الحديث النبوي والقرآن الكريم
* للحديث النَّبوي مع القرآن الكريم وظيفتان رئيستان:
الأولى: هي الإعلام ببعض التَّشريعات التي لم يرد النَّص عليها في القرآن، والتي يتمُّ بها التَّشريع، ويتكاملُ بها الإسلام.
= والثانية: هي تيسيرُ فهم القرآن ببيان آياته، وتوضيح غاياته، وتحديد مفاهيمه، وتفسير أحكامه. فأمَّا أنَّ للحديث النَّبوي دوره في الإعلام ببعض التَّشريعات، وفى إتمام الرِّسالة الإسلاميَّة؛ فلأن الحديثَ النَّبوي الذي يبلغ به التشريع، أو يستكمل به الدين موحى به من قبل الله - عزَّ وجل - ولهذا قال تعالى عمَّا يتحدث به النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - في هذا المجال: {﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النَّجم: 3، 4].
كما قال - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((ألاَ إنِّي أوتيت الكتاب ومثله معه))؛ رواه أبو داود، والتِّرمذي بإسناد حسن، والمماثل للقرآن هو السُّنة التي أوحى بها الله، وبلَّغها لنا صلَّى الله عليه وسَلَّم بحديثه القولي، وتطبيقه العملي، وسُلُوكه الرائد، وهي المُشار إليها بالحكمة فى قوله - تعالى -: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ﴾ [البقرة: 231].
= 💥 ومماثلة السنة للقرآن في أمرين: الأول: كونها وحيًا كالقرآن.
💥 والثاني: كونها أمرًا واجب الاتِّباع كالقرآن. وحين يحدِّث النَّبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - بتشريع، أيْ: بتحليلٍ أو تحريم أو إباحة مثلاً لأمرٍ لم يرد في القرآن الكريم، فُهِمَ حينئذ عمَّن جاء التَّشريع، وهو الله - عزَّ وجلَّ - لأنَّ النَّبي مُبلغ وليس مشرعًا؛ إذ التشريع مقتضى الألوهيَّة والرُّبوبيَّة؛ فالمشرع هو الله وحده. ولقد قال تعالى: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48]، وبهذا أو ذاك أبان سبحانه أنَّ المُشرع في الأصول والعقائد، وفي الفُرُوع والأحكام، إنَّما هو الله وحده؛ إذًا فالوظيفة الأساسيَّة الأولى للرسول إنَّما هي البلاغ، والإعلام بالأحكام والتَّشريعات عن الله - عزَّ وجل - وهذا أمر يتجلَّى حتى في حال حُكمِه - عليه السلام - بين الناس. إنَّه لا يحكم برأيه الشخصي، إنَّما يحكمُ بما أنزل الله عليه، وبِما يُلهمه الله إياه؛ وذلك ما ينبئ عنه قوله - تعالى -: ﴿ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ ﴾ [المائدة: 49]، وقوله - تعالى -: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ﴾ [النساء: 105].
💥 أمَّا الوظيفة الأساسيَّة الثانية للرسول - صلَّى الله عليه وسَلَّم - هي البيان والتَّفسير للقرآن الكريم؛ فذلك ما يُنبئ عنه قوله - تعالى -: ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 44]؛ حتَّى لا تُؤخذ الآيات القرآنية مأخذَ الكلام البشري فيما يتعلَّق بتحديد المُراد منها، وتفصيل الحُكم فيها بعد أن تكفَّل الله ببيان وحيه، بقوله - سبحانه -:{﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 19].
💥 وحقًّا لقد أُنزل القُرآن بلسان عربي مبين، بيد أنَّه لا يكفي لبيان سُوره وآياته أنْ يكون المرء مُطَّلعًا على عُلُوم اللُّغة، فاقهًا لأسرارها؛ فقد يكون للكلمة معنى مُحدد في اللُّغة، لكنَّ مراد الله بها غير ما يتبادر إلى الذِّهن بحَسَب اللغة. وقد يكون معنى الكلمة مُتعلِّقًا بأمر غيبي: كسدرة المُنتهى، والكوثر، وعرض آل فرعون على النَّار غُدوًّا وعَشيًّا. وقد يكون الأمر في بعض الآيات مُحتملاً لعدة احتمالات، غير أنَّ احتمالاً واحدًا هو الذي يتعلق به الحُكم في الآية، فأنَّى لبشر أنْ يعين هذا الاحتمال، أو يحكم بأنَّ هذا هو المراد ولا شيء سواه، مهما كان تمكُّنه في اللُّغة، أو اقتداره على فهم أساليبه؟! هذا فضلاً عمَّا يتعلق ببيان القُرآن في الأحكام التشريعيَّة، والأعمال السلوكيَّة، من تفصيل المجمل في مثل الصَّلاة والزَّكاة والحج، وتقييد المُطلق في مثل حدِّ السارق، وتخصيص العام في مثل قوله – تعالى -: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]، مما لا يتسنَّى للاجتهاد البشري - مهما كان - أنْ يصول فيه أو يجول.
الأدلة على ذلك:
ويَحسن بنا أن نتدارس مجموعتين من الأحاديث النَّبوية:
=💥 أولاهما تتعلق بتشريع أمور لم يرد النَّص عليها في القُرآن الكريم،
💥 وثانيتهما تتعلق ببيان أمور يتوقَّف البيان فيها على إعلامٍ من الله عز وجل. المجموعة الأولى: من صحيح مسلم عن تشريع الرَّسول لأُمُور لم ترد في القرآن
1- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((لا يجمع بين المرأة وعمَّتها، ولا بين المرأة وخالتها))، وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((لا تنكح العمَّة على بنت الأخ، ولا ابنة الأخت على الخالة)).
2- عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((لا يَنْكِح المُحرِم، ولا يُنكِح، ولا يَخطب)).
3- عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((المؤمن أخو المؤمن، فلا يحل للمؤمن أن يَبْتاع على بيع أخيه، ولا يَخطُب على خِطبة أخيه حتَّى يذر)).
4- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "كنت عند النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - فأتاه رجل فأخبره أنَّه تزوج امرأة من الأنصار؛ فقال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((أنَظَرت إليها؟))؛ قال: لا، قال: ((فاذْهب فانظر إليها، فإنَّ في أعين الأنصار شيئًا)).
5- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - قال: ((إذا أفلس الرجلُ، فوجد الرجلُ عنده سلعتَه بعينها فهو أحقُّ بها)). فماذا تُعطينا هذه الأحاديث من تشريعات وأحكام؟ إنَّها تعطينا الأحكام التَّشريعية التالية:
1- تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، أو بين المرأة وخالتها في عصمة واحدة، أو كما استنبط الفُقهاء وقالوا: بين كلِّ اثنتين لو قدَّرْتَ إحداهما ذكرًا والأخرى أنثى لم يَجُز.
2- على المحرم بحج أو عمرة أن يعتبر نفسه في عبادة، يَحرُم عليه أن يأتي بما يُنافيها، وعقد النِّكاح، وخِطبة المرأة من الأمور التي تتنافى مع الحج والعمرة، زمن الإحرام بهما، ومن هُنا نهى عنهما النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - وسواء أكان عقد النِّكاح من المُحرم نفسه، أم كان منه لغيره فكلاهما غيرُ جائز وقتئذ.
3- إذا اتَّفق اثنان على إتْمام صفقة تِجارية بينهما، فلا يحل لثالث أنْ يزيد في الثَّمن؛ إغراء للبائع حتَّى يبطل اتفاقه مع الأول. وكذلك إذا خطب خاطب فتاة، ومال إليه آلُها، ووافقت ووافقوا، لا يحلُّ لمسلم أن يأتي أهلَ المرأة ليخطب فتاتهم على خِطبتها لأخيه المسلم، ذاكرًا لهم من المزايا والإغراءات ما يَجعلهم يَصْدُفون عن الأول؛ ليُتِمُّوا زواجها به هو. وذلك لأنَّ البيع على البيع، والخِطبة على الخطبة، يُوغر الصدور بالعداوة والبغضاء، يُوري زناد الصِّراع بين أفراد المجتمع، أولئك الذين تجمع بينهم أُخُوة الإسلام ومودته؛ كما تجمع بينهم مُثُله ومبادئه التي تفرض على كلٍّ منهم أن يعامل النَّاس بما يحب أن يعاملوه، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، وأن يكره لهم ما يكره لها.
4- تجويز رؤية المرأة التي أوقع الله في قلب المرء خِطبتها؛ وذلك لأن الزَّواج اتفاق أبدي، فحتَّى يكون على بيِّنة من تلك التي يُريد أنْ يقترن بها، أباح النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - له أن يراها.
