Translate

الجمعة، 22 نوفمبر 2024

ج16و17و18.كتاب الأغاني للاصفهاني

 

ج16و17و18.كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفها ني 

** أخبار البردان البردان لقب غلب عليه ومن الناس من يقول بردان من أهل المدينة وأخذ الغناء عن معبد وقبله عن جميلة وعزة الميلاء وكان معدلا مقبول الشهادة وكان متولي السوق بالمدينة قال هارون بن الزيات حدثني أبو أيوب المديني عن محمد بن سلام قال هو بردان بضم الباء وتسكين الراء أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر وحسين بن يحيى قالا حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه وأخبرني علي بن عبد العزيز عن ابن خرداذبه قال قال إسحاق كان بردان متولي السوق بالمدينة فقدم إليه رجل خصما يدعي عليه حقا فوجب الحكم عليه فأمر به إلى الحبس فقال له الرجل أنت بغير هذا أعلم منك بهذا فقال ردوه فرد فقال لعلك تعني الغناء إني والله به لعارف ولو سمعت شيئا جاء البارحة لازددت علماً بأني عارف ومهما جهلت فإني بوجوب الحق عليك عالم اذهبوا به إلى الحبس حتى يخرج إلى غريمه من حقه سياط المغني يأخذ عنه أصواتاً قال وحدثني أبو أيوب عن حماد عن أبيه عن ابن جامع عن سياط قال رأيت البردان بالمدينة يتولى سوقها وقد أسن فقلت له يا عم إني رويت لك صوتا صنعته وأحببت أن تصححه لي فضحك ثم قال نعم يا بني وحبا وكرامة لعله ( كم أتى دون عهد أمّ جميل ... ) فقلت قال مل بنا إلى ها هنا فمال بي إلى دار في السوق ثم قال غنه فقلت بل تتم إحسانك يا عم وتغنيني به فإنه أطيب لنفسي فإن سمعته كما أقول غنيته وأنا غير متهيب وإن كان فيه مستصلح استعدته فضحك ثم قال أنت لست تريد أن تصحح غناءك إنما تريد أن تقول سمعتني وأنا شيخ وقد انقطعت وأنت شاب فقلت للجماعة إن رأيتم أن تسألوه أن يشفعني فيما طلبت منه فسألوه فاندفع فغناه فأعاده ثلاث مرات فما رأيت أحسن من غنائه على كبر سنه ونقصان صوته ثم قال غنه فغنيته فطرب الشيخ حتى بكى وقال اذهب يا بني فأنت أحسن الناس غناء ولئن عشت ليكونن لك شأن قال وكان بردان خفيف الروح طيب الحديث مليح النادرة مقبول الشهادة قد لقي الناس فكان بعد ذلك إذا رآني يدعوني فيأخذني معه إلى منزله ويسألني أن أغنيه فأفعل فإذا طابت نفسه سألته أن يطرح علي شيئاً من أغاني القدماء فيفعل إلى أن أخذت عنه عدة أصوات صوت من المائة المختارة ( لمِنِ الدِّيارُ بحائِلٍ فُوعَالِ ... دَرَستْ وَغَيَّرها سِنُونَ خَوالِي ) ( دَرَج البَوارِحُ فوقها فتنكَّرتْ ... بعد الأنيس مَعارِفُ الأطلال ) ( دِمَنٌ تُذَعْذِعها الرياحُ وتارةً ... تعفو بمُرتَجِزٍ السَّحابِ ثِقَالِ ) ( فكأنما هي من تَقادُمِ عهدِها ... وَرَقٌ نُشِرنَ من الكتاب بَوالِي ) الشعر للأخطل والغناء لسائب خاثر ولحنه المختار من الثقيل الأول بالبنصر من أصوات قليلة الأشباه وذكر عمرو بن بانة أن في الثاني والرابع من الأبيات للأبجر ثقيلا أول وذكر حبش أن لمعبد فيه ثقيلاً أول بالوسطى وأنه أحد السبعة وأن لإسحاق فيه ثاني ثقيل وذكر الهشامي أن لحن إسحاق خفيف ثقيل ذكر الأخطل وأخباره ونسبه هو غياث بن غوث بن الصلت بن الطارقة ويقال ابن سيحان بن عمرو بن الفدوكس بن عمرو بن مالك بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب ويكنى ابا مالك وقال المدائني هو غياث بن غوث بن سلمة بن طارقة قال ويقال لسلمة سلمة اللحام قال وبعث النعمان بن المنذر بأربعة أرماح لفرسان العرب فأخذ ابو براء عامر بن مالك رمحا وسلمة بن طارقة اللحام رمحا وهو جد الأخطل وأنس بن مدرك رمحا وعمرو بن معديكرب رمحا والأخطل لقب غلب عليه ذكر هارون بن الزيات عن ابن النطاح عن أبي عبيدة أن السبب فيه أنه هجا رجلا من قومه فقال له يا غلام إنك الأخطل فغلبت عليه وذكر يعقوب بن السكيت أن عتبة بن الزعل بن عبد الله بن عمر بن عمرو بن حبيب بن الهجرس بن تيم بن سعد بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب حمل حمالة فأتى قومه يسأل فيها فجعل الأخطل يتكلم وهو يومئذ غلام فقال عتبة من هذا الغلام الأخطل فلقب به قال يعقوب وقال غير أبي عبيدة إن كعب بن جعيل كان شاعر تغلب وكان لا يأتي منهم قوماً إلا أكرموه وضربوا له قبة حتى إنه كان تمد له حبال بين وتدين فتملأ له غنماً فأتى في مالك بن جشم ففعلوا ذلك به فجاء الأخطل وهو غلام فأخرج الغنم وطردها فسبه عتبة ورد الغنم إلى مواضعها فعاد وأخرجها وكعب ينظر إليه فقال إن غلامكم هذا الأخطل والأخطل السفيه فغلب عليه ولج الهجاء بينهما فقال الأخطل فيه ( سُمِّيتَ كعباً بشرّ العظام ... وكان أبوك يُسَمَّى الجُعَلْ ) ( وإنّ مَحَلَّك من وائلٍ ... محلُّ القُرَاد من است الجمل ) فقال كعب قد كنت أقول لا يقهرني إلا رجل له ذكر ونبأ ولقد أعددت هذين البيتين لأن أهجى بهما منذ كذا وكذا فغلب عليهما هذا الغلام وقال هارون بن الزيات حدثني قبيصة بن معاوية المهلبي قال حدثني عيسى بن إسماعيل قال حدثني القحذمي قال وقع بين ابني جعيل وأمهما ذرء من كلام فأدخلوا الأخطل بينهم فقال الأخطل ( لَعَمْرُك إنني وابْنَيْ جُعَيْلٍ ... وأُمَّهما لإستارٌ لئيمُ ) فقال ابن جعيل يا غلام إن هذا لخطل من رأيك ولولا أن أمي سمية أمك لتركت أمك يحدو بها الركبان فسمي الأخطل بذلك وكان اسم أمهما وأم الأخطل ليلى وقال هارون حدثني إسماعيل بن مجمع عن ابن الكلبي عن قوم من تغلب في قصة كعب بن جعيل والأخطل بمثل ما ذكره يعقوب عن غير أبي عبيدة ممن لم يسمه وقال فيها وكان الأخطل يومئذ يقرزم والقرزمة الابتداء بقول الشعر فقال له أبوه أبقرزمتك تريد أن تقاوم ابن جعيل وضربه قال وجاء ابن جعيل على تفئة ذلك فقال من صاحب الكلام فقال أبوه لا تحفل به فإنه غلام أخطل فقال له كعب ( شَاهِدُ هذا الوجه غِبَّ الحُمَّهْ ... ) فقال الأخطل ( فناك كعبُ بن جُعَيْلٍ أُمَّهْ ... ) فقال كعب ما اسم أمك قال ليلى قال أردت أن تعيذها باسم أمي قال لا أعاذها الله إذا وكان اسم أم الأخطل ليلى وهي امرأة من إياد فسمي الأخطل يومئذ وقال ( هجا الناسُ ليلى أُمَّ كَعْبٍ فمُزِّقتْ ... فلم يبقَ إلا نَفْنَفٌ أنا رافعُهْ ) وقال فيه أيضا ( هجاني المُنْتِنَانِ ابنا جُعَيْلٍ ... وأيُّ الناسِ يقتله الهجاءُ ) ( وُلِدتم بعد إخوتكم منَ استٍ ... فهَلاَّ جئتُمُ من حيث جاؤوا ) فانصرف كعب ولج الهجاء بينهما من هو الأشعر الأخطل أم جرير أم الفرزدق وكان نصرانيا من أهل الجزيرة ومحله في الشعر أكبر من أن يحتاج إلى وصف وهو وجرير والفرزدق طبقة واحدة فجعلها ابن سلام أول طبقات الإسلام ولم يقع إجماع على أحدهم أنه أفضل ولكل واحد منهم طبقة تفضله عن الجماعة أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي الفضل قال حدثني إسحاق بن إبراهيم عن أبي عبيدة قال جاء رجل إلى يونس فقال له من أشعر الثلاثة قال الأخطل قلنا من الثلاثة قال أي ثلاثة ذكروا فهو أشعرهم قلنا عمن تروي هذا قال عن عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق الحضرمي وأبي عمرو بن العلاء وعنبسة الفيل وميمون الأقرن الذين ماشوا الكلام وطرقوه أخبرنا به أحمد بن عبد العزيز قال قال أبو عبيدة عن يونس فذكر مثله وزاد فيه لا كأصحابك هؤلاء لا بدويون ولا نحويون فقلت للرجل سله وبأي شيء فضلوه قال بأنه كان أكثرهم عدد طوال جياد ليس فيها سقط ولا فحش وأشدهم تهذيبا للشعر فقال ابو وهب الدقاق أما إن حماداُ وجناداً كانا لا يفضلانه فقال وما حماد وجناد لا نحويان ولا بدويان ولا يبصران الكسور ولا يفصحان وأنا أحدثك عن أبناء تسعين أو أكثر أدوا إلى أمثالهم ماشوا الكلام وطرقوه حتى وضعوا أبنيته فلم تشذ عنهم زنة كلمة وألحقوا السليم بالسليم والمضاعف بالمضاعف والمعتل بالمعتل والأجوف بالأجوف وبنات الياء بالياء وبنات الواو بالواو فلم تخف عليهم كلمة عربية وما علم حماد وجناد قال هارون حدثني القاسم بن يوسف عن الأصمعي أن الأخطل كان يقول تسعين بيتاً ثم يختار منها ثلاثين فيطيرها أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب قال أخبرنا محمد بن سلام قال سمعت سلمة بن عياش وذكر أهل المجلس جريراً والفرزدق والأخطل ففضله سلمة عليهما قال وكان إذا ذكر الأخطل يقول ومن مثل الأخطل وله في كل بيت شعر بيتان ثم ينشد قوله ( ولقد علمت إذا العِشارُ تَرَوَّحتْ ... هَدَجَ الرِّئال تَكُبُّهُنَّ شَمَالا ) ( أنَّا نُعَجِّلُ بالعَبِيطِ لضيفِنا ... قبل العِيال ونضرب الأبطالا ) ثم يقول ولو قال ( ولقد علمت إذا العِشارُ ... تروّحت هَدَجَ الرئال ) كان شعراً وإذا زدتَ فيه تكبهن شمالا كان أيضا شعراً من روي آخر أخبرنا ابو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال حدثني أبو يحيى الضبي قال كعب بن جعيل لقبه الأخطل سمعه ينشد هجاء فقال يا غلام إنك لأخطل اللسان فلزمته أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن معاوية قال حدثنا بعض أصحابنا عن رجل من بني سعد قال كنت مع نوح بن جرير في ظل شجرة فقلت له قبحك الله وقبح أباك أما أبوك فأفنى عمره في مديح عبد ثقيف يعني الحجاج وأما أنت فامتدحت قثم بن العباس فلم تهتد لمناقبه ومناقب آبائه حتى امتدحته بقصر بناه فقال والله لئن سؤتني في هذا الموضع لقد سؤت فيه أبي بينا أنا آكل معه يوماً وفي فيه لقمة وفي يده أخرى فقلت يا ابت أنت أشعر أم الأخطل فجرض باللقمة التي في فيه ورمى بالتي في يده وقال يا بني لقد سررتني وسؤتني فأما سرورك إياي فلتعهدك لي مثل هذا وسؤالك عنه وأما ما سؤتني به فلذكرك رجلا قد مات يا بني أدركت الأخطل وله ناب واحد ولو أدركته وله ناب آخر لأكلني به ولكني أعانتني عليه خصلتان كبر سن وخبث دين أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد قال ( سئل حماد الراوية عن الأخطل فقال ما تسألوني عن رجل قد حبب شعره إلي النصرانية قال إسحاق وحدثني ابو عبيدة قال قال أبو عمرو لو أدرك الأخطل يوما واحدا من الجاهلية ما قدمت عليه أحداً قال إسحاق وحدثني الأصمعي أن أبا عمرو أنشد بيت شعر فاستجاده وقال لو كان للأخطل ما زاد وذكر يعقوب بن السكيت عن الأصمعي عن أبي عمرو أن جريراً سئل أي الثلاثة أشعر فقال أما الفرزدق فتكلف مني ما لا يطيق وأما الأخطل فأشدنا اجتراء وأرمانا للفرائص وأما أنا فمدينة الشعر وقال ابن النطاح حدثني الأصمعي قال إنما أدرك جرير الأخطل وهو شيخ قد تحطم وكان الأخطل أسن من جرير وكان جرير يقول أدركته وله ناب واحد ولو أدركت له نابين لأكلني قال وكان أبو عمرو يقول لو أدرك الأخطل يوما واحداً من الجاهلية ما فضلت عليه أحداً أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال قال العلاء بن جرير إذا لم يجىء الأخطل سابقاً فهو سكيت والفرزدق لا يجىء سابقاً ولا سكيتاً وجرير يجيء سابقا ومصلياً وسكيتاً وقال يعقوب بن السكيت قال الأصمعي قيل لجرير ما تقول في الأخطل قال كان أشدنا اجتزاء بالقليل وأنعتنا للحمر والخمر وروى إسماعيل عن عبيد الله عن مؤرج عن شعبة عن سماك بن حرب أن الفرزدق دخل الكوفة فلقيه ضوء بن اللجلاج فقال له من أمدح أهل الإسلام فقال له وما تريد إلى ذلك قال تمارينا فيه قال الأخطل أمدح العرب وقال هارون بن الزيات حدثني هارون بن مسلم عن حفص بن عمر قال سمعت شيخاً كان يجلس إلى يونس كان يكنى أبا حفص فحدثه انه سأل جريراً عن الأخطل فقال أمدح الناس لكريم وأوصفه للخمر قال وكان ابو عبيدة يقول شعراء الإسلام الأخطل ثم جرير ثم الفرزدق قال أبو عبيدة وكان ابو عمرو يشبه الأخطل بالنابغة لصحة شعره وقال ابن النطاح حدثني عبد الله بن رؤية بن العجاج قال كان أبو عمرو يفضل الأخطل وقال ابن النطاح حدثني عبد الرحمن بن برزخ قال كان حماد يفضل الأخطل على جرير والفرزدق فقال له الفرزدق إنما تفضله لأنه فاسق مثلك فقال لو فضلته بالفسق لفضلتك قال ابن النطاح قال لي إسحاق بن مرار الشيباني الأخطل عندنا أشعر الثلاثة فقلت يقال أنه أمدحهم فقال لا والله ولكن أهجاهم من منهما يحسن أن يقول ( ونحن رفعنا عن سَلُولَ رماحَنا ... وعَمْداً رَغِبنا عن دماء بني نَصْرِ ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى عن أحمد بن الحارث عن المدائني قال قال الأخطل أشعر الناس قبيلة بنو قيس بن ثعلبة وأشعر الناس بيتا آل أبي سلمى وأشعر الناس رجل في قميصي عبد الملك بن مروان يجيزه على مدحه أخبرني الحسن قال حدثني محمد قال حدثني الخراز عن المدائني عن علي بن حماد هكذا قال وأظنه علي بن مجاهد قال قال الأخطل لعبد الملك يا امير المؤمنين زعم ابن المراغة أنه يبلغ مدحتك في ثلاثة أيام وقد أقمت في مدحتك ( خَفّ القَطِينُ فراحوا منك أو بَكَرُوا ... ) سنة فما بلغت كل ما أردت فقال عبد الملك فأسمعناها يا أخطل فأنشده إياها فجعلت أرى عبد الملك يتطاول لها ثم قال ويحك يا أخطل أتريد أن أكتب إلى الآفاق أنك أشعر العرب قال أكتفي بقول أمير المؤمنين وأمر له بجفنة كانت بين يديه فملئت دراهم وألقى عليه خلعا وخرج به مولى لعبد الملك على الناس يقول هذا شاعر أمير المؤمنين هذا أشعر العرب وقال ابن الزيات حدثني جعفر بن محمد بن عيينة بن المنهال عن هشام عن عوانة قال أنشد عبد الملك قول كثير فيه ( فما تركوها عَنْوةً من مودَّةٍ ... ولكن بحَدِّ المَشْرَفِيّ استقالَها ) فأعجب به فقال له الأخطل ما قلت لك والله يا أمير المؤمنين أحسن منه قال وما قلت قال قلت ( أَهَلُّوا من الشهر الحَرَامِ فأصبحوا ... مَوالِيَ مُلْكٍ لا طَرِيفٍ ولا غَصْبِ ) جعلته لك حقا وجعلك أخذته غصبا قال صدقت ادعاؤه بأنه اشعر من جرير والفرزدق قال أخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال أخبرنا عمر بن شبة قال أخبرنا أبو دقاقة الشامي مولى قريش عن شيخ من قريش قال رأيت الأخطل خارجا من عند عبد الملك فلما انحدر دنوت منه فقلت يا أبا مالك من أشعر العرب قال هذان الكلبان المتعاقران من بني تميم فقلت فأين أنت منهما قال أنا واللات أشعر منهما قال فحلف باللات هزؤا واستخفافا بدينه وروى هذا الخبر أبو أيوب المديني عن المدائني عن عاصم بن شبل الجرمي أنه سأل الأخطل عن هذا فذكر نحوه وقال واللات والعزى أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال ذكر الحرمازي أن رجلا من بني شيبان جاء إلى الأخطل فقال له يا أبا مالك إنا وإن كنا بحيث تعلم من افتراق العشيرة واتصال الحرب والعداوة تجمعنا ربيعة وإن لك عندي نصحا فقال هاته فما كذبت فقلت إنك قد هجوت جريرا ودخلت بينه وبين الفرزدق وأنت غني عن ذلك ولا سيما أنه يبسط لسانه بما ينقبض عنه لسانك ويسب ربيعة سبا لا تقدر على سب مضر بمثله والملك فيهم والنبوة قبله فلو شئت أمسكت عن مشارته ومهارته فقال صدقت في نصحك وعرفت مرادك وصلتك رحم فوالصليب والقربان لأتخلصن إلى كليب خاصة دون مضر بما يلبسهم خزيه ويشملهم عاره ثم اعلم أن العالم بالشعر لا يبالي وحق الصليب إذا مر به البيت المعاير السائر الجيد أمسلم قاله أم نصراني أخبرني وكيع قال حدثني أبو أيوب المديني عن أبي الحسن المدائني قال أصبح عبد الملك يوما في غداة باردة فتمثل قول الأخطل ( إذا اصطبح الفتى منها ثلاثاً ... بغير الماءِ حاول أن يَطُولاَ ) ( مَشَى قرشيَّةً لا شكَّ فيها ... وأرخَى من مآزِرِه الفُضولا ) ثم قال كأني أنظر إليه الساعة مجلل الإزار مستقبل الشمس في حانوت من حوانيت دمشق ثم بعث رجلا يطلبه فوجده كما ذكره وقال هارون بن الزيات حدثني طائع عن الأصمعي قال أنشد أبو حية النميري يوما أبا عمرو ( يا لَمَعَدٍّ ويا لَلَّناسِ كلِّهمُ ... ويا لَغائبهم يوماً ومَنْ شَهِدا ) كأنه معجب بهذا البيت فجعل أبو عمرو يقول له إنك لتعجب بنفسك كأنك الأخطل حواره مع عبد الملك بعد أن عرض عليه الإسلام أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الغلابي عن عبد الرحمن التيمي عن هشام بن سليمان المخزومي أن الأخطل قدم على عبد الملك فنزل على ابن سرحون كاتبه فقال عبد الملك على من نزلت قال على فلان قال قاتلك الله ما أعلمك بصالح المنازل فما تريد أن ينزلك قال درمك من درمككم هذا ولحم وخمر من بيت رأس فضحك عبد الملك ثم قال له ويلك وعلى أي شيء اقتتلنا إلا على هذا ثم قال ألا تسلم فنفرض لك في الفيء ونعطيك عشرة آلاف قال فكيف بالخمر قال وما تصنع بها وإن أولها لمر وإن آخرها لسكر فقال أما إذا قلت ذلك فإن فيما بين هاتين لمنزلة ما ملكك فيها إلا كعلقة ماء من الفرات بالإصبع فضحك ثم قال ألا تزور الحجاج فإنه كتب يستزيرك فقال أطائع ام كاره قال بل طائع قال ما كنت لأختار نواله على نوالك ولا قربه على قربك إنني إذا لكما قال الشاعر ( كَمُبْتاعٍ ليركبَه حماراً ... تَخَيَّره من الفرس الكبير ) فأمر له بعشرة آلاف درهم وأمره بمدح الحجاج فمدحه بقوله ( صَرَمتْ حِبالَك زينبٌ ورَعُومُ ... وبَدَا المُجَمْجَمُ منهما المكتومُ ) ووجه بالقصيدة مع ابنه إليه وليست من جيد شعره وقال هارون بن الزيات حدثني محمد بن إسماعيل عن أبي غسان قال ذكروا الفرزدق وجريرا في حلقة المدائني فقلت لصباح بن خاقان أنشدك بيتين للأخطل وتجيء لجرير والفرزدق بمثلهما قال هات فأنشدته ( ألَمْ يأتِها أنّ الأرَاقِمَ فَلَّقَتْ ... جَمَاجِمَ قَيْسٍ بين رَاذَانَ والحَضْرِ ) ( جَمَاجِم قومٍ لم يَعافوا ظُلامَةً ... ولم يعرِفوا أين الوفاءُ من الغَدْرِ ) قال فسكت قال إسحاق وحدثني أبو عبيدة أن يونس سئل عن جرير والفرزدق والأخطل أيهم أشعر قال أجمعت العلماء على الأخطل فقلت لرجل إلى جنبه سله ومن هم فقال من شئت ابن أبي إسحاق وأبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر وعنبسة الفيل وميمون الأقرن هؤلاء طرقوا الكلام وماشوه لا كمن تحكمون عنه لا بدويين ولا نحويين فقلت للرجل سله وبأي شيء فضل على هؤلاء قال بأنه كان أكثرهم عدد قصائد طوال جياد ليس فيها فحش ولا سقط قال أبو عبيدة فنظرنا في ذلك فوجدنا للأخطل عشرا بهذه الصفة وإلى جانبها عشرا إن لم تكن مثلها فليست بدونها ووجدنا لجرير بهذه الصفة ثلاثا قال إسحاق فسألت أبا عبيدة عن العشر فقال ( عَفَا واسِطٌ من آل رَضْوَى فنَبْتَلُ ... ) و ( تأبَّد الرَّبْعُ من سَلْمَى بأحفارِ ... ) و ( خَفّ القَطينُ فراحوا منك وابتكَروا ... ) و ( كَذَبْتك عينُك أم رأيتَ بواسطٍ ... ) و ( دَعِ المُعَمَّر لا تسأل بمَصْرَعِه ... ) و ( لمن الديارُ بحائلٍ فوُعَالِ ... ) قال إسحاق ولم احفظ بقية العشر قال وقصائد جرير ( حيِّ الهِدَمْلةَ من ذات المَوَاعِيسِ ... ) و ( أَلاَ طرقتَكَ وأهلي هُجُودُ ... ) و ( أَهَوًى أَراكَ برامَتَيْنِ وُقودا ... ) قال وقال أبو عبيدة الأخطل أشبه بالجاهلية وأشدهم أسر شعر وأقلهم سقطا واخبرنا الجوهري عن عمر بن شبة عن أبي عبيدة مثله وفي بعض هذه القصائد التي ذكرت للأخطل اغان هذا موضع ذكرها منها صوت ( تأبّد الرَّبْعُ من سَلْمَى بأحفارِ ... وأَقْفرتْ من سُلَيْمَى دِمْنةُ الدارِ ) ( وقد تَحُلُّ بها سَلْمَى تُجاذِبُني ... تَسَاقُطَ الحَلْي حاجاتي وأسراري ) غناه عمر الوادي هزجا بالسبابة في مجرى الوسطى وسنذكر خبر هذا الشعر في أخبار عبد الرحمن بن حسان لما هجاه الأخطل وهجا الأنصار إذ كان هذا الشعر قيل في ذلك ومنها صوت ( خَفّ القَطِينُ فراحوا منك وابتكروا ... وأزعجتْهم نَوَّى في صَرْفِها غِيَرُ ) ( كانَّني شاربٌ يوم استُبِدَّ بهم ... من قَهْوةٍ ضُمِّنَتْها حِمْصُ أو جَدَرُ ) ( جادتْ بها من ذواتِ القارِ مُتْرَعةٌ ... كَلْفاءُ يَنْحَتُّ عن خُرْطومها المَدَر ) غناه إبراهيم خفيف ثقيل بالبنصر ولابن سريج فيه رمل بالوسطى عن عمرو وفيه رمل آخر يقال إنه لعلويه ويقال إنه لإبراهيم وفيه لعلويه خفيف ثقيل آخر لا يشك فيه بماذا أجاب عمر بن الوليد عندما سأله عن أشعر الناس وقال هارون بن الزيات حدثني ابن النطاح عن أبي عمرو الشيباني عن رجل من كلب يقال له مهوش عن أبيه أن عمر بن الوليد بن عبد الملك سأل الأخطل عن أشعر الناس قال الذي كان إذا مدح رفع وإذا هجا وضع قال ومن هو قال الأعشى قال ثم من قال ابن العشرين يعني طرفة قال ثم من قال أنا أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال أخبرنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو بكر العليمي قال حدثنا أبو قحافة المري عن أبيه قال دخل الأخطل على بشر بن مروان وعنده الراعي فقال له بشر أنت أشعر أم هذا قال أنا أشعر منه واكرم فقال للراعي ما تقول قال أما أشعر مني فعسى وأما اكرم فإن كان في أمهاته من ولدت مثل الأمير فنعم فلما خرج الأخطل قال له رجل أتقول لخال الأمير أنا أكرم منك قال ويلك إن أبا نسطوس وضع في رأسي أكؤساً ثلاثا فوالله ما أعقل معها أنشد عبد الملك وهو نشوان قال ودخل الأخطل على عبد الملك بن مروان فاستنشده فقال قد يبس حلقي فمر من يسقيني فقال اسقوه ماء فقال شراب الحمار وهو عندنا كثير قال فاسقوه لبنا قال عن اللبن فطمت قال فاسقوه عسلا قال شراب المريض قال فتريد ماذا قال خمرا يا أمير المؤمنين قال أوعهدتني اسقي الخمر لا أم لك لولا حرمتك بنا لفعلت بك وفعلت فخرج فلقي فراشا لعبد الملك فقال ويلك إن أمير المؤمنين استنشدني وقد صحل صوتي فاسقني شربة خمر فسقاه فقال اعدله بآخر فسقاه آخر فقال تركتهما يعتركان في بطني اسقني ثالثا فسقاه ثالثاً فقال تركتني أمشي على واحدة اعدل ميلي برابع فسقاه رابعا فدخل على عبد الملك فأنشده ( خَفّ القطينُ فراحوا منك وابتكَروا ... وأزعجتْهم نَوًى في صرفها غِيَرُ ) فقال عبد الملك خذ بيده يا غلام فأخرجه ثم ألق عليه من الخلع ما يغمره واحسن جائزته وقال إن لكل قوم شاعرا وإن شاعر بني أمية الأخطل أخبرني أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلام قال قال أبان بن عثمان حدثني سماك بن حرب عن ضوء بن اللجلاج قال دخلت حماما بالكوفة وفيه الأخطل قال فقال ممن الرجل قلت من بني ذهل قال أتروي للفرزدق شيئا قلت نعم قال ما أشعر خليلي على أنه ما أسرع ما رجع في هبته قلت وما ذاك قال قوله ( أَبَني غُدَانَةَ إنَّني حَرَّرتكم ... فوَهبتُكم لعطيَّة بن جِعَالِ ) ( لولا عَطِيَّةُ لاجتدعتُ أُنوفَكم ... من بين ألأم آنُفٍ وسِبَالِ ) وهبهم في الأول ورجع في الآخر فقلت لو أنكر الناس كلهم هذا ما كان ينبغي أن تنكره أنت قال كيف قلت هجوت زفر بن الحارث ثم خوفت الخليفة منه فقلت ( بني أُميَّةَ إنِّي ناصحٌ لكمُ ... فلا يَبِيتنَّ فيكم آمِناً زُفَرُ ) ( مفترشاً كافتراش اللَّيث كَلْكَلَه ... لوقعةٍ كائنٍ فيها له جَزَرُ ) مدحت عكرمة بن ربعي فقلت ( قد كنتُ أحسَبه قَيْناً وأُخْبَرُه ... فاليومَ طُيِّرَ عن أثوابه الشَّرَرُ ) قال لو أردت المبالغة في هجائه ما زدت على هذا فقال له الأخطل والله لولا أنك من قوم سبق لي منهم ما سبق لهجوتك هجاء يدخل معك قبرك ثم قال ( ما كنتَ هاجِيَ قوم بعد مَدْحِهِمُ ... ولا تُكَدَّرُ نُعْمَى بعد ما تَجِبُ ) أخرج عني وقال هارون بن الزيات حدثني أحمد بن إسماعيل الفهري عن أحمد بن عبد العزيز بن علي بن ميمون عن معن بن خلاد عن ابيه قال لما استنزل عبد الملك زفر بن الحارث الكلابي من قرقيسيا أقعده معه على سريره فدخل عليه ابن ذي الكلاع فلما نظر إليه مع عبد الملك على السرير بكى فقال له ما يبكيك فقال يا أمير المؤمنين كيف لا أبكي وسيف هذا يقطر من دماء قومي في طاعتهم لك وخلافه عليك ثم هو معك على السرير وأنا على الأرض قال إني لم أجلسه معي أن يكون أكرم علي منك ولكن لسانه لساني وحديثه يعجبني فبلغت الأخطل وهو يشرب فقال أما والله لأقومن في ذلك مقاما لم يقمه ابن ذي الكلاع ثم خرج حتى دخل على عبد الملك فلما ملأ عينه منه قال ( وكأسٍ مثلِ عين الدِّيكِ صِرْفٍ ... تُنَسِّي الشاربين لها العقولاَ ) ( إذا شَرِب الفَتَى منها ثلاثاً ... بغير الماءِ حاول أن يَطُولاَ ) ( مَشَى قُرَشية لا شكَّ فيها ... وأرخَى من مآزره الفُضولاَ ) فقال له عبد الملك ما أخرج هذا منك يا أبا مالك إلا خطة في رأسك قال اجل والله يا أمير المؤمنين حين تجلس عدو الله هذا معك على السرير وهو القائل بالأمس ( وقد يَنْبُت المَرْعَى على دِمَنِ الثَّرَى ... وتبقَى حزازاتُ النفوسِ كما هيا ) قال فقبض عبد الملك رجله ثم ضرب بها صدر زفر فقلبه عن السرير وقال أذهب الله حزازات تلك الصدور فقال أنشدك الله يا أمير المؤمنين والعهد الذي أعطيتني فكان زفر يقول ما أيقنت بالموت قط إلا تلك الساعة حين قال الأخطل ما قال وقال هارون بن الزيات حدثني هارون بن مسلم عن سعيد بن الحارث عن عبد الخالق بن حنظلة الشيباني قال قال الأخطل فضلت الشعراء في المديح والهجاء والنسيب بما لا يلحق بي فيه فأما النسيب فقولي ( أَلاَ يا اسْلَمِي يا هندُ هندَ بني بَدْرِ ... وإن كان حيَّانَا عِدًى آخِرَ الدَّهْرِ ) ( من الخَفِراتِ البِيضِ أمَّا وِشَاحُها ... فيجري وأمَّا القُلْبُ منها فلا يجري ) ( تموت وتحيا بالضجيع وتلتوي ... بمُطَّرِد المَتْنَيْن مُنْبَترِ الخَصْرِ ) وقولي في المديح ( نفسِي فداءُ أمير المؤمنين إذا ... أبدى النَّواجِذَ يوماً عارِمٌ ذَكَرُ ) ( الخائضُ الغمرةِ الميمونُ طائرهُ ... خليفةُ اللَّه يُسْتَسْقَى به المَطَرُ ) وقولي في الهجاء ( وكنتَ إذا لَقِيتَ عبيدَ تَيْمٍ ... وتيماً قلتَ أيُّهمُ العبيدُ ) ( لئيمُ العالَمين يَسُودُ تَيْماً ... وسيِّدُهم وإن كَرِهوا مَسُودُ ) قال عبد الخالق وصدق لعمري لقد فضلهم طلق زوجته وتزوج من مطلقة أخبرني احمد بن عبد العزيز قال حدثني عمر بن شبة عن أحمد بن معاوية عن محمد بن داود قال طلق أعرابي امرأته فتزوجها الأخطل وكان الأخطل قد طلق امرأته قبل ذلك فبينا هي معه إذ ذكرت زوجها الأول فتنفست فقال الأخطل ( كِلاَنَا على هَمٍّ يبيتُ كأنما ... بجَنْبَيْهِ من مَسِّ الفِراش قُروحُ ) ( على زوجِها الماضي تنوحُ وإنني ... على زوجتي الأُخْرى كذاك أنوحُ ) أخبرني الحسن بن علي قال أخبرنا أحمد بن زهير بن حرب عن خالد بن خداش أن الأخطل قال لعبد الملك بن المهلب ما نازعتني نفسي قط إلى مدح أحد ما نازعتني إلى مدحكم فأعطني عطية تبسط بها لساني فوالله لأردينكم أردية لا يذهب صقالها إلى يوم القيامة فقال أعلم والله يا أبا مالك أنك بذلك مليء ولكني أخاف أن يبلغ أمير المؤمنين أني أسأل في غرم وأعطي الشعراء فأهلك ويظن ذلك مني حيلة فلما قدم على إخوته لاموه كل اللوم فيما فعله فقال قد أخبرته بعذري أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال قال أبو الخطاب حدثني نوح بن جرير قال قلت لأبي أنت أشعر أم الأخطل فنهرني وقال بئس ما قلت وما أنت وذاك لا أم لك فقلت وما أنا وغيره قال لقد أعنت عليه بكفر وكبر سن وما رأيته إلا خشيت أن يبتلعني أخبرني عمَّي عن الكراني عن دماذ عن أبي عبيدة قال ( قال رجل لأبي عمرو يا عجباً للأخطل نصراني كافر يهجو المسلمين فقال أبو عمرو يا لكع لقد كان الأخطل يجيء وعليه جبة خز وحرز خز في عنقه سلسة ذهب فيها صليب ذهب تنفض لحيته خمراً حتى يدخل على عبد الملك بن مروان بغير إذن ابو العسكر يصنف الشعراء الثلاثة وقال هارون حدثني أحمد بن إسماعيل الفهري عن أحمد بن عبد الله بن علي الدوسي عن معقل بن فلان عن أبيه عن أبي العسكر قال كنا بباب مسلمة بن عبد الملك فتذاكرنا الشعراء الثلاثة فقال أصحابي حكمناك وتراضينا بك فقلت نعم هم عندي كأفراس ثلاثة أرسلتهن في رهان فأحدها سابق الدهر كله وأحدها مصل وأحدها يجيء أحيانا سابق الريح وأحيانا سكيتا وأحيانا متخلفاً فأما السابق في كل حالاته فالأخطل وأما المصلي في كل حالاته فالفرزدق وأما الذي يسبق الريح أحيانا ويتخلف أحيانا فجرير ثم أنشد له ( سَرَى لهمُ ليلٌ كأنّ نجومَه ... قناديلُ فيهنّ الذُّبَالُ المُفَتَّلُ ) وقال أحسن في هذا وسبق ثم أنشد ( التَّغْلَبِيَّةُ مَهْرُها فَلْسانِ ... والتغلَبيّ جنازةُ الشَّيْطانِ ) وقال تخلف في هذه فخرجنا من عنده على هذا وقال هارون بن الزيات حدثني محمد بن عمرو الجرجاني عن أبيه أن الفرزدق والأخطل بينا هما يشربان وقد اجتمعا بالكوفة في إمارة بشر بن مروان إذ دخل عليهما فتًى من أهل اليمامة فقالا له هل تروي لجرير شيئاً فأنشدهما ( لو قد بعثتُ على الفرزدقِ مِيسمِي ... وعلى البَعِيثِ لقد نكحتُ الأخطلاَ ) فأقبل الفرزدق فقال يا ابا مالك أتراه إن وسمني يتوركك على كبر سنك ففزع الفتى فقام وقال أنا عائذ بالله من شركما فقالا اجلس لا بأس عليك ونادماه بقية يومهما الفرزدق في ضيافته أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال أخبرنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو يعلى قال حدثني عبد السلام بن حرب قال نزل الفرزدق على الأخطل ليلاً وهو لا يعرفه فجاءه بعشاء ثم قال له إني نصراني وأنت حنيف فأي الشراب أحب إليك قال شرابك ثم جعل الأخطل لا ينشد بيتا إلا أتم الفرزدق القصيدة فقال الأخطل لقد نزل بي الليلة شر من أنت قال الفرزدق بن غالب قال فسجد لي وسجدت له فقيل للفرزدق في ذلك فقال كرهت أن يفضلني فنادى الأخطل يا بني تغلب هذا الفرزدق فجمعوا له إبلاً كثيرة فلما اصبح فرقها ثم شخص أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال كان مما يقدم به الأخطل أنه كان أخبثهم هجاء في عفاف عن الفحش وقال الأخطل ما هجوت أحداً قط بما تستحي العذراء أن تنشده أباها أخبرني أحمد وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن عباد الموصلي قال خرج يزيد بن معاوية معه عام حج بالأخطل فاشتاق يزيد أهله فقال ( بكَى كلُّ ذي شَجْوٍ من الشام شاقَهُ ... تَهامٍ فأنَّى يلتقي الشَّجِيَانِ ) أجز يا أخطل فقال ( يغُور الذي بالشام أو يُنْجِدُ الذي ... بغَوْرِ تهاماتٍ فيلتقيان ) أخبرني أحمد وحبيب قالا حدثنا عمر بن شبة قال قيل لأبي العباس أمير المؤمنين إن رجلاً شاعراً قد مدحك فتسمع شعره قال وما عسى أن يقول في بعد قول ابن النصرانية في بني أمية ( شُمْسُ العداوةِ حتى يُسْتقادَ لهم ... وأعظمُ الناسِ أحلاماً إذا قَدَرُوا ) خبر له مع أمه أخبرني به وكيع عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي بمثله قال هارون وحدثني هارون بن سليمان عن الحسن بن مروان التميمي عن أبي بردة الفزاري عن رجل من تغلب قال لحظ الأخطل شكوة لأمه فيها لبن وجرابا فيه تمر وزبيب وكان جائعا وكان يضيق عليه فقال لها يا أمّه آل فلان يزورونك ويقضون حقك وأنت لا تأتينهم وعندهم عليل فلو أتيتهم لكان اجمل وأولى بك قالت جزيت خيراً يا بني لقد نبهت على مكرمة وقامت فلبست ثيابها ومضت إليهم فمضى الأخطل إلى الشكوة ففرغ ما فيها وإلى الجراب فأكل التمر والزبيب كله وجاءت فلحظت موضعها فرأته فارغاً فعلمت أنه قد دهاها وعمدت إلى خشبة لتضربه بها فهرب وقال ( أَلَمَّ على عِنَبات العجوزِ ... وشَكْوَتها من غِيَاثٍ لَمَمْ ) ( فظلَّت تُنادي أَلاَ وَيْلَها ... وتَلْعَن واللعنُ منها أَمَمْ ) وذكر يعقوب بن السكيت هذه القصة فحكى أنها كانت مع امرأة لأبيه لها منه بنون فكانت تؤثرهم باللبن والتمر والزبيب وتبعث به يرعى أعنزاً لها وسائر القصة والشعر متفق وقال في خبره وهذا أول شعر قاله الأخطل نسيبه بأمامة ورعوم أخبرني الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن علي بن فيروز عن الأصمعي عن أمامة ورعوم اللتين قال فيهما الأخطل ( صَرَمتْ أَمَامَةُ حبلَها ورَعومُ ... ) ورعوم وأمامة بنتا سعيد بن إياس بن هانىء بن قبيصة وكان الأخطل نزل عليه فأطعمه وسقاه خمراً وخرجتا وهما جويريتان فخدمتاه ثم نزل عليه ثانية وقد كبرتا فحجبتا عنه فسأل عنهما وقال فأين ابنتاي فأخبر بكبرهما فنسب بهما قال والرعوم هي التي كانت عند قتيبة بن مسلم وكان يقال لها أم الأخماس تزوجت في أخماس البصرة محمد بن المهلب وعامر بن مسمع وعباد بن الحصين وقتيبة بن مسلم وكان يقال لها الجارود أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخراز عن المدائني قال قال أبو عبد الملك كانت بكر بن وائل إذا تشاجرت في شيء رضيت بالأخطل وكان يدخل المسجد فيقدمون إليه قال فرأيته بالجزيرة وقد شكي إلى القس وقد أخذ بلحيته وضربه بعصاه وهي يصيء كما يصيء الفرخ فقلت له أين هذا مما كنت فيه بالكوفة فقال يابن أخي إذا جاء الدين ذللنا وقال يعقوب بن السكيت زعم غيلان عن يحيى بن بلال عن عمر بن عبد الله عن داود بن المساور قال ( دخلت إلى الأخطل فسلمت عليه فنسبني فانتسبت واستنشدته فقال أنشدك حبة قلبي ثم أنشدني ( لَعَمْرِي لقد أَسْريتُ لا ليلَ عاجز ... بسَلْهَبَةِ الخَدَّيْنِ ضاويةِ القُرْبِ ) ( إليكَ أميرَ المؤمنين رَحَلْتُها ... على الطائِر الميمون والمنزل الرَّحْبِ ) فقلت من أشعر الناس قال الأعشى قلت ثم من قال ثم أنا أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه عن أبي أيوب المديني عن المدائني قال امتدح الأخطل هشاما فأعطاه خمسمائة درهم فلم يرضها وخرج فاشترى بها تفاحاً وفرقه على الصبيان فبلغ ذلك هشاماً فقال قبحه الله ما ضر إلا نفسه وقال يعقوب بن السكيت حدثني سلمة النميري وتوفي وله مائة وأربعون سنة أنه حضر هشاماً وله يومئذ تسع عشرة سنة وحضر جرير والفرزدق والأخطل عنده فأحضر هشام ناقة له فقال متمثلا ( أنيخها ما بَدَا لِي ثم أَرْحَلُها ... ) ( ثم قال أيكم أتم البيت كما أريد فهي له فقال جرير ( كأنَّها نِقْنِقٌ يَعْدُو بصَحْراءِ ... ) ( فقال لم تصنع شيئا فقال الفرزدق ( كأنَّها كاسِرٌ بالدَّوّ فَتْخاءُ ... ) فقال لم تغن شيئاً فقال الأخطل ( تُرْخِي المَشافِرَ واللَّحْيينِ إرخاءَ ... ) فقال اركبها لا حملك الله هجا جارية بعد أن هجته وقال هارون بن الزيات حدثني الخراز عن المدائني قال هجت الأخطل جارية من قومه فقال لأبيها يا أبا الدلماء إن ابنتك تعرضت لي فاكففها فقال له هي امرأة مالكة لأمرها فقال الأخطل ( أَلاَ أَبْلِغْ أبا الدَّلْمَاءِ عنِّي ... بأن سِنانَ شاعركم قصيرُ ) ( فإنْ يَطْعُنْ فليس بذي غَناءٍ ... وإن يُطْعَنْ فمَطْعنَهُ يسيرُ ) ( متى ما ألقَه ومعي سِلاحي ... يخِرّ على قفاه فلا يُحِيرُ ) فمشى أبوها في رجال من قومه إلى الأخطل فكلموه فقال أما ما مضى فقد مضى ولا أزيد أخبرنا ابو خليفة إجازة عن محمد بن سلام قال لما حضرت الأخطل الوفاة قيل له يا أبا مالك ألا توصي فقال ( أوَصِّي الفرزدق عند المماتِ ... بأُمِّ جريرٍ وأعيارِها ) ( وزار القبورَ ابو مالكٍ ... برغم العُداة وأَوْتارِها ) راي كبار الرواة فيه أخبرنا أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلام قال قال لي معاوية بن أبي عمرو بن العلاء أي البيتين عندك أجود قول جرير ( ألستم خيرَ مَنْ رَكِب المَطَايَا ... وأَنْدَى العالمين بُطُونَ رَاحِ ) أم قول الأخطل ( شُمْسُ العداوةِ حتى يُسْتَقادَ لهم ... وأعظمُ الناسِ أحلاماً إذا قَدَرُوا ) فقلت بيت جرير أحلى وأسير وبيت الأخطل أجزل وأرزن فقال صدقت وهكذا كانا في أنفسهما عند الخاصة والعامة أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الحلبي وجعفر بن سعيد أن رجلاً سأل حماداً الراوية عن الأخطل فقال ويحكم ما أقول في شعر رجل قد والله حبب إلي شعره النصرانية أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو عثمان الأشنانداني عن أبي عبيدة قال كان يونس بن حبيب وعيسى بن عرم وابو عمرو يفضلون الأخطل على الثلاثة وقال هارون بن الزيات حدثني أبو عثمان المازني عن العتبي عن أبيه أن سليمان بن عبد الملك سأل عمر بن عبد العزيز أجرير اشعر أم الأخطل فقال له أعفني قال لا والله لا أعفيك قال إن الأخطل ضيق عليه كفره القول وإن جريراً وسع عليه إسلامه قوله وقد بلغ الأخطل منه حيث رأيت فقال له سليمان فضلت والله الأخطل قال هارون وحدثني أبو عثمان عن الأصمعي عن خالد بن كلثوم قال قال عبد الملك للفرزدق من أشعر الناس في الإسلام قال كفاك بابن النصرانية إذا مدح قصة أبي سواج أخبرنا أحمد وحبيب قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثت أن الحجاج بن يوسف أوفد وفداً إلى عبد الملك وفيهم جرير فجلس لهم ثم أمر بالأخطل فدعي له فلما دخل عليه قال له يا أخطل هذا سبك يعني جريراً وجرير جالس فأقبل عليه جرير فقال أين تركت خنازير أمك قال راعية مع أعيار أمك وإن أتيتنا قريناك منها فأقبل جرير على عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين إن رائحة الخمر لتفوح منه قال صدق يا أمير المؤمنين وما اعتذاري من ذلك ( تَعِيبُ الخمرَ وهي شرابُ كِسْرَى ... ويشرَب قومُك العَجَبَ العجيبَا ) ( مَنِيُّ العبد عبدِ ابي سُوَاج ... ( أَحَقُّ من المُدامةِ أن تَعِيبا ) فقال عبد الملك دعوا هذا وأنشدني يا جرير فأنشده ثلاث قصائد كلها في الحجاج يمدحه بها فأحفِظ عبد الملك وقال له يا جرير إن الله لم ينصر الحجاج وإنما نصر خليفته ودينه ثم أقبل على الأخطل فقال ( شُمْسُ العداوةِ حتى يُستقادَ لهم ... وأعظمُ الناس أحلاماً إذا قَدروا ) فقال عبد الملك هذه المزمرة والله لو وضعت على زبر الحديد لأذابتها ثم أمر له بخلع فخلعت عليه حتى غاب فيها وجعل يقول إن لكل قوم شاعراً وإن الأخطل شاعر بني أمية فأما قول الأخطل ( مَنيّ العبدِ عبدِ أبي سُوَاجٍ ... ) فأخبرني بخبر أبي سواج علي بن سليمان الأخفش ومحمد بن العباس اليزيدي قالا حدثنا أبو سعيد السكري قال حدثنا محمد بن حبيب وابو غسان دماذ عن أبي عبيدة معمر بن المثنى أن ابا سواج وهو عباد بن خلف الضبي جاور بني يربوع وكانت له فرس يقال لها بذوة وكان لصرد بن جمرة اليربوعي فرس يقال لها القضيب فتراهنا عشرين بعشرين فسبقت بذوة فظلمه ابن جمرة حقه ومنعه سبقه وجعل يفجر بامرأته ثم إن ابا سواج ذهب إلى البحرين يمتار فلما اقبل راجعاً وكان رجلاً شديداً معجباً بنفسه جعل يقول وهو يحدو ( يا ليتَ شِعْرِي هل بَغَتْ من بَعْدي ... ) فسمع قائلاً يقول من خلفه ( نَعَمْ بمكوِيٍّ قَفاهُ جَعْدِي ... ) فعاد إلى قوله فأجابه بمثل ذلك وقدم إلى منزله فأقام به مدة فتغاضب صرد على امرأة أبي سواج وقال لا أرضى أو تقدي من است أبي سواج سيراً فأخبرت زوجها بذلك فقام إلى نعجة له فذبحها وقد من باطن أليتيها سيراً فدفعه إليها فجعله صرد بن جمرة في نعله فقال لقومه إذا أقبلت وفيكم أبو سواج فسلوني من أين أقبلت ففعلوا فقال من ذي بليان وأريد ذابليان وفي نعلي شراكان من است إنسان فقام ابو سواج فطرح ثوبه وقال أنشدكم الله هل ترون بأساً ثم أمر أبو سواج غلامين له راعيين أن يأخذا أمة له فيتراوحاها ودفع إليهما عساً وقال لئن قطرت منكما قطرة في غير العس لأقتلنكما فباتا يتراوحانها ويصبان ما جاء منهما في العس وأمرهما أن يحلبا عليه فحلبا حتى ملآه ثم قال لامرأته والله لتسقنه صرد أو لأقتلنك واختبأ وقال ابعثي إليه حتى يأتيك ففعلت واتاها لعادتها كما كان يأتيها فرحبت به واستبطأته ثم قامت إلى العس فناولته إياه فلما ذاقه رأى طعماً خبيثاً وجعل يتمطق من اللبن الذي يشرب وقال إني أرى لبنكم خاثراً أحسب إبلكم رعت السعدان فقالت إن هذا من طول مكثه في الإناء أقسمت عليك إلا شربته فلما وقع في بطنه وجد الموت فخرج إلى أهله ولا يعلم أصحابه بشيء من أمره فلما جن على أبي سواج الليل أتى أهله وغلمانه فانصرفوا إلى قومه وخلف الفرس وكلبه في الدار فجعل الكلب ينبح والفرس يصهل وذلك ليظن القوم أنه لم يرتحل فساروا ليلتهم والدار ليس فيها غيره وكلبه وفرسه وعسه فلما اصبح ركب فرسه وأخذ العس فأتى مجلس بني يربوع فقال جزاكم الله من جيران خيراً فقد أحسنتم الجوار وفعلتم ما كنتم له أهلاً فقالوا له يا أبا سواج ما بدا لك في الانصراف عنا قال إن صرد بن جمرة لم يكن فيما بيني وبينه محسنا وقد قلت في ذلك ( ( إن المَنيَّ إذا سَرَى ... في العبد اصبح مُسْمَغِدَّا ) ( أتُنالُ سَلْمَى باطلاً ... وخُلِقْتُ يوم خُلِقتُ جَلْدَا ) ( صُرَدَ بنَ جمرةَ هل لَقِيتَ ... رثيئةً لبناً وعَصْدَا ) واعلموا أن هذا القدح قد أحبل منكم رجلاً وهو صرد بن جمرة ثم رمى بالعس على صخرة فانكسر وركض فرسه وتنادوا عليكم الرجل فأعجزهم ولحق بقومه وقال في ذلك عمر بن لجأ التيمي ( تُمَسِّحُ يربوعٌ سبالاً لئميةً ... بها من مَنِيِّ العبدِ رَطْبٌ ويابسُ ) وإياه عنى الأخطل بقوله ( ويشرَب قومُك العجبَ العجيبا ... ) حبسه القس ثم أطلقه بعد شفاعة أخبرنا ابو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال زعم محمد بن حفص بن عائشة التيمي عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب قال قدمت الشام وأنا شاب مع أبي فكنت أطوف في كنائسها ومساجدها فدخلت كنيسة دمشق وإذا الأخطل فيها محبوس فجعلت أنظر إليه فسأل عني فاخبر بنسبي فقال يا فتى إنك لرجل شريف وإني أسألك حاجة فقلت حاجتك مقضية قال إن القس حبسني ها هنا فتكلمه ليخلي عني فأتيت القس فانتسبت له فرحب وعظم قلت إن لي إليك حاجة قال ما حاجتك قلت الأخطل تخلي عنه قال أعيذك بالله من هذا مثلك لا يتكلم فيه فاسق يشتم أعراض الناس ويهجوهم فلم أزل أطلب إليه حتى مضى معي متكئاً على عصاه فوقف عليه ورفع عصاه وقال يا عدو الله أتعود تشتم الناس وتهجوهم وتقذف المحصنات وهو يقول لست بعائد ولا أفعل ويستخذي له قال فقلت له يا ابا مالك الناس يهابونك والخليفة يكرمك وقدرك في الناس قدرك وأنت تخضع لهذا هذا الخضوع وتستخذي له قال فجعل يقول لي إنه الدين إنه الدين أخبرنا اليزيدي عن عمه عبيد الله عن ابن حبيب عن الهيثم بن عدي قال كانت امرأة الأخطل حاملا وكان متمسكا بدينه فمر به الأسقف يوما فقال لها الحقيه فتمسحي به فعدت فلم تلحق إلا ذنب حماره فتمسحت به ورجعت فقال لها هو وذنب حماره سواء أخبرنا أبو خليفة قال حدثنا ابن سلام قال حدثني يونس قال قال أبو الغراف سمع هشام بن عبد الملك الأخطل وهو يقول ( إذا افتقرتَ إلى الذخائِر لم تَجِدْ ... ذُخْراً يكون كصالح الأعمال ) فقال هنيئا لك أبا مالك هذا الإسلام فقال له يا أمير المؤمنين ما زلت مسلما في ديني أخبرني أبو خليفة قال حدثنا ابن سلام قال حدثني يونس وعبد الملك وأبو الغراف فألفت ما قالوا قالوا أتى الأخطل الكوفة فأتى الغضبان بن القبعثري الشيباني فسأله في حمالة فقال إن شئت أعطيتك ألفين وإن شئت أعطيتك درهمين قال وما بال الألفين وما بال الدرهمين قال إن أعطيتك ألفين لم يعطكها إلا قليل وإن أعطيتك درهمين لم يبق في الكوفة بكري إلا أعطاك درهمين وكتبنا إلى إخواننا بالبصرة فلم يبق بكري بها إلا أعطاك درهمين فخفت عليهم المؤنة وكثر لك النيل فقال فهذه إذا فقال نقسمها لك على أن ترد علينا فكتب بالبصرة إلى سويد بن منجوف السدوسي فقدم البصرة فقال يونس في حديثه فنزل على مال الصلت بن حريث الحنفي فأخبر من سمعه يقول والله لا أزال أفعل ذلك ثم رجع الحديث الأول فأتى سويدا فأخبره بحاجته فقال نعم وأقبل على قومه فقال هذا أبو مالك قد اتاكم يسألكم أن تجمعوا له وهو الذي يقول ( إذا ما قلتُ قد صالحتُ بَكْراً ... أَبَى البَغْضاءُ والنَّسبُ البعيدُ ) ( وأيَّامٌ لنا ولَهُمْ طِوِالٌ ... يَعَضّ الهامَ فيهنّ الحديدُ ) ( ومُهْراقُ الدماءِ بوارِدَاتٍ ... تَبِيدُ المُخْزِياتُ ولا تَبِيدُ ) ( هُمَا أخوانِ يَصْطليانِ ناراً ... رِداءُ الحربِ بينهما جديدُ ) فقالوا فلا والله لا نعطيه شيئا فقال الأخطل ( فإنْ تَبْخَلْ سَدُوسُ بدِرْهَمَيْها ... فإنَّ الرِّيحَ طَيِّبةٌ قَبُولُ ) ( تَوَاكَلَنِي بنو العلاَّت منهم ... وغالتْ مالكاً ويزيدَ غُولُ ) ( صَرِيعَا وائلٍ هَلَكَا جميعاً ... كأنّ الأرضَ بعدهما مُحُولُ ) وقال في سويد بن منجوف وكان رجلا ليس بذي منظر ( وما جِذْعُ سَوْءٍ خَرَّب السُّوسُ أصلَه ... لِمَا حَمَّلتْه وائلٌ بمُطِيقِ ) كان مع مهارته يسقط أحيانا أخبرنا أبو خليفة قال قال محمد بن سلام كان الأخطل مع مهارته وشعره يسقط أحيانا كان مدح سماكا الأسدي وهو سماك الهالكي من بني عمرو بن أسد وبنو عمرو يلقبون القيون ومسجد سماك بالكوفة معروف وكان من أهلها فخرج أيام علي هاربا فلحق بالجزيرة فمدحه الأخطل فقال ( نعم المُجِيرُ سِمَاكٌ من بني أسَدٍ ... بالقاع إذ قتلت جيرانَها مُضَرُ ) ( قد كنتُ أحسَبه قَيْناً وأُخْبَرُه ... فاليومَ طُيِّر عن أثوابه الشَّرَرُ ) ( إنّ سماكاً بنى مجداً لأُسرته ... حتى المماتِ وفِعلُ الخير يُبتدرُ ) فقال سماك يا أخطل أردت مدحي فهجوتني كان الناس يقولون قولا فحققته فلما هجا سويدا قال له سويد والله يا أبا مالك ما تحسن تهجو ولا تمدح لقد أردت مدح الأسدي فهجوته يعني قوله ( قد كنتُ أحسَبه قَيْناً وأُنْبَؤُه ... فاليومَ طُيِّر عن أثوابه الشَّرَرُ ) ( إنّ سماكاً بنى مجداً لأُسرته ... حتى المماتِ وفِعلُ الخير يُبتدرُ ) وأردت هجائي فمدحتني جعلت وائلا حملتني أمورها وما طمعت في بني تغلب فضلا عن بكر أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال حدثني أبان البجلي قال مر الأخطل بالكوفة في بني رؤاس ومؤذنهم ينادي بالصلاة فقال له بعض فتيانهم ألا تدخل يا أبا مالك فتصلي فقال ( أُصَلِّي حيث تُدركني صَلاتِي ... وليس البِرُّ عند بني رُؤَاسِ ) أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال حدثني أبو الحصين الأموي قال بينا الأخطل قد خلا بخميرة له في نزهة مع صاحب له وطرأ عليهما طارىء لا يعرفانه ولا يستخفانه فشرب شرابهما وثقل عليهما فقال الأخطل في ذلك صوت ( وليسَ القَذَى بالعُودِ يَسقُط في الإِنَا ... ولا بذُبابٍ خطْبُه أيسرُ الأمرِ ) ( ولكنّ شخصاً لا نُسَرُّ بقُرْبِه ... رمتْنا به الغيطانُ من حيث لا ندري ) ويروى ( ولكن قَذَاها زائرٌ لا نُحِبّه ... ) وهو الجيد الغناء لإبراهيم خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو وقد أخبرنا بهذا الخبر محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد قال حدثنا العمري قال حدثنا الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال بينا الأخطل جالس عند امرأة من قومه وكان أهل البدو إذ ذاك يتحدث رجالهم إلى النساء لا يرون بذلك بأسا وبين يديه باطية شراب والمرأة تحدثه وهو يشرب إذ دخل رجل فجلس فثقل على الأخطل وكره أن يقول له قم استحياء منه وأطال الرجل الجلوس إلى أن أقبل ذباب فوقع في الباطية في شرابه فقال الرجل يا أبا مالك الذباب في شرابك فقال ( وليسَ القَذَى بالعود يَسقُط في الخمر ... ولا بذُبابٍ نَزْعُه أيسرُ الأمرِ ) ( ولكن قَذَاها زائرٌ لا نُحِبُّه ... رمتْنا به الغيطانُ من حيث لا نَدْري ) قال فقام الرجل فانصرف وأخبرني عمي رحمه الله بهذا الحديث عن الكراني عن الزيادي عن علي بن الحفار أخي أبي الحجاج أن الأخطل جاء إلى معبد في قدمةٍ قدمها إلى الشام فقال له معبد إني أحب محادثتك فقال له وأنا أحب ذلك وقاما يتصبحان الغدران حتى وقفا على غدير فنزلا وأكلا فتبعهما أعرابي فجلس معهما وذكر الخبر مثل الذي قبله أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال قال أبان بن عثمان حدثني أبي قال دعا الأخطل شاب من شباب أهل الكوفة إلى منزله فقال له يابن أخي أنت لا تحتمل المئونة وليس عندك معتمد فلم يزل به حتى انتجعه فأتى الباب فقال يا شقراء فخرجت إليه امرأة فقال لأمه هذا أبو مالك قد أتاني فباعت غزلاً لها واشترت له لحما ونبيذا وريحانا فدخل خصا لها فأكل معه وشرب وقال في ذلك ( وبيتٍ كظهر الفيل جُلُّ مَتَاعِه ... أباريقُه والشاربُ المُتَقَطِّرُ ) ( ترى فيه أثلامَ الأصِيصِ كأنَّها ... إذا بال فيها الشيخُ جَفْرٌ مُعَوَّرُ ) ( لَعَمْرُك ما لاقيتُ يومَ معيشةٍ ... من الدهرِ إلاَّ يومُ شقراءَ أقصَرُ ) ( حَوَارِيَّةٌ لا يدخل الذَّمُّ بيتَها ... مُطَهَّرةٌ يأوي إليها مُطَهَّرُ ) وذكر هارون بن الزيات هذا الخبر عن حماد عن أبيه أنه كان نازلا على عكرمة الفياض وأنه خرج من عنده يوما فمر بفتيان يشربون ومعهم قينة يقال لها شقراء وذكر الخبر مثل ما قبله وزاد فيه فأقام عندهم أربعة أيام وظن عكرمة أنه غضب فانصرف عنه فلما أتاه اخبره بخبره فبعث إلى الفتيان بألف درهم وأعطاه خمسة آلاف فمضى بها إليهم وقال استعينوا بهذه على أمركم ولم يزل ينادمهم حتى رحل اجتماع الشعراء الثلاثة عند بشر بن مروان أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال حدثني أبو يحيى الضبي قال اجتمع الفرزدق وجرير والأخطل عند بشر بن مروان وكان بشر يغري بين الشعراء فقال للأخطل احكم بين الفرزدق وجرير فقال اعفني أيها الأمير قال احكم بينهما فاستعفاه بجهده فأبى إلا أن يقول فقال هذا حكم مشؤوم ثم قال الفرزدق ينحت من صخر وجرير يغرف من بحر فلم يرض بذلك جرير وكان سبب الهجاء بينهما فقال جرير في حكومته ( يا ذَا الغباوةِ إنّ بِشْراً قد قَضَى ... ألاَّ تجوزَ حكومةُ النَّشْوانِ ) ( فدَعُوا الحكومةَ لستُم من أهلها ... إنّ الحكومة في بني شَيْبانِ ) ( قَتلوا كُلَيْبَكُم بِلَقْحةِ جارِهِمْ ... يا خُزْرَ تَغْلِبَ لستُم بهِجانِ ) فقال الأخطل يرد على جرير ( ولقد تَنَاسبتمْ إلى أحسابكم ... وجعلتُم حَكَماً من السُّلطان ) ( فإذا كُلَيْبٌ لا تُسَاوِي دَارِماً ... حتى يُساوَى حَزْرَمٌ من بأَبَانِ ) ( وإذا جعلتَ أباك في مِيزانهم ... رَجَحُوا وشال أبوك في المِيزانِ ) ( وإذا وردتَ الماءَ كان لدارمٍ ... عِفْوَاتُه وسهولةُ الأعطانِ ) ثم استطار في الهجاء مناقضة بينه وبين جرير أخبرني أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال حدثنا أبو الغراف قال لما قال جرير ( إذا أخَذتْ قَيْسٌ عليكَ وخِنْدِفٌ ... بأقطارِها لم تَدْرِ من اين تَسْرَحُ ) قال الأخطل لا أين سد والله علي الدنيا فلما أنشد قوله ( فما لك في نَجْدٍ حَصَاةٌ تَعُدُّها ... وما لك من غَوْرَيْ تِهامةَ أبطَحُ ) قال الأخطل لا أبالي والله ألا يكون فتح لي والصليب القول ثم قال ( ولكنْ لنا بَرُّ العِراقِ وبَحْرُه ... وحيث تَرَى القرْقُورَ في الماء يَسْبَحُ ) أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال حدثني محمد بن الحجاج الأسيدي قال خرجت إلى الصائفة فنزلت منزلا ببني تغلب فلم أجد به طعاما ولا شرابا ولا علفاً لدوابي شرى ولا قرى ولم أجد ظلا فقلت لرجل منهم ما في داركم هذه مسجد يستظل فيه فقال ممن أنت قلت من بني تميم قال ما كنت أرى عمك جريراً إلا قد أخبرك حين قال ( فينا المساجدُ والإمامُ ولا ترى ... في آل تَغْلِبَ مسجداً معمورا ) أخبرني أبو خليفة قال أنبأنا محمد بن سلام قال حدثني شيخ من ضبيعة قال خرج جرير إلى الشام فنزل منزلاً ببني تغلب فخرج متلثماً عليه ثياب سفره فلقيه رجل لا يعرفه فقال ممن الرجل قال من بني تميم قال أما سمعت ما قلت لغاوي بني تميم فأنشده مما قال لجرير فقال أما سمعت ما قال لك غاوي بني تميم فأنشده ثم عاد الأخطل وعاد جرير في نقضه حتى كثر ذلك بينهما فقال التغلبي من أنت لا حياك الله والله لكأنك جرير قال فأنا جرير قال وأنا الأخطل كان يدخل على عبد الملك وهو سكران أخبرني عمي قال أنبأنا الكراني قال أنبأنا أبو عبد الرحمن عن المدائني قال دخل الأخطل على عبد الملك وقد شرب فكلمه فخلط في كلامه فقال له ما هذا فقال ( إذا شرِب الفتى منها ثلاثاً ... بغير الماء حاول أن يَطُولاَ ) ( مشى قُرَشِيَّةً لا عيبَ فيها ... وأرخَى من مآزره الفُضولا ) أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن إسرائيل قال أخبرني إسماعيل بن أبي محمد اليزيدي قال أخبرني أبو محمد اليزيدي قال خرج الفرزدق يؤم بعض الملوك من بني أمية فرفع له في طريقه بيت أحمر من أدم فدنا منه وسأل فقيل له بيت الأخطل فأتاه فقال انزل فلما نزل قام إليه الأخطل وهو لا يعرفه إلا أنه ضيف فقعدا يتحدثان فقال له الأخطل ممن الرجل قال من بني تميم قال فإنك إذاً من رهط أخي الفرزدق فقال تحفظ من شعره شيئا قال نعم كثيراً فما زالا يتناشدان ويتعجب الأخطل من حفظه شعر الفرزدق إلى أن عمل فيه الشراب وقد كان الأخطل قال له قبل ذلك أنتم معشر الحنيفية لا ترون أن تشربوا من شرابنا فقال له الفرزدق خفض قليلاً وهات من شرابك فاسقنا فلما عملت الراح في أبي فراس قال أنا والله الذي أقول في جرير فأنشده فقام إليه الأخطل فقبل رأسه وقال لا جزاك الله عني خيرا لم كتمتني نفسك منذ اليوم وأخذا في شرابهما وتناشدهما إلى أن قال له الأخطل والله إنك وإياي لأشعر منه ولكنه أوتي من سير الشعر ما لم نؤته قلت أنا بيتاً ما أعلم أن أحداً أهجى منه قلت ( قومٌ إذا استنبح الأضيافُ كلبَهُمُ ... قالوا لأُمِّهمُ بُولِي على النارِ ) فلم يروه إلا حكماء أهل الشعر وقال هو ( والتغلَبيّ إذا تنحنح للقِرَى ... حَكّ اسْتَه وتمثَّلَ الأمثالا ) فلم تبق سقاة ولا أمثالها إلا رووه فقضيا له أنه أسير شعراُ منهما أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال قال المدائني كان للأخطل الشاعر دار ضيافة فمر به عكرمة الفياض وهو لا يعرفه فقيل له هذا رجل شريف قد نزل بنا فلما أمسى بعث إليه فتعشى معه ثم قال له أتصيب من الشراب شيئاً قال نعم قال أيه قال كله إلا شرابك فدعا له بشراب يوافقه وإذا عنده قينتان هما خلفه وبينه وبينهما ستر وإذا الأخطل أشهب اللحية له ضفيرتان فغمز الستر بقضيب في يده وقال غنياني بأردية الشعر فغنتاه بقول عمرو بن شأس ( وبِيضٍ تَطَلَّى بالعَبيرِ كأنما ... يَطَأنَ وإن أَعنْقنَ في جُدَدٍ وَحْلاَ ) ( لَهَوْنا بها يوماً ويوماً بشاربٍ ... إذا قلتَ مغلوباً وجدتَ له عقلا ) فأما السبب في مدح الأخطل عكرمة بن ربعي الفياض فأخبرنا به أبو خليفة عن محمد بن سلام قال قدم الأخطل الكوفة فأتى حوشب بو رويم الشيباني فقال إني تحملت حمالتين لأحقن بهما دماء قومي فنهره فأتى سيار بن البزيعة فسأله فاعتذر إليه فأتى عكرمة الفياض وكان كاتباً لبشر بن مروان فسأله وأخبره بما رد عليه الرجلان فقال أما إني لا أنهرك ولا أعتذر إليك ولكني أعطيك إحداهما عيناً والأخرى عرضاً قال وحدث أمر بالكوفة فاجتمع له الناس في المسجد فقيل له إن أردت أن تكافىء عكرمة يوماً فاليوم فلبس جبة خز وركب فرساً وتقلد صليباً من ذهب وأتى باب المسجد ونزل عن فرسه فلما رآه حوشب وسيار نفسا عليه ذلك وقال عكرمة يا ابا مالك فجاء فوقف وابتدأ ينشد قصيدته ( لِمَنِ الدِّيارُ بحائلٍ فوُعالِ ) حتى انتهى إلى قوله ( إنّ ابنَ رِبُعِيٍّ كَفَانِي سَيْبُه ... ضِغْنَ العدوِّ وغَدْرةَ المُحتالِ ) ( أَغْلَيْتَ حين تواكَلَتْني وائلٌ ... إنّ المكارِمَ عند ذاك غَوالِ ) ( ولقد منَنَتَ على ربيعةَ كلِّها ... وكَفَيْتَ كلَّ مُوَاكِلٍ خَذَّال ) ( كابن البَزِيعة أو كآخَر مثلِه ... أَوْلَى لك ابنَ مُسِيمةِ الأجمالِ ) ( إنّ اللَّئيم إذا سألتَ بَهَرْتَه ... وترى الكريمَ يَرَاحُ كالمختال ) ( وإذا عدلتَ به رجالاً لم تَجِد ... فيضَ الفُرَات كراشحِ الأوشالِ ) قال فجعل عكرمة يبتهج ويقول هذه والله أحب إلي من حمر النعم ومما في شعر الأخطل من الأصوات المختارة صوت من المائة المختارة ( أراعكَ بالخابورِ نوقٌ وأجمال ... ودارٌ عَفَتْها الرِّيحُ بعدِي بأذيالِ ) ( ومَبْنَى قِبَابِ المالكيَّة حَوْلَنا ... وجُرْدٌ تَعَادَى بين سَهْلٍ وأجبالِ ) عروضه من الطويل الشعر للأخطل والغناء لابن محرز ولحنه المختار من خفيف الثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه خفيف رمل في هذا الوجه نسبه يحيى المكي إلى ابن محرز وذكر الهشامي أنه منحول وفيه لحنين الحيري ثقيل أول عن الهشامي ذكر سائب خاثر ونسبه كان سائب خاثر مولى بني ليث وأصله من فيء كسرى واشترى عبد الله بن جعفر ولاءه من مواليه وقيل بل اشتراه فأعتقه وقيل بل كان على ولائه لبني ليث وإنما انقطع إلى عبد الله بن جعفر فلزمه وعرف به وكان يبيع الطعام بالمدينة واسم أبيه الذي أعتقه بنو ليث يشا ( قال ابن الكلبي وأبو غسان وغيرهما هو أول من عمل العود بالمدينة وغنى به وقال ابن خرداذبه كان عبد الله بن عامر اشترى إماء صناجات وأتى بهن المدينة فكان لهن يوم في الجمعة يلعبن فيه وسمع الناس منهن فأخذ عنهن ثم قدم رجل فارسي بنشيط فغنى فأعجب عبد الله بن جعفر به فقال له سائب خاثر أنا أصنع لك مثل غناء هذا الفارسي بالعربية ثم غدا على عبد الله بن جعفر وقد صنع ( لِمَنِ الدِّيارُ رسومُها قَفْرُ ... ) قال ابن الكلبي وهو أول صوت غني به في الإسلام من الغناء العربي المتقن الصنعة قال ثم اشترى عبد الله بن جعفر نشيطاً بعد ذلك فأخذ عن سائب خاثر الغناء العربي وأخذ عنه ابن سريج وجميلة ومعبد وعزة الميلاء وغيرهم قال ابن الكلبي وحدثني أبو مسكين قال كان سائب خاثر يكنى أبا جعفر ولم يكن يضرب بالعود إنما كان يقرع بقضيب ويغني مرتجلا ولم يزل يغني وقتل يوم الحرة ومر به بعض القرشيين وهو قتيل فضربه برجله وقال إن ها هنا لحنجرة حسنة وكان سائب من ساكني المدينة قال ابن الكلبي وكان سائب تاجراً موسراً يبيع الطعام وكان تحته أربع نسوة وكان انقطاعه إلى عبد الله بن جعفر وكان مع ذلك يخالط سروات الناس وأشرافهم لظرفه وحلاوته وحسن صوته وكان قد آلى ألا يغني أحداً سوى عبد الله بن جعفر إلا أن يكون خليفة أو ولي عهد أو ابن خليفة فكان على ذلك إلى أن قتل قال وأخذ معبد عنه غناء كثيراً فنحل الناس بعضه إليه وأهل العلم بالغناء يعرفون ذلك وزعم ابن خرداذبه أن أم محمد بن عمرو الواقدي القاضي المحدث بنت عيسى بن جعفر بن سائب خاثر هو أول من غنى بالعربية الغناء الثقيل وقال ابن الكلبي سائب خاثر أول من غنى بالعربية الغناء الثقيل وأول لحن صنعه منه ( لِمَنْ الدِّيارُ رسومُها قَفْرُ ... ) قال فألفت هذا الصوت الفروح قال وحدثني محمد بن يزيد أن أول صوت صنعه في شعر امرىء القيس ( أفاطِمَُ مَهْلاً بعضَ هذا التدلُّلِ ... ) وأن معبداً أخذ لحنه فيه فغنىّ عليه ( أمِنْ آل ليلى باللِّوَى مُتَرَبَّعُ ... ) أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن ابن الكلبي عن لقيط قال وفد عبد الله بن جعفر على معاوية ومعه سائب خاثر فوقع له في حوائجه ثم عرض عليه حاجة لسائب خاثر فقال معاوية من سائب خاثر قال رجل من أهل المدينة ليثي يروي الشعر قال أوَكلّ من روى الشعر أراد أن نصله قال إنه حسنه قال وإن حسنه قال أفأدخله إليك يا أمير المؤمنين قال نعم قال فألبسته ممصرتين إزاراً ورداء فلما دخل قام على الباب ثم رفع صوته يتغنى ( لِمَنِ الديارُ رُسومُها قَفْرُ ... ) فالتفت معاوية إلى عبد الله بن جعفر فقال أشهد لقد حسنه فقضى حوائجه وأحسن إليه نسبة هذا الصوت ( لِمَنِ الديارُ رُسُومُها قَفْرُ ... لَعِبتْ بها الأرواحُ والقَطْرُ ) ( وخَلاَ لها من بعد ساكِنها ... حِجَجٌ مَضَينَ ثَمَانٍ اوْ عَشْرُ ) ( والزَّعْفرانُ على تَرَائِبها ... شَرِقٌ به اللّبّاتُ والنَّحْرُ ) الشعر ينسب إلى أبي بكر بن المسور بن مخرمة الزهري وإلى الحارث بن خالد المخزومي وإلى بعض القرشيين من السبعة المعدودين من شعراء العرب والغناء لسائب خاثر ثقيل أول بالسبابة عن الكلبي وحبش وذكر أن لحن سائب خاثر ثقيل أول بالوسطى ووافق إسحاق في ذلك وذكر أن الثقيل الأول لنشيط وذكر يونس أن فيه لحناً لمعبد ولم يجنسه وذكر الهشامي أن لحن معبد خفيف ثقيل وأن فيه لابن سريج خفيف رمل سمعه معاوية فأعجب به أخبرنا أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري وإسماعيل بن يونس قالوا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني قبيصة بن عمرو قال حدثنا محمد بن المنهال عن رجل حدثه وذكر ذلك أيضا ابن الكلبي عن لقيط قال أشرف معاوية بن أبي سفيان ليلاً على منزل يزيد ابنه فسمع صوتاً أعجبه واستخفه السماع فاستمع قائماً حتى مل ثم دعا بكرسي فجلس عليه واشتهى الاستزادة فاستمع بقية ليلته حتى مل فلما أصبح غدا عليه يزيد فقال له يا بني من كان جليسك البارحة قال أي جليس يا أمير المؤمنين واستعجم عليه قال عرفني فإنه لم يخف علي شيء من أمرك قال سائب خاثر قال فأخثر له يا بني من برك وصلتك فما رأيت بمجالسته بأساً قال ابن الكلبي قدم معاوية المدينة في بعض ما كان يقدم فأمر حاجبه بالإذن للناس فخرج الآذن ثم رجع فقال ما بالباب أحد فقال معاوية وأين الناس قال عند ابن جعفر فدعا ببغلته فركبها ثم توجه إليهم فلما جلس قال بعض القرشيين لسائب خاثر مطرفي هذا لك وكان من خز إن أنت اندفعت تغني ومشيت بين السماطين وأنت تغني فقام ومشى بين السماطين وغنى ( لنا الجَفَنَاتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بالضُّحَى ... وأسيافُنا يَقْطُرْنَ من نجدةٍ دَمَا ) فسمع منه معاوية وطرب وأصغى إليه حتى سكت وهو مستحسن لذلك ثم قام وانصرف إلى منزله وأخذ سائب خاثر المطرف قتل يوم الحرة أخبرني حبيب بن نصر عن عمر بن شبة عن الزبيري وأخبرني ابو بكر بن أبي شيبة البزاز قال حدثنا أحمد بن الحارث الخزاز عن المدائني قال ( قتل سائب خاثر يوم الحرة وكان خشي على نفسه من أهل الشام فخرج إليهم وجعل يحدثهم ويقول أنا مغن ومن حالي وقصتي كيت وكيت وقد خدمت أمير المؤمنين يزيد وأباه قبله قالوا فغن لنا فجعل يغني فقام إليه أحدهم فقال له أحسنت والله ثم ضربه بالسيف فقتله وبلغ يزيد خبره ومر به اسمه في أسماء من قتل يومئذ فلم يعرفه وقال من سائب خاثر هذا فقيل له هو سائب خاثر المغني فعرفه فقال ويله ما له ولنا ألم نحسن إليه ونصله ونخلطه بأنفسنا فما الذي حمله على عداوتنا لا جرم أن بغيه صرعه وقال المدائني في خبره فقال إنا لله أو بلغ القتل إلى سائب خاثر وطبقته ما أرى أنه بقي بالمدينة أحد ثم قال قبحكم الله يا أهل الشام تجدهم صادفوه في حديقة أو حائط مستتراً منهم فقتلوه أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال أنبأنا عمر بن شبة قال حدثني قبيصة بن عمرو قال حدثني حاتم بن قبيصة قال حدثني ابن جعدبة قال حدثني مويلك عن أبيه قال قال لي سائب خاثر يوم الحرة هل سمعت شيئاً صنعته فغناني صوتاً صوت ( لِمَنْ طَلَلٌ بين الكُرَاعِ إلى القَصْرِ ... يُغَيِّب عنا آية سَبَلُ القَطْرِ ) ( إلى خالداتٍ ما تَرِيمُ وهامِد ... وأشعثَ تُرْسِيه الوَليدةُ بالفِهْرِ ) قال فسمعت عجباً معجباً ثم ذكر أهله وولده فبكى فقلت له وما يمنعك منهم فقال أما بعد شيء سمعته ورأيته من يزيد بن معاوية فلا ثم تقدم حتى قتل صوت من المائة المختارة ( أقْفَر من أهلِه مَصِيفُ ... فبَطْنُ نَخْلَةَ فالعَرِيفُ ) ( هل تُبْلِغَنِّي دِيارَ قومي ... مَهْرِيَّةٌ سَيْرُها زَفِيفُ ) ( يا أمَّ نُعْمانَ نَوِّلينا ... قد ينفَعُ النائلُ الطَّفِيفُ ) ( أعمامُها الصِّيدُ من لُؤَْيٍّ ... حَقّاً وأخوالُها ثَقِيفُ ) الشعر لأبي فرعة الكناني والغناء لجرادتي عبد الله بن جدعان ولحنه من خفيف الثقيل وفيه في الثالث والرابع ثقيل أول مطلق ذكر جرادتي عبد الله بن جدعان وخبرهما وشيء من أخبار ابن جدعان هو عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب قال ابن الكلبي كانت لابن جدعان أمتان تسميان الجرادتين تتغنيان في الجاهلية سماهما بجرادتي عاد ووهبهما عبد الله بن جدعان لأمية بن أبي الصلت الثقفي وقد كان امتدحه وكان ابن جدعان سيداً جواداً فرأى أمية ينظر إليهما وهو عنده فأعطاه إياهما وأخبرني أبو الليث نصر بن القاسم الفرائضي قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا حفص بن غياث عن داود عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت قلت يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه قال لا لم يقل يوما اغفر لي خطيئتي يوم الدين أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني جعفر بن الحسين قال حدثني إبراهيم بن أحمد قال قدم أمية بن أبي الصلت على عبد الله بن جدعان فلما دخل عليه قال له عبد الله أمر ما أتى بك فقال أمية كلاب غرماء نبحتني ونهشتني فقال له عبد الله قدمت علي وأنا عليل من حقوق لزمتني ونهشتني فأنظرني قليلا ما في يدي وقد ضمنتك قضاء دينك ولا اسأل عن مبلغه قال فأقام أمية أياماً فأتاه فقال ( أأذكُر حاجتي أم قد كَفَاني ... حياؤك إن شيِمتَك الحَياءُ ) ( وعِلْمُك بالأمور وأنت قَرْمٌ ... لك الحسبُ المهذَّبُ والسَّناء ) ( كريمٌ لا يُغَيِّره صباحٌ عن الخُلُق السَّنِيّ ولا مَساء ) ( تُباري الرِّيحَ مَكْرُمةً وجوداً ... إذا ما الكلبُ أَجْحره الشتاء ) ( إذا أَثْنَى عليك المرءُ يوماً ... كفاه من تَعرُّضه الثناءُ ) ( إذا خلَّفتَ عبد اللَّه فاعلم ... بأن القوم ليس لهم جَزاء ) ( فأرضُك كلُّ مَكْرُمةٍ بناها ... بنو تَيْمٍ وأنت لهم سماءُ ) ( فأَبْرَز فضلَه حقّاً عليهم ... كما بَرزتْ لناظرها السماء ) ( فهل تَخْفَى السماءُ على بَصيرٍ ... وهل بالشمس طالعةً خَفَاءُ ) فلما أنشده أمية هذا الشعر كانت عنده قينتان فقال خذ أيتهما شئت فأخذ إحداهما وانصرف فمر بمجلس من مجالس قريش فلاموه على أخذها وقالوا له لقد لقيته عليلاً فلو رددتها عليه فإن الشيخ يحتاج إلى خدمتها كان ذلك أقرب لك عنده وأكثر من كل حق ضمنه لك فوقع الكلام من أمية موقعاً وندم ورجع إليه ليردها عليه فلما أتاه بها قال له ابن جدعان لعلك إنما رددتها لأن قريشاً لاموك على أخذها وقالوا كذا وكذا فوصف لأمية ما قال له القوم فقال أمية والله ما أخطأت يا أبا زهير فقال عبد الله بن جدعان فما الذي قلت في ذلك فقال أمية صوت ( عطاؤكَ زيْنٌ لامرىء إن حَبَوْتَه ... ببَذْلٍ وما كلُّ العطاء يَزِينُ ) ( وليس بشَيْنٍ لامرىء بذلُ وجهه ... إليكَ كما بعضُ السؤال يَشين ) غنت فيه جرادتا عبد الله بن جدعان فقال عبد الله لأمية خذ الأخرى فأخذهما جمعاً وخرج فلما صار إلى القوم بهما أنشأ يقول وقد أنشدنا هذه الأبيات أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن عمر بن شبة وفيها زيادة ( وما لي لا أحيِّيه وعندي ... مواهِبُ يَطَّلِعْنَ من النِّجادِ ) ( لأبيضَ من بني تَيْم بن كَعْبٍ ... وهم كالمَشْرَفيَّاتِ الحِداد ) ( لكل قبيلةٍ هادٍ ورأسٌ ... وأنت الرأسُ تَقْدُم كلَّ هادي ) ( له بالخَيْف قد علمتْ مَعَدٌّ ... وإن البيت يُرْفَع بالعماد ) ( له داعٍ بمكَّة مُشْمَعِلٌّ ... وآخرُ فوق دارته يُنادي ) ( إلى رُدُحٍ من الشِّيزَى مِلاءٍ ... لُبابَ البُرّ يُلْبَكُ بالشِّهادِ ) وقال فيه أيضا ( ذُكِر ابنُ جُدْعانٍ بخيرٍ ... كلَّما ذُكِر الكرامُ ) ( من لا يَخُون ولا يَعُقُّ ... ولا تُغَيِّره اللئامُ ) ( نَجْبُ النَّجيبة والنجيب ... له الرِّحالةُ والزِّمامُ ) أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا محمد بن إسحاق البغوي قال حدثنا الأثرم عن أبي عبيدة قال كان ابن جدعان سيداً من قريش فوفد على كسرى فأكل عنده الفالوذ فسأل عنه فقيل له هذا الفالوذ قال وما الفالوذ قالوا لباب البر يلبك مع عسل النحل قال ابغوني غلاماً يصنعه فأتوه بغلام يصنعه فابتاعه ثم قدم به مكة معه ثم أمره فصنع له الفالوذ بمكة فوضع الموائد بالأبطح إلى باب المسجد ثم نادى مناديه ألا من أراد الفالوذ فليحضر فحضر الناس فكان فيمن حضر أمية بن أبي الصلت فقال فيه ( وما لي لا أُحيِّيه وعندي ... مواهبُ يَطَّلعْنَ من النِّجاد ) ( إليّ وإنَّه للناس نِهْيٌ ... ولا يَعْتلُّ بالكَلِم الصَّوادِي ) وذكر باقي الأبيات التي مضت متقدماً حدثنا أحمد بن عبيد الله بن عمار قال أخبرنا يعقوب بن إسرائيل مولى المنصور قال حدثني محمد بن عمران الجرجاني وليس بصاحب إسحاق الموصلي قال وهو شيخ لقيته بجرجان قال حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال ( سألت سفيان بن عيينة فقلت يا أبا محمد ما تفسير قول النبي وعلى آله كان من أكثر دعاء الأنبياء قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وإنما هو ذكر وليس فيه من الدعاء شيء فقال لي أعرفت حديث مالك بن الحارث يقول الله جل ثناؤه إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين قلت نعم أنت حدثتنيه عن منصور عن مالك بن الحارث قال فهذا تفسير ذلك ثم قال أما علمت ما قال أمية بن الصلت حين خرج إلى ابن جدعان يطلب نائله وفضله قلت لا أدري قال قال ( أأذكُر حاجتي أم قد كَفَانِي ... حياؤك إنّ شيمتَك الحياءُ ) ( إذا أَثْنَى عليك المرءُ يوماً ... كفاه من تعرُّضه الثناءُ ) ثم قال سفيان فهذا مخلوق ينسب إلى الجود فقيل له يكفينا من مسألتك أن نثني عليك ونسكت حتى تأتي على حاجتنا فكيف بالخالق ( أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا حميد بن حميد قال حدثني جبار بن جابر قال ( دخل أمية بن أبي الصلت على عبد الله بن جدعان وهو يجود بنفسه فقال له أمية كيف تجدك أبا قال زهير إني لمدابر أي ذاهب فقال أمية ( علِمَ ابن جُدْعانَ بن عمروٍ ... أنَّه يوماً مُدَابِرْ ) ( ومسافرٌ سفراً بعيداً ... لا يؤوب به المُسافِر ) ( فقُدُورُه بفنائه ... للضيف مُتْرَعَةٌ زَوَاخِرْ ) ( تبدو الكسورُ من انْضِراجِ ... الغَلْي فيها والكَرَاكِرْ ) ( فكأنهنّ بما حَمِينَ ... وما شُحِنَّ بها ضَرَائر ) ( بَذَّ المَعَاشِرَ كلَّها ... بالفضل قد علِم المَعاشِرْ ) ( وعلا عُلُوَّ الشمس حتَّى ... ما يُفَاخرُه مُفَاخِرْ ) ( دانت له أبناءُ فِهْرٍ ... مِن بني كعبٍ وعامر ) ( أنتَ الجوادُ ابنُ الجوادِ ... بكم يُنَافِرُ من يُنَافِرْ ) شعره في ذم الخمر أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أبو سعيد السكري قال أخبرني أبو عبد الرحمن الغلابي عن الواقدي عن ابن أبي الزناد قال ما مات أحد من كبراء قريش في الجاهلية إلا ترك الخمر استحياء مما فيها من الدنس ولقد عابها ابن جدعان قبل موته فقال ( شَرِبتُ الخمرَ حتى قال قَومي ... ألستَ عن السِّفَاه بمُستفيقِ ) ( وحتى ما أُوسَّدُ في مَبِيتٍ ... أنام به سوى التُّرْبِ السَّحيقِ ) ( وحتى أَغْلق الحانوتُ رَهْني ... وآنَسْتُ الهَوانَ من الصديق ) قال وكان سبب تركه الخمر أن أمية بن أبي الصلت شرب معه فأصبحت عين أمية مخضرة يخاف عليها الذهاب فقال له ما بال عينك فسكت فلما ألح عليه قال له أنت صاحبها أصبتها البارحة فقال أوبلغ مني الشراب الذي أبلغ معه من جليسي هذا لا جرم لأدينها لك ديتين فأعطاه عشرة آلاف درهم وقال الخمر علي حرام أن أذوقها أبداً وتركها من يومئذ صوت من المائة المختارة ( قد لَعَمْرِي بِتُّ لَيْلِي ... كأخي الداءِ الوَجيع ) ( ونَجِيُّ الهمّ منِّي ... بات أدنى من ضجيعي ) ( كلما أبصرتُ رَبْعاً ... خالياً فاضت دموعي ) ( لا تَلُمْنا إن خَشَعْنا ... أو هَمَمْنا بالخشوع ) ( إذ فقدْنا سيِّداً كان ... لنا غيرَ مُضِيعِ ) الشعر للأحوص والغناء لسلامة القس ولحنه المختار من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالوسطى في مجراها وقد قيل إن الشعر والغناء جميعاً لها وقد قيل إن الغناء لمعبد وإنها أخذته عنه ذكر سلامة القس وخبرها كانت سلامة مولدة من مولدات المدينة وبها نشأت وأخذت الغناء عن معبد وابن عائشة وجميلة ومالك بن أبي السمح وذويهم فمهرت وإنما سميت سلامة القس لأن رجلا يعرف بعبد الرحمن بن أبي عمار الجشمي من قراء أهل مكة وكان يلقب بالقس لعبادته شغف بها وشهر فغلب عليها لقبه واشتراها يزيد بن عبد الملك في خلافة سليمان وعاشت بعده وكانت إحدى من اتهم به الوليد من جواري أبيه حين قال له قتلته ننقم عليك أنك تطأ جواري أبيك وقد ذكرنا ذلك في خبر مقتله أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال كانت حبابة وسلامة القس من قيان أهل المدينة وكانتا حاذقتين ظريفتين ضاربتين وكانت سلامة أحسنهما غناء وحبابة أحسنهما وجهاً وكانت سلامة تقول الشعر وكانت حبابة تتعاطاه فلا تحسن وأخبرني بذلك المدائني عن جرير وحدثني الزبيري قال حدثني من رأى سلامة قال ما رأيت من قيان المدينة فتاة ولا عجوزاً أحسن غناء من سلامة وعن جميلة أخذت الغناء حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار وإسماعيل بن يونس قالا حدثنا أبو زيد عمر بن شبة قال حدثني المدائني قال كانت حبابة وسلامة قينتين بالمدينة أما سلامة فكانت لسهيل بن عبد الرحمن ولها يقول ابن قيس الرقيات ( لقد فَتَنَتْ رَيَّا وسَلاَّمةُ القَسّا ... فلم تتركا للقَسِّ عقلاً ولا نَفْسَا ) ( فتاتانِ أمَّا منهما فشبيهةُ الهلالِ ... وأُخرى منهما تُشبه الشمسا ... وغناه مالك بن أبي السمح وفيها يقول ابن قيس الرقيات ( أُختانِ إحداهما كالشمس طالعةً ... في يوم دَجْنٍ وأُخرى تشبه القمرا ) قال وفتن القس بسلامة وفيها يقول ( أهابُكِ أن أقول بذلتُ نفسي ... ولو أنِّي أُطيع القلبَ قالا ) ( حياءً منكِ حتى سُلّ جسمي ... وشَقّ عليّ كتماني وطالا ) سبب افتتان القس بها قال والقس هو عبد الرحمن بن أبي عمار من بني جشم بن معاوية وكان منزله بمكة وكان سبب افتتانه بها فيما حدثني خلاد الأرقط قال سمعت من شيوخنا أهل مكة يقولون كان القس من أعبد أهل مكة وكان يشبه بعطاء بن أبي رباح وأنه سمع غناء سلامة القس على غير تعمد منه لذلك فبلغ غناؤها منه كل مبلغ فرآه مولاها فقال له هل لك أن أخرجها إليك أو تدخل فتسمع فأبى فقال مولاها أنا أقعدها في موضع تسمع غناءها ولا تراها فأبى فلم يزل به حتى دخل فأسمعه غناءها فأعجبه فقال له هل لك في أن أخرجها إليك فأبى فلم يزل به حتى أخرجها فأقعدها بين يديه فتغنت فشغف بها وشغفت به وعرف ذلك أهل مكة فقالت له يوماً أنا والله أحبك قال وأنا والله أحبك قالت وأحب أن أضع فمي على فمك قال وأنا والله أحب ذلك قالت فما يمنعك فوالله إن الموضع لخال قال إني سمعت الله عز و جل يقول ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) وأنا أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك تؤول إلى عداوة ثم قام وانصرف وعاد إلى ما كان عليه من النسك وقال من فوره فيها ( إنّ التي طَرَقَتْكَ بين ركائبٍ ... تَمْشي بمِزْهَرِها وأنتَ حَرَامُ ) ( لَتَصِيدُ قلبَك أو جزاءَ مودَّةٍ ... إنّ الرفيق له عليك ذِمامُ ) ( باتت تعلّلنا وتحسب أنَّنا ... في ذاك أيقاظٌ ونحن نِيامُ ) ( حتى إذا سطَع الضّياءُ لناظرٍ ... فإذا وذلك بيننا أحلامُ ) ( قد كنتُ أعذُِلُ في السَّفاهة أهلَها ... فاعجَبْ لِما تأتي به الأَّيامُ ) ( فاليومَ أعذِرُهم وأعلم أنما ... سُبُلُ الضَّلالة والهُدَى أقسامُ ) ومن قوله فيها ( ألم تَرَها لا يُبْعِد اللَّه دارَها ... إذا رَجّعتْ في صوتها كيف تصنعُ ) ( تَمُدّ نظامَ القولِ ثم تَرُدّه ... إلى صَلْصَلٍ في صوتها يترجَّع ) وفيها يقول أَلاَ قُلْ لهذا القلبِ هل أنت مُبْصِرُ ... وهل أنت عن سَلاَّمةَ اليومَ مُقْصِرُ ) ( ألا ليت أنِّي حين صارتْ بها النَّوى ... جليسٌ لسَلْمَى كلَّما عَجّ مِزْهَرُ ) وقال في قصيدة له ( سلاَّمُ وَيْحَكِ هل تُحبين مَنْ ماتا ... أو تَرْجعينَ على المحزون ما فاتا ) وقال أيضا ( سَلاَّمُ هلي لي منكمُ ناصرُ ... أم هل لقلبي عنكمُ زاجرُ ) ( قد سمِع الناسُ بوجدي بكم ... فمنهمُ اللائّمُ والعاذرُ ) في أشعار كثيرة يطول ذكرها هي وأختها ريا من أجمل النساء وأحسنهن غناء وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني الجمحي قال كانت سلامة وريا أختين وكانتا من أجمل النساء وأحسنهن غناء فاجتمع الأحوص وابن قيس الرقيات عندهما فقال لهما ابن قيس الرقيات إني أريد أن أمدحكما بأبيات وأصدق فيها ولا أكذب فإن أنتما غنيتماني بذلك وإلا هجوتكما ولا أقربكما قالتا فما قلت قال قلت ( لقد فتنتْ رَيَّا وسَلاَّمةُ القَسَّا ... فلم تتركا للقَسِّ عقلاً ولا نفسا ) ( فتاتانِ أمَّا منهما فشبيهةُ الهلالِ ... وأُخْرَى منهما تُشبه الشمسا ) ( تَكُنَّانِ أبشاراً رِقاقاً وأوجُهاً ... عِتَاقاً وأطرافاً مُخَضَّبةً مُلْسا ) فغنته سلامة واستحسنتاه وقالتا للأحوص ما قلت يا أخا الأنصار قال قلت صوت ( أَسَلاَم هل لمتيَّم تنويلُ ... أم هل صَرَمْتِ وغالَ ودَّكِ غولُ ) ( لا تَصْرِفِي عنِّي دلالَكِ إنَّه ... حَسَنٌ لديّ وإن بَخِلْتِ جميلُ ) ( أَزَعمتِ أنّ صَبابتي أُكذوبةٌ ... يوماً وأنّ زيارتي تعليلُ ) الغناء لسلامة القس خفيف ثقيل أول بالبنصر عن الهشامي وحماد وفيه لإبراهيم لحنان أحدهما خفيف ثقيل بالبنصر في مجراها عن إسحاق وعمرو والآخر ثقيل أوله استهلال عن الهشامي فغنت الأبيات فقال ابن قيس الرقيات يا سلامة أحسنت والله وأظنك عاشقة لهذا الحلقي فقال له الأحوص ما الذي أخرجك إلى هذا قال حسن غنائها بشعرك فلولا أن لك في قلبها محبة مفرطة ما جاءها هكذا حسنا على هذه البديهة فقال له الأحوص على قدر حسن شعري على شعرك هكذا حسن الغناء به وما هذا منك إلا حسد ونبين لك الآن ما حسدت عليه فقالت سلامة لولا أن الدخول بينكما يوجب بغضة لحكمت بينكما حكومة لا يردها أحد قال الأحوص فأنت من ذلك آمنة قال ابن قيس الرقيات كلا قد أمنت أن تكون الحكومة عليك فلذلك سبقت بالأمان لها قال الأحوص فرأيك يدلك على أن معرفتك بأن المحكوم عليه انت وتفرقا فلما صار الأحوص إلى منزله جاءه ابن قيس الرقيات فقرع بابه فأذن له وسلم عليه واعتذر ومما قاله الأحوص في سلامه القس وغني به صوت ( أَسَلاَمُ إنك قد ملكتِ فأَسْجِحِي ... قد يملك الحرُّ الكريم فيُسْجِح ) ( مُنِّي على عانٍ أَطَلْتِ عَناءَه ... في الغُلّ عندكِ والعُنَاةُ تُسَرَّحُ ) ( إنِّي لأنصَحُكم وأعلَمُ أنَّه ... سِيَّانِ عندكِ من يَغُشّ ويَنصَحُ ) ( وإذا شكوتُ إلى سَلاَمة حُبَّها ... قالت أجِدُّ منك ذا أم تمزَحُ ) الشعر للأحوص والغناء لابن مسجح في الأول والثاني ثقيل أول بالوسطى عن عمرو ولدحمان في الأربعة الأبيات ثقيل أول بالبنصر فيه استهلال وفيه خفيف ثقيل يقال إنه لمالك ويقال إنه لسلامة القس أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه قال قال أيوب بن عباية كان عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار من بني جشم بن معاوية وكان فقيها عابداً من عباد مكة يسمى القس لعبادته وكانت سلامة بمكة لسهيل وكان يدخل عليها الشعراء فينشدونها وتنشدهم وتغني من أحب الغناء ففتن بها عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار القس فشاع ذاك وظهر فسميت سلامة القس بذلك غنت القس بشعر له قال إسحاق وحدثني أيوب بن عباية قال سألها عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار القس أن تغنيه بشعر مدحها به ففعلت وهو ( ما بالُ قلبِكَ لا يزال يُهِيمُه ... ذِكَرٌ عَوَاقِبُ غَيِّهنّ سَقَامُ ) ( إنّ التي طرقتْك بين ركائبٍ ... تمشِي بمِزْهَرِها وأنت حَرَامُ ) ( لَتَصِيدُ قلبَك أو جزاءَ مَودَّةٍ ... إنّ الرفيقَ له عليك ذِمامُ ) ( باتت تعلِّلنا وتحسَب أننا ... في ذاك أيقاظٌ ونحن نِيامُ ) ( حتى إذا سطعَ الصباحُ لناظرٍ ... فإذا وذلك بيننا أحلامُ ) ( قد كنتُ أعذِلُ في السَّفاهة أهلَها ... فاعْجَبْ لِمَا تأتي به الأيَّامُ ) ( فاليومَ أعذرهم وأعلَمُ أنما ... سُبُلُ الغَوايةِ والهُدَى أقسامُ ) قال إسحاق وحدثني المدائني قال حدثني جرير قال لما قدم يزيد بن عبد الملك مكة وأراد شراء سلامة القس وعرضت عليه أمرها أن تغنيه فكان أول صوت غنته ( إنّ الَّتي طرقتك بين ركائبٍ ... تمشي بمِزْهَرِها وأنت حرامُ ) ( والبيضُ تَمْشِي كالبُدورِ وكالدُّمَى ... ونَوَاغِمٌ يَمْشين في الأَرْقام ) لَتَصِيدُ قلبَك أو جزاءَ مودَّةٍ ... إنّ الرفيق له عليك ذمامُ ) فاستحسنه يزيد فاشتراها فكان أول صوت غنته لما اشتراها ( أَلاَ قُلْ لهذا القلبِ هل أنت مبصرُ ... وهل أنت عن سَلاَّمةَ مُقْصِرُ ) ( أَلاَ ليتَ أنِّي حين صار بها النَّوَى ... جليسٌ لسَلْمَى حيث ما عَجّ مِزْهَرُ ) ( وإنِّي إذا ما الموتُ زالَ بنَفْسها ... يُزَالُ بنفسي قبلَها حين تُقْبَرُ ) ( إذا أخذتْ في الصوتِ كاد جليسُها ... يطيرُ إليها قلبُه حين ينظُر ) ( كأنَّ حَمَاماً راعِبِيّاً مُؤَدِّياً ... إذا نطقتْ من صدرها يَتَغَشْمَرُ ) فقال لها يزيد يا حبيبتي من قائل هذا الشعر فقصت عليه القصة فرق له وقال أحسن وأحسنت غنت يزيد بن عبد الملك بشعر الأحوص قال إسحاق وحدثني المدائني قال لما اشترى يزيد بن عبد الملك سلامة وكان الأحوص معجباً بها وبحسن غنائها وبكثرة مجالستها فلما أراد يزيد الرحلة قال ابياتاً وبعث بها إلى سلامة فلما جاءها الشعر غنت به يزيد وأخبرته الخبر وهو صوت ( عاودَ القلبَ من سَلاَمةَ نَصْبُ ... فلعينيّ من جَوَى الحُبِّ غَرْبُ ) ( ولقد قلتُ أيها القلبُ ذُو الشوقِ ... الَّذي لا يُحبّ حُبَّك حِبُّ ) ( إنه قد دنا فِراقُ سُلَيْمَى ... وغدَا مَطْلَبٌ عن الوصل صَعْبُ ) غناه ابن محرز ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لابن مسجح خفيف ثقيل بالوسطى عن عمرو وفيه لابن عباد وعلويه رملان وفيه لدحمان خفيف رمل هذه الحكايات الثلاث عن الهشامي وذكر حبش أن لسلامة القس فيه ثاني ثقيل بالوسطى عتابها لحبابة لاستخفافها بها قال إسحاق وحدثني أيوب بن عباية قال كانت سلامة وريا لرجل واحد وكانت حبابة لرجل وكانت المفدمة منهن سلامة حتى صارتا إلى يزيد بن عبد الملك فكانت حبابة تنظر إلى سلامة بتلك العين الجليلة المتقدمة وتعرف فضلها عليها فلما رأت أثرتها عند يزيد ومحبة يزيد لها استخفت بها فقال لها سلامة أي أخية نسيت لي فضلي عليك ويلك أين تأديب الغناء وأين حق التعليم أنسيت قول جميلة يوما وهي تطارحنا وهي تقول لك خذي إحكام ما أطارحك من أختك سلامة ولن تزالي بخير ما بقيت لك وكان أمركما مؤتلفاً قالت صدقت خليلتي والله لا عدت إلى شيء تكرهينه فما عادت لها إلى مكروه وماتت حبابة وعاشت سلامة بعدها دهراً أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب عن عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي الأكبر قال لما قدم عثمان بن حيان المري المدينة والياً عليها قال له قوم من وجوه الناس إنك قد وليت على كثرة من الفساد فإن كنت تريد أن تصلح فطهرها من الغناء والزنا فصاح في ذلك وأجل أهلها ثلاثاً يخرجون فيها من المدينة وكان ابن أبي عتيق غائباً وكان من أهل الفضل والعفاف والصلاح فلما كان آخر ليلة من الأجل قدم فقال لا أدخل منزلي حتى أدخل على سلامة القس فدخل عليها فقال ما دخلت منزلي حتى جئتكم أسلم عليكم قالوا ما أغفلك عن أمرنا وأخبروه الخبر فقال اصبروا علي الليلة فقالوا نخاف ألا يمكنك شيء وننكظ قال إن خفتم شيئاً فاخرجوا في السحر ثم خرج فاستأذن على عثمان بن حيان فأذن له فسلم عليه وذكر له غيبته وأنه جاءه ليقضي حقه ثم جزاه خيراً على ما فعل من إخراج أهل الغناء والزنا وقال أرجو ألا تكون عملت عملاً هو خير لك من ذلك قال عثمان قد فعلت ذلك وأشار به على أصحابك فقال قد أصبت ولكن ما تقول أمتع الله بك في امرأة كانت هذه صناعتها وكانت تكره على ذلك ثم تركته وأقبلت على الصلاة والصيام والخير وأتى رسولها إليك تقول اتوجه إليك وأعوذ بك أن تخرجني من جوار رسول الله ومسجده قال فإني أدعها لك ولكلامك قال ابن أبي عتيق لا يدعك الناس ولكن تأتيك وتسمع من كلامها وتنظر إليها فإن رأيت أن مثلها ينبغي أن يترك تركتها قال نعم فجاءه بها وقال لها اجعلي معك سبحة وتخشعي ففعلت فلما دخلت على عثمان حدثته وإذا هي من أعلم الناس بالناس وأعجب بها وحدثته عن آبائه وأمورهم ففكه لذلك فقال لها ابن أبي عتيق اقرئي للأمير فقرأت له فقال لها احدي له ففعلت فكثر تعجبه فقال كيف لو سمعتها في صناعتها فلم يزل ينزله شيئاً شيئاً حتى أمرها بالغناء فقال لها ابن أبي عتيق غني فغنت ( سَدَدْنَ خَصَاصَ الخَيْمِ لمَّا دخَلْنَهُ ... بكلّ لَبَانٍ واضحٍ وجبينِ ) فغنته فقام عثمان من مجلسه فقعد بين يديها ثم قال لا والله ما مثل هذه تخرج قال ابن أبي عتيق لا يدعك الناس يقولون أقر سلامة وأخرج غيرها قال فدعوهم جميعاً فتركوهم جميعاً أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا عبد الله بن أبي فروة قال قدمت رسل يزيد بن عبد الملك المدينة فاشتروا سلامة المغنية من آل رمانة بعشرين ألف دينار فلما خرجت من ملك أهلها طلبوا إلى الرسل أن يتركوها عندهم أياماً ليجهزوها بما يشبهها من حلي وثياب وطيب وصبغ فقالت لهم الرسل هذا كله معنا لا حاجة بنا إلى شيء منه وأمروها بالرحيل فخرجت حتى نزلت سقاية سليمان بن عبد الملك وشيعها الخلق من أهل المدينة فلما بلغوا السقاية قالت للرسل قوم كانوا يغشونني ويسلمون علي ولا بد لي من وداعهم والسلام عليهم فأذن للناس عليها فانقضوا حتى ملأوا رحبة القصر ووراء ذلك فوقفت بينهم ومعها العود فغنتهم ( فارَقوني وقد علمتُ يقيناً ... ما لِمَن ذاقَ مِيتةً من إيابِ ) ( إنّ أهلَ الحِصَابِ قد تركوني ... مُولَعاً مُوزَعاً بأهل الحِصَابِ ) ( أهلُ بيتٍ تَتَايَعُوا للمنايا ... ما على الدهر بعدهم من عِتابِ ) ( سكنوا الجِزْعَ جِزْعَ بيتِ أبي موسى ... إلى النخل من صُفِيِّ السِّبَابِ ) ( كم بذاك الحَجُونِ من حَيّ صِدْقٍ ... وكُهولٍ أعِفَّةٍ وشَبابِ ) قال عيسى وكنت في الناس فلم تزل تردد هذا الصوت حتى راحت وانتحب الناس بالبكاء عند ركوبها فما شئت أن أرى باكياً إلا رأيته وساطتها للغريض عند يزيد وجه يزيد بن عبد الملك إلى الأحوص في القدوم عليه وكان الغريض معه فقال له أخرج معي حتى آخذ لك جائزة أمير المؤمنين وتغنيه فإني لا أحمل إليه شيئاً هو أحب إليه منك فخرجا فلما قدم الأحوص على يزيد جلس له ودعا به فأنشده مدائح فاستحسنها وخرج من عنده فبعثت إليه سلامة جارية يزيد بلطف فأرسل إليها إن الغريض عندي قدمت به هدية إليك فلما جاءها الجواب اشتاقت إلى الغريض وإلى الاستماع منه فلما دعاها أمير المؤمنين تمارضت وبعثت إلى الأحوص إذا دعاك أمير المؤمنين فاحتل له في أن تذكر له الغريض فلما دعا يزيد الأحوص قال له يزيد ويحك يا أحوص هل سمعت شيئاً في طريقك تطرفنا به قال نعم يا أمير المؤمنين مررت في بعض الطريق فسمعت صوتاً أعجبني حسنه وجودة شعره فوقفت حتى استقصيت خبره فإذا هو الغريض وإذا هو يغني بأحسن صوت وأشجاه ( أَلاَ هاجَ التَّذَكُّرُ لي سَقَامَا ... ونُكْسَ الداءِ والوجعَ الغَرَاما ) ( سَلاَمةُ إنها هَمِّي ودائي ... وشَرُّ الداءِ ما بَطَن العِظاما ) ( فقلتُ له ودمعُ العينِ يجري ... على الخَدَّيْنِ أربعةً سِجَاما ) ( عليكَ لها السلامُ فمَنْ لِصَبٍّ ... يبيت الليلَ يَهْذِي مُستهاما ) قال يزيد ويلك يا أحوص أنا ذاك في هوى خليلتي وما كنت أحسب مثل هذا يتفق وإن ذاك لمما يزيد لها في قلبي فما صنعت يا أحوص حين سمعت ذاك قال سمعت ما لم أسمع يا أمير المؤمنين أحسن منه فما صبرت حتى أخرجت الغريض معي وأخفيت أمره وعلمت أن أمير المؤمنين يسألني عما رأيت في طريقي فقال له يزيد ائتني بالغريض ليلاً وأخف أمره فرجع الأحوص إلى منزله وبعث إلى سلامة بالخبر فقالت للرسول قل له جزيت خيراً قد انتهى إلي كل ما قلت وقد تلطفت وأحسنت فلما وارى الليل أهله بعث إلى الأحوص أن عجل المجيء إلي مع ضيفك فجاء الأحوص مع الغريض فدخلا عليه فقال غنني الصوت الذي أخبرني الأحوص أنه سمعه منك وكان الأحوص قد أخبر الغريض الخبر وإنما ذلك شعر قاله الأحوص يريد يحركه به على سلامة ويحتال للغريض في الدخول عليه فقال غنني الصوت الذي أخبرني الأحوص فلما غناه الغريض دمعت عين يزيد ثم قال ويحك هل يمكن أن تصير إلى مجلسي قيل له هي صالحة فأرسل إليها فأقبلت فقيل ليزيد قد جاءت فضرب لها حجاب فجلست وأعاد عليه الغريض الصوت فقالت أحسن والله يا أمير المؤمنين فاسمعه مني فأخذت العود فضربته وغنت الصوت فكاد يزيد أن يطير فرحاً وسروراً وقال يا أحوص إنك لمبارك يا غريض غنني في ليلتي هذا الصوت فلم يزل يغنيه حتى قام يزيد وأمر لهما بمال وقال لا يصبح الغريض في شيء من دمشق فارتحل الغريض من ليلته وأقام الأحوص بعده أياماً ثم لحق به وبعثت سلامة إليهما بكسوة ولطف كثير نوحها على يزيد حين مات أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني علي بن محمد النوفلي قال حدثني رجل من أهلي من بني نوفل قال قدمت في جماعة من قريش على يزيد بن عبد الملك فألفيناه في علته التي مات فيها بعد وفاة حبابة فنزلنا منزلاً لاصقا بقصر يزيد فكنا إذا أصبحنا بعثنا بمولًى لنا يأتينا بخبره وربما أتينا الباب فسألنا فكان يثقل في كل يوم فإنا لفي منزلنا ليلة إذ سمعنا همساً من بكاء ثم يزيد ذلك ثم سمعنا صوت سلامة القس وهي رافعة صوتها تنوح وتقول ( لا تَلُمْنا إنْ خَشَعْنا ... أوْ هَمَمْنَا بخُشوعِ ) ( قد لَعَمْرِي بِتُّ ليلي ... كأخي الداءِ الوجيعِ ) ( كلَّما أبصرتُ ربعاً ... خالياً فاضتْ دموعي ) ( قد خلا من سيِّدٍ كان ... لنا غيرَ مُضِيعِ ) ثم صاحت وا أمير المؤمنين فعلمنا وفاته فأصبحنا فغدونا في جنازته أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه قال قال يزيد بن عبد الملك ما يقر عيني ما أوتيت من أمر الخلافة حتى أشتري سلامة جارية مصعب بن سهيل الزهري وحبابة جارية آل لاحق المكية فأرسل فاشتريتا له فلما اجتمعتا عنده قال أنا الآن كما قال الشاعر ( فألقتْ عَصاها واستقرّ بها النَّوَى ... كما قَرَّ عيناً بالإِيابِ المسافرُ ) فلما توفي يزيد رثته سلامة فقالت وهي تنوح عليه هذا الشعر ( لا تَلُمْنا إن خَشَعْنا ... أو هَمَمْنا بخُشوعِ ) ( إذ فقدْنا سَيِّداً كان ... لنا غيرَ مُضيع ) ( وهو كاللَّيْثِ إذا ما ... عُدَّ أصحابُ الدروع ) ( يَقْنِصُ الأبطالَ ضرباً ... في مُضِيٍّ ورجوع ) أخبرنا الحسين بن يحيى قال حدثنا الزبير والمدائني أن سلامة كانت لسهيل بن عبد الرحمن بن عوف فاشتراها يزيد بن عبد الملك وكانت مغنية حاذقة جميلة ظريفة تقول الشعر فما رأيت خصالاً أربعاً اجتمعن امرأة مثلها حسن وجهها وحسن غنائها وحسن شعرها قال والشعر الذي كانت تغني به ( لا تَلُمْنا إن خَشَعْنا ... أو هَمَمْنا بخُشوعِ ) ( لِلَّذي حَلَّ بنا اليومَ ... من الأمر الفظيعِ ) وذكر باقي الأبيات مثل ما ذكره غيره قال إسحاق وحدثني الجمحي قال حدثنا من رأى سلامة تندب يزيد بن عبد الملك بمرثية رثته بها فما سمع السامعون بشيء أحسن من ذلك ولا أشجى ولقد أبكت العيون وأحرقت القلوب وأفتنت الأسماع وهي ( يا صاحبَ القبرِ الغريبِ ... بالشام في طَرَفِ الكثيبِ ) ( بالشام بين صفائحٍ ... صُمٍّ تُرَصَّفُ بالجَبُوبِ ) ( لمَّا سمعتُ أنينَه ... وبكاءه عند المَغِيبِ ) ( أقبلتُ أطلُبُ طِبَّه ... والداءُ يُعْضِلُ بالطبيب ) الشعر لرجل من العرب كان خرج بابن له من الحجاز إلى الشام بسبب امرأة هويها وخاف أن يفسد بحبها فلما فقدها مرض بالشام وضني فمات ودفن بها كذا ذكر ابن الكلبي وخبره يكتب عقب أخبار سلامة القس والغناء لسلامة ثقيل أول بالوسطى عن حبش وفيه لحكم رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لحن لابن غزوان الدمشقي من كتاب ابن خرداذبه غير مجنس أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني الجمحي قال حدثني من حضر الوليد بن يزيد وهو يسأل سلامة أن تغنيه شعرها في يزيد وهي تتنغص من ذلك وتدمع عيناها فأقسم عليها فغنته فما سمعت شيئا أحسن من ذلك فقال لها الوليد رحم الله أبي وأطال عمري وأمتعني بحسن غنائك يا سلامة بم كان أبي يقدم عليك حبابة قالت لا أدري والله قال لها لكنني والله أدري ذلك بما قسم الله لها قالت يا سيدي أجل انتحل إسحاق الموصلي ما ناحت به على يزيد أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني عبد الله بن عبد الملك الهدادي عن بعض رجاله عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال سمعت نائحة مدنية تنوح بهذا الشعر ( قَدْ لعَمْرِي بتُّ ليلِي ... كأخي الداءِ الوَجِيع ) ( ونجيُّ الهمّ منِّي ... بات أدنى من ضلوعي ) ( كلَّما أبصرتُ رَبْعاً ... دارساً فاضتْ دموعي ) ( مُقْفِراً من سَيِّدٍ كان ... لنا غيرَ مُضِيع ) والشعر للأحوص والنوح لمعبد وكان صنعه لسلامة وناحت به سلامة على يزيد فلما سمعته منها استحسنته واشتهيته ولهجت به فكنت أترنم به كثيرا فسمع ذلك مني أبي فقال ما تصنع بهذا قلت شعر قاله الأحوص وصنعه معبد لسلامة وناحت به سلامة على يزيد ثم ضرب الدهر فلما مات الرشيد إذا رسول أم جعفر قد وافاني فأمرني بالحضور فسرت إليها فبعثت إلي إني قد جمعت بنات الخلفاء وبنات هاشم لننوح على الرشيد في ليلتنا هذه فقل الساعة أبياتا رقيقة واصنعهن صنعة حسنة حتى أنوح بهن فأردت نفسي على أن أقول شيئا فما حضرني وجعلت ترسل إلي تحثني فذكرت هذا النوح فأريت أني أصنع شيئا ثم قلت قد حضرني القول وقد صنعت فيه ما أمرت فبعثت إلي بكنيزة وقالت طارحها حتى تطارحنيه فأخذت كنيزة العود ورددته عليها حتى أخذته ثم دخلت فطارحته أم جعفر فبعثت إلي بمائة ألف درهم ومائة ثوب نسبة ما في هذه الأخبار من الأصوات صوت ( لقد فتنَتْ رَيَّا وسَلاَّمةُ القَسّا ... فلم تَتْرُكا للقَسّ عقلاً ولا نفسا ) ( فتاتانِ أمَّا منهما فشبيهةُ الهلالِ ... وأخرى منهما تُشبه الشمسا ) الشعر لعبد الله بن قيس الرقيات والغناء لمالك خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لابن سريج ثقيل أول عن الهشامي وزعم عمرو بن بانة أن خفيف الثقيل لحنين الحيري وقيل إن الثقيل الأول لدحمان ومنها الشعر الذي أوله ( أهابُكِ أن أقولَ بذلتُ نفسي ... ) صوت ( أَأَثْلةُ جَرّ جِيرتُكِ الزِّيالا ... وعاد ضميرُ ودِّكُم خَبَالاَ ) ( فإنِّي مستقيلُكِ أَثْلُ لُبِّي ... ولُبَّ المرء أفضلُ ما استقالا ) ( أهابُكِ أن أقولَ بذلتُ نفسي ... ولو أنِّي أطيع القلبَ قالا ) ( حياءً منكِ حتى سُلّ جِسْمِي ... وشَقّ عليَّ كتمانِي وصالا ) الشعر للقس والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر وفيه لمعبد ثقيل أول بالوسطى أوله ( أَهابُكِ أن اقولَ بذلتُ نفسي ... ) خبر لها مع القس أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا بكار بن رباح قال كان عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار من بني جشم بن معاوية وقد كانت أصابت جدة منه من صفوان بن أمية وكان ينزل مكة وكان من عباد أهلها فسمي القس من عبادته فمر ذات يوم بسلامة وهي تغني فوقف فتسمع غناءها فرآه مولاها فدعاه إلى أن يدخله إليها فيسمع منها فأبى عليه فقال له فإني أقعدك في مكان تسمع منها ولا تراها فقال أما هذا فنعم فأدخله داره وأجلسه حيث يسمع غناءها ثم أمرها فخرجت إليه فلما رآها علقت بقلبه فهام بها واشتهر وشاع خبره بالمدينة قال وجعل يتردد إلى منزل مولاها مدة طويلة ثم إن مولاها خرج يوما لبعض شأنه وخلفه مقيما عندها فقالت له أنا والله أحبك فقال لها وأنا والله الذي لا إله إلا هو قالت وأنا والله أشتهي أن أعانقك وأقبلك قال وأنا والله قالت وأشتهي والله أن أضاجعك واجعل بطني على بطنك وصدري على صدرك قال وأنا والله قالت فما يمنعك من ذلك فوالله إن المكان لخال قال يمنعني منه قول الله عز و جل ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) فأكره أن تحول مودتي لك عداوة يوم القيامة ثم خرج من عندها وهو يبكي فما عاد إليها بعد ذلك وأخبرنا إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة عن المدائني قال لما ملك يزيد بن عبد الملك حبابة وسلامة القس تمثل ( فألقتْ عصاها واستقرّ بها النَّوَى ... كما قَرَّ عيناً بالإِيابِ المسافرُ ) ثم قال ما شاء بعد من أمر الدنيا فليفتني صوت من المائة المختارة ( وإنِّي لَيُرْضِيني قليلُ نَوالِكُمْ ... وإن كنتُ لا أرضَى لكم بقليلِ ) ( بحُرْمةِ ما قد كان بيني وبينكم ... من الوصلِ إلاَّ عُدْتُمُ بجميلِ ) الشعر للعباس بن الأحنف والغناء لسليمان الفزازي ولحنه المختار من الرمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه خفيف رمل أوله الثاني ثم الأول ينسب إلى حكم الوادي وإلى سليمان أيضا وفيه لحن من الثقيل الأول يقال إنه لمخارق ذكر حبش أن لحن مخارق ثاني ثقيل أخبار العباس بن الأحنف ونسبه هو فيما ذكر ابن النطاح العباس بن الأحنف بن الأسود بن طلحة بن جدان بن كلدة من بني عدي بن حنيفة وأخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني القاسم بن إسماعيل قال سمعت إبراهيم بن العباس يقول العباس بن الأحنف بن الأسود بن قدامة بن هميان من بني هفان بن الحارث بن الذهل بن الدول بن حنيفة قال وكان حاجب بن قدامة عم العباس من رجال الدولة قال محمد بن يحيى وحدثني أبو عبد الله الكندي قال حدثني محمد بن بكر الحنفي الشاعر قال حدثني أبي قال سمعت العباس بن الأحنف يذكر أن هوذة بن علي الحنفي قد ولده من قبل بعض أمهاته سخر شعره للغزل دون الهجاء أو المديح وكان العباس شاعرا غزلا ظريفا مطبوعا من شعراء الدولة العباسية وله مذهب حسن ولديباجة شعره رونق ولمعانيه عذوبة ولطف ولم يكن يتجاوز الغزل إلى مديح ولا هجاء ولا يتصرف في شيء من هذه المعاني وقدمه أبو العباس المبرد في كتاب الروضة على نظرائه وأطنب في وصفه وقال رأيت جماعة من الرواة للشعر يقدمونه قال وكان العباس من الظرفاء ولم يكن من الخلعاء وكان غزلا ولم يكن فاسقا وكان ظاهر النعمة ملوكي المذهب شديد التترف وذلك بين في شعره وكان قصده الغزل وشغله النسيب وكان حلوا مقبولا غزلا غزير الفكر واسع الكلام كثير التصرف في الغزل وحده ولم يكن هجاء ولا مداحا أخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا أبو ذكوان قال سمعت إبراهيم بن العباس يصف العباس بن الأحنف فقال كان والله ممن إذا تكلم لم يحب سامعه أن يسكت وكان فصيحا جميلا ظريف اللسان لو شئت أن تقول كلامه كله شعر لقلت حدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال رأيت نسخا من شعر العباس بن الأحنف بخراسان وكان عليها مكتوب شعر الأمير أبي الفضل العباس أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد قال حدثني صالح بن عبد الوهاب أن العباس بن الأحنف كان من عرب خراسان ومنشؤه ببغداد ولم تزل العلماء تقدمه على كثير من المحدثين ولا تزال قد ترى له الشيء البارع جدا حتى تلحقه بالمحسنين أخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا يموت بن المزرع قال سمعت خالي يعني الجاحظ يقول لولا أن العباس بن الأحنف أحذق الناس وأشعرهم وأوسعهم كلاما وخاطرا ما قدر أن يكثر شعره في مذهب واحد لا يجاوزه لأنه لا يهجو ولا يمدح ولا يتكسب ولا يتصرف وما نعلم شاعرا لزم فنا واحدا لزومه فأحسن فيه وأكثر حدثني محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن القاسم بن خلاد قال أنشد الحرمازي أبو علي وأنا حاضر للعباس بن الأحنف صوت ( لا جَزَى اللَّهُ دمعَ عينيَ خيراً ... وجزى اللَّهُ كلَّ خيرٍ لساني ) ( نَمَّ دمعِي فليس يكتُم شيئاً ... ورأيتُ اللِّسان ذا كتْمانِ ) ( كنتُ مثلَ الكتابِ أخفاه طَيُّ ... فاستدلُّوا عليه بالعُنْوان ) الغناء لعريب رمل ثم قال الحرمازي هذا والله طراز يطلب الشعراء مثله فلا يقدرون عليه أخبرني محمد قال حدثني حسين بن فهم قال سمعت العطوي يقول كان العباس بن الأحنف شاعرا مجيدا غزلا وكان أبو الهذيل العلاف يبغضه ويلعنه لقوله ( إذا أردتُ سُلُوّاً كان ناصركم ... قلبي وما أنا من قلبي بمنتصِر ) ( فأَكْثِروا أو أَقِلُّوا من إساءتكم ... فكلُّ ذلك محمولٌ على القَدَرِ ) قال فكان أبو الهذيل يلعنه لهذا ويقول يعقد الكفر والفجور في شعره قال محمد بن يحيى وأنشدني محمد بن العباس اليزيدي شعرا للعباس أظنه يهجو به أبا الهذيل وما سمعت للعباس هجاء غيره ( يا من يُكَذِّبُ أخبارَ الرسولِ لقد ... أخطأتَ في كلِّ ما تأتي وما تَذَرُ ) ( كَذَّبتْ بالقَدَرِ الجاري عليك فقد ... أتاك منِّي بما لا تَشْتهي القدرُ ) الأصمعي يعترف بأنه أحسن المحدثين حدثني محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن سعيد عن الرياشي قال قيل للأصمعي أو قلت له ما أحسن ما تحفظ للمحدثين قال قول العباس بن الأحنف صوت ( لو كنتِ عاتبةً لَسَكَّنَ رَوْعَتِي ... أَمَلِي رضاكِ وزرتُ غيرَ مُرَاقِبِ ) ( لكن مَلِلْتِ فلم تكن لِيَ حيلَةٌ ... صَدُّ المَلُولِ خلافُ صدِّ العاتبِ ) الغناء للعباس أخي بحر رمل أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي ومحمد بن العباس اليزيدي قالا واللفظ لهاشم قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي قال دخل عمي على الرشيد والعباس بن الأحنف عنده فقال العباس للرشيد دعني أعبث بالأصمعي قال له الرشيد إنه ليس ممن يحتمل العبث فقال لست أعبث به عبثا يشق عليه قال أنت اعلم فلما دخل عمي قال له يا أبا سعيد من الذي يقول ( إذا أحببتَ أن تصنع ... شيئاً يُعجِب الناسا ) ( فصَوِّرْ هَا هُنَا فَوْزاً ... وصَوِّرْ ثَمَّ عَبَّاسا ) ( فإنْ لم يَدْنُوَا حتَّى ... ترى رأسَيْهما راسا ) ( فكَذِّبْها بما قاستْ ... وكَذِّبْه بما قاسى ) فقال له عمي يعرض بأنه نبطي قاله الذي يقول ( إذا أحببتَ أن تُبْصِرَ ... شيئاً يُعجب الخَلْقا ) ( فصَوِّرْ ها هنا دوراً ... وصَوِّرْ ها هنا فلقا ) ( فإنْ لم يَدْنُوَا حتَّى ... ترى خَلْقَيْهما خَلْقا ) ( فكَذِّبْها بما لاقتْ ... وكَذِّبْه بما يَلْقَى ) قال فخجل العباس وقال له الرشيد قد نهيتك فلم تقبل حدثني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال أنشدني إبراهيم بن العباس للعباس بن الأحنف صوت ( قالت ظَلُومُ سَمِيَّةُ الظُّلْمِ ... ما لي رأيتُك ناحلَ الجسمِ ) ( يا مَنْ رَمَى قلبي فأقْصَده ... أنت العليمُ بموضع السَّهْمِ ) فقلت له إن أبا حاتم السجستاني حكى عن الأصمعي أنه أنشد للعباس بن الأحنف صوت ( أَتَأْذَنُون لِصَبٍّ في زيارتكم ... فعندكم شَهَواتُ السمعِ والبَصَرِ ) ( لا يُضْمِرُ السُّوءَ إن طال الجلوسُ به ... عَفُّ الضمير ولكن فاسقُ النظرِ ) فقال الأصمعي ما زال هذا الفتى يدخل يده في جرابه فلا يخرج شيئا حتى أدخلها فأخرج هذا ومن أدمن طلب شيء ظفر ببعضه فقال إبراهيم بن العباس أنا لا أدري ما قال الأصمعي ولكن أنشدك للعباس ما لا تدفع أنت ولا غيرك فضله ثم أنشدني قوله ( واللَّهِ لو أنَّ القلوبَ كقلبها ... ما رَقَّ للولدِ الضعيفِ الوَالدُ ) وقوله ( لكن مَلِلْتِ فلم تكن ليَ حيلةٌ ... صَدُّ المَلُولِ خِلافُ صدِّ العاتبِ ) وقوله ( حتى إذا اقتحم الفتى لُجَجَ الهَوَى ... جاءت أمورٌ لا تُطَاقُ كِبارُ ) ثم قال هذا والله ما لا يقدر أحد على أن يقول مثله أبدا حدثني عمي قال حدثني ميمون بن هارون قال كنا عند الحسن بن وهب فقال لبنان غنيني ( أَتَأْذَنُون لِصَبٍّ في زيارتكم ... فعندكم شَهَواتُ السِّمْعِ والبَصَرِ ) ( لا يُضْمِرُ السُّوءَ إن طال الجلوسُ به ... عَفُّ الضمير ولكن فاسقُ النظرِ ) قال فضحكت ثم قالت فأي خير فيه إن كان كذا أو أي معنى فخجل الحسن من نادرتها عليه وعجبنا من حدة جوابها وفطنتها حدثني الصولي قال أخبرنا أحمد بن إسماعيل النصيبيني قال سمعت سعيد بن جنيد يقول ما أعرف أحسن من شعر العباس في إخفاء أمره حيث يقول ( أرِيدُكِ بالسلام فأَتَّقِيهم ... فأَعمِدُ بالسلام إلى سِواكِ ) ( وأُكثِرُ فيهمُ ضَحِكِي ليَخْفَى ... فسِنِّي ضاحكٌ والقلبُ باك ) الواثق يتمثل بشعره في غضبه حدثني الصولي قال حدثني علي بن محمد بن نصر قال حدثني خالي أحمد بن حمدون قال كان بين الواثق وبين بعض جواريه شر فخرج كسلان فلم أزل أنا والفتح بن خاقان نحتال لنشاطه فرآني أضاحك الفتح فقال قاتل الله ابن الأحنف حيث يقول ( عَدْلٌ من اللَّه أبكاني وأضحكها ... فالحمدُ للَّه عدلٌ كلُّ ما صنَعا ) ( اليوم أَبْكي على قلبي وأندُبُه ... قلبُ أَلَحْ عليه الحُبُّ فانصدَعا ) فقال الفتح أنت والله يا أمير المؤمنين في وضع التمثل موضعه أشعر منه وأعلم واظرف أخبرني الصولي قال حدثني أحمد بن يزيد المهلبي عن أبيه قال قالت للواثق جارية له كان يهواها وقد جرى بينهما عتب إن كنت تستطيل بعز الخلافة فأنا أدل بعز الحب أتراك لم تسمع بخليفة عشق قبلك قط فاستوفى من معشوقه حقه ولكني لا أرى لي نظيرا في طاعتك فقال الواثق لله در ابن الأحنف حيث يقول ( أمَا تَحْسَبِيني أرى العاشقينَ ... بلَى ثم لستُ أرى لي نظيرا ) ( لعلَّ الذي بيديه الأمورُ ... سيَجعل في الكُرْه خيراً كثيرا ) الزبير بن بكار يقول ابن الأحنف أشعر الناس حدثني الصولي قال حدثني المغيرة بن محمد المهلبي قال سمعت الزبير يقول ابن الأحنف أشعر الناس في قوله ( تَعْتَلّ بالشُّغْلِ عنَّا ما تكلِّمنا ... الشغلُ للقلب ليس الشغلُ للبَدَنِ ) ويقول لا أعلم شيئا من أمور الدنيا خيرها وشرها إلا وهو يصلح أن يتمثل فيه بهذا النصف الأخير حدثني الصولي قال حدثني محمد بن سعيد عن حماد بن إسحاق قال كان أبي يقول لقد ظرف ابن الأحنف في قوله يصف طول عهده بالنوم ( قِفَا خَبِّراني أيُّها الرجلانِ ... عن النوم إنّ الهجرَ عنه نَهاني ) ( وكيف يكون النومُ أم كيف طَعْمُه ... صِفَا النَّومَ لي إن كنتما تَصِفَانِ ) قال على قلة إعجابه بمثل هذه الأشعار حدثني الصولي قال حدثني ميمون بن هارون بن مخلد قال حدثنا أحمد بن إبراهيم قال رأيت سلمة بن عاصم ومعه شعر العباس بن الأحنف فعجبت منه وقلت مثلك أعزك الله يحمل هذا فقال ألا أحمل شعر من يقول صوت ( أسَأتُ أَنْ أحسنتُ ظنِّي بكم ... والحَزْمُ سوءُ الظنّ بالنَّاس ) ( يُقلقني الشوقُ فآتيكمُ ... والقلبُ مملوءٌ من الياس ) غنى هذين البيتين حسين بن محرز خفيف رمل بالوسطى وأول الصوت ( يا فوزُ يا مُنيةَ عبَّاسِ ... واحَرَبَا من قلبك القاسي ) وروى أحمد بن إبراهيم قال أتاني أعرابي فصيح ظريف فجعلت أكتب عنه أشياء حساناً ثم قال أنشدني لأصحابكم الحضريين فأنشدته للعباس بن الأحنف ( ذكرتُك بالتُّفَّاح لمَّ شَمِمْتُه ... وبالرَّاح لما قابلتْ أوْجُهَ الشَّرْبِ ) تذكَّرتُ بالتّفاح منك سَوَالِفاً ... وبالرَّاح طعماً من مُقَبَّلَك العَذبِ ) فقال هذا عندك وأنت تكتب عني لا أنشدك حرفا بعد هذا وحدثني الصولي قال حدثني الحسين بن يحيى الكاتب قال سمعت عبد الله بن العباس بن الفضل يقول ما أعرف في العراق أحسن من قول ابن الأحنف ( سبحانَ ربِّ العُلاَ ما كان أغْفَلَنِي ... عما رمَتْنِي به الأيامُ والزمنُ ) ( مَنْ لم يَذُقْ فُرقةَ الأحبابِ ثم يرى ... آثارَهم بعدهم لم يَدْرِ ما الحَزَنُ ) قال أبو بكر وقد غنى عبد الله بن العباس فيه صوتاً خفيف رملٍ حدثني الصولي قال حدثنا ميمون بن هارون قال سمعت حسين ين الضحاك يقول لو جاء العباس بن الأحنف بقوله ما قاله في بيتين في أبيات لعذر وهو قوله ( لَعَمْرُك ما يستريح المُحِبُّ ... حتى يَبوحَ بأسرارِهِ ) ( فقد يكتمُ المرءُ أسرارَه ... فتظهرُ في بعض أشعارِه ) ثم قال أما قوله في هذا المعنى الذي لم يتقدمه فيه أحد فهو ( الحُبُّ أَمْلَكُ للفؤاد بقهره ... من أن يُرَى للسَّتر فيه نصيبُ ) ( وإذا بَدَا سرُّ اللبيبِ فإنَّه ... لم يَبْدُ إلاَّ والفتى مغلوبُ ) أخبرني الصولي قال حدثني الغلابي قال حدثني الزبير بن بكار قال قال أبو العتاهية ما حسدت أحداً إلا العباس بن الأحنف في قوله ( إذا امتنع القريبُ فلم تَنَلْهُ ... على قُرْبٍ فذاك هو البعيدُ ) فإني كنت أولى به منه وهو بشعري أشبه منه بشعره فقلت له صدقت هو يشبه شعرك الكندي يستجيد شعره أخبرني الصولي قال حدثني أبو الحسن الأنصاري قال سمعت الكندي يقول العباس بن الأحنف مليح ظريف حكيم جزل في شعره وكان قليلاً ما يرضيني الشعر فكان ينشد له كثيراً صوت ( أَلاَ تَعْجَبون كما أعجبُ ... حبيبٌ يُسيء ولا يُعْتِبُ ) ( وأبغِي رضاهُ على سُخْطِهِ ... فيأبَى عليَّ ويستصعِبُ ) ( فيا ليتَ حَظِّي إذا ما أسأْتَ ... أنَّك ترضَى ولا تَغْضَبُ ) شغف إبراهيم الموصلي بشعره فتغنى به أخبرني الصولي قال حدثنا محمد بن الفضل قال حدثني حماد بن إسحاق قال كان جدي إبراهيم مشغوفا بشعر العباس فتغنى في كثير من شعره فذكر أشعاراً كثيرة حفظت منها صوت ( وقد مُلِئتْ ماءَ الشَّبابِ كأنَّها ... قضيبٌ من الرَّيْحان رَيَّانُ أخضر ) ( همُ كتموني سَيْرَهم حين أزمَعُوا ... وقالوا اتَّعَدْنا للرَّوَاح وبَكَّرُوا ) ذكر الهشامي أن اللحن في هذين البيتين لعلويه رمل وفي كتاب ابن المكي أنه لابن سريج وهو غلط وقد أخبرني الحسن بن علي عن الحسين بن فهم قال أنشد المأمون قول عباس بن الأحنف ( همُ كتموني سَيْرَهم حين أزمعوا ... وقالوا اتَّعَدْنا للرَّواح وبكَّرُوا ) فقال المأمون سخروا بأبي الفضل قال وحفظت منها صوت ( تمنَّى رجالٌ ما أحبُّوا وإنما ... تمنَّيتُ أن أشكو إليكَ وتَسْمعا ) ( أَرَى كلّ معشوقيْن غيري وغيرها ... قد استعذَبا طولَ الهوى وتمتَّعا ) الغناء لإبراهيم ثقيل أول بالبنصر وفيه ثقيل أول بالوسطى ينسب إلى يزيد حوراء وإلى سليم بن سلام قال وحفظت منها ( بكتْ عيني لأنْواعِ ... من الحزن وأوجاعِ ) ( وأني كلَّ يوم عندكم ... يَحْظى بيَ السَّاعي ) ( أعيشُ الدَّهرَ إن عشتُ ... بقلبٍ منكِ مُرْتاعِ ) ( وإن حلَّ بيَ البعدُ ... سيَنْعانِي لكِ النَّاعي ) الغناء لإبراهيم الموصلي ثاني ثقيل بالوسطى عن عمرو وفي كتاب إبراهيم بن المهدي الذي رواه الهشامي عنه أن لإبراهيم بن المهدي فيه لحنين ثقيلا أول وماخورياً وفيه هزج محدث أخبرني الصولي قال حدثنا أصحابنا عن محمد بن الفضل عن حماد بن إسحاق قال ما غنى جدي في شعر أحد من الشعراء أكثر مما غنى في شعر ذي الرمة وعباس بن الأحنف أخبرني الصولي قال حدثني محمد بن عبد الله التميمي قال كنا في مجلس ابن الأعرابي إذ أقبل رجل من ولد سعيد بن سالم كان يلزم ابن الأعرابي وكان يحبه ويأنس به فقال له ما أخرك عني فاعتذر بأشياء ثم قال كنت مع مخارق عند بعض بني الرشيد فوهب له مائة ألف درهم على صوت غناه به فاستكثر ذلك ابن الأعرابي واستهاله وعجب منه وقال ما هو قال غناه بشعر عباس بن الأحنف ( بكتْ عيْني لأنواعِ من الحزن وأوجاعِ ) ( وأني كل يوم عندكم ... يَحْظَى بيَ السَّاعي ) فقال ابن الأعرابي أما الغناء فما أدري ما هو ولكن هذا والله كلام قريب مليح حدثني الصولي قال حدثنا محمد بن الهيثم قال حدثني محمد بن عمرو الرومي قال كنا عند الواثق فقال أريد أن أصنع لحناً في شعر معناه أن الإنسان كائناً من كان لا يقدر على الاحتراس من عدوه فهل تعرفون في هذا شيئاً فأنشدنا ضروباً من الأشعار فقال ما جئتم بشيء مثل قول عباس بن الأحنف ( قلبي إلى ما ضرَّني داعِي ... يُكْثِر أسقامي وأوجاعِي ) ( كيف احتراسي من عدوّي إذا ... كان عدوّي بين أضلاعي ) ( أَسْلمني للحبّ أشياعي ... لمَّا سعى بي عندها السَّاعي ) ( لقلَّما أَبْقى على كلّ ذا ... يُوشك أن يَنْعانِيَ النَّاعي ) قال فعمل فيه الواثق لحنه الثقيل الأول النشيد بالوسطى خبر المتوكل وعلي بن الجهم في صدد شعره حدثني الصولي قال حدثني محمد بن موسى أو حدثت به عنه عن علي بن الجهم قال انصرفت ليلة من عند المتوكل فلما دخلت منزلي جاءني رسوله يطلبني فراعني ذلك وقلت بلاء تتبعت به بعد انصرافي فرجعت إليه وجلا فأدخلت عليه وهو في مرقده فلما رآني ضحك فأيقنت بالسلامة فقال يا علي أنا مذ فارقتك ساهر خطر على قلبي هذا الشعر الذي يغني فيه أخي قول الشاعر ( قلبي إلى ما ضرَّني دَاعِي ... ) الأبيات فحرصت أن أعمل مثل هذا فلم يجئني أو أن أعمل مثل اللحن فما أمكنني فوجدت في نفسي نقصاً فقلت يا سيدي كان أخوك خليفة يغني وأنت خليفة لا تغني فقال قد والله أهديت إلى عيني نوماً أعطوه الف دينار وحييته وانصرفت وجدت في كتاب الشاهيني بغير إسناد أنشد ابو الحارث جميز قول العباس بن الأحنف ( قلبي إلى ما ضرَّني دَاعِي ... ) الأبيات فبكى ثم قال هذا شعر رجل جائع في جارية طباخة مليحة فقلت له من اين قلت ذاك قال لأنه بدأ فقال ( قلبي إلى ما ضرَّني داعِي ... ) وكذلك الإنسان يدعوه قلبه وشهوته إلى ما يضره من الطعام والشراب فيأكله فتكثر علله وأوجاعه وهذا تعريض ثم صرح فقال ( كيف احتراسي من عدوّي إذا ... كان عدوّي بين أضلاعي ) وليس للإنسان عدو بين أضلاعه إلا معدته فهي تتلف ماله وهي سبب أسقامه وهي مفتاح كل بلاء عليه ثم قال ( إن دام لي هجرُك يا مالِكي ... أَوْشك أن يَنْعانيَ النَّاعِي ) فعلمت أن الطباخة كانت صديقته وأنها هجرته ففقدها وفقد الطعام فلو دام ذلك عليه لمات جوعاً ونعاه الناعي وحدثني الصولي قال حدثني محمد بن عيسى قال جاء عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع إلى الحسن بن وهب وعنده بنان جارية محمد بن حماد وهي نائمة سكرى وهي يبكي عندها فقال له ما لك قال قد كنت نائما فجاءتني فأنبهتني وقالت اجلس حتى تشرب فجلست فوالله ما غنت عشرة أصوات حتى نامت وما شربت إلا قليلا فذكرت قول أشعر الناس وأظرفهم العباس بن الأحنف صوت ( أبكي الذين أذاقوني مودَّتَهم ... حتى إذا أيقظوني للهوى رقَدُوا ) فأنا أبكي وأنشد هذا البيت ابنه إبراهيم يمدح شعره وينشد له وحدثني الصولي قال حدثني القاسم بن إسماعيل قال سمعت إبراهيم بن العباس يقول ما رأيت كلاما محدثا أجزل في رقة ولا أصعب في سهولة ولا أبلغ في إيجاز من قول العباس بن الأحنف ( تعالَيْ نُجَدِّدْ دارسَ العهد بيننا ... كلانا على طول الجفاء مَلُومُ ) قال الصولي ووجدت بخط عبد الله بن الحسن أنشد ابو محمد الحسن بن مخلد قال أنشدني إبراهيم بن العباس بن الأحنف صوت ( إن قال لم يَفْعَل وإن سِيلَ لم ... يَبْذُل وإن عُوتِبَ لم يُعتِبِ ) ( صبٌّ بعِصْياني ولو قال لي ... لا تَشْربِ الباردَ لم أشْرَبِ ) ( إليك أشكو ربِّ ما حلَّ بي ... من صدّ هذا المُذْنِب المُغْضَبِ ) غنى في هذه الأبيات أحمد بن صدقة هزجاً بالوسطى وفيها لحن آخر لغيره قال الحسن بن مخلد ثم قال لي إبراهيم بن العباس هذا والله الكلام الحسن المعنى السهل المورد القريب المتناول المليح اللفظ العذب المستمع حدثني الصولي قال حدثني أحمد بن يزيد المهلبي قال سمعت علي بن يحيى يقول من الشعر المرزوق من المغنين خاصة شعر العباس بن الأحنف وخاصة قوله ( نامَ من أَهْدى ليَ الأرَقَا ... مستريحاً سامَني قَلَقَا ) فإنه غنى فيه جماعة من المغنين منهم إبراهيم الموصلي وابنه إسحاق وغيرهما قال وكان يستحسن هذا الشعر وأظن استحسانه إياه حمله على أن قال في رويه وقافيته ( بأبي واللَّهِ مَن طرَقَا ... كابتسام البرق إذا خَفَقَا ) وعمل فيه لحناً من خفيف الثقيل في الإصبع الوسطى هكذا رواه الصولي وأخبرني جحظة قال حدثني حماد بن إسحاق قال قال أبي هذا الصوت ( نام من أهدى ليَ الأَرَقا ... ) كان محظوظاً من المغنين من الأشعار المحظوظة في الغناء لكثرة ما فيه من الصنعة واشتراك المغنين في ألحانه وذكر محمد بن الحسن الكاتب عن علي بن محمد بن نصر عن جده حمدون أنه قال ذلك ولم يذكره عن إسحاق نسبة هذين الصوتين منهما صوت ( نام من أَهْدى ليَ الأَرَقا ... مستريحاً زادَني قَلَقَا ) ( لو يَبيتُ الناسُ كلُّهم ... بسهادي بيَّض الحَذقا ) ( كان لي قلبٌ أعيش به ... فاصطلى بالحبّ فاحترقا ) ( أنا لم أرْزَق مودَّتكم ... إنما للعبد ما رُزِقا ) لإسحاق في هذا الشعر خفيف بالوسطى في مجراها ولأبيه إبراهيم أيضا فيه خفيف ثقيل آخر ولابن جامع فيه لحنان رمل مطلق في مجرى الوسطى في الأول والثالث وخفيف رمل مطلق في مجرى الوسطى ايضاً في الأبيات كلها وفيه لسليم هزج وفيه لعلويه ثقيل أول نسبة صوت علي بن يحيى صوت ( بأبي واللَّه مَنْ طَرَقا ... كابتسام البرق إذ خَفَقَا ) ( زادني شوقاً بزَوْرَته ... وملا قلبي به حرقَا ) ( مَنْ لقلبٍ هائمٍ دَنِفٍ ... كلَّما سلَّيتُه قَلِقا ) ( زارني طيفُ الحبيب فما ... زاد أن أَغْرى بيَ الأَرَقا ) الشعر لعلي بن يحيى وذكر الصولي أن الغناء له خفيف ثقيل أول بالوسطى وذكر أبو العبيس بن حمدون أن هذا الخفيف الثقيل من صنعته وفيه لعريب ثاني ثقيل بالوسطى أيضا حدثني الصولي قال سمعت عبد الله بن المعتز يقول لو قيل ما أحسن شيء تعرفه لقلت شعر العباس بن الأحنف صوت ( قد سحَّبَ الناسُ أذيالَ الظنونِ بنا ... وفرَّق الناسُ فينا قولَهم فِرَقَا ) ( فكاذِبٌ قد رمَى بالحبّ غيرَكُم ... وصادقٌ ليس يَدْري أنَّه صدَقا ) قال وللمسدود في هذا الشعر لحن قال ولم يغن المسدود أحسن من غنائه في شعر العباس بن الأحنف هكذا ذكر الصولي ولم يأت بغير هذا ولإسحاق في هذين البيتين ثقيل أول بالبنصر من نسخة عمرو بن بانة الثانية ولابن جامع ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وليزيد حوراء خفيف ثقيل عنه وللمسدود رمل ولعبد الله بن العباس الربيعي خفيف رمل وأخبرني الصولي قال حدثني محمد بن سعيد قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال غضب الفضل بن الربيع على جارية له كانت أحب الناس إليه فتأخرت عن استرضائه فغمه ذلك فوجه إلى أبي يعلمه ويشكوها إليه فكتب إليه أبي لك العزة والشرف ولأعدائك الذل والرغم استعمل قول العباس بن الأحنف ( تحمَّلْ عظيمَ الذنب ممَّن تحبّه ... وإن كنتَ مظلوماً فقُل أنا ظالمُ ) ( فإنك إلاَّ تَغْفِر الذنبَ في الهوى ... يُفارِقْك من تَهوى وأنفُك راغِمُ ) فقال صدقت وبعث إليها فترضاها دفاع مصعب بن الزبير عن شعره أخبرني الصولي قال حدثني أبو بكر بن أبي خثيمة قال قيل لمصعب الزبيري إن الناس يستبردون شعر العباس بن الأحنف فقال لقد ظلموه أليس الذي يقول صوت ( قالت ظلومُ سمّيةُ الظُّلْم ... ما لي رأيتُك ناحلَ الجسمِ ) ( يا من رمى قَلبي فأقْصَدَه ... أنت العليمُ بموقع السَّهْمِ ) الغناء لأبي العبيس أو ابنه إبراهيم ماخوري أخبرني الصولي قال حدثنا ميمون بن هارون قال حدثني أبو عبد الله الهشامي الحسن بن أحمد قال حدثنا عمرو بن بانة قال كنا في دار أم جعفر جماعة من الشعراء والمغنين فخرجت جارية لها وكمها مملوء دراهم فقالت أيكم القائل ( من ذا يُعيرك عينَه تبكي بها ... أرأيت عيناً للبكاء تُعارُ ) فأومىء إلى العباس بن الأحنف فنثرت الدراهم في حجره فنفضها فلقطها الفراشون ثم دخلت ومعها ثلاثة نفر من الفراشين على عنق كل فراش بدرة فيها دراهم فمضوا بها إلى منزل العباس بن الأحنف أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن موسى قال أنشد الرشيد قول العباس بن الأحنف ( من ذا يُعيرك عينَه تبكي بها ... ) فقال من لا صحبه الله ولا حاطه حدثني الصولي قال حدثني عون بن محمد الكندي قال كنا مع مخلد الموصلي في مجلس وكان معنا عبد الله بن ربيعة الرقي فأنشد مخلد الموصلي قصيدة له يقول فيها ( كلُّ شيء أَقْوى عليه ولكنْ ... ليس لي بالفِراق منك يَدانِ ) فجعل يستحسنه ويردده فقال له عبد الله أنت الفداء لمن أبتدأ هذا المعنى فأحسن فيه حيث يقول ( سلبتْني من السُّرور ثِيابا ... وكسَتني من الهموم ثِيابَا ) ( كلما أغْلَقتْ من الوصل بابا ... فتَحَتْ لي إلى المنيَّةِ بابا ) ( عذَّبِيني بكلِّ شيء سوى الصدّ ... فما ذقتُ كالصدود عذابا ) قال فضحك الموصلي والشعر للعباس بن الأحنف الرياشي يمتدح شعره وأخبرني الصولي قال حدثني أبو الحسن الأسدي قال سمعت الرياشي يقول وقد ذكر عنده العباس بن الأحنف والله لو لم يقل من الشعر إلا هذين البيتين لكفيا صوت ( أُحْرَمُ منكم بما أقولُ وقد ... نالَ به العاشِقونَ من عَشِقُوا ) ( صِرْت كأني ذُبالةٌ نُصِبَتْ ... تُضِيءُ للنَّاسِ وهي تحْترقُ ) وفي هذين البيتين لحن لعبد الله بن العباس من الثقيل الثاني بالبنصر وفيه لخزرج رمل أول عن عبد الله بن العباس ( أنتِ لا تعلمينَ ما الهمُّ والحُزْنُ ... ولا تعلَمين ما الأَرَقُ ) الرشيد وإسحاق الموصلي يختلفان في مدحه ومدح أبي العتاهية أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن يزيد المبرد قال حدثني بعض مشايخ الأزد عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال كان الرشيد يقدم أبا العتاهية حتى يجوز الحد في تقديمه وكنت أقدم العباس بن الأحنف فاغتابني بعض الناس عند الرشيد وعابني عنده وقال عقب ذلك وبحسبك يا أمير المؤمنين أنه يخالفك في العباس بن الأحنف على حداثة سنه وقلة حذقه وتجريبه ويقدمه على أبي العتاهية مع ميلك إليه وبلغني الخبر فدخلت على الرشيد فقال لي ابتداء أيما أشعر عندك العباس بن الأحنف أو أبو العتاهية فعلمت الذي يريد فأطرقت كأني مستثبت ثم قلت أبو العتاهية أشعر قال أنشدني لهذا ولهذا قلت فبأيهما أبدأ قال بالعباس قال فأنشدته أجود ما أرويه للعباس وهو قوله ( أُحْرَمُ مِنكم بما أقولُ وقد ... نالَ به العاشِقونَ مَنْ عَشِقُوا ) فقال لي أحسن فأنشدني لأبي العتاهية فأنشدته أضعف ما أقدر عليه وهو قوله ( كأنَّ عُتَّابَةَ من حُسْنها ... دُمْيَة قَسٍّ فتنتْ قَسَّها ) ( يا رَبِّ لو أنسيتَنِيها بما ... في جَنَّةِ الفردوسِ لم أنْسَها ) ... ( إني إذاً مثلُ التي لم تزل ... دائبةً في طحنها كُدْسَها ) ( حتى إذا لم يبق منها سوى ... حَفْنةِ بُرٍّ قتلتْ نفسَها ) قال أتعيره هذا فأين أنت عن قوله ( قال لي أحمدٌ ولم يدْرِ ما بي ... أتحبُّ الغداةَ عُتبةَ حَقّا ) ( فتنفَّسْتُ ثُمَّ قلت نعم حُبّاً ... جرى في العروق عِرْقاً فعِرْقا ) ويحك أتعرف لأحد مثل هذا أو تعرف أحدا سبقه إلى قوله فتنفست ثم قلت كذا وكذا اذهب ويحك فاحفظها فقلت نعم يا أمير المؤمنين ولو كنت سمعت بها لحفظتها قال إسحاق وما أشك أني كنت أحفظ لها حينئذ من أبي العتاهية ولكني إنما أنشدت ما أنشدت تعصبا قال محمد بن يزيد وحدثت من غير وجه أن الرشيد ألف العباس بن الأحنف فلما خرج إلى خراسان طال مقامه بها ثم خرج إلى أرمينية والعباس معه ماشيا إلى بغداد فعارضه في طريقه فأنشده ( قالوا خُراسانُ أقصى ما يُرادُ بنا ... ثم القُفولُ فَقد جئنا خراسانا ) ( ما أقدرَ اللَّه أن يُدْني على شَحَط ... سُّكّانَ دِجَلة من سُكَّان جَيْحانا ) ( متى الذي كنتُ أرجوه وآمُلُه ... أمَّا الذي كنتُ أخشاه فقد كانا ) ( عينُ الزمانِ أصابتْنا فلا نَظَرتْ ... وعذَّبتْ بصنوفِ الهجر ألوانا ) في هذين البيتين الأخيرين رمل بالوسطى ينسب إلى مخارق وإلى غيره قال فقال له الرشيد قد اشتقت يا عباس وأذنت لك خاصة وأمر له بثلاثين ألف درهم أخبرني الصولي قال حدثنا محمد بن القاسم قال سمعت مصعبا الزبيري يقول العباس بن الأحنف وعمرو العراف ما ابتدلا شعرهما في رغبة ولا رهبة ولكن فيما أحباه فلزما فنا واحدا لو لزمه غيرهما ممن يكثر إكثارهما لضعف فيه ذكر الأصوات التي تجمع النغم العشر منها صوت ( توهَّمتُ بالخَيْف رسماً مُحِيلاً ... لعَزَّةَ تَعْرِفُ منه الطُّلولا ) ( تَبَدَّل بالحيّ صوتَ الصَّدى ... ونوحَ الحمامة تدعو هَدِيلا ) عروضه من المتقارب الخيف الذي عناه كثير ليس بخيف منى بل هو موضع آخر في بلاد ضمرة والطلول جمع طلل وهو ما كان له شخص وجسم عال من آثار الديار والرسم ما لم يكن له شخص وجسم والصدى ها هنا طائر وفي موضع آخر العطش ويزعم أهل الجاهلية أن الصدى طائر يخرج من رأس المقتول فلا يزال يصيح اسقوني حتى يدرك بثأره قال طرفة ( كريم يروِّي نفسَه في حياته ... ستعلم إن مِتْنا صَدًى أيُّنا الصَّدِي ) والحمام القماري ونحوها من الطير والهديل أصواتها الشعر لكثير والغناء لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر ونسبه إلى جاريته وكنى عنها فذكر أن الصنعة لبعض من كثرت دربته بالغناء وعظم علمه وأتعب نفسه حتى جمع النغم العشر في هذا الصوت وذكر أن طريقته من الثقيل الأول وأنه ليس يجوز أن ينسبه إلى موضع إصبع مفردة لأن ابتداءه على المثنى مطلقا ثم بسبابة المثنى ثم وسطى المثنى ثم بنصر المثنى ثم خنصر المثنى ثم سبابة الزير ثم وسطاه ثم بنصره ثم خنصره ثم النغمة الحادة وهي العاشرة وفيه لابن محرز ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر وفيه لابن الهربذ رمل بالوسطى عن عمرو وهذا الصوت من الثقيل الثاني وهو الذي ذكر إسحاق في كتاب النغم وعللها أن لحن ابن محرز فيه يجمع ثمانيا من النغم العشر وأنه لا يعرف صوتا يجمعها غيره وأنه يمكن من كان له علم ثاقب بالصناعة أن يأتي في صوت واحد بالنغم العشر بعد تعب طويل ومعاناة شديدة وذكر عبيد الله أن صانع هذا الصوت الذي كنى عنه فعل ذلك وتلطف له حتى أتى بالنغم العشر في هذا متوالية من أولها إلى آخرها وأتى بها في الصوت الذي بعده متفرقة على غير توال إلا أنها كلها فيه وذكر أن ذلك الصوت أحسن مسموعا وأحلى وحكى ذلك أيضا عنه يحيى بن علي بن يحيى في كتاب النغم وإذ فرغت من حكاية ما ذكره وحكاه عبيد الله في نسبة هذا الصوت فقد ينبغي ألا أجري الأمر فيه على التقليد دون القول الصحيح فيما ذكره وحكاه والذي وصفه من جهة النغم العشر متوالية في صوت واحد محال لا حقيقة له ولا يمكن أحدا بتة أن يفعله وأنا أبين العلة في ذلك على تقريب إذ كان استقصاء شرحها طويلا وقد ذكرته في رسالة إلى بعض إخواني في علل النغم وشرحت هناك العلة في أن قسم الغناء قسمين وجعل على مجريين الوسطى والبنصر دون غيرهما حتى لا يدخل واحدة منهما على صاحبتها في مجراها قرب مخرج الصوت إذا كان على الوسطى منه أو إذا كان على البنصر وشبهه به فإذا أراد مريد إلحاق هذا بهذا لم يمكنه بتة على وجه ولا سبب ولا يوجد في استطاعة حيوان أن يتلو إحداهما بالأخرى وإذا أتبعت إحداهما بالأخرى في ناي أو آلة من آلات الزمر تفصلت إحداهما من الأخرى وإنما قلت النغم في غناء الأوائل لأنهم قسموها قسمين بين هاتين الإصبعين فوجدوهما إذا دخلت إحداهما مع الأخرى في طريقتها لم يكن ذلك إلا بعد أن يفصل بينهما بنغم أخرى للسبابة والخنصر يدخل بينهما حتى تتباعد المسافة بينهما ثم لا يكون لذلك الغناء ملاحة ولا طيب للمضادة في المجريين بينهما فتركوه ولم يستعملوه فإن كان صح لعبيد الله عمل في النغم العشر في صوت فلعله صح له في الصوت الذي ذكر أنه فرقها فيه فأما المتوالية على ما ذكره ها هنا فمحال ولست أقدر في هذا الموضع على شرح أكثر من هذا وهو في الرسالة التي ذكرتها مشروح انتهى الجزء الثامن من كتاب الأغاني ويليه الجزء التاسع وأوله نسب كثير وأخباره ترجمة حارثة بن بدر لحق بالجزء الثامن من طبعة دار الكتب صوت من المائة المختارة ( يا دار عَبْلَةَ من مَشارق مَأْسَل ... دَرس الشّؤون وعَهدُها لم يَنْجَلِ ) ( واستبدلتْ عُفْرَ الظّباء كأنما ... أَبعارُها في الصَّيف حَبُّ الفُلْفل ) ذكر يحيى بن علي أن الشعر لعنترة بن شداد وليس ذلك بصحيح وذكر غيره من الرواة أنه لعبد قيس بن خفاف البرجمي وليس ذلك بصحيح أيضا والشعر لحارثة بن بدر الغداني من قصيدة له طويلة يفتخر فيها ويذكر سالف أيامه وقد ذكرت المختار منها بعقب أخبار حارثة وبعد انقضائها والغناء المختار لأبي دلف العجلي ولحنه في المختار ثقيل اول وفيه ألحان كثيرة نسب حارثة بن بدر وأخباره حارثة بن بدر بن حصين بن قطن بن غدانة بن يربوع وقال خالد بن حبل حارثة بن بدر بن مالك بن كليب بن غدانة بن يربوع وأم حارثة بن بدر امرأة من بني صريم بن الحارث يقال لها الصدوف بنت صدى أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبي سوية المنقري قال مر عمرو بن الأهتم بحارثة بن بدر والأحنف بن قيس وزيد بن جبلة وهم مجتمعون فسلم عليهم ثم بقي مفكراً فقالوا ما لك فقال ما في الأرض ثلاثة أنجب من آبائكم حيث جاؤوا بأمثالكم من أمثال أمهاتكم فضحكوا منه قال وأم الأحنف الزافرية واسمها حبى من باهلة وأم زيد بن جبلة عمرة بنت حذلم من بني الشعيراء وأم حارثة الصدوف بنت صدى من بني صريم بن الحارث وقد مضى نسب بني يربوع في نسب جرير وغيره من عشيرته من هذا الكتاب وفي بني غدانة يقول الفرزدق ( أبني غُدانة أنَّني حَرَّرتُكم ... فوهبتُكم لعطيَّة بن جِعَالِ ) ( لولا عَطِيَّة لاجْتَدَعْتُ أُنوفكم ... من بين ألأمِ أعيُنٍ وسِبَال ) وكان عطية استوهب منه أعراضهم لصهر كان بينه وبينهم وكان عطية سيداً من سادات بني تميم فلما سمع هذا الشعر قال والله لقد امتن علي أبو فراس بهذه الهبة وما تممها حتى ارتجعها ووصل الامتنان بتحريرهم بأقبح هجاء لهم قال وكان عطية هذا جواداً وفيه يقول جرير ( إن الجوادَ على المواطن كلُها ... وابنَ الجواد عطيةُ بن جِعَال ) ( يهب النجائبَ لا يَملُّ عطاءها ... والمُقرَباتِ كأنهن سَعالى ) مرتبته بين الشعراء وحارثة بن بدر من فرسان بني تميم ووجوهها وساداتها وجودائها وأحسب أنه قد أدرك النبي في حال صباه وحداثته وهو من ولد بني الأحنف بن قيس وليس بمعدود في فحول الشعراء ولكنه كان يعارض نظراءه الشعر وله من ذلك أشياء كثيرة ليست مما يلحقه بالمتقدمين في الشعر والمتصرفين في فنونه أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال أنبأنا عمر بن شبة قال أنبأنا المدائني قال كان زياد مكرماً لحارثة بن بدر قابلا لرأيه محتملا لما يعلمه من تناوله الشراب فلما ولي عبيد الله بن زياد أخر حارثة بعض التأخير فعاتبه على ذلك فقال له عبيد الله إنك تتناول الشراب فقال له قد كان أبوك يعلم هذا مني ويقربني ويكرمني فقال له إن أبي كان لا يخاف من القالة في تقريبك ما أخاف وإن اللسان إلي فيك لأسرع منه إلى أبي فقال حارثة ( وكم من أميرٍ قد تجبَّر بعدما ... مَريت له الدنيا بسَيفي فدرَّتِ ) ( إذا ما هي احلولتْ نَفَى حق مقسمي ... ويَقْسِم لي منها إذا ما أمرَّت ) ( إذا زَبَنَتْه عن فُواقٍ يريدُه ... دُعِيتُ ولا أُدْعَى إذا ما أَقَرَّت ) وقال حارثة بن بدر أيضا وقد شاوره عبيد الله في بعض الأمر ( أُهَانُ وأُقصى ثم يَنتصحونني ... ومَنْ ذا الذي يُعطي نصيحتَه قَسْرَا ) ( رأيتُ أكفَّ المُصْلِتِينَ عليكمُ ... مِلاءً وكفِّي من عَطاياكُمُ صِفرا ) ( متَى تسألوني ما عليَّ وتَمنعوا الذي ... ليَ لم أسطِعْ على ذلكم صبرا ) فقال له عبيد الله فإني معوضك وموليك فولاه نماذج من شعره أخبرني يحيى بن علي إجازة قال أنبأنا أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري قال قال لي أبو اليقظان حول زياد دعوة حارثة بن بدر وديوانه في قريش لمكانه منه فقال فيه رجل من بني كليب يهجوه بذلك ( شهدتُ بأن حارثةَ بنَ بدرٍ ... غُدانيُّ اللَّهازِم والكَلامِ ) ( سَجاحِ في كتاب اللَّه أدنى ... له من نَوفلٍ وبني هشام ) يعني سجاح التي ادعت النبوة وهي امرأة من بني تميم قال أحمد بن يحيى وقال المدائني احترقت دار حارثة بن بدر بالبصرة أحرقها بعض أعدائه من بني عمه فقال في ذلك ( رأيتُ المنايا بَادِئَاتٍ وَعُوَّداً ... إلى دارنا سهلاً إليها طَرِيقُهَا ) ( لها نَبْعَةٌ كانت تَقينا فُروعها ... فقد تَلِفت إلا قليلاً عُروقها ) قال وكان لحارثة أخ يقال له دارع فأحرق مع ابن الحضرمي بالبصرة وقال أحمد بن يحيى أيضا كان عطية بن جعال يهاجي حارثة بن بدر ثم اصطلحا وكان أيضاً يهاجيه من قومه العكمص وكانت بنو سليط تروي هجاءه لحارثة بن بدر فقال حارثة يهجوهم ( أراويةً عليَّ بنو سَليط ... هجاءَ الناس يا لَبَني سَلِيط ) ( فما لَحْمي لتأكله سَليط ... شبيهاً بالذكيِّ ولا العَبيط ) حوار شعري بينه وبين أنس بن زنيم أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن صالح بن سمح بن عمرة الأسدي أبو الحسن قال أنبأنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال قال روح بن السكن كان أنس بن زنيم الليثي صديقاً لعبيد الله بن زياد فرأى منه جفوة وأثرة لحارثة بن بدر الغداني فقال ( أُهان وأُقصى ثم تُرجَى نَصيحتي ... وأيُّ امرىء يُعطي نصيحته قَسْرَا ) ( رأيتُ أَكُفَّ المُصْلِتينَ عليكُمُ ... مِلاءً وكفِّي من عَطاياكُم صِفْرا ) ( فإن تسألوني ما عليّ وتمنعوا الَّ ... ذِي ليَ لم أسطِع على ذلكم صبرا ) ( رأيتكمُ تُعطون من تَرهبونه ... زربيةً قد وُشِّحتْ حَلَقاً صُفرا ) ( وإنِّي مع الساعي عليكم بسيفه ... إذا عَظْمكم يوماً رأيتُ به كَسرا ) فقال عبيد الله بن زياد لحارثة بن بدر أجبه فاستعفاه لمودة كانت بينهما فأكرهه على ذلك وأقسم عليه ليجيبنه فقال ( تبدلْتُ من أُنس إنَّه ... كَذَوبُ المودَّةِ خَوَّانُها ) ( أراهُ بصيراً بضُرِّ الخليل ... وخير الأخلاَّءِ عُورَانُها ) فأجابه أنس فقال ( إن الخيانةَ شرُّ الخَليلِ ... والكُفْرُ عندك دِيوانُها ) ( بَصُرْتُ به في قديم الزمانِ ... كما بَصَرُ العينِ إنسانُها ) فأجابه حارثة بن بدر فقال ( أَلكني إلى أنسٍ إنَّه ... عَظِيمُ الحُوَاشَة عِنْدِي مَهِيبْ ) ( فما أَبْتَغِي عَثَراتِ الخليلِ ... وَلاَ أَبغينَّ عليهِ الوثوب ) ( وما إن أَرَى مالَهُ مغنماً ... من الدهر إنْ أعوزتني الكُسُوب ) فقال أنس ( أحارِ بنَ بدرٍ وأنت امرؤٌ ... لَعمري المتاعُ إليّ الحبيبْ ) ( متى كان مالُكَ لي مَغْنَماً ... من الدهرِ إن أعوزتِني االكُسُوب ) ( وشرُّ الأخلاَّءِ عند البلاءِ ... وعند الرزيَّةِ خِلٌّ كَذُوب ) قال فتهادى أنس وحارثة الشعر عند عبيد الله زمانا ووقع بينهما شر حتى قدم سلم بن زياد من عند يزيد بن معاوية عاملاً على خراسان وسجستان فجعل ينتخب ناساً من أهل البصرة والكوفة وكان الذي بين عبيد الله وبين سلم شيئاً فأرسل سلم إلى أنس يعرض عليه صحبته وجعل له أن يستعمله على كورة فقال له أنس أمهلني حتى أنظر في أمري وكتب إلى عبيد الله بن زياد ( ألم تَرَنِي خُيِّرْتُ والأمرُ واقعٌ ... فما كنت لما قلت بالمُتخيِّرِ ) ( رِضاك على شيءٍ سواهُ ومن يكن ... إذا اختار ذا حرمٍ من الأمر يَظْفَر ) ( فعُدْت لترضَى عن جهادٍ وصاحبٍ ... شفِيقٍ قَدِيمِ الوُدِّ كان موقَّرِّي ) ( على أحد الثَّغرينِ ثم تركتَه ... وقد كنتَ في تأميره غير مُمْتَرِي ) ( فأمسكتُ عن سَلْمِ عِنَانِي وصُحبتي ... ليعرفَ وجه العُذرِ قبل التعذر ) ( فإن كنتَ لمَّا تَدْرِ ما هي شيمتي ... فسلْ بيَ أكفَائي وسَل ربِيَ معشَرِي ) ( ألستُ مع الإحسانِ والجُودِ ذا غِنىً ... وبأسٍ إذا ما كُفِّروا في التَّسَتُّر ) ( ورأي وقد أعصى الهوى خشيةَ الرَّدَى ... وأعرفُ غِبَّ الأمرِ قبلَ التَّدبّر ) ( وما كنتُ لولا ذاك ترتدُّ بُغيتي ... عليَّ ارتدادَ المُظلِم المُتَجَبِّر ) قال ودفعها إلى عبيد الله بن زياد في صحيفة فقرأها ثم دفعها إلى حارثة بن بدر وقال له اردد على أنس صحيفته فلا حاجة لنا فيها فقال حارثة ( أَلِكْني إلى مَنْ قال هذا وقُلْ له ... كذبتَ فما إنْ أنت بالمتخيَّرِ ) ( وإنك لو صاحبتَ سَلْماً وجدتَه ... كعهدك عَهْدِ السَّوءِ لَمْ يَتَغَيَّرِ ) ( أتنصحُ لي يوماً ولستَ بناصحٍ ... لنفسكَ فَاغْشُشْ ما بدا لك أو ذَر ) ( كذبتَ ولكنْ أنت رَهْنٌ بِخزْيَةٍ ... ويوْمٍ كأيَّامٍ عبُوس مُذَكَّر ) ( كَأَشْقَرَ أَضْحَى بين رُمحينِ إنْ مَضَى ... على الرُّمْحِ يُنْحَرْ أَو تَاَخَّر يُعْقَر ) قال وأعجبت عبيد الله وقال لعمري لقد أجبته على إرادتي وأمسك عبيد الله في يده الصحيفة فلما دخل عليه أنس دفعها إليه فنظر فيها ثم قال لعبيد الله لقد رد علي من لا أستطيع جوابه وظن أن عبيد الله قالها وخرج أنس والصحيفة في يده فلقيه عبد الرحمن بن رألان فدفعها إليه أنس فلما قرأها قال هذا شعر حارثة بن بدر أعرفه فقال له أنس صدقت والله ثم قال لحارثة ( عجبتُ لِهَرْجٍ من زمان مُضلِّلِ ... ورأيٍ لألبابِ الرجالِ مُغَيَّرِ ) ( ومن حِقْبةٍ عَوْجاءَ غَولٍ تلبَّسَتْ ... على الناسِ جلد الأَرْبَدِ المُتَنَمِّر ) ً ( فلا يُعْرَفُ المعروفُ فيه لأهله ... وإن قِيلَ فيه مُنْكَرٌ لم يُنَكَّر ) ( لحارثةَ المُهْدِي الخَنَى لِيَّ ظالماً ... ولم أرَ مِثْلَ مُدَّرٍ صَيْد مُدَّري ) ( لِحارِ بن بدرٍ قد أتتنِي مقالةٌ ... فما بال نُكْرٍ منك من غير مُنكر ) ( أيَروي عليك الناسُ ما لا تقُولُه ... فَتُعْذَرَ أم أنت امرؤٌ غيرُ مُعْذَرِ ) ( فإنْ يك حقّاً ما يُقالُ فلا يكُن ... دَبيباً وجاهِرْني فما من تَسَتُّر ) ( أُقَلِّدْكَ إن كنتَ امرأً خانَ عِرْضَه ... قوافِيَ من بَاقِي الكلام المُشَهَّر ) ( وقد كنتَ قبل اليومِ جرَّبتَ أنَّني ... أَشُقُّ على ذي الشِّعْرِ والمُتَشَعِّر ) ( وأن لساني بالقصائد ماهرٌ ... تَعِنُّ له غُرّ القوافي وتَنْبَرِي ) ( أصادِفُها حيناً يسيراً وأبتغِي ... لها مِرَّةً شَزْراً إذا لم تَيَسَّر ) ( تناوَلُنِي بالشتم في غير كُنْهِه ... فمَهلاً ابا الخَيْمَاءِ وابنَ المُعَذّر ) ( هجوتَ وقد سَامَاكَ في الشعر خُطَّةَ الذَّلِيلِ ... ولم يفعل كأفعال مُنْكِر ) قال وقال أنس بن زنيم لعبيد الله بن زياد وفيه غناء ( سلْ أميري ما الذي غيَّره ... عن وِصَالي اليومَ حتى ودَّعَهْ ) ( لا تُهِنّي بعد إكرامك لي ... فشديدُ عادةٌ مُنْتَزَعَه ) ( لا يكن وعْدُك بَرْقاً خُلَّباً ... إنَّ خيرالبرقِ ما الغيثُ مَعَه ) شعره في طلب الخمر أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال زعم عاصم بن الحدثان أن حارثة بن بدر قال لعبيد الله بن ظبيان وكانا في عرس لابن مسمع هل لك في شراب قال نعم فأتيا بنبيذ من زبيب وعسل فأخذ ابن ظبيان العس فكرع فيه حتى كاد يأتي عليه ثم ناوله حارثة فقال له حارثة يابن ظبيان إنك لطب بحسوها فقال أجل والله إني لأشربها حلالاً وأجاهر بها إذا أخفى غيري شرب الحرام فقال له حارثة من غيرك هذا قال سائلي عن هذا الأمر فقال حارثة ( إذا كنتَ نَدْمَاني فخُذها وسَقِّني ... ودَعْ عنك من رآك تكرعُ في الخمرِ ) ( فإنِّي امرؤٌ لا أشرب الخمرَ في الدُّجَا ... ولكنني أَحْسُو النبيذَ من التمر ) ( حَياً وتُقاً للَّه واللَّهُ عالمٌ ... بكُل الذي نأتيه في السِّرِّ والجهر ) ( ومثلُكَ قد جرَّبتُه وخَبَرْتُه ... أَبَا مطرٍ والحَيْنُ أَسْبَابُه تَجْري ) ( حَساها كَمُسْتَدْمَى الغزال عتيقةً ... إذا شُعْشِعَتْ بالماءِ طَيِّبةَ النَّشْر ) ( أقام عليها دَهْره كلَّ ليلةٍ ... يُشَافِهُها حتى يَرى وَضَحَ الفجر ) ( فأصبح ميْتاً مِيتَةَ الكلب ضُحْكَةً ... لأصحابه حتى يُدَهْدَهَ في القَبرِ ) ( فما إن بكاهُ غيرُ دَنٍّ ومِزْهرٍ ... وغانيةٍ كالبَدر واضِحَةِ الثَّغْر ) ( وبَاطِيَةٍ كانت له خِدْنَ زَنْيَةٍ ... يُعاقِرُها واللَّيلُ مُعْتَكِرُ السَّتْر ) رده على الأحنف وقد عاتبه على شربه الخمر أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن عاصم بن الحدثان قال عاتب الأحنف بن قيس حارثة بن بدر على معاقرة الشراب وقال له قد فضحت نفسك وأسقطت قدرك وأوجعه عتاباً فقال له إني سأعتبك فانصرف الأحنف طامعاً في صلاحه فلما أمسى راح إليه فقال له اسمع يا ابا بحر ما قلت لك فقال هات فأنشده ( يَذُمُّ أبو بَحْرٍ أُموراً يُريدها ... ويَكرهُها للأَريحيِّ المُسَوَّد ) ( فإن كنتَ عَيَّاباً فَقُلْ ما تُرِيده ... ودَعْ عنك شُرْبي لست فيه بأَوْحَد ) ( سأشربُها صهباءَ كالمِسك رِيحُها ... وأشربُها في كل نادٍ ومشهد ) ( فنفسك فَانْصَحْ يابن قيسٍ وخلِّني ... ورَأْيي فما رأيي بِرأيٍ مُفَنَّد ) ( وقائلةٍ يا حارِ هل أنت ممسكٌ ... عليك من التبذير قلتُ لها اقْصدي ) ( ولا تأمريني بالسَّدَادِ فإنني ... رأيتُ الكثيرَ المالِ غيرَ مُخَلَّد ) ( ولا عيبَ إلا اصْطِبَاحِيَ قَهْوَةً ... متى يَمتزجْها الماءُ في الكأس تُزْبد ) ( مُعَتَّقَةً صهباءَ كالمسك رِيحُها ... إذا هي فاحت أذهبتْ غُلَّةَ الصَّدِي ) ( إلا إنما الرُّشْدُ المُبينُ طَرِيقُه ... خلافَ الذي قد قلتَ إذ أنت مُرْشِدي ) ( سأشربُها ما حجّ لِلَّه راكبٌ ... مجاهرةً وَحْدِي ومعْ كل مُسْعِد ) ( وأُسْعِدُ نَدماني وأتبعُ شَهوتي ... وأبذل عَفْواً كُلَّ مَا مَلَكَتْ يَدِي ) ( كذا العيشُ لا عيشُ ابن قيسٍ وصَحبه ... من الشُّرْبِ للماء القَراح المُصَرَّد ) فقال له الأحنف حسبك فإني أراك غير مقلع عن غيك ولن أعاتبك بعدها أبداً قال عاصم ثم كان بعد ذلك بين الأحنف وحارثة كلام وخصومة فافترقا عن مجلسهما متغاضبين فبلغ حارثة أن الأحنف قال أما والله لولا ما يعلم لقلت فيه ما هو أهله فقال حارثة وهل يقدر على أن يذمني بأكثر من الشراب وحبي له وذلك أمر لست أعتذر منه إلى أحد ثم قال في ذلك ( وكم لائمٍ لي في الشرابِ زَجَرْتُه ... فقلتُ له دَعني وما أنا شاربُ ) ( فلستُ عن الصهباء ما عشتُ مُقْصِراً ... وإنْ لامني فيها اللئامُ الأَشَائِب ) ( أَأَتْرُكُ لذَّاتي وآتِي هواكُمُ ... ألا ليس مثلي يابنَ قيسِ يُخالب ) ( أنا الليث مَعْدُوّاً عليه وعادياً ... إذا سُلَّتْ البِيضُ الرِّقَاقُ القَوَاضِب ) ( فَأَنت حلِيمٌ تزجرُ الناس عن هوى ... نفوسهمُ جَهْلاً وحلمُكَ عَازِب ) ( فَحِلْمَكَ صُنْهُ لا تُذِلْهُ وخلِّني ... وشأنيَ وارْكَبْ كلَّ ما أنت راكِب ) ( فإنِّي امرُؤٌ عَوَّدْتُ نَفْسِيَ عادةً ... وكل امرىٍْ لا شك ما اعتاد طالِبُ ) ( أجُود بمالي ما حييتُ سَماحةً ... وأنت بخيلٌ يَجتويك المُصاحِب ) ( فما أنت أو ما غَيُّ من كان غاوِياً ... إذا أنت لم تُسْدَدْ عليك المذاهب ) قصته مع الوليد بن عبد الملك أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال أنبأنا أبو الأسود الخليل بن اسد قال أنبأنا العمري عن العتبي قال أجرى الوليد بن عبد الملك الخيل وعنده حارثة بن بدر الغداني وهو حينئذ في ألف وستمائة من العطاء فسبق الوليد فقال حارثة هذه فرصة فقام فهنأه ودعا له ثم قال ( إلى الألفين مطَّلَعٌ قريب ... زيادةُ أربعٍ لي قد بَقِينا ) ( فإنْ أهْلِكْ فهنَّ لكم وإلا ... فهنَّ من المتاع لكم سِنِينَا ) فقال له الوليد فتشاطرني ذلك لك مائتان ولي مائتان فصير عطاءه ألفاً وثمانمائة ثم أجرى الوليد الخيل فسبق أيضاً فقال حارثة هذه فرصة أخرى فقام فهنأه ودعا له ثم قال ( وما احتجب الألفان إلا بهيِّنٍ ... هما الآن أدنى منهما قبلَ ذَالِكَا ) ( فَجُدْ بهما تَفديك نفسي فإنني ... مُعَلِّق آمالي ببعض حبالكَا ) فأمر الوليد له بالمائتين فانصرف وعطاؤه ألفان أخبرني محمد بن يحيى قال أنبأنا محمد بن زكريا قال أنبأنا مهدي بن سابق قال أنبأنا عبد الرحمن بن شبيب بن شيبة عن أبيه قال قال زياد يوماً لحارثة بن بدر من أخطب الناس أنا أو أنت فقال الأمير أخطب مني إذا توعد ووعد وأعطى ومنع وبرق ورعد وأنا أخطب منه في الوقادة وفي الثناء والتحبير وأنا أكذب إذا خطبت فأحشوا كلامي بزيادة مليحة شهية والأمير يقصد إلى الحق وميزان العدل ولا يزيد فيه شعيرة ولا ينقص منه فقال له زياد قاتلك الله فلقد اجدت تخليص صفتك وصفتي من حيث أعطيت نفسك الخطابة كلها وأرضيتني وتخلصت ثم التفت إلى أولاده فقال هذا لعمركم البيان الصريح أخبرني محمد بن يحيى قال أنبأنا محمد بن زكريا عن الحرمازي قال شرب حارثة بن بدر مع بني زياد ليلة إلى الصبح فأكثر وصرف ومزجوا فلما أن غدا على زياد كان وجهه شديد الحمرة ففطن له زياد فقال مالك يا حارثة فقال أكلت البارحة رمانا فأكثرت قال قد عرفت مع من أكلته ولكنهم قشروه وأكلته بقشره فأصارك إلى ما ترى رثاؤه زياداً بن عبيد الله قال الحرمازي قال بعض أهل العلم إن زياداً استعمل حارثة على سرق فمات زياد وهو بها ثم إنه بلغه موته فقال حارثة يرثيه ( إن الرزِيَّةَ في قَبرٍ بمنزلةٍ ... تجري عليها بظَهْرِ الكُوفَةِ المُورُ ) ( أَدَّتْ إليه قُريش نَعْشَ سيِّدها ... ففِيه ضَافِي النَّدَى والحَزْمِ مَقْبُور ) ( أَبَا المُغِيرة والدنيا مُغيِّرَةٌ ... وإنّ من غُرَّ بالدنيا لمَغْرُور ) ( قد كان عندك للمعروفِ مَعْرِفَةٌ ... وكان عندك لِلنَّكْرَاءِ تَنْكِير ) ( وكنْتَ تُؤْتَى فتُعْطِي الخيرَ عن سَعةٍ ... فاليومَ بابُك دون الهجرِ مَهْجُور ) ( ولا تَلين إذا عُوسِرْتَ مُقْتَسِراً ... وكُلُّ أمركَ ما يُوسِرْتَ مَيسور ) قال وكان الذي أتاه بنعيه مسعود بن عمرو الأزدي فقال حارثة ( لقد جاء مسعودٌ أخو الأزدِ غدْوَةً ... بداهيةٍ غَرَّاءَ بَادٍ حُجُولُهَا ) ( من الشر ظَلَّ الناسُ فيها كأنهم ... وقد جاء بالأَخْبَار من لا يُحِيلُها ) هو وسعد الرابية في مجلس لابن زياد أخبرني الحسن بن علي قال أنبأنا العمري عن أحمد بن خالد بن منجوف عن مؤرج السدوسي قال دخل حارثة بن بدر على عبيد الله بن زياد وعنده سعد الرابية أحد بني عمرو بن يربوع بن حنظلة وكان شريرا يضحك ابن زياد ويلهيه وله يقول الفرزدق ( إني لأُبْغِض سعداً أن أجاوِرَه ... ولا أُحِب بني عمرو بن يَربوع ) ( قومٌ إذا حاربوا لم يخشَهم أحدٌ ... والجارُ فيهم ذليلٌ غير ممنوع ) فلما جلس حارثة قال له سعد يا حارثة أينع الكرم قال نعم واستودع ماءه الأصيص فمه قال إني لم أرد بأسا قال أجل ولست من أهل البأس ولكن هل لك علم بالأتان إذا اعتاص رحمها كيف يسطى عليها أكما يسطى على الفرس أم كيف قال واحدة بواحدة والبادي أظلم سألتني عما لا علم لي به وسألتك عما تعلم قال أنت بما سألتك عنه أعلم مني بما سألتني عنه ولكن من شاء جهل نفسه وأنكر ما يعرف وقال حارثة يهجو سعداً ( لا تَرْجُ مني يابنَ سعدٍ هَوادةً ... ولا صُحبةً ما أَرْزَمَتْ أُمُّ حَائِلِ ) ( أعند الأمير ابنِ الأمير تَعيبني ... وأنت ابنُ عمروٍ مُضْحكٌ في القبائل ) ( ولو غيرَنا يا سعد رُمْتَ حريمهَ ... بِخَسْفٍ لقد غُودِرْتَ لحماً لآكل ) ( فشالت بك العَنقاءُ أو صِرت لحمة ... لأَغْبَسُ عوَّاء العشيّات عاسِل ) أخبرني هاشم بن محمد قال أنبأنا الرياشي عن الأصمعي وأبي عبيدة قالا كان حارثة بن بدر يجالس مالك بن مسمع فإذا جاء وقت يشرب فيه قام فأراد مالك أن يعلم من حضره أنه قام ليشرب فقال له إلى أين تمضي يا أبا العنبس قال أجيء بعباد بن الحصين يفقأ عينك الأخرى وقال الأصمعي أمضي فأفقأ عين عباد بن الحصين لآخذ لك بثأرك وكان عباد فقأ عين مالك يوم المربد شعره في فتنة مسعود قال وذكر المدائني أن حارثة بن بدر كان يومئذ وهو يوم فتنة مسعود على خيل حنظلة بإزاء بكر بن وائل فجعل عبس بن مطلق بن ربيعة الصريمي على الخيل بحيال الأزد ومعه سعد والرباب والأساورة وقال حارثة بن بدر ( سيكفيكَ عبسٌ أَخُو كَهْمَسٍ ... مُقارعةَ الأزْدِ بالمِرْبدِ ) ( ويكفيكَ عمرو واشياعُه ... لُكيز بنَ أفصى وما عدَّدوا ) ( وأكفيكَ بَكراً إذا أقبلَتْ ... بطَعْنٍ يَشيب له الأَمْرَد ) فلما اصطف الناس أرسل مالك بن مسمع إلى ضرار بن القعقاع يسأله الصلح على أن يعطيه ما أحب فقال له حارثة إنه والله ما أرسل إليك نظراً لك ولا إبقاء عليك ولكنه أراد أن يغري بينك وبين سعد فمضى ضرار إلى راية الأحنف فحملها وحمل على مالك فهزمه وفقئت عينه يومئذ أخبرني محمد بن يحيى قال أنبأنا محمد بن زكريا عن محمد بن سلام عن أبي اليقظان قال مر حارثة بن بدر بالمسجد الذي يقال له مسجد الأحامرة بالبصرة فرأى مشيخة قد خضبوا لحاهم بالحناء فقال ما هذه الأحامرة فالمسجد الآن يلقب مسجد الأحامرة منذ يوم قال حارثة هذا القول خبرني محمد بن يحيى قال أنبأنا محمد بن زكريا عن القحذمي قال عرض لحارثة بن بدر رجل من الخلج في أمر كرهه عند زياد فقال فيه حارثة ( لقد عجبتُ وكم للدهر من عَجَبٍ ... مما تَزيّد في أَنسابها الخُلُجُ ) ( كانوا خَساً أو زَكاً من دون أربعة ... لم يخْلَقُوا وجُدود الناسِ تَعتلج ) الخسا الفرد والزكا الزوج أخبرني الحسن بن علي قال أنبأنا أحمد بن يحيى قال أنبأنا محمد بن عمر بن زياد الكندي قال أنبأنا يحيى بن آدم عن أبي زائدة عن مجالد عن الشعبي قال كنت عند عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فأنشدته لحارثة بن بدر ( وكان لنا نَبْعُ تَقينا عُرُوقه ... فَقَدْ بَلَغت إلا قليلاً حُلوقها ) ( وشيَّب رأسي واستَخَفَّ حُلُومَنا ... رُعودُ المنايا فوقَنا وبُرُوقها ) ( وإنَّا لتَسْتحلي المنايا نُفوسنا ... وتترك أخرى مُرَّة ما تذوقها ) ( رأيتُ المنايا بادئاتٍ وُعوداً ... إلى دارنا سهلاً إليها طرِيقها ) ( فقد قُسِّمتْ نفسي فريقين منهما ... فريقٌ مع الموتى وعندي فَرِيقها ) قال الشعبي فقال لي ابن جعفر نحن كنا أحق بهذا الشعر وجاءه غلامه بدراهم في منديل فقال له هذه غلة أرضك بمكان كذا وكذا فقال ألقها في حجر الشعبي فألقاها في حجري أخبرني الحسن بن علي قال أنبأنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن مسلمة بن محارب أن زياداً استعمل حارثة بن بدر على كوار وهو إذ ذاك عامل علي بن أبي طالب رضي الله عنه على فارس وكان حارثة بن بدر صاحب شراب فكتب زياد إلى حارثة يحثه على جباية الخراج فكتب إليه علقمة بن معبد المازني ( أَلم تَرَ أنّ حارثة بنَ بدرٍ ... يُصلِّي وهو أكفر من حمار ) ( وأن المال يُعرف من حَوَاهُ ... ويُعرَفُ بالزَّواني والعُقَار ) وقال المدائني في خبره هذا حمل زياد بن أبيه حارثة بن بدر على بغلة يقال لها أطلال كان خرزاذ بن الهربد ابتاعها بأربعة آلاف درهم وأهداها له فركبها حارنة وكان فيها نفار فصرعته عن ظهرها فقام فركبها وقال ( ما هاج أطلالَ بجَنبي حِرْمَهْ ... تحمل وضَّاحاً رفيع الحِكمه ) ( قَرْماً إذا زاحم قَرْماً زَحَمهْ ... ) جوابه على سليمان بن عمرو وقد قراه وقرى أصحابه أخبرني محمد بن يحيى قال أنبأنا محمد بن زكرياء قال أنبأنا إبراهيم بن عمر عن أبي عبيدة وعبد الله بن محمد قالا مر سليمان بن عمرو بن مرثد بحارثة بن بدر وهو بفارس يريد خراسان فأنزله وقراه وقرى اصحابه وحملهم وإياه فلما ركبوا للمسير قال سليمان ( قَريتَ فأحسنتَ القِرى وسَقيْتنا ... مُعتَّقةً صهباءَ كالعَنبرِ الرَّطبِ ) ( وواسيتَنا فيما ملكْتَ تبرُّعاً ... وكنتَ ابنَ بَدرٍ نعم ذو منزل الرَّكب ) ( وأنتَ لَعمري في تَميم عِمادُها ... إذا ما تداعتْ لِلعُلى موضع القُطبِ ) ( وفارسُها في كل يومِ كريهةٍ ... وملجؤُها إن حلَّ خَطْبٌ من الخَطْب ) ( وعندكمُ نال الغنى مَن أراده ... إذا ما خَطرتم كالضَّراغمة الغُلْب ) ( يُرَى الحلقُ الماذيّ فوق حُماتهم ... إذا الحربُ شُبَّتْ بالمُهنَّدة القُضب ) ( وعند الرَّخَا والأمن غيثٌ ورحمةٌ ... لمن يعتريهم خائفاً صولةَ الحرب ) ( وجدتُهمُ جُوداً صباحاً وجوهُهم ... كِراماً على العِلاَّتِ في فادح الخَطْبِ ) ( كأن دنانيراً على قَسَماتهمْ ... إذا جئتَهم قد خِفْت نُكْباً من النُّكْب ) ( فمنْ مُبْلغٌ عنِّي تميماً فخيرُكُمْ ... غُدانة حقّاً قاله غيرُ ذِي لعْب ) فقال حارثة يجيبه ( وأسحَم ملآنٍ جررتُ لفِتيةٍ ... كرامٍ أبوهم خيرٌ بكر بن وائِل ) ( وأطولُهم كفّاً وأصدقُهم حياً ... وأكرمُهم عند اختلافِ المَنَاصِل ) ( مِنَ المَرثديّين الذين إذا انْتَدَوا ... رأيتَ نَدِيّاً جدُّه غير خامل ) ( فَعالهُم زَيْنٌ لهم ووجوهُهمْ ... تَزينُ الذي يأتونه في المَحَافل ) ( فَسَقْياً وَرَعْياً لابن عمرو بن مرثَد ... سليمانَ ذي المجد التليد الحُلاَحِل ) ( فتًى لم يزل يسمو إلى كُل نَجدةٍ ... فيُدرك ما أعْيَتْ يدَ المتناولِ ) ( فحَسبُك بي عِلماً به وبفَضله ... إذا ذُكر الأقوامُ أهل الفضائل ) في مجلس ابن زياد أخبرني عمي قال أنبأنا الكراني قال أنبأنا العمري عن عطاء بن مصعب عن عاصم بن الحدثان قال دخل أنس بن زنيم على عبيد الله بن زياد وعنده حارثة بن بدر وكان بينهما تعارض ومقارضة قبل ذلك فلما خرج أنس قال عبيد الله لحارثة أي رجل هو أنس عندك قال هو عندي أصلح الله الأمير كما قلت فيه ( يَبِيتُ بَطيناً من لُحومِ صديقِه ... خَمِيصاً من التَّقوى ومن طلب الحَمْدِ ) ( ينام إذا ما الليلُ جَنَّ ظلامُه ... ويَسري إلى حاجاته نومة الفَهْدِ ) ( يُراعي عَذارى قومِه كلما دَجَا ... له الليلُ والسوآت كالأسد الورْدِ ) ( جريئاً على أكل الحَرام وفِعله ... جَباناً عن الأقْران مُعْتَرمَ الَكرْدِ ) فلما كان من الغد دخل أنس على عبيد الله فقال له عبيد الله بحضرة حارثة إني سألت هذا عنك فأخبرني بما كرهته لك ولم أكن إخالك كما نعت لي فقال أصلح الله الأمير إن يكن قال خيراً فأنا أهله وإن قال غير ذلك فلم يعد ما هو أولى به مني أما والله لو كان أصلح الله الأمير حقاً لحفظ غيبتي فلقد أوليته حسن الثناء بما ليس أهله والله يعلم أني كنت كاذباً وما إخال ما قاله في إلا عقوبة فإن عقوبة الكذب حاضرة وثمرة الكذب الندامة فقد لعمري أجنيتها بكذبي وقولي فيه ما ليس فيه وهو عندي كما أقول أصلح الله الأمير وأنشد ( يُحلى ليَ الطرفَ ابنُ بَدْر وإنني ... لأعرِفُ في وجه ابنِ بدرٍ ليَ البُغْضَا ) ( رآني شَجاً في حَلقه ما يُسِيغُه ... فما إنْ يزال الدهر يُجْرَض بي جَرْضا ) ( وما لِيَ من ذنْبٍ إليه علمتَه ... سوى أن رآني في عشيرته مَحْضا ) ( وإنَّ ابن بدرٍ في تميمٍ مُكَرْكَسٌ ... إذا سِيمَ خَسفاً أو مَشنَّعةً أَغْضى ) ( فعِشْ يابن بدر ما بقيتَ كما أَرَى ... كثيرَ الخَنَا لا تسأم الذلِّ والغَضَّا ) ( تعيبُ الرجالَ الصالحين وفعلَهم ... وتبذلُ بُخلاً دون ما نِلتَه العِرْضا ) ( وتَرضى بما لا يرتضي الحرُّ مثلَه ... وذو الحِلم بالتَّخْيِيسِ والذُّلِّ لا يَرضى ) قال وقال أنس في حارثة بن بدر ينسبه إلى الخمر والفجور ( أحارِ بنَ بدرٍ بَاكِرِ الراحَ إنها ... تُنَسِّيكَ ما قدَّمتَ في سالف الدَّهْرِ ) ( تُنَسِّيكَ أسباباً عِظاماً ركبتَها ... وأنتَ على عَمياءَ في سَنَنٍ تَجري ) ( أتذكر ما أسديتَ واخترتَ فِعلَه ... وجئت من المكروه والشَّر والنُّكْر ) ( إذا قلتُ مهلاً نِلتَ عِرضي فما الذي ... تَعيب على مثلي هُبِلْتَ أبا عَمْرو ) ( أليس عظِيماً أن تُكَايِدَ حُرَّةً ... مُهَفْهَفَةَ الكَشْحَيْنِ طيبةَ النَّشْر ) ( فإنْ كنتَ قد أزمعتَ بِشْرك بالذي ... عُرفت به إذ أنت تَخزي ولا تَدري ) ( فدع عنك شُرْبَ الخمر وارجع إلى التي ... بها يَرتضِي أهلُ النباهةِ والذِّكْر ) ( عليك نبيذَ التمرِ إن كنتَ شارباً ... فإن نبِيذَ التمرِ خيرٌ من الخمر ) ( ألا إنَّ شُرْبَ الخمرِ يُزْرِي بِذِي الحَجَى ... ويَذْهب بالمال التّلاد وبالوَفْر ) ( فَصَبْراً عن الصَّهْباءِ واعلمْ بأنني ... نَصِيحٌ وأنِّي قد كبرت عن الزَّجْرِ ) ( وأنك إن كَفْكَفْتَنِي عن نصيحةٍ ... تركتُك يا حَارِ بنَ بدرٍ إلى الحَشْرِ ) ( أَأَبذل نُصْحِي ثمَّ تعصِي نَصيحتي ... وتَهجرني عنها هُبِلْتَ ابا بَدْر ) جوابه على أبي الأسود الدؤلي وقد ولي سرّق أخبرني احمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عبد الله بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد عن أبيه قال لما ولي حارثة بن بدر سرق خرج معه المشيعون من البصرة وفيهم أبو الأسود الدؤلي فلما انصرف المشيعون دنا منه ابو الأسود فقال له ( أحار بن بدرٍ قد وَلِيتَ إمارةً ... فكن جُرَذاً فيها تَخون وتَسرقُ ) ( ولا تَحقرنْ يا حارِ شيئاً تُصيبُه ... فحظُّكَ من مُلك العراقين سُرَّق ) ( فإن جميعَ الناسِ إما مُكَذِّبٌ ... يقول بما يَهْوى وإما مُصَدِّق ) ( يقولون أقوالاً بِظَنٍّ وشُبهةٍ ... فإن قيل هاتوا حقِّقُوا لم يُحَقِّقوا ) ( فلا تَعجزنْ فالعجزُ أبطأُ مَركبٍ ... وما كل من يُدعَى إلى الرِّزق يُرْزَق ) ( وَكَاثِرْ تميماً بالغنى إن للغَنى ... لساناً به يَسطو العَيِيُّ ويَنطِق ) فقال له حارثة ( جزاك مليكُ الناسِ خيرَ جزائِهِ ... فقد قلتَ معروفاً وأوصيتَ كَافِيَا ) ( أمرتَ بحَزمٍ لو أمرتَ بغيره ... لألفَيْتَنِي فيهِ لرأيك عاصيا ) ( ستَلْقَى أخاً يُصْفيك بالوُدّ حاضراً ... ويُوليك حِفْظَ الغَيبِ إنْ كنتَ نائِيا ) أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال لما ندب حارثة بن بدر لقتال الأزارقة بدولاب لقيهم فلما حميت الحرب بينهم واشتدت قال حارثة لأصحابه ( كَرْنبُوا ودَوْلِبُوا ... وحيث شئتم فَاذْهَبُوا ) ثم انهزم فقال غوث بن الحباب يهجوه ويعيره بالفرار ويعيره بشرب الخمر ومعاقرتها ( أحار بنَ بدرٍ دونك الكأسَ إنها ... بمثلك أولى من قِرَاع الكَتَائِبِ ) ( عليك بها صهْبَاءَ كالمِسك ريحُها ... يَظَلُّ أخوها للعِدَا غيرَ هَائِب ) ( فدَع عنك أقواماً وَلِيت قتالَهم ... فلستَ صَبُوراً عند وَقْعِ القَواضِب ) ( وخُذها كعَين الدِّيكِ تَشْفي من الجَوَى ... وتَترك ذَا الهمَّات حَصْرَ المذاهبِ ) ( إذا شُعْشِعَتْ بالماء خِلْتَ حَبابَها ... نَظائمَ دُرٍّ أو عيونَ الجَنَادِبِ ) ( كأنك إذ تَحْسُو ثلاثةَ أكؤُسٍ ... من التِّيهِ قَرْمٌ من قُرُوم المَرَازِب ) ( ودَعْ عنك أبناءَ الحُروبِ وشدَّهم ... إذا خَطروا مثل الجِمال المَصَاعب ) أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا العلاء بن الفضل بن أبي سوية قال حدثني أبي قال كانت في تميم حمالتان فاجتمعوا في مقبرة بني شيبان فقال لهم الأحنف لا تعجلوا حتى يحضر سيدكم فقالوا من سيدنا غيرك قال حارثة بن بدر قال وقدم حارثة من الأهواز بمال كثير فبلغه ما قال الأحنف فقال اغرمنيها والله ابن الزافرية ثم أتاهم كأنه لم يعلم فيما اجتمعوا فقال فيم اجتمعتم فأخبروه فقال لا تلقوا فيهما أحداً فهما علي ثم أتى منزله فقال ( خَلَتِ الديارُ فسُدْتُ غير مُسَوَّدِ ... ومن الشَّقاء تَفَرُّدِي بالسُّودَدِ ) سفيان بن عيينة يتمثل بشعره أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا أحمد بن سليمان بن أبي شيخ عن أبيه قال خرج أصحاب الحديث إلى سفيان بن عيينة فازدحموا فقال لقد هممت ألا أحدثكم شهراً فقام إليه شاب من أهل العراق فقال له يا أبا محمد ألن جانبك وحسن قولك وتأس بصالحي سلفك وأجمل مجالسة جلسائك فقد أصبحت بقية الناس وأميناً لله ورسوله على العلم والله إن الرجل ليريد الحج فتتعاظمه مشقته حتى يكاد أن يقيم فيكون لقاؤه إياك وطعمه فيك أكثر ما يحركه عليه قال فخضع سفيان وتواضع ورق وبكى ثم تمثل بقول حارثة ( خَلَتِ الديارُ فسُدت غير مُسوّد ... ومن الشقاء تَفَرُّدِي بالسُّودَدِ ) ثم حدثهم بعد ذلك بكل ما أرادوا إلى أن رحلوا أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي ومحمد بن الحسين الكندي قالا حدثنا الخليل بن اسد قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن الحسن بن عمارة عن الحكيم بن عتيبة أن حارثة بن بدر الغداني كان سعى في الأرض فساداً فأهدر علي بن أبي طالب عليه السلام دمه فهرب فاستجار بأشراف الناس فلم يجره أحد فقيل له عليك بسعيد بن قيس الهمداني فلعله أن يجيرك فطلب سعيداً فلم يجده فجلس في طلبه حتى جاء فأخذ بلجام فرسه فقال أجرني أجارك الله قال ويحك ما لك قال أهدر أمير المؤمنين دمي قال وفيم ذاك قال سعيت في الأرض فساداً قال ومن أنت قال حارثة بن بدر الغداني قال أقم وانصرف إلى علي عليه السلام فوجده قائماً على المنبر يخطب فقال يا أمير المؤمنين ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً قال أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض قال يا أمير المؤمنين إلا من قال إلا من تاب قال فهذا حارثة بن بدر قد جاء تائباً وقد أجرته قال أنت رجل من المسلمين وقد أجرنا من أجرت ثم قال علي عليه السلام وهو على المنبر أيها الناس إني كنت نذرت دم حارثة بن بدر فمن لقيه فلا يعرض له فانصرف إليه سعيد بن قيس فأعلمه وحمله وكساه وأجازه بجائزة سنية فقال فيه حارثة ( اللَّهُ يَجزي سعيدَ الخيرِ نافلةً ... أَعْني سعيد بن قيسٍ قَرْم هَمْدَانِ ) ( أنقذَني من شَفَا غَبراء مُظلِمَةٍ ... لولا شفاعتُه أُلْبِسْتُ أكفانِي ) ( قالت تَميمُ بن مُرٍّ لا نُخَاطِبُه ... وقد أَبَتْ ذلكم قيسُ بنُ عَيلان ) قال الهيثم لم يكن الحسن بن عمارة يروي من هذا الشعر غير هذه الثلاثة الأبيات وأخذت الشعر كله من حماد الراوية فقلت له ممن أخذته قال من سماك بن حرب وهو ( أَساغ في الحَلق رِيقاً كان يَجْرِضُني ... وأَظهر اللَّه سِرِّي بعد كِتمانِ ) ( إني تدارَكَني عفٌّ شمائلُه ... آباؤه حين يُنمى خيرُ قحطان ) ( يَنميه قيسٌ وزيدٌ والفتى كُرَبٌ ... وذو جَبائرَ من أولاد عثمان ) ( وذو رُعَيْنٍ وسيف وابن ذي يزنٍ ... وعَلقم قبلهم أعني ابنَ نَبْهان ) قال فلما أراد الانصراف إلى البصرة شيعه سعيد بن قيس إلى نهر البصريين في ألف راكب وحمله وجهزه فقال حارثة ( لقد سُررتُ غَدَاةَ النهر إذ بَرزت ... أشياخُ همدانَ فيها المجدُ والخير ) ( يقودهم ملكٌ جَزْلٌ مواهبُه ... وَارِي الزِّناد لدى الخيرات مَذكور ) ( أعني سعيدَ بن قيسٍ خير ذي يَزنٍ ... سامي العِماد لدى السُّلطانِ مَحبور ) ( ما إنْ يلين إذا ما سِيمَ مَنْقَصَةً ... لكن له غَضب فيها وتَنكير ) ( أغرُّ أَبْلَجُ يُستسقى الغمامُ به ... جَنابُه الدهرَ يُضحي وهو مَمطور ) أخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن زكريا قال حدثنا محمد بن معاوية الزيادي عن القحذمي قال كان حارثة بن بدر فصيحاً بليغاً عارفاً بأخبار الناس وأيامهم حلواً شاعراً ذا فكاهة فكان زياد يأنس به طول حياته فلما مات وولي عبيد الله ابنه كان يجفوه فدخل إليه في جمهور الناس فجلس متواريا منه حتى خف الناس ثم قام فأذكره بحقوقه على زياد وأنسه به فقال له ما أعرفني بما قلت غير أن أبي كان قد عرفه الناس وعرفوا سيرته فلم يكن يلصق به من أهل الريبة مثل ما يلحقني مع الشباب وقرب العهد بالإمارة فأما إن قلت ما قلت فاختر مجالستي إن شئت ليلاً وإن شئت نهاراً فقال الليل أحب إلي فكان يدعوه ليلاً فيسامره فلما عرفه استحلاه فغلب عليه ليله ونهاره حتى كان يغيب فيبعث من يحضره فجاءه ليلة وبوجهه آثار فقال له ما هذا يا حار قال ركبت فرسي الأشقر فلجج بي مضيقاً فسحجني قال لكنك لو ركبت أحد الأشهبين لم يصبك شيء من هذا يعني اللبن والماء طلق زوجته ثم ندم على ذلك أخبرني محمد بن يحيى قال أنبأنا محمد بن زكريا قال أنبأنا محمد بن معاوية الزيادي عن القحذمي عن عمه قال خرج حارثة بن بدر إلى سلم بن زياد بخراسان فأوصى رجلاً من غدانة أن يتعاهد امرأته الشماء ويقوم بأمرها فكان الغداني يأتيها فيتحدث عندها ويطيل حتى أحبها وصبا بها فكتب إلى حارثة يخبره أنها فسدت عليه وتغيرت ويشير عليه بفراقها ويقول له إنها قد فضحتك من تلعب الرجال بها فكتب إليها بطلاقها وكتب في آخر كتابه ( ألا آذِنَا شَمَّاءَ بالبَيْن إنه ... أَبَى أَوَدُ الشَّمَّاء أن يَتَقَوَّمَا ) قال فلما طلقها وقضت عدتها خطبها الغداني فتزوجها وكان حارثة شديد الحب لها وبلغه ذلك وما صنعت فقال 0ل - عمركَ ما فارقتُ شَمَّاءَ عن قِلًى ... ولكنْ أَطَلْتُ النَّأيَ عنها فَمَلَّتِ ) ( مُقيماً بِمَرْوَرُّوذَ لا أنا قَافِلٌ ... إليها ولا تَدْنُو إذا هي حَلَّتِ ) رثاء زوجته له أخبرني محمد بن يحيى قال أنبأنا محمد بن زكريا قال أنبأنا مهدي بن سابق قال أنبأنا عطاء عن عاصم بن الحدثان قال تزوج حارثة بن بدر ميسة بنت جابر وكانت تذكر بجمال وعقل ولسان فلما هلك حارثة تزوجها بشر بن شعاف بعده فلم تحمده فقالت ترثي حارثة ( بُدِّلْتُ بِشْراً شَقَاءً أو مُعَاقبةً ... من فَارِسٍ كان قِدْماً غَيْرَ خَوَّارِ ) ( يا ليتني قبلَ بِشْرٍ كان عَاجَلَنِي ... داعٍ من اللَّهِ أو دَاعٍ من النَّار ) وقالت أيضا فيه ( مَا خَارَ لي ذُو العرشِ لمَّا اسْتَخَرْتُه ... وعَذَّبني أن صِرْتُ لابن شِعَافِ ) ( فما كان لي بَعْلاً وما كان مثله ... يكون حَلِيفاً أو يَنَالُ إلافي ) ( فيا ربِّ قد أَوْقَعْتَنِي في بَلِيَّةٍ ... فكُن ليَ حِصْناً منه رَبِّ وكَافِ ) ( ونَحِّ إلهي رِبْقَتِي من يَد امْرىءٍ ... شَتِيمٍ مُحَيَّاهُ لكُل مُصَافي ) ( هو السَّوْأَةُ السَّوْآءُ لا خير عنده ... لطالبِ خَيرٍ أو أَحَذِّ قَوَافي ) ( يَرَى أَكْلَةً إن نِلْتُها قَلْعَ ضِرْسِه ... وما تلك زُلْفَى يَالَ عَبد مَناف ) ( وإن حَادِثٌ عَضَّ الشِّعَافِيَّ لم يكُن ... صَلِيباً ولا ذا تُدْرَأ وقُذَاف ) أخبرني محمد بن مزيد قال أنبأنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال لقي أنس بن زنيم الدئلي حارثة بن بدر فقال له يا حارثة قد قلت لك أبياتاً فاسمعها فقال هاتها فأنشده ( فحتَّى متى أنت ابنَ بَدْرٍ مُخَيِّمٌ ... وصَحْبُكَ يحْسُونَ الحلِيبَ من الكَرْمِ ) ( فَإنْ كان شَرّاً فالْهُ عنه وَخَلِّهِ ... لغيرك من أهل التَّخَبُّطِ والظُّلْم ) ( وإن كان غُنْماً يابن بدرٍ فقد أُرَى ... سَئِمْتُ من الإِكثار من ذلك الْغُنْمِ ) ( وإن كنتَ ذَا علم بها واحْتِسائِها ... فما لك تأتي ما يَشِينك عن عِلْم ) ( تَقِ اللَّهَ واقْبَلْ يابنَ بدرٍ نصيحتي ... ودَعْها لمن أَمْسَى بَعِيداً من الحَزْم ) ( فلو أنها كانت شَرَاباً مُحَلَّلاً ... وقُلتَ لِيَ اتركها لأَوْضَعْتُ في الحُكْم ) ( وأيقنت أن القولَ ما قلتَ فَانْتَفِعْ ... بقَوْلِي ولا تَجْعَلْ كلامي من الجُرْم ) ( فَرُبَّ نَصِيحِ الجَيبِ رُدَّ انْتِصَاحُه ... عليه بلا ذَنبٍ وعُوجِلَ بِالشَّتْم ) فقال له حارثة لقد قلت فأحسنت ونصحت فبالغت جزيت الخير أبا زنيم فلما رجع إلى منزله أتاه ندماؤه فذكر لهم ما قال ابن زنيم فقالوا والله ما نرى ذلك إلا حسداً ثم قال حارثة بن بدر لابن زنيم ( يَعِيبُ عليَّ الرَّاحَ مَنْ لو يَذُوقُها ... لَجُنَّ بها حتى يُغَيَّبَ في القَبرِ ) ( فَدَعْها أو امْدَحْها فإنَّا نُحِبُّها ... صُرَاحاً كما أَغْرَاكَ رَبُّكَ بالهَجْر ) ( عَلاَمَ تّذُمُّ الرَّاحَ والرَّاحُ كاسْمِها ... تُرِيحُ الفتى من هَمِّهِ آخِرَ الدَّهْر ) ( فَلُمْني فإن اللَّوْمَ فيها يَزِيدُني ... غَرَاماً بها إن المَلامة قَد تُغْري ) ( وباللَّهِ أُولِي صَادِقاً لو شَرِبْتَها ... لأَقْصَرْت عن عَذْلي ومِلْت إلى عُذْري ) ( وإن شئتَ جَرِّبْها وذُقْها عَتِيقةً ... لها أَرَجٌ كالمسك مَحْمودَةَ الخُبْرِ ) ( فإن أنت لم تَخْلَعْ عِذَارَكَ فَالحَنِي ... وقُلْ لِي لَحاكَ الله من عَاجِزٍ غَمْر ) ( وقَبْلَكَ ما قد لامني في اصْطِبَاحِها ... وفي شُربها بَدْرٌ فأعْرَضْتُ عَنْ بَدْر ) ( وَحَاسَيْتُها قوماً كأنَّ وجوهَهم ... دنانيرُ في الَّلأوَاءِ والزَّمَنِ النُّكْرِ ) ( فدَعني من التَّعْذَلِ فيها فإنني ... خُلِقْتُ أَبِيّاً لا أَلِينُ على القَسْر ) ( أَجُودُ وأُعْطِي المُنْفِسَاتِ تَبَرُّعاً ... وَأُغْلِي بها عند اليَسَارَة والعُسْر ) ( وأشربها حتى أَخِرّ مُجَدَّلاً ... مُعَتَّقَةً صَهْبَاءَ طَيِّبة النَّشْر ) ( ولولا النُّهَى لم أَصْحُ ما عشتُ ساعةً ... ولكنني نَهْنَهْتُ نَفْسِي عن الهَجْر ) ( فقّصَّرْتُ عنها بعد طُولِ لَجَاجَةٍ ... وحُبًّ لها في سِرِّ أَمْرِي وفي الجَهْرِ ) ( وحَقَّ لمِثْلِي أن يَكُفَّ عن الْخَنَى ... ويُقْصِرَ عن بعض الغَوَايَةِ والنُّكْر ) أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن أبي عبيدة أن عبيد الله بن زياد استعمل حارثة بن بدر على نيسابور فغاب عنه أشهراً ثم قدم فدخل عليه فقال له ما جاء بك ولم أكتب إليك قال استنظفت خراجك وجئت به وليس لي بها عمل فما مقامي قال أوبذلك أمرتك ارجع فاردد عليهم الخراج وخذه منهم نجوماً حتى تنقضي السنة وقد فرغت من ذلك فإنه أرفق بالرعية وبك واحذر أن تحملهم على بيع غلاتهم ومواشيهم ولا التعنيف عليهم فرجع فرد الخراج عليهم وأقام يستخرجه منهم نجوماً حتى مضت السنة أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال قال الأحنف بن قيس ما غبت عن أمر قط فحضره حارثة بن بدر إلا وثقت بإحكامه إياه وجودة عقده له وكان حارثة بن بدر من الدهاة أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال كان حارثة بن بدر يصيب من الشراب وكان حظياً عند زياد فعوتب زياد على رأيه فيه فقال أتلومونني على حارثة فوالله ما تفل في مجلسي قط ولا حك ركابه ركابي ولا سار معي في علاوة الريح فغبر علي ولا دعوته قط فاحتجت إلى تجشم الالتفات إليه حتى يوازيني ولا شاورته في شيء إلا نصحني ولا سألته عن شيء من أمر العرب وأخبارها إلا وجدته به بصيراً ماذا قال في يوم دولاب أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وأحمد بن عبيد الله بن عمار قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الأصمعي قال لما كان يوم دولاب وأفضت الحرب إلى حارثة بن بدر صاح من جاءنا من الموالي فله فريضة العرب ومن جاءنا من الأعراب فله فريضة المهاجر فلما رأى ما يلقى أصحابه من الأزارقة قال ( أَيْرُ الحمار فَرِيضةٌ لشبابكم ... والخُصْيَتانِ فريضة اْلأَعْرابِ ) ( عَضَّ المَوَالِي جِلْدَ أَيْرِ أبِيهمُ ... إن المَوَالِيَ مَعْشَرُ الخُيَّاب ) ثم قال ( كَرْنِبُوا ودَوْلِبُوا وشَرِّقُوا وغَرِّبُوا ... ) ( وحَيْثُ شِئْتُمْ فاذْهَبُوا ... ) يعني بقوله كرنبوا أي خذوا طريق كرنبى ودولبوا خذوا طريق دولاب أخبرني محمد بن زكريا الصحاف قال حدثنا قعنب بن محرز قال حدثنا الهيثم بن عدي عن ابن عياش عن المغيرة بن المنتشر قال إنا عند عبيد الله بن زياد وعنده الأحنف بن قيس وحارثة بن بدر وكان حارثة يتهم بالشراب فقال له عبيد الله يا حارثة أي الشراب أطيب قال برة طبرية بأقطة عنزية بسمنة عربية بسكرة سوسية فتبسم عبيد الله ثم قال للأحنف يا أبا بحر أي الشراب أطيب قال الخمر فقال له عبيد الله وما يدريك ولست من أهلها قال من يستحلها لا يعدوها إلى غيرها ومن يحرمها يتأول فيها حتى يشربها قال فضحك عبيد الله أخبرني أحمد بن محمد أبو الحسن الأسدي وعمرو بن عبد الله العتكي قالا حدثنا الرياشي وقال العتكي في خبره عن أبي عبيدة ولم يقله الأسدي ولا تجاوز الرياشي به إن حارثة كان بكوار من أردشير خره يتنزه فقال ( ألم تَرَ أن حارثة بن بَدْرٍ ... أَقَامَ بِدَيْر أَبْلَقْ من كُوَارَا ) ثم قال لجند كانوا معه من أجاز هذا البيت فله حكمه فقال له رجل منهم أنا أجيزه على أن تجعل لي الأمان من غضبك وتجعلني رسولك إلى البصرة وتطلب لي القفل من الأمير قال ذلك لك قال ثم رد عليه نشيد البيت فقال الرجل ( مُقِيماً يشربُ الصَّهْبَاءَ صِرْفاً ... إذا ما قلتَ تَصْرُعه اسْتَدَارَا ) فقال له حارثة لك شرطك ولو كنت قلت لنا شيئا يسرنا لسررناك هجوه الأبيرد الرياحي كتب إلي ابو خليفة الفضل بن الحباب أخبرنا محمد بن سلام قال قدم الأبيرد الرياحي على حارثة بن بدر فقال له اكسني ثوبين أدخل بهما على الأمير فكساه ثوبين لم يرضهما فقال فيه ( أحارثُ أَمْسِكْ فَضْلَ بُرْدَيْكَ إنما ... أَجَاعَ وَأَعْرَى اللَّهُ من كُنْتَ كَاسِيَا ) ( وكُنْتُ إذا اسْتَمْطَرْتُ منك سَحَابَةً ... لِتُمْطِرنِي عَادَتْ عَجَاجاً وسَافِياً ) ( أَحَارثُ عَاوِدْ شُرْبَك الخَمْرَ إنني ... رأيتُ زِيَاداً عنك أَصْبَحَ لاَهِيا ) فبلغت زياداً وبلغت حارثة فقال قبحه الله لقد شهد علي بما لم يعلم ولم أدع جوابه إلا لما يعلم أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال كان الحكم بن المنذر بن الجارود يشرب الشراب فقيل له في ذلك وعوتب وعرف أن الصلتان العبدي هجاه فقال فيه ( تَرَكَ الأشياءَ طُرّاً وانْحَنَى ... يضرب الصَّهْباءَ من ماء العِنَبْ ) ( لا يَخَافُ الناسَ قد أّذْمَنها ... وَهِيَ تُرْزِي بِاللَّئِيم المُؤْتَشِب ) ( وَهْيَ بِالأشْرَافِ أَزْرَى وإلى ... غَايَةِ التَّأنِيْب تَدْعُو ذا الحسَبَ ) ( فَدَع الخَمْرَ أبا حَرْبٍ وَسُدْ ... قَوْمَكَ الأَذْنَيْنَ مِن بَيْن العَرَب ) فقال لعنه الله والله ما ترك للصلح موضعا ولقد صدق ولولا الشرب لكنت الرجل الكامل وما يخفى علي قبيحه وسوء القالة فيه ولكني سمعت حارثة بن بدر الغداني أنشد ابياتً يوماً فحملتني على المجاهرة بالشراب وغن كان ذلي إلي بغيضاً قيل له وما الأبيات قال سمعته ينشد ( أّذْهَبَ عنِّي الغمَّ والذي ... به تُطْرَدُ الأَحْدَاثُ شُرْبُ المُرَوَّقِ ) - فوالللَّه ما أنفكُّ بالرَّاح مُهْتَراً ... ولو لام فيها كُلُّ خحُرُّ مُوفَّق ) ( فما لائمي فيها وإن كان ناصِحاً ... بأعلمَ منِّي بالرَّحيق المُعَتَّق ) ( ولكنَّ قلبي مُسْتَهَامٌ بحُبِّها ... وحُبُّ القِيان رَأيُ كلِّ مُحَمَّق ) ( أُحِبُّ التي لا أَمْلكَ الدَّهْرَ بُغْضَها ... وذلك فِعْلٌ مُعجِبٌ كلَّ أَخْرٌ ) سأشْرَبُها صِرفاً وأَسْقي صحابتي ... وأطلب غِرَّاتِ الغَزَال المُنّطَّق ) شعره في نديم له أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال كان لحارثة بن بدر نديم من قريش يصيب معه الشراب ولا يفارقه إذا شرب وقال فيه ( وأّبْيَضَ من أولاد سَعد بن مَالِك ... سَقيتُ من الصَّهْباء حتى تَقَطَّرَا ) ( وحتى رأى الشَّخْصَ القريبَ بِسُكْرِه ... شُخُوصاً فنادى يَالَ سعدٍ وكَبَّرا ) ( فقلتُ أَسَكْرَانٌ فَقَالَ مُكَابِراً ... أبَى اللَّهُ لي أن أُسْتَخَفَّ وأَسْكَرا ) ( فقلتُ له اشْرَبْ هذه بَابِلِيَّةٌ ... تَخالُ بها مِسكاً ذَكِيّاً وعَنْبَرا ) ( فلما حَسَاها هَرَّها ثمَّ إْنَّه ... تماسَكَ شيئاً واجِماً مُتَفَكِّرا ) ( وقال أَعِدْها قلتُ صَبْراً سُوَيْعَةً ... فَهَوَّمَ شيئاً ثم قام فَبَرْبَرَا ) ( فقلتُ له نَم ساعةً عَلَّ ما أَرَى ... من السُّكْرِ يُبْدِي منك صُرْماً مُذكَّرا ) خبره مع أبي صخر مخارق حين عاتبه على شربه الخمر قال إسحاق قال عاصم بن الحدثان كان أبو صخر مخارق بن صخر أحد بني ربيعة بن مالك شاعراً وهو خال أبي حزانة أو خال أبي جميعة وكان صديقاً لحارثة بن بدر فدخل عليه يوماً وهو مصطبح فعاتبه حارثة بن بدر وقال له قد أسقطت الخمر قدرك ومروءتك قال له دع عنك هذا الجنون وهلم نتساعد واسمع ما قلت قال هاته فأنشده ( غدا نَاصحاً لم يَأْلُ جُهْداً مُخَارِقٌ ... يَلُومُ على شُرْبِ السُّلاَفِ المُعَتَّقِ ) ( فقلتُ ابا صَخْرٍ دَع الناس يَجْهَلُوا ... ودُونَكَها صَهْبَاء ذَاتَ تَأَلُّق ) ( تراها إذا ما المَاءُ خَالَطَ جِسْمَها ... تَخايَلُ في كَفِّ الوَصِيف المُنَطَّق ) ( لهَا أَرجٌ كَالْمِسْكِ تُذْهِب رِيحُها ... عَمَايَةَ حَاسِيها بِحُسْنِ تَرَفُّق ) ( وكم لاَئِم فيها بصيرٍ بِفَضْلِها ... رَمَتْهُ بِسَهْمٍ صَائِب مُتَزَلَّق ) ( فَظَلَّ لِرَيَّاها يَعضُّ نَدَامَةً ... يديه وأَرْغَى بعد طُولِ تَمَطُّق ) ( وقال لَكَ العُذْر ابن بدرٍ على التي ... تُسَلِّي هُمُومَ المُسْتَهامِ المُشَوَّق ) ( فلستُ ابنَ صَخْرٍ تاركاً شُرْبَ قَهْوَةٍ ... لقَول لَئِيم جَاهِلٍ مُتَحَذْلِقِ ) ( يعيب عليَّ الشُّربَ والشربُ هَمُّه ... لِيُحْسَبَ ذَا رَأْيٍ أًصِيلٍ مُصَدَّق ) ( فما أنا بالغِرِّ ابنَ صَخْرٍ ولا الذي ... يُصَمِّمُ في شيْءٍ من الأَمْرِ مُوبِق ) فقال له مخارق بن صخر إنما عاتبتك لأن الناس قد كثروا فيك ورأيت النصيحة لله واجبة علي وكرهت أن تضع لذتك قدرك فإن أطعتني في تركها وإلا فلا تجاهر بها فإنك قادر على أن تبلغ حاجتك في ستر فقال حارثة ما عندي غير ما سمعت فتركه وانصرف أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال أنبأنا الرياشي عن محمد بن سلام عن يونس بن حبيب قال لما بنى فيل مولى زياد داره بالسبابجة صنع طعاماً ودعا أصحاب زياد فدخلوا الحمام المعروف بحمام فيل وخرجوا فتغدوا عنده وركب فيل وأصحابه الهماليج والمقاريف والبغال واجتاز بهم معه على حارثة بن بدر وأبي الأسود الدؤلي وهما جالسان فقال أبو الأسود ( لَعَمْرُ أَبِيكَ ما حَمَّامُ كِسْرَى ... على الثُّلُثَيْنِ من حَمَّامِ فِيلِ ) فقال له حارثة ( وما إِيجافُنَا خَلْفَ المَوالي ... بِسُنَّتِنَا على عَهد الرَّسُولِ ) أخبرني محمد بن مزيد قال أنبأنا حماد عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال حدثني عمي عن الحارث الهجيمي قال ذكر حلم الأحنف بن قيس عند عبيد الله بن زياد وعنده حارثة بن بدر فنفس عليه حارثة ذلك فقال لعبيد الله أيها الأمير ما يبلغ حلم من لا قدرة له ولا يملك لعدوه ضراً ولا لصديقه نفعاً وإنما يتكلف الدخول فيما لا يعنيه فبلغ ذلك من قوله الأحنف فقال أهون بحارثة وكلامه وما حارثة ومقداره أليس الذي يقول قبح الله رأيه في قوله ( إذا ما شَرِبْتُ الراحَ أَبْدَتْ مَكَارِمِي ... وَجُدْتُ بما حَازَتْ يَدَايَ من الوَفْرِ ) ( وإن سَبَّنِي جَهْلاً نَدِيميَ لم أَزِدْ ... على اشْرَبْ سَقَاكَ اللَّهُ طَيِّبَةَ النَّشْر ) أَرَى ذاك حَقّاً وَاجِباً لِمُنَادِمِي ... إذا قال لي غَيْرَ الجَمِيل من النُّكْرِ ) شعره في جاريته ميسته أخبرني عمي قال أنبأنا الكراني قال أنبأنا الرياشي عن الأصمعي قال كان لحارثة بن بدر جارية يقال لها ميسة وكان بها مشغوفاً فلما مات تزوجت بعده بشر بن شغاف فهؤلاء الشغافيون من ولدها وفيها يقول حارثة ( خلِيليَّ لولا حُبُّ مَيْسَة لَمْ أُبَلْ ... أفي اليوْمِ لاَقَيْتُ المَنِيَّةَ أمْ غَدَا ) ( خليليَّ إنْ أَفْشَيْتُ سِرِّي إِلَيْكُما ... فَلاَ تَجْعَلا سِرِّي حديثاَ مُبَدَّدا ) ( وإنْ أنْتُما أفشيتُماه فلا رأتْ عُيُونُكُما يَوْمَ الحِسَابِ مُحَمَّدا ) ( ولا زِلْتُمَا في شِقْوَةٍ ما بَقِيتُما ... تَذُوقَانِ عَيْشاً سَيِّىءَ الحَالِ أَنْكَدا ) أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال أنبأنا الحسين بن عليل قال أنبأنا مسعود بن بشر عن أبي عبيدة قال اجتاز حارثة بن بدر الغداني بمجلس من مجالس قومه من بني تميم ومعه كعب مولاه فكلما اجتاز بقوم قاموا إليه وقالوا مرحباً بسيدنا فلما ولى قال له كعب ما سمعت كلاماً قط أقر لعيني ولا ألذ بسمعي من هذا الكلام الذي سمعته اليوم فقال له حارثة لكني لم أسمع كلاماً قط أكره لنفسي وأبغض إلي مما سمعته قال ولم قال ويحك يا كعب إنما سودني قومي حين ذهب خيارهم وأماثلهم فاحفظ عني هذا البيت ( خلَت الدِّيَارُ فَسُدْتُ غير مُسَوَّدِ ... ومن الشَّقَاءِ تَفَرُّدِي بالسُّودَدِ ) وصيته قبل وفاته قال واشتكى حارثة بن بدر وأشرف على الموت فجعل قومه يعودونه فقالوا له هل لك من حاجة أو شيء تريده قال نعم اكسروا رجل مولاي كعب لئلا يبرح من عندي فإنه يؤنسني ففعلوا وأنشأ يقول ( يا كَعْبُ مَهْلاً فلا تَجْزَع على أَحَدٍ ... يا كَعْبُ لم يَبْقَ منَّا غيرُ أَجْسَادِ ) ( يا كَعْبُ مَا رَاحَ من قَوْمٍ ولا بكَرُوا ... إلا وللْمَوْتِ في آثارِهِمْ حَادي ) ( يا كعبُ ما طَلَعَتْ شمسٌ ولا غَرُبَتْ ... إلا تُقَرِّبُ آجالاً لمِيعَاد ) ( يا كَعْبُ كم من حِمَى قَوْمٍ نَزلْتُ بِهِ ... على صَوَاعِقَ من زَجْرٍ وإِيعَاد ) ( فإنْ لَقِيتَ بوادٍ حيَّةً ذَكراً ... فَاذْهَبْ ودَعْني أُمَارِسْ حَيَّة الوَادي ) جاء بعقب هذه الترجمة في الجزء الحادي والعشرين صوت ( عِشْ فَحُبِّيك سَرِيعاً قاتلي ... والضَّنَى إنْ لَمْ تَصلْني واصلِي ) ( ظَفِرَ الشَّوْقُ بِقَلْبٍ دَنِفٍ ... فيكَ والسُّقْمُ بِجِسْمٍ نَاحِلِ ) ( فهما بين اكتئابٍ وضَنًى ... تَرَكاني كالقضيب الذَّابِلِ ) الشعر لخالد الكاتب والغناء للمسدود رمل مطلق في مجرى الوسطى وذكر جحظة أن هذا الرمل أخذ عنه وأنه أول صوت سمعه فكتبه ثم جاءت بعد هذا أخبار خالد الكاتب بسم الله الرحمن الرحيم ذكر أخبار كثير ونسبه هو فيما أخبرنا به محمد بن العباس اليزيدي عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي أبو صخر كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر بن عويمر بن مخلد بن سعيد بن سبيع بن جعثمة بن سعد بن مليح بن عمرو وهو خزاعة بن ربيعة وهو يحيى بن حارثة بن عمرو وهو مزيقيا بن عامر وهو ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول ابن مازن بن الأزد وهو درء وقيل دراء ممدودا ابن الغوث بن نبت بن مالك ابن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وأخبرنا أبو عبد الرحمن أحمد بن محمد بن إسحاق الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا أبو صخر بن أبي الزعراء الخزاعي عن أمه ليلى بنت كثير قالت هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر بن مخلد بن سبيع بن سعد بن مليح بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر وأمه جمعة بنت الأشيم بن خالد بن عبيد ابن مبشر بن رياح بن سيالة بن عامر بن جعثمة بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر وكانت كنية الأشيم جده أبي أمه أبا جمعة ولذلك قيل له ابن أبي جمعة وكان له ابن يقال له ثواب من أشعر أهل زمانه مات سنة إحدى وأربعين ومائة ولا ولد له ومات كثير سنة خمس ومائة في ولاية يزيد بن عبد الملك وليس له اليوم ولد إلا من بنته ليلى ولليلى بنته ابن يكنى أبا سلمة شاعر وهو الذي يقول صوت ( وكان عزيزاً أن تبيتِي وبيننا ... حجابٌ فقد أمسيتِ منِّي على شهرِ ) ( ففي القرب تعذيبٌ وفي النأي حَسْرةٌ ... فيا ويْح نفسي كيف أصنع بالدهر ) في هذين البيتين غناء لمقاسة ولحنه من الثقيل الأول بالخنصر عن حبش طبقته ونحلته ويكنى كثير أبا صخر وهو من فحول شعراء الإسلام وجعله ابن سلام في الطبقة الأولى منهم وقرن به جريرا والفرزدق والأخطل والراعي وكان غاليا في التشيع يذهب مذهب الكيسانية ويقول بالرجعة والتناسخ وكان محمقا مشهورا بذلك وكان آل مروان يعلمون بمذهبه فلا يغيرهم ذلك لجلالته في أعينهم ولطف محله في أنفسهم وعندهم وكان من أتيه الناس وأذهبهم بنفسه على كل أحد أخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني هارون بن عبد الله الزهري قال حدثني سليمان بن فليح قال سمعت محمد بن عبد العزيز يعني ابن عمر بن عبد الرحمن بن عوف يقول ما قصد القصيد ولا نعت الملوك مثل كثير أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير بن بكار قال كتب إلي إسحاق بن إبراهيم الموصلي حدثني إبراهيم بن سعد قال إني لأروي لكثير ثلاثين قصيدة لورقي بها مجنون لأفاق أخبرني الحرمي قال حدثني الزبير قال حدثني بعض أصحاب الحديث قال كنا نأتي إبراهيم بن سعد وهو خبيث النفس فنسأله عن شعر كثير فتطيب نفسه ويحدثنا أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا عمر بن أبي بكر المؤملي عن عبد الله بن أبي عبيدة قال من لم يجمع من شعر كثير ثلاثين لامية فلم يجمع شعره قال الزبير قال المؤملي وكان ابن أبي عبيدة يملي شعر كثير بثلاثين دينارا قال وسئل عمي مصعب من أشعر الناس فقال كثير بن أبي جمعة وقال هو أشعر من جرير والفرزدق والراعي وعامتهم يعني الشعراء لم يدرك أحد في مديح الملوك ما أدرك كثير أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب إجازة قال حدثنا محمد بن سلام الجمحي قال كان كثير شاعر أهل الحجاز وهو شاعر فحل ولكنه منقوص حظه بالعراق أخبرني أبو خليفة قال أخبرنا ابن سلام قال سمعت يونس النحوي يقول كثير أشعر أهل الإسلام قال ابن سلام وسمعت ابن أبي حفصة يعجبه مذهبه في المديح جدا ويقول كان يستقصي المديح وكان فيه مع جودة شعره خطل وعجب أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن إسماعيل الجعفري قال أخبرني إبراهيم بن إبراهيم بن حسين بن زيد قال سمعت المسور بن عبد الملك يقول ما ضر من يروي شعر كثير وجميل ألا تكون عنده مغنيتان مطربتان أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم عن المدائني عن الوقاصي قال رأيت كثيرا يطوف بالبيت فمن حدثك أنه يزيد على ثلاثة أشبار فكذبه وكان إذا دخل على عبد العزيز بن مروان يقول طأطئ رأسك لا يصبه السقف أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني إسحاق ابن إبراهيم عن المدائني وعن ابن حبيب عن أبيه عن جده عن جد أبيه عبد العزيز وأمه جمعة بنت كثير قال قال جرير لكثير أي رجل أنت لولا دمامتك فقال كثير ( إن أك قَصْداً في الرجال فإنّني ... إذا حلّ أمرٌ ساحتي لطويلُ ) كثير والحزين الديلي أخبرني حبيب بن نصر وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر ابن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم عن المدائني عن الوقاصي قال وأخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن يحيى عن بعض أصحابهم الديليين قال التقى كثير والحزين الديلي بالمدينة في دار ابن أزهر في سوق الغنم فضمهما المجلس فقال كثير للحزين ما أنت شاعر يا حزين إنما توصل الشيء إلى الشيء فقال له الحزين أتأذن لي أن أهجوك قال نعم وكان كثير قال قبل ذلك وهو ينتسب إلى بني الصلت بن النضر بن كنانة ( أليس أبي بالنَّضْرِ أوليس إخوتي ... بكلِّ هِجَانٍ من بني الصَّلْت أزْهَرَا ) ( فإن لم تكونوا من بني الصَّلْت فاتركوا ... أَراكاً بأذيال الخمائل أخضرا ) قال فلما أذن كثير للحزين أن يهجوه قال الحزين ( لقد عَلِقتْ زُبَّ الذُّبَابِ كُثَيِّراً ... أساوِدُ لا يُطْنينه وأراقمُ ) ( قصيرُ القميصِ فاحشٌ عند بيته ... يَعَضّ القُراد باسته وهو قائم ) ( وما أنتُمُ منّا ولكنكم لنا ... عبيدُ العصا ما ابتلّ في البحر عائم ) ( وقد عَلِم الأقوامُ أن بني استِها ... خُزَاعةَ أذنابٌ وأنَّا القَوادِمُ ) ( ووالله لولا اللهُ ثم ضِرَابُنا ... بأسيافنا دارتْ عليها المَقاسمُ ) ( ولولا بنو بكر لَذَلَّتْ وأُهلِكتْ ... بطعنٍ وأفنتْها السيوف الصوارمُ ) قال فقام كثير فحمل عليه فلكزه وكان الحزين طويلا أيدا فقال له الحزين أنت عن هذا أعجز واحتمله فكان في يده مثل الكرة فضرب به الأرض فخلصه منه الأزهريون فبلغ ذلك أبا الطفيل عامر بن واثلة وهو بالكوفة فأقسم لئن ملأ عينيه من كثير ليضربنه بالسيف أو ليطعننه بالرمح وكان خندف الأسدي صديقا لأبي الطفيل فطلب إلى أبي الطفيل في كثير واستوهبه إياه فوهبه له والتقيا بمكة وجلسا جميعا مع عمر بن علي بن أبي طالب فقال أما والله لولا ما أعطيت خندفا من العهد لوفيت لك فذلك قول كثير في قصيدته التي يرثي فيها خندفا ( ينال رجالاً نفعُه وهو منهمُ ... بعيدٌ كعَيُّوقِ الثُّرَيَّا المُحَلِّقِ ) أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال قال كثير في أي شعر أعطى هؤلاء الأحوص عشرة آلاف دينار قالوا في قوله فيهم ( وما كان مالي طارفاً من تجارةٍ ... وما كان مِيراثاً من المال مُتْلَدَا ) ( ولكن عطايَا من إمامٍ مُبَارَكٍ ... مَلاَ الأرضَ معروفاً وجُوداً وسُودَدَا ) فقال كثير إنه لضرع قبحه الله ألا قال كما قلت صوت ( دَعْ عنكَ سَلْمَى إذ فاتَ مَطْلَبُها ... واذكُرْ خليلَيْكَ من بني الحَكَمِ ) ( ما أعطياني ولا سألتُهما ... إلاّ وإنِّي لحاجِزِي كَرَمي ) ( إنّي متى لا يكن نوالُهُما ... عندي بما قد فعلتُ أحتشم ) ( مُبْدِي الرِّضا عنهما ومُنصرِفٌ ... عن بعض ما لو فعلتُ لم ألَمِ ) ( لا أنْزُر النائل الخليلَ إذا ... ما اعتلّ نَزْرَ الظَّؤورِ لم تَرَمِ ) عروضه من المنسرح غنى في هذا الشعر يونس ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وغنى فيه الغريض ثاني ثقيل بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة وفيه لحن من الثقيل الأول ينسب إلى معبد وليس بصحيح له قال الزبير بن بكار في تفسير قوله لا أنزر النائل الخليل يقول لا ألح عليه بالمسألة يقال نزرته أنزره إذا ألححت عليه والظؤور المتعطفة على غير أولادها أخبرني الحرمي قال حدثني الزبير قال حدثنا المؤملي عن أبي عبيدة وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر قالا حدثنا عبد الله بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد عن أبيه قال دخل كثير على عبد الملك بن مروان فقال يا أمير المؤمنين إن أرضا لك يقال لها غرب ربما أتيتها وخرجت إليها بولدي وعيالي فأصبنا من رطبها وتمرها بشراء مرة وطعمة مرة فإن رأى أمير المؤمنين أن يعمرنيها فعل فقال له عبد الملك ذلك لك فندمه الناس وقالوا له أنت شاعر الخليفة ولك عنده منزلة فهلا سألت الأرض قطيعة فأتى الوليد فقال إن لي إلى أمير المؤمنين حاجة فأجلسني قريبا من البرذون فلما استوى عليه عبد الملك قال له إيه وعلم أن له إليه حاجة فقال كثير ( جزَتكَ الجوازِي عن صديقكَ نَضْرةً ... وأدناكَ ربِّي في الرَّفيق المُقَرَّبِ ) ( فإنّك لا يُعْطَى عليك ظُلاَمةً ... عدوٌّ ولا تنأَى عن المتقرِّب ) ( وإنّك ما تَمنَعْ فإنك مانعٌ ... بحقٍّ وما أعطيتَ لم تَتَعقّبِ ) فقال له أترغب غربا قال نعم يا أمير المؤمنين قال اكتبوها له ففعلوا أخبرني الحرمي قال حدثني الزبير قال حدثنا عمر بن أبي بكر المؤملي قال حدثني عبد الله بن أبي عبيدة قال كان الحزين الكناني قد ضرب علىكل رجل من قريش درهمين في كل شهر منهم ابن أبي عتيق فجاءه لأخذ درهميه على حمار له أعجف قال وكثير مع ابن أبي عتيق فدعا ابن أبي عتيق للحزين بدرهمين فقال الحزين لابن أبي عتيق من هذا معك قال هذا أبو صخر كثير بن ابي جمعة قال وكان قصيرا دميما فقال له الحزين أتأذن لي أن أهجوه ببيت من شعر قال لا لعمري لا آذن لك أن تهجو جليسي ولكني أشتري عرضه منك بدرهمين آخرين ودعا له بهما فأخذهما ثم قال لا بد من هجائه ببيت قال أو أشتري ذلك منك بدرهمين آخرين ودعا له بهما فأخذهما ثم قال ما أنا بتاركه حتى أهجوه قال أو أشتري ذلك منك بدرهمين فقال له كثير ايذن له ما عسى أن يقول في بيت فأذن له ابن أبي عتيق فقال ( قصيرُ القميصِ فاحشٌ عند بيته ... يَعَضّ القُرَادُ بِاستِه وهو قائمُ ) قال فوثب كثير إليه فلكزه فسقط هو والحمار وخلص ابن أبي عتيق بينهما وقال لكثير قبحك الله أتأذن له وتسفه عليه فقال كثير أو أنا ظننته أن يبلغ بي هذا كله في بيت واحد كثير يدعي أنه قرشي أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة ولم يتجاوزه وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا عبد الرحمن ابن الخضر الخزاعي عن ولد جمعة بنت كثير أنه وجد في كتب أبيه التي فيها شعر كثير أن عبد الملك بن مروان قال له ويحك الحق بقومك من خزاعة فأخبر أنه من كنانة قريش وأنشد كثير قوله ( أليس أبي بالصَّلْتِ أم ليس إخوتي ... بكل هِجانٍ من بني النَّضْر أزهَرا ) ( فإن لم تكونوا من بني النَّضْرِ فاتركوا ... أراكاً بأذناب القَوابِل أخضرا ) ( أبَيْتُ التي قد سُمْتَني ونَكِرْتُها ... ولو سُمْتَها قبلي قبيصةَ أنكرا ) ( لَبسنا ثيابَ العَصْبِ فاختلط السَّدَى ... بِنا وبهم والحَضْرَمِيَّ المُخَصَّرا ) فقال له عبد الملك لابد أن تنشد هذا الشعر على مبنري الكوفة والبصرة وحمله وكتب إلى العراق في أمره قال عمر بن شبة في خبره خاصة فأجابته خزاعة الحجاز إلى ذلك وقال فيه الأحوص ويقال بل قاله سراقة البارقي ( لَعَمْرِي لقدجاء العراقَ كُثَيِّرٌ ... بأحدوثة من وَحْيهِ المُتَكَذِّب ) ( أيزعمُ أنِّي من كِنانةَ أوّلي ... وما لِيَ من أمٍّ هناك ولا أبِ ) ( فإنْ كنتَ حُرًّا أو تخاف مَعَرّةً ... فخُذْ ما أخذتَ من أميرِك واذهبِ ) فقال كثير يجيبه وفي خبر الزبير قال هذا لأبي علقمة الخزاعي ( أيا خُبَثٌ أكرِمْ كِنانةَ إنّهم ... مَواليك إنْ أمرٌ سما بك معلق ) وفي رواية الزبير أبا علقم ( بنو النَّضْرِ تَرْمِي من ورائك بالحصى ... أُولُو حَسَبٍ فيهم وفاءٌ ومَصْدَقُ ) ( يُفِيدونكَ المالَ الكثيرَ ولم تَجِدْ ... لمُلكهمُ شِبْهاً لَوَ انّك تصدُق ) ( إذا ركِبوا ثارتْ عليك عَجَاجةٌ ... وفي الأرض من وقع الأسِنَّة أوْلَقُ ) فأجابه الأحوص بقوله ( دَعِ القومَ ما حَلُّوا ببطن قُرَاضِمٍ ... وحيث تَفشَّى بيضُه المتفلِّق ) ( فإنّك لو قاربتَ أو قلتَ شُبْهةً ... لذي الحقِّ فيها والمخاصِم مَعْلَق ) ( عذَرناك أو قلنا صدقتَ وإنما ... يُصدَّق بالأقوال من كان يصدُق ) ( ستأبَى بنو عمروٍ عليك وينتمي ... لهم حسبٌ في جِذْمِ غَسّانَ مُعْرِقُ ) ( فإنّك لا عمراً أباك حَفِظتَه ... ولا النَّضْرَ إن ضَيّعتَ شيخَك تَلْحَقُ ) ( ولم تُدْرِك القومَ الذين طلبتَهم ... فكنتَ كما كان السِّقاءُ المعلَّق ) ( بجِذْمة ساقٍ ليس منه لِحاؤها ... ولم يَكُ عنها قلُبه يتعلّق ) ( فأصبحتَ كالمُهْرِيقِ فضلةَ مائه ... لبادِي سَرَابٍ بالمَلاَ يترقرقُ ) قال فخرج كثير فأتى الكوفة فرمي به إلى مسجد بارق فقالوا له أنت من أهل الحجاز قال نعم قالوا فأخبرنا عن رجل شاعر ولد زنا يدعى كثيرا قال سبحان الله أما تسمعون أيها المشايخ ما يقول الفتيان قالوا هو ما قاله لنفسه فانسل منهم وجاء إلى والي الكوفة حسان بن كيسان فطيره على البريد وقال عمر بن شبة في خبره إن سراقة البارقي هو المخاطب له بهذه الشتيمة وإنه عرفه وقال له إن قلت هذا على المنبر قتلتك قحطان وأنا أولهم فانصرف إلى منزله ولم يعد إلى عبد الملك وكان سراقة هذا شاعرا ظريفا فأخبرني عمي حدثني الكراني عن النضر بن عمر عن الهيثم بن عدي عن الأعمش عن إبراهيم قال كان سراقة البارقي من ظرفاء أهل العراق فأسره المختار يوم جبانة السبيع وكانت للمختار فيها وقعة منكرة فجاء به الذي أسره إلى المختار فقال له إني أسرت هذا فقال له سراقة كذب ما هو الذي أسرني إنما أسرني غلام أسود على برذون أبلق عليه ثياب خضر ما أراه في عسكرك الآن وسلمني إليه فقال المختار أما إن الرجل قد عاين الملائكة خلوا سبيله فخلوه فهرب فأنشأ يقول ( ألاَ أبلِغْ أبا إسحاق أنِّي ... رأيتُ البُلْقَ دُهْماً مُصْمَتاتِ ) ( أرِي عَيْنَيَّ ما لم تُبْصِراه ... كِلاَنَا عالمٌ بالتُّرَّهَاتِ ) ( كفرتُ بدينِكم وجعلتُ نذراً ... عليَّ قتالَكم حتى المماتِ ) تشيع كثير وشعره في ابن الحنفية أخبرنا الحرمي قال أخبرنا الزبير قال أخبرنا عمرو ومحمد بن الضحاك قالا كان كثير يتشيع تشيعا قبيحا يزعم أن محمد بن الحنفية لم يمت قال وكان ذلك رأي السيد وقد قال فيه يعني السيد شعرا كثيرا منه ( ألاَ قلْ للوَصِيّ فدتْك نفسي ... أطلتَ بذلك الجبلِ المُقامَا ) ( أضَرّ بمَعْشَرٍ وَالَوْكَ منّا ... وسَمَّوك الخليفةَ والإِماما ) ( وعادَوْا فيك أهلَ الأرضِ طُرًّا ... مُقامُك عنهمُ ستِّين عاما ) ( وما ذاق ابنُ خَوْلةَ طعمَ مَوْتٍ ... ولا وارتْ له أرضٌ عِظاما ) ( لقد أَوْفَى بمُورِق شِعْبِ رَضْوَى ... تُراجِعه الملائكةُ الكلاما ) ( وإنّ له به لمَقِيلَ صدقٍ ... وأنديةً تحدِّثه كِرَاما ) ( هدانا الله إذ جُرْتُمْ لأمرٍ ... به ولديه نَلْتَمِس التَّمَاما ) ( تمامَ مَوَدّةِ المهديِّ حتّى ... تَرَوْا راياتِنا تَتْرَى نِظَاما ) وقال كثير في ذلك ( ألاَ إنّ الأَئمَّةَ من قُرَيْشٍ ... وُلاةَ الحقِّ أربعةٌ سواءُ ) ( عليٌّ والثلاثةُ من بَنِيه ... همُ الأسباطُ ليس بهم خَفَاءُ ) ( فسِبْطٌ سِبْطُ إيمان وبِرٍّ ... وسِبْطٌ غَيَّبَتْهُ كَرْبَلاءُ ) ( وسِبْطٌ لا تراه العينُ حتَّى ... يقودَ الخيلَ يقدُمها اللِّواء ) ( تغيَّب لا يُرَى عنهم زماناً ... برَضْوَى عنده عسلٌ وماء ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الحارث بن محمد عن المدائني عن أبي بكر الهذلي قال كان عبد الله بن الزبير قد أغري ببني هاشم يتبعهم بكل مكروه ويغري بهم ويخطب بهم على المنابر ويصرح ويعرض بذكرهم فربما عارضه ابن عباس وغيره منهم ثم بدا له فيهم فحبس ابن الحنفية في سجن عارم ثم جمعه وسائر من كان بحضرته من بني هاشم فجعلهم في محبس وملأه حطبا وأضرم فيه النار وقد كان بلغه أن أبا عبد الله الجدلي وسائر شيعة ابن الحنفية قد وافوا لنصرته ومحاربة ابن الزبير فكان ذلك سبب إيقاعه به وبلغ أبا عبد الله الخبر فوافى ساعة أضرمت النار عليهم فأطفأها واستنقذهم وأخرج ابن الحنفية عن جوار ابن الزبير منذ يومئذ فأنشدنا محمد بن العباس اليزيدي قال أنشدنا محمد بن حبيب لكثير يذكر ابن الحنفية وقد حبسه ابن الزبير في سجن يقال له سجن عارم ( مَنْ يَرَ هذا الشيخَ بالخَيْفِ من مِنًى ... من الناسِ يعلَمْ أنّه غيرُ ظالمِ ) ( سَمِيُّ النبيِّ المصطفى وابنُ عمِّه ... وفَكَّاكُ أغلالٍ ونفّاعُ غارمِ ) ( أبَى فهو لا يَشْرِي هدّى بضلالةٍ ... ولا يتَّقي في الله لومةَ لائمِ ) ( ونحن بحمد الله نتلو كتابَه ... حُلُولاً بهذا الخَيْفِ خَيْفِ المحارمِ ) ( بحيث الحمامُ آمِنُ الرَّوْعِ ساكنٌ ... وحيث العدوّ كالصديق المُسالِم ) ( فما فَرَحُ الدُّنيا بباقٍ لأهلِه ... ولا شِدَّةُ البَلْوَى بضربة لازِمِ ) ( تُخَبِّرُ مَنْ لاقيتَ أنك عائذٌ ... بل العائذُ المظلوم في سجن عارمِ ) حدثني أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني قال حدثنا يحيى بن الحسن العلوي قال حدثنا الزبير بن بكار وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن إسماعيل الجعفري عن سعيد عن عقبة الجهني عن أبيه قال سمعت كثيرا ينشد علي بن عبد الله بن جعفر قوله في محمد بن الحنفية ( أقَرّ اللهُ عينِيَ إذ دعاني ... أمينُ الله يلطُف في السؤالِ ) ( وأثنَى في هوايَ عليَّ خيراً ... وساءلَ عن بَنِيَّ وكيف حالي ) ( وكيف ذكرت حال أبي خُبَيْبٍ ... وزَلَّة فعلِه عند السُّؤالِ ) ( هو المَهْدِيّ خَبَّرَنَاهُ كَعْبٌ ... أخو الأحبارِ في الحِقَبِ الخوالي ) فقال له علي بن عبد الله يا أبا صخر ما يثنى عليك في هواك خيرا إلا من كان على مثل مذهبك قال أجل بأبي أنت وأمي قال وكان كثير كيسانيا يرى الرجعة قال الزبير أبو خبيب عبد الله بن الزبير كناه بابنه خبيب وهو أكبر ولده وكان كثير سيئ الرأي فيه قال الزبير كناه بابنه خبيب وهو أكبر ولده وكان كثير سيئ الرأي فيه قال الزبير فأخبرني عمي قال لما قال كثير ( هو المهديّ خَبَّرَنَاه كعبٌ ... أخو الأحبار في الحِقَبِ الخوالي ) فقيل له ألقيت كعبا قال لا قيل فلم قلت خبرناه كعب قال بالتوهم قال وكان كثير شيعيا غاليا يزعم أن الأرواح تتناسخ ويحتج بقول الله تعالى ( في أي صورة ما شاء ركبك ) ويقول ألا ترى أنه حوله من صورة في صورة قال فحدثني عمر بن أبي بكر المؤملي عن عبد الله بن أبي عبيدة قال خندف الأسدي الذي أدخل كثيرا في الخشبية أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني إبراهيم بن المنذر الحزامي عن محمد بن معن الغفاري قال كنا بالسيالة في مشيخة نتحدث إذا بكثير قد طلع علينا متكئا على عصا فقال كنا ببيداء بأشراف السيالة وبهذه الناحية فما بقي موضع ببيداء إلا وقد جئته فإذا هو على حاله ما تغير وما تغيرت الجبال ولا الموضع الذي كنا نطوف فيه وهذا يكون حتى نرجع إليه وكان يؤمن بالرجعة أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني يحيى بن محمد قال دخل عبد الله بن حسن على كثير يعوده في مرضه الذي مات فيه فقال له كثير أبشر فكأنك بي بعد أربعين ليلة قد طلعت عليك على فرس عتيق فقال له عبد الله بن حسن ما لك عليك لعنة الله فوالله لئن مت لا أشهدك ولا أعودك ولا أكلمك أبدا أخبرني الحرمي قال حدثا الزبير قال حدثني يحيى بن محمد بن عبد الملك بن عبد العزيز أحسبه عن ابن الماجشون قال وكان أبو هاشم عبد الله بن محمد بن علي قد وضع الأرصاد على كثير فلا يزال يؤتى بالخبر من خبره فيقول له إذا لقيه كنت في كذا وكنت في كذا إلى أن جرى بين كثير وبين رجل كلام فأتي به أبو هاشم فأقبل به على أدراجه فقال له أبو هاشم كنت الساعة مع فلان فقلت له كذا وكذا وقال لك كذا وكذا فقال له كثير أشهد أنك رسول الله أخبرنا محمد بن جعفر النحوي قال حدثنا محمد وأخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا محمد بن إسماعيل عن موسى بن عبد الله فيما أحسب قال نظر كثير إلى بني حسن بن حسن وهم صغار فقال بأبي أنتم هؤلاء الأنبياء الصغار وكان يرى الرجعة وروى علي بن بشر بن سعيد الرازي عن محمد بن حميد عن أبي زهير عبد الرحمن بن مغراء الدوسي عن محمد ابن عمارة قال مر كثير بمعاوية بن عبد الله بن جعفر وهو في المكتب فأكب عليه يقبله وقال أنت من الأنبياء الصغار ورب الكعبة أخبرنا أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا قعنب بن المحرز قال حدثني إبراهيم بن داجة قال كان كثير شيعيا وكان يأتي ولد حسن بن حسن إذا أخذ عطاءه فيهب لهم الدراهم ويقول وابأبي الأنبياء الصغار وكان يؤمن بالرجعة فيقول له محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان وهو أخوهم لأمهم يا عم هب لي فيقول لا لست من الشجرة أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني عثمان بن عبد الرحمن عن إبراهيم بن يعقوب بن أبي عبيد الله قال قال عمر بن عبد العزيز إني لأعرف صلاح بني هاشم من فسادهم بحب كثير من أحبه منهم فهو فاسد ومن أبغضه فهو صالح لأنه كان خشبيا يقول بالرجعة أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن أبي لهيعة عن رجاء بن حيوة قال سمعت عمر بن عبد العزيز يقول إن مما أعتبر به صلاح بني هاشم وفاسدهم حب كثير ثم ذكر مثله أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا علي بن صالح عن ابن دأب قال كان كثير يدخل على عمة له برزة فتكرمه وتطرح له وسادة يجلس عليها فقال لها يوما لا والله ما تعرفينني ولا تكرمينني حق كرامتي قالت بلى والله إني لأعرفك قال فمن أنا قالت ابن فلان وابن فلانة وجعلت تمدح أباه وأمه فقال قد عرفت أنك لا تعرفينني قالت فمن أنت قال أنا يونس بن متى كان كثير عاقا لأبيه أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني أبي قال كان كثير عاقا لأبيه وكان أبوه قد أصابته قرحة في إصبع من أصابع يده فقال له كثير أتدري لم أصابتك هذه القرحة في إصبعك قال لا أدري قال مما ترفعها إلى الله في يمين كاذبة أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا إبراهيم بن المنذر عن محمد ابن معن الغفاري عن أبيه وغيره قال حدثني رجل من مزينة قال إني لأعرف صلاح بني هاشم من وفسادهم بحب كثير من أحبه منهم فهو فاسد ومن أبغضه فهو صالح لأنه كان خشبيا يقول بالرجعة أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن أبي لهيعة عن رجاء بن حيوة قال سمعت عمر بن عبد العزيز يقول إن مما أعتبر به صلاح بني هاشم وفاسدهم حب كثير ثم ذكر مثله أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا علي بن صالح عن ابن دأب قال كان كثير يدخل على عمة له برزة فتكرمه وتطرح له وسادة يجلس عليها فقال لها يوما لا والله ما تعرفينني ولا تكرمينني حق كرامتي قالت بلى والله إني لأعرفك قال فمن أنا قالت ابن فلان وابن فلانة وجعلت تمدح أباه وأمه فقال قد عرفت أنك لا تعرفينني قالت فمن أنت قال أنا يونس بن متى كان كثير عاقا لأبيه أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني أبي قال كان كثير عاقا لأبيه وكان أبوه قد أصابته قرحة في إصبع من أصابع يده فقال له كثير أتدري لم أصابتك هذه القرحة في إصبعك قال لا أدري قال مما ترفعها إلى الله في يمين كاذبة أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا إبراهيم بن المنذر عن محمد ابن معن الغفاري عن أبيه وغيره قال حدثني رجل من مزينة قال ضفت كثيرا ليلة وبت عنده ثم تحدثنا ونمنا فلما طلع الفجر تضور ثم قمت فتوضأت وصليت وكثير راقد في لحافه فلما طلع قرن الشمس تضور ثم قال يا جارية اسجري لي ماء قال قلت تبا لك سائر اليوم أو هذه الساعة هذا وركبت راحلتي وتركته قال الزبير أسخني لي ماء أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران عن محمد بن عبد العزيز عن ابن شهاب عن طلحة بن عبيد الله قال ما رأيت قط أحمق من كثير دخلت عليه يوما في نفر من قريش وكنا كثيرا ما نتهزأ به وكان يتشيع تشيعا قبيحا فقلت له كيف تجدك يا أبا صخر وهو مريض فقال أجدني ذاهبا فقلت كلا فقال هل سمعتم الناس يقولون شيئا فقلت نعم يتحدثون أنك الدجال قال أما لئن قلت ذاك إني لأجد في عيني ضعفا منذ أيام أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران أن ناسا من أهل المدينة كانوا يلعبون بكثير فيقولون وهو يسمع إن كثيرا لا يلتفت من تيهه فكان الرجل يأتيه من ورائه فيأخذ رداءه فلا يلتفت من الكبر ويمضي في قميص أخبرنا إبراهيم بن محمد بن أيوب قال حدثنا عبد الله بن مسلم بن قتيبة قال بلغني أن كثيرا دخل على عبد الملك بن مروان فسأله عن شيء فأخبره به فقال وحق علي بن أبي طالب إنه كما ذكرت قال كثير يا أمير المؤمنين لو سألتني بحقك لصدقتك قال لا أسألك إلا بحق أبي تراب فحلف له به فرضي أخبرنا الفضل بن الحباب أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال أخبرني عثمان بن عبد الرحمن وأخبرنا محمد بن جعفر النحوي قال حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب ابن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة وأخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا المؤملي عن ابن أبي عبيدة قالوا جميعا لما أراد عبد الملك الخروج إلى مصعب لاذت به عاتكة بنت يزيد ابن معاوية وهي أم ابنه يزيد وقالت يا أمير المؤمنين لا تخرج السنة لحرب مصعب فإن آل الزبير ذكروا خروجك وابعث إليه الجيوش وبكت وبكى جواريها معها وجلس وقال قاتل الله ابن أبي جمعة فأين قوله صوت ( إذا ما أراد الغَزْوَ لم تَثْنِ هَمَّه ... حصَانٌ عليها عِقدُ دُرٍّ يَزيُنها ) ( نهتْه فلما لم تَرَ النَّهْيَ عاقَه ... بكتْ فبكى مما شجاها قَطِينُها ) غناه ابن سريج ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق والله لكأنه يراني ويراك يا عاتكة ثم خرج قال محمد بن جعفر النحوي في خبره ووافقه عليه عمر بن شبة فلما خرج عبد الملك نظر إلى كثير في ناحية عسكره يسير مطرقا فدعا به وقال لأعلم ما أسكتك وألقى عليك بثك فإن أخبرتك عنه أتصدقني قال نعم قال قل وحق أبي تراب لتصدقني قال والله لأصدقنك قال لا أو تحلف به فحلف به فقال تقول رجلان من قريش يلقى أحدهما صاحبه فيحاربه القاتل والمقتول في النار فما معنى سيري مع أحدهما إلى الآخر ولا آمن سهما عائرا لعله أن يصيبني فيقتلني فأكون معهما قال والله يا أمير المؤمنين ما أخطأت قال فارجع من قريب وأمر له بجائزة أخبرنا وكيع قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال حدثنا أبو تمام الطائي حبيب بن أوس قال حدثني العطاف بن هارون عن يحيى بن حمزة قاضي دمشق قال حدثني حفص الأموي قال كنت أختلف إلى كثير أتروى شعره قال فوالله إني لعنده يوما إذ وقف عليه واقف فقال قتل آل المهلب بالعقر فقال ما أجل الخطب ضحى آل أبي سفيان بالدين يوم الطف وضحى بنو مروان بالكرم يوم العقر ثم انتضحت عيناه باكيا فبلغ ذلك يزيد بن عبد الملك فدعا به فلما دخل عليه قال عليك لعنة الله أترابية وعصبية وجعل يضحك منه أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد عن أبيه قال قال عبد الملك بن مروان لكثير من أشعر الناس اليوم يا أبا صخر قال من يروي أمير المؤمنين شعره فقال عبد الملك أما إنك لمنهم أخبرنا وكيع قال حدثنا عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثنا حماد بن إسحاق عن ابن أبي عوف عن عوانة قال قال كثير لعبد الملك كيف ترى شعري يا أمير المؤمنين قال أراه يسبق السحر ويغلب الشعر أخبرنا عمي عن الكراني عن النضر بن عمر قال كان عبد الملك بن مروان يخرج شعر كثير إلى مؤدب ولده مختوما يرويهم إياه ويرده أخبرنا الحرمي قال أخبرنا الزبير قال حدثنا عبد الله بن خالد الجهني إن كثيرا شب في حجر عم له صالح فلما بلغ الحلم أشفق عليه أن يسفه وكان غير جيد الرأي ولا حسن النظر في عواقب الأمور فاشترى له عمه قطيعا من الإبل وأنزله فرش ملل فكان به ثم ارتفع فنزل فرع المسور ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف من جبل جهينة الأصغر وكان قبل المسور لبني مالك بن أفصى فضيقوا على كثير وأساؤوا جواره فانتقل عنهم وقال ( أبَتْ إبِلِي ماءَ الرَّداة وشَفَّها ... بنو العَمِّ يحمون النَّضِيح المُبَرَّدا ) ( وما يمنعون الماء إلاّ ضَنانةً ... بأصلاب عُسْرَى شوكها قد تخدّدا ) ( فعادتْ فلم تَجْهَدْ على فضل مائه ... رِياحاً ولا سُقْيَا ابن طَلْقِ بنِ أسعدا ) قال ويروى أنه أول شعر قاله بدء قوله الشعر وعشقه عزة أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي قال قال كثير ما قلت الشعر حتى قولته قيل له وكيف ذاك قال بينا أنا يوما نصف النهار أسير على بعير لي بالغميم أو بقاع حمدان إذا راكب قد دنا مني حتى صار إلى جنبي فتأملته فإذا هو من صفر وهو يجر نفسه في الأرض جرا فقال لي قل الشعر وألقاه علي قلت من أنت قال أنا قرينك من الجن فقلت الشعر ونسب كثير لكثرة تشبيبه بعزة الضمرية إليها وعرف بها فقيل كثير عزة وهي عزة بنت حميل بن وقاص أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن الحسن قال أبو بصرة الغفاري المحدث واسمه حميل بن وقاص هو أبو عزة التي كان ينسب بها كثير وكان ابتداء عشقه إياها على أنه قد قيل إنه كان في ذلك كاذبا ولم يكن بعاشق وذلك يذكر بعد خبره معها فيما أخبرني به الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الله بن إبراهيم السعدي قال حدثني إبراهيم بن يعقوب بن جميع الخزاعي أنه كان أول عشق كثير عزة أن كثيرا مر بنسوة من بني ضمرة ومعه جلب غنم فأرسلن إليه عزة وهي صغيرة فقالت يقلن لك النسوة بعنا كبشا من هذه الغنم وأنسئنا بثمنه إلى أن ترجع فأعطاها كبشا وأعجبته فلما رجع جاءته امرأة منهن بدراهمه فقال وأين الصبية التي أخذت مني الكبش قالت وما تصنع بها هذه دراهمك قال لا آخذ دراهمي إلا ممن دفعت الكبش إليها وخرج وهو يقول ( قضى كلُّ ذي دَيْنٍ فوفَّى غَرِيمَه ... وعَزّةُ ممطولٌ مُعَنًّى غريمُها ) قال فكان أول لقائه إياها أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن الخضر بن أبي بكر بن عبد العزيز بن عبد الرحمن أبي جندل عن أبيه عبد العزيز الخزاعي وأمه جمعة بنت كثير عن أمه جمعة عن أبيها كثير أن أول علاقته بعزة أنه خرج من منزله يسوق خلف غنم إلى الجار فلما كان بالخبت وقف على نسوة من بني ضمرة فسألهن عن الماء فقلن لعزة وهي جارية حين كعب ثدياها أرشديه إلى الماء فأرشدته وأعجبته فبينا هو يسقي غنمه إذ جاءته عزة بدراهم فقالت يقلن لك النسوة بعنا بهذه الدراهم كبشا من ضأنك فأمر الغلام فدفع إليها كبشا وقال ردي الدراهم وقولي لهن إذا رحت بكن اقتضيت حقي فلما راح مر بهن فقلن له هذا حقك فخذه فقال عزة غريمي ولست أقتضي حقي إلا منها فمزحن معه وقلن ويحك عزة جارية صغيرة وليس فيها وفاء لحقك فأحله على إحدانا فإنها أملأ به منها وأسرع له أداء فقال ما أنا بمحيل حقي عنها ومضى لوجهه ثم رجع إليهن حين فرغ من بيع جلبه فأنشدهن فيها ( نظرتُ إليها نظرةً وهي عاتقٌ ... على حين أن شَبّتْ وبان نُهودها ) ( وقد دَرَّعُوها وهي ذات مُؤَصَّدٍ ... مَجُوبٍ ولمَّا يَلْبَس الدِّرْعَ رِيدُها ) ( من الخفِراتِ البِيض وَدّ جليسُها ... إذا ما انقضتْ أُحدوثةٌ لو تُعيدها ) في هذا البيت وأبيات أخر معه غناء يذكر بعد تمام هذا الخبر وما يضاف إليه من جنسه وأنشدهن أيضا ( قضى كلُّ ذي دَيْنٍ فوفَّى غريمَه ... وعَزّةُ ممطولٌ مُعَنى غريمُها ) فقلن له أبيت إلا عزة وأبرزنها إليه وهي كارهة ثم أحبته عزة بعد ذلك أشد من حبه إياها قال الزبير فسألت محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز ابن عبد الرحمن الخزاعي المعروف بأبي جندل عن هذا الحديث فعرفه وحدثنيه عن أبيه عن جده عبد العزيز بن أبي جندل عن أمه جمعة بنت كثير عن أبيها وأخبرني عمي الحسن بن محمد الأصفهاني رحمه الله قال حدثني محمد بن سعد الكراني قال حدثنا النضر بن عمرو قال حدثني عمر بن عبد الله بن خالد المعيطي وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن نعيم قال حدثني إبراهيم بن إسحاق الطلحي وأخبرني الحرمي ابن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني يعقوب بن عبد الله الأسدي وغيره قال الزبير وحدثني محمد بن صالح الأسلمي قال دخلت عزة على عبد الملك بن مروان وقد عجزت فقال لها أنت عزة كثير فقالت أنا عزة بنت حميل قال أنت التي يقول لك كثير ( لِعَزّة نارٌ ما تَبُوخُ كأنها ... إذا ما رَمَقْناها من البعدِ كوكبُ ) فما الذي أعجبه منك قالت كلا يا أمير المؤمنين فوالله لقد كنت في عهده أحسن من النار في الليلة القرة وفي حديث محمد بن صالح الأسلمي فقالت له أعجبه مني ما أعجب المسلمين منك حين صيروك خليفة قال وكانت له سن سوداء يخفيها فضحك حتى بدت فقالت له هذا الذي أردت أن أبديه فقال لها هل تروين قول كثير فيك ( وقد زعمتْ أنِّي تغيَّرتُ بعدَها ... ومَنْ ذا الذي يا عزَّ لا يَتَغَيّرُ ) ( تغيَّر جسمي والخليقةُ كالتي ... عَهِدْتِ ولم يُخْبَرْ بسرِّك مُخْبَرُ ) قالت لا ولكني أروي قوله ( كأنِّي أنادي صخرةً حين أعرضتْ ... من الصمُّ لو تمشِي بها العُصْمُ زَلّتِ ) ( صَفُوحاً فما تلقاكَ إلاّ بخيلةً ... فمَنْ مَلّ منها ذلك الوصلَ مَلّتِ ) فأمر بها فأدخلت على عاتكة بنت يزيد وفي غير هذه الرواية أنها أدخلت على أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان فقالت لها أرأيت قول كثير ( قضى كلُّ ذَيٍ دَينٍ فوفَّى غريمَه ... وعزّة ممطولٌ معنًّى غريمُها ) ما هذا الذي ذكره قالت قبلة وعدته إياها قالت أنجزيها وعلي إثمها أخبرنا الحسن بن الطيب البجلي الشجاعي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالوا حدثنا عمر بن شبة قال روى ابن جعدبة عن أشياخه وأخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا أبو بكر بن يزيد بن عياض بن جعدبة عن أبيه أن كثيرا كان له غلام تاجر فباع من عزة بعض سلعه ومطلته مدة وهو لا يعرفها فقال لها يوما أنت والله كما قال مولاي ( قضى كلُّ ذي دَينٍ فوفَّى غريمَه ... وعزّة ممطولٌ معنًّى غريمُها ) فانصرفت عنه خجلة فقالت له امرأة أتعرف عزة قال لا والله قالت فهذه والله عزة فقال لا جرم والله لا آخذ منها شيئا أبدا ولا أقتضيها ورجع إلى كثير فأخبره بذلك فأعتقه ووهب له المال الذي كان في يده أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني يعقوب بن حكيم السلمي عن قسيمة بنت عياض بن سعيد الأسلمية وكنيتها أم البنين قالت سارت علينا عزة في جماعة من قومها بين يدي يربوع وجهينة فسمعنا بها فاجتمعت جماعة من نساء الحاضر أنا فيهن فجئناها فرأينا امرأة حلوة حميراء نظيفة فتضاءلنا لها ومعها نسوة كلهن لها عليهن فضل من الجمال والخلق إلى أن تحدثت ساعة فإذا هي أبرع الناس وأحلاهم حديثا فما فارقناها إلا ولها علينا الفضل في أعيننا وما نرى في الدنيا امرأة تروقها جمالا وحسنا وحلاوة أخبرني عمي قال حدثني فضل اليزيدي عن إسحاق الموصلي عن أبي نصر شيخ له عن الهيثم بن عدي أن عبد الملك سأل كثيرا عن أعجب خبر له مع عزة فقال حججت سنة من السنين وحج زوج عزة بها ولم يعلم أحد منا بصاحبه فلما كنا ببعض الطريق أمرها زوجها بابتياع سمن تصلح به طعاما لأهل رفقته فجعلت تدور الخيام خيمة خيمة حتى دخلت إلي وهي لا تعلم أنها خيمتي وكنت أبري أسهما لي فلما رأيتها جعلت أبري وأنا أنظر إليها ولا أعلم حتى بريت عظامي مرات ولا أشعر به والدم يجري فلما تبينت ذلك دخلت إلي فأمسكت يدي وجعلت تمسح الدم عنها بثوبها وكان عندي نحي من سمن فحلفت لتأخذنه فأخذته وجاءت إلى زوجها بالسمن فلما رأى الدم سألها عن خبره فكاتمته حتى حلف لتصدقنه فصدقته فضربها وحلف لتشتمني في وجهي فوقفت علي وهو معها فقالت لي يابن الزانية وهي تبكي ثم انصرفا فذلك حين أقول ( يُكَلِّفها الخِنزيرُ شَتْمِي وما بها ... هواني ولكن للمليك استذلَّتِ ) نسبة ما في هذه القصيدة من الغناء صوت ( خَلِيليَّ هذا رَسْمُ عَزّة فاعْقِلاَ ... قَلُوصَيْكما ثم أبْكيَا حيث حَلّتِ ) ( وما كنتُ أدرِي قبل عَزّةَ ما البكا ... ولا مُوجِعاتِ القلب حتّى تَوَلّتِ ) ( فليتَ قَلُوصِي عند عزّة قُيِّدتْ ... بحبلٍ ضعيفٍ بانَ منها فضَلَّتِ ) ( وأصبح في القوم المقيمين رحلُها ... وكان لها باغٍ سِوَايَ فَبلّتِ ) ( فقلتُ لها يا عزّ كلُّ مُصيبةٍ ... إذا وُطِّنَتْ يوماً لها النفسُ ذلّت ) ( أسِيئي بنا أو أَحْسِنِي لا ملومةٌ ... لدينا ولا مَقْلِيّةٌ إنْ تَقَلّتِ ) ( هَنِيئاً مِريئاً غيرَ داءٍ مُخَامِرٍ ... لِعَزَّةَ من أعراضنا ما اسْتَحَلّتِ ) ( تَمَنَّيْتُها حتّى إذا ما رأيتُها ... رأيتُ المنايا شُرَّعاً قد أظلّتِ ) ( كأنِّي أنادي صخرةً حين أعرضتْ ... من الصُّمِّ لو تمشِي بها العُصْمُ زَلّتِ ) ( صَفُوحاً فما تلقاكَ إلاّ بخيلةً ... فمَنْ مَلّ منها ذلك الوصل مَلَتِ ) ( أصاب الرَّدَى مَنْ كان يهوى لكِ الرَّدَى ... وجُنّ اللواتي قلن عَزّةُ جُنّتِ ) عروضه من الطويل غنى معبد في الخمسة الأول ثقيلا أول بالوسطى وغنى إبراهيم في الثالث والرابع ثقيلا أول بالبنصر عن عمرو وغنى في هنيئا مريئا والذي بعده خفيف رمل بالوسطى وغنى إبراهيم في الخامس وما بعده ثاني ثقيل وذكر الهشامي أن لابن سريج في هنيئا مريئا وما بعده ثاني ثقيل بالبنصر وذكر أحمد بن المكي أن لإبراهيم في كأني أنادي والذي بعده وفي أسيئي بنا أو أحسني هزجا بالسبابة في مجرى البنصر ولإسحاق فيه هزج آخر به ولعريب في كأني أنادي أيضا رمل ولإسحاق في وما كنت أدري ثقيل أول وله في أصاب الردى ثقيل أول آخر وقيل إن لإبراهيم في فقلت لها يا عز خفيف ثقيل ينسب إلى دحمان وإلى سياط أخبرني الحرمي وحبيب بن نصر قالا حدثنا الزبير قال حدثنا يعقوب بن حكيم عن إبراهيم بن أبي عمرو الجهني عن أبيه قال سارت علينا عزة في جماعة من قومها فنزلت حيالنا فجاءني كثير ذات يوم فقال لي أريد أن أكون عندك اليوم فأذهب إلى عزة فصرت به إلى منزلي فأقام عندي حتى كان العشاء ثم أرسلني إليها وأعطاني خاتمه وقال إذا سلمت فستخرج إليك جارية فادفع إليها خاتمي وأعلمها مكاني فجئت بيتها فسلمت فخرجت إلي الجارية فأعطيتها الخاتم فقالت أين الموعد قلت صخرات أبي عبيد الليلة فواعدتها هناك فرجعت إليه فأعلمته فلما أمسى قال لي انهض بنا فنهضنا فجلسنا هناك نتحدث حتى جاءت من الليل فجلست فتحدثا فأطالا فذهبت لأقوم فقال لي إلى أين تذهب فقلت أخليكما ساعة لعلكما تتحدثان ببعض ما تكتمان فقال لي اجلس فوالله ما كان بيننا شيء قط فجلست وهما يتحدثان وإن بينهما لثمامة عظيمة هي من ورائها جالسة حتى أسحرنا ثم قامت فانصرفت وقمت أنا وهو فظل عندي حتى أمسى ثم انطلق أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد الله بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاصي قال خرج كثير في الحاج بجمل له يبيعه فمر بسكينة بنت الحسين ومعها عزة وهو لا يعرفها فقالت سكينة هذا كثير فسوموه بالجمل فساموه فاستام مائتي درهم فقالت ضع عنا فأبى فدعت له بتمر وزبد فأكل ثم قالت له ضع عنا كذا وكذا لشيء يسير فأبى فقالوا قد أكلت يا كثير بأكثر مما نسألك فقالت ما أنا بواضع شيئا فقالت سكينة اكشفوا فكشفوا عنها وعن عزة فلما رآهما استحيا وانصرف وهو يقول هو لكم هو لكم هل كان كثير صادقا في عشقه من ذكر أن كثيرا كان يكذب في عشقه أخبرنا أبو خليفة قال حدثنا ابن سلام قال كان كثير مدعيا ولم يكن عاشقا وكان جميل صادق الصبابة والعشق أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال زعم إسحاق بن إبراهيم أنه سمع أبا عبيدة يقول كان جميل يصدق في حبه وكان كثير يكذب ومما وجدناه في أخباره ولم نسمعه من أحد أنه نظر إلى عزة ذات يوم وهي منتقبة تميس في مشيتها فلم يعرفها كثير فاتبعها وقال يا سيدتي قفي حتى أكلمك فإني لم أر مثلك قط فمن أنت ويحك قالت ويحك وهل تركت عزة فيك بقية لأحد قال بأبي أنت والله لو أن عزة أمة لي لوهبتها لك قالت فهل لك في المخاللة قال وكيف لي بذلك قالت أنى وكيف بما قلت في عزة قال أقلبه فأحوله إليك فسفرت عن وجهها ثم قالت أغدرا يا فاسق وإنك لهكذا فأبلس ولم ينطق وبهت فلما مضت أنشأ يقول ( ألاَ ليتني قبل الذي قلتُ شِيبَ لي ... من السمّ جَدْحاتٌ بماء الذَّرَارِحِ ) ( فمتُّ ولم تعلم عليَّ خيانة ... وكم طالبٍ للربح ليس برابح ) ( أبوءُ بذنبي إنني قد ظلمتُها ... وإني بباقي سِرِّها غيرُ بائح ) عتاب المحبين أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة قال زعم ابن الكلبي عن أبي المقوم قال أخبرني سائب راوية كثير قال خرجت معه نريد مصر فمررنا بالماء الذي فيه عزة فإذا هي في خباء فسلمنا جميعا فقالت عزة وعليك السلام يا سائب ثم أقبلت على كثير فقالت ويحك ألا تتقي الله أرأيت قولك ( بآيةِ ما أتيتُكِ أُمَّ عمروٍ ... فقمتِ لحاجتي والبيتُ خالي ) أخلوت معك في بيت أو غير بيت قط قال لم أقله ولكنني قلت ( فأُقسم لو أتيتُ البحرَ يوماً ... لأشربَ ما سقتْني من بِلاَلِ ) ( وأُقسم إنّ حُبَّكِ أُمَّ عمرٍو ... لَداءٌ عند منقطَع السُّعَال ) قالت أما هذا فنعم فأتينا عبد العزيز ثم عدنا فقال كثير عليك السلام يا عزة قالت عليك السلام يا جمل فقال كثير صوت ( حَيّتْكَ عَزّةُ بعد الهجر فانصرفتْ ... فحَيِّ ويحكَ مَنْ حيّاك يا جملُ ) ( لو كنتَ حيّيتَها ما زلتَ ذا مِقةٍ ... عندي وما مَسّك الإِدلاج والعملُ ) ( ليتَ التحيّةَ كانت لي فأشْكُرَها ... مكانَ يا جملٌ حُيِّيتَ يا رجلُ ) ذكر يونس أن في هذه الأبيات غناء لمعبد وذكر الهشامي أن فيها لبثينة خفيف رمل بالبنصر وذكر حبش أن فيها للغريض خفيف ثقيل أول بالوسطى ولإبراهيم ثاني ثقيل بالوسطى أخبرني عمي قال حدثني الحسن بن عليل العنزي قال حدثني علي بن محمد البرمكي قال حدثني إبراهيم بن المهدي قال قدم علي هشام بن محمد الكلبي فسألته عن العشاق يوما فحدثني قال تعشق كثير امرأة من خزاعة يقال لها أم الحويرث فنسب بها وكرهت أن يسمع بها ويفضحها كما سمع بعزة فقالت له إنك رجل فقير لا مال لك فابتغ مالا يعفي عليك ثم تعال فاخطبني كما يخطب الكرام قال فاحلفي لي ووثقي أنك لا تتزوجين حتى أقدم عليك فحلفت ووثقت له فمدح عبد الرحمن بن إبريق الأزدي فخرج إليه فلقيته ظباء سوانح ولقي غرابا يفحص التراب بوجهه فتطير من ذلك حتى قدم على حي من لهب فقال أيكم يزجر فقالوا كلنا فمن تريد قال أعلمكم بذاك قالوا ذاك الشيخ المنحني الصلب فأتاه فقص عليه القصة فكره ذلك له وقال له قد توفيت أو تزوجت رجلا من بني عمها فأنشأ يقول صوت ( تَيَممّتُ لِهْباً أبتغي العلمَ عندهم ... وقد رُدَّ علمُ العائفين إلى لهبِ ) ( تيمّمتُ شيخاً منهمُ ذا بَجالةٍ ... بصيراً بزجر الطيرِ منحنَي الصُّلْبِ ) ( فقلت له ماذا ترى في سَوَانحٍ ... وصوتِ غُرابٍ يفحَص الوجهَ بالتُّرْبِ ) ( فقال جرى الطيرُ السَّنيح بِبَيْنِها ... وقال غرابٌ جَدَّ مُنْهَمِرُ السَّكْبِ ) ( فإلاّ تكن ماتتْ فقد حال دونهَا ... سواكَ خليلٌ باطنٌ من بني كَعْبِ ) غناه مالك من رواية يونس ولم يجنسه قال فمدح الرجل الأزدي ثم أتاه فأصاب منه خيرا كثيرا ثم قدم عليها فوجدها قد تزوجت رجلا من بني كعب فأخذه الهلاس فكشح جنباه بالنار فلما اندمل من علته وضع يده على ظهره فإذا هو برقمتين فقال ما هذا قالوا إنه أخذك الهلاس وزعم الأطباء أنه لا علاج لك إلا الكشح بالنار فكشحت بالنار فأنشأ يقول صوت ( عفا الله عن أمِّ الحُوَيْرِثِ ذنبَها ... علامَ تُعَنِّيني وتَكْمِي دَوَائيا ) ( فلو آذنوني قبل أن يرقُموا بها ... لقلتُ لهم أُمّ الحُوَيْرث دائيا ) في هذين البيتين لمالك ثقيل أول بالوسطى ولابن سريج رمل بالبنصر كلاهما عن عمرو والهشامي وقيل إن فيهما لمعبد لحنا وقد أخبرني بهذا الخبر أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة ولم يتجاوزاه بالرواية فذكر نحو هذا وقال فيه إنه قصد ابن الأزرق بن حفص بن المغيرة المخزومي الذي كان باليمن وإنه فعل ذلك بعد موت عزة وسائر الخبر متقارب وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن إسماعيل الجعفري عن محمد بن سليمان بن فليح أو فليح بن سليمان أنا شككت عن أبيه عن جده قال جاء كثير إلى عبد الله بن جعفر وقد نحل وتغير فقال له عبد الله مالي أراك متغيرا يا أبا صخر قال هذا ما عملت بي أم الحويرث ثم ألقى قميصه فإذا به قد صار مثل القش وإذا به آثار من كي ثم أنشده ( عفا الله عن أُمّ الحويرات ذنبَها ... ) الأبيات عزة تمتحن كثيرا أخبرني عمي قال حدثني ابن أبي قال حدثني الحزامي عمن حدثه من أهل قديد أن عزة قالت لبثينة تصدي لكثير وأطمعيه في نفسك حتى أسمع ما يجيبك به فأقبلت إليه وعزة تمشي وراءها مختفية فعرضت عليه الوصل فقاربها ثم قال ( رَمتْني على عَمْدٍ بُثَيْنَةُ بعد ما ... تولَّى شَبَابي وارْجَجنّ شبابُها ) وذكر أبياتا أخرى سقط من الكتاب ذكرها فكشفت عزة عن وجهها فبادرها الكلام ثم قال ( ولكنَّما تَرْمِينَ نفساً مريضةً ... لِعَزّةَ منها صَفْوُها ولُبَابُها ) فضحكت ثم قالت أولى لك بها قد نجوت وانصرفتا تتضاحكان أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري قال بكى بعض أهل كثير عليه حين نزل به الموت فقال له كثير لا تبك فكأنك بي بعد أربعين ليلة تسمع خشفة نعلي من تلك الشعبة راجعا إليكم أخبرني الفضل بن الحباب أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال حدثني ابن جعدبة وأبو اليقظان عن جويرية بن أسماء قال مات كثير وعكرمة مولى ابن عباس في يوم واحد فاجتمعت قريش في جنازة كثير ولم يوجد لعكرمة من يحمله أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمر بن مصعب قال حدثني الواقدي قال حدثني خالد بن القاسم البياضي قال مات عكرمة مولى ابن عباس وكثير بن عبد الرحمن الخزاعي صاحب عزة في يوم واحد في سنة خمس ومائة فرأيتهما جميعا صلي عليهما في يوم واحد بعد الظهر في موضع الجنائز فقال الناس مات اليوم أفقه الناس وأشعر الناس وقال ابن أبي سعد الوراق حدثني رجاء بن سهل أبو نصر الصاغاني قال حدثنا يحيى بن غيلان قال حدثني المفضل بن فضالة عن يزيد بن عروة قال مات عكرمة وكثير عزة في يوم واحد فأخرجت جنازتاهما فما علمت تخلفت امرأة بالمدينة ولا رجل عن جنازتيهما قال وقيل مات أشعر الناس وأعلم الناس قال وغلب النساء على جنازة كثير يبكينه ويذكرن عزة في ندبتهن له قال فقال أبو جعفر محمد بن علي افرجوا لي عن جنازة كثير لأرفعها قال فجعلنا ندفع عنها النساء وجعل يضربهن محمد بن علي بكمه ويقول تنحين يا صواحبات يوسف فانتدبت له امرأة منهن فقالت يابن رسول الله لقد صدقت إنا لصواحبات يوسف وقد كنا له خيرا منكم له قال فقال أبو جعفر لبعض مواليه احتفظ بها حتى تجيئني بها إذا انصرفنا قال فلما انصرف أتي بتلك المرأة كأنها شرارة النار فقال لها محمد بن علي أنت القائلة إنكن ليوسف خير منا قالت نعم تؤمنني غضبك يابن رسول الله قال أنت آمنة من غضبي فأبيني قالت نحن يا بن رسول الله دعوناه إلى اللذات من المطعم والمشرب والتمتع والتنعم وأنتم معاشر الرجال ألقيتموه في الجب وبعتموه بأبخس الأثمان وحبستموه في السجن فأينا كان عليه أحنى وبه أرأف فقال محمد لله درك ولن تغالب امرأة إلا غلبت ثم قال لها ألك بعل قالت لي من الرجال من أنا بعله قال فقال أبو جعفر صدقت مثلك من تملك بعلها ولا يملكها قال فلما انصرفت قال رجل من القوم هذه زينب بنت معيقب نسبة ما في هذه الأخبار من الغناء صوت ( نظرتُ إليها نَظْرةً وهي عاتقٌ ... على حينِ أنْ شَبَّتْ وبانَ نُهودُها ) ( نظرتُ إليها نظرة ما يسُرُّني ... بها حُمْرُ أنعامِ البلادِ وسُودُها ) ( وكنتُ إذا ما جئتُ سُعْدَى بأرضِها ... أرى الأرضَ تُطْوَى لي ويدنو بعيدُها ) ( من الخَفِراتِ البِيض وَدّ جَليسُها ... إذا ما انقضتْ أُحدوثةٌ لو تُعيدها ) عروضه من الطويل البيت الأول لكثير والثاني والثالث لنصيب من قصيدته التي أولها ( لقد هجرت سعْدَى وطال صدودُها ... ) غنى في البيت الثاني والثالث جحدر الراعي خفيف رمل بالبنصر وغنى فيهما الهذلي رملا بالوسطى وغنى في الثالث والرابع دعامة ثقيلا أول بالبنصر أخبرنا الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال قال عمر الوادي وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني مكين العذري قال سمعت عمر الوادي يقول بينا أنا أسير بين الروحاء والعرج إذ سمعت إنسانا يغني غناء لم أسمع قط مثله في بيتي كثير ( وكنت إذا ما جئتُ سُعْدَى بأرضها ... أرى الأرض تُطْوَى لي ويدنو بعيدُها ) ( من الخَفِرات البِيضِ وَدّ جليسُها ... إذا ما انقضتْ أحدوثةٌ لو تُعيدها ) قال فكدت أسقط عن راحلتي طربا وقلت والله لألتمسن الوصول إلى هذا الصوت ولو بذهاب عضو من أعضائي فتيممت سمته فإذا راع في غنم فسألته إعادته علي قال نعم ولو حضرني قرى أقريكه ما أعدته ولكني أجعله قراك فربما ترنمت به وأنا غرثان فأشبع وعطشان فأروى ومستوحش فآنس وكسلان فأنشط قال فأعادهما علي حتى أخذتهما فما كان زادي حتى ولجت المدينة غيرهما أخبار عبيد الله بن عبد الله بن طاهر هو عبيد الله بن عبد الله بن طاهر بن الحسين ويكنى أبا أحمد وله محل من الأدب والتصرف في فنونه ورواية الشعر وقوله والعلم باللغة وأيام الناس وعلوم الأوائل من الفلاسفة في الموسيقى والهندسة وغير ذلك مما يجل عن الوصف ويكثر ذكره وله صنعة في الغناء حسنة متقنة عجيبة تدل على ما ذكرناه هاهنا من توصله إلى ما عجز عنه الأوائل من جمع النغم كلها في صوت واحد تتبعه هو وأتى به على فضله فيها وطلبه لها وكان المعتضد بالله رحمة الله عليه ربما كان أراد أن يصنع في بعض الأشعار غناء وبحضرته أكابر المغنين مثل القاسم بن زرزور وأحمد بن المكي ومن دونهما مثل أحمد بن أبي العلاء وطبقتهم فيعدل عنهم إليه فيصنع فيها أحسن صنعة ويترفع عن إظهار نفسه بذلك ويومئ إلى أنه من صنعة جاريته شاجي وكانت إحدى المحسنات المبرزات المقدمات وذلك بتخريجه وتأديبه وكان بها معجبا ولها مقدما المعتضد يتفقده بالصلات فأخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال لما اختلت حال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر كان المعتضد يتفقده بالصلات الفينة بعد الفينة واتفق يوما كان فيه مصطبحا أن غني بصوت الصنعة فيه لشاجي جارية عبيد الله فكتب إليه كتابا يقسم أن يأمرها بزيارته ففعل قال فحدثني من حضر من المغنيات ذلك المجلس بعد موت المعتضد قالت دخلت إلينا وما منا إلا من يرفل في الحلي والحلل وهي في أثواب ليست كثيابنا فاحتقرناها فلما غنت احتقرنا أنفسنا ولم تزل تلك حالنا حتى صارت في أعيننا كالجبل وصرنا كلا شيء قال ولما انصرفت أمر لها المعتضد بمال وكسوة ودخلت إلى مولاها فجعل يسألها عن أمرها وما رأت مما استظرفت وسمعت مما استغربت فقالت ما استحسنت هناك شيئا ولا استغربته من غناء ولا غيره إلا عودا من عود محفور فإني استظرفته قال جحظة فما قولك فيمن يدخل دار الخلافة فلا يمد عينه لشيء يستحسنه فيها إلا عودا قال محمد بن الحسن الكاتب وحدثني النوشجاني قال كان المعتضد إذا استحسن شعرا بعث به إلى شاجي جارية عبيد الله بن طاهر فتغني فيه قال وكانت صنعتها تسمى في عصره غناء الدار قال محمد بن الحسن وماتت شاجي في حياة عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وكان عليلا فقال يرثيها وله فيه صنعة من خفيف الثقيل الأول بالوسطى ( يَميناً يقيناً لو بُلِيتُ بفقدها ... وبي نَبْضُ عِرْقٍ للحياة أو النُّكْسِ ) ( لأَوْشكتُ قتلَ النفسِ قبل فِراقها ... ولكنها ماتت وقد ذهبتْ نفسي ) ومن نادر صنعة عبيد الله وجيد شعره قوله وله فيه لحنان ثقيل أول وهزج والثقيل الأول أجودهما ( أَنفِقْ إذا أيسرتَ غيرَ مقتِّر ... وأَنفِقْ على ما خَليت حين تُعْسِرُ ) ( فلا الجُودُ يُفني المالَ والمالُ مقبلٌ ... ولا البخلُ يُبقي المالَ والجَدّ مُدْبِرُ ) وأشعاره كثيرة جيدة كثيرة النادر والمختار وكتابه في النغم وعلل الأغاني المسمى كتاب الآداب الرفيعة كتاب مشهور جليل الفائدة دال على فضل مؤلفه أخبرني جحظة قال حدثني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني موسى بن هارون فيما أرى قال كنت عند عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وقد جاءه الزبير بن بكار فأعلمه أن المتوكل أو المعتز وأراه المعتز بعث إلى أخيه محمد بن عبد الله بن طاهر يأمر بإحضاره وتقليده القضاء فقال له الزبير بن بكار قد بلغت هذه السن وأتولى القضاء أو بعد ما رويت أن من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين فقال له فتلحق بأمير المؤمنين بسر من رأى فقال له أفعل فأمر له بمال ينفقه وبظهر يحمله ويحمل ثقله ثم قال له إن رأيت يا أبا عبد الله أن تفيدنا شيئا قبل أن نفترق قال نعم انصرفت من عمرة المحرم فبينا أنا بأثاية العرج إذا أنا بجماعة مجتمعة فأقبلت إليهم وإذا رجل كان يقنص الظباء وقد وقع ظبي في حبالته فذبحه فانتفض في يده فضرب بقرنه صدره فنشب القرن فيه فمات وأقبلت فتاة كأنها المهاة فلما رأت زوجها ميتا شهقت ثم قالت ( يا حُسْنُ لو بَطَلٌ لكنّه أجل ... على الأُثاية ما أَوْدَى به البطلُ ) ( يا حُسن جمَّع أحشائي وأَقلقها ... وذاك يا حسن لولا غيرُه جَلَلُ ) ( أضحتْ فتاةُ بني نَهْدٍ عَلاَنِيَةً ... وبعلُها بين أيدي القوم محتمَلُ ) قال ثم شهقت فماتت فما رأيت أعجب من الثلاثة الظبي مذبوح والرجل جريح ميت والفتاة ميتة حرى فأمر له عبيد الله بمال آخر ثم أقبل إلى أخيه محمد بن عبد الله بعد خروج الزبير فقال أما إن الذي أخذناه من الفائدة في خبر حسن وفي قولها ( أضحت فتاةُ بني نَهْد علانيةً ... ) تريد ظاهرة أكثر عندي مما أعطيناه من الحباء والصلة وقد أخبرني الحسين بن علي عن الدمشقي عن الزبير بخبر حسن فقط ولم يذكر فيه من خبر عبيد الله شيئا ومن الأصوات التي تجمع النغم العشر صوت وهو يجمع النغم العشر كلها على غير توال ( وإنّكِ إذ أطمعِتني منكِ بالرِّضا ... وأيأستِني من بعد ذلك بالغضبْ ) ( كَمُمْكِنَةٍ من ضَرْعِها كفَّ حالبٍ ... ودافقةٍ من بعد ذلك ما حَلَبْ ) عروضه من الطويل الشعر لإبراهيم بن علي بن هرمة والغناء في هذا اللحن الجامع للنغم لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر - خفيف ثقيل - أول بالوسطى في مجراها وعليها ابتدأ الصوت وقال عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات حدثني بعض أصحابنا عن أبي نواس أنه قال شاعران قالا بيتين وضعا التشبيه فيهما في غير موضعه فلو أخذ البيت الثاني من شعر أحدهما فجعل مع بيت الآخر وأخذ بيت ذاك فجعل مع هذا لصار متفقا معنى وتشبيها فقلت له أنى ذلك فقال قول جرير للفرزدق ( فإنكَ إذ تهجو تَميماً وترتشي ... تَبَابِينَ قيس أو سُحوق العمائم ) ( كمُهْرِيقِ ماءٍ بالفَلاةِ وغَرَّه ... سرابٌ أذاعتْه رياح السَّمائِم ) وقول ابن هرمة ( وإنَي وتَرْكِي نَدَى الأكرمينَ ... وقَدْحِي بكَفَّيَّ زَنْدا شَحَاحا ) ( كتاركةٍ بيضَها بالعَراء ... ومُلْبِسةٍ بيضَ أخرى جَناحا ) فلو قال جرير ( فإنك إذ تَهْجو تَميماً وتَرْتشِي ... تَبَابِينَ قَيْسٍ أو سُحُوق العمائمِ ) ( كتاركةٍ بيضَها بالعَراء ... ومُلْبِسةٍ بَيْضَ أُخرى جَناحا ) لكان أشبه منه ببيته ولو قال ابن هرمة مع بيته ( وإني وتركي ندى الأكرمين ... وقدحي بكَفَّيَّ زَنْدا شَحاحا ) ( كمُهْريق ماءٍ بالفلاة وغَرَّه ... سرابٌ أذاعته رياح السمائم ) كان أشبه به ثم قال ولكن ابن هرمة قد تلافى ذلك بعد فقال ( وإنكِ إذا أطمعتنِي منكِ بالرضا ... وأيأستِني من بعد ذلك بالغضبْ ) ( كممكنةٍ من ضرعها كفَّ حالب ... ودافقةٍ من بعد ذلك ما حلبْ ) وقد أتى عبيد الله بهذا الكلام بعينه في الآداب الرفيعة وإنما أخذه من أبي نواس على ما روي عنه ووجدت في كتاب مؤلف في النغم غير مسمى الصانع أن من الأصوات التي تجمع النغم صوت ابن أبي مطر المكي في شعر نصيب وهو صوت ( ألاَ أيُّها الرَّبْعُ المُقِيمُ بعُنْبُبِ ... سَقَتْكَ السَّوَاقِي من مُرَاحٍ ومَعْزَبِ ) ( بذي هَيْدَبٍ أمّا الرُّبَى تحت وَدْقِه ... فَتَرْوَى وأمّا كلُّ وادٍ فَيزْعَبُ ) عروضه من الطويل ويروى الربع الخلاء بعنبب أي الخالي وعنبب موضع ويروى سقتك الغوادي من مراد والمراد الموضع الذي يرتاد فيرعى فيه الكلأ والمراح الموضع الذي تروح إليه المواشي وتبيت فيه وفي الحديث أنه رخص في الصلاة في مراح الغنم ونهى عنها في أعطان الإبل والمعزب الموضع الذي يعزب فيه الرجل عن البيوت والمنازل وأصل العزوب البعد يقال عزب عنه رأيه وحلمه أي بعد والعزب مأخوذ من ذلك وهيدب السماء أطراف تراه في أذنابه كأنه معلق به قال أوس بن حجر ( دانٍ مُسِفٌّ فُوَيْقَ الأرضِ هَيْدَبُه ... يكاد يدفَعه مَنْ قام بالراحِ ) ويزعب يطفح يقال زعبه السيل إذا ملأه الشعر لنصيب يقوله في عبد العزيز بن مروان أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني جميع بن علي النميري عن عبد الله بن عبد العزيز بن محجن بن النصيب قال الزبير وكتب إلي بذلك عبد الله بن عبد العزيز يذكره عن عوضة بنت النصيب قالت وفد أبي على عبد العزيز بن مروان بمصر فوقف على الباب فاستأذن فلم يؤذن له فأرسل إليه حاجبه فقال استنشده فإن كان شعره رديئا فاردده وإن كان جيدا فأدخله فقال نصيب قد جلبنا شيئا للأمير فإن قبله نشرناه عليه وإلا طويناه ورجعنا به فقال عبد العزيز إن هذا لكلام رجل ذهن فأدخله فلما واجهه أنشده قصيدته التي يقول فيها ( أَلاَ هل أتى الصقرَ بنَ مَرْوان أنَّني ... أُرَدُّ لدى الأبوابِ عنه وأُحْجَبُ ) ( وأنِّي ثَوَيتُ اليومَ والأمسِ قبلَه ... على الباب حتى كادت الشمسُ تغرُب ) ( وأنِّي إذا رمتُ الدخولَ تَرُدُّني ... مهابةُ قَيْسٍ والرِّتَاجُ المُضَبَّبُ ) قال وكان حاجب عبد العزيز يسمى قيسا قال وتشبيب هذه القصيدة ( ألاَ أيها الرَّبْعُ المقيمُ بعُنْبُب ... سقتْك السّواقي من مُرَاحٍ ومَعْزَبِ ) قال فلما دخل على عبد العزيز أعجب بشعره وأوجهه وقال للفرزدق كيف تسمع هذا الشعر قال حسن إلا من لغته قال هذا والله أشعر منك قال وقال نصيب فيها أيضا ( وأهلي بأرضٍ نازحون وما لهَمْ ... بها كاسبٌ غيري ولا مُتَقَلِّبُ ) ( فهل تُلْحِقَنِّيهِمْ بعَبْلٍ مُوَاشِكٍ ... على الأين من نُجْب ابن مَرْوانَ أصْهَبِ ) ( أبو بَكَراتٍ إن أردتُ افتحالَه ... وذو ثَبتَاتٍ بالرِدَّيفَيْن مُتْعَبُ ) فقال له عبد العزيز ادخل على المهاري فخذ منها ما شئت فلو كنت سألت غيره لأعطيته فدخل فرده الجمال فقال عبد العزيز دعه فإنما يأخذ الذي نعت فأخذه قال الزبير وحدثني بعض أصحابنا عن محمد بن عبد العزيز قال نزل عبد العزيز بن عبد الوهاب على المهدي بعنبب من وادي السراة الذي عنى نصيب بقوله ( ألاَ أيها الرَّبْعُ الخَلاءُ بعُنْبُبِ ... ) والمهدي هو الذي يقول فيه الشاعر ( اِسلمي يا دارُ من هِنْدِ ... بالسُّوَيْقاتِ إلى المَهْدِي ) صوت وهو يجمع من النغم ثمانيا ( يا مَنْ لِقَلْبٍ مُقْصِرٍ ... ترك المُنَى لِفَواتها ) ( وتظلَّف النفس التي ... قد كان من حاجاتها ) ( وطِلاَبُكَ الحاجاتِ مِنْ ... سَلْمَى ومِنْ جاراتها ) ( كَتَطَرُّد العَنْسِ الذَّمُولِ ... الفَضْلَ من مَثْنَاتِها ) قوله يا من لقلب مقصر تأسف على شبابه ويدل على ذلك قوله ( وتظلّف النفس التي ... قد كان من حاجاتها ) يقال أظلف نفسك عن كذا أي امنعها منه لئلا يكون لها أثر فيه وهو مأخوذ من ظلف الأرض وهو المكان الذي لا أثر فيه قال عوف بن الأحوص ( ألم أَظْلِفْ عن الشعراء عِرْضِي ... كما ظُلِفَ الوَسِيقةُ بالكُرَاعِ ) الوسيقة الجماعة من الإبل يعني أنها تساق فلا يوجد لها أثر في الكراع وهو منقطع الجبل قال الشاعر ( أمستْ كُرَاعُ الغَمِيمِ مُوحِشةً ... بعد الذي قد خلا من العَجَبِ ) وقوله ( كَتَطرُّدِ العَنْسِ الذَّمُولِ ... الفضلَ من مَثْنَاتها ) يقول طلابك هذه الحاجات ضلال وتتابع كتطرد العنس وهي الناقة المذكرة الخلق الفضل من مثناتها والتطرد التتبع ومثله قول الشاعر ( خَبَطتُ الصِّبَا خَبْطَ البعيرِ خِطَامَهُ ... فلم أَنْتَبِهْ للشَّيْبِ حتى عَلاَنِيَا ) الشعر لمسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس والغناء لابن محرز ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وهذا الصوت يجمع من النغم ثمانيا وكذلك ذكر إسحاق ووصف أنه لم يجمع شيء من الغناء قديمه وحديثه إلى عصره من النغم ما جمعه هذا الصوت ووصف أنه لو تلطف متلطف لأن يجمع النغم الشعر في صوت واحد لأمكنه ذلك بعد أن يكون فهما بالصناعة طويل المعاناة لها وبعد أن يتعب نفسه في ذلك حتى يصح له فلم يقدر على ذلك سوى عبيد الله بن عبد الله إلى وقتنا هذا ذكر مسافر ونسبه مسافر بن أبي عمرو بن أمية ويكنى أبا أمية وقد تقدم نسبه وأنساب أهله وأمه آمنة بنت أبان بن كليب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وهي أم أبي معيط أبان بن عمرو بن أمية وأبو معيط ومسافر أخوان لأب وأم وهما أخوا عمومتهما أبي العاصي وأخويه من بني أمية الذين أمهم آمنة لأن أبا عمرو تزوجها بعد أبيه وكان سيدا جوادا وهو أحد أزواد الركب وإنما سموا بذلك لأنهم كانوا لا يدعون غريبا ولا مار طريق ولا محتاجا يجتاز بهم إلا أنزلوه وتكفلوا به حتى يظعن وهو أحد شعراء قريش وكان يناقض عمارة بن الوليد الذي أمر النجاشي السواحر فسحرته فمن ذلك قول عمارة ( خُلِق البِيضُ الحِسَانُ لنا ... وجِيَادُ الرَّيْطِ والأُزُرُ ) ( كابِراً كنّا أحقَّ به ... حين صِيغَ الشمسُ والقمرُ ) وقال مسافر يرد عليه ================================================ ج17. كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ( هل أخو كأسٍ مُحَقِّقُها ... ومُوَقٍّ صحبَه سُكُرَةْ ) ( ومُحَيِّيهمْ إذا شَرِبوا ... ومُقِلٌّ فِيهمُ هَذَرَهْ ) ( خُلِق البِيضُ الحِسانُ لنا ... وجِيادُ الرَّيْطِ والحِبَرَهْ ) ( كَابِراً كنّا أحقَّ به ... كلُّ حَيٍّ تابعٌ أَثَرَهْ ) مسافر وهند بنت عتبة وله شعر ليس بالكثير والأبيات التي فيها الغناء يقولها في هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان يهواها فخطبها إلى أبيها بعد فراقها الفاكه بن المغيرة فلم ترض ثروته وماله فوفد على النعمان يستعينه على أمره ثم عاد فكان أول من لقيه أبو سفيان فأعلمه بتزويجه من هند فأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني ابن أبي سلمة عن هشام قال ابن عمار وقد حدثناه ابن أبي سعد عن علي بن الصباح عن هشام قال ابن عمار وحدثنيه علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن أبيه دخل حديث بعضهم في بعض أن مسافر بن أبي عمرو بن أمية كان من فتيان قريش جمالا وشعرا وسخاء قالوا فعشق هندا بنت عتبة بن ربيعة وعشقته فاتهم بها وحملت منه قال بعض الرواة فقال معروف بن خربوذ فلما بان حملها أو كاد قالت له اخرج فخرج حتى أتى الحيرة فأتى عمرو بن هند فكان ينادمه وأقبل أبو سفيان بن حرب إلى الحيرة في بعض ما كان يأتيها فلقي مسافرا فسأله عن حال قريش والناس فأخبره وقال له فيما يقول وتزوجت هندا بنت عتبة فدخله من ذلك ما اعتل معه حتى استسقى بطنه قال ابن خربوذ فقال مسافر في ذلك ( ألاَ إنّ هنداً أصبحتْ منك مَحْرَما ... وأصبحتَ من أدنى حُمُوَّتِها حَمَا ) ( وأصبحتَ كالمقمورِ جَفْنَ سلاحه ... يقلِّب بالكَفَّيْنِ قوساً وأَسْهُمَا ) فدعا له عمرو بن هند الأطباء فقالوا لا دواء له إلا الكي فقال له ما ترى قال افعل فدعا له الذي يعالجه فأحمى مكاويه فلما صارت كالنار قال ادع أقواما يمسكونه فقال لهم مسافر لست أحتاج إلى ذلك فجعل يضع المكاوي عليه فلما رأى صبره ضرط الطبيب فقال مسافر ( قد يَضْرِطُ العَيْرُ والمِكواةُ في النارِ ... ) فجرت مثلا فلم يزده إلا ثقلا فخرج يريد مكة فلما انتهى إلى موضع يقال له هبالة مات فدفن بها ونعي إلى قريش فقال أبو طالب بن عبد المطلب يرثيه ( ليتَ شِعْرِي مُسَافِرَ بنَ أبي عمروٍ ... ولَيْتٌ يقولها المحزونُ ) ( رجَع الركبُ سالمين جميعاً ... وخليلي في مَرْمَسٍ مدفونُ ) ( بُورِكَ الميِّتُ الغريبُ كما بورك ... نَضْر الرَّيْحان والزيتونُ ) ( بيتُ صدْقٍ على هُبَالةَ قد حالت ... فيافٍ من دونِه وحُزونُ ) ( مِدْرَهٌ يدفع الخصومَ بأيْدٍ ... وبوجهٍ يَزِينُه العِرْنِينُ ) صوت ( كَمْ خليلٍ رُزئتُه وابنِ عَمٍّ ... وحَميمٍ قضتْ عليه المَنُونُ ) ( فتعزَّيتُ بالتَّأَسِّي وبالصبرِ ... وإِنِّي بصاحبي لضنينُ ) غنى في هذين البيتين يحيى المكي ثاني ثقيل بالوسطى من رواية ابنه والهشامي وأنشدنا الحرمي قال أنشدنا الزبير لأبي طالب بن عبد المطلب في مسافر بن أبي عمرو ( ألاَ إنّ خيرَ الناسِ غيرَ مُدَافَعٍ ... بسَرْوِ سُحيْمٍ غيَّبتْه المقابرُ ) ( تُبَكِّي أباها أُمُّ وَهْبٍ وقد نأى ... وريسانُ أمسى دونه ويُحَابِرُ ) ( على خير حافٍ من مَعَدٍّ وناعلٍ ... إذا الخيرُ يُرْجَى أو إذا الشرُّ حاضرُ ) ( تَنادَوْا ولا أبو أُمَيّة فيهمُ ... لقد بُلِغتْ كَظَّ النفوسِ الحناجرُ ) قال وقال النوفلي إن البيتين ( ألاَ إنّ هنداً أصبحتْ منك مَحْرَما ... ) والذي بعده لهشام بن المغيرة وكانت عنده أسماء بنت مخرمة النهشلية فولدت له أبا جهل وأخاه الحارث ثم غضب عليها فجعلها مثل ظهر أمه وكان أول ظهار كان فجعلته قريش طلاقا فأرادت أسماء الانصراف إلى أهلها فقال لها هشام وأين الموعد قالت الموسم فقال لها ابناها أقيمي معنا فأقامت معهما فقال المغيرة بن عبد الله وهو أبو زوجها أما والله لأزوجنك غلاما ليس بدون هشام فزوجها أبا ربيعة ولده الآخر فولدت له عياشا وعبد الله فذلك قول هشام ( تُحَدِّثنا أسماءُ أن سوف نَلْتقِي ... أحاديث طَسْمٍ إنما أنت حالمُ ) وقوله ( ألاَ أصبحتْ أسماءُ حَجراً مُحَرَّما ... وأصبحتَ من أدنى حُمُوَّتها حَمَا ) قال النوفلي في خبره وحدثني أبي أنه إنما كان مسافر خرج إلى النعمان بن المنذر يتعرض لإصابة مال ينكح به هندا فأكرمه النعمان واستظرفه ونادمه وضرب عليه قبة من أدم حمراء وكان الملك إذا فعل ذلك برجل عرف قدره منه ومكانه عنده وقدم أبو سفيان بن حرب في بعض تجاراته فسأله مسافر عن حال الناس بمكة فذكر له أنه تزوج هندا فاضطرب مسافر حتى مات وقال بعض الناس إنه استسقى بطنه فكوي فمات بهذا السبب قال النوفلي فهو أحد من قتله العشق هند والفاكه بن المغيرة فأما خبر هند وطلاق الفاكه بن المغيرة إياها فأخبرني به أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني ابن أبي سعد قال حدثني أبو السكين زكريا بن يحيى ابن عمرو بن حصن بن حميد بن حارثة الطائي قال حدثني عمي زحر بن حصن عن جده حميد بن حارثة قال كانت هند بنت عتبة عند الفاكه بن المغيرة وكان الفاكه من فتيان قريش وكان له بيت للضيافة بارز من البيوت يغشاه الناس من غير إذن فخلا البيت ذات يوم فاضطجع هو وهند فيه ثم نهض لبعض حاجته وأقبل رجل ممن كان يغشى البيت فولجه فلما رآها رجع هاربا وأبصره الفاكه فأقبل إليها فضربها برجله وقال من هذا الذي خرج من عندك قالت ما رأيت أحدا ولا انتبهت حتى أنبهتني فقال لها ارجعي إلى أمك وتكلم الناس فيها وقال لها أبوها يا بنية إن الناس قد أكثروا فيك فأنبئيني نبأك فإن يكن الرجل عليك صادقا دسست عليه من يقتله فتنقطع عنك المقالة وإن يك كاذبا حاكمته إلى بعض كهان اليمن فقالت لا والله ما هو علي بصادق فقال له يا فاكه إنك قد رميت بنتي بأمر عظيم فحاكمني إلى بعض كهان اليمن فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم وخرج عتبة في جماعة من عبد مناف ومعهم هند ونسوة فلما شارفوا البلاد وقالوا غدا نرد على الرجل تنكرت حال هند فقال لها عتبة إني أرى ما حل بك من تنكر الحال وما ذاك إلا لمكروه عندك قالت لا والله يا أبتاه ما ذاك لمكروه ولكني أعرف أنكم تأتون بشرا يخطئ ويصيب ولا آمنه أن يسمني ميسما يكون علي سبة فقال لها إني سوف أختبره لك فصفر بفرسه حتى أدلى ثم أدخل في إحليله حبة بر وأوكأ عليها بسير فلما أصبحوا قدموا على الرجل فأكرمهم ونحر لهم فلما قعدوا قال له عتبة جئناك في أمر وقد خبأت لك خبئا أختبرك به فانظر ما هو قال ثمرة في كمرة قال إني أريد أبين من هذا قال حبة بر في إحليل مهر قال صدقت انظر في أمر هؤلاء النسوة فجعل يدنو من إحداهن فيضرب بيده على كتفها ويقول انهضي حتى دنا من هند فقال لها انهضي غير رسحاء ولا زانية ولتلدن ملكا يقال له معاوية فنهض إلينا الفاكه فأخذ بيدها فنثرت يدها من يده وقالت إليك عني فوالله لأحرص أن يكون ذلك من غيرك فتزوجها أبو سفيان وقد قيل إن بيتي مسافر بن أبي عمرو أعني ( ألاَ إنّ هنداً أصبحت منك محرما ... ) لابن عجلان أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني عبد الله بن علي بن الحسن عن أبي نصر عن الأصمعي عن عبد الله بن أبي سلمة عن أيوب عن ابن سيرين قال خرج عبد الله بن العجلان في الجاهلية فقال ( ألا إنّ هنداً أصبحت منك مَحْرَما ... وأصبحتَ من أدنى حُمُوَّتِها حَمَا ) ( فأصبحتَ كالمقمورِ جَفْنَ سلاحِه ... يُقَلِّب بالكَفَّين قوساً وأَسْهُما ) ثم مد بهما صوته فمات قال ابن سيرين فما سمعت أن أحدا مات عشقا غير هذا ومما يغنى فيه من شعر مسافر بن أبي عمرو وهو من جيد شعره قوله يفتخر صوت ( ألم نَسقِ الحَجِيجَ ونَنْحَرِ ... المِذْلاقةَ الرُّفُدا ) ( وزمزمُ من أُرومتنا ... ونفقَأ عينَ مَنْ حَسَدا ) ( وإنّ مناقبَ الخيرات ... لم نُسْبَق بها عَدَدَا ) ( فإنْ نَهْلِكْ فلم نملك ... وهل من خالدٍ خَلَدا ) غناه ابن سريج رملا بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لسائب خاثر لحن من خفيف الثقيل الأول بالوسطى من رواية حماد وفيه للزف ثقيل بالوسطى فأما خبر عمارة بن الوليد والسبب الذي من أجله أمر النجاشي السواحر فسحرته فإن الواقدي ذكره عن عبد الله بن جعفر بن أبي عون قال كان عمارة بن الوليد المخزومي بعد ما مشت قريش بعمارة إلى أبي طالب خرج هو وعمرو بن العاص بن وائل السهمي وكانا كلاهما تاجرين إلى النجاشي وكانت أرض الحبشة لقريش متجرا ووجها وكلاهما مشرك شاعر فاتك وهما في جاهليتهما وكان عمارة معجبا بالنساء صاحب محادثة فركبا في السفينة ليالي فأصابا من خمر معهما فلما انتشى عمارة قال لامرأة عمرو بن العاص قبليني فقال لها عمرو قبلي ابن عمك فقبلته وحذر عمرو على زوجته فرصدها ورصدته فجعل إذا شرب معه أقل عمرو من الشراب وأرق لنفسه بالماء مخافة أن يسكر فيغلبه عمارة على أهله وجعل عمارة يراودها على نفسها فامتنعت منه ثم إن عمرا جلس إلى ناحية السفينة يبول فدفعه عمارة في البحر فلما وقع فيه سبح حتى أخذ بالقلس فارتفع فظهر على السفينة فقال له عمارة أما والله لو علمت يا عمرو أنك تحسن السباحة ما فعلت فاضطغنها عمرو وعلم أنه أراد قتله فمضيا على وجههما ذلك حتى قدما أرض الحبشة ونزلاها وكتب عمرو بن العاص إلى أبيه العاص أن اخلعني وتبرأ من جريرتي إلى بني المغيرة وجميع بني مخزوم وذلك أنه خشي على أبيه أن يتبع بجريرته وهو يرصد لعمارة ما يرصد فلما ورد الكتاب على العاص بن وائل مشى في رجال من قومه منهم نبيه ومنبه ابنا الحجاج إلى بني المغيرة وغيرهم من بني مخزوم فقال إن هذين الرجلين قد خرجا حيث علمتم وكلاهما فاتك صاحب شر وهما غير مأمونين على أنفسهما ولا ندري ما يكون وإني أبرأ إليكما من عمرو ومن جريرته وقد خلعته فقالت بنو المغيرة وبنو مخزوم أنت تخاف عمرا على عمارة وقد خلعنا نحن عمارة وتبرأنا إليك من جريرته فخل بين الرجلين فقال السهميون قد قبلنا فابعثوا مناديا بمكة أنا قد خلعناهما وتبرأ كل قوم من صاحبهم ومما جر عليهم فبعثوا مناديا ينادي بمكة بذلك فقال الأسود بن المطلب بطل والله دم عمارة بن الوليد آخر الدهر فلما اطمأنا بأرض الحبشة لم يلبث عمارة أن دب لامرأة النجاشي فأدخلته فاختلف إليها فجعل إذا رجع من مدخله يخبر عمرو بن العاص بما كان من أمره فجعل عمرو يقول ما أصدقك أنك قدرت على هذا الشأن إن المرأة أرفع من ذلك فلما أكثر على عمرو مما كان يخبره وقد كان صدقه ولكن أحب التثبت وكان عمارة يغيب عنه حتى يأتيه في السحر وكان في منزل واحد معه وجعل عمارة يدعوه إلى أن يشرب معه فيأبى عمرو ويقول إن هذا يشغلك عن مدخلك وكان عمرو يريد أن يأتيه بشيء لا يستطيع دفعه إن هو رفعه إلى النجاشي فال له في بعض ما يذكر له من أمرها إن كنت صادقا فقل لها تدهنك من دهن النجاشي الذي لا يدهن به غيره فإني أعرفه لو أتيتني به لصدقتك ففعل عمارة فجاء بقارورة من دهنه فلما شمه عرفه فقال له عمرو عند ذلك أنت صادق لقد أصبت شيئا ما أصاب أحد مثله قط من العرب ونلت من امرأة الملك شيئا ما سمعنا بمثل هذا وكانوا أهل جاهلية ثم سكت عنه حتى إذا اطمأن دخل على النجاشي فقال أيها الملك إن ابن عمي سفيه وقد خشيت أن يعرني عندك أمره وقد أردت أن أعلمك شأنه ولم أفعل حتى استثبت أنه قد دخل على بعض نسائك فأكثر وهذا من دهنك قد أعطيه دهني منه فلما شم النجاشي الدهن قال صدقت هذا دهني الذي لا يكون إلا عند نسائي ثم دعا بعمارة ودعا بالسواحر فجردوه من ثيابه فنفخن في إحليله ثم خلى سبيله فخرج هاربا فلم يزل بأرض الحبشة حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب فخرج إليه عبد الله بن أبي ربيعة وكان اسمه قبل أن يسلم بحيرا فسماه رسول الله فرصده على ماء بأرض الحبشة وكان يرده مع الوحش فورد فلما وجد ريح الإنس هرب حتى إذا أجهده العطش ورد فشرب حتى تملأ وخرجوا في طلبه فقال عبد الله بن أبي ربيعة فسعيت إليه فالتزمته فجعل يقول لي يا بحير أرسلني يا بحير أرسلني إني أموت إن أمسكتموني قال عبد الله وضغطته فمات في يدي مكانه فواراه ثم انصرف وكان شعره قد غطى على كل شيء منه قال الواقدي عن ابن أبي الزناد وقال عمرو لعمارة يا فائد إن كنت تحب أن أصدقك بهذا أو أقبله منك فأتني بثوبين أصفرين فلما رأى النجاشي الثوبين قال له عمرو أتعرف الثوبين قال نعم وقال الواقدي عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال النجاشي لعمارة إني أكره أن أقتل قرشيا ولو قتلت قرشيا لقتلتك فدعا بالسواحر شعر عمرو بن العاص في عمارة فقال عمرو بن العاص يذكر عمارة وما صنع به قال الواقدي أخبرني ابن أبي الزناد أنه سمع ذلك من ابن ابنه عمرو بن شعيب بن عبد الله بن عمرو يذكره لحده ( تَعَلَّمْ عُمَارُ أنّ من شرِّ شِيمة ... لمثلِك أن يُدْعَى ابنُ عَمٍّ له ابْنَمَا ) ( وإنْ كنتَ ذا بُرْدَيْنِ أحْوَى مُرَجَّلاً ... فلستَ براعٍ لابن عمِّك مَحْرَمَا ) ( إذا المرءُ لم يترك طعاماً يُحِبُّه ... ولم يَنْهَ قلباً غاوياً حيث يَمَّمَا ) ( قضَى وَطَراً منه يسيراً وأصبحتْ ... إذا ذُكِرتْ أمثالُها تملأ الفما ) ( فليس الفتى ولو أَتَمَّتْ عروقُه ... بذي كرمٍ إلا بأن يَتَكرَّمَا ) ( صَحِبتُ من الأمر الرفيق طريقه ... وولَّيتُ غَيَّ الأمرِ مَنْ قد تَلَوّما ) ( مِن الآن فانْزِعْ عن مَطاعِمَ جَمّةٍ ... وعالِجْ أمورْ المجد لا تَتَنَدَّما ) قال إسحاق وحدثني الأصمعي أن خولة بنت ثابت أخت حسان قالت في عمارة لما سحر ( يا ليلتي لم أنَمْ ولم أكَدِ ... أقطَعُها بالبكاء والسَّهَدِ ) ( أبكي على فِتْيةٍ رُزِئتُهمُ ... كانوا جِبالي فأوهنوا عَضُدِي ) ( كانوا جمالي ونُصْرتي وبهم ... أَمنَع ضَيْمِي وكلَّ مُضْطَهِدِ ) ( فبعدَهم أرقُب النجومَ وأُذرِي ... الدمعَ والحزنُ والجٌ كَبِدي ) قال الأصمعي واجتاز ابن سريج بطويس ومعه فتية من قريش وهو يغنيهم في هذا الصوت فوقف حتى سمعه ثم أقبل عليهم فقال هذا والله سيد من غناه هذه الأصوات التي ذكرتها الجامعة للنغم العشر والثماني النغم منها هي المشهورة المعروفة عند الرواة وفي روايات الرواة وعند المغنين وكان عبيد الله بن عبد الله بن طاهر يراسل المعتضد بالله إذا استزار جواريه على ألسنتهن ومع ذوي الانس عنده من رسله مع أحمد بن الطيب وثابت بن قرة الطائي يذكر النغم وتفصيل مجاريها ومعانيها حتى فهم ذلك فصنع لحنا فجمع النغم الشعر في قول دريد بن الصمة ( يا ليتني فيها جَذَعْ ... أَخُبُّ فيها وأَضَعْ ) المكتفي يراسله في الغناء وصنع صنعة متقنة جيدة منها ما سمعناه من المحسنين والمحسنات ومنها ما لم نسمعه يكون مبلغها نحو خمسين صوتا وقد ذكرت من ذلك ما صلح في أغاني الخلفاء ثم صنع مثل ذلك للمكتفي بالله لرغبته في هذه الصناعة فوجدت رقعة بخطه كتب بها إلى المكتفي نسختها قال إسحاق ابن إبراهيم حين صاغ عند أبي العباس عبد الله بن طاهر بأمره لحنه في ( يومَ تُبْدِي لنا قُتَيْلةُ عن جِيدٍ ... تَلِيعٍ تَزِينه الأطواقُ ) ( وشَتِيتٍ كالأُقْحُوانِ جَلاَه الطَّلُّ ... فيه عُذوبةٌ واتِّساقُ ) إني نظرت مع إبراهيم وتصفحت غناء العرب كله فلم نجد في جميع غناء العرب صوتا أطول إيقاعا من ( عادَكَ الهمُّ ليلةَ الإِيجافِ ... من غزالٍ مُخَضَّبِ الأطرافِ ) ولحنه خفيف ثقيل لابن محرز فإن إيقاعه ستة وخمسون دورا ثم لحن معبد ( هُرَيْرَةَ وَدِّعْها وإن لامَ لائمُ ... غداةَ غدٍ أمْ أنتَ للبَيْنِ واجمُ ) وهو أحد سبعته ولحنه خفيف ثقيل ودور إيقاعه ستة وخمسون دورا إلا أن صوت ابن محرز سداسي في العروض من الخفيف وصوت معبد ثماني من الطويل فصوت ابن محرز أعجب لأنه أقصر وما زلنا حتى تهيأ لنا شعر رباعي في سيدنا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه دور إيقاعه ستة وخمسون دورا وهو يجمع من النغم العشر ثمانيا وهذا ظريف جدا بديع لم يكن مثله وأما الصوت الذي في تهنئة النوروز فلأنفسنا عملناه إذ لم يكن لنا من يدبر مثل هذا معه غيره وقد كتبنا شعره وشعر الآخر وإيقاع كل واحد منهما خفيف ثقيل والصنعة فيهما تستظرف ( جُمِع الخلائفُ كلّهم لجميع ما ... بَلغوا وأُعْطُوا في الإِمام المكتفِي ) ( وله الهدايا ألفُ نَوْرُوزٍ وهذا ... الشعرُ منها لحنُه لم يُعْرَفِ ) والآخر ( دولةُ المكتفِي الخليفةِ ... تُفْني مَدَى الدُّوَلْ ) ( يومُ عِيدٍ ويومُ عُرْسٍ ... فما بعدَها أمَلْ ) الصنعة في البيت الأول خاصة تدور على ستة وخمسين إيقاعا هكذا وجدت في الرقعة بخط عبيد الله وما سمعت أحدا يغني هذين الصوتين وقد عرضتهما على غير واحد من المتقدمين ومن مغنيات القصور فما عرفهما أحد منهن وذكرتهما في الكتاب لأن شريطته توجب ذكرهما الأرمال الثلاثة المختارة أخبرني يحيى بن علي ومحمد بن خلف وكيع والحسين بن يحيى قالوا حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أبي قال أبو أحمد رحمه الله وأخبرني أبي أيضا عن إسحاق وأخبرنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا عبيد الله بن خرداذبه قال قال إسحاق أجمع العلماء بالغناء أن أحسن رمل غني رمل ( فلم أرَ كالتَّجْميرِ مَنْظَرَ ناظرٍ ... ) ثم رمل ( أفاطمُ مَهْلاً بعضَ هذا التدلُّلِ ... ) ولو عاش ابن سريج حتى يسمع لحني الرمل ( لعلَّكَ إن طالت حياتُك أن تَرَى ... ) لاستحيا أن يصنع بعده شيئا وفي روايتي وكيع وعلي بن يحيى ولعلم أني نعم الشاهد له نسبة الأصوات وأخبارها صوت ( فلم أرَ كالتّجْمير منظرَ ناظرٍ ... ولا كليالي الحجّ أَفْلَتْنَ ذا هوَى ) ( فكم من قَتيلٍ ما يُباءُ به دمٌ ... ومن غَلِقٍ رهناً إذا لفَّه مِنَى ) ( ومن مالئ عينيه من شَيْءِ غيرِه ... إذا راح نحوَ الجمرةِ البِيضُ كالدُّمَى ) ( يُسحِّبْنَ أذيالَ المُرُوطِ باسؤقِ ... خِدَال وأعجازٍ مآكِمُها رِوَا ) عروضه من الطويل الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج رمل بالبنصر وقد كان علويه فيما بلغنا صنع فيه رملا وفي أفاطم مهلا خفيف رمل وفي لعلك إن طالت حياتك رملا آخر ولم يصنع شيئا وسقطت ألحانه فيها فما تكاد تعرف وهذه الأبيات يقولها عمر بن أبي ربيعة في بنت مروان بن الحكم عمر بن أبي ربيعة وأم عمرو بنت مروان أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا ابن كناسة عن أبي بكر بن عياش قال حجت أم عمرو بنت مروان فلما قضت نسكها أتت عمر بن أبي ربيعة وقد أخفت نفسها في نساء معها فحادثته ثم انصرفت وعادت إليه منصرفها من عرفات وقد أثبتها فقالت له لا تذكرني في شعرك وبعثت إليه بألف دينار فقبلها واشترى بها ثيابا من ثياب اليمن وطيبا فأهداه إليها فردته فقال إذا والله أنهبه الناس فيكون مشهورا فقبلته وقال فيها ( أيُّها الرائحُ المُجِدُّ ابتكارَا ... قد قضَى من تهامةَ الأوطارَا ) ( مَنْ يكن قلُبه الغداةَ خليًّا ... ففؤادي بالخَيْفِ أَمْسَى مُطَارَا ) ( ليت ذا الدهرَ كان حتماً علينا ... كلَّ يومين حِجَّة واعتمارَا ) قال ابن كناسة قال ابن عياش فلما وجهت منصرفة قال فيها ( فكم من قَتيلٍ ما يُباء به دمٌ ... ومن غَلِقٍ رهناً إذا لفَّه مِنَى ) قال ويروى ومن غلق رهن كأنه قال ومن رهن غلق لا يجعل من نعت الرهن كأنه جعل الإنسان غلقا وجعله رهنا كما يقال كم من عاشق مدنف ومن كلف صب قال الزبير وحدثني مسلم بن عبد الله بن مسلم بن جندب عن أبيه قال أنشده ابن أبي عتيق فقال إن في نفس الجمل ما ليس في نفس الجمال قال وقال عبد الله بن عمر وقد أنشده عمر بن أبي ربيعة شعره هذا يابن أخي أما اتقيت الله حيث يقول ( ليت ذا الدهرَ كان حتماً علينا ... كلَّ يومين حِجَّةً واعتمارَا ) فقال له عمر بن أبي ربيعة بأبي أنت وأمي إني وضعت ليتا حيث لا تغني عمر بن أبي ربيعة يتوب عن التشبيب بالنساء أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه وأخبرني علي بن عبد العزيز عن عبيد الله بن عبد الله عن إسحاق وأخبرني ببعض هذا الخبر الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا مصعب بن عثمان أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة لم تكن له همة إلا عمر بن أبي ربيعة والأحوص فكتب إلى عامله على المدينة قد عرفت عمر والأحوص بالخبث والشر فإذا أتاك كتابي هذا فاشددهما واحملهما إلي فلما أتاه الكتاب حملهما إليه فأقبل على عمر فقال له هيه ( فلم أر كالتَّجْمِيرِ منظرَ ناظرٍ ... ولا كليالي الحجّ أَفْلَتْنَ ذا هوَى ) ( وكم مالئٍ عينيه من شيءِ غيرِه ... إذا راح نحوَ الجمرةِ البِيضُ كالدُّمَى ) فإذا لم يفلت الناس منك في هذه الأيام فمتى يفلتون أما والله لو اهتممت بأمر حجك لم تنظر إلى شيء غيرك ثم أمر بنفيه فقال يا أمير المؤمنين أو خير من ذلك قال وما هو قال أعاهد الله ألا أعود إلى مثل هذا الشعر ولا أذكر النساء في شعر أبدا وأجدد توبة على يديك قال أو تفعل قال نعم فعاهد الله على توبة وخلاه ثم دعا بالأحوص فقال هيه ( اللهُ بيني وبين قَيِّمِها ... يهرُب منِّي بها وأَتَّبِعُ ) بل الله بين قيمها وبينك ثم أمر بنفيه إلى بيش وقيل إلى دهلك وهو الصحيح فنفي إليها فم يزل بها فرحل إلى عمر عدة من الأنصار فكلموه في أمره وسألوه أن يقدمه وقالوا له قد عرفت نسبه وقدمه وموضعه وقد أخرج إلى بلاد الشرك فنطلب إليك أن ترده إلى حرم رسول الله ودار قومه فقال لهم عمر من الذي يقول ( فما هو إلا أن أَراها فُجَاءةً ... فأُبْهَتَ حتى ما أكاد أُحير ) وفي رواية الزيبر أجيب مكان أحير قالوا الأحوص قال فمن الذي يقول ( أدُورُ ولولا أَنْ أَرَى أُمَّ جَعْفَرٍ ... بأبياتكم ما دُرْتُ حيث أَدورُ ) ( وما كنتُ زَوّاراً ولكنّ ذا الهوى ... إِذا لم يَزُرْ لا بدّ أن سيزور ) قالوا الأحوص قال فمن الذي يقول ( كأنّ لُبْنَى صَبِيرُ غاديةٍ ... أو دُمْيةٌ زُيَّنت بها البِيَعُ ) ( اللهُ بيني وبين قَيِّمِها ... يهرُب منِّي بها وأَتَّبِعُ ) قالوا الأحوص قال إن الفاسق عنها يومئذ لمشغول والله لا أرده ما كان لي سلطان فمكث هناك بعد ولاية عمر صدرا من ولاية يزيد بن عبد الملك ثم خلاه قال وكتب إلى عمر بن عبد العزيز من موضعه قال الزبير أنشدنيها عبد الملك بن عبد العزيز ابن بنت الماجشون قال أنشدنيها يوسف ابن الماجشون يعني هذه الأبيات ( أيا راكباً إمّا عَرَضتَ فبلِّغنْ ... هُدِيتَ أميرَ المؤمنين رسائلي ) ( وقُلْ لأبي حفصٍ إذا ما لَقِيتَه ... لقد كنتَ نفَّاعاً قليلَ الغوائل ) ( أفِي اللهِ أن تُدْنُوا ابنَ حزم وتقطَعوا ... قُوَى حُرُماتٍ بيننا ووَصَائلِ ) ( فكيف ترى للعيش طِيباً وَلَذّةً ... وخالُك أمسى مُوثَقاً في الحبائلِ ) ( وما طمِع الحَزْمِيُّ في الجاه قبلها ... إلى أحدٍ من آل مَرْوان عادِلِ ) ( وشَى وأطاعوه بنا وأعانَه ... على أمرنا مَنْ ليس عنّا بغافلِ ) ( وكنتُ أَرَى أنّ القرابة لم تَدَعْ ... ولا الحُرُماتِ في العصور الأوائلِ ) ( إلى أحدٍ من آل مَرْوان ذي حِجىً ... بأمرٍ كرهناه مقالاً لقائلِ ) ( يُسَرّ بما أَنْهَى العدوُّ وإنه ... كنافلةٍ لي من خِيار النوافلِ ) ( فهل يَنْقُصَنّي القوم أن كنتُ مُسْلِماً ... بريئاً بلائي في ليالٍ قلائلِ ) ( ألاَ ربَّ مسرورٍ بنا سيَغيظه ... لدى غِبّ أمر عضُّه بالأناملِ ) ( رَجَا الصُّلحَ منِّي آلُ حَزْمِ بن فَرْتَنَى ... على دِينهم جهلاً ولستُ بفاعلِ ) ( ألاَ قد يُرَجُّون الهوانَ فإنهم ... بنو حَبَقٍ ناء عن الخير فائلِ ) ( على حينَ حَلّ القول بي وتنظَّرت ... عقوبتَهم منِّي رؤوس القبائلِ ) ( فمَنْ يك أَمْسَى سائلاً بشماتةٍ ... بما حلَّ بي أو شامتاً غيرَ سائلِ ) ( فقد عَجمتْ منِّي العواجمُ ماجداً ... صبوراً على عضَّات تلك التلاتلِ ) ( إذا نال لم يَفْرَحْ وليس لنَكْبةٍ ... إذا حدثتْ بالخاضع المتضائلِ ) قال الزبير وقال الأحوص أيضا ( هَلَ انت أميرَ المؤمنين فإنّني ... بودِّك من ودِّ العباد لقانعُ ) ( متمِّمُ أجرٍ قد مضَى وصنيعةٍ ... لكم عندنا أو ما تُعَدّ الصنائعُ ) ( فكم من عدوٍّ سائل ذي كَشَاحَةٍ ... ومنتظرٍ بالغيب ما أنت صانعُ ) فلم يغن عنه ذلك ولم يخل سبيله عمر حتى ولي يزيد بن عبد الملك فأقدمه وقد غنته حبابة بصوت في شعره أخبرنا إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال قال هشام بن حسان كان السبب في رد يزيد بن عبد الملك الأحوص أن جميلة غنته يوما ( كريمُ قريشٍ حين يُنْسَبُ والّذي ... أقرّتْ له بالملك كَهْلاً وأمرَدا ) فطرب يزيد وقال ويحك من كريم قريش هذا قالت أنت يا أمير المؤمنين ومن عسى أن يكون ذلك غيرك قال ومن قائل هذا الشعر في قالت الأحوص وهو منفي فكتب برده وحمله إليه وأنفذ إليه صلات سنية فلما قدم إليه أدناه وقربه وأكرمه وقال له يوما في مجلس حافل والله لو لم تمت الينا بحق ولا صهر ولا رحم إلا بقولك ( وإني لأستحييكُم أن يقودَني ... إلى غيركم من سائر الناس مَطْمَعُ ) لكفاك ذلك عندنا قال ولم يزل ينادمه وينافس به حتى مات وأخبار الأحوص في هذا السبب وغيره قد مضت مشروحة في أول ما مضى من ذكره وأخباره لأن الغرض هاهنا ذكر بقية خبره مع عمر بن أبي ربيعة في الشعرين اللذين أنكرهما عليهما عمر بن عبد العزيز وأشخصا من أجلهما سليمان بن عبد الملك ينفي عمر بن أبي ربيعة إلى الطائف أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أحمد بن زهير قال قال مصعب ابن عبد الله قال حج سليمان بن عبد الملك وهو خليفة فأرسل إلى عمر بن أبي ربيعة فقال له ألست القائل ( فكم من قتيلٍ ما يُباء به دمٌ ... ومن غَلِقٍ رهناً إذا لفَّه مِنَى ) ( ومن مالئٍ عينيه من شيء غيره ... إِذا راح نحوَ الجمرة البيضُ كالدُّمَى ) ( يسحِّبن أذيالَ المُروُط بأَسؤقٍ ... خِدالٍ وأعجاز مآكمُها رِوَا ) ( أوانسُ يسلُبن الحليم فؤادَه ... فيا طُول ما شوقٍ ويا طول مُجْتلَى ) قال نعم قال لا جرم والله لا تحضر الحج العام مع الناس فأخرجه إلى الطائف أخبرنا الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على أبي حدثني ابن الكلبي عن أبي مسكين وعن صالح بن حسان قال قدم ابن أبي عتيق إلى مكة فسمع غناء ابن سريج ( فلم أر كالتجمير مَنْظَرَ ناظرٍ ... ولا كليالي الحجِّ أفلتنَ ذا هوى ) فقال ما سمعت كاليوم قط وما كنت أحسب أن مثل هذا بمكة وأمر له بمال وحدره معه إلى المدينة وقال لأصغرن إلى معبد نفسه ولأهدين إلى المدينة شيئا لم ير أهلها مثله حسنا وظرفا وطيب مجلس ودماثة خلق ورقة منظر ومقة عند كل أحد فقدم به المدينة وجمع بينه وبين معبد فقال لابن سريج ما تقول فيه قال إن عاش كان مغني بلاده وقال إسحاق وحدثني المدائني عن جرير قال قال لي أبو السائب يوما ما معك من مرقصات ابن سريج فغنيته ( فلم أر كالتجمير منظرَ ناظر ... ) فقال كما أنت حتى أتحرم لهذا بركعتين حدثني الحسين قال قال حماد قرأت على أبي وحدثني أبو عبد الله الزبيري قال كتب الوليد بن عبد الملك إلى عامل مكة أن أشخص إلي ابن سريج فورد الرسول إلى الوالي فمر في بعض طريقه على ابن سريج وهو جالس بين قرني بئر وهو يغني ( فلم أر كالتجمير منظر ناظر ... ) فقال له الرسول تالله ما رأيت كاليوم قط ولا رأيت أحمق ممن يتركك ويبعث إلى غيرك فقال له ابن سريج أما والله ما هو بقدم ولا ساق ولكنه بقسم وأرزاق ثم مضى الرسول فأوصل الكتاب وبعث الوالي إلى ابن سريج فأحضره فلما رآه الرسول قال قد عجبت أن يكون المطلوب غيرك اعجاب عبد الله بن الزبير بغناء ابن سريج أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي قال رقي عبد الله بن الزبير أبا قبيس ليلا فسمع غناء فنزل هو وأصحابه يتعجبون وقال لقد سمعت صوتا إن كان من الإنس إنه لعجب وإن كان من الجن لقد أعطوا شيئا كثيرا فاتبعوا الصوت فإذا ابن سريج يتغنى في شعر عمر ( فلم أر كالتجمير منظر ناظر ... ) ومن هذه الأرمال الثلاثة صوت ( أفاطمُ مهلاً بعضَ هذا التدلُّل ... وإن كنتِ قد أزمعتِ صرمي فأَجملي ) ( أَغرَّكِ منِّي أنّ حبَّكِ قاتلي ... وأنّك مهما تأمرِي القلبَ يفعل ) الشعر لامرئ القيس والغناء في هذين البيتين من الرمل المختار لإسحاق بالبنصر وفي هذين البيتين مع أبيات أخر من هذه القصيدة ألحان شتى لجماعة نذكرها هاهنا ومن غنى فيها ثم نتبع ما يحتاج إلى ذكره منها وقد يجمع سائر ما يغنى فيه من القصيدة معه ( قِفَا نَبْكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ ... بِسُقْطِ اللِّوَى بين الدَّخُول فَحوْمَلِ ) ( فتُوضِحَ فالمِقْراةِ لم يعف رسمُها ... لِما نَسَجتْها من جَنُوبٍ وَشمْأَلِ ) ( أفاطمُ مَهْلاً بعضَ هذا التَّدلُّل ... وإن كنتِ قد أزمعتِ صرمِي فأجْمِلي ) ( وإن كنتِ قد ساءتكِ منِّي خَليقةٌ ... فسُلِّي ثيابي من ثيابك تَنْسُلِ ) ( أغَرَّكِ منِّي أنّ حُبَّك قاتلي ... وأنّكِ مهما تأمُرِي القلبَ يفعل ) ( وما ذَرَفتْ عيناكِ إلاّ لتضرِبِي ... بسَهمَيْكِ في أعشار قلبٍ مُقَتَّلِ ) ( تسلَّتْ عَمَاياتُ الرجالِ عن الصِّبا ... وليس فؤادي عن هواك بِمُنْسَلِ ) ( ألاَ أيّها اللَّيلُ الطويل ألاَ انجلِ ... بصبح وما الإِصباحُ فيك بأمْثَل ) ( وَبيْضةِ خِدْرٍ لا يُرامُ خِباؤها ... تمتّعتُ من لهوٍ بها غيرَ مُعْجَلِ ) ( تجاوزتُ أحراساً إليها ومَعْشَرا ... عليَّ حِراصاً لو يُسِرُّون مَقْتَلي ) ( ألاَ ربَّ يوم صالح لك منهما ... ولا سِيما يومٌ بدارةِ جُلْجُل ) ( ويوم عقَرتُ للعَذارَى مطيَّتي ... فَواعَجبي من رَحْلِها المتحَمَّل ) ( وقد أغتدي والطيرُ في وُكُناتها ... بمنْجَرِدٍ قَيْدِ الأوابدِ هَيْكَلِ ) ( مِكَرٍّ مِفرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معاً ... كجُلْمود صخرٍ حطَّه السيلُ من عَلِ ) ( فقلت لها سِيرِي وأرخي زِمامَه ... ولا تُبعدينا من جَناك المُعَلِّل ) عروضه من الطويل وسقط اللوى منقطعه واللوى المستدق من الرمل حيث يستدق فيخرج منه إلى اللوى والدخول وحومل وتوضح والمقراة مواضع ما بين إمرة إلى أسود العين وقال أبو عبيدة في سقط اللوى وسقط الولد وسقط النار سقط وسقط وسقط ثلاث لغات وقال أبو زيد اللوى أرض تكون بين الحزن والرمل فصلا بينهما وقال الأصمعي قوله بين الدخول فحومل خطأ ولا يجوز إلا بواو وحومل لأنه لا يجوز أن يقال رأيت فلانا بين زيد فعمرو إنما يقال وعمرو ويقال رأيت زيدا فعمرا إذا رأى كل واحد منهما بعد صاحبه وقال غيره يجوز فحومل كما يقال مطرنا بين الكوفة فالبصرة كأنه قال من الكوفة إلى البصرة يريد أن المطر لم يتجاوز ما بين هاتين الناحيتين وليس هذا مثل بين زيد فعمرو ويعف رسمها يدرس ونسجتها ضربتها مقبلة ومدبرة فعفتها يعني أن الجنوب تعفي هذا الرسم إذا هبت وتجيء الشمأل فتكشفه وقال غير أبي عبيدة المقراة ليس اسم موضع إنما هو الحوض الذي يجمع فيه الماء والرسم الأثر الذي لا شخص له ويروى لما نسجته يعني الرسم ويقال عفا يعفو عفوا وعفاء قال الشاعر ( على آثار مَنْ ذهب العَفَاءُ ... ) يعني محو الأثر وفاطمة التي خاطبها فقال أفاطم مهلا بنت العبيد بن ثعلبة بن عامر بن عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة وهي التي يقول فيها ( لاَ وأبيك ابنة العامريّ ... ) وأزمعت صرمي يقال أزمعت وأجمعت وعزمت وكله سواء يقول إن كنت عزمت على الهجر فأجملي ويقول الأسير أجملوا في قتلي قتلة أحسن من هذه أي على رفق وجميل والصرم القطيعة والصرم المصدر يقال صرمته أصرمه صرما مفتوح إذا قطعته ومنه سيف صارم أي قاطع ومنه الصرام ومنه الصرائم وهي القطع من الرمل تنقطع من معظمه وقوله سلي ثيابي من ثيابك كناية أي اقطعي أمري من أمرك وقوله تنسل تبن عنها ويقال للسن إذا بانت فسقطت والنصل إذا سقط نسل ينسل وهو النسيل والنسال وقال قوم الثياب القلب وقوله وما ذرفت عيناك أي ما بكيت إلا لتضربي بسهميك في أعشار قلب مقتل قال الأصمعي يعني أنك ما بكيت إلا لتخرقي قلبا معشرا أي مكسرا شبهه بالبرمة إذا كانت قطعا ويقال برمة أعشار قال ولم أسمع للأعشار واحدا يقول لتضربي بسهميك أي بعينيك فتجعلي قلبي مخرقا فاسدا كما يخرق الجابر أعشار البرمة فالبرمة تنجبر إذا أخرقت وأصلحت والقلب لا ينجبر قال ومثله قوله ( رمتْك ابنةُ البكريِّ عن فرع ضالةٍ ... ) أي نظرت إليك فأقرحت قلبك وقال غير الأصمعي وهو قول الكوفيين إنما هذا مثل أعشار الجزور وهي تنقسم على عشرة أنصباء فضربت فيها بسهميك المعلى وله سبعة أنصباء والرقيب وله ثلاثة أنصباء فأراد أنها ذهبت بقلبه كله مقتل أي مذلل يقال بعير مقتل أي مذلل وتسلت ذهبت يقال سلوت عنه وسليت إذا طابت نفسك بتركه قال رؤبة ( لو أشرب السُّلْوانَ ما سَلِيتُ ... ) والعمايات الجهالات عد الجهل عمى والصبا اللعب قال ابن السكيت صبا يصبو صبوا وصبوا وصباء وصبا انجل انكشف والأمر الجلي المنكشف وقوله أنا ابن جلا أي أنا ابن المكشوف الأمر المشهور غير المستور ومنه جلاء العروس وجلاء السيف وقوله فيك بأمثل يقول إذا جاءني الصباح وأنا فيك فليس ذلك بأمثل لأن الصبح قد يجيء والليل مظلم بعد يقول ليس الصبح بأمثل وهو فيك أي يريد أن يجيء منكشفا منجليا لا سواد فيه ولو أراد أن الصباح فيك أمثل من الليل لقال منك بأمثل ومثله قول حميد بن ثور في ذكر مجيء الصبح والليل باق ( فلما تجلَّى الصبح عنها وأبصرتْ ... وفي غَبش الليل الشخوصُ الأباعدُ ) غبش الليل بقيته هذا قول يعقوب بن السكيت وبيضة خدر شبه المرأة بالبيضة لصفائها ورقتها غير معجل أي لم يعجلني أحد عما أريده منها والخباء ما كان على عمودين أو ثلاثة والبيت ما كان على ستة أعمدة إلى تسعة والخيمة من الشعر وقوله يسرون مقتلي قال الأصمعي يسرونه وروي غيره يشرون بالشين المعجمة أي يظهرونه وقال الشاعر ( فما برِحوا حتى أتى اللهُ نصرَه ... وحتى أُشِرَّتْ بالأكُفِّ الأصابع ) أي أظهرت وقال غيرهما لو يسرونه من الإسرار أي لو يستطيعون قتلي لأسروه من الناس وقتلوني قال أبو عبيدة دارة جلجل في الحمى وقال ابن الكلبي هي عند عين كندة ويروى سيما مخففة وسيما مشددة ويقال رب رجل ورب رجل وربت رجل ومن القراء من يقرأ ( ربما يود الذين كفروا ) مخففة وقرأ عليه رجل ربما فقال له أظنك يعجبك الرب ويروى ( فيا عجبا من رحلها المُتحَمَّل ... ) أي يا عجبا لسفهي وشبابي يومئذ ويروى ( وقد أغتدى والطير في وَكَرَاتها ... ) بالراء قال أبو عبيد ة والأكنات في الجبال كالتماريد في السهل والواحدة أكنة وهي الوقنات والواحدة أقنة وقد وقن يقن وقال الأصمعي إذا أوى الطير إلى وكره قيل وكر يكر ووكن يكن ويقال إنه جاءنا والطير وكن ما خرجن والمنجرد القصير الشعرة وذلك من العتق والأوابد الوحش وتأبدت توحشت وتأبد الموضع إذا توحش وقيد الأوابد يعني الفرس يقول هو قيد لها لأنها لا تفوته كأنها مقيدة والهيكل العظيم من الخيل ومن الشجر ومنه سمي بيت النصارى الهيكل وقال أبو عبيدة يقال قيد الأوابد وقيد الرهان وهو الذي كأن طريدته في قيد له إذا طلبها وكأن مسابقه في الرهان مقيد قال أبو عبيدة وأول من قيدها امرؤ القيس والمنجرد القصير الشعرة الصافي الأديم والهيكل الذكر والأنثى هيكلة والجمع هياكل وهو العظيم العبل الكثيف اللين وقوله مكر مفر يقول إذا شئت أن أكر عليه وجدته وكذلك إذا أردت أن أفر عليه أو أقبل أو أدبر والجلمود الصخرة ووصفها بأن السيل حطها من عل لأنها إذا كانت في أعلى الجبل كان أصلب لها من عل من فوق ويقال من عل ومن عل ومن علا ومن علو ومن عال ومن علو ومن معال وقوله سيري وأرخي زمامه أي هوني عليك الأمر ولا تبالي أعقر أم سلم وجناك كل شيء اجتنيته من قبلة وما أشبه ذلك هو الجنى وهو من الإنسان مثل الجنى من الشجر أي ما اجتني من ثمره والمعلل الملهي غنى في قفا نبك وأفاطم مهلا وأغرك وما ذرفت عيناك معبد لحنا من الثقيل الأول بالسبابة في مجرى الوسطى وغنى معبد أيضا في الأول والرابع من هذه الأبيات خفيف رمل بالوسطى وغنى سعيد بن جابر في الأربعة الأبيات رملا وغنت عريب في ( أغرَّك مني أن حبَّك قاتلي ... ) وبعده شعر ليس منه وهو ( فلا تَحْرَجِي من سفك مهجة عاشقٍ ... بَلَى فاقتلي ثم اقتلي ثم فاقتلي ) ( فلا تَدَعي أن تفعلي ما أردِته ... بنا ما أراك اللهُ من ذاك فافْعَلِي ) ولحنها فيها خفيف رمل وغنى ابن محرز في تسلت عمايات الرجال وبعده ألا أيها الليل الطويل ثاني ثقيل بالوسطى وغنى فيهما عبد الله بن العباس الربيعي ثاني ثقيل آخر بالسبابة في مجرى البنصر وغنت جميلة في تسلت عمايات الرجال وبعده ألا رب يوم لك لحنا من الثقيل الأول عن الهشامي وغنت عزة الميلاء في تسلت عمايات الرجال وبعده ويوم عقرت للعذارى مطيتي ثقيلا أول آخر عن الهشامي وغنت حميدة جارية ابن تفاحة في وبيضة خدر وتجاوزت أحراسا لحنا من الثقيل الأول بالوسطى ولطويس في قفا نبك وبعده فتوضح فالمقراة ثقيل أول آخر وفي أفاطم مهلا وأغرك مني أن حبك قاتلي ليزيد بن الرحال هزج ولأبي عيسى بن الرشيد في وقد أغتدي ومكر مفر ثقيل أول ولفليح في قفا نبك وبعده أغرك مني رمل وقيل إن لمعبد في وبيضة خدر لحنا من الثقيل الأول وقيل هو لحن حميدة ولعريب في هذين البيتين خفيف ثقيل من رواية أبي العبيس وغنى سلام بن الغسال وقيل بل عبيدة أخوه في وإن كنت قد ساءتك مني وأغرك مني رملا بالوسطى وغنى في فقلت لها سيري وأرخي زمامه سعدويه بن نصر ثاني ثقيل وغنى في قفا نبك وبعده فتوضح فالمقراة إبراهيم الموصلي ثقيلا أول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن ابن المكي وزعم حبش أن لإسحاق فيهما ثقيلا وغنى في أغرك مني وما ذرفت ابن سريج خفيف رمل بالوسطى من رواية ابن المكي وقيل بل هو من منحوله وغنى بديح مولى ابن جعفر في وما ذرفت عيناك بيتا واحدا ثقيلا أول مطلقا في مجرى الوسطى عن ابن المكي فجميع ما جمع في هذه المواضع مما وجد في شعر قفا نبك من الأغاني صحيحها والمشكوك فيه منها اثنان وعشرون لحنا منها في الثقيل الأول تسعة أصوات وفي الثقيل الثاني ثلاثة أصوات وفي الرمل أربعة أصوات وفي خفيف الرمل صوتان وفي الهزج صوت وفي خفيف الثقيل ثلاثة أصوات ذكر امرئ القيس ونسبه وأخباره قال الأصمعي هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار بن معاوية بن ثور وهو كندة وقال ابن الأعرابي هو امرؤ القيس بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن ثور وهو كندة وقال محمد بن حبيب هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الملك ابن عمرو ابن حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن يعرب بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة وقال بعض الرواة هو امرؤ القيس بن السمط بن امرئ القيس بن عمرو بن معاوية بن ثور وهو كندة وقالوا جميعا كندة هو كندة بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفحشذ بن سام بن نوح وقال ابن الأعرابي ثور هو كندة بن مرتع ابن عفير بن الحارث بن مرة بن عدي بن أدد بن زيد بن عمرو بن مسمع بن عريب بن عمرو بن زيد بن كهلان وأم امرئ القيس فاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن زهير أخت كليب ومهلهل ابني ربيعة التغلبيين وقال من زعم أنه امرؤ القيس بن السمط أمه تملك بنت عمرو بن زبيد بن مذحج رهط عمرو بن معد يكرب قال من ذكر هذا وأن أمه تملك قد ذكر ذلك امرؤ القيس في شعره فقال ( ألاَ هل أتاها والحوادثُ جَمَّةٌ ... بأن امرأ القيس بن تَمْلِك بَيْقَرا ) بيقر أي جاء العراق والحضر ويقال بيقر الرجل إذا هاجر وقال يعقوب بن السكيت أم حجر أبي امرئ القيس أم قطام بنت سلمة امرأة من عنزة الملك الضليل وذو القروح ويكنى امرؤ القيس على ما ذكره أبو عبيدة أبا الحارث وقال غيره يكنى أبا وهب وكان يقال له الملك الضليل وقيل له أيضا ذو القروح وإياه عنى الفرزدق بقوله ( وهَب القصائدَ لي النوابغُ إذ مَضَوْا ... وأبو يزيد وذو القروح وجَرْوَلُ ) يعني بأبي يزيد المخبل السعدي وجرول الحطيئة قال وولد ببلاد بني أسد وقال ابن حبيب كان ينزل المشقر من اليمامة ويقال بل كان ينزل في حصن بالبحرين وقال جميع من ذكرنا من الرواة إنما سمي كندة لأنه كند أباه أي عقه وسمي مرتع بذلك لأنه كان يجعل لمن أتاه من قومه مرتعا له ولماشيته وسمي حجر آكل المرار بذلك لأنه لما أتاه الخبر بأن الحارث بن جبلة كان نائما في حجر امرأته هند وهي تفليه جعل يأكل المرار وهو نبت شديد المرارة من الغيظ وهو لا يدري ويقال بل قالت هند للحارث وقد سألها ما ترين حجرا فاعلا قالت كأنك به قد أدركك في الخيل وهو كأنه بعير قد أكل المرار قال وسمي عمرو المقصور لأنه قد قصر على ملك أبيه أي أقعد فيه كرها الحارث بن عمرو وقباذ وابنه أخبرني بخبره على ما قد سقته ونظمته أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة ولم يتجاوزه وروى بعضه عن علي بن الصباح عن هشام بن الكلبي وأخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد عن علي بن الصباح عن هشام بن الكلبي قال ابن أبي سعد وأخبرني دارم بن عقال بن حبيب الغساني أحد ولد السموءل بن عادياء عن أشياخه وأخبرنا إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي يوسف عن عمه إسماعيل وأضفت إلى ذلك رواية ابن الكلبي مما لم أسمعه من أحد ورواية الهيثم بن عدي ويعقوب بن السكيت والأثرم وغيرهم لما في ذلك من الاختلاف ونسبت رواية كل راو إذا خالف رواية غيره إليه قالوا كان عمرو بن حجر وهو المقصور ملكا بعد أبيه وكان أخوه معاوية وهو الجون على اليمامة وأمهما شعبة بنت أبي معاهر بن حسان بن عمرو بن تبع ولما مات ملك بعده ابنه الحارث وكان شديد الملك بعيد الصيت ولما ملك قباذ بن فيروز خرج في أيام ملكه رجل يقال له مزدك فدعا الناس إلى الزندقة وإباحة الحرم وألا يمنع أحد منهم أخاه ما يريده من ذلك وكان المنذر بن ماء السماء يومئذ عاملا على الحيرة ونواحيها فدعاه قباذ إلى الدخول معه في ذلك فأبى فدعا الحارث بن عمرو فأجابه فشدد له ملكه وأطرد المنذر عن مملكته وغلب على ملكه وكانت أم أنو شروان بين يدي قباذ يوما فدخل عليه مزدك فلما رأى أم أنو شروان قال لقباذ ادفعها لي لأقضي حاجتي منها فقال دونكها فوثب إليه أنو شروان فلم يزل يسأله ويضرع إليه أن يهب له أمه حتى قبل رجله فتركها له فكانت تلك في نفسه فهلك قباذ على تلك الحال وملك أنو شروان فجلس في مجلس الملك وبلغ المنذر هلاك قباذ فأقبل إلى أنوشروان وقد علم خلافه على أبيه فيما كانوا دخلوا فيه فأذن أنوشروان للناس فدخل عليه مزدك ثم دخل عليه المنذر فقال أنوشروان إني كنت تمنيت أمنيتين أرجو أن يكون الله قد جمعهما لي فقال مزدك وما هما أيها الملك قال تمنيت أن أملك فأستعمل هذا الرجل الشريف يعني المنذر وأن أقتل هؤلاء الزنادقة فقال له مزدك أو تستطيع أن تقتل الناس كلهم قال إنك لها هنا يابن الزانية والله ما ذهب نتن ريح جوربك من أنفي منذ قبلت رجلك إلى يومي هذا وأمر به فقتل وصلب وأمر بقتل الزنادقة فقتل منهم ما بين جازر إلى النهروان إلى المدائن في ضحوة واحدة مائة ألف زنديق وصلبهم وسمي يومئذ أنوشروان وطلب أنوشروان الحارث بن عمرو فبلغه ذلك وهو بالأنبار وكان بها منزله وإنما سميت الأنبار لأنه كان يكون بها أهراء الطعام وهي الأنابير فخرج هاربا في هجائنه وماله فمر بالثوية وتبعه المنذر بالخيل من تغلب وبهراء وإياد فلحق بأرض كلب فنجا وانتهبوا ماله وهجائنه وأخذت بنو تغلب ثمانية وأربعين نفسا من بني آكل المرار فقدم بهم على المنذر فضرب رقابهم بحفر الأملاك في ديار بني مرينا العباديين بين دير هند والكوفة فذلك قول عمرو بن كلثوم ( فآبُوا بالنِّهاب وبالسَّبَايَا ... وأُبْنَا بالملوك مُصَفَّدينا ) وفيهم يقول امرؤ القيس ( ملوكٌ من بني حُجْرِ بن عمرو ... يُساقون العَشِيّةَ يُقْتَلونا ) ( فلو في يوم معركةٍ أصيبوا ... ولكن في ديار بني مَرِينَا ) ( ولم تُغْسَلْ جماجمُهم بَغْسلٍ ... ولكن في الدماء مُرَمَّلينا ) ( تَظَلُّ الطيرُ عاكفةً عليهم ... وتنتزع الحواجبَ والعيونا ) قالوا ومضى الحارث فأقام بأرض كلب فكلب يزعمون أنهم قتلوه وعلماء كندة تزعم أنه خرج إلى الصيد فألظ بتيس من الظباء فأعجزه فآلى ألية ألا يأكل أولا إلا من كبده فطلبته الخيل ثلاثا فأتي بعد ثالثة وقد هلك جوعا فشوي له بطنه فتناول فلذة من كبده فأكلها حارة فمات وفي ذلك يقول الوليد بن عدي الكندي في أحد بني بجيلة ( فشوَوْا فكان شِواؤهم خَبْطاً له ... إن المنيَّة لا تُجِلّ جَلِيلا ) وزعم ابن قتيبة أن أهل اليمن يزعمون أن قباذ بن فيروز لم يملك الحارث بن عمرو وأن تبعا الأخير هو الذي ملكه قال ولما أقبل المنذر إلى الحيرة هرب الحارث وتبعته خيل فقتلت ابنه عمرا وقتلوا ابنه مالكا بهيت وصار الحارث إلىمسحلان فقتلته كلب وزعم غير ابن قتيبة أنه مكث فيهم حتى مات حتف أنفه الحارث بن عمرو وتمليكه أولاده على قبائل العرب وقال الهيثم بن عدي حدثني حماد الراوية عن سعيد بن عمرو بن سعيد عن سعية بن عريض من يهود تيماء قال لما قتل الحارث بن أبي شمر الغساني عمرو بن حجر ملك بعده ابنه الحارث بن عمرو وأمه بنت عوف بن محلم بن ذهل بن شيبان ونزل الحيرة فلما تفاسدت القبائل من نزار أتاه اشرافهم فقالوا إنا في دينك ونحن نخاف أن نتفانى فيما يحدث بيننا فوجه معنا بنيك ينزلون فينا فيكفون بعضنا عن بعض ففرق ولده في قبائل العرب فملك ابنه حجرا على بني أسد وغطفان وملك ابنه شرحبيل قتيل يوم الكلاب على بكر بن وائل بأسرها وبني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم والرباب وملك ابنه معد يكرب وهو غلفاء سمي بذلك لأنه كان يغلف رأسه على بني تغلب والنمر بن قاسط وسعد بن زيد مناة وطوائف من بني دارم بن مالك بن حنظلة والصنائع وهم بنو رقية قوم كانوا يكونون مع الملوك من شذاذ العرب وملك ابنه عبد الله على عبد القيس وملك ابنه سلمة على قيس مقتل حجر وقال ابن الكلبي حدثني أبي أن حجرا كان في بني أسد وكانت له عليهم إتاوة في كل سنة مؤقتة فغبر ذلك دهرا ثم بعث إليهم جابيه الذي كان يجبيهم فمنعوه ذلك وحجر يومئذ بتهامة وضربوا رسله وضرجوهم ضرجا شديدا قبيحا فبلغ ذلك حجرا فسار إليهم بجند من ربيعة وجند من جند أخيه من قيس وكنانة فأتاهم وأخذ سراتهم فجعل يقتلهم بالعصا فسموا عبيد العصا وأباح الأموال وصيرهم إلى تهامة وآلى بالله ألا يساكنوهم في بلد أبدا وحبس منهم عمرو بن مسعود بن كندة بن فزارة الأسدي وكان سيدا وعبيد بن الأبرص الشاعر فسارت بنو أسد ثلاثا ثم إن عبيد بن الأبرص قام فقال أيها الملك اسمع مقالتي ( يا عَيْنُ فابكي ما بنى ... أسدٍ فهم أهلُ النَّدَامَةْ ) ( أهلَ القِبَابِ الحُمر والنَّعَمِ ... المؤبَّل والنَّدَامة ) ( وذوي الجياد الجُرْدِ ... والأَسَل المُثَقَّفة المُقامه ) ( حِلاًّ أبيتَ اللَّعْنَ ِحلاًّ ... إنّ فيما قلتَ آمه ) ( في كلِّ وادٍ بين يَثْرِبَ ... فالقصورِ إلى اليمامة ) ( تطريبُ عانٍ أو صياح ... مُحَرَّقٍ أو صوتُ هامه ) ( ومنعتَهم نجداً فقد ... حَلُّوا على وَجَلٍ تِهَامه ) ( بَرِمتْ بنو أسدٍ كما ... بَرِمتْ ببيضتها الحمامة ) ( جعلتْ لها عُودين من ... نَشَمٍ وآخر من ثُمَامه ) ( إمّا تركتَ تركتَ عَفْواً ... أو قتلتَ فلا مَلاَمهْ ) ( أنت المليكُ عليهمُ ... وهمُ العبيدُ إلى القيامه ) ( ذَلُّوا لسَوْطِك مثلَ ما ... ذلّ الأُشَيْقِر ذُو الخِزَامه ) قال فرق لهم حجر حين سمع قوله فبعث في أثرهم فأقبلوا حتى إذا كانوا على مسيرة يوم من تهامة تكهن كاهنهم وهو عوف بن ربيعة بن سوادة بن سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة فقال لبني أسد يا عبادي قالوا لبيك ربنا قال من الملك الأصهب الغلاب غير المغلب في الإبل كأنها الربرب لا يعلق رأسه الصخب هذا دمه ينثعب وهذا غدا أول من يسلب قالوا من هو يا ربنا قال لولا أن تجيش نفس جاشية لأخبرتكم أنه حجر ضاحية فركبوا كل صعب وذلول فما أشرق لهم النهار حتى أتوا على عسكر حجر فهجموا على قبته وكان حجابه من بني الحارث ابن سعد يقال لهم بنو خدان بن خنثر منهم معاوية بن الحارث وشبيب ورقية ومالك وحبيب وكان حجر قد أعتق أباهم من القتل فلما نظروا إلى القوم يريدون قتله خيموا عليه ليمنعوه ويجيروه فأقبل عليهم علباء بن الحارث الكاهلي وكان حجر قد قتل أباه فطعنه من خللهم فأصاب نساه فقتله فلما قتلوه قالت بنو أسد يا معشر كنانة وقيس أنتم إخواننا وبنو عمنا والرجل بعيد النسب منا ومنكم وقد رأيتم ما كان يصنع بكم هو وقومه فانتهبوهم فشدوا على هجائنه فمزقوها ولفوه في ريطة بيضاء وطرحوه على ظهر الطريق فلما رأته قيس وكنانة انتهبوا أسلابه ووثب عمرو بن مسعود فضم عياله وقال أنا لهم جار قال ابن الكلبي وعدة قبائل من بني أسد يدعون قتل حجر ويقولون إن علباء كان الساعي في قتله وصاحب المشورة ولم يقتله هو قال ابن حبيب خدان في بني أسد وخدان في بني تميم وفي بني جديلة بالخاء مفتوحة وخدان مضمومة في الأزد وليس في العرب غير هؤلاء قال أبو عمرو الشيباني بل كان حجر لما خاف من بني أسد استجار عوير بن شجنة أحد بني عطارد بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم لبنته هند بنت حجر وعياله وقال لبني أسد لما كثروه أما إذا كان هذا شأنكم فإني مرتحل عنكم ومخليكم وشأنكم فواعدوه على ذلك ومال على خالد بن خدان أحد بني سعد بن ثعلبة فأدركه علباء بن الحارث أحد بني كاهل فقال يا خالد اقتل صاحبك لا يفلت فيعرك وإيانا بشر فامتنع خالد ومر علباء بقصدة رمح مكسورة فيها سنانها فطعن بها في خاصرة حجر وهو غافل فقتله ففي ذلك يقول الأسدي ( وقِصْدةُ عِلْباءِ بن قَيْسِ بن كاهلٍ ... مَنِيّةُ حُجْر في جوار ابن خَدّان ) وذكر الهيثم بن عدي أن حجرا لما استجار عوير بن شجنة لبنيه وقطينه تحول عنهم فأقام في قومه مدة وجمع لبني أسد جمعا عظيما من قومه وأقبل مدلا بمن معه من الجنود فتآمرت بنو أسد بينها وقالوا والله لئن قهركم هذا ليحكمن عليكم حكم الصبي فما خير عيش يكون بعد قهر وأنتم بحمد الله أشد العرب فموتوا كراما فساروا إلى حجر وقد ارتحل نحوهم فلقوه فاقتتلوا قتالا شديدا وكان صاحب أمرهم علباء بن الحارث فحمل على حجر فطعنه فقتله وانهزمت كندة وفيهم يومئذ امرؤ القيس فهرب على فرس له شقراء وأعجزهم وأسروا من أهل بيته رجالا وقتلوا وملؤوا أيديهم من الغنائم وأخذوا جواري حجر ونساءه وما كان معه من شيء فاقتسموه بينهم وقال يعقوب بن السكيت حدثني خالد الكلابي قال كان سبب قتل حجر أنه كان وفد إلى أبيه الحارث بن عمرو في مرضه الذي مات فيه وأقام عنده حتى هلك ثم أقبل راجعا إلى بني أسد وقد كان أغار عليهم في النساء وأساء ولايتهم وكان يقدم بعض ثقله أمامه ويهيأ نزله ثم يجيء وقد هيء له من ذلك ما يعجبه فينزل ويقدم مثل ذلك إلى ما بين يديه من المنازل فيضرب له في المنزلة الأخرى فلما دنا من بلاد بني أسد وقد بلغهم موت أبيه طمعوا فيه فلما أظلهم وضربت قبابه اجتمعت بنو أسد إلى نوفل بن ربيعة بن خدان فقال يا بني أسد من يتلقى هذا الرجل منكم فيقتطعه فإني قد أجمعت على الفتك به فقال له القوم ما لذلك أحد غيرك فخرج نوفل في خيله حتى أغار على الثقل فقتل من وجد فيه وساق الثقل وأصاب جاريتين قينتين لحجر ثم أقبل حتى أتى قومه فلما رأوا ما قد حدث وأتاهم به عرفوا أن حجرا يقاتلهم وأنه لا بد من القتال فحشد الناس لذلك وبلغ حجرا أمرهم فأقبل نحوهم فلما غشيهم ناهضوه القتال وهم بين أبرقين من الرمل في بلادهم يدعيان اليوم أبرقي حجر فلم يلبثوا حجرا أن هزموا أصحابه وأسروه فحبسوه وتشاور القوم في قتله فقال لهم كاهن من كهنتهم بعد أن حبسوه ليروا فيه رأيهم أي قوم لا تعجلوا بقتل الرجل حتى أزجر لكم فانصرف عن القوم لينظر لهم في قتله فلما رأى ذلك علباء خشي أن يتواكلوا في قتله فدعا غلاما من بني كاهل وكان ابن أخته وكان حجر قتل أباه زوج أخت علباء فقال يا بني أعندك خير فتثأر بأبيك وتنال شرف الدهر وإن قومك لن يقتلوك فلم يزل بالغلام حتى حربه ودفع اليه حديدة وقد شحذها وقال ادخل عليه مع قومك ثم اطعنه في مقتله فعمد الغلام إلى الحديدة فخبأها ثم دخل على حجر في قبته التي حبس فيها فلما رأى الغلام غفلة وثب عليه فقتله فوثب القوم على الغلام فقالت بنو كاهل ثأرنا وفي أيدينا فقال الغلام إنما ثأرت بأبي فخلوا عنه وأقبل كاهنهم المزدجر فقال أي قوم قتلتموه ملك شهر وذل دهر أما والله لا تحظون عند الملوك بعده أبدا قال ابن السكيت ولما طعن الأسدي حجرا ولم يجهز عليه أوصى ودفع كتابه إلى رجل وقال له انطلق إلى ابني نافع وكان أكبر ولده فإن بكى وجزع فاله عنه واستقرهم واحدا واحدا حتى تأتي امرأ القيس وكان أصغرهم فأيهم لم يجزع فادفع إليه سلاحي وخيلي وقدوري ووصيتي وقد كان بين في وصيته من قتله وكيف كان خبره فانطلق الرجل بوصيته إلى نافع ابنه فأخذ التراب فوضعه على رأسه ثم استقراهم واحدا واحدا فكلهم فعل ذلك حتى أتى امرأ القيس فوجده مع نديم له يشرب الخمر ويلاعبه بالنرد فقال له قتل حجر فلم يلتفت إلى قوله وأمسك نديمه فقال له امرؤ القيس اضرب فضرب حتى إذا فرغ قال ما كنت لأفسد عليك دستك ثم سأل الرسول عن أمر أبيه كله فأخبره فقال الخمر علي والنساء حرام حتى أقتل من بني أسد مائة وأجز نواصي مائة وفي ذلك يقول ( أرِقتُ ولم يأرَقْ لِمَا بيَ نافعُ ... وهاج لِي الشوقَ الهمومُ الروادعُ ) وقال ابن الكلبي حدثني أبي عن ابن الكاهن الأسدي أن حجرا كان طرد امرأ القيس وآلى ألا يقيم معه أنفة من قوله الشعر وكانت الملوك تأنف من ذلك فكان يسير في أحياء العرب ومعه أخلاط من شذاذ العرب من طيئ وكلب وبكر بن وائل فإذا صادف غديرا أو روضة أو موضع صيد أقام فذبح لمن معه في كل يوم وخرج إلى الصيد فتصيد ثم عاد فأكل وأكلوا معه وشرب الخمر وسقاهم وغنته قيانه ولا يزال كذلك حتى ينفد ماء ذلك الغدير ثم ينتقل عنه إلى غيره فأتاه خبر أبيه ومقتله وهو بدمون من أرض اليمن أتاه به رجل من بني عجل يقال له عامر الأعور أخو الوصاف فلما أتاه بذلك قال ( تَطَاولَ الليلُ على دَمُّونْ ... دَمّونُ إنّا معشرٌ يمانونْ ) ( وإنّنا لأهلها مُحِبُّونْ ... ) ثم قال ضيعني صغيرا وحملني دمه كبيرا لا صحو اليوم ولا سكر غدا اليوم خمر وغدا أمر فذهبت مثلا ثم قال ( خليليَّ لا في اليومِ مَصْحىً لشاربٍ ... ولا في غدٍ إذ ذاك ما كان يُشْرَبُ ) ثم شرب سبعا فلما صحا آلى ألا يأكل لحما ولا يشرب خمرا ولا يدهن بدهن ولا يصيب امرأة ولا يغسل رأسه من جنابة حتى يدرك بثأره فلما جنه الليل رأى برقا فقال ( أرِقتُ لبرقٍ بليلٍ أهَلّْ ... يُضيء سَنَاه بأعلَى الجبلْ ) ( أتاني حديثٌ فكذَّبْتُه ... بأمر تَزَعْزَعُ منه القُلَلْ ) ( بقتل بني أسَدٍ ربَّهم ... ألاَ كلُّ شيءٍ سواه جَلَلْ ) ( فأين رَبيعةُ عن ربّها ... وأين تميمٌ وأين الخَوَل ) ( ألاَ يحضُرون لدى بابه ... كما يحضُرون إذا ما أكل ) وروى الهيثم عن أصحابه أن امرأ القيس لما قتل أبوه كان غلاما قد ترعرع وكان في بني حنظلة مقيما لأن ظئره كانت امرأة منهم فلما بلغه ذلك قال ( يا لَهْفَ هندٍ إذ خَطِئن كاهلا ... القاتلين المَلِكَ الحُلاَحِلا ) ( تالله لا يذهب شيخي باطلا ... ياخيرَ شيخ حَسَباً ونائلا ) ( وخيرَهم قد علموا فواضلا ... يَحْمِلْننا والأَسَلَ النّواهلا ) ( وحيَّ صَعْبٍ والوَشِيجَ الذّابلا ... مُسْتَثْفِراتٍ بالحصى جَوافِلاَ ) يعني صعب بن علي بن بكر بن وائل معنى قوله مستثفرات بالحصى يريد أنها أثارت الحصى بحوافرها لشدة جريها حتى ارتفع إلى أثفارها فكأنها استثفرت به خبر هند بنت حجر مع عوير بن شجنة وقال الهيثم بن عدي لما قتل حجر انحازت بنته وقطينه إلى عوير بن شجنة فقال له قومه كل أموالهم فإنهم مأكولون فأبى فلما كان الليل حمل هندا وقطينها وأخذ بخطام جملها وأشأم بهم في ليلة طخياء مدلهمة فلما أضاء البرق أبدى عن ساقيه وكانتا حمشتين فقالت هند ما رأيت كالليلة ساقي واف فسمعها فقال يا هند هما ساقا غادر شر فرمى بها النجاد حتى أطلعها نجران وقال لها إني لست أغني عنك شيئا وراء هذا الموضع وهؤلاء قومك وقد برئت خفارتي فمدحه امرؤ القيس بعدة قصائد منها قوله في قصيدة له ( ألاَ إنّ قوماً كنتُم أمسِ دونَهم ... هم منعوا جاراتِكم آلَ غُدْرانِ ) ( عُوَيْرٌ ومَنْ مثلُ العُوَيْر ورَهْطِه ... أبرَّ بميثاقٍ وأَوْفَى بجِيران ) ( هم أبلغوا الحيّ المُضَيَّع أهلَه ... وساروا بهم بين الفُرات ونَجْرانِ ) وقوله ( ألاَ قبَح اللهُ البَراجِمَ كلَّها ... وجدَّع يَرْبوعاً وعفَّر دارِما ) ( فما فعلوا فعلَ العُوَيْر ورهطِه ... لدى باب حُجْرٍ إذ تجرّد قائما ) وقال ابن قتيبة في خبره إن القصة المذكورة عن عوير كانت مع أبي حنبل وجارية بن مر قال ويقال بل كانت مع عامر بن جوين الطائي وإن ابنته أشارت عليه بأخذ مال حجر وعياله فقام ودخل الوادي ثم صاح ألا إن عامر بن جوين غدر فأجابه الصدى مثل قوله فقال ما أقبح هذا من قول ثم صاح ألا إن عامر بن جوين وفى فأجابه الصدى بمثل قوله فقال ما أحسن هذا ثم دعا ابنته بجذعة من غنم فاحتلبها وشرب واستلقى على قفاه وقال والله لا أغدر ما أجزأتني جذعة ثم نهض وكانت ساقاه حمشتين فقالت ابنته والله ما رأيت كاليوم ساقي واف فقال وكيف بهما إذا كانتا ساقي غادر هما والله حينئذ أقبح امرؤ القيس في ديار بكر وتغلب وقال ابن الكلبي عن أبيه ويعقوب بن السكيت عن خالد الكلابي إن امرأ القيس ارتحل حتى نزل بكرا وتغلب فسألهم النصر على بني أسد فبعث العيون على بني أسد فنذروا بالعيون ولجؤوا إلى بني كنانة وكان الذي أنذرهم بهم علباء بن الحارث فلما كان الليل قال لهم علباء يا معشر بني أسد تعلمون والله إن عيون امرئ القيس قد أتتكم ورجعت إليه بخبركم فارحلوا بليل ولا تعلموا بني كنانة ففعلوا واقبل امرؤ القيس بمن معه من بكر وتغلب حتى انتهى إلى بني كنانة وهو يحسبهم بني أسد فوضع السلاح فيهم وقال يا لثارات الملك يا لثارات الهمام فخرجت إليه عجوز من بني كنانة فقالت أبيت اللعن لسنا لك بثأر نحن من كنانة فدونك ثأرك فاطلبهم فإن القوم قد ساروا بالأمس فتبع بني أسد ففاتوه ليلتهم تلك فقال في ذلك ( ألا يا لَهْفَ هندٍ إثْرَ قومٍ ... همُ كانوا الشفاءَ فلم يُصابوا ) ( وقاهم جَدُّهم ببني أبيهم ... وبالأَشْقَيْنَ ما كان العقابُ ) ( وأَفْلتهنّ عِلْباءٌ جَريضاً ... ولو أدركْنَه صَفِرَ الوِطابُ ) يعني ببني أبيهم بني كنانة لأن أسدا وكنانة ابني خزيمة أخوان أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال سمعت رجلا سأل يونس عن قوله صفر الوطاب فقال سألنا رؤبة عنه فقال لو أدركوه قتلوه وساقوا إبله فصفرت وطابه من اللبن وقال غيره صفر الوطاب أي إنه كان يقتل فيكون جسمه صفرا من دمه كما يكون الوطاب صفرا من اللبن وأدركهم ظهرا وقد تقطعت خيله وقطع أعناقهم العطش وبنو أسد جامون على الماء فنهد إليهم فقاتلهم حتى كثرت الجرحى والقتلى فيهم وحجز الليل بينهم وهربت بنو أسد فلما أصبحت بكر وتغلب أبوا أن يتبعوهم وقالوا له قد أصبت ثأرك قال والله ما فعلت ولا أصبت من بني كاهل ولا من غيرهم من بني أسد أحدا قالوا بلى ولكنك رجل مشؤوم وكرهوا قتالهم بني كنانة وانصرفوا عنه ومضى هاربا لوجهه حتى لحق بحمير امرؤ القيس يستنجد بالقبائل واسيادها وقال ابن السكيت حدثني خالد الكلابي أن امرأ القيس لما أقبل من الحرب على فرسه الشقراء لجأ إلى ابن عمته عمرو بن المنذر وأمه هند بنت عمرو بن حجر بن آكل المرار وذلك بعد قتل أبيه وأعمامه وتفرق ملك أهل بيته وكان عمرو يومئذ خليفة لأبيه المنذر ببقة وهي بين الأنبار وهيت فمدحه وذكر صهره ورحمه وأنه قد تعلق بحباله ولجأ إليه فأجاره ومكث عنده زمانا ثم بلغ المنذر مكانه عنده فطلبه وأنذره عمرو فهرب حتى أتى حمير وقال ابن الكلبي والهيثم بن عدي وعمر بن شبة وابن قتيبة فلما امتنعت بكر بن وائل وتغلب من اتباع بني أسد خرج من فوره ذلك إلى اليمن فاستنصر أزدشنوءة فأبوا أن ينصروه وقالوا إخواننا وجيراننا فنزل بقيل يدعى مرثد الخير بن ذي جدن الحميري وكانت بينهما قرابة فاستنصره واستمده على بني أسد فأمده بخمسمائة رجل من حمير ومات مرثد قبل رحيل امرئ القيس بهم وقام بالمملكة بعده رجل من حمير يقال له قرمل بن الحميم وكانت أمه سوداء فردد امرأ القيس وطول عليه حتى هم بالانصراف وقال ( وإذ نحن ندعو مَرْثَد الخيرِ ربَّنا ... وإذ نحن لا نُدْعَى عَبيداً لقَرْمَلِ ) فأنفذ له ذلك الجيش وتبعه شذاذ من العرب واستأجر من قبائل العرب رجالا فسار بهم إلى بني أسد ومر بتبالة وبها صنم للعرب تعظمه يقال له ذو الخلصة فاستقسم عنده بقداحه وهي ثلاثة الآمر والناهي والمتربص فأجالها فخرج الناهي ثم أجالها فخرج الناهي ثم أجالها فخرج الناهي فجمعها وكسرها وضرب بها وجه الصنم وقال مصصت بظر أمك لو أبوك قتل ما عقتني ثم خرج فظفر ببني أسد ويقال إنه ما استقسم عند ذي الخلصة بعد ذلك بقدح حتى جاء أمر الله بالإسلام وهدمه جرير بن عبد الله البجلي قالوا وألح المنذر في طلب امرئ القيس ووجه الجيوش في طلبه من إياد وبهراء وتنوخ ولم تكن لهم طاقة وأمده أنوشروان بجيش من الأساورة فسرحهم في طلبه وتفرقت حمير ومن كان معه عنه فنجا عصبة من بني آكل المرار حتى نزل بالحارث بن شهاب من بني يربوع بن حنظلة ومع امرئ القيس أدراع خمسة الفضفاضة والضافية والمحصنة والخربق وأم الذيول كن لبني آكل المرار يتوارثونها ملكا عن ملك فقلما لبثوا عند الحارث بن شهاب حتى بعث إليه المنذر مائة من أصحابه يوعده بالحرب إن لم يسلم إليه بني آكل المرار فأسلمهم ونجا امرؤ القيس ومعه يزيد بن معاوية بن الحارث وبنته هند بنت امرئ القيس والأدرع والسلاح ومال كان بقي معه فخرج على وجهه حتى وقع في أرض طيئ وقيل بل نزل قبلهم على سعد بن الضباب الإيادي سيد قومه فأجاره قال ابن الكلبي وكانت أم سعد بن الضباب تحت حجر أبي امرئ القيس فطلقها وكانت حاملا وهو لا يعرف فتزوجها الضباب فولدت سعدا على فراشه فلحق نسبه به فقال امرؤ القيس يذكر ذلك ( يُفاكهنا سعدٌ ويُنْعِمُ بالَنا ... ويغدو علينا بالجِفَانِ وبالجُزُرْ ) ( ونعرف فيه من أبيه شمائلاً ... ومن خاله ومن يزيدَ ومن حُجُرْ ) ( سماحةَ ذا وبِرَّ ذا ووفاء ذا ... ونائلَ ذا إذا صحا وإذا سَكِرْ ) ثم تحول عنه فوقع في أرض طيئ فنزل برجل من بني جديلة يقال له المعلى بن تيم ففي ذلك يقول ( كأنِّي إذ نزلتُ على المُعَلَّى ... نزلتُ على البواذخ من شَمَامِ ) ( فما مَلِكُ العراقِ على المُعَلَّى ... بمقتدرٍ ولا مَلِكُ الشآم ) ( اقرَّ حَشَى امرىء القيس بن حُجْرٍ ... بنو تَيْمٍ مصابيحُ الظلامِ ) قالوا فلبث عنده واتخذ إبلا هناك فغدا قوم من بني جديلة يقال لهم بنو زيد فطردوا الإبل وكانت لامرئ القيس رواحل مقيدة عند البيوت خوفا من أن يدهمه أمر ليسبق عليهن فخرج حينئذ فنزل ببني نبهان من طيئ فخرج نفر منهم فركبوا الرواحل ليطلبوا له الإبل فأخذتهن جديلة فرجعوا إليه بلا شيء فقال في ذلك ( وأعجبني مَشْيُ الحُزُقَّة خالدٍ ... كمشي أتانٍ حُلِّئتْ بالمناهل ) ( فدع عنك نَهْباً صِيحَ في حَجَراتهِ ... ولكن حديثاً ما حديثُ الرَّواحل ) ففرقت عليه بنو نبهان فرقا من معزى يحلبها فأنشأ يقول ( إذا ما لم تَجِدْ إبلاً فمِعْزىً ... كأن قرُون جِلَّتها العِصِيُّ ) ( إذا ما قام حالبُها أَرَنَّتْ ... كأن القوم صبَّحهم نَعِيُّ ) ( فتملأُ بيتَنا أقِطاً وسَمْناً ... وحَسْبُك من غِنىً شِبَعٌ ورِيُّ ) فكان عندهم ما شاء الله ثم خرج فنزل بعامر بن جوين واتخذ عنده إبلا وعامر يومئذ أحد الخلعاء الفتاك قد تبرأ قومه من جرائره فكان عنده ما شاء الله ثم هم أن يغلبه على أهله وماله ففطن امرؤ القيس بشعر كان عامر ينطق به وهو قوله ( فكم بالصعيد من هِجَان مؤبَّلَهْ ... تَسير صحاحاً ذاتَ قيد ومُرْسَلَهْ ) ( أردتُ بها فَتْكاً فلم أَرْتَمِضْ له ... ونَهْنهتُ نفسي بعدما كدتُ أفعلَه ) وكان عامر أيضا يقول يعرض بهند بنت امرئ القيس ( ألاَ حَيِّ هنداً وأطلالَها ... وتَظْعانَ هندٍ وَتَحْلالَها ) ( هَممتُ بنفسيَ كلَّ الهُموم ... فأَوْلَى لنفسيَ أَوْلَى لها ) ( سأحمِل نفسي على آلة ... فإمّا عليها وإمّا لها ) هكذا روى ابن أبي سعد عن دارم بن عقال ومن الناس من يروي هذه الأبيات للخنساء في قصيدتها ( ألاَ ما لِعَيْنِي ألاَ ما لَها ... لقد أَخْضَلَ الدمعُ سِرْبالَها ) قالوا فلما عرف امرؤ القيس ذلك منه وخافه على أهله وماله تغفله وانتقل إلى رجل من بني ثعل يقال له حارثة بن مر فاستجار به فوقعت الحرب بين عامر وبين الثعلي فكانت في ذلك أمور كثيرة عمرو بن جابر يدل امرأ القيس على السموءل قال دارم بن عقال في خبره فلما وقعت الحرب بين طيئ من أجله خرج من عندهم فنزل برجل من بني فزارة يقال له عمرو بن جابر بن مازن فطلب منه الجوار حتى يرى ذات عيبه فقال له الفزاري يابن حجر إني أراك في خلل من قومك وأنا أنفس بمثلك من أهل الشرف وقد كدت بالأمس تؤكل في دار طيئ وأهل البادية أهل بر لا أهل حصون تمنعهم وبينك وبين أهل اليمن ذؤبان من قيس أفلا أدلك على بلد فقد جئت قيصر وجئت النعمان فلم أر لضيف نازل ولا لمجتد مثله ولا مثل صاحبه قال من هو وأين منزله قال السموءل بتيماء وسوف أضرب لك مثله هو يمنع ضعفك حتى ترى ذات عيبك وهو في حصن حصين وحسب كبير فقال له امرؤ القيس وكيف لي به قال أوصلك إلى من يوصلك إليه فصحبه إلى رجل من بني فزارة يقال له الربيع بن ضبع الفزاري ممن يأتي السموءل فيحمله ويعطيه فلما صار إليه قال له الفزاري إن السموءل يعجبه الشعر فتعال نتناشد له أشعارا فقال امرؤ القيس قل حتى أقول فقال الربيع ( قُلْ للمنيَّة أيَّ حِينِ نلتقي ... بِفناء بيتِك في الحَضِيض المَزْلَقِ ) وهي طويلة يقول فيها ( ولقد أتيتُ بَني المُصاصِ مُفَاخِراً ... وإلى السموءل زُرْتُه بالأَبْلَقِ ) ( فأتيتُ أفضلَ مَنْ تحمَّل حاجةً ... إن جئته في غارِمٍ أو مُرْهَقِ ) ( عرفتْ له الأقوامُ كلَّ فضيلةٍ ... وحَوَى المكارمَ سابقاً لم يُسْبَقِ ) قال فقال امرؤ القيس ( طرَقتْك هندٌ بعد طول تجنُّبٍ ... وَهْناً ولم تَكُ قبل ذلك تَطْرُقُ ) وهي قصيدة طويلة وأظنها منحولة لأنها لا تشاكل كلام امرئ القيس والتوليد فيها بين وما دونها في ديوانه أحد من الثقات وأحسبها مما صنعه دارم لأنه من ولد السموءل ومما صنعه من روى عنه من ذلك فلم تكتب هنا قال فوفد الفزاري بامرئ القيس إليه فلما كانوا ببعض الطريق إذا هم ببقرة وحشية مرمية فلما نظر إليها أصحابه قاموا فذكوها فبينما هم كذلك إذا هم بقوم قناصين من بني ثعل فقالوا لهم من أنتم فانتسبوا لهم وإذا هم من جيران السموءل فانصرفوا جميعا وقال امرؤ القيس ( رُبَّ رامٍ من بني ثُعَلٍ ... مُخْرِج كَفَّيْهِ من قُتَرِهْ ) ( عارضٍ زَوْراءَ من نَشَمٍ ... مع باناةٍ على وَتَرِهْ ) هكذا في رواية ابن دارم ويروى غير باناة وتحت باناة ( إذ أتتْه الوحشُ واردةً ... فتثنَّى النزعَ في يَسَرِهْ ) ( فرماها في فرائِصها ... بإزاء الحوضِ أو عُقُرِه ) ( برهِيشٍ من كِنانتِه ... كتلظِّي الجمر في شَرَرِهْ ) ( راشَه من رِيِش ناهضةٍ ... ثم أَمْهاه على حَجَرهْ ) ( فهو لا تَنْمِي رَمِيَّتُه ... ما لَهُ لا عُدَّ من نَفَرِه ) قال ثم مضى القوم حتى قدموا على السموءل فأنشده الشعر وعرف لهم حقهم فأنزل المرأة في قبة أدم وأنزل القوم في مجلس له براح فكان عنده ما شاء الله ثم إنه طلب إليه أن يكتب له إلى الحارث بن أبي شمر الغساني بالشأم ليوصله إلى قيصر فاستنجد له رجلا واستودع عنده المرأة والأدراع والمال وأقام معها يزيد بن معاوية بن الحارث ابن عمه فمضى حتى انتهى إلى قيصر فقبله وأكرمه وكانت له عنده منزلة فاندس رجل من بني أسد يقال له الطماح وكان امرؤ القيس قد قتل أخا له من بني أسد حتى أتى إلى بلاد الروم فأقام مستخفيا ثم إن قيصر ضم إليه جيشا كثيفا وفيهم جماعة من أبناء الملوك فلما فصل قال لقيصر قوم من أصحابه إن العرب قوم غدر ولا تأمن أن يظفر بما يريد ثم يغزوك بمن بعثت معه قصة الحلة المسمومة وموت امرئ القيس وقال ابن الكلبي بل قال له الطماح إن امرأ القيس غوي عاهر وإنه لما انصرف عنك بالجيش ذكر أنه كان يراسل ابنتك ويواصلها وهو قائل في ذلك أشعارا يشهرها بها في العرب فيفضحها ويفضحك فبعث إليه حينئذ بحلة وشي مسمومة منسوجة بالذهب وقال له إني أرسلت إليك بحلتي التي كنت ألبسها تكرمة لك فإذا وصلت إليك فالبسها باليمن والبركة واكتب إلي بخبرك من منزل منزل فلما وصلت إليه لبسها واشتد سروره بها فأسرع فيه السم وسقط جلده فلذلك سمي ذا القروح وقال في ذلك ( لقد طمَح الطمَّاح من بُعد أرضه ... ليُلْبِسَني ممّا يلبِّس أبؤسا ) ( فلو أنها نفسٌ تموت سَوِيَّةً ... ولكنّها نفسٌ تَساقَطُ أنفُسا ) قال فلما صار إلى بلدة من بلاد الروم تدعى أنقرة احتضر بها فقال ( رُب خُطْبةٍ مُسْحَنْفِرَهْ ... وطَعْنةٍ مُثْعَنْجِرَهْ ) ( وجَفْنةٍ متحيِّرة ... حَلِّت بأرض أَنقِره ) ورأى قبر امرأة من أبناء الملوك ماتت هناك فدفنت في سفح جبل يقال له عسيب فسأل عنها فأخبر بقصتها فقال ( أجارتَنا إنّ المَزارَ قريبُ ... وإنِّي مقيمٌ ما أقام عَسِيبٌ ) ( أجارتَنا إنّا غريبانِ هاهنا ... وكلُّ غريبٍ للغريب نسيبُ ) ثم مات فدفن إلى جنب المرأة فقبره هناك أخبرني محمد بن القاسم عن مجالد بن سعيد عن عبد الملك بن عمير قال قدم علينا عمر بن هبيرة الكوفة فأرسل إلى عشرة أنا أحدهم من وجوه الكوفة فسمروا عنده ثم قال ليحدثني كل رجل منكم أحدوثة وابدأ أنت يا أبا عمر فقلت أصلح الله الأمير أحديث الحق أم حديث الباطل قال بل حديث الحق قلت إن امرأ القيس آلى بألية ألا يتزوج امرأة حتى يسألها عن ثمانية وأربعة وثنتين فجعل يخطب النساء فإذا سألهن عن هذا قلن أربعة عشر فبينما هو يسير في جوف الليل إذا هو برجل يحمل ابنة له صغيرة كأنها البدر ليلة تمامه فأعجبته فقال لها يا جارية ما ثمانية وأربعة واثنتان فقالت أما ثمانية فأطباء الكلبة وأما أربعة فأخلاف الناقة وأما اثنتان فثديا المرأة فخطبها إلى أبيها فزوجه إياها وشرطت هي عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال فجعل لها ذلك وأن يسوق إليها مائة من الإبل وعشرة أعبد وعشر وصائف وثلاثة أفراس ففعل ذلك ثم إنه بعث عبدا له إلى المرأة وأهدى إليها نحيا من سمن ونحيا من عسل وحلة من عصب فنزل العبد ببعض المياه فنشر الحلة ولبسها فتعلقت بعشرة فانشقت وفتح النحيين فطعم أهل الماء منهما فنقصا ثم قدم على حي المرأة وهم خلوف فسألها عن أبيها وأمها وأخيها ودفع إليها هديتها فقالت له أعلم مولاك أن أبي ذهب يقرب بعيدا ويبعد قريبا وأن أمي ذهبت تشق النفس نفسين وأن أخي يراعي الشمس وأن سماءكم انشقت وأن وعاءيكم نضبا فقدم الغلام على مولاه فأخبره فقال أما قولها إن أبي ذهب يقرب بعيدا ويبعد قريبا فإن أباها ذهب يحالف قوما على قومه وأما قولها ذهبت أمي تشق النفس نفسين فإن أمها ذهبت تقبل امرأة نفساء وأما قولها إن أخي يراعي الشمس فإن أخاها في سرح له يرعاه فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به وأما قولها إن سماءكم انشقت فإن البرد الذي بعثت به انشق وأما قولها إن وعاءيكم نضبا فإن النحيين اللذين بعثت بهما نقصا فاصدقني فقال يا مولاي إني نزلت بماء من مياه العرب فسألوني عن نسبي فأخبرتهم أني ابن عمك ونشرت الحلة فانشقت وفتحت النحيين فأطعمت منهما أهل الماء فقال أولى لك ثم ساق مائة من الإبل وخرج نحوها ومعه الغلام فنزلا منزلا فخرج الغلام يسقي الإبل فعجز فأعانه امرؤ القيس فرمى به الغلام في البئر وخرج حتى أتى المرأة بالإبل وأخبرهم أنه زوجها فقيل لها قد جاء زوجك فقالت والله ما أدري أزوجي هو أم لا ولكن انحروا له جزورا وأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا فقالت اسقوه لبنا حازرا وهو الحامض فسقوه فشرب فقالت افرشوا له عند الفرث والدم ففرشوا له فنام فلما أصبحت أرسلت إليه إني أريد أن أسألك فقال سلي عما شئت فقالت مم تختلج شفتاك قال لتقبيلي إياك قالت فمم يختلج كشحاك قال لالتزامي إياك قالت فمم يختلج فخذاك قال لتوركي إياك قالت عليكم العبد فشدوا أيديكم به ففعلوا قال ومر قوم فاستخرجوا امرأ القيس من البئر فرجع إلى حيه فاستاق مائة من الإبل وأقبل إلى امرأته فقيل لها قد جاء زوجك فقالت والله ما أدري أهو زوجي أم لا ولكن انحروا له جزورا فأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا فلما أتوه بذلك قال وأين الكبد والسنام والملحاء فأبى أن يأكل فقالت اسقوه لبنا حازرا فأبى أن يشربه وقال فأين الصريف والرثيئة فقالت أفرشوا له عند الفرث والدم فأبى أن ينام وقال افرشوا لي فوق التلعة الحمراء واضربوا عليها خباء ثم أرسلت إليه هلم شريطتي عليك في المسائل الثلاث فأرسل إليها أن سلي عما شئت فقالت مم تختلج شفتاك قال لشربي المشعشعات قالت فمم يختلج كشحاك قال للبسي الحبرات قالت فمم تختلج فخذاك قال لركضي المطهمات فقالت هذا زوجي لعمري فعليكم به واقتلوا العبد فقتلوه ودخل امرؤ القيس بالجارية فقال ابن هبيرة حسبكم فلا خير في الحديث في سائر الليلة بعد حديثك يا أبا عمرو ولن تأتينا بأعجب منه فقمنا وانصرفنا وأمر لي بجائزة مفاوضات امرئ القيس وقبائل أسد نسخت من كتاب جدي يحيى بن محمد بن ثوابة بخطه رحمه الله حدثني الحسن بن سعيد عن أبي عبيدة قال أخبرني سيبويه النحوي أن الخليل بن أحمد أخبره قال قدم على امرئ القيس بن حجر بعد مقتل أبيه رجال من قبائل بني أسد كهول وشبان فيهم المهاجر بن خداش ابن عم عبيد بن الأبرص وقبيصة بن نعيم وكان في بني أسد مقيما وكان ذا بصيرة بمواقع الأمور وردا وإصدارا يعرف ذلك له من كان محيطا بأكناف بلده من العرب فلما علم بمكانهم أمر بإنزالهم وتقدم بإكرامهم والإفضال عليهم واحتجب عنهم ثلاثا فسألوا من حضرهم من رجال كندة فقال هو في شغل بإخراج ما في خزائن حجر من السلاح والعدة فقالوا اللهم غفرا إنما قدمنا في أمر نتناسى به ذكر ما سلف ونستدرك به ما فرط فليبلغ ذلك عنا فخرج عليهم في قباء وخف وعمامة سوداء وكانت العرب لا تعتم بالسواد إلا في الترات فلما نظروا إليه قاموا له وبدر إليه قبيصة إنك في المحل والقدر والمعرفة بتصرف الدهر وما تحدثه أيامه وتتنقل به أحواله بحيث لا تحتاج إلى تبصير واعظ ولا تذكرة مجرب ولك من سؤدد منصبك وشرف أعراقك وكرم أصلك في العرب محتمل يحتمل ما حمل عليه من إقالة العثرة ورجوع عن هفوة ولا تتجاوز الهمم إلى غاية إلا رجعت إليك فوجدت عندك من فضيلة الرأي وبصيرة الفهم وكرم الصفح في الذي كان من الخطب الجليل الذي عمت رزيته نزارا واليمن ولم تخصص كندة بذلك دوننا للشرف البارع كان لحجر التاج والعمة فوق الجبين الكريم وإخاء الحمد وطيب الشيم ولو كان يفدى هالك بالأنفس الباقية بعده لما بخلت كراعنا على مثله ببذل ذلك ولفديناه منه ولكن مضى به سبيل لا يرجع أولاه على أخراه ولا يلحق أقصاه أدناه فأحمد الحالات في ذلك أن تعرف الواجب عليك في إحدى خلال إما أن اخترت من بني أسد أشرافها بيتا وأعلاها في بناء المكرمات صوتا فقدناه إليك بنسعه تذهب مع شفرات حسامك قصدته فيقول رجل امتحن بهلك عزيز فلم تستل سخيمته إلا بتمكينه من الانتقام أو فداء بما يروح من بني أسد من نعمها فهي ألوف تجاوز الحسبة فكان ذلك فداء رجعت به القضب إلى أجفانها لم يردده تسليط الإحن على البرءاء وإما أن توادعنا حتى تضع الحوامل فنسدل الأزر ونعقد الخمر فوق الرايات قال فبكى ساعة ثم رفع رأسه فقال لقد علمت العرب أن لا كفء لحجر في دم وإني لن أعتاض به جملا أو ناقة فأكتسب بذلك سبة الأبد وفت العضد وأما النظرة فقد أوجبتها الأجنة في بطون أمهاتها ولن أكون لعطبها سببا وستعرفون طلائع كندة من بعد ذلك تحمل القلوب حنقا وفوق الأسنة علقا ( إذا جالت الخيل في مأزِقٍ ... تُصافِح فيه المنايا النفوسا ) أتقيمون أم تنصرفون قالوا بل ننصرف بأسوأ الاختيار وأبلى الاجترار لمكروه وأذية وحرب وبلية ثم نهضوا عنه وقبيصة يقول متمثلا ( لعلك أن تستوخم الموتَ إن غدتْ ... كتائبُنا في مأزِق الموت تَمْطُرُ ) فقال امرؤ القيس لا والله لا أستوخمه فرويدا ينكشف لك دجاها عن فرسان كندة وكتائب حمير ولقد كان ذكر غير هذا أولى بي إذ كنت نازلا بربعي ولكنك قلت فأجبت فقال قبيصة ما نتوقع فوق قدر المعاتبة والإعتاب قال امرؤ القيس فهو ذاك أصوات معبد المعروفة بألقابها وهي خمسة أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه وأخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة عن إسحاق وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه وأخبرني علي بن عبد العزيز عن ابن خرداذبة عن إسحاق أن معبدا كان يسمى صوته ( هُرَيْرةَ ودِّعها وإن لام لائم ... ) الدوامة لكثرة ما فيه من الترجيع ويسمي صوته ( عاود القلبَ من تذكُّرِ جُمْلٍ ... ) المنمنم ويسمي صوته ( أمِنْ آل ليلى بالمَلاَ مُتَرَبَّعُ ... ) معقصات القرون أي يحرك خصل الشعر ويسمي صوته ( جعل الله جعفرا لكِ بَعْلاً ... ) المتبختر ويسمي صوته ( ضوءُ بَرْقٍ بدا لعينيك أم شَبَّتْ ... بذي الأَثْلِ من سَلاَمةَ نارُ ) مقطع الأثفار نسبة هذه الأصوات وأخبارها ( هُرَيْرةَ وَدِّعْها وإن لام لائمُ ... غداة غدٍ أم أنت للبَيْن واجمُ ) ( لقد كان في حولٍ ثَوَاءٍ ثَوَيتُه ... تقضّى لُبانات ويسأم سائمُ ) ( مُبَتَّلةٌ هَيْفاءُ رُودٌ شبابُها ... لها مقلتا رِيمٍ وأسودُ فاحمُ ) ( ووجهٌ نقيُّ اللَّون صافٍ يَزينه ... مع الحَلْي لَبَّاتٌ لها وَمَعاصِمُ ) الواجم الساكت المطرق من الحزن يقال وجم يجم وجوما وقوله لقد كان في حول ثواء ثويته قال الكوفيون أراد لقد كان في ثواء حول ثويته فجعل ثواء بدلا من حول وأخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام عن يونس قال كان أبو عمرو بن العلاء يعيب قول الأعشى ( لقد كان في حول ثواء ثويته ... ) جدا ويقول ما أعرف له معنى ولا وجها يصح قال أبو خليفة وأما أبو عبيدة فإنه قال معناه لقد كان في ثواء حول ثويته واللبانات والمآرب والحوائج والأوطار واحد والمبتلة الحسنة الخلق والهيفاء اللطيفة الخصر والرئم الظبي والفاحم الشديد السواد وقال لبات لها وإنما لها لبة واحدة ولكن العرب تقول ذلك كثيرا يقال لها لبات حسان يراد اللبة وما حولها والمعاصم موضع الأسورة وواحدها معصم الشعر للأعشى والغناء لمعبد وله فيه لحنان أحدهما وهو الملقب بالدوامة خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق والآخر ثقيل عن الهشامي وابن خرداذبة أخبار الأعشى ونسبه الأعشى هو ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الحصن بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ويكنى أبا بصير وكان يقال لأبيه قيس بن جندل قتيل الجوع سمي بذلك لأنه دخل غارا يستظل فيه من الحر فوقعت صخرة عظيمة من الجبل فسدت فم الغار فمات فيه جوعا فقال فيه جهنام واسمه عمرو وهو من قومه من بني قيس بن ثعلبة يهجوه وكانا يتهاجيان ( أبوك قَتيلُ الجوعِ قَيْسُ بن جَنْدلٍ ... وخالُك عبدٌ من خُمَاعةَ راضعُ ) وهو أحد الأعلام من شعراء الجاهلية وفحولهم وتقدم على سائرهم وليس ذلك بمجمع عليه لا فيه ولا في غيره أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال سألت يونس النحوي من أشعر الناس قال لا أومىء إلى رجل بعينه ولكني أقول امرؤ القيس إذا غضب والنابغة إذا رهب وزهير إذا رغب والأعشى إذا طرب أخبرني ابن عمار عن ابن مهرويه عن حذيفة بن محمد عن ابن سلام بمثله أخبرني عمي قال حدثنا ابن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن ابن الكلبي عن أبيه وأبي مسكين أن حسانا سئل من أشعر الناس فقال أشاعر بعينه أم قبيلة قالوا بل قبيلة قال الزرق من بني قيس بن ثعلبة وهذا حديث يروى أيضا عن غير حسان أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار عن ابن مهرويه قال حدثنا عبدة بن عصمة عن فراس بن خندف عن علي بن شفيع قال إني لواقف بسوق حجر إذ أنا برجل من هيئته وحاله عليه مقطعات خز وهو على نجيب مهري عليه رحل لم أر قط أحسن منه وهو يقول من يفاخرني من ينافرني ببني عامر بن صعصعة فرسانا وشعراء وعددا وفعالا قلت أنا قال بمن قلت ببني ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر ابن وائل فقال أما بلغك أن رسول الله نهى عن المنافرة ثم ولى هاربا قلت من هذا قيل عبد العزيز بن زرارة بن جزء بن سفيان الكلابي صناجة العرب أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال قال أبو عبيدة من قدم الأعشى يحتج بكثرة طواله الجياد وتصرفه في المديح والهجاء وسائر فنون الشعر وليس ذلك لغيره ويقال هو أول من سأل بشعره وانتجع به أقاصي البلاد وكان يغنى في شعره فكانت العرب تسميه صناجة العرب أخبرني المهلبي والجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال سمعت خلادا الأرقط يقول سمعت خلفا الأحمر يقول لا يعرف من أشعر الناس كما لا يعرف من أشجع الناس ولا من كذا ولا من كذا لأشياء ذكرها خلف ونسيتها أنا أبو زيد عمر بن شبة يقول هذا أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي يوسف قال حدثني عمي إسماعيل بن أبي محمد قال أخبرني أبي قال سمعت أبا عمرو بن العلاء يقدم الأعشى وقال هشام بن الكلبي أخبرني أبو قبيصة المجاشعي أن مروان بن أبي حفصة سئل من أشعر الناس قال الذي يقول ( كِلاَ أبَويْكم كان فرعَ دِعَامةٍ ... ولكنّهم زادوا وأصبحتَ ناقصا ) يعني الأعشى أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي قال قال سلمة بن نجاح أخبرني يحيى بن سليم الكاتب قال بعثني أبو جعفر أمير المؤمنين بالكوفة إلى حماد الراوية أسأله عن أشعر الشعراء قال فأتيت باب حماد فاستأذنت وقلت يا غلام فأجابني إنسان من أقصى بيت في الدار فقال من أنت فقلت يحيى بن سليم رسول أمير المؤمنين قال ادخل رحمك الله فدخلت أتسمت الصوت حتى وقفت على باب البيت فإذا حماد عريان على فرجه دستجة شاهسفرم فقلت إن أمير المؤمنين يسألك عن أشعر الناس فقال نعم ذلك الأعشى صناجها أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال سمعت أبا عبيدة يقول سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول عليكم بشعر الأعشى فإني شبهته بالبازي يصيد ما بين العندليب إلى الكركي مرتبته بين الشعراء أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال سمعت أبا عبيدة يقول بلغني أن رجلا من أهل البصرة حج وروى هذا الحديث ابن الكلبي عن شعيب بن عبد الرحمن أبي معاوية النحوي عن رجل من أهل البصرة أنه حج قال فإني لأسير في ليلة إضحيانة إذ نظرت إلى رجل شاب راكب على ظليم قد زمه بخطامه وهو يذهب عليه ويجيء وهو يرتجز ويقول ( هل يُبْلِغَنِّيهم إلى الصَّبَاحْ ... هِقْلٌ كأن رأسه جُمَّاحْ ) الجماح أطراف النبت الذي يسمى الحلي وهو سنبله إلا أنه ليس بخشن يشبه أذناب الثعالب قال والجماح أيضا سهيم يلعب به الصبيان يجعلون مكان زجه طينا قال فعلمت أنه ليس بإنسي فاستوحشت منه فتردد علي ذاهبا وراجعا حتى أنست به فقلت من أشعر الناس يا هذا قال الذي يقول ( وما ذَرَفتْ عيناكِ إلاّ لتضربي ... بسَهْمَيْكِ في أعشار قلبٍ مُقَتَّلِ ) قلت ومن هو قال امرؤ القيس قلت فمن الثاني قال الذي يقول ( تَطْرُدُ القُرَّ بِحَرٍّ ساخنٍ ... وعَكيكَ القَيْظِ إن جاء بِقُرّ ) قلت ومن يقوله قال طرفة قلت ومن الثالث قال الذي يقول ( وتبرُد بردَ رِداء العَرُوسِ ... بالصَّيْف رَقْرقْتَ فيه العَبِيرَا ) قلت ومن يقوله قال الأعشى ثم ذهب به أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني أبو عدنان قال وقال لي يحيى بن الجون العبدي راوية بشار نحن حاكة الشعر في الجاهلية والإسلام ونحن أعلم الناس به أعشى بني قيس بن ثعلبة أستاذ الشعراء في الجاهلية وجرير بن الخطفي أستاذهم في الإسلام حديث الشعبي عنه أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الرياشي قال قال الشعبي الأعشى أغزل الناس في بيت وأخنث الناس في بيت وأشجع الناس في بيت فأما أغزل بيت فقوله ( غَرَّاءُ فَرْعاءُ مصقولٌ عوارضُها ... تَمْشِي الهُوَيْنَى كما يمشي الوَجِي الوَحِل ) وأما أخنث بيت فقوله ( قالت هُرَيْرةُ لمّا جئتُ زائرَها ... وَيْلي عليك ووَيْلي منك يا رجل ) وأما أشجع بيت فقوله ( قالوا الطِّرادَ فقلنا تلك عادتنا ... أوْ تنزلون فإنا مَعْشَرٌ نُزُلُ ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه عن ابن أبي سعد قال ذكر الهيثم بن عدي أن حمادا الراوية سئل عن أشعر العرب قال الذي يقول ( نازعتُهم قُضُبَ الرَّيْحانِ مُتَّكئاً ... وقَهْوةً مُزَّةً راوُوقُها خَضِل ) أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا أبو علي العنزي قال حدثني محمد بن معاوية الأسدي قال حدثني رجل من أبان بن تغلب عن سماك بن حرب قال قال لي يحيى بن متى راوية الأعشى وكان نصرانيا عباديا وكان معمرا قال كان الأعشى قدريا وكان لبيد مثبتا قال لبيد ( مَنْ هَدَاه سُبُلَ الخير اهتدَى ... ناعمَ البالِ ومَنْ شاء أضَلّْ ) وقال الأعشى ( إِستأثر اللهُ بالوفاء وبالعَدْل ... ووَلَّى المَلامةَ الرَّجُلاَ ) قلت فمن أين أخذ الأعشى مذهبه قال من قبل العباديين نصارى الحيرة كان يأتيهم يشتري منهم الخمر فلقنوه ذلك أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أبو شراعة في مجلس الرياشي قال حدثنا مشايخ بني قيس بن ثعلبة قالوا كانت هريرة التي يشبب بها الأعشى أمة سوداء لحسان بن عمرو بن مرثد وأخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن فراس بن الخندف قال كانت هريرة وخليدة أختين قينتين كانتا لبشر بن عمرو بن مرثد وكانتا تغنيانه النصب وقدم بهما اليمامة لما هرب من النعمان قال ابن دريد فأخبرني عمي عن ابن الكلبي بمثل ذلك الشعر واسطة للزواج وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي عن الرياشي مما أجازه له عن العتبي عن رجل من قيس عيلان قال كان الأعشى يوافي سوق عكاظ في كل سنة وكان المحلق الكلابي مئناثا مملقا فقالت له امرأته يا أبا كلاب ما يمنعك من التعرض لهذا الشاعر فما رأيت أحدا اقتطعه إلى نفسه إلا وأكسبه خيرا قال ويحك ما عندي إلا ناقتي وعليها الحمل قالت الله يخلفها عليك قال فهل له بد من الشراب والمسوح قالت إن عندي ذخيرة لي ولعلي أن أجمعها قال فتلقاه قبل أن يسبق إليه أحد وابنه يقوده فأخذ الخطام فقال الأعشى من هذا الذي غلبنا على خطامنا قال المحلق قال شريف كريم ثم سلمه إليه فأناخه فنحر له ناقته وكشط له عن سنامها وكبدها ثم سقاه وأحاطت بناته به يغمزنه ويمسحنه فقال ما هذه الجواري حولي قال بنات أخيك وهن ثمان شريدتهن قليلة قال وخرج من عنده ولم يقل فيه شيئا فلما وافى سوق عكاظ إذا هو بسرحة قد اجتمع الناس عليها وإذا الأعشى ينشدهم ( لعمري لقد لاحتْ عيونٌ كثيرةٌ ... إلى ضوء نار باليَفَاع تَحَرَّقُ ) ( تُشَبُّ لمقرورَيْن يصطليانها ... وبات على النار النَّدَى والمُحَلَّقُ ) ( رَضِيعَيْ لِبانِ ثَدْيِ أمٍّ تحالفا ... بأسْحَمَ داجٍ عَوْضُ لا نَتَفَرَّقُ ) فسلم عليه المحلق فقال له مرحبا يا سيدي بسيد قومه ونادى يا معاشر العرب هل فيكم مذكار يزوج ابنه إلى الشريف الكريم قال فما قام من مقعده وفيهن مخطوبة إلا وقد زوجها وفي أول القصيدة غناء وهو صوت ( أَرِقْتُ وما هذا السُّهادُ المؤرِّقُ ... وما بيَ من سُقْمٍ وما بِيَ مَعْشَقُ ) ( ولكن أُراني لا أزال بحادثٍ ... أُغادَى بما لم يُمسِ عندي وأُطْرَقُ ) غناه ابن محرز خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لحن ليونس من كتابه غير مجنس وفيه لابن سريج ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وعمرو أخبرني أبو العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل قال اسم المحلق عبد العزى بن حنتم بن شداد بن ربيعة بن عبد الله بن عبيد وهو أبو بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وإنما سمي محلقا لأن حصانا له عضه في وجنته فحلق فيه حلقة قال وأنشد الأعشى قصيدته هذه كسرى ففسرت له فلما سمعها قال إن كان هذا سهر لغير سقم ولا عشق فما هو إلا لص المحلق الكلابي وسبب اتصاله بالأعشى وذكر علي بن محمد النوفلي في خبر المحلق مع الأعشى غير هذه الحكايات وزعم أن أباه حدثه عن بعض الكلابيين من أهل البادية قال كان لأبي المحلق شرف فمات وقد أتلف ماله وبقي المحلق وثلاث أخوات له ولم يترك لهم إلا ناقة واحدة وحلتي برود حبرة كان يشهد فيهما الحقوق فأقبل الأعشى من بعض أسفاره يريد منزله باليمامة فنزل الماء الذي به المحلق فقراه أهل الماء فأحسنوا قراه فأقبلت عمة المحلق فقالت يابن أخي هذا الأعشى قد نزل بمائنا وقد قراه أهل الماء والعرب تزعم أنه لم يمدح قوما إلا رفعهم ولم يهج قوما إلا وضعهم فانظر ما أقول لك واحتل في زق من خمر من عند بعض التجار فأرسل إليه بهذه الناقة والزق وبردي أبيك فوالله لئن اعتلج الكبد والسنام والخمر في جوفه ونظر إلى عطفيه في البردين ليقولن فيك شعرا يرفعك به قال ما أملك غير هذه الناقة وأنا أتوقع رسلها فأقبل يدخل ويخرج ويهم ولا يفعل فكلما دخل على عمته حضته حتى دخل عليها فقال فقد ارتحل الرجل ومضى قالت الآن والله أحسن ما كان القرى تتبعه ذلك مع غلام أبيك مولى له أسود شيخ فحيثما لحقه أخبره عنك أنك كنت غائبا عن الماء عند نزوله إياه وأنك لما وردت الماء فعلمت أنه كان به كرهت أن يفوتك قراه فإن هذا أحسن لموقعه عنده فلم تزل تحضه حتى أتى بعض التجار فكلمه أن يقرضه ثمن زق خمر وأتاه بمن يضمن ذلك عنه فأعطاه فوجه بالناقة والخمر والبردين مع مولى أبيه فخرج يتبعه فكلما مر بماء قيل ارتحل أمس عنه حتى صار إلى منزل الأعشى بمنفوحة اليمامة فوجد عنده عدة من الفتيان قد غداهم بغير لحم وصب لهم فضيخا فهم يشربون منه إذ قرع الباب فقال انظروا من هذا فخرجوا فإذا رسول المحلق يقول كذا وكذا فدخلوا عليه وقالوا هذا رسول المحلق الكلابي أتاك بكيت وكيت فقال ويحكم أعرابي والذي أرسل إلي لا قدر له والله لئن اعتلج الكبد والسنام والخمر في جوفي لأقولن فيه شعرا لم أقل قط مثله فواثبه الفتيان وقالوا غبت عنا فأطلت الغيبة ثم أتيناك فلم تطعمنا لحما وسقيتنا الفضيخ واللحم والخمر ببابك لا نرضى بدا منك فقال ائذنوا له فدخل فأدى الرسالة وقد أناخ الجزور بالباب ووضع الزق والبردين بين يديه قال أقره السلام وقل له وصلتك رحم سيأتيك ثناؤنا وقام الفتيان إلى الجزور فنحروها وشقوا خاصرتها عن كبدها وجلدها عن سنامها ثم جاؤوا بهما فأقبلوا يشوون وصبوا الخمر فشربوا وأكل معهم وشرب ولبس البردين ونظر إلى عطفيه فيهما فأنشأ يقول ( أرِقتُ وما هذا السهادُ المؤرِّق ... ) حتى انتهى إلى قوله ( أبَا مِسْمَعٍ سار الذي قد فعلتُم ... فأنجد أقوامٌ به ثم أَعْرَقوا ) ( به تُعْقَد الأحمالُ في كلِّ منزلٍ ... وتُعْقَد أطرافُ الحبالِ وتُطْلَق ) قال فسار الشعر وشاع في العرب فما أتت على المحلق سنة حتى زوج أخواته الثلاث كل واحدة على مائة ناقة فأيسر وشرف وذكر الهيثم بن عدي عن حماد الراوية عن معقل عن أبي بكر الهلالي قال خرج الأعشى إلى اليمن يريد قيس بن معد يكرب فمر ببني كلاب فأصابه مطر في ليلة ظلماء فأوى إلى فتى من بني بكر بن كلاب فبصر به المحلق وهو عبد العزى بن حنتم بن شداد بن ربيعة بن عبد الله بن عبيد بن كلاب وهو يومئذ غلام له ذؤابة فأتى أمه فقال يا أمه رأيت رجلا أخلق به أن يكسبنا مجدا قالت وما تريد يا بني قال نضيفه الليلة فأعطته جلبابها فاشترى به عشيرا من جزور وخمرا فأتى الأعشى فأخذه إليه فطعم وشرب واصطلى ثم اصطبح فقال فيه ( أرِقتُ وما هذا السُّهَادُ المؤرِّق ... ) والرواية الأولى أصح أخبرني أحمد بن عمار قال حدثنا يعقوب بن نعيم قال حدثنا قعنب بن المحرز عن الأصمعي قال حدثني رجل قال جاءت امرأة إلى الأعشى فقالت إن لي بنات قد كسدن علي فشبب بواحدة منهن لعلها أن تنفق فشبب بواحد منهن فما شعر الأعشى إلا بجزور قد بعث به إليه فقال ما هذا فقالوا زوجت فلانة فشبب بالأخرى فأتاه مثل ذلك فسأل عنها فقيل زوجت فما زال يشبب بواحدة فواحدة منهن حتى زوجن جميعا أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا يحيى بن أبي سعيد الأموي عن محمد بن السائب الكلبي قال هجا الأعشى رجلا من كلب فقال ( بنو الشهرِ الحرامِ فلستَ منهم ... ولستَ من الكِرام بني عُبَيْد ) ( ولا من رَهْط جبَّارِ بن قُرْطٍ ... ولا من رَهْط حارثةَ بن زيد ) قال وهؤلاء كلهم من كلب فقال الكلبي لا أبا لك أنا أشرف من هؤلاء قال فسبه الناس بعد بهجاء الأعشى إياه وكان متغيظا عليه فأغار على قوم قد بات فيهم الأعشى فأسر منهم نفرا وأسر الأعشى وهو لا يعرفه ثم جاء حتى نزل بشريح بن السموءل بن عادياء الغساني صاحب تيماء بحصنه الذي يقال له الأبلق فمر شريح بالأعشى فناداه الأعشى ( شُرَيْحُ لا تَتْرُكَنِّي بعد ما عَلِقَتْ ... حبالَك اليومَ بعد القِدّ أظفاري ) ( قد جُلْتُ ما بين بانِقْيا إلى عَدَنٍ ... وطال في العُجْم تَردادي وتَسْيارِي ) ( فكان أكرَمهم عهداً وأوثقَهم ... مجداً أبوك بعُرْفٍ غيرِ إنكار ) ( كالغيث ما استمطروه جاد وابلُه ... وفي الشدائد كالمُستَأسِد الضاري ) ( كُنْ كالسموءل إذ طاف الهُمَامُ به ... في جَحْفَلٍ كهَزِيع اللَّيل جَرَّار ) ( إذ سامه خُطَّتَيْ خَسْفٍ فقال له ... قل ما تشاء فإني سامعٌ حارِ ) ( فقال غَدْرٌ وثُكْلٌ أنتَ بينهما ... فاخْتَرْ وما فيهما حَظٌّ لمختار ) ( فشَكَّ غيرَ طويلٍ ثم قال له ... أُقْتُلْ أسيرَك إنّي مانعٌ جاري ) ( وسوف يُعْقِبُنيه إن ظَفِرتَ به ... ربٌّ كريمٌ وبِيضٌ ذاتُ أطهار ) ( لا سِرُّهنَّ لدينا ذاهبٌ هَدَراً ... وحافظاتٌ إذا استُودِعنَ أسراري ) ( فاختار أدراعَه كي لا يُسَبَّ بها ... ولم يكن وعدُه فيها بخَتَّار ) قال وكان امرؤ القيس بن حجر أودع السموءل بن عادياء أدراعا مائة فأتاه الحارث بن ظالم ويقال الحارث بن أبي شمر الغساني ليأخذها منه فتحصن منه السموءل فأخذ الحارث ابنا له غلاما وكان في الصيد فقال إما أن سلمت الأدراع إلي وإما أن قتلت ابنك فأبى السموءل أن يسلم إليه الأدراع فضرب الحارث وسط الغلام بالسيف فقطعه قطعتين فيقال إن جريرا حين قال للفرزدق ( بسيفِ أبي رَغْوانَ سيفٍ مُجَاشِعٍ ... ضربتَ ولم تَضْرِب بسيف ابن ظالم ) إنما غنى هذه الضربة فقال السموءل في ذلك ( وَفَيْتُ بذمّة الكِنْديّ إنِّي ... إذا ما ذُمّ أقوامٌ وَفَيْتُ ) ( وأوصى عَادِيَا يوماً بأن لا ... تهُدِّم يا سموءلُ ما بَنَيْتُ ) ( بَنَي لي عَادِيَا حِصْناً حَصيناً ... وماءً كلَّما شئتُ استقيتُ ) قال فجاء شريح إلى الكلبي فقال له هب لي هذا الأسير المضرور فقال هو لك فأطلقه وقال أقم عندي حتى أكرمك وأحبوك فقال له الأعشى إن من تمام صنيعتك أن تعطيني ناقة نجيبة وتخليني الساعة قال فأعطاه ناقة فركبها ومضى من ساعته وبلغ الكلبي أن الذي وهب لشريح هو الأعشى فأرسل إلى شريح ابعث إلي الأسير الذي وهبت لك حتى أحبوه وأعطيه فقال قد مضى فأرسل الكلبي في أثره فلم يلحقه الأعشى يمدح عامر بن الطفيل ويهجو علقمة بن علاثة حدثنا ابن علاثة عن محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا يحيى بن سعيد بن يحيى الأموي عن محمد بن السائب قال أتى الأعشى الأسود العنسي وقد امتدحه فاستبطأ جائزته فقال الأسود ليس عندنا عين ولكن نعطيك عرضا فأعطاه خمسمائة مثقال دهنا وبخمسمائة حللا وعنبرا فلما مر ببلاد بني عامر خافهم على ما معه فأتى علقمة بن علاثة فقال له أجرني فقال قد أجرتك قال من الجن والإنس قال نعم قال ومن الموت قال لا فأتى عامر بن الطفيل فقال أجرني قال قد أجرتك قال من الجن والإنس قال نعم قال ومن الموت قال نعم قال وكيف تجيرني من الموت قال إن مت وأنت في جواري بعثت إلى أهلك الدية فقال الآن علمت أنك قد أجرتني من الموت فمدح عامرا وهجا علقمة فقال علقمة لو علمت الذي أراد كنت أعطيته إياه قال الكلبي ولم يهج علقمة بشي أشد عليه من قوله ( تَبِيتُون في المَشْتَى مِلاَءً بطونُكم ... وجاراتُكم غَرْثَى يَبِتْنَ خَمائصَا ) فرفع علقمة يديه وقال لعنه الله إن كان كاذبا أنحن نفعل هذا بجاراتنا وأخبار الأعشى وعلقمة وعامر تأتي مشروحة في خبر منافرتهما إن شاء الله تعالى أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله قال حدثني محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل وغيره من أصحابه أن الأعشى تزوج امرأة من عنزة ثم من هزان قال وعنزة هو ابن أسد بن ربيعة بن نزار فلم يرضها ولم يستحسن خلقها فطلقها وقال فيها ( بِينِي حَصَانَ الفَرْجِ غيرَ ذَميمةٍ ... وموموقةً فينا كذاك ووامقَهْ ) ( وذُوقِي فَتى قومٍ فإنِّي ذائقٌ ... فتاةَ أُناسٍ مثلَ ما أنتِ ذائقَه ) ( لقد كان في فِتْيانِ قومِكِ مَنْكَحٌ ... وشُبّانِ هِزَّانَ الطِّوالِ الغَرَانِقَه ) ( فبِينِي فإنّ البَيْن خيرٌ من العصا ... وإلاّ تَرَيْ لي فوق رأسك بارقه ) ( وما ذاك عندي أن تكوني دنيئةً ... ولا أن تكوني جئتِ عندي ببائقه ) ( ويا جارتا بِيني فإنّك طالقه ... كذاك أمورُ الناس غادٍ وطارقه ) أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الحسين بن إبراهيم بن الحر قال حدثنا المبارك بن سعيد عن سفيان الثوري قال طلاق الجاهلية طلاق كانت عند الأعشى امرأة فأتاها قومها فضربوه وقالوا طلقها فقال ( أيا جارتَا بِينِي فإنّك طالقَهْ ... كذاك أمورُ النّاس غادٍ وطارقهْ ) وذكر باقي الأبيات مثل ما تقدم أخبرنا أحمد قال حدثنا عمر قال حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثنا عثمان البرقي في إسناد له قال أخذ قوم الأعشى فقالوا له طلق امرأتك فقال ( أيا جارتا بِيني فإنّك طالقهْ ... كذاك أمور الناس غادٍ وطارقهْ ) ثم ذكر نحو الخبر الذي قبله على ما قدمناه في هذه الأبيات غناء نسبته صوت ( فبِينِي فإنّ البينَ خيرٌ من العصا ... وإلاّ تَرَيْ لي فوق رأسكِ بارقهْ ) ( وما ذاك عندي أن تكوني دنيئةً ... ولا أن تكوني جئتِ عندي ببائقه ) ( ويا جارتا بيني فإنّكِ طالقه ... كذاك أمورُ الناس غادٍ وطارقه ) الشعر للأعشى والغناء للهذلي خفيف ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لابن جامع ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشامي قال الهشامي وفيه لفليح خفيف ثقيل بالوسطى لا يشك فيه من غنائه وذكر حبش أن الثقيل الثاني لابن سريج وذكر عبيد الله بن عبد الله بن طاهر أن الخفيف الثاني المنسوب إلى فليح لأبيه عبد الله بن طاهر وهذا الصوت يغنى في هذا الزمان على ما سمعناه ( أيا جارتا دُومِي فإنك صادقَهْ ... وموموقةٌ فينا كذاك ووامِقهْ ) ( ولم نفترق أنْ كنتِ فينا دنيئةً ... ولا أن تكوني جئتِ عندي ببائقه ) وأحسبه غير في دور الطاهرية على هذا أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني سوار بن أبي شراعة قال حدثني أبي عن مسعود بن بشر عن أبي عبيدة قال دخل الأخطل على عبد الملك بن مروان وقد شرب خمرا وتضمخ بلخالخ وخلوق وعنده الشعبي فلما رآه قال يا شعبي ناك الأخطل أمهات الشعراء جميعا فقال له الشعبي بأي شيء قال حين يقول ( وتظلُّ تَنْصُفُنا بها قَرَوِيّةٌ ... إبريقُها برقاعِه ملثومُ ) ( فإذا تعاورتِ الأكُفُّ زُجَاجَها ... نَفَحتْ فشَمَّ رياحَها المزكومُ ) فقال الأخطل سمعت بمثل هذا يا شعبي قال إن أمنتك قلت لك قال أنت آمن فقلت له أشعر والله منك الذي يقول ( وأدْكنَ عاتِقٍ جَحْل رِبَحْلٍ ... صبَحتُ براحِه شَرْباً كِرَاما ) ( من اللائي حُمِلن على المَطَايا ... كريح المسك تستلّ الزُّكاما ) فقال الأخطل ويحك ومن يقول هذا قلت الأعشى أعشى بني قيس ابن ثعلبة فقال قدوس قدوس ناك الأعشى أمهات الشعراء جميعا وحق الصليب أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة والهيثم بن عدي وحدثني الصولي قال حدثني الغلابي عن العتبي عن أبيه وذكر هارون بن الزيات عن حماد عن أبيه عن عبد الله بن الوليد عن جعفر بن سعيد الضبي قالوا جميعا قدم الأخطل الكوفة فأتاه الشعبي يسمع من شعره قال فوجدته يتغدى فدعاني أتغدى فأتيته فوضع الشراب فدعاني إليه فأتيته فقال ما حاجتك قلت أحب أن أسمع من شعرك فأنشدني قوله ( صَرَمتْ أُمَامةُ حبلَنا ورَعُومُ ... ) حتى انتهى إلى قوله ( فإذا تعاورت الأكُفُّ خِتامَها ... نَفَحَتْ فشَمَّ رياحَها المزكومُ ) فقال يا شعبي ناك الأخطل أمهات الشعراء بهذا البيت قلت الأعشى أشعر منك يا أبا مالك قال وكيف قلت لأنه قال ( منْ خمر عانةَ قد أتى لِختامها ... حَوْلٌ تَسُلّ غُمَامةَ المزكومِ ) فضرب بالكأس الأرض وقال هو والمسيح أشعر مني ناك والله الأعشى أمهات الشعراء إلا أنا حدثني وكيع قال حدثني محمد بن إسحاق المعولي عن إسحاق الموصلي عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية عن سماك بن حرب قال قال الأعشى أتيت سلامة ذا فائش فأطلت المقام ببابه حتى وصلت إليه فأنشدته ( إنّ مَحَلاًّ وإن مُرْتَحَلا ... وإنّ في السَّفْرِ من مَضَى مَهَلا ) ( اِستأثر اللهُ بالوفاء وبالعَدْل ... وولَّى المَلاَمةَ الرجلا ) ( الشعرُ قَلَّدتُه سَلاَمةَ ذا ... فائشَ والشيءُ حيث ما جُعلا ) فقال صدقت الشيء حيث ما جعل وأمر لي بمائة من الإبل وكساني حللا وأعطاني كرشا مدبوغة مملوءة عنبرا وقال إياك أن تخدع عما فيها فأتيت الحيرة فبعتها بثلاثمائة ناقة حمراء أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال قال هشام بن القاسم الغنوي وكان علامة بأمر الأعشى إنه وفد إلى النبي وقد مدحه بقصيدته التي أولها ( ألم تَغْتَمِضْ عيناكَ ليلةَ أَرْمَدَا ... وعادك ما عاد السَّليمَ المُسَهَّدَا ) ( وما ذاك من عشق النساء وإنما ... تناسيتَ قبل اليوم خُلَّةَ مَهْدَدَا ) وفيها يقول لناقته ( فآليتُ لا أَرْثِي لها من كَلاَلَةٍ ... ولا من حَفاً حتى تَزُورَ محمدا ) ( نبيٌّ يَرى ما لا تَرَوْن وذكرُه ... أغارَ لعَمْرِي في البلاد وأَنْجدا ) ( متى ما تُناخِي عند باب ابن هاشمٍ ... تُراحِي وتَلْقَيْ من فَوَاضِله يدا ) فبلغ خبره قريشا فرصدوه على طريقه وقالوا هذا صناجة العرب ما مدح أحدا قط إلا رفع في قدره فلما ورد عليهم قالوا له أين أردت يا أبا بصير قال أردت صاحبكم هذا لأسلم قالوا إنه ينهاك عن خلال ويحرمها عليك وكلها بك رافق ولك موافق قال وما هن فقال أبو سفيان بن حرب الزنا قال لقد تركني الزنا وما تركته ثم ماذا قال القمار قال لعلي إن لقيته أن أصيب منه عوضا من القمار ثم ماذا قالوا الربا قال ما دنت ولا ادنت ثم ماذا قالوا الخمر قال أوه أرجع إلى صبابة قد بقيت لي في المهراس فأشربها فقال له أبو سفيان هل لك في خير مما هممت به قال وما هو قال نحن وهو الآن في هدنة فتأخذ مائة من الإبل وترجع إلى بلدك سنتك هذه وتنظر ما يصير إليه أمرنا فإن ظهرنا عليه كنت قد أخذت خلفا وإن ظهر علينا أتيته فقال ما أكره ذلك فقال أبو سفيان يا معشر قريش هذا الأعشى والله لئن أتى محمدا واتبعه ليضرمن عليكم نيران العرب بشعره فاجمعوا له مائة من الإبل ففعلوا فأخذها وانطلق إلى بلده فلما كان بقاع منفوحة رمى به بعيره فقتله الفتيان يتنادمون على قبره بمنفوحة أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثنا محمد بن إدريس بن سليمان بن أبي حفصة قال قبر الأعشى بمنفوحة وأنا رأيته فإذا أراد الفتيان أن يشربوا خرجوا إلى قبره فشربوا عنده وصبوا عنده فضلات الأقداح أخبرني أبو الحسن الأسدي قال حدثنا علي بن سليمان النوفلي قال حدثنا أبي قال أتيت اليمامة واليا عليها فمررت بمنفوحة وهي منزل الأعشى التي يقول فيها ( بشَطِّ منفوحةَ فالحاجرِ ... ) فقلت أهذه قرية الأعشى قالوا نعم فقلت أين منزله قالوا ذاك وأشاروا إليه قلت فأين قبره قالوا بفناء بيته فعدلت إليه بالجيش فانتهيت إلى قبره فإذا هو رطب فقلت ما لي أراه رطبا فقالوا إن الفتيان ينادمونه فيجعلون قبره مجلس رجل منهم فإذا صار إليه القدح صبوه عليه لقوله أرجع إلى اليمامة فأشبع من الأطيبين الزنا والخمر وأخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثنا الأطروش بن إسحاق بن إبراهيم عن أبيه أن ابن عائشة غنى يوما ( هُرَيْرَةَ ودّعها وإن لام لائمُ ... ) فأعجبته نفسه ورآه ينظر في أعطافه فقيل له لقد أصبحت اليوم تائها فقال وما يمنعني من ذلك وقد أخذت عن أبي عباد معبد أحد عشر صوتا منها ( هريرةَ ودِّعها وإن لام لائم ... ) وأبو عباد مغني أهل المدينة وإمامهم قال وكان معبد يقول والله لقد صنعت صوتا لا يقدر أن يغنيه شبعان ممتلئ ولا يقدر متكئ على أن يغنيه حتى يجثو ولا قائم حتى يقعد قيل وما هو يا أبا عباد قال إسحاق فأخبرني بذاك محمد بن سلام الجمحي أنه بلغه أن معبدا قاله وأخبرني بهذا الخبر اسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان محمد بن يحيى قال قال معبد والله لأغنين صوتا لا يغنيه مهموم ولا شبعان ولا حامل حمل ثم غنى ( ولقد قلتُ والضميرُ ... كثيرُ البلابِلِ ) ( ليت شعري تَمَنّياً ... والمُنَى غيرُ طائل ) ( هل رسولٌ مبلِّغ ... فيُؤَدِّي رسائلي ) لحن معبد هذا خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ويونس وفيه ثقيل أول ينسب إليه أيضا ويقال إنه لأهل مكة ومنها الصوت المسمى بالمنمنم صوت ( هَاجَ ذا القلبَ من تَذَكُّر جُمْلٍ ... ما يَهيج المتيَّمَ المحزونا ) ( إذ تراءتْ على البَلاَطِ فلمّا ... واجهتْنا كالشمس تُعْشِي العيونا ) ( ليلةَ السبت إذ نظرتُ إليها ... نظرةً زادت الفؤادَ جنونا ) الشعر لإسماعيل بن يسار والغناء لمعبد ثقيل أول بالوسطى وفيه لدحمان ثاني ثقيل بالبنصر ذكر الهشامي أنه لا يشك فيه من غنائه وقد مضت أخبار إسماعيل بن يسار في المائة المختارة فاستغني عن إعادتها ها هنا صوت ( آمن آل لَيْلَى بالمَلاَ مُتَربَّعُ ... كما لاح وَشْمٌ في الذراع مُرَجَّعُ ) ( سأَتْبَع لَيْلَى حيث سارت وخيَّمتْ ... وما الناسُ إلا آلِفٌ ومُوَدِّعُ ) الشعر لعمرو بن سعيد بن زيد وقيل إنه للمجنون وإن مع هذين البيتين أخر وهي ( وقفتُ لليلَى بعد عشرين حِجَّةً ... بمنزلةٍ فانهلَّتِ العينُ تَدْمَعُ ) ( فأمرضَ قلبي حبُّها وطِلاَبُها ... فيا آلَ ليلَى دعوةً كيف أصْنَعُ ) ( سأتَبع ليلى حيث حلَّت وخيّمتْ ... وما الناسُ إلا آلِفٌ ومودِّع ) ( كأنّ زِماماً في الفؤاد معلَّقاً ... تَقُود به حيث استمرّتْ وأَتْبَع ) والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى وقد ذكر حماد بن إسحاق عن أبيه أن هذا الصوت منحول إلى معبد وأنه مما يشبه غناءه وذكر ابن الكلبي عن محمد بن يزيد أن معبدا أخذ لحن سائب خاثر في ( أفاطمُ مهلاً بعضَ هذا التدلُّل ... ) فغنى فيه ( أمن آلِ ليلَى بالمَلاَ متربَّعُ ... ) نسب عمرو بن سعيد بن زيد وأخباره هو عمرو بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب وسعيد بن زيد يكنى أبا الأعور وهو أحد العشرة الذين كانوا مع رسول الله على حراء فرجف بهم فقال اثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد أخبرني ابن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أبي قال حدثني الهيثم بن سفيان عن أبي مسكين قال جلس الوليد بن يزيد يوما للمغنين وكانوا متوافرين عنده وفيهم معبد وابن عائشة فقال لابن عائشة يا محمد قال لبيك يا أمير المؤمنين قال إني قد قلت شعرا فغن فيه قال وما هو فأنشده إياه وترنم به محمد ثم غناه فأحسن وهو صوت ( عَلِّلاني واسقِيانِي ... من شرابٍ أصْبَهانِي ) ( من شرابِ الشيخ كِسْرَى ... أو شراب القَيْرَوانِ ) ( إنّ في الكاس لَمِسْكاً ... أو بكفَّيْ مَنْ سَقانِي ) ( أوْ لقد غُودِرَ فيها ... حين صُبَّت في الدِّنانِ ) ( كَلِّلانِي تَوِّجانِي ... وبشعري غَنِّياني ) ( أطْلِقاني بوَثاقِي ... واشْدُدَاني بعِناني ) ( إنّما الكأسُ ربيعٌ ... يُتَعاطَى بالبَنَانِ ) ( وحُمَيَّا الكأسِ دَبَّتْ ... بين رِجْلِي ولِساني ) الغناء لابن عائشة هزج بالبنصر من رواية حبش قال فأجاد ابن عائشة واستحسن غناءه من حضر فالتفت إلى معبد فقال كيف ترى يا أبا عباد فقال له معبد شنت غناءك بصلفك قال ابن عائشة يا أحول والله لولا أنك شيخنا وأنك في مجلس أمير المؤمنين لأعلمتك من الشائن لغنائه أنا بصلفي أم أنت بقبح وجهك وفطن الوليد بحركتهما فقال ما هذا فقال خير يا أمير المؤمنين لحن كان معبد طارحنيه فأنسيته فسألته عنه لأغني فيه أمير المؤمنين فقال وما هو قال ( أمِنْ آلِ ليلى بالمَلاَ مُتَربَّعُ ... كما لاح وشمٌ في الذِّراع مُرَجَّعُ ) فقال هات يا معبد فغناه إياه فاستحسنه الوليد وقال أنت والله سيد من غنى وهذا الخبر أيضا مما يدل على أن ما ذكره حماد من أن هذا الصوت منحول لمعبد لا حقيقة له أخبرني محمد بن إبراهيم قريض قال حدثني أحمد بن أبي العلاء المغني قال غنيت المعتضد صوتا في شعر له ثم أتبعته بشعر الوليد بن يزيد ( كلِّلانِي توِّجانِي ... وبِشِعْرِي غنِّياني ) فقال أحسن والله هكذا تقول الملوك المترفون وهكذا يطربون وبمثل هذا يشيرون وإليه يرتاحون أحسنت يا أحمد الاختيار لما شاكل الحال وأحسنت الغناء أعد فأعدته فأمر لي بعشرة آلاف درهم وشرب رطلا ثم استعاده فأعدته وفعل مثل ذلك حتى استعاده ست مرات وشرب ستة أرطال وأمر لي بعشرة آلاف درهم وقال مرة أخرى بستمائة دينار ثم سكر وما رئي قبل ذلك ولا بعده أعطى مغنيا هذه العطية وفي الخبر زيادة وقد ذكرته في موضع آخر يصلح له وقد ذكر محمد بن الحسن الكاتب عن أحمد بن سهل النوشجاني أنه حضر أحمد بن أبي العلاء وقد غنى المعتضد هذا الصوت في هذا المجلس وأمر له بهذا المال بعينه ولم يشرح القصة كما شرحها أحمد ومنها صوت وهو المتبختر ( جَعل الله جعفراً لكِ بَعْلاً ... وشِفاءً من حادث الأَوْصابِ ) ( إذ تقولين للوَليدة قُومِي ... فانظُري مَنْ تَرَيْنَ بالأبواب ) الشعر للأحوص والغناء لمعبد - خفيف ثقيل - أول بالبنصر وذكر حماد عن أبيه في كتاب معبد أنه منحول إلى معبد وأنه لكردم صوت وهو المسمى مقطع الأثفار ( ضوءُ نارٍ بدا لعينك أم شَبَّتْ ... بذي الأَثْلِ من سَلامةَ نارُ ) ( تلك بين الرِّيَاضِ والأَثْلِ والباناتِ ... منَّا ومن سَلامةَ دارُ ) ( وكذاكَ الزمانُ يذهبُ بالناسِ ... وتَبْقى الرُّسومُ والآثارُ ) الشعر للأحوص والغناء لمعبد - خفيف ثقيل - بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وذكر يونس أن فيه صوتين لمعبد وعمر الوادي رمل عن الهشامي وفيه لعبد الله بن العباس خفيف رمل بالوسطى الأحوص وموسى شهوات أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثنا عمي قال مدح موسى شهوات أبا بكر بن عبد العزيز بن مروان بقصيدة أحسن فيها وأجاد وقال فيها ( وكذاك الزمانُ يذهب بالناس ... وتَبْقى الديارُ والآثارُ ) فقام الأحوص ودخل منزله وقال قصيدة مدح فيها أبا بكر بن عبد العزيز أيضا وأتى فيها بهذا البيت بعينه وخرج فأنشدها فقال له موسى شهوات ما رأيت يا أحوص مثلك قلت قصيدة مدحت فيها الأمير فسرقت أجود بيت فيها وجعلته في قصيدتك فقال له الأحوص ليس الأمر كما ذكرت ولا البيت لي ولا لك هو للبيد سرقناه جميعا منه إنما ذكر لبيد قومه فقال ( فعفا آخرُ الزمانِ عليهم ... فَعلى آخرِ الزمان الدَّبَارُ ) ( وكذاك الزمانُ يذهب بالناسِ ... وتبقى الرُّسُوم والآثارُ ) قال فسكت موسى شهوات فلم يحر جوابا كأنما ألقمه حجرا ونسخت من كتاب أحمد بن سعيد الدمشقي خبر الأحوص مع سلامة التي ذكرها في هذا الشعر وهو موضوع لا أشك فيه لأن شعره المنسوب إلى الأحوص شعر ساقط سخيف لا يشبه نمط الأحوص والتوليد بين فيه يشهد على أنه محدث والقصة أيضا باطلة لا أصل لها ولكني ذكرته في موضعه على ما فيه من سوء العهدة قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو محمد الجزري قال كانت بالمدينة سلامة من أحسن الناس وجها وأتمهن عقلا وأحسنهن حديثا قد قرأت القرآن وروت الأشعار وقالت الشعر وكان عبد الرحمن بن حسان والأحوص بن محمد يختلفان إليها فيرويانها الشعر ويناشدانها إياه فعلقت الأحوص وصدت عن عبد الرحمن فقال لها عبد الرحمن يعرض لها بما ظنه من ذلك ( أَرَى الإِقبالَ منكِ على خليلي ... وما لي في حديثكُم نَصيبُ ) فأجابته ( لأن الله علَّقه فؤادي ... فحاز الحبَّ دونَكم الحبيبُ ) فقال الأحوص ( خليلي لا تَلُمْها في هواها ... ألذُّ العيشِ ما تَهْوى القلوبُ ) قال فأضرب عنها ابن حسان وخرج ممتدحا ليزيد بن معاوية فأكرمه وأعطاه فلما أراد الانصراف قال له يا أمير المؤمنين عندي نصيحة قال وما هي قال جارية خلفتها بالمدينة لامرأة من قريش من أجمل الناس وأكملهم وأعقلهم ولا تصلح أن تكون إلا لأمير المؤمنين وفي سماره فأرسل إليها يزيد فاشتريت له وحملت إليه فوقعت منه موقعا عظيما وفضلها على جميع من عنده وقدم عبد الرحمن المدينة فمر بالأحوص وهو قاعد على باب داره وهو مهموم فأراد أن يزيده إلى ما به فقال ( يا مُبْتَلىً بالحب مفدوحَا ... لاقَى من الحبِّ تَبَارِيحَا ) ( أَلْجمه الحبُّ فما يَنْثَنِي ... إلا بكأس الشوق مَصْبوحَا ) ( وصار ما يُعْجبه مُغْلَقاً ... عنه وما يكره مفتوحَا ) ( قد حازها من أصبحتْ عنده ... ينال منها الشَّمَّ والرِّيحَا ) ( خليفةُ الله فسَلِّ الهَوَى ... وعَزِّ قلباً منك مجروحا ) فأمسك الأحوص عن جوابه ثم إن شابين من بني أمية أرادا الوفادة إلى يزيد فأتاهما الأحوص فسألهما أن يحملا له كتابا ففعلا فكتب إليها معهما ( سَلاّمُ ذكرُكِ مُلْصَقٌ بلسانيٍ ... وعلى هواكِ تَعُودُني أَحْزانِي ) ( ما لي رأيتُكِ في المنام مطيعةً ... وإذا انتبهتُ لَجَجْتِ في العصيان ) ( أبداً محبُّك مُمْسِكٌ بفؤاده ... يخشى اللَّجَاجةَ منكِ في الهِجْرانِ ) ( إن كنتِ عاتبةً فإنّي مُعْتِبٌ ... بعد الإِساءة فاقبلي إحساني ) ( لا تقتُلي رجلاً يَراكِ لما به ... مثلَ الشراب لغُلّة الظمآن ) ( ولقد أقول لقاطَنْين مِنَ آهلنا ... كانا على خُلُقي من الإِخوان ) ( يا صاحبيَّ على فؤادي جمرةٌ ... وبَرَى الهوى جسمي كما تَرَيان ) ( أَمُرَقِّيانِ إلى سلامة أنتما ... ما قد لقيتُ بها وتَحْتَسِبان ) ( لا أستطيع الصبر عنها إنها ... من مهجتي نزلتْ بكلِّ مكان ) قال ثم غلبه جزعه فخرج إلى يزيد ممتدحا له فلما قدم عليه قربه وأكرمه وبلغ لديه كل مبلغ فدست إليه سلامة خداما وأعطته مالا على أن يدخله إليها فأخبر الخادم يزيد بذلك فقال امض برسالتها ففعل ما أمره به وأدخل الأحوص وجلس يزيد بحيث يراهما فلما بصرت الجارية بالأحوص بكت إليه وبكى إليها وأمرت فألقي له كرسي فقعد عليه وجعل كل واحد منهما يشكو إلى صاحبه شدة الشوق فلم يزالا يتحدثان إلى السحر ويزيد يسمع كلامهما من غير أن تكون بينهما ريبة حتى إذا هم بالخروج قال ( أَمْسَى فؤاديَ في همٍّ وبِلْبال ... من حبِّ مَنْ لم أَزَلْ منه على بال ) فقالت ( صحا المحبُّون بعد النأيِ إذ يئسوا ... وقد يئستُ وما أصحوا على حال ) فقال ( مَنْ كان يسلو بيأسٍ عن أخي ثِقَةٍ ... فعن سَلاَمَة ما أمسيتُ بالسَّالِي ) فقالت ( واللهِ واللهِ لا أنساكَ يا سَكَنِي ... حتى يُفارِقَ منِّي الرُّوحُ أَوْصَالِي ) فقال ( واللهِ ما خاب مَنْ أمسَى وأنتِ له ... يا قُرَّة العين في أهل وفي مال ) ثم ودعها وخرج فأخذه يزيد ودعا بها فقال أخبراني عما كان جرى بينكما في ليلتكما واصدقاني فأخبراه وأنشداه ما قالاه فلم يخرما حرفا ولا غيرا شيئا مما سمعه فقال له يزيد أتحبها يا أحوص قال إي والله يا أمير المؤمنين ( حُبًّا شديداً تليداً غيرَ مُطَّرِفٍ ... بين الجوانح مثلَ النار يَضْطَرِمُ ) فقال لها أتحبينه قالت نعم يا أمير المؤمنين ( حبًّا شديداً جرى كالرُّوح في جسدي ... فهل يُفَرَّق بين الرُّوح والجسد ) فقال يزيد إنكما لتصفان حبا شديدا خذها يا أحوص فهي لك ووصله بصلة سنية وانصرف بها وبالجارية إلى الحجاز وهو من أقر الناس عينا مضى الحديث مدن معبد أصوات معبد المسماة مدن معبد وتسمى أيضا حصون معبد أخبرني ابن أبي الأزهر والحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال حسين في خبره واللفظ له عن إسماعيل بن جامع عن يونس الكاتب قال قال معبد وقد سمع رجلا يقول إن قتيبة بن مسلم فتح سبعة حصون أو سبع مدن بخراسان فيها سبعة حصون صعبة المرتقى والمسالك لم يوصل إليها قط فقال والله لقد صنعت سبعة ألحان كل لحن منها أشد من فتح تلك الحصون فسئل عنها فقال ( لعَمْرِي لئن شَطَّتْ بعَثْمةَ دارُها ... ) ( و : هُرَيْرةَ ودِّعها وإن لام لائمُ ... ) ( و : رأيتُ عَرابةَ الأَوْسِيَّ يَسْمُو ... ) ( و : كم بذاك الحَجُونِ من حَيِّ صِدْقٍ ... ) ( و : لو تعلمين الغَيْبَ أيقنت أنني ... ) ( و : يا دار عَبْلةَ بالجِوَاء تكلَّمِي ... ) ( و : ودِّع هريرةَ إنّ الركبَ مُرْتِحلُ ... ) ومن الناس من يروي مدن معبد ( تقطَّع من ظَلاَّمةَ الوصلُ أجمعُ ... ) ( و : خَمْصانةٌ قَلِقٌ مُوشَّحُها ... ) ( و : يومَ تُبدِي لنا قُتَيْلةُ ... ) مكان ( كم بذاك الحَجُونِ من حي صدق ... ) ( و : لو تعلمين الغيب أيقنتِ أنني ... ) ( و : يا دارَ عَبْلة بالجِواء تكلَّمِي ... ) نسبة هذه الأصوات وأخبارها صوت ( لعَمْرِي لئن شَطَّتْ بعَثْمةَ دارُها ... لقد كدتُ من وَشْك الفِراق أُلِيحُ ) ( أَرُوح بهَمٍّ ثم أَغْدُو بمثله ... ويُحسَب أنّي في الثياب صحيح ) عروضه من الطويل شطت بعدت ووشك الفراق دنوه وسرعته وأليح أشفق وأجزع الشعر لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة الفقيه والغناء لمعبد - خفيف ثقيل - أول بالخنصر في مجرى البنصر من رواية يونس وإسحاق وعمرو وغيرهم وفيه رمل يقال إنه لابن سريج ذكر عبيد الله بن عبد الله ونسبه هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فأر بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار وهو في حلفاء بني زهرة من قريش وعداده فيهم وعتبة بن مسعود وعبد الله بن مسعود البدري صاحب رسول الله أخوان ولعتبة صحبة بالنبي وليس من البدريين وكان ابنه عبد الله أبو عبيد الله بن عبد الله رجلا صالحا واستعمله عمر بن الخطاب فأحمده ولعبيد الله بن عبد الله أخوان عون وعبد الرحمن وكان عون من أهل الفقه والأدب وكان يقول بالإرجاء ثم رجع عنه وقال وكان شاعرا ( فأوّلُ ما أُفارِقُ غيرَ شَكٍّ ... أُفَارِقُ ما يقول المُرْجِئونا ) ( وقالوا مؤمنٌ من آل جَوْرٍ ... وليس المؤمنون بجائرينا ) ( وقالوا مؤمنٌ دَمُه حلالٌ ... وقد حَرُمتْ دِماءُ المؤمنينا ) وخرج مع ابن الأشعث فلما هزم هرب وطلبه الحجاج فأتى محمد بن مروان بن الحكم بنصيبين فأمنه وألزمه ابنيه مروان بن محمد وعبد الرحمن بن محمد فقال له كيف رأيت ابني أخيك قال أما عبد الرحمن فطفل وأما مروان فإني إن أتيته حجب وإن قعدت عنه عتب وإن عاتبته صخب وإن صاحبته غضب ثم تركه ولزم عمر بن عبد العزيز فلم يزل معه ذكر ذلك كله ومعانيه الأصمعي عن أبي نوفل الهذلي عن أبيه ولعون يقول جرير ( يا أيُّها القارئُ الْمُرخِي عِمَامتَه ... هذا زمانُك إنّي قد مضى زمني ) ( أَبْلغْ خليفتَنا إن كنتَ لاقِيَه ... أنّي لدى الباب كالمصفود في قَرَنِ ) وخبره يأتي في أخبار جرير وأما عبد الرحمن فلم تكن له نباهة أخويه وفضلهما فسقط ذكره بعض من صفاته وأما عبيد الله فإنه أحد وجوه الفقهاء الذين روي عنهم الفقه والحديث وهو أحد السبعة من أهل المدينة وهم القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وعروة بن الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وسعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وخارجة ابن زيد بن ثابت وسليمان بن يسار وكان عبيد الله ضريرا وقد روى عن جماعة من وجوه الصحابة مثل ابن عباس وعبد الله ابن مسعود عمه وأبي هريرة وروى عنه الزهري وابن أبي الزناد وغيرهما من نظرائهما وكان عبد الله بن عباس يقدمه ويؤثره أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبي قال حدثنا يونس بن محمد قال حدثنا حماد بن زيد عن معمر عن الزهري قال كان عبيد الله بن عبد الله يلطف لابن عباس فكان يعزه عزا أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار عن محمد بن الحسن عن مالك بن أنس عن ابن شهاب الزهري قال كنت أخدم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حتى إن كنت لأستقي الماء الملح وإن كان ليسأل جاريته فتقول غلامك الأعمش أخبرني وكيع قال حدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال أدركت اربعة بحور عبيد الله بن عبد الله أحدهم أخبرني وكيع قال حدثنا محمد قال حدثنا حامد بن يحيى عن ابن عيينة عن الزهري قال سمعت من العلم شيئا كثيرا فلما لقيت عبيد الله بن عبد الله كأني كنت في شعب من الشعاب فوقعت في الوادي وقال مرة صرت كأني لم أسمع من العلم شيئا أخبرني وكيع قال حدثني بشر بن موسى قال حدثنا الحميدي عن ابن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان قال كان عمر بن عبد العزيز يقول ليت لي مجلسا من عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بدية أخبرني وكيع قال حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال حدثني عمي عن يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن حمزة بن عبد الله قال قال عمر بن عبد العزيز لو كان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حيا ما صدرت إلا عن رأيه ولوددت أن لي بيوم من عبيد الله غرما قال ذلك في خلافته أخبرنا محمد بن جرير الطبري وعم أبي عبد العزيز بن أحمد ومحمد ابن العباس اليزيدي والطوسي ووكيع والحرمي بن أبي العلاء وطاهر بن عبد الله الهاشمي قالوا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا إبراهيم بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وابن أخيه يحيى بن محمد بن طلحة جميعا عن عثمان بن عمر بن موسى عن الزهري قال دخل عروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة على عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة فقال عروة لشيء حدث به من ذكر عائشة وعبد الله بن الزبير سمعت عائشة تقول ما أحببت أحدا حبي عبد الله بن الزبير لا أعني رسول الله ولا أبوي فقال عمر إنكم لتنتحلون عائشة لابن الزبير انتحال من لا يرى لكل مسلم معه فيها نصيبا فقال عروة بركة عائشة كانت أوسع من ألا يرى لكل مسلم فيها حق ولقد كان عبد الله منها بحيث وضعته الرحم والمودة التي لا يشرك كل واحد منهما فيه عند صاحبه أحد فقال عمر كذبت فقال عروة هذا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود يعلم أني غير كاذب وإن من أكذب الكاذبين من كذب الصادقين فسكت عبيد الله ولم يدخل بينهما في شيء فأفف بهما عمر وقال اخرجا عني ثم لم يلبث أن بعث إلى عبيد الله بن عبد الله رسولا يدعوه لبعض ما كان يدعوه إليه فكتب إليه عبيد الله ( لَعمْرُ ابنِ لَيْلَى ابنِ عائشةَ التي ... لمَرْوانَ أَدّتْهُ أبٌ غير زُمَّلِ ) ( لَوَ أنهمُ عمًّا وجَدًّا ووالداً ... تأسَّوْا فسَنُّوا سُنَّة المُتَعَطِّل ) ( عذرتُ أبا حَفْص وإن كان واحداً ... من القوم يَهدي هديَهم ليس يأتلي ) ( ولكنهم فاتُوا وجئتَ مُصَلِّياً ... تقرِّب إثْرَ السابق المتمهل ) ( وعُمْتَ فإن تَسْبِق فضِنْءُ مبَرِّزٍ ... جوادٍ وإن تُسْبَق فنفسَك فاعذُل ) ( فمالك بالسلطان أن تَحْمِل القَذَى ... جفون عيونٍ بالقَذَى لم تُكَحَّل ) ( وما الحقُّ أن تَهْوَى فتُسْعَفَ بالذي ... هَوِيتَ إذا ما كان ليس بأعدل ) ( أبَى اللهُ والأحسابُ أن تَرْأم الخَنَا ... نفوسٌ كرامٌ بالخَنا لم تُوكَّلِ ) قال الزبير في خبره وحده الضنء والضنء الولد قال وأنشد الخليل بن أسد قال أنشدني دهثم ( ابنُ عَجُوزٍ ضَنْؤُها غيرُ أَمِرْ ... لو نحرتْ في بيتها عشرَ جُزُرْ ) ( لأصبحتْ من لحمهنّ تعتذر ... تغدو على الحيّ بعود من سَمُرْ ) ( حتى يَفِرَّ أهلُها كلَّ مَفَرّْ ... ) أخبرني الحسن بن علي ووكيع قالا حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الزبير وأخبرناه الحرمي بن أبي العلاء إجازة قال حدثنا الزبير عن ابن أبي أويس عن بكار بن حارثة عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة إن عبيد الله بن عبد الله جاء إلى عمر بن عبد العزيز فاستأذن عليه فرده الحاجب وقال له عنده عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان وهو مختل به فانصرف غضبان وكان في صلاحه ربما صنع الأبيات فقال لعمر ( أَبِنْ لي فكُنْ مِثْلي أو ابتغِ صاحباً ... كمثلكَ إنَّي تابع صاحباً مثلي ) ( عزيزٌ إخائي لا يَنال مودّتي ... من الناس إلا مسلمٌ كامل العقل ) ( وما يَلْبَثُ الفِتْيانُ أن يتفرّقوا ... إذا لم يُؤلَّفْ روحُ شكل إلى شكل ) قال فأخبر عمر بأبياته فبعث إليه أبا بكر بن سليمان بن أبي خيثمة وعراك بن مالك يعذرانه عنده ويقولان إن عمر يقسم بالله ما علم بأبياتك ولا برد الحاجب إياك فعذره قال الزبير وقد أنشدني محمد بن الحسن قال أنشدني محرز بن جعفر لعبيد الله بن عبد الله هذه الأبيات وزاد فيها وهو أولها ( وإنِّي امرؤ من يُصْفِني الودَّ يُلْفِني ... وإن نَزحتْ دارٌ به دائمَ الوصل ) ( عزيزٌ إخائي لا ينال مودّتي ... من الناس إلا مسلمٌ كاملُ العقل ) ( ولولا اتَّقائي اللهَ قلتُ قصيدةً ... تسير بها الرُّكْبانُ أًبْرَدُها يَغْلِي ) ( بها تُنْقَض الأحلاسُ في كلَّ منزل ... ويَنْفِي الكَرَى عنه بها صاحبُ الرَّحْل ) ( كفاني يسيرٌ إذ أراكَ بحاجتي ... كَلِيلَ اللسانِ ما تُمِرُّ وما تُحْلِي ) ( تُلاوِذُ بالأبواب منَّي مخافةَ المَلامة ... والإِخلافُ شر من البخل ) وذكر الأبيات الأول بعد هذه شعره في عراك بن مالك وابن حزم أخبرني وكيع قال حدثني علي بن حرب الموصلي قال حدثنا إسماعيل ابن ريان الطائي قال سمعت ابن إدريس يقول كان عراك بن مالك وأبو بكر بن حزم وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة يتجالسون بالمدينة زمانا ثم إن ابن حزم ولي إمرتها وولي عراك القضاء وكانا يمران بعبيد الله فلا يسلمان عليه ولا يقفان وكان ضريرا فأخبر بذلك فأنشأ يقول ( ألا أبلغا عنِّي عِراكَ بنَ مالك ... ولا تَدَعا أن تَثْنيا بأبي بكر ) ( فقد جعلتْ تَبْدو شَوَاكِلُ منكما ... كأنّكما بي مُوقَرَان من الصَّخْر ) ( وطاوعتُما بي داعِكاً ذا مَعَاكةٍ ... لعَمْرِي لقد أَزْرَى وما مثله يُزْرِي ) ( ولولا اتِّقائي ثم بقُيْايَ فيكما ... للمُتكُما لوماً أحرَّ من الجمر ) صوت ( فَمَسَّا تُرابَ الأرض منها خُلِقتُما ... ومنها المَعَادُ والمَصِيرُ إلى الحَشْرِ ) ( ولا تأنَفا أن تسألا وتسلِّما ... فما خشي الإنسانُ شرًّا من الكِبْر ) ( فلو شئتُ أن ألفِي عدوًّا وطاعنا ... لأَلْفَيْتُه أو قال عنديَ في السرِّ ) ( فإن أنا لم آمُرْ ولم أَنْهَ عنكما ... ضحكتُ له حتى يَلِجَّ ويَسْتَشْرِي ) عروضه من الطويل غني في ( فمَسّا ترابَ الأرض منها خُلِقتُما ... ) والذي بعده لحن من الثقيل الأول بالبنصر من رواية عمرو بن بانة وابن المكي ويونس وغيرهم وزعم ابن شهاب الزهري أن عبيد الله قال هذه الأبيات في عمر بن عبد العزيز وعمرو بن عثمان يعني أن الأبيات الأول ليست منها في شيء وإنما أدخلت فيها لاتفاق الروي والقافية أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا إبراهيم ابن المنذر الحزامي قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز عن أبيه عن ابن شهاب قال جئت عبيد الله بن عبد الله يوما في منزله فوجدته ينفخ وهو مغتاظ فقلت له مالك قال جئت أميركم آنفا يعني عمر بن عبد العزيز فسلمت عليه وعلى عبد الله بن عمرو بن عثمان فلم يردا علي فقلت ( فَمسَّا ترابَ الأرض منها خُلقتما ... ) وذكر الأبيات الأربعة قال فقلت له رحمك الله أتقول الشعر في فضلك ونسكك قال إن المصدور إذا نفث برأ قال أبو زيد حدثنا إبراهيم بن المنذر وأنشدني هذه الأبيات عبد العزيز ابن أبي ثابت عن ابن أبي الزناد له وذكر مثل ذلك وأنها في عمر بن عبد العزيز وعبد الله بن عمرو وزاد فيها ( وكيف يُريدانِ ابنَ تسعين حِجَّةً ... على ما أتَى وهو ابن عشرين أو عشرِ ) بعض من شعره الجيد ولعبيد الله بن عبد الله شعر فحل جيد ليس بالكثير منه قوله ( إذا كان لي سِرٌّ فَحدّثْتُه العِدَا ... وضاق به صدري فلَلنَّاسُ أعْذَرُ ) ( وسرُّك ما استُودعتَه وكتمتَه ... وليس بسرٍّ حين يفشو ويظهر ) وقوله لابن شهاب الزهري ( إذا قلتُ أمَّا بعدُ لم يُثْنَ مَنْطِقِي ... فحاذِرْ إذا ما قلتُ كيف أقولُ ) ( إذا شئتَ أن تَلْقَى خليلاً مصافِياً ... لقيتَ وإخوانُ الثِّقاتِ قليل ) أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني عبد الجبار ابن سعيد المساحقي عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال أنشد عبيد الله بن عبد الله جامع بن مرخية الكلابي لنفسه ( لعَمْرُ أبي المُحْصِينَ أيامَ نلتقي ... لمَاَ لا نُلاقِيها من الدهر أكثرُ ) ( يَعُدُّون يوماً واحداً إن أتيتُها ... ويَنْسَوْن ما كانت على الدهر تهجُر ) ( وإن أولعَ الواشون عَمْداً بوصلنا ... فنحن بتجديد المودة أبصر ) قال فأعجبت أبياته هذه جامعا فسر ذلك عبيد الله فكساه وحمله جامع بن مرخية هذا من شعراء الحجاز وهو الذي يقول ( سألتُ سعيدَ بن المسيَّب مفتيَ المدينة ... هل في حبِّ ظَمْياءَ من وِزْرِ ) ( فقال سعيد بن المسيَّب إنما ... تُلام على ما تستطيع من الأمر ) فبلغ قوله سعيدا فقال كذب والله ما سألني ولا أفتيته بما قال أخبرني بذلك الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير ومن جيد شعر عبيد الله وسهله ( أعاذلَ عاجلُ ما أشتهي ... أحبُّ من الآجل الرائثِ ) ( سأُنفق مالي على لذّتي ... وأوثِر نفسي على الوارث ) ( أُبادِر إهلاكَ مستهلِك ... لماليَ أو عبثَ العابث ) وقوله يفتخر في أبيات ( إذا هي حَلَّت وَسْط عُوذِ ابن غالبٍ ... فذلك ودٌّ نازحٌ لا أُطالعُه ) ( شددتُ حَيَازِيمي على قلب حازِمٍ ... كَتومٍ لما ضُمَّتْ عليه أضالعه ) ( أُدَاجي رجالاً لستُ مُطْلِعَ بعضِهم ... على سرِّ بعضٍ إنّ صدريَ واسعه ) ( بنِي ليَ عبدُ الله في ذِرْوة العلا ... وعُتْبةُ مجداً لا تُنال مصانعه ) وقوله فيه غناء صوت ( إن يَكُ الدهرُ قد أضرَّ بنا ... من غير ذَحْلٍ فربَّما نفعا ) ( أبكي على ذلك الزمانِ ولا ... أحسَب شيئاً قد فات مُرْتَجَعَا ) ( إذ نحن في ظلّ نعمةٍ سلَفتْ ... كانت لها كلُّ نعمةٍ تَبَعا ) عروضه من المنسرح غنت فيها عريب خفيف رمل عن الهشامي حدثنا محمد بن جرير الطبري والحرمي بن أبي العلاء ووكيع قالوا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني إسماعيل بن يعقوب عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال قدمت المدينة امرأة من ناحية مكة من هذيل وكانت جميلة فخطبها الناس وكادت تذهب بعقول أكثرهم فقال فيها عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة ( أحِبُّك حبًّا لو علمتِ ببعضه ... لَجُدْتِ ولم يَصعُبْ عليكِ شَديدُ ) ( وحُبُّكِ يا أُمَّ الصبيِّ مُدَلِّهي ... شَهيدي أبو بكر وأيُّ شهيدِ ) ( ويعلم وَجْدِي القاسمُ بن محمد ... وعُرْوَةُ ما ألقَى بكم وسَعيدُ ) ( ويعلم ما أُخْفِي سليمانُ علمَه ... وخارجةٌ يُبْدِي لنا ويُعيدُ ) ( متى تَسألي عمَّا أقول فَتُخْبَري ... فللحبِّ عندي طارفٌ وتَلِيدُ ) فبلغت أبياته سعيد بن المسيب فقال والله لقد أمن أن تسألنا وعلم أنها لو استشهدت بنا لم نشهد له بالباطل عندها وقال الزبير أبو بكر الذي ذكر والنفر المسمون معه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام والقاسم بن محمد بن أبي بكر وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وخارجة بن زيد بن ثابت وهم الفقهاء الذين أخذ عنهم أهل المدينة شعره في عثمة أخبرني وكيع قال حدثني عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات عن أحمد بن سعيد الفهري عن إبراهيم بن المنذر بن عبد الملك بن الماجشون أن أبيات عبيد الله بن عبد الله بن عتبة التي أولها ( لَعَمْرِي لئن شَطَّت بعَثْمَةَ دارُها ... لقد كدتُ من وَشْك الفراق أُلِيحُ ) قالها في زوجة له كانت تسمى عثمة فعتب عليها في بعض الأمر فطلقها وله فيها أشعار كثيرة منها هذه الأبيات ومنها قوله يذكر ندمه على طلاقها ( كتمتَ الهوى حتى أضرَّ بك الكَتْمُ ... ولامك أقوامٌ ولومُهُم ظلمُ ) وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال قال لي عمي لقيني علي بن صالح فأنشدني بيتا وسألني من قائله وهل فيه زيادة فقلت لا أدري وقد قدم ابن أخي أعنيك وقلما فاتني شيء إلا وجدته عنده قال الزبير فأنشدني عمي البيت وهو ( غُرَابٌ وظبيٌ أعضبُ القَرْنِ نَادَيَا ... بصُرْمٍ وصِرْدَانُ العَشِيّ تَصِيحُ ) فقلت له قائله عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وتمامها ( لعَمْرِي لئن شَطَّت بعَثْمةَ دارُها ... لقد كدتُ من وَشْك الفِراق أُلِيحُ ) ( أَرُوحُ بهَمٍّ ثم أغدو بمثله ... ويُحْسَبُ أنِّي في الثياب صحيحُ ) فكتبهما عمي عني وانصرف بهما إليه صوت ( ألاَ مَنْ لنفسٍ لا تموت فيَنقضي ... عَناها ولا تحيا حياةً لها طعم ) ( أأترُك إتيانَ الحبيب تأثُّماً ... ألاَ إنّ هِجْرانَ الحبيب هو الإِثم ) ( فذُقْ هجرَها قد كنتَ تزعُم أنه ... رشادٌ ألاَ يا ربّما كذَب الزَّعْم ) عروضه من الطويل غنى يونس في هذه الأبيات الثلاثة لحنا ماخوريا وهو خفيف الثقيل الثاني من رواية إسحاق ويونس وابن المكي وغيرهم وغنت عريب في ( أأترك إتيانَ الحبيب تأثُّما ... ) لحنا من الثقيل الأول وأضافت إليه بعده على الولاء بيتين ليسا من هذا الشعر وهما ( وأقبل أقوالَ الوُشاة تَجَرُّماً ... ألاَ إن أقوال الوُشاة هي الجُرْمُ ) ( وأشتاقُ لي إلْفاً على قُرب دارِه ... لأنّ مُلاقاةَ الحَبيب هي الغُنْم ) ومما قاله عبيد الله أيضا في زوجته هذه وغني فيه صوت ( عَفَتْ أطلالُ عَثْمةَ بالغَمِيم ... فأضحتْ وهي مُوحِشةُ الرُّسومِ ) ( وقد كُنَّا نَحُلُّ بها وفيها ... هَضِيمُ الكَشْحِ جائلةُ البَرِيم ) عروضه من الوافر عفت درست والأطلال ما شخص من آثار الديار والرسوم ما لم يكن له شخص منها ولا ارتفاع وإنما هو أثر والهضيم الكشح الخميص الحشى والبطن والبريم الخلخال وقيل بل هو اسم لكل ما يلبس من الحلي في اليدين والرجلين والجائل ما يجول في موضعه لا يستقر غنى في هذين البيتين قفا النجار ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالخنصر في مجرى البنصر ومما قاله في زوجته عثمة وفيها غناء صوت ( تغلغلَ حُبُّ عَثْمةَ في فؤادي ... فباديه مع الخافِي يسيرُ ) ( تغلغل حيث لم يَبْلُغْ شرابٌ ... ولا حُزْنٌ ولم يبلُغ سرورُ ) ( صدَعْتِ القلبَ ثم ذَرَرْتِ فيه ... هواكِ فَلِيمَ والتأمَ الفُطُورُ ) ( أكاد إذا ذَكرتُ العهد منها ... أطير لَوَ أنّ إنساناً يَطير ) ( غَنِيُّ النفسِ أنْ أزدادَ حبًّا ... ولكنّي إلى صِلَةٍ فَقير ) ( وأَنْفَذ جارِحاكِ سوادَ قلبي ... فأنتِ عليَّ ما عِشنا أميرُ ) لمعبد في الأول والثاني من الأبيات هزج بالبنصر عن حبش وذكر أحمد بن عبيد الله أنه منحول من المكي وفي الثالث ثم الثاني لأبي عيسى ابن الرشيد رمل قال ابن أبي الزناد في الخبر الذي تقدم ذكره عن عبيد الله وما قاله من الشعر في عثمة وغيرها فقيل له أتقول في مثل هذا قال في اللدود راحة المفؤود أخبرني وكيع قال حدثنا أحمد بن عبد الرحمن قال حدثنا ابن وهب عن يعقوب يعني ابن عبد الرحمن عن أبيه قال كان رجل يأتي عبيد الله بن عبد الله ويجلس إليه فبلغ عبيد الله أنه يقع ببعض أصحاب رسول الله فجاءه الرجل فلم يلتفت إليه عبيد الله وكان الرجل شديد العقل فقال له يا أبا محمد إن لك لشأنا فإن رأيت لي عذرا فأقبل عذري فقال له أتتهم الله في علمه قال أعوذ بالله قال أتتهم رسول الله في حديثه قال أعوذ بالله قال يقول الله عز و جل ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ) وأنت تقع في فلان وهو ممن بايع فهل بلغك أن الله سخط عليه بعد أن رضي عنه قال والله لا أعود أبدا قال والرجل عمر بن عبد العزيز أخبرني وكيع عن أحمد بن زهير عن يحيى بن معين قال مات عبيد الله بن عبد الله بن عتبة سنة اثنتين ومائة ويقال سنة تسع وتسعين أخبرني محمد بن جرير الطبري والحسن بن علي عن الحارث عن ابن سعد عن معن عن محمد بن هلال أن عبيد الله توفي بالمدينة سنة ثمان وتسعين ومنها صوت ( ودِّع هُرَيْرةَ إن الرَّكْب مُرْتَحِلُ ... وهل تُطيق وَداعاً أيُّها الرجلُ ) ( غَرَّاءُ فَرْعاءُ مصقولٌ عوارضُها ... تمشي الهُوَيْنَى كما يمشي الوَجِي الوَحِلُ ) ( تسمع للحَلْيِ وَسْوَاساً إذا انصرفتْ ... كما استعان بريح عِشْرِقٌ زَجِلُ ) ( عُلِّقْتُها عَرَضاً وعُلِّقتْ رجُلاً ... غيري وعُلِّق أخرى غيرَها الرَّجلُ ) ( قالت هريرةُ لمّا جئتُ زائرَها ... وَيْلِي عليك وويلي منك يا رجلُ ) ( لم تمشِ مِيلاً ولم تركب على جملٍ ... ولم تَر الشمس إلا دونها الكِلَلُ ) ( أقول للركب في دُرْنَى وقد ثَمِلوا ... شِيمُوا وكيف يَشِيم الشاربُ الثَّمِلُ ) ( كناطحٍ صخرةً يوماً ليَفْلِقَها ... فلم يَضِرْها وأَوْهَى قَرْنَه الوَعِلُ ) ( أبلغ يزيدَ بني شَيْبانَ مَأْلُكَةً ... أبا ثُبَيتٍ أمَا تَنْفَكُّ تأتَكِلُ ) ( إن تركبوا فركوبُ الخيل عادتُنا ... أو تنزلون فإنّا معشرٌ نُزُلُ ) ( وقد غدوتُ إلى الحانوت يَتْبَعُني ... شاوٍ نَشُولٌ مِشَلٌّ شُلْشُلٌ شَوِلُ ) ( في فِتُيةٍ كسيوف الهند قد علموا ... أن ليس يدفَع عن ذي الحيلة الحِيَلُ ) ( نازعتُهم قُضُبَ الرَّيْحان مُتَّكِئاً ... وقهوةً مُزَّةً راووقُها خَضِلُ ) غنى معبد في الأول والثاني في لحنه المذكور من مدن معبد لحنا من القدر الأوسط من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وذكرت دنانير أن فيهما لابن سريج أيضا صنعة ولمعبد أيضا في الرابع والخامس والثالث ثقيل أول ذكره حبش وقيل بل هو لحن ابن سريج وذلك الصحيح ولابن محرز في الثقيل في إن تركبوا وفي كناطح صخرة ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق ولحنين الحيري في أبلغ يزيد بني شيبان وإن تركبوا ثاني ثقيل آخر وذكر أحمد بن المكي أن لابن محرز في ودع هريرة وتسمع للحلي ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر وفي وقد غدوت وما بعده رمل لابن سريج ومخارق عن الهشامي ولابن سريج في تسمع للحلي وقبله ودع هريرة رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وللغريض في قالت هريرة وعلقتها عرضا رمل وفي هذه الأبيات بعينها هزج ينسب إليه أيضا وإلى غيره وفي تسمع للحلي وقالت هريرة هزج لمحمد بن حسن بن مصعب وفي لم تمش ميلا وأقول للركب لابن سريج خفيف الثقيل الأول بالبنصر عن حبش وفي قالت هريرة وتسمع للحلي لحن لابن سريج وإن لحنين في البيتين الآخرين لحنا آخر وقد مضت أخبار هريرة مع الأعشى في ( هُرَيرةَ ودِّعها وإن لام لائمُ ... ) وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الأصمعي قال قلت لأعرابية ما الغراء قالت التي بين حاجبيها بلج وفي جبهتها اتساع تتباعد قصتها معه عن حاجبيها فيكون بينهما نفنف وقال أبو عبيدة الفرعاء الكثيرة الشعر والعوارض الأسنان والهويني تصغير الهونى والهونى مؤنث الأهون والوجي الظالع وهو الذي قد حفي فليس يكاد يستقل على رجله والوحل الذي قد وقع في الوحل والعشرق نبت يبس فتحركه الريح شبه صوت حليها بصوته الزجل المصوت من العشرق وعلقتها أجببتها وعرضا على غير موعد الوعل التيس الجبلي والجمع أوعال مألكة رسالة والجمع مآلك ما تنفك ما تزال وتأتكل تتحرق وقال أبو عبيدة الشاوي الذي يشوي اللحم والنشول الذي ينشل اللحم من القدر ومشل سواق سريع يسوق به وشلشل خفيف وشول طيب الريح خلاف بني كعب وبني همام الشعر للأعشى وقد تقدم نسبه وأخباره يقول هذه القصيدة ليزيد بن مسهر أبي ثابت الشيباني قال أبو عبيدة وكان من حديث هذه القصيدة أن رجلا من بني كعب بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة يقال له ضبيع قتل رجلا من بني همام يقال له زاهر بن سيار بن أسعد بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان وكان ضبيع مطروقا ضعيف العقل فنهاهم يزيد بن مسهر أن يقتلوا ضبيعا بزاهر وقال اقتلوا به سيدا من بني سعد بن مالك بن ضبيعة فحض بني سيار بن أسعد على ذلك وأمرهم به وبلغ بني قيس ما قاله فقال الأعشى هذه الكلمة يأمره أن يدع بني سيار وبني كعب ولا يعين بني سيار فإنه إن أعانهم أعانت قبائل بني قيس بن كعب وحذرهم أن تلقى شيبان منهم مثل ما لقوا يوم العين عين محلم بهجر يوم عين محلم قال أبو عبيدة وكان من حديث ذلك اليوم كما زعم عمر بن هلال أحد بني سعد بن قيس بن ثعلبة أن يزيد بن مسهر كان خالع أصرم بن عوف ابن ثعلبة بن سعد بن قيس بن ثعلبة وكان عوف أبو بني الأصرم يقال له الأعجف والضيعة له وهي قرية باليمامة فلما خلع يزيد أصرم من ماله خالعه على أن يرهنه ابنيه أفلت وشهابا ابني أصرم وأمهما فطيمة بنت شرحبيل بن عوسجة بن ثعلبة بن سعد بن قيس وأن يزيد قمر أصرم فطلب أن يدفع إليه ابنيه رهينة فأبت أمهما وأبى يزيد إلا أخذهما فنادت قومها فحضر الناس للحرب فاشتملت فطيمة على ابنيها بثوبها وفك قومها عنها وعنهما فذلك قول الأعشى ( نحن الفوارس يوم العَيْن ضاحيةً ... جَنْبَيْ فُطَيُمةَ لا مِيلٌ ولا عُزُلُ ) قال فانهزمت بنو شيبان فحذر الأعشى أن يلقى مسهر مثل تلك الحال قال أبو عبيدة وذكر عامر ومسمع عن قتادة الفقيه أن رجلين من بني مروان تنازعا في هذا الحديث فجردا رسولا في ذلك إلى العراق حتى قدم إلى الكوفة فسأل فأخبر أن فطيمة من بني سعد بن قيس كانت عند رجل من بني شيبان وكانت له زوجة أخرى من بني شيبان فتعايرتا فعمدت الشيبانية فحلت ذوائب فطيمة فاهتاج الحيان فاقتتلوا فهزمت بنو شيبان يومئذ أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أحمد بن محمد القصير قال حدثنا محمد بن صالح قال حدثني أبو اليقظان قال حدثني جويرية عن يشكر ابن وائل اليشكري وكان من علماء بكر بن وائل وولد أيام مسيلمة فجيء به إليه فمسح على رأسه فعمي قال جويرية فحدثني يشكر هذا قال حدثني جرير بن عبد الله البجلي قال سافرت في الجاهلية فأقبلت على بعيري ليلة أريد أن أسقيه فجعلت أريده على أن يتقدم فوالله ما يتقدم فتقدمت فدنوت من الماء وعقلته ثم أتيت الماء فإذا قوم مشوهون عند الماء فقعدت فبينا أنا عندهم إذ أتاهم رجل أشد تشويها منهم فقالوا هذا شاعرهم فقالوا له يا فلان أنشد هذا فإنه ضيف فأنشد ( ودَّع هريرةَ إن الركب مرتحلُ ... ) فلا والله ما خرم منها بيتا واحدا حتى انتهى إلى هذا البيت ( تسمع للحَلْي وَسْوَاساً إذا انصرفتْ ... كما استعان بريحٍ عِشْرقِ زَجِلُ ) فأعجب به فقلت من يقول هذا القصيدة قال أنا قلت لولا ما تقول لأخبرتك أن أعشى بني ثعلبة أنشدنيها عام أول بنجران قال فإنك صادق أنا الذي ألقيتها على لسانه وأنا مسحل صاحبه ما ضاع شعر شاعر وضعه عند ميمون بن قيس صوت ( رأيتُ عَرابةَ الأَوُسِيَّ يسمو ... إلى الخيرات مُنْقَطِعَ القَرينِ ) ( إذا ما رايةٌ رُفعت لمجد ... تلقَّاها عَرابةُ باليمين ) عروضه من الوافر الشعر للشماخ والغناء لمعبد خفيف الثقيل الأول بالوسطى وذكر إسحاق أنه من الأصوات القليلة الأشباه وذكر ابن المكي أن له فيه لحنا آخر من خفيف الثقيل وقد أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني عمر بن شبة عن محمد بن يحيى أبي غسان قال غنى أبو نؤى ( رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين ) فنسبه الناس إلى معبد ولعله يعني اللحن الآخر الذي ذكره ابن المكي وقال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات أخبرني حماد عن ابن أبي جناح قال الناس ينسبون هذا الصوت إلى معبد ذكر الشماخ ونسبه وخبره هو فيما ذكر لنا أبو خليفة عن محمد بن سلام الشماخ بن ضرار ابن سنان بن أمية بن عمرو بن جحاش بن بجالة بن مازن بن ثعلبة بن سعد ابن ذبيان وذكر الكوفيون أنه الشماخ بن ضرار بن حرملة بن صيفي بن إياس ابن عبد بن عثمان بن جحاش بن بجالة بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان ابن بغيض بن ريث بن غطفان وأم الشماخ أنمارية من بنات الخرشب ويقال أنهن أنجب نساء العرب واسمها معاذة بنت بجير بن خالد بن إياس والشماخ مخضرم ممن أدرك الجاهلية والإسلام وقد قال للنبي ( تَعَلَّمْ رسولَ الله أنا كأننا ... أَفَأْنا بأَنْمارٍ ثعالبَ ذي غِسْلِ ) يعني أنمار بن بغيض وهم قومه وهو أحد من هجا عشيرته وهجا أضيافه ومن عليهم بالقرى والشماخ لقب واسمه معقل وقيل الهيثم والصحيح معقل قال جبل بن جوال له في قصة كانت بينهما ( لعَمْري لعل الخيرَ لو تعلمانِه ... يَمُنّ علينا مَعْقِلٌ ويزيد ) ( منِيحةَ عنزٍ أو عطاءَ فَطِيمةٍ ... ألاَ إنّ نيل الثَّعْبليّ زهيد ) وللشماخ أخوان من أمه وأبيه شاعران أحدهما مزرد وهو مشهور واسمه يزيد وإنما سمي مزردا لقوله ( فقلتُ تَزَرَّدْها عُبَيْدُ فإنني ... لدُرْدِ الشيوخِ في السنينَ مُزَرِّدُ ) والآخر جزء بن ضرار وهو الذي يقول يرثي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( عليك سلامٌ من أميرٍ وباركتْ ... يدُ الله في ذاك الأدِيم الممزَّقِ ) ( فمن يَسْعَ أو يركبْ جَناحَيْ نَعامةٍ ... لُيدرك ما حاولتَ بالأمس يُسْبَقِ ) وقد أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا شهاب بن عباد قال حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا مسعر عن عبد الملك بن عمير عن الصقر بن عبد الله عن عروة عن عائشة قالت ناحت الجن على عمر قبل أن يقتل بثلاث فقالت ( أبعد قَتيلٍ بالمدينة أَظْلمتْ ... له الأرضُ تهتزُّ العِضَاهُ بأسْؤُقِ ) ( جَزى اللهُ خيراً من إمامٍ وباركتْ ... يدُ الله في ذاك الأديم الممزَّق ) ( فمن يَسْعَ أو يركب جَناحيْ نعامةٍ ... ليُدرك ما حاولتَ بالأمس يُسبَق ) ( قضيتَ أموراً ثم غادرتَ بعدها ... بوائقَ في أكمامها لم تُفَتَّقِ ) ( وما كنتُ أخشى أن تكون وفاته ... بكَفَّيْ سَبَنَتى أزرقِ العين مُطْرِق ) أخبرني أحمد قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا سليمان بن داود الهاشمي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد الزهري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة عن أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق أن عائشة حدثتها أن عمر أذن لأزواج النبي أن يحججن في آخر حجة حجها عمر قال فلما ارتحل عمر من المحصب أقبل رجل متلثم فقال وأنا أسمع هذا كان منزله فأناخ في منزل عمر ثم رفع عقيرته يتغنى ( عليك سلامٌ من أميرٍ وباركتْ ... يدُ الله في ذاك الأَديم الممزَّقِ ) ( فمن يَجْرِ أو يركبْ جناحَيْ نَعامة ... ليدرك ما قدَّمتَ بالأمس يُسْبَقِ ) ( قضيتَ أموراً ثم غادرتَ بعدها ... بوائقَ في أكمامها لم تفتَّقِ ) قالت عائشة فقلت لبعض أهلي اعلموا لي علم هذا الرجل فذهبوا فلم يجدوا في مناخه أحدا قالت عائشة فوالله إني لأحسبه من الجن فلما قتل عمر نحل الناس هذه الأبيات للشماخ بن ضرار أو جماع بن ضرار هكذا في الخبر وهو جزء بن ضرار طبقته بين الشعراء وجعل محمد بن سلام في الطبقة الثالثة الشماخ وقرنه بالنابغة ولبيد وأبي ذؤيب الهذلي ووصفه فقال كان شديد متون الشعر أشد كلاما من لبيد وفيه كزازة ولبيد أسهل منه منطقا أخبرنا بذلك أبو خليفة عنه وقد قال الحطيئة في وصيته أبلغوا الشماخ أنه أشعر غطفان قد كتب ذلك في شعر الحطيئة وهو أوصف الناس للحمير أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن ابن الكلبي قال أنشد الوليد بن عبد الملك شيئا من شعر الشماخ في صفة الحمير فقال ما أوصفه لها إني لأحسب أن أحد أبويه كان حمارا أخبرني إبراهيم بن عبد الله قال حدثنا عبد الله بن مسلم قال كان الشماخ يهجو قومه ويهجو ضيفه ويمن عليه بقراه وهو أوصف الناس للقوس والحمار وأرجز الناس على البديهة أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال قال مزرد لأمه كان كعب بن زهير لا يهابني وهو اليوم يهابني فقالت يا بني نعم إنه يرى جرو الهراش موثقا ببابك تعني أخاه الشماخ وقد ذكر محمد ابن الحسن الأحول هذا الخبر عن ابن الأعرابي عن المفضل قال قالت معاذة بنت بجير بن خلف للشماخ ومزرد عرضتماني لشعراء العرب الحطيئة وكعب ابن زهير فقالا كلا لا تخافي قالت فما يؤمنني قالا إنك ربطت بباب بيتك جروي هراش لا يجترئ أحد عليهما يعنيان أنفسهما أخبرني أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال أخبرني شعيب بن صخر قال كانت عند الشماخ امرأة من بني سليم أحد بني حرام بن سماك فنازعته وادعته طلاقا وحضر معها قومها فاختصموا إلى كثير بن الصلت وكان عثمان بن عفان أقعده للنظر بين الناس وهو رجل من كندة وعداده في بني جمح وقد ولدتهم بنو جمح ثم تحولوا إلى بني العباس فهم فيهم اليوم فرأى كثير عليهم يمينا فالتوى الشماخ باليمين يحرضهم عليها ثم حلف وقال ( أتَتْنِي سُلَيمٌ قَضُّها وقَضِيضُها ... تمسِّح حولي بالبَقيع سِبالَها ) ( يقولون لي يا احلِفْ ولستُ بحالفٍ ... أُخاتِلهم عنها لكيما أنالَها ) ( ففرّجتُ همَّ النفس عنِّي بحَلْفةٍ ... كما شَقَّتِ الشَّقْراءُ عنها جِلالَها ) أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال قدم ناس من بهز المدينة يستعدون على الشماخ وزعموا أنه هجاهم ونفاهم فجحد ذلك الشماخ فأمر عثمان كثير بن الصلت أن يستحلفه على منبر النبي ما هجاهم فانطلق به كثير إلى المسجد ثم انتحاه دون بني بهز وبهز اسمه تيم بن سليم بن منصور فقال له ويلك يا شماخ إنك لتحلف على منبر رسول الله ومن حلف به آثما يتبوأ مقعده من النار قال فكيف أفعل فداؤك أبي وأمي قال إني سوف أحلفك ما هجوتهم فاقلب الكلام علي وعلى ناحيتي فقل والله ما هجوتكم فأردني وناحيتي بذلك وإني سأدفع عنك فلما وقف حلف كما قال له وأقبل على كثير فقال ما هجوتكم فقالت بهز ما عنى غيركم فأعد اليمين عليه فقال مالي أتأوله هل استحلفته إلا لكم وما اليمين إلا مرة واحدة انصرف يا شماخ فانصرف وهو يقول ( أتتني سُلَيم قَضُّها وقَضيضُها ... تمسِّح حولي بالبَقيع سِبالَها ) ( يقولون لي يا احلِتذفْ ولستُ بحالفٍ ... أُخادعهم عنها لكيما أنالَها ) ( فلو لا كَثِيرٌ نعَّم اللهُ بالَه ... أزلَّتْ بأعلى حُجَّتَيْك نعالَها ) ( ففرّجتُ همَّ الموت عنِّي بحَلْفةٍ ... كما شَقَّتِ الشَّقْراءُ عنها جلالَها ) ونسخت هذا الخبر على التمام من كتاب يحيى بن حازم قال حدثني علي بن صالح صاحب المصلى قال قال القاسم بن معن كان الشماخ تزوج امرأة من بني سليم فأساء إليها وضربها وكسر يدها فعرضت امرأة من قومها يقال لها أسماء ذات يوم للطريق تسأل عن صاحبتها فاجتاز الشماخ وهي لا تعرفه فقالت له مافعل الخبيث شماخ فقال لها وما تريدين منه قالت إنه فعل بصاحبة لنا كيت وكيت فتجاهل عليها وقال لا أعلم له خبرا ومضى وتركها وهو يقول ( تُعارِضُ أسماءُ الرِّفاقَ عشَّيةً ... تسائل عن ضِعْنِ النساءِ النَّواكح ) ( وماذا عليها إنْ قَلُوصٌ تمرَّغتْ ... بِعدْلين أو ألقتْهما بالصَّحَاصِحِ ) ( فإنكِ لو أُنكِحتِ دارتْ بكِ الرَّحَا ... وأَلْقيتِ رَحْلِي سَمْحةً غيرَ طامح ) ( أأسماءُ إنِّي قد أتاني مخبِّرٌ ... بِفيقةَ يُنْبِي منطقاً غيرَ صالح ) ( بَعَجتُ إليه البطنَ ثم انتصحتُه ... وما كلُّ من يُفشَى إليه بناصح ) ( وإنّيَ من قومٍ على أن ذمَمْتِهم ... إذا أَوْلَمُوا لم يُولِموا بالأَنَافِح ) ( وإنكِ من قوم تحِنّ نساُؤهم ... إلى الجانب الأَقْصَى حنينَ المَنَائح ) ثم دخل المدينة في بعض حوائجه فتعلقت به بنو سليم يطلبونه بظلامة صاحبتهم فأنكر فقالوا احلف فجعل يطلب إليهم ويغلظ عليهم أمر اليمين وشدتها عليه ليرضوا بها منه حتى رضوا فحلف لهم وقال ( ألا أصبحتْ عِرْسِي من البيت جامحاً ... بغير بلاءٍ أيُّ أمرٍ بَدا لَها ) ( على خَيْرةٍ كانتْ أم العِرْسُ جامحٌ ... فكيف وقد سُقْنا إلى الحَيِّ ما لَها ) ( سترجِع غَضْبَى رَثَّةَ الحال عندنا ... كما قطعتْ منَّا بلَيْلٍ وصالَها ) فذكر بعد هذه الأبيات قوله ( أتتني سُلَيْم قَضُّها وقَضِيضُها ... ) إلى آخر الأبيات وقال ابن الكلبي كان الشماخ يهوى امرأة من قومه يقال لهاكلبة بنت جوال أخت جبل ابن جوال الشاعر ابن صفوان بن بلال بن أصرم بن إياس بن عبد تميم بن جحاش بن بجالة بن مازن بن ثعلبة وكان يتحدث إليها ويقول فيها الشعر فخطبها فأجابته وهمت أن تتزوجه ثم خرج إلى سفر له فتزوجها أخوه جزء بن ضرار فآلى الشماخ ألا يكلمه أبدا وهجاه بقصيدته التي يقول فيها ( لنا صاحبٌ قد خان من أجل نَظْرةٍ ... سقيمُ الفؤاد حبُّ كَلْبةَ شاغلُهْ ) فماتا متهاجرين أشعر ما قالت العرب أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني عبد الله بن أبي سعد الوراق قال حدثني أحمد بن محمد بن بكر الزبيري قال حدثنا الحسن بن موسى بن رباح مولى الأنصار عن أبي غزية الأنصاري قال كنت على باب المهدي يوما فخرج حاجبه فقال أين ابن دأب فقال هأنذا فقال ادخل فدخل ثم خرج فجلس فقلت يابن دأب ما جرى بينك وبين أمير المؤمنين قال قال لي أنشدني أبياتا من أشعر ما قالت العرب فأردت أن أنشده قول صاحبك أبي صرمة الأنصاري التي يقول فيها ( لنا صُوَرٌ يؤول الحقُّ فيها ... وأخلاقٌ يَسُود بها الفقيرُ ) ( ونصحٌ للعَشيرة حيث كانت ... إذا مُلئت من الغشِّ الصدور ) ( وحِلْمٌ لا يَصُوب الجهلُ فيه ... وإطعامٌ إذا قَحِطَ الصَّبِير ) ( بذات يدٍ على ما كان فيها ... نجود به قليلٌ أو كثير ) فتركتها وقلت إن من أشعر ما قالت العرب قول الشماخ ( وأشعثَ قد قَدّ السِّفارُ قميصَه ... يجرّ شِواءً بالعصا غيرَ مُنْضَجِ ) ( دعوتُ إلى ما نابني فأجابني ... كريمٍ من الفتيان غيرِ مُزَلَّج ) ( فتىً يملأ الشِّيزَى ويُرْوِي سِنانَه ... ويضرب في رأس الكَمِيِّ المُدَجَّج ) ( فتىً ليس بالراضي بأدنى معيشةٍ ... ولا في بيوت الحيّ بالمتولِّج ) فقال أحسنت ثم رفع رأسه إلى عبد الله بن مالك فقال هذه صفتك يا أبا العباس فأكب عليه عبد الله فقبل رأسه وقال ذكرك الله بخير الذكر يا أمير المؤمنين قال أبو غزية فقلت له الأبيات التي تركت والله أشعر من التي ذكرت أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال عرابة الذي عناه الشماخ بمدحه هو أحد أصحاب النبي وهو عرابة ابن أوس بن قيظي بن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج وإنما قال له الشماخ عرابة الأوسي وهو من الخزرج نسبة إلى أبيه أوس بن قيظي ولم يصنع إسحاق في هذا القول شيئا عرابة من الأوس لا من الخزرج وفي الأوس رجل يقال له الخزرج ليس هذا هو الجد الذي ينتهي إليه الخزرجيون الذي هو أخو الأوس هذا الخزرج بن النبيت بن مالك ابن الأوس وهكذا نسبه النسابون وأخبرني به الحرمي بن أبي العلاء عن عبد الله بن جعفر بن مصعب عن جده مصعب الزبيري عن ابن القداح وأتى النبي في غزاة أحد ليغزو معه فرده في غلمة استصغرهم منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وأسيد بن حضير والبراء بن عازب وعرابة بن أوس وأبو سعيد الخدري قصة أبي عرابة وعمه مع النبي أخبرني بذلك محمد بن جرير الطبري عن الحارث بن سعد عن الواقدي عن محمد بن حميد عن سلمة عن ابن إسحاق وأوس بن قيظي أبو عرابة من المنافقين الذين شهدوا أحدا مع النبي وهو الذي قال له إن بيوتنا عورة وأخوه مربع بن قيظي الأعمى الذي حثا في وجه رسول الله التراب لما خرج إلى أحد وقد مر في حائطه وقال له إن كنت نبيا فما أحل لك أن تدخل في حائطي فضربه سعد بن زيد الأشهلي بقوسه فشجه وقال دعني يا رسول الله أقتله فإنه منافق فقال دعوه فإنه أعمى القلب أعمى البصر فقال أخوه أوس بن قيظي أبو عرابة لا والله ولكنها عداوتكم يا بني عبد الأشهل فقال رسول الله لا والله ولكنه نفاقكم يا بني قيظي أخبرنا بذلك الحرمي عن عبد الله بن جعفر الزبيري عن جده مصعب عن ابن القداح أن عرابة كان سيدا من سادات قومه وجوادا من أجوادهم وكان أبوه أوس بن قيظي من وجوه المنافقين أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني عن ابن جعدبة وأخبرني علي بن سليمان عن محمد بن يزيد وأخبرني إبراهيم ابن أيوب عن عبد الله بن مسلم أن الشماخ خرج يريد المدينة فلقيه عرابة بن أوس فسأله عما أقدمه المدينة فقال أردت أن أمتار لأهلي وكان معه بعيران فأوقرهما له برا وتمرا وكساه وبره وأكرمه فخرج عن المدينة وامتدحه بهذه القصيدة التي يقول فيها ( رأيت عَرابةَ الأَوْسِيَّ يسمو ... إلى الخيرات منقطعَ القرين ) وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال قال معاوية لعرابة بن أوس بأي شيء سدت قومك فقال أعفو عن جاهلهم وأعطي سائلهم وأسعى في حاجاتهم فمن فعل كما أفعل فهو مثلي ومن قصر عنه فأنا خير منه ومن زاد فهو خير مني قال الأصمعي وقد انقرض عقب عرابة فلم يبق منهم أحد أخبرني أحمد بن يحيى بن محد بن سعيد الهمداني قال قال يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال ابن دأب وسمع قول الشماخ بن ضرار في عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ( إنك يآبنَ جعفرٍ نِعم الفتى ... ونعم مأوى طارقٍ إذا أتَى ) ( وجارُ ضيفٍ طرَق الحيَّ سُرَى ... صادف زاداً وحديثاً ما اشتهى ) ( إن الحديثَ طَرَفٌ من القِرَى ... ) فقال ابن دأب العجب للشماخ يقول مثل هذا لابن جعفر ويقول لعرابة ( إذا ما رايةٌ رُفعت لمجد ... تلقَّاها عَرابةُ باليمين ) ابن جعفر كان أحق بهذا من عرابة أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني الكراني محمد بن سعد قال حدثني طائع قال أخبرني أبو عمرو الكيس قال قال لي أبو نواس ما أحسن الشماخ في قوله ( إذا بلغْتِني وحملتِ رحلي ... عَرابةَ فأشرَقي بدم الوتِينِ ) لا كما قال الفرزدق ( علامَ تَلَفَّتِين وأنتِ تحتي ... وخيرُ النّاس كلِّهم أَمامي ) ( متى ترِدِي الرُّصافةَ تستريحي ... من التَّهْجير والدَّبَر الدَّوَامي ) قلت أنا وقد أخذ معنى قول الفرزدق هذا داود بن سلم في مدحه قثم بن العباس فأحسن فقال ( نجوتِ من حِلَّي ومن رِحْلتي ... يا ناقُ إن أدنيتِني من قُثَمْ ) ( إنكِ إن أدنيتِ منه غداً ... حالفنا اليُسْرُ ومات العَدَمْ ) ( في كفِّه بحرٌ وفي وجهه ... بدرٌ وفي العِرْنين منه شَمَمْ ) ( أصمُّ عن قِيل الخَنَا سمعُه ... وما عن الخير به من صَمَم ) ( لم يَدْرِ ما لاَ وبَلَى قد درَى ... فعافها واعتاض منها نعم ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الخراز عن المدائني قال أنشد عبد الملك قول الشماخ في عرابة بن أوس ( إذا بلَّغْتِني وحملتِ رحلي ... عرابةَ فاشرَقي بدم الوَتين ) فقال بئست المكافأة كافأها حملت رحله وبلغته فجعل مكافأتها نحرها المهلب والشعراء قال الخراز ومثل هذا ماحدثناه المدائني عن ابن دأب أن رجلا لقي المهلب فنحر ناقته في وجهه فتطير من ذلك وقال له ما قصتك فقال ( إني نذرتُ لئن لَقِيتُكَ سالماً ... أن تستمرّ بها شِفارُ الجازر ) فقال المهلب فأطعمونا من كبد هذه المظلومة ووصله قال المدائني ولقيته امرأة من الأزد وقد قدم من حرب كان نهض إليها فقالت أيها الأمير إني نذرت إن وافيتك سالما أن أقبل يدك وأصوم يوما وتهب لي جارية صغدية وثلثمائة درهم فضحك المهلب وقال قد وفينا لك بنذرك فلا تعاودي مثله فليس كل أحد يفي لك به وأخبرني الحسن قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني بعض أصحابنا عن القحذمي أن أبادلامة لقي المهدي لما قدم بغداد فقال له ( إني نذرتُ لئن رأيتكَ وارداً ... أرضَ العراق وأنت ذو وَفْرِ ) ( لَتُصَلِّينّ على النبيّ محمدٍ ... ولتملأنّ دراهماً حِجْري ) فقال له أما النبي فصلى الله على النبي محمد وآله وسلم وأما الدراهم فلا سبيل إليها فقال له أنت أكرم من أن تعطيني أسهلهما عليك وتمنعني الأخرى فضحك وأمر له بما سأل وهذا مما ليس يجري في هذا الباب ولكن يذكر الشيء بمثله أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا مسعود بن عيسى العبدي قال حدثني أحمد بن طالب الكناني كنانة تغلب وأخبرني به محمد بن أحمد بن الطلاس عن الخراز عن المدائني لم يتجاوزه به قال نصب عبد الملك بن مروان الموائد يطعم الناس فجلس رجل من أهل العراق على بعض تلك الموائد فنظر إليه خادم لعبد الملك فأنكره فقال له أعراقي أنت قال نعم قال أنت جاسوس قال لا قال بلى قال ويحك دعني أتهنأ بزاد أمير المؤمنين ولا تنغصني به ثم إن عبد الملك وقف على تلك المائدة فقال من القائل ( إذا الأَرْطَى توسَّد أبْرَدَيْهِ ... خدودُ جوازئٍ بالرَّمْل عِينِ ) وما معناه ومن أجاب فيه أجزناه والخادم يسمع فقال العراقي للخادم أتحب أن أشرح لك قائله وفيم قاله قال نعم قال يقوله عدي ابن زيد في صفة البطيخ الرمسي فقال ذلك الخادم فضحك عبد الملك حتى سقط فقال له الخادم أخطأت أم أصبت فقال بل أخطأت فقال يا أمير المؤمنين هذا العراقي فعل الله به وفعل لقننيه فقال أي الرجال هو فأراه إياه فعاد إليه عبد الملك وقال أنت لقنته هذا قال نعم قال أفخطأ لقنته أم صوابا قال بل خطأ قال ولم قال لأني كنت متحرما بمائدتك فقال لي كيت وكيت فأردت أن أكفه عني وأضحكك قال فكيف الصواب قال يقوله الشماخ بن ضرار الغطفاني في صفة البقر الوحشية قد جزأت بالرطب عن الماء قال صدقت وأجازه ثم قال له حاجتك قال تنحي هذا عن بابك فإنه يشينه أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال كتب إلي إسحاق بن إبراهيم الموصلي أن أبا عبيدة حدثه عن غير واحد من أهل المدينة أن يزيد بن عبد الملك لما قدم عليه الأحوص وصله بمائة ألف درهم فأقبل إليه كثير يرجو أكثر من ذلك وكان قد عوده من كان قبل يزيد من الخلفاء أن يلقى عليهم بيوت الشعر ويسألهم عن المعاني فألقى على يزيد بيتا وقال يا أمير المؤمنين ما يعني الشماخ بقوله ( فما أَرْوَى وإن كَرُمتْ علينا ... بأدَنى من موقَّفَةٍ حَرُونِ ) ( تُطِيف على الرُّماة فتتّقِيهم ... بأوعالٍ مُعَطَّفةِ القُرون ) فقال يزيد وما يضر يا ماص بظر أمه ألا يعلم أمير المؤمنين هذا وإن احتاج إلى علمه سأل عبدا مثلك عنه فندم كثير وسكته من حضر من أهل بيته وقالوا له إنه قد عوده من كان قبلك من الخلفاء أن يلقي عليه أشباه هذا وكانوا يشتهونه منه ويسألونه إياه فطفئ عنه غضبه وكانت جائزته ثلاثين ألفا وكان يطمع في أكثر من جائزة الأحوص وأخبرنا أبو خليفة بهذا الخبر عن محمد بن سلام فذكر أنه سأل يزيد عن قول الشماخ ( وقد عَرِقتْ مَغَابِنُها وجادتْ ... بِدرَّتِها قِرَى حَجِنٍ قَتِينِ ) فسكت عنه يزيد فقال يزيد وما على أمير المؤمنين لا أم لك ألا يعرف هذا هو القراد أشبه الدواب بك نسخت من كتاب يحيى بن حازم حدثنا علي بن صالح صاحب المصلى قال حدثنا ابن داب قال قال معاوية لعبد الله بن الزبير وهو عنده بالمدينة في أناس يابن الزبير ألا تعذرني في حسن بن علي ما رأيته مذ قدمت المدينة إلا مرة قال دع عنك حسنا فأنت والله وهو كما قال الشماخ ( أجامِلُ أقواماً حياءً وقد أَرَى ... صدورَهمُ تَغْلِي عليّ مِراضُها ) والله لو يشاء حسن أن يضربك بمائة ألف سيف ضربك والله لأهل العراق أرأم له من أم الحوار لحوارها فقال معاوية رحمه الله أردت أن تغريني به والله لأصلن رحمه ولأقبلن عليه وقال ( ألاَ أيُّها المرءُ المُحَرِّشُ بيننا ... أَلاَ اقتُلْ أخاك لستُ قاتلَ أرْبَدِ ) ( أبَى قُرْبُه منّي وحسنُ بلائه ... وعلمي بما يأتي به الدهرُ في غد ) والشعر لعروة بن قيس فقال ابن الزبير أما والله إني وإياه ليد عليك بحلف الفضول فقال معاوية من أنت لا أعرض لك وحلف الفضول والله ما كنت فيها إلا كالرهينة تثخن معنا وتردى هزيلا كما قال أخو همدان ( إذا ما بعيرٌ قام علّق رحله ... وإن هو أبقى بالحياة مُقَطّعا ) صوت من مدن معبد وهو الذي أوله ( كم بذاك الحَجُون من حيِّ صدقٍ ... ) ( أَسْعدانِي بعَبْرةٍ أَسْرابِ ... من شؤون كثيرةِ التَّسْكاب ) ( إن أهلَ الحِصاب قد تركوني ... مُوَزَعاً مُولَعاً بأهل الحِصاب ) ( كم بذاك الحَجُونِ من حَيِّ صِدْقٍ ... وكهول أَعِفَّةٍ وشَباب ) ( سكَنوا الجِزْعَ جِزْعَ بيت أبي موسى ... إلى النخل من صُفِيِّ السِّباب ) ( فارَقوني وقد علمتُ يقيناً ... ما لمن ذاق مِيتةً من إياب ) ( فَلِيَ الويلُ بعدَهم وعليهم ... صرتُ فرداً وملَّني أصحابي ) عروضه من الخفيف الشؤون الشعب التي يتداخل بعضها في بعض من عظام الرأس واحدها شأن مهموزا والجزع منعطف الوادي وصفي السباب جمع صفاة وهي الحجارة ولقبت صفي السباب لأن قوما من قريش ومواليهم كانوا يخرجون إليها بالعشيات يتشاتمون ويذكرون المعايب والمثالب التي يرمون بهافسميت تلك الحجارة صفي السباب أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه قال يقال صفا السباب وصفي السباب بفتح الفاء وكسرها جميعا وهو شعب من شعاب مكة فيها صفا أي صخر مطروح وكانت قريش تخرج فتقف على ذلك الموضع فيفتخرون ثم يتشاتمون وذلك في الجاهلية فلا يفترقون إلا عن قتال ثم صار ذلك في صدر من الإسلام أيضا حتى نشأ سديف مولى عتبة بن أبي سديف وشبيب مولى بني أمية فكان هذا يخرج في موالي بني هاشم وهذا في موالي بني أمية فيفتخرون ثم يتشاتمون ثم يتجالدون بالسيوف وكان يقال لهم السديفية والشبيبية وكان أهل مكة مقتسمين بينهما في العصبية ثم درس ذلك فصارت العصبية بمكة بين الجزارين والحناطين فهي بينهم إلى اليوم وكذلك بالمدينة في القمار وغيره الشعر لكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي وقيل بل هو لكثير عزة وقد روي في ذلك خبر نذكره والغناء لمعبد ثقيل أول بالوسطى في مجراها عن إسحاق وذكر عمرو بن بانة أن فيه ثقيلا أول بالخنصر للغريض ولحنا آخر لابن عباد ولم يجنسه ولابن جامع في الخامس والسادس رمل بالوسطى ولابن سريج في الأربعة الأول ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ولابن أبي دباكل الخزاعي فيها ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي وأبي أيوب المدني وحبش فمن روى هذا الشعر لكثير عزة يرويه ( إن أهل الخضاب قد تركوني ... ) ويزعم أن كثيرا قاله في خضاب خضبته عزة به ابن عائشة يذكر بحادثة لكثير وعزة فيغني بشعره أخبرني بخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة ولم يتجاوزه وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني الزبيري قال حدثني بهذا الخبر أيضا وفيه زيادة وخبره أحسن وأكثر تلخيصا وأدحل في معنى الكتاب قال الزبيري حدثني أبي قال خرجت إلى ناحية فيد متنزها فرأيت ابن عائشة يمشي بين رجلين من آل الزبير وإحدى يديه على يد هذا والأخرى على يد هذا وهو يمشي بينهما كأنه امرأة تجلى على زوجها فلما رأيتهم دنوت فسلمت وكنت أحدث القوم سنا فاشتهيت غناء ابن عائشة فلم أدر كيف أصنع وكان ابن عائشة إذا هيجته تحرك فقلت رحم الله كثيرا وعزة ما كان أوفاهما وأكرمهما وأصونهما لأنفسهما لقد ذكرت بهذه الأودية التي نحن فيها خبر عزة حين خضبت كثيرا فقال ابن عائشة وكيف كان حديث ذلك قلت حدثني من حضره بذلك ومن هاهنا تتفق رواية عمر بن شبة والزبيري قال خرج كثير يريد عزة وهي منتجعة بالصواري وهي الأودية بناحية فدك فلما كان منها قريبا وعلم أن القوم جلسوا عند أنديتهم للحديث بعث أعرابيا فقال له اذهب إلى ذلك الماء فإنك ترى امرأة جسيمة لحيمة تبالط الرجال الشعر قال إسحاق المبالطة أن تنشد أول الشعر وآخره فإذا رأيتها فناد من رأى الجمل الأحمر مرارا ففعل فقالت له ويحك قد أسمعت فانصرف فانصرف إليه فأخبره فلم يلبث أن أقلبت جارية معها طست وتور وقربة ماء حتى انتهت إليه ثم جاءت بعد ذلك عزة فرأته جالسا محتبيا قريبا من ذراع راحلته فقالت له ما على هذا فارقتك فركب راحلته وهي باركة وقامت إلى لحيته فأخذت التور فخضبته وهو على ظهر جمله حتى فرغت من خضابه ثم نزل فجعلا يتحدثان حتى علق الخضاب ثم قامت إليه فغسلت لحيته ودهنته ثم قام فركب وقال ( إنّ أهل الخِضاب قد تركوني ... مُوزَعاً مُولَعاً بأهل الخضاب ) وذكر باقي الأبيات كلها وإلى هاهنا رواية عمر بن شبة فقال ابن عائشة فأنا والله أغنيه وأجيده فهل لكم في ذلك فقلنا وهل لنا عنه مدفع فاندفع يغني بالأبيات فخيل إلي أن الأودية تنطق معه حسنا فلما رجعنا إلى المدينة قصصت القصة فقيل لي إن ذلك أحسن صوت يغنيه ابن عائشة فقلت لا أدري إلا أني سمعت شيئا وافق محبتي معبد وابن سريج يبكيان أهل مكة بغنائهما وقال عبد الله بن أبي سعد حدثني عبد الله بن الصباح عن هشام بن محمد عن أبيه قال زار معبد ابن سريج والغريض بمكة فخرجا به إلى التنعيم ثم صاروا إلى الثنية العليا ثم قالوا تعالوا حتى نبكي أهل مكة فاندفع ابن سريج فغنى صوته في شعر كثير بن كثير السهمي ( أَسْعديني بعَبْرةٍ أَسْرابِ ... من دموعٍ كثيرةِ التَّسْكاب ) فأخذ أهل مكة في البكاء وأنوا حتى سمع أنينهم ثم غنى معبد صوت ( يا راكباً نحوَ المدينة جَسْرةً ... أجُداً تلاعِب حَلْقةً وزِماما ) ( اِقرأ على أهل البَقيع من امرئ ... كَمِدٍ على أهل البقيع سلاما ) ( كم غيَّبوا فيه كريماً ماجداً ... شَهْماً ومُقْتَبِلَ الشبابِ غلاما ) ( ونَفيسةً في أهلها مرجوّةً ... جمعتْ صَباحةَ صورةٍ وتَماما ) فنادوا من الدروب بالويل والحرب والسلب وبقي الغريض لا يقدر من البكاء والصراخ أن يغني الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لمعبد ثقيل أول بالوسطى وذكر عمرو بن بانة أنه ليحيى المكي وقد غلط وذكر حبش أن لعلويه فيه ثقيلا أول آخر ومن مدن معبد صوت وقد أضيف إليه غيره من القصيدة ( سَلِي هل قَلاَني من عَشيرٍ صَحِبتُه ... وهل ذَمَّ رحلي في الرِّفاق رفيقُ ) ( وهل يَجْتَوِي القومُ الكِرامُ صَحَابتي ... إذا اغبرَّ مَخْشِيُّ الفِجَاج عَميق ) ( ولو تعلمين الغيبَ أيقنتِ أنّني ... لكم والهَدَايا المُشْعَراتِ صديق ) ( تكاد بلادُ الله يا أمَّ مَعْمَرٍ ... بما رَحُبتْ يوماً عليّ تَضيق ) ( أَذُود سَوَامَ الطَّرْف عنكِ وهل لها ... إلى أحدٍ إلا إليكِ طريق ) ( وحدّثْتَنِي يا قلبُ أنك صابرٌ ... على البَيْن من لُبْنَى فسوف تذوق ) ( فَمُتْ كَمَداً أو عِشْ سَقيماً فإنما ... تكلِّفني ما لا أراك تُطيق ) ( بلُبْنَى أُنادَى عند أوّل غَشْية ... ولو كنتُ بين العائدات أُفيق ) ( إذا ذُكرت لبنى تَجلَّتْكَ زَفْرةٌ ... ويَثْنِي لك الدَّاعي بها فُتفيق ) عروضه من الطويل الشعر لقيس بن ذريح والغناء لمعبد في اللحن المذكور ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق في الأول والثاني والثالث وذكر في موضع آخر وافقته دنانير أن لمعبد ثقيلا أول بالبنصر في مجرى الوسطى أوله صوت ( أتجمع قلباً بالعراق فَرِيقُه ... ومنه بأطلال الأَرَاكِ فريقُ ) ( فكيف بها لا الدارُ جامعةُ النَّوَى ... ولا أنت يوماً عن هواكَ تُفِيقُ ) ( ولو تعلمين الغيب أيقنتِ أنّني ... لكم والهدايا المُشْعَراتِ صديقُ ) البيتان الأولان يرويان لجرير وغيره والثالث لقيس بن ذريح أضافه إليهما معبد وذكر عمرو ويونس أن لحن معبد الأول في خمسة أبيات أولى من الشعر وذكر عمرو بن بانة أن لبذل الكبيرة خفيف رمل بالوسطى في الرابع من الأبيات وبعده ( دَعَوْنَ الهوى ثم ارتَمَيْنَ قلوبَنا ... بأعيُن أعداءٍ وهنّ صديقُ ) وبعده الخامس من الأبيات وهو أذود سوام الطرف وزعم حبش أن في لحن معبد الثاني الذي أوله أتجمع قلبا لابن سريج خفيف رمل بالبنصر وذكر أيضا أن للغريض في الأول والثاني والسابع ثاني ثقيل بالبنصر ولابن مسجح خفيف رمل بالبنصر وفي السادس وما بعده لحكم الوادي ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر حبش أن للغريض فيها ثقيلا أول بالوسطى ذكر قيس بن ذريح ونسبه وأخباره هو فيما ذكر الكلبي والقحذمي وغيرهما قيس بن ذريح بن سنة ابن حذافة بن طريف بن عتوارة بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة وهو علي ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار وذكر أبو شراعة القيسي أنه قيس بن ذريح بن الحباب بن سنة وسائر النسب متفق واحتج بقول قيس ( فإنْ يك تَهْيامِي بلُبْنَى غَوايةً ... فقد يا ذَرِيحُ بنَ الحُبَابِ غَوَيْتُ ) وذكر القحذمي أن أمه بنت سنة بن الذاهل بن عامر الخزاعي وهذا هو الصحيح وأنه كان له خال يقال له عمرو بن سنة شاعر وهو الذي يقول ( ضربوا الفِيلَ بالمغمَّس حتى ... ظَلَّ يحبو كأنه محمومُ ) وفيه يقول قيس ( أُنبئتُ أن لخالي هَجْمةً حُبُساً ... كأنّهن بجَنْبِ المَشْعَرِ النُّصُلُ ) ( قد كنتَ فيما مضى قِدْماً تجاورُنا ... لا ناقةُ لك ترعاها ولا جملُ ) ( ما ضَرَّ خاليَ عمراً لو تقَسَّمها ... بعضُ الحياض وجَمُّ البئر مُحْتفِل ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن موسى بن حماد قال حدثني أحمد بن القاسم بن يوسف قال حدثني جزء بن قطن قال حدثنا جساس بن محمد بن عمرو أحد بني الحارث بن كعب عن محمد بن أبي السري عن هشام بن الكلبي قال حدثني عدد من الكنانيين أن قيس بن ذريح كان رضيع الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أرضعته أم قيس قصته مع لبنى أخبرني بخبر قيس ولبنى امرأته جماعة من مشايخنا في قصص متصلة ومنقطعة وأخبار منثورة ومنظومة فألفت ذلك أجمع ليتسق حديثه إلا ما جاء مفردا وعسر إخراجه عن جملة النظم فذكرته على حدة فممن أخبرنا بخبره أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة ولم يتجاوزه إلى غيره وإبراهيم بن محمد بن أيوب عن ابن قتيبة والحسن بن علي عن محمد بن موسى بن حماد البربري عن أحمد بن القاسم بن يوسف عن جزء بن قطن عن جساس بن محمد عن محمد بن أبي السري عن هشام بن الكلبي