Translate

الثلاثاء، 19 نوفمبر 2024

كبائر {الزنا والخمر وتربية الكلاب والقطط }

 

لا تقربوا الزنا

   إن شيوع الاختلاط في المدارس والجامعات وأماكن العمل والبيوت بزعم الصداقة البريئة قد أدى إلى انتشار الرذائل والقبائح وزيادة حالات الزواج العرفي والنكاح بدون ولي. إن كثرة الكلام على الإجهاض وإثبات النسب وانتشار اللقطاء وأولاد الزنا من نتاج الحريات المزعومة، ومن لوثة تقليد الغرب ومتابعته حذو النعل بالنعل، ورغم سهولة ارتكاب الفواحش إلا أننا نسمع عن زيادة جرائم الاغتصاب، والتي تتم في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من الخلق !! وكأن الحرام السهل ما عاد يشبع الشهوات البهيمية المتأججة، وهذا نتاج البعد عن منهج الله. وماذا يتصور أن ينجم من وراء الأغاني والرقصات والأفلام والموضات الخليعة؟ الاختلاط وثمراته النكدة: إن شيوع الاختلاط في المدارس والجامعات وأماكن العمل والبيوت بزعم الصداقة البريئة قد أدى إلى انتشار الرذائل والقبائح وزيادة حالات الزواج العرفي والنكاح بدون ولي، فالمرأة يزوجها الولي، والزانية هي التي تزوج نفسها، بل ساعدت الأعراف الفاسدة ودخول ابن العم وابن الخال وأخي الزوج والجار والصديق على المرأة بمفردها على كثرة صور الخيانة، فما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، والحمو الموت. الإعلام والدور القذر: ولا نغالي لو قلنا: إن نشر الفواحش والقبائح على الملأ من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ومن خلال الأفلام الهابطة وأغاني الفيديو كليب الساقطة الماجنة، والصور الخليعة في الجرائد السيارة وعلى أغلفة المجلات المختلفة، والحط من شأن الأتقياء، ورفع شأن المتهتكين والمتفحشين مما ساعد على ذلك، بحيث صار البعض يتباهى بارتكاب الزنا وأصبح الجنس والغريزة أدبًا وفنًا!! «وما ظهرت الفاحشة فى قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا» [صحيح الجامع: 7978] ولذلك لا يستغرب انتشار الإيدز والزهري والسيلان وغيرها من الأمراض الفتاكة عقوبة من الله تعالى لمن تساهل في هذه الفاحشة. تعريف الزنا وحكمه: الزنا هو وطء المرأة من غير عقد شرعي، وهو من الكبائر باتفاق العلماء، قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] . وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} [الفرقان:68] . وقال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2] . وقد بدأت الآية بالزانية قبل الزاني لأن الزنى من المرأة أفحش. الزنا بحليلة الجار: وأفحش أنواعه الزنا بحليلة الجار؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: «يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك، فقلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك» [صحيح البخاري: 7520]. والزنا أكبر إثمًا من اللواط؛ لأن الشهوة داعية إليه من الجانبين فيكثر وقوعه ويعظم الضرر بكثرته، ولما يترتب عليه من اختلاط الأنساب، وبعض الزنا أغلظ من بعض، فالزنا بحليلة الجار أو بذات الرحم (كالأخت والبنت والعمة .... ) أو بأجنبية فى شهر رمضان، أو فى البلد الحرام فاحشة مشينة، وأما ما دون الزنا الموجب للحد فإنه من الصغائر إلا إذا انضاف إليه ما يجعله كبيرة كأن يكون مع امرأة الأب أو حليلة الابن أو مع أجنبية على سبيل القهر والإكراه . حد الزنا: والزاني البكر يجلد مائة و يغرب عامًا ( أي يبعد عن بلدته)، أما المحصن ( الذى سبق له الزواج ) فحكمه الرجم، ولابد في ذلك من الإقرار أو شهادة أربعة شهود؛ إذ الشرع لم يتشوف لكثرة عدد المحدودين والمرجومين. ضوابط لابد منها: هناك ضوابط لابد من مراعاتها عند الحديث عن جريمة الزنا وإثباتها وبالتالي إقامة الحد، ومن هذه الضوابط: أنه لا يصلح الإكراه لانتزاع الاعتراف، كما يجوز للإنسان أن يستر على نفسه ويتوب إلى ربه ويكثر من الحسنات الماحية للخبر: "اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألم فليـسـتـتر بستر الله عز وجل، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله ". ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لهزال الذي أتى بماعز الأسلمي لإقامة الحد عليه: «لو سترته بثوبك لكان خيرًا لك» [سنن أبي داود: 4377]، ويجوز التجسس لمنع وقوع الفاحشة، لا لضبطهما متلبسين كما نقله ابن رجب عن الإمام أحمد، ولو ضبط الرجل مع المرأة في لحاف واحد، فهذا يستوجب التعزير لا الحد، إذ لابد أن يكون الأمر كالرشا في البئر والميل في المكحلة، وأن يأتي منها حرامًا ما يأتي الرجل من أهله حلالًا. الزنا من أخبث الذنوب: وما في الزنا من نجاسة وخبث أكثر وأغلظ من سائر الذنوب ما دون الشرك، وذلك لأنه يفسد القلب ويضعف توحيده جدًا، ولهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركًا، وقال الذهبي: النظرة بشهوة إلى المرأة والأمرد زنا، ولأجل ذلك بالغ الصالحون في الإعراض عن المردان (الشاب الوسيم الذى لم تنبت له لحية) وعن النظر إليهم وعن مخالطتهم ومجالستهم وكان يقال: لا يبيتن رجل مع أمرد في مكان واحد، وحرم بعض العلماء الخلوة مع الأمرد في بيت أو حانوت أو حمام قياسًا على المرأة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما » [صحيح الترمذي: 2165] وفي المردان من يفوق النساء بحسنه فالفتنة به أعظم ...... اهـ والشذوذات التي تزكم الأنوف كثيرة، بل بلغت الوقاحة والجرأة بالبعض مبلغًا جعلته يطالب بإباحة اللواط والسحاق. وكان عمر بن عبد العزيز يقول: لا يخلون رجل بامرأة وإن كان يحفظها القرءان، فلا يعتد بالنوايا الطيبة فمعظم النار من مستصغر الشرر، ولابد في هذا وغيره من صحة العمل. وقد نهى الإسلام عن كل أنواع الزنا، سرًا كان أو جهرًا وسواء كان احترافًا أو مجرد نزوة عابرة من حرة أو من أمة، من مسلمة أو غير مسلمة، كما نهى أيضًا عن الخطوات التي تسبقه وتؤدي إليه من نحو المخادنة والمصادقة، وحرم الخضوع بالقول وسفر المرأة بدون محرم وغير ذلك من الأمور التي شرعها الإسلام لصيان الأعراض والأفراد والمجتمعات من هذه الجريمة النكراء. العفة مطلوبة من الرجال والنساء: لو رجعنا إلى قول الله تعالى: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة: 5] لوجدناه قد دعا إلى العفة الرجال كما دعا إليها النساء، قال ابن كثير: كما شرط الإحصان في النساء وهي العفة عن الزنا كذلك شرطها في الرجال، وهو أن يكون الرجل محصنًا عفيفًا ولذلك قال: "غير مسافحين" وهم الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم، ولا متخذي أخدان: أي ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهم. اهـ. الزنا كبيرة وهو درجات: لقد ذكر العلماء مراتب متفاوتة للزنا، فالزنا بأجنبية لا زوج لها عظيم، وأعظم منه بأجنبية لها زوج وأعظم منه بمحرم، وزنا الثيب أقبح من البكر بدليل اختلاف حديهما، وزنا الشيخ لكمال عقله أقبح من زنا الشاب، وزنا الحر والعالم لكمالهما أقبح من زنا العبد والجاهل، وفي الحديث: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل (فقير) مستكبر» [صحيح مسلم: 107] وورد: «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم و يثبت الجهل و يشرب الخمر و يظهر الزنا» [صحيح الجامع: 2206] والمرأة إذا أكرهت على الزنا لا يزول عنها وصف البكر وتنكح بنكاح الحرة العفيفة، قال تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: من الآية33] . المال المكتسب من الزنا: إذا تابت المرأة وعندها أموال اكتسبتها من الزنى فعليها أن تبادر بإخراجها إلا إن احتاجت هذه الأموال في سداد دين أو نفقة واجبة كما قال ابن تيمية، وتجوز الصدقة على الزانية لحديث الرجل الذي تصدق بصدقة فوضعها في يد زانية وأصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على زانية، قال: اللهم لك الحمد على زانية ..... و في بقية الحديث: «أما الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها» [صحيح مسلم: 1022]. واستحلال الزنا كفر بالله تعالى، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا شباب قريش احفظوا فروجكم لا تزنوا، من حفظ فرجه فله الجنة» [صحيح الترغيب: 2410]. وقال المسيح عليه السلام: " لا يكون البطالون من الحكماء، ولا يلج (لا يدخل) الزناة ملكوت السماء ". وقال أبو هريرة رضى الله عنه " من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه". فاللهم طهر القلوب وحصن الفروج واهدنا سبل السلام وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
=======
من قال أن الخمر ممنوع في المغرب؟

 بعد ميونخ مهرجان البيرة ينظم بالبيضاء! لا أدري حقيقة هل هي مصادفة أم سلوك مقصود ومخطط له؟ فمباشرة بعد إسدال الستار عن مهرجان الجعة "أكتوبرفيست" في ميونخ يوم السادس من أكتوبر، سينطلق ولأول في المغرب "مهرجان البيرة" الذي ستنظمه شركة "براسري المغرب" يوم الثامن من أكتوبر. والمفارقة الغريبة والعجيبة أيضا هي أن مهرجان البيرة في ألمانيا العلمانية سيستمر ستة عشر يوما (16)، في حين مهرجان البيرة عندنا في الدار البيضاء سيدوم شهرا كاملا (30 يوما) بالتمام والكمال. حيث دعت مجموعة "Brasserie du Maroc" من خلال ملصق إشهاري -نشر بجريدة ليكونومست- المغاربة للمشاركة في مهرجان البيرة الذي سينظم بالبيضاء من 08 أكتوبر إلى 08 نونبر، وأغرت المشاركين بـ"عروض استثنائية" و"المشاركة في مسابقات" و"جوائز قيمةّ"!!! ووفق "اليوم24" فقد أكد مسؤول داخل شركة تصنيع الجعة في المغرب أنهم يضعون "اللمسات الأخيرة على البرنامج الخاص بمهرجانهم الأول.. وأن الحانات التي وقع عليها اختيارهم للمهرجان موزعة بمختلف مناطق الدار البيضاء". دوافع تنظيم مثل هذه المهرجانات: أكيد أن تنظيم هذا المهرجان له دوافع محددة ووراءه غايات مقصودة؛ خاصة إذا استحضرنا أن من يقود الحكومة هو حزب ذو مرجعية إسلامية، ويعمل جاهدا على محاربة الخمر بما يتاح له من وسائل وإمكانات، فصقور المصباح لا يمكنهم البوح بمحاربة الخمر انطلاقا من مرجعية دينية لأنهم يبتعدون قدر الإمكان عن معارك ونقاشات يفتعلها التيار العلماني من جهة، ويدركون من جهة أخرى أن اللوبيات المستفيدة من هذه التجارة القذرة لن تقف مكتوفة الأيدي، وستسعر حرب الحريات الفردية وحق الإنسان في معاقرة الخمور وستندد بالوصاية الدينية.. ووو.. وبالأمس القريب ومباشرة بعد إصدار الدكتور أحمد الريسوني نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فتوى بخصوص تحريم التسوق من المتاجر التي تبيع الخمور، وعَدّه هذا العمل تعاونا على الإثم والعدوان، خرجت رئيسة بيت الحكمة ببيان تطالب فيه "بإلغاء القوانين التي تعتبر أن الخمر لا يباع إلا للأجانب، أو التي يعاقب بموجبها مواطنون مغاربة على شرب الخمر أو اقتنائها، وذلك لملاءمة القوانين الجنائية مع مضمون الوثيقة الدستورية ومع ما تم التعهد به دوليا من طرف الدولة المغربية". واعتبرت نائبة "البام" أن "استهلاك الخمور يدخل في باب الحريات الفردية الأساسية التي لا مجال فيها لتدخل السلطة أو غيرها بالردع أو المنع أو المصادرة". ونتيجة نهج العدالة التنمية لسياسة الرفع من الرسوم المفروضة على الكحول تراجع الاستهلاك السنوي للمغاربة من الخمر خلال العام الماضي (2013)، وبلغت النسبة العامة للتراجع حسب الأرقام المعلنة 3,5%، وكان مشروب الجعة -الذي ينظم على شرفه مهرجان البيضاء- أكثر المتضررين حيث تراجع قطاعه بأكثر من 7%. ووفق تقرير لمنظمة الصحة العالمية (OMS) حول استهلاك الكحول في العالم في عام 2014، فإن 86,6% من المغاربة لم يستهلكوا أي نوع من المشروبات الكحولية طوال حياتهم، في ما 8% منهم أقلعوا عن الكحول خلال السنة نفسها، لتبقى نسبة المستهلكين الحاليين للكحوليات في المملكة لا تتجاوز 5,4%. وحسب المصدر ذاته، فإن 80% من الذكور الذين يتجاوز سنهم 15 سنة لم يستهلكوا الكحوليات قط، في وقت بلغت هذه النسبة لدى الإناث 92%. هذه المعطيات تقوي حجية التحليل الذي يتشبث أصحابه بأن الهدف من وراء تنظيم هذا المهرجان؛ الذي أثار استياء عارما في المارد الأزرق ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى؛ هو الكساد الذي عرفه قطاع الخمور في المغرب، خاصة بعد تراجع كثير من متاجر "مرجان" عن بيعه، كما يبرز مؤشر إحراج الحكومة التي يقودها العدالة والتنمية جليا، خاصة ونحن على مشارف انتخابات تشريعية السنة القادمة. المغرب البلد المسلم الذي يصدر الخمور لأوروبا: إذا كان موضوع بيع الخمور والمتاجرة فيها بصفة عامة محسوم من الجهة الشرعية، لدلالة الكتاب والسنة والإجماع على تحريم استهلاك هذا المشروب الخبيث والمتاجرة فيه، وإذا كان القانون المغربي يمنع بيع "المشروبات الكحولية"؛ الخمور للمغاربة المسلمين، ويمنع أيضا إشهارها، فإننا وبمقابل كل ذلك نجد تناقضا صارخا بين التنظير والممارسة. حيث أن إشهار الخمور يتم علنا ودون متابعة، وآخر شواهد ذلك إقدام جريدة ليكوموميست (l’Economiste) -التي تستفيد من أعلى نسبة للدعم الذي تقدمه وزارة الاتصال- على إشهار "مهرجان الجعة Festival de la bière" في عددها الصادر بتاريخ الجمعة 02 أكتوبر 2015، كما أن المغرب -البلد المسلم الذي تحرم مرجعيته معاقرة الخمر- صار من أكبر مصنعي الخمور على الصعيد العربي والعالمي أيضا، وأصبحت مجموعة "ديانا هولدينغ" -مثلا- تنافس معاصر مدينة بوردو الفرنسية، علما أن فرنسا هي أكبر مصنع للخمور في العالم! فمجموعة "ديانا هولدينغ" لمالكها إبراهيم زنيبر الذي فاق عمره 90 سنة، تتربع على عرش إنتاج الخمور في المغرب، وتسيطر على 85% من السوق المحلي، ويبلغ رقم معاملاتها السنوي مليارين ونصف المليار درهم، وتستغل حوالي 8400 هكتار من أراضي المغرب المزروعة، وتنتج حوالي 38 مليون قنينة سنويا، 85% منها يتم استهلاكه محليا. والمسيطرين على قطاع الخمور في المغرب جلهم ذوي ثقافة أجنبية لا يعيرون اهتماما لثقافة الحلال والحرام، واستحضار الحكم الشرعي بخصوص الخمر، وهمّهم الوحيد هو تكديس الأموال وجمع القناطير المقنطرة. ولتذهب بعد ذلك صحة المواطنين وأمنهم وسلامتهم إلى الجحيم. بيع الخمور والمتاجرة فيها: لا يجب أن يغيب على أذهاننا ولو للحظة واحدة ونحن نناقش موضوع الخمر؛ أن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90]. قال العلامة المالكي السمح المعتدل أبو عبد الله القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن 6/269: "{فَاجْتَنِبُوهُ}: يريد أبعدوه واجعلوه ناحية، فأمر الله تعالى باجتناب هذه الأمور، واقترنت بصيغة الأمر مع نصوص الأحاديث وإجماع الأمة، فحصل الاجتناب في جهة التحريم، فبهذا حرمت الخمر، ولا خلاف بين علماء المسلمين أن سورة المائدة نزلت بتحريم الخمر وهي مدنية من آخر ما نزل". كما "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة؛ عاصرها ومعتصرها، وبائعها ومبتاعها، والمبتاع له، وشاربها وساقيها، وحاملها، والمحمولة إلية، وشاهدها". (صحيح سنن الترمذي). فكل من له صلة بالترويج لهذا المشروب الخبيث داخل في هذا الوعيد. وأخبر صلى الله عليه وسلم أن أقواما سيسمون الخمر بغير اسمها فقال صلى الله عليه وسلم: «ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها» (رواه أبو داود وابن ماجة وصححه الألباني). كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن: «من أشراط الساعة أن يرفع العلم؛ ويثبت الجهل؛ ويشرب الخمر؛ ويظهر الزنا» (البخاري ومسلم). ولك أيها القارئ الكريم أن تجول بناظريك فترى كيف انتشرت الخمور اليوم؟! وكيف تعددت أسماؤها؟! وتنوعت ألوانها؟! وتكاثرت محلاتها؟! فما لنا لا ننكر منكرا معلوما من الدين بالضرورة؟ يحصد آلاف الأرواح سنويا؛ ويكلف ميزانية الدولة على المستوى الصحي والقضائي والاجتماعي.. ونصر أن نجعل من الخمر الكبيرة المسكوت عنها؟! معلومة تاريخية حول الخمر في المغرب: للعلم فإن الدولة المغربية اليوم هي أكبر مالك لحقول الكروم بما يقارب 12.000 هكتار؛ في حين تؤكد الوقائع التاريخية أن صناعة الخمور بالمغرب -والتي سبقت بعشرات القرون وصول الأجانب إلى البلاد- لم يكن يرخص ببيعها وشربها إلا لليهود والنصارى، إلا أن الاحتلال أسهم بصورة رئيسة في التمكين لتجارة الخمور في المغرب. فعندما استقر التجار الأجانب والدبلوماسيون ببعض الموانئ المغربية وخاصة طنجة والصويرة وآسفي، تمادوا في ترويج المشروبات الكحولية/الخمور في وسط المغاربة، وكانوا يتجاوزون الكميات المسموح لهم باستيرادها لاستهلاكهم الشخصي بغية تحقيق هدفين اثنين: استقطاب المزيد من الجواسيس استعدادا لغزو البلاد عسكريا، وكسب أرباح مالية من بيع الخمور. وكانت مختلف أنواع الخمور آنذاك تستورد من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وانجلترا وأمريكا، وتعرض في الأسواق بثمن بخس، ولم يتجاوز ثمن زجاجة "البيرة" بسيطة واحدة، ومن حدود الموانئ بدأت الخمور تغزو المناطق الداخلية. وبعد مرور عام على توقيع معاهدة الحماية شرعت شركة "كومباني ماروكان" الاستعمارية سنة 1913م في غرس العنب الخاص بإنتاج الخمور في ناحية القنيطرة. وبلغ إنتاج الخمر سنة 1922م أكثر من أربعين ألف هيكتوليتر، وفي سنة 1934م وصل إلى ستمائة ألف هيكتوليتر. "le soir marocain. Casablanca 30-5-193". ورحم الله الزعيم الراحل علال الفاسي حين قال في كتابه "النقد الذاتي" (ص:314): "لولا الأجنبي ما دخلت الخمور للبلاد، ولا تكونت معاصر وحانات تسهل الشرب على من أراد، وتفتح مجال القدوة للجميع". _______________ وللإشادة تم منع المهرجان من طرف رئيس الحكومة السيد ابن كيران بفضل الله. المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
=======
(الخمر أم الخبائث) 

  الخمر كبيرة من كبائر الذنوب، فهي أُم الخبائث، ومفتاح كل شر، تغتال العقل، تستنزف المال، تُصدّع الرأس، كريهة المذاق، توقع العداوة والبغضاء بين الناس، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتدعو إلى الزنا. (الخمر أم الخبائث) الخمر كبيرة من كبائر الذنوب، فهي أُم الخبائث، ومفتاح كل شر، تغتال العقل، تستنزف المال، تُصدّع الرأس، كريهة المذاق، توقع العداوة والبغضاء بين الناس، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتدعو إلى الزنا. الخمر تُذهب الغيرة وتُورث الخزي والندامة والفضيحة، وتجعل شاربها يفعل فعل المجانين. الخمر تهتك الأستار، تُظهر الأسرار، تدل على العورات، تهوِّن ارتكاب القبائح والمآثم، تُخرج من القلب تعظيم المحارم، ومدمنها كعابد صنم. الخمر كم هيّجت من حرب؟، وأفقرت من غني؟ وذلّت من عزيز؟ ووضعت من شريف؟ وسلبت من نعمة؟ وجلبت من نقمة؟.. كم فرّقت الخمور والمخدرات بين رجل وزوجته؟ فذهبت بقلبه وراحت بلبِّه. وكم أورثت من حسرة و جرّت من عبرة؟ كم أغلقت الخمور والمخدرات في وجه شاربها باباً من الخير، وفتحت له باباً من الشر؟ الخمور والمخدرات كم أوقعت في بلية وعجّلت من منية؟ الخمور المخدرات كم جرّت على شاربها من محنة، وأدخلته في فتنة؟ الخمر جِماع الإثم ومفتاح الشر، وسلاّبة النعم، وجلاَّبة النقم. إنها محاربة لله تبارك وتعالى، ومعصية ظاهرة له، ومن فعلها أو تناول شيئاً منها، أو روَّج لها، أو ذكرها بإحسان، أو سكت عن مروِّج لها؛ فقد بارز الله بالمعصية، واستوجب لعنة الله وغضبه وسخطه ومكره، قال تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99]، فهي عداوة صريحة لله تبارك وتعالى في أرضه. عباد الله: شُرْب الخمور والمخدرات، وتعاطي المسكرات وانتشار المنومات علامة ظاهرة من علامات قُرب الساعة، والأدهى من ذلك استحلال بعض الناس لها، نعم لقد استحلها بعض المسلمين اليوم ولا يبالون بالتحريم والتحذير منها عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: " أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، ويَثْبُتَ الْجَهْلُ، ويُشْرَبَ الْخَمْرُ، ويَظْهَرَ الزِّنَا» (متفق عليه). وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيَسْتَحِلَّنَّ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ بِاسْمٍ يُسَمُّونَهَا إِيَّاهُ» (أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 4945). لقد أطلقوا اليوم على الخمر أسماءً متعددة من باب التغطية، فكما جاء في الحديث يسمونها بغير اسمها، فسموها المشروبات الروحية، والبيرة، والمقويات، والمسهرات، وغير ذلك من الأسماء، وفي الحقيقة هي المدمرات. سُميت الخمر بهذا الاسم لأنها تخمر العقل أي: تستره ومنه خمار المرأة لستره وجهها، وأثَر الخمر على الإنسان هو إزالة العقل وأفضل ما في الإنسان عقله، ولهذا إذا دبّت الخمر في رأس شاربها وفقد الشعور، زنى و لاط وجاء بأنواع الفحش والفجور وسبّ وشتَم ولعَن الدين والمسلمين، وربما اقترف الإثم مع إحدى محارمه وارتكب الموبقات. ذكر الشيخ ابن عثيمين أن رجلاً شرب الخمر حتى سكر فعاد إلى بيته وأراد أن يزني بأمه فامتنعت وحاولت الهروب منه فهددها ووضع السكين على رقبتها وزنا بها بالقوة وبعد أن أفاق واُخبر بما فعل احرق نفسه حتى الموت ولا حول ولا قوة إلا بالله. وآخر يأتي إلى بيته في الثلث الأخير من الليل والأم قائمة تصلي بين يدي الله، طرق الباب ابنها السكران ففتحت له الباب فإذا هو في قمة السكر، فمنعته من الدخول وقالت له: «أنت نجس لا تنجس هذا البيت الطاهر، اخرج» فحاول الدخول بالقوة فمنعته فقاومها وحملها ووضعها على رأسها في التنور حتى اختنقت وماتت، نعم قتل أمه التي أرضعته وحملته، وبعد أن أفاق من سكره وغيه سأل عن أمه فقالت له زوجته: يا ظالم يا فاسق قتلت أمك قتلت من حملتك. فقال متعجبًا صارخاً باكياً أنا قتلت أمي. قالت: نعم، فجلس يبكي ويصيح لكن بعد فوات الأوان، فقالت له زوجته: «قم توضأ وعد إلى ربك»، فحرّكته فإذا هو قد مات ولا حول ولا قوة إلا بالله. وها هو مدمن مخدرات يضرب زوجته وأولاده في آخر الليل ويطردهم خارج المنزل، فتأتي سيارة مسرعة فتدهس أحد الأولاد ويلقى حتفه في الحال. صاحب مكانة مرموقة، ومنصب عالٍ، إذا تعاطى المسكر مشى بين أهله وأولاده عرياناً كما خلق الله. أبٌ فارق الحياة عندما علم أن ابنه يتعاطى المخدرات. مُدمن خمر ومخدرات وجدته والدته مشنوقاً بأحد الغرف. لقد اُبتلي عدد غير قليل من المسلمين بشرب الخمور والمخدرات والعياذ بالله، واُبتلي بها أكثر أصحاب الأموال والترف، وأصحاب المراكز والوجاهات، لأسباب كثيرة ولعل منها: أن الحصول على الخمور والمخدرات يحتاج إلى ميزانية، لارتفاع أسعارها، وهذا ما لا يتمكن منه الفقير الفاسق. والعجيب أن الخمر يشربها في الغرب سفلة القوم، ويشربها في بلاد المسلمين عِلية القوم. من كان يتصور أن يصل الحال بالمسلمين، أن يرضوا ببيع الخمر والمخدرات وتداولها في بلادهم علنًا، بل وهناك من يتعاطاها بلا خوف من الله ولا حياءً من عباد الله، بعد علمهم بتحريمها في الكتاب والسنة، فأي ذل بعد هذا الذل، أنرضى بأن نُعيد ظُلمة الجاهلية، وقديم الوثنية، إذا كان الكفار اليوم قد استحلوا مثل هذه المحرمات، فالكفار حكوماتهم كافرة، وليس بعد الكفر ذنب، ولكن العجب فيمن يدّعي الإسلام، ثم يرضى ببيع الخمر بين المسلمين، ويعينهم على تناولها. والخمر أم الخبائث تجر شاربها إلى ارتكاب الجرائم وانتهاك المحرمات روى عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: قال سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: «اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث إنه كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس فعلقته امرأة غوية فأرسلت إليه جاريتها أن تدعوه لشهادة، فدخل معها فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وآنية خمر فقالت: إني والله ما دعوتك لشهادة، ولكن دعوتك لتقع علي أو تقتل هذا الغلام أو تشرب الخمر فسقته كأسا، فقال: زيدوني فلم يبرح حتى وقع عليها وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر فإنه لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه) (رواه البيهقي) وفي الجملة إذا زال العقل حصلت الخبائث بأسرها. روى القرطبي في تفسيره أن رجلاً شرب الخمر فسكر فبال، فجعل يأخذ بوله ويغسل به وجهه ويقول: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، ويقول الحسن البصري رحمه الله: «لو كان العقل يُشترى لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب كل العجب فيمن يشتري بماله ما يُفسده». ولما سُئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه: هل شربت الخمر في الجاهلية؟ قال: «أعوذ بالله»! فقيل له: ولِمَ؟ قال: «كنت أُصون عرضي، وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان مضيّعاً في عرضه ومروءته»، وصدق رضي الله عنه، فكم هي الأعراض التي أُنتهكت وبيعت بسبب شربة خمر، أو جرعة هروين، أو حبة مخدر. وأما حكم شرب الخمر فإنه حرام وشاربها عاصٍ لله فاسقٌ عن طاعته ويستحق اللعن والعقوبة من الله في الدنيا والآخرة إن لم يتب، وقد ذكر ابن حجر الهيثمي في كتاب "الزواجر" فقال: «أما شُرب الخمر ولو قطرة منها فكبيرة من كبائر الذنوب إجماعا». وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عشرة: «عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشترى له» (أخرجه أحمد (2/71) قال الهيثمي في المجمع (5/76): رواه أحمد والطبراني، ورجاله ثقات). وقد حرّم الله عز وجل الخمر بالتدريج ففي أول الأمر كان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال ثم إن عمر ومعاذاً وآخرين قالوا يا رسول الله: أفتنا في الخمر فإنها مُذهبة للعقل مُسلبة للمال فنزل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219]، فتركها قوم لقوله تعالى: ﴿ إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ ثم قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 1، 2] ونحن نعبد ما تعبدون. قال: فقال بعضهم: والله لا نشرب شيئا يمنعنا من الصلاة فامتنعوا عنها وبقي البعض يشربها من بعد صلاة العشاء وكان منادي رسول الله ينادي وقت الصلاة: ألا لا يقربن الصلاة سكران. نزل بعد ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] فحرّم السُّكر في أوقات الصلاة ولما نزلت هذه الآية حرمها قوم وقالوا: لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة، وفي آخر الأمر نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90، 91]، فقال عمر رضي الله عنه: انتهينا يا رب. قال أنس: «كنتُ ساقِيَ القومِ في منزلِ أبي طلحةَ، فنزل تحريم الخمر، فأمرَ مُنادياً فنادَى، فقال أبو طلحةَ: اُخرُج فانظرْ ما هذا الصوتُ، قال: فخرجتُ فقلتُ: هذا مُنادٍ ينادِي: ألا إن الخمرَ قد حُرِّمَت. فقال: لي: اذهَبْ فأهرِقْها. ووالله ما راجعوا فيها قال: فجَرَتْ في سِكَكِ المدينة. فقال بعض القوم: قُتلَ قومٌ وهي في بُطونهم، قال: فأنزَل اللَّهُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93]. ثم قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا} [المائدة: 92] تأكيد للتحريم، وتشديد في الوعيد، أي احذروا ثم احذروا من مخالفة الأمر. والحكمة في وقوع التحريم على هذا الترتيب أن الله تعالى علم أن القوم كانوا قد ألفوا شرب الخمر وكان انتفاعهم بذلك كثيرا، فعلم أنه لو منعهم دفعة واحدة لشق ذلك عليهم فمن رحمته بهم درجهم في التحريم رفقا بهم. عباد الله: أما عقوبة شارب الخمر في الآخرة فقد أخرج الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه بسندٍ صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من شرب الخمر فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فسكر، لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فسكر، لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال يوم القيامة» . قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: «عصارة أهل النار»، وحرّم على شاربها دخول الجنة، إلا أن يتوب، فشارب الخمر لا يمكن أن يعلم حرمتها في الكتاب والسنة واتفاق جميع أئمة المسلمين، ثم يقوم بشربها، إلا طاعةً للشيطان ومعصية للرحمن، رضاً للهوى والشهوات، وبُعداً عن أسباب دخول الجنات، فإن كان مقراً بحلها فقد حرم الله عليه دخول الجنة والعياذ بالله، عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، والْعَاقُّ، والدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ» (صحيح الترغيب والترهيب / 2512)، ولقد نفى النبي - صلى الله عليه وسلم - كمال الإيمان عمَّن يتعاطى الخمر والمسكرات والمخدرات، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهُوَ مُؤْمِنٌ، ولَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وهُوَ مُؤْمِنٌ، ولَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وهُوَ مُؤْمِنٌ، والتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ» (أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له) و الشريعة الغرَّاء التي أنزلها الله لكل زمان ومكان سدَّت الطريق على أولئك فعرَّفت الخمر بتعريف جامع يُحرّم جميع أنواع المسكرات طبيعية كانت أو صناعية، قليلة كانت أم كثيرة فقد قال النبي رضي الله عنه: «كلٌّ مسكر خمرٌ، وكل مسكرِ حرامٌ» وقال - صلى الله عليه وسلم -: «كل مُسكر حرام وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام» (رواه مسلم في الأشربة (2003) عن ابن عمر). وقال: «مَا أَسْكَرَ كثيرهُ فقليله حرامٌ». قال الشوكاني رحمه الله[1]: ويحرم ما أسكر من أي شيء وإن لم يكن مشروباً كالحشيش وسائر أنواع المخدرات ومن قال إنها لا تسكر وإنما تخدّر فهي مكابرة فإنها تحدث ما تحدث الخمر. وأما العقوبة الشرعية لشارب الخمر في الدنيا إنْ شربها عالماً مختاراً فعليه الحد ثمانون جلدة عند جمهور العلماء، وقد استشار عمر بن الخطاب في الخمر فقال له علي بن أبي طالب: (أرى أن تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى فجلد عمر في الخمر ثمانين جلدة) وصار هذا كالإجماع بين الصحابة. بل أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتل شارب الخمر إن أصر عليها فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من شرب الخمر فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاقتلوه» (رواه ابن ماجه والنسائي)، وأُحب أن أُنبه الذين يجالسون شاربي الخمر وإن كانوا لا يشربون نقول لهم: الحذر الحذر فقد نهى النبي- صلى الله عليه وسلم - عن الجلوس على مائدة يشرب فيها الخمر، فقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر». وقال عبدُ اللّه بن عمرٍو رضي الله عنهما «لاتسلِّموا على شَرَبةِ الخمر». وقد أوقع عمر بن عبد العزيز حد الخمر في شاربيها وفي من جلس معهم وأمر بجلدهم مع أنهم كانوا صائمين. أيها المسلمون: علينا نحن جميعا واجب النصيحة لكل من تجرأ وأدمن الخمر بأن نُذكّره بالله فمن كان له أخٌ أو صديقٌ أو قريبٌ يُصر على شرب الخمر فليُذكّره قائلا: إن كانت عقوبة الدنيا حقيرة في نظرك لا ترعوي بها عن غيك فاعلم أن الله محاسبك وسائلك عن عمرك فيم أفنيته، وعن شبابك فيم أبليته، وعن مالك فيم أنفقته؟ فبماذا ستجيب يا مسكين وقد عصيت الله ورسوله وتعديت على حدوده؟ يا شارب الخمر هل تبيع نصيبك من الجنة الخالدة بكأسٍ نجس مُذهب للعقل تذهب لذته وتبقى حسرته والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يدخل الجنة مدمن خمر»[أخرجه أحمد (19569) واللفظ له، وأبو يعلى (7248)، وابن حبان (6137)]؟. ما هي الأسباب التي أدّت بشبابنا ومجتمعاتنا إلى هذا التهتك والتهور والانحلال - إلا من رحم الله- وتعاطي المخدرات والترويج لها؟ أولاً: ضعف مراقبة الله، ومن لا يراقب الله يضيعه الله، ومن لا يحفظه سبحانه وتعالى يجعله عبرة للمعتبرين، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنفال: 23] وقال تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ [الصف: 5] فلما ضعفت مراقبة الله في قلوب كثير من الناس بما فيهم الشباب؛ سهل عليهم تعاطي المخدرات، فمقتهم الله، ووقعوا في لعنة الله وغضبه. والسبب الثاني: الفراغ الذي يعود بالأثر السيء على صاحبه، فيضطر إلى قضاء وقته بما لا ينفعه أو فيما يضره، إضافة إلى تهيؤ الفرص وإتاحة المحرم وسهول التحصيل، فضلاً عن المثيرات والمغريات. ومن أسباب انتشار الخمور والمخدرات: عدم الوعي بها وعرضها في وسائل الإعلام والقنوات، وبأشكال مغرية وأوضاع لشاربيها تدعو أولئك المراهقين إلى ممارستها وتذوقها، بدعوى اللذة والنكهة. ومن الأسباب كذلك: ظهور الفقر والبطالة في المجتمع وخاصة بين الشباب، وانتشار الفساد الأخلاقي وعدم إدراك الشباب أن من أعظم مخططات اليهود في العالم نشر المخدرات بكل أنواعها في أوساط المسلمين، حتى يبقى المسلمون في آخر الأمم. ومن الأسباب عدم مراقبة الأولياء لأبنائهم، فإن الرفيق السوء يُفسد الأولاد. أيها المسلمون، إن من أهم الطرق في القضاء على هذه الآفة القاتلة تقوى الله تعالى والتوبة إلى الله والإنابة إليه، والرجوع إلى الكتاب والسنة ففيهما كل الخير، والصلاة وكثرة الذكر ولزوم المساجد. بشرى لمن ترك الخمر والمخدرات خوفاً من الله: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سرّه أن يُسقيه الله الخمر في الآخرة، فليتركها في الدنيا، ومن سره أن يكسوه الله الحرير في الآخرة فليتركه في الدنيا» [أخرجه الطبراني في الأوسط وهو حديث حسن لغيره، صحيح الترغيب والترهيب 2 / 604]. وعن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ترك الخمر وهو يقدر عليه، لأسقينه منه في حظيرة القدس ـ يعني الجنة ـ، ومن ترك الحرير وهو يقدر عليه، لأكسونه إياه في حظيرة القدس» [أخرج البزار بإسناد حسن، وهو حديث صحيح لغيره، صحيح الترغيب والترهيب 2 / 604]. والحظيرة: هي المكان الذي تأوي إليه الغنم ليقيها الحر والبر والمطر، والمقصود في الحديث الجنة. فهنيئاً لمن عظَّم أوامر الله عز وجل، ففعلها، واجتنب النواهي وكان منها حذراً، فطاعة الله تعالى هي السبيل الموصل إلى الجنة، والطريق القويم إلى الدرجات العلى فيها، قال تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [النساء: 13]. هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين. [1] الشَّوْكَاني (1173 - 1250 هـ = 1760 - 1834 م) محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني: فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن، من أهل صنعاء. ولد بهجرة شوكان (من بلاد خولان، باليمن) ونشأ بصنعاء. وولي قضاءها سنة 1229 ومات حاكما بها. وكان يرى تحريم التقليد. له 114 مؤلفا، منها (نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار - ط) ثماني مجلدات، و (البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - ط) مجلدان. /الكاتب: د. أمير بن محمد المدري
======
الخمور والمخدرات وأضرارها

   إن العبث بالعقل وإفساده جريمة كبرى تعد من أفظع الجرائم، ومن أعظم الوسائل التي تفسد العقل وتغيره تعاطي المسكرات أو المخدرات، فتناولها يغطي العقل ويحجبه عن أداء واجبه الذي خلق من أجله نعَمُ اللهِ عزَّ وجلَ على الإنسانِ لا تعدُّ ولا تحصى، قال الله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}. ومن هذه النعمِ تكريمُه عزَّ وجل لبني آدم، يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}، قال القرطبيُّ رحمه الله: التفضيلُ إنما كان بالعقلِ الذي هو عُمدةُ التكليفِ. لقد كرّم الله الإنسان بالعقل، وجعله مناطَ التكليف، وأحاطه بالخطاب والتنبيه في القرآن والحديث الشريف. بالعقل تميّز الإنسان وتكرّم، وترقّى في شأنه وتعلّم، جعله الشارع الحكيم ضرورةً كبرى، وشرع لصيانتِه الحقَّ والحدّ، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}. بالعقل يميّز الإنسان بين الخير والشرّ والنفع والضرّ، وبه يتبيّن أوامرَ الشرع ويعرف الخطابَ ويردّ الجواب ويسعى في مصالحه الدينيّة والدنيويّة، فإذا أزال الإنسان عقله لم يكن بينه وبين البهائم فرق، بل هو أضلّ منها، {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} بل قد يُنتفع بالحيوان، أما الإنسان فلا يُنتفع به بعد زوال عقله، بل يكون عالةً على غيره، يُخشى شرّه ولا يُرجى خيره. ومن هنا جاءَ الشرعُ المطهرُ بحفظِ العقلِ، بل كان ذلك من أعظمِ مقاصدِه إضافةً إلى حفظِ الدينِ والنفسِ والمالِ والنسبِ، ونهى الشرعُ الحنيفُ ومنعَ من الإخلالِ بالعقلِ، بل رتَّبَ العقوبةَ على ذلك؛ لأن الإنسانَ بلا عقلٍ دابّةٌ لشهواتِه، تقوده يمينًا وشمالاً، وتحركه إلى الأمامِ والخلفِ، وتلقي به في مهاوي الردى. إن العبث بالعقل وإفساده جريمة كبرى تعد من أفظع الجرائم، ومن أعظم الوسائل التي تفسد العقل وتغيره تعاطي المسكرات أو المخدرات، فتناولها يغطي العقل ويحجبه عن أداء واجبه الذي خلق من أجله، فلا يعرف ماهيته في هذه الحياة، ولا يدرك وظيفته فيها، فيكون بذلك قد فرَّط في المحافظة على إحدى الضرورات التي أمر بصيانتها والعناية بها وعدم الاعتداء عليها. لقد حرص أعداء الأمة الإسلامية شرقًا وغربًا وفي كل مكان على إفساد هذه الأمة، وهدم كيانها، وشل حركتها، والقضاء عليها، وضربها من حيث لا تشعر، وإفساد شباب هذه الأمة، ونخر أجسامهم وعقولهم، وقد ظهرت محاولة إفسادهم لشباب المسلمين بضرب كل ميدان ومرفق، بغزو نشطٍ ومكثف من جميع الاتجاهات، ومن كل النواحي الثقافية والأخلاقية والفكرية. ولعل سلاح المسكرات والمخدرات الذي صدروه إلى كافة المجتمعات الإسلامية، وتفننوا في إرساله بشتى الصور ومختلف المسميات من أكبر الأخطار المحدقة بالأمة التي تواجهها الشعوب الإسلامية، محاولة من أعدائها للقضاء على دينها وأخلاقها ومواردها. نتحدّث عن المسكرات والمخدّرات في وقتٍ ضجّت بالشكوى فيه البيوت واصطلى بنارها من تعاطاها ومن عاشره، وأحالت حياتَهم جحيمًا لا يُطاق، فوالدٌ يشكي وأمٌّ تبكي وزوجةٌ حيرى وأولادٌ تائهون في ضيعةٍ كبرى، ومن عوفي منها فليحمدِ الله. المخدّرات تفسد العقل وتقطع النسل وتورث الجنون وتجلب الوساوس والهموم وأمراضًا عقليّة وعضويّة ليس لها شفاء، وتجعل صاحبَها حيوانًا هائجًا ليس له صاحب، وتُرديه في أَسوَأ المهالك، مع ما تورثه من قلّة الغيرة وزوال الحميّة حتى يصير متعاطيها ديّوثًا وممسوخًا. وما تفكّكتِ الأسَر إلاّ من أثرها، وتفشّتِ الجرائم إلا بسببها، ومع غلائها فإنّ مروِّجَها من أفقر الناس وأتعسهم حالاً. أمّا متعاطيها فإنّها لا تزال تستنزف مالَه حتى يضيقَ بالنفقة الواجبة على أهله وأولاده وعلى نفسه، وحتى تصبح أسرتُه عالةً يتكفّفون الناس، وربّما باعَ أهلَه وعِرضَه مقابلَ جرعَةِ مخدّر أو شَربةِ مسكرٍ، فهل من قلوبٍ تعي أو عقولٍ تفكّر في النهاية الموحشة والآثار المدمّرة لهذه البلايا؟! مع فَقدِ الدين وضياعِ الإيمان، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ولا يشرب الخمرَ حين يشربها وهو مؤمن»، وقد قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: (إنه - والله - لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجلٍ إلا يوشك أحدهما أن يذهب بالآخر) (رواه النسائي وابن حبان في صحيحه). والخمر اسم لكل ما خامر العقل أي غطاه سواء كان رطبا أو يابسا أو مأكولا أو مشروبا ففي الحديث «كل مسكر خمر وكل خمر حرام» مسلم وقال صلى الله عليه وسلم «ما أسكر كثيرة فالقطرة منه حرام». قصص محزنة: إننا نسمع بقصص نحسبها من ضرب الخيال ولكنها في حياة شربي الخمور والمخدرات واقع وحقائق يندى لها الجبين في عالم المخدرات.. قصص ومآس.. وخلف الأبواب المغلقة.. مئات الأسرار والحكايات.. هنا يضيع الشرف.. وتهرق الكرامة في مستنقعات العار.. من ملفات المخدرات نقرأ الدموع والحسرات.. فذاك عربيد دخل بيته سكرانا فوجد أمه قد انحنت على التنور تعد له الطعام فقام بقذفها في التنور حتى احترقت وتفحمت ولم يفق من سكرته إلا والأغلال في يديه والحديد قد أثقل قدميه وإذا به قد ارتكب أبشع جريمة ألا وهي قتل أمه لتكون ضحية من ضحايا الخمور والمخدرات. وآخر أفاق من سكرته وقد طلق زوجته. وآخر أفاق من خمرته وإذا به يحاول انتهاك عرض ابنته. دخل أحد مروجي المخدرات على رجل من عملائه فطلب منه العميل حبوبا ولا مال لديه فرفض وفي هذه الأثناء دخلت عليهما ابنته التي لم تجاوز التاسعة من عمرها ومعها كوب من الشراب لتقدمه للضيف فنظر إليها وقال لأبيها هذه مقابل ما أعطيك وكان يريد فعل الفاحشة بها فوافق الأب وأمسكها للمجرم ليفعل بها فعلته فوقعت المصيبة وهتك العرض وماتت البنت من أثر تلك الجريمة المنكرة. وذاك آخر يتحدث عن مأساته وهو في مستشفى الأمل فيقول: جاءني من يبيعني المخدرات وأنا بأمس الحاجة إلى المخدرات وليس معي مال فأبى أن يعطيني إلا بشرط أن أمكنه من ابنتي ففعلت ثم طلب زوجتي ففعلت بل أمسكتها له ولم يكتف بذلك بل طلب أن يفعل بي الفاحشة ولشدة حاجتي استسلمت له والأدهى من ذلك أنه فعل بي أمام زوجتي وابنتي ثم أعطاني تلك السموم ولما أفقت من سكرتي عرفت عظيم جرمي وقبح إساءتي في حق زوجتي وابنتي وجئت إلى هنا أطلب العلاج. وتلك امرأة تتحدث عن ولدها الذي عاقر المخدرات فتقول: دخل علي قبل الفجر ولم استفق إلا وهو يمزق ثيابي ليفعل بي الحرام فقمت وهربت وخرجت إلى الشارع عارية ولكن والحمد لله لم يرني أحد فطرقت باب ابنتي ففوجئت بي وأخبرتها أن بعض اللصوص هاجموا بيتي وهربت منهم وسكنت معها وأنا أتمنى أن يموت ابني أو تقبض عليه الجهات الأمنية وبعد فترة من الزمن أردت أن أذهب إلى بيتي فذهبت أنا وابنتي ومعها طفلة صغيرة لها فلم نجد فيه أحد وقد باع ابني جميع أثاث البيت ومكثنا ليلتنا ننظف البيت وقبل الفجر دخل علينا ابني سكرانا وأسرع نحو البنت الصغيرة ليفعل بها فقاومته أخته وأما أنا فقد توجهت نحو المطبخ وأخذت سكينا فطعنته بها ثلاث طعنات فارق على اثرها الحياة ضحية من ضحايا المخدرات. وتلك فتاة فقدت عذريتها وتخشى على نفسها من القتل فتقول (س، خ) طالبة بالصف الثاني الثانوي ِإنها وقعت في إدمان المخدرات منذ ما يقارب 8 أشهر ولا تزال في محاولة الإقلاع عنها، وتضيف أنها أدمنت مادة الحشيش المخدر بسبب والدها وتروي القصة قائلة أبي يتعاطى الحشيش بشكل يومي منذ سنوات طويلة في المنزل برفقة عدد من أصدقائه وتعلم أسرتي بهذا الأمر وفي أحد الأيام بعد أن ترك والدي المجلس ذهبت إليه فوجدت بقايا سجائر بها الحشيش وأخذني الفضول لأجربه في الحقيقة كنت قد دخنت السجائر من قبل مع زميلاتي في المجمعات التجارية أو في الجلسات الخاصة المهم أحسست بدوار فور تدخيني الحشيش ثم بعد أيام كررت التجربة بالطريقة ذاتها لكنني دخنت سيجارة كاملة فأحسست بأن أمرا غريبا يحدث لي لكنه أعجبني فواصلت إلى أن أصبحت غير قادرة على الاستغناء عن تدخين الحشيش، أحيانا كنت اجلس خلف باب المجلس الخلفي أثناء تواجد والدي مع أصدقائه لاستنشق الدخان المتسرب من أسفل الباب، وتضيف الفتاة قائلة اطلعت صديقتي على أمر الحشيش واكتشفت أنها تدخنه وأنها تحصل علية عن طريق شاب وقالت إنه يمكن أن يمدني به مقابل أموال وبالفعل كنت أدفع له ليمدني بالمخدر ثم تعلمت شرب الخمور وغيرها من المواد المخدرة إلى أن حدثت الكارثة حين أخذ يسيطر عليها وعندها تمكن من الانقضاض عليها فأفقدها عذريتها ومع تلك الكارثة تحاول الآن الخروج من دوامتها تمنع نفسها من المخدر وتقول إنها تشعر الآن بتحسن في حالتها الجسدية والنفسية لكنها تخشى التوجه إلى العلاج حتى لا يفتضح أمرها خاصة أن المصيبة كبيرة ويمكن أن تعرضها للموت. ولعل قائل يقول: أليس هذا نوعا من المبالغة والتهويل هل بلغ الأمر إلى هذا الحد وهل الخمور والمخدرات انتشرت هذا الانتشار المخيف فأقول هذه السجون شاهدة بذلك وهذه المصحات النفسية والعقلية ومستشفيات الأمل التي انتشرت هنا وهناك ما هي إلا نتيجة حتمية لانتشار الخمور والمخدرات وأكبر دليل على فشو المسكرات. أسباب انتشار المخدرات لانتشار هذا الوباء أسبابٌ وبواعث: 1- ضَعف الإيمان وضَعفُ الوازع الدينيّ. 2- الأزمة الروحيّة التي سبّبتها كثرة المعاصي. 3- وسائلُ الإلهاء والتغفيل فأبعدت الناس عن هدي الله وذكره، وهوّنت عليهم ارتكاب أيّ محظور، وأنتجت قلّةَ الخوف من الله، فلا يفكّر أحدهم في عذاب الآخرة ولا عقاب الدنيا، ومن لم يكن له دين صحيحٌ يمنعه فلا عقلَ ينفعه ولا زجرَ يردعه. 4- الفراغ القاتل والبطالة سوقٌ رائجة للمخدّرات والمسكرات، سيما عند الشباب. 5- مصاحبةِ أصدقاء السوء ورفاق الشرّ، الذين يهوّنون عليه الأمر ويجرّئونه على المنكر. 6- الشيطان الذي يزين للمتعاطي المتعةَ الموهومةَ والهروبَ من الواقع، إنّ هذا الهروب ليس إلا غيبوبةً يعقبُها صحوٌ أليم وتنقل ذويها إلى عالم التبلّد والبلاهة، ثمّ تأتي إفاقةٌ مضاعفة الحسرة. 7- وسائلُ الإعلام وذلك حين تعرض البرامجُ والمسلسلاتُ شربَ الخمر وقوارير الخمر على أنّه أمرٌ طبيعيّ ومن خصائص المجتمعات الراقية، وتُقحم ذلك في الدعايات للهو والمتعة. 8- السفر للخارج فإذا سافر ضعيف الإيمان إلى بلاد الكفر والإباحيّة وقع في المحظور وأدمن عليها وعاد لبلده باحثًا عنها. أضرار المخدرات: إن تعاطي المخدرات يؤثر على الحياة الاجتماعية تأثيرًا سلبيًا، فانشغال المتعاطي بالمخدر يؤدي إلى اضطرابات شديدة في العلاقات الأسرية والروابط الاجتماعية. فكم مزَّقت المخدرات والمسكرات من صِلات وعلاقات، وفرقت من أُخُوَّةٍ وصداقات، وشتَّتت أسرًا وجماعات، وأشعلت أحقادًا وعداوات، قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ}. وإن جوًا تنتشر فيه هذه الأدواء والمهلكات لهو جوّ يسوده القلق والتوتر، ويخيم عليه الشقاق والتمزق. إنَّ من يلقي بنفسه في سموم المسكرات يسهل عليه أن يبذل كل غالٍ ونفيس، ويضحي بكل عزيز من أجل الوصول إليها والحصول عليها، حتى ولو كان ذلك من أضيق المسالك وأخطر الطرق، فقد يسرق أو يختلس، بل ويتخلى عن جميع القيم والأخلاق ليحصل على المادة التي يصل بِها إلى ما يريد، ويسير في هذا المسلك الوعر إلى أن تضعف قواه الجسدية والعقلية، فيصبح غير قادر على العمل، فيكون عالة على أسرته ومجتمعه، وقد ينتهي به الحال إلى الإعاقة الكاملة أو التشوه، بعد أن يفقد كل مميزاته الإنسانية من عقل وخلق، ومقوماته الاجتماعية من عمل مثمر أو وظيفة نافعة أو صناعة رابحة، كما يفقد أهله وعشيرته وأصدقاءه، وفي ذلك ضياع للفرد الذي هو كيان الأسرة ولبنة في قيام المجتمع، وإذا فقدت الأسرة كيانها حل بِها التمزق، فيصبح بناء المجتمع هشًا ضعيفًا، لا يستطيع أن يقف أمام العواصف المعادية والتيارات الوافدة، ويصير فريسة سهلة لأي عدو يتربص به الدوائر. أما الأضرار الاقتصادية الناجمة عن تعاطي المخدرات فهي كبيرة جدًا، ذلك أن مدمني المسكرات والمخدرات يشكلون عائقًا كبيرًا في طريق التنمية والتقدم الاقتصادي، ويخلقون عبئًا ثقيلاً على عاتق الأمة بما يهدرون من ثروتها، وما يجلبونه لها من المآسي والنكبات، فلقد أثبتت الدراسات التي قام بِها الباحثون المتخصصون أن تعاطي وإدمان المخدرات يؤثران على إنتاجية الفرد في العمل، وذلك من خلال ما يطرأ على الفرد من تغييرات نتيجة للتعاطي والإدمان، وأن هذا التأثير يشمل كَمَّ الإنتاج وكيفَه. ولما كان إنتاج المجتمع حصيلة مجموع إنتاج الأفراد فإنه يتأثر تأثرًا مباشرًا باعتلال إنتاج الفرد وهبوطه، فضلاً عما ينفق من الأموال والجهود في سبيل مكافحة المسكرات والمخدرات ومنع تهريبها وتداولها وتعاطيها، من حيث تخصيص إدارات مهمتها مكافحة المخدرات والقضاء عليها، وما يتبع ذلك من إنفاق الأموال الطائلة عليها، وتكليف الكثير من الكفاءات للعمل بها، وكان يمكن أن توجه تلك الأموال، وأن تصرف تلك الجهود إلى أعمال نافعة ومهام أخرى تسهم في توفير كثير من الخدمات الأخرى للمجتمع. ولو نظرنا إلى انتشار الجرائم وتفشيها في المجتمعات لوجدنا أن تعاطي المسكرات والمخدرات يشكل أحد الأسباب الرئيسة في ظهورها، ذلك أن المدمن عادة ما يكون فاشلاً في مجتمعه، عاجزًا عن القيام بأي عمل ينفعه، كما أنه يصبح خاليًا من الشعور بالمسؤولية، لفقده ما يؤهله لذلك من دين أو عقل، نتيجة تعاطيه لتلك السموم، ومن كان هذا شأنه فإنه سيقدم على طلب المال وتحصيله من أي مصدر، وبأي وسيلة حتى لو استدعى ذلك منه ارتكاب الجرائم بشتى صورها. كذلك فإن تَهريب المسكرات والمخدرات وترويجها وتعاطيها يؤدي إلى تحريك النزعات العدوانية والإجرامية لدى كل من يتعامل معها، فالمهرب لا يتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم في الحصول على منفذ لإيصال ما لديه من سموم إلى المكان المقصود، كما أنَّ المروج لا يتوقف عن ابتكار أسوأ الطرق والوسائل للوصول إلى فريسته، ولعل تأثيره على الأطفال وحديثي السن كبير جدًا؛ لما يقدمه لهم من إغراءات، ولعدم وعيهم الكافي عن أضرار المخدرات، وعدم معرفتهم بالشخصية التي ينتحلها ذلك المروج، ليوقعهم في وحل التعاطي والإدمان، مما قد يضطر أولئك - بعد تناولها والإدمان عليها - إلى ارتكاب جرائم السرقات والسطو للحصول على المال الذي يمكّنهم من شرائها والاستمرار في تعاطيها، وفي ذلك زعزعة لأمن واستقرار المجتمع، إضافة إلى إخلال المتعاطي بالأمن العام عند وجوده في الأماكن العامة، كما أنَّ قيادته للسيارة تحت تأثير المخدر يشكل خطرًا عليه وعلى الآخرين، كما أنَّ مهربي المخدرات لا يتورعون عن التعاون مع أي جهة حتى لو كانت من الأعداء، في سبيل تحقيق أهدافهم ومآربهم، وتحصيل مكاسبهم غير المشروعة. والمخدّرات بأنواعها شرٌّ من الخمر، فهي تفسد العقل، وتدمّر الجسد، وتُذهب المالَ، وتقتُل الغيرةَ، فهي تشارك الخمر في الإسكار وتزيد عليها في كثرة الأضرار، وقد أجمع الناس كلّهم من المسلمين والكفّار على ضررِ المسكرات والمخدّرات وأنها وبال على الأفراد والمجتمعات، وتنادت لحربها جميع الدول وتعاهدت، وأدرك الجميع مخاطرها، حتى قال المنظرون: إنّ خطرَ المخدّرات وتأثيرها المدمّر أشدُّ فتكًا من الحروب التي تأكل الأخضر واليابسَ وتدمِّر الحضارات وتقضي على القدرات وتعطّل الطاقات. مضارُ الخمرِ والمخدراتِ والمنشطاتِ أكثرُ من أن تحصرَ، ومن مضارِها الدينيةِ أن شاربَ الخمرِ يرتفع عنه وصفُ الإيمانِ حالَ تناولهِا، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولا يشربُ الخمرَ حين يشربُها وهو مؤمنٌ» (الحديثَ رواه أبو داود). إنَّ الخمر عظيمة الأخطار جسيمة المضار وخيمة العواقب على الصحة والعرض والمال والدين والدنيا والآخرة فهي تنزف المال وتصدع الرأس وتذهب العقل كريهة المذاق مرة الطعم توقع العداوة والبغضاء بين الناس وتدعو للزنا واللواط وكبائر الذنوب وتذهب الغيرة والحياء وتورث الخزي والندامة وتقصر العمر وتسهل قتل النفس وإفشاء السر وهتك العرض فكم أهاجت من حرب وكم أفقرت من غني وكم أذلت من عزيز ووضعت من شريف وكم سلبت من نعمة وكم جلبت من نقمة وكم أوقعت في بلية وكم قربت من منية وكم أورثت من حسرة وكم أجرت من عبرة وكم فرقت بين رجل وزوجته وفرقت بين ابن وأبيه. وهي مفتاحُ كلِ شرٍ كما أخبرَ بذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم حين قال: «لا تشربِ الخمرَ؛ فإنَّها مفتاحُ كلِ شرٍ» (رواه ابن ماجه)، وصدقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فهي مفتاحُ الزنا والقتلِ والسرقةِ للحصولِ على المالِ، وهي الطريقُ إلى الانتحار وسَبَبُ العقوقِ والحوادثِ المروريةِ وإهمالِ الزوجةِ والأولادِ والوظيفةِ، وغير ذلك من الشرور التي لا يحيط بها إلا الله. إن الخمور والمخدرات لها تأثير سلبي في الوراثة فقد شوهد الكثير من أولاد أصحابها واهني الأجسام ضعيفي الإدراك مرضى القلوب وقد يكون لديهم ميل نحو الإجرام. وهي رجسٌ من عملِ الشيطانِ، ومن أعظمِ ما يؤجِّجُ العداوةَ والبغضاءَ بين المؤمنينَ، ومن أعظمِ ما يصدُّ عن ذكرِ الله وعن الصلاة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ}. ومن تأمَّلَ حالَ المدمنينَ وبُعدَهم عن الذكرِ والصلاةِ وما يحدُثُ بينهم من جرائمَ بسببِ المخدراتِ علمَ جيدًا معنى هذهِ الآيةِ. وأنَّ تحريمُ الخمرِ من أعظمِ نعمِ الله عز وجل، وإلا كيفَ يمكنُ أن نتصورَ حالَ المجتمعِ الإسلاميِّ لو لم يحرّمِ الله الخمرَ؟! كيف سيكونُ حالُ الناسِ في الفسوقِ والفجورِ والجرائمِ والعقوقِ والحوادثِ إلى آخرِ ما تعاني منه الشعوبُ الكافرةُ اليوم من الجرائمِ وحوادثِ السيرِ والانتحارِ والأمراضِ البدنيةِ والنفسيةِ وغيرِ ذلكَ؟! ومن أكثرِ المخدراتِ انتشارًا في مجتمَعِنا ما يسمّى بـ(الكبتاجون)، ويسمِيها متعاطُوها بـ(الأبيضِ) أو (أبو قوسين) أو (القضوم) أو غيرِ ذلك من الأسماء. ومشكلةُ تعاطيها وغيرِها من الحبوبِ المنشطةِ قدْ أصبحتْ من أخطرِ المشاكلِ الصحيةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ بل والعالمِ أجمع، خاصةً أنَّ أغلبَ ضحايا (الكبتاجون) ممن يكونون في سنِ الشبابِ والإنتاجيةِ , وقد تأكدَ علميًا خطرُ الحبوبِ المنشطةِ على الصحةِ، عِلاوةً على مشاكِلها الأخرى الدينيةِ والأسريةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ. عقوبة الخمر في الدنيا والآخرة: إن النهايةَ الحتميةَ لمتعاطي هذه المنشطاتِ إما السجونُ، وإما المستشفياتُ النفسيةُ، ناهيك عن تدميرِ الأسرةِ وطلاقِ الزوجةِ وضياعِ الأولادِ والفصلِ من العملِ والعُزلةِ الاجتماعيةِ وغيرِها من النهاياتِ الشقيةِ لمن عصى ربه وأطاعَ شيطانه وتأثرَ برُفقاءِ السوءِ. أيها الشبابُ، اتقوا الله عز وجل، واشكروه على نِعَمِه، نِعمَةِ الدينِ المحكمِ الذي أُحِلَّتْ لنا فيه الطيباتُ، وحُرمت علينا فيه الخبائثُ، واشكروا الله عز وجل على نعمةِ العقل، وزورا مرّةً واحدةً فقط مستشفى الصحةِ النفسيةِ؛ لتروا شبابًا في عُمْرِ الزهورِ، اختلت عقولُهم بسببِ حبةٍ أو سيجارةٍ أو شرابٍ، واعتبروا بغيرِكم قبل أن يعتبِرَ بكم غيرُكم. إن الله أعدّ لمتعاطي المخدرات والخمور عقوباتٍ دنيويةٍ وأخرويةٍ، أولُها اللعنُ والطردُ من رحمةِ اللهِ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «أتاني جبريلُ فقال: يا محمدُ، إنّ الله عز وجل لعنَ الخمرَ وعاصرَها ومعتصرَها وشارَبها وحاملَها والمحمولةَ إليه وبائعَها ومبتاعَها وساقيها ومستقيَها»، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ مُدْمِنَ خَمْرٍ لَقِيَهُ كَعَابِدِ وَثَنٍ» يعني إن مات من غير توبة. ومن عقوباتها ضياع الإيمان قال صلى الله عليه وسلم «ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن». ومن عقوباتِه ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أربعةٌ حقٌ على الله أن لا يدخلَهم الجنةَ ولا يذيقَهم نعيمَها: مدمنُ الخمرِ، وآكلُ الربا، وآكلُ مالِ اليتيمِ بغيرِ حقٍ، والعاقُ لوالديه». عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ «ثَلاثَةٌ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة مُدْمِنُ الْخَمْرِ وَقَاطِعُ الرَّحِمِ وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ». ومن عقوباته ما جاء عن أبي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قال قال رسول اللَّهِ «لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ من أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُعْزَفُ على رؤوسهم بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ الله بِهِمْ الْأَرْضَ وَيَجْعَلُ منهم الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ». ومن العقوبات سوء الخاتمة فمن عاش على شيء مات عليه فأحد المدمنين للمخدرات وجد في أحد الحمامات ورأسه في البالوعة وقد حقن نفسه بإبرة مخدرة. ومن عقوباتِه ما جاءَ عن عبدِ الله بنِ عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «من شربِ الخمرَ وسكِرَ لم تقبلْ له صلاةٌ أربعينَ صباحًا، وإن ماتَ دَخَلَ النارَ، فإن تابَ تابَ اللهُ عليه، وإن عادَ فشرِبَ فسكِرَ لم تقبلْ له صلاةٌ أربعينَ صباحًا، فإن ماتَ دخلَ النارَ، فإن تابَ تابَ اللهُ عليه، وإن عادَ فشرِبَ فسكِرَ لم تقبل له صلاةٌ أربعينَ صباحًا، فإن ماتَ دخلَ النارَ، فإن تابَ تابَ اللهُ عليه، وإن عادَ كان حقًا على الله أن يسقيَه من رَدْغَةِ الخبالِ يومَ القيامةِ»، قالوا: يا رسولَ الله، وما رَدْغَةُ الخبالِ؟ قالَ: «عُصارةُ أهلِ النارِ» ابن ماجه وصححه الألباني. ومن عقوباتها حرمانه منها في الآخرة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: «من ماتَ وهو يشربُ الخمرَ يدمنُها لم يشربْها في الآخرةِ» (رواه أبو داود).
=========
اجتنبوا أم الخبائث

  فمِن أهمِّ الضَّرورات العامَّة التي جاء الإسلام لحِفْظِها العقل: وحذَّر من اغتِياله وإدْراجه في غيبوبة المسكرات والمخدِّرات، التي حاربَها الإسلام حربًا لا هوادةَ فيها... الحمد لله، أحلَّ الحلالَ وأتمَّ الدين, وبيَّن الحرامَ للخلْق أجْمعين، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله، وحدَه لا شريك له الملك، الحقُّ المبين، وأشهد أنَّ سيِّدنا محمَّدًا عبدُ الله ورسولُه, خيْر الهُداة الصادقين, وخاتم الأنبياء والمُرسلين، اللهُمَّ صلِّ وسلِّم وباركْ عليْه، وعلى آله وصحبه أجْمعين، أمَّا بعد: فمِن أهمِّ الضَّرورات العامَّة التي جاء الإسلام لحِفْظِها: المال والعقل؛ لأنَّهما من النِّعم الإلهيَّة، ولأنَّ الإنسان بدونِهما لا يستطيع أن يحيا حياةً كريمة؛ ولهذا فقد صانَ الإسلام المال من التبديد والإسراف، وأحاطه كذلك بِمزيد العناية والاهْتِمام في طرائق تَحصيله، وأوجبَها من طريق حلال، وصان العقل أيضًا وحذَّر من اغتِياله وإدْراجه في غيبوبة المسكرات والمخدِّرات، التي حاربَها الإسلام حربًا لا هوادةَ فيها. ما هي أم الخبائث؟ ونقصد بها الخمر، ذلك الوصف الجامع الذي خلعه عثمان - رضي الله عنه - عليْها حين قال: ((اجتنِبوا الخمر؛ فإنَّها أمُّ الخبائث))؛ النَّسائي 317 من حديث عُثْمان بن عفَّان - رضي الله عنْه - وجاء من حديث عبدالله بن عمْرو بن العاص - رضي الله عنه - أيضًا هذا الوصْف ذاتُه: ((الخمْر أمُّ الخبائث))؛ أورده العجلوني في "كشْف الخفاء" (1/ 459) وإسنادُه حسن، ويشمل ذلك كلَّ أشكالِها وألوانِها وأنواعها، وعلى اختِلاف أسمائِها في العالمين ودرجات الإسْكار منها، إلا أنَّ هناك وصفًا واحدًا يَجمعُ بين كلِّ أشكالِها وهو أنَّها: أم الخبائث وجامعةُ أشتاتِها. حقًّا، لقد اجتمعت كلُّ موبقات الذُّنوب وموجِبات النَّدم في الخمْر؛ ولهذا فقد ورد عن ابن عباس – رضي الله عنْهما –: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - قال: «اجتنبوا الخمر فإنَّها مفتاح كلِّ شر»؛ أورده الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2798)، وذكر له شواهد. وعن أم أيمن - رضي الله عنها -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى بعض أهل بيته: «لا تشركْ بالله، وإن عذِّبْت وإن حرِّقْت، وأطِعْ والديْك، وإن أمراك أن تخرج من كل شيء، فاخرجْ، ولا تترُكِ الصَّلاة متعمِّدًا؛ فإنَّه من ترك الصلاة متعمِّدًا، فقد برئت منه ذمة الله، إيَّاك والخمرَ؛ فإنها مفتاح كل شر، وإيَّاك والمعصيةَ؛ فإنَّها لسخط الله، لا تنازعنَّ الأمر أهله، وإن رأيت أن لك، ولا تفرَّ من الزحف، وإن أصاب الناس موتان وأنت فيهم، فاثبت، أنفق على أهل بيتك من طَوْلِك، ولا ترفعْ عصاك عنهم، وأخِفْهم في الله - عز وجلَّ»؛ أورده البيهقي في "السنن الكبرى" (7/304)، والحديث مُرسل. وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: أوصاني خليلي - صلى الله عليْه وسلَّم -: «أن لا تشرك بالله شيئًا، وإن قطعت وحرقت، ولا تترك صلاة مكتوبة متعمدًا؛ فمن تركها متعمِّدًا، فقد برئتْ منه الذِّمَّة، ولا تشربِ الخمْر؛ فإنَّها مفتاح كلِّ شرٍّ»؛ صحيح ابن ماجه 3275، وقال: حديث حسن. وورد في الأثر أيضًا: "الخمر جماع الإثم، والنساء حبائل الشيطان، وحب الدنيا رأس كلِّ خطيئة". أمَّا إنَّها مفتاح كلِّ شرٍّ ومنفذ كلِّ بلاء، فذلك ما سنقِفُ عليْه فيما يلي: أضرار الخمر الدنيوية من أضرار الخمر في الدنيا أنها تغتال العقل وتسقط مهابة مدمنها؛ كما قال القائل: شَرِبْتُ الخَمْرَ حَتَّى ضَلَّ عَقْلِي كَذَاكَ الخَمْرُ تَفْعَلُ بِالعُقُولِ وإذا ذهب العقل تحول الإنسان إلى مخلوق غير مسؤول، لا يعي ما يقول ولا يدرك ماذا يفعل، وقد ورد أن أحد السكارى كان يمشي في الطريق بعد منتصف الليل، وهو يترنَّح يمينًا وشمالاً من فرط سُكْره، ثم استلقى على ظهْرِه وتمدَّد على الأرض من الإعْياء، وإذا بكلبٍ ضالٍّ يأتيه، فيرفع إحدى رجليه ويبول على وجْه هذا السكران، فجعل يَمسح وجههُ بِهذا البوْل وهو يقول: أكرمك اللهُ كما أكرمتنِي، ومن المعلوم أنَّ فاقدَ العقْل تصدر منْه كلُّ أفعال الشر والعدْوان؛ كالقتل وإفشاء الأسرار وفعْل الفحشاء، لدرجة أنَّه قد يعتدي على أمِّه أو أُخْتِه أو بنته، وهذه مَخازٍ تعيشُها أمم أخرى غير أمَّة الإسلام، وتتناقلُها وسائل الإعلام العالميَّة. ولا يَخفى على كلِّ البشَر آثارُ الخمر المدمِّرة للصِّحَّة، فهي تُوهِن البدَن، وتورث الدَّاء العُضال في الكبد، وتضرِب قواعد المجموعة العصبيَّة، وتُصيب بأنواعٍ عديدة من السَّرطانات، وتسبِّب قرحة المعدة والاثني عشر، إضافةً إلى قائمة الأمراض النفسيَّة. والخمور ضارَّة بالأخلاق والمجتمع، فتؤثِّر سلبًا على تقدُّمه واعتدالِه، وعلى تمسُّك أفرادِه بمعاني الشرف والنَّخوة والاتِّزان. وفي عالم الاقتصاد يأتي تأثير الخمر بأسوأِ العواقب؛ حيث تضيع ثروات ماليَّة هائلة تعد بالمليارات على مستوى العالم، تذهَبُ سُدًى وتخلِّف وراءَها مشاكل اقتصادية مُزمنةً كالتضخم والبطالة وغيرهما، ومع كلِّ هذه البلايا المحق. أضرار الخمر الدينيَّة ليس كلُّ بلاء الخمر أنَّها تُدْخِل أهلَها نارَ جهنَّم فقط، بل لها أضرارٌ أُخرى؛ فهي تُسْقِط على المرء حُسْنَ تديُّنه، وتفتح أمامَه مغاليقَ الذُّنوب والآثام، فيصير كالدُّمْية بين يدي الشَّيطان، يتلاعَبُ بِها كيف يشاء. عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - يقول: «اجتنبوا أمَّ الخبائث، فإنَّه كان رجلٌ ممن كان قبلكم يتعبَّد ويعتزل النَّاس، فعلقتْه امرأة، فأرسلت إليه خادمًا، إنَّا ندعوك لشهادة، فدخل، فطفقت كلَّما يدخل بابًا أغلقتْه دونه، حتى إذا أفضى إلى امرأةٍ وضيئةٍ جالسة، وعندها غلامٌ وباطية فيها خمر، فقالت: إنا لم ندعُك لشهادة، ولكن دعوتك لقتْل هذا الغلام، أو تقع عليَّ، أو تشرب كأسًا من الخمر، فإن أبيْتَ صِحْتُ بك وفضحْتك، قال: فلمَّا رأى أنَّه لابدَّ له من ذلك قال: اسقنِي كأسًا من الخمْر، فسقتْه كأسًا من الخمْر، فقال: زيديني، فلم تزَل حتَّى وقع عليْها وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر؛ فإنَّه - والله - لا يجتمع إيمان وإدمان الخمر في صدْر رجلٍ أبدًا، وليوشكنَّ أحدُهُما يُخرج صاحبه»؛ رواه المُنذري في "الترغيب والترهيب" 3/251 بإسناده: صحيح أو حسن أو ما قاربهما. فتأمَّل - أخي المسلم - كيف أنَّ الخمر قد أثَّرتْ في صاحبِها حتَّى زنى وقتَل!! وكذلك تفعل؛ لأنَّها أمُّ الفواحش. ومن أضرارِها الدينيَّة أنَّها تعدل الشِّرْك بالله؛ فعنِ ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - قال: "لمَّا حُرِّمت الخمر، مشى أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعضُهم إلى بعض، وقالوا: حرِّمت الخمر وجعلتْ عدلاً للشِّرْك"؛ رواه الطبراني، وذكره أحمد شاكر في قتْل مُدمن الخمْر 69 وقال: رجالُه رجال الصحيح. وعنه أيضًا: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - قال: «مَن مات وهو مدمن الخمْر، لقي الله وهو كعابدِ وثن»؛ (رواه البزار في "البحر الزَّخَّار" 11/ 289). ومن أضرار الخمر: أنَّ نور الإيمان يخرج من قلْبِ مُتعاطيها؛ كما ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - قال: «مَن شرِب الخمْر، خرجَ نور الإيمان من قلبه»؛ الطبراني، ومن حديث أبي هُريرة أيضًا: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ينفي الإيمان عن شارب الخمر حين شرِبَها، وذلك من حديث أبي هريرة أيضًا قوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «لا يَزني الزَّاني حين يَزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمْر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرِق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهْبة، يرفع النَّاس إليْه فيها أبصارَهم، وهو مؤمن»؛ (رواه البخاري في "الجامع الصحيح" 6772). وعنْه أيضًا: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: «إذا زنى الرَّجُلُ أو شرب الخمر، خَرَجَ مِنهُ الإيمَانُ كانَ علَيْهِ كالظُّلَّة، فإذا انْقَطعَ، رجَعَ إليْهِ الإيمانُ»؛ (سنن أبي داوود (4133)). ومن أضرار الخمر الدينية: أنها تَحرم صاحبها من التلذُّذ بِخمر الآخرة، التي لا تصدع الرأس ولا تفري الأكباد، ولا تبدِّد المال. فعن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّم - قالَ: «مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ في الدُّنْيَا ثُمَّ لم يَتُبْ مِنها، حُرِمَها في الآخِرَةِ»؛ البخاري (5277)، ومن المعروف أنَّ الجنَّة فيها: {وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ} [مُحمَّد: 15]. ومن الأضرار الدينية: أنَّ مدمن الخمر سيتجرَّع الصَّديد من نهر الغوطة في النَّار؛ فعن أبي موسى - رضي الله عنه –: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحِم، ومصدِّق بالسحر، ومن مات مدمنَ الخمر، سقاه الله - جلَّ وعلا - من نهر الغوطة، قيل: وما نهر الغوطة؟ قال: نَهر يجري من فروج المومسات (الزانيات)، يؤذي أهلَ النَّار ريحُ فروجِهم»؛ (مسند الإمام أحمد 19223). كثرة استحلال الخمر من أشراط الساعة: لقد شاع خطر الخمر، وعمَّ بلاؤها، وكثُر مريدوها، وانتظمت لها في العالمين أسواقٌ رائجة تدرُّ أخلافًا من المال الكثير، وقامت بِجانب صناعتها وظائفُ أخرى عالقة بها، أقل ما توصف به أنَّها دنسة وحقيرة، وتكالب العالم الشرقي في الآوِنة الأخيرة إلى سباق مَحموم مع أهْل الغَواية الاجتماعيَّة الغربيِّين في تعاطي الخمر والتعوُّد عليها، ولم يعودوا يجدون في ذلك حرجًا. وظهر أثر المبادلات الثقافية والمتعلِّقة بالعادات في هذا العصر بشكل مُذْهِل، وتأثَّرْنا - نَحن المسلمين - بثقافة الخمْر التي دخلت بيوتَنا مع الأفلام الأجنبيَّة بل والعربيَّة، التي لا يخلو واحدٌ منها في جعْل الخمر حلاًّ للمُشْكِلات، أو بابًا من الهروب منها في وقْت المِحن. لقد نجح المجرورون بالإضافة إلي الفكر الأجنبي من الكتَّاب والمخرجين وأهل الفنِّ، والذين يُمثِّلون وفاء الكلاب لأسيادهم الأجانب، في نقْل أخبَثِ الصُّور الاجتِماعيَّة المرْذولة من سخائِم المجتمعات المنحلَّة قِيميًّا، وتُعاني من التفسُّخ الاجتِماعي الذي يشدخ الفواقِر، ومُحاولة الجمع أو المقارنة بين ما عند عبيدِ شهواتهم في البقعة الغربية وبين ما عندنا، وهي مقارنة أو مشابهة ظالمة وتتَّشح بالغباء الذي لا يُحدُّ. فَأَيْنَ اللَّيْلُ مِنْ شَمْسٍ وَبَدْرٍ وَأَيْنَ الثُّعْلُبَانُ مِنَ الهِزَبْرِ؟! حينما تجلس الأسرة المسلمة العربية المعتادة المتوسِّطة علميًّا وخُلُقيًّا ودينيًّا أمام أحد الأفلام، وإذا بالسَّامع والمتابع يشاهد ويَسمع عن أنواع الخمور وأسمائِها، ويرى بعضًا من فنِّ إدارتِها على الأيدي الملعونة والأفواه المتنجِّسة مع الغانيات والعاريات، ويرى أنَّ المجتمعات العربيَّة والإسلاميَّة فيها كلُّ هذا البهرج المعربِد والمبالغ فيه إعلاميًّا وفنِّيًّا – وهو لا يعبِّر أبدًا عن واقع يصوِّر كل الحقيقة، فيا تُرى: ما هو الأثر الذي سيبقى مترسِّبًا في الذَّاكرة؟ لا شكَّ، سيدفع إلى التمرُّد على الواقع والمحاولة بعد ذلك لفكِّ حِصار القيَم، والركض المسعور وراء الشَّهوات، والبحْث عن كلِّ البدائل المُتاحة المغيّبة للعقل، وقد وقعت الواقعة وتدعْثر كثيرٌ من طلبة الجامعات وزينة شباب المجتمعات، في براثِن المخدّرات والكحوليات بجميع أنواعها، وكل فرد على قدر طاقته المادِّيَّة، فما الذي جاء بِهم إلى هذا المستنقع؟ أتكون صيحات المنابر في المساجد هي التي هيَّجت فيهم الشوق إلى المسكرات والمخدرات؟! أم أساتذة الجامعات؟ أم المدرِّسون؟ أو ربَّما أقنعهم آباؤهم وأمَّهاتُهم بفوائد المخدِّرات والخمور. إنَّه الإعْلام بتجلِّياتِه البخْسة حينما يتولَّى أمرَه من جِلْدتنا من لا يتقي الله تعالى، والشر يجلب غيره، كما أنَّ الحسنة تنادي على أختها والسيئة كذلك، فما ظنُّك بظهور الزنا واستشرائه؟ إنَّه ثمرة لغياب العقل، وما ظنُّك برفْع العلم؟ غياب أيضًا للعقل، وكذلك تفشِّي الجهل، والصورة الكبرى لغيبوبة العقْل هي احتِساء الخمر، وإدمان المسكرات والمخدرات. ومع غياب العقل يبدأ توارُد النِّقم؛ لأنَّ الإنسان قد فرَّط في أغلى ما وهبَه ربُّه، وتبدأ الدنيا في طلب الترحُّل بعد أن أفرطَ أهلُها في اتِّباع شهواتِهم وارتِكاس عقولهم، فلا جَرَمَ أن تكون الخمر مدمِّرة المال والعقل والصِّحَّة والمجتمع، وهادمة الدين في قلب مَن يُعاقِرُها، بل وهي بهذه الصورة العالمية المخزية دليلٌ سافر على انتِهاء الدُّنيا واقتِراب السَّاعة، وذلك ما صرَّحت به الأحاديثُ الشَّريفة؛ فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم -: «مِنْ أشْراطِ السَّاعةِ أنْ يُرْفَعَ العِلْمُ، ويَثْبُتَ الجَهْلُ، ويُشْرَبَ الخَمْرُ، ويَظْهَرَ الزِّنَا»؛ صحيح مسلم (4953). وهذه المساخط مع غيرها مَعْلم واضح على السقوط من عين الله تعالى، ومن ثَمَّ؛ يعمُّ الأمة عقابٌ جَماعي يشكِّل مجموعةً من ضنْك الحياة الذي يُحوِّلها إلى جحيمٍ لا يطاق. كل مسكرٍ حرام أخي المسلم: إنَّ ممَّا شاع خطرُه في الموادِّ المغيِّبة للعقْل ما هو أخطرُ وأطمُّ من الخمْر، من موادَّ تُحدِث الإسْكار بنِسب مُختلفة، وها هو رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يضع القاعدة الجامعة المانعة: «كلُّ مُسكرٍ خَمر، وكلُّ مُسكرٍ حرام»؛ (صحيح مسلم، (3848). فكلُّ ما خامرَ العقل وأحدَثَ السُّكر - ولو بدرجةٍ قليلةٍ - فهو مثل الخمْر في حكمِها. فسواءٌ كان هذا المسكر مشروبًا؛ مثل أنواع الخمور المشهورة والبيرة، أم جامدًا؛ كالحشيش والأفيون، الذي استخفَّ كثيرٌ من المسلمين بهما؛ ظنًّا أنَّهما ليسا من المحرَّمات، ينقل شيخُنا سيد سابق - رحِمه الله - في "فقه السنَّة" عن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – ما يلي: "إنَّ الحشيشة حرام، يُحدُّ متناولها كما يحدُّ شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة أنَّها تفسد العقل والمزاج، حتَّى يصير الرَّجُل في تخنُّث ودياثة، وغير ذلك من الفساد، وأنَّها تصدُّ عن ذكر الله وعن الصلاة، وهي داخلةٌ فيما حرَّمه الله ورسولُه من الخمر والمسكر لفظًا ومعنى". ويدخل في الحكم أيضًا المخدرات بِجميع أنواعها: المشمومة والمحقونة والمحترِقة مثل الهيروين والكوكايين. لا عبرة بالقليل والكثير: قد يستخفُّ أحدُ النَّاس بالأمر ويقول: أنا لا أثقل على نفسي، إنَّما هو كأس واحد من الخمر، أو شمَّة واحدة من الهيروين، وذلك قليل لا يؤذيني ولا يُسكرني. إنَّ هذا الكلام مثل من يقول: قطعة واحدة من لحْم الخنزير غير محرَّمة، وقُبلة واحدة من امرأةٍ غير محرَّمة؛ لأنَّها بسيطة وهيِّنة، ولكن الشرع يقف حائلاً دون إدراك أي نصيبٍ من هذه المهلِكات؛ فعن أمِّ المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم -: «كلُّ مسكر حرام، وما أسكر الفرق منه - مكيال يسع ستَّة عشر رطلاً - فملءُ الكفِّ منه حرام»؛ (سنن أبي داود، (3256). وعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «ما أسكر كثيرُه، فقليله حرام»؛ (سنن التِّرمذي، (1869). مجالس المجاملات: ومن المخاطر التي يتعرَّض لها المسلم في هذا الشَّأن، أنَّ الخمر تدور كؤوسها في باحات الاحتِفالات؛ كافتتاح الشركات وأعياد الميلاد والزواج وأمثال هذه المناسبات، ومن الطبيعي أن الخمر تُعْرَض عليه كما تُعْرض على غيره من الحاضرين، على سبيل المجاملة أو النخب أو المشاركة بالأمنيات الطيبة عند بداية كلِّ عام جديد، كما يفعل غير المسلمين، فيقول بعض المسلمين: كأس واحد لا بأْس به حتَّى لا يبدو سلوكي غريبًا على الحاضرين، وهُنا تَحدُث الطَّامَّة ويقع المسلم في المحظور الديني؛ من أجْل إرضاء النَّاس بسخط الله تعالى، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فالله - تعالى - ينهى عن الخمْر، والأمْرُ واجبُ النَّفاذ، أليْس هناك من يقدِّسون كلام الأطبَّاء وأوامرَهم إذا حذَّروهم من احتساء الخمر؟! فأوامر الله - تعالى - أوْلى بالتقديس والاهتِمام. تحريم الاتّجار بالخمور: وكما حرَّم الإسلام على المسلم تجرُّع الخمر وتعاطي المخدرات، فإنَّه حرَّم أيضًا مجرَّد الاقتراب منها بأي وسيلة، فلا يكفي أن يمتنع المسلم عن تعاطيها، بل عليه اجتِنابها والبعد عن مجرَّد الجلوس في مَجالسِها؛ فقد ورد عن ابْنِ عبَّاس - رضي الله عنهُما -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - قال: «مَن كان يُؤمن بالله واليوم الآخَر فلا يشربِ الخمر، من كان يُؤمن بالله واليوم الآخَر فلا يَجلِس على مائدة يُشرب عليها الخمْر»؛ (المعجم الكبير للطبراني، (11302). وأنكى من هذا كله الاتِّجار في الخمور وأكْل ثمنها؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه – قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - في الخمر عشَرة: عاصرَها ومعتصِرها، وشارِبَها وحامِلها، والمحمولة إليْه وساقيها، وبائعها وآكل ثمنها، والمشترِي لها والمشترَى له"؛ سنن الترمذي، (1279). ولا نرى أصعبَ ولا أقْسى من اللَّعْن وصفًا لكلِّ هؤلاء، لقد كان بعضُ النَّاس يظنُّ أنَّ الحرمة في الخمر تنصبُّ على شاربها فقط، فإذا بِهذا الحديث يجمع كلَّ مَن له صلة بِها من قريب أو بعيد. لهذا؛ على المسلم أن ينأى بنفسه عن أم الخبائث، ويبعد نفسه عن طريقها بكل وسيلة ممكنة. الإسلام يلقِّن البشرية درسًا في تحريم الخمر: لم يأتِ تحريم الخمر دفعة واحدة، بل انتهج الإسلام الحكيم منهج التدرُّج في تحريم الخمر؛ وذلك لولع الناس بِها، حتى وصل بهم إلى أن أراقوها في الطرقات، وتواصوا فيما بينهم على اجتنابها مدى الحياة. على حين أنَّ أكثر الأمم حضارة وتقدُّمًا قد فشلت بعد محاولات مضنية في تحريم الخمر، بل زادت معدلات الإدمان أكثر وأكثر، حتَّى صار الكأس وخمرتُه وسحابات الدُّخان المتصاعد دلالات البهجة وعلامة التحضُّر! وهكذا غدتِ الصورة في معظَم القنوات المرئيَّة وصفحات الجرائد والمجلات عبر مُختلف وسائل الإعلام وعلى اختِلاف العقائد. لقد فشلت جميع الجهود والتَّخطيطات، ولم تنجح في الحد من هذا السباق المحموم صوب احتِساء الخمر وتعاطي المخدرات. ولم يَحفظ التاريخ العام أنَّ أمَّة استطاعت أن تَمتنِع عن الخمر نهائيًّا إلا أمَّة الإسلام، وذلك في زمان النبي العظيم - صلى الله عليه وسلم - فإذا هبت رياح الإيمان وافتْنا بالعجائب. لقد قدَّم الإسلام التجربة العمليَّة والمقنعة للتخلُّص من هذا الوباء، واستِخْدام وسيلة الإقناع العقلي مع ربطه بالعقيدة المركوزة في القُلوب مع التدرُّج في التحريم؛ لأنَّ الزمن جزء من العلاج لمن يريد حقًّا الإقلاع عن الخمور والمخدرات. فكانت أوَّل الآيات نزولاً في تحريم الخمر هي قولُه تعالى: {وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} [النَّحل: 67]، والثَّانية قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة: 219]، فقال قوم: نشربُها لما فيها من المنافع، وامتنع بعض النَّاس عنها، حتى قام أحد المسلمين يصلِّي فخلط في صلاته وأخطأ، وقد اشمأزت نفوس كثيرة من الخمر إثْر هذا الموقف، خصوصًا بعدما أنزل الله - عزَّ وجلَّ - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] ثم كاد شرر الخصومة أن يتفاقم بين المسلمين بسبب احتسائهم الخمر، وهنا دعا عمر بن الخطاب ربه قائلاً: "اللهُمَّ بيِّن في الخمر بيانًا شافيًا"، فنزل الحكم النهائي في المرحلة الرابعة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَة وَالْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 90 – 91]، وعندئذٍ قالوا: انتهيْنا ربَّنا. فقد اتبع الإسلام العظيم سياسة التدرُّج في التحريم وذلك لولع القوم بها، وهناك أسباب أخرى ساعدت في هذا التجافي والبغض للخمر، من أعظمها العقيدة التي يحتويها الإنسان في قلبه، وطهارة المجتمع الإسلامي الأول من التجاهر بالمعاصي، والحرص على طاعة الرحمن ومخالفة الشيطان. نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يَحفظنا والمسلمين من هذا البلاء، والحمد لله في بدْءٍ وفي ختم. /الكاتب: الشيخ حسين شعبان وهدان
=======
حديث: ثمن الخمر ومهر البغي والكونة منذ 2023-01-23 «ثمنُ الخمْرِ حرامٌ ، و مَهْرُ البغِيِّ حرامٌ ، و ثمَنُ الكلْبِ حرامٌ ، و الكَوْبةُ حرامٌ ، و إنْ أتاكَ صاحِبُ الكلْبِ يَلتَمِسُ ثمنَهُ فامْلأْ يديْهِ تُرابًا ، و الخمرُ و الميْسِرُ حرامٌ ، و كلُّ مُسكِرٍ حرامٌ » الحديث: «ثمنُ الخمْرِ حرامٌ ، و مَهْرُ البغِيِّ حرامٌ ، و ثمَنُ الكلْبِ حرامٌ ، و الكَوْبةُ حرامٌ ، و إنْ أتاكَ صاحِبُ الكلْبِ يَلتَمِسُ ثمنَهُ فامْلأْ يديْهِ تُرابًا ، و الخمرُ و الميْسِرُ حرامٌ ، و كلُّ مُسكِرٍ حرامٌ » [الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع ] [الصفحة أو الرقم: 3076 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ] [التخريج : أخرجه أبو داود (3482)، وأحمد (3345) مختصراً، والطبراني (12/102) (12601) واللفظ له. ] الشرح: أحلَّ اللهُ لعِبادِهِ الطَّيِّباتِ، وحرَّمَ عليهِمُ الخَبائِثَ مِن كُلِّ شَيءٍ، وفي كُلِّ شَيءٍ؛ مِنَ المَطْعَمِ والمَشْرَبِ، والمَكْسَبِ والتِّجارَةِ، وغيرِ ذلك، كما حَثَّ الشَّرْعُ الكريمُ المُسلِمَ على أنْ يكونَ كَريمَ النَّفْسِ مُتَرفِّعًا عَنِ الدَّنايا. وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ثمَنُ الخمْرِ حرامٌ"، وثمَنُها: كلُّ ما يُؤخَذُ مِن مالٍ على بَيعِها، وهو حرامٌ؛ لأنَّ اللهَ حرَّمَ شُربَ الخمْرِ، "ومَهْرُ البَغِيِّ حرامٌ"، أي: ما تأْخُذُهُ الزَّانيةُ مِن مالٍ مُقابِلَ زِناها، وهو مُحَرَّمٌ؛ لأنَّ الزِّنا حرامٌ، وما أُخِذَ عليه مِن مالٍ فهو حَرامٌ، "وثمَنُ الكلْبِ حَرامٌ"، والمُرادُ: ثَمَنُ بَيْعِه أو شِرائِه، وما اكتُسِبَ مِن ذلك فهو مالٌ غيرُ طَيِّبٍ؛ فالكلْبُ مَنْهِيٌّ عَنِ اقْتِنائِه وتَربيتِه، إلَّا كلْبَ الحِراسةِ وكَلْبَ الصَّيدِ المُعلَّمَ، وهذا الحُكمُ بحُرمةِ ثَمنِه قيل: إنَّه مُطلَقٌ وعامٌّ؛ فيَشمَلُ أخْذَ ثمَنِ أيِّ كَلبٍ سَواءٌ كان ممَّا يَجوزُ اقتِناؤُه، أو ممَّا لا يَجوزُ اقتناؤُه. وقيل: يُستثنَى مِن ذلك كَلبُ الحِراسةِ والصَّيدِ؛ لأنَّه ذو مَنفَعةٍ كما في روايةِ التِّرمذيِّ: "إلَّا كَلْبَ الصيدِ"، "والكُوبةُ حرامٌ"، وهي الطَّبلُ، "وإنْ أتاكَ صاحبُ الكلْبِ يَلتمِسُ ثمَنَهُ فامْلأْ يدَيْه تُرابًا"، وهذا كِنايةٌ عن خَيبتِه وعدَمِ استحقاقِه لِثَمنِ الكلْبِ، "والخمْرُ والمَيسِرُ حرامٌ" والمَيسِرُ: هو المُقامَرةُ واللَّعبُ على النَّقدِ والأموالِ، "وكلُّ مُسكِرٍ حرامٌ"، أي: وكلُّ ما يُسبِّبُ إسكارًا للعقْلِ فهو حرامٌ، وليس التَّحريمُ واقعًا على نَوعٍ بعَينِه، بلْ يقَعُ على كلِّ ما تَحوَّلَ إلى مُسكِرٍ. وفي الحديثِ: النَّهيُ عن الدَّنايا، وعن تناوُلِ كلِّ أنواعِ المُسْكِراتِ. الدرر السنية 
اقتناء الكلاب والقطط في ضوء الشرع 

 وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وقال ابن عمر: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب إلا كلب الصيد، أو كلب غنم أو ماشية، وقال عبد الله بن مغفل: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال: (ما بالهم وبال الكلاب؟) ثم رخص في كلب الصيد، وكلب الغنم. {بسم الله الرحمن الرحيم } بيع الكلاب ذهب الشافعية والحنابلة والمالكية إلى عدم جواز بيع الكلاب، لما ورد من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، وثبت ذلك صحيحًا في حديث مسلم، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، " «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» ". وذهب الحنفية إلى جواز بيع الكلب مطلقًا؛ لأنه مال منتفع به حقيقة. وذهب ابن نافع وابن كنانة وسحنون من المالكية إلى جواز بيع الكلب المأذون في اتخاذه، مثل كلب الماشية والصيد. وهذا هو الراجح. وعلى هذا فلا حرج في تربية الكلاب والاتجار فيها ما دامت لا تستخدم إلا للغرض المأذون فيه شرعا وهو الصيد والحراسة. وفي الأحاديث دليل على أنه يجوز اقتناء كلب بغرض الصيد أوكلب الماشية، والاقتناء لا يكون إلا بالاشتراء، ففيه دليل على جواز بيع كلب الماشية والصيد، ويجوز بيعه لمّا جاز الانتفاع بها. قال النووي رحمه الله تعالى[شافعي]: "وأما النهي عن ثمن الكلب، وكونه من شر الكسب، وكونه خبيثا: فيدل على تحريم بيعه، وأنه لا يصح بيعه، ولا يحل ثمنه، ولا قيمة على متلفه، سواء كان معلما أم لا، وسواء كان مما يجوز اقتناؤه أم لا، وبهذا قال جماهير العلماء منهم أبو هريرة والحسن البصري وربيعة والأوزاعى والحكم وحماد والشافعى وأحمد وداود وابن المنذر وغيرهم". وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وقال ابن عمر: « أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب إلا كلب الصيد، أو كلب غنم أو ماشية، وقال عبد الله بن مغفل: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال: (ما بالهم وبال الكلاب؟) ثم رخص في كلب الصيد، وكلب الغنم.» والحديثان في «الصحيح» فدل على أن الرخصة في كلب الصيد وكلب الغنم وقعت بعد الأمر بقتل الكلاب، فالكلب الذي أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اقتنائه: هو الذي حرم ثمنه، وأخبر أنه خبيث، دون الكلب الذي أمر بقتله، فإن المأمور بقتله غير مستبقى حتى تحتاج الأمة إلى بيان حكم ثمنه، ولم تجر العادة ببيعه وشرائه، بخلاف الكلب المأذون في اقتنائه، فإن الحاجة داعية إلى بيان حكم ثمنه، أولى من حاجتهم إلى بيان ما لم تجر عادتهم ببيعه، بل قد أمروا بقتله . ومما يبين هذا أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الأربعة التي تبذل فيها الأموال عادة؛ لحرص النفوس عليها، وهي ما تأخذه الزانية والكاهن والحجام وبائع الكلب، فكيف يحمل هذا على كلب لم تجر العادة ببيعه، وتخرج منه الكلاب التي إنما جرت العادة ببيعها، هذا من الممتنع البيّن امتناعه؟! " . وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: "لا يجوز بيع الكلاب، ولا يحل ثمنها، سواء كانت كلاب حراسة أو صيد أو غير ذلك؛ لما روى أبو مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن. متفق على صحته" . روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: " «حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ» ". وروى الإمام أحمد عَنْ جَابِرٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ، فَقَالَ: (اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ) » صححه الألباني في "الصحيحة" والناضح: هو البعير الذي يُستعمل لسقاية الزرع . فاختلف الفقهاء في كسب الحجام على أقوال، أرجحها أنه مباح، وإنما كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك للحر: تنزيها، لدناءة هذه الصناعة . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " حَالُ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لَيْسَتْ كَحَالِ الْمُسْتَغْنِي عَنْهُ، كَمَا قَالَ السَّلَفُ: كَسْبٌ فِيهِ بَعْضُ الدَّنَاءَةِ: خَيْرٌ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ". روى مسلم عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( «شَرُّ الْكَسْبِ مَهْرُ الْبَغِيِّ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ» ). فحيث كان كسب الحجام مباحا، فلماذا قرن بينه وبين مهر البغي وثمن الكلب وهما محرمان؟ فالجواب: أن هذا من باب استعمال المشترك في أكثر من معنى، في سياق واحد، لإرادة المعنى المشترك الجامع بين هذه المعاني؛ فهناك قدر مشترك بين الكسب الدنيء، وإن كان مباحا، وبين الكسب المحرم، وهو: الخسة والدناءة التي ينبغي أن يترفع عنها كرام الناس، فأراد الشارع أن يحث المكتسب على الكسب الحلال الطيب، الذي لا خسة فيه؛ فبغّض إليه الكسب الدنيء بالجمع بينه وبين الكسب المحرم، بواقع ما يشتركان فيه . قال القرطبي رحمه الله: " لفظ (شر) من باب تعميم المشترك في مسمياته، أو من استعمالها في القدر المشترك بين الحرام والمكروه ". وقال المناوي رحمه الله: "(شَرّ الْكسْب مهر الْبَغي وَثمن الْكَلْب وَكسب الْحجام) الأولان حرامان وَالثَّالِث مَكْرُوه، فَهُوَ من تَعْمِيم الْمُشْتَرك فِي مسمياته". وقال الخطابي رحمه الله: " قد يجمع الكلام بين القرائن في اللفظ، ويفرق بينهما في المعنى بالأغراض والمقاصد ". فمقصود الشارع: التنبيه على خبث الكسب نفسه؛ فقرنه بالمحرم الخبيث، لينفر منه الكاسب، ومثله قوله في الرواية الأخرى (كسب الحجام خبيث)، قال ابن القيم رحمه الله: " فَخُبْثُ أَجْرِ الْحَجَّامِ مِنْ جِنْسِ خُبْثِ أَكْلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ، لَكِنَّ هَذَا خَبِيثُ الرَّائِحَةِ، وَهَذَا خَبِيثٌ لِكَسْبِهِ". د/ خالد سعد النجار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج1وج2.كتاب : الأذكياء لابن الجوزي

  كتاب : الأذكياء لابن الجوزي بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤلف الحمد لله الذي أحلنا محلة الفهم وحلانا حلية العلم وملكنا عقال العق...