5- إذا اشترى رجلٌ سلعة من آخر على أنْ يُؤدي له ثَمنها إذا باعها فلم يبعْها وأفلس، وطالبه البائع بثمن السِّلعة فلم يستطع المُشتري دفع الثَّمن غيْر أنَّ البائع وجد سلعته بعينها عند المُشتري، حينئذ يكون البائع أحقَّ بها؛ لأنَّه صاحبها. وهذه الأحكام التشريعيَّة الخمسة لم ترد في القُرآن الكريم، وإنَّما وردت أحكام موضوعاتها وتشريعات أصولها؛ فقد ورد في سورة النِّساء حديث تفصيليٌّ عن المُحرمات على المرء في الزَّواج من النَّسب ومن الرَّضاع، كما جاء تحريم الجمع بين الأختين... إلخ. بيدَ أن تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها لم يَردْ به نصٌّ قرآني، إلا أن السنة أكملت موضوع تحريم المحرَّمات، وقامت هنا بدور رئيس في إتْمام الرسالة الإسلاميَّة فيما يتعلق بتنظيم أمر الزَّواج. وقل مثل ذلك فيما يتعلَّق بنكاح المُحرم وخطبته؛ ففي سورة البقرة عند قوله – تعالى -: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 196] أحكام كثيرة عن الحَجِّ والعمرة، لكنَّها لم تستوعب، وتَرَكت هذه المهمة للسنة النبوية، ومن ذلك هذا المثال الذي مثَّلنا به من نكاح المحرم وخطبته. وفي القرآن حديث عن المبادئ العامة التي تتعلق بالبيع والشِّراء، وبعض الأحكام الخاصة بالتِّجارة كقوله – تعالى -: {﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275]، وقوله – سبحانه -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ﴾ [النساء: 29]، وقوله – سبحانه -: ﴿ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ﴾ [الشعراء: 181، 182]، وغير ذلك. بيد أنَّ القُرآن لم يتحدَّث مثلاً عن تحريم البيع على البيع، ولا عن أحكام التَّفليس، كما لم يتحدَّث عن كثير من الأحكام المُتعلقة بالبيع والشِّراء، ومع ذلك لم يتركِ الله الأمَّة دون أن يكمل لها المنهج الإسلامي في الاقتصاد وما يرتبط به، وذلك في السنة النَّبوية التي تصدر مع القرآن من نبع واحد، ومشكاة واحدة هي مشكاة الوحي الإلهي. إنَّ روعة الإسلام تكمن في أن كلََّّ موضوع فيه موضوع متكامل؛ وذلك من خلال القرآن والسنة معًا. لَئنْ قَصَد القُرآن إلى التَّيسير على الأمَّة، والإجمال في أكثر القضايا التي تعرضُ لها - فلقد كان من مَهام السنة النَّبوية أن تستقرئ الجزئيات الباقية في عناصر الموضوع المعيَّن؛ لتدلَّ الناس على حُكم الله فيها، وبذلك يكون المنهج الإسلامي في الموضوع الواحد قد استوعب ما يصلح شأن الأفراد والجماعات دون أن تندَّ عنه جزئية أو يفوته عنصر. ثم إنَّ المنهج الإسلامي لم يُعنَ بموضوع إنسانِيٍّ دون موضوع، ولم يلتفت إلى جانب ليذر بقيَّة الجوانب؛ إنَّ الإنسان في المنظور الإسلامي مادة وروح، عقل وجسد، فكر ووجدان، وقد جاء المنهج الإسلامي الأقوم ملبِّيًا حاجة الإنسان في جوانبه هذه جميعًا، مع مراعاة الاتزان والاتساق فيما بينهما؛ حيثُ لا يطْغَى جانب فيها على جانب آخر، ومن هنا تناول موضوع العقيدة كما تناول موضوع الشريعة، وتناول موضوع تنمية الجسد كما تناول موضوع تنمية الروح، وتناول موضوع العقل كما تناول موضوع الوجدان، وشملت الهداية الإسلاميَّة للإنسان ما يتعلق بالأخلاق والعلاقات السياسيَّة، والاقتصادية والاجتماعيَّة والدولية، إلى جانب ما يتعلق بالعقيدة والعبادة. وكان دور السنة في هذه الجوانب جميعًا هو دور المستكمل للمنهج، المستوعب للجزئيَّات الذي يُتمِّم مع القرآن الإسلام الذي ارتضاه الله للإنسانيَّة دينًا ومنهجًا. كما كان للسنة النَّبوية دور آخر يُمكن إجماله في بيان القرآن وتفسيره، ولنوافِك الآن بالمجموعة الحديثيَّة الثانية التي تُوضح لك هذه النُّقطة؛ لترى إلى أيِّ مدى نتوقف في فهم القرآن على الحديث النَّبوي. المجموعة الثانية: من صحيح البخاري: أحاديث يتوقف تفسير القرآن على العلم بها
1- عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - قال: ((لا تقومُ الساعة حتَّى تطلع الشَّمس من مغربها، فإذا رآها النَّاس آمن من عليها، فذاك حين لا ينفع نفسًا إيمانُها لم تكن آمنت من قبل))، وفي رواية: ((لا تقومُ السَّاعة حتى تطلعَ الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفعُ نفسًا إيمانُها))؛ ثُم قرأ الآية: ﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ﴾ [الأنعام: 158].
2- عن أبي سعيد بن المعلى: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسَلَّم - قال: ((الحمد لله رب العالمين: هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته)).
3- عن عبد الله بن عمر: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - قال: ((مِفتاح الغيب خمس: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 34]. ومن صحيح مسلم:
4- عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة - رضي الله عنهما - عن النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - قال: ((يُنادي منادٍ: إنَّ لكم أن تصِحُّوا فلا تسقموا أبدًا، وإنَّ لكم أن تَحْيَوا فلا تَموتوا أبدًا، وإنَّ لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإنَّ لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا؛ فذلك قولُه - عزَّ وجل -: ﴿ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 43])).
كيف كان يُمكن للنبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - فضلاً عن أيِّ بشر أنْ يُحيط به لو لم يأتِ الخبر به عن الله - عز وجل؟
كيف يُمكن لنا أن نحدد أنَّ المراد ببعض آيات الله في قوله - تعالى -: ﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ﴾ [الأنعام: 158]، هو طلوع الشمس، وليس أي آية أخرى من آيات الله - عزَّ وجلَّ - تلك الآية التي إذا ظهرت أوصد باب التَّوبة، فلا تُقبل توبة من لم يَتُب من قبل، ولا إيمان من لم يُؤمن من قبل. كيف يتسَنَّى العلم بذلك إلا أن يكون عن الله - عزَّ وجل - يوحيه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيبلغه لنا النبي بكل أمانة وصدق؟ وآية سورة الحجر: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر: 87]، مَنِ الذي يُحدد مُراد الله منها سواه سبحانه؟ ومن الذي يُخبرنا بهذا المُراد سوى من أوحى الله إليه بيانه؟ كذلك ما يتعلَّق بالغيب وبالجنَّة وما أعد الله فيها للطائعين، وبالنار وما أعد فيها للكافرين، ولا سبيل إلى العلم بشيء منه إلا عن طريق الوحي، يبلغه مثل هذا الحديث الذي بيَّن فيه النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - ما بيَّن عن هذا الآية الكريمة: ﴿ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 43]. تلك بعض الشواهد والمثل عن دور السُّنة في إكمال التَّشريع الإلهي، وإتْمام الرِّسالة الإسلاميَّة، وبيان القرآن وتفسيره. ومن أراد أن يستزيد فليتصفح كُتب السُّنة النبوية، وليدرسْها دراسة موضوعيَّة مع القرآن الكريم؛ فسيقف على الكثير مما يبهره ويعجبه، سيعرف أكثر وأكثر: لماذا أوْلَى الله السُّنة النبوية من المنزلة والمكانة ما لم يُوله لأيِّ كلام آخر؟ وسيعرف كذلك: أنَّه لا غناء عن السُّنة مع القرآن الكريم لكلِّ من يُريد أن يتعرف على الإسلام، ويطبق مَنهجه؛ ليعزَّ به في الدنيا ويسعد به في الآخرة. ===========
علل الحديث للإمام الحافظ أبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي (PDF) أ. د. محمد بن تركي التركي مقالات متعلقة تاريخ الإضافة:
لتحميل كتاب علل الحديث لابن أبي حاتم من روابط الاتية
15/3/2009 ميلادي - 19/3/1430 هجري
علل الحديث للإمام الحافظ أبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي معلومات الرسالة العنوان علل الحديث (للإمام الحافظ أبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت327هـ) ) النوع بحث لنيل درجة الدكتوراه الباحث محمد بن تركي بن سليمان التركي الجامعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الكلية كلية أصول الدين التخصُّص السنة وعلومها البلد المملكة العربية السعودية المشرف فضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبدالكريم السنة 1418هـ ==========
============= = الجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث (1) قال الذهبيُّ في تذكرة الحفَّاظ: "فحقٌّ على المحدِّثِ أن يَتورَّعَ في ما يُؤديهِ، وأن يَسألَ أهلَ المعرفةِ والورعِ؛ ليعينوه على إيضاحِ مَرويَّاتهِ، ولا سَبيلَ إلى أن يصيرَ العَارِفُ الذي يُزَكِّي نَقَلةَ الأخبارِ ويَجرحهم جهبذًا إلاَّ بإدمانِ الطَّلبِ، والفَحْص عن هذا الشأنِ، وكَثرةِ المذاكرةِ والسَّهر، والتيقُّظ والفَهم، مع التقوى والدِّين المتين، والإنصاف والتردُّد إلى مجالسِ العلماء، والتحرِّي والإتْقان، وإلاَّ تفعل: فَدَعْ عَنْكَ الكِتَابَةَ لَسْتَ مِنْهَا وَلَوْ سَوَّدْتَ وَجْهَكَ بِالْمِدَادِ قال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [بالنحل: 43]، فإنْ آنستَ يا هذا مِن نفسك فهمًا وصدقًا ودِينًا وورعًا، وإلاَّ فلا تَتَعَنَّ، وإن غلَب عليكَ الهَوى والعصبيَّة لرأيٍ أو لمذهَب، فباللهِ لا تتعَب، وإنْ عرفتَ أنَّك مُخَلِّطٌ مُخَبّطٌ مهملٌ لحدودِ الله، فأرِحْنا منك، فبعدَ قليلٍ ينكشف البَهْرَجُ، وَيَنْكَبُ الزَغَلُ، ولا يَحيق المكرُ السيِّئُ إلا بأهلِه، فقد نصحتُك، فعِلم الحديثِ صَلفٌ؛ فأين عِلمُ الحديث، وأينَ أهلُه؟ كدتُ ألاَّ أراهم إلاَّ في كِتاب أو تحتَ تُراب". السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسمِ الله، والحمدُ لله، والصَّلاةُ والسلامُ على رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبعدُ، فبَيْن يديك الآن الشرحُ الذي لا يُوجَد في المحاضراتِ المطبوعة التي وزَّعها شيخنا د. عيد نعيمي - حفظه الله - ونصَح بكتابتها وتدوينها خَلْفَه، وذلك مقدِّمة في عِلم مصطلح الحديث. تعريف علم مصطلح الحديث: قال السيوطيُّ في ألفيته: عِلْمُ الحَدِيثِ ذُو قَوَانِينَ تُحَدّ يُدْرَى بِهَا أَحْوَالُ مَتْنٍ وَسَنَدْ فَذَانِكَ المَوْضُوعُ والمَقْصُودُ أَنْ يُعْرَفَ المَقْبُولُ وَالمَرْدُودُ علم مصطلح الحديث هو: العِلمُ بالقواعدِ والقوانين التي يُعرَف بها أحوالُ السَّند والمتن مِن حيث القَبولُ والردُّ. و معلومٌ أنَّه في بدايةِ الدِّراسة في أيِّ علم تكون هناك كلماتٌ في حاجةٍ إلى بيانٍ وتفسير، وأولُ هذه الكلمات هي (السَّند). تعريف السند: هو عبارةٌ عن سِلسلةِ الرِّجال الموصلة إلى المتْن. وكما تعلمون، فإنَّ حديث النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يأتي على صورةِ: ((حدَّثَنا فلان عن فلان أنَّ فلانًا قال: أخبرَنا فلان، قال: أنبأَنا فلان، قال: سمعتُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال كذا وكذا)). مثال: "حدَّثَنا مالكٌ عن نافع، عن ابنِ عُمرَ أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال كذا وكذا، فكما ترَى مالك ونافع وابن عمر - رضي الله عنهما - فهؤلاء هُم سلسلةُ الرِّجالِ الموصلة إلى المتن". تنبيه: درَج كثيرٌ مِن طلبةِ العِلم على تعريفِ السَّند بهذا التعريف السابِق (سلسلة الرجال الموصلة إلى المتن)، إلاَّ أنَّ هذا التعريف عليه بعضُ الانتقادات[1]. انتقادات تعريف السند بأنَّه سلسلةُ الرِّجال الموصلة للمتن: الانتقاد الأول: تعريف السَّند بأنَّه سلسلة الرِّجال، ترَك صِيَغ التحمُّل المباشرة وغير المباشرة، فعندما نقول: حدَّثَنا مالك عن نافع عن ابنِ عُمر، فهذا التعريفُ ذَكَر الرِّجال فقط (ذكر مالكًا ونافعًا وابنَ عمرَ - رضي الله عنهما) وترَك (حدَّثَنا، أنبأَنا، أخبرَنا، سمعْت، قال، عن، أنّ)، ففي علم الحديث تُسمَّى هذه الكلمات (حدَّثَنا، أنبأَنا، أخبرَنا، سمعت، قال، عن، أنّ) تُسمَّى صِيغَ التحمُّل، وهي تنقسم إلى قِسمين: صيغ التحمُّل المباشِرة صيغ التحمُّل غير المباشِرة مثل: (سمعت، حدَّثَنا، أنبأَنا، أخبَرَنا) وهي تعتمد على المواجهةِ مع الشيخ وجهًا لوجه، ولا تحتمل إلا السماعَ أو الخطأ، أو التأويل أو الكَذِب. مثل: (عن، قال، أن) وتُقبَل هذه الصِّيَغ من الثِّقات[2] غير المدلِّسين؛ أي: إنَّها محمولةٌ على السَّماع، أما الثقات المدلِّسون فلا تُحْمَل على السَّماع، إنَّما تُحْمَل على الانقطاع - على تفصيل سوف يأتي في مراتب المدلِّسين؛ أي: إنَّ الثقةَ المدلِّس أوهم (استخدم التعريض) أنَّه سمِع الحديثَ مِن الشيخ مباشرةً، وهو إنَّما سمِعه بواسطة، ثم قام بإسقاط هذه الواسِطة ورواه عن الشيخ مباشرةً، ولكن بصِيغة تحتمِل السماعَ مثل (عن، قال، أنّ) كما أنَّ صيغ التحمُّل غير المباشرة تحتمل الكذب (مِن غير الثقات)، وتحتمل الخطأَ مِن الجميع. التَعْرِيض: فمثلاً تُريد أن تحصُل على سندٍ عالٍ مِن شيخك في حديثٍ لم تسمعْه منه، ولكنَّك سمعتَه من قرينٍ لك في طلبِ العِلم، فتقوم بإسقاطِ قرينِك وتَروي الحديثَ عن شيخك مباشرةً؛ طلبًا لعلوِّ السَّند، ولكنَّك ترويه بصيغةٍ تحتمل السماعَ (صيغ التحمُّل غير المباشِرة)، وهذا يُعدُّ تدليسًا؛ لأنَّك أوهمتَ الطالب أنَّك سمعتَ الحديثَ مِن شيخك، وإنَّما سمعتَه بواسطة، ثم قُمتَ بإسقاطِ هذه الواسِطة؛ طلبًا لعلوِّ السند أو غيره مِن الأغراض الحامِلة على التدليسِ، والتي سوف تدرس في مبحث التدليس - إنْ شاء الله. في الماضي - في زمن الرِّواية - كان علوُّ السَّند شرفًا، فكلَّما اقترب الراوي مِن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بسندٍ نظيفٍ، حاز شرفًا، يقول: وصلتُ إلى النبيِّ براويين، وآخَر وصَل بثلاثة، وآخَر بخمسة، فهذا الذي وصَل بخمسةِ رُواة فيه نوعٌ من النزول؛ لأنَّك اضطررتَ أن تأخذَ عن أقرانك وتلاميذك، ولا يُعدُّ هذا عيبًا[3] ولكنَّه دنوٌّ في الهمة؛ قيل لابنِ مَعينٍ في بيتِه حين وفاته: ما تطلُب؟ قال "بيتٌ خالٍ، وسندٌ عالٍ" يُريد بيتًا خاليًا؛ ليطلبَ عِلمَ الحديث، وسندًا عاليًا؛ ليقتربَ من النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهذه كانت آخرَ أمنياته قبل موته. الاعتراض على الانتقاد: يردُّ على هذا الانتقاد الأوَّل؛ (لينتصرَ لتعريف السَّند بأنه سلسلةُ الرجال الموصلة للمتن)، فيقول: كلمة سلسلة تشمل صِيَغ التحمُّل المباشِرة وغير المباشرة؛ لأنَّ السلسلة مِن صِفتها أنَّها متشابكة، فلا يصلُح أن يأخذ رجلٌ عن رجلٍ إلاَّ إذا كانت هناك وسيلةُ اتصال بينهما، إذًا كلمة سلسلة تضمَّنت صِيَغ التحمُّل تضمنًا غيرَ مباشرٍ. الرد على الاعتراض: فيُرَدُّ على هذا الاعتراضِ بأنَّ كلمة سلسلة تَعني أنَّ الأسانيدَ متصلة أيضًا، وكثير مِن الأسانيد غير متصلة، والدَّليل على ذلك أنَّ هناك أحاديثَ ضعيفةً كثيرةً، وسببُ ضعْفِها السَّقْط في السَّند، إذًا الاعتراض على الانتقادِ مَردود، إذا ثبَت لنا الانتقاد. الانتقاد الثاني: إنَّ تعريفَ السند بأنَّه سلسلةُ الرجال أهملَ الوسائط غيرَ الرجال مِثل الوجادة[4]، حيث إنَّ التعريف ذكَر الرجال فقط، وفي عِلم الحديث يُمكن أن آخُذ الحديث "وجادة"؛ نعني: بذلك أنَّ شَيْخي قدْ ماتَ - رحمه الله - ثم ذهبتُ إلى مكتبته فوجدتُ كتابًا له، ولكنِّي لم أسمعْه منه، فأنقل عن كتاب شيخي - هذا يُسمَّى وجادة - وعندما أَتكلَّم بما وجدتُه لا أقول: حدَّثني شيخي، وإلاَّ أكون كاذبًا، وإن قلت: عن شيخي أكون مدلِّسًا؛ لماذا؟ لأنِّي أسقطتُ الواسطة بيني وبيْن شيخي، ألاَ وهو الكتاب الذي وجدته؛ (لذلك يُسمَّى هذا النَّوْع مِن طُرُق التحمُّل وجادة)، والصواب أن أقولَ: عن كتاب شَيْخي، فهذه هي الدقَّة، فعِلْم الحديث الذي بهذه الدقَّة المتناهية - مِن خصائص هذه الأمَّة. كما أنَّه لا يجوز أن نَنقُل عنِ الشرائط الصوتيَّة والفيديوهات المرئيَّة وأقول: سمعتُ عن فلان أو حدَّثني فلان، بل أقول: قال فلان في شريط الفيديو، فأكون ذكرتُ الواسطةَ التي بيْني وبيْنه؛ لاحتمالِ أن يكونَ حدَث نوعٌ من التغيير والتبديل في هذه الوسائط. كما أنَّه في عِلم الحديث لا يُؤخَذ عِلمُ عللِ الحديث مِن الصَّغير في السنِّ، بل تأخذه مِن الكبيرِ ليس في السنِّ فقط، بل الكبير في طلَب العِلم، كأن يكونَ دَرَس عِلم الحديث لخمسٍ وستِّين سَنة مثلاً (مثل الشيخ الألباني - رحمه الله)، بحيثُ يصِلُ لدرجة أنَّه مجرَّد أن يسمعَ الحديثِ يَعرِف أنَّه صحيح أم غير صحيح؛ لكثرة ممارسته للألفاظِ النبويَّة، حتى اختلط بها شحمُه ولحمُه، فمثلاً لو أعطيت نقودًا مزوَّرة لصيرفي، فسيَعرِفها بمجرَّد النَّظَر، وأمَّا إنْ أعطيتها لغير متخصِّص، فلن يعرفَ، كذلك المحدِّث الذي طال عمرُه في التحديثِ، والْتَحم شحمُه ولَحمُه بالتحديث، ويُسمَّى هذا (عِلم العِلل) عندَ الجاهل كهانةً، ولكنَّه عندَ العلماء عِلمٌ له قواعدُ وقوانين تحكمه، لكنَّها لا تُدرَك إلا بكثرةِ الممارسة، ولقدْ كان علماءُ العِلل يعلُّون بعضَ الأحاديث بقولِهم: هذا الحديث أشبهُ بحديث فلانٍ، وليس معهم في ذلك سوى كثرةِ الاطِّلاع والممارسة، حتى أصبحتْ لهم ملَكَة في ذلك[5]، فيأتي مَن لا يُحسن ويُخطِّئ هؤلاء الفحولَ؛ لمجرَّد أنَّه دَرَس خمسة أو ستة أعوام في عِلم مصطلح الحديث، فيقول: لقد أخطأ فلانٌ في هذا التعليل؛ إذ إنَّ ليس معه دليل، ولا يَدري هذا الجاهلُ المتطاول على مائدةِ العلماء أنَّ تعليل علماء العِلل للحديث هو الدليل[6]، فقولهم هو القولُ، وما سواه مردود، فهم أهلُ الصنعة، بل هم أهلُ الذِّكْر في هذا الباب، فهذا الطُّويلب يحتاج إلى أن يَتعلَّم الأدبَ قبل أن يتعلَّمَ العِلم، وكما قال العلماء: لو سَكَتَ مَن لا يَعلم، لقلَّ الخلاف، وإليك ما يُدلِّل على ذلك:[7] قال الحُسينُ بنُ الحسَنِ المروزيُّ [8]: سمعتُ عبدَالرحمن بن مهديٍّ يقول: كنتُ عندَ أبي عَوَانةَ، فحدَّث بحديثٍ عن الأعْمَش، فقلتُ: ليس هذا مِن حديثِك. قال: بلَى! قلتُ: بلى! قال: يا سلامة! هاتِ الدُّرج فأخرجتُ، فنظَر فيه، فإذا الحديث ليسَ فيه، فقال: صدقْتَ يا أبا سعيد؛ فمِن أين أُتيت؟! قلتُ: ذُوكرتَ به وأنت شابٌّ، ظننتَ أنَّك سمعتَه! وقال يحيى بن معين[9]: حضرتُ نُعيمَ بن حماد بمصر، فجعَل يقرأ كتابًا صنَّفه، فقال: حدَّثَنا ابنُ المبارك، عن ابنِ عون؛ وذكَر أحاديث. فقلتُ: ليس ذا عنِ ابن المبارَك. فغَضِب؛ وقال: تردُّ عليَّ؟! قلتُ: إي واللهِ! أريد زَيْنَك، فأبَى أن يرجع، فلمَّا رأيتُه لا يرجع، قلت: لا، واللهِ؛ ما سمعتَ هذه مِن ابنِ المبارك، ولا سَمِعها هو مِن ابنِ عون قطُّ! فغضِب، وغضِب مَن كان عندَه، وقام فدخَل؛ فأخرج صحائفَ، فجعل يقول - وهي بيدِه - أين الذين يَزْعُمون أنَّ يَحيى بن مَعينٍ ليس بأميرِ المؤمنين في الحديث؟! نعمْ! يا أبا زكريا؛ غَلِطتُ، وإنَّما روَى هذه الأحاديثَ غيرُ ابن المبارك، عنِ ابن عونٍ! وهذا حديثٌ مِن تلك التي أنكرها ابنُ معينٍ على نُعيمِ بن حمَّاد، بهذا الإسناد: قال هاشمُ بن مَرْثدٍ الطبرانيُّ[10]: قيل ليحيى بن مَعينٍ - وأنا أسمع -: حديث رواه نُعيمُ بنُ حمَّاد عنِ ابن المبارَك، عنِ ابن عون، عن محمَّد بن سِيرين، عن ابنِ عُمر، قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "إذا اغْتَلَمَتْ[11] آنيتُكُم، فاكْسِروها بالماء"؟ فقال يَحيى بنُ مَعين: قال لي نعيم: سمعتُه مِن ابن المبارَك؛ فقلت كَذِبٌ - أي: خطأ - فقال لي: اتَّق الله! فقلتُ: كذِب، والله الذي لا إله إلا هو، فذَهَب، ثم لَقِيني بعدُ، فقال: ما وجدتُ له عندي أصلاً؛ فرجَع عنه! وكان رُواة الحديث يَعرِفون شأن نقَّادِه، ويَقدرونهم قدرَهم، ويُنزلونهم منزلتَهم، فكانوا يَرجِعون إليهم ويسألونهم عنْ أحوالِ أنفسِهم وأحاديثهم، وإذا بيَّنوا لهم الخطأ رَجَعوا عنه، ولم يُحدِّثوا به بعدُ، فكلُّ راوٍ مِن الرواة كان يَعلم أنَّ نقَّاد الحديث وجهابذته أعلمُ بحديثِه: صحيحه وسَقيمِه، ومحفوظِه ومُنكَرِه، وأعلم بحاله: ثقتِه وَضْعفهِ - من نفسِه التي بين جنبيه. قال ابنُ معين [12]: قال لي إسماعيلُ بنُ عُليَّةَ يومًا: كيف حَديثي؟! قلتُ: أنت مستقيم الحديث، فقال لي: وكيف عَلمْتُم ذاك؟! قلتُ له: عارضْنا بها أحاديثَ الناس، فرأيناها مستقيمةً، فقال: الحمدُ لله، فلم يزلْ يقول: الحمد لله، ويحمَد ربَّه، حتى دخَل دار بشر بن معروفٍ - أو قال: دار البختري - وأنا معه. وقال ابنُ أبي حاتمٍ[13]: رأيتُ كتابًا كتَبه عبدُالرحمن بن عمر الأصبهانيُّ المعروف بـ "رُوسْتَه"؛ مِن أصبهان، إلى أبي زُرْعَةَ - بخطِّه -: وإني كنتُ رَويتُ عنكُم عن ابنِ مهديٍّ، عن سُفيانَ، عنِ الأعمشِ، عن أبي صالِح، عن أبي هُرَيرَةَ، عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((أبْرِدوا بالظُّهر؛ فإنَّ شِدَّة الحرِّ مِن فَيحِ جهنَّمَ))، فقلتَ: هذا غلطٌ؛ الناسُ يروونه "عن أبي سعيدٍ، عنِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم". فوقع ذلك مِن قولِك في نفْسي، فلم أكُنْ أنساه، حتى قَدِمتُ، ونظرتُ في الأصل، فإذا هو "عن أبي سعيدٍ، عنِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -"؛ فإنْ خَفَّ عليك، فأعْلِمْ أبا حاتم - عافاه الله - ومَن سألك مِن أصحابنا؛ فإنَّك في ذلك مأجور - إنْ شاء الله - والعار خيرٌ مِن النار. ولهذا كان أئمَّة الحديث يُجرِّحون الرَّاوي الذي لا يُبالي بنقدِ النقَّاد، ولا يَرجِع عن خطئِه الذي بيَّنه له أهلُ العلم، ويُقيم على رِوايته آنفًا مِن الرُّجوعِ عنه. قيل للإمام شُعبةَ بنِ الحَجَّاج[14]: مَنِ الذي يُترَك الرواية عنه؟ قال: إذا تمادَى في غلطٍ مُجمَع عليه، ولم يتَّهمْ نفسَه عندَ اجتماعهم على خلافِه، أو رجلٌ يُتَّهم بالكذِب. وقال حمزةُ بنُ يوسفَ السهميُّ[15]: سألتُ أبا الحسنِ الدارقطنيَّ؛ عمَّن يكون كثيرَ الخطأ، قال: إنْ نَبَّهوه عليه ورجَع عنه، فلا يَسقُط، وإنْ لم يرجعْ، سَقَط. وقال ابنُ معين[16]: "ما رأيتُ على رجلٍ خطأً إلاَّ سترتُه، وأحببتُ أن أزيِّن أمرَه، وما أسْتقبِل رجلاً في وجهِه بأمرٍ يَكرهُه، ولكن أُبيِّن له خطأَه فيما بَيْني وبيْنه، فإنْ قَبِل ذلك؛ وإلاَّ تركتُه". والترك هنا بمعناه الاصطلاحي، كما تَقدَّم عن شُعبةَ؛ أي: يترك الروايةَ عنه، لا أن يتركَه وحالَه، يَرْوي ما يُريد ويحدِّث بما يشاءُ مِن غير أن يبيِّن خطأَه للناس، هذا لا يُظَنُّ بابنِ مَعينٍ، ولا بغيرِه مِن أئمَّة الدِّين. قيل لابن خُزيمةَ [17]: لِمَ رويتَ عن أحمدَ بنِ عبدالرحمن بن وَهْب، وتركتَ سفيانَ بنَ وكيع؟ فقال: لأنَّ أحمد بن عبدالرحمن لمَّا أنْكروا عليه تلك الأحاديثَ، رجَع عنها عن آخِرِها، إلاَّ حديثَ مالك، عنِ الزُّهريِّ، عن أنس: "إذا حضَر العشاءُ"؛ فإنَّه ذَكَر أنَّه وجَدَه في درجٍ مِن كتُب عمِّه في قِرطاس [18]، وأمَّا سفيانُ بن وكيعٍ، فإنَّ ورَّاقه أدْخَل عليه أحاديثَ، فرواها، وكلَّمناه، فلم يرجِعْ عنها، فاستخرتُ الله وتركتُ الرِّواية عنه. ومَع ما حبَاهم الله - عزَّ وجلَّ - به مِن سَعة في الحِفظ، ودقَّة في النَّقْد، وصحَّة في النظَر، وقوَّة في البَحث، وصِدق في الرأي؛ ما كانوا يتفرَّدون بالقول، ولا يَستقلُّون بالحُكم، بل كانوا يَرجِعون إلى مَن هم أعلمُ منهم، ويَسألون مَن تَقدَّمهم، ويَستشيرون مَن رُزِق الذي رُزِقوا؛ أهل العِلم والحِفظ والفَهم. يقول الإمامُ مسلم - عليه رحمة الله - [19]: "عرضتُ كتابي هذا المسنَد على أبي زُرعةَ الرازيِّ، فكلُّ ما أشار أنَّ له عِلة، تركتُه، وكل ما قال: إنَّه صحيح وليس به عِلَّة، أخرجتُه". وقصَّتُهُ مع الإمامِ البخاري حين جاءَه يسأله عن عِلَّة حديثِ كفَّارة المجلِس، فيها من العِبرة لمن بعدَه، ما لا يوجَد في غيرِها، قال أبو حامدٍ الأعمشُ الحافظُ، وهو أحمد بن حمدون[20]: كنَّا عندَ محمَّد بن إسماعيل البخاريِّ بنيسابور، فجاء مسلمُ بن الحَجَّاج، فسألَه عن حديث: عُبيدالله بنِ عمرَ، عن أبي الزُّبَير، عن جابر: بعثَنا رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في سَرِيَّة، ومعنا أبو عُبيدَةَ - فساقَ الحديثَ بطوله، فقال محمدُ بنُ إسماعيل: حدَّثَنا ابنُ أبي أويس، حدَّثَني أخِي أبو بكر، عن سليمانَ بنِ بلال، عن عُبيدِالله، عن أبي الزُّبَير، عن جابرٍ - القصة بطولِها، فقرأ عليه إنسان: حديث حجَّاج بن محمَّد، عن ابنِ جُرَيج، عن موسى بن عُقبةَ: حدَّثَني سُهيلُ بن أبي صالِح، عن أبي هُرَيرَةَ عنِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: "كفَّارة المجلِس واللغو" ... الحديث، فقال مسلمٌ: في الدُّنيا أحسنُ مِن هذا الحديث! ابن جريج، عن موسى بنِ عُقبةَ، عن سُهيل! يُعرَف بهذا الإسنادِ حديثٌ في الدُّنيا؟! فقال محمَّد بن إسماعيل: إلاَّ أنَّه معلول! قال مسلمٌ: لا إلهَ إلا الله - وارتعَد - أخبِرني به؟!! قال: استُر ما ستَر الله! هذا حديثٌ جليل؛ رَوَى عن حَجَّاجِ بن محمَّد الخَلْقُ، عن ابنِ جريج! فألحَّ عليه، وقَبَّل رأسه، وكاد أن يَبكي! فقال: اكْتُبْ، إنْ كان ولا بدَّ: حدَّثني موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثَنا وُهَيْب، حدَّثَنا موسى بن عُقبةَ، عن عونِ بن عبدِالله، قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كفَّارة المجلِس))، فقال مسلمٌ: لا يُبغِضك إلا حاسدٌ، وأشهَد أنْ ليس في الدُّنيا مِثلُك! وفي روايةٍ: جاءَ مسلمُ بن الحجَّاج إلى محمَّد بنِ إسماعيلَ البخاريِّ، فقَبَّل بين عينيه، وقال: دَعْني حتى أُقَبِّل رِجليك، يا أُستاذ الأُسْتَاذين، ويا سيِّد المحدثين، ويا طبيب الحديث في عِلله. التعريفُ الصَّحيح للسَّند هو: قال ابنُ جماعة في "المنهل الرَّوي": السَّند هو حِكاية طريقِ المتْن أو الإخبار عن طريقِ المتْن، والسَّنَد والإسناد والطَّريق سواءٌ عندَ المُحدِّثين، ولماذا يعدُّ هذا التعريف تعريفًا صحيحًا؟ لأني سأذكُر أنَّ فلانًا حصَل على الحديثِ وجادة مثلاً؛ أي: إذا قلت: حكاية طريق المتْن، فلمْ تتركْ شيئًا، بل ستَحكِي جميع ما حدَث في السَّنَد - مثلاً تقول: حدَّثَني فلان وضحِك، حدَّثني فلان وهو آخِذ بلحيته، وهكذا، فهذا التعريفُ على الرغم أنَّه مجملٌ إلا أنَّه شامل. تعريف المتن: ما انتهَى إليه السَّند مِن الكلام؛ أي: الكلام الذي يُذكَر بعدَ سِلسلة الرِّجال، هو قولُ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أو قول الصَّحابي. الخـبـر يَنقسِم الخبر إلى حديثٍ وأثَر، فالخبر أعمُّ مِن الحديثِ والأثَر، وكلُّ حديثٍ خبَرٌ، وكل أثَرٍ خبرٌ. الحديث الأثَر إذا أُطلِق لفظُ حديث، ذَهَب مباشرة إلى ما قالَه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِثل: جاءَ في الحديث: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّات))، فإنْ لم تكُن حافظًا للحديثِ، فستفهم أنَّه مِن كلام النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأنَّ كلمةَ (حديث) ألِفناها أنَّها تدلُّ على كلامِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقدْ يأتي مع غيرِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مقيَّدًا، مثال: قول القائل: وجاءَ في الحديثِ عن عثمانَ - رضي الله عنه -: "إنَّ الله لَيَزعُ بالسلطانِ ما لا يَزعُ بالقرآنِ". إذا أُطلِق لفظُ أثَر، ذهَب مباشرةً إلى ما لم يقلْه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أي: ما قالَه غيرُ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - (قول الصحابيِّ، قول التابعيِّ، قول أيِّ إنسان بسندٍ يُسمَّى أثرًا، أيُّ كلامٍ بسندٍ يُسمَّى أثرًا)، وقد يأتي مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مقيدًا، مثال: وجاء في الأثَر عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّات.........)). والأمْر في ذلك واسِع؛ أي: يصحُّ أن تقولَ: جاء في الأثَر: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّات))، ويصحُّ أن تقول: وجاء في الحديث: "إنَّ الله لَيَزَعُ بالسلطانِ ما لا يَزَعُ بالقرآن". فعِلم مصطلحِ الحديث ليس كعِلم الرِّياضيات 1+1= 2؛ بل هو مِن أروعِ العلوم وألينها، وأمْتَعها وأثْراهاوأسهلها[21]، والمقصود بالسُّهولة هنا؛ أي: سهولة عباراتِه، وعُذوبة ألفاظِه، أمَّا مَن أراد أن يَتعلَّمه، فهو عِلم لا يُعطيك بعضَه إلاَّ إذا أعطيتَه كُلَّك، فقلَّ أن ينبغَ فيه الذُّكورُ كما قلَّ أن ينبغَ فيه النساء، فهو علمُ الرِّجال مِن الذكور، فعِلم الحديث صلف، فأينَ عِلم الحديث؟ وأين أهلُه؟ كدتُ ألاَّ أراهم إلاَّ في كتابٍ أو تحتَ تراب. الأدلَّة على أنَّ الأثَر والحديثَ والخبَر بمعنًى واحِد: 1) ومِن ذلك قولُ الإمام البخاريِّ: "أحْفَظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح"؛ قال ابنُ الصلاح: "هذه العبارةُ قدْ يَندرِج تحتَها عندهم آثارُ الصحابة والتابعين، وربَّما عُدَّ الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين"؛ لأنَّه إذا جُمِعَتِ الأحاديثُ الصحيحة لا يُمكن أن تصلَ إلى هذا العدد، وكذلك الضعيفة لا يُمكن أن تصلَ إلى هذا العدد، فعَرفنا أنَّ الإمامَ البخاريَّ حين قال هنا: "حديث" إنما قصَد بكلمة "حديث" المرفوعاتِ والموقوفاتِ والمقاطيعَ، وقصد أيضًا الأسانيد المتعدِّدة لمتن الواحدٍ، فهُم يطلقون كلمة "حديث" على الإسناد، فالحديثُ الواحد - أعني: المتن الواحد - إذا ما رُوي بعِدَّة أسانيدَ فكلُّ إسنادٍ مِن تلك الأسانيد يُطلقون عليه لفظ "حديث". 2) ومن ذلك أيضًا: قول أبي زُرعَة لعبدالله ابن الإمام أحمد بن حنبل: "أبوك يَحفَظُ ألفَ ألفِ حديث، فقيل له: وما يُدريك؟ قال ذاكَرتُه فأخذتُ عليه الأبواب"؛ قال الإمامُ الذهبيُّ: "فهذه الحكايةُ صحيحةٌ في سَعةِ عِلم أبي عبدالله، وكانوا يعدُّون في ذلك المكرَّر والأثَر وفتوى التابعي وما فسّر، ونحو ذلك، وإلا فالمتون المرفوعة لا تَبلُغ عُشرَ مِعشار ذلك". 3) ومِن ذلك أيضًا: قولُ الإمام أحمد بن حنبل عليه - رحمة الله تعالى -: "صحَّ مِن الحديثِ سَبعُمائة ألف حديث وكَسْر، وهذا الفتى - يعني: أبا زُرعة - قد حَفِظ سِتَّمائة ألف حديث"؛ قال الإمام البيهقيُّ: "وإنَّما أراد - والله أعلم - ما صحَّ مِن أحاديثِ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأقاويلِ الصحابة وفتاوى مَن أَخَذ عنهم مِن التابعين"؛ يعني: أنَّ كلمة "حديث" ها هنا لم يَقصدْ بها الإمامُ الأحاديثَ المرفوعةَ فحسبُ، بل يدخُل في كلامِه الأحاديثُ المرفوعةُ وغيرُ المرفوعة، إذًا ترجَّح أنَّ الحديث والأثَر والخبر بمعنًى واحد، ومَن يريد أن يَتقيَّد بالاصطلاح (أي: التفريق بين الحديث والخبر والأثر)، نقول له: جزاكَ الله خيرًا، المسألة لا تحتمل افتراقًا، وكلامك قال به بعضُ أهل العِلم، وكلامنا - إنْ شاء الله - هو الصواب؛ لأنَّه كلامُ الأئمَّة. وكما هو معلومٌ أنَّ الأئمَّة المتقدمين (والذين هُم أصحاب هذا الفنِّ والعلم) لم يَضعوا تعريفاتٍ لهذه الاصطلاحاتِ، وكما سبق أنْ ذكرنا المراحل التاريخيَّة لتطوُّرِ عِلم المصطلح، كان الأوَّل الرامهرمزي، ثم الخطيب البغدادي، ثم ابن الصلاح، ثم ابن حجر - هؤلاء جميعًا استنبطوا من أفعالِ العلماء وأقوالهم تعريفاتٍ، مثلاً: البخاري لم يَذكُرْ شرطَه في صحيحه، وإنَّما استنبطه العلماء، والأئمَّةُ المتقدِّمون لم يَتكلَّموا عن تعريفاتٍ إلا عبْر نُتف يسيرة، مثل الإمام مسلم في مقدِّمة صحيحه، وأبي داود في رسالته لأهلِ مكة، وبعض الرَّسائل القليلة، ولكن بدأ التصنيفُ في هذا العِلم بدايةً مِن الرامهرمزي ثم الخطيب ثم ابن الصلاح ثم ابن حجر، كذلك أُصولُ الفقه أوَّل مَن تَكلَّم فيه الشافعيُّ، بدأ يرَى أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أتى عنه أمرٌ فقال: لا تفعل كذا، ثم قام - صلَّى الله عليه وسلَّم - مرة ففَعَل هذا المنهيَّ عنه، فيَنتقِل الأمر مِن التحريم إلى الكراهة؛ لوجودِ صارفٍ صَرَف الأمرَ المجرَّد مِن التحريم إلى الكراهة، ألاَ وهو فِعلُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأنَّ نهي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - للتحريم، وفعله لهذا المنهيِّ عنه مرةً ينقُل التحريم إلى الكراهة، فالعلماءُ استنبطوا مِن أقوالِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأفعاله هذه القواعِد، ولكن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يَقلِ: الأمر يُفيد كذا، وإذا صُرِف بصارفٍ يعني كذا؛ ولأنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه هُم أهلُ اللُّغة، فلم يَحْتَجِ الصحابةُ إلى هذه القواعدِ؛ لعِلمهم باللِّسان العربي، فكانوا يُطبِّقون هذه القواعدَ سليقةً؛ ولكن نظرًا لدخولِ العُجمة علينا، قامَ العلماء - جزاهم الله خيرًا - بتوضيحِ هذه الأمور، والتي كانتْ فيمَن سبَقَنا بدهياتٍ لا تحتاج إلى توضيح، وإنا لله وإنا إليه راجعون! كذلك الأئمَّة المتقدِّمون مِن أهل الحديثِ تَكلَّموا وصَنَّفوا، ثم أتَى العلماءُ الأكابِر ففَهِموا مِن كلامهم ومصنَّفاتهم هذه الاصطلاحاتِ وجَعَلوها اصطلاحًا، فكما أنَّ القواعد النظريَّة لهذا العِلم تُؤخَذ مِن أهله المتخصِّصين فيه، فكذلك يَنبغي أن يُؤخَذ الجانبُ العمليُّ منهم؛ لا أن تُؤخَذ منهم فقط القواعدُ النظرية، ثم يتمُّ إعمالها عمليًّا مِن غير معرفةٍ بطرائقهم في إعمالِها وتطبيقِها وتنزيلِها على الأحاديثِ والرِّوايات؛ فإنَّ أهلَ مَكَّة أعلمُ بشِعابها، وأهلَ الدار أدْرَى بما فيه، وإنَّ أفضلَ مَنْ يطبِّق القاعدة هو مَن وَضَعَها وحرَّرها، ونظَم شرائِطَها، وحدَّد حدودَها. فكان مِنَ اللازم الرجوعُ إلى كتُب عِلل الحديث المتخصِّصة، والبحْث عن أقوالِ أهلِ العِلم على الأحاديث؛ لمعرفةِ كيفية تطبيقهم هم لتلك القواعدِ النظريَّة، التي يَقوم عليها هذا البابُ، ومعرفة فِقه تنزيلها على الرِّوايات والأسانيد. وليس هذا جنوحًا إلى تقليدِهم، ولا دَعوةً إلى تقديسِ أقوالهم، ولا غَلقًا لبابِ الاجتهاد، ولا قتلاً للقُدرات والملَكات؛ بل هي دعوةٌ إلى أخْذِ العِلم مِن أهلِه، ومعرفتِه مِن أربابِه، ودخولِه من بابه، وتحمُّله على وجهِه. فمَن يظن أنَّه بإمكانه اكتسابُ ملَكَةِ النقْد، وقوَّة الفَهم، وشفوف النَّظَر، بعيدًا عنهم، وبمعزلٍ عن عِلمهم، وبمنأًى عن فَهمِهم، فهو ظالِمٌ لنفسه، لم يبذلْ لها النُّصْح، ولم يبغِ لها الصلاحَ والتوفيق، ولا أَنزل القومَ منازلهم، ولا قَدَرَهم أقدارهم. فهُم أهلُ الفَهم، وأصحاب الملَكات، وذَوُو النظرِ الثاقِب، فمَن ابتغى من ذلك شيئًا، فها هو عندَهم، وهم أربابُه، فليأْخذْه منهم، وليأخذْ بحظٍّ وافر. فمَن تَضلَّع في عِلمهم، واستزاد مِن خيرِهم، وتَشرَّب مِن فِقههم، واهتدى بهَديهم، واسترشَد بإرشادِهم، سار على دَرْبِهم، وضرَب على منوالِهم؛ فهو الناصحُ لنفسه، المُبتغِي لها الصلاحَ والتوفيق، وهو مِن السابقين بالخيرات - بإذن الله تعالى. ولله دَرُّ الحافظ ابنِ رجب الحنبليِّ، حيث أوْضَح في كلماتٍ قلائل، أنَّ سبيلَ تَحصيل المَلَكةِ، إنما هو مداومةُ النظر في مطالعةِ كلامِ الأئمَّة العارفين، للتفقُّه بفِقههم، والتفهُّم بفَهمهم. يقول ابن رجب[22]: "ولا بدَّ في هذا العِلم مِن طولِ الممارسة، وكثرةِ المذاكرة، فإذا عَدِمَ المذاكرة به، فليُكثرْ طالبُه المطالعةَ في كلامِ الأئمَّة العارفين؛ كيَحيى القطَّان، ومَن تلقَّى عنه كأحمد وابن المَديني وغيرهما؛ فمَن رُزِق مطالعةَ ذلك وفَهمَه، وفَقُهَتْ نفسُه فيه، وصارتْ له فيه قُوَّة نفس، ومَلَكة، صلحَ له أن يَتكلَّم فيه". هذا، وإنَّ علامة صِحَّة الاجتهادِ، وعلامة أهلية المجتهِد، هو أن تَكونَ أغلب اجتهاداتِه وأحكامِه وأقواله موافقةً لاجتهادات وأحكامِ وأقوالِ أهلِ العِلم المتخصِّصين، والذين إليهم المرجِع في هذا الباب. يقول الشيخ طارق بن عِوَض الله - حفظه الله تعالى-: "وإنَّ علامةَ صِحَّة القاعدة التي يَعتمِد عليها الباحثُ في بحثِه، هو أن تكونَ أكثرُ النتائج والأحكام المتمخِّضة عنها على وَفقِ أقوال أهل العِلم وأحكامهم. فكما أنَّ الراوي لا يكون ثِقةً محتجًّا به وبحديثه إلاَّ إذا كانتْ أكثرُ أحاديثه موافقةً لأحاديثِ الثِّقات، المفروغ مِن ثِقتهم، والمسلَّم بحِفظهم وإتقانهم؛ فكذلك الباحثُ لا يكون حُكمُه على الأحاديث ذا قيمة، إلا إذا جاءتْ أكثرُ أحكامه على الأحاديث موافقةً لأحكام أهلِ العِلم عليها. وبقدْرِ مخالفتِه لأهلِ العِلم في أحكامِه على الأحاديث، بقَدْرِ ما يُعلَم قدرُ الخلَل في القاعدة التي اعتمَد عليها، أو في تَطبيقِه هو للقاعِدة، وتنزيلها على الأحاديث، فمَن وجَد مِن نفسه مخالفةً كثيرةً لأهل العلمِ في الحُكم على الأحاديث، فليعلمْ أنَّ هذا إنَّما أُتِي مِن أمرين؛ قد يجتمعان، وقد يفترقان: أحدهما: عدَمُ ضبْط القاعدة التي بنَى عليها حُكمَه على وَفقِ ضبطِ أهلِ العلم لها. ثانيهما: ضبْط القاعِدة نظريًّا فقط، وعدَم التفقُّه في كيفية تَطبيقها، كما كان أهلُ العلم مِن الفِقه والفَهم والخِبرة، بالقَدْرِ الذي يُؤهِّلهم لمعرفةِ متى وأين تُنزَّل القاعِدةُ، أو لا تُنزَّل". ================== صفحات في معرفة الحديث الموضوعي علي محمد زينو مقالات متعلقة تاريخ الإضافة: 24/10/2012 ميلادي - 9/12/1433 هجري الزيارات: 105987 Facebook Twitter X WhatsApp LinkedIn Telegram Messenger صفحات في معرفة الحديث الموضوعي بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله، وعلى آله وصحْبه ومن اهتدى بهداه. تمهيد: عصرًا بعد عصر، زاد عمقُ دراسة المُحدِّثين وعلماء الحديث لعلوم الحديث الشريف، وتنوَّعت أنواعه، وازدادت كمًّا ونوعًا. ففي حين كانت خمسين نوعًا عند الإمام أبي عبدالله الحاكم النيسابوري في كتابه "معرفة علوم الحديث"[1] بلغت خمسةً وستين نوعًا عند الإمام ابن الصلاح في "مقدِّمته"[2]؛ ثم زادها الإمام السيوطي إلى ثلاثة وتسعين نوعًا في "تدريب الراوي"[3]! بل إن ابن الصلاح قال في مقدِّمة "مقدمته"، بعدما عدَّدَ ما وصل إليه اجتهادُه من أنواع علوم الحديث الخمسة والستين: "وليس بآخِرِ الـمُمكِن في ذلك؛ فإنه قابلٌ للتنويع إلى ما لا يُحصى؛ إذ لا تنحصِر أحوالُ الرواة وصفاتُهم، وأحوالُ متون الحديث وصفاتُها"[4]. وفي هذا العصر ظهرت إلى الوجود مصطلحاتٌ تدلُّ على أنواعٍ متجدِّدة من العلوم المتعلِّقة بالحديث الشريف، ومما ظهر واستُعمل مصطلَح "الحديث الموضوعي". الحديث الموضوعي لغةً واصطلاحًا: الحديث الموضوعي اصطلاح مُستحدَث، وهو مركَّبٌ وصفيٌّ يحتاج لبيان جُزأيه قبل محاولة تعريفه[5]. أما "الحديث"، فهو في اللغة: "نقيضُ القديم"[6]. والحديث: هو اسم من التحديث، وهو الإخبار، ثم سُمِّي به قولٌ، أو فعل، أو تقرير نُسِب إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - ويُجمَع على "أحاديث" على خلاف القياس"[7]. وقال الحافظ ابن حجر: المراد بالحديث - في عُرْف الشرع -: ما يُضافُ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وكأنه أُريدَ به مقابَلة القرآن؛ لأنه قديم[8]. ولكن الحافظ قال في "شرْح النُّخبة": الخبَر عند علماء الفن مرادِف للحديث، وقيل: الحديث: ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والخبر: ما جاء عن غيره، ومن ثَمّة قيل لمن يشتغِل بالتواريخ وما شاكَلها: الإخباري، ولمن يشتغِل بالسنة النبوية: المُحدِّث[9]. وأما "الموضوعي"، فهو نِسبة إلى "الموضوع"، مأخوذ من "الوضْع"، وهو ضد الرفع، وهو لفظ يدلُّ على الخفض للشيء والحطِّ له[10]. وفي "المعجم الوسيط": الموضوع: المادة التي يَبني عليها المُتكلِّمُ أو الكاتب كلامَه[11]. و"الموضوع: هو عبارة عن المبحوث بالعِلم عن أعراضه الذاتية"[12]. مما سبَق تتبيَّن معاني الحديث الموضوعي من جِهة الاصطلاح؛ حيث إنه "اصطلاحٌ جديدٌ شاع على ألسنة العلماء حديثًا، وأُطلِق اسمًا على مادة تُدَرَّس في كليات أصول الدين بأقسامها المختلفة، وصار عنوانًا للونٍ من ألوان دراسة الحديث الشريف"[13]. وقد وضع عددٌ من العلماء المعاصرين المشتغِلين بعلم الحديث تعريفاتٍ مختلفةً له. فهو: "جمْع الأحاديث المتعلِّقة بموضوع واحد مع محاولة تصنيفها تصنيفًا جزئيًا، مع التركيز على التأليف بين المتعارِضات إن وجدت، تارة بالجمع، وتارة بالنَّسخ، وتارة بالترجيح، وتارة بالتوقف"[14]. أو "الأحاديث التي تعدَّدت أساليبُها وأماكنُها، ولها جِهة واحدة يمكن أن تَجتمِع فيها، سواء عن طريق المعنى الواحد، أو الغاية الواحدة"[15]. أو هو "علمٌ يبحث في القضايا التي تناوَلتها النصوص والأحاديث المتَّحدة في المعنى، أو في الغاية، أو فيهما معًا، وذلك بجمْعها من مصادرها المتعدِّدة، ووضْعها في مكان واحد، والنظر فيها على هيئة مخصوصةٍ، بشروط مخصوصةٍ؛ لبيان معانيها، واستخراج عنَاصرها، والرَّبط بينها برباطٍ جامع"[16]. أو "هو علمٌ يبحث في الموضوعات التي تناوَلتها السُّنة النبوية الشريفة، والمتحدة معنىً، أو غاية، من خلال جمْع أحاديث الموضوع من مصدر حديثي أصلي، أو عدة مصادر، أو في ضوء السُّنة النبوية، بحيث يقوم الباحث بتحليل النصوص الحديثية المقبولة ومقارنتها ونقْدها ثم محاولة ربْطها للوصول إلى روح النصِّ النبوي من أجل تطبيقه في الواقع المعاصر"[17]. أنواع الحديث الموضوعي ومناهج دراسته: يمكن تقسيم الحديث الموضوعي إلى نوعين: الأول: الحديث الموضوعي العام: وهو الذي بين أطراف موضوعه وحدة في الغاية فقط، لا في أصْل المعنى. بمعنى أن هذا الموضوع يكون له أصل في الأحاديث، ولكن تحته قضايا كثيرة مُتعدِّدة، لا يربِط بينها إلا وحدة الغاية، وهي وحدة محقَّقة، حتى وإن كانت بعيدة. من ذلك مثلاً قضية الأدب، فهي تشمَل الأحاديث التي تتناوَل الأدب النبوي، في قضايا متعدِّدة، يَجمَع بينها أنها من جملة الأدب. الثاني: الحديث الموضوعي الخاص: وهو الذي يقوم على وَحدة المعنى والغاية بين أطرافه وأفراده، فتكون الرابطة بينهما خاصة وقريبة. من ذلك كل موضوع خاصّ من الموضوعات التي تناوَلها كتاب "الأدب المفرَد" للإمام البخاري، وكذلك موضوع "آداب النيَّة والإخلاص"، وموضوع "آداب المُجالَسة"، ونحو ذلك. ومن ذلك كتب الإمام الحافظ أبي بكر بن أبى الدنيا الكثيرة، ككتاب: "الصَّمت"، و"الشكر"، و"التوكل على الله"، و"التواضع والخمول"، وغيرها من كتُبه وكتب غيره من مشاهير العلماء، ومن ذلك موضوع "اليهود في السنة النبويَّة المطهرة"، وموضوع "منهج السنة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم"، ونحو ذلك[18]. هذا وإن من المهم الانتباه إلى أنّ الحفّاظ - عليهم رحمات الله - أسهموا منذ مُصنَّفاتهم الأولى في تبويب موضوعاتِ صِحاحهم وسُننهم وجوامِعهم تبويبًا موضوعيًّا؛ وأكثرَوا من جمْع الأحاديث التي على شرائط كتُبهم في أبواب واحدة، أو أبواب متتالية مُتقارِبة. هذا وإن ثَمَّةَ مناهج عديدةً لدراسة الحديث الموضوعي أهمها: أولاً: منهج الدراسة الموضوعيَّة التي تقوم على استقصاء ما في كتُب السنة النبوية من أحاديث عن موضوع الدراسة. ثانيًا: منهج الدراسة الموضوعية التي تَعتمِد على جمْع أحاديث في موضوع الدراسة من مصادر مُحدَّدة من كتُب السُّنة. ثالثًا: منهج الدراسة الموضوعية التي تَعتمِد على جمْع روايات حديثٍ واحد مع دراسة موضوعه[19]. فوائد الحديث الموضوعي: للحديث الموضوعي - جمعًا كان أو شرحًا - فوائد كثيرة متعدِّدة: 1- أن جمْع الأحاديث في الموضوع الواحد في مكانٍ واحدٍ يُعين على الفَهْم الصحيح للسُّنة، قبل أن يعمل الإنسان أو يُفتي بمقتضى واحدٍ منها، فيُخطئ. فقد يَرِدُ الحديث في مكان، وتمامُ الغرض منه في مكان آخر، أو تأتي رواية بحكم، وتمامُ المقصود في رواية أخرى، فلا بد عندئذٍ من جمْع طرق الحديث ورواياته؛ ليَسهُل فَهْمُه ويَصِحّ، وقد يَرِد في الموضوع عدة أحاديث، لا يمكن فَهْم أحدها إلا في ضوء الأحاديث الأخرى، وإلا حصَل الغَلَط وسوء الفَهْم. 2- أن جمْع أحاديث الموضوع الواحد في مكان واحد يُعين على إزالة ما قد يبدو من تعارُض بين بعض الأحاديث، فيتبيَّن المطلَق من المُقيَّد، والخاص من العام، والناسخ من المنسوخ، ويُنَزَّل كلُّ حديث منزلتَهُ اللائقةَ به، ويُفْهَم المقصود منه على الصواب. 3- أن جمْع أحاديث الموضوع الواحد في مكان واحد قد تكشِف سببًا لورود الحديث يُساعد على حُسْن الفَهْم، وقد تَبيَّن ارتباط الحكم في بعض الأحاديث بعلَّة مُعيَّنة، وربما كان هذا السبب وهذه العِلَّة مُزيلاً لتعارُضٍ يظهَر بين أحاديث الباب. 4- أن جمْع أحاديث الموضوع الواحد في مكان واحدٍ يُساعِد على حُسْن الجمع بين ما قد يبدو بين معانيها من تَضادّ وتَناقُض، وعليَّ ترجيح بعضها على بعض إذا لم يمكن الجمع بحمل أحدهما على الآخر، أو توجيه كل منهما توجيهًا صحيحًا مناسِبًا. 5- أن جمْع أحاديث الموضوع الواحد، وروايات الحديث المُتعدِّدة في مكان واحد، يُساعِد على كشْف ما قد يكون في بعض الأحاديث أو الطُّرق من عِلل، كالإرسال، أو التدليس، أو الشذوذ، أو الإدراج، أو غير ذلك مما يكون له أعظم الأثر في معرفة درجة الحديث، ومن ثَمَّ الاحتجاج أو عدم الاحتجاج به. 6- أن جمْع الطرق والنصوص في موضوع واحد قد يؤدِّي إلى تقوية الحديث من خلال معرفة متابعاته وشواهده المتعددة. 7- أن جمْع الطرق والمتون في مكان واحد يُساعِد في الترجيح عند التعارُض وعدم إمكان الجمع. 8- أن الدراسة الموضوعيَّة للسنة النبويَّة المطهرة تكشِف لنا عن عَظمة هذه السنة وشمولها وكفايتها مع القرآن الكريم؛ لصُنْع الحياة الفاضِلة في مختلَف المجالات. فالأحاديث الكثيرة في الموضوع الواحد، والتي قيلت في مناسبات متعدِّدة، وظروفٍ مُتنوِّعة، وأوقات مُتفاوِتة، ولأشخاص مختلفين، إذا ضُمَّ بعضُها إلى بعضٍ، كشَفت عن شمول رسالة الإسلام، وتمام وفائها بحاجة الموضوع[20]. 9- أن هذا النوع من الدراسات يتَّفِق مع روح العصر الحاضر الذي تتجدَّد فيه حاجات المجتمعات، وتَبرُز فيه أفكار ونظريات جديدة مع التقدم العلمي والتقني، حيث تُعطي هذه الدراسات رؤىً وحلولاً صحيحة، وتخرج للناس أحكامًا عامَّة تُغنيهم عن اللجوء إلى القوانين الوضعيَّة. 10- أن هذه الدراسات تُساعِد في إبراز جوانِب متعدِّدة من الإعجاز في السُّنة النبوية الصحيحة، والتي تؤكد بوضوح أن السّنة النبوية وحيٌ من عند الله تعالى، وإن كان بالمعنى دون اللفظ؛ لأن مِثلَ هذا الإعجاز لا يتسنَّى لبشرٍ معرفته قبل قرون إلا عن مصدر إلهي. 11- أن هذه الدراسات تُساعِد في تأصيل العلوم الشرعية الجديدة التي نشأت حديثًا لتلبية حاجات المسلمين العلميَّة في شتى مجالات المعرفة الإنسانية والإعلام الإسلامي، والاقتِصاد الإسلامي، وغيرها. 12- أن هذه الدراسات تُقدِّم الفوائد الجليلة لكلٍ من الدعاة والباحثين، بل أفراد المجتمع المسلم كله، من إحاطة تامة بيسر وسهولة بكل ما يتعلَّق بموضوع الدراسة في مكان واحد[21]. والله تعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم============================================= أنواع المرفوع في علم مصطلح الحديث أبو الحسن هشام المحجوبي ووديع الراضي مقالات متعلقة تاريخ الإضافة: 4/11/2013 ميلادي - 1/1/1435 هجري الزيارات: 117776 Facebook Twitter X WhatsApp LinkedIn Telegram Messenger أنواع المرفوع في علم مصطلح الحديث بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد: المرفوع لغة هو الصاعد، نقول مرفوع فوق سطح البيت أي صاعد فوقه، واصطلاحا هو ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو حال أو صفة خِلقية أو خُلُقية سواء كان الحديث متصلا أو منقطعا أو صحيحا أو ضعيفا. مثال المرفوع القولي: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه". ومثال المرفوع الفعلي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما زاد النبي -صلى الله عليه وسلم- على إحدى عشرة ركعة في رمضان وغيره، فلا تسأل عن حُسْنهن وطولهن وقراءتهن". ومثال المرفوع التقريري، عن عَمرو ابن العاص رضي الله عنه أنه خرج في واقعة ذات السلاسل فأصابته جنابة فخشي على نفسه الهلاك من شدة البرد فتيمم وصلى الصبح فلما رجعوا أُخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال - صلى الله عليه وسلم- يا عَمرو أصَليت بالناس جُنبا، فقال رضي الله عنه تذكرت قول الله تعالى ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [النساء: 29] فتبسم النبي -صلى الله عليه وسلم- وسكت". ومثال المرفوع الحالي، دخل أعرابي إلى مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال أيكم محمد، قالوا ذلك الرجل الأبيض المتكئ. وأما مثال المرفوع الخِلقي، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس وجها وأحسنهم خُلقا، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير". وأما مثال المرفوع الخُلقي، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". ويوجد نوع ثان من المرفوع يسمى عند أهل المصطلح بالموقوف الذي حُكْمه الرفع وهو قول الصحابي الذي دلّت قرينة على أن أصله من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وينقسم إلى خمسة أنواع: النوع الأول: التقريرات زمن الوحي، أي سكوت الوحي (القرآن والسنة) عن أفعال الصحابة زمن نزوله وإن لم تكن أفعالهم بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأن الوحي لا يَسكت على منكر، قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: "كنا نعزل والقرآن ينزل". النوع الثاني: قول الصحابي أُمرنا بكذا وكذا، فالاحتمال الأرجح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الآمر كقول بن عباس رضي الله عنهما "أُمِرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم"، وللأمانة العلمية فهذا الحديث لا يخلو من مقال. النوع الثالث: قول الصحابي نهينا، كقول أم عطية رضي الله عنها: "نهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعزم علينا". النوع الرابع: قول الصحابي قولا لا مجال للاجتهاد فيه، كأمور الغيب أو تفسيره للقرآن تفسيرا لا يمكن أن يجتهد فيه، مثال: روى الإمام البخاري في كتاب الاعتصام عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال: "يا معشر القرّاء استقيموا لقد سبقتم سبقا بعيدا، فلا تأخذوا يمينا ولا شمالا فتضلوا ضلالا بعيدا"، فقوله "لقد سبقتم سبقا بعيدا" لا يمكن أن يسمعه إلا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويشترط في هذا النوع ألا يكون الصحابي معروفا بالتحديث من كتب أهل الكتاب كعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما خشية أن تنسب أخبار أهل الكتاب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم. النوع الخامس: قول التابعي عن الصحابي: رَفَعَه أو بلغ به، أو يقول في أول الرواية مرفوعا، ففي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا: بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به. وقد اتفق المحدثون والأصوليون على أن الحديث المرفوع أو الموقوف الذي حكمه الرفع يصلحان للاحتجاج إن توفرت فيهما شروط الصحيح أو الحسن. نسأل الله تعالى أن يتقبل عملنا وأن يجعلنا من خَدَمة سنته -صلى الله عليه وسلم-، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. ============ سير الرحمن في تمهيد مصطلح الحديث للغلمان (1) أم عبدالرحمن الديب مقالات متعلقة تاريخ الإضافة: 11/12/2014 ميلادي - 19/2/1436 هجري الزيارات: 11045 Facebook Twitter X WhatsApp LinkedIn Telegram Messenger تيسير الرحمن في تمهيد مصطلح الحديث للغلمان (1) إخوتنا الكرام، نقدم لكم - بفضل الله ومنَّته – هذا المنهج المبسط للصغار والمبتدئين، كمقدمة وتمهيد لفَهْم علم مصطلح الحديث. هذا المنهج يقدم تمهيدًا للصغار والمبتدئين في هذا العلم وموضوعه، عن طريق أمثلة مبسطة؛ حتى يستعد الطالب - إن شاء الله - لفهم المتون العلمية والمنظومات وشروحاتها. وننصح مع هذا بحفظ منظومة البيقوني في علم مصطلح الحديث. جزاكم الله خيرًا، ووفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى. ونقدم في هذا الجزء (الجزء الأول) مجموعة من المصطلحات والتعريفات التمهيدية. ونسأل الله القبول والسداد. تعريفات: المصطلح: اصطلح العلماء؛ أي: اتفقوا، فحين نقول: إن العلماء اصطلحوا على تسمية شيء، فهذا يعني أنهم اتفقوا على هذه التسمية، ونحن نفعل ذلك في البيت، فقد نسمي أكلة معينة باسم خاص بأسرتنا فقط ونتفق عليه، فحين نطلبه من الأم نطلبه بالاسم الذي اصطلحنا عليه، وكذلك في الألعاب، فقد نبتكر مع إخوتنا لعبة ونصطلح على اسم لها، ثم نعلمها لغيرنا من الأطفال، فيصير اصطلاحنا على الاسم منتشرًا بين من عرفوا اللعبة، ويفعل العلماء ذلك حين يدرسون العلم؛ حتى يسهل الفهم والشرح، تخيل أنك ابتكرت لعبة ولم تسمِّها بشيء، هل تعيد شرح تفاصيلها كل مرة تريد أن تلعبها؟ أليس الأسهل أن تسميها باسم؛ ليسهل عليك تذكيرنا بها؟ ومن المصطلحات - أيضًا - أسماء الأشياء؛ كالإناء والكوب والسيارة، كل هذه مصطلحات اتفق الناس عليها، في مجتمعنا وفي لغتنا لها اسم، وفي مجتمع آخر لها أسماء أخرى اصطلح أهل هذا المجتمع عليها، كذلك يفعل العلماء، يصطلحون على اسم فيما بينهم؛ ليسهل الإشارة إليه عند الحاجة، ويكون معروفًا معناه فيما بينهم. الحديث: هي كلمة من أمثلة المصطلحات، نستخدمها؛ حتى لا نقول كل مرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا، أو فعل كذا، فصرنا نقول: "حديث" كمصطلح يدل على كل أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، أو صفاته، أو مثل ذلك منه صلى الله عليه وآله وسلم. الخبر: حين يأتينا زائر نقول له: ما أخبارك؟ هكذا يروي لنا بعض ما حدث معه، أو أقول لك شيئًا وليس بِسِرٍّ، فتقصه على صاحبك، وصاحبك يرويه لأمِّه، فيصير ذلك خبرًا، وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتمون بتعلم الدين ولا يحبون أن يفوتهم منه شيء، وكذلك التابعون (الذين لم يَرَوُا النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن قابلوا واحدًا أو أكثر من الصحابة، وماتوا على الإسلام) كانوا يهتمون كثيرًا بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم؛ حتى يدركوا ما فاتهم من أفعاله وأقواله وسلوكه؛ ليتبعوه كما أمرنا الله تعالى، وصار ذلك أمرًا اعتاده المسلمون، فكل مسلم يسأل مَن يعلم أكثرَ منه ليتعلَّم أكثر، فاصطلح العلماء المهتمون بكل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه - وأسأل الله أن نكون مثلهم - على لفظ "خبر" عند رواية ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد أصحابه من أخبار ليتعلموا منها. الأثر: تعلم - يا بني - أنك إذا جلست معي ثم تركتني ورحلت - وأنا أحبك ولا أريدك أن ترحل - يترك حوارنا ولعبنا في نفسي أثرًا؛ أي: يتبقى منه في ذاكرتي ونفسي شيء، فالأثر هو بقية الشيء، وما بقي في نفسي من جلستنا هو أثرها (بقية منها)، والنبي صلى الله عليه وسلم هو المعلِّم الذي يحب الأمَّة، وكذلك تحبه الأمَّة، ولكنه صلى الله عليه وسلم فارق دنيانا، ونحن نحب أن نتذاكر أفعاله وأقواله كأنه معنا، فأين نجد أثره؟ عند أصحابه وتابعيهم؛ لأن الصحابة تأثروا بالنبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً، فصار فيهم أثر من ذلك، ثم تأثر التابعون بالصحابة كذلك فيما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فصار فيهم بقية من أثر؛ لذلك اصطلح العلماء على لفظ "أثر" لما جاء عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتابعيهم، فنقول: "جاء في الأثر". الإسناد، السند، المُسند، المتن: تخيل رجلاً يريد أن يتدرب على الصيد (صياد حديث)، وهو لم يتعلم السباحة، وعنده قارب، فإن أراد الصياد ركوب القارب للصيد ثبَّت القارب في سلسلة من حديد، وأمسك طرف السلسلة على الشاطئ بصخرة قوية؛ حتى لا ينفلت القارب وتسحبه الريح بعيدًا فيضيع، هكذا قام الصياد بإسناد القارب إلى الصخرة عن طريق السلسلة، فلولا السلسلة لضاع القارب به، وكلما أراد الصياد الرجوع إلى الشاطئ اعتمد على الصخرة، فجذب السلسلة المربوطة بالصخرة. في لغتنا العربية الشيء المرتفع الصُّلب يسمى "متنًا"، المتن في حكايتنا هو الصخرة، فهو صلب مرتفع، ومنه نقول: رجل متين، ولأن الصياد يعتمد على السلسلة في الوصول إلى الصخرة، فنسمي السلسلة "سندًا"؛ أي: إن الصياد اعتمد عليها واستند إليها، ولولاها ما وصل إلى المتن، والصياد هو من قام بربط الإسناد ليصل إلى المتن، إذًا هو "مُسنِد" السلسلة إلى الصخرة، وهكذا نقول: إن القارب هو "المسنَد" إلى الصخرة عبر السلسلة. وكذلك فعل علماء الحديث الذين تحدثنا عنهم، عندما يأتيهم خبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنهم يحبون التأكد من صحة هذا الخبر، وﻷنه لا يصح للمسلم أن يتقرب إلى الله بشيء مُحدَث في الدين، ولم نتعلمه من النبي صلى الله عليه وسلم، وجب التأكد من كل خبر يأتينا عنه، هل هو منقول عنه حقًّا؟ هل هو صحيح؟ والخبر ينقله صحابي، ثم الصحابي يخبر التابعي، ثم يتعلم رجل من التابعي، والرجل يعلم غيره ….. كسلسلة مترابطة، وكأن هؤلاء الرجال الذين أخبر بعضهم بعضًا وتناقلوا الخبر؛ كل واحد منهم هو حلقة من حلقات سلسلة، والسلسلة تربط من أراد تعلم الحديث (طالب العلم) بالحديث (وكأن الطالب هو الصياد في القارب، والسلسلة هي الرجال الذين تناقلوا الخبر، والخبر هو الصخرة التي يريد الطالب الوصول إليها عن طريق السلسلة). السَّنَد: فاصطلح العلماء على تسمية هذه السلسلة من الرجال بالسند. الإسناد: وربط المتن برواة الخبر هو الإسناد (كما ربط الصياد القارب بالصخرة عن طريق السلسلة). المتن: والخبر المنقول هو المتن المطلوب الوصول إليه. المُسنِد: ورجل العلم الذي يبحث عن سلسلة الرجال التي تناقلت الخبر (المتن)، ويبحث فيها، ويتعرف عليها، ويخبرنا بها، هو المسنِد. المُسنَد: هو كتاب تم تقسيمه بحيث تجتمع أحاديث كل صحابي منفصلة، كأن نجمع كل الأحاديث التي رواها الصحابي أبو هريرة مع بعضها في قسم. من أسماء المختصين بدراسة هذا العلم: المُحدِّث: هو رجل اهتم بعلم الحديث والأخبار المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كأن نقول: حداد يعمل بالحدادة، وخياط يعمل بالخياطة، ومُحدِّث يعمل بعلم الحديث. الحافظ: هو محدِّث، لكنه أتقَنَ هذا العلم بشكل أكبر من المُحدِّث العادي، فصار أكثر خبرة واطلاعًا على الأحاديث. الحُجَّة: أكثر علمًا وإتقانًا من الحافظ. الحاكم: هو أكثر أنواع من يعملون بالحديث إتقانًا، فصار يحيط علمًا بها جميعًا أو لم يفُتْه منها إلا القليل جدًّا. وهذه التسميات تشبه أن نقول: هذا الطالب الأول لتميزه على زملائه، ثم الثاني، ثم الثالث... وهكذا. انتهى الجزء الأول بحمد الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق