البديهة مُنصِفٌ ... ولم يك فيهم في العواقب مُهتدِي ) ( ولم يَفعلوا فعلَ الحليم فيٌجْمِلوا ... ولم يفعَلوا فعلَ العزيز المؤيَّد ) ( فإِن يَسْرِ لي إيعادُ بَكْرٍ فربّما ... مَنَعتُ الكَرَى بالغيظ من مُتوعِّدِ ) ( ورُبّ حِمَى قوم أبحتُ ومورِدٍ ... ورَدتُ بفتيان الصباح وموردِ ) ( وسجْفٍ دَجُوجيٍّ من الليل حالكٍ ... رفعتُ بعَجْلى الرِّجل مَوارة اليدِ ) ( سفينة خَوّاضٍ بحُورَ هُمومِه ... قليلِ التياث العزم عند التردّدِ ) ( جَسور على الأمر المَهيب إذا ونَى ... أخو الفَتْك ركّابٍ قَرى المتهدِّدِ ) وقال وهو بأرض اليمن ( أقول وقد جاوزتُ نُعْمَى وناقتي ... تَحِنُّ إلى جَنْبي فُليج مع الفَجْرِ ) ( سقى الله يا ناقَ البلادَ التي بها ... هواكِ وإِن عنّا نأتْ سبَل القَطرِ ) ( فما عن قِلىً منّا لها خَفّتِ النّوى ... بنا عن مَراعِيها وكُثْبانِها العُفْرِ ) ( ولكنّ صرفَ الدّهر فرّق بيننا ... وبين الأداني والفَتى غَرضُ الدهرِ ) ( فسَقْياً لصحراء الإهالة مَرْبَعاً ... وللوَقبى من مَنزلٍ دَمِثٍ مُثْرِي ) ( وسَقْياً ورَعْيا حيث حَلّتْ لمازِنٍ ... وأيّامِها الغُرّ المِجّلة الزُّهْرِ ) قال خالد بن كلثوم ولما دفع هلال إلى أولياء الجلاني ليقتلوه بصاحبهم جاء رجل يقال له حفيد كان هلال قد وتره فقال والله لأؤنبنه ولأصغرن إليه نفسه وهو في القيود مصبور للقتل فأتاه فلم يدع له شيئا مما يكره إلا عده عليه قال وإلى جنب هلال حجر يملأ الكف فأخذه هلال فأهوى به للرجل فأصاب جبينه فاجتلف جلفة من وجهه ورأسه ثم رمى بها وقال خذ القصاص مني الآن وأنشأ يقول ( أنا ضرَبتُ كَرِباً وزَيْدَاً ... وثابِتاً مَشَّيتُهم رُوَيْدَا ) ( كما أفدتُ حَيْنَه عُبَيدَا ... وقد ضربتُ بعده حُفيدَا ) قال وهؤلاء كلهم من بني رزام بن مازن وكلهم كان هلال قد نكأ فيهم هلال يمدح الديسم لأنه أدى عنه الدية قال خالد بن كلثوم ولما طال مقام هلال باليمن نهضت بنو مازن بأجمعهم إلى بني رزام بن مازن رهط هلال ورهط معاذ بن جعدة جار الجلاني المقتول فقالوا إنكم قد أسأتم بابن عمكم وجزتم الحد في الطلب بدم جاركم فنحن نحمل لكم ما أردتم فحمل ديسم بن المنهال بن خزيمة بن شهاب بن أثاثة بن ضباب بن حجية بن كابية بن حرقوص بن مازن الذي طلب معاذ بن جعدة أن يحمل لجاره لفضل عزه وموضعه في عشيرته وكان الذي طلب ثلثمائة بعير فقال هلال في ذلك ( إن ابن كابِيةَ المَرزَّأَ دَيْسماً ... وَارِي الزنادِ بعيدُ ضوءِ النارِ ) ( من كان يحملُ ما تحمّلَ ديسمٌ ... من حائلٍ فُنُقٍ وأمِّ حُوَارِ ) ( عَيَّتْ بنو عمرو بحمل هنائدٍ ... فيها العِشارُ ملاَبيُء الأبكار ) ( حتى تَلاَفاها كريمٌ سابقٌ ... بالخير حلّ منازلَ الأخيارِ ) ( حتى إذا وردتْ جميعاً أًرْزَمتْ ... جَلاَّنَ بعد تَشَمُّس ونِفَارِ ) ( تَرعَى بصحراءِ الإِهالَة رُوبَةً ... والعُنظُوَانَ مَنَابِتَ الجَرجَارِ ) وقال خالد بن كثلوم كان قيمر بن سعد مصدقا على بكر بن وائل فوجد منهم رجلا قد سرق صدقته فأخذه قمير ليحبسه فوثب قومه وأرادوا أن يحولوا بين قمير وبينه وهلال حاضر فلما رأى ذلك هلال وثب على البكريين فجعل يأخذ الرجلين منهم فيكنفهما ويناطح بين رؤوسهما فانتهى إلى قمير أعوانه فقهروا البكريين فقال هلال في ذلك ( دعاني قُمَيرٌ دَعْوةً فأجبتُه ... فأيُّ امريٍء في الحرب حين دَعانِي ) ( معي مِخْذَمٌ قد أخلصَ القَيْنُ حَدَّه ... يُخَفِّضُ عند الرَّوْعِ رَوْعَ جَنَانِي ) ( وما زِلتُ مذ شَدَّتْ يمينيَ حُجْزتي ... أُحَارِبُ أو فِي ظِلّ حربٍ تَرَانِي ) حبسه ثم الإفراج عنه بعد افتدائه أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا حكيم بن سعد عن زفر بن هبيرة قال تقاوم هلال بن أسعر المازني وهو أحد بني رزام بن مازن ونييس الجلاني من عنزة وهما يسقيان إبلهما فحذف هلال نهيسا بمحور في يده فأصابه فمات فاستعدى ولده بلال بن أبي بردة على هلال فحبسه فأسلمه قومه بنو رزام وعمل في أمره ديسم ابن المنهال أحد بني كابية بن حرقوص فافتكه بثلاث ديات فقال هلال يمدحه ( تداركَ دَيْسمٌ حسَباً ومجداً ... رِزَاماً بعد ما انشقَّتْ عَصَاها ) ( همو حَملوا المئِينَ فألحقُوها ... بأهليها فكان لهم سَنَاها ) ( وما كانت لتحمِلَها رِزامٌ ... بأَسْتَاهٍ مُعَقّصَة لِحَاها ) ( بكابيةَ بنِ حُرقُوصٍ وجدٍّ ... كريمٍ لا فتَى إلا فَتَاها ) نهم هلال وكثرة أكله أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثني نصر بن علي الجهضمي قال حدثنا الأصمعي وأخبرني أبو عبيد محمد بن أحمد بن المؤمل الصيرفي قال حدثنا فضل بن الحسن قال حدثنا نصر بن علي عن الأصمعي قال حدثنا المعتمر بن سليمان قال قلت لهلال بن أسعر ما أكلة أكلتها بلغتني عنك قال جعت مرة ومعي بعيري فنحرته وأكلته إلا ما حملت منه على ظهري قال أبو عبيد في حديثه عن فضل ثم أردت امرأتي فلم أقدر على جماعها فقالت لي ويحك كيف تصل إلي وبيني وبينك بعير قال المعتمر فقلت له كم تكفيك هذه الأكلة قال أربعة أيام وحدثني به ابن عمار قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أحمد بن معاوية عن الأصمعي عن معتمر بن سليمان عن أبيه قال قلت لهلال بن الأسعر هكذا قال ابن أبي سعد معتمر عن أبيه وقال في خبره فقلت له كم تكفيك هذه الأكلة فقال خمسا أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا نصر بن علي قال حدثني الأصمعي قال حدثني شيخ من بني مازن قال أتانا هلال بن أسعر المازني فأكل جميع ما في بيتنا فبعثنا إلى الجيران نقترض الخبز فلما رأى الخبز قد اختلف عليه قال كأنكم أرسلتم إلى الجيران أعندكم سويق قلنا نعم فجئته بجراب طويل فيه سويق وببرنية نبيذ فصب السويق كله وصب عليه النبيذ حتى أتى على السويق والنبيذ كله أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني أن هلال بن أسعر مر على رجل من بني مازن بالبصرة وقد حمل من بستانه رطبا في زواريق فجلس على زورق صغير منها وقد كثب الرطب فيه وغطي بالبواري قال له يابن عم آكل من رطبك هذا قال نعم قال ما يكفيني قال ما يكفيك فجلس على صدر الزورق وجعل يأكل إلى أن اكتفى ثم قام فانصرف فكشف الزورق فإذا هو مملؤ نوى قد أكل رطبه وألقى النوى فيه قال المدائني وحدثني من سأله عن أعجب شيء أكله فقال مائتي رغيف مع مكوك ملح أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني الحسن بن علي بن منصور الأهوازي وكان كهلا سريا معدلا قال حدثني شبان النيلي عن صدقة بن عبيد المازني قال أولم علي أبي لما تزوجت فعملنا عشر جفان ثريدا من جزور فكان أول من جاءنا هلال بن أسعر المازني فقدمنا إليه جفنة فأكلها ثم أخرى ثم أخرى حتى أتى على العشر ثم استسقى فأتي بقربة من نبيذ فوضع طرفها في شدقه ففرغها في جوفه ثم قام فخرج فاستأنفنا عمل الطعام هلال أطول الناس قامة أخبرني الجوهري قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا نصر بن علي عن الأصمعي قال حدثني أبو عمرو بن العلاء قال رأيت هلال بن أسعر ميتا ولم أره حيا فما رأيت أحدا على سرير أطول منه أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن يزيد قال حدثني بعض حاشية السلطان قال غنى إبراهيم الموصلي الرشيد يوما ( يا ربعَ سَلْمَى لقد هيّجتَ لي طربَا ... زِدتَ الفؤاد على علاَّته وَصَبَا ) قال والصنعة فيه لرجل من أهل الكوفة يقال له عزون فأعجب به الرشيد وطرب له واستعاده مرارا فقال له الموصلي يا أمير المؤمنين فكيف لو سمعته من عبدك مخارق فإنه أخذه عني وهو يفضل فيه الخلق جميعا ويفضلني فأمر بإحضار مخارق فأحضر فقال له غنني ( يا ربعَ سلمى لقد هيّجتَ لي طربا ... زدت الفؤاد على عِلاّته وصبا ) فغناه إياه فبكى وقال سل حاجتك قال مخارق فقلت تعتقني يا أمير المؤمنين من الرق وتشرفني بولائك أعتقك الله من النار قال أنت حر لوجه الله أعد الصوت قال فأعدته فبكى وقال سل حاجتك فقلت يا أمير المؤمنين ضيعة تقيمني غلتها فقال قد أمرت لك بها أعد الصوت فأعدته فبكى وقال سل حاجتك فقلت يأمر لي أمير المؤمنين بمنزل وفرشه وما يصلحه وخادم فيه قال ذلك لك أعده فأعدته فبكى وقال سل حاجتك قلت حاجتي يا أمير المؤمنين أن يطيل الله بقاءك ويديم عزك ويجعلني من كل سوء فداءك قال فكان إبراهيم الموصلي سبب عتقه بهذا الصوت أخبرني بهذا الخبر محمد بن خلف وكيع قال حدثني هارون بن مخارق وحدثني به الصولي أيضا عن وكيع عن هارون بن مخارق قال كان أبي إذا غنى هذا الصوت ( يا ربع سلمى لقد هيجت لي طربا ... زدت الفؤاد على عِلاّته وصبا ) يقول أنا مولى هذا الصوت فقلت له يوما يا أبت وكيف ذلك فقال غنيته مولاي الرشيد فبكى وقال أحسنت أعد فأعدت فبكى وقال أحسنت أنت حر لوجه الله وأمر لي بخمسة آلاف دينار فأنا مولى هذا الصوت بعد مولاي وذكر قريبا مما ذكره المبرد من باقي الخبر حدثني الحسن بن علي قال حدثنا ابن أبي الدنيا قال حدثني إسحاق النخعي عن حسين بن الضحاك عن مخارق أن الرشيد أقبل يوما على المغنين وهو مضطجع فقال من منكم يغني ( يا ربعَ سلمى لقد هيّجتَ لي طربا ... زدتَ الفؤاد على عِلاّته وصبا ) قال فقمت فقلت أنا فقال هاته فغنيته فطرب وشرب ثم قال علي بهرثمة فقلت في نفسي ما تراه يريد منه فجاؤوا بهرثمة فأدخل إليه وهو يجر سيفه فقال يا هرثمة مخارق الشاري الذي قتلناه بناحية الموصل ما كانت كنيته فقال أبو المهنا فقال انصرف فانصرف ثم أقبل علي فقال قد كنيتك أبا المهنا لإحسانك وأمر لي بمائة ألف درهم فانصرفت بها وبالكنية صوت من المائة المختارة من رواية جحظة عن أصحابه ( وخِلٍّ كنتُ عينَ الرُّشْد منه ... إذا نظرتْ ومستمِعاً سَمِيعَا ) ( أطاف بِغَيِّه فعدلتُ عنه ... وقلت له أَرَى أمراً فظيعَا ) الشعر لعروة بن الورد والغناء في اللحن المختار لسياط ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو بن بانة وفيه لإبراهيم ماخوري بالوسطى عن عمرو أيضا أخبار عروة بن الورد ونسبه عروة بن الورد بن زيد وقيل ابن عمرو بن زيد بن عبد الله بن ناشب بن هريم بن لديم بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار شاعر من شعراء الجاهلية وفارس من فرسانها وصعلوك من صعاليكها المعدودين المقدمين الأجواد وكان يلقب عروة الصعاليك لجمعه إياهم وقيامه بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم ولم يكن لهم معاش ولا مغزى وقيل بل لقب عروة الصعاليك لقوله ( لَحى اللُّه صُعلوكاً إذا جَنّ ليلُه ... مُصَافِي المُشَاشِ آلِفاً كلَّ مَجزرِ ) ( يَعُدُّ الغنِى مِن دهره كلَّ ليلةٍ ... أصابَ قِرَاها من صَديقٍ مُيَسَّرِ ) ( وللَّه صُعلوكُ صفيحةُ وجهِه ... كضوءِ شهابِ القابِس المتنوِّر ) أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال بلغني أن معاوية قال لو كان لعروة بن الورد ولد لأحببت أن أتزوج إليهم أخبرني محمد بن خلف قال حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدثني العمري عن الهيثم بن عدي وحدثنا إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم قالا جميعا قال عبد الملك بن مروان ما يسرني أن أحدا من العرب ولدني ممن لم يلدني إلا عروة بن الورد لقوله ( إِنِّي امرؤٌ عافِي إِنائيَ شِرْكَةٌ ... وأَنت امرؤٌ عافي إِنائِك واحدُ ) ( أتهزأ منِّي أن سمِنْتَ وأن تَرَى ... بجسميَ مَسَّ الحقّ والحقُّ جاهِدُ ) ( أُفرِّق جِسْمِي في جسومٍ كثيرةٍ ... وأَحْسُو قَراحَ الماءِ والماءُ باردُ ) أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني عمر بن شبة قال بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للحطيئة كيف كنتم في حربكم قال كنا ألف حازم قال وكيف قال كان فينا قيس بن زهير وكان حازما وكنا لا نعصيه وكنا نقدم إقدام عنترة ونأتم بشعر عروة بن الورد وننقاد لأمر الربيع بن زياد عبد الملك يقول عروة أسمح الناس أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال ويقال إن عبد الملك قال من زعم أن حاتما أسمح الناس فقد ظلم عروة ابن الورد أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال أخبرنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا معن بن عيسى قال سمعت أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال لمعلم ولده لا تروهم قصيدة عروة بن الورد التي يقول فيها ( دَعِيني للغِنَى أَسْعَى فإِنِّي ... رأيتُ الناسَ شرُّهمُ الفقيرُ ) ويقول إن هذا يدعوهم إلى الاغتراب عن أوطانهم خبر عروة مع سبيته سلمى أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن عمران الزهري عن عامر بن جابر قال أغار عروة بن الورد على مزينة فأصاب منهم امرأة من كنانة ناكحا فاستاقها ورجع وهو يقول ( تَبَغَّ عَدِيّاً حيث حَلّتْ ديَارَها ... وأبناءَ عَوْفٍ في القُرُونِ الأوائِل ) ( فَإِلاّ أَنَلْ أَوْساً فإِنّيَ حَسْبُها ... بِمُنْبطِح الأدغال من ذي السلائِل ) ثم أقبل سائرا حتى نزل ببني النضير فلما رأوها أعجبتهم فسقوه الخمر ثم استوهبوها منه فوهبها لهم وكان لا يمس النساء فلما أصبح وصحا ندم فقال ( سَقَوْنِي الخمرَ ثم تكنّفوني ... ) الأبيات قال وجلاها النبي مع من جلا من بني النضير سلمى تثني عليه بعد رفضها العودة معه وذكر أبو عمرو الشيباني من خبر عروة بن الورد وسلمى هذه أنه أصاب امرأة من بني كنانة بكرا يقال لها سلمى وتكنى أم وهب فأعتقها واتخذها لنفسه فمكثت عنده بضع عشرة سنة وولدت له أولادا وهو لا يشك في أنها أرغب الناس فيه وهي تقول له لو حججت بي فأمر على أهلي وأراهم فحج بها فأتى مكة ثم أتى المدينة وكان يخالط من أهل يثرب بني النضير فيقرضونه إن احتاج ويبايعهم إذا غنم وكان قومها يخالطون بني النضير فأتوهم وهو عندهم فقالت لهم سلمى إنه خارج بي قبل أن يخرج الشهر الحرام فتعالوا إليه وأخبروه أنكم تستحيون أن تكون امرأة منكم معروفة النسب صحيحته سبية وافتدوني منه فإنه لا يرى أني أفارقه ولا أختار عليه أحدا فأتوه فسقوه الشراب فلما ثمل قالوا له فادنا بصاحبتنا فإنها وسطة النسب فينا معروفة وإن علينا سبة أن تكون سبية فإذا صارت إلينا وأردت معاودتها فاخطبها إلينا فإننا ننكحك فقال لهم ذاك لكم ولكن لي الشرط فيها أن تخيروها فإن اختارتني انطلقت معي إلى ولدها وإن اختارتكم انطلقتم بها قالوا ذاك لك قال دعوني أله بها الليلة وأفادها غدا فلما كان الغد جاءوه فامتنع من فدائها فقالوا له قد فاديتنا به منذ البارحة وشهد عليه بذلك جماعة ممن حضر فلم يقدر على الامتناع وفاداها فلما فادوه بها خيروها فاختارت أهلها ثم أقبلت عليه فقالت يا عروة أما إني أقول فيك وإن فارقتك الحق والله ما أعلم امرأة من العرب ألقت سترها على بعل خير منك وأغض طرفا وأقل فحشا وأجود يدا وأحمى لحقيقة وما مر علي يوم منذ كنت عندك إلا والموت فيه أحب إلي من الحياة بين قومك لأني لم أكن أشاء أن أسمع امرأة من قومك تقول قالت أمة عروة كذا وكذا إلا سمعته ووالله لا أنظر في وجه غطفانية أبدا فارجع راشدا إلى ولدك وأحسن إليهم فقال عروة في ذلك ( سقَوْنِي الخمرَ ثم تكنّفوني ... ) وأولها ( أرِقتُ وصُحْبتِي بمضيقِ عَمْقٍ ... لبرقٍ من تِهَامةَ مُستَطِيرِ ) ( سَقَى سَلْمَى وأين ديارُ سلْمَى ... إذا كانت مُجاوِرةَ السَّريرِ ) ( إذا حَلَّتْ بأرض بني عليّ ... وأهلي بين إمَّرَةٍ وكيرِ ) ( ذكرتُ منازلاً من أمّ وهبٍ ... محلَّ الحيِّ أسفلَ من نَقِيرِ ) ( وأحْدَثُ معهدٍ من أمّ وهبٍ ... مُعرَّسُنا بدار بني النَّضِيرِ ) ( وقالوا ما تشاءُ فقلتُ أَلْهُو ... إلى الإِصباح آثِرَ ذِي أَثِيرِ ) ( بآنِسَةِ الحديثِ رُضَابُ فِيها ... بُعَيدَ النومِ كالعِنَبِ العَصِيرِ ) وأخبرني علي بن سليمان الأخفش عن ثعلب عن ابن الأعرابي بهذه الحكاية كما ذكر أبو عمرو وقال فيها إن قومها أغلوا بها الفداء وكان معه طلق وجبار أخوه وابن عمه فقالا له والله لئن قبلت ما أعطوك لا تفتقر أبدا وأنت على النساء قادر متى شئت وكان قد سكر فأجاب إلى فدائها فلما صحا ندم فشهدوا عليه بالفداء فلم يقدر على الامتناع وجاءت سلمى تثني عليه فقالت والله إنك ما علمت لضحوك مقبلا كسوب مدبرا خفيف على متن الفرس ثقيل على العدو طويل العماد كثير الرماد راضي الأهل والجانب فاستوص ببنيك خيرا ثم فارقته فتزوجها رجل من بني عمها فقال لها يوما من الأيام يا سلمى أثني علي كما أثنيت على عروة وقد كان قولها فيه شهر فقالت له لا تكلفني ذلك فإني إن قلت الحق غضبت ولا واللات والعزى لا أكذب فقال عزمت عليك لتأتيني في مجلس قومي فلتثنين علي بما تعلمين وخرج فجلس في ندي القوم وأقبلت فرماها القوم بأبصارهم فوقفت عليهم وقالت أنعموا صباحا إن هذا عزم علي أن أثني عليه بما أعلم ثم أقبلت عليه فقالت والله إن شملتك لالتحاف وإن شربك لاشتفاف وإنك لتنام ليلة تخاف وتشبع ليلة تضاف وما ترضي الأهل ولا الجانب ثم انصرفت فلامه قومه وقالوا ما كان أغناك عن هذا القول منها عروة يخرج صعاليك أخبرني الأخفش عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال حدثني أبو فقعس قال كان عروة بن الورد إذا أصابت الناس سنة شديدة تركوا في دارهم المريض والكبير والضعيف وكان عروة بن الورد يجمع أشباه هؤلاء من دون الناس من عشيرته في الشدة ثم يحفر لهم الأسراب ويكنف عليهم الكنف ويكسبهم ومن قوي منهم إما مريض يبرأ من مرضه أو ضعيف تثوب قوته خرج به معه فأغار وجعل لأصحابه الباقين في ذلك نصيبا حتى إذا أخصب الناس وألبنوا وذهبت السنة الحق كل إنسان بأهله وقسم له نصيبه من غنيمة إن كانوا غنموها فربما أتى الإنسان منهم أهله وقد استغنى فلذلك سمي عروة الصعاليك فقال في ذلك بعض السنين وقد ضاقت حاله ( لعلّ ارتيادِي في البلاد وبُغيتي ... وشَدِّي حَيازِيمَ المطيَّةِ بالرَّحْلِ ) ( سيدفَعُني يوماً إلى ربّ هَجْمَةٍ ... يُدَافِعُ عنها بالعُقُوقِ وبالبُخلِ ) فزعموا أن الله عز و جل قيض له وهو مع قوم من هلاك عشيرته في شتاء شديد ناقتين دهماوين فنحر لهم إحداهما وحمل متاعهم وضعفاءهم على الأخرى وجعل ينتقل بهم من مكان إلى مكان وكان بين النقرة والربذة فنزل بهم ما بينهما بموضع يقال له ماوان ثم إن الله عز و جل قيض له رجلا صاحب مائة من الإبل قد فر بها من حقوق قومه وذلك أول ما ألبن الناس فقتله وأخذ إبله وامرأته وكانت من أحسن النساء فأتى بالإبل أصحاب الكنيف فحلبها وحملهم عليها حتى إذا دنوا من عشيرتهم أقبل يقسمها بينهم وأخذ مثل نصيب أحدهم فقالوا لا واللات والعزى لا نرضى حتى تجعل المرأة نصيبا فمن شاء أخذها فجعل يهم بأن يحمل عليهم فيقتلهم وينتزع الإبل منهم ثم يذكر أنهم صنيعته وأنه إن فعل ذلك أفسد ما كان يصنع فأفكر طويلا ثم أجابهم إلى أن يرد عليهم الإبل إلا راحلة يحمل عليها المرأة حتى يلحق بأهله فأبوا ذلك عليه حتى انتدب رجل منهم فجعل له راحلة من نصيبه فقال عروة في ذلك قصيدته التي أولها ( ألا إن أصحابَ الكَنِيف وجدتُهم ... كما الناس لمّا أمرَعُوا وتَموّلُوا ) ( وإني لمدفُوعٌ إليّ وَلاَؤُهُم ... بماوَانَ إذ نَمْشِي وإذ نَتَمَلمَلُ ) ( وإنِّي وإيّاهم كذِي الأمِّ أَرْهنَت ... له ماءَ عينيْها تُفدِّي وتَحمِلُ ) ( فباتت بحدّ المِرْفَقيْن كِلَيْهما ... تُوَحوِحُ ممّا نالها وتُوَلْوِلُ ) ( تُخَيَّرُ من أمرين ليسا بِغبطةٍ ... هو الثَّكل إلا أنّها قد تَجمَّلُ ) قوله في ليلى وقال ابن الأعرابي في هذه الرواية أيضا كان عروة قد سبى امرأة من بني هلال بن عامر بن صعصعة يقال لها ليلى بنت شعواء فمكثت عنده زمانا وهي معجبة له تريه أنها تحبه ثم استزارته أهلها فحملها حتى أتاهم بها فلما أراد الرجوع أبت أن ترجع معه وتوعده قومها بالقتل فانصرف عنهم وأقبل عليها فقال لها يا ليلى خبري صواحبك عني كيف أنا فقالت ما أرى لك عقلا أتراني قد اخترت عليك وتقول خبري عني فقال في ذلك ( تَحِنّ إلى ليلى بجوّ بلادها ... وأنت عليها بالمَلاَ كنتَ أقدرا ) ( وكيف تُرَجّيها وقد حِيلَ دونَها ... وقد جاوزتْ حيّاً بتَيْماء مُنْكَرا ) ( لعلّك يوماً أن تُسرِّي ندامةً ... عليّ بما جشّمتَني يوم غَضْورا ) وهي طويلة قال ثم إن بني عامر أخذوا امرأة من بني عبس ثم من بني سكين يقال لها أسماء فما لبثت عندهم إلا يوما حتى استنقذها قومها فبلغ عروة أن عامر بن الطفيل فخر بذلك وذكر أخذه إياها فقال عروة يعيرهم بأخذه ليلى بنت شعواء الهلالية ( إن تأخُذوا أسماء مَوقِفَ ساعةٍ ... فمأْخَذُ ليلَى وهي عَذْراءُ أعجبُ ) ( لبِسنا زماناً حُسنَها وشَبابَها ... ورُدّت إلى شَعْواء والرّأسُ أشيبُ ) ( كمأْخِذنا حسناءَ كرهاً ودمعُها ... غداةَ اللِّوى مَعصوبةً يَتصبّبُ ) وقال ابن الأعرابي أجدب ناس من بني عبس في سنة أصابتهم فأهلكت أموالهم وأصابهم جوع شديد وبؤس فأتوا عروة بن الورد فجلسوا أمام بيته فلما بصروا به صرخوا وقالوا يا أبا الصعاليك أغثنا فرق لهم وخرج ليغزو بهم ويصيب معاشا فنهته امرأته عن ذلك لما تخوفت عليه من الهلاك فعصاها وخرج غازيا فمر بمالك بن حمار الفزاري ثم الشمخي فسأله أين يريد فأخبره فأمر له بجزور فنحرها فأكلوا منها وأشار عليه مالك أن يرجع فعصاه ومضى حتى انتهى إلى بلاد بني القين فأغار عليهم فأصاب هجمة عاد بها على نفسه وأصحابه وقال في ذلك ( أرى أمَّ حَسَّانَ الغَداةَ تلُومُني ... تُخوِّفني الأعداءَ والنّفسُ أَخوفُ ) ( تقول سُلَيمَى لو أقمتَ لَسَرَّنا ... ولم تدرِ أنّي للمُقَام أُطَوِّفُ ) ( لعلَّ الذي خَوّفِتِنا مِنْ أمَامِنا ... يُصادفه في أهله المُتَخَلِّفُ ) وهي طويلة وقال في ذلك أيضا ( أليس وَرائي أن أدِبَّ على العصا ... فيَشْمَتَ أعدائي ويسأَمَني أهلي ) ( رَهينة قَعْر البيت كلَّ عَشيّةٍ ... يُطيفُ بيَ الوِلْدانُ أَهْدَجَ كالرَّأل ) ( أَقيموا بني لُبْنَى صُدورَ رِكابكم ... فكلُّ مَنَايا النّفْس خيرٌ من الهُزْلِ ) ( فإِنكمُ لن تبلُغوا كلَّ هِمّتي ... ولا أرَبي حتّى تَرَوْا مَنْبِتَ الأَثْلِ ) ( لعلّ ارتيادي في البلاد وحِيلتي ... وشَدِّي حيازيمَ المطيّة بالرَّحْلِ ) ( سيدفعني يَوماً إلى ربّ هَجْمةٍ ... يُدافِع عنها بالعُقوق وبالبُخلِ ) حديث عروة مع الهذلي الذي أخذ فرسه نسخت من كتاب أحمد بن القاسم بن يوسف قال حدثني حر بن قطن أن ثمامة بن الوليد دخل على المنصور فقال يا ثمامة أتحفظ حديث ابن عمك عروة الصعاليك بن الورد العبسي فقال أي حديثه يا أمير المؤمنين فقد كان كثير الحديث حسنه قال حديثه مع الهذلي الذي أخذ فرسه قال ما يحضرني ذلك فأرويه يا أمير المؤمنين فقال المنصور خرج عروة حتى دنا من منازل هذيل فكان منها على نحو ميلين وقد جاع فإذا هو بأرنب فرماها ثم أورى نارا فشواها وأكلها ودفن النار على مقدار ثلاث أذرع وقد ذهب الليل وغارت النجوم ثم أتى سرحة فصعدها وتخوف الطلب فلما تغيب فيها إذا الخيل قد جاءت وتخوفوا البيات قال فجاءت جماعة منهم ومعهم رجل على فرس فجاء حتى ركز رمحه في موضع النار وقال لقد رأيت النار ها هنا فنزل رجل فحفر قدر ذراع فلم يجد شيئا فأكب القوم على الرجل يعذلونه ويعيبون أمره ويقولون عنيتنا في مثل هذه الليلة القرة وزعمت لنا شيئا كذبت فيه فقال ما كذبت ولقد رأيت النار في موضع رمحي فقالوا ما رأيت شيئا ولكن تحذلقك وتدهيك هو الذي حملك على هذا وما نعجب إلا لأنفسنا حين أطعنا أمرك واتبعناك ولم يزالوا بالرجل حتى رجع عن قوله لهم واتبعهم عروة حتى إذا وردوا منازلهم جاء عروة فتمكن في كسر بيت وجاء الرجل إلى امرأته وقد خالفه إليها عبد أسود وعروة ينظر فأتاها العبد بعلبة فيها لبن فقال اشربي فقالت لا أوتبدأ فبدأ الأسود فشرب فقالت للرجل حين جاء لعن الله صلفك عنيت قومك منذ الليلة قال لقد رأيت نارا ثم دعا بالعلبة ليشرب فقال حين ذهب ليكرع ريح رجل وب الكعبة فقالت امرأته وهذه أخرى أي ريح رجل تجده في إنائك غير ريحك ثم صاحت فجاء قومها فأخبرتهم خبره فقالت يتهمني ويظن بي الظنون فأقبلوا عليه باللوم حتى رجع عن قوله فقال عروة هذه ثانية قال ثم أوى الرجل إلى فراشه فوثب عروة إلى الفرس وهو يريد أن يذهب به فضرب الفرس بيده وتحرك فرجع عروة إلى موضعه ووثب الرجل فقال ما كنت لتكذبني فمالك فأقبلت عليه امرأته لوما وعذلا قال فصنع عروة ذلك ثلاثا وصنعه الرجل ثم أوى الرجل إلى فراشه وضجر من كثرة ما يقوم فقال لا أقوم إليك الليلة وأتاه عروة فحال في متنه وخرج ركضا وركب الرجل فرسا عنده أنثى قال عروة فجعلت أسمعه خلفي يقول الحقي فإنك من نسله فلما انقطع عن البيوت قال له عروة بن الورد أيها الرجل قف فإنك لو عرفتني لم تقدم علي أنا عروة بن الورد وقد رأيت الليلة منك عجبا فأخبرني به وأرد إليك فرسك قال وما هو قال جئت مع قومك حتى ركزت رمحك في موضع نار قد كنت أوقدتها فثنوك عن ذلك فانثنيت وقد صدقت ثم اتبعتك حتى أتيت منزلك وبينك وبين النار ميلان فأبصرتها منهما ثم شممت رائحة رجل في إنائك وقد رأيت الرجل حين آثرته زوجتك بالإناء وهو عبدك الأسود وأظن أن بينهما ما لا تحب فقلت ريح رجل فلم تزل تثنيك عن ذلك حتى انثنيت ثم خرجت إلى فرسك فأردته فاضطرب وتحرك فخرجت إليه ثم خرجت وخرجت ثم أضربت عنه فرأيتك في هذه الخصال أكمل الناس ولكنك تنثني وترجع فضحك وقال ذلك لأخوال السوء والذي رأيت من صرامتي فمن قبل أعمامي وهم هذيل وما رأيت من كعاعتي فمن قبل أخوالي وهم بطن من خزاعة والمرأة التي رأيت عندي امرأة منهم وأنا نازل فيهم فذلك الذي يثنيني عن أشياء كثيرة وأنا لاحق بقومي وخارج عن أخوالي هؤلاء ومخل سبيل المرأة ولولا رأيت من كعاعتي لم يقو على مناوأة قومي أحد من العرب فقال عروة خذ فرسك راشدا قال ما كنت لآخذه منك وعندي من نسله جماعة مثله فخذه مباركا لك فيه قال ثمامة إن له عندنا أحاديث كثيرة ما سمعنا له بحديث هو أظرف من هذا عروة يتعرف على ابن له قال المنصور أفلا أحدثك له بحديث هو أظرف من هذا قال بلى يا أمير المؤمنين فإن الحديث إذا جاء منك كان له فضل على غيره قال خرج عروة وأصحابه حتى أتى ماوان فنزل أصحابه وكنف عليهم كنيفا من الشجر وهم أصحاب الكنيف الذي سمعته قال فيهم ( ألا إنّ أصحابَ الكنيف وجدتُهم ... كما الناس لمّا أمرَعُوا وتموّلُوا ) وفي هذه الغزاة يقول عروة ( أقول لقوم في الكَنيفِ تَروّحُوا ... عَشِيّةَ قِلْنَا حولَ ماوانَ رُزَّحِ ) وفي هذه القصيدة يقول ( ليَبْلُغَ عُذراً أو يُصِيبَ غَنِيمةً ... ومُبْلِغُ نفسٍ عُذرَها مِثْلُ مُنْجحِ ) ثم مضى يبتغي لهم شيئا وقد جهدوا فإذا بأبيات شعر وبامرأة قد خلا من سنها وشيخ كبير كالحقاء الملقى فكمن في كسر بيت منها وقد أجدب الناس وهلكت الماشية فإذا هو في البيت بسحور ثلاثة مشوية فقال ثمامة وما السحور قال الحلقوم بما فيه والبيت خال فأكلها وقد مكث قبل ذلك يومين لا يأكل شيئا فأشبعته وقوي فقال لا أبالي من لقيت بعد هذا ونظرت المرأة فظنت أن الكلب أكلها فقال للكلب أفعلتها يا خبيث وطردته فإنه لكذلك إذا هو عند المساء بإبل قد ملأت الأفق وإذا هي تلتفت فرقا فعلم أن راعيها جلد شديد الضرب لها فلما أتت المناخ بركت ومكث الراعي قليلا ثم أتى ناقة منها فمرى أخلافها ثم وضع العلبة على ركبتيه وحلب حتى ملأها ثم أتى الشيخ فسقاه ثم أتى ناقة أخرى ففعل بها ذلك وسقى العجوز ثم أتى أخرى ففعل بها كذلك فشرب هو ثم التفع بثوب واضطجع ناحية فقال الشيخ للمرأة وأعجبه ذلك كيف ترين ابني فقالت ليس بابنك قال فابن من ويلك قالت ابن عروة بن الورد قال ومن أين قالت أتذكر يوم مر بنا يريد سوق ذي المجاز فقلت هذه عروة بن الورد وصفته لي بجلد فإني استطرفته قال فسكت حتى إذا نوم وثب عروة وصاح بالإبل فاقتطع منها نحوا من النصف ومضى ورجا ألا يتبعه الغلام وهو غلام حين بدا شاربه فاتبعه قال فاتخذا وعالجه قال فضرب به الأرض فيقع قائما فتخوفه على نفسه ثم واثبه فضرب به وبادره فقال إني عروة بن الورد وهو يريد أن يعجزه عن نفسه قال فارتدع ثم قال مالك ويلك لست أشك أنك قد سمعت ما كان من أمي قال قلت نعم فاذهب معي أنت وأمك وهذه الإبل ودع هذا الرجل فإنه لا ينهاك عن شيء قال الذي بقي من عمر الشيخ قليل وأنا مقيم معه ما بقي فإن له حقا وذماما فإذا هلك فما أسرعني إليك وخذ من هذه الإبل بعيرا قلت لا يكفيني إن معي أصحابي قد خلفتهم قال فثانيا قلت لا قال فثالثا والله لا زدتك على ذلك فأخذها ومضى إلى أصحابه ثم إن الغلام لحق به بعد هلاك الشيخ قال والله يا أمير المؤمنين لقد زينته عندنا وعظمته في قلوبنا قال فهل أعقب عندكم قال لا ولقد كنا نتشاءم بأبيه لأنه هو الذي أوقع الحرب بين عبس وفزارة بمراهنته حذيفة ولقد بلغني أنه كان له ابن أسن من عروة فكان يؤثره على عروة فيما يعطيه ويقربه فقيل له أتؤثر الأكبر مع غناه عنك على الأصغر مع ضعفه قال أترون هذا الأصغر لئن بقي ما رأى من شدة نفسه ليصيرن الأكبر عيالا عليه صوت من المائة المختارة ( أزْرَى بنا أننا شالَتْ نَعامتُنا ... فخالني دونه بل خِلتُه دونِي ) ( فإِن تُصِبكَ من الأيام جائحةٌ ... لم أَبك منك على دنيا ولا دينِ ) الشعر لذي الإصبع العدواني والغناء لفيل مولى العبلات هزج خفيف بإطلاق الوتر في مجرى البنصر معنى قوله أزرى بنا قصر بنا يقال زريت عليه إذا عبت عليه فعله وأزريت به إذا قصرت به في شيء وشالت نعامتهم إذا انتقلوا بكليتهم يقال شالت نعامتهم وزف رألهم إذا انتقلوا عن الموضع فلم يبق فيه منهم أحد ولم يبق لهم فيه شيء وخالني ظنني يقال خلت كذا وكذا فأنا أخاله إذا ظننته والجائحة النازلة التي تجتاح ولا تبقى على ما نزلت به ذكر ذي الإصبع العدواني ونسبه وخبره هو حرثان بن الحارث بن محرث بن ثعلبة بن سيار بن ربيعة بن هبيرة بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن عدوان بن عمر بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار أحد بني عدوان وهم بطن من جديلة شاعر فارس من قدماء الشعراء في الجاهلية وله غارات كثيرة في العرب ووقائع مشهورة أخبرنا محمد بن خلف وكيع وابن عمار والأسدي قالوا حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا أبو عثمان المازني عن الأصمعي قال نزلت عدوان على ماء فأحصوا فيهم سبعين ألف غلام أغرل سوى من كان مختونا لكثرة عددهم ثم وقع بأسهم بينهم فتفانوا فقال ذو الإصبع صوت ( عَذِيرَ الحيّ مِن عَدْوانَ ... كانوا حَيَّةَ الأرضِ ) ( بغَى بعضُهُم بعضاً ... فلم يُبْقُوا على بعضِ ) ( فقد صاروا أحاديثَ ... برَفْع القولِ والخفضِ ) ( ومنهم كانت السَّادات ... ُ والمُوفُونَ بالقَرْضِ ) ( ومنهم مَنْ يُجِيزُ الناسَ ... بالسُّنّة والفَرضِ ) ( ومنهم حَكَمٌ يَقْضِي ... فلا يُنقَضُ ما يَقْضِي ) غنى في هذه الأبيات مالك ثقيلا أول بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمر وأما قول ذي الإصبع ( ومنهم حَكَمٌ يَقْضِي ... ) فإنه يعني عامر بن الظرب العدواني كان حكما للعرب تحتكم إليه خبر من قرعت له العصا حدثنا محمد بن العباس اليزيدي عن محمد بن حبيب قال قيس تدعي هذه الحكومة وتقول إن عامر بن الظرب العدواني هو الحكم وهو الذي كانت العصا تقرع له وكان قد كبر فقال له الثاني من ولده إنك ربما أخطأت في الحكم فيحمل عنك قال فاجعلوا لي أمارة أعرفها فإذا زغت فسمعتها رجعت إلى الحكم والصواب فكان يجلس قدام بيته ويقعد ابنه في البيت ومعه العصا فإذا زاغ أو هفا قرع له الجفنة فرجع إلى الصواب وفي ذلك يقول المتلمس ( لِذِي الحِلْمِ قبلَ اليومِ ما تُقرَعُ العصا ... وما عُلِّم الإِنسان إلا ليعلَمَا ) قال ابن حبيب وربيعة تدعيه لعبد الله بن عمرو بن الحارث بن همام واليمن تدعيه لربيعة بن مخاشن وهو ذو الأعواد وهو أول من جلس على منبر أو سرير وتكلم وفيه يقول الأسود بن يعفر ( ولقد علمتُ لَو أنّ علمِي نافعِي ... أنّ السبيلَ سبيلُ ذِي الأعوادِ ) أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي أو دلف قال أخبرنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال زعم أبو عمرو بن العلاء أنه ارتحلت عدوان من منزل فعد فيهم أربعون ألف غلام أقلف قال الرياشي وأخبرني رجل عن هشام بن الكلبي قال وقع على إياد البق فأصاب كل رجل منهم بقتان عبد الملك بن مروان يسأل عن ذي الإصبع أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن نعيم قال حدثنا أحمد بن عبيد أبو عصيدة قال أخبرني محمد بن زياد الزيادي وأخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة ولم يسنده إلى أحد وروايته أتم أن عبد الملك بن مروان لما قدم الكوفة بعد قتله مصعب بن الزبير جلس لعرض أحياء العرب وقال عمر بن شبة إن مصعب بن الزبير كان صاحب هذه القصة فقام إليه معبد بن خالد الجدلي وكان قصيرا دميما فتقدمه إليه رجل منا حسن الهيئة قال معبد فنظر عبد الملك إلى الرجل وقال ممن أنت فسكت ولم يقل شيئا وكان منا فقلت من خلفه نحن يا أمير المؤمنين من جديلة فأقبل على الرجل وتركني فقال من أيكم ذو الإصبع قال الرجل لا أدري قلت كان عدوانيا فأقبل على الرجل وتركني وقال لم سمي ذا الإصبع قال الرجل لا أدري فقلت نهشته حية في إصبعه فيبست فأقبل على الرجل وتركني فقال وبما كان يسمى قبل ذلك قال الرجل لا أدري قلت كان يسمى حدثان فأقبل على الرجل وتركني فقال من أي عدوان كان فقلت من خلفه من بني ناج الذين يقول فيهم الشاعر ( وأما بَنُو ناجٍ فلا تَذْكُرَنَّهُمْ ... ولا تُتبِعَنْ عَينيكَ ما كان هالكا ) ( إذا قلتُ معروفاً لأُصلِحَ بينهم ... يقول وُهَيبٌ لا أُسَالِمُ ذلكا ) وروى عمر بن شبة لا أسلم ( فأضحى كظَهر الفحل جُبَّ سَنامُهُ ... يَدِبُّ إلى الأعداء أحدَبَ بارِكَا ) فأقبل على الرجل وتركني وقال أنشدني قوله ( عذيرَ الحيّ من عَدوانَ ... ) قال الرجل لست أرويها قلت يا أمير المؤمنين إن شئت أنشدتك قال ادن مني فإني أراك بقومك عالما فأنشدته ( وليس المرءُ في شيءٍ ... من الإِبرام والنقضِ ) ( إذا أبرم أمراً خاله ... ُ يَقْضي وما يَقْضِي ) ( يقولُ اليومَ أَمْضِيه ... ولا يَملِكُ ما يُمْضِي ) ( عَذِيرَ الحيّ من عَدوانَ ... كانوا حَيَّةَ الأرضِ ) ( بغى بعضُهمُ بعضاً ... فلم يُبْقُوا على بعضِ ) ( فقد صاروا أحاديثَ ... برفعِ القول والخفضِ ) ( ومنهم كانت السادات ... والموفُونَ بالقَرض ) ( ومنهم حَكَمٌ يَقضِي ... فلا يُنقَضُ ما يَقضِي ) ( ومنهم من يُجِيزُ النا ... سَ بالسُّنَّة والفرضِ ) ( وهم مَنْ ولَدُوا أَشْبَوْا ... بسرّ الحَسبِ المَحْضِ ) ( ومِمَّن ولدوا عامِرُ ... ذو الطول وذو العرضِ ) ( وهم بَوَّوْا ثَقِيفاً دارَ ... لا ذُلٍّ ولا خَفْضِ ) فأقبل على الرجل وتركني وقال كم عطاؤك فقال ألفان فأقبل علي فقال كم عطاؤك فقلت خمسمائة فأقبل على كاتبه وقال اجعل الألفين لهذا والخمسمائة لهذا فانصرفت بها وقوله ومنهم من يجيز الناس فإن إجازة الحج كانت لخزاعة فأخذتها منهم عدوان فصارت إلى رجل منهم يقال له أبو سيارة أحد بني وابش بن زيد بن عدوان وله يقول الراجز ( خَلّوا السبيلَ عن أبي سَيَّارَهْ ... وعن مَوَاليه بني فَزَارهْ ) ( حتى يُجيز سالماً حِمَارَهْ ... مستقبِلَ الكعبةِ يدعوا جارَهْ ) قال وكان أبو سيارة يجيز الناس في الحج بأن يتقدمهم على حمار ثم يخطبهم فيقول اللهم أصلح بين نسائنا وعاد بين رعائنا واجعل المال في سمحائنا أوفوا بعهدكم وأكرموا جاركم وأقروا ضيفكم ثم يقول أشرق ثبيركيما نغير وكانت هذه إجازته ثم ينفر ويتبعه الناس ذكر ذلك أبو عمرو الشيباني والكلبي وغيرهما أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو بكر العليمي قال حدثنا محمد بن داود الهشامي قال كان لذي الإصبع أربع بنات وكن يخطبن إليه فيعرض ذلك عليهن فيستحين ولا يزوجهن وكانت أمهن تقول لو زوجتهن فلا يفعل قال فخرج ليلة إلى متحدث لهن فاستمع عليهن وهن لا يعلمن فقلن تعالين نتمنى ولنصدق فقالت الكبرى ( ألا ليتَ زوجي من أُناسٍ ذَوِي غِنىً ... حَدِيثُ الشباب طيّبُ الريح والعِطرِ ) ( طبيبٌ بأدواء النساء كأنه ... خليفةُ جانٍ لا ينام على وِتْرِ ) فقلن لها أنت تحبين رجلا ليس من قومك فقالت الثانية ( ألا هل أرَاها ليلةً وضَجِيعُها ... أَشمُّ كنصل السيف غَيرُ مُبَلَّدِ ) ( لَصُوقٌ بأكباد النساء وأصلُه ... إذا ما انتمى من سِرِّ أهلي ومَحْتِدي ) فقلن لها أنت تحبين رجلا من قومك فقالت الثالثة ( ألاَ لَيْتَه يَمْلاَ الجِفان لضَيْفِهِ ... له جفنةٌ يَسْقَى بها النِّيبُ والجُزْرُ ) ( له حَكَمات الدّهر من غير كَبْرة ... تَشِين ولا الفاني ولا الضَّرعُ الغَمْر ) فقلن لها أنت تحبين رجلا شريفا وقلن للصغرى تمني فقالت ما أريد شيئا قلن والله لا تبرحين حتى نعلم ما في نفسك قالت زوج من عود خير من قعود فلما سمع ذلك أبوهن زوجهن أربعتهن فمكثن برهة ثم اجتمعن إليه فقال للكبرى يا بنية ما مالكم قالت الإبل قال فكيف تجدونها قالت خير مال نأكل لحومها مزعا ونشرب ألبانها جرعا وتحملنا وضعيفنا معا قال فكيف تجدين زوجك قالت خير زوج يكرم الحليلة ويعطي الوسيلة قال مال عميم وزوج كريم ثم قال للثانية يا بنية ما مالكم قالت البقر قال فكيف تجدونها قالت خير مال تألف الفناء وتودك السقاء وتملأ الإناء ونساء في نساء قال فكيف تجدين زوجك قالت خير زوج يكرم أهله وينسى فضله قال حظيت ورضيت ثم قال للثالثة ما مالكم قالت المعزى قال فكيف تجدونها قالت لا بأس بها نولدها فطما ونسلخها أدما قال فكيف تجدين زوجك قالت لا بأس به ليس بالبخيل الحكر ولا بالسمح البذر قال جدوى مغنية ثم قال للرابعة يا بنية ما مالكم قالت الضأن قال وكيف تجدونها قالت شر مال جوف لا يشبعن وهيم لا ينقعن وصم لا يسمعن وأمر مغويتهن يتبعن قال فكيف تجدين زوجك قالت شر زوج يكرم نفسه ويهين عرسه قال أشبه امرأ بعض بزه وذكر الحسن بن عليل العنزي في خبر عدوان الذي رواه عن أبي عمرو بن العلاء أنه لا يصح من أبيات ذي الإصبع الضادية إلا الأبيات التي أنشدها وأن سائرها منحول أخبرني عمي قال حدثني محمد بن عبد الله الحزنبل قال حدثني عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه قال عمر ذو الإصبع العدواني عمرا طويلا حتى خرف وأهتر وكان يفرق ماله فعذله أصهاره ولاموه وأخذوا على يده فقال في ذلك ( أهلكنا اللَّيلُ والنّهار مَعا ... والدّهر يَعْدُو مُصَمِّماً جَذَعا ) ( فليس فيما أصابني عَجَبٌ ... إن كنتُ شَيباً أنكرتُ أو صَلَعا ) ( وكنتُ إذ رَونق الشَّباب به ... ماء شبابي تَخاله شرعَا ) ( والحيُّ فيه الفتاةُ تَرْمُقني ... حتّى مضَى شَأْوُ ذاك فانقشعَا ) صوت ( إنّكما صاحبيّ لم تدَعا ... لَوْمِي ومَهما أَضِقْ فلن تَسَعا ) ( لم تَعقِلا جَفْوةً عليّ ولم ... أشتُم صديقا ولم أَنلْ طبَعَا ) ( إلاّ بأن تكذِبا عليّ وما ... أَملِك أن تكذِبا وأن تَلِعَا ) لابن سريج في هذه الأبيات لحنان أحدهما ثاني ثقيل بالسبابة والبنصر عن يحيى المكي والآخر ثقيل أول عن الهشامي ( وإنّني سوف أَبتدِي بنَدىً ... يا صاحبيَّ الغداةَ فاستمِعَا ) ( ثمّ سَلاَ جارتِي وكِنَّتَها ... هل كنتُ فيمن أَرَاب أو خدَعا ) ( أو دَعَتاني فلم أُجِبْ ولقد ... تأمن منّي حَليلتي الفَجَعا ) ( آبَى فلا أقربَ الخِبَاءَ إذا ... ما ربُّه بعد هَدْأةٍ هجَعَا ) ( ولا أُرُوم الفتاةَ زَوْرَتَها ... إن نام عنها الحليل أو شَسَعا ) ( وذاك في حِقبةٍ خَلتْ ومضَتْ ... والدّهرُ يأتي على الفتَى لُمَعَا ) ( إن تَزْعُما أنّني كبِرتُ فلم ... أُلفَ ثقيلا نِكْسا ولا وَرَعا ) ( إمّا تَرَيْ شِكّتِي رُمَيحَ أبي ... سعدٍ فقد أحمِلُ السّلاحَ مَعَا ) أبو سعد ابنه ورميح عصا كانت لابنه يلعب بها مع الصبيان يطاعنهم بها كالرمح فصار يتوكأ هو عليها ويقوده ابنه هذا بها ( السيّفُ والرّمح والكِنانةُ قد ... أكملتُ فيها مَعَابِلاً صُنُعَا ) ( والمُهْرُ صافِي الأَدِيم أَصنَعُه ... يَطِير عنه عِفَاؤه قَزَعَا ) ( أُقْصِرُ من قَيده وأَردَعُه ... حتّى إذا السِّرب رِيعَ أو فزِعَا ) ( كان أَمام الجيِاد يَقْدُمها ... يَهُزُّ لَدْناً وجُؤجُؤا تَلِعَا ) ( فغامَسَ الموتَ أو حَمَى ظُعُنا ... أو رَدّ نَهْباً لأيِّ ذاك سعَى ) وصيته لابنه أسيد عند موته قال أبو عمرو ولما احتضر ذو الإصبع دعا ابنه أسيدا فقال له يا بني إن أباك قد فني وهو حي وعاش حتى سئم العيش وإني موصيك بما إن حفظته بلغت في قومك ما بلغته فاحفظ عني ألن جانبك لقومك يحبوك وتواضع لهم يرفعوك وابسط لهم وجهك يطيعوك ولا تستأثر عليهم بشيء يسودوك وأكرم صغارهم كما تكرم كبارهم يكرمك كبارهم ويكبر على مودتك صغارهم واسمح بمالك واحم حريمك وأعزز جارك وأعن من استعان بك وأكرم ضيفك وأسرع النهضة في الصريخ فإن أجلا لا يعدوك وصن وجهك عن مسئلة أحد شيئا فبذلك يتم سوددك ثم أنشأ يقول ( أَأَسيدُ إنْ مالاً مَلكتَ ... فسِرْ به سَيراً جميلا ) ( آخِ الكِرامَ إن استطعتَ ... إلى إخائهمُ سبيلا ) ( واشرَب بكأسهمُ وإن ... شرِبوا به السُّمّ الثَّميلا ) ( أهِنِ اللِّئام ولا تكنْ ... لإخائهم جَمَلاً ذَلُولا ) ( إنَّ الكرام إذا تُواخيِهمْ ... وجدتَ لهم فُضولا ) ( ودَع الذي يَعِد العَشيرة ... َ أن يسيلَ ولن يَسيلا ) ( أبُنيّ إن المال لا ... يَبْكي إذا فقَد البخيلا ) صوت ( أَأَسيدُ إن أزمعتَ من ... بلدٍ إلى بلدٍ رَحيلا ) ( فاحفظْ وإن شَحط المَزارُ ... أَخا أخيك أو الزَّميلا ) ( واركَب بنفسك إن هَمَمْتَ ... بها الحزونةَ والسّهولا ) ( وصِلِ الكرام وكُن لمن ... تَرجو مَودّته وَصولا ) الغناء للهذلي خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو ( ودَعِ التَّوانِيَ في الأمور ... وكن لها سَلِساً ذَلُولا ) ( وابسُطْ يمينَكَ بالنَّدَى ... وامْدُدْ لها باعاً طويلا ) ( وابسُطْ يَدَيكَ بما مَلَكْت ... َ وشَيِّدِ الحسَبَ الأَثِيلا ) ( واعْزِمْ إذا حاولتَ أمراً ... يَفْرِجُ الهمَّ الدَّخِيلا ) ( وابذُلْ لِضيَفكَ ذاتَ رَحْلِك ... َ مُكرِماً حتّى يَزُولا ) ( واحلُلْ على الأَيْفَاعِ للعافِين ... َ واجتْنِبِ المَسِيلا ) ( وإذا القُرُومُ تخاطَرتْ ... يوماً وأرعَدَتِ الخَصِيلا ) ( فاهصِرْ كهَصْرِ الليث خَضَّبَ مِن فَريستهِ التَّلِيلا ) ( وأنزِلْ إلى الهيجَا إذا ... أبطالُها كَرِهوا النزولا ) ( وإذا دُعِيتَ إلى المُهِم ... ّ فكن لفَادِحِهِ حَمُولا ) أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن العتبي قال جرى بين عبد الله بن الزبير وعتبة بن أبي سفيان لحاء بين يدي معاوية فجعل ابن الزبير يعدل بكلامه عن عتبة ويعرض بمعاوية حتى أطال وأكثر من ذلك فالتفت إليه معاوية متمثلا وقال ( ورامٍ بعُورانِ الكلام كأنها ... نوافِرُ صُبحٍ نفَّرتْها المراتِعُ ) ( وقد يَدْحَضُ المرءُ المُوارِبُ بالخَنَا ... وقد تُدرِك المرءَ الكريمَ المَصَانِعُ ) ثم قال لابن الزبير من يقول هذا فقال ذو الإصبع فقال أترويه قال لا فقال من هاهنا يروي هذه الأبيات فقام رجل من قيس فقال أنا أرويها يا أمير المؤمنين فقال أنشدني فأنشده حتى أتى على قومه ( وساعٍ برجليه لآخرَ قاعدٍ ... ومُعْطٍ كريمٌ ذو يَسَارٍ ومانِعُ ) ( وبانٍ لأحساب الكرامِ وهادِمٌ ... وخافضُ مولاه سَفَاهاً ورَافِعُ ) ( ومُغْضٍ على بعض الخطوب وقد بَدت ... له عَوْرةٌ من ذي القرابة ضاجِعُ ) ( وطالب حُوبٍ باللسان وقَلبُه ... سِوَى الحقِّ لا تخفى عليه الشرائعُ ) فقال له معاوية وكم عطاؤك قال سبعمائة قال اجعلوها ألفا وقطع الكلام بين عبد الله وعتبة قال أبو عمرو وكان لذي الإصبع ابن عم يعاديه فكان يتدسس إلى مكارهه ويمشي به إلى أعدائه ويؤلب عليه ويسعى بينه وبين بني عمه ويبغيه عندهم شرا فقال فيه وقد أنشدنا الأخفش هذه الأبيات أيضا عن ثعلب والأحول السكري ( يا صاحِبَيّ قِفَا قَليلا ... وتَخَبَّرَا عَنِّي لميسَا ) ( عمَّنْ أصابت قلْبَه ... في مَرِّها فغَدَا نَكِيسَا ) ( ولِيَ ابنُ عمٍّ لا يزال ... إليّ مُنكَرُه دَسِيسَا ) ( دبَّتْ له فأَحسَّ بعد ... البُرْءِ من سَقَمٍ رَسِيسَا ) ( إمّا علانية وإمّا ... مُخْمَراً أَكْلاً وَهِيسَا ) ( إني رأيتُ بَنِي أبيك ... يُحَمِّجُون إليّ شُوسَا ) ( حَنَقاً عليَّ ولن تَرى ... لِيَ فيهمُ أثراً بَئِيسَا ) ( أَنْحَوْا على حُرّ الوجوه ... بحَدّ مِئشارٍ ضُرُوسَا ) ( لو كنتَ ماءً لم تَكنْ ... عَذْبَ المَذَاقِ ولا مَسُوسَا ) ( مِلحاً بعيدَ القعر قد ... فَلَّتْ حجارتُه الفُؤوسَا ) ( مَنَّاعُ ما ملكَتْ يداك ... َ وَسائِلٌ لَهُمُ نُحُوسَا ) وأنشدنا الأخفش عن هؤلاء الرواة بعقب هذه الأبيات وليس من شعر ذي الإصبع ولكنه يشبه معناه ( لو كنتَ ماءً كنتَ غيرَ عَذْبِ ... أو كنتَ سيفاً كنتَ غير عَضْبِ ) ( أو كنتَ طِرْفاً كنتَ غيرَ نَدْبِ ... أو كنتَ لحماً كنتَ لحمَ كَلْبِ ) قال وفي مثله أنشدنا ( لو كنتَ مُخّا مُخّاً رِيرَا ... أو كنتَ بَرْداً كنتَ زَمْهَرِيرا ) ( أو كنت رِيحاً كانتِ الدَّبورَا ... ) قال أبو عمرو به وكان السبب في تفرق عدوان وقتال بعضهم بعضا حتى تفانوا أن بني ناج بن يشكر بن عدوان أغاروا على بني عوف بن سعد بن ظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن عدوان ونذرت بهم بنو عوف فاقتتلوا فقتل بنو ناج ثمانية نفر فيهم عمير بن مالك سيد بني عوف وقتلت بنو عوف رجلا منهم يقال له سنان بن جابر وتفرقوا على حرب وكان الذي أصابوه من بني واثلة بن عمرو ابن عباد وكان سيدا فاصطلح سائر الناس على الديات أن يتعاطوها ورضوا بذلك وأبى مرير بن جابر أن يقبل بسنان بن جابر دية واعتزل هو وبنو أبيه ومن أطاعهم ومن والاهم وتبعه على ذلك كرب بن خالد أحد بني عبس بن ناج فمشى إليهما ذو الإصبع وسألهما قبول الدية وقال قد قتل منا ثمانية نفر فقبلنا الدية وقتل منكم رجل فاقبلوا ديته فأبيا ذلك وأقاما على الحرب فكان ذلك مبدأ حرب بعضهم بعضا حتى تفانوا وتقطعوا فقال ذو الإصبع في ذلك ( ويا بُؤسَ للأيّام والدّهرِ هَالِكَا ... وصَرْفِ اللّيالي يَخْتَلِفْنَ كذلِكَا ) ( أبْعدَ بني نَاجٍ وسَعْيِكَ فيهِمُ ... فلا تُتبِعَنْ عينيْكَ ما كان هالِكَا ) ( إذا قلتُ معروفاً لأُصْلِحَ بينهم ... يقولُ مَرِيرٌ لا أُحاوِلُ ذلِكَا ) ( فأضحْوا كظهر العَوْدِ جُبَّ سَنامُه ... تَحُوم عليه الطيرُ أحدَبَ بارِكَا ) ( فإن تك عَدْوانُ بن عمرو تفرّقت ... فقد غَنِيَتْ دَهراً ملوكاً هُنالِكَا ) وقال أبو عمرو وفي مرير بن جابر يقول ذو الإصبع وهذه القصيدة هي التي منها الغناء المذكور وأولها ( يا مَنْ لقلبٍ شَدِيدِ الهمِّ مَحزُونِ ... أمسَى تَذَكَّرَ رَيَّا أُمِّ هَارْونِ ) ( أمسَى تَذكَّرها مِن بعد ما شَحَطَتْ ... والدَّهُروُ ذو غِلَظ حينا وذو لِين ) ( فإِنْ يكنْ حبُّها أَمسَى لنا شَجَناً ... وأصبحَ الوَلْيُ منها لا يُوَاتِينِي ) ( فقد غَنِينا وشمْلُ الدارِ يجمعُنا ... أُطِيعُ رَيّا ورَياً لا تُعَاصِينِي ) ( نَرمِي الوُشاةَ فلا نُخْطِي مَقاتِلهُمْ ... بخالصٍ من صفاء الوُدِّ مكنون ) ( ولِي ابنُ عمٍّ على ما كان من خُلُقٍ ... مُختَلِفَانِ فأَقْلِيهِ ويَقْلِينِي ) ( أزرَى بنا أننا شالَتْ نَعامتُنَا ... فخالني دونه بل خِلتُهُ دونِي ) ( لاَهِ ابنُ عمّك لا أَفضلتَ في حَسبٍ ... شيئاً ولا أنت دَيَّاني فَتَخْزُونِي ) ( ولا تَقُوتُ عِيَالي يومَ مَسْغَبةٍ ... ولا بنفسكَ في العَزَّاءِ تَكْفِينِي ) ( فإِن تُرِدْ عَرَضَ الدنيا بمَنْقَصَتِي ... فإِنّ ذلك مِمّا ليس يُشْجِينِي ) ( ولا تَرَى فيَّ غير الصّبرِ مَنقَصَةً ... وما سِوَاه فإِنّ الله يَكفِيني ) ( لولا أَواصِرُ قُرْبَى لستَ تحفظُها ... ورَهْبَةُ اللهِ في مَولىً يُعادِينِي ) ( إذاً بَرَيتُك بَرْياً لا انجِبَارَ له ... إنّي رأيتُكَ لا تَنفَكُّ تَبرِيني ) ( إنّ الذي يَقبِضُ الدنيا ويبسُطها ... إن كان أغناكَ عنّي سوف يُغْنِيني ) ( اللهُ يَعلمُكم واللهُ يَعلمُني ... واللهُ يَجزِيكُمُ عَنّي ويَجْزِينِي ) ( ماذَا عليَّ وإِن كنتم ذوِي رَحِمي ... أَلاَّ أحبّكُم إن لم تُحبُّونِي ) ( لو تَشرَبُونَ دَمِي لم يَرُو شَارِبُكم ... ولا دِماؤُكُم جَمْعاً تُرَوِّيني ) ( ولِي ابنُ عمٍّ لو انّ الناسَ في كَبِدي ... لَظَلَّ مُحتَجِزاً بالنَّبْل يَرْمِيني ) ( يا عمرُو إن لا تَدَعْ شَتْمِي ومَنْقَصتِي ... أَضْرِبْكَ حتى تقولَ الهامةُ اسْقُونِي ) ( كلّ امرىءٍ صائرٌ يوماً لشِيمَتِه ... وإِن تخلَّقَ أخلاقاً إلى حِينِ ) ( إنّي لعَمْرُكَ ما بَابِي بذِي غَلَقٍ ... عن الصّديق ولا خيري بمَمْنُونِ ) ( ولا لسانِي على الأدنى بمنطَلِق ... بالمنكَرات ولا فَتْكِي بمأمُونِ ) ( لا يُخرِجُ القَسْرُ منّي غير مَغْضبةٍ ... ولا ألينُ لِمَنْ لا يبتغي لِيني ) ( وأنتمُ مَعْشَرٌ زَيْدٌ على مائةٍ ... فأجمِعُوا أمرَكم شَتَّى فكِيدُونِي ) ( فإن علمتُم سبيلَ الرُّشدِ فانطلِقوا ... وإِن غَبِيتُم طريقَ الرشدِ فَأتُونِي ) ( يا رُبَّ ثوبٍ حواشيه كأوسطِه ... لا عيبَ في الثوبِ من حُسنٍ ومن لِينِ ) ( يوماً شَدَدتُ على فَرْغَاء فاهقةٍ ... يوماً من الدّهر تاراتٍ تُمَارِينِي ) ( ماذا عليّ إذا تدعونَنِي فَزَعاً ... أَلاَّ أُجيِبَكم إذ لا تُجِيبُونِي ) ( وكنتُ أُعطِيكُم مالي وأَمنحُكم ... وُدِّي على مُثْبَتٍ في الصدر مَكنونِ ) ( يارُبَّ حيٍّ شَدِيدِ الشَّغْبِ ذي لَجَبٍ ... ذَعرْتُ من راهِنٍ منهم ومَرهُونِ ) ( رَدَدتُ باطَلهُم في رأس قائِلهم ... حتى يَظلُّوا خصوماً ذا أفانِينِ ) ( يا عَمرُو لو كنتَ لي أَلْفَيْتَنِي يَسراً ... سمْحاً كريماً أُجازِي مَنْ يُجَازِينِي ) رثاء ذي الإصبع لقومه قال أبو عمرو وقال ذو الإصبع يرثي قومه ( وليس المرءُ في شيءٍ ... من الإِبرام والنقضِ ) ( إذا يفعلُ شيئاً خاله ... ُ يَقْضِي وما يَقْضِي ) ( جَدِيدُ العيشِ ملبوسٌ ... وقد يُوشِكُ أن يُنْضَى ) وقد مضى بعض هذه القصيدة متقدما في صدر هذه الأخبار وتمامها ( وأَمْرَ اليومِ أَصْلِحْهُ ... ولا تَعْرِضْ لما يَمضِي ) ( فبينا المرءُ في عَيشٍ ... له من عِيشَةٍ خَفْضِ ) ( أتاه طَبَقٌ يوماً ... على مَزْلَقَةٍ دَحْضِ ) ( وهم كانوا فلا تُكْذَبْ ... ذوِي القُوّةِ والنَّهْضِ ) ( وهم إن وَلَدُوا أَشْبَوْا ... بسِرّ الحسَب المَحْضِ ) ( لهم كانت أعالِي الأرض ... فالسرَّان فالعِرْضِ ) ( إلى ما حازه الحَزْنُ ... فما أسهلَ للحَمْضِ ) ( إلى الكَفْرَينِ من نحلةَ ... فالدّاءةِ فالمَرْضِ ) ( لهم كان جَمِامُ الماءِ ... لا المُزْجَى ولا البَرْضِ ) ( فكان الناس إذا هَمُّوا ... بُيسْرٍ خاشعٍ مُغْضِي ) ( تَنَادوْا ثم ساروا بِرئيسٍ ... لهُم مُرْضِي ) ( فمَنْ سَاجَلَهُمْ حرباً ... ففي الخَيْبَةِ والخَفْضِ ) ( وهم نالُوا على الشَّنْا ... نِ والشَّحْنَاءِ والبُغضِ ) ( مَعَالِي لم ينلها النَّاسُ ... في بَسْطٍ ولا قبضِ ) رثاء أمامة بنت ذي الإصبع لقومها قال أبو عمرو قالت أمامة بنت ذي الإصبع وكانت شاعرة ترثي قومها ( كم مِن فَتىً كانت له مَيْعَةٌ ... أبلجَ مثلِ القمرِ الزاهِر ) ( قد مرَّتِ الخيلُ بحافاتِهِ ... كمرّ غيثٍ لجِبٍ ماطِرِ ) ( قد لَقِيَتْ فَهْمُ وَعَدْوَانُها ... قَتْلاً وهُلْكاً آخرَالغابرِ ) ( كانوا ملوكاً سادةً في الذُّرَى ... دهراً لها الفَخّرُ على الفاخِر ) ( حتى تَسَاقَوْا كأسَهم بينهم ... بَغْياً فَيَا للشَّاربِ الخاسِرِ ) ( بادُوا فَمَنْ يَحْلُلْ بأوطانهم ... يَحْلُلْ برَسْمٍ مُقْفرٍ داثِرِ ) قال أبو عمرو ولأمامة ابنته هذه يقول ذو الإصبع ورأته قد نهض فسقط وتوكأ على العصا فبكت فقال ( جَزِعَتْ أمَامَة أن مَشَيتُ على العصا ... وتَذَكَّرَتْ إذ نحن مِ الفتْيَانِ ) ( فَلَقَبْل ما رام الالهُ بكيده ... إرَماً وهذا الحيِّ مِنْ عَدْوانِ ) ( بعدَ الحكومةٍِ والفضيلة والنُّهَى ... طاف الزمانُ عليهمُ بأَوانِ ) ( وتفرّقُوا وتقطّعتْ أشلاؤهم ... وتبدَّدُوا فِرَقاً بكلّ مكانِ ) ( جَدَبَ البلادُ فَأُعْقِمَتْ أرحامُهُم ... والدَّهْرُ غَيَّرَهُمْ مع الحِدْثَانِ ) ( حتى أبادهُمُ على أُخْرَاهم ... صَرْعَى بكلِّ نُقَيْرَةٍ ومَكَانِ ) ( لا تَعْجَبَنَّ أُمَامَ من حَدَثٍ عَرَا ... فالدَّهْرُ غَيَّرَنا مع الأَزْمَانِ ) ذكر قيل مولى العبلات قال هارون بن محمد بن عبد الملك أخبرني حماد بن إسحاق عن أبيه قال كان يحيى قيل عبدا للثريا ورضيا وأخواتهما بنات علي بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس موليات الغريض قال وحدثني حماد قال حدثني أبي قال حدثني ابن أبي جناح قال حدثنا مقاحف بن ناصح مولى عبد الله بن عباس قال قال حدثني هشام بن المرية وهي أمه وهو مولى بني مخزوم قال كان يحيى قيل عبدا لامرأة من العبلات وله من الغناء صوت ( وأخرجتُها من بطن مكةَ بعدما ... أَصَاتَ المنادِي للصّلاةِ وأَعْتَمَا ) ( فمرّتْ ببطن اللِّيثِ تَهْوِي كأنما ... تُبادِرُ بالإِصباح نَهْباً مُقَسَّمَا ) والشعر لأبي دهبل الجمحي وأول هذه القصيدة ( ألا عَلِقَ القلبُ المتيّم كَلْثَمَا ... ) وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني يحيى بن المقداد الزمعي قال حدثني عمي موسى بن يعقوب الزمعي قال أنشدني أبو دهبل الجمحي لنفسه ( ألا عَلِقَ القلبُ المتيَّمُ كَلْثَمَا ... لَجُوجاً ولم يلزَمْ من الحبّ مَلْزَمَا ) ( خَرَجْتُ بها من بطن مكةَ بعدَ ما ... أصاتَ المنادِي للصَّلاة وأعتَما ) ( فما نام مِنْ راعٍ ولا ارتدَّ سامرٌ ... من الحيّ حتى جاوزَتْ بِي يَلَمْلَمَا ) ( ومرَّتْ ببطن اللِّيثِ تَهوِي كأنها ... تُبادِرُ بالإِدلاج نَهْباً مُقَسَّمَا ) ( أجازت على البَزْوَاءِ واللّيلُ كاسرٌ ... جناحَيْنِ بالبزواء وَرْداً وأدْهَمَا ) ( فما ذَرَّ قرنُ الشمسِ حتى تبيّنتْ ... بِعُلْيَبَ نخلاً مُشرِفاً ومُخَيِّمَا ) ( ومرَّتْ على أشطانِ دُومةَ بالضحى ... فما خَزرتْ للماء عيناً ولا فَمَا ) ( وما شَرِبَتْ حتى ثنَيتُ زِمَامَها ... وخِفْتُ عليها أن تُحَزَّ وتُكْلَمَا ) ( فقلت لها قد تِعتِ غيرَ ذَميمةٍ ... وأصبحَ وادِي البِرْكِ غَيْثاً مُدَيِّمَا ) قال فقلت له يا عم ما كنت إلا على الريح فقال يا ابن أخي إن عمك كان إذا هم فعل وهي العجاجة أما سمعت قول أخي بني مرة ( إذا أقبلَتْ قُلتَ مَشْحَونَةٌ ... أقلَّتْ لها الريحُ قَلْعاً جَفُولاَ ) ( وإِن أدبَرتْ قلتَ مَذعُورةٌ ... من الرُّمدِ تتبَعُ هَيقاً ذَمُولاَ ) ( وإِن أعْرضَتُ خالَ فيها البَصير ... ُ ما لا يُكلّفُه أن يَفِيلاَ ) ( يَداً سُرُحاً مائراً ضَبْعُها ... تَسُومُ وتَقْدُمُ رجلاً زَجُولاَ ) ( فمرّت على كشبٍ غُدوةً ... ومرَّتْ فُوَيقَ أَرِيكٍ أصِيلاَ ) ( تُخَبِّطُ بالليل حِزَّانَهُ ... كخَبْطِ القَويِّ العزيزِ الذَّليلاَ ) أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني ابن اصبغ السلمي قال جاء إنسان يغني إلى عياش المنقري بالعقيق فجعل يغنيه قول أبي دهبل ( ألا عَلِقَ القلبُ المتّيمُ كَلْثَمَا ... ) وجعل يعيده فلما أكثر قال له عياش كم تنذر بالعجوز عافاك الله اسم أمي كلثم قال وتسمع العجوز فقالت لا والله ما كان بيني وبينه شيء قال ومن غنائه ( أزرَى بنا أننا شَالَتْ نعامتُنا ... فخالَني دونه بل خِلتُه دونِي ) ( فإِن تُصبكَ من الأيام جائحةٌ ... لا نِبكِ منك على دنيا ولا دين ) وأول هذه الأبيات فيما أنشدناه علي بن سلمان الأخفش عن ثعلب صوت من المائة المختارة ( ليَ ابنُ عمٍّ ما كان من خُلقٍ ... مختلفانِ فأَقِليهِ ويَقْلِيني ) ( لاَهِ ابنُ عمِّكَ لا أفضلتَ في حَسَبٍ ... عَنِّي ولا أنتَ ديّاني فتَخْزُونِي ) غنى في هذين البيتين الهذلي ثاني ثقيل بالوسطى ( وقد عَجِبتُ وما في الدَّهرِ من عَجبٍ ... يَدٌ تَشُجُّ وأخرى منك تَأسُونِي ) صوت من المائة المختارة ( إِرْفَعْ ضَعِيفكَ لا يحرْ بكَ ضُعْفُهُ ... يوماً فتدرِكَه العواقبُ قد نَمَا ) ( يَجزِيك أو يُثْني عليك وإنّ مَنْ ... أثنَى عليكَ بما فَعلتَ فقد جَزَى ) عروضه من الكامل الشعر لغريض اليهودي وهو السموأل بن عادياء وقيل إنه لابنه سعية بن غريض وقيل إنه لزيد بن عمرو بن نفيل وقيل إنه لورقة بن نوفل وقيل إنه لزهير بن جناب وقيل إنه لعامر بن المجنون الجرمي الذي يقال له مدرج الريح والصحيح أنه لغريض أو لابنه ( وقد عَجِبتُ وما في الدَّهرِ من عَجبٍ ... يَدٌ تَشُجُّ وأخرى منك تَأسُونِي ) صوت من المائة المختارة ( إِرْفَعْ ضَعِيفكَ لا يحرْ بكَ ضُعْفُهُ ... يوماً فتدرِكَه العواقبُ قد نَمَا ) ( يَجزِيك أو يُثْني عليك وإنّ مَنْ ... أثنَى عليكَ بما فَعلتَ فقد جَزَى ) عروضه من الكامل الشعر لغريض اليهودي وهو السموأل بن عادياء وقيل إنه لابنه سعية بن غريض وقيل إنه لزيد بن عمرو بن نفيل وقيل إنه لورقة بن نوفل وقيل إنه لزهير بن جناب وقيل إنه لعامر بن المجنون الجرمي الذي يقال له مدرج الريح والصحيح أنه لغريض أو لابنه خبر غريض اليهودي وغريض هذا من اليهود من ولد الكاهن بن هارون بن عمران وكان موسى عليه الصلاة و السلام وجه جيشا إلى العماليق وكانوا قد طغوا وبلغت غاراتهم إلى الشام وأمرهم إن ظفروا بهم أن يقتلوهم أجمعين فظفروا بهم فقتلوهم أجمعين سوى ابن لملكهم كان غلاما جميلا فرحموه واستبقوه وقدموا الشأم بعد وفاة موسى عليه السلام فأخبروا بني إسرائيل بما فعلوه فقالوا أنتم عصاة لا تدخلون الشأم علينا أبدا فأخرجوهم عنها فقال بعضهم لبعض ما لنا بلد غير البلد الذي ظفرنا به وقتلنا أهله فرجعوا إلى يثرب فأقاموا بها وذلك قبل ورود الأوس والخزرج إياها عند وقوع سيل العرم باليمن فمن هؤلاء اليهود قريظة والنضير وبنو قينقاع وغيرهم ولم أجد لهم نسبا فأذكره لأنهم ليسوا من العرب فتدون العرب أنسابهم إنما هم حلفاؤهم وقد شرحت أخبارهم وما يغني به من أشعارهم في موضع آخر من هذا الكتاب والغناء في اللحن المختار لابن صاحب الوضوء واسمه محمد وكنيته أبو عبد الله وكان أبوه على الميضاة بالمدينة فعرف بذلك وهو يسير الصناعة ليس ممن خدم الخلفاء ولا شهر عندهم شهرة غيره وهذا الغناء ماخوري بالبنصر وفيه ليونس ثاني ثقيل بالبنصر أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الرياشي وعبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن الأصمعي عن ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة قال ( ارفَعْ ضَعِيفَكَ لا يحْر بِكَ ضعفُه ... ) لغريض اليهودي رسول الله يدخل على عائشة وهي تتمثل بشعر وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أحمد بن عيسى قال حدثنا مؤمل بن عبد الرحمن الثقفي قال حدثني سهل بن المغيرة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت دخل علي رسول الله وأنا أتمثل بهذين البيتين ( إرفَعْ ضعيفَك لا يحرْ بك ضعفُه ... يوماً فتُدرِكَه العواقبُ قد نَما ) ( يَجْزِيكَ أو يُثني عليكَ وإنّ مَنْ ... أثنى عَلَيْكَ بما فَعَلْتَ فقد جَزَى ) فقال " ردي علي قول اليهودي قاتله الله لقد أتاني جبريل برسالة من ربي أيما رجل صنع إلى أخيه صنيعة فلم يجد له جزاء إلا الثناء عليه والدعاء له فقد كافأه " قال أبو زيد وقد حدثني أبو عثمان محمد بن يحيى أن هذا الشعر لورقة بن نوفل وقد ذكر الزبير بن بكار أيضا أن هذا الشعر لورقة بن نوفل وذكر هذين البيتين في قصيدة أولها ( رَحَلَتْ قُتيلَةُ عِيرَها قبلَ الضحى ... وأَخالُ أن شَحَطَتْ بجارتِك النَّوى ) ( أوَ كُلَّمَا رحَلَتْ قُتيلَةُ غُدْوَةً ... وغَدَتْ مُفَارِقَةً لأرضهم بكَى ) ( ولقد ركِبتُ على السَّفينِ مُلجِّجاً ... أذرُ الصّديقَ وأنتَحِي دارَ العِدا ) ( ولقد دخلتُ البيتَ يُخشَى أهلُه ... بعد الهدوء وبعد ما سقطَ الندَى ) ( فوجدتُ فيه حُرّةً قد زُيِّنتْ ... بالحَلْيِ تحسَبُه بها جمرَ الغَضا ) ( فَنِعمتُ بالاً إذ أتيتُ فِراشَها ... وسَقطتُ منها حين جِئتُ على هَوَى ) ( فلتِلْكَ لذَّاتُ الشَّبَابِ قَضيَتُها ... عَنِّي فسَائِلْ بعضَهم ماذا قَضَى ) ( فرج الرَّباب فليس يؤدى فرجه ... لا حاجَةً قَضَّى ولا ماءً بغَى ) ( فارفَعْ ضعيفَكَ لا يحرْ بِكَ ضعفُه ... يوماً فتدرِكَه العواقبُ قد نَمَا ) ( يَجْزِيكَ أو يُثْنِي عليك وإنّ مَنْ ... أثنَى عليك بما فعلتَ فقد جَزى ) ذكر ورقة بن نوفل ونسبه هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وأمه هند بنت أبي كثير بن عبد بن قصي وهو أحد من اعتزل عبادة الأوثان في الجاهلية وطلب الدين وقرأ الكتب وامتنع من أكل ذبائح الأوثان نسبة ما في هذا الشعر من الغناء ( غيرِ ... ارفع ضعيفَكَ ) صوت ( ولقد طرقتُ البيتَ يُخشَى أهلُه ... بعد الهُدوء وبعد ما سقطَ الندَى ) ( فوجدتُ فيه حُرّةً قد زُيِّنَتْ ... بِالحَلْي تحسَبُه بها جَمرَ الغَضا ) الشعر لورقة بن نوفل والغناء لابن محرز من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق أخبرنا الطوسي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا عبد الله بن معاذ عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير قال سئل رسول الله عن ورقة بن نوفل كما بلغنا فقال " قد رأيته في المنام كأن عليه ثيابا بيضا فقد أظن أن لو كان من أهل النار لم أر عليه البياض " قال الزبير وحدثنا عبد الله بن معاذ عن معمر عن الزهري عن عائشة أن خديجة بنت خويلد انطلقت بالنبي حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وهو ابن عم خديجة أخي أبيها وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب بالعبرانية من الإنجيل ما شاء أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت خديجة أي ابن عم اسمع من ابن أخيك قال ورقة يابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله خبر ما رأى فقال ورقة هذا الناموس الذي أنزله الله تبارك وتعالى على موسى يا ليتني فيها جذع ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك قال رسول الله أو مخرجي هم قال ورقة نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك لأنصرنك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفي خبره مع بلال قال الزبير حدثني عثمان عن الضحاك بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد قال قال عروة كان بلال لجارية من بني جمح بن عمرو وكانوا يعذبونه برمضاء مكة يلصقون ظهره بالرمضاء ليشرك بالله فيقول أحد أحد فيمر عليه ورقة بن نوفل وهو على ذلك يقول أحد أحد فيقول ورقة بن نوفل أحد أحد والله يا بلال والله لئن قتلتموه لاتخدته حنانا كأنه يقول لأتمسحن به وقال ورقة بن نوفل في ذلك ( لقد نَصَحتُ لأقوامٍ وقلتُ لهم ... أنا النذيرُ فلا يَغرُرْكُمُ أحَدُ ) ( لا تَعبُدُنّ إلهاً غيرَ خالقكم ... فإِن دَعَوْكم فقولوا بيننا حَدَدُ ) ( سُبحانَ ذي العرشِ سبحاناً نعوذ به ... وقبلُ قد سبّح الجُوديّ والجُمُدُ ) ( مُسَخَّرٌ كلُّ ما تحت السماءِ له ... لا ينبغي أن يُناوِي مُلكَهُ أحَدُ ) ( لا شيءَ مما ترى تبقَى بَشَاشَتُهُ ... يبقَى الإلهُ ويُودِي المالُ والوَلدُ ) ( لم تُغْنِ عن هُرْمُزٍ يوماً خزائنُه ... والخُلْدَ قد حاولتْ عادٌ فما خَلَدُوا ) ( ولا سُلَيمانَ إذ دان الشُّعُوبُ له ... والجنُّ والإِنسُ تَجْرِي بينها البُرُدُ ) النبي ينهى عن سبه قال الزبير حدثني عمي قال حدثنا الضحاك بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة أن رسول الله قال لأخي ورقة بن نوفل أو لابن أخيه " شعرت أني قد رأيت لورقة جنة أو جنتين " يشك هشام قال عروة ونهى رسول الله عن سب ورقة وقال الزبير وحدثني عمي قال حدثني الضحاك عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه أن خديجة كانت تأتي ورقة بما يخبرها رسول الله أنه يأتيه فيقول ورقة لئن كان ما يقول حقا إنه ليأتيه الناموس الأكبر ناموس عيسى ابن مريم الذي لا يجيزه أهل الكتاب إلا بثمن ولئن نطق وأنا حي لأبلين فيه لله بلاء حسنا خبر زيد بن عمرو ونسبه هو زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب وأمه جيداء بنت خالد بن جابر بن أبي حبيب بن فهم وكانت جيداء عند نفيل بن عبد العزى فولدت له الخطاب أبا عمر بن الخطاب وعبدنهم ثم مات عنها نفيل فتزوجها ابنه عمر فولدت له زيدا وكان هذا نكاحا ينكحه أهل الجاهلية وكان زيد بن عمرو أحد من اعتزل عبادة الأوثان وامتنع من أكل ذبائحهم وكان يقول يا معشر قريش أيرسل الله قطر السماء وينبت بقل الأرض ويخلق السائمة فترعى فيه وتذبحوها لغيره والله ما أعلم على ظهر الأرض أحدا على دين إبراهيم غيري أخبرنا الطوسي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي مصعب بن عبد الله ومحمد بن الضحاك عن أبيه قالا كان الخطاب بن نفيل قد أخرج زيد بن عمرو من مكة وجماعة من قريش ومنعوه أن يدخلها حين فارق أهل الأوثان وكان أشدهم عليه الخطاب بن نفيل وكان زيد بن عمرو إذا خلص إلى البيت استقبله ثم قال لبيك حقا حقا تعبدا ورقا البر أرجو لا الخال وهل مهجر كمن قال ثم يقول ( عُذْتُ بما عاذَ به إبراهِمُ ... مُسْتَقْبِلَ الكعبةِ وهو قائمُ ) ( يقول أنفِي لك عَانٍ راغمُ ... مهما تُجَشِّمْني فإِني جَاشِمُ ) ثم يسجد قال محمد بن الضحاك عن أبيه وهو الذي يقول ( لاَ هُمّ إنّي حَرَمٌ لا حِلَّهْ ... وإِن داري أوسط المَحَلَّهْ ) ( عند الصَّفَا ليست بها مَضَلَّهْ ... ) شعر زيد في ترك عبادة الأوثان قال الزبير وحدثني مصعب بن عبد الله عن الضحاك بن عثمان عن عبد الرحمن ابن بي الزناد قال قال هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت قال زيد بن عمرو بن نفيل ( عزلتُ الجنَّ والجِنَّانَ عنِّي ... كذلك يفعل الجَلْدُ الصَّبُورُ ) ( فلا العُزَّى أدينُ ولا ابنتَيها ... ولا صَنَمي بني غَنمٍ أزورُ ) ( ولا هُبَلاً أديِنُ وكان رَبّاً ... لنا في الدهر إذا حِلمِي صغيرُ ) ( أربّاً واحداً أم ألفَ ربَّ ... أدينُ إذا تقُسِّمتِ الأُمُورُ ) ( ألم تعلمْ بأنَّ الله أفنى ... رجالاً كان شأنَهُمُ الفُجورُ ) ( وأبقى آخرين ببِرِّ قومٍ ... فيربو منهم الطفلُ الصغيرُ ) ( وبينا المرء يَعْثُرُ ثابَ يوما ... كما يتروّح الغُصنُ النّضيرُ ) فقال ورقة بن نوفل لزيد بن عمرو بن نفيل ( رَشِدَت وأنعمتَ ابنَ عمرو وإِنما ... تَجَنّبْتَ تَنُّوراً من النار حاميا ) ( بدِينك ربّاً ليس رب كمثله ... وتَرْكِكَ جِنّان الجبالِ كما هيا ) ( أقول إذا ما زُرتُ أرضاً مخوفةً ... حَنَانَيْكَ لا تُظْهِرْ عليَّ الأعاديَا ) ( حَنَانَيْكَ إنّ الجنّ كانت رجاءَهُم ... وأنت إلهي ربَّنا ورَجائيَا ) ( أدينُ لربٍّ يستجيبُ ولا أُرَى ... أَدِينُ لمن لا يسمع الدهرَ داعيا ) ( أقولُ إذا صلَّيْتُ في كلِّ بِيعَةٍ ... تباركتَ قد أكثرتَ باسمك داعيَا ) يقول خلقت خلقا يدعون باسمك قال الزبير وحدثني مصعب بن عبد الله قال حدثني الضحاك بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة قال سمعت من أرضى يحدث أن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول الشاة خلقها الله وأنزل من السماء ماء وأثبت لها من الأرض نباتا ثم تذبحونها على غير اسم الله إنكارا لذلك وإعظاما له قصته مع النبي قال الزبير وحدثني مصعب بن عبد الله عن الضحاك بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله أنه سمع عبد الله بن عمر يحدث عن رسول الله أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح وكان قبل أن ينزل على رسول الله الوحي فقدم إليه رسول الله سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل وقال إني لا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه قال الزبير وحدثني مصعب بن عبد الله عن الضحاك بن عثمان عن عبد الله بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الرحمن قال قال موسى لا أراه إلا حدثه عن عبد الله بن عمر أن زيد بن عمرو خرج إلى الشأم يسأل عن الدين ويتبعه فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينهم فقال لعلي أدين بدينكم فأخبرني بدينكم فقال اليهودي إنك لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله فقال زيد بن عمرو لا أفر إلا من غضب الله وما أحمل من غضب الله شيئا أبدا وأنا أستطيع فهل تدلني على دين ليس فيه هذا قال ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا قال وما الحنيف قال دين إبراهيم فخرج من عنده وتركه فأتى عالما من علماء النصارى فقال له نحوا مما قال لليهودي فقال له النصراني إنك لن تكون على دينك حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله فقال إني لا أحمل من لعنة ولا من غضبه شيئا أبدا وأنا أستطيع فهل تدلني على دين ليس فيه هذا فقال له نحوا ممن قال اليهودي لا أعلمه إلا أن يكون حنيفا فخرج من عندهما وقد رضي بما أخبراه واتفقا عليه من دين إبراهيم فلما برز رفع يديه وقال اللهم إني على دين إبراهيم قال الزبير وحدثني مصعب بن عبد الله عن الضحاك بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد قال قال هشام بن عروة بلغنا أن زيد بن عمرو كان بالشأم فلما بلغه خبر النبي أقبل يريده فقتله أهل ميفعة قال الزبير وحدثني مصعب بن عبد الله عن الضحاك بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد بن عمرو قال سألت أنا وعمر بن الخطاب رسول الله عن زيد فقال " يأتي يوم القيامة أمة وحده " وأنشد محمد بن الضحاك عن الحزامي عن أبيه لزيد بن عمرو ( أسلمتُ وجهي لمن أسملتْ ... له المُزْن تحمِل عَذْبّاً زُلاَلا ) ( وأسلمتُ وجهِي لمن أسلمتْ ... له الأرض تَحمِل صَخْراً ثِقَالا ) ( دَحاها فلما استوتْ شدّها ... سَواءً وأرسَى عليها الجِبَالا ) شعر زهير بن جناب في الكبر وأما زهير بن جناب الكلبي فإنه أحد المعمرين يقال إنه عمر مائة وخمسين سنة وهو فيما ذكر أحد الذين شربوا الخمر في الجاهلية حتى قتلتهم وكان قد بلغ من السن الغاية التي ذكرناها فقال ذات يوم إن الحي ظاعن فقال عبد الله بن عليم بن جناب إن الحي مقيم فقال زهير إن الحي مقيم فقال عبد الله إن الحي ظاعن فقال من هذا الذي يخالفني منذ اليوم قيل ابن أخيك عبد الله بن عليم فقال أو ما هاهنا أحد ينهاه عن ذلك قالوا لا فغضب وقال لا أراني قد خولفت ثم دعا بالخمر فشربها صرفا بغير مزاج وعلى غير طعام حتى قتلته وهو الذي يقول في ذم الكبر وطول الحياة ( الموتُ خير للفتى ... فليهلكن وبه بقيه ) ( من أن يُرى الشّيخَ البَجالَ ... إذا تَهادَى بالعشيَّهْ ) ( أبني أن أهلِكْ فقد ... أورثتكم مجداً بنيّهْ ) ( وتركتُكم أبناء سادات ... زِنادُكُمُ وَريَّهْ ) ( بل كلّ ما نال الفتَى ... قد نلتُه إلا التّحيّهْ ) وأما مدرج الريح فاسمه عامر بن المجنون الجرمي وإنما سمي مدرج الريح بشعر قاله في امرأة كان يزعم أنه يهواها من الجن وأنها تسكن الهواء وتتراءى له وكان محمقا وشعره هذا ( لابنة الجنِّيّ في الجَوّ طَلَلْ ... دارسُ الآياتِ عافٍ كالخلَلْ ) ( دَرَستْهُ الرّيحُ من بين صَباً ... وجَنوبٍ درَجتْ حِيناً وطَلْ ) صوت الغناء فيه لحنين ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وابن المكي وذكر حبش أنه لمعبد وذكر عمرو بن بانة أن لحن حنين من خفيف الثقيل الأول بالبنصر وأخبار عامر بن المجنون تذكر في موضع آخر إن شاء الله تعالى وأما سعية بن غريض فقد كان ذكر خبر جده السموأل بن غريض بن عاديا في موضع غير هذا وكان سعية بن غريض شاعرا وهو الذي يقول لما حضرته الوفاة يرثي نفسه صوت ( يا ليتَ شِعري حين يُذكَر ... ماذا تُؤبنِّنُي به أَنواحي ) ( أَيَقُلْنَ لا تبعَدْ فربّ كرِيهة ... فرّجتها ببشارة وسَمَاحِ ) ( وإذا دُعيتُ لصَعبةٍ سهّلتُها ... أُدعَى بأفلِحْ تارةً ونَجَاحِ ) غناه ابن سريج ثاني ثقيل بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمرو وأسلم سعية وعمر عمرا طويلا ويقال إنه مات في آخر خلافة معاوية خبر سعية بن غريض مع معاوية بن أبي سفيان فأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن معاوية عن الهيثم بن عدي قال حج معاوية حجتين في خلافته وكانت له ثلاثون بغلة يحج عليها نساؤه وجواريه قال فحج في إحداهما فرأى شيخا يصلي في المسجد الحرام عليه ثوبان أبيضان فقال من هذا قالوا سعية بن غريض وكان من اليهود فأرسل إليه يدعوه فأتاه رسوله فقال أجب أمير المؤمنين قال أو ليس قد مات أمير المؤمنين قيل فأجب معاوية فأتاه فلم يسلم عليه بالخلافة فقال له معاوية ما فعلت أرضك التي بتيماء قال يكسى منها العاري ويرد فضلها على الجار قال أفتبيعها قال نعم قال بكم قال بستين ألف دينار ولولا خلة أصابت الحي لم أبعها قال لقد أغليت قال أما لو كانت لبعض أصحابك لأخذتها بستمائة ألف دينار ثم لم تبل قال أجل وإذ بخلت بأرضك فأنشدني شعر أبيك يرثي به نفسه فقال قال أبي ( يا ليتَ شِعري حين أُندَبُ هالكاً ... ماذا تُؤبنّني به أَنواحِي ) ( أيقلن لا تبعَد فرُبّ كَريهة ... فرّجتُها بشجاعةٍ وسَماحِ ) ( ولقد ضربتُ بفضل مالي حقَّه ... عند الشِّتاء وهَبَّة الأرواحِ ) ( ولقد أخذتُ الحقَّ غير مخاصم ... ولقد رددتُ الحقَّ غيرَ مُلاَحِي ) ( وإذا دُعيتُ لصَعبةٍ سهّلتُها ... أُدعَى بأفلِحْ مرّةً ونَجَاحِ ) فقال أنا كنت بهذا الشعر أولى من أبيك قال كذبت ولؤمت قال أما كذبت فنعم وأما لؤمت فلم قال لأنك كنت ميت الحق في الجاهلية وميته في الإسلام أما في الجاهلية فقاتلت النبي والوحي حتى جعل الله عز و جل كيدك المردود وأما في الإسلام فمنعت ولد رسول الله الخلافة وما أنت وهي وأنت طليق ابن طليق فقال معاوية قد خرف الشيخ فأقيموه فأخذ بيده فأقيم وسعية هذا هو الذي يقول صوت ( يا دارَ سُعْدَى بأقصَى تَلْعَةِ النَّعَمِ ... حيُيِّتِ داراً على الإقُواء والقِدَمِ ) ( وما بِجزْعِكِ إلا الوَحشُ ساكنةً ... وهامدٌ من رَمَادِ القِدْرِ والحُمَمِ ) ( عُجْنَا فما كلَّمتنا الدارُ إذ سُئِلَتْ ... وما بها عن جوابٍ خِلتُ من صَمَمِ ) الشعر لسعية بن غريض والغناء لابن محرز ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر أخبار ابن صاحب الوضوء ونسبه اسمه محمد بن عبد الله ويكنى أبا عبد الله مولى بني أمية وهو من أهل المدينة وكان أبوه على ميضأة المدينة فسمي صاحب الوضوء وهو قليل الصنعة لم يذكر له إسحاق إلا صوتين كلاهما في خفيف الثقيل المعروف بالماخوري ولا ذكر له غير إسحاق سواهما إلا ما هو مرسوم في الكتاب الباطل المنسوب إلى إسحاق فإن له فيه شيئا كثيرا لا أصل له وفي كتاب حبش الصيني وهو رجل لا يحصل ما يقوله ويرويه أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن جده عن سياط عن يونس الكاتب قال غنى ابن صاحب الوضوء في شعر النابغة ( خَطَاطِيفُ حُجْنٌ في حبالٍ مَتينةٍ ... تَمُدّ بها أيدٍ إليك نَوَازعُ ) وفي شعر بعض اليهود ( إرفع ضعيفَك لا يحر بك ضعفُه ... يوماً فتدركَه العواقبُ قد نَمَا ) فأجاد فيهما ما شاء وأحسن غاية الإحسان فقيل له ألا تزيد وتصنع شيئا آخر فقال لا والله حتى أرى غيري قد صنع مثل ما صنعت وأزيد وإلا فحسبي هذا عبد الله بن عامر يغني صوتا في المحراب أخبرني أحمد بن عبد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري وإسماعيل بن يونس الشيعي قالوا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي قال ابن عمار في خبره وكان يسمى المبارك قد حدثنا أبو مسلمة المصبحي قال قدم علينا أسود من أهل الكوفة فغنى ( اِرفَعْ ضعيفَك لا يحرْ بك ضعفُه ... يوماً فتدركَه العواقب قد نَمَا ) قال فمررت بعبد الله بن عامر الأسلمي وكان يؤمنا وهو قائم يصلي الظهر فقلت له قدم علينا أسود من الكوفة يغني كذا وكذا فأجاده فأشار إلي بيده أن اجلس فلما قضى صلاته قال أخذته عنه قلت نعم قال فأمره علي ففعلت قال فلما كان بالليل صلى بنا فأداه في المحراب صوت من المائة المختارة التي رواها علي بن يحيى ( يا ليلَتي تَزْدادُ نُكْراَ ... مِنْ حُبِّ مَنْ أحببتُ بِكْرَا ) ( حَوْراءُ إن نظرَتْ إليك ... َ سقَتْك بالعينين خمرَا ) الشعر لبشار والغناء في اللحن المختار ليزيد حوراء رمل بالبنصر عن عمرو ويحيى المكي وإسحاق وفيه لسياط خفيف رمل بالوسطى عن عمرو وإبراهيم الموصلي أخبار بشار بن برد ونسبه هو فيما ذكره الحسن بن علي عن محمد بن القاسم بن مهرويه عن غيلان الشعوبي بشار بن برد بن يرجوخ بن أزدكرد بن شروستان بن بهمهن بن دارا بن فيروز بن كرديه بن ماهفيدان بن دادان بن بهمن بن أزدكرد بن حسيس بن مهران ابن خسروان بن أخشين بن شهرداد بن نبوذ بن ما خرشيدا نماذ بن شهريار بن بنداد سيحان بن مكرر بن ادريوس بن يستاسب بن لهراسف قال وكان يرجوخ بن طخارستان من سبي المهلب بن أبي صفرة ويكنى بشار أبا معاذ ومحله في الشعر وتقدمه طبقات المحدثين فيه بإجماع الرواة ورياسته عليهم من غير اختلاف في ذلك يغني عن وصفه وإطالة ذكر محله وهو من مخضرمي شعراء الدولتين العباسية والأموية قد شهر فيهما ومدح وهجا وأخذ سني الجوائز مع الشعراء أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم قال قال حميد بن سعيد كان بشار من شعب ادريوس بن يستاسب الملك بن لهراسف الملك قال وهو بشار بن برد بن بهمن بن أزدكرد بن شروستان بن بهمن بن دارا بن فيروز قال وكان يكنى أبا معاذ وأخبرني يحيى بن علي ومحمد بن عمران الصيرفي وغيرهما عن الحسن بن عليل العنزي عن خالد بن يزيد بن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه قال كان بشار بن برد بن يرجوخ وأبوه برد من قن خيرة القشيرية امرأة المهلب بن أبي صفرة وكان مقيما لها في ضيعتها بالبصرة المعروفة بخيرتان مع عبيد لها وإماء فوهبت بردا بعد أن زوجته لامرأة من بني عقيل كانت متصلة بها فولدت له امرأته وهو في ملكها بشارا فأعتقته العقيلية وأخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال كان برد أبو بشار مولى أم الظباء العقيلية السدوسية فادعى بشار أنه مولى بني عقيل لنزوله فيهم وأخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثنا العنزي قال حدثني رجل من ولد بشار يقال له حمدان كان قصارا بالبصرة قال ولاؤنا لبني عقيل فقلت لأيهم فقال لبني ربيعة بن عقيل وأخبرني وكيع قال حدثني سليمان المدني قال قال أحمد بن معاوية الباهلي كان بشار وأمه لرجل من الأزد فتزوج امرأة من بني عقيل فساق إليها بشارا وأمه في صداقها وكان بشار ولد مكفوفا فأعتقته العقيلية أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثني الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا قعنب بن المحرز الباهلي قال حدثني محمد بن الحجاج قال باعت أم بشار بشارا على أم الظباء السدوسية بدينارين فأعتقته وأم الظباء امرأة أوس بن ثعلبة أحد بني تيم اللات بن ثعلبة وهو صاحب قصر أوس بالبصرة وكان أوس أحد فرسان بكر بن وائل بخراسان كان أبوه طيانا أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا العنزي قال حدثنا محمد بن زيد العجلي قال أخبرني بدر بن مزاحم أن بُرداً أبا بشار كان طيانا يضرب اللبن وأراني أبي بيتين لنا فقال لي لبن هذين البيتين من ضرب برد أبي بشار فسمع هذه الحكاية حماد عجرد فهجاه فقال ( يابنَ بُردٍ إخْسَأْ إليكَ فمثلُ الكلبِ ... في الناس أنتَ لا الإِنسانِ ) ( بل لَعَمْرِي لأنتَ شرّ من الكلب ... وأَوْلَى منه بكلّ هَوَان ) ( ولَرِيحُ الخنزيرِ أهونُ من رِيحكَ ... يابنَ الطيّانِ ذِي التُّبَّانِ ) أخبرني يحيى بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني عن أبي الصلت البصري عن أبي عدنان قال حدثني يحيى بن الجون العبدي راوية بشار قال قال لما دخلت على المهدي قال لي فيمن تعتد يا بشار فقلت أما اللسان والزي فعربيان وأما الأصل فعجمي كما قلت في شعري يا أمير المؤمنين ( ونُبِّئتُ قوماً بهم جِنَّةٌ ... يقولونَ مَنْ ذا وكنتُ العَلْم ) ( ألا أَيُّها السائِلي جاهداً ... لِيَعْرِفَنِي أنا أنفُ الكَرَمْ ) ( نَمَتْ في الكرامِ بَنِي عامرٍ ... فُروعِي وأصْلِي قريشُ العَجَمْ ) ( فإني لأُغْنِي مَقامَ الفتى ... وأُصْبِي الفتاةَ فما تَعتَصِمْ ) قال وكان أبو دلامة حاضرا فقال كلا لوجهك أقبح من ذلك ووجهي مع وجهك فقلت كلا والله ما رأيت رجلا أصدق على نفسه وأكذب على جليسه منك والله إني لطويل القامة عظيم الهامة تام الألواح أسجح الخدين ولرب مسترخي المذروين للعين فيه مراد قد جلس من الفتاة حجرة وجلست منها حيث أريد فأنت مثلي يا مرضعان قال فسكت عني ثم قال لي المهدي فمن أي العجم أصلك فقلت من أكثرها في الفرسان وأشدها على الأقران أهل طخارستان فقال بعض القوم أولئك الصغد فقلت لا الصغد تجار فلم يردد ذلك المهدي وكان بشار كثير التلون في ولائه شديد الشغب والتعصب للعجم مرة يقول يفتخر بولائه في قيس ( أَمِنْتُ مَضَرَّةَ الفُحَشَاء أني ... أرَى قيساً تَضُرُّ ولا تُضَارُ ) ( كأن الناسَ حين تَغِيبُ عنهم ... نباتُ الأرضِ أخطأهُ القِطارُ ) ( وقد كانت بتَدْمُرَ خيلُ قيسٍ ... فكان لِتَدْمُرٍ فيها دَمَارُ ) ( بحيٍّ من بني عَيْلانَ شُوسٍ ... يَسيرُ الموتُ حيث يقالُ سَارُوا ) ( وما نَلَقَاهُمُ إلا صَدَرْنا ... بِرِيً منهمُ وهُمُ حِرَارُ ) ومرة يتبرأ من ولاء العرب فيقول ( أصبحت مولَى ذي الجلالِ وبعضُهمْ ... مولَى العُرَيبِ فخذْ بفضلك فافَخر ) ( مَولاكَ أكرمُ من تميم كلِّها ... أهلِ الفَعَالِ ومن قُريِش المشْعر ) ( فارجِعْ إلى مولاكَ غيرَ مُدَافَع ... سُبحانَ مَولاكَ الأجلِّ الأكبر ) لقبه وسبب ذلك وقال يفتخر بولاء بني عقيل ( إنّني من بني عُقَيلِ بن كعبٍ ... مَوضِعَ السّيفِ مِنْ طُلَى الأعناقِ ) ويكنى بشار أبا معاذ ويلقب بالمرعث أخبرني عمي ويحيى بن علي قالا حدثنا أبو أيوب المديني قال حدثني محمد بن سلام قال بشار المرعث هو بشار بن برد وإنما سمي المرعث بقوله ( قال رِيمٌ مُرَعَّثٌ ... ساحرُ الطَّرِف والنَّظْر ) ( لستَ واللَّهِ نائلي ... قلتُ أو يَغْلِبُ القَدَرْ ) ( أنتَ إن رُمتَ وَصْلَنا ... فانجُ هل تُدْرِكُ القَمَرْ ) قال أبو أيوب وقال لنا ابن سلام مرة أخرى إنما سمي بشار المرعث لأنه كان لقميصه جيبان جيب عن يمينه وجيب عن شماله فإذا أراد لبسه ضمه عليه من غير أن يدخل رأسه فيه وإذا أراد نزعه حل أزرار وخرج منه فشبهت تلك الجيوب بالرعاث لاسترسالها وتدليها وسمي من أجلها المرعث أخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا علي بن مهدي قال حدثني أبو حاتم قال قال لي أبو عبيدة لقب بشار بالمرعث لأنه كان في أذنه وهو صغير رعاث والرعاث القرطة واحدتها رعثة وجمعها رعاث ورعثات ورعثات الديك اللحم المتدلي تحت حنكه قال الشاعر ( سَقَيْتُ أبا المصرَّعِ إذ أتانِي ... وذُو الرّعَثَاتِ مًنتَصِبٌ يَصيحُ ) ( شراباً يهرُبُ الذِّبَّانُ منه ... ويَلْثَغُ حين يشرَبه الفَصيحُ ) قال والرعث الاسترسال والتساقط فكأن اسم القرطة اشتق منه أخبرني محمد بن عمران قال حدثني العنزي قال حدثنا محمد بن بدر العجلي قال سمعت الأصمعي يذكر أن بشارا كان من أشد الناس تبرما بالناس وكان يقول الحمد لله الذي ذهب ببصري فقيل له ولم يا أبا معاذ قال لئلا أرى من أبغض وكان يلبس قميصا له لبنتان فإذا أراد أن ينزعه نزعه من أسفله فبذلك سمي المرعث أخبرني هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعي قال حدثنا قعنب بن محرز عن الأصمعي قال كان بشار ضخما عظيم الخلق والوجه مجدورا طويلا جاحظ المقلتين قد تغشاهما لحم أحمر فكان أقبح الناس عمى وأفظعه منظرا وكان إذا أراد أن ينشد صفق بيديه وتنحنح وبصق عن يمينه وشماله ثم ينشد فيأتي بالعجب هجاء أبي هشام الباهلي في عمى بشار أخبرنا يحيى بن علي عن أبي أيوب المديني عن محمد بن سلام قال ولد بشار أعمى وهو الأكمه وقال في تصداق ذلك أبو هشام الباهلي يهجوه ( وعبدِي فَقَا عينيكَ في الرِّحْمِ أَيرهُ ... فجئتَ ولم تَعلَم لعينيكَ فَاقِيَا ) ( أَأُمُّكَ يا بشّارُ كانت عفيفةً ... عليّ إذا مشيي إلى البيت حَافيا ) قال ولم يزل بشار منذ قال فيه هذين البيتين منكسرا أخبرنا هاشم بن محمد قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال ولد بشار أعمى فما نظر إلى الدنيا قط وكان يشبه الأشياء بعضها ببعض في شعره فيأتى بما لا يقدر البصراء أن يأتوا بمثله فقيل له يوما وقد أنشد قوله ( كأنّ مُثَارَ النقعِ فوق رُؤوسنا ... وأسيافَنا ليلٌ تَهَاوَى كواكبُهْ ) ما قال أحد أحسن من هذا التشبيه فمن أين لك هذا ولم تر الدنيا قط ولا شيئا فيها فقال إن عدم النظر يقوي ذكاء القلب ويقطع عنه الشغل بما ينظر إليه من الأشياء فيتوفر حسه وتذكو قريحته ثم أنشدهم قوله ( عَمِيتُ جَنِيناً والذكاءُ من العَمَى ... فجئتُ عجيبَ الظنِّ للعلم مَوْئلاَ ) ( وغاضَ ضياءُ العين للعلم رافداً ... لِقلب إذا ضيَعّ الناسُ حَصّلا ) ( وشِعرٍ كنَوْرِ الروض لاءمتُ بينَه ... بقولٍ إذا ما أحزن الشعرُ أسهلا ) أخبرنا هاشم قال حدثنا العنزي عن قعنب بن محرز عن أبي عبد الله الشرادني قال كان بشار أعمى طويلا ضخما آدم مجدورا وأخبرني يحيى بن علي عن أبي أيوب المديني قال قال الحمراني قالت لي عمتي زرت قرابة لي في بني عقيل فإذا أنا بشيخ أعمى ضخم ينشد ( مِنَ المَفْتونِ بَشّارِ بنِ بُرْدِ ... إلى شَيْبانَ كَهْلِهِمُ ومُرْدِ ) ( بأنّ فتاتَكم سَلَبتْ فؤادي ... فنِصْفٌ عندها والنصفُ عندي ) فسألت عنه فقيل لي هذا بشار أخبرني محمد بن يحيى الصيرفي قال حدثنا العنزي قال حدثنا أبو زيد قال سمعت أبا محمد التوزي يقول قال بشار أزرى بشعري الأذان يقول إنه إسلامي وأخبرني حبيب بن نصر المهلي قال حدثنا عمر بن شبة قال قال أبو عبيدة قال بشار الشعر ولم يبلغ عشر سنين ثم بلغ الحلم وهو مخشي معرة لسانه قال وكان بشار يقول هجوت جريرا فأعرض عني واستصغرني ولو أجابني لكنت أشعر الناس قول الأصمعي عنه إنه خاتمة الشعراء وأخبرنا يحيى بن علي بن يحيى وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال كان الأصمعي يقول بشار خاتمة الشعراء والله لولا أن أيامه تأخرت لفضلته على كثير منهم قال أبو زيد كان راجزا مقصدا أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثنا محمد بن صالح بن النطاح قال حدثني أبو عبيدة قال سمعت بشارا يقول وقد أنشد في شعر الأعشى ( وأنكَرْتِني وما كان الذي نَكِرَتْ ... من الحوادث إلا الشَّيْبَ والصَّلَعَا ) فأنكره وقال هذا بيت مصنوع ما يشبه كلام الأعشى فعجبت لذلك فلما كان بعد هذا بعشر سنين كنت جالسا عند يونس فقال حدثني أبو عمرو بن العلاء أنه صنع هذا البيت وأدخله في شعر الأعشى ( وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشيب والصلعا ) فجعلت حينئذ أزداد عجبا من فطنة بشار وصحة قريحته وجودة نقده للشعر عدد قصائده أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثني أبو حاتم عن أبي عبيدة قال قال بشار لي اثنا عشر ألف بيت عين فقيل له هذا ما لم يكن يدعيه أحد قط سواك فقال لي اثنتا عشرة ألف قصيدة لعنها الله ولعن قائلها إن لم يكن في كل واحدة منها بيت عين وأخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا علي بن مهدي عن أبي حاتم قال قلت لأبي عبيدة أمروان عندك أشعر أم بشار فقال حكم بشار لنفسه بالاستظهار أنه قال ثلاثة عشر ألف بيت جيد ولا يكون عدد الجيد من شعر شعراء الجاهلية والإسلام هذا العدد وما أحسبهم برزوا في مثلها ومروان أمدح للملوك أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الأصمعي قال قال بشار الشعر وله عشر سنين فلما بلغ الحلم إلا وهو مخشي معرة اللسان بالبصرة قال وكان يقول هجوت جريرا فاستصغرني وأعرض عني ولو أجابني لكنت أشعر أهل زماني أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا أبو العواذل زكريا بن هارون قال قال بشار لي اثنا عشر ألف بيت جيدة فقيل له كيف قال لي اثنتا عشرة ألف قصيدة أما في كل قصيدة منها بيت جيد وقال الجاحظ في كتاب البيان والتبيين وقد ذكره كان بشار شاعرا خطيبا صاحب منثور ومزدوج وسجع ورسائل وهو من المطبوعين أصحاب الإبداع والاختراع المفتنين في الشعر القائلين في أكثر أجناسه وضروبه قال الشعر في حياة جرير وتعرض له وحكى عنه أنه قال هجوت جريرا فأعرض عني ولو هاجاني لكنت أشعر الناس قال الجاحظ وكان بشار يدين بالرجعة ويكفر جميع الأمة ويصوب رأي إبليس في تقديم النار على الطين وذكر ذلك في شعره فقال ( الأَرْضُ مُظْلِمَةٌ والنارُ مُشْرِقَةٌ ... والنارُ معبودةٌ مذ كانتِ النارُ ) قال وبلغه عن أبي حذيفة واصل بن عطاء إنكار لقوله وهتف به فقال يهجوه ( ما لي أُشايِعُ غَزّالاً له عُنُقٌ ... كنِقْنِقِ الدَّوِّ إنْ وَلَّى وإِنْ مثَلا ) ( عُنْقَ الزِّرافةِ ما بالي وبالُكُم ... تُكَفِّرُون رجالاً كَفَّرُوا رَجلا ) قال فلما تتابع على واصل منه ما يشهد على إلحاده خطب به واصل وكان ألثغ على الراء فكان يجتنبها في كلامه فقال أما لهذا الأعمى الملحد أما لهذا المشنف المكني بأبي معاذ من يقتله أما والله لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية لدسست إليه من يبعج بطنه في جوف منزله أو في حفله ثم كان لا يتولى ذلك إلا عقيلي أو سدوسي فقال أبا معاذ ولم يقل بشارا وقال المشنف ولم يقل المرعث وقال من سجايا الغالية ولم يقل الرافضة وقال في منزله ولم يقل في داره وقال يبعج بطنه ولم يقل يبقر للثغة التي كانت به في الراء قال وكان واصل قد بلغ من اقتداره على الكلام وتمكنه من العبارة أن حذف الراء من جميع كلامه وخطبه وجعل مكانها ما يقوم مقامها هو أحد أصحاب الكلام الستة أخبرني يحيى بن علي قال حدثني أبي عن عافية بن شبيب قال حدثني أبو سهيل قال حدثني سعيد بن سلام قال كان بالبصرة ستة من أصحاب الكلام عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وبشار الأعمى وصالح بن عبد القدوس وعبد الكريم بن أبي العوجاء ورجل من الأزدي وقال أبو أحمد يعني جرير بن حازم فكانوا يجتمعون في منزل الأسدي ويختصمون عنده فأما عمرو وواصل فصارا إلى الاعتزال وأما عبد الكريم وصالح فصححا التوبة وأما بشار فبقي متحيرا مخلطا وأما الأزدي فمال إلى قول السمنية وهو مذهب من مذاهب الهند وبقي ظاهره على ما كان عليه قال فكان عبد الكريم يفسد الأحداث فقال له عمرو بن عبيد قد بلغني أنك تخلوا بالحدث من أحادثنا فتفسده وتستزله وتدخله في دينك فإن خرجت من مصرنا وإلا قمت فيك مقاما آتي فيه على نفسك فلحق بالكوفة فدل عليه محمد بن سليمان فقتله وصلبه بها وله يقول بشار ( قلْ لعبد الكريم يابنَ أبي العَوْجاء ... بعتَ الإِسلامَ بالكفر موقا ) ( لا تصلِّي ولا تصوم فإِن صُمتَ ... فبعضَ النّهار صوماً رقَيقَا ) ( لا تُبالِي إذا أصبتَ من الخمر ... عَتيقاً ألاّ تكون عَتيقَا ) ( ليتَ شعري غداةَ حُلّيتَ في الجيد ... حَنيفاً حُلّيت أم زنديقَا ) ( أنت ممّن يَدُور في لَعنة الله ... صديق لمن ينيك الصديقَا ) أخبرني هاشم بن محمد قال حدثني الرياشي قال سئل الأصمعي عن بشار ومروان أيهما أشعر فقال بشار فسئل عن السبب في ذلك فقال لأن مروان سلك طريقا كثر ما يسلكه فلم يلحق من تقدمه وشركه فيه من كان في عصره وبشار سلك طريقا لم يسلك وأحسن فيه وتفرد به وهو أكثر تصرفا وفنون شعر وأغزر وأوسع بديعا ومروان لم يتجاوز مذاهب الأوائل أخبرني هاشم بن محمد قال حدثني العنزي عن أبي حاتم قال سمعت الأصمعي وقد عاد إلى البصرة من بغداد فسأله رجل عن مروان بن أبي حفصة فقال وجد أهل بغداد قد ختموا به الشعراء وبشار أحق بأن يختموهم به من مروان فقيل له ولم فقال وكيف لا يكون كذلك وما كان مروان في حياة بشار يقول شعرا حتى يصلحه له بشار ويقومه وهذا سلم الخاسر من طبقة مروان يزاحمه بين أيدي الخلفاء بالشعر ويساويه في الجوائز وسلم معترف بأنه تبع لبشار بشار أحسن الناس ابتداء بين المحدثين أخبرني جحظة قال سمعت علي بن يحيى المنجم يقول سمعت من لا أحصي في الرواة يقولون أحسن الناس ابتداء في الجاهلية امرؤ القيس حيث يقول ( ألا انعِمْ صبَاحا أيُّها الطَّلل البالِي ... ) وحيث يقول ( قِفَا نبكِ من ذِكرى حبيبٍ ومنزِلِ ... ) وفي الإسلام القطامي حيث يقول ( إنّا مُحيّوكَ فأسلمَ أيُّها الطّللُ ... ) ومن المحدثين بشار حيث يقول صوت ( أبَى طَلَلٌ بالجِزْع أن يتكلّما ... وماذا عليه لو أجاب مُتّيما ) ( وبالفرع آثارٌ بقين وباللِّوى ... مَلاعبُ لا يُعرَفْنَ إلا تَوهُّما ) وفي هذين البيتين لابن المكي ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى الوسطى من كتابه وفيهما لابن جؤذر رمل أخبرني عمي عن الكراني عن أبي حاتم قال كان الأصمعي يعجب بشعر بشار لكثرة فنونه وسعة تصرفه ويقول كان مطبوعا لا يكلف طبعه شيئا متعذرا لا كمن يقول البيت ويحككه أياما وكان يشبه بشارا بالأعشى والنابغة الذبياني ويشبه مروان بزهير والحطيئة ويقول هو متكلف قال الكراني قال أبو حاتم وقلت لأبي زيد أيما أشعر بشار أم مروان فقال بشار أشعر ومروان أكفر قال أبو حاتم وسألت أبا زيد مرة أخرى عنهما فقال مروان أجد وبشار أهزل فحدثت الأصمعي بذلك فقال بشار يصلح للجد والهزل ومروان لا يصلح إلا لأحدهما كان الناس يعجبون بشعره ويتناشدونه نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى قال حدثنا علي بن مهدي قال حدثنا نجم بن النطاح قال عَهدي بالبصرة وليس فيها غَزِل ولا غَزِلَةٌ إلاّ يَرْوِي من شعر بشّار ولا نائحة ولا مغنية إلا تتكسب به ولا ذو شرف إلا وهو يهابه ويخاف معرة لسانه أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أحمد بن المبارك قال حدثني أبي قال قلت لبشار ليس لأحد من شعراء العرب شعر إلا وقد قال فيه شيئا استنكرته العرب من ألفاظهم وشك فيه وإنه ليس في شعرك ما يشك فيه قال ومن أين يأتيني الخطأ ولدت هاهنا ونشأت في حجور ثمانين شيخا من فصحاء بني عقيل ما فيهم أحد يعرف كلمة من الخطأ وإن دخلت إلى نسائهم فنساؤهم أفصح منهم وأيفعت فأبديت إلى أن أدركت فمن أين يأتيني الخطأ أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز ويحيى بن علي قالوا حدثنا عمر بن شبة قال كان الأصمعي يقول إن بشارا خاتمة الشعراء والله لولا أن أيامه تأخرت لفضلته على كثير منهم أخبرنا يحيى بن علي قال حدثني أبو الفضل المروزي قال حدثني قعنب بن المحرز الباهلي قال قال الأصمعي لقي أبو عمرو بن العلاء بعض الرواة فقال له يا أبا عمرو من أبدع الناس بيتا قال الذي يقول ( لم يَطُلْ ليلى ولكن لم أنَمْ ... ونفَى عنِّي الكَرَى طيفٌ ألمّ ) ( رَوِّحي عنّي قليلاً واعلَمي ... أنّني يا عَبْدَ من لحمٍ ودَمْ ) قال فمن أمدح الناس قال الذي يقول ( لَمَستُ بكفّي كفَّه أبتغِي الغِنَى ... ولم أدر أنّ الجود من كفّه يُعْدِي ) ( فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنَى ... أفدتُ وأعداني فأَتلفت ما عندِي ) قال فمن أهجى الناس قال الذي يقول ( رأيت السُّهيْلَينَ استوَى الجودُ فيهما ... على بُعْد ذا من ذاك في حُكم حاكمِ ) ( سُهَيل بن عثمانٍ يَجود بماله ... كما جاد بالوَجْعا سُهَيلُ بن سالمِ ) قال وهذه الأبيات كلها لبشار نسبة ما في هذا الخبر من الأشعار التي يغنى فيها صوت ( لم بَطُّلْ ليلى ولكن لم أنَمْ ... ونَفى عنِّي الكرى طيفٌ ألمّ ) ( وإِذا قلتُ لها جُودِي لنا ... خرجتْ بالصَّمْت عن لا ونعَمْ ) ( نَفِّسي يا عَبْدَ عنِّي واعلمي ... أنّني يا عبدَ من لحمٍ ودمْ ) ( إنَّ في بُرْدَيَّ جسماً ناحِلاً ... لو توكّأتِ عليه لانهدَمْ ) ( ختَم الحبُّ لها في عُنُقي ... موضِعَ الخاتَمِ من أهل الذِّممْ ) غناه إبراهيم هزجا بالسبابة في مجرى الوسطى عن ابن المكي والهشامي وفيه لقعنب الأسود خفيف ثقيل فأما الأبيات التي ذكر أبو عمرو أنه فيها أمدح الناس وأولها ( لَمَسْتُ بكفِّي كفَّه أبتَغِي الغِنَى ... ) فإنه ذكر أنها لبشار وذكر الزبير بن بكار أنها لابن الخياط في المهدي وذكر له فيها معه خبرا طويلا قد ذكرته في أخبار ابن الخياط في هذا الكتاب أخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا علي بن مهدي الكسروي قال حدثنا أبو حاتم قال كان بشار كثير الولوع بديسم العنزي وكان صديقا له وهو مع ذلك يكثر هجاءه وكان ديسم لا يزال يحفظ شيئا من شعر حماد وأبي هشام الباهلي في بشار فبلغه ذلك فقال فيه ( أَدَيْسَمُ يابنَ الذئبِ من نَجْلِ زَارعٍ ... أَتَرْوِي هَجِائي سَادِراً غيرَ مُقْصِرِ ) قال أبو حاتم فأنشدت أبا زيد هذا البيت وسأتله ما يقول فيه فقال لمن هذا الشعر فقلت لبشار يقوله في ديسم العنزي فقال قاتله الله ما أعلمه بكلام العرب ثم قال الديسم ولد الذئب من الكلبة ويقال للكلاب أولاد زارع والعسبار ولد الضبع من الذئب والسمع ولد الذئب من الضبع وتزعم العرب أن السمع لا يموت حتف أنفه وأنه أسرع من الريح وإنما هلاكه بعرض من أعراض الدنيا خبره مع حمدان الخراط أخبرنا حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال كان بالبصرة رجل يقال له حمدان الخراط فاتخذ جاما لإنسان كان بشار عنده فسأله بشار أن يتخذ له جاما فيه صور طير تطير فاتخذه له وجاءه به فقال له ما في هذا الجام فقال صور طير تطير فقال له قد كان ينبغي أن تتخذ فوق هذه الطير طائرا من الجوارح كأنه يريد صيدها فإنه كان أحسن قال لم أعلم قال بلى قد علمت ولكن علمت أني أعمى لا أبصر شيئا وتهدده بالهجاء فقال له حمدان لا تفعل فإنك تندم قال أو تهددني أيضا قال نعم قال فأي شيء تستطيع أن تصنع بي إن هجوتك قال أصورك على باب داري بصورتك هذه وأجعل من خلفك قردا ينكحك حتى يراك الصادر والوارد قال بشار اللهم اخزه أنا أمازحه وهو يأبى إلا الجد قول بشار في جرير بن المنذر السدوسي أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى والحسن بن علي ومحمد بن عمران الصيرفي قالوا حدثنا العنزي قال حدثني جعفر بن محمد العدوي عن محمد بن سلام قال حدثني مخلد أبو سفيان قال كان جرير بن المنذر السدوسي يفاخر بشارا فقال فيه بشار ( أَمِثْلُ بَني مُضَرٍ وَائِلٌ ... فَقَدتُكَ من فاخرٍ ما أَجَنْ ) ( أفِي النومِ هذا أبا مُنْذِرٍ ... فَخَيْرا رأيتَ وخيراً يَكُنْ ) ( رأيتُكَ والفخرَ في مثلِهَا ... كعاجنةٍ غيرَ ما تَطَّحِنْ ) وقال يحيى في خبره فحدثني محمد بن القاسم قال حدثني عاصم بن وهب أبو شبل الشاعر البرجمي قال حدثني محمد بن الحجاج السراداني قال كنا عند بشار وعنده رجل ينازعه في اليمانية والمضرية إذ أذن فقال له بشار رويدا تفهم هذا الكلام فلما قال أشهد أن محمدا رسول الله قال له بشار أهذا الذي نودي باسمه مع اسم الله عز و جل من مضر هو أم من صداء وعك وحمير فسكت الرجل أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي قال أنشد بشار قول الشاعر ( وقد جَعل الأعداءُ ينتقِصُوننا ... وتطمَعُ فينا ألسُنٌ وعيونُ ) ( ألا إنما ليلى عَصَا خَيزُرَانةٍ ... إذا غمزُوها بالأكفّ تَلينُ ) فقال والله لو زعم أنها عصا مخ أو عصا زبد لقد كان جعلها جافية خشنة بعد أن جعلها عصا ألا قال كما قلت ( ودَعْجاءِ المَحَاجِر من مَعَدٍّ ... كأن حديثَها ثَمرُ الجِنَانِ ) ( إذا قامت لِمشيتها تثنَّتْ ... كأن عظامَها من خَيْزُرَانِ ) أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال أخبرني محمد بن صالح بن الحجاج قال قلت لبشار إني أنشدت فلانا قولك ( إذا أنتَ لم تَشْرَبْ مِرَاراً على القَذَى ... ظَمِئْتَ وأيُّ الناسِ تَصفُو مَشَارِبُهْ ) فقال لي ما كنت أظنه إلا لرجل كبير فقال لي بشار ويلك أفلا قلت له هو والله لأكبر الجن والإنس خبره مع امرأة وعدته أن تزوره ليلا وأخلفت أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أبو الشبل عن محمد بن الحجاج قال كان بشار يهوى امرأة من أهل البصرة فراسلها يسألها زيارته فوعدته بذلك ثم أخلفته وجعل ينتظرها ليلته حتى أصبح فلما لم تأته أرسل إليها يعاتبها فاعتذرت بمرض أصابها فكتب إليها بهذه الأبيات ( يا لَيْلَتي تَزدادُ نُكْرا ... مِن حُبِّ مَنْ أحببتُ بِكْرا ) ( حَوراءُ إن نظرت إليك ... َ سقتكَ بالعينينِ خَمرا ) ( وكأن رَجْعَ حديثِها ... قِطَعُ الرياض كُسِين زَهْرَا ) ( وكأن تحت لسانُها ... هاروتَ ينفُثُ فيه سِحْرَا ) ( وتَخالُ ما جمعَتْ عليه ... ثيابَها ذهباً وعِطْرا ) ( وكأنّها بَرْدُ الشراب ... صَفَا ووافق منْك فِطْرَا ) ( جِنِّيَّةٌ إنسيَّةٌ ... أوَ بينَ ذاك أجلُّ أمرَا ) ( وكفاك أنّي لم أحِطْ ... بشَكاةِ مَنْ أحببتُ خُبَرا ) ( إلا مقالةَ زائرٍ ... نثَرَتْ لِيَ الأحزانَ نثرَا ) ( مُتَخشِّعاً تحت الهَوى ... عشراً وتحت الموتِ عشرَا ) حدثني جحظة قال حدثني علي بن يحيى قال كان إسحاق الموصلي لا يعتد ببشار ويقول هو كثير التخليط في شعره وأشعاره مختلفة لا يشبه بعضها بعضا أليس هو القائل ( إنما عَظْمُ سُلَيمَى حِبِّتي ... قَصَبُ السُّكَّرِ لا عَظْمُ الجَمَلْ ) ( وإذا أدْنَيتَ منها بَصلاً ... غلبَ المِسكُ على ريح البَصلْ ) لو قال كل شيء جيد ثم أضيف إلى هذا لزيفه قال وكان يقدم عليه مروان ويقول هذا هو أشد استواء شعر منه وكلامه ومذهبه أشبه بكلام العرب ومذاهبها وكان لا يعد أبا نواس البتة ولا يرى فيه خيرا هجاؤه للمنصور حدثنا محمد بن علي بن يحيى قال حدثنا محمد بن زكريا قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن التيمي قال دخل بشار إلى إبراهيم بن عبد الله بن حسن فأنشده قصيدة يهجو فيها المنصور ويشير عليه برأي يستعمله في أمره فلما قتل إبراهيم خاف بشار فقلب الكنية وأظهر أنه كان قالها في أبي مسلم وحذف منها أبياتا وأولها ( أبا جَعفرٍ ما طولُ عيشٍ بدائمِ ... ولا سالمٌ عمَّا قَليلٍ بسَالمِ ) قلب هذا البيت فقال أبا مسلم ( على المَلِك الجَبّار يَقتحِمُ الردى ... ويصرَعُه في المأزقِ المتلاحمِ ) ( كأنك لم تَسمَعْ بقتل مُتوَّجٍ ... عظيم ولم تسمع بفَتكِ الأعاجمِ ) ( تَقَسَّمَ كِسرَى رهطُه بسيوفهم ... وأمسى أبو العباسِ أحلامَ نائمِ ) يعني الوليد بن يزيد ( وقد كان لا يَخْشَى انقلابَ مكيدةٍ ... عليه ولا جَرْيَ النُّحُوسِ الأَشائمِ ) ( مقيماً على اللّذاتِ حتى بَدتْ له ... وجوهُ المنايا حاسِرَاتِ العمائمِ ) ( وقد تَرِدُ الأيامُ غُرّاً ورُبَّمَا ... وَرَدْنَ كُلُوحاً بادياتِ الشَّكائمِ ) ( ومَرْوانُ قد دارتْ على رأسه الرحى ... وكان لِمَا أجرمْتَ نَزْرَ الجرائمِ ) ( فأصبحتَ تجري سادراً في طريقهم ... ولا تَتَّقِي أشباهَ تلكَ النقائمِ ) ( تجرَّدتَ للإِسلام تَعفُو سبيلَه ... وتُعْرِي مَطاهُ للُّيوثِ الضَّراغِم ) ( فما زِلتَ حتى استنصرَ الدينُ أهلَه ... عليكَ فعاذُوا بالسَّيوفِ الصوارمِ ) ( فَرُمْ وَزراً يُنْجِيكَ يابنَ سَلاَمةٍ ... فلستَ بِنَاجٍ من مَضِيم وضَائِم ) جعل موضع يابن سلامة يابن وشيكة وهي أم أبي مسلم ( لَحَا الله قوماً رأَسُوكَ عليهمُ ... وما زِلتَ مَرْؤوساً خبيثَ المطاعِم ) ( أَقُولُ لِبَسَّامٍ عليه جَلاَلَةٌ ... غَدَا أَرْيحيَّا عاشِقاً للمكارم ) ( من الفاطمّيينَ الدُّعاة إلى الهدَى ... جِهَاراً ومَنْ يَهْدِيكَ مثلُ ابنِ فاطمِ ) هذا البيت الذي خافه وحذفه بشار من الأبيات ( سِراجٌ لعين المستضِيءِ وتارة ... يكون ظَلاَماً للعدوِّ المزاحِمِ ) ( إذا بلغَ الرأيُ المَشُورة فاستعِنْ ... برَاْيِ نَصِيح أو نَصِيحةِ حازمِ ) ( ولا تعجَلِ الشُّورَى عليكَ غضَاضَةً ... فإِنّ الخَوافِي قُوّةٌ للقَوادِمِ ) ( وما خيرُ كفٍّ أمسكَ الغُلُّ أختَها ... وما خيرُ سَيفٍ لم يُؤيَّدْ بقائمِ ) ( وخَلِّ الهُوينَا للضَّعيف ولا تكُنْ ... نَؤُوماً فإِن الحَزْمَ ليس بنائمِ ) ( وحَارِبْ إذا لم تُعطَ إلا ظُلاَمةً ... شَبَا الحربِ خيرٌ من قَبُول المظالمِ ) قال محمد بن يحيى فحدثني الفضل بن الحباب قال سمعت أبا عثمان المازني يقول سمعت أبا عبيدة يقول ميمية بشار هذه أحب إلي من ميميتي جرير والفرزدق قال محمد وحدثني ابن الرياشي قال حدثني أبي قال قال الأصمعي قلت لبشار يا أبا معاذ إن الناس يعجبون من أبياتك في المشورة فقال لي يا أبا سعيد إن المشاور بين صواب يفوز بثمرته أو خطأ يشارك في مكروهه فقلت له أنت والله في قولك هذا أشعر منك في شعرك خبر بشار مع رجل في دار المهدي حدثني الحسن بن علي قال حدثنا الفضل بن محمد اليزيدي عن إسحاق وحدثني به محمد بن مزيد بن أبي الأزهر عن حماد عن أبيه قال كان بشار جالسا في دار المهدي والناس ينتظرون الإذن فقال بعض موالي المهدي لمن حضر ما عندكم في قول الله عز و جل ( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ) فقال له بشار النحل التي يعرفها الناس قال هيهات يا أبا معاذ النحل بنو هاشم وقوله ( يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ) يعني العلم فقال له بشار أراني الله طعامك وشرابك وشفاءك فيما يخرج من بطون بني هاشم فقد أوسعتنا غثاثة فغضب وشتم بشارا وبلغ المهدي الخبر فدعا بهما فسألهما عن القصة فحدثه بشار بها فضحك حتى أمسك على بطنه ثم قال للرجل أجل فجعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطون بني هاشم فإنك بارد غث وقال محمد بن مزيد في خبره إن الذي خاطب بشارا بهذه الحكاية وأجابه عنها من موالي المهدي المعلى بن طريف بشار يسخر من خال المهدي أخبرنا الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال دخل يزيد بن منصور الحميري على المهدي وبشار بين يديه ينشده قصيدة امتدحه بها فلما فرغ منها أقبل عليه يزيد بن منصور الحميري وكانت فيه غفلة فقال له يا شيخ ما صناعتك فقال أثقب اللؤلؤ فضحك المهدي ثم قال لبشار أعزب ويلك أتتنادر على خالي فقال له وما أصنع به يرى شيخا أعمى ينشد الخليفة شعرا ويسأله عن صناعته أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه قال وقف على بشار بعض المجان وهو ينشد شعرا فقال له استر شعرك هذا كما تستر عورتك فصفق بشار بيديه وغضب وقال له من أنت ويلك قال أنا أعزك الله رجل من باهلة وأخوالي من سلول وأصهاري عكل واسمي كلب ومولدي بأضاخ ومنزلي بنهر بلال فضحك بشار ثم قال اذهب ويلك فأنت عتيق لؤمك قد علم الله أنك استترت مني بحصون من حديد أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني الفضل بن سعيد قال حدثني أبي قال مر بشار بقاص بالبصرة فسمعه يقول في قصصه من صام رجبا وشعبان ورمضان بنى الله له قصرا في الجنة صحنه ألف فرسخ في مثلها وعلوه ألف فرسخ وكل باب من أبواب بيوته ومقاصره عشرة فراسخ في مثلها قال فالتفت بشار إلى قائده فقال بئست والله الدار هذه في كانون الثاني قال الفضل بن سعيد وحدثني رجل من أهل البصرة ممن كان يتزوج بالنهاريات قال تزوجت امرأة منهن فاجتمعت معها في علو بيت وبشار تحتنا أو كنا في أسفل البيت وبشار في علوه مع امرأة فنهق حمار في الطريق فأجابه حمار في الجيران وحمار في الدار فارتجت الناحية بنهيقها وضرب الحمار الذي في الدار الأرض برجله وجعل يدقها بها دقا شديدا فسمعت بشارا يقول للمرأة نفخ يعلم الله في الصور وقامت القيامة أما تسمعين كيف يدق على أهل القبور حتى يخرجوا منها قال ولم يلبث أن فزعت شاة كانت في السطح فقطعت حبلها وعدت فألقت طبقا وغضارة إلى الدار فانكسرا وتطاير حمام ودجاج كن في الدار لصوت الغضارة وبكى صبي في الدار فقال بشار صح والله الخبر ونشر أهل القبور من قبورهم أزفت يشهد الله الآزفة وزلزلت الأرض زلزالها فعجبت من كلامه وغاظني ذلك فسألت من المتكلم فقيل لي بشار فقلت قد علمت أنه لا يتكلم بمثل هذا غير بشار بعض من نوادره أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن محمد جدار قال حدثني قدامة بن نوح قال مر بشار برجل قد رمحته بغلة وهو يقول الحمد لله شكرا فقال له بشار استزده يزدك قال ومر به قوم يحملون جنازة وهم يسرعون المشي بها فقال ما لهم مسرعين أتراهم سرقوه فهم يخافون أن يلحقوا فيؤخذ منهم أخبرني يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه عن عافية بن شبيب وأخبرني به وكيع عن محمد بن عمر بن محمد بن عبد الملك عن الحسن بن جمهور قالا توفي ابن لبشار فجزع عليه فقيل له أجر قدمته وفرط افترطته وذخر أحرزته فقال ولد دفنته وثكل تعجلته وغيب وعدته فانتظرته والله لئن لم أجزع للنقص لا أفرح للزيادة وقال يرثيه ( أَجَارَتَنا لا تَجْزَعِي وأنيبِي ... أتاني من الموت المُطِلِّ نَصِيبي ) ( بُنَيِّي على رَغْمِي وسُخْطي رُزِئْتُه ... وبُدِّلَ أحجاراً وجالَ قليبِ ) ( وكان كرَيحانِ الغصون تَخالُه ... ذَوى بعد إشراقٍ يَسُرُّ وطِيبِ ) ( أُصِيبَ بُنَيِّي حين أورَقَ غُصنُه ... وأَلقَى عليّ الهَمَّ كُلُّ قَريبِ ) ( عَجِبتُ لإسراع المنيّةِ نحوَه ... وما كان لو مُلِّيتُهُ بعَجِيبِ ) أخبرني يحيى بن علي قال ذكر عافية بن شبيب عن أبي عثمان الليثي وحدثني به الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن أبي مسلم قالا رفع غلام بشار إليه في حساب نفقته جلاء مرآة عشرة دراهم فصاح به بشار وقال والله ما في الدنيا أعجب من جلاء مرآة أعمى بعشرة دراهم والله لو صدئت عين الشمس حتى يبقى العالم في ظلمة ما بلغت أجرة من يجلوها عشرة دراهم أخبرنا محمد ين يحيى الصولي قال حدثني المغيرة بن محمد المهلبي قال حدثنا أبو معاذ النميري قال قلت لبشار لم مدحت يزيد بن حاتم ثم هجوته قال سألني أن أنيكه فلم أفعل فضحكت ثم قلت فهو كان ينبغي له أن يغضب فما موضع الهجاء فقال أظنك تحب أن تكون شريكه فقلت أعوذ بالله من ذلك ويلك حدثني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا أحمد بن خلاد وأخبرنا يحيى بن علي ومحمد بن عمران الصيرفي قالا حدثنا العنزي قال حدثنا أحمد بن خلاد قال حدثني أبي قال قلت لبشار إنك لتجيء بالشيء الهجين المتفاوت قال وما ذاك قال قلت بينما تقول شعرا تثير به النقع وتخلع به القلوب مثل قولك ( إذا ما غَضِبنا عَضْبَةً مُضَرِيَّةً ... هَتكنا حِجابَ الشمس أو تُمْطِرَ الدمَا ) ( إذا ما أعَرْنا سَيِّداً من قبيلةٍ ... ذُرَى مِنْبرٍ صلَّى علينا وسَلّمَا ) تقول ( رَبَابَةُ رَبَّةُ البيتِ ... تَصُبُّ الخلَّ في الزَّيتِ ) ( لها عَشْرُ دَجَاجَاتٍ ... ودِيكٌ حَسَنُ الصّوتِ ) فقال لكل وجه وموضع فالقول الأول جد وهذا قلته في ربابة جاريتي وأنا لا آكل البيض من السوق وربابة هذه لها عشر دجاجات وديك فهي تجمع لي البيض وتحفظه عندها فهذا عندها من قولي أحسن من ( قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرى حبيبٍ ومَنزِلِ ... ) عندك أخبرني الحسن بن علي قال حدثني أحمد بن محمد جدار قال حدثني قدامة بن نوح قال كان بشار يحشو شعره إذا أعوزته القافية والمعنى بالأشياء التي لا حقيقة لها فمن ذلك أنه أنشد يوما شعرا له فقال فيه ( غَنِّني للغَريض يابنَ قنانِ ... ) فقيل له من ابن قنان هذا لسنا نعرفه من مغني البصرة قال وما عليكم منه ألكم قبله دين فتطالبوه به أو ثأر تريدون أن تدركوه أو كفلت لكم به فإذا غاب طالبتموني بإحضاره قالوا ليس بيننا وبينه شيء من هذا وإنما أردنا أن نعرفه فقال هو رجل يغني لي ولا يخرج من بيتي فقالوا له إلى متى قال مذ يوم ولد وإلى يوم يموت قال وأنشدنا أيضا في هذه القصيدة ( ووافاني هلالُ السماء في البردانِ ) فقلنا يا أبا معاذ أين البردان هذا لسنا نعرفه بالبصرة فقال هو بيت في بيتي سميته البردان أفعليكم من تسميتي داري وبيوتها شيء فتسألوني عنه حدثني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثني أبو غسان دماذ واسمه رفيع بن سلمة قال حدثني يحيى بن الجون العبدي راوية بشار قال كنا عند بشار يوما فأنشدنا قوله ( وجاريةٍ خُلِقَتْ وحدَها ... كأن النساءَ لديَهْا خَدَمْ ) ( دُوَار العذارَى إذا زُرْنَها ... أطَفْنَ بحَوْراءَ مثلِ الصَّنَمْ ) ( ظَمِئتُ إليها فلم تَسْقِني ... بِريٍّ ولم تَشْفِنِي من سَقَمْ ) ( وقالت هَوِيتَ فمتْ راشِداً ... كما مات عُروةُ غمّاً بغَمّ ) ( فلما رأيتُ الهوى قاتِلي ... ولستُ بجارٍ ولا بابنِ عَمّ ) ( دَسَسْتُ إليها أبا مِجْلَزٍ ... وأيّ فتىً إن أصابَ اعتزّمْ ) ( فما زال حتى أثابتْ له ... فراح وحلَّ لنا ما حَرُمْ ) فقال له الرجل ومن أبو مجلز هذا يا أبا معاذ قال وما حاجتك إليه لك عليه دين أو تطالبه بطائلة هو رجل يتردد بيني وبين معارفي في رسائل قال وكان كثيرا ما يحشو شعره بمثل هذا شعره في جارية أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال كانت بالبصرة قينة لبعض ولد سليمان بن علي وكانت محسنة بارعة الظرف وكان بشار صديقا لسيدها ومداحا له فحضر مجلسه يوما والجارية تغني فسر بحضوره وشرب حتى سكر ونام ونهض بشار فقالت يا أبا معاذ أحب أن تذكر يومنا هذا في قصيدة ولا تذكر فيها اسمي ولا اسم سيدي وتكتب بها إليه فانصرف وكتب إليه ( وذاتِ دَلٍّ كأن البدرَ صُورَتُها ... باتَتْ تُغنّي عميدَ القلبِ سكرانَا ) ( إنّ العيونَ التي في طَرْفِها حَوَرٌ ... قَتَلْننا ثم لم يُحيِينَ قتلانَا ) ( فقلتُ أَحسنْتِ يا سُؤْلِي ويا أملي ... فأسمِعيني جزاكِ اللهُ إحسانَا ) ( يا حبّذَا جبلُ الرّيان من جبلٍ ... وحبّذا ساكنُ الريّانِ مَنْ كانَا ) ( قالتْ فهلاّ فَدتكَ النفسُ أحسن مِنْ ... هذا لِمَنْ كان صبَّ القلبِ حَيرانَا ) ( يا قوم أُذْنِي لبعض الحيِّ عاشِقَةٌ ... والأذن تَعشَقُ قبل العين أحيانَا ) ( فقلتُ أحسنتِ أنتِ الشمسُ طالعةً ... أضرَمْتِ في القلب والأحشاءِ نيرانَا ) ( فأسمِعينِيَ صوتاً مُطرِباً هَزَجاً ... يزيدُ صَبّاً مُحِبّاً فيكِ أشجانَا ) ( يا ليتني كنتُ تُفّاحاً مُفَلَّجةً ... أو كنتُ من قُضبِ الريحان رَيحانا ) ( حتى إذا وَجَدَتْ ريحي فأعجبَها ... ونحن في خَلوةٍ مُثِّلْتُ إنسانَا ) ( فحرّكَتْ عُودَها ثم انثنَتْ طَرَباً ... تَشْدُو به ثم لا تُخفِيه كتمانَا ) ( أصبَحْتُ أطوعَ خَلق الله كُلِّهِمِ ... لأكثرِ الخلق لي في الحبّ عِصيانَا ) ( فقلتُ أطربْتِنا يا زَيْنَ مجلِسَنا ... فهاتِ إنكِ بالإحسانِ أولاَنَا ) ( لو كنتُ أعلمُ أنّ الحبَّ يقتُلُني ... أعددتَ لي قبل أن ألقاكِ أكفانَا ) ( فغنَّتِ الشَّرْبَ صَوْتاً مُؤْنِقاً رمَلاً ... يُذْكِي السّرورَ ويُبْكي العينَ ألوانَا ) ( لا يَقتُلُ اللهُ مَنْ دامَتْ مَوَدّتُهُ ... واللهُ يقتُلُ أهلَ الغَدْرِ أحيانا ) ووجه بالأبيات إليها فبعث إليه سيدها بألفي دينار وسر بها سرورا شديدا هجاؤه لأعرابي أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثني الحسن بن عليل قال حدثني علي بن منصور أبو الحسن الباهلي قال حدثني أبو عبد الله المقرئ الجحدري الذي كان يقرأ في المسجد الجامع بالبصرة قال دخل أعرابي على مجزأة بن ثور السدوسي وبشار عنده وعليه بزة الشعراء فقال الأعرابي من الرجل فقالوا رجل شاعر فقال أمولى هو أم عربي قالوا بل مولى فقال الأعرابي وما للموالي وللشعر فغضب بشار وسكت هنيهة ثم قال أتأذن لي يا أبا ثور قال قل ما شئت يا أبا معاذ فأنشأ بشار يقول ( خليلي لا أنامُ على اقتسارِ ... ولا آبَى على مَوْلىً وجارِ ) ( سَأُخبِرُ فاخرَ الأعراب عنّي ... وعنه حين تأذنُ بالفَخارِ ) ( أحين كُسِيتَ بعد العُرْيِ خَزّاً ... ونادَمْتَ الكِرامَ على العُقَارِ ) ( تُفَاخِرُ يابنَ راعيةٍ وراعٍ ... بني الأحرار حَسبُكَ مِنْ خَسَارِ ) ( وكنتَ إذا ظمِئْتَ إلى قَرَاحٍ ... شَرِكْتَ الكلبَ في وَلْغِ الإِطارِ ) ( تُريغُ بخُطْبَةِ كسرَ الموالي ... ويُنْسِيكَ المكارمَ صيدُ فَارِ ) ( وتَغْدُو للقنافذ تَدَّرِيهَا ... ولم تَعْقِلْ بدَرَّاج الدِّيارِ ) ( وتتَّشحُ الشِّمالَ لِلاَبِسيها ... وتَرعَى الضأنَ بالبلدَ القِفَارِ ) ( مُقَامُكَ بيننا دَنَسٌ علينا ... فليتَكَ غائِبٌ في حَرِّ نارِ ) ( وفخرُكَ بين خنزيرٍ وكلبٍ ... على مِثلي من الحَدَثِ الكُبَارِ ) فقال مجزأة للأعرابي قبحك الله فأنت كسبت هذا الشر لنفسك ولأمثالك أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثني العنزي عن الرياشي قال حضر بشار باب محمد بن سليمان فقال له الحاجب اصبر فقال إن الصبر لا يكون إلا على بلية فقال له الحاجب إني أظن أن وراء قولك هذا شرا ولن أتعرض له فقم فادخل خبر بشار مع هلال الرأي ( أخبرني وكيع قال حدثنا أبو أيوب المديني عن محمد بن سلام قال قال هلال الرأي وهو هلال بن عطية لبشار وكان له صديقا يمازحه إن الله لم يذهب بصر أحد إلا عوضه بشيء فما عوضك قال الطويل العريض قال وما هذا قال ألا أراك ولا أمثالك من الثقلاء ثم قال له يا هلال أتطيعني في نصيحة أخصك بها قال نعم قال إنك كنت تسرق الحمير زمانا ثم تبت وصرت رافضيا فعد إلى سرقة الحمير فهي والله خير لك من الرفض قال محمد بن سلام وكان هلال يستثقل وفيه يقول بشار ( وكيفَ يَخِفُّ لي بصري وسمعي ... وحَوْلِي عَسكَرانِ مِنَ الثِّقَالِ ) ( قُعُوداً حولَ دَسْكَرِتي وعندي ... كأنّ لهم عليّ فضولَ مالِ ) ( إذا ما شِئتُ صبَّحني هِلالٌ ... وأيُّ الناس أثقل من هلالِ ) وأخبرني أبو دلف الخزاعي بهذا الخبر عن عيسى بن إسماعيل عن ابن عائشة فذكر أن الذي خاطب بشارا بهذه المخاطبة ابن سيابة فلما أجابه بشار بالجواب المذكور قال له من أنت قال ابن سيابة فقال له يابن سيابة لو نكح الأسد ما افترس قال وكان يتهم بالأبنة قال أيوب وحدثني محمد بن سلام وغيره قالوا مر ابن أخي بشار به ومعه قوم فقال لرجل معه من هذا فقال ابن أخيك قال أشهد أن أصحابه أنذال قال وكيف علمت قال ليست لهم نعال أخبرنا محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثني عافية بن شبيب عن أبي دهمان الغلابي قال مررت ببشار يوما وهو جالس على بابه وحده وليس معه خلق وبيده مخصرة يلعب بها وقدامه طبق فيه تفاح وأترج فلما رأيته وليس عنده أحد تاقت نفسي إلى أن أسرق ما بين يديه فجئت قليلا قليلا وهو كاف يده حتى مددت يدي لأتناول منه فرفع القضيب وضرب به يدي ضربة كاد يكسرها فقلت له قطع الله يدك يابن الفاعلة أنت الآن أعمى فقال يا أحمق فأين الحس خبره مع نسوة خمس أخبرني يحيى بن علي قال حدثني العنزي قال حدثني خالد ين يزيد بن وهب بن جرير عن أبيه قال كان لبشار في داره مجلسان مجلس يجلس فيه بالغداة يسميه البردان ومجلس يجلس فيه بالعشي اسمه الرقيق فأصبح ذات يوم فاحتجم وقال لغلامه أمسك علي بابي واطبخ لي من طيب طعامي وصف نبيذي قال فإنه لكذلك إذ قرع الباب قرعا عنيفا فقال ويحك يا غلام انظر من يدق الباب دق الشرط قال فنظر الغلام فقال له نسوة خمس بالباب يسألن أن تقول لهن شعرا ينحن به فقال أدخلهن فلما دخلن نظرن إلى النبيذ مصفى في قنانيه في جانب بيته قال فقالت واحدة منهن هو خمر وقالت الأخرى هو زبيب وعسل وقالت الثالثة نقيع زبيب فقال لست بقائل لكن حرفا أو تطعمن من طعامي وتشربن من شرابي قال فتماسكن ساعة ثم قالت واحدة منهن ما عليكن هو أعمى فكلن من طعامه واشربن من شرابه وخذن شعره فبلغ ذلك الحسن البصري فعابه وهتف ببشار فبلغه ذلك وكان بشار يسمي الحسن البصري القس فقال ( لما طَلَعْنَ من الرّقيق ... عليّ بالبردانِ خمسَا ) ( وكأنهنّ أهِلّةٌ ... تحت الثيابِ زَفَفْنَ شمسَا ) ( باكَرْنَ عِطْرَ لَطِيمةٍ ... وغُمِسْنَ في الجادِيّ غمسَا ) صوت ( لمّا طَلْعَنَ خَفَفْنَها ... وأصَخْنَ ما يَهْمِسْنَ هَمْسَا ) ( فسألنني مَنْ في البيوت ... فقلتُ مَا يُؤْوِينَ إِنسَا ) ( ليتَ العيونَ الطارفات ... ِ طُمِسْنَ عنّا اليومَ طَمْسَا ) ( فأصَبْنَ من طُرَفِ الحديثِ ... لَذاذةً وخَرَجْنَ مُلسَا ) ( لولا تَعَرُّضُهُنَّ لي ... يا قَسُّ كنتُ كأنتَ قَسَّا ) غنى في هذه الأبيات يحيى المكي ولحنه رمل بالبنصر عن عمرو أخبرنا يحيى قال حدثني العنزي قال حدثنا علي بن محمد قال حدثني جعفر بن محمد النوفلي وكان يروي شعر بشار بن برد قال جئت بشارا ذات يوم فحدثني قال ما شعرت منذ أيام إلا بقارع يقرع بابي مع الصبح فقلت يا جارية انظري من هذا فرجعت إلي وقالت هذا مالك بن دينار فقلت ما هو من أشكالي ولا أضرابي ثم قلت ائذني له فدخل فقال يا أبا معاذ أتشتم أعراض الناس وتشبب بنسائهم فلم يكن عندي إلا أن دفعت عن نفسي وقلت لا أعود فخرج عني وقلت في أثره ( غَدَا مالكٌ بملاماته ... عليّ وما بات من باليَهْ ) ( تَناول خَوْداً هَضِيم الحشَى ... من الحُور مَحظوظةً عاليَهْ ) ( فقلتُ دَع اللّوم في حبّها ... فقبلكَ أعيَيتُ عُذّالِيَهْ ) ( وإِنّي لأكتمهُم سِرّها ... غداةَ تقول لها الجالِيَهْ ) ( عُبَيدةُ مالك مَسلوبةً ... وكنتِ مُعطَّرة حاليَهْ ) ( فقالت على رِقْبةٍ إنّني ... رهَنتُ المرَعّث خَلخاليَهْ ) ( بمجلس يوم سأُوفِي به ... ولو أَجْلبَ الناسُ أحواليْه ) شعره في محبوبته فاطمة أخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا العنزي قال حدثني السميدع بن محمد الأزدي قال حدثني عبد الرحمن بن الجهم عن هشام بن الكلبي قال كان أول بدء بشار أنه عشق جارية يقال لها فاطمة وكان قد كف وذهب بصره فسمعها تغني فهويها وأنشأ يقول ( دُرّةٌ بَحرّيةٌ مكنونةٌ ... مازها التّاجرُ من بين الدُّررْ ) ( عجِبتْ فَطْمةُ من نَعْتي لها ... هل يُجيد النَّعتَ مَكفوفُ البصرْ ) ( أمَتَا بدّد هذا لُعَبي ... ووِشاحِي حَلّه حتّى انتثَرْ ) ( فدَعِيني مَعه يا أمتا ... عَلَّنا في خَلْوةٍ نَقْضِي الوَطَرْ ) ( أقبلتْ مُغضَبةً تضرِبها ... واعتراها كجنون مستعِرْ ) ( بأبي والله ما أحسنَه ... دمعُ عين يَغْسِل الكحْلَ قَطَرْ ) ( أيُّها النُّوّام هُبّوا ويَحْكَم ... واسألوني اليومَ ما طعمُ السَّهرْ ) أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا العنزي قال حدثني خالد بن يزيد بن وهب بن جرير قال حدثني أبي عن الحكم بن مخلد بن حازم قال مررت أنا ورجل من عكل من أبناء سوار بن عبد الله بقصر أوس فإذا نحن ببشار في ظل القصر وحده فقال لي العكلي لا بد لي من أن أعبث ببشار فقلت ويحك مه لا تعرض بنفسك وعرضك له فقال إني لا أجده في وقت أخلى منه في هذا الوقت قال فوقفت ناحية ودنا منه فقال يا بشار فقال من هذا الذي لا يكنيني ويدعوني باسمي قال سأخبرك من أنا فأخبرني أنت عن أمك أولدتك أعمى أم عميت بعد ما ولدتك قال وما تريد إلى ذلك قال وددت أنه فسح لك في بصرك ساعة لتنظر إلى وجهك في المرآة فعسى أن تمسك عن هجاء الناس وتعرف قدرك فقال ويحكم من هذا أما أحد يخبرني من هذا فقال له على رسلك أنا رجل من عكل وخالي يبيع الفحم بالعبلاء فما تقدر أن تقول لي قال لا شيء إذهب بأبي أنت في حفظ الله قوله في خالد بن برمك أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني هارون بن علي بن يحيى المنجم قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني العباس بن خالد البرمكي قال كان الزوار يسمون في قديم الدهر إلى أيام خالد بن برمك السؤال فقال خالد هذا والله اسم استثقله لطلاب الخير وأرفع قدر الكريم عن أن يسمى به أمثال هؤلاء المؤملين لأن فيهم الأشراف والأحرار وأبناء النعيم ومن لعله خير ممن يقصد وأفضل أدبا ولكنا نسميهم الزوار فقال بشار يمدحه بذلك ( حذا خالدٌ في فعله حَذوَ بَرْمكٍ ... فَمجدٌ له مُستطرَف وأَصِيلُ ) ( وكان ذوو الآمال يُدعَوْن قبلَه ... بلَفظٍ على الإِعدام فيه دَليلُ ) ( يُسمَّون بالسُّؤَّال في كلّ مَوْطِنٍ ... وإِن كان فيهم نابهٌ وجَليِلُ ) ( فسمّاهم الزّوّار سَتْراً عليهمُ ... فأستارُه في المُجْتَدين سُدُولُ ) قال وقال بشار هذا الشعر في مجلس خالد في الساعة التي تكلم خالد بهذا الكلام في أمر الزوار فأعطاه لكل بيت ألف درهم أخبرني عمي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أبو شبل عاصم بن وهب قال نهق حمار ذات يوم بقرب بشار فخطر بباله بيت فقال ( ما قام أيرُ حمارٍ فامتلا شَبَقاً ... إلا تحرّك عرقٌ في است تَسْنِيم ) قال ولم يرد تسنيما بالهجاء ولكنه لما بلغ إلى قوله إلا تحرك عرق قال في است من ومر به تسنيم بن الحواري وكان صديقه فسلم عليه وضحك فقال في است تسنيم علم الله فقال له أيش ويحك فأنشده البيت فقال له عليك لعنة الله فما عندك فرق بين صديقك وعدوك أي شي حملك على هذا ألا قلت في است حماد الذي هجاك وفضحك وأعياك وليست قافيتك على الميم فأعذرك قال صدقت والله في هذا كله ولكن ما زلت أقول في است من في است من ولا يخطر ببالي أحد حتى مررت وسلمت فرزقته فقال له تسنيم إذا كان هذا جواب السلام عليك فلا سلم الله عليك ولا علي حين سلمت عليك وجعل بشار يضحك ويصفق بيديه وتسنيم يشتمه أخبرنا عيسى بن الحسين قال حدثنا علي بن محمد النوفلي عن عمه قال قالت امرأة لبشار ما أدري لم يهابك الناس مع قبح وجهك فقال لها بشار ليس من حسنه يهاب الأسد بشار وعقبة بن رؤبة في حضرة عقبة بن سلم أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد ابن الحجاج قال دخل بشار على عقبة بن سلم فأنشده بعض مدائحه فيه وعنده عقبة بن رؤبة ينشده رجزا يمدحه به فسمعه بشار وجعل يستحسن ما قاله إلى أن فرغ ثم أقبل على بشار فقال هذا طراز لا تحسنه أنت يا معاذ فقال له بشار إلي يقال هذا أنا والله أرجز منك ومن أبيك وجدك فقال له عقبة أنا والله وأبي فتحنا للناس باب الغريب وباب الرجز ووالله إني لخليق أن أسده عليهم فقال بشار ارحمهم رحمك الله فقال عقبة أتستخف بي يا أبا معاذ وأنا شاعر ابن شاعر ابن شاعر فقال له بشار فأنت إذا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ثم خرج من عنده عقبة مغضبا فلما كان من غد غدا على عقبة ابن سلم وعنده عقبة بن رؤبة فأنشده أرجوزته التي مدحه فيها ( يا طَلَلَ الحيِّ بذات الصَّمْدِ ... بالله خبِّرْ كيف كنتَ بعدي ) ( أَوْحَشْتَ من دعدٍ وتِرْب دعدِ ... سَقْيا لأسماءَ ابنةِ الأشَدِّ ) ( قامَت تَراءَى إذ رأتْني وَحْدِي ... كالشّمس تحتَ الزِّبْرِج المُنْقدِّ ) ( صدّت بخدّ وجَلَتْ عن خدِّ ... ثم انثنتْ كالنّفس المُرتَّدِّ ) ( عَهْدي بها سَقْياً له من عَهْدِ ... تُخلِفُ وعداً وتَفِي بوعدِ ) ( فنحن من جَهْد الهوى في جَهْدِ ... وزاهرٍ من سَبِطٍ وجَعْدِ ) ( أهدى له الدّهرُ ولم يَستهدِ ... أفوافَ نَوْرِ الحِبرِ المُجَدِّ ) ( يلقَى الضُّحى رَيحانُه بسَجْدِ ... بُذِّلتُ من ذاك بُكىً لا يُجدِي ) ( وافقَ حظّاً من سَعَى بجَدَّ ... ما ضرَّ أهل النَّوْكِ ضعفُ الجِدِّ ) ( الحُرّ يُلْحَى والعصا للعبدِ ... وليس للمُلْحِف مثلُ الردِّ ) ( والنَّصْفُ يَكْفيك من التعدّي ... وصاحبٍ كالدُّمَّلِ المُمِدِّ ) ( حملتُه في رُقعةٍ من جِلْدِي ... أرقُبُ منه مثلَ يومِ الوِردِ ) ( حتى مضى غيرَ فقيد الفَقْدِ ... وما دَرى ما رَغْبتي من زُهدِي ) ( اسلَمْ وحُيِّيتَ أبا المِلدِّ ... مفتاحَ باب الحدَث المنسدِّ ) ( مُشتَرَك النَّيْل ورِيَّ الزندِ ... أغرَّ لبَّاسَ ثيابِ الحمدِ ) ( ما كان منّي لك غيرُ الوُدِّ ... ثم ثناءٌ مثلُ ريح الوَرْدِ ) ( نَسَجْتُه في مُحْكماتِ النَّدِّ ... فالبَسْ طِرازِي غيرَ مُستَردِّ ) ( لله أيامُكَ في مَعَدِّ ... وفي بني قَحْطانَ غيرَ عَدِّ ) ( يوما بذي طِخْفةَ عند الحدِّ ... ومثلَه أودَعْتَ أرضَ الهندِ ) ( بالمُرْهَفاتِ والحَديد السَّرِد ... والمُقْربَات المُبْعَداتِ الجُرْدِ ) ( إذا الحيا أكدى بها لا تُكْدي ... تُلْحِمُ أمراً وأموراً تُسْدِي ) ( وابنُ حكيم إن أتاك يَرْدي ... أصمَّ لا يسمَعُ صوتَ الرعدِ ) ( حيَّيْتَه بتُحفَة المُعِدَّ ... فانهَدَّ مثلَ الجبل المُنْهَدِّ ) ( كُلّ امرىءٍ رَهْنٌ بما يُؤدِّي ... ورُبَّ ذي تاج كريم الجَدِّ ) ( كآلِ كِسرى وكآل بُردِ ... أنكَب جافٍ عن سبيل القصدِ ) ( فَضَلْتَه عن ماله والوُلْدِ ... ) فطرب عقبة بن سلم وأجزل صلته وقام عقبة بن رؤبة فخرج عن المجلس بخزي وهرب من تحت ليلته فلم يعد إليه وذكر لي أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعي هذا الخبر عن الجاحظ وزاد فيه الجاحظ قال فانظر إلى سوء أدب عقبة بن رؤبة وقد أجمل بشار محضره وعشرته فقابله بهذه المقابلة القبيحة وكان أبوه أعلم خلق الله به لأنه قال له وقد فاخره بشعره أنت يا بني ذهبان الشعر إذا مت مات شعرك معك فلم يوجد من يرويه بعدك فكان كما قال له ما يعرف له بيت واحد ولا خبر غير هذا الخبر القبيح الإخبار عنه الدال علي سخفه وسقوطه وسوء أدبه شعره في امرأة من البصرة أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا أبو غسان دماذ قال حدثنا أبو عبيدة قال كان بشار يهوى امرأة من أهل البصرة يقال لها عبيدة فخرجت عن البصرة إلى عمان مع زوجها فقال بشار فيها صوت ( هَوى صاحبي ريحُ الشَّمالَ إذا جَرَتْ ... وأشفَى لقلبي أن تهُبّ جَنُوبُ ) ( وما ذاكَ إلا أنها حين تنتهي ... تَناهَى وفيها من عُبيدَةَ طِيبُ ) ( عَذيرِي من العُذَّال إذ يَعْذِلُونِنِي ... سَفَاهاً وما في العاذِلين لَبيبُ ) صوت ( يقولونَ لو عَزَّيْتَ قلبَكَ لارْعَوَى ... فقلتُ وهل للعاشقين قُلوبُ ) ( إذا نطقَ القومُ الجُلُوسُ فإِنّني ... مُكِبٌّ كأني في الجميع غَرِيبُ ) أخبرني هاشم قال حدثني دماذ قال حدثني رجل من الأنصار قال جاء أبو الشمقمق إلى بشار يشكو إليه الضيقة ويحلف له أنه ما عنده شيء فقال له بشار والله ما عندي شيء يغنيك ولكن قم معي إلى عقبة بن سلم فقام معه فذكر له أبا الشمقمق وقال هو شاعر وله شكر وثناء فأمر له بخمسمائة درهم فقال له بشار ( يا واحدَ العرب الذي ... أمسى وليس له نَظِيرُ ) ( لو كان مِثْلَكَ آخَرٌ ... ما كان في الدنيا فَقيِرُ ) فأمر لبشار بألفي درهم فقال له أبو الشمقمق نفعتنا ونفعناك يا أبا معاذ فجعل بشار يضحك خبره مع أبي جعفر المنصور أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا زكريا بن يحيى أبو السكين الطائي قال حدثني زحر بن حصن قال حج المنصور فاستقبلناه بالرضم الذي بين زبالة والشقوق فلما رحل من الشقوق رحل في وقت الهاجرة فلم يركب القبة وركب نجيبا فسار بيننا فجعلت الشمس تضحك بين عينيه فقال إني قائل بيتا فمن أجازه وهبت له جبتي هذه فقلنا يقول أمير المؤمنين فقال ( وهاجرةٍ نَصبْتُ لها جَبِينِي ... يُقطِّعُ ظهرُها ظَهْرَ العظايهْ ) فبدر بشار الأعمى فقال ( وقَفْتُ بها القُلوصَ ففاضَ دمعي ... على خدِّي وأَقْصَرَ واعِظايَهْ ) فنزع الجبة وهو راكب فدفعها إليه فقلت لبشار بعد ذلك ما فعلت بالجبة فقال بشار بعتها والله بأربعمائة دينار أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني علي بن محمد النوفلي قال حدثني عبد الرحمن بن العباس بن الفضل بن عبد الرحمن بن عياش بن أبي ربيعة عن أبيه قال كان بشار منقطعا إلي وإلى إخوتي فكان يغشانا كثيرا ثم خرج إبراهيم بن عبد الله فخرج معه عدة منا فلما قتل إبراهيم توارينا وحبس المنصور منا عدة من إخوتي فلما ولي المهدي أمن الناس جميعا وأطلق المحبوسين فقدمت بغداد أنا وإخوتي نلتمس أمانا من المهدي وكان الشعراء يجلسون بالليل في مسجد الرصافة ينشدون ويتحدثون فلم أطلع بشارا على نفسي إلا بعد أن أظهر لنا المهدي الأمان وكتب أخي إلى خليفته بالليل فصحت به يا أبا معاذ من الذي يقول ( أُحِبُّ الخاتمَ الأحمر ... مِنْ حُبَّ مَوَالِيهِ ) فأعرض عني وأخذ في بعض إنشاده شعره ثم صحت يا أبا معاذ من الذي يقول ( إنّ سلْمَى خُلِقَتْ من قَصَبٍ ... قصبِ السّكر لا عظم الجَملْ ) ( وإِذا أدنيتَ منها بصلاً ... غَلب المسكُ على ريح البصلْ ) فغضب وصاح من الذي يقرعنا بأشياء كنا نعبث بها في الحداثة فهو يعيرنا بها فتركته ساعة ثم صحت به يا أبا معاذ من الذي يقول ( أخشّابُ حقّاً أنّ داركَ تُزْعجُ ... وأنّ الذي بيني وبينك يَنْهَجُ ) فقال ويحك عن مثل هذا فسل ثم أنشدها حتى أتى على آخرها وهي من جيد شعره وفيه غناء صوت ( فواكَبِدا قد أنضَجَ الشوقُ نصفها ... ونصفٌ على نار الصبَّابَة يَنضَجُ ) ( وواحَزَنَا منهنّ يَحْفُفْنَ هودجاً ... وفي الهودج المحفوفِ بدرٌ مُتَوَّجُ ) ( فإِن جئتَها بين النساء فقل لها ... عليكِ سلامٌ مات مَنْ يتزوّجُ ) ( بكيتُ وما في الدمع منكِ خليفةٌ ... ولكنّ أحزاني عليكِ تَوَهَّجُ ) الغناء لسليم بن سلام رمل بالوسطى ووجدت هذا الخبر بخط ابن مهرويه فذكر أنه قال هذه القصيدة في امرأة كانت تغشى مجلسه وكان إليها مائلا يقال لها خشابة فارسية فزوجت وأخرجت عن البصرة أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثني أبو حاتم قال أبو النضير الشاعر أنشدت بشارا قصيدة لي فقال لي أيجيئك شعرك هذا كلما شئت أم هذا شيء يجيئك في الفينة بعد الفينة إذا تعملت له فقلت بل هذا شعر يجيئني كلما أردته فقال لي قل فإنك شاعر فقلت له لعلك حابيتني أبا معاذ وتحملت لي فقال أنت أبقاك الله أهون علي من ذلك شعره في الاعتذار عن محاولة تقبيل جارية لصديق له أخبرني عمي قال حدثنا الكراني عن العمري عن عباس بن عباس الزنادي عن رجل من باهلة قال كنت عند بشار الأعمى فأتاه رجل فسلم عليه فسأله عن خبر جارية عنده وقال كيف ابنتي قال في عافية تدعوك اليوم فقال بشار يا باهلي انهض بنا فجئنا إلى منزل نظيف وفرش سري فأكلنا ثم جيء بالنبيذ فشربنا مع الجارية فلما أراد الانصراف قامت فأخذت بيد بشار فلما صار في الصحن أومأ إليها ليقبلها فأرسلت يدها من يده فجعل يجول في العرصة وخرج المولى فقال مالك يا أبا معاذ فقال أذنبت ذنبا ولا أبرح أو أقول شعرا فقال ( أتوبُ إليك من السيئات ... وأَستغفر اللهَ من فَعْلِتي ) ( تناولتُ ما لم أُرِدْ نَيْلَه ... على جهلِ أمرِي وفي سكرتِي ) ( ووالله واللهِ ما جئتُه ... لعمدٍ ولا كان من هِمَّتي ) ( وإِلا فَمِتُّ إذاً ضائعاً ... وعَذَّبَني اللهُ في مِيتَتي ) ( فمنْ نال خيراً على قُبْلةٍ ... فلا بارك اللهُ في قُبلَتِي ) أخبرنا هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال لما أنشد بشار أرجوزته ( يا طلَل الحيّ بذات الصَّمْدِ ... ) أبا الملد عقبة بن سلم أمر له بخمسين ألف درهم فأخرها عنه وكيله ثلاثة أيام فأمر غلامه بشار أن يكتب على باب عقبة عن يمين الباب ( ما زالَ ما مَنَّيتنِي من همِّي ... والوعدُ غمٌّ فأزِحْ من غَمِّي ) ( إن لم تُرِدْ حَمْدي فَراقِبْ ذَمِّي ... ) فلما خرج عقبة رأى ذلك فقال هذه من فعلات بشار ثم دعا بالقهرمان فقال هل حملت إلى بشار ما أمرت له به فقال أيها الأمير نحن مضيفون وغدا أحملها إليه فقال زد فيها عشرة آلاف درهم واحملها إليه الساعة فحملها من وقته أخبرني هاشم قال حدثنا أبو غسان دماذ قال سألت أبا عبيدة عن السبب الذي من أجله نهى المهدي بشارا عن ذكر النساء قال كان أول ذلك استهتار نساء البصرة وشبانها بشعره حتى قال سوار بن عبد الله الأكبر ومالك بن دينار ما شيء أدعى لأهل هذه المدينة إلى الفسق من أشعار هذا الأعمى وما زالا يعظانه وكان واصل بن عطاء يقول إن من أخدع حبائل الشيطان وأغواها لكلمات هذا الأعمى الملحد فلما كثر ذلك وانتهى خبره من وجوه كثيرة إلى المهدي وأنشد المهدي ما مدحه به نهاه عن ذكر النساء وقول التشبيب وكان المهدي من أشد الناس غيرة قال فقلت له ما أحسب شعر هذا أبلغ في هذه المعاني من شعر كثير وجميل وعروة بن حزام وقيس بن ذريح وتلك الطبقة فقال ليس كل من يسمع تلك الأشعار يعرف المراد منها وبشار يقارب النساء حتى لا يخفى عليهن ما يقول وما يريد وأي حرة حصان تسمع قول بشار فلا يؤثر في قلبها فكيف بالمرأة الغزلة والفتاة التي لا هم لها إلا الرجال ثم أنشد قوله ( قد لاَمني في خليلتي عُمَرُ ... واللَّومُ في غير كُنهِه ضجَرُ ) ( قال أفق قلت لا فقال بلى ... قد شاع في الناس منكما الخبَرُ ) ( قلتُ وإذ شاع ما اعتذارُك ممّا ... ليس لي فيه عندهم عُذُرُ ) ( ماذا عليهم وما لهم خَرِسُوا ... لو أنّهم في عيوبهم نَظَرُوا ) ( أعشَقُ وحدي ويؤخَذُون به ... كالتُّركِ تَغْزُو فتُؤخذُ الحَزَرُ ) ( يا عجباً للخلاف يا عجبا ... بِفِي الذي لام في الهوى الحَجرُ ) ( حَسْبِي وحَسْبُ الذي كَلِفْتُ به ... منِّي ومنه الحديثُ والنّظرُ ) ( أو قُبلَةٌ في خلال ذاك وما ... بأسٌ إذا لم تُحَلَّ لي الأُزُرُ ) ( أو عَضَّةٌ في ذراعها ولها ... فوق ذراعي من عَضِّها أثَرُ ) ( أو لَمسةٌ دون مِرْطِها بيدي ... والبابُ قد حال دونه السُّتُرُ ) ( والساقُ برَّاقَةٌ مُخَلخَلُها ... أو مَصُّ رِيقٍ وقد علا البُهُرُ ) ( واسترختِ الكفُّ للعِراك وقالتْ ... إيه عنِّي والدَّمعُ مُنحَدِرُ ) ( إنهضْ فما أنتَ كالذي زعموا ... أنتَ وربّي مُغَازِلٌ أشِرُ ) ( قد غابَتِ اليومَ عنكَ حاضِنَتي ... واللهُ لي منكَ فيكَ يَنتَصِرُ ) ( يا ربِّ خُذْ لي فقد ترى ضَرَعِي ... من فاسقٍ جاء ما به سَكَرُ ) ( أهوَى إلى مِعْضَدِي فرضَّضهُ ... ذو قوّةٍ ما يُطاقُ مُقتدِرُ ) ( ألصقَ بي لِحْيةً له خَشُنت ... ذاتَ سوادٍ كأنها الإِبَرُ ) ( حتّى عَلاني وأُسرتي غَيبٌ ... وَيْلِي عليهم لو أنّهم حَضَرُوا ) ( أُقسِمُ بالله لا نجوتَ بها ... فاذهبْ فأنت المُساوِرُ الظّفِرُ ) ( كيف بأُمِّي إذا رأتْ شَفَتِي ... أم كيف إن شاع منك ذا الخبرُ ) ( قد كنتُ أخشى الذي ابتُليتُ به ... منك فماذا أقولُ يا عبرُ ) ( قلتُ لها عند ذاك يا سَكَنِي ... لا بأس إنيَ مُجَرَّبٌ خَبِرُ ) ( قُولِي لها بَقَّةٌ لها ظُفُرٌ ... إن كان في البقِّ ما له ظُفُرُ ) ثم قال له بمثل هذا الشعر تميل القلوب ويلين الصعب قال دماذ قال لي أبو عبيدة قال رجل يوما لبشار في المسجد الجامع يعابثه يا أبا معاذ أيعجبك الغلام الجادل فقال غير محتشم ولا مكتثرث لا ولكن تعجبني أمه بشار يمدح خالد بن برمك أخبرني عمي قال حدثنا العنزي قال حدثني محمد بن سهل عن محمد بن الحجاج قال ورد بشار على خالد بن برمك وهو بفارس فامتدحه فوعده ومطله فوقف على طريقه وهو يريد المسجد فأخذ بلجام بغلته وأنشده ( أظَلّتْ علينا منكَ يوماً سحابةٌ ... أضاءتْ لنا برقاً وأبطا رِشاَشُها ) ( فلا غيمُها يُجْلي فييأسَ طامعٌ ... ولا غيثُها يأتِي فيَرْوي عِطاشُها ) فحبس بغلته وأمر له بعشرة آلاف درهم وقال لن تنصرف السحابة حتى تبلك إن شاء الله أخبرني يحيى بن علي قال حدثنا الحسن بن عليل قال حدثني علي بن حرب الطائي قال حدثني إسماعيل بن زياد الطائي قال كان رجل منا يقال له سعد بن القعقاع يتندم بشارا في المجانة فقال لبشار وهو ينادمه ويحك يا أبا معاذ قد نسبنا الناس إلى الزندقة فهل لك أن تحج بنا حجة تنفى ذلك عنا قال نعم ما رأيت فاشتريا بعيرا ومحملا وركبا فلما مرا بزرارة قال له ويحك يا أبا معاذ ثلاثمائة فرسخ متى نقطعها مل بنا إلى زرارة نتنعم فيها فإذا قفل الحاج عارضناهم بالقادسية وجززنا رؤوسنا فلم يشك الناس أنا جئنا من الحج فقال له بشار نعم ما رأيت لولا خبث لسانك وإني أخاف أن تفضحنا قال لا تخف فمالا إلى زرارة فما زالا يشربان الخمر ويفسقان فلما نزل الحاج بالقادسية راجعين أخذا بعيرا ومحملا وجزا رؤوسهما وأقبلا وتلقاهما الناس يهنئونهما فقال سعد بن القعقاع ( ألم تَرَنِي وبَشّاراً حَجَجْنا ... وكان الحجُّ من خير التّجارهْ ) ( خرجْنا طالَبيْ سَفَرٍ بعيدٍ ... فمال بنا الطريقُ إلى زُرَارهْ ) ( فآب الناسُ قد حَجّوا وبَرُّوا ... وأُبْنَا مُوقَرين من الخسارهْ ) رده على داود بن رزين أخبرنا يحيى بن علي قال حدثني محمد بن القاسم الدينوري قال حدثني محمد بن عمران بن مطر الشامي قال حدثني محمد بن الحسان الضبي قال حدثني محمود الوراق قال حدثني داود بن رزيق قال أتينا بشارا فأذن لنا والمائدة موضوعة بين يديه فلم يدعنا إلى طعامه فلما أكل دعا بطست فكشف عن سوءته فبال ثم حضرت الظهر والعصر فلم يصل فدنونا منه فقلنا أنت أستاذنا وقد رأينا منك أشياء أنكرناها قال وما هي قلنا دخلنا والطعام بين يديك فلم تدعنا إليه فقال إنما أذنت لكم أن تأكلوا ولو لم أرد أن تأكلوا لما أذنت لكم قال ثم ماذا قلنا ودعوت بطست ونحن حضور فبلت ونحن نراك فقال أنا مكفوف وأنتم بصراء وأنتم المأمورون بغض الأبصار ثم قال ومه قلنا حضرت الظهر والعصر والمغرب فلم تصل فقال إن الذي تفاريق يقبلها جملة أخبرنا يحيى قال حدثني أبو أيوب المديني عن بعض أصحاب بشار قال كنا إذا حضرت الصلاة نقوم ويقعد بشار فنجعل حول ثيابه ترابا لننظر هل يصلي فنعود والتراب بحاله أخبرنا يحيى قال أخبرنا أبو أيوب عن الحرمازي قال قعد إلى بشار رجل فاستثقله فضرط عليه ضرطة فظن الرجل أنها أفلتت منه ثم ضرط أخرى فقال أفلتت ثم ضرط ثالثة فقال يا أبا معاذ ما هذا قال مه أرأيت أم سمعت قال بل سمعت صوتا قبيحا فقال فلا تصدق حتى ترى قال وأنشد أبو أيوب لبشار في رجل استثقله ( ربّما يثقُلُ الجليسُ وإِن كان ... خفيفاً في كِفّة الميزانِ ) ( كيفَ لا تحمِل الأمانةَ أرضٌ ... حَمَلَتْ فوقها أبا سُفْيانِ ) وقال فيه أيضا ( هل لك في مالي وعِرْضي معاً ... وكلِّ ما يملك جِرانَيٍهْ ) ( واذهبْ إلى أبعدِ ما يُنْتَوى ... لا رَدّكَ الله ولا مالِيَهْ ) انشاده الوليد بن يزيد شعرا يطربه أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثني محمد بن إبراهيم الجيلي قال حدثني محمد بن عمران الضبي قال أنشدنا الوليد بن يزيد قول بشار الأعمى ( أيّها الساقيانِ صُبّا شَرَابي ... واسقِيانِي من رِيقِ بيضاءَ رُودِ ) ( إن دائي الظّمَا وإِن دوائي ... شَرْبةٌ من رُضَابِ ثغرٍ بَرُودِ ) ( ولها مَضْحَكٌ كغُرِّ الأقَاحِي ... وحديثٌ كالوَشْيِ وشِي البُرُودِ ) ( نزلتْ في السَّواد من حبّة القلب ... ِ ونالتْ زيادةَ المُسْتَزيدِ ) ( ثم قالت نلقاكَ بعد لَيالٍ ... والليالي يُبْلِينَ كلَّ جديدِ ) ( عندها الصبرُ عن لقائي وعندي ... زَفَراتٌ يأكلنَ قلبَ الحديد ) قال فطرب الوليد وقال من لي بمزاج كاسي هذه من ريق سلمى فيروى ظمئي وتطفأ غلتي ثم بكى حتى مزج كأسه بدمعه وقال إن فاتنا ذاك فهذا أخبرني عمي وقال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن محمد بن سليمان الطفاوي قال حدثني عبد الله بن أبي بكر وكان جليسا لبشار قال كان لنا جار يكنى أبا زيد وكان صديقا لبشار فبعث إليه يوما يطلب منه ثيابا بنسيئة فلم يصادفها عنده فقال يهجوه ( ألاَ إنّ أبا زيدٍ ... زَنَى في ليلة القدر ) ( ولم يَرْعَ تعالى اللّهُ ربِّي حُرْمةَ الشَّهْرِ ) وكتبها في رقعة وبعث بها إليه ولم يكن أبو زيد يقول الشعر فقلبها وكتب في ظهرها ( ألا إن أبا زيدٍ ... له في ذلكم عُذْرُ ) ( أتته أُمُّ بشّارٍ ... وقد ضاق بها الأمرُ ) ( فواثَبها فجامَعَها ... وما ساعدَه الصّبرُ ) قال فلما قرئت على بشار غضب وندم على تعرضه لرجل لا نباهة له فجعل ينطح الحائط برأسه غيظا ثم قال لا تعرضت لهجا سفلة مثل هذا أبدا شعره في جارية أخبرني عمي قال حدثنا أبن مهرويه قال حدثني بعض ولد أبي عبيد الله وزير المهدي قال دخل بشار على المهدي وقد عرضت عليه جارية مغنية فسمع غناءها فأطربه وقال لبشار قل في صفتها شعرا فقال ( ورائحةٍ للعين فيها مَحِيْلَةٌ ... إذا بَرَقَتْ لم تَسْقِ بَطْنَ صَعِيدِ ) ( من المستَهلاّتِ السّرور على الفتى ... خفا بَرقُهَا في عبقرٍ وعُقُودِ ) ( كأن لساناً ساحراً في كلامها ... أُعِينَ بصوتٍ للقلوب صَيُودِ ) ( تُمِيتُ به ألبابَنا وقُلوبَنَا ... مراراً وتُحيِينهنَّ بعد هُمُودِ ) شعره في عقبة بن سلم أخبرني عمي قال حدثنا أبو أيوب المديني قال قال أبو عدنان حدثني يحيى ابن الجون قال دخل بشار يوما على عقبة بن سلم فأنشده قوله فيه صوت ( إنّما لَذّةُ الجَوَادِ ابنِ سَلْمٍ ... في عَطَاءٍ ومَرْكَبٍ لِلّقَاءِ ) ( ليس يُعطيكَ للرجاءِ ولا الخوفِ ... ولكن يَلَذُّ طَعْمَ العَطَاءِ ) ( يَسقُطُ الطيُر حيثُ يَنتثِرُ الحَب ... ُ وتُغْشَى مَنازِلُ الكُرَمَاءِ ) ( لا أُبالِي صَفْحَ اللئيم ولا تَجْري ... دُموعِي على الحَرون الصَّفاءِ ) ( فعلى عُقبةَ السّلاَمُ مقيماً ... وإَذا سار تحت ظلِّ اللواءِ ) فوصله بعشرة آلاف درهم وفي هذه الأبيات خفيف رمل مطلق في مجرى البنصر لرذاذ وهو مختار صنعته وصدورها ومما تشبه فيه بالقدماء ومذاهبهم أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا أحمد بن خلاد عن الأصمعي وأخبرني به الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أحمد بن خلاد عن الأصمعي قال كنت أشهد خلف بن أبي عمرو بن العلاء وخلفا الأحمر يأتيان بشارا ويسلمان عليه بغاية التعظيم ثم يقولان يا أبا معاذ ما أحدثت فيخبرهما وينشدهما ويسألانه ويكتبان عنه متواضعين له حتى يأتي وقت الظهر ثم ينصرفان عنه فأتياه يوما فقالا له ما هذه القصيدة التي أحدثتها في سلم بن قتيبة قال هي التي بلغتكما قالا بلغنا أنك أكثرت فيها من الغريب فقال نعم بلغني أن سلما يتباصر بالغريب فأحببت أن أورد عليه ما لا يعرفه قالا فأنشدناها فأنشدهما ( بَكِّرَا صاحِبَيَّ قبل الهَجِيرِ ... إنّ ذاكَ النجاحَ في التَّبكِير ) حتى فرغ منها فقال له خلف لو قلت يا أبا معاذ مكان إن ذاك النجاح ( بَكِّرا فالنجاحُ في التبكير ... ) كان أحسن فقال بشار بنيتها أعرابية وحشية فقلت إن ذاك النجاح كما يقول الأعراب البدويون ولو قلت بكرا فالنجاح كان هذا من كلام المولدين ولا يشبه ذلك الكلام ولا يدخل في معنى القصيدة فقام خلف فقبل بين عينيه وقال له خلف بن أبي عمرو يمازحه لو كان علاثة ولدك يا أبا معاذ لفعلت كما فعل أخي ولكنك مولى فمد بشار يده فضرب بها فخذ خلف وقال ( أُرْفُقْ بعَمرو إذا حَرَّكْتَ نِسبَته ... فإِنه عربيُّ من قَواريرِ ) فقال له أفعلتها يا أبا معاذ قال وكان أبو عمرو يغمز في نسبه وأخبرني ببعض هذا الخبر حبيب بن نصر عن عمر بن شبة عن أبي عبيدة فذكر نحوه وقال فيه إن سلما يعجبه الغريب أخبرني هاشم بن محمد بن سلام قال قال لي خلف كنت أسمع ببشار قبل أن أراه فذكروه لي يوما وذكروا بيانه وسرعة جوابه وجودة شعره فاستنشدتهم شيئا من شعره فأنشدوني شيئا لم يكن بالمحمود عندي فقلت والله لآتينه ولأطأطئن منه فأتيته وهو جالس على بابه فرأيته أعمى قبيح المنظر عظيم الجثة فقلت لعن الله من يبالي بهذا فوقفت أتأمله طويلا فبينما أنا كذلك إذ جاءه رجل فقال إن فلانا سبك عند الأمير محمد بن سليمان ووضع منك فقال أو قد فعل قال نعم فأطرق وجلس الرجل عنده وجلست وجاء قوم فسلموا عليه فلم يردد عليهم فجعلوا ينظرون إليه وقد درت أوداجه فلم يلبث إلا ساعة حتى أنشدنا بأعلى صوته وأفخمه ( نُبِّئتُ نَائِكَ أُمَّهِ يغتابُنِي ... عند الأميرِ وهل عليَّ أميرُ ) ( نَارِي مُحرّقةٌ وبَيتِي واسِعٌ ... للمعتَفينَ ومَجلِسي مَعْمُورُ ) ( ولِيَ المهابةُ في الأحِبَّةِ والعِدَا ... وكأنني أسَدٌ له تامُورُ ) ( غَرِثَتْ حَليلتُه وأخطأ صيدَه ... فله على لَقَمِ الطريق زَئِيرُ ) قال فارتعدت والله فرائصي واقشعر جلدي وعظم في عيني جدا حتى قلت في نفسي الحمد لله الذي أبعدني من شرك مدحه خالد بن برمك نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى قال حدثني علي بن مهدي قال حدثنا العباس بن خالد قال مدح بشار خالد بن برمك فقال فيه ( لعَمْرِي لَقَد أَجْدَى عليَّ ابنُ برمَكٍ ... وما كلُّ مَنْ كان الغنى عنده يُجْدِي ) ( حَلَبتُ بشِعْري راحَتَيْهِ فَدَرَّتا ... سماحاً كما دَرَّ السَّحابُ مع الرّعدِ ) ( إذا جئتَه للحمد أشرقَ وجهُه ... إليكَ وأعطاكَ الكرامةَ بالحمدِ ) ( له نِعَمٌ في القوم لا يستثيبُها ... جزاءً وكَيْلَ التاجِر المُدَّ بالمُدِّ ) ( مُفِيدٌ ومِتلافٌ سَبيلُ تُرَاثِهِ ... إذا ما غَدا أرواحَ كالجزْرِ والمَدِّ ) ( أخالدُ إنّ الحمدَ يبقَى لأهلِه ... جمالاً ولا تبقى الكُنُوزُ على الكَدِّ ) ( فأَطْعِمْ وكُلْ من عَارةٍ مُستَردَّةٍ ... ولا تُبقِها إن العَوَارِيّ للرَّدِّ ) فأعطاه خالد ثلاثين ألف درهم وكان قبل ذلك يعطيه في كل وفادة خمسة آلاف درهم وأمر خالد أن يكتب هذان البيتان في صدر مجلسه الذي كان يجلس فيه وقال ابنه يحيى بن خالد آخر ما أوصاني به أبي العمل بهذين البيتين أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن عمر بن أبي سعد قال حدثني محمد بن عبد الله بن عثمان قال كان الوزير مولى عبد القيس من عمال الخراج وكان عفيفا بخيلا فسأل عمر بن العلاء وكان جوادا شجاعا في رجل فوهب له مائة ألف درهم فدخل أبو الوزير على المهدي فقال له يا أمير المؤمنين إن عمر بن العلاء خائن قال ومن أين علمت ذلك قال كلم في رجل كان أقصى أمله ألف درهم فوهب له مائة ألف درهم فضحك المهدي ثم قال قل كل يعمل على شاكلته أما سمعت قول بشار في عمر ( إذا دَهَمَتْكَ عِظَامُ الأمورِ ... فَنبِّهْ لها عمراً ثم نمْ ) ( فتىً لا ينامُ على دِمْنَةٍ ... ولا يَشَربُ الماءَ إلا بدَمْ ) أو ما سمعت قول أبي العتاهية فيه صوت ( إنّ المطايا تَشتَكيكَ لأنها ... قَطَعَتْ إليك سَبَاسِياً ورِمَالاَ ) ( فإِذا ورَدْنَ بنا وَرَدْنَ مُخِفَّةً ... وإِذا رجَعْنَ بنا رَجَعْنَ ثِقَالاَ ) الغناء لإبراهيم ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو بن بانة أو ليس الذي يقول فيه أبو العتاهية ( يابنَ العَلاء ويابنَ القَرْمِ مرْداسِ ... إني لأُطْرِيكَ في صَحْبي وجُلاَّسِي ) ( حتى إذا قيل ما أعطاكَ من نَشَبٍ ... أُلفِيتُ من عُظْمِ ما أسديتَ كالناسِي ) ثم قال من اجتمعت ألسن الناس على مدحه كان حقيقا أن يصدقها بفعله وصفه لجارية سوداء أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو بكر الربعي قال كانت لبشار جارية سوداء وكان يقع عليها وفيها يقول ( وغادَةٍ سَودَاءَ بَرَّاقَةٍ ... كالماءِ في طِيبٍ وفي لِينِ ) ( كأنها صِيغَتْ لمن نالها ... من عَنبرٍ بالمِسكِ مَعجُونِ ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أبو الشبل البرجمي قال قال رجل لبشار إن مدائحك عقبة بن سلم فوق مدائحك كل أحد فقال بشار إن عطاياه إياي كانت فوق عطاء كل أحد دخلت إليه يوما فأنشدته ( حرَّم اللهُ أن تَرى كابنِ سَلْمٍ ... عُقبَةِ الخيرِ مُطْعِمِ الفقراءِ ) ( ليس يُعطِيكَ لِلرَّجاءِ ولا الخوفِ ... ولكن يَلذُّ طَعْمَ العَطاءِ ) ( يَسقُط الطيرُ حيث ينْتَثِرُ الحَبّ ... ُ وتُغشَى مَنازِلُ الكُرَماءِ ) فأمر لي بثلاثة آلاف دينار وهأنا قد مدحت المهدي وأبا عبيد الله ووزيره أو قال يعقوب بن داود وأقمت بأبوابهما حولا فلم يعطياني شيئا أفألام على مدحي هذا ونسخت من كتاب هارون بن علي أيضا حدثني علي قال حدثني عبيد الله بن أبي الشيص عن دعبل بن علي قال كان بشار يعطي أبا الشمقمق في كل سنة مائتي درهم فأتاه أبو الشمقمق في بعض تلك السنين فقال له هلم الجزية يا أبا معاذ فقال ويحك أجزية هي قال هو ما تسمع فقال له بشار يمازحه أنت أفصح مني قال لا قال فأعلم مني بمثالب الناس قال لا قال فأشعر مني قال لا قال فلم أعطيك قال لئلا أهجوك فقال له إن هجوتني هجوتك فقال له أبو الشمقمق هكذا هو قال نعم فقل ما بدا لك فقال أبو الشمقمق ( إني إذا ما شاعِرٌ هجَانِيَهْ ... وَلَجّ في القول له لِسَانِيَهْ ) ( أدخلتُه في استِ أمهِ عَلاَنِيَهْ ... بشّارُ يا بشّارُ . . . . . . ) وأراد أن يقول يابن الزانيه فوثب بشار فأمسك فاه وقال أراد والله أن يشتمني ثم دفع إليه مائتي درهم ثم قال له لا يسمعن هذا منك الصبيان يا أبا الشمقمق أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثني الحسن بن عليل العنزي قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني الأصمعي قال أمر عقبة بن سلم الهنائي لبشار بعشرة آلاف درهم فأخبر أبو الشمقمق بذلك فوافى بشار فقال له يا أبا معاذ إني مررت بصبيان فسمعتهم ينشدون ( هَلِّلِينَهْ هَلِّلِينَهْ ... طَعْنَ قِثَّاةٍ لتِينَهْ ) ( إنّ بشّارَ بنَ بردٍ ... تَيسٌ اعمَى في سَفِينَهْ ) فأخرج إليه بشار مائتي درهم فقال خذ هذه ولا تكن راوية الصبيان يا أبا الشمقمق هجاؤه للعباس بن محمد بن علي أخبرني أحمد قال حدثنا أبو محمد الصعتري قال حدثنا محمد بن عثمان البصري قال استمنح بشار بن برد العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فلم يمنحه فقال يهجوه ( ظِلُّ اليسارِ على العباسِ مَمدُودُ ... وقَلبُهُ أبداً في البخل مَعقُودُ ) ( إنّ الكريمَ لَيُخْفِي عنكَ عُسرَتَهُ ... حتى تَراه غَنِيّاً وهو مجهودُ ) ( وللبخيلِ على أمواله عِلَلٌ ... زُرقُ العيونِ عليها أوجُهٌ سُودُ ) ( إذا تكرَّهتَ أن تُعْطِي القليلَ ولم ... تَقدِرْ على سَعَةٍ لم يَظهرِ الجُودُ ) ( أوْرِقْ بخَيرٍ تُرَجَّى لِلنّوال فما ... تُرْجَى الثِمارُ إذا لم يُورِقِ العُودُ ) ( بُثَّ النَّوالَ ولا تَمنَعْكَ قِلَّتُهُ ... فكلُّ ما سَدَّ فَقراً فهو محمُودُ ) أخبرني أحمد قال حدثنا العنزي قال حدثني المغيرة بن محمد المهلبي قال حدثني أبي عن عباد بن عباد قال مررت ببشار فقلت السلام عليك يا أبا معاذ فقال وعليك السلام أعباد فقلت نعم قال إني لحسن الرأي فيك فقلت ما أحوجني إلى ذلك منك يا أبا معاذ أخبرني يحيى بن علي قال أخبرني محمد بن عمر الجرجاني عن أبي يعقوب الخريمي الشاعر أن بشارا قال لم أزل منذ سمعت قول امرئ القيس في تشبيهه شيئين بشيئين في بيت واحد حيث يقول ( كأنّ قلوبَ الطيرِ رَطْباً ويابساً ... لَدى وكرِها العُنَّابُ والحَشَفُ البالِي ) أعمل نفسي في تشبيه شيئين بشيئين في بيت حتى قلت ( كأنّ مُثَار النّقع فوقَ رُؤوسِنا ... وأسيافَنَا ليلٌ تَهَاوى كَواكِبُهْ ) قال يحيى وقد أخذ هذا المعنى منصور النمري فقال وأحسن ( ليلٌ من النّقْعِ لا شمسٌ ولا قَمرٌ ... إلا جَبِينُكَ والمذْرُوبَةُ الشُّرُعُ ) طعن إسحاق الموصلي في شعره أخبرني يحيى بن علي قال حدثني أبي قال كان إسحاق الموصلي يطعن على شعر بشار ويضع منه ويذكر أن كلامه مختلف لا يشبه بعضه بعضا فقلنا أتقول هذا القول لمن يقول صوت ( إذا كنتَ في كلّ الأمور مُعاتباً ... صَدِيقَكَ لم تَلْقَ الذي لا تُعاتِبُهْ ) ( فَعِشْ واحداً أو صِلْ أخاكَ فَإِنّهُ ... مُقَارِفُ ذنبٍ مَرّةً ومُجانِبُهْ ) ( إذا أنتَ لم تشرَبْ مِرَاراً على القَذَى ... ظَمِئْتَ وأيُّ الناس تَصْفُو مَشَارِبُهْ ) لأبي العبيس بن حمدون في هذه الأبيات خفيف ثقيل بالبنصر قال علي بن يحيى وهذا الكلام الذي ليس فوقه كلام من الشعر ولا حشو فيه فقال لي إسحاق أخبرني أبو عبيدة معمر بن المثنى أن شبيل بن عزرة الضبعي أنشده هذه الأبيات للمتلمس وكان عالما بشعره لأنهما جميعا من بني ضبيعة فقلت له أفليس قد ذكر أبو عبيدة أنه قال لبشار أن شبيلا أخبره للمتلمس فقال كذب والله شبيل هذا شعري ولقد مدحت به ابن هبيرة فأعطاني عليه أربعين ألفا وقد صدق بشار وقد مدح في هذه القصيدة ابن هبيرة وقال فيها ( روَيدَ تصاهَلْ بالعراق جِيَادُنَا ... كأنّكَ بالضّحاكِ قد قامَ نَادِبُهْ ) ( وسامٍ لمروانٍ ومِنْ دونِه الشَّجَا ... وهَوْلٌ كَلُجِّ البحرِ جَاشَتْ غوارِبُهْ ) ( أحَلَّتْ به أُمُّ المنايا بنَاتِها ... بأسيافنا إنّا رَدَى مَنْ نُحَارِبُهْ ) ( وكنّا إذا دَبَّ العدوُّ لِسخْطِنَا ... وراقَبَنا في ظاهرٍ لا نُرَاقِبُهْ ) ( ركِبنا له جَهْراً بكلّ مُثَقَّفٍ ... وأبيضَ تَستَسْقي الدِّماءَ مَضَارِبُهْ ) ثم قلت لإسحاق أخبرني عن قول بشار في هذه القصيدة ( فلمّا تَوَلَّى الحَرُّ واعتَصَرَ الثّرى ... لَظَى الصَّيفِ مِنْ نَجمٍ تَوَقَّدَ لاَهِبُهْ ) ( وطارَتْ عَصَافيرُ الشَّقائقِ واكتسَى ... من الآل أمثالَ المَجَرَّةِ ناضِبُهْ ) ( غَدَتْ عَانَةٌ تشكو بأبصارها الصَّدَى ... إلى الجأْب إلا أنها لا تُخَاطِبُهْ ) العانة القطيع من الحمير والجأب ذكرها ومعنى شكواها الصدى بأبصارها أن العطش قد تبين في أحداقها فغارت قال وهذا من أحسن ما وصف به الحمار والأتن أفهذا للمتلمس أيضا قال لا فقلت أفما هو في غاية الجودة وشبيه بسائر الشعر فكيف قصد بشار لسرقة تلك الأبيات خاصة وكيف خصه بالسرقة منه وحده من بين الشعراء وهو قبله بعصر طويل وقد روى الرواة شعره وعلم بشار أن ذلك لا يخفى ولم يعثر على بشار أنه سرق شعرا قط جاهليا ولا إسلاميا وأخرى فإن شعر المتلمس يعرف في بعض شعر بشار فلم يردد ذلك بشيء وقد أخبرني بهذا الخبر هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان معاذ عن أبي عبيدة أن بشارا أنشده ( إذا كنتَ في كلّ الأمور مُعَاتباً ... صديقَكَ لم تَلْقَ الذي لا تُعاتِبُهْ ) وذكر الأبيات قال وأنشدتها شبيل بن عزرة الضبعي فقال هذا للمتلمس فأخبرت بذلك بشارا قال كذب والله شبيل لقد مدحت ابن هبيرة بهذه القصيدة وأعطاني عليها أربعين ألفا أخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا علي بن مهدي قال حدثنا علي بن إبراهيم المروزي وكان أبوه من قواد طاهر قال حدثني أبي قال لما خلع محمد المأمون وندب له علي بن عيسى ندب المأمون للقاء علي بن عيسى طاهر بن الحسين ذا اليمينين وجلس له لعرضه وعرض أصحابه فمر به ذو اليمينين معترضا وهو ينشد ( رُوَيدَ تَصَاهَلْ بالعراق جيادُنا ... كأنّك بالضحّاك قد قام نادبُهْ ) فتفاءل المأمون بذلك فاستدناه فاستعاده البيت فأعاد عليه فقال ذو الرياستين يا أمير المؤمنين هو حجر العراق قال أجل فلما صار ذو اليمينين إلى العراق سأل هل بقي من ولد بشار أحد فقالوا لا فتوهمت أنه قد كان هم لهم بخير سرقة سلم الخاسر من معانيه أخبرنا يحيى قال حدثنا أبي قال أخبرني أحمد بن صالح وكان أحد الأدباء قال غضب بشار على سلم الخاسر وكان من تلامذته ورواته فاستشفع عليه بجماعة من إخوانه فجاءوه في أمره فقال لهم كل حاجة لكم مقضية إلا سلما قالوا ما جئناك إلا في سلم ولا بد من أن ترضى عنه لنا فقال أين هو الخبيث قالوا ها هو هذا فقام إليه سلم فقبل رأسه ومثل بين يديه وقال يا أبا معاذ خريجك وأديبك فقال يا سلم من الذي يقول ( مَنْ راقَبَ الناسَ لم يَظفَرْ بحاجته ... وفازَ بالطّيباتِ الفاتِكُ اللَّهجُ ) قال أنت يا أبا معاذ جعلني الله فداءك قال فمن الذي يقول ( مَنْ راقَبَ الناسَ مات غَمّاً ... وفاز باللَّذَّةِ الجَسُورُ ) قال خريجك يقول ذلك يعني نفسه قال أفتأخذ معاني التي قد عنيت بها وتعبت في استنباطها فتكسوها ألفاظا أخف من ألفاظي حتى يروى ما تقول ويذهب شعري لا أرضى عنك أبدا قال فما زال يتضرع إليه ويشفع له القوم حتى رضي عنه وفي هذه القصيدة يقول بشار ( لو كنتِ تَلْقِينَ ما نَلْقَى قَسَمتِ لنا ... يوماً نَعيِشُ به منكم ونَبتَهجُ ) صوت ( لا خيرَ في العيش إن كنّا كذاَ أبدا ... لا نَلتقي وسبيلُ الملتَقى نَهَجُ ) ( قالوا حرامٌ تلاقِينَا فقلت لهم ... ما في التَّلاقِيَ ولا في قُبْلَةٍ حَرَجُ ) ( مَنْ راقَب الناسَ لم يَظْفَرْ بحاجتِه ... وفاز بالطّيّباتِ الفاتِكُ اللَّهجُ ) ( أشكو إلى الله هَما ما يُفَارِقُنِي ... وشُرَّعاً في فُؤادي الدّهرَ تعتَلِجُ ) أخبرنا محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا أحمد بن خلاد قال أنشدت الأصمعي قول بشار يهجو باهلة ( ودعاني مَعشرٌ كُلٌّهُمُ ... حُمُقٌ دام لهمْ ذاكَ الحُمُقْ ) ( ليس من جُرْمٍ ولكن غاظَهُم ... شَرَفِي العارِضُ قد سَدَّ الأُفُقْ ) فاغتاظ الأصمعي فقال ويلي على هذا العبد القن ابن القن نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني عباس بن خالد قال سمعت غير واحد من أهل البصرة يحدث أن امرأة قالت لبشار أي رجل أنت لو كنت أسود اللحية والرأس قال بشار أما علمت أن بيض البزاة أثمن من سود الغربان فقالت له أما قولك فحسن في السمع ومن لك بأن يحسن شيبك في العين كما حسن قولك في السمع فكان بشار يقول ما أفحمني قط غير هذه المرأة ونسخت من كتابه حدثني علي بن مهدي قال حدثني إسحاق بن كلبة قال قال لي أبو عثمان المازني سئل بشار أي متاع الدنيا آثر عندك فقال طعام مز وشراب مر وبنت عشرين بكر قوله بعد امتناع امرأة عنه أخبرني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد وأخبرنا الحسن بن علي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أبو توبة عن صالح بن عطية قال كان النساء المتظرفات يدخلن إلى بشار في كل جمعة يومين فيجتمعن عنده ويسمعن من شعره فسمع كلام امرأة منهن فعلقها قلبه وراسلها يسألها أن تواصله فقالت لرسوله وأي معنى فيك لي أو لك في وأنت أعمى لا تراني فتعرف حسني ومقداره وأنت قبيح الوجه فلا حظ لي فيك فليت شعري لأي شيء تطلب وصال مثلي وجعلت تهزأ به في المخاطبة فأدى الرسول الرسالة فقال له عد إليها فقل لها ( أيرِي له فضلٌ على آيارهم ... وإذا أشظّ سجَدْنَ غير أوابي ) ( تلقاه بعد ثلاثَ عشْرةَ قائماً ... فعلَ المؤذِّن شكّ يوم سَحابِ ) ( وكأنّ هامةَ رأسه بطّيخَةٌ ... حُمِلتْ إلى مَلِكٍ بدجلةَ جابي ) أخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال حدثنا أبو هفان قال أخبرني أحمد بن عبد الأعلى الشيباني عن أبيه قال قال مروان لبشار لما أنشده هذا البيت ( وإذا قلتُ لها جُودي لنا ... خرجَتْ بالصَّمت مِن لاَ ونَعَمْ ) جعلني الله فداءك يا أبا معاذ هلا قلت خرست بالصمت قال إذا أنا في عقلك فض الله فاك أأتطير على من أحب بالخرس خالد البرمكي يجيزه على مدحه نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى حدثني بعض أصحابنا قال وفد بشار إلى خالد بن برمك وهو على فارس فأنشده ( أخالدُ لم أَخْبِطْ إليك بذمّةٍ ... سوى أنّني عَافٍ وأنتَ جَوادُ ) ( أخالدُ بينَ الأجر والحمدِ حاجتي ... فأيّهما تأتي فأنتَ عِمادُ ) ( فإِن تُعطني أُفرغْ عليك مدائحي ... وإِن تأبَ لم يُضرَبْ عليّ سِدادُ ) ( رِكابي على حَرْفٍ وقلبي مُشَيَّعٌ ... ومالي بأرض الباخلينَ بِلادُ ) ( إذا أنكرتْنِي بَلدةٌ أو نَكِرتْهُا ... خرجتُ مع البازِي عليّ سَوادُ ) قال فدعا خالد بأربعة آلاف دينار في أربعة أكياس فوضع واحدا عن يمينه وواحدا عن شماله وآخر بين يديه وآخر خلفه وقال يا أبا معاذ هل استقل العماد فلمس الأكياس ثم قال استقل والله أيها الأمير الهيثم بن معاوية يجيزه على مدحه أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال قال محمد بن الحجاج حدثني بشار قال دخلت على الهيثم بن معاوية وهو أمير بالبصرة فأنشدته ( إنّ السّلام أيّها الأميرُ ... عليكَ والرّحمةُ والسّرورُ ) فسمعته يقول إن هذا الأعمى لا يدعنا أو يأخذ من دراهمنا شيئا فطمعت فيه فما برحت حتى انصرفت بجائزته أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا عيسى بن إسماعيل عن محمد بن سلام قال وقف رجل من بني زيد شريف لا أحب أن أسميه على بشار فقال له يا بشار قد أفسدت علينا موالينا تدعوهم إلى الانتفاء منا وترغبهم في الرجوع إلى أصولهم وترك الولاء وأنت غير زاكي الفرع ولا معروف الأصل فقال له بشار والله لأصلي أكرم من الذهب ولفرعي أزكى من عمل الأبرار وما في الأرض كلب يود أن نسبك له بنسبه ولو شئت أن أجعل جواب كلامك كلاما لفعلت ولكن موعدك غدا بالمربد فرجع الرجل إلى منزله وهو يتوهم أن بشارا يحضر معه المربد ليفاخره فخرج من الغد يريد المربد فإذا رجل ينشد ( شهِدتُ على الزَّيديّ أنّ نِساءه ... ضِياعٌ إلى أير العُقيليّ تَزفِرُ ) فسأل عمن قال هذا البيت فقيل له هذا لبشار فيك فرجع إلى منزله من فوره ولم يدخل المربد حتى مات قال ابن سلام وأنشد رجل يوما يونس في هذه القصيدة وهي ( بَلَوتُ بني زيدٍ فما في كِبارِهم ... حُلومٌ ولا في الأصغَرِين مُطهَّرُ ) ( فأبلغ بني زيد وقل لسراتهم ... وإِن لم يكن فيهم سَراةٌ تُوقَّرُ ) ( لأمِّكم الوَيلاتُ إنّ قصائدي ... صَواعقُ منها مُنجدٌ ومغوِّر ) ( أجَدَّهُم لا يتَّقون دَنِيّةً ... ولا يُؤثِرون الخير والخير يؤثر ) ( يَلُفُّون أولاد الزّنا في عِدادهم ... فعِدّتُهم من عِدّة الناس أكثرُ ) ( إذا ما رأوا مَنْ دأبُه مثلُ دأبهم ... أطافوا به والغَيُّ للغيِّ أصوَرُ ) ( ولو فارقوا من فيهمُ من دَعَارةٍ ... لما عرفتْهم أُّمهُّم حين تَنظُرُ ) ( لقد فَخروا بالمُلحَقِينَ عشيَّةً ... فقلتُ افخروا إن كان في اللؤم مفخَرُ ) ( يريدون مَسْعَاتِي ودون لقائها ... قناديلُ أبواب السَّمواتِ تَزْهَرُ ) ( فقل في بني زيدٍ كما قال مُعْرِبٌ ... قَوَارِيرُ حَجَّامٍ غداً تَتكسَّرُ ) فقال يونس للذي أنشده حسبك حسبك من هيج هذا الشيطان عليهم قيل فلان فقال رب سفيه قوم قد كسب لقومه شرا عظيما أخبرني عمي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني عبد الله بن بشر بن هلال قال حدثني محمد بن محمد البصري قال حدثني النضر بن طاهر أبو الحجاج قال قال بشار دعاني عقبة بن سلم ودعا بحماد عجرد وأعشى باهلة فلما اجتمعنا عنده قال لنا إنه خطر ببالي البارحة مثل يتمثله الناس ذهب الحمار يطلب قرنين فجاء بلا أذنين فأخرجوه من الشعر ومن أخرجه فله خمسة آلاف درهم وإن لم تفعلوا جلدتكم كلكم خمسمائة فقال حماد أجلنا أعز الله الأمير شهرا وقال الأعشى أجلنا أسبوعين قال وبشار ساكت لا يتكلم فقال له عقبة مالك يا أعمى لا تتكلم أعمى الله قلبك فقال أصلح الله الأمير قد حضرني شيء فإن أمرت قلته فقال قل فقال ( شَطَّ بِسَلْمَى عاجلُ البينِ ... وجاورتْ أُسْدَ بَنِي القَيْنِ ) ( ورَنَّتِ النفسُ لها رَنَّةً ... كادتْ لها تنشَقُّ نصفَيْنِ ) ( يابنةَ مَن لا أشتهِي ذكرَه ... أخشَى عليهِ عُلَقَ الشَّيْنِ ) ( والله لو ألقاكِ لا أتّقي ... عيناً لقبَّلتُكِ ألفيْنِ ) ( طالبتُها دَينِي فراغَتْ به ... وعَلَّقَتْ قلبي مع الدّيْنِ ) ( فصِرتُ كالعَيْرِ غدا طالباً ... قَرْناً فلم يَرجِعْ بأُذْنيْنِ ) قال فانصرف بشار بالجائزة خبره مع قوم من قيس عبلان نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى حدثنا علي بن مهدي قال حدثني عبد الله بن عطية الكوفي قال حدثني عثمان بن عمرو الثقفي قال قال أبان بن عبد الحميد اللاحقي نزل في ظاهر البصرة قوم من أعراب قيس عيلان وكان فيهم بيان وفصاحة فكان بشار يأتيهم وينشدهم أشعاره التي يمدح بها قيسا فيجلونه لذلك ويعظمونه وكان نساؤهم يجلسن معه ويتحدثن إليه وينشدهن أشعاره في الغزل وكن يعجبن به وكنت كثيرا ما آتي ذلك الموضع فاسمع منه ومنهم فأتيتهم يوما فإذا هم قد ارتحلوا فجئت إلى بشار فقلت له يا أبا معاذ أعلمت أن القوم قد ارتحلوا قال لا فقلت فاعلم قال قد علمت لا علمت ومضيت فلما كان بعد ذلك بأيام سمعت الناس ينشدون ( دعا بِفراق مَنْ تَهْوَى أبانُ ... ففاضَ الدّمعُ واحترقَ الجَنانُ ) ( كأن شَرارةً وقعَتْ بقلبي ... لها في مُقْلتِي ودَمِي استِنَانُ ) ( إذا أنشَدتُ أو نَسَمَتْ عليها ... رياحُ الصّيفِ هاجَ لها دُخَانُ ) فعلمت أنها لبشار فأتيته فقلت يا أبا معاذ ما ذنبي إليك قال ذنب غراب البين فقلت هل ذكرتني بغير هذا قال لا فقلت أنشدك الله ألا تزيد فقال امض لشأنك فقد تركتك ونسخت من كتابه حدثني علي بن مهدي قال حدثني يحيى بن سعيد الأيوزرذي المعتزلي قال حدثني أحمد بن المعذل عن أبيه قال أنشد بشار جعفر بن سليمان ( أقِلّي فإنّا لاحِقونَ وإِنّما ... يُؤَخِّرنا أنَّا يُعَدُّ لنا عَدًا ) ( وما كنتُ إلا كالأغرّ ابن جعفرٍ ... رأى المالَ لا يبقَى فأبقَى به حَمدا ) فقال له جعفر بن سليمان من ابن جعفر قال الطيار في الجنة فقال لقد ساميت غير مسامي فقال والله ما يقعدني عن شأوه بعد النسب لكن قلة النشب وإني لأجود بالقليل وإن لم يكن عندي الكثير وما على من جاد بما يملك ألا يهب البدور فقال له جعفر لقد هززت أبا معاذ ثم دعا له بكيس فدفعه إليه ونسخت من كتابه حدثني علي بن مهدي قال حدثني أحمد بن سعيد الرازي عن سليمان بن سليمان العلوي قال قيل لبشار إنك لكثير الهجاء فقال إني وجدت الهجاء المؤلم آخذ بضبع الشاعر من المديح الرائع ومن أراد من الشعراء أن يكرم في دهر اللئام على المديح فليستعد للفقر وإلا فليبالغ في الهجاء ليخاف فيعطى بعض من سيرة حياته في صباه أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال كان برد أبو بشار طيانا حاذقا بالتطيين وولد له بشار وهو أعمى فكان يقول ما رأيت مولودا أعظم بركة منه ولقد ولد وما عندي درهم فما حال الحول حتى جمعت مائتي درهم ولم يمت برد حتى قال بشار الشعر وكان لبشار أخوان يقال لأحدهما بشر وللآخر بشير وكانا قصابين وكان بشار بارا بهما على أنه كان ضيق الصدر متبرما بالناس فكان يقول اللهم إني قد تبرمت بنفسي وبالناس جمعيا اللهم فأرحني منهم وكان إخوته يستعيرون ثيابه فيوسخونها وينتنون ريحها فاتخذ قميصا له جيبان وحلف ألا يعيرهم ثوبا من ثيابه فكانوا يأخذونها بغير إذنه فإذا دعا بثوبه فلبسه فأنكر رائحته فيقول إذا وجد رائحة كريهة من ثوبه أينما أتوجه ألق سعدا فإذا أعياه الأمر خرج إلى الناس في تلك الثياب على ج6. كتاب:الأغاني ===============================ج6. لأبي الفرج الأصفهاني نتنها ووسخها فيقال له ما هذا يا أبا معاذ فيقول هذه ثمرة صلة الرحم قال وكان يقول الشعر وهو صغير فإذا هجا قوما جاءوا إلى أبيه فشكوه فيضربه ضربا شديدا فكانت أمه تقول كم تضرب هذا الصبي الضرير أما ترحمه فيقول بلى والله إني لأرحمه ولكنه يتعرض للناس فيشكونه إلي فسمعه بشار فطمع فيه فقال له يا أبت إن هذا الذي يشكونه مني إليك هو قول الشعر وإني إن ألممت عليه أغنيتك وسائر أهلي فإن شكوني إليك فقل لهم أليس الله يقول ( ليس على الأعمى حرج ) فلما عاودوه شكواه قال لهم برد ما قاله بشار فانصرفوا وهم يقولون فقه برد أغيظ لنا من شعر بشار أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني محمد بن عثمان الكريزي قال حدثني بعض الشعراء قال أتيت بشارا الأعمى وبين يديه مائتا دينار فقال لي خذ منها ما شئت أو تدري ما سببها قلت لا قال جاءني فتى فقال لي أنت بشار فقلت نعم فقال إني آليت أن أدفع إليك مائتي دينار وذلك أني عشقت امرأة فجئت إليها فكلمتها فلم تلتفت إلي فهممت أن أتركها فذكرت قولك ( لا يُوْيسَنَّكَ من مُخَبَّأةٍ ... قولٌ تُغلِّظُهُ وإن جَرَحَا ) ( عُسْرُ النِّساء إلى مُيَاسَرَةٍ ... والصَّعْبُ يُمكِنُ بعد ما جَمَحَا ) فعدت إليها فلازمتها حتى بلغت منها حاجتي هابه الأخفش فاستشهد بشعره أخبرني عمي قال حدثني الكراني عن أبي حاتم قال كان الأخفش طعن على بشار في قوله ( فالآنَ أَقْصَرَ عن سُمَيَّةَ باطِلي ... وأشار بالوَجْلَى عليّ مُشِيرُ ) وفي قوله ( على الغَزَلى مِنّي السَّلامُ فربَّما ... لَهَوْتُ بها في ظِلِّ مَرْؤُومَةٍ زُهْر ) وفي قوله في صفة سفينة ( تُلاَعِبُ نِينَانَ البُحورِ ورُبَّما ... رأيتَ نُفوسَ القوم من جَرْيها تَجْرِي ) وقال لم يسمع من الوجل والغزل فعلى ولم أسمع بنون ونينان فبلغ ذلك بشارا فقال ويلي على القصارين متى كانت الفصاحة في بيوت القصارين دعوني وإياه فبلغ ذلك الأخفش فبكى وجزع فقيل له ما يبكيك فقال وما لي لا أبكي وقد وقعت في لسان بشار الأعمى فذهب أصحابه إلى بشار فكذبوا عنه واستوهبوا منه عرضه وسألوه ألا يهجوه فقال قد وهبته للؤم عرضه فكان الأخفش بعد ذلك يحتج بشعره في كتبه ليبلغه فكف عن ذكره بعد هذا قال وقال غير أبي حاتم إنما بلغه أن سيبويه عاب هذه الأحرف عليه لا الأخفش فقال يهجوه ( أَسِبْوَيْهِ يابنَ الفارسيَّة ما الذي ... تَحَدَّثْتَ عن شَتْمِي وما كنتَ تَنبِذُ ) ( أَظَلْتَ تَغنِّي سادِراً في مَسَاءتِي ... وأُمُّكَ بالمِصْرَينِ تُعْطِي وتَأْخُذُ ) قال فتوقاه سيبويه بعد ذلك وكان إذا سئل عن شيء فأجاب عنه ووجد له شاهدا من شعر بشار احتج به استكفافا لشره أهله يستعينون به لهجاء بني سدوس أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثني الحسن بن عليل العنزي قال حدثني أحمد بن علي بن سويد بن منجوف قال كان بشار مجاورا لبني عقيل وبني سدوس في منزل الحيين فكانوا لا يزالون يتفاخرون فاستعانت عقيل ببشار وقالوا له يا أبا معاذ نحن أهلك وأنت ابننا وربيت في حجورنا فأعنا فخرج عليهم وهم يتفاخرون فجلس ثم أنشد ( كأنّ بني سَدُوسٍ رهطَ ثَوْرٍ ... خَنَافِسُ تحتَ مُنكَسرِ الجِدَارِ ) ( تُحرِّكُ للفَخَارِ زُبانَيَيْها ... وفخرُ الخُنْفَساءِ من الصَّغَارِ ) فوثب بنو سدوس إليه فقالوا ما لنا ولك يا هذا نعوذ بالله من شرك فقال هذا دأبكم إن عاودتم مفاخرة بني عقيل فلم يعاودوها أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني محمد بن إسماعيل عن محمد بن سلام قال قال يونس النحوي العجب من الأزد يدعون هذا العبد ينسب بنسائهم ويهجو رجالهم يعني بشارا ويقول ( ألاَ يا صَنَمَ الأَزِدْ ... الذي يَدْعُونَه رَبّا ) ألا يبعثون إليه من يفتق بطنه أخبرني الحسن قال حدثني ابن مهرويه عن أحمد بن إسماعيل عن محمد بن سلام قال مر ابن أخ لبشار ببشار ومعه قوم فقال لرجل معه وسمع كلامه من هذا فقال ابن أخيك قال أشهد أن أصحابه سفلة قال وكيف علمت قال ليس عليهم نعال أخبرني الحسن قال حدثنا محمد بن القاسم قال حدثني الفضل بن يعقوب قال كنا عند جارية لبعض التجار بالكرخ تغنينا وبشار عندنا فغنت في قوله ( إنّ الخليفةَ قد أبى ... وإِذا أبَى شيئاً أبَيتُهْ ) ( ومُخَضّبٍ رَخْصِ البَنَان ... ِ بكى علَيَّ وما بكَيْتُهْ ) ( يا مَنْظراً حَسَناً رأيت ... ُ بوجهِ جاريةٍ فَدَيْتُهْ ) ( بعثَتْ إليّ تَسُومُنِي ... ثَوبَ الشَّبابِ وقد طَوَيْتُهْ ) فطرب بشار وقال هذا والله يا أبا عبد الله أحسن من سورة الحشر وقد روى هذه الكلمة عن بشار غير من ذكرته فقال عنه إنه قال هي والله أحسن من سورة الحشر الغناء في هذه الأبيات وتمام الشعر ( وأنا المطِلُّ على العِدَا ... وإِذا غَلا الحمدُ اشتريتُهْ ) ( وأمِيلُ في أُنسِ النّدِيم ... من الحياءِ وما اشتهَيتُهْ ) ( ويُشوقُنِي بيتُ الحبيب ... إذا غدوتُ وأينَ بيتُهْ ) ( حالَ الخليفةُ دونه ... فصبَرتُ عنه وما قَليتُهْ ) وأنشدني أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعي هذه الأبيات وأخبرني أن الجاحظ أخبره أن المهدي نهى بشارا عن الغزل وأن يقول شيئا من النسيب فقال هذه الأبيات قال وكان الخليل بن أحمد ينشدها ويستحسنها ويعجب بها أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا دماذ أبو غسان عن محمد بن الحجاج قال قالت بنت بشار لبشار يا أبت مالك يعرفك الناس ولا تعرفهم قال كذلك الأمير يا بنية دفاعه عن أبي النضير أخبرني عبد الله بن محمد الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني قال قال عبد الله بن مسور الباهلي يوما لأبي النضير وقد تحاورا في شيء يابن اللخناء أتكلمني ولو اشتريت عبدا بمائتي درهم وأعتقته لكان خيرا منك فقال له أبو النضير والله لو كنت ولد زنا لكنت خيرا من باهلة كلها فغضب الباهلي فقال له بشار أنت منذ ساعة تزني أمه ولا يغضب فلما كلمك كلمة واحدة لحقك هذا كله فقال له وأمه مثل أمي يا أبا معاذ فضحك ثم قال والله لو كانت أمك أم الكتاب ما كان بينكما من المصارمة هذا كله هجاؤه ليزيد بن مزيد نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى حدثني علي بن مهدي قال حدثني سعيد بن عبيد الخزاعي قال ورد بشار بغداد فقصد يزيد بن مزيد وسأله أن يذكره للمهدي فسوفه أشهرا ثم ورد روح بن حاتم فبلغه خبر بشار فذكره للمهدي من غير أن يلقاه وأمر بإحضاره فدخل إلى المهدي وأنشده شعرا مدحه به فوصله بعشرة آلاف درهم ووهب له عبدا وقينة وكساه كسا كثيرة وكان يحضر قيسا مرة فقال بشار يهجو يزيد بن مزيد ( ولمّا التقينا بالجُنَينَةِ غَرَّني ... بمعروفه حتى خرجتُ أفُوقُ ) غرني أوجرني كما يغر الصبي أي يوجر اللبن ( حَبَانِي بعبدٍ قَعْسَرِيٍّ وقَيْنَةٍ ... ووَشْيٍ وآلافٍ لهنَّ بَرِيقُ ) ( فَقُل ليزيدٍ يَلعصُ الشهدَ خالياً ... لنا دونه عند الخليفة سُوقُ ) ( رَقدت فنَمْ يابنَ الخبيثةِ إنها ... مكارِمُ لا يَسْتطِيعُهُنَّ لَصِيقُ ) ( أبَى لكَ عِرْقٌ من فلانةَ أن تُرى ... جواداً ورأسٌ حين شِبْتَ حَلِيقُ ) أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال كان بشار كتب إلى إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بقصيدة يمدحه بها ويحرضه ويشير عليه فلم تصل إليه حتى قتل وخاف بشار أن تشتهر فقلبها وجعل التحريض فيها على أبي مسلم والمدح والمشورة لأبي جعفر المنصور فقال ( أبا مُسلمٍ ما طِيبُ عَيشٍ بدائمِ ... ولا سالمٌ عما قليلٍ بسالمِ ) وإنما كان قال أبا جعفر ما طيب عيش فغيره وقال فيها ( إذا بلغ الرأيُ النصيحةَ فاستَعِنْ ... بعَزْمِ نَصيحٍ أو بتأييدِ حازمِ ) ( ولا تَجعَلِ الشُّورَى عليك غضاضةً ... مكانُ الحوافي نافعٌ للقوادمِ ) ( وخَلّ الهُوينَى للضعيف ولا تكن ... نَؤُوماً فإِنّ الحزمَ ليس بنائمِ ) ( وما خيرُ كَفٍّ أمسكَ الغُلُّ أختَها ... وما خيرُ سيفٍ لم يُؤيَّدْ بقائمِ ) ( وحارِبْ إذا لم تُعطَ إلا ظُلاَمةً ... شَبَا الحربِ خيرٌ منِ قَبول المظالِم ) ( وأَدْنِ على القُرْبَى المقرِّبَ نَفسَه ... ولا تُشْهِد الشّورَى امرأً غيرَ كاتِم ) ( فإِنّكَ لا تَسْتَطْرِدُ الهمَّ بالمُنَى ... ولا تَبلُغُ العَلْيَا بغير المكارِمِ ) ( إذا كنتَ فرداً هَرَّكَ القومُ مُقبلاً ... وإِن كنت أدنى لم تَفُزْ بالعَزَائِمِ ) ( وما قَرَعَ الأقوامَ مِثلُ مُشيَّع ... أريبٍ ولا جَلَّى العَمَى مثلُ عالِم ) قال الأصمعي فقلت لبشار إني رأيت رجال الرأي يتعجبون من أبياتك في المشورة فقال أما علمت أن المشاور من إحدى الحسنين بين صواب يفوز بثمرته أو خطأ يشارك في مكروهه فقلت أنت والله أشعر في هذا الكلام منك في الشعر أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني علي بن الصباح عن بعض الكوفيين قال مررت ببشار وهو متبطح في دهليزه كأنه جاموس فقلت له يا أبا معاذ من القائل ( في حُلّتِي جسمُ فتىً ناحلٍ ... لو هَبّتِ الريحُ به طاحا ) قال أنا قلت فما حملك على هذا الكذب والله إني لأرى أن لو بعث الله الرياح التي أهلك بها الأمم الخالية ما حركتك من موضعك فقال بشار من أين أنت قلت من أهل الكوفة فقال يا أهل الكوفة لا تدعون ثقلكم ومقتكم على كل حال نسخت من كتاب هارون بن علي قال حدثني عافية بن شبيب قال قدم كردي بن عامر المسمعي من مكة فلم يهد لبشار شيئا وكان صديقه فكتب إليه ( ما أنت يا كرديّ بالهَشِّ ... ولا أُبَرِّيك من الغِشِّ ) ( لم تُهْدِنا نعلاً ولا خاتَماً ... من أين أقبلتَ من الحشّ ) فأهدى إليه هدية حسنة وجاءه فقال عجلت يا أبا معاذ علينا فأنشدك الله ألا تزيد شيئا على ما مضى ونسخت من كتابه عن عافية بن شبيب أيضا قال حدثني صديق لي قال قلت لبشار كنا أمس في عرس فكان أول صوت غنى به المغني ( هَوَى صاحبي ريحُ الشَّمالِ إذا جرتْ ... وأشْفَى لنفسي أن تَهُبَّ جَنُوبُ ) ( وما ذاك إلا أنها حين تنتهي ... تَنَاهَى وفيها من عُبَيدة طِيبُ ) فطرب وقال هذا والله أحسن من فلج يوم القيامة أخبرنا يحيى بن علي قال حدثنا أبي عن عافية بن شبيب عن أبي جعفر الأسدي قال مدح بشار المهدي فلم يعطه شيئا فقيل له لم يستجد شعرك فقال والله لقد قلت شعرا لو قيل في الدهر لم يخش صرفه على أحد ولكنا نكذب في القول فنكذب في الأمل هجاء روح بن حاتم أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني يحيى بن خليفة الدارمي عن نصر بن عبد الرحمن العجلي قال هجا بشار روح بن حاتم فبلغه ذلك فقذفه وتهدده فلما بلغ ذلك بشارا قال فيه ( تَهَدّدني أبو خلفٍ ... وعن أوتاره ناما ) ( بسيفٍ لأبي صُفْرَةَ ... لا يَقْطَع إبهاما ) ( كأنّ الوَرْسَ يَعْلُوهُ ... إذا ما صدرهُ قاما ) قال ابن أبي سعد ومن الناس من يروي هذين البيتين لعمرو الظالمي قال فبلغ ذلك روحا فقال كل مالي صدقة إن وقعت عيني عليه لأضربنه ضربة بالسيف ولو أنه بين يدي الخليفة فبلغ ذلك بشارا فقام من فوره حتى دخل على المهدي فقال له ما جاء بك في هذا الوقت فأخبره بقصة روح وعاذ به منه فقال يا نصير وجه إلى روح من يحضره الساعة فأرسل إليه في الهاجرة وكان ينزل المخرم فظن هو وأهله أنه دعي لولاية قال يا روح إني بعثت إليك في حاجة فقال له أنا عبدك يا أمير المؤمنين فقل ما شئت سوى بشار فإني حلفت في أمره بيمين غموس قال قد علمت وإياه أردت قال له فاحتل ليميني يا أمير المؤمنين فأحضر القضاة والفقهاء فاتفقوا على أن يضربه ضربة على جسمه بعرض السيف وكان بشار وراء الخيش فأخرج وأقعد واستل روح سيفه فضربه ضربة بعرضه فقال أوه باسم الله فضحك المهدي وقال له ويلك هذا وإنما ضربك بعرضه وكيف لو ضربك بحده مدح سليمان بن هشام أخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو عبيدة قال مدح بشار سليمان بن هشام بن عبد الملك وكان مقيما بحران وخرج إليه فأنشده قوله فيه ( نأتْكَ على طُول التجاوُرِ زينبُ ... وما شَعَرتْ أن النَّوَى سوف تَشعَبُ ) ( يرى الناسُ ما تَلْقَى بزينبَ إذ نأتْ ... عجيباً وما تُخْفِي بزينبَ أعجبُ ) ( وقائلةٍ لي حين جَدّ رحيلُنا ... وأجفانُ عينيها تجودُ وتسكُبُ ) ( أَغادٍ إلى حَرّانَ في غيرِ شيعة ... وذلك شأوٌ عن هَوَاها مُغَرّبُ ) ( فقلتُ لها كَلّفتني طَلَبَ الغِنَى ... وليس ورَاءَ ابنِ الخليفةِ مذهبُ ) ( سيكفي فتىً من سعيه حَدُّ سيفِه ... وكُورٌ عِلافِيٌّ ووجناء ذِعْلبُ ) ( إذا استوغرتْ دارٌ عليه رَمَى بها ... بناتِ الصُّوَى منها رَكوبٌ ومُصْعَبُ ) ( فعُدّي إلى يوم ارتحلتُ وسائلي ... بزَوْرك والرَّحَّال من جاء يضربُ ) ( لعلكِ أن تستيقني أن زَوْرتي ... سليمانَ من سير الهواجر تُعقِبُ ) ( أَغَرُّ هِشاميُّ القَنَاةِ إذا انتَمى ... نَمَتْه بدورٌ ليس فيهنَّ كوكبُ ) ( وما قصدت يوماً مخيلين خَيلُه ... فتُصْرَفُ إلاّ عن دِماءٍ تَصَبّبُ ) فوصله سليمان بخمسة آلاف درهم وكان يبخل فلم يرضها وانصرف عنه مغضبا فقال ( إن أُمْسِ مُنْقبِضَ اليدين عن النَّدَى ... وعن العدوّ مُخَيَّسَ الشيطانِ ) ( فلقد أروحُ عن اللئام مُسَلَّطاً ... ثَلِجَ المَقِيلَ مُنَعَّمِ النَّدْمَانِ ) ( في ظِلِّ عيشِ عشيرةٍ محمودةٍ ... تَنْدَى يدي ويُخافُ فَرْطُ لساني ) ( أزْمَانَ جِنِّيُّ الشباب مُطَاوعٌ ... وإِذ الأميرُ عليّ من حَرّانِ ) ( رِيمٌ بأحْوِيةِ العراق إذا بَدَا ... برَقَتْ عليه أكِلَّةُ المَرْجانِ ) ( فاكحَلْ بعَبْدَة مُقْلَتيْكَ من القَذَى ... وبِوَشْكِ رُؤْيتها من الهَمَلانِ ) ( فَلقُرْبُ مَنْ تهوَى وأنتَ متيّمٌ ... أَشْفَى لدائكَ من بني مَرْوانِ ) فلما رجع إلى العراق بره ابن هبيرة ووصله وكان يعظم بشارا ويقدمه لمدحه قيسا وافتخاره بهم فلما جاءت دولة أهل خراسان عظم شأنه المهدي ينهاه عن التشبيب أخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن الحجاج قال قدم بشار الأعمى على المهدي بالرصافة فدخل عليه في البستان فأنشده مديحا فيه تشبيب حسن فنهاه عن التشبيب لغيرة شديدة كانت فيه فأنشده مديحا فيه يقول فيه ( كأنما جئتُه أُبشِّرهُ ... ولم أجِىء راغِباً ومُحتَلِبَا ) ( يُزَيِّنُ المِنبرَ الأشمَّ بعِطْفِيه ... ِ وأقواله إذا خَطَبَا ) ( تُشَمُّ نَعْلاه في النَّدِيّ كما ... يُشَمُّ ماءُ الرّيحانِ مُنتَهبا ) فأعطاه خمسة آلاف درهم وكساه وحمله على بغل وجعل له وفادة في كل سنة ونهاه عن التشبيب البتة فقدم عليها في السنة الثالثة فدخل عليه فأنشده ( تَجَالَلْتُ عن فِهْرٍ وعن جارَتي فِهر ... وودَّعتُ نُعْمَى بالسّلام وبالبِشْرِ ) ( وقالتْ سُليمَى فيكَ عنّا جَلاّدَةٌ ... مَحلُّكَ دَانٍ والزيارَةُ عن عُفْرِ ) ( أخي في الهوى مالي أراكَ جَفَوْتَنا ... وقد كنتَ تقفُونا على العُسْرِ واليُسرِ ) ( تثاقلتُ إلا عن يدٍ أستفِيدها ... وزَوْرَةِ أمُلاكٍ أَشُدُّ بها أَزْرِي ) ( وأخرجني من وِزْرِ خمسينَ حجّةً ... فَتىً هاشميٌّ يَقْشَعِر من الوِزْرِ ) ( دَفنتُ الهوى حَيّاً فلسْتُ بزائرٍ ... سُلَيمَى ولا صفراءَ ما قَرْقَر القُمْري ) ( ومُصْفَرَّة بالزعفرانِ جلودُها ... إذا اجتُليتْ مثلَ المُفَرطَحَةِ الصُّفْرِ ) ( فرُبَّ ثَقَالِ الرَّدفِ هَبَّتْ تلُومنِي ... ولو شَهِدَتْ قبري لصَلَّتْ على قبري ) ( تَركتُ لِمَهْديّ الأنام وِصَالَها ... وراعيتُ عهداً بيننا ليس بالختر ) ( ولولا أميرُ المؤمنين محمدٌ ... لقبَّلتُ فاها أو لكانَ بها فِطْرِي ) ( لَعَمْري لقد أوقَرتُ نفسي خطيئةً ... فما أنا بالمُزْدَادِ وِقْراً على وِقْرِ ) في قصيدة طويلة امتدحه بها فأعطاه ما كان يعطيه قبل ذلك ولم يزده شيئا تمثل بقول جرير في رثائه لابنه أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل العتكي عن محمد بن سلام عن بعض أصحابه قال حضرنا جنازة ابن لبشار توفي فجزع عليه جزعا شديدا وجعلنا نعزيه ونسليه فما يغني ذلك شيئا ثم التفت إلينا وقال لله در جرير حيث يقول وقد عزي بسوادة ابنه ( قالوا نَصِيبَكَ من أجرٍ فقلتُ لهم ... كيف العَزَاءُ وقد فارقتُ أشبالي ) ( ودَّعْتَنِي حين كفَّ الدَّهرُ من بَصري ... وحين صِرتُ كعَظمِ الرِّمّةِ البَالِي ) ( أوَدى سَوَادةُ يَجْلُو مُقلَتي لحمٍ ... بازٍ يُصَرصِرُ فوقَ المِربأ العالي ) ( إلاّ تكُنْ لكَ بالدَّيْرين نائحةٌ ... فرُبَّ نائحةٍ بالرّمل مِعْوَالِ ) أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني خلاد الأرقط قال لما أنشد المهدي قول بشار ( لا يُؤْيسَنَّكَ من مُخبَّأةٍ ... قولٌ تُغَلِّظُهُ وإِن جَرَحَا ) ( عُسْرُ النساءِ إلى مُياسَرَةٍ ... والصَّعبُ يُمكِنُ بعد ما جَمَحَا ) فنهاه المهدي عن قوله مثل هذا ثم حضر مجلسا لصديق له يقال له عمرو بن سمان فقال له أنشدنا يا أبا معاذ شيئا من غزلك فأنشأ يقول ( وقائلٍ هاتِ شَوِّقْنَا فقلتُ له ... أنائمٌ أنتَ يا عمرو بنَ سَمّانِ ) ( أما سَمِعتَ بما قد شاع في مُضَرٍ ... وفي الحليفتينِ من نَجْرٍ وقَحطانِ ) ( قال الخليفةُ لا تَنْسُبْ بجارِيةٍ ... إيّاكَ إياكَ أن تَشْقَى بِعصيانِ ) أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا سليمان بن أيوب المدائني قال قال مروان بن أبي حفصة قدمت البصرة فأنشدت بشارا قصيدة لي واستنصحته فيها فقال لي ما أجودها تقدم بغداد فتعطى عليها عشرة آلاف درهم فجزعت من ذلك وقلت قتلتني فقال هو ما أقول لك وقدمت بغداد فأعطيت عليها عشرة آلاف درهم ثم قدمت عليه قدمة أخرى فأنشدته قصيدتي ( طَرَقَتْكَ زائرةً فحيّ خيالها ... ) فقال تعطى عليها مائة ألف درهم فقدمت فأعطيت مائة ألف درهم فعدت إلى البصرة فأخبرته بحالي في المرتين وقلت له ما رأيت أعجب من حدسك فقال يا بني أما علمت أنه لم يبق أحد أعلم بالغيب من عمك أخبرنا بهذا الخبر محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا يزيد بن محمد المهلبي عن محمد بن عبد الله بن أبي عيينة عن مروان أنه قدم على بشار فأنشده قوله ( طرقتكَ زائرةً فحيِّ خيالَها ... ) فقال له يعطونك عليها عشرة آلاف درهم ثم قدم فيه فأنشده قوله ( أنَّى يكونُ وليس ذاك بكائنٍ ... لبني البناتِ وِرَاثَةُ الأعمامِ ) فقال يعطونك عليها مائة ألف درهم وذكر باقي الخبر مثل الذي قبله أخبرني عيسى قال حدثنا سليمان قال قال بعض أصحاب بشار كنا نكون عنده فإذا حضرت الصلاة قمنا إليها ونجعل على ثيابه ترابا حتى ننظر هل يقوم يصلي فنعود والتراب مجاله وما صلى أخبرني عيسى قال حدثنا سليمان قال قال أبو عمرو بعث المهدي إلى بشار فقال له قل في الحب شعرا ولا تطل واجعل الحب قاضيا بين المحبين ولا تسم أحدا فقال ( اجعل الحبَّ بين حِبّي وبيني ... قاضِياً إنّني به اليومَ رَاضِي ) ( فاجتمعنَا فقلتُ يا حِبَّ نفسي ... إنّ عَينِي قليلةُ الإِغماضِ ) ( أنتَ عذَّبتَني وانحلتَ جسمِي ... فارحمِ اليومَ دائمَ الأمراضِ ) ( قال لي لا يَحِلّ حُكمِي عليها ... أنتَ أولى بالسُّقْمِ والإِحراضِ ) ( قلتُ لمّا أجابني بهواها ... شَمِلَ الجورُ في الهَوى كلَّ قاضِي ) فبعث إليه المهدي حكمت علينا ووافقنا ذلك فأمر له بألف دينار أخبرني عيسى قال حدثني سليمان المدني قال حدثني الفضل بن إسحاق الهاشمي قال أنشد بشار قوله ( يُرَوِّعُهُ السِّوارُ بكلّ أرضٍ ... مخافةَ أن يكونَ به السّرارُ ) فقال له رجل أظنك أخذت هذا من قول أشعب ما رأيت اثنين يتساران إلا ظننت أنهما يأمران لي بشيء فقال إن كنت أخذت هذا من قول أشعب فإنك أخذت ثقل الروح والمقت من الناس جميعا فانفردت به دونهم ثم قام فدخل وتركنا وأخذ أبو نواس هذا المعنى بعينه من بشار فقال فيه ( ترَكتْنَي الوُشاةُ نُصْبَ المُسِرِّين ... َ وأُحدوثَهً بكلّ مَكَان ) ( ما أرى خاليَيْنِ في السرّ إلاّ ... قلتُ ما يخلوانِ إلا لِشَانِي ) أخبرني عمي قال حدثني سليمان قال قال لي أبو عدنان حدثني سعيد جليس كان لأبي زيد قال أتاني أعشى سليم وأبو حنش فقالا لي انطلق معنا إلى بشار فتسأله أن ينشدك شيئا من هجائه في حماد عجرد أو في عمرو الظالمي فإنه إن عرفنا لم ينشدنا فمضيت معهما حتى دخلت على بشار فاستنشدته فأنشد قصيدة له على الدال فجعل يخرج من واد في الهجاء إلى واد آخر يستمعان وبشار لا يعرفهما فلما خرجا قال أحدهما للآخر أما تعجب مما جاء به هذا الأعمى فقال أبو حنش أما أنا فلا أعرض والله والدي له أبدا وكانا قد جاءا يزورانه وأحسبهما أرادا أن يتعرضا لمهاجائه مدحه لواصل بن عطاء أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي عن الجاحظ قال كان بشار صديقا لأبي حذيفة واصل بن عطاء قبل أن يدين بالرجعة ويكفر الأمة وكان قد مدح واصلا وذكر خطبته التي خطبها فنزع منها كلها الراء وكانت على البديهة وهي أطول من خطبتي خالد بن صفوان وشبيب بن شيبة فقال ( تكلَّفُوا القولَ والأقوامُ قد حَفَلُوا ... وحَبَّرُوا خُطَباً ناهيكَ من خُطَبِ ) ( فقام مُرتِجِلاً تَغْلِي بَداهَتُهُ ... كَمِرْجَلِ القَيْنِ لمّا حُفَّ بِاللَّهَبِ ) ( وجانَبَ الراءِ لم يَشْعُرْ به أحدٌ ... قبل التصَفُّح والإِغراقِ في الطلبِ ) قال فلما دان بالرجعة زعم أن الناس كلهم كفروا بعد رسول الله فقيل له وعلي بن أبي طالب فقال ( وما شَرُّ الثلاثةِ أمّ عمرو ... بصاحبِك الذي لا تَصْبَحِينا ) أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا عيسى بن إسماعيل تينة قال قال لي محمد بن الحجاج قال بشار ما كان الكميت شاعرا فقيل له وكيف وهو الذي يقول ( أَنِصْفُ امْرِىءٍ من نصف حيٍّ يسُبُّنِي ... لَعَمْري لقد لاقيتُ خَطْباً من الخَطْبِ ) ( هنيئاً لكَلبٍ أنَّ كلباً يسُبُّنِي ... وأنِّيَ لم أَردُدْ جواباً على كَلْبِ ) فقال بشار لا بل شانئك أترى رجلا لو ضرط ثلاثين سنة لم يستحل من ضرطه ضرطة واحدة نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى حدثني علي بن مهدي قال حدثني حجاج المعلم قال سمعت سفيان بن عيينة يقول عهدي بأصحاب الحديث وهم أحسن الناس أدبا ثم صاروا الآن أسوأ الناس أدبا وصبرنا عليهم حتى أشبهناهم فصرنا كما قال الشاعر ( وما أنا إلا كالزمان إذا صحَا ... صَحوتُ وإِن ماقَ الزمانُ أمُوقُ ) أخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن الحجاج قال كنا مع بشار فأتاه رجل فسأله عن منزل رجل ذكره له فجعل يفهمه ولا يفهم فأخذ بيده وقام يقوده إلى منزل الرجل وهو يقول ( أعمى يقودُ بصيراً لا أبَالكُم ... قد ضَلَّ مَنْ كانتِ العُمْيانُ تَهديِهِ ) حتى صار به إلى منزل الرجل ثم قال له هذا هو منزله يا أعمى أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال زعم أبو دعامة أن عطاء الملط أخبره أنه أتى بشارا فقال له يا أبا معاذ أنشدك شعرا حسنا فقال ما أسرني بذلك فأنشده ( أَعَاذِلتيَّ اليومَ ويلَكُمَا مَهْلاَ ... فما جَزعاً مِ الآنَ أبكي ولا جَهْلاَ ) فلما فرغ منها قال له بشار أحسنت ثم أنشده على رويها ووزنها ( لقد كادَ من أُخْفِي من الوَجدِ والهَوى ... يكون جَوًى بين الجوانِج أو خَبْلاَ ) صوت ( إذا قال مهلاً ذو القرابة زادَنِي ... وَلُوعاً بذكراها ووجْداً بها مَهْلاَ ) ( فلا يَحسَبِ البِيضُ الأوانسُ أنّ في ... فؤادي سوى سُعْدَى لِغانيةٍ فَضْلاَ ) ( فَأُقْسِمُ إن كان الهوى غيرَ بالغ ... بِي القتلَ من سُعدَى لقد جاوزَ القتلاَ ) ( فيا صاحِ خَبِّرنِي الذي أنت صانعٌ ... بقاتِلَتي ظُلْماً وما طَلَبَتْ ذَحْلاَ ) ( سِوَى أنّني في الحبّ بيني وبينها ... شَدَدْتُ على أكظامِ سِرٍّ لها قُفْلاَ ) وذكر أحمد بن المكي أن لإسحاق في هذه الأبيات ثقيلا أول بالوسطى فاستحسنت القصيدة وقلت يا أبا معاذ قد والله أجدت وبالغت فلو تفضلت بأن تعيدها فأعادها على خلاف ما أنشدنيها في المرة الأولى فتوهمت أنه قالها في تلك الساعة أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أحمد بن خلاد قال حدثني أبي قال كنت أكلم بشارا وأرد عليه سوء مذهبه بميله إلى الإلحاد فكان يقول لا أعرف إلا ما عاينته أو عاينت مثله وكان الكلام يطول بيننا فقال لي ما أظن الأمر يا أبا خالد إلا كما تقول وأن الذي نحن فيه خذلان ولذلك أقول ( طُبِوعْتُ على ما فيّ غيرَ مُخَيَّرٍ ... هَوايَ ولو خُيِّرتُ كنتُ المهذَّبا ) ( أُريدُ فلا أُعْطَى وأُعطَى ولم أرِدْ ... وقَصَّر عِلْمي أنْ أنالَ المغَيَّبَا ) ( فَأُصرَفُ عن قَصْدِي وعلمي مُقَصِّرٌ ... وأمْسِي وما أُعْقِبْتُ إلا التعجُّبَا ) خبره مع فتى من بني منقر أهدى إليه أضحية أخبرني الحسن بن علي قال حدثني ابن مهرويه قال حدثني أحمد بن خلاد ابن المبارك قال حدثني أبي قال كان بالبصرة فتى من بني منقر أمه عجلية وكان يبعث إلى بشار في كل أضحية بأضحية من الأضاحي التي كان أهل البصرة يسمنونها سنة وأكثر للأضاحي ثم تباع الأضحية بعشرة دنانير ويبعث معها بألف درهم قال فأمر وكيله في بعض السنين أن يجريه على رسمه فاشترى له نعجة كبيرة غير سمينة وسرق باقي الثمن وكانت نعجة عبدلية من نعاج عبد الله بن دارم وهو نتاج مرذول فلما أدخلت عليه قالت له جاريته ربابة ليست هذه الشاة من الغنم التي كان يبعث بها إليك فقال أدنيها مني فأدنتها ولمسها بيده ثم قال اكتب يا غلام ( وهبتَ لنا يا فتَى مِنقَرٍ ... وعِجْلٍ وأكْرَمَهمْ أوّلاَ ) ( وأبسَطَهم راحةً في النَّدَى ... وأرفعَهم ذِرْوَةً في العُلا ) ( عجوزاً قَد اوْردَها عمرُها ... وأسكنَها الدهرُ دارَ البِلى ) ( سَلُوحاً توهّمتُ أن الرِّعاءَ ... سَقَوْها ليُسهِلَها الحنظَلاَ ) ( وأَضرَطَ من أُمّ مُبتَاعها ... إن اقتحَمَتْ بُكرةً حَرْمَلاَ ) ( فلو تأكلُ الزُّبدَ بالنِّرسيَان ... وتَدَّمِجُ المِسكَ والمَنْدَلاَ ) ( لَمَا طَيَبَ الله أرواحَها ... ولا بلّ من عَظْمها الأقْحَلا ) ( وضعتُ يميني على ظهرها ... فخِلْتُ حَرَاقِفَها جَنْدلاَ ) ( وأهوتْ شِمالي لعُرْقوبها ... فخلتُ عَرَاقِبَها مِغْزَلاَ ) ( وقَلّبتُ أَلْيَتَها بعد ذا ... فشَبَّهتُ عُصْعُصَها مِنْجَلاَ ) ( فقلتُ أبيع فلا مشرباً ... أُرَجِّي لديها ولا مَأكَلاَ ) ( أمَ اشوِي وأطبُخُ من لحمها ... وأطْيَبُ من ذاك مَضْغُ السَّلَى ) ( إذا ما أُمِرَّتْ على مجلسٍ ... من العُجْبِ سَبّحَ أو هَلّلا ) ( رأوْا آيةً خَلْفَها سائقٌ ... يَحُثّ وإِن هَرْولتْ هَرْولا ) ( وكنتَ أمرتَ بها ضَخْمةً ... بلحمٍ وشحمٍ قد استُكْمِلا ) ( ولكنّ رَوحاً عَدَا طورَه ... وما كنتُ أحسَبُ أن يفعلا ) ( فعَضّ الذي خانَ في أمرها ... مِن اسْتِ امّه بَظْرَها الأغْرلاَ ) ( ولولا مكانُك قَلّدته ... عِلاَطاً وأنشقتُه الخَرْدلا ) ( ولولا استِحَائِيكَ خَضبَتُها ... وعَلّقت في جِيدها جُلْجُلا ) ( فجاءتْكَ حتى ترى حالَها ... فتعلَمَ أنِّي بها مُبْتَلَى ) ( سألتُك لحماً لصِبْياننا ... فقد زِدْتَني فيهمُ عَيِّلا ) ( فخُذْها وأنت بنا مُحسِنٌ ... وما زلتَ بي مُحسِناً مُجْمِلاَ ) قال وبعث بالرقعة إلى الرجل فدعا بوكيله وقال له ويلك تعلم أني أفتدي من بشار بما أعطيه وتوقعني في لسانه إذهب فاشتر أضحية وإن قدرت أن تكون مثل الفيل فافعل وابلغ بها ما بلغت وابعث بها إليه أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي قال حدثني عمي قال أخبرنا أبو عمرو بن العلاء قال رأيت بشارا المرعث يرثي بنية له وهو يقول ( يا بنتَ من لم يكُ يَهْوَى بنتا ... ما كنتِ إلا خمسةً أو ستاً ) ( حتّى حلَلتِ في الحَشَى وحتّى ... فَتَّتِّ قلبي من جوىً فانفَتّا ) ( لأَنتِ خيرٌ من غلامٍ بتّا ... يُصبِحُ سكرانَ ويُمْسِي بَهْتَا ) أخبرني وكيع قال حدثني أبو أيوب المديني قال كان نافع بن عقبة بن سلم جوادا ممدحا وكان بشار منقطعا إلى أبيه فلما مات أبوه وفد إليه وقد ولي أبيه فمدحه بقوله ( ولنافعٍ فضلٌ على أكفائه ... إن الكريمَ أحقُّ بالتفضيلِ ) ( يا نافعَ الشِّبْراتِ حين تناوحتْ ... هُوجُ الرياحِ وأَعْقِبْتُ بُوبُولِ ) ( أشبهتَ عُقْبةَ غيرَ ما مُتَشبِّهٍ ... ونشأتَ في حلمٍ وحسنِ قبُول ) ( وولِيتَ فينا أشهراً فكفيتَنَا ... عَنَتَ المُريبِ وسَلّة التّضليلِ ) ( تُدْعَى هِلاَلاً في الزمان ونافعاً ... والسَّلمُ نِعْم أُبُوَّةُ المأمولِ ) فأعطاه مثل ما كان أبوه يعطيه في كل سنة إذا وفد عليه خبر المهدي مع جارية تغتسل وشعر بشار في ذلك أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني إبراهيم بن عقبة الرفاعي قال حدثني إسحاق بن إبراهيم التمار البصري قال دخل المهدي إلى بعض حجر الحرم فنظر إلى جارية منهن تغتسل فلما رأته حصرت ووضعت يدها على فرجها فأنشأ يقول ( نظرتْ عيني لحَينِي ... ) ثم أرتج عليه فقال من بالباب من الشعراء قالوا بشار فأذن له فدخل فقال له أجز ( نظرتْ عيني لحيني ... ) فقال بشار ( نظرتْ عيني لحَيْنِي ... نَظَراً وافَقَ شَيْنِي ) ( سَتَرتْ لمّا رأتني ... دونَه بالراحَتينِ ) ( فَضلتْ منه فُضُولٌ ... تحت طَيِّ العُكْنَتين ) فقال له المهدي قبحك الله ويحك أكنت ثالثنا ثم ماذا فقال ( فتمنّيتُ وقلبي ... للهوى في زَفْرتَينِ ) ( أنّني كنتُ عليه ... ساعةً أو ساعَتينِ ) فضحك المهدي وأمر له بجائزة فقال يا أمير المؤمنين أقنعت من هذه الصفة بساعة أو ساعتين فقال اخرج عني قبحك الله فخرج بالجائزة شعر على لسان حمار له مات عشقا أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا أبو شبل عاصم بن وهب البرجمي قال حدثني محمد بن الحجاج قال جاءنا بشار يوما فقلنا له مالك مغتما فقال مات حماري فرأيته في النوم فقلت له لم مت ألم أكن أحسن إليك فقال ( سَيِّدي خُذْ بي أتَاناً ... عند باب الأصبهانِي ) ( تَيْمتني ببنانٍ ... وبَدلٍّ قد شَجَاني ) ( تَيّمتني يوم رُحنا ... بثناياها الحسان ) ( وبغُنْج ودَلال ... سَلّ جسمي وبَراني ) ( ولها خَدٌّ أسِيلٌ ... مثلُ خدّ الشيفرانِ ) ( فلذا متُّ ولو عِشْت ... ُ إذاً طال هوانِي ) فقلت له ما الشيفران قال ما يدريني هذا من غريب الحمار فإذا لقيته فاسأله أخبرني الحسن قال حدثني محمد بن القاسم قال حدثني علي بن إياس قال حدثني السري بن الصباح قال شهد بشار مجلسا فقال لا تصيروا مجلسنا هذا شعرا كله ولا حديثا كله ولا غناء كله فإن العيش فرض ولكن غنوا وتحدثوا وتناشدوا وتعالوا نتناهب بالعيش تناهبا أخبرني عمي قال حدثني الكراني عن ابن عائشة قال جاء بشار يوما إلى أبي وأنا على الباب فقال لي من أنت يا غلام فقلت من ساكني الدار قال فكلمني والله بلسان ذرب وشدق هريت أخبرني عمي قال حدثني الكراني عن أبي حاتم قال كان سهيل بن عمر القرشي يبعث إلى بشار في كل سنة بقواصر تمر ثم أبطأ عليه سنة فكتب إليه بشار ( تمركُم يا سُهَيلُ دُرٌّ وهل يُطْمَع ... ُ في الدرّ مِنْ يَدَيٍْ مُتَعتِّي ) ( فاحبُنِي يا سهيلُ من ذلك التمرِ ... نواةً تكون قُرْطاً لبنتِي ) فبعث إليه بالتمر وأضعفه له وكتب إليه يستعفيه من الزيادة في هذا الشعر ونسخت من كتاب هارون بن علي عن عافية بن شبيب عن الحسن بن صفوان قال جلس إلى بشار أصدقاء من أهل الكوفة كانوا على مثل مذهبه فسألوه أن ينشدهم شيئا مما أحدثه فأنشدهم قوله ( أنَّى دعاه الشّوقُ فارتاحا ... من بعد ما أصبح جَحجاحا ) حتى أتى على قوله ( في حُلَّتي جسمُ فتىً ناحلٍ ... لو هّبت الرّيح به طاحا ) فقالوا يابن الزانية أتقول هذا وأنت كأنك فيل عرضك أكثر من طولك فقال قوموا عني يا بني الزناء فإني مشغول القلب لست أنشط اليوم لمشاتمتكم ألح على امرأة فشكته إلى زوجها أخبرني يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه عن عافية بن شبيب قال كان لبشار مجلس يجلس فيه بالعشي يقال له البردان فدخل عليه نسوة في مجلسه هذا فسمعن شعره فعشق امرأة منهن وقال لغلامه عرفها محبتي لها واتبعها إذا إنصرفت إلى منزلها ففعل الغلام وأخبرها بما أمره فلم تجبه إلى ما أحب فتبعها إلى منزلها حتى عرفه فكان يتردد إليها حتى برمت به فشكته إلى زوجها فقال لها أجيبيه وعديه إلى أن يجيئك إلى هاهنا ففعلت وجاء بشار مع امرأة وجهت بها إليه فدخل وزوجها جالس وهو لا يعلم فجعل يحدثها ساعة وقال له ما اسمك بأبي أنت فقالت أمامة فقال ( أمامةُ قد وُصفتِ لنا بحسن ... وإِنّا لا نَراكِ فألمِسينا ) قال فأخذت يده فوضعتها على أير زوجها وقد أنعظ ففزع ووثب قائما وقال ( عليّ ألِيّةٌ ما دمتُ حيّا ... أَمَسُّكِ طائعاً إلا بعُودِ ) ( ولا أُهدي لقومٍ أنتِ فيهم ... سلامَ الله إلاّ من بعيدِ ) ( طلبتُ غنيمةً فوضعت كفّي ... على أير أشدَّ من الحديدِ ) ( فخيرٌ منكِ من لا خيرَ فيه ... وخيرٌ من زيارتكم قُعودي ) وقبض زوجها عليه وقال هممت بأن أفضحك فقال له كفاني فديتك ما فعلت بي ولست والله عائدا إليها أبدا فحسبك ما مضى وتركه وانصرف وقد روي مثل هذه الحكاية عن الأصمعي في قصة بشار هذه وهذا الخبر بعينه يحكى بإسناد أقوى من هذا الإسناد وأوضح عن أبي العباس الأعمى السائب بن فروخ وقد ذكرته في أخبار أبي العباس بإسناده بشار يرثي أصدقاءه الخمسة نسخت من كتاب هارون بن علي قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني حمدان الآبنوسي قال حدثنا أبو نواس قال كان لبشار خمسة ندماء فمات منهم أربعة وبقي واحد يقال له البراء فركب في زورق يريد عبور دجلة العوراء فغرق وكان المهدي قد نهى بشارا عن ذكر النساء والعشق فكان بشار يقول ما خير في الدنيا بعد الأصدقاء ثم رثى أصدقاءه بقوله ( يابنَ موسى ماذا يقول الإِمامُ ... في فتاة بالقلب منها أوامُ ) ( بِتُّ منْ حبّها أُوَقَّرُ بالكأس ... ويهفُو على فؤادي الهُيَامُ ) ( وَيْحَها كاعباً تُدِلّ بجَهْمٍ ... كَعَثبيّ كأنّه حَمّامُ ) ( لم يكن بينها وبيني إلاّ ... كُتُبُ العاشقين والأحلامُ ) ( يابنَ موسى اسقني ودَع عنك سلمى ... إنّ سلمى حِمىً وفيّ احتشامُ ) ( رُبّ كأسٍ كالسَّلسبيل تعلّلتُ ... بها والعيون عنّي نيامُ ) ( حُبستْ للشُّراة في بَيت رأس ... عُتّقتْ عانساً عليها الخِتامُ ) ( نَفحتْ نَفحةً فهزّت نديمي ... بنسيمٍ وانشقّ عنها الزّكامُ ) ( وكأنّ المعلولَ منها إذا راح ... شَجٍ في لسانه بِرْسامٌ ) ( صدّمْته الشَّمولُ حتَى بعينيه ... انكسارٌ وفي المفاصل خَامُ ) ( وهو باقِي الأطراف حَيّت به الكأس ... وماتت أوصالُه والكَلامُ ) ( وفتىً يشربُ المدامةَ بالمال ... ويمشي يروم ما لا يُرامُ ) ( أنفدتْ كأسُه الدنانيرَ حتّى ... ذهب العينُ واستمرّ السَّوَامُ ) ( تركتْه الصَّهباء يرنو بعين ... نام إنسانُها وليست تَنامُ ) ( جُنّ من شَربة تُعَلّ بأخرى ... وبكَى حين سار فيه المُدامُ ) ( كان لي صاحباً فأودَى به الدّهر ... وفارقتُه عليه السَّلامُ ) ( بَقِيَ الناس بعدَ هُلْك نَدامايَ ... وقوعاً لم يشعروا ما الكلامُ ) ( كجَزور الأيسار لا كَبدٌ فيها ... لباغٍ ولا عليها سَنامُ ) ( يابنَ موسى فَقْدُ الحبيب على العين ... َ قَذاةٌ وفي الفؤاد سقَامُ ) ( كيف يصفو ليَ النعيم وحيداً ... والأخلاّء في المقابر هام ) ( نَفِسَتْهم علي أمُّ المنايا ... فأنامَتْهُم بعنُفٍ فناموا ) ( لا يَغيض انسجامُ عيني عنهم ... إنّما غاية الحزين السِّجامُ ) أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي أن بشارا وفد إلى عمر بن هبيرة وقد مدحه بقوله ( يخاف المنايا أن ترحّلت صاحبي ... كأنّ المنايا في المُقام تُناسِبُهْ ) ( فقلتُ له إنّ العراق مقامه ... وخيم إذا هبّت عليك جنائُبهْ ) ( لألقى بني عَيلان إنّ فعالهم ... تزيد على كلّ الفَعال مَراتُبهْ ) ( أولاك الأُلى شقّوا العمَى بسيوفهم ... عن العين حتّى أبصر الحقَّ طالبُهْ ) ( وجيشٍ كجُنح الليل يزحَف بالحصا ... وبالشوك والخَطِّيِّ حُمراً ثَعَالِبُهْ ) ( غَدَونا له والشّمسُ في خِدر أُمّها ... تُطالعنا والطَّلُّ لم يَجرِ ذائبُهْ ) ( بضَربٍ يذوق الموتَ من ذاق طعمَه ... وتُدْرِك من نجّى الفرارُ مَثَالبُهْ ) ( كأنّ مُثَارَ النّقع فوقَ رؤوسنا ... وأسيافَنا ليلٌ تَهَاوَى كوكبُهْ ) ( بعثنا لهم موتَ الفُجاءةِ إنّنا ... بنو الموت خفّاق علينا سَبائبُهْ ) ( فراحوا فريقٌ في الإِسار ومثلُه ... قتيلٌ ومثلٌ لاذ بالبحر هاربُهْ ) ( إذا الملك الجبّار صعر خدّه ... مَشيْنا إليه بالسُّيوف نعاتبُهْ ) فوصله بعشرة آلاف درهم فكانت أول عطية سنية أعطيها بشار ورفعت من ذكره وهذه القصيدة هي التي يقول فيها صوت ( إذا كنتَ في كلّ الأمور مُعاتبا ... صديقَك لم تلق الذي لا تعاتبُهْ ) ( فعِشْ واحداً أو صِلْ أخاك فإنه ... مُقارِفُ ذنبٍ مرّة ومجانبُهْ ) ( إذا أنت لم تشرَبْ مِراراً على القَذَى ... ظَمئتَ وأيّ النّاس تصفو مَشاربُهْ ) الغناء في هذه الأبيات لأبي العبيس بن حمدون خفيف ثقيل بالبنصر في مجراها أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال ذكر أبو أيوب المديني عن الأصمعي قال كان لبشار مجلس يجلس فيه يقال له البردان وكان النساء يحضرنه فبينما هو ذات يوم في مجلسه إذ سمع كلام امرأة في المجلس فعشقها فدعا غلامه فقال إذا تكلمت المرأة عرفتك فاعرفها فإذا انصرفت من المجلس فاتبعها وكلمها وأعلمها أني لها محب وقال فيها ( يا قومُ أُذني لبعض الحيّ عاشقة ... والأذن تعشَق قبل العين أحيانا ) ( قالوا بمن لا تَرى تَهذِي فقلتُ لهم ... الأذن كالعين تُوفي القلب ما كانا ) ( هل من دواءٍ لمشغوف بجارية ... يلقَى بلُقيانها رَوحا ورَيحانا ) وقال في مثل ذلك ( قالت عُقَيل بن كعب إذ تَعلّقها ... قلبي فأضحَى به من حبّها أثرُ ) ( أنَّى ولم ترها تَهذِي فقلتُ لهم ... إنّ الفؤاد يَرى ما لا يَرى البصرُ ) ( أصبحتُ كالحائم الحَيران مُجتنباً ... لم يقضِ وِرداً ولا يُرجَى له صَدَرُ ) قال يحيى بن علي وأنشدني أصحاب أحمد بن إبراهيم عنه لبشار في هذا المعنى وكان يستحسنه ( يُزهّدني في حبّ عَبدةَ مَعشرٌ ... قلوبُهُم فيها مخالفةٌ قلبي ) ( فقلت دَعوا قلبي وما اختار وارتضَى ... فبالقلب لا بالعين يُبصِر ذو الحبِّ ) ( فما تُبصر العينان في مَوضع الهوى ... ولا تَسمع الأذنان إلاَّ من القلبِ ) ( وما الحسنُ إلاّ كلُّ حسنٍ دعا الصّبا ... وألّف بين العشق والعاشِق الصَّبِّ ) قال أبو أحمد وقال في ذلك ( يا قلبُ مالي أراكَ لا تَقِرُ ... إيّاك أعنِي وعندَكَ الخبرُ ) ( أذعتَ بعدَ الألى مَضْوا حُرقاً ... أم ضاع ما استودعوك إذ بَكَروا ) قال أبو أحمد وقال في مثل ذلك ( إنّ سليمى واللهُ يكلؤها ... كالسُّكر تَزدادُه على السَّكَرِ ) ( بُلّغتُ عنها شَكلاً فأعجبني ... والسّمعُ يكفيك غَيبةَ البصرِ ) أخبرني محمد بن القاسم الأنباري قال حدثني أبي قال زعم أبو العالية أن بشارا قدم على المهدي فلما استأذن عليه قال له الربيع قد أذن لك وأمرك ألا تنشد شيئا من الغزل والتشبيب فادخل على ذلك فأنشده قوله ( يا مَنظَراً حَسَناً رأيتُهْ ... من وجه جارية فديتُهْ ) ( بعثتْ إليّ تَسومني ... بُردَ الشّباب وقد طوَيْتُهْ ) ( واللهِ ربِّ مُحمّد ... ما إن غَدرتُ ولا نَويتُهْ ) ( أمسكتُ عنك وربّما ... عَرض البلاء وما ابتغيتُهْ ) ( إنّ الخليفة قد أبَى ... وإِذا أبَى شيئاً أبيتُهْ ) ( ومُخضَّبٍ رَخص البَنان ... بَكى عليّ وما بكَيتُهْ ) ( ويُشوقني بيتُ الحبيب ... إذا ادّكرتُ وأينَ بيتُهْ ) ( قام الخليفة دونَه ... فصبرتُ عنه وما قلَيْتُه ) ( ونَهانِيَ الملك الهمام ... عن النَّسيب وما عصَيْتُهْ ) ( لا بل وفَيتُ فلم أُضِع ... عهداً ولا رأياً رأيتُهْ ) ( وأنا المُطلّ على العِدا ... وإِذا غلا علق شريتُه ) ( أُصفِي الخليلَ إذا دنا ... وإِذا نأى عنّي نأيتُهْ ) ثم أنشده ما مدحه به بلا تشبيه فحرمه ولم يعطه شيئا فقيل له إنه لم يستحسن شعرك فقال والله لقد مدحته بشعر لو مدح به الدهر لم يخش صرفه على أحد ولكنه كذب أملي لأني كذبت في قولي ثم قال في ذلك ( خليليَّ إنّ العسرَ سوف يُفيقُ ... وإِنّ يساراً في غدٍ لخليقُ ) ( وما كنتُ إلا كالزّمان إذا صحا ... صَحوتُ وإِن ماق الزّمان أموقُ ) ( أأدْماء لا أستطيع في قلّة الثّرى ... خُزُوزا وَوشيا والقليلُ مَحيقُ ) ( خُذي من يدي ما قلّ إنّ زماننا ... شَمُوسٌ ومعروف الرجال رقيقُ ) ( لقد كنتُ لا أرضَى بأدنى مَعيشة ... ولا يَشتكِي بُخلاً عليّ رفيقُ ) ( خليليّ إنّ المال ليس بنافع ... إذا لم يَنل منه أخٌ وصديقُ ) ( وكنتُ إذا ضاقت عليّ مَحَلَّةٌ ... تيمّمتُ أخرى ما عليّ تضيقُ ) ( وما خاب بينَ الله والناس عاملٌ ... له في التّقى أو في المحامد سُوقُ ) ( ولا ضاق فضلُ الله عن مُتعفّفٍ ... ولكنّ أخلاقَ الرجال تَضيقُ ) المهدي يتهدده إذا عاد إلى قول النسيب أخبرني حبيب بن نصر قال حدثني عمر بن شبة قال بلغ المهدي قول بشار ( قاسِ الهمومَ تنلْ بها نَجَحا ... والليلَ إنّ وراءه صُبُحا ) ( لا يُؤيسنك من مُخبّاةٍ ... قولٌ تُغلِّظه وإِن جَرَحا ) ( عُسر النّساء إلى مُياسرَةٍ ... والصّعبُ يُمكن بعد ما جَمَحا ) فلما قدم عليه استنشده هذا الشعر فأنشده إياه وكان المهدي غيورا فغضب وقال تلك أمك يا عاض كذا من أمه أتحض الناس على الفجور وتقذف المحصنات المخبات والله لئن قلت بعد هذا بيتا واحدا في نسيب لأتين على روحك فقال بشار في ذلك ( والله لولا رِضا الخليفة ما ... أعطيتُ ضَيما عليَّ في شَجنِ ) ( وربّما خِيرَ لابن آدمَ في الكُره ... وشقَّ الهوى على البدنِ ) ( فاشرَبْ على ابنة الزّمان فما ... تَلقى زمانا صفَا من الأُبَنِ ) ( الله يُعطيك من فواضله والمرء ... يُغضي عيناً على الكُمَنِ ) ( قد عشتُ بين الرَّيحان والراح والمزهر ... في ظلّ مَجلسٍ حسنِ ) ( وقد ملأتُ البلاد ما بين فُغْفُور ... الى القَيروان فاليمنِ ) قال عمر بن شبة فغفور ملك الصين ( شِعرا تُصلّي له العواتِقُ والثِّيبُ ... صلاةَ الغُواة للوثَنِ ) ( ثم نهاني المَهديّ فانصرفتْ ... نفسي صنيعَ الموفَّق اللّقنِ ) ( فالحمد لله لا شريكَ له ... ليس بباق شيءٌ على الزّمنِ ) ثم أنشده قصيدته التي أولها ( تجاللتُ عن فِهرٍ وعن جارتَيْ فهرِ ... ) ووصف بها تركه التشبيب ومدحه فقال ( تَسلّى عن الأحباب صَرّامُ خُلّة ... ووصّالُ أخرى ما يُقيم على أمرِ ) ( وركّاض أفراس الصّبابة والهوى ... جرت حِجَجاً ثم استقرّت فما تَجري ) ( فأصبحن ما يُركَبن إلاّ إلى الوغَى ... وأصبحتُ لا يُزْرى عليّ ولا أزرِي ) ( فهذا وإِنّي قد شَرَعْتُ مع التّقى ... وماتت همومي الطارقاتُ فما تسري ) ثم قال يصف السفينة ( وعذراء لا تجري بلحم ولا دمٍ ... قليلة شكوى الأيْن ملجَمة الدُّبْرِ ) ( إذا ظَعَنت فيها الفُلول تشخّصت ... بفُرسانها لا في وُعوث ولا وعرِ ) ( وإِن قصدت زلّت على مُتنصِّب ... ذليل القوى لا شيءَ يَفري كما تفري ) ( تُلاعب تَيّارَ البحور وربّما ... رأيتَ نفوس القوم من جَريها تجري ) قال وكان قال نينان البحور فعابه بذلك سيبويه فجعله تيار البحور ( إلى ملك من هاشم في نبوّة ... ومن حِميْر في الملك في العدد الدَّثرِ ) ( مِنَ المشترين الحمد تَندى من النّدى ... يداه ويندَى عارِضاه من العِطرِ ) ( فألزمتُ حبلي حبلَ من لا تُغبّه ... عُفاة الندى من حيثُ يَدري ولا يَدري ) ( بَنَى لك عبد الله بيتَ خلافة ... نزلتَ بها بين الفَراقد والنَّسرِ ) ( وعندك عهدٌ من وَصاة محمّد ... فَرعتَ به الأملاكَ من ولد النّضرِ ) فلم يحظ منه أيضا بشيء فهجاه فقال في قصيدته المهدي يأمر بقتله بعد أن هجاه ( خليفةٌ يزني بعمّاته ... يلعب بالدَّبُّوق والصّوْلجانْ ) ( أبدلنا الله به غيرَه ... ودسّ مُوسى في حِر الخَيْزُرانْ ) وأنشدها في حلقة يونس النحوي فسعي إلى يعقوب بن داود وكان بشار قد هجاه فقال ( بني أميّة هُبّوا طال نومُكُم ... إنّ الخليفة يعقوبُ بنُ داودِ ) ( ضاعتْ خلافتكم يا قوم فالتمسوا ... خليفةَ الله بينَ الزِّق والعودِ ) فدخل يعقوب على المهدي فقال له يا أمير المؤمنين إن هذا الأعمى الملحد الزنديق قد هجاك فقال بأي شيء فقال بما لا ينطق به لساني ولا يتوهمه فكري قال له بحياتي إلا أنشدتني فقال والله لو خيرتني بين إنشادي إياه وبين ضرب عنقي لاخترت ضرب عنقي فحلف عليه المهدي بالأيمان التي لا فسحة فيها أن يخبره فقال أما لفظا فلا ولكني أكتب ذلك فكتبه ودفعه إليه فكاد ينشق غيظا وعمد على الانحدار إلى البصرة للنظر في أمرها وما وكده غير بشار فانحدر فلما بلغ إلى البطيحة سمع أذانا في وقت ضحى النهار فقال انظروا ما هذا الأذان فإذا بشار يؤذن سكران فقال له يا زنديق يا عاض بظر أمه عجبت أن يكون هذا غيرك أتلهو بالأذان في غير وقت صلاة وأنت سكران ثم دعا بابن نهيك فأمره بضربه بالسوط فضربه بين يديه على صدر الحراقة سبعين سوطا أتلفه فيها فكان إذا أوجعه السوط يقول حس وهي كلمة تقولها العرب للشيء إذا أوجع فقال له بعضهم انظر إلى زندقته يا أمير المؤمنين يقول حس ولا يقول بسم الله فقال ويلك أطعام هو فأسمي الله عليه فقال له الآخر أفلا قلت الحمد لله قال أو نعمة هي حتى أحمد الله عليها فلما ضربه سبعين صوتا بان الموت فيه فألقي في سفينة حتى مات ثم رمي به في البطيحة فجاء بعض أهله فحملوه إلى البصرة فدفن بها أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال حدثني خالد بن يزيد بن وهب بن جرير عن أبيه قال لما ولي صالح بن داود أخو يعقوب بن داود وزير المهدي البصرة قال بشار يهجوه ( هُمُ حَملوا فوقَ المنابر صالحاً ... أخاك فضجّت من أخيك المنابُر ) فبلغ ذلك يعقوب فدخل على المهدي فقال يا أمير المؤمنين أبلغ من قدر هذا الأعمى المشرك أن يهجو أمير المؤمنين قال ويحك وما قال قال يعفيني أمير المؤمنين من إنشاده ثم ذكر باقي الخبر مثل الذي تقدمه فقال خالد بن يزيد بن وهب في خبره وخاف يعقوب بن داود أن يقدم على المهدي فيمدحه ويعفو عنه فوجه إليه من استقبله فضربه بالسياط حتى قتله ثم ألقاه في البطيحة في الخرارة أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا علي بن محمد النوفلي عن أبيه وعن جماعة من رواة البصريين وأخبرنا يحيى بن علي عن أحمد بن أبي طاهر عن علي بن محمد وخبره أتم قالوا خرج بشار إلى المهدي ويعقوب بن داود وزيره فمدحه ومدح يعقوب فلم يحفل به يعقوب ولم يعطه شيئا ومر يعقوب ببشار يريد منزله فصاح به بشار ( طال الثَّواء على رُسوم المنزِلِ ... ) فقال يعقوب ( فإِذا تشاءُ أبا معاذٍ فارحَلِ ... ) فغضب بشار وقال يهجوه ( بني أميّة هُبّوا طال نومُكُم ... إنّ الخليفة يعقوبُ بن داودِ ) ( ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ... خليفة الله بين الزِّقّ والعُودِ ) قال النوفلي فلما طالت أيام بشار على باب يعقوب دخل عليه وكان من عادة بشار إذا أراد أن ينشد أو يتكلم أو يتفل عن يمينه ويصفق بإحدى يديه على الآخرى ففعل ذلك وأنشد ( يعقوبُ قد ورد العُفاةُ عشيّةً ... مُتعرّضين لسَيبك المُنتاب ) ( فسقَيتَهم وحسبتني كَمّونةً ... نَبتت لزارعها بغير شرابِ ) ( مَهلاً لديك فإِنّني رَيحانة ... فاشمُمْ بأنفك واسقِها بذِنابِ ) ( طال الثواءُ على تنظُّرِ حاجةٍ ... شَمِطتْ لديك فمن لها بخِضابِ ) ( تُعطِي الغزيرةُ درَّها فإِذا أبتْ ... كانت مَلامتُها على الحُلاّبِ ) يقول ليعقوب أنت من المهدي بمنزله الحالب من الناقة الغزيرة التي إذا لم يوصل إلى درها فليس ذلك من قبلها إنما هو في منع الحالب منها وكذلك الخليفة ليس من قبله لسعة معروفة إنما هي من قبل السبب إليه قال فلم يعطف ذلك يعقوب عليه وحرمه فانصرف إلى البصرة مغضبا فلما قدم المهدي البصرة أعطى عطايا كثيرة ووصل الشعراء وذلك كله على يدي يعقوب فلم يعط بشارا شيئا من ذلك فجاء بشار إلى حلقة يونس النحوي فقال هل ها هنا أحد يحتشم قالوا له لا فأنشأ بيتا يهجو فيه المهدي فسعى به أهل الحلقة إلى يعقوب فقال يونس للمهدي إن بشارا زنديق وقامت عليه البينة عندي بذلك وقد هجا أمير المؤمنين فأمر ابن نهيك بأخذه وأزف خروجهم فخرجوا وأخرجه ابن نهيك معه في زورق فلما كانوا بالبطيحة ذكره المهدي فأرسل إلى ابن نهيك يأمره أن يضرب بشارا ضرب التلف ويلقيه بالبطيحة فأمر به فأقيم على صدر السفينة وأمر الجلادين أن يضربوه ضربا يتلفون فيه نفسه ففعلوا ذلك فجعل يسترجع فقال بعض من حضر أما تراه لا يحمد الله فقال بشار أنعمة هي فأحمد الله عليها إنما هي بلية أسترجع عليها فضرب سبعين سوطا مات منها وألقي في البطيحة قال يحيى بن علي فحكى قعنب بن محرز الباهلي قال حدثني محمد بن الحجاج قال لما ضرب بشار بالسياط وطرح في السفينة قال ليت عين أبي الشمقمق رأتني حين يقول ( إنّ بشّارَ بنَ برد ... تيسٌ أعمى في سفينة ) أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال أمر المهدي عبد الجبار صاحب الزنادقة فضرب بشارا فما بقي في بالبصرة شريف إلا بعث إليه بالفرش والكسوة والهدايا ومات بالبطيحة قال وكانت وفاته وقد ناهز ستين سنة نعي بشار قال عمر بن شبة حدثني سالم بن علي قال كنا عند يونس فنعى بشارا إلينا ناع فأنكر يونس ذلك وقال لم يمت فقال الرجل أنا رأيت قبره فقال أنت رأيته قال نعم وإلا فعلي وعلي وحلف له حتى رضي فقال يونس لليدين وللفم قال أبو زيد وحدثني جماعة من أهل البصرة منهم محمد بن عون بن بشير وكان يتهم بمذهب بشار فقال لما مات بشار ألقيت جثته بالبطيحة في موضع يعرف بالخرارة فحمله الماء فأخرجه إلى دجلة البصرة فأخذ فأتي به أهله فدفنوه قال وكان كثيرا ما ينشدني ( ستَرى حولَ سَريري ... حُسّرا يَلْطِمن لَطما ) ( يا قَتيلا قتلتْه ... عبدةُ الحوراءُ ظلما ) قال وأخرجت جنازته فما تبعها أحد إلا أمة له سوداء سندية عجماء ما تفصح رأيتها خلف جنازته تصيح واسيداه واسيداه قول الناس في موت بشار قال أبو زيد وحدثني سالم بن علي قال لما مات بشار ونعي إلى أهل البصرة تباشر عامتهم وهنأ بعضهم بعضا وحمدوا الله وتصدقوا لما كانوا منوا به من لسانه وقال أبو هشام الباهلي فيما أخبرنا به يحيى بن علي في قتل بشار ( يا بُؤْسَ مَيْتٍ لم يبكِه أحدُ ... أَجَلْ ولم يَفتقدْه مُفتقِدُ ) ( لا أُمُّ أولاده بكتْه ولم ... يَبْكِ عليه لفُرقةٍ وَلدُ ) ( ولا ابنُ أختٍ بكى ولا ابنُ أخٍ ... ولا حَميمٌ رقّت له كبِدُ ) ( بل زعموا أنّ أهلَه فرحاً ... لمّا أتاهم نَعِيُّه سَجَدوا ) قال وقال أيضا في ذلك ( قد تبِع الأعمى قَفا عَجْرَدٍ ... فأصبحا جارَين في دارِ ) ( قالت بِقاعُ الأرض لا مَرحباً ... برُوح حمّادٍ وبشّارِ ) ( تَجاورَا بعد تَنائيهما ... ما أبْغضَ الجارَ إلى الجارِ ) ( صارا جميعاً في يديّ مالكٍ ... في النّار والكافرُ في النارِ ) قال أبو أحمد يحيى بن علي وأخبرنا بعض إخواني عن عمر بن محمد عن أحمد بن خلاد عن أبيه قال مات بشار سنة ثمان وستين ومائة وقد بلغ نيفا وسبعين سنة المهدي يندم على أمره بقتل بشار أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال لما ضرب المهدي بشارا بعث إلى منزله من يفتشه وكان يتهم بالزندقة فوجد في منزله طومار فيه بسم الله الرحمن الرحيم إني أردت هجاء آل سليمان بن علي لبخلهم فذكرت قرابتهم من رسول الله فأمسكت عنهم إجلالا له على أني قد قلت فيهم ( دِينارُ آلِ سليمانٍ ودِرهَمُهم ... كالبابِليِّين حُفّا بالعفاريتِ ) ( لا يُبصَران ولا يُرجَى لقاؤهما ... كما سمعتَ بهارُوتٍ ومارُوت ) فلما قرأه المهدي بكى وندم على قتله وقال لا جزى الله يعقوب بن داود خيرا فإنه لما هجاه لفق عندي شهودا على أنه زنديق فقتلته ثم ندمت حين لا يغني الندم أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا عمر بن محمد بن عبد الملك قال حدثني محمد بن هارون قال لما نزل المهدي البصرة كان معه حمدويه صاحب الزنادقة فدفع إليه بشارا وقال اضربه ضرب التلف فضربه ثلاثة عشر سوطا فكان كلما ضربه سوطا قال له أوجعتني ويلك فقال يا زنديق أتضرب ولا تقول بسم الله قال ويلك أثريد هو فأسمي الله عليه قال ومات من ذلك الضرب ولبشار أخبار كثيرة قد ذكرت في عدة مواضع منها أخباره مع عبدة فإنها أفردت في بعض شعره فيها الذي غنى فيه المغنون وأخباره مع حماد عجرد في تهاجيهما فإنها أيضا أفردت وكذلك أخباره مع أبي هاشم الباهلي فإنا لا نجمع جميعها في هذا الموضع إذ كان كل صنف منها مستغنيا بنفسه حسبما شرط في تصدير الكتاب أخبار يزيد حوراء طبقة يزيد حوراء يزيد حوراء رجل من أهل المدينة ثم من موالي بني ليث بن بكر بن عبد مناة ابن كنانة ويكنى أبا خالد مغن محسن كثير الصناعة من طبقة ابن جامع وإبراهيم الموصلي وكان ممن قدم على المهدي في خلافته فغناه وكان حسن الصوت حلو الشمائل وذكر ابن خرداذبه أنه بلغه أن إبراهيم الموصلي حسده على شمائله وإشارته في الغناء فاشترى عدة جوار وشاركه فيهن وقال له علمهن فما رزق الله فيهن من ربح فهو بيننا وأمرهن أن يجعلن وكدهن أخذ إشارته ففعلن ذلك وكان إبراهيم يأخذها عنهن هو وابنه ويأمرهن بتعليم كل من يعرفنه ذلك حتى شهرها في الناس فأبطل عليه ما كان منفردا به من ذلك أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى قال حدثني جماعة من موالي الرشيد إن يزيد حوراء كان صديقا لأبي العتاهية فقال أبو العتاهية أبياتا في أمر عتبة يتنجز فيها المهدي ما وعده إياه من تزويجها فإذا وجد المهدي طيب النفس غناه بها وهي ( ولقد تَنَسّمتُ الرياحَ حاجتي ... فإِذا لها من راحتَيْكَ نسيمُ ) ( أشْربتُ نفسي من رجائك ماله ... عَنَقٌ يخُبّ إليك بي ورَسِيمُ ) ( ورَمَيتُ نحوَ سماء جَوْدِك ناظِري ... أرْعَى مخايلَ بَرْقِهِ وأشيمُ ) ( ولربّما استيأستُ ثم أقولُ لا ... إنّ الّذي ضَمِنَ النجاحَ كريمُ ) فصنع بها لحنا وتوخى لها وقتا وجد المهدي فيه طيب النفس فغناه بها فدعا بأبي العتاهية وقال له أما عتبة فلا سبيل إليها لأن مولاتها منعت من ذلك ولكن هذه خمسون ألف درهم فاشتر ببعضها خيرا من عتبة فحملت إليه وانصرف جمال وجهه وخصاله أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن المرزبان قال حدثنا شيبة بن هشام عن عبد الله بن العباس الربيعي قال كان يزيد حوراء نظيفا ظريفا حسن الوجه شكلا لم يقدم علينا من الحجاز أنظف ولا أشكل منه وما كنت تشاء أن ترى خصلة جميلة لا تراها في أحد منهم إلا رأيتها فيهم وكان يتعصب لإبراهيم الموصلي على ابن جامع فكان إبراهيم يرفع منه ويشيع ذكره بالجميل وينبه على مواضع تقدمه وإحسانه ويبعث بابنه إسحاق إليه يأخذ عنه وكان صديقا لأبي مالك الأعرج التميمي لا يكاد أن يفارقه فمرض مرضا شديدا واحتضر فاغتم عليه الرشيد وبعث بمسرور الخادم يسأل عنه ثم مات فقال أبو مالك يرثيه صوت ( لم يُمَتَّعْ من الشباب يزيدُ ... صار في التُّرْبِ وهو غَضٌّ جديدُ ) ( خانَه دهرهُ وقابَلَه منهُ ... بنَحْسٍ ودَابَرتْهُ السُّعودُ ) ( حين زُقَّتْ دُنْياه من كل وجهٍ ... وتَدَانَى إليه منه البعيد ) ( فكأن لم يكنْ يزيدُ ولم يَشْجُ ... نَدِيماً يَهُزُّه التّغريدُ ) وفي هذه الأبيات لحسين بن محرز لحن من الثقيل الثاني بالبنصر من نسخة عمرو بن بانة إنشاده شعر أبي العتاهية في حضرة المهدي أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أحمد بن أبي يوسف قال حدثني الحسين بن جمهور بن زياد بن طرخان مولى المنصور قال حدثني أبو محمد عبد الرحمن بن عيينة بن شارية الدؤلي قال حدثني محمد بن ميمون أبو زيد قال حدثني يزيد حوراء المغني قال كلمني أبو العتاهية في أن أكلم له المهدي في عتبة فقلت له إن الكلام لا يمكنني ولكن قل شعرا أغنه به فقال صوت ( نفسِي بشيءٍ من الدنيا مُعَلَّقةٌ ... اللهُ والقائمُ المهديُّ يَكْفِيها ) ( إني لأيأسُ منها ثم يُطْمِعُني ... فيها احتقارُكَ للدنيا وما فيها ) قال فعملت فيه لحنا وغنيته به فقال ما هذا فأخبرته خبر أبي العتاهية فقال ننظر فيما سأل فأخبرت أبا العتاهية ثم مضى شهر فجاءني وقال هل حدث خبر فقلت لا قال فاذكرني للمهدي قلت إن أحببت ذلك فقل شعرا تحركه وتذكره وعده حتى أغنيه به فقال صوت ( ليتَ شعرِي ما عندكم ليتَ شعرِي ... فلقد أُخِّرَ الجوابُ لأمرِ ) ( ما جوابٌ أوْلَى بكلّ جميلٍ ... من جوابٍ يُرَدُّ من بعد شهرِ ) قال يزيد فغنيت به المهدي فقال علي بعتبة فأحضرت فقال إن أبا العتاهية كلمني فيك فما تقولين ولك وله ما تحبان مما لا تبلغه أمانيكما فقالت له قد علم أمير المؤمنين ما أوجب الله علي من حق مولاتي وأريد أن أذكر لها هذا قال فافعلي قال وأعلمت أبا العتاهية ومضت أيام فسألني معاودة المهدي فقلت قد عرفت الطريق فقل ما شئت حتى أغنيه به فقال صوت ( أشْربتُ قلبي من رجائك ما له ... عَنَقٌ يَخُبّ إليك بي ورسيم ) ( وأمَلتُ نحوَ سماء جَودِك ناظِري ... أرعَى مَخَايِلَ بَرْقِها وأشيمُ ) ( ولربّما استيأستُ ثم أقول لا ... إنّ الذي وعَدَ النجاحَ كريمُ ) قال يزيد فغنيته المهدي فقال علي بعتبة فجاءت فقال ما صنعت فقالت ذكرت ذلك لمولاتي فكرهته وأبته فليفعل أمير المؤمنين ما يريد فقال ما كنت لأفعل شيئا تكرهه فأعلمت أبا العتاهية بذلك فقال ( قَطّعْتُ منكِ حبائلَ الآمالِ ... وأَرحْتُ من حِلٍّ ومن تَرْحالِ ) ( ما كان أشأمَ إذ رجاؤُكِ قاتِلي ... وبناتُ وَعْدِكِ يَعْتلِجن ببالي ) ( ولئن طَعِمتُ لرُبَّ برْقةِ خُلّبٍ ... مالتْ بذِي طَمَع ولمعةِ آلِ ) عشقه لجارية أخبرني محمد بن أبي الأزهر قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال قال يزيد حوراء كنت أجلس بالمدينة على أبواب قريش فكانت تمر بي جارية تختلف إلى الزرقاء تتعلم منها الغناء فقلت لها يوما افهمي قولي وردي جوابي وكوني عند ظني فقالت هات ما عندك فقلت بالله ما اسمك فقالت ممنعة فأطرقت طيرة من اسمها مع طمعي فيها فقلت بل باذلة أو مبذولة إن شاء الله فاسمعي مني فقالت وهي تتبسم إن كان عندك شيء فقل فقلت ( لِيَهْنِكِ منّي أنني لستُ مُفْشِيا ... هواكِ إلى غيري ولو مُتُّ من كَرْبِ ) ( ولا مانحاً خَلْقاً سواكِ مودّتي ... ولا قائلاً ما عشتُ من حبّكم حَسْبي ) قال فنظرت إلي طويلا ثم قالت أنشدك الله أعن فرط محبة أم اهتياج غلمة تكلمت فقلت لا والله ولكن عن فرط محبة فقالت ( فواللهِ ربِّ الناس لا خُنتُكَ الهَوَى ... ولا زلتَ مخصوصَ المحبَّة من قلبي ) ( فثِقْ بي فإنِّي قد وَثِقْتُ ولا تكنْ ... على غيرِ ما أظهرتَ لي يا أخا الحُبِّ ) قال فوالله لكأنما أضرمت في قلبي نارا فكانت تلقاني في الطريق الذي كانت تسلكه فتحدثني وأتفرج بها ثم اشتراها بعض أولاد الخلفاء فكانت تكاتبني وتلاطفني دهرا طويلا صوت من المائة المختارة ( يا ليلةً جمعتْ لنا الأحبابا ... لو شئتِ دام لنا النعيمُ وطابا ) ( بيتنا نُسَقَّاها شَمولا قَرْقفاً ... تَدعُ الصحيحَ بعقله مُرتابا ) ( حمراء مثل دمِ الغزال وتارة ... عند المِزاج تخالها زريابا ) ( من كفِّ جاريةٍ كأنّ بنَانَها ... من فِضّة قد قُمِّعَتْ عُنّابا ) ( وكأنّ يُمناها إذا نقَرتْ بها ... تُلقِي على الكفِّ الشِّمالِ حِسابا ) عروضه من الكامل الشعر لعكاشة العمي والغناء لعبد الرحيم الدفاف ولحنه المختار هزج بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى أخبار عكاشة العمى ونسبه سبب تسميته بالعمي هو عكاشة بن عبد الصمد العمي من أهل البصرة من بني العم وأصل بني العم كالمدفوع يقال إنهم نزلوا ببني تميم بالبصرة في أيام عمر بن الخطاب فأسلموا وغزوا مع المسلمين وحسن بلاؤهم فقال الناس أنتم وإن لم تكونوا من العرب إخواننا وأهلنا وأنتم الأنصار والإخوان وبنو العم فلقبوا بذلك وصاروا في جملة العرب وقال بعض الشعراء وهو كعب بن معدان يهجو بني ناجية ويشبههم ببني العم ( وجدنا آلَ سامةَ في قَريشٍ ... كمثل العمِّ بين بني تميمِ ) ويروى في سلفي تميم أخبرني عيسى بن الحسين عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني أبو عبيدة قال لما تواقف جرير والفرزدق بالمربد للهجاء اقتتلت بنو يربوع وبنو مجاشع فأمدت بنو العم بني مجاشع وجاؤوهم وفي أيدهم الخشب فطردوا بني يربوع فقال جرير من هؤلاء قالوا بنو العم فقال جرير يهجوهم ( ما للفرزدقِ مِنْ عزٍّ يلوذُ به ... إلاّ بني العمِّ في أيديهم الخشَبُ ) ( سِيروا بني العمِّ فالأهواز داركُمُ ... ونهرَ تِيرَى ولم تعرفْكم العَربُ ) وعكاشة شاعر مقل من شعراء الدولة العباسية ليس ممن شهر وشاع شعره في أيدي الناس ولا ممن خدم الخلفاء ومدحهم خبره مع جارية تدعى نعيم أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني علي بن الحسن عن ابن الأعرابي قال حدثني سعيد بن حميد الكاتب البصري قال قال أبي كان عكاشة بن عبد الصمد العمي صديقا لي وإلفا وكنا نتعاشر ولا نكاد نفترق ولا يكتم أحدنا صاحبه شيئا فرأيته في بعض أيامه متغير الهيئة عما عهدته مقسم القلب والفكر غير آخذ ما كنا فيه من الفكاهة والمزاح فسألته عن حاله فكاتمنيها مليا ثم أخبرني أنه يهوى جارية لبعض الهاشميين يقال لها نعيم وأن مرامها عليه مستصعب لا يراها إلا من جناح لدارهم تشرف عليه في الفيئة بعد الفيئة فتكلمه كلاما يسيرا ثم تذهب فعاتبته على ذلك فلم يزدجر وتمادى في أمره ثم جاءني يوما فقال قد وعدتني الزيارة لأن شكواي إليها طالت فقلت له فهل حققت لك الوعد على يوم بعينه قال لا إنما سألتها الزيارة فقالت نعم أفعل فقلت له هذا والله أعجب من سائر ما مضى وأي شيء لك فيه هذا من الفائدة بلا تحصيل وعد فقال لي يا أخي إن لي في قولها نعم فرجا كبيرا فقلت أنت أقنع الناس ثم جاءني بعد يومين وهو كاسف البال مهموم فقلت له مالك فقال مضيت إلى نعيم فتنجزت وعدها فقالت لي إن لي صاحبة أستنصحها وأعلم أنها تشفق علي شفقة الأخت على أختها والأم على ولدها وقد نهتني عن ذلك وقالت لي إن في الرجال غدرا ومكرا ولا آمن أن تفتضحي ثم لا تحصلي منه على شيء وقد انقطعت عني ثم أنشدني لنفسه ( علامَ حبلُ الصفاءِ منصرمُ ... وفيمَ عنّي الصدودُ والصَّمَمُ ) ( يا من كَنَيْنا عن اسمه زمناً ... نتبعُ مرضاتَهُ ويجترمُ ) ( قد عِيلَ صبري وأنتِ لاهيةٌ ... عنّي وقلبي عليكِ يَضْطَرِمُ ) ( مَنْ جَدَّ حبلَ الوفاء سيِّدتي ... منكِ ومن سامني له العَدَمُ ) ( فكم أتاني واشٍ يعيبكُمُ ... فقلتُ إخسَأْ لأنفِك الرَّغَمُ ) ( أنتَ الفِدّأ والحِمَى لمن عِبتَ فارجع ... ْ صاغِراً راغماً لك الندَمُ ) صوت ( يا ربِّ خُذْ لي من الوُشاة إذا ... قاموا وقُمنا إليكَ نختصِمُ ) ( دَبُّوا إليها يُوَسوسون لها ... كي يستزلُّوا حبيبتي زَعموا ) ( هيهات مِنْ ذاك ضَلَّ سعيهُمُ ... ما قلبها المستعارُ يُقتَسَمُ ) ( يا حاسدينا موتوا بغيظِكُمُ ... حَبْلِي متينٌ بقولها نَعَمُ ) ( بالله لا تُشْمِتي العُدَاةَ بنا ... كوني كقلبي فلست أتّهمْ ) الغناء في هذه الأبيات لعريب رمل وقيل إنه لغيرها قال ثم طال ترداده إليها واستصلاحه لها فلم ألبث أن جاءتني رقعته في يوم خميس يعلمني أنها قد حصلت عنده ويستدعيني فحضرت وتوارت عني ساعة وهو يخبرها أنه لا فرق بيني وبينه ولا يحتشمني في حال البتة إلى أن خرجت فاجتمعنا وشربنا وغنت غناء حسنا إلى وقت العصر ثم انصرفت وأخذ دواة ورقعة فكتب فيها ( سَقْياً لمجلسنا الذي كنَّا به ... يومَ الخميسِ جماعةً أَتْرابا ) ( في غُرفةٍ مَطَرَت سماوةُ سقفِها ... بحيَا النعيم من الكروم شَرابا ) ( إذ نحنُ نُسقَاها شَمولاً قَرْقَفاً ... تَدَعُ الصحيحَ بعقله مُرتابا ) ( حمراء مثل دمِ الغزال وتارةً ... بعد المِزاج تخالُها زِرْيابا ) ( من كفِّ جاريةٍ كأنَّ بناَنَها ... من فِضَّةٍ قد قُمِّعتْ عُنّابا ) ( تزدادُ حسناً كأسُها من كفّها ... ويطيب منها نشرُها أحقَابا ) ( وإذا المزاجُ عَلاَ فَشَجّ جبينَها ... نَفَثَتْ بألْسِنةِ المِزاجِ حَبَابا ) ( وتخالُ ما جَمَعتْ فأحدق سِمْطُه ... بالطَّوق رِيقَ حَبَائبٍ ورُضَابا ) ( كَفَتِ المَنَاصِفَ أن تَذُبَّ أكُفُّها ... عنها إذا جعلتْ تَفُوح ذُبَابا ) ( والعُودُ مُتّبعٌ غِناءَ خَرِيدةٍ ... غَرِداً يقول كما تقول صوابا ) ( وكأنّ يُمناها إذا نَطَقتْ به ... تُلقِي على يدها الشِّمالِ حِسابا ) ( فهناك خَفّ بنا النعيمُ وصار من ... دون الثقيل لنا عليه حِجَابا ) ( آلَيتُ لا ألْحَى على طلب الهَوى ... مُتَلذِّداً حتى أكونَ تُرابا ) شعره في نعيم بعد تزويجها وسفرها قال ثم قدم قادم من أهل بغداد فاشترى نعيم هذه من مولاتها ورحل إلى بغداد فعظم أسف عكاشة وحزنه عليها واستهيم بها طول عمره فاستحالت صورته وطبعه وخلقه إلى أن فرق الدهر بيننا فكان أكثر وكده وشغله أن يقول فيها الشعر وينوح به عليها ويبكي قال حميد بن سعيد فأنشدني أبي له في ذلك ( ألاَ ليتَ شِعْرِي هل يعودنّ ما مَضَى ... وهل راجعٌ ما مات من صِلة الحَبْلِ ) ( وهل أجلسنْ في مثل مجلِسِنا الذي ... نَعِمْنا به يومَ السعادة بالوصلِ ) ( عشيّةَ صَبّتْ لذةُ الوصل طِيبَها ... علينا وأفنانُ الجِنان جَنَى البَذْلِ ) ( وقد دار ساقِينا بكأسٍ رَوِيَّةٍ ... تُرَحِّلُ أحزانَ الكئيبِ مع العقلِ ) ( وشَجَّ شُمولاً بالمِزاج فطيَّرت ... كألسنة الحَيّات خافتْ من القتلِ ) ( فبِتْنا وعينُ الكأسِ سَحٌّ دموعُها ... لِكلِّ فتىً يهتزّ للمجد كالنَّصْلِ ) ( وقَيْنتنا كالظبي تسمَح بالهوى ... وبَثِّ تَبَارِيح الفؤادِ على رِسْلِ ) ( إذا ما حَكَتْ بالعُودِ رَجْعَ لسانِها ... رأيتَ لسانَ العودِ من كَفِّها يُمْلي ) ( فلم أر كاللّذّات أمطرَتِ الهَوَى ... ولا مثلَ يومي ذاك صادَفه مِثلي ) ومما قاله فيها ( أَنُعَيْم حبُّكِ سَلَّني وبَلاَنِي ... وإلى الأمَرِّ من الأمور دعاني ) ( أَنُعَيْم لو تَجِدِينَ وَجْدِي والذي ... أَلْقَى بَكَيتِ من الذي أبكاني ) ( أنعيم سيّدتي عليكِ تَقَطَّعتْ ... نفسي من الحَسَرات والأحزانِ ) ( أنعيم قد رَحِم الهوى قلبي وقد ... بكتِ الثيابُ أسًى على جُثْماني ) ( أنعيم وانحدرتْ مدامعُ مقلتي ... حتّى رَحِمتُ لرحمتي إخواني ) ( أنعيم مَثَّلك الهُيَامُ لمقلتي ... فكأنّني ألقاكِ كلَّ مكانِ ) ( أنعيم نظرةُ سحرِ عينِك بالهوى ... معروفةٌ بالقتل في إنسانِ ) ( أنعيمٌ اشفِي أو دَعِي مَنْ داؤه ... ودواؤه بيديكِ مُقترنانِ ) ( هذا وكم من مجلسٍ لي مُؤْنِفٍ ... بين النعيم وبين عيشٍ داني ) ( نازعتُه أردانَه فَلَبِستُها ... مع ظَبْيةٍ في عيشنا الفَيْنانِ ) ( تُنْسِي الحليمَ من الرجال مَعَادَه ... بين الغِناء وعُودَها الحَنّانِ ) ( حتى يعودَ كأنّ حَبَّةَ قلبه ... مشدودَةٌ بمَثَالِبٍ ومَثَانِي ) ( ظَلَّت تُغَنِّيني وتَعْطِفُ كفَّها ... بالعود بين الرَّاح والرَّيْحانِ ) ( فسمِعتُ ما أبكَى وأضْحَكَ سامعاً ... وسكِرتُ من طَرَبٍ ومن أشجانِ ) ( ومَشَيتُ في لُجَج الهوَى مُتَبختراً ... ومشى إليّ اللهوُ في الألوانِ ) ( فعلِمتُ أنْ قد عاد قلبي عائدٌ ... من بينِ عُودٍ مُطرِبٍ وَبَنَانٍ ) ومما قاله أيضا فيها ( نُعَيْمٌ هل بَكَيتِ كما بَكَيتُ ... وهل بعدِي وَفَيتِ كما وَفَيتُ ) ( ألاَ يا ليت شِعرِي كيف بَعدِي اصطبارُك ... ِ إذ نَأَيتِ وإذ نأيتُ ) ( فكم من عَبْرةٍ ذَرَفتْ فلمّا ... خَشيِتُ عيونَ أهلي واستحيَتُ ) ( نَهَضتُ بها مُكاتَمَةً فلمّا ... خلوتُ ذَرَفتُها حتّى اشتفيتُ ) ( وقلتُ لصُحْبتي لمّا رَمَانِي ... هواكِ بدائه حتى انطويتُ ) ( أراني من هموم النفسِ مَيْتاً ... ولم أرَ في نُعَيمٍ ما نَوَيتُ ) ( فليتَ الموتَ عَجّل قبضَ رُوحي ... جِهاراً فاسترحتُ وأين ليتُ ) وقال أيضا في فراقه إياها ( أَنُعَيْمُ في قلبي عليك شَرَارُ ... وعلى الفؤاد من الصَّبابةِ نارُ ) ( وعلى الجفون غِشاوةُ وعلى الهَوَى ... داعٍ دَعَتْه لِحَيْنَى الأقدارُ ) ( بمضِلّةٍ لُبَّ الحليم إذا رَمَتْ ... بالمقلتين كأنها سَحّارُ ) ( طالبتُها حَوْلَينِ لا لَيْلي بها ... ليلٌ ولا هذا النهارُ نهارُ ) ( حتى إذا ظَفِرَتْ يدايَ بكاعِبٍ ... كالشمس تَقْصُر دونها الأبصارُ ) ( وثَلِجتُ صدراً بالفتاة وصارتَا ... كالنفسِ نفسانَا وقَرّ قَرارُ ) ( بَلَغ الشقاءُ أشدَّ ما يِسْطِيعُهُ ... فينا وفَرّق بيننا المِقْدارُ ) ومما يغنى فيه من شعر عكاشة الذي قاله في هذه الجارية صوت ( لَهْفِي على الزمن الذي ... وَلَّى ببهجته القصيرِ ) ( قد كان يُؤْنقني الهَوَى ... ويُقِرّ عيني بالسرورِ ) ( إذ نحن خُلاّنُ الهَوَى ... رَيْحانُنا عَبِقُ العبيرِ ) ( وغناؤنا وصفُ الهَوَى ... نلتذّ بالحبّ اليسيرِ ) الغناء في هذه الأبيات لابن صغير العين من كتاب إبراهيم ولم يذكر طريقته وفيه لأبي العبيس بن حمدون خفيف رمل وتمام هذه الأبيات ( وجهُ التواصُل بيننا ... في الحسن كالقمر المنيرِ ) ( إيماؤنا يُحكي الكلامَ ... وسِرُّنا فَطَنُ المشيرِ ) ( وحديثُنا بحواجبٍ ... نطقتْ بألسنة الضَّميرِ ) ( بل رُسْلنا الكُتُبُ التي ... تَجري بخافيةِ الصُّدورِ ) المهدي أراد له الحد بعد أن أنشده شعرا في الخمر حدثني الحسن بن عليل قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا أبو مسلم عن المدائني قال أنشد عكاشة بن عبد الصمد المهدي قوله في الخمر ( حمراء مثل دم الغزال وتارةً ... عند المِزاج تَخالها زِرْيابا ) فقال له المهدي لقد أحسنت في وصفها إحسان من قد شربها ولقد استحققت بذلك الحد فقال أيؤمنني أمير المؤمنين حتى أتكلم بحجتي قال قد أمنتك قال وما يدريك يا أمير المؤمنين أني أحسنت وأجدت صفتها إن كنت لا تعرفها فقال له المهدي اعزب قبحك الله قال الحسن وأخبرني بهذا الخبر أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير ابن بكار أن عكاشة أنشد موسى الهادي هذا الشعر ثم أنشده قوله ( كأنّ فُضولَ الكأس من زَبَداتها ... خَلاخِلُ شُدّت بالجُمان إلى حَجْلِ ) فقال له موسى والله لأجلدنك حد الخمر قال ولم يا أمير المؤمنين إنما نقول ولا نفعل فقال كذبت قد وصفتها صفة عالم بها قال فاجعل لي الأمان حتى أتكلم بحجتي قال تكلم وأنت آمن قال أجدت وصفها أم لم أجد قال بل قد أجدت قال وما يدريك أني أجدت إن كنت لا تعرفها إن كنت وصفتها بطبعي دون امتحاني فقد شركتني في ذلك بطبعك وإن كان وصفها لا يعلم إلا بالتجربة فقد شركتني أيضا فيها فضحك موسى وقال له قد نجوت بحيلتك مني قاتلك الله فما أدهاك متفرقات من شعره ومما وجدت فيه غناء من شعر عكاشة قوله ( وجاءوا إليه بالتَّعاويذ والرُّقَى ... وَصَبّوا عليه الماء من شدّة النُّكْسِ ) ( وقالوا به من أعين الجنّ نَظرةٌ ... ولو صدَقوا قالوا به أعينُ الإِنسِ ) الغناء لعريب ومنها ( طَرفي يذوب وماءُ طَرفِك جامدُ ... وعليَّ من سِيمَا هواكِ شواهدُ ) ( هذا هواكِ قسَمتِه بين الورى ... ومنحتِني أرَقاً وطَرفُكِ راقدُ ) ( فعليّ منه اليومَ تسعةُ أَسهُمٍ ... وعلى جميع النّاسِ سهمٌ واحدُ ) الغناء لجحظة ومنها ( غَادِ الهوى بالكأس بردَا ... وأطِعْ إمارَةَ من تَبدّى ) ومنها ( كما اشتهتْ خُلقتْ حتّى إذا اعتدلتْ ... تمّت قَواماً فلا طولٌ ولا قِصَرُ ) ومنها ( وزَعفرانيّة في اللّون تحسَبُها ... إذا تأمّلتَها في جِسم كافُورِ ) ( تخال أنّ سَقِيط الطَّلّ بينَهما ... دمعٌ تَحيّر في أجفان مَهْجُورِ ) أخبار عبد الرحيم الدفاف ونسبه الخلاف في اسم أبيه عبد الرحيم بن الفضل الكوفي ويكنى أبا القاسم وقيل هو عبد الرحيم ابن سعد وقيل عبد الرحيم بن الهيثم بن سعد مولى لآل الأشعث بن قيس وقيل بل هو مولى خزاعة ذكر أبو أيوب المديني أن حمادا الراوية حدثه قال رأيت عبد الرحيم الدفاف أيام هارون الرشيد بالرقة وقد ظهرت فحضرني وسمعته يغني يومئذ صوتا سئل عنه فذكر أنه من صنعته وهو ( فَديتُكِ لو تَدْرِين كيف أحِبكم ... وكيف إذا ما غِبتُ عنكِ أقولُ ) وكان عبد الرحيم منقطعا إلى علي بن المهدي المعروف بأمه ريطة بنت أبي العباس فأخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال حدثني عبد الصمد بن المعذل قال غنت جارية يوما بحضرة الرشيد ( قُل لعليّ أيا فتى العربِ ... وخيرَ أنامٍ وخيرَ مُكتسِبِ ) ( أعلاك جَدّاك يا عليّ إذا ... قصّر جَدٌّ عن ذروة الحسبِ ) فأمر بضرب عنقها فقالت يا سيدي ما ذنبي هذا صوت علمته والله ما أدري من قاله ولا فيمن قيل فعلم أنها صدقت فقال لها عمن أخذته فقالت عن عبد الرحيم الدفاف فأمر بإحضاره فأحضر فقال له يا عاض بظر أمه أتغني في شعر تفاخر فيه بيني وبين أخي جردوه فجردوه ودعا له بالسياط فضرب بين يديه خمسمائة سوط أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد عن القطراني عن محمد بن جبر قال قال لي عبد الرحيم بن القاسم الدفاف دخلت على علي بن ريطة يوما وستارته منصوبة فغنت جاريته ( أُناسٌ أمِنّاهم فَنَمّوا حديثَنا ... فلما كَتَمنا السرَّ عنهم تقَوَّلوا ) فقلت أرأيت إن غنيتك هذا الصوت وفي تمامه زيادة بيت واحد أي شيء لي عليك قال خلعتي التي علي فغنيته ( فلم يحفَظوا الوُدّ الذي كان بيننا ... ولا حينَ هَمّوا بالقَطيعة أجملوا ) قال فنزع خلعته فخلعها علي وأقمت عنده بقية يومي على عربدة كانت فيه الشعر لعباس بن الأحنف والغناء لعبد الرحيم الدفاف هزج بالبنصر وهذا أخذه العباس من قول أبي دهبل صوت ( أمِنّا أُناساً كنتِ تأتمِنينهم ... فزادوا علينا في الحديث وأَوْهَمُوا ) ( وقالوا لها مالم نقل ثمّ أكثروا ... عليّ وباحوا بالذي كنتُ أكتمُ وفي هذين البيتين أغاني قديمة منها لحن لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ولابن زرزور الطائفي خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو وفيه خفيف رمل بالبنصر والوسطى لمتيم وعريب صوت من المائة المختارة ( بَكَرتْ سُمَيّةُ غُدْوةً فتمتَّعِي ... وغدتْ غُدُوَّ مُفَارقٍ لم يَرْبَعِ ) ( وتَعَرّضتْ لكَ فاستبتكَ بواضح ... صَلْتٍ كمُنْتَصّ الغزال الأتلعِ ) عروضه من الكامل والشعر للحادرة الثعلبي والغناء في اللحن المختار لسعيد بن مسجح وإيقاعه من خفيف الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر عمرو بن بانة أنه لابن محرز وفيهما للغريض ثقيل أول بالبنصر عن عمرو وفيهما خفيف رمل بالوسطى لابن سريج عن حبش ومما يغنى فيه من هذه القصيدة ( أسُمِيّ ما يُدريكِ كم من فِتْية ... بادرتُ لَذّتَهم بأدكَنَ مُتْرَعِ ) ( بَكَروا عليّ بسُحْرة فصَبَحتُهم ... من عاتقٍ كدَمِ الذبيح مُشَعْشَعِ ) غناه مالك ولحنه من الثقيل الأول بالبنصر عن عمرو وفيه لمالك خفيف ثقيل أيضا وفيهما لعلويه ثقيل أول صحيح من جيد صنعته قوله فتمتعي يخاطب نفسه أي تمتعي منها قبل فراقها ولم يربع لم يقم والواضح الصلت يعني عنقها وأصل الصلت الماضي ومنه الناقة المصلات الماضية وشد عليه بالسيف صلتا أي خارجا من غمده والصلت في هذا الشعر الطويل الذي لا قصر فيه والمنتص المنتصب يقال انتص فلان أي انتصب ومنصة العروس مأخوذة من هذا ومنه نص الحديث رفعه إلى صاحبه واستبتك غلبتك على عقلك والواضح الخالص الأبيض وأدكن مترع يعني الزق والمشعشع المرقرق بالماء أخبار الحادرة ونسبه أخبرني بنسبه هذا محمد بن العباس اليزيدي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب ابن أخي الأصمعي عن عمه قال وإنما سمي الحادرة بقول زبان بن سيار الفزاري له ( كأنّكَ حادرةُ المَنْكبَيْن ... رَصْعاءُ تُنْقِض في حائرِ ) ( عجوزُ ضَفَادِعَ محجوبةٌ ... يَطيفُ بها وِلْدةُ الحاضرِ ) قال والحادرة الضخم وذكر أبو عمرو الشيباني أن الحادرة خرج هو وزبان الفزاري يصطادان فاصطادا جميعا فخرج زبان يشتوي ويأكل في الليل وحده فقال الحادرة ( تركتَ رفيقَ رَحْلِكَ قد تراه ... وأنت لِفيكَ في الظَّلْماء هادِي ) فحقدها عليه زبان ثم أتيا غديرا فتجرد الحادرة وكان ضخم المنكبين ارسح فقال زبان ( كأنك حادرةُ المنكَبيْن ... ِ رصعاء تُنْقِض في حائرِ ) فقال له الحادرة ( لَحَا اللهُ زَبّانَ من شاعرٍ ... أخِي خَنْعَةٍ فاجر غادرِ ) ( كأنك فُقّاحةٌ نوّرتْ ... مع الصبح في طَرَف الحائرِ ) فغلب هذا اللقب على الحادرة حدثني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي قال حدثني عمي قال سمعت شيخا من بني كنانة من أهل المدينة يقول كان حسان بن ثابت إذا قيل له تنوشدت الأشعار في موضع كذا وكذا يقول فهل أنشدت كلمة الحويدرة ( بَكَرَتْ سُمَيّةُ غُدْوةً فَتَمتّعي ... ) قال أبو عبيدة وهي من مختار الشعر أصمعية مفضلية سبب الهجاء بينه وبين زبان بن سيار نسخت من كتاب ابن الأعرابي قال حدثني المفضل قال كان الحادرة جارا لرجل من بني سليم فأغار زبان بن سيار على إبله فأخذها فدفعها إلى رجل من أهل وادي القرى يهودي ومكان له عليه دين فأعطاه إياها بدينه وكان أهل وادي القرى حلفاء لبني ثعلبة فلما سمع اليهودي بذلك قال سيجعل الحادرة هذا سببا لنقض العهد الذي بيننا وبينه ونحن نقرأ الكتاب ولا ينبغي لنا أن نغدر فرد الإبل على الحادرة فردها على جاره ورجع إلى زبان فقال له أعطني مالي الذي عليك فأعطاه إياه زبان ووقع الهجاء بينه وبين الحادرة فقال الحادرة فيه ( لعَمْرَة بين الأخرمَيْنِ طلولُ ... تَقَادَمَ منها مُشْهِرٌ ومُحِيلُ ) ( وَقَفتُ بها حتى تعالَى لِيَ الضُّحَى ... لأُخبَرَ عنها إنّني لَسَئُولُ ) يقول فيها ( فإِن تَحْسَبوها بالحجابِ ذلِيلةً ... فما أنا يوماً إن رَكِبتُ ذليلُ ) ( سأمنَعُها في عُصْبةٍ ثَعْلبيَّةٍ ... لهم عَددٌ وافٍ وعِزٌّ أصيلُ ) ( فإِنْ شئِتُم عُدْنا صديقاً وعُدْتُم ... وإِمّا أبيتَم فالمُقامُ زَحُولُ ) قال ولج الهجاء بينهما بعد ذلك فكان هذا سببه شعره في غزوة بني عامر ونسخت من كتاب عمرو بن أبي عمرو الشيباني يذكر عن أبيه أن جيشا لبني عامر بن صعصعة أقبل وعليهم ثلاثة رؤساء ذؤاب بن غالب من عقيل ثم من بني كعب بن ربيعة وعبد الله بن عمرو من بني الصموت وعقيل بن مالك من بني نمير وهم يريدون غزو بني ثعلبة بن سعد رهط الحادرة ومن معهم من محارب وكانوا يومئذ معهم فنذرت بهم بنو ثعلبة فركب قيس بن مالك المحاربي الخصفي وجؤية بن نصر الجرمي أحد بني ثعلبة للنظر إلى القوم فما دنوا منهم عرف عقيل بن مالك النميري جؤية بن نصر الجريم فناداه إلي يا جؤية بن نصر فإن لي خبرا أسره إليك فقال إليك أقبلت لكن لغير ما ظننت فقال له ما فعلت قلوص يعني إمرأته فقال هي في الظعن أسر ما كانت قط وأجمله ثم حمل كل واحد منهما على صاحبه واختلفا طعنتين فطعنه جؤية طعنة دقت صلبه وانطلق قيس بن مالك المحاربي إلى بني ثعلبة فأنذرهم فاقتتلوا قتالا شديدا فهزمت بنو نمير وسائر بني عامر ومات عقيل النميري وقتل ذؤاب بن غالب وعبد الله بن عمرو أحد بني الصموت فقال الحادرة في ذلك ( كأنّ عُقَيلاً في الضُّحَى حَلَّقتْ به ... وطارتْ بِهِ في الجوّ عنقاءُ مُغرِب ) ويروي وطارت به في اللوح وهو الهواء ( وذي كَرمٍ يدعوكُمُ آلَ عامرٍ ... لدى مَعْرَكٍ سِرْبالُه يتصبَّبُ ) ( رأت عامرٌ وقْعَ السيوف فأسلموا ... أخاهم ولم يعطف من الخيل مرهبُ ) ( وسلَّم لمّا أن رأى الموتَ عامرٌ ... له مركبٌ فوق الأسنّة أحْدبُ ) ( إذا ما أظلّتْه عَوالَي رماحِنا ... تدلَّى به نَهْدُ الجُزَارة مِنْهَبُ ) ( على صَلَوَيْه مُرْهَفَاتٌ كأنها ... قوادمُ نسرٍ بُزَّ عنهنّ مَنكِبُ ) قال وفي هذه الوقعة يقول خداش بن زهير ( أيا أخَوَيْنا من أبينا وأُمِّنا ... إليكم إليكم لا سبيلَ إلى جَسْرِ ) جسر قبيلة من محارب قال وهذا اليوم يعرف بيوم شواحط قبيلة من محارب شعره في يوم الكفافة وقال أبو عمرو خرج خارجة بن حصن في جمع من بني فزارة ومن بني ثعلبة بن سعد وهو يريد غزو بني عبس بن بغيض فلقوا جيشا لبني تميم على ماء يقال له الكفافة وتميم في جمع سعد والرباب وبني عمرو فقاتلوهم قتالا شديدا وهزمت تميم وأجفلت وهذا اليوم يقال له يوم كفافة فقال الحادرة في ذلك ( ونحن مَنَعْنا من تميم وقد طغتْ ... مَراعي المَلا حتى تضمَّنها نجدُ ) ( كمَعْطَفِنا يومَ الكُفَافَة خَيْلَنا ... لتتْبَع أُخرَى الجيش إذ بلغ الجِدُّ ) ( على حين شالتْ واسْتَخَفَّتْ رجالَهم ... جلائبُ أحياءٍ يسيلُ بها الشدُّ ) ( إذا هي شَكَّ السَّمْهَرِيُّ نحورَها ... وخامت عن الأبطال أتعبها القِدُّ ) ( تَكُرُّ سِرَاعا في المَضِيق عليهِمُ ... وتُثْنَى بِطاءً ما تخُبُّ ولا تَعدو ) ( فأَثْنُوا علينا لا أبَا لأبيكُمُ ... بإِحساننا إن الثناءَ هو الخُلْدُ ) أخبار ابن مسجح ونسبه سعيد بن مسجح أبو عثمان مولى بني جمح وقيل إنه مولى بني نوفل بن الحارث بن عبد المطلب مكي أسود مغن متقدم من فحول المغنين وأكابرهم وأول من صنع الغناء منهم ونقل غناء الفرس إلى غناء العرب ثم رحل إلى الشأم وأخذ ألحان الروم والبربطية والأسطوخوسية وانقلب إلى فارس فأخذ بها غناء كثيرا وتعلم الضرب ثم قدم إلى الحجاز وقد أخذ محاسن تلك النغم وألقى منها ما استقبحه من النبرات والنغم التي هي موجودة في نغم غناء الفرس والروم خارجة عن غناء العرب وغنى على هذا المذهب فكان أول من أثبت ذلك ولحنه وتبعه الناس بعد أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان والحسين بن يحيى قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن هشام بن المرية أن أول من غنى هذا الغناء العربي بمكة ابن مسجح مولى بني مخزوم وذلك أنه مر بالفرس وهم يبنون المسجد الحرام فسمع غناءهم بالفارسية فقلبه في شعر عربي وهو الذي علم ابن سريج والغريض وكان ابن مسجح مولدا أسود يكنى بأبي عيسى أخبرني محمد بن عبيد الله بن محمد الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني وذكر إسحاق عن المدائني عن أبي بكر الهذلي قال كان سبب بناء ابن الزبير الكعبة لما احترقت أن أهل الشام لما حاصروه سمع أصواتا بالليل فوق الجبل فخاف أن يكون أهل الشام قد وصلوا إليه وكانت ليلة ظلماء ذات ريح شديدة صعبة ورعد وبرق فرفع نارا على رأس رمح لينظر إلى الناس فأطارتها الريح فوقعت على أستار الكعبة فأحرقتها واستطالت فيها وجهد الناس في إطفائها فلم يقدروا وأصبحت الكعبة تتهافت وماتت امرأة من قريش فخرج الناس كلهم في جنازتها خوفا من أن ينزل العذاب عليهم وأصبح ابن الزبير ساجدا يدعو ويقول اللهم إني لم أتعمد ما جرى فلا تهلك عبادك بذنبي وهذه ناصيتي بين يديك فلما تعالى النهار أمن وتراجع الناس فقال لهم الله الله أن ينهدم في بيت أحدكم حجر فيزول عن موضعه فيبنيه ويصلحه وأترك الكعبة خرابا ثم هدمها مبتدئا بيده وتبعه الفعلة حتى بلغوا إلى قواعدها ودعا ببنائين من الفرس والروم فبناها نقل غناء الفرس من بنائي الكعبة الذين أعادوا بناءها قال إسحاق وأخبرني ابن الكلبي عن أبي مسكين قال كان سعيد بن مسجح أسود مولدا يكنى أبا عيسى مولى لبني جمح فرأى الفرس وهم يعملون الكعبة لابن الزبير ويتغنون بالفارسية فاشتق غناءه على ذلك قال إسحاق وحدثني محمد بن سلام عن شعيب بن صخر وجرير قالا كان سعيد بن مسجح أسود وهو مولى بني جمح يكنى أبا عيسى قال إسحاق وحدثني المدائني عن صخر بن جعفر عن أبي قبيل بمثل ذلك وذكر أنه كان يكنى أبا عثمان قال وهو مولى لبني نوفل بن الحارث كان هو وابن سريج لرجل واحد ولذلك قبل عنه ابن سريج ظهرت عليه علامات الذكاء منذ صغره قال إسحاق وحدثني الهيثم بن عدي عن صالح بن حسان فذكر مثل ما ذكر أبو قبيل من كنيته وولائه وقال كان ابن مسجح فطنا كيسا ذكيا وكان أصفر حسن اللون وكان مولاه معجبا به وكان يقول في صغره ليكونن لهذا الغلام شأن وما منعني من عتقه إلا حسن فراستي فيه ولئن عشت لأتعرفن ذلك وإن مت فهو حر فسمعه مولاه يوما وهو يتغنى بشعر ابن الرقاع العاملي وهو من الثقيل الأول بالسبابة في مجرى الوسطى صوت ( ألمِمْ على طَللٍ عَفا متقادم ... بين اللَّكيكِ وبين غَيْب الناعِم ) ( لولا الحياء وأنّ رأسي قد عَثا ... فيه المشيبُ لزرتُ أمّ القاسِمِ ) فدعا به مولاه فقال له يا بني أعد ما سمعته منك علي فأعاده فإذا هو أحسن مما ابتدأ به فقال إن هذا لمن بعض ما كنت أقول ثم قال أنى لك هذا قال سمعت هذه الأعاجم تتغنى بالفارسية فثقفتها وقلبتها في هذا الشعر قال له فأنت حر لوجه الله فلزم مولاه وكثر أدبه واتسع في غنائه ومهر بمكة وأعجبوا به لظرفه وحسن ما سمعوه منه فدفع إليه مولاه عبيد بن سريج وقال له يا بني علمه واجتهد فيه وكان ابن سريج أحسن الناس صوتا فتعلم منه ثم برز عليه حتى لم يعرف له نظير أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا أخي هارون عن ابن الماجشون عن شيخ من أهل المدينة وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان والحسين بن يحيى قالا أخبرنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال ذكر ابن الكلبي عن أبي مسكين عن شيخ من أهل المدينة قال دخلت على رجل من قريش بالمدينة وعنده رجل ساكن الطرف نبيل تأخذه العين لا أعرفه فقال له القرشي أقسمت عليك إلا ما غنيت صوتا فحول خاتمه من خنصره اليسرى إلى بنصره اليمنى ثم تناول قدحا فغناه لحن ابن سريج في شعر كعب بن جعيل ( إذا امتشطتْ عالَوْا لها بوِسادةٍ ... ومدِّتْ عَسيبَ المتن أن يتعَفَّرا ) ( ثَوَتْ نصفَ شهر تحسَبُ الشهر ليلةً ... تُنَاغي غزَالاً ساجِي الطرف أحوَرَا ) ( تَزَيَّنُ حتى تَسلُبَ المرءَ عقلَه ... وحتى يَحَارَ الطرْفُ فيها ويَسْكُرا ) ثم غنى في شعر توبة بن الحمير ( وغَيَّرني إن كنتِ لَمّا تَغَيّري ... هواجرُ تَكْتَنِّينَها وأسِيرُها ) ( وأدْمَاء من سِرِّ المَهَارى كأنها ... مَهَاةُ صُوَارٍ غيرَ ما مَسّ كُورُها ) ( قطعتُ بها أجوازَ كلِّ تَنُوفَةٍ ... مَخُوفٍ ردَاها كلّما استنَّ مُورُها ) ( تَرى ضعفاءَ القوم فيها كأنهم ... دَعَامِيصُ ماءٍ نَشَّ عنها غَدِيرُها ) قال فقلت له إني لأروي هذا الشعر وما أعرف هذه الأبيات فيه فقال هكذا رويتها عن عبد الله بن جعفر قال وإذا هو نافع الخير مولى عبد الله بن جعفر الغناء في هذين اللحنين لابن مسجح ولم أجد لهما طريقة في شيء من الكتب التي مرت وذكر حبش أن في أبيات كعب بن جعيل لإبراهيم خفيف رمل بالوسطى خبر آخر عن نقله غناء الفرس حدثني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب وعمي وحبيب بن نصر المهلبي قالوا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني عبد الله بن محمد بن موسى الهاشمي قال حدثني أحمد بن موسى بن حمزة بن عمارة بن صفوان الجمحي عن أبيه قال أول من نقل الغناء الفارسي من الفارسي إلى الغناء العربي سعيد بن مسجح مولى بني مخزوم قال وقد يختلف في ولائه إلا أن الأغلب عليه ولاء بني مخزوم وذلك أن معاوية بن أبي سفيان لما بنى دوره التي يقال لها الرقط وهي ما بين الدارين إلى الردم أولها الدار البيضاء وآخرها دار الحمام وهي على يسار المصعد من المسجد إلى ردم عمر حمل لها بنائين فرسا من العراق فكانوا يبنونها بالجص والآجر وكان سعيد بن مسجح يأتيهم فيسمع من غنائهم على بنيانهم فما استحسن من ألحانهم أخذه ونقله إلى الشعر العربي ثم صاغ على نحو ذلك وهو الذي علم الغريض فكان من قديم غنائه الذي صنعه على تلك الأغاني صوت ( أسَلاَمٌ إنَّكِ قد مَلَكْتِ فَأَسجِحي ... قد يملِكُ الحرُّ الكريمُ فَيُسجِحُ ) ( مُنّي على عَانٍ أَطَلْتِ عَنَاءَه ... في الغُلِّ عندك والعُنَاةُ تُسَرَّحُ ) ( إنّي لأنصَحُكُمْ وأعلَمُ أنه ... سِيَّانِ عندك مَنْ يَغُشُّ ويَنصَحُ ) ( وإِذا شكوتُ إلى سَلاَمةَ حُبِّها ... قالتْ أجِدُّ منكَ ذا أم تَمزَحُ ) الشعر للأحوص والغناء لابن مسجح ثقيل أول بالبنصر ولدحمان فيه ثقيل أول بالبنصر ولمالك فيه خفيف ثقيل عن الهشامي قال وهو أول من غنى الغناء العربي المنقول عن الفارسي وعاش سعيد بن مسجح حتى لقيه معبد وأخذ عنه في أيام الوليد بن عبد الملك خبره مع عبد الملك بن مروان حدثني عمي والحسين بن القاسم الكوفي قالا جميعا حدثنا محمد بن سعيد الكراني قال حدثني النضر بن عمرو قال حدثني أبو أمية القرشي قال حدثنا دحمان الأشقر قال كنت عاملا لعبد الملك بن مروان بمكة فنمي إليه أن رجلا أسود يقال له سعيد بن مسجح أفسد فتيان قريش وأنفقوا عليه أموالهم فكتب إلي أن اقبض ماله وسيره ففعلت فتوجه ابن مسجح إلى الشام فصحبه رجل له جوار مغنيات في طريقه فقال له أين تريد فأخبره خبره وقال له أريد الشام قال له فتكون معي قال نعم فصحبه حتى بلغا دمشق فدخلا مسجدها فسألا من أخص الناس بأمير المؤمنين فقالوا هؤلاء النفر من قريش وبنو عمه فوقف ابن مسجح عليهم وسلم ثم قال يا فتيان هل فيكم من يضيف رجلا غريبا من أهل الحجاز فنظر بعضهم إلى بعض وكان عليهم موعد أن يذهبوا إلى قينة يقال لها برق الأفق فتثاقلوا به إلا فتى منهم تذمم فقال أنا أضيفك وقال لأصحابه انطلقوا أنتم وأنا أذهب مع ضيفي قالوا لا بل تجيء أنت وضيفك فذهبوا جميعا إلى بيت القينة فلما أتوا بالغداء قال لهم سعيد إني رجل أسود ولعل فيكم من يقذرني فأنا أجلس وآكل ناحية وقام فاسحيوا منه وبعثوا إليه بما أكل فلما صاروا إلى الشراب قال لهم مثل ذلك ففعلوا به وأخرجوا جاريتين فجلستا على سرير قد وضع لهما فغنتا إلى العشاء ثم دخلتا وخرجت جارية حسنة الوجه والهيئة وهما معها فجلست على السرير وجلستا أسفل منها عن يمين السرير وشماله قال ابن مسجح فتمثلت هذا البيت ( فقلتُ أشمسٌ أم مَصابيحٌ بِيعَةٍ ... بدَتْ لكَ خلفَ السَّجفِ أم أنت حَالمُ ) فغضبت الجارية وقالت أيضرب هذا الأسود بي الأمثال فنظروا إلي نظرا منكرا ولم يزالوا يسكنونها ثم غنت صوتا فقال ابن مسجح أحسنت والله فغضب مولاها وقال أمثل هذا الأسود يقدم على جاريتي فقال لي الرجل الذي أنزلني عنده قم فانصرف إلى منزلي فقد ثقلت على القوم فذهبت أقوم فتذمم القوم وقالوا لي بل أقم وأحسن أدبك فأقمت وغنت فقلت أخطأت والله يا زانية وأسأت ثم اندفعت فغنيت الصوت فوثبت الجارية فقالت لمولاها هذا والله أبو عثمان سعيد بن مسجح فقلت إني والله أنا هو والله لا أقيم عندكم فوثب القرشيون فقال هذا يكون عندي وقال هذا يكون عندي وقال هذا بل عندي فقلت والله لا أقيم إلا عند سيدكم يعني الرجل الذي أنزله منهم ثم سألوه عما أقدمه فأخبرهم الخبر فقال له صاحبه إني أسمر الليلة مع أمير المؤمنين فهل تحسن أن تحدو قال لا ولكني أستعمل حداء قال فإن منزلي بحذاء منزل أمير المؤمنين فإن وافقت منه طيب نفس أرسلت إليك ومضى إلى عبد الملك فلما رآه طيب النفس أرسل إلى ابن مسجح وأخرج رأسه من وراء شرف القصر ثم حدا ( إنكَ يا مُعاذُ يابنَ الفُضَّل ... إن زُلزِلَ الأقدامُ لم تُزلزلَ ) ( عن دين موسى والكتابِ المنزَل ... تُقيمُ أصداغ القرونِ المُيَّلِ ) ( للحقّ حتى ينتَحُوا للأعدلِ ... ) فقال عبد الملك للقرشي من هذا قال رجل حجازي قدم علي قال أحضره فأحضره له وقال له أحد مجدا ثم قال له هل تغني غناء الركبان قال نعم قال غنه فتغنى فقال له فهل تغني الغناء المتقن قال نعم قال غنه فتغنى فاهتز عبد الملك طربا ثم قال له أقسم إن لك في القوم لأسماء كثيرة من أنت ويلك قال له أنا المظلوم المقبوض ماله المسير عن وطنه سعيد بن مسجح قبض مالي عامل الحجاز ونفاني فتبسم عبد الملك ثم قال له قد وضح عذر فتيان قريش في أن ينفقوا عليك أموالهم وأمنه ووصله وكتب إلى عامله برد ماله عليه وألا يعرض له بسوء صوت من المائة المختارة ( سلا دارَ ليلى هل تُبِين فتَنْطِقُ ... وأَنَّى تردّ القولَ بيداءُ سَمْلَقُ ) ( وأنَّى تردّ القولَ دارٌ كأنها ... لطُول بِلاها والتقادمِ مُهْرَقُ ) عروضه من الطويل الشعر لابن المولى وذكر يحيى بن علي بن يحيى عن إسحاق أن الشعر للأعشى وذلك غلط وقد التمسناه في شعر كل أعشى ذكر في شعراء العرب فلم نجده ولا رواه أحد من الرواة لأحد منهم ووجدناه في شعر ابن المولى من قصيدة له طويلة جيدة وقد أثبتناها بعقب أخباره ليوقف على صحة ما ذكرناه إذ كان الغلط إذا وقع من مثل هذه الجهة احتيج إلى إيضاح الحجة على ما خالفه والدلالة على الصواب فيه والغناء في اللحن المختار لعطرد ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق ويونس وعمرو وفيه لأيوب زهرة خفيف ثقيل بالوسطى عن الهشامي وأحمد بن المكي وفي غناء أيوب زهرة زيادة بيتين وهما ( وقال خليلي والبُكا ليَ غالبٌ ... أقاضٍ عليك ذا الأسى والتشوُّقُ ) ( وقد طال تَوْقاني أُكفكِف عَبْرةً ... تكاد إذا رُدَّتْ لها النفسُ تَزْهَقُ ) أخبار ابن المولى ونسبه هو محمد بن عبد الله بن مسلم بن المولى مولى الأنصار ثم من بني عمرو بن عوف شاعر متقدم مجيد من مخضرمي الدولتين ومداحي أهلهما وقدم على المهدي وامتدحه بعدة قصائد فوصله بصلات سنية وكان ظريفا عفيفا نظيف الثياب حسن الهيئة مدح المهدي فاستحق عطاءه أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن عبد الله الحزنبل قال قال لي محمد بن صالح بن النطاح كان ابن المولى يسمى محمدا مولى بني عمرو بن عوف من الأنصار وكان مسكنه بقباء وكان يقدم على المهدي فيمدحه فقدم عليه فأنشده قوله ( سَلاَ دارَ ليلى هل تُبِين فَتَنْطِقُ ... وأنْي تردّ القولَ بيداءُ سَمْلَقُ ) ( وأنىّ تردّ القولَ دارٌ كأنها ... لطول بِلاها والتقادمِ مُهْرَقُ ) ( وقال خليلي والبكا لِيَ غالبٌ ... أقاضٍ عليك ذا الأسى والتشوّقُ ) ( وإِنسانُ عيني في دوائرِ لُجّةٍ ... من الدمع يبدو تارةً ثم يَغْرَقُ ) يقول فيها ( إلى القائم المهديّ أعملتُ ناقتي ... بكل فلاةٍ آلُها يترقرق ) ( إذا غال منها الركبَ صحراء برّحت ... بهم بعدها في السير صحراءُ دردقُ ) ( رَميتُ قَراها بين يوم وليلة ... بفَتْلاء لم ينكُبْ لها الزَّوْرَ مِرْفَقُ ) ( مُزَمِّرَةً سَقْباً كأن زِمامَها ... بحرداء من عُمّ الصَّنَوْبر مُعْلَقُ ) ( موكَّلةً بالفادحات كأنها ... وقد جَعَلت منها الثَّمِيلةُ تَخْلُقُ ) ( بِقِيّ الملا هَيْقٌ أمام رِئاله ... أصَمُّ هِجَفٌّ أقرعُ الرأس نِقْنق ) ( تراها إذا استعجلتَها وكأنها ... على الأَيْن يَعْرُوها من الرَّوْع أَوْلَق ) ( موركِّة أرضَ العُذَيْب وقد بدا ... فسُرّ به للآئبين الخَوَرنقُ ) فاستحسنها المهدي وأجزل صلته وأمر فغني في نسيب القصيدة فأما ما شرطت ذكره من تمام القصيدة فهو بعقب البيت الثاني منها ( عفَتْها الرياحُ الرامِساتُ مع البِلَى ... بأذيالها والرائحُ المُتبَعِّقُ ) ( بكل شآبيبٍ من الماء خلفَها ... شآبيبُ ماءٍ مُزْنها متألِّقُ ) ( إذا رَيِّقٌ منها هُرِيقَتْ سِجَالُه ... أُعِيد لها كِرْفِيُّ ماءٍ ورَيِّقُ ) ( فأصبح يرمي بالرَّباب كأنما ... بأرجله منه نَعامٌ مُعَلَّقُ ) ( فلا تبكِ أطلالَ الديار فإِنها ... خبالٌ لمن لا يدفع الشوقَ عَوْلَقٌ ) ( وإِنّ سفاهاً أن تُرَى متفجِّعا ... بأطلال دارٍ أو يقودَك مَعْلَقُ ) ( فلا تَجْزَعَنْ للبين كلُّ جماعةٍ ... وجَدِّك مكتوبٌ عليها التفرُّقُ ) ( وخذ بالتعزّي كلُّ ما أنتَ لابسٌ ... جديداً على الأيام بالٍ ومُخْلِقُ ) ( فصبرُ الفتى عما تولّى فإِنه ... من الأمر أولَى بالسَّداد وأوفقُ ) ويروى أدنى للذي هو أوفق ( وإِنك بالإِشفاق لا تدفع الرّدى ... ولا الحَيْنُ مجلوبٌ فما لك تُشْفِقُ ) ( كأنْ لم يَرُعْك الدهرُ أو أنتَ آمن ... لأحداثه فيما يُغادي ويَطْرُقُ ) ( وقال خليلي والبكا ليَ غالبٌ ... أقاضٍ عليك ذا الأسى والتشوّقُ ) ( وقد طال تَوْقاني أُكفكِف عَبرةً ... على دِمْنةٍ كادت لها النفسُ تَزْهَقُ ) ( وإِنسانُ عيني في دوائرِ لجّةٍ ... من الماء يبدو تارة ثم يَغرَقُ ) ( وللدّمع من عيني شَريجا صبابةٍ ... مُرِشُّ الرَّجا والجائلُ المُترقرِقُ ) ( وكنتُ أخا عشق ولم يك صاحبي ... فيعذِرَني ممّا يَصَبُّ ويعشَقُ ) ( وقد يعذِر الصبُّ السقيمُ ذوي الهوى ... ويَلحَى المحبيّن الصديقُ فيَخرَقُ ) ( وعاب رجالٌ أن عَلِقتُ وقد بدا ... لهم بعضُ ما أهوَى وذو الحلم يعلَقُ ) والقصيدة طويلة وفي بعض ما ذكرته منها دلالة على صحة ما قلته تشبيه بقوس له سماه ليلى أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز قال خرجت أنا وأبو السائب المخزومي وعبيد الله بن مسلم بن جندب وابن المولى وأصبغ بن عبد العزيز بن مروان إلى قباء وابن المولى متنكب قوسا عربية فأنشد ابن المولى لنفسه ( وأبكِي فلا ليلَى بكت من صَبابةٍ ... إليّ ولا ليلَى لذي الودّ تَبذُلُ ) ( وأخنَع بالعُتبى إذا كنتُ مُذنباً ... وإِن أذنبتْ كنتُ الذي أتنصَّلُ ) فقال له أبو السائب وعبيد الله بن مسلم بن جندب من ليلى هذه حتى نقودها إليك فقال لهما ابن المولى ما هي والله إلا قوسي هذه سميتها ليلى في هذين البيتين ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى لخزرج ويقال إنه لهاشم بن سليمان أخبرني عمي قال حدثنا أبو هفان قال أخبرني أبو محلم عن المفضل الضبي قال وفد ابن المولى على يزيد بن حاتم وقد مدحه بقصيدته التي يقول فيها ( يا واحدَ العرب الذي ... أضحَى وليس له نظيرُ ) ( لو كان مثلَك آخَرٌ ... ما كان في الدّنيا فقيرُ ) قال فدعا بخازنه وقال كم في بيت مالي فقال له من الورق والعين بقية عشرون ألف دينار فقال ادفعها إليه ثم قال يا أخي المعذرة إلى الله وإليك والله لو أن في ملكي أكثر لما احتجبتها عنك يزيد بن حاتم يعوده في مرضه أخبرني الحسن بن علي ومحمد بن خلف بن المرزبان قالا حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثنا مصعب الزبيري عن عبد الملك بن الماجشون قال كان ابن المولى مداحا لجعفر بن سليمان وقثم بن العباس الهاشميين ويزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب واستفرغ مدحه في يزيد وقال في قصيدته التي يقول فيها ( يا واحدَ العرب الذي دانت له ... قَحطانُ قاطبةً وساد نِزارا ) ( إنّي لأرجو إن لقيتُك سالما ... ألاّ أعالِجَ بعدَك الأسفارا ) ( رِشْتَ النَّدَى ولقد تكسَّر رِيشُه ... فعَلا النّدى فوقَ البلاد وطارا ) ثم قصده بها إلى مصر وأنشده إياها فأعطاه حتى رضي ومرض ابن المولى عنده مرضا طويلا وثقل حتى أشفى فلما أفاق من علته ونهض دخل عليه يزيد بن حاتم متعرفا خبره فقال لوددت والله يا أبا عبد الله ألا تعالج بعدي الأسفار حقا ثم أضعف صلته أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني الزبير بن بكار عن عبد الملك بن عبد العزيز قال أخبرني ابن المولى قال كنت أمدح يزيد بن حاتم من غير أن أعرفه ولا ألقاه فلما ولاه المنصور مصر أخذ على طريق المدينة فلقيته فأنشدته وقد خرج من مسجد رسول الله إلى أن صار إلى مسجد الشجرة فأعطاني رزمتي ثياب وعشرة آلاف دينار فاشتريت بها ضياعا تغل ألف دينار أقوم في أدناها وأصيح بقيمي ولا يسمعني وهو في أقصاها أخبرني عمي قال حدثنا الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو قال بلغني أن الحسن بن زيد دعا بابن المولى فأغلظ له وقال أتشبب بحرم المسلمين وتنشد ذلك في مسجد رسول الله وفي الأسواق والمحافل ظاهرا فحلف له بالطلاق أنه ما تعرض لمحرم قط ولا شبب بامرأة مسلم ولا معاهد قط قال فمن ليلى هذه التي تذكر في شعرك فقال له امرأتي طالق إن كانت إلا قوسي هذه سميتها ليلى لأذكرها في شعري فإن الشعر لا يحسن إلا بالتشبيب فضحك الحسن ثم قال إذا كانت القصة هذه فقل ما شئت حنينه إلى المدينة فقال الحزنبل وحدثت عن ابن عائشة محمد بن يحيى قال قدم ابن المولى إلى العراق في بعض سنيه فأخفق وطال مقامه وغرض به وتشوق إلى المدينة فقال في ذلك صوت ( ذهبَ الرجالُ فلا أُحِسّ رِجالا ... وأرَى الإِقامةَ بالعراق ضَلالا ) ( وطِربتُ إذ ذَكَر المدينةَ ذاكرٌ ... يومَ الخميس فهاج لي بَلْبالا ) ( فظللتُ أنظُر في السماء كأنّني ... أبغِي بناحية السماء هلالا ) ( طرباً إلى أهل الحِجاز وتارة ... أبكي بدمع مُسبِل إسبالا ) غنى في هذه الأربعة الأبيات ابن عائشة ولحنه ثاني ثقيل عن الهشامي وذكره حماد عن أبيه في أخباره ولم يذكر طريقته ( فيقال قد أضحَى يُحدِّث نفسَه ... والعينُ تَذرِف في الرّداءِ سِجالا ) ( إنّ الغريب إذا تذكّر أوشكت ... منه المدامع أن تَفيض عِلالا ) ( ولقد أقول لصاحبي وكأنّه ... ممّا يعالج ضُمِّن الأغلالا ) ( خَفِّضْ عليك فما يُرَدْ بك تَلقَهُ ... لا تُكثِرنّ وإِن جزِعتَ مَقالا ) ( قد كنتَ إذ تدع المدينةَ كالذي ... ترك البحارَ ويَمّم الأوشالا ) ( فأجابني خاطرْ بنفسك لا تكن ... أبداً تُعَدّ مع العِيال عِيالا ) ( واعلم بأنك لن تَنالَ جَسيمةً ... حتى تُجشِّم نفسَك الأهوالا ) ( إنّي وجدّك يوم أتْرك زاخراً ... بحراً يُنفّل سيبُه الأنفالا ) ( لأضلُّ من جَلب القوافي صَعْبةً ... حتّى أذَلّ مُتونَها إذلالا ) مدح المهدي والتعريض بالطالبين قال الحزنبل وحدثني عمرو بن أبي عمرو عن أبيه قال حدثني مولى للحسن بن زيد قال قدم ابن المولى على المهدي وقد مدحه بقصيدته التي يقول فيها ( وما قارعَ الأعداءَ مثلُ محمّد ... إذا الحرب أبدت عن حُجول الكَواعبِ ) ( فتىً ماجدُ الأعراقِ من آل هاشمٍ ... تَبَحْبَح منها في الذُّرى والذَّوائبِ ) ( أشمُّ من الرّهط الذين كأنّهم ... لَدى حِنْدِس الظَّلماء زُهْرُ الكواكبِ ) ( إذا ذُكِرَتْ يوماً مَنَاقِبُ هاشِمٍ ... فإِنكُم منها بخيرِ المَنَاصِبِ ) ( وَمَن عِيبَ في أخلاقه ونِصابِه ... فما في بني العبّاس عَيْبٌ لِعائبِ ) ( وإِنّ أميرَ المؤمنين ورَهْطَهُ ... لأهلُ المَعَالِي من لُؤيِّ بن غالبِ ) ( أُولئك أوتادُ البلادِ ووَارِثوا النبي ... ِّ بأمرِ الحقِّ غير التَّكَاذُبِ ) ثم ذكر فيها آل أبي طالب فقال ( وما نَقَموا إلا المودَةَ منهمُ ... وأن غادرُوا فيهم جزيلَ المواهبِ ) ( وأنهمُ نالوا لهم بدمائهم ... شفاءَ نفوسٍ من قتيلٍ وهاربِ ) ( وقاموا لهم دون العدا وكفَوْهُم ... بسُمر القنا والمُرهَفاتِ القَواضِبِ ) ( وحامَوْا على أحسابهم وكرائم ... حسانِ الوجوهِ واضحاتِ التّرائبِ ) ( وإن أمير المؤمنين لعائدٌ ... بإِنعامه فيهم على كلّ تائبِ ) ( إذا ما دَنَوْا أدناهُمُ وإِذا هَفوْا ... تَجاوز عنهم ناظراً في العواقِب ) ( شفيقٌ على الأقَصيْن أن يركبوا الرّدى ... فكيف به في واشِجات الأقاربِ ) قال فوصله المهدي بصلة سنية وقدم المدينة فأنفق وبنى داره ولبس ثيابا فاخرة ولم يزل كذلك مدى حياته بعد ما حباه ثم قدم على الحسن بن زيد وكانت له عليه وظيفة في كل سنة فدخل عليه فأنشده قوله يمدحه ( هاج شوقي تفرّقُ الجِيرانِ ... واعترتني طوارقُ الأحزانِ ) ( وتذكّرتُ ما مضى من زماني ... حين صار الزمانُ شرَّ زمانِ ) يقول فيها يمدح الحسن بن زيد ( ولو ان امرأ ينال خلوداً ... بمحلٍّ ومَنْصِب ومكانِ ) ( أو ببيتٍ ذُراه تَلصَق بالنجم ... ِ قرانا في غير بُرج قِرانِ ) ( أو بمجد الحياة أو بسماحٍ ... أو بحلم أوفَى عَلَى ثَهْلاَنِ ) ( أو بفضل لناله حسَنُ الخَيْرِ ... بفضلِ الرسول ذي البرهانِ ) ( فضلُه واضحٌ برهط أبي القاسم ... رهطِ اليقين والإِيمانِ ) ( هم ذَوُو النور والهُدَى ومَدَى الأمر ... وأهلُ البرهان والعِرفانِ ) ( مَعْدِنُ الحق والنبوّة والعدل ... إذا ما تنازع الخَصْمانِ ) ( وابنُ زيد إذا الرجال تجَارَوْا ... يوم حَفْل وغايةٍ ورِهانِ ) ( سابقٌ مُغْلِقٌ مجيزُ رِهانٍ ... وَرِث السَّبْقَ من أبيه الهِجانِ ) قال فلما أنشده إياها دعا به خاليا ثم قال له يا عاض كذا من أمه أما إذا جئت إلى الحجاز فتقول لي هذا وأما إذا مضيت إلى العراق فتقول ( وإِن أمير المؤمنين ورهطَه ... لرَهطُ المعالي من لُؤَيِّ بن غالبِ ) ( أولئك أوتاد البلاد ووَارِثوا النبيّ ... ِ بأمر الحقِّ غير التَّكاذُبِ ) فقال له أتنصفني يابن الرسول أم لا فقال فقال ألم أقل ( وإِن أمير المؤمنين ورهطه ... ) ألستم رهطه فقال دع هذا ألم تقدر أن ينفق شعرك ومديحك إلا بتهجين أهلي والطعن عليهم والإغراء بهم حيث تقول ( وما نَقَموا إلا المودّةَ منهُمُ ... وأن غادروا فيهم جزيلَ المواهبِ ) ( وأنهمُ نالوا لهم بدمائهم ... شفاءَ نُفوسٍ من قتيلٍ وهاربِ ) فوجم ابن المولى وأطرق ثم قال يابن الرسول إن الشاعر يقول ويتقرب بجهده ثم قال فخرج من عنده منكسرا فأمر الحسن وكيله أن يحمل إليه وظيفته ويزيده فيها ففعل فقال ابن المولى والله لا أقبلها وهو علي ساخط فأما إن قرنها بالرضا فقبلتها وأما إن أقام وهو علي ساخط البتة فلا فعاد الرسول إلى الحسن فأخبره فقال له قل له قد رضيت فاقبلها ودخل على الحسن فأنشده قوله فيه ( سألتُ فأعطاني وأعطى ولم أَسَلْ ... وجاد كما جادت غوادٍ رَواعِدُ ) ( فأُقسمُ لا أنفكُّ أُنشِدُ مَدْحَه ... إذا جمعتْني في الحَجيج المَشاهدُ ) ( إذا قلتُ يوماً في ثنائي قصيدةً ... ثنَيْتُ بأخرى حيث تُجْزَى القصائدُ ) قال الحزنبل وحدثني مالك بن وهب مولى يزيد بن حاتم المهلبي قال لما انصرف يزيد بن حاتم بن حرب الأزارقة وقد ظفر خلع عليه وعقد له لواء على كرر الأهواز وسائر ما افتتحه فدخل عليه ابن المولى وقد مدحه فاستأذن في الإنشاد فأذن له فأنشده صوت ( ألا يا لقَومي هل لِمَا فات مَطلبُ ... وهل يُعْذَرْن ذو صَبْوة وهو أَشْيَبُ ) ( يحِنّ إلى ليلى وقد شَطّت النوى ... بليلَى كما حَنّ اليَراعُ المثقَبُ ) غنى في هذين البيتين عطرد ولحنه رمل بالوسطى عن عمرو بن بانة وفيه ليونس لحن ذكره لنفسه في كتابه ولم يذكر طريقته ( تقرّبتُ ليلى كي تُثيب فزادني ... بِعاداً على بعدٍ إليها التقرّبُ ) ( فداويتُ وجدي باجتنابٍ فلم يكن ... دواءً لِما ألقاه منها التجنُّبُ ) ( فلا أنا عند النَّأيِ سالٍ لحبها ... ولا أنا منها مُشْتَفٍ حين تَصْقَبُ ) ( وما كنت بالراضي بما غيرُه الرِّضا ... ولكنني أنوي العزاءَ فأُغلَبُ ) ( وليلٍ خُدَارِيّ الرّواق جَشِمتُه ... إذا هابه السارون لا أتهيّب ) ( لأظْفَرَ يوماً من يزيد بن حاتم ... بحبل جِوارٍ ذاك ما كنتُ أطلبُ ) ( بلَوتُ وقلّبتُ الرجال كما بَلاَ ... بكفّيه أوسَاطَ القِداح مُقلَّبُ ) ( وصَعَّدني همّي وصَوَّب مرّةً ... وذو الهمّ يوماً مُصْعَدٌ ومُصوَّبُ ) ( لأعرف ما آتى فلم أر مثله ... من الناس فيما حاز شرقٌ ومغرِبُ ) ( أكَرَّ على جيش وأعظمَ هيبةً ... وأوهبَ في جود لما ليس يُوهبُ ) ( تصدّى رجالٌ في المعالي ليَلْحَقوا ... مَداك وما أدركتَه فتَذَبْذبُوا ) ( ورُمت الذي راموا فأذللتَ صعبه ... وراموا الذي أذللتَ منه فأصعَبوا ) ( ومهما تَناولْ من مَنال سَنّية ... يساعدْك فيها المُنْتَمي والمُركِّبُ ) ( ومَنصِبُ آباء كِرامِ نَماهُم ... إلى المجد آباءٌ كِرامٌ ومنصِبُ ) صوت ( كواكبُ دَجْنِ كلّما انقضَّ كوكبٌ ... بدا منهمُ درٌ مُنيرٌ وكوكبُ ) ( أنارَ به آل المهلّب بعدما ... هَوى مَنكِبٌ منهم بليلٍ ومَنكِبُ ) ( وما زال إلْحاحُ الزمان عليهمُ ... بنائبةٍ كادت لها الأرض تَخْرَبُ ) ( فلو أبقتِ الأيامُ حيّاً نَفاسةً ... لأبقاهمُ للجود نابٌ ومِخْلَبُ ) ( وكنتَ ليومَيْ نِعمةٍ ونِكايةٍ ... كما فيهما للنّاس كان المهلَّبُ ) ( ألا حبّذا الأحياءُ منكم وحبّذا ... قبورٌ بها مَوتاكُم حين غُيّبوا ) فأمر له يزيد بن حاتم بعشرة آلاف درهم وفرس بسرجه ولجامه وخلعة وأقسم على من كان بحضرته أن يجيزوه كل واحد منهم بما يمكنه فانصرف بملء يده استحسان عمرو بن أبي عمرو لشعره قال الحزنبل أنشدني عمرو بن أبي عمرو لابن المولى وكان يستحسنها صوت ( حَيّ المنازلَ قد بَلِينا ... أقوَينَ عن مَرّ السِّنينا ) ( وسلِ الدّيار لعلَّها ... تُخبرْك عن أُمِّ البَنينا ) ( بانت وكلُّ قرينةٍ ... يوماً مفارِقةٌ قرينا ) ( وأخو الحياة من الحياةِ ... مُعالِجٌ غِلَظا ولِينا ) غنى في هذه الأبيات نبيه حفيف ثقيل بالبنصر ( وترى المُوَكَّل بالِغوْانِي ... راكباً أبداً فُنونا ) ( ومن البليّة أن تُدانَ ... بما كرِهتَ ولن تَدينا ) ( والمرءُ تُحرَم نفسُه ... ما لا يزال به حَزينا ) ( وتَراه يَجمع مالَه ... جمعَ الحريص لوارِثينا ) ( يسعَى بأفضلِ سعيه ... فيصيرُ ذاك لقاعدينا ) ( لم يُعطِ ذا النّسب القريب ... ِ ولمِ يَجُدْ للأبعدينا ) ( قد حلَّ منزلَه الذميمَ ... وفارق المتنصِّحينا ) المهدي يأمر له ولعياله ما يكفيه قال الحزنبل وذكر أحمد بن صالح بن النطاح عن المدائني أن المهدي لما ولي الخلافة وحج فرق في قريش والأنصار وسائر الناس أموالا عظيمة ووصلهم صلات سنية فحسنت أحوالهم بعد جهد أصاب الناس في أيام أبيه لتسرعهم مع محمد بن عبد الله بن حسن وكانت سنة ولايته سنة خصب ورخص فأحبه الناس وتبركوا به وقالوا هذا هو المهدي وهذا ابن عم رسول الله وسميه فلقوه فدعوا له وأثنوا عليه ومدحته الشعراء فمد عينه في الناس فرأى ابن المولى فأمر بتقريبه فقرب منه فقال له هات يا مولى الأنصار ما عندك فأنشده قوله فيه ( يا ليلَ لا تبخَلي يا ليلَ بالزادِ ... واشفِي بذلك داءَ الحائم الصادي ) ( وأنجِزِي عِدّةً كانت لنا أمَلاً ... قد جاء مِيعادُها من بعد ميعادِ ) ( ما ضرّه غيرُ أن أبدى مَودّته ... إنّ المحُبَّ هواه ظاهرٌ بادي ) ثم قال فيها يصف ناقته ( تَطوي البلادَ إلى جمٍّ منافعُه ... فعّال خيرٍ لفعل الخير عوّادِ ) ( للمهتدين إليه من منافعه ... خيرٌ يروح وخير باكرٌ غادي ) ( أغنَى قُريشاً وأنصارَ النبيّ ومَنْ ... بالمسجِدَيْن بإسعاد وإِحفادِ ) ( كانت منافعُه في الأرض شائعةً ... تَتْرَى وسيرتُه كالماء للصّادي ) ( خليفةُ الله عبدُ الله والدُه ... وأمُّه حُرّةٌ تُنْمَى لأمجادِ ) ( من خير ذي يَمنٍ في خير رابِيةٍ ... من القبول إليها مَعْقِل النّادي ) حتى أتى على آخرها فأمر له بعشرة آلاف درهم وكسوة وأمر صاحب الجاري بأن يجري له ولعياله في كل سنة ما يكفيهم وألحقهم في شرف العطاء قال وذكر ابن النطاح عن عبد الله بن مصعب الزبيري قال وفدنا إلى المهدي ونحن جماعة من قريش والأنصار فلما دخلنا عليه سلمنا ودعونا وأثنينا فلما فرغنا من كلامنا أقبل على ابن المولى فقال هات يا محمد ما قلت فأنشده صوت ( نادَى الأحبّةُ باحتمالِ ... إنّ المُقيم إلى زَوالِ ) ( ردّ القِيانُ عليهمُ ... ذُلُلَ المطيّ من الجِمالِ ) ( فتحمّلوا بعَقيلةٍ ... زهراءَ آنسةِ الدَّلالِ ) ( كالشمس راق جَمالُها ... بين النّساء على الجَمالِ ) ( لمّا رأيت جِمالهم ... في الآل تَغْرَق باللآلىء ) ( يا ليت ذلك بعدَ أن ... أظهرتَ أنّك لا تُبالِي ) ( ولمِثْل ما جرّبتَ من ... إخلافهنّ لذي الوصالِ ) ( أسلاكَ عن طَلب الصِّبا ... وأخو الصّبا لا بدّ سالي ) ( يابنِ الأطايب للأطايب ... ذا المَكارم والمَعالي ) ( وابنَ الهُداةَ بني الهداةِ ... وكاشِفي ظُلمَ الضّلالِ ) ( أصحبتَ أكرمَ غالبٍ ... عند التّفاخر والنِّضالِ ) ( وإِذا تُحَصِّلُ هاشمٌ ... يعلو بمجدك كلُّ عالي ) ( ويكون بيتُك منهمُ ... في الشاهقات من القِلالِ ) ( هذا وأنت ثِمالُها ... وابنُ الثّمالِ أخو الثِّمالِ ) ( ومآلُها بأمورها ... إنّ الأمور إلى مآلِ ) قال فأمر له خاصة بعشرة آلاف درهم معجلة ثم ساواه بسائر الوفد بعد ذلك في الجائزة وأعطاه مثل ما أعطاهم وقال ذلك بحق المديح وهذا بحق الوفادة أخبرني محمد بن عمران الصيرفي أبو أحمد وعمي قالا حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني إبراهيم بن إسحاق بن عبد الرحمن بن طلحة بن عمر بن عبيد الله قال حدثني عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال قدم عبد الملك بن مروان المدينة وكان ابن المولى يكثر مدحه وكان يسأل عنه من غير أن يكونا التقيا قال وابن المولى مولى الأنصار فلما قدم عبد الملك المدينة قدم ابن المولى لما بلغه من مسألة عبد الملك عنه فوردها وقد رحل عبد الملك عنها فأتبعه فأدركه بإضمَ بذي خشب بين عين مروان وعين الحديد وهما جميعا لمروان فالتفت عبد الملك إليه وابن المولى على نجيب متنكبا قوسا عربية فقال له عبد الملك ابن المولى قال لبيك يا أمير المؤمنين قال مرحبا بمن نالنا شكره ولم ينله منا فعل ثم قال له أخبرني عن ليلى التي تقول فيها ( وأبكي فلا لَيْلَى بكَتْ من صَبابةٍ ... إليّ ولا ليلى لذي الوُدّ تَبذِلُ ) والله لئن كانت ليلى حرّةً لأزوجنكها ولئن كانت أمة لأبتاعنها لك بما بلغت فقال كلا يا أمير المؤمنين والله ما كنت لأذكر حرمة حر أبدا ولا أمته والله يا ليلى إلا قوسي هذه سميتها ليلى لأشبب بها وإن الشاعر لا يستطاب إذا لم يتشبب فقال له عبد الملك ذلك والله أظرف لك فأقام عنده يومه وليلته ينشده ويسامره ثم أمر له بمال وكسوة وانصرف إلى المدينة شعره في جعفر بن سليمان أخبرني حبيب المهلبي عن الزبير وغيره عن محمد بن فضالة النحوي قال قدم ابن المولى البصرة فأتى جعفر بن سليمان فوقف على طريقه وقد ركب فناداه ( كم صارخٍ يدعو وذي فاقةٍ ... يا جعفرَ الخيراتِ يا جعفرُ ) ( أنت الذي أحييتَ بَذْلَ الندى ... وكان قد مات فلا يُذْكَرُ ) ( سليلُ عبّاسٍ وليّ الهدى ... ومن به في المَحْل يُسْتَمْطَرُ ) ( هذا امتداحِيك عقيد الندى ... أشهد بالمجد لك الأَشْقَرُ ) أخبار عطرد ونسبه عطرد مولى الأنصار ثم مولى بني عمرو بن عوف وقيل إنه مولى مزينة مدني يكنى أبا هارون وكان ينزل قباء وزعم إسحاق أنه كان جميل الوجه حسن الغناء طيب الصوت جيد الصنعة حسن الرأي والمروءة فقيها قارئا للقرآن وكان يغني مرتجلا وأدرك دولة بني أمية وبقي إلى أيام الرشيد وذكر ابن خرداذبه فيما حدثني به علي بن عبد العزيز عنه أنه كان معدل الشهادة بالمدينة أخبره بذلك يحيى بن علي المنجم عن أبي أيوب المديني عن إسحاق وأخبرنا محمد بن خلف وكيع عن حماد بن إسحاق عن أبيه أن سلمة بن عباد ولي القضاء بالبصرة فقصد ابنه عباد بن سلمة عطردا وهو بها مقيم قد قصد آل سليمان بن علي وأقام معهم فأتى بابه ليلا فدق عليه ومعه جماعة من أصحابه أصحاب القلانس فخرج عطرد إليه فلما رآه ومن معه فزع فقال لا ترع ( إني قصدتُ إليك من أهلي ... في حاجةٍ يأتي لها مثلي ) فقال وما هي أصلحك الله قال ( لا طالباً شيئاً إليك سوى ... حيِّ الحُمُولَ بجانب العزْلِ ) فقال انزلوا على بركة الله فلم يزل يغنيهم هذا وغيره حتى أصبحوا نسبة هذا الصوت صوت ( حيِّ الحُمُولَ بجانب العَزْلِ ... إذ لا يوافق شكلُها شكلي ) ( الله أنجحُ ما طلبتَ به ... والبِرُّ خيرُ حقيبة الرَّحْلِ ) ( إني بحبلك واصلٌ حبلي ... وبريش نَبْلك رائشٌ نَبْلِي ) ( وشمائلي ما قد علمت وما ... نبحتْ كلابُك طارقاً مثلي ) الشعر لامرئ القيس بن عابس الكندي هكذا روى أبو عمرو الشيباني وقال إن من يرويه لامرئ القيس بن حجر يغلط والغناء لعطرد ثقيل أول بالبنصر عن عمرو بن بانة وفيه لعمرو بن بانة ثقيل بالوسطى من روايته أيضا وفيه لابن عائشة خفيف رمل بالبنصر وفيه عنه وعن دنانير لمالك خفيف ثقيل أول بالوسطى وفيه عنه أيضا لإبراهيم ثاني ثقيل بالبنصر المهدي لا يأنس لغناء إبراهيم بن خالد المعيطي وأخبرني يحيى بن علي قال حدثنا أبو أيوب المديني وأخبرني به الحسن بن علي قال كتب إلي أبو أيوب المديني وخبره أتم قال حدثني علي بن محمد النوفلي عن أبيه عن إبراهيم بن خالد المعيطي قال دخلت على المهدي وقد كان وصف له غنائي فسألني عن الغناء وعن علمي به فنسبته من ذلك طرفا فقال لي أتغني النواقيس قلت نعم وأغني الصلبان يا أمير المؤمنين فتبسم والنواقيس لحن معبد كان معبد وأهل الحجاز يسمونه النواقيس وهو ( سَلاَ دارَ ليلَى هل تُبين فتَنْطِقُ ... وأنَّى تَرُدُّ القولَ بيداءُ سَمْلقُ ) قال ثم قال لي المهدي وهو يضحك غنه فعنيته فأمر لي بمال جزيل وخلع علي وصرفني ثم بلغني أنه قال هذا معيطي وأنا لا آنس به ولا حاجة لي إلى أن أدنيه من خلوتي وأنا لا آنس به هكذا ذكر في هذا الخبر أن اللحن لمعبد وما ذكره أحد من رواة الغناء له ولا وجد في ديوان من دواوينهم منسوبا إليه على انفراد به ولا شركة فيه ولعله غلط خبر إبراهيم بن خالد مع ابن جامع وقد أخبرني هذا الخبر الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال كان إبراهيم بن المعيطي يغني فدخل يوما الحمام وابن جامع فيه وكان له شيء يجاوز ركبتيه فقال له ابن جامع يا إبراهيم أتبيع هذا البغل قال لا بل أحملك عليه يا أبا القاسم فلما خرج ابن جامع من الحمام رأى ثياب المعيطي رثة فأمر له بخلعة من ثيابه فقال له المعيطي لو قبلت حملاني قبلت خلعتك فضحك ابن جامع وقال له مالك أخزاك الله ويلك أما تدع ولعك وبطالتك وشرك ودخل إلى الرشيد فحدثه حديثه فضحك وأمر بإحضاره فأحضر فقال له أتغني النواقيس قال نعم وأغني الصلبان أيضا ثم ذكر باقي الخبر مثل الذي تقدمه أخبرني يحيى بن علي قال حدثني أبو أيوب المديني عن إسحاق قال كان عطرد منقطعا في دولة بني هاشم إلى آل سليمان بن علي لم يخدم غيرهم وتوفي في خلافة المهدي قال وكان يوما يغني بين يدي سليمان بن علي فغناه صوت ( أُلْهُ فكم من ماجدٍ قد لَها ... ومن كريمٍ عرضُه وافِرُ ) الغناء لعطرد ثاني ثقيل عن الهشامي فقيل له سرقت هذا من لحن الغريض ( يا رَبْعَ سلاّمةَ بالمُنْحَنى ... فَخيْفِ سلْعٍ جادَك الوابلُ ) فقال لم أسرقه ولكن العقول تتوافق وحلف أنه لم يسمعه قط نسبة هذا الصوت صوت ( يا ربعَ سلاّمةَ بالمُنْحَنَى ... فخَيْفِ سَلْع جادكَ الوابلُ ) ( إن تُمْسِ وحشاً طالما قد تُرَى ... وأنتَ معمورٌ بهم آهِلُ ) ( أيامَ سلاّمةُ رُعْبُوبةٌ ... خَوْدٌ لَعُوبٌ حبُّها قاتلُ ) ( محطوطةُ المَتْن هَضِيمُ الحَشى ... لا يطَّبيها الوَرَعُ الواغلُ ) الغناء للغريض ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو بن يحيى المكي قال ومن الناس من ينسبه إلى ابن سريج إطلاقه ومن معه بعد أن حبسه زبراء والي المدينة أخبرني أحمد بن علي بن يحيى قال سمعت جدي علي بن يحيى قال حدثني أحمد بن إبراهيم الكاتب قال حدثني خالد بن كلثوم قال كنت مع زبراء بالمدينة وهو وال عليها وهو من بني هاشم أحد بني ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب فأمر بأصحاب الملاهي فحبسوا وحبس عطرد وأخبروه أنه من أهل الهيئة والمروءة والنعمة والدين فدعا به فخلى سبيله وأمره برفع حوائجه إليه فدعا له وخرج فإذا هو بالمغنين أحضروا ليعرضوا فعاد إليه عطرد فقال أصلح الله الأمير أعلى الغناء حبست هؤلاء قال نعم قال فلا تظلمهم فوالله ما أحسنوا منه شيئا قط فضحك وخلى سبيلهم خبره مع الوليد بن يزيد أخبرني محمد بن مزيد وجحظة قالا حدثنا حماد بن إسحاق قال قرأت على أبي عن محمد بن عبد الحميد بن إسماعيل بن عبد الحميد بن يحيى عن عمه أيوب بن إسماعيل قال لما استخلف الوليد بن يزيد كتب إلى عامله بالمدينة يأمره بالشخوص إليه بعطرد المغني قال عطرد فأقرأني العامل الكاتب وزودني نفقة وأشخصني إليه فأدخلت عليه وهو جالس في قصره على شفير بركة مرصصة مملوءة خمرا ليست بالكبيرة ولكنها يدور الرجل فيها سباحة فوالله ما تركني أسلم عليه حتى قال أعطرد قلت نعم يا أمير المؤمنين قال لقد كنت إليك مشتاقا يا أبا هارون غنني ( حيِّ الحُمولَ بجانب العَزْلِ ... إذ لا يُلائم شكلُها شكلي ) ( إني بحبلكِ واصلٌ حبلي ... وبريش نَبْلكِ رائشٌ نبلي ) ( وشمائلي ما قد علمتِ وما ... نبحَتْ كلابُك طارقاً مثلي ) قال فغينته إياه فوالله ما أتممته حتى شق حلة وشي كانت عليه لا أدري كم قيمتها فتجرد منها كما ولدته أمه وألقاها نصفين ورمى بنفسه في البركة فنهل منها حتى تبينت علم الله فيها أنها قد نقصت نقصانا بينا وأخرج منها وهو كالميت سكرا فأضجع وغطي فأخذت الحلة وقمت فوالله ما قال لي أحد دعها ولا خذها فانصرفت إلى منزلي متعجبا مما رأيت من ظرفه وفعله وطربه فلما كان من غد جاءني رسوله في مثل الوقت فأحضرني فلما دخلت عليه قال لي يا عطرد قلت لبيك يا أمير المؤمنين قال غنني ( أيَذْهبُ عمري هكذا لم أَنَلْ بها ... مَجَالسَ تَشفِي قَرْحَ قلبي من الوجدِ ) ( وقالوا تَدَاوَ إنّ في الطّبِّ راحةً ... فعللتُ نفسي بالدواء فلم يُجْدِ ) فغنيته إياه فشق حلة وشي كانت تلتمع عليه بالذهب التماعا احتقرت والله الأولى عندها ثم ألقى نفسه في البركة فنهل فيها حتى تبينت علم الله نقصانها وأخرج منها كالميت سكرا وألقي وغطي فنام وأخذت الحلة فوالله ما قال لي أحد دعها ولا خذها وانصرفت فلما كان اليوم الثالث جاءني رسوله فدخلت إليه وهو في بهو قد ألقيت ستوره فكلمني من وراء الستور وقال يا عطرد قلت لبيك يا أمير المؤمنين قال كأني بك الآن قد أتيت المدينة فقمت بي في مجلسها ومحفلها وقعدت وقلت دعاني أمير المؤمنين فدخلت إليه فاقترح علي فغنيته وأطربته فشق ثيابه وأخذت سلبه وفعل وفعل والله يابن الزانية لئن تحركت شفتاك بشيء مما جرى فبلغني لأضربن عنقك يا غلام أعطه ألف دينار خذها وانصرف إلى المدينة فقلت إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في تقبيل يده ويزودني نظرة منه وأغنيه صوتا فقال لا حاجة بي ولا بك إلى ذلك فانصرف قال عطرد فخرجت من عنده وما علم الله أني ذكرت شيئا مما جرى حتى مضت من دولة بني هاشم مدة نسبة هذين الصوتين الصوت الأول مما غناه عطرد الوليد قد نسب في أول أخباره والثاني الذي أوله ( أَيذهبُ عمري هكذا لم أَنَلْ بها ... ) الغناء فيه لعطرد ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه ليونس من كتابه لحن لم يذكر طريقته وذكر عمرو بن بانة أن فيه لإبراهيم ثاني ثقيل بالوسطى صوت من المائة المختارة ( إن امرأً تَعْتَاده ذكَرٌ ... منها ثَلاثُ مِنًى لَذو صَبرِ ) ( ومواقفَ بالمَشْعَرَيْنِ لها ... ومناظرُ الجَمَرات والنحرِ ) ( وإفاضةُ الرُّكبان خَلْفَهمَ ... مثلُ الغمام أَرَذّ بالقَطْرِ ) ( حتى استلمنَ الركن في أَنُفٍ ... من ليلهنّ يَطَأن في الأُزْرِ ) ( يَقْعُدن في التَّطْواف آوِنةً ... ويَطُفن أحياناً على فَتْرِ ) ( ففرَغن من سَبْع وقد جُهِدَتْ ... أحشاؤهن موائلَ الخُمْرِ ) الشعر للحارث بن خالد المخزومي والغناء في اللحن المختار للأبجر وإيقاعه من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر في الأول والثاني والسادس من الأبيات عن إسحاق وفيه للغريض خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو ولابن سريج في الثالث والرابع رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق أخبار الحارث بن خالد المخزومي ونسبه الحارث بن خالد بن العاص بن هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وأمه فاطمة بنت أبي سعيد بن الحارث بن هشام وأمها بنت أبي جهل بن هشام وكان العاص بن هشام جد الحارث بن خالد خرج مع المشركين يوم بدر فقتله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أبو لهب يسترق العاص بن هشام حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثني مصعب بن عبد الله قال قامر أبو لهب العاص بن هشام في عشر من الإبل فقمره أبو لهب ثم في عشر فقمره ثم في عشر فقمره ثم في عشر فقمره ثم في عشر فقمره إلى أن خلعه من ماله فلم يبق له شيء فقال له إني أرى القداح قد حالفتك يابن عبد المطلب فهلم أقامرك فأينا قمر كان عبدا لصاحبه قال افعل ففعل فقمره أبو لهب فكره أن يسترقه فتغضب بنو مخزوم فمشى إليهم وقال افتدوه مني بعشر من الإبل فقالوا لا والله ولا بوبرة فاسترقه فكان يرعى له إبلا إلى أن خرج المشركون إلى بدر وقال غير مصعب فاسترقه وأجلسه قينا يعمل الحديد فلما خرج المشركون إلى بدر كان من لم يخرج أخرج بديلا وكان أبو لهب عليلا فأخرجه وقعد على أنه إن عاد إليه أعتقه فقتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه يومئذ الحارث بن خالد يقصر شعره على الغزل والحارث بن خالد أحد شعراء قريش المعدودين الغزليين وكان يذهب مذهب عمر بن أبي ربيعة لا يتجاوز الغزل إلى المديح ولا الهجاء وكان يهوى عائشة بنت طلحة بن عبيد الله ويشبب بها وولاه عبد الملك بن مروان مكة وكان ذا قدر وخطر ومنظر في قريش وأخوه عكرمة بن خالد المخزومي محدث جليل من وجوه التابعين قد روى عن جماعة من الصحابة وله أيضا أخ يقال له عبد الرحمن بن خالد شاعر وهو الذي يقول ( رَحَل الشبابُ وليتَه لم يَرْحَلِ ... وغدا لِطيَّةِ ذاهبٍ مُتَحمِّلِ ) ( ولّى بلا ذمٍّ وغادر بعدَه ... شَيْباً أقام مكانَه في المَنزِلِ ) ( ليت الشبابَ ثَوَى لدينا حِقْبَةً ... قبل المشيب وليته لم يَعْجَلِ ) ( فنُصِيبَ من لذّاته ونعيمه ... كالعهد إذ هو في الزمان الأوّلِ ) وفيه غناء حدثني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال قال معاذ بن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء كان أبو عمرو إذا لم يحج استبضعني الحروف أسأل عنها الحارث بن خالد بن العاص بن هاشم بن المغيرة الشاعر وآتيه بجوابها قال فقدمت عليه سنة من السنين وقد ولاه عبد الملك بن مروان مكة فلما رآني قال يا معاذ هات ما معك من بضائع أبي عمرو فجعلت أعجب من اهتمامه بذلك وهو أمير هو أحد شعراء قريش الخمسة المشهورين أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار وأخبرني به الحسن ابن علي عن أحمد بن سعيد عن الزبير ولفظه أتم قال حدثني محمد بن الضحاك الحزامي قال كانت العرب تفضل قريشا في كل شيء إلا الشعر فلما نجم في قريش عمر بن أبي ربيعة والحارث بن خالد المخزومي والعرجي وأبو دهبل وعبيد الله بن قيس الرقيات أقرت لها العرب بالشعر أيضا أخبرني علي بن صالح بن الهيثم وإسماعيل بن يونس وحبيب بن نصر وأحمد بن عبد العزيز قالوا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن يحيى أبو غسان قال تفاخر مولى لعمر بن أبي ربيعة ومولى للحارث بن خالد بشعريهما فقال مولى الحارث لمولى عمر دعني منك فإن مولاك والله لا يعرف المنازل إذا قلبت يعني قول الحارث ( إني وما نَحَروا غداةَ مِنًى ... عند الجِمار تَؤُودها العُقْلُ ) ( لو بُدِّلتْ أعلى مَسَاكنِها ... سُفْلاً وأصبح سُفْلُها يَعْلُو ) ( فَيكاد يعرِفها الخبيرُ بها ... فيرُدّه الإِقُدْاءُ والمَحْلُ ) ( لعرفتُ مَغْناها بما احتمَلتْ ... منّي الضلوعُ لأهلها قَبْلُ ) قال عمر بن شبة وحدثني محمد بن سلام بهذا الخبر على نحو مما ذكره أبو غسان وزاد فيه فقال مولى ابن أبي ربيعة لمولى الحارث والله ما يحسن مولاك في شعر إلا نسب إلى مولاي قال ابن سلام وأنشد الحارث بن خالد عبد الله بن عمر هذه الأبيات كلها حتى انتهى إلى قوله ( لعرفتُ مغناهَا بما احتملتْ ... منّي الضلوعُ لأهلها قبلُ ) فقال له ابن عمر قل إن شاء الله قال إذا يفسد بها الشعر يا عم فقال له يابن أخي إنه لا خير في شيء يفسده إن شاء الله قال عمر وحدثني هذه الحكاية إسحاق بن إبراهيم في مخاطبته لابن عمر ولم يسندها إلى أحد وأظنه لم يروها إلا عن محمد بن سلام وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان عن أبي الفضل المروروذي عن إسحاق عن أبي عبيدة فذكر قصة الحارث مع ابن عمر مثل الذي تقدمه كثير عزة يفضله على نفسه أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا الرياشي قال حدثني أبو سلمة الغفاري عن يحيى بن عروة بن أذينة عن أبيه قال كان كثير جالسا في فتية من قريش إذ مر بهم سعيد الراس وكان مغنيا فقالوا لكثير يا أبا صخر هل لك أن نسمعك غناء هذا فإنه مجيد قال افعلوا فدعوا به فسألوه أن يغنيهم صوت ( هَلاِّ سألتَ معالِمَ الأطلالِ ... بالجِزع من حُرُضٍ وهنَّ بَوَالِي ) ( سَقْياً لعَزّةَ خُلّتي سَقْيا لها ... إذ نحن بالهَضَباتِ من أمْلالِ ) ( إذ لا تكلّمنا وكان كلامُها ... نَفَلا نؤمّله من الأَنْفالِ ) فغناه فطرب كثير وارتاح وطرب القوم جميعا واستحسنوا قول كثير وقالوا له يا أبا صخر ما يستطيع أحد أن يقول مثل هذا فقال بلى الحارث بن خالد حيث يقول صوت ( إني وما نَحروا غداةَ مِنًى ... عند الجِمار تَؤودُها العُقْلُ ) ( لو بُدّلتْ أعلى مساكنها ... سُفْلا وأصبح سُفْلها يعلو ) ( لعرَفتُ مَغناها بما احتملَتْ ... منّي الضلوع لأهلها قَبْلُ ) نسبة ما في هذه الأخبار من الأغاني في أبيات كثير الأول التي أولها ( هلاّ سألتَ مَعالِمَ الأطلال ... ) لابن سريج منها في الثاني والثالث رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وللغريض في الأول والثاني ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عنه وفيهما لعلويه رمل بالوسطى عن عمرو وفي أبيات الحارث بن خالد لإبراهيم الموصلي رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق أيضا أشعب يتمثل بشعره أخبرني عمي حدثنا الكراني قال حدثنا الخليل بن أسد عن العمري عن الهيثم بن عدي قال دخل أشعب مسجد النبي فجعل يطوف الحلق فقيل له ما تريد فقال أستفتي في مسألة فبينا هو كذلك إذ مر برجل من ولد الزبير وهو مسند إلى سارية وبين يديه رجل علوي فخرج أشعب مبادرا فقال له الذي سأله عن دخوله وتطوافه أوجدت من أفتاك في مسألتك قال لا ولكني علمت ما هو خير لي منها قال وما ذاك قال وجدت المدينة قد صارت كما قال الحارث بن خالد ( قد بُدّلتْ أعْلَى مساكنها ... سُفْلاً وأصبح سُفْلها يعلو ) رأيت رجلا من ولد الزبير جالسا في الصدر ورجلا من ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه جالسا بين يديه فكفى هذا عجبا فانصرفت أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة وأخبرني هذا الخبر إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان وأخبرني به محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو عبد الله بن محمد بن حفص عن أبيه قال قال محمد بن خلف أخبرني به أبو أيوب سليمان بن أيوب المدني قال حدثنا مصعب الزبيري وأخبرني به أيضا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي وقد جمعت رواياتهم في هذا الخبر أن بني مخزوم كلهم كانوا زبيرية سوى الحارث بن خالد فإنه كان مروانيا عبد الملك يوليه مكة فلما ولي عبد الملك الخلافة عام الجماعة وفد عليه في دين كان عليه وذلك في سنة خمس وسبعين وقال مصعب في خبره بل حج عبد الملك في تلك السنة فلما انصرف رحل معه الحارث إلى دمشق فظهرت له منه جفوة وأقام ببابه شهرا لا يصل إليه فانصرف عنه وقال فيه ( صَحِبتُك إذ عَيْني عليها غِشاوةٌ ... فلما انجَلَتْ قَطّعتُ نفسي ألومُها ) ( وما بي وإن أَقصْيتَني من ضرَاعةٍ ... ولا افتقرتْ نفسي إلى من يضيمُها ) هذا البيت في رواية ابن المرزبان وحده ( عَطَفتُ عليك النفسَ حتى كأنما ... بكفّيْكَ بؤسِي أو عليك نعيمُها ) وبلغ عبد الملك خبره وأنشد الشعر فأرسل إليه من رده من طريقه فلما دخل عليه قال له حار أخبرني عنك هل رأيت عليك في المقام ببابي غضاضة أو في قصدي دناءة قال لا والله يا أمير المؤمنين قال فما حملك على ما قلت وفعلت قال جفوة ظهرت لي كنت حقيقا بغير هذا قال فاختر فإن شئت أعطيتك مائة ألف درهم أو قضيت دينك أو وليتك مكة سنة فولاه إياها فحج بالناس وحجت عائشة بنت طلحة عامئذ وكان يهواها فأرسلت إليه أخر الصلاة حتى أفرغ من طوافي فأمر المؤذنين فأخروا الصلاة حتى فرغت من طوافها ثم أقيمت الصلاة فصلى بالناس وأنكر أهل الموسم ذلك من فعله وأعظموه فعزله وكتب إليه يؤنبه فيما فعل فقال ما أهون والله غضبه إذا رضيت والله لو لم تفرغ من طوافها إلى الليل لأخرت الصلاة إلى الليل فلما قضت حجها أرسل إليها يابنة عمي ألمي بنا أوعدينا مجلسا نتحدث فيه فقالت في غد أفعل ذلك ثم رحلت من ليلتها فقال الحارث فيها صوت ( ما ضرّكم لو قلتم سَددَاً ... إنّ المطايا عاجِلٌ غَدُها ) ( ولها علينا نِعمةٌ سَلَفتْ ... لسنا على الأيام نجحدُها ) ( لو تمّمَتْ أسبابَ نعمتها ... تمّتْ بذلك عندنا يدُها ) لمعبد في هذه الأبيات ثقيل أول بالوسطى عن عمرو بن بانة ويونس ودنانير وقد ذكره إسحاق فنسبه إلى ابن محرز ثقيلا أول في أصوات قليلة الأشباه وقال عمرو بن بانة من الناس من نسبه إلى الغريض نسبة ما في الأخبار من الغناء صوت ( وما بي وإن أقصيتني من ضَراعة ... ولا افتقرتْ نفسي إلى من يُهينُها ) ( بَلَى بأبي إني إليك لضَارعٌ ... فقيرٌ ونفسي ذاك منها يَزِينُها ) البيت الأول للحارث بن خالد والثاني ألحق به والغناء للغريض ثقيل أول بالوسطى عن ابن المكي وذكر الهشامي أن لحن الغريض خفيف ثقيل في البيت الأول فقط وحكى أن قافيته على ما كان الحارث قاله ( ولا افتقرت نفسي إلى من يَضيمها ... ) وأن الثقيل الأول لعلية بنت المهدي ومن غنائها البيت المضاف وأخلق بأن يكون الأمر على ما ذكره لأن البيت الثاني ضعيف يشبه شعرها شعره بعائشة بنت طلحة بعد رحيلها وزوجها أخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر وإسماعيل بن يونس قالوا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو غسان محمد بن يحيى قال لما تزوج مصعب بن الزبير عائشة بنت طلحة ورحل بها إلى العراق قال الحارث بن خالد في ذلك صوت ( ظَعَن الأميرُ بأحسن الخَلْقِ ... وغدا بلُبّك مَطْلَعَ الشَّرْقِ ) ( في البيت ذي الحسبِ الرفيعِ ومِن ... أهلِ التُّقَى والبرِّ والصِّدقِ ) ( فظَلِلتُ كالمقهور مهجته ... هذا الجنونُ وليس بالعِشْقِ ) ( أَتْرُجَّةٌ عَبِقَ العبيرُ بها ... عَبَقَ الدِّهان بجانب الحُقِّ ) ( ما صبّحتْ أحداً برؤيتها ... إلا غدا بكواكب الطَّلْقِ ) وهي أبيات غنى ابن محرز في البيتين الأولين خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وذكر عمرو بن بانة أن فيها لمالك ثقيلا بالوسطى وذكر حبش أن فيهما لمالك رملا بالوسطى وذكر حبش أيضا أن فيهما للدلال ثاني ثقيل بالبنصر ولابن سريج ومالك رملين ولسعيد بن جابر هزجا بالوسطى خبره في مكة مع عائشة أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر والحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن سلام عن ابن جعدية قال لما أن قدمت عائشة بنت طلحة أرسل إليها الحارث بن خالد وهو أمير على مكة إني أريد السلام عليك فإذا خف عليك أذنت وكان الرسول الغريض فقالت له إنا حرم فإذا أحللنا أذناك فلما أحلت سرت على بغلاتها ولحقها الغريض بعسفان أو قريب منه ومعه كتاب الحارث إليها ( ما ضَرّكم لو قلتُمُ سَدَداً ) الأبيات المذكورة فلما قرأت الكتاب قالت ما يدع الحارث باطله ثم قالت للغريض هل أحدثت شيئا قال نعم فاسمعي ثم اندفع يغني في هذا الشعر فقالت عائشة والله ما قلنا إلا سددا ولا أردنا إلا أن نشتري لسانه وأتى على الشعر كله فاستحسنته عائشة وأمرت له بخمسة آلاف درهم وأثواب وقالت زدني فغناها في قول الحارث بن خالد أيضا ( زَعَموا بأن البَيْن بعد غَدٍ ... فالقلبُ مما أحْدَثوا يَجِفُ ) ( والعَيْنُ منذ أُجِدّ بَيْنهُمُ ... مثل الجُمانِ دموعُها تَكِفُ ) ( ومقالها ودموعُها سُجُمٌ ... أَقْلِلْ حنينَك حين تَنصرِفُ ) ( تشكو ونشكو ما أشَتَّ بنا ... كلُّ بوَشْك البيْن مُعْتَرِفُ ) إيقاع هذا الصوت ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى عن الهشامي ولم يذكر له حماد طريقا قال فقالت له عائشة يا غريض بحقي عليك أهو أمرك أن تغنيني في هذا الشعر فقال لا وحياتك يا سيدتي فأمرت له بخمسة آلاف درهم ثم قالت له غنني في شعر غيره فغناها قول عمر فيها صوت ( أجْمَعتْ خُلّتي مع الفجر بَيْنا ... جَلّل اللهُ ذلك الوجهَ زَيْنا ) ( أجمعتْ بينَها ولم نَكُ منها ... لذّةَ العيشِ والشبابِ قضَيْنا ) ( فتولت حُمُولُها واستقلّت ... لم نَنَلْ طائلاً ولم نُقْضَ دَيْنا ) ( ولقد قلتُ يومَ مكّة لمّا ... أرسلتْ تَقْرَأ السلامَ علينا ) ( أنعم اللهُ بالرسول الذي أُرسِلَ ... والمُرسِلِ الرسالةِ عَيْنا ) الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء للغريض خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وغيره ينسبه إلى ابن سريج وفيه لمعبد خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو وأظنه هذا اللحن قال فضحكت ثم قالت وأنت يا غريض فأنعم الله بك عينا وبابن أبي ربيعة عينا لقد تلطفت حتى أديت إلينا رسالته وإن وفاءك له لمما يزيدنا رغبة فيك وثقة بك وقد كان عمر سأل الغريض أن يغنيها هذا الصوت لأنه قد كان ترك ذكرها لما غضبت بنو تيم من ذلك فلم يحب التصريح بها وكره إغفال ذكرها وقال له عمر إن أبلغتها هذه الأبيات في غناء فلك خمسة آلاف درهم فوفى له بذلك وأمرت له عائشة بخمسة آلاف درهم أخرى ثم انصرف الغريض من عندها فلقي عاتكة بنت يزيد بن معاوية امرأة عبد الملك بن مروان وكانت قد حجت في تلك السنة فقال لها جواريها هذا الغريض فقالت لهن علي به فجيء به إليها قال الغريض فلما دخلت سلمت فردت علي وسألتني عن الخبر فقصصته عليها فقالت غنني بما غنيتها به ففعلت فلم أرها تهش لذلك فغنيتها معرضا لها ومذكرا بنفسي في شعر مرة بن محكان السعدي يخاطب امرأته وقد نزل به أضياف ( أقولُ والضّيفُ مَخْشِيٌّ ذَمَامَتُه ... على الكريم وحقُّ الضيفِ قد وجَبا ) صوت ( يا ربّة البيت قُومِي غيرَ صاغرةٍ ... ضٌمِّي إليك رِحالَ القوم والقِرَبا ) ( في ليلةٍ من جُمَادَى ذاتِ أندِيَةٍ ... لا يُبصر الكلبُ من ظَلْمائها الطٌّنُبا ) ( لا ينبَحُ الكلبُ فيها غيرَ واحدةٍ ... حتى يَلُفَّ على خَيْشومه الذَّنَبا ) الشعر لمرة بن محكان السعدي والغناء لابن سريج ذكر يونس أن فيه ثلاثة ألحان فوجدت منها واحدا في كتاب عمرو بن بانة رملا بالوسطى والآخر في كتاب الهشامي خفيف ثقيل بالوسطى والآخر ثاني ثقيل في كتاب أحمد بن المكي قال فقالت وهي متبسمة قد وجب حقك يا غريض فغنني فغنيتها صوت ( يا دهرُ قد أكثرتَ فَجْعتنا ... بسَراتنا ووَقَرْتَ في العَظْمِ ) ( وسَلَبتنا ما لستَ مُخْلِفَه ... يا دهرُ ما أنصفتَ في الحُكْمِ ) ( لو كان لي قِرنٌ أناضِله ... ما طاش عند حَفِيظةٍ سَهْمي ) ( لو كان يُعطِي النّصْفَ قلتُ له ... أحرزتَ سهمك فالْهُ عن سهمي ) فقالت نعطيك النصف ولا نضيع سهمك عندنا ونجزل لك قسمك وأمرت لي بخمسة آلاف درهم وثياب عدنية وغير ذلك من الألطاف وأتيت الحارث بن خالد فأخبرته الخبر وقصصت عليه القصة فأمر لي بمثل ما أمرتا لي به جميعا فأتيت ابن أبي ربيعة وأعلمته بما جرى فأمر لي بمثل ذلك فما انصرف واحد من ذلك الموسم بمثل ما انصرفت به بنظرة من عائشة ونظرة من عاتكة وهما من أجمل نساء عالمهما وبما أمرتا لي به وبالمنزلة عند الحارث وهو أمير مكة وابن أبي ربيعة وما أجازاني به جميعا من المال أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أبو الحسن المروزي قال حدثنا محمد بن سلام عن يونس قال لما حجت عائشة بنت طلحة أرسل إليها الحارث بن خالد وهو أمير مكة أنعم الله بك عينا وحياك وقد أردت زيارتك فكرهت ذلك إلا عن أمرك فإن أذنت فيها فعلت فقالت لمولاة لها جزلة وما أرد على هذا السفيه فقالت لها أنا أكفيك فخرجت إلى الرسول وقالت له اقرأ عليه السلام وقل له وأنت أنعم الله بك عينا وحياك نقضي نسكنا ثم يأتيك رسولنا إن شاء الله ثم قالت لها قومي فطوفي واسعي واقضي عمرتك واخرجي في الليل ففعلت وأصبح الحارث فسأل عنها فأخبر خبرها فوجه إليها رسولا بهذه الأبيات فوجدها قد خرجت عن عمل مكة فأوصل الكتاب إليها فقالت لمولاتها خذيه فإني أظنه بعض سفاهاته فأخذته وقرأته وقالت له ما قلنا إلا سددا وأنت فارغ للبطالة ونحن عن فراغك في شغل يحمل قادما إلى المدينة رقعة كتب فيها لعائشة أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب ابن نصر المهلبي وإسماعيل بن يونس الشيعي قالوا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال زعم كلثوم بن أبي بكر بن عمر بن الضحاك بن قيس الفهري قال قدم المدينة قادم من مكة فدخل على عائشة بنت طلحة فقالت له من أين أقبل الرجل قال من مكة فقالت فما فعل الأعرابي فلم يفهم ما أرادت فلما عاد إلى مكة دخل على الحارث فقال له من أين قال من المدينة قال فهل دخلت على عائشة بنت طلحة قال نعم قال فعماذا سألتك قال قالت لي ما فعل الأعرابي قال له الحارث فعد إليها ولك هذه الراحلة والحلة ونفقتك لطريقك وادفع إليها هذه الرقعة وكتب إليها فيها صوت ( من كان يَسأل عنا أين منزِلنا ... فالأُقْمُوانَةُ منا منزلٌ قَمَنُ ) ( إذ نلبَس العيشَ صفواً ما يكدّره ... طَعْنُ الوُشَاة ولا ينبو بنا الزمنُ ) قال إسحاق وزادني غير كلثوم فيها ( ليت الهوى لم يقرّبني إليكِ ولم ... أعْرِفْكِ إذ كان حظّي منكُم الحَزَن ) غنى في هذه الأبيات ابن محرز خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر يونس أن فيها لحنا ولم يجنسه وذكر عمرو أن فيه لبابويه ثاني ثقيل بالبنصر أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن محمد بن سلام قال لما ولى عبد الملك بن مروان الحارث بن خالد المخزومي مكة بعث إلى الغريض فقال له لا أرينك في عملي وكان قبل ذلك يطلبه ويستدعيه فلا يجبيه فخرج الغريض إلى ناحية الطائف وبلغ ذلك الحارث فرق له فرده وقال له لم كنت تبغضنا وتهجر شعرنا ولا تقربنا قال له الغريض كانت هفوة من هفوات النفس وخطرة من خطرات الشيطان ومثلك وهب الذنب وصفح عن الجرم وأقال العثرة وغفر الزلة ولست بعائد إلى ذلك أبدا قال وهل غنيت في شيء من شعري قال نعم قد غنيت في ثلاثة أصوات من شعرك قال هات ما غنيت فغينت صوت ( بان الخَلِيطُ فما عاجوا ولا عَدَلوا ... إذا ودّعوك وحنّت بالنوى الإِبلُ ) ( كأن فيهم غداةَ البَيْن إذ رَحَلوا ... أَدْمَاءَ طاع لها الحَوْذَانُ والنَّفَلُ ) الغناء للغريض ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وحبش قال حبش وفيه لابن سريج خفيف رمل بالبنصر ولإسحاق ثاني ثقيل بالبنصر فقال له أحسنت والله يا غريض هات ما غنيت فيه أيضا من شعري فغناه في قوله صوت ( يا ليت شعري وكم من مُنْية قُدِرتْ ... وَفْقا وأُخرى أتى من دونها القَدَرُ ) ( ومُضْمَرِ الكَشْح يَطْوِيه الضجيعُ له ... طيَّ الحِمالة لا جافٍ ولا فَقِرُ ) ( له شَبِيهان لا نَقْصٌ يَعِيبهما ... بحيث كانا ولا طُولٌ ولا قِصَرُ ) لم أعرف لهذا الشعر لحنا في شيء من الكتب ولا سمعته فقال له الحارث أحسنت والله يا غريض إيه وماذا أيضا فغناه قوله ( عَفَتِ الديارُ فما بها أهلُ ... حُزّانُها ودِمَاثُها السهلُ ) ( إني وما نحروا غداةَ مِنَّي ... عند الجِمار تؤدها العُقْلُ ) الأبيات المذكورة وقد مضت نسبتها معها فقال له الحارث يا غريض لا لوم في حبك ولا عذر في هجرك ولا لذة لمن لا يروح قلبه بك يا غريض لو لم يكن لي في ولايتي مكة حظ إلا أنت لكان حظا كافيا وافيا يا غريض إنما الدنيا زينة فأزين الزينة ما فرح النفس ولقد فهم قدر الدنيا على حقيقته من فهم قدر الغناء سكينة بنت الحسين تنقد شعره أخبرني الحسن بن علي عن أحمد بن زهير عن مصعب الزبيري قال أنشدت سكينة بيت الحسين قول الحارث بن خالد ( فَفَرَغْن من سَبْع وقد جُهِدت ... أحشاؤهن موائلَ الخُمْرِ ) فقال أحسن عندكم ما قال قالوا نعم فقالت وما حسنه فوالله لو طافت الإبل سبعا لجهدت أحشاؤها أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه عن كلثوم بن أبي بكر قال لما مات عمر بن عبد الله التيمي عن عائشة بنت طلحة وكانت قبله عند مصعب بن الزبير قيل للحارث بن خالد ما يمنعك الآن منها قال لا يتحدث والله رجال من قريش أن نسيبي بها كان لشيء من الباطل شعره في أبان بن عثمان بعد أن تولى على موسم الحج أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي قال لما خرج ابن الأشعث على عبد الملك بن مروان شغل عن أن يولي على الحج رجلا وكان الحارث بن خالد عامله على مكة فخرج أبان بن عثمان من المدينة وهو عامله عليها فغدا على الحارث بمكة ليحج بالناس فنازعه الحارث وقال له لم يأتني كتاب أمير المؤمنين بتوليتك على الموسم وتغالبا فغلبه أبان ابن عثمان بنسبه ومال إليه الناس فحج بهم فقال الحارث بن خالد في ذلك ( فإن تَنْجُ منها يا أبَانُ مسلَّما ... فقد أفلتَ الحجّاجَ خيلُ شَبِيبَ ) ( وكاد غَداةَ الدّير يُنْفِذُ حِضْنَه ... غلامٌ بطعن القِرْن جِدُّ طبيبِ ) ( وأَنْسَوْه وصف والدَّيْر لما رآهُمُ ... وحسَّنَ خوفُ الموت كلَّ مَعيبِ ) فلقيه الحجاج بعد ذلك فقال مالي ولك يا حارث أينازعك أبان عملا فتذكرني فقال له ما اعتمدت مساءتك ولكن بلغني أنك أنت كاتبته قال والله ما فعلت فقال له الحارث المعذرة إلى الله وإليك أبا محمد نسخت من كتاب هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات حدثني عمرو ابن سلم قال حدثني هارون بن موسى الفروي قال حدثني موسى بن جعفر أن يحيى قال حدثني مؤدب لبني هشام بن عبد الملك قال بينا أنا ألقي على ولد هشام شعر قريش إذ أنشدتهم شعر الحارث بن خالد ( إن امرأً تعتادُه ذِكَرٌ ... منها ثَلاثُ مِنًى لذو صَبْرِ ) وهشام مصغ إلي حتى ألقيت عليهم قوله ( ففَرغْنَ من سَبْع وقد جُهِدتْ ... أحشاؤهن موائلَ الخُمْرِ ) فانصرف وهو يقول هذا كلام معاين شعره في عائشة بعد أن قدمت تريد العمرة أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو عبد الله السدوسي قال وحدثنا أبو حاتم السجستاني قال أخبرنا أبو عبيدة قال قدمت عائشة بنت طلحة مكة تريد العمرة فلم يزل الحارث يدور حولها وينظر إليها ولا يمكنه كلامها حتى خرجت فأنشأ يقول وذكر في هذه الأبيات بسرة حاضنتها وكنى عنها صوت ( يا دارُ أقفَر رسمُها ... بين المُحَصَّبِ والحَجُون ) ( أَقْوَتْ وغيَّر آيَها ... مَرُّ الحوادث والسّنينِ ) ( واستبدلوا ظَلَف الحجاز ... وسُرّة البلد الأمينِ ) ( يا بُسْر إنّي فاعلمي ... بالله مجتهداً يَميني ) ( ما إن صَرَمتُ حبالكم ... فَصِلِي حبالي أو ذَرِيني ) في هذه الأبيات ثاني ثقيل لمالك بالبنصر عن الهشامي وحبش قال وفيها لابن مسجح ثقيل أول وذكر أحمد بن المكي أن فيها لابن سريج رملا بالبنصر فيها لمعبد ثقيل أول بالوسطى عن حبش تشبيبه بزوجته أم عبد الملك أخبرني الطوسي والحرمي بن أبي العلاء قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني مصعب بن عثمان بن مصعب بن عروة بن الزبير وأخبرني به محمد بن خلف بن المرزبان عن أحمد بن زهير عن مصعب الزبيري قال كانت أم عبد الملك بنت عبد الله بن خالد بن أسيد عند الحارث بن خالد فولدت منه فاطمة بنت الحارث وكانت قبله عند عبد الله بن مطيع فولدت منه عمران ومحمدا فقال فيها الحارث وكناها بابنها عمران ( يا أُمَّ عِمْرانَ ما زالت وما بَرِحت ... بِيَ الصبابةُ حتى شفّني الشَّفَقُ ) ( القلبُ تاقَ إليكم كي يُلاقيكم ... كما يتوقُ إلى مَنْجاتَه الغَرقُ ) ( تُنِيل نَزْرا قليلاً وهي مُشْفِقةٌ ... كما يخاف مَسِيسَ الحيّة الفَرِقُ ) قال مصعب بن عثمان فأنشد رجل يوما بحضرة ابنها عمران بن عبد الله بن مطيع هذا الشعر ثم فطن فأمسك فقال له لا عليك فإنها كانت زوجته وقال ابن المرزبان في خبره فقال له امض رحمك الله وما بأس بذلك رجل تزوج بنت عمه وكان لها كفئا كريما فقال فيها شعرا بلغ ما بلغ فكان ماذا تشبيبه بأم بكر أحسن الناس وجها أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أحمد بن عبد الرحمن التميمي عن أبي شعيب الأسدي عن القحذمي قال بينا الحارث بن خالد واقف على جمرة العقبة إذ رأى أم بكر وهي ترمي الجمرة فرأى أحسن الناس وجها وكان في خدها خال ظاهر فسأل عنها فأخبر باسمها حتى عرف رحلها ثم أرسل إليها يسألها أن تأذن له في الحديث فأذنت له فكان يأتيها يتحدث إليها حتى انقضت أيام الحج فأرادت الخروج إلى بلدها فقال فيها ( ألا قُل لذاتِ الخال يا صاحِ في الخدّ ... تدوم إذا بانت على أحسن العَهْدِ ) ( ومنها علاماتٌ بمجرى وِشاحها ... وأخرى تَزِين الجِيدَ من مَوْضِعِ العِقْدِ ) ( وترعَى من الوُدّ الذي كان بيننا ... فما يَستوي راعي الأمانة والمُبْدي ) ( وقل قد وعدتِ اليوم وعداً فأنجزي ... ولا تُخْلِفي لا خيرَ في مُخْلِف الوعدِ ) ( وجُودي عليّ اليومَ منكِ بنائل ... ولا تَبْخَلي قُدِّمتُ قَبْلَك في اللَّحدِ ) ( فمن ذا الذي يُبدي السرورَ إذا دنت ... بكِ الدارُ أو يُعْنَى بنأيكمُ بعدي ) ( دنوّكُمُ منّا رَخاءٌ نناله ... ونأيُكُمُ والبعدُ جَهْدٌ على جَهدِ ) ( كثيرٌ إذا تدنوا اغتباطي بك النوى ... ووجدي إذا ما بِنْتُمُ ليس كالوجدِ ) ( أقول ودمعي فوق خدّي مُخَضِّل ... له وَشَلٌ قد بَلَّ تَهْتَانهُ خدّي ) ( لقد منح اللهُ البخيلةَ وُدَّنا ... وما مُنِحتْ ودّي بدعوى ولا قَصْدِ ) أخبرني محمد بن خلف قال وحدثت عن المدائني ولست أحفظ من حدثني به قال طافت ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود وأمها ميمونة بنت أبي سفيان ابن حرب بالكعبة فرآها الحارث بن خالد فقال فيها ( أطافت بنا شمُس النهار ومَنْ رأى ... من النّاس شمساً بالعِشاء تطوفُ ) ( أبو أُمّها أوفَى قريشٍ بذِمّةِ ... وأعمامُها إمّا سألتَ ثَقِيفُ ) وفيها يقول ( أَمِن طَلَلٍَ بالجِزْع من مكّة السِّدرِ ... عفا بين أكناف المُشَقَّر فالحَضْرِ ) ( ظَلِلتَ وظَلَّ القوم من غير حاجةٍِ ... لَدُنْ غُدوةٍ حتى دنَتْ حَزَّةُ العَصْرِ ) ( يُبَكُّونَ من ليلَى عهوداً قديمةً ... وماذا يُبكِّي القوم من منزلٍ قَفْرِ ) الغناء في هذه الأبيات لابن سريج ثاني ثقيل بالخنصر والبنصر عن يحيى المكي وذكر غيره أنه للغريض وفي ليلى هذه يقول أنشدناه وكيع عن عبد الله بن شبيب عن إبراهيم بن المنذر الحزامي للحارث بن خالد وفي بعض الأبيات غناء صوت ( لقد أرسلتْ في السرّ ليلَى تلومني ... وتزعُمُني ذا مَلّةٍ طرِفاً جَلْدا ) ( وقد أخلفتْنا كلَّ ما وَعدتْ به ... ووالله ما أخلفتُها عامداً وعْدا ) ( فقلتُ مُجِيباً للرسول الذي أتى ... تُرَاه لكَ الوَيْلاتُ من قولها جِدّا ) ( إذا جئتَها فاقْرَ السلامَ وقُلْ لها ... دعي الجَوْرَ ليلَى واسلُكي مَنْهَجاً قَصْدا ) ( أفي مُكْثِنا عنكم ليالٍ مَرِضتُها ... تَزِيدينَني ليلَى على مَرضِي جَهْدا ) ( تَعُدِّين ذنباً واحداً ما جنيتُه ... عليّ وما أُحصِي ذنوبَكُم عَدّا ) ( فإِن شئتِ حرّمتُ النساءَ سِواكُم ... وإِن شئتِ لم أَطْعَمُ نُقَاخا ولا بَرْدا ) ( وإِن شئتِ غُرْنا بعدكم ثم لم نزَل ... بمكّةَ حتى تَجْلِسي قابِلاً نَجْدا ) الغناء للغريض ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى وذكر ابن المكي أن فيه لدحمان ثاني ثقيل بالوسطى لا أدري أهذا أم غيره وفيه ثقيل أول للأبجر عن يونس والهشامي وفيه لابن سريج رمل بالبنصر ولعرار خفيف ثقيل عن الهشامي وحبش أخبرني محمد بن خلف قال أخبرني محمد بن الحارث الخراز قال حدثنا أبو الحسن المدائني قال كان الحارث بن خالد واليا على مكة وكان أبان بن عثمان ربما جاءه كتاب الخليفة أن يصلي بالناس ويقيم لهم حجهم فتأخر عنه في سنة الحرب كتابه ولم يأت الحارث كتاب فلما حضر الموسم شخص أبان من المدينة فصلى بالناس وعاونته بنو أمية ومواليهم فغلب الحارث على الصلاة فقال ( فإِن تَنْجُ منها يا أبَانُ مسلَّماً ... فقد أفلتَ الحجّاجَ خيلُ شَبِيبِ ) فبلغ ذلك الحجاج فقال مالي وللحارث أيغلبه أبان بن عثمان على الصلاة ويهتف بي أنا ما ذكره أياي فقال له عبيد بن موهب أتاذن أيها الأمير في إجابته وهجائه قال نعم فقال عبيد ( أبا وابِصٍ رَكِّب علاتَك والتَمِس ... مَكاسِبهَا إن اللئيم كَسوبُ ) ( ولا تَذْكُرِ الحجّاج إلا بصالح ... فقد عِشْتَ من معروفه بذَنُوبِ ) ( ولستَ بوالٍ ما حيِيتَ إمارةً ... لمُسْتخلَفٍ إلا عليك رقيبُ ) قال المدائني وبلغني أن عبد الملك قال للحارث أي البلاد أحب إليك قال ما حسنت فيه حالي وعرض وجهي ثم قال ( لا كُوفةٌ أُمّي ولا بَصْرةٌ أبي ... ولستُ كمن يَثنيه عن وجهه الكَسَلْ ) نسبة ما في هذا الخبر من الأغاني منها في تشبيب الحارث بامرأته أم عمران صوت ( بانَ الخَليطُ الذي كنّا به نَثِقُ ... بانوا وقلبُك مجنونٌ بهم عَلِقُ ) ( تُنِيل نَزْراً قليلاً وهي مُشْفِقةٌ ... كما يَخاف مَسِيسَ الحيّة الفَرِقُ ) ( يا أمّ عِمرانَ ما زلتْ وما بَرِحت ... بيَ الصّبابةُ حتى شفّني الشّفقُ ) ( لا أعتقَ اللهُ رقّي من صبابتكم ... ما ضرّني أنني صَبُّ بكم قَلِقُ ) ( ضحِكتِ عن مُرْهَفِ الأنياب ذي أُشُرٍ ... لا قَضَمٌ في ثناياه ولا رَوقُ ) ( يتوقُ قلبي إليكم كي يلاقيكم ... كما يتوق إلى مَنْجاته الغَرِقُ ) غنّى ابن محرز في الثالث ثم السادس ثم الخامس ثم الثاني ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وللغريض في الرابع والثاني والثالث والسادس خفيف ثقيل بالبنصر عن عمرو ولسلسل في الأول والثاني ثقيل أول مطلق عن الهشامي ولابن سريج في الثاني والأول والرابع والخامس رمل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق وللهذلي في الثاني ثم الأول هزج عن الهشامي وذكر حبش أن فيها لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطى ولابن محرز ثاني ثقيل آخر بالبنصر وذكر الهشامي أن لابن سريج في الأبيات خفيف رمل معبد يغني شعره في عائشة ومما يغني فيه من شعر الحارث بن خالد في عائشة بنت طلحة تصريحا وتعريضا ببسرة جاريتها صوت ( يا رَبْعَ بُسْرَة بالجناب تَكَلَّمِ ... وأَبِنْ لنا خبراً ولا تَسْتَعْجِمِ ) ( مالي رأيتُك بعد أهلك مُوحِشاً ... خَلَقاً كحَوْض الباقر المتهدِّمِ ) ( تَسْبي الضجيعَ إذا النجومُ تغوّرت ... طوعُ الضجيع أنيقةُ المتوسَّمِ ) ( قُبُّ البطون أوانسٌ مثلُ الدُّمَى ... يَخْلِطن ذاك بعِفّةٍ وتكرُّمِ ) الغناء لمعبد خفيف رمل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى والأبيات أكثر من هذه إلا أني اعتمدت على ما غني فيه ومنها صوت قد جمعت فيه عدة طرائق وأصوات في أبيات من القصيدة ( أعَرفتَ أطلالَ الرُّسوم تنكّرتْ ... بعدي وبُدِّل آيهُنّ دُثُورَا ) ( وتَبدّلتْ بعد الأنيس بأهلها ... عُفْراً بَواغِم يَرْتَعِين وُعُورا ) ( من كلّ مُصْبِيَة الحديثِ ترى لها ... كَفَلاً كرابية الكَثِيب وثِيرا ) ( دَعْ ذا ولكن هل رأيتَ ظَعائِنا ... قَرِّبْن أجْمالا لهنّ بُكُورا ) ( قَرّبنَ كلّ مُخَيَّسٍ مُتحَمِّل ... بُزُلا تُشَبِّه هامهنّ قُبُورا ) ( يَفْتِنَّ لا يألُون كلَّ مُغَفَّلٍ ... يَملأنه بحديثهنّ سرورا ) ( يا دارُ حسَّرها البلى تحسِيرا ... وسَفَتْ عليها الريحُ بعدك بُورا ) ( دَقّ الترابُ نَخِيلُه فمخيِّم ... بِعِراصها ومُسَيَّر تسْيِيرا ) ( يا رَبْعَ بُسْرة إن أضرّ بك البِلَى ... فلقد عهدتُك آهلاً معمورا ) ( عَقَبَ الرّذَاذُ خِلافَهم فكأنّما ... بَسط الشّواطِبُ بينهنّ حصيرا ) ( إنْ يُمسِ حبلُك بعد طول تواصُلٍ ... خَلَقاً ويُصْبِح بَيْنُكم مهجورا ) ( فلقد أرانِي والجديدُ إلى بِلىً ... زمناً بوصلِك قانعاً مسرورا ) ( جَذِلا بمالي عندكم لا أبتغي ... للنفس غيرَكِ حُلّةً وعشيرا ) ( كنتِ المُنَى وأعزَّ مَنْ وطئ الحصا ... عندي وكنتُ بذاكِ منكِ جديرا ) غنى في الأول والثاني من هذه الأبيات معبد ولحنه ثقيل أول بالبنصر عن عمرو مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق وللغريض فيه ثقيل أول بالبنصر عن عمرو ولإسحاق فيهما ثاني ثقيل ولإبراهيم فيهما وفي الثالث خفيف ثقيل بالسبابة والوسطى عن ابن المكي وغنى الغريض في الثالث والسادس والرابع والخامس ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وغنى معبد في السابع والثامن والعاشر خفيف ثقيل بالسبابة والوسطى عن يحيى المكي وفيها ثاني ثقيل ينسب إلى طويس وابن مسجح وابن سريج ولمالك في التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر خفيف ثقيل بالسبابة والوسطى عن يحيى المكي وفيها بأعيانها لابن سريج رمل بالسبابة والوسطى عن يحيى أيضا وليحيى المكي في الحادي عشر وما بعده إلى آخر الأبيات ثاني ثقيل ولإبراهيم فيها بعينها ثقيل أول عن الهشامي وفيها لإسحاق رمل وفي الثالث والرابع لحن لخليدة المكية خفيف رمل عن الهشامي أيضا ومنها من أبيات قالها بالشأم عند عبد الملك أولها ( هل تعرفُ الدارَ أضحت آيُها عُجُمَا ... كالرَّقِّ أجرى عليها حاذقٌ قَلَمَا ) ( بالخَيفِ هاجت شؤونا غيرَ جامدةً ... فانهلّت العينُ تُذْرِي واكفا سَجِما ) ( دارٌ لبُسرةَ أمست ما تُكلّمنا ... وقد أبنتُ لها لو تعرِفُ الكَلِما ) ( واهاً لبُسرةَ لو يدنو الأميرُ بها ... يا ليت بُسرةَ قد أمست لنا أَمَمَا ) صوت ( حلَّتْ بمكّة لا دارٌ مُصاقِبة ... هيهات جَيْرونُ ممّن يسكن الحَرَما ) ( يا بُسرٌ إنكُمُ شطَّ البِعادُ بكم ... فما تُنيلوننا وصلا ولا نِعَما ) غنى في هذين البيتين الهذلي ثاني ثقيل بالوسطى وفيهما ليحيى المكي ثقيل أول بالبنصر جميعا من روايته ( قد قُلتُ بالخَيفِ إذ قالت لجارتها ... أدامَ وصلُ الذي أهدي لنا الكَلِما ) صوت ( لا يُرغِمُ الله أنفاً أنت حاملُه ... بل أنفُ شانيك فيما سرّكم رَغما ) ( إن كان رابِك شيء لستُ أعلمه ... منّي فهذي يميني بالرضا سَلَما ) ( أو كنتُ أحببتُ شيئاً مثلَ حُبُّكُم ... فلا أرحتُ إذاً أهلا ولا نَعَما ) ( لا تكليني إلى من ليس يرحمُني ... وقاكِ مَنْ تُبْغِضين الحتفَ والسَّقما ) ( إن الوُشاةَ كثيرٌ إن أطعتُهم ... لا يرقُبون بنا إلاَّ ولا ذِمَما ) غنى ابن محرز في ( لا يُرغمُ اللهُ أنفاً أنت حامله ... ) خفيف ثقيل بالبنصر ولابن مسجح فيه ثاني ثقيل عن حبش وفي ( لا تكليني إلى من ليس يرحمني ... ) لابن محرز ثقيل أول بالبنصر عن حبش والهشامي عزله عبد الملك لأنه أخر الصلاة لعائشة أخبرني محمد بن مزيد والحسين بن يحيى قالا أخبرنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الزبيري قال أذن المؤذن يوما وخرج الحارث بن خالد إلى الصلاة فأرسلت إليه عائشة ابنة طلحة إنه بقي علي شيء من طوافي لم أتمه فقعد وأمر المؤذنين فكفوا عن الإقامة وجعل الناس يصيحون حتى فرغت من طوافها فبلغ ذلك عبد الملك بن مروان فعزله وولى مكة عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن أسيد وكتب إلى الحارث ويلك أتركت الصلاة لعائشة بنت طلحة فقال الحارث والله لو لم تقض طوافها إلى الفجر لما كبرت وقال في ذلك ( لم أُرَحِّبْ بأن سَخِطتِ ولكن ... مرحباً أن رضيتِ عنّا وأهلا ) ( إنَّ وجها رأيتُه ليلةَ البدر ... عليه انثنى الجمالُ وحَلاّ ) ( وجهُها الوجهُ لو يُسألُ به المُزن ... ُ من الحسنِ والجمال استهلاَّ ) ( إن عندَ الطَّوافِ حين أتته ... لَجمالاً فَعْما وخُلْقاً رِفَلاّ ) ( وكُسِين الجمالَ إن غِبنَ عنها ... فإِذا ما بدتْ لهنّ اضمحلاّ ) في شعر الحارث هذا غناء قد جمع كل ما في شعره منه على اختلاف طرائقه وهو صوت ( أَثْلَ جُودِي على المتيّم أثلاَ ... لا تزيدي فؤادَه بكِ خَبْلا ) ( أثلَ إني والراقصاتِ بجَمْع ... يتباريْن في الأزمّةَ فُتْلا ) ( سانحاتٍ يقطعن من عرفاتٍ ... بين أيدي المطيّ حَزْنا وسَهلا ) ( والأكفِّ المضمّرات على الركن ... بشُعْثٍ سَعَوُا إلى البيت رَجْلى ) ( لا أخونُ الصديق في السرّ حتّى ... يُنقَلَ البحرُ بالغرابيل نقلا ) ( أو تمرَّ الجبالُ مرَّ سحابٍ ... مُرْتَقٍ قد وَعى من الماء ثِقْلا ) ( أنعم اللهُ لي بذا الوجهِ عينا ... وبه مرحباً وأهلاً وسَهلا ) ( حين قالت لا تُفشِينَّ حديثي ... يابن عمّي أقسمت قلت أجلْ لا ) ( إتقي الله واقبلي العذَر منّي ... وتَجافَيْ عن بعض ما كان زَلاَّ ) ( لا تصُدّي فتقتُليني ظُلما ... ليس قتلُ المحبِّ للحبّ حِلاَّ ) ( ما أكن سؤتُكم به فلك العُتبى ... لدينا وحَقَّ ذاك وَقَلاّ ) ( لم أرحِّبْ بأن سَخِطتِ ولكن ... مرحباً أن رضيت عنّا وأهلا ) ( إنّ شخصاً رأيتُه ليلةَ البدر ... عليه انثنى الجَمالُ وحلاَّ ) ( جعلَ اللهُ كلَّ أنثى فداءً ... لك بل خدَّها لرجلِك نعلا ) ( وجهكِ البدرُ لو سألتُ به المزنَ ... من الحسنِ والجمالِ استهلاَّ ) غنى معبد في الأبيات الأربعة الأولى خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو ولابن تيزن في الأول والثاني ثقيل أول عن إسحاق ولابن سريج في الأول والثاني والخامس ثقيل أول عن الهشامي وللغريض في الخامس إلى الثامن خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو ولدحمان في التاسع والعاشر والثالث عشر والرابع عشر خفيف ثقيل بالبنصر عن عمرو ولمالك في التاسع إلا آخر الثاني عشر لحن ذكره يونس ولم يجنسه ولابن سريج في هذه الأبيات بعينها رمل بالوسطى عن عمرو وللغريض فيها أيضا خفيف رمل بالبنصر عن ابن المكي ولابن عائشة في الخامس إلى آخر الثامن لحن ذكره حماد عن أبيه ولم يذكر طريقته ومنها صوت ( أَحَقّاً أن جيرتنا استحبّوا ... خُزُونَ الأرض بالبلد السَّخاخ ) ( إلى عُقْر الأباطح من ثَبِير ... إلى ثور فَمدْفَعِ ذي مُرَاخِ ) ( فتلك ديارُهم لم يَبْقَ فيها ... سوى طلل المُعَرِّس والمُناخ ) ( وقد تَغْنَى بها في الدار حُورٌ ... نَواعمُ في المجاسد كالإِراخِ ) غنى في هذه الأبيات الغريض ولحنه من الثقيل الأول بالوسطى عن الهشامي وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا عبد الله بن محمد قال أخبرني محمد بن سلام قال كانت سوداء بالمدينة مشغوفة بشعر عمر بن أبي ربيعة وكانت من مولدات مكة فلما ورد على أهل المدينة نعي عمر بن أبي ربيعة أكبروا ذلك واشتد عليهم وكانت السوداء أشدهم حزنا وتسلبا وجعلت لا تمر بسكة من سكك المدينة إلا ندبته فلقيها بعض فتيان مكة فقال لها خفضي عليك فقد نشأ ابن عم له يشبه شعره شعره فقالت أنشدني بعضه فأنشدها قوله ( إني وما نحروا غَداةَ مِنىً ... عند الجِمار تؤودُها العُقْلُ ) الأبيات كلها قال فجعلت تمسح عينيها من الدموع وتقول الحمد لله الذي لم يضيع حرمه أخبرني اليزيدي قال حدثني عمي جد عبيد الله عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي قال ناضل سليمان بن عبد الملك بين الحارث وبين رجل من أخواله من بني عبس فرمى الحارث بن خالد فأخطأ ورمى العبسي فأصاب فقال ( أنا نَضَلت الحارث بن خالِد ... ) ثم رمى العبسي فأخطأ ورمى الحارث فأصاب فقال الحارث ( حسِبْتَ نَضْلَ الحارث بن خالِد ... ) ورميا فأخطأ العبسي وأصاب الحارث فقال الحارث ( مَشْيَكَ بين الزَّرْبِ والمرَابِد ... ) ورميا فأخطأ العبسي وأصاب الحارث فقال الحارث ( وإِنك الناقصُ غيرُ الزائدِ ... ) فقال سليمان أقسمت عليك يا حارث إلا كففت عن القول والرمي فكف أخبار الأبجر ونسبه الأبجر لقب غلب عليه واسمه عبيد الله بن القاسم بن ضبية ويكنى أبا طالب هكذا روى محمد بن عبد الله بن مالك عن إسحاق وروى هارون بن الزيات عن حماد عن أبيه أن اسمه محمد بن القاسم بن ضبية وهو مولى لكنانة ثم لبني بكر ويقال إنه مولى لبني ليث أخبرني عمي قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا محمد بن عبد الله بن مالك وأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه وهارون بن الزيات قالا حدثنا عبد الله بن أبي سعد عن محمد بن عبد الله بن مالك قال كنا يوما جلوسا عند إسحاق فغنتنا جارية يقال لها سمحة ( إنّ العيونَ التي في طَرْفها مَرَضٌ ... قتَلْننا ثم لم يُحْيِينَ قَتْلانا ) فهبت إسحاق أن أسأله لم الغناء فقلت لبعض من كان معنا سله فسأله فقال له إسحاق ما كان عهدي بك في شبيبتك لتسألنا عن هذا فقال أحببته لما أسننت فقال لا ولكن هذا النقب عمل هذا اللص وضرب بيده إلى تلابيبي فقال له الرجل صدقت يا أبا محمد فأقبل علي فقال لي ألم أقل لك إذا اشتهيت شيئا فسل عنه أما لأعطينك فيه ما تعايي به من شئت منهم أتدري لمن الشعر فقلت لجرير فقال لي والغناء للأبجر وكان مدنيا منشؤه بمكة أو مكيا منشؤه بالمدينة أتدري ما اسمه قلت لا قال اسمه عبيد الله بن القاسم بن ضبية أتدري ما كنيته قلت لا قال أبو طالب ثم قال اذهب فعاي بهذا من شئت منهم فإنك تظفر به كان يلقب بالحسحاس وقال هارون حدثني حماد عن أبيه قال الأبجر اسمه محمد بن القاسم بن ضبية وقال مرة أخرى عبيد الله بن القاسم مولى لبني بكر بن كنانة وقيل إنه مولى لبني ليث يلقب بالحسحاس قال هارون وحدثني حماد عن أبيه قال حدثني عورك اللهبي قال لم يكن بمكة أحد أظرف ولا أسرى ولا أحسن هيئة من الأبجر كانت حلته بمائة دينار وفرسه بمائة دينار ومركبه بمائة دينار وكان يقف بين المأزمين فيرفع صوته فيقف الناس له يركب بعضهم بعضا أخبرني علي بن عبد العزيز الكاتب عن عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبه عن إسحاق وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قالا جلس الأبجر في ليلة اليوم السابع من أيام الحج على قريب من التنعيم فإذا عسكر جرار قد أقبل في آخر الليل وفيه دواب تجنب وفيها فرس أدهم عليه سرج حليته ذهب فاندفع فغنى ( عَرفتُ ديارَ الحيّ خاليةً قَفْرا ... كأن بها لمّا توهمتُها سَطْرا ) فلما سمعه من في القباب والمحامل أمسكوا وصاح صائح ويحك أعد الصوت فقال لا والله إلا بالفرس الأدهم بسرجه ولجامه وأربعمائة دينار فإذا الوليد بن يزيد صاحب الإبل فنودي أين منزلك ومن أنت فقال أنا الأبجر ومنزلي على باب زقاق الخرازين فغدا عليه رسول الوليد بذلك الفرس وأربعمائة دينار وتخت من ثياب وشي وغير ذلك ثم أتى به الوليد فأقام عنده وراح مع أصحابه عشية التروية وهو أحسنهم هيئة وخرج معه أو بعده إلى الشأم خروجه مع الوليد بن يزيد إلى الشام قال إسحاق وحدثني عورك اللهبي أن خروجه كان معه وذلك في ولاية محمد بن هشام بن إسماعيل مكة وفي تلك السنة حج الوليد لأن هشاما ما أمره بذلك ليهتكه عند أهل الحرم فيجد السبيل إلى خلعه فظهر منه أكثر مما أراد به من التشاغل بالمغنين واللهو وأقبل الأبجر معه حتى قتل الوليد ثم خرج إلى مصر فمات بها نسبة الصوت المذكور في هذا الخبر صوت ( عَرَفْتُ ديارَ الحيِّ خاليةً قَفْرا ... كأنّ بها لمّا توهّمتُها سَطْرا ) ( وقفتُ بها كيما تَردّ جوابَها ... فما بيّنتْ لي الدارُ عن أهلها خُبْرا ) الغناء لأبي عباد ثقيل أول بالبنصر عن عمرو وفيه لسياط خفيف رمل بالبنصر قال إسحاق وحدثت أن الأبجر أخذ صوتا من الغريض ليلا ثم دخل في الطواف حين أصبح فرأى عطاء بن أبي رباح يطوف بالبيت فقال يا أبا محمد اسمع صوتا أخذته في هذه الليلة من الغريض قال له ويحك أفي هذا الموضع فقال كفرت برب هذا البيت لئن لم تسمعه مني سرا لأجهرن به فقال هاته فغناه صوت ( عُوجِي علينا ربّةَ الهودَج ... إنّكِ إلاّ تَفْعَلِي تَحْرَجيّ ) ( إنِّي أُتِيحتْ لي يَمَانِيةٌ ... إحدى بني الحارثِ من مَذْحِجِ ) ( نلبَثُ حولاً كاملاً كلَّه ... لا نلتقي إلا على مَنْهَجِ ) ( في الحجِّ إن حجَّتْ وماذا مِنىً ... وأهلهُ إنْ هي لم تَحْجُجِ ) فقال له عطاء الخير الكثير والله في منى وأهله حجت أو لم تحج فاذهب الآن وقد مرت نسبة هذا الصوت وخبره في أخبار العرجي والغريض قال إسحاق وذكر عمرو بن الحارث عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال ختن عطاء بن أبي رباح بنيه أو بني أخيه فكان الأبجر يختلف إليهم ثلاثة أيام يغني لهم تنازعه مع ابن عائشة في الغناء قال هارون بن محمد حدثني حماد بن إسحاق قال نسخت من كتاب ابن أبي نجيح بخطه حدثني غرير بن طلحة الأرقمي عن يحيى بن عمران عن عمر بن حفص بن أبي كلاب قال كان الأبجر مولانا وكان مكيا فكان إذا قدم المدينة نزل علينا فقال لنا يوما أسمعوني غناء ابن عائشتكم هذا فأرسلنا فيه فجمعنا بينهما في بيت ابن هبار فتغنى ابن عائشة فقال الأبجر كل مملوك لي حر إن تغنيت معك إلا بنصف صوتي ثم أدخل إصبعه في شدقه فتغنى فسمع صوته من في السوق فحشر الناس علينا فلم يفترقا حتى تشاتما قال وكان ابن عائشة حديدا جاهلا أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال وحدثني ابن أبي سعد قال حدثنا القطراني المغني عن محمد بن جبر عن إبراهيم بن المهدي قال حدثني ابن أشعب عن أبيه قال دعي ذات يوم المغنون للوليد بن يزيد وكنت نازلا معهم فقلت للرسول خذني فيهم قال لم أومر بذلك وإنما أمرت بإحضار المغنين وأنت بطال لا تدخل في جملتهم فقلت أنا والله أحسن غناء منهم ثم اندفعت فغنيته فقال لقد سمعت حسنا ولكني أخاف فقلت لا خوف عليك ولك مع هذا شرط قال وما هو كل ما أصبته فلك شطره فقال للجماعة اشهدوا عليه فشهدوا ومضينا فدخلنا على الوليد وهو لقس النفس فغناه المغنون في كل فن من خفيف وثقيل فلم يتحرك ولا نشط فقام الأبجر إلى الخلاء وكان خبيثا داهيا فسأل الخادم عن خبره وبأي سبب هو خاثر فقال بينه وبين امرأته شر لأنه عشق أختها فغضبت عليه فهو إلى أختها أميل وقد عزم على طلاقها وحلف لها ألا يذكرها أبدا بمراسلة ولا مخاطبة وخرج على هذا الحال من عندها فعاد الأبجر إلينا وما جلس حتى اندفع فغنى صوت ( فبِينِي فإِني لا أُبالي وأيقنِي ... أصَعَّدَ باقي حبِّكم أم تَصَوَّبا ) ( ألم تعلَمي أنِّي عَزُوفٌ عن الهَوَى ... إذا صاحبي من غير شيء تَغَضَّبا ) فطرب الوليد وارتاح وقال أصبت يا عبيد والله ما في نفسي وأمر له بعشرة آلاف درهم وشرب حتى سكر ولم يحظ بشيء أحد سوى الأبجر فلما أيقنت بانقضاء المجلس وثبت فقلت إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تأمر من يضربني مائة الساعة بحضرتك فضحك وقال قبحك الله وما السبب في ذلك فأخبرته بقصتي مع الرسول وقلت إنه بدأني من المكروه في أول يومه بما اتصل علي إلى آخره فأريد أن أضرب مائة ويضرب بعدي مثلها فقال له لقد لطفت أعطوه مائة دينار وأعطوا الرسول خمسين دينارا من مالنا عوضنا عن الخمسين التي أراد أن يأخذها فقبضتها وما حظي أحد بشيء غيري وغير الرسول والشعر الذي غنى فيه الأبجر الوليد بن يزيد لعبد الرحمن بن الحكم أخي مروان بن الحكم والغناء للأبجر ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه لغيره عدة ألحان نسبت صوت من المائة المختارة من رواية جحظة ( حمزةُ المبتاعُ بالمال الثَّنَا ... ويَرى في بَيْعه أنْ قد غَبَنْ ) ( فهو إن أعطى عطاءً فاضلاً ... ذَا إخاءٍ لم يُكدِّرْهُ بمَنّ ) ( وإِذا ما سَنَةٌ مُجْدِيَةٌ ... بَرَتِ الناسَ كبْريٍ بالسَّفَنْ ) ( كان للناسِ ربيعاً مُغْدِقاً ... ساقط الأكنافِ إن راح ارجَحنّ ) ( نُور شرقٍ بَيِّنٌ في وجهه ... لم يُصِبْ أثوابَه لونُ الدَّرَنْ ) عروضه من الرمل الشعر لموسى شهوات والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق أخبار موسى شهوات ونسبه وخبره في هذا الشعر هو موسى بن يسار مولى قريش ويختلف في ولائه فيقال أنه مولى بني سهم ويقال مولى بني تيم بن مرة ويقال مولى بني عدي بن كعب ويكنى أبا محمد وشهوات لقب غلب عليه سبب لقبه بشهوات وحدثني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال إنما لقب موسى شهوات لأنه كان سؤوالا ملحفا فكان كلما رأى مع أحد شيئا يعجبه من مال أو متاع أو ثوب أو فرس تباكى فإذا قيل له مالك قال أشتهي هذا فسمي موسى شهوات قال وذكر آخرون أنه كان من أهل أذربيجان وأنه نشأ بالمدينة وكان يجلب إليه القند والسكر فقالت له امرأة من أهله ما يزال موسى يجيئنا بالشهوات فغلبت عليه أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال كان محمد بن يحيى يقول موسى شهوات مولى بني عدي بن كعب وليس ذاك بصحيح هو مولى تيم بن مرة وذكر عبد الله بن شبيب عن الحزامي أنه مولى بني سهم وأخبرني وكيع عن أحمد بن أبي خيثمة عن مصعب ومحمد بن سلام قال موسى شهوات مولى بني سهم سعيد بن خالد بن عبد الله بن أسيد يعينه في ثمن جارية فيمدحه وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال هوي موسى شهوات جارية بالمدينة فاستهيم بها وساوم مولاها فيها فاستام بها عشرة آلاف درهم فجمع كل ما يملكه واستماح إخوانه فبلغ أربعة آلاف درهم فأتى إلى سعيد بن خالد العثماني فأخبره بحاله واستعان به وكان صديقه وأوثق الناس عنده فدافعه واعتل عليه فخرج من عنده فلما ولى تمثل سعيد قوله الشاعر ( كتبتَ إليَّ تَسْتَهدِي الجَواري ... لقد أنْعَظْتَ من بَلَدٍ بَعيدِ ) فأتى سعيد بن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد فأخبره بقصته فأمر له بستة آلاف درهم فلما قبضها ونهض قال له اجلس إذا ابتعتها بهذا المال وقد أنفدت كل ما تملك فبأي حال تعيشان ثم دفع إليه ألفي درهم وكسوة وطيبا وقال أصلح بهذا شأنكما فقال فيه ( أبا خالدٍ أعني سعيدَ بن خالدٍ ... أخا العُرْف لا أعني ابنَ بنتِ سعيدِ ) عمرو بن عثمان بن عفان فقال يا أمير المؤمنين أتيتك مستعديا قال ومن بك قال موسى شهوات قال وماله قال سمع بي واستطال في عرضي فقال يا غلام علي بموسى فأقين به فأتي به فقال ويلك أسمعت به واستطلت في عرضه قال ما فعلت يا أمير المؤمنين ولكني مدحت ابن عمه فغضب هو قال وكيف ذلك قال علقت جارية لم يبلغ ثمنها جدتي فأتيته وهو صديقي فشكوت إليه ذلك فلم أصب عنده شيئا فأتيت ابن عمه سعيد بن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد فشكوت إليه ما شكوته إلى هذا فقال تعود إلي فتركته ثلاثا ثم أتيته فسهل من إذني فلما استقر بي المجلس قال يا غلام قل لقيمتي هاتي وديعتي ففتح بابا بين بيتين وإذا بجارية فقال لي أهذه بغيتك قلت نعم فداك أبي وأمي قال اجلس ثم قال يا غلام قل لقيمتي هاتي ظبية نفقتي فأتي بظبية فنثرت بين يديه فإذا فيها مائة دينار ليس فيها غيرها فردت في الظبية ثم قال عتيدة طيبي فأتي بها فقال ملحفة فراشي فأتي بها فصير ما في الظبية وما في العتيدة في حواشي الملحفة ثم قال شأنك بهواك واستعن بهذا عليه فقال له سليمان بن عبد الملك فذلك حين تقول ماذا قال قلت ( يا خالد أعْنِي سعيدَ بن خالدٍ ... أخا العُرف لا أعني ابنَ بنتِ سعيدِ ) ( ولكنني أعني ابنَ عائشة الذي ... أبو أبويه خالدُ بن أسِيدِ ) ( عقيد الندى ما عاش يَرضَى به الندى ... فإن مات لم يرضَ النَدَى بعقيدِ ) ( دعوهُ دَعُوهُ إنكم قد رقدتُم ... وما هو عن أحسابكم برَقودِ ) فقال سليمان علي يا غلام بسعيد بن خالد فأتي به فقال أحق ما وصفك به موسى قال وما ذاك يا أمير المؤمنين فأعاد عليه فقال قد كان ذلك يا أمير المؤمنين قال فما طوقتك هذه الأفعال قال دين ثلاثين ألف دينار فقال له قد أمرت لك بمثلها وبمثلها وبمثلها وبثلث مثلها فحملت إليه مائة ألف دينار قال فلقيت سعيد بن خالد بعد ذلك فقلت له ما فعل المال الذي وصلك به سليمان قال ما أصبحت والله أملك منه إلا خمسين دينارا قلت ما اغتاله قال خلة من صديق أو فاقة من ذي رحم أخبرني وكيع قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة عن مصعب الزبيري ومحمد بن سلام قال عشق موسى شهوات جارية بالمدينة فأعطى بها عشرة آلاف درهم ثم ذكر باقي الحديث مثل حديث سليمان بن أبي شيخ وقال فيه أما والله لئن مدحته وهو سميك وأبوه سمي أبيك ولم أفرق بينكما ليقولن الناس أهذا أم هذا ولكن والله لأقولن قولا لا يشك فيه وتمام هذه الأبيات التي مدح بها سعيدا بعد الأربعة المذكورة منها ( فِدًى للكريم العَبْشِتمِيّ ابنِ خالد ... بنِيّ ومالي طارِفي وتَلِيدي ) ( على وجهه تلقى الأيامِنَ واسمِهِ ... وكُلُّ جَواري طيره بِسُعودِ ) ( أبان وما استغنى عن الثّدْي خيرُه ... أبان به في المهد قبلَ قُعُودِ ) ( دعوه دعوه إنكم قد رقدتُم ... وما هو عن أحسابكم برَقودِ ) ( ترى الجُنْد والجُنّابَ يَغشَوْن بابَه ... بحاجاتهم من سيّد ومَسُودِ ) ( فيُعطِي ولا يُعطَى ويُغشَى ويُجتَدَى ... وما بابُه للمُجْتَدِي بسديدِ ) ( قتلتَ أُناساً هكذا في جلودهم ... من الغيظ لم تقتلهمُ بحديدِ ) ( يعيشون ما عاشوا بغيظٍ وإن تَحِنْ ... منَايَاهُمُ يوماً تَحِنْ بِحُقُودِ ) ( فقل لبُغاة العُرْف قد مات خالدٌ ... ومات الندّى إلا فُضُولَ سعيدِ ) قال وكيع في خبره أما قوله لا أعني ابن بنت سعيد فإن أم سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان آمنة بنت سعيد بن العاصي وعائشة أم عقيد الندى بنت عبد الله بن خلف الخزاعية أخت طلحة الطلحات وأمها صفية بنت الحارث بن طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار بن قصي وأم أبي عقيد الندى رملة بنت معاوية بن أبي سفيان أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال لما أنشد موسى شهوات سليمان بن عبد الملك شعره في سعيد بن خالد قال له اتفق اسماهما وإسما أبويهما فتخوفت أن يذهب شعري باطلا ففرقت بينهما بأمهما فأغضبه أن مدحت ابن عمه فقال له سليمان بلى والله لقد هجوته وما خفي علي ولكني لا أجد إليك سبيلا فأطلقه أخبرني وكيع قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا محمد بن سلام قال حدثنا محمد بن مسلمة الثقفي قال قال موسى شهوات لمعبد أأمدح حمزة بن عبد الله بن الزبير بأبيات وتغني فيها ويكون ما يعطينا بيني وبينك قال نعم فقال موسى ( حمزةُ المبتاعُ بالمال الثَّنا ... ويَرى في بَيْعه أن قد غَبَنْ ) ( فهو إن أعطى عَطاءً فاضلاً ... ذا إخاءٍ لم يُكدِّرْه بِمَتْن ) ( وإذا ما سَنّةٌ مُجْحِفَةٌ ... بَرَتِ الناسَ كَبَرْي بالسَّفَنْ ) ( حَسَرَتْ عنه نقيًّا عرضُه ... ذا بلاءٍ عند مُخْناها حَسَنْ ) ( نُور صدقِ بَيّنٌ في وجهه ... لم يُدَنِّسْ ثوبَه لونُ الدَّرَنْ ) ( كنتَ للناس رَبيعاً مُغْدِقاً ... ساقطَ الأكناف إن راح ارجَحَنْ ) قال أحمد بن زهير وأول هذه القصيدة عن غير ابن سلام ( شاقَني اليومَ حبيبٌ قد ظَعَنْ ... ففؤادي مُسْتَهَامٌ مُرْتَهَنْ ) ( إنّ هنداً تَديمتني حِقْبَةً ... ثم بانت وهي للنفس شَجَنْ ) ( فتنةٌ ألْحَقَها اللهُ بنا ... عائذٌ من شرّ الفِتَنْ ) فاطمة بنت الحسين تجيزه على شعره أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عمر بن شبة قال أخبرني الطلحي قال أخبرني عبد الرحمن بن حماد عن عمران بن موسى بن طلحة قال لما زفت فاطمة بنت الحسين رضوان الله عليه إلى عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان عارضها موسى شهوات ( طَلْحَةُ الخيرِ جَدِّكم ... ولخيرِ الفَوَاطمِ ) ( أنتِ للطاهراتِ مِن ... فَرْع تَيْمٍ وهاشمِ ) ( أَرْتجِيكُمْ لنَفْعِكم ... ولدَفْع المَظالِمِ ) فأمر له بكسوة ودنانير وطيب تنقله بين الهجاء والمدح قال حدثنا الكراني قال حدثنا العنزي عن العتبي قال كانت فاطمة بنت عبد الملك بن مروان تحت عمر بن عبد العزيز فلما مات عنها تزوجها داود بن سليمان بن مروان وكان قبيح الوجه فقال في ذلك موسى شهوات ( أبعد الأَغرّ ابن عبد العزيز ... قَرِيعِ قريشٍ إذا يذْكَرُ ) ( تَزوّجْتِ داودَ مَخْتارةً ... ألاَ ذلك الخَلَفُ الأَعْوَرُ ) فكانت إذا سخطت عليه تقول صدق والله موسى إنك لأنت الخلف الأعور فيشتمه داود أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن لقيط قال أقام موسى شهوات ليزيد بن خالد بن يزيد بن معاوية على بابه بدمشق وكان فتى جوادا سمحا فلما ركب وثب إليه فأخذ بعنان دابته ثم قال ( قُم فصوِّتْ إذا أتيت دِمَشْقاً ... يا يزيدُ بن خالدِ بن يزيدِ ) ( يا يزيدُ بن خالدٍ إن تُجِبْني ... يَلْقَني طائري بنجم السُّعودِ ) فأمر له بخمسة آلاف درهم وكسوة وقال له كلما شئت فنادنا نجبك أخبرنا وكيع قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب الزبيري قال زوج موسى شهوات بنت مولى لمعن بن عبد الرحمن بن عوف يقال له داود ابن أبي حميدة فلما جليت عليه قال داود ما للجلوة فأنشأ يقول ( تقول ليَ النساءُ غدَاةَ تُجْلَى ... حميدةُ يا فتى ما للجِلاءِ ) ( فقلتُ لهم سَمَرْقَنْدٌ وبَلْخٌ ... وما بالصين من نَعَمٍ وشَاءِ ) ( أبوها حاتمٌ إن سِيلَ خيراً ... وليثُ كرِيهةٍ عند اللقاءِ ) أخبرني وكيع قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب قال قضى أبو بكر بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب على موسى شهوات بقضية وكان خالد بن عبد الملك استقضاه في أيام هشام بن عبد الملك فقال موسى يهجوه ( وجدتُك فَهًّا في القضاء مُخلِّطاً ... فقَدْتُك من قاضٍ ومن مُتأمِّرِ ) ( فدَعْ عنك ما شيدته ذات رخة ... أذى الناس لا تَحْشُرْهُمُ مَحْشَرِ ) ثم ولي القضاء سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت الأنصاري فقال يمدحه ( مَنْ سَرّه الحُكْمُ صِرفا لا مِزاجَ له ... من القُضَاة وعدلٌ غيرُ مَغْمُوز ) ( فليأْت دارَ سعيد الخَيْر إنَّ بها ... أمضى على الحقّ من سيف ابن جُرْمُوزِ ) قال وكان سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قد ولي المدينة واشتد على السفهاء والشعراء والمغنين ولحق موسى شهوات بعض ذلك منه وكان قبيح الوجه فقال موسى يهجوه ( قل لِسَعْدٍ وجهِ العجوز لقد كنتَ ... لِمَا قد أُوتِيت سعداً مخيلا ) ( إن تكن ظالماً جهولاً فقد كان ... أبوك الأدْنَى ظلوما جهولا ) وقال يهجوه ( لعن اللهُ والعبادُ ثُطَيْطَ الوجه ... لا يُرْتَجَى قبيحَ الجِوارِ ) ( يَتْقي الناسُ فحشه وأذَاه ... مثلَ ما يتَّقون بولَ الحِمارِ ) ( لا تَغُرّنْك سَجْدةٌ بين عينيْه ... حَذارِ منها ومنه حَذارِ ) ( إنها سَجْدةٌ بها يَخْدَع الناسَ ... عليها من سَجْدة بالدبَّارِ ) أخبرني عمي قال أخبرني ثعلب عن عبد الله بن شبيب قال ذكر الحزامي أن موسى شهوات سأل بعض آل الزبير حاجة فدفعه عنها وبلغ ذلك عبد الله بن عمرو بن عثمان فبعث إليه بما كان التمسه من الزبيري من غير مسألة فوقف عليه موسى وهو جالس في المسجد ثم أنشأ يقول ( ليس فيما بَدا لنا منك عيبٌ ... عابَه الناسُ غيرَ أنك فاني ) ( أنت نِعمَ المَتَاعُ لو كنتَ تَبْقَى ... غيرَ أنْ لا بَقَاءَ للإِنسانِ ) والشعر المذكور فيه الغناء يقوله موسى شهوات في حمزة بن عبد الله بن الزبير وكان فتى كريما جوادا على هوج كان فيه وولاه أبوه العراقين وعزل مصعبا لما تزوج سكينة بنت الحسين رضي الله عنه وعائشة بنت طلحة وأمهر كل واحدة منهما ألف ألف درهم ابن الزبير يعزل أخاه مصعبا عن البصرة ويولي ابنه حمزة أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ عن مصعب الزبيري وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة وأخبرني عبيد الله بن محمد الرازي والحسين بن علي قال عبيد الله حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني وقال الحسين حدثنا الحارث بن أبي أسامة عن المدائني عن أبي محنف أن أنس بن زنيم الليثي كتب إلى عبد الله بن الزبير ( أبْلِغْ أميرَ المؤمنين رسالةً ... مِن ناصح لك لا يُريِك خِداعا ) ( بضَع الفتاةَ بألفِ ألفٍ كاملٍ ... وتَبِيتُ قاداتُ الجيوش جيِاعا ) ( لو لأبي حَفْصٍ أقولُ مَقَالتي ... وأُبِتُّ ما أبثثتُكم لارتاعا ) فلما وصلت الأبيات إليه جزع ثم قال صدق والله لو لأبي حفص يقول إن مصعبا تزوج امرأتين بألفي ألف درهم لا رتاع وإنا بعثنا مصعبا إلى العراق فأغمد سيفه وسل أيره وسنعزله فدعا بابنه حمزة وأمه بنت منظور بن زبان الفزاري وكان لها منه محل لطيف فولاه البصرة وعزل مصعبا فبلغ قوله عبد الملك في أخيه مصعب فقال لكن أنا خبيب أغمد سيفه وأيره وخيره وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال هذه الأبيات لعبد الله بن همام السلولي قالوا جميعا فلما ولي ابنه حمزة البصرة أساء السيرة وخلط تخليطا شديدا وكان جوادا شجاعا أهوج فوفدت إلى أبيه الوفود في أمره وكتب إليه الأحنف بأمره وما ينكره الناس منه وأنه يخشى أن تفسد عليه طاعتهم فعزله عن البصرة أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا المدائني قال لما قدم حمزة بن عبد الله البصرة واليا عليها وكان جوادا شجاعا مخلطا يجود أحيانا حتى لا يدع شيئا يملكه إلا وهبه ويمنع أحيانا ما لا يمنع من مثله فظهرت منه بالبصرة خفة وضعف وركب يوما إلى فيض البصره فلما رآه قال إن هذا الغدير إن رفقوا به ليكفينهم صيفتهم هذه فلما كان بعد ذلك ركب إليه فوافقه جازرا فقال قد رأيته ذات يوم فظننت أن لن يكفيهم فقال له الأحنف إن هذا ماء يأتينا ثم يغيض عنا ثم يعود وشخص إلى الأهواز فرأى جبلها فقال هذا قعيقعان وقعيقعان جبل بمكة فلقب ذلك الجبل بقعيقعان قال أبو زيد وحدثني غير المدائني أنه سمع بذكر الجبل بالبصرة فدعا بعامله فقال له ابعث فأتنا بخراج الجبل فقال له إن الجبل ليس ببلد فآتيك بخراجه وبعث إلى مردانشاه فاستحثه بالخراج فأبطأ به فقام إليه بسيفه فقتله فقال له الأحنف ما أحد سيفك أيها الأمير وهدم بعبد العزيز بن شبيب بن خياط أن يضربه بالسياط فكتب إلى ابن الزبير بذلك وقال له إذا كانت لك بالبصرة حاجة فاصرف ابنك عنها وأعد إليها مصعبا ففعل ذلك وقال بعض الشعراء يهجو حمزة ويعيبه بقوله في أمر الماء الذي رآه قد جزر ( يابن الزُّبَيْر بَعَثتَ حمزةَ عاملاً ... يا ليتَ حمزةَ كان خلفَ عُمَانِ ) ( أزرَى بِدَجْلةَ حين عَبّ عُبَابُها ... وتقاذفتْ بزواخر الطُّوفانِ ) خبر الفرزدق مع النوار ابنة أعين المجاشعية أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال خطب النوار ابنة أعين المجاشعية رجل من قومها فجعلت أمرها إلى الفرزدق وكان ابن عمها دنية ليزوجها منه فأشهد عليها بذلك وبأن أمرها إليه شهودا عدولا فلما أشهدتهم على نفسها قال بهم الفرزدق فإني أشهدكم أني قد تزوجتها فمنعته النوار نفسها وخرجت إلى الحجاز إلى عبد الله بن الزبير فاستجارت بامرأته بنت منظور بن زبان وخرج الفرزدق فعاد بابنه حمزة وقال يمدحه ( يا حَمْز هَلْ لك في ذي حاجةٍ غَرِضتْ ... أَنضاؤه بمكان غير ممطورِ ) ( فأنتَ أولَى قُرَيشٍ أن تكونَ لها ... وأنت بين أبي بكرٍ ومنظورِ ) فجعل أمر النوار يقوى وأمر الفرزدق يضعف فقال الفرزدق في ذلك ( أمّا بَنُوه فلم تَنفَعْ شَفَاعتُهم ... وشُفِّعت بنتُ منظور بن زَبّانا ) ( ليس الشفيعُ الذي يأتيكَ مُؤْتَزراً ... مثل الشفيع الذي يأتيك عُرْيانا ) فبلغ ابن الزبير شعره ولقيه على باب المسجد وهو خارج منه فضغط حلقه حتى كاد يقتله ثم خلاه وقال ( لقد أصبحتْ عِرْسُ الفَرَزْدقِ ناشِزاً ... ولو رَضِيتْ رَمحَ استِهِ لاستقرَّتِ ) ثم دخل إلى النوار فقال لها إن شئت فرقت بينك وبينه ثم ضربت عنقه فلا يهجونا أبدا وإن شئت أمضيت نكاحه فهو ابن عمك وأقرب الناس إليك وكانت امرأة صالحة فقالت أو ما غير هذا قال لا قالت ما أحب أن يقتل ولكني أمضي أمره فلعل الله أن يجعل في كرهي إياه خيرا فمضت إليه وخرجت معه إلى البصرة معبد يغني بشعره حمزة بن عبد الله أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد بن أبي الأزهر قالا حدثنا حماد ابن إسحاق عن أبيه عن الزبيري أن حمزة بن عبد الله كان جوادا فدخل إليه معبد يوما وقد أرسله ابن قطن مولاه يقترض له من حمزة ألف دينار فأعطاه ألف الدينار فلما خرج من عنده قيل له هذا عبد ابن قطن وهويروي فيك شعر موسى شهوات فيحسن روايته فأمر برده فرد وقال له ما حكاه القوم عنه فغناه معبد الصوت فأعطاه أربعين دينارا ولما كان بعد ذلك رد ابن قطن عليه المال فلم يقبله وقال له إنه إذا خرج عني مال لم يعد إلى ملكي وقد روي أن الداخل على حمزة والمخاطب في أمره بهذه المخاطبة ابن سريج وليس ذلك بثبت هذا هو الصحيح والغناء لمعبد أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة عن محمد بن يحيى الغساني أن موسى شهوات أملق فقال لمعبد قد قلت في حمزة بن عبد الله شعرا فغن فيه حتى يكون أجزل لصلتنا ففعل ذلك معبد وغنى في هذه الأبيات ثم دخلا على حمزة فأنشده إياها موسى ثم غناه فيها معبد فأمر لكل واحد منهما بمائتي دينار أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عبد الله بن عبد الله بن عياش قال كان موسى شهوات مولى لسليمان بن أبي خيثمة بن حذيفة العدوي وكان شاعرا من شعراء أهل الحجاز وكان الخلفاء من بني أمية يحسنون إليه ويدرون عطاءه وتجيئه صلاتهم إلى الحجاز وكانت فاطمة بنت عبد الملك بن مروان تحت عمر بن عبد العزيز فلما مات عنها تزوجها داود بن سليمان بن مروان وكان دميما قبيحا فقال موسى شهوات في ذلك ( أبعد الأغرِّ ابن العزيز ... قريع قريشٍ إذا يُذكرُ ) ( تزوّجتِ داودَ مختارةً ... أَلاَ ذَلك الخلَفُ الأعورُ ) فغلب عليه ذلك في بني مروان فكان يقال له الخلف الأعور صوت من المائة المختارة ( عُوجَا خليليّ على المَحْضَرِ ... والربعِ من سَلاّمة المُقْفِرِ ) ( عُوجا به فاستنطِقَاه فقد ... ذكَّرني ما كنتُ لم أذْكُرِ ) ( ذكّرني سَلمَى وأيامَها ... إذ جاورَتْنا بلوَى عَسْجَرِ ) ( بالربع من وَدّانَ مبدا لنا ... ومِحْوَراً ناهيكَ من محورِ ) ( في مَحْضَرٍ كنّا به نلتقي ... يا حبّذا ذلك من محضَرِ ) ( إذ نحن والحيّ به جِيرةٌ ... فيما مضى من سالف الأعصُرِ ) الشعر للوليد بن يزيد وقيل إنه لعمر بن أبي ربيعة وقيل إنه للعرجي وهو للوليد صحيح والغناء واللحن المختار لابن سريج خفيف رمل بالبنصر في مجراها وفيه لشارية خفيف رمل آخر عن ابن المعتز وذكر الهشامي أن فيه لحكم الوادي خفيف رمل أيضا خبر أشعب مع زيد بن عمرو بن عثمان زوج سكينة بنت الحسين أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن المدائني قال كان زيد بن عمرو بن عثمان قد تزوج سكينة بنت الحسين رضي الله تعالى عنه فعتب عليها يوما فخرج إلى مال له فذكر أشعب أن سكينة دعته فقالت له إن ابن عثمان خرج عاتبا علي فاعلم لي حاله قلت لا أستطيع أن أذهب إليه الساعة فقالت أنا أعطيك ثلاثين دينارا فأعطتني إياها فأتيته ليلا فدخلت الدار فقال انظروا من في الدار فأتوه فقالوا أشعب فنزل عن فرشه وصار إلى الأرض فقال أشعيب قلت نعم قال ما جاء بك قلت أرسلتني سكينة لأعلم خبرك أتذكرت منها ما تذكرت منك وأنا أعلم أنك قد فعلت حين نزلت عن فرشك وصرت إلى الأرض قال دعني من هذا وغنني ( عُوجا به فاستنطِقاه فقد ... ذكّرني ما كنتُ لم أذكر ) فغنيته فلم يطرب ثم قال غنني ويحك غير هذا فإن أصبت ما في نفسي فلك خلتي هذه وقد اشتريتها آنفا بثلمثمائة دينار فغنيته صوت ( عَلِقَ القلب بعضُ ما قد شجاه ... من حبيبٍ أمسى هوانا هواهُ ) ( ما ضِرارِي نفسي بهجران منْ ليس ... مُسيئا ولا بعيداً نواهُ ) ( واجتنابي بنتَ الحبيب وما الخُلد ... ُ بأشهى إليّ من أن أراهُ ) فقال ما عدوت ما في نفسي خذ الحلة فأخذتها ورجعت إلى سكينة فقصصت عليها القصة فقالت وأين الحلة قلت معي فقالت وأنت الآن تريد أن تلبس حلة ابن عثمان لا والله ولا كرامة فقلت قد أعطانيها فأي شيء تريدين مني فقالت أنا أشتريها منك فبعتها إياها بثلثمائة دينار الشعر المذكور في هذا الخبر لعمر بن أبي ربيعة والغناء للدارمي خفيف ثقيل بالخنصر في مجرى الوسطى وذكر عمرو بن بانة أنه للهذلي وفيه لابن جامع ثاني ثقيل بالوسطى أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه أن رجلا كانت له جارية يهواها وتهواه فغاضبها يوما وتمادى ذلك بينهما واتفق أن مغنية دخلت فغنتهما ( ما ضِرَاري نفسي بهِجرانَ مَنْ لِيس ... مُسيئاً ولا بعيداً نواه ) فقالت الجارية لا شيء والله إلا الحمق ثم قامت إلى مولاها فقبلت رأسه واصطلحا صوت من المائة المختارة ( يا ويحَ نفسي لو أنه أقصَرْ ... ما كان عيشي كما أرى أكدَرْ ) ( يا من عذيري ممن كَلِفتُ به ... يشهد قلبي بأنه يسْحَرْ ) ( يا رُبَّ يومٍ رأيتُني مَرِحاً ... آخذٌ في اللهو مُسبِلَ المِئزرْ ) ( بين ندامَى تحُثّ كأسَهُمُ ... عليهمُ كفُّ شادِنٍ أحوَرْ ) الشعر لأبي العتاهية والغناء لفريدة خفيف رمل بالبنصر إلى هنا انتهى الجزء الثالث من كتاب الأغاني ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الرابع منه وأوله ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره سوى ما كان منها مع عتبة بسم الله الرحمن الرحيم ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره أبو العتاهية لقب غلب عليه واسمه إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان مولى عنزة وكنيته أبو إسحاق وأمه أم زيد بنت زياد المحاربي مولى بني زهرة وفي ذلك يقول أبو قابوس النصراني وقد بلغه أن أبا العتاهية فضل عليه العتابي ( قُلْ لِلمُكنِّي نفسه ... مُتَخيّرا بعَتَاهِيهْ ) ( والمرسِل الكلِم القبيح ... وعتْه أُذْنٌ واعيهْ ) ( إن كنت سِرّا سؤتني ... أو كان ذاك علانيهْ ) ( فعليك لعنةُ ذي الجلال ... وأُمُّ زيدٍ زانيهْ ) ومنشؤه بالكوفة وكان في أول أمره يتخنث ويحمل زاملة المخنثين ثم كان يبيع الفخار بالكوفة ثم قال الشعر فبرع فيه وتقدم ويقال أطبع الناس بشار والسيد وأبو العتاهية وما قدر أحد على جمع شعر هؤلاء الثلاثة لكثرته وكان غزير البحر لطيف المعاني سهل الألفاظ كثير الافتنان قليل التكلف إلا أنه كثير الساقط المرذول مع ذلك وأكثر شعره في الزهد والأمثال وكان قوم من أهل عصره ينسبونه إلى القول بمذهب الفلاسفة ممن لا يؤمن بالبعث ويحتجون بأن شعره إنما هو في ذكر الموت والفناء دون ذكر النشور والمعاد وله أوزان طريفة قالها مما لم يتقدمه الأوائل فيها وكان أبخل الناس مع يساره وكثرة ما جمعه من الأموال سبب لقبة حدثني محمد بن يحيى الصولي قال أخبرني محمد بن موسى بن حماد قال قال المهدي يوما لأبي العتاهية أنت إنسان متحذلق معته فاستوت له من ذلك كنية غلبت عليه دون اسمه وكنيته وسارت له في الناس قال ويقال للرجل المتحذلق عتاهية كما يقال للرجل الطويل شناحية ويقال أبو عتاهية بإسقاط الألف واللام قال محمد بن يحيى وأخبرني محمد بن موسى قال أخبرني ميمون بن هارون عن بعض مشايخه قال كني بأبي العتاهية أن كان يحب الشهرة والمجون والتعته وبلده الكوفة وبلد آبائه وبها مولده ومنشؤه وباديته قال محمد بن سلام وكان محمد بن أبي العتاهية يذكر أن أصلهم من عنزة وأن جدهم كيسان كان من أهل عين التمر فلما غزاها خالد بن الوليد كان كيسان جدهم هذا يتيما صغيرا يكفله قرابة له من عنزة فسباه خالد مع جماعة صبيان من أهلها فوجه بهم إلى أبي بكر فوصلوا إليه وبحضرته عباد بن رفاعة العنزي بن أسد بن ربيعة بن نزار فجعل أبو بكر رضي الله عنه يسأل الصبيان عن أنسابهم فيخبره كل واحد بمبلغ معرفته حتى سأل كيسان فذكر له أنه من عنزة فلما سمعه عباد يقول ذلك استوهبه من أبي بكر رضي الله عنه وقد كان خالصا له فوهبه له فأعتقه فتولى عنزة أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا أحمد بن الحجاج الجلاني الكوفي قال حدثني أبو دؤيل مصعب بن دؤيل الجلاني قال لم أر قط مندل بن علي العنزي وأخاه حيان بن علي غضبا من شيء قط إلا يوما واحدا دخل عليها أبو العتاهية وهو مضمخ بالدماء فقالا له ويحك ما بالك فقال لهما من أنا فقالا له أنت أخونا وابن عمنا ومولانا فقال إن فلانا الجزار قتلني وضربني وزعم أني نبطي فإن كنت نبطيا هربت على وجهي وإلا فقوما فخذا لي بحقي فقام معه مندل بن علي وما تعلق نعله غضبا وقال له والله لو كان حقك على عيسى بن موسى لأخذته لك منه ومر معه حافيا حتى أخذ له بحقه أخبرني الصولي قال حدثنا محمد بن موسى عن الحسن بن علي عن عمر بن معاوية عن جبارة بن المفلس الحماني قال أبو العتاهية مولى عطاء بن محجن العنزي صنعة أبي العتاهية أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال قال أبو عون أحمد بن المنجم أخبرني خيار الكاتب قال كان أبو العتاهية وإبراهيم الموصلي من أهل المذار جميعا وكان أبو العتاهية وأهله يعملون الجرار الخضر فقدما إلى بغداد ثم افترقا فنزل إبراهيم الموصلي ببغداد ونزل أبو العتاهية الحيرة وذكر عن الرياشي أنه قال مثل ذلك وأن أبا أبي العتاهية نقله إلى الكوفة قال محمد بن موسى فولاء أبي العتاهية من قبل أبيه لعنزة ومن قبل أمه لبني زهرة ثم لمحمد بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وكانت أمه مولاة لهم يقال لها أم زيد أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن مهرويه قال قال الخليل بن أسد كان أبو العتاهية يأتينا فيستأذن ويقول أبو إسحاق الخزاف وكان أبوه حجاما من أهل ورجة ولذلك يقول أبو العتاهية ( أَلاَ إنّما التَّقْوَى هو العزّ والكَرَمْ ... وحُبُّك للدّنيا هو الفقر والعَدَمْ ) ( وليس على عبدٍ تَقِيٍّ نقيصةٌ ... إذا صحّح التّقوى وإِن حاك أو حَجْم ) شعره بعد أن فاخره رجل من كنانة حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا الغلابي قال حدثنا محمد بن أبي العتاهية قال جاذب رجل من كنانة أبا العتاهية في شيء ففخر عليه الكناني واستطال بقوم من أهله فقال أبو العتاهية ( دَعْنَي من ذِكْرِ أبٍ وجَدِّ ... ونَسَبِ يُعْلِيكَ سُورَ المجدِ ) ( ما الفخرُ إلا في التُّقَى والزُّهدِ ... وطاعةٍ تُعطي جِنَان الخُلْدِ ) ( لا بُدَّ من وِرْدٍ لأهلِ الوِردِ ... إمّا إلى ضَحْلٍ وإمّا عِدّ ) حدثني الصولي قال حدثنا محمد بن موسى عن أحمد بن حرب قال كان مذهب أبي العتاهية القول بالتوحيد وأن الله خلق جوهرين متضادين لا من شيء ثم إنه بنى العالم هذه البنية منهما وأن العالم حديث العين والصنعة لا محدث له إلا الله وكان يزعم أن الله سيرد كل شيء إلى الجوهرين المتضادين قبل أن تفنى الأعيان جميعا وكان يذهب إلى أن المعارف واقعة بقدر الفكر والاستدلال والبحث طباعا مذهب أبي العتاهية وكان يقول بالوعيد وبتحريم المكاسب ويتشيع بمذهب الزيدية البترية المبتدعة لا يتنقص أحدا ولا يرى مع ذلك الخروج على السلطان وكان مجبرا قال الصولي فحدثني يموت بن المزرع قال حدثني الجاحظ قال قال أبو العتاهية لثمامة بين يدي المأمون وكان كثيرا ما يعارضه بقوله في الإجبار أسألك عن مسألة فقال له المأمون عليك بشعرك فقال إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في مسألته ويأمره بإجابتي فقال له أجبه إذا سألك فقال أنا أقول إن كل ما فعله العباد من خير وشر فهو من الله وأنت تأبى ذلك فمن حرك يدي هذه وجعل أبو العتاهية يحركها فقال له ثمامة حركها من أمه زانية فقال شتمني والله يا أمير المؤمنين فقال ثمامة ناقض الماص بظر أمه والله يا أمير المؤمنين فضحك المأمون وقال له ألم أقل لك أن تشتغل بشعرك وتدع ما ليس من عملك قال ثمامة فلقيني بعد ذلك فقال لي يا أبا معن أما أغناك الجواب عن السفه فقلت إن من أتم الكلام ما قطع الحجة وعاقب على الإساءة وشفى من الغيظ وانتصر من الجاهل قال محمد بن يحيى وحدثني عون بن محمد الكندي قال سمعت العباس بن رستم يقول كان أبو العتاهية مذبذبا في مذهبه يعتقد شيئا فإذا سمع طاعنا عليه ترك اعتقاده إباه وأخذ غيره حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني ابن أبي الدنيا قال حدثني الحسين بن عبد ربه قال حدثني علي بن عبيدة الريحاني قال حدثني أبو الشمقمق أنه رأى أبا العتاهية يحمل زاملة المخنثين فقلت له أمثلك يضع نفسه هذا الموضع مع سنك وشعرك وقدرك فقال له أريد أن أتعلم كيادهم وأتحفظ كلامهم مارس صنعة الحجامة أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال ذكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل أن بشر بن المعتمر قال يوما لأبي العتاهية بلغني أنك لما نسكت جلست تحجم اليتامى والفقراء للسبيل أكذلك كان قال نعم قال له فما أردت بذلك قال أردت أن أضع من نفسي حسبما رفعتني الدنيا وأضع منها ليسقط عنها الكبر وأكتسب بما فعلته الثواب وكنت أحجم اليتامى والفقراء خاصة فقال له بشر دعني من تذليلك نفسك بالحجامة فإنه ليس بحجة لك أن تؤدبها وتصلحها بما لعلك تفسد به أمر غيرك أحب أن تخبرني هل كنت تعرف الوقت الذي كان يحتاج فيه من تحجمه إلى إخراج الدم قال لا قال هل كنت تعرف مقدار ما يحتاج كل واحد منهم إلى أن يخرجه على قدر طبعه مما إذا زدت فيه أو نقصت منه ضر المحجوم قال لا قال فما أراك إلا أردت أن تتعلم الحجامة على أقفاء اليتامى والمساكين أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا أبو ذكوان قال حدثنا العباس بن رستم قال كان حمدويه صاحب الزنادقة قد أراد أن يأخذ أبا العتاهية ففزع من ذلك وقعد حجاما أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال قال أبو دعامة علي بن يزيد أخبر يحيى بن خالد أن أبا العتاهية قد نسك وأنه جلس يحجم الناس للأجر تواضعا بذلك فقال ألم يكن يبيع الجرار قبل ذلك فقيل له بلى فقال أما في بيع الجرار من الذل ما يكفيه ويستغني به عن الحجامة أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني شيخ من مشايخنا قال حدثني أبو شعيب صاحب ابن أبي داود قال قلت لأبي العتاهية القرآن عندك مخلوق أم غير مخلوق فقال أتسألتني عن الله أم عن غير الله قلت عن غير الله فأمسك وأعدت عليه فأجابني هذا الجواب حتى فعل ذلك مرارا فقلت له ما لك لا تجيبني قال قد أجبتك ولكنك حمار أوصافه أخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا شيخ من مشايخنا قال حدثني محمد بن موسى قال كان أبو العتاهية قضيفا أبيض اللون أسود الشعر له وفرة جعدة وهيئة حسنة ولباقة وحصافة وكان له عبيد من السودان ولأخيه زيد أيضا عبيد منهم يعملون الخزف في أتون لهم فإذا اجتمع منه شيء ألقوه على أجير لهم يقال له أبو عباد اليزيدي من أهل طاق الجرار بالكوفة فيبيعه على يديه ويرد فضله إليهم وقيل بل كان يفعل ذلك أخوه زيد لا هو وسئل عن ذلك فقال أنا جرار القوافي وأخي جرار التجارة قال محمد بن موسى وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني عبد الحميد بن سريع مولى بني عجل قال أنا رأيت أبا العتاهية وهو جرار يأتيه الأحداث والمتأدبون فينشدهم أشعاره فيأخذون ما تكسر من الخزف فيكتبونها فيها حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني عون بن محمد الكندي قال حدثني محمد بن عمر الجرجاني قال لما هاجى أبو قابوس النصراني كلثوم بن عمرو العتابي جعل أبو العتاهية يشتم أبا قابوس ويضع منه ويفضل العتابي عليه فبلغه ذلك فقال فيه ( قُلْ للمُكَنِّي نفسَه ... مُتخيِّراً بعتاهيهْ ) ( والمرسِل الكَلِمَ القبيحَ ... وعَتْه أُذْنٌ واعيهْ ) ( إن كنتَ سرّاً سؤتَني ... أو كان ذاك عَلانيهْ ) ( فعليك لعنةُ ذي الاجلاَل ... وأُمّ زيدٍ زانيهْ ) يعني أم أبي العتاهية وهي أم زيد بنت زياد فقيل له أتشتم مسلما فقال لم أشتمه وإنما قلت ( فعليك لعنةُ ذي الجلال ... ومَنْ عَنينْا زانيهْ ) قال وفيه يقول والبة بن الحباب وكان يهاجيه ( كان فينا يُكْنَى أبا إسحاقِ ... وبها الرّكْبُ سارَ في الآفاقِ ) ( فتكنَّى مَعْتُوهُنَا بعَتَاهٍ ... يا لها كُنْيةً أتت باتّفاقِ ) ( خلق الله لِحْيةً لك لا تنفكّ ... معقودةً بداء الحُلاَقِ ) أخبرنا محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا النوشجاني قال أتاني البواب يوما فقال لي أبو إسحاق الخزاف بالباب فقلت ائذن له فإذا أبو العتاهية قد دخل فوضعت بين يديه قنو موز فقال قد صرت تقتل العلماء بالموز قتلت أبا عبيدة بالموز وتريد أن تقتلني به لا والله لا أذوقه قال فحدثني عروة بن يوسف الثقفي قال رأيت أبا عبيدة قد خرج من دار النوشجاني في شق محمل مسجى إلا أنه حي وعند رأسه قنو موز وعند رجليه قنو موز آخر يذهب به إلى أهله فقال النوشجاني وغيره لما دخلنا عليه نعوده قلنا ما سبب علتك قال هذا النوشجاني جاءني بموز كأنه أيور المساكين فأكثرت منه فكان سبب علتي قال ومات في تلك العلة مصعب يقول أبو العتاهية أشعر الناس أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال سمعت مصعب بن عبد الله يقول أبو العتاهية أشعر الناس فقلت له بأي شيء استحق ذلك عندك فقال بقوله ( تَعلّقتُ بآمالٍ ... طِوالٍ أيِّ آمالِ ) ( وأقبلتُ على الدّنيا ... مُلِحّاً أيَّ إقبالِ ) ( أيا هذا تَجَهَّزْ لفراق ... الأهل والمال ) ( فلا بدّ من الموت ... على حالٍ من الحالِ ) ثم قال مصعب هذا كلام سهل حق لا حشو فيه ولا نقصان يعرفه العاقل ويقربه الجاهل أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي قال سمعت الأصمعي يستحسن قول أبي العتاهية ( أنتَ ما استغنيتَ عن صاحبك ... الدهرَ أخوه ) ( فإذا احتجتَ إليه ... ساعةً مجّك فُوه ) سلم الخاسر يقول أبو العتاهية أشعر الأنس والجن حدثنا محمد بن العباس اليزيدي إملاء قال حدثني عمي الفضل بن محمد قال حدثني موسى بن صالح الشهرزوري قال أتيت سلما الخاسر فقلت له أنشدني لنفسك قال لا ولكن أنشدك لأشعر الجن والإنس لأبي العتاهية ثم أنشدني قوله صوت ( سَكَنٌ يبقَى له سَكَنُ ... ما بهذا يُؤذِن الزَّمنُ ) ( نحن في دارٍ يُخَبِّرنا ... بِبلاَها ناطقٌ لَسِنُ ) ( دار سَوء لم يَدُمْ فَرَحٌ ... لامرىءٍ فيها ولا حَزَنُ ) ( في سبيل الله أنفسُنا ... كلُّنا بالموت مُرتَهنُ ) ( كلُّ نفسٍ عند مِيتَتِها ... حظُّها من مالها الكَفَنُ ) ( إنّ مالَ المرء ليس له ... منه إلاّ ذكرُه الحسن ) فأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني محمد بن القاسم قال حدثني رجل من أهل البصرة أنسيت اسمه قال حدثني حمدون بن زيد قال حدثني رجاء بن مسلمة قال قلت لسلم الخاسر من أشعر الناس فقال إن شئت أخبرتك بأشعر الجن والإنس فقلت إنما أسالك عن الإنس فإن زدتني الجن فقد أحسنت فقال أشعرهم الذي يقول ( سَكَنٌ يبقَى له سَكنُ ... ما بهذا يُؤذِن الزّمنُ ) قال والشعر لأبي العتاهية حدثني اليزيدي قال حدثني عمي الفضل قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا يحيى بن زياد الفراء قال دخلت على جعفر بن يحيى فقال لي يا أبا زكريا ما تقول فيما أقول فقلت وما تقول أصلحك الله قال أزعم أن أبا العتاهية أشعر أهل هذا العصر فقلت هو والله أشعرهم عندي حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني محمد بن موسى قال حدثني جعفر بن النضر الواسطي الضرير قال حدثني محمد بن شيرويه الأنماطي قال قلت لداود بن زيد بن رزين الشاعر من أشعر أهل زمانه قال أبو نواس قلت فما تقول في أبي العتاهية فقال أبو العتاهية أشعر الإنس والجن أخبرني الصولي قال حدثني محمد بن موسى قال قال الزبير بن بكار أخبرني إبراهيم بن المنذر عن الضحاك قال قال عبد الله بن عبد العزيز العمري أشعر الناس أبو العتاهية حيث يقول ( ما ضَرّ مَنْ جَعل التُّرابَ مِهادَه ... ألاّ ينامَ على الحرير إذا قَنِعْ ) صدق والله وأحسن حدثني الصولي قال حدثني محمد بن محمد بن موسى قال حدثني أحمد بن حرب قال حدثني المعلى بن عثمان قال قيل لأبي العتاهية كيف تقول الشعر قال ما أردته قط إلا مثل لي فأقول ما أريد وأترك ما لا أريد أخبرني ابن عمار قال حدثني ابن مهرويه قال حدثني روح بن الفرج الحرمازي قال جلست إلى أبي العتاهية فسمعته يقول لو شئت أن أجعل كلامي كله شعرا لفعلت حدثنا الصولي قال حدثنا العنزي قال حدثنا أبو عكرمة قال قال محمد بن أبي العتاهية سئل أبي هل تعرف العروض فقال أنا أكبر من العروض وله أوزان لا تدخل في العروض شعره في الرشيد وهو مريض أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا العنزي قال حدثنا أبو عكرمة قال حم الرشيد فصار أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع برقعة فيها ( لو عَلِم النّاسُ كيف أنت لهم ... ماتوا إذا ما ألِمْتَ أجْمُعُهمْ ) ( خليفةَ اللَّه أنت ترجَحُ بالنّاس ... إذا ما وُزِنتَ أنت وهُمْ ) ( قد عَلِم النّاسُ أنّ وجهَك يَستَغْنِي ... إذا ما رآهُ مُعدِمُهمْ ) فأنشدها الفضل بن الربيع الرشيد فأمر بإحضار أبي العتاهية فما زال يسامره ويحدثه إلى أن برئ ووصل إليه بذلك السبب مال جليل ابن الأعرابي يدافع عنه قال وحدثت أن ابن الأعرابي حدث بهذا الحديث فقال له رجل بالمجلس ما هذا الشعر بمستحق لما قلت قال ولم قال لأنه شعر ضعيف فقال ابن الأعرابي وكان أحد الناس الضعيف والله عقلك لا شعر أبي العتاهية ألأبي العتاهية تقول إنه ضعيف الشعر فوالله ما رأيت شاعرا قط أطبع ولا أقدر على بيت منه وما أحسب مذهبه إلا ضربا من السحر ثم أنشد له ( قطَّعتُ منك حَبائلَ الآمال ... وحَطَطتُ عن ظَهْر المَطِيّ رِحالي ) ( ووجدتُ بَرْد اليأس بين جَوانحي ... فأَرَحْتُ من حَلِّ ومن تَرْحال ) ( يأَيها البَطِرُ الذي هو من غدٍ ... في قبره متمزِّقُ الأَوْصال ) ( حذَف المُنَى عنه المُشَمِّرُ في الهُدى ... وأرى مُناك طَويلَةَ الأذيال ) ( حِيَلُ ابن آدم في الأمور كثيرةٌ ... والموتُ يَقْطَعُ حيلةَ المُحتال ) ( قِستُ السؤالَ فكان أعظمَ قيمةً ... من كلّ عارفةٍ جَرَتْ بسؤال ) ( فإذا ابتُلِيتَ ببَذْلِ وجهك سائلاً ... فابذُلْه للمُتَكَرِّمِ المِفْضال ) ( وإذا خَشِيتَ تَعَذُّراً في بلدةٍ ... فاشدُدْ يَديْك بعاجِل التَّرحال ) ( واصْبِرْ على غَيِر الزَّمان فإِنَّما ... فَرَجُ الشّدائد مثلُ حَلّ عِقال ) ثم قال للرجل هل تعرف أحدا يحسن أن يقول مثل هذا الشعر فقال له الرجل يا أبا عبد الله جعلني الله فداءك إني لم أردد عليك ما قلت ولكن الزهد مذهب أبي العتاهية وشعره في المديح ليس كشعره في الزهد فقال أفليس الذي يقول في المديح ( وهارونُ ماءُ المُزْن يُشْفَى به الصَّدَى ... إذا ما الصَّدِي بالرِّيق غَصَّتْ حَنَاجِرُهْ ) ( وأَوْسَطُ بيتٍ في قريش لبَيتُه ... وأوّلُ عِزٍّ في قريش وآخرُه ) ( وزَحْفٍ له تَحكي البروقَ سيوفهُ ... وتَحكي الرعودَ القاصفاتِ حوافرُه ) ( إذا حَمِيتْ شمسُ النَّهار تضاحكتْ ... إلى الشّمس فيه بَيْضُه ومَغَافره ) ( إذا نُكِبَ الإِسلامُ يوماً بِنَكْبةٍ ... فهارونُ من بين البَرِيّة ثائرُه ) ( ومَنْ ذا يفوت الموتَ والموتُ مُدرِكٌ ... كذا لم يَفُتْ هارونَ ضِدٌّ يُنافرهْ ) قال فتخلص الرجل من شر ابن الأعرابي بأن قال له القول كما قلت وما كنت سمعت له مثل هذين الشعرين وكتبهما عنه حدثني محمد قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال حدثني ابن الأعرابي المنجم قال حدثني هارون بن سعدان بن الحارث مولى عباد قال أبو نواس يفضله على نفسه حضرت أبا نواس في مجلس وأنشد شعرا فقال له من حضر في المجلس أنت أشعر الناس قال أما والشيخ حي فلا يعني أبا العتاهية أخبرني يحيى بن علي إجازة قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني الحسين ابن أبي السري قال قال ثمامة بن أشرس أنشدني أبو العتاهية ( إذا المرءُ لم يُعْتِقْ من المال نفسَه ... تَملّكه المالُ الذي هو مالِكُه ) ( ألاَ إِنَّما مالي الذي أنا مُنفِقٌ ... وليس لِيَ المالُ الذي أنا تارِكُه ) ( إذا كنتَ ذا مالٍ فبادِرْ به الذي ... يَحِقّ وإلاّ استهلَكتهْ مَهَالِكُهْ ) فقلت له من أين قضيت بهذا فقال من قول رسول الله إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت فقلت له أتؤمن بأن هذا قول رسول الله وأنه الحق قال نعم قلت فلم تحبس عندك سبعا وعشرين بدرة في دارك ولا تأكل منها ولا تشرب ولا تزكي ولا تقدمها ذخرا ليوم فقرك وفاقتك فقال يا أبا معن والله إن ما قلت لهو الحق ولكني أخاف الفقر والحاجة إلى الناس فقلت وبم تزيد حال من افتقر على حالك وأنت دائم الحرص دائم الجمع شحيح على نفسك لا تشتري اللحم إلا من عيد إلى عيد فترك جواب كلامي كله ثم قال لي والله لقد اشتريت في يوم عاشوراء لحما وتوابله وما يتبعه بخمسة دراهم فلما قال لي هذا القول أضحكني حتى أذهلني عن جوابه ومعاتبته فأمسكت عنه وعلمت أنه ليس ممن شرح الله صدره للإسلام أخبار عن بخله أخبرني يحيى بن علي إجازة قال حدثني علي بن المهدي قال قال الجاحظ حدثني ثمامة قال دخلت يوما إلى أبي العتاهية فإذا هو يأكل خبزا بلا شيء فقلت كأنك رأيته يأكل خبزا وحده قال لا ولكني رأيته يتأدم بلا شيء فقلت وكيف ذلك فقال رأيت قدامه خبزا يابسا من رقاق فطير وقدحا فيه لبن حليب فكان يأخذ القطعة من الخبز فيغمسها من اللبن ويخرجها ولم تتعلق منه بقليل ولا كثير فقلت له كأنك اشتهيت أن تتأدم بلا شيء وما رأيت أحدا قبلك تأدم بلا شيء قال الجاحظ وزعم لي بعض أصحابنا قال دخلت على أبي العتاهية في بعض المتنزهات وقد دعا عياشا صاحب الجسر وتهيأ له بطعام وقال لغلامه إذا وضعت قدامهم الغداء فقدم إلي ثريدة بخل وزيت فدخلت عليه وإذا هو يأكل منها أكل متكمش غير منكر لشيء فدعاني فمددت يدي معه فإذا بثريدة بخل بزر بدلا من الزيت فقلت له أتدري ما تأكل قال نعم ثريدة بخل وبزر فقلت ما دعاك إلى هذا قال غلط الغلام بين دبة الزيت ودبة البزر فلما جاءني كرهت التجبر وقلت دهن كدهن فأكلت وما أنكرت شيئا أخبرني يحيى بن علي قال حدثني علي بن مهدي قال حدثنا عبد الله بن عطية الكوفي قال حدثنا محمد بن عيسى الخزيمي وكان جار أبي العتاهية قال كان لأبي العتاهية جار يلتقط النوى ضعيف سيئ الحال متجمل عليه ثياب فكان يمر بأبي العتاهية طرفي النهار فيقول أبو العتاهية اللهم أغنه عما هو بسبيله شيخ ضعيف سيئ الحال عليه ثياب متجمل اللهم أغنه إصنع له بارك فيه فبقي على هذا إلى أن مات الشيخ نحوا من عشرين سنة ووالله إن تصدق عليه بدرهم ولا دانق قط وما زاد على الدعاء شيئا فقلت له يوما يا أبا إسحاق إني أراك تكثر الدعاء لهذا الشيخ وتزعم أنه فقير مقل فلم لا تتصدق عليه بشيء فقال أخشى أن يعتاد الصدقة والصدقة أخر كسب العبد وإن في الدعاء لخيرا كثيرا قال محمد بن عيسى الخزيمي هذا وكان لأبي العتاهية خادم أسود طويل كأنه محراك أتون وكان يجري عليه في كل يوم رغيفين فجاءني الخادم يوما فقال لي والله ما أشبع فقلت وكيف ذاك قال لأني ما أفتر من الكد وهو يجري علي رغيفين بغير إدام فإن رأيت أن تكلمه حتى يزيدني رغيفا فتؤجر فوعدته بذلك فلما جلست معه مر بنا الخادم فكرهت إعلامه أنه شكا إلي ذلك فقلت له يا أبا إسحاق كم تجري على هذا الخادم في كل يوم قال رغيفين فقلت له لا يكفيانه قال من لم يكفه القليل لم يكفه الكثير وكل من أعطى نفسه شهوتها هلك وهذا خادم يدخل إلى حرمي وبناتي فإن لم أعوده القناعة والاقتصاد أهلكني وأهلك عيالي ومالي فمات الخادم بعد ذلك فكفنه في إزار وفراش له خلق فقلت له سبحان الله خادم قديم الحرمة طويل الخدمة واجب الحق تكفنه في خلق وإنما يكفيك له كفن بدينار فقال إنه يصير إلى البلى والحي أولى بالجديد من الميت فقلت له يرحمك الله أبا إسحاق فلقد عودته الاقتصاد حيا وميتا قال محمد بن عيسى هذا وقف عليه ذات يوم سائل من العيارين الظرفاء وجماعة من جيرانه حوله فسأله من بين الجيران فقال صنع الله لك فأعاد السؤال فأعاد عليه ثانية فأعاد عليه ثالثة فرد عليه مثل ذلك فغضب وقال له ألست القائل ( كلُّ حَيٍّ عند مِيتته ... حظُّه مِن ماله الكفنُ ) ثم قال فبالله عليك أتريد أن تعد مالك كله ثمن كفنك قال لا قال فبالله كم قدرت لكفنك قال خمسة دنانير قال فهي إذا حظك من مالك كله قال نعم قال فتصدق علي من غير حظك بدرهم واحد قال لو تصدقت عليك لكان حظي قال فاعمل على أن دينارا من الخمسة الدنانير وضيعة قيراط وادفع إلي قيراطا واحدا وإلا فواحدة أخرى قال وما هي قال القبور تحفر بثلاثة دراهم فأعطني درهما وأقيم لك كفيلا بأني أحفر لك قبرك به متى مت وتربح درهمين لم يكونا في حسبابك فإن لم أحتفر رددته على ورثتك أو رده كفيلي عليهم فخجل أبو العتاهية وقال اعزب لعنك الله وغضب عليك فضحك جميع من حضر ومر السائل يضحك فالتفت إلينا أبو العتاهية فقال من أجل هذا وأمثاله حرمت الصدقة فقلنا له ومن حرمها ومتى حرمت فما رأينا أحدا ادعى أن الصدقة حرمت قبله ولا بعده قال محمد بن عيسى هذا وقلت لأبي العتاهية أتزكي مالك فقال والله ما أنفق على عيالي إلا من زكاة مالي فقلت سبحان الله إنما ينبغي أن تخرج زكاة مالك إلى الفقراء والمساكين فقال لو انقطعت عن عيالي زكاة مالي لم يكن في الأرض أفقر منهم أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا الزبير بن بكار قال قال سليمان بن أبي شيخ قال إبراهيم بن أبي شيخ قلت لأبي العتاهية أي شعر قلته أحكم قال قولي ( عَلِمْتَ يا مُجاشِعُ بنَ مَسْعَدهْ ... أنّ الشّباب والفَراغَ والجِدَهْ ) ( مَفْسَدةٌ للمرء أيُّ مَفْسدهْ ... ) أخبرني عيسى قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا أبو غزية قال كان مجاشع بن مسعدة أخو عمرو بن مسعدة صديقا لأبي العتاهية فكان يقوم بحوائجه كله ويخلص مودته فمات وعرضت لأبي العتاهية حاجة إلى أخيه عمرو بن مسعدة فتباطأ فيها فكتب إليه أبو العتاهية ( غَنِيتَ عن العهد القديم غَنِيتَا ... وضَيَّعتَ وُدّاً بيننا ونَسِيتا ) ( ومِن عَجَب الأيّام أن مات مَأْلَفي ... ومَن كُنتَ تَغْشاني به وبَقِيتَا ) فقال عمرو استطال أبو إسحاق أعمارنا وتوعدنا ما بعد هذا خير ثم قضى حاجته أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثنا أبو غزية قال كان أبو العتاهية إذا قدم من المدينة يجلس إلي فأراد مرة الخروج من المدينة فودعني ثم قال ( إنْ نَعِشْ نجتمعْ وإلاّ فما أَشْغلَ ... مَنْ مات عن جميع الأنام ) شعره في غلام طالبه بدين أخبرني أحمد بن العباس العسكري قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني عبد الرحمن بن إسحاق العذري قال كان لبعض التجار من أهل باب الطاق على أبي العتاهية ثمان ثياب أخذها منه فمر به يوما فقال صاحب الدكان لغلام ممن يخدمه حسن الوجه أدرك أبا العتاهية فلا تفارقه حتى تأخذ منه مالنا عنده فأدركه على رأس الجسر فأخذ بعنان حماره ووقفه فقال له ما حاجتك يا غلام قال أنا رسول فلان بعثني إليك لأخذ ماله عليك فأمسك عنه أبو العتاهية وكان كل من مر فرأى الغلام متعلقا به وقف ينظر حتى رضي أبو العتاهية جمع الناس وحفلهم ثم أنشأ يقول ( واللهِ ربِّك إنّني ... لأُجِلُّ وجهَك عن فِعالكْ ) ( لو كان فِعلُك مثلَ وجهِك ... كنتُ مُكْتفياً بذلكْ ) فخجل الغلام وأرسل عنان الحمار ورجع إلى صاحبه وقال بعثتني إلى شيطان جمع علي الناس وقال في الشعر حتى أخجلني فهربت منه أخبرني أحمد بن العباس قال حدثنا العنزي قال قال إبراهيم بن إسحاق ابن إبراهيم التيمي حدثني إبراهيم بن حكيم قال كان أبو العتاهية يختلف إلى عمرو بن مسعدة لود كان بينه وبين أخيه مجاشع فاستأذن عليه يوما فحجب عنه فلزم منزله فاستبطأه عمرو فكتب إليه إن الكسل يمنعني من لقائك وكتب في أسفل رقعته ( كَسَّلنِي اليأسُ منك عنك فما ... أرفَع طَرْفي إليك من كَسَلِ ) ( إنّي إذا لم يكن أخي ثِقة ... قطَّعتُ منه حبائلَ الأملِ ) حدثني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن يزيد النحوي قال استأذن أبو العتاهية على عمرو بن مسعدة فحجب عنه فكتب إليه ( ما لك قد حُلْتَ عن إخائك ... واستبدلت يا عمرُو شميبةً كَدِرهْ ) ( إنّي إذا البابُ تاه حاجبُه ... لم يَكُ عندي في هَجْره نَظِرَهْ ) ( لَسْتُمْ تُرَجَّوْنَ للحِساب ولا ... يومَ تكونُ السماءُ مُنفطِرهْ ) ( لكنْ لدنيا كالظلّ بهجتُها ... سريعةُ الانقضاءِ مُنْشمِرَهْ ) ( قد كان وجهي لديك معرفةً ... فاليومَ أضحى حَرْفاً من النَّكِرهْ ) قصيدته في هجو عبد الله بن معن أخبرني محمد بن القاسم الأنباري قال حدثنا أبو عكرمة قال كان الرشيد إذا رأى عبد الله بن معن بن زائدة تمثل قول أبي العتاهية ( أختُ بني شَيْبان مرّت بنا ... مَمْشوطةً كُوراً على بَغْلِ ) وأول هذه الأبيات ( يا صاحِبَيْ رَحْلِيَ لا تُكْثِرا ... فِي شَتْم عبد الله من عَذْلِ ) ( سبحانَ من خَصَّ ابنَ معنٍ بما ... أرى به من قِلَّة العَقْل ) ( قال ابنُ مَعْنٍ وجَلا نفسَه ... على مَنِ الجَلْوةُ يا أهْلي ) ( أنا فتاةُ الحيّ من وَائلٍ ... في الشَّرَف الشّامخ والنُّبْل ) ( ما في بَني شَيبانَ أهلِ الحِجَا ... جاريةٌ واحدةٌ مثلي ) ( وَيْلِي ويا لَهْفِي على أَمْرَدٍ ... يُلْصِق منّي القُرْط بالحَجْلِ ) ( صافحتُه يوماً على خَلْوةٍ ... فقال دَعْ كفي وخُذْ رِجْلي ) ( أختُ بني شيبانَ مرَّتْ بنا ... ممشوطةً كُوراً على بَغْلِ ) ( تُكْنَى أبا الفضل ويَا مَن رأى ... جاريةً تُكْنَى أبا الفضل ) ( قد نَقَّطتْ في وجهها نُقطةً ... مَخافةَ العين من الكُحْلِ ) ( إن زُرتموها قال حُجَّابُها ... نحن عن الزُّوَّار في شُغْل ) ( مولاتُنا مشغولةٌ عندها ... بَعْل ولا إذنَ على البَعْلِ ) ( يا بنتَ مَعْنِ الخيرِ لا تجهَلِي ... وأين إقصارٌ عنِ الجهلِ ) ( أتَجْلِدُ الناسَ وأنتَ امرؤٌ ... تُجْلَد في الدُّبْر وفي القُبْلِ ) ( ما ينبغي للنّاس أن يَنسُبُوا ... مَنْ كان ذا جُودٍ إلى البُخلِ ) ( يَبْذُلُ ما يمنع أهلُ الندى ... هذا لعَمْري مُنتهى البَذْلِ ) ( ما قلتُ هذا فيك إلاّ وقد ... جَفّتْ به الأقلامُ من قَبْلي ) قال فبعث إليه عبد الله بن معن فأتي به فدعا بغلمان له ثم أمرهم أن يرتكبوا منه الفاحشة ففعلوا ذلك ثم أجلسه وقال له قد جزيتك على قولك في فهل لك في الصلح ومعه مركب وعشرة آلاف درهم أو تقيم على الحرب قال بل الصلح قال فأسمعني ما تقوله في الصلح فقال ( ما لعُذّالي ومالي ... أمروني بالضّلال ) ( عذَلوني في اغتِفاري ... لابن مَعْنٍ واحتمالي ) ( إن يكن ما كان منه ... فبِجُرمي وفِعالي ) ( أنا منه كنتُ أسوأ ... عِشْرةً في كلّ حال ) ( قل لِمن يَعْجَب من حُسنِ ... رُجوعي ومَقالي ) ( رُبَّ وُدٍّ بعد صَدٍّ ... وهوى بعد تَقَالي ) ( قد رأينا ذا كثيراً ... جارياً بين الرّجال ) ( إنما كانتْ يميني ... لَطَمَتْ منّي شِمَالي ) خبره مع سعدى مولاه ابن معن حدثني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا محمد بن موسى اليزيدي قال حدثنا أبو سويد عبد القوي بن محمد بن أبي العتاهية ومحمد بن سعد قالا كان أبو العتاهية يهوى في حداثته امرأة نائحة من أهل الحيرة لها حسن وجمال يقال لها سعدى وكان عبد الله بن معن بن زائدة المكني بأبي الفضل يهواها أيضا وكانت مولاة لهم ثم أتهمها أبو العتاهية بالنساء فقال فيها ( ألاَ يا ذَواتِ السَّحْق في الغربِ والشّرقِ ... أَفِقْن فإِنّ النَّيْك أَشْفَى من السَّحْقِ ) ( أفِقن فإن الخبز بالأُدم يُشتَهى ... وليس يَسُوغُ الخبزُ بالخُبز في الحَلْق ) ( أراكُنَّ تَرْقَعن الخُروقَ بمَثلها ... وأيّ لبيب يرقَع الخَرْقَ بالخَرق ) ( وهل يصلُح المِهراسُ إلا بعُوده ... إذا احْتِيج منه ذاتَ يوم إلى الدَّقّ ) حدثني الصولي قال حدثني الغلابي قال حدثني مهدي بن سابق قال تهدد عبد الله بن معن أبا العتاهية وخوفه ونهاه أن يعرض لمولاته سعدى فقال أبو العتاهية ( ألاَ قُلْ لابن معنٍ ذا الذي ... في الوُدّ قد حالا ) ( لقد بُلِّغتُ ما قال ... فما باليتُ ما قالا ) ( ولو كان من الأُسْدِ ... لَمَا صَال ولا هالا ) ( فصُغْ ما كنتَ حلَّيتَ ... به سَيْفَك خَلْخَالا ) ( وما تصنع بالسيف ... إذا لم تَكُ قَتّالا ) ( ولو مَدّ إلى أُذْنيه ... كَفَّيه لما نَالا ) ( قَصيرُ الطُّولِ والطِّيلةِ ... لا شَبّ ولا طَالا ) ( أرى قومَك أبطالا ... وقد أصبحتَ بطّالا ) هجاؤه معن وأخاه يزيد حدثنا الصولي قال حدثنا محمد بن موسى قال حدثني سليمان المدائني قال احتال عبد الله بن معن على أبي العتاهية حتى أخذ في مكان فضربه مائة سوط ضربا ليس بالمبرح غيظا عليه وإنما لم يعنف في ضربه خوفا من كثرة من يعنى به فقال أبو العتاهية يهجوه ( جَلَدَتْني بكَفّها ... بنتُ معنِ بن زائدهْ ) ( جَلدتني فأَوْجعتْ ... بأبي تِلك جَالدهْ ) ( وتَراها مع الخَصِيّ ... على الباب قاعدهْ ) ( تَتَكَنّى كُنَى الرجالِ ... بِعَمْدٍ مًكَايدهْ ) ( جلدَتْني وبالغتْ ... مائةً غيرَ واحدهْ ) ( إجْلديني واجْلِدي ... إنّما أنتِ والدهْ ) وقال أيضا ( ضربَتْني بكَفِّها بنتُ مَعْن ... أوْجَعتْ كفَّها وما أوجَعتنِي ) ( ولَعَمْرِي لولا أذى كفِّها إذ ... ضَرَبَتْنِي بالسَّوط ما تَرَكَتْني ) قال الصولي حدثنا عون بن محمد ومحمد بن موسى قالا لما اتصل هجاء أبي العتاهية بعبد الله بن معن وكثر غضب أخوه يزيد بن معن من ذلك وتوعد أبا العتاهية فقال فيه قصيدته التي أولها ( بَنَى مَعْنٌ ويَهدِمُه يزيدُ ... كذاك اللهُ يفعل ما يُريدُ ) ( فمَعْنٌ كان للحُسّاد غَمّا ... وهذا قد يُسرّ به الحسود ) ( يزيدُ يزيدُ في مَنْعٍ وبخلٍ ... ويَنقُص في العطاء ولا يزيد ) حدثني الصولي قال حدثني جبلة بن محمد قال حدثني أبي قال مضى بنو معن إلى مندل وحيان ابني علي العنزيين الفقيهين وهما من بني عمرو بن عامر بطن من يقدم بن عنزة وكان من سادات أهل الكوفة فقالوا لهما نحن بيت واحد وأهل ولا فرق بيننا وقد أتانا من مولاكم هذا ما لو أتانا من بعيد الولاء لوجب أن تردعاه فأحضر أبا العتاهية ولم يكن يمكنه الخلاف عليهما فأصلح بينه وبين عبد الله ويزيد ابني معن وضمنا عنه خلوص النية وعنهما أن ألا يتبعاه بسوء وكان ممن لا يمكن خلافهما فرجحت الحال إلى المودة والصفاء فجعل الناس يعذلون أبا العتاهية على ما فرط منه ولامه آخرون في صلحه لهما فقال ( ما لعُذّالي ومالي ... أَمَروني بالضَّلال ) وقد كتبت متقدمة حدثني الصولي قال حدثنا محمد بن موسى قال كان زائدة بن معن صديقا لأبي العتاهية ولم يعن إخوته عليه فمات فقال أبو العتاهية يرثيه ( حَزِنتُ لموت زائدةَ بن مَعْنٍ ... حقيقٌ أن يطولَ عليه حُزني ) ( فَتَى الفتيانِ زائدةُ المُصَفَّى ... أبو العباس كان أخي وخِدْني ) ( فتى قومٍ وأيُّ فتىً توارتْ ... به الأكفان تحتُ ثَرىً ولبْن ) ( ألا يا قبر زائدةَ بن مَعْنٍ ... دعوتُك كي تُجيبَ فلم تُجبني ) ( سَلِ الأيّامَ عن أركانِ قومي ... أصبن بهنّ رُكناً بعد ركن ) أخبرني الصولي قال حدثنا الحسن بن علي الرازي القارئ قال حدثني أحمد بن أبي فنن قال كنا عند ابن الأعرابي فذكروا قول ابن نوفل في عبد الملك بن عمير ( إذا ذاتُ دَلٍّ كلَّمتْه لحاجةٍ ... فَهَمَّ بأن يَقْضي تَنَحْنَحَ أو سَعَلْ ) وأن عبد الملك قال تركني والله وإن السعلة لتعرض لي في الخلاء فأذكر قوله فأهاب أن أسعل قال فقلت لابن الأعرابي فهذا أبو العتاهية قال في عبد الله بن معن بن زائدة ( فصُغْ ما كنت حَلَّيتَ ... به سيفَك خَلْخَالاَ ) ( وما تصنع بالسَّيفِ ... إذا لم تك قتَّالا ) فقال عبد الله بن معن ما لبست سيفي قط فرأيت إنسانا يلمحني إلا ظننت أنه يحفظ قول أبي العتاهية في فلذلك يتأملني فأخجل فقال ابن الأعرابي اعجبوا لعبد يهجو مولاه قال وكان ابن الأعرابي مولى بني شيبان ناظر مسلم بن الوليد في قول الشعر نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى حدثني علي بن مهدي قال حدثني الحسين بن أبي السري قال اجتمع أبو العتاهية ومسلم بن الوليد الأنصاري في بعض المجالس فجرى بينهما كلام فقال له مسلم والله لو كنت أرضى أن أقول مثل قولك ( الحمدُ والنعمةُ لك ... والملكُ لا شريكَ لكْ ) ( لبيك إنّ المُلْك لكْ ... ) لقلت في اليوم عشرة آلاف بيت ولكني أقول ( مُوف على مهجٍ في يوم ذي رهجٍ ... كأنّه أجل يسعَى إلى أملِ ) ( ينال بالرّفق ما يعْيا الرجالُ به ... كالموتِ مُستعجِلاً يأتي على مَهَل ) ( يكسو السيوف نفوسَ الناكثين به ... ويجعلُ الهامَ تيجانَ القنا الذُّبُل ) ( للهِ من هاشمٍ في أرضه جبل ... وأنت وابنُك رُكْنا ذلك الجبَلِ ) فقال له أبو العتاهية قل مثل قولي ( الحمدُ والنِّعمة لكْ ... ) أقل مثل قولك ( كأنّه أجلٌ يَسعى إلى أملِ ... ) بشار يستحسن اعتذاره حدثني الصولي قال حدثنا الغلابي قال حدثنا مهدي بن سابق قال قال بشار لأبي العتاهية أنا والله أستحسن اعتذارك من دمعك حيث تقول ( كم من صَديقٍ لي أُسارِقُه ... البُكاءَ من الحيَاء ) ( فإذا تأمَّلَ لامني ... فأقول ما بي مِنْ بُكاء ) ( لكن ذهبتُ لأرتدي ... فطَرفتُ عيني بالرِّداء ) فقال له أبو العتاهية لا والله يا أبا معاذ ما لذت إلا بمعناك ولا اجتنيت إلا من غرسك حيث تقول صوت ( شكوتُ إلى الغواني ما أُلاقي ... وقلتُ لهنّ ما يَومي بِعيدُ ) ( فقُلْنَ بكيتَ قلتُ لهنّ كلاّ ... وقد يَبْكي من الشَّوق الجَليدُ ) ( ولكنّي أصابَ سَوادَ عيني ... عُوَيْدُ قَذىً له طَرَفٌ حديدُ ) ( فقُلْنَ فما لدَمْعِهما سواءً ... أكِلْتا مُقْلَتَيْك أصابَ عُودُ ) لإبراهيم لموصلي في هذه الأبيات لحن من الثقيل الأول بالوسطى مطلق أخبرني الحسن بن علي الخفاف قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني محمد بن هارون الأزرقي مولى بني هاشم عن ابن عائشة عن ابن لمحمد بن الفضل الهاشمي قال جاء أبو العتاهية إلى أبي فتحدثا ساعة وجعل أبي يشكو إليه تخلف الصنعة وجفاء السلطان فقال لي أبو العتاهية اكتب ( كلٌّ على الدّنيا له حِرْصُ ... والحادثاتُ أَنَاتُها غَفْصُ ) ( وكأنّ من وَارَوْه في جَدَثٍ ... لم يبدُ منه لناظر شَخصُ ) ( تَبْغِي من الدنيا زِيادتَها ... وزيادةُ الدنيا هي النَّقْصُ ) ( لِيَدِ المنيةَ في تَلَطُّفها ... عن ذُخْر كلِّ شفيقةٍ فَحْصُ ) عفو الرشيد عنه بعد حبسه حدثني عمرو قال حدثني علي بن محمد الهشامي عن جده ابن حمدون قال أخبرني مخارق قال لما تنسك أبو العتاهية ولبس الصوف أمره الرشيد أن يقول شعرا في الغزل فامتنع فضربه الرشيد ستين عصا وحلف ألا يخرج من حبسه حتى يقول شعرا في الغزل فلما رفعت المقارع عنه قال أبو العتاهية كل مملوك له حر وامرأته طالق إن تكلم سنة إلا بالقرآن أو بلا إله إلا الله محمد رسول الله فكأن الرشيد تحزن مما فعله فأمر أن يحبس في دار ويوسع عليه ولا يمنع من دخول من يريد إليه قال مخارق وكانت الحال بينه وبين إبراهيم الموصلي لطيفة فكان يبعثني إليه في الأيام أتعرف خبره فإذا دخلت وجدت بين يديه ظهرا ودواة فيكتب إلي ما يريد وأكلمه فمكث هكذا سنة واتفق أن إبراهيم الموصلي صنع صوته صوت ( أَعرَفْتَ دارَ الحيّ بالحِجْرِ ... فشدوريان فقُنّة الغَمْرِ ) ( وهجرتَنا وألِفتَ رسْمَ بِلىً ... والرسمُ كان أحقَّ بالهَجْرِ ) لحن إبراهيم في هذا الشعر خفيف رمل بالوسطى وفيه لإسحاق رمل بالوسطى قال مخارق فقال لي إبراهيم اذهب إلى أبي العتاهية حتى تغنيه هذا الصوت فأتيته في اليوم الذي انقضت فيه يمينه فغنيته إياه فكتب إلي بعد أن غنيته هذا اليوم تنقضي فيه يميني فأحب أن تقيم عندي إلى الليل فأقمت عنده نهاري كله حتى إذا أذن الناس المغرب كلمني فقال يا مخارق قلت لبيك قال قل لصاحبك يابن الزانية أما والله لقد أبقيت للناس فتنة إلى يوم القيامة فانظر أين أنت من الله غدا قال مخارق فكنت أول من أفطر على كلامه فقلت دعني من هذا هل قلت شيئا للتخلص من هذا الموضع فقال نعم قد قلت في امرأتي شعرا قلت هاته فأنشدني صوت ( مَنْ لِقلبٍ مُتَيَّمٍ مُشتاقِ ... شَفّه شوقُه وطولُ الفراقِ ) ( طالَ شوقي إلى قعيدةِ بيتي ... ليت شعري فهل لنا من تَلاقِي ) ( هي حظّي قَدِ اقتصرتُ عليها ... من ذوات العُقود والأطواقِ ) ( جَمَع اللَّهُ عاجلاً بِك شملي ... عن قريبٍ وفكَّني من وثَاقي ) قال فكتبتها وصرت بها إلى إبراهيم فصنع فيها لحنا ودخل بها على الرشيد فكان أول صوت غناه إياه في ذلك المجلس وسأله لمن الشعر والغناء فقال إبراهيم أما الغناء فلي وأما الشعر فلأسيرك أبي العتاهية فقال أو قد فعل قال نعم قد كان ذلك فدعا به ثم قال لمسرور الخادم كم ضربنا أبا العتاهية قال ستين عصا فأمر بستين ألف درهم وخلع عليه وأطلقه نسخت من كتاب هارون بن علي بن يحيى حدثني علي بن مهدي قال حدثنا الحسين بن أبي السري قال الفضل بن العباس يترضى يالرشيد له قال لي الفضل بن العباس وجد الرشيد وهو بالرقة على أبي العتاهية وهو بمدينة السلام فكان أبو العتاهية يرجو أن يتكلم الفضل بن الربيع في أمره فأبطأ عليه بذلك فكتب إليه أبو العتاهية ( أَجَفَوْتَني فيمن جفاني ... وجعلتَ شأنَك غير شَاني ) ( ولطالما أَمَّنْتني ... ممّا أَرى كلَّ الأَمان ) ( حتّى إذا انقلب الزّمانُ ... عليَّ صرت مع الزمان ) فكلم الفضل فيه الرشيد فرضي عنه وأرسل إليه الفضل يأمره بالشخوص ويذكر له أن أمير المؤمنين قد رضي عنه فشخص إليه فلما دخل إلى الفضل أنشده قوله فيه ( قد دعوناه نائياً فوجدناه ... على نَأْيه قريباً سميعَا ) فأدخله إلى الرشيد فرجع إلى حالته الأولى أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى إجازة قال حدثني علي بن مهدي قال حدثني الحسين بن أبي السري قال كان يزيد بن منصور خال المهدي يتعصب لأبي العتاهية لأنه كان يمدح اليمانية أخوال المهدي في شعره فمن ذلك قوله صوت ( سقِيتَ الغيثَ يا قصرَ السّلامِ ... فنِعْم مَحَلّةُ الملكِ الهُمامِ ) ( لقد نشرَ الإِلهُ عليك نُوراً ... وحفَّك بالملائكة الكِرام ) ( سأشكُر نعمةَ المهديّ حتّى ... تدورَ عليّ دائرةُ الحِمام ) ( له بيتانِ بيتٌ تُبَّعِيٌّ ... وبيتٌ حَلَّ بالبلد الحرام ) قال وكان أبو العتاهية طول حياة يزيد بن منصور يدعي أنه مولى لليمن وينتفي من عنزة فلما مات يزيد رجع إلى ولائه الأول فحدثني الفضل بن العباس قال قلت له ألم تكن تزعم أن ولاءك لليمن قال ذلك شيء احتجنا إليه في ذلك الزمن وما في واحد ممن انتميت إليه خير ولكن الحق أحق أن يتبع وكان ادعى ولاء اللخميين قال وكان يزيد بن منصور من أكرم الناس وأحفظهم لحرمة وأرعاهم لعهد وكان بارا بأبي العتاهية كثيرا فضله عليه وكان أبو العتاهية منه في منعة وحصن حصين مع كثرة ما يدفعه إليه ويمنعه من المكاره فلما مات قال أبو العتاهية يرثيه ( أَنْعَى يزيدَ بن منصورٍ إلى البَشَرِ ... أَنْعَى يزيدَ لأهلِ البَدْوِ والحَضَرِ ) ( يا ساكِنَ الحُفرة المهجورِ ساكنُها ... بعد المَقَاصر والأبواب والحُجَر ) ( وجدتُ فَقْدَك في مالي وفي نَشَبي ... وجدتُ فقدك في شَعْري وفي بَشَري ) ( فلستُ أَدْرِي جزاك اللَّه صالحةً ... أَمنظَري اليومَ أَسْوَا فيك أم خَبَري ) اجتماعه مع بشار عند المهدي حدثنا ابن عمار قال حدثنا محمد بن إبراهيم بن خلف قال حدثني أبي قال حدثت أن المهدي جلس للشعراء يوما فأذن لهم وفيهم بشار وأشجع وكان أشجع يأخذ عن بشار ويعظمه وغير هذين وكان في القوم أبو العتاهية قال أشجع فلما سمع بشار كلامه قال يا أخا سليم أهذا ذلك الكوفي الملقب قلت نعم قال لا جزى الله خيرا من جمعنا معه ثم قال له المهدي أنشد فقال ويحك أو يبدأ فيستنشد أيضا قبلنا فقلت قد ترى فأنشد ( ألاَ ما لِسيّدتي ما لها ... أَدَلاًّ فأَحمِلَ إِدْلالَهَا ) ( وإِلاّ ففِيم تَجنَّتْ وما ... جَنيتُ سَقَى اللَّهُ أطلالهَا ) ( ألاَ إنّ جاريةً لِلإِمامِ ... قد أُسْكِن الحبُّ سِرْبالَها ) ( مَشْتْ بين حُورٍ قصارِ الخُطَا ... تُجاذِب في المَشْي أكفالَها ) ( وقد أَتعب اللهُ نفسي بها ... وأَتعب باللَّوْم عُذَّالَها ) قال أشجع فقال لي بشار ويحك يا أخا سليم ما أدري من أي أمريه أعجب أمن ضعف شعره أم من تشبيبه بجارية الخليفة يسمع ذلك بأذنه حتى أتى على قوله ( أتتْه الخلافةُ مُنقادةً ... إليه تُجَرِّرُ أذيالَها ) ( ولم تك تصلُح إلاّ له ... ولم يك يصلُح إلاّ لها ) ( ولو رامها أحدٌ غيرُه ... لَزُلزِلت الأرضُ زِلْزالَها ) ( ولو لم تُطِعْه بناتُ القلوبِ ... لمَا قَبِل اللَّهُ أعمالَها ) ( وإنّ الخليفةَ من بُغض لا ... إليه لَيُبغِضَ مَن قالَها ) قال أشجع فقال لي بشار وقد اهتز طربا ويحك يا أخا سليم أترى الخليفة لم يطر عن فرشه طربا لما يأتي به هذا الكوفي رمي بالزندقة أخبرني يحيى بن علي إجازة قال حدثني ابن مهرويه قال حدثني العباس بن ميمون قال حدثني رجاء بن سلمة قال سمعت أبا العتاهية يقول قرأت البارحة ( عم يتساءلون ) ثم قلت قصيدة أحسن منها قال وقد قيل إن منصور بن عمار شنع عليه بهذا قال يحيى بن علي حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أبو عمر القرشي قال لما قص منصور بن عمار على الناس مجلس البعوضة قال أبو العتاهية إنما سرق منصور هذا الكلام من رجل كوفي فبلغ قوله منصورا فقال أبو العتاهية زنديق أما ترونه لا يذكر في شعره الجنة ولا النار وإنما يذكر الموت فقط فبلغ ذلك أبا العتاهية فقال فيه ( يا واعظَ الناس قد أصبحتَ مُتَّهَماً ... إذ عِبتَ منهم أُموراً أنت تأتيها ) ( كالمُلْبِس الثوبِ من عُرْيٍ وعورتُه ... للناس باديةٌ ما إنْ يُواريها ) ( فأعظمُ الإِثْمِ بعد الشِّرك نَعلَمُه ... في كُلّ نفسٍ عَماها عن مَساويها ) ( عِرفانُها بعيوب الناس تُبصرها ... منهم ولا تُبصِر العيبَ الذي فيها ) فلم تمض إلا أيام يسيرة حتى مات منصور بن عمار فوقف أبو العتاهية على قبره وقال يغفر الله لك أبا السري ما كنت رميتني به أخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن موسى قال أخبرني النسائي عن محمد بن أبي العتاهية قال كانت لأبي العتاهية جارة تشرف عليه فرأته ليلة يقنت فروت عنه أنه يكلم القمر واتصل الخبر بحمدويه صاحب الزنادقة فصار إلى منزلها وبات وأشرف على أبي العتاهية ورآه يصلي ولم يزل يرقبه حتى قنت وانصرف إلى مضجعه وانصرف حمدويه خاسئا شعره الذي يدل على توحيده حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن الرياشي قال حدثنا الخليل بن أسد النوشجاني قال جاءنا أبو العتاهية إلى منزلنا فقال زعم الناس أني زنديق والله ما ديني إلا التوحيد فقلنا له فقل شيئا نتحدث به عنك فقال ( ألاَ إنّنا كلَّنا بائدُ ... وأيّ بني آدمٍ خالدُ ) ( وبَدْؤُهُم كان من ربّهم ... وكلٌّ إلى ربّه عائدُ ) ( فيا عجبا كيف يُعْصَى الإِلهُ ... أم كيف يَجْحَدُه الجاحدُ ) ( وفي كلّ شيءٍ له آيةٌ ... تدلّ على أنه واحدُ ) أخبرني أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعي قال تذاكروا يوما شعر أبي العتاهية بحضرة الجاحظ إلى أن جرى ذكر أرجوزته المزدوجة التي سماها ذات الأمثال فأخذ بعض من حضر ينشدها حتى أتى على قوله ( يا للشَّبابِ المَرِح التَّصابي ... روائحُ الجنَّة في الشَّبابِ ) فقال الجاحظ للمنشد قف ثم قال انظروا إلى قوله ( روائحُ الجنّة في الشَّباب ... ) فإن له معنى كمعنى الطرب الذي لا يقدر على معرفته إلا القلوب وتعجز عن ترجمته الألسنة إلا بعد التطويل وإدامة التفكير وخير المعاني ما كان القلب إلى قبوله أسرع من اللسان إلى وصفه وهذه الأرجوزة من بدائع أبي العتاهية ويقال إن له فيها أربعة آلاف مثل منها قوله ( حَسْبُك ممّا تَبْتَغيه القوتُ ... ما أكثرَ القُوتَ لمن يموتُ ) ( الفقرُ فيما جاوز الكفَافا ... مِن اتّقَى اللَّهَ رَجَا وخافا ) ( هيَ المقاديرُ فلُمْنِي أو فَذَرْ ... إن كنتُ أخطأتُ فما أخطا القَدَرْ ) ( لِكلِّ ما يُؤذِي وإن قَلَّ أَلَمْ ... ما أطولَ اللَّيلَ على من لم ينَم ) ( ما انتفع المرءُ بمثلِ عَقْلِه ... وخيرُ ذُخْرِ المرءِ حُسْنُ فِعْلِهِ ) ( إنّ الفساد ضِدَّهُ الصَّلاحُ ... ورُبّ جِدٍّ جَرّه المُزَاحُ ) ( مَن جَعل النَّمَّامَ عَيناً هلَكا ... مُبْلِغُك الشرَّ كَباغيه لكَا ) ( إنّ الشَّبابَ والفَراغ والجِدَة ... مَفْسَدةٌ للمرء أيُّ مَفْسَدةْ ) ( يُغْنيك عن كلّ قبيحٍ تَرْكُهُ ... تَرتَهِن الرأيَ الأصيلَ شَكُّهُ ) ( ما عَيشُ مَنْ آفتُه بقاؤُهُ ... نَغَّص عيشاً كلَّه فَناؤهُ ) ( يا رُبَّ مَنْ أسخطنا بجَهْدِهِ ... قد سَرّنا اللَّهُ بغَير حَمْده )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج34وج35وج36..كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني

  ج34وج35وج36..كتاب:الأغاني لأبي  الفرج الأصفهاني   إن قبر ذي الرمة بأطراف عناق من وسط الدهناء مقابل الأواعس وهي أجبل شوارع يقابلن الصري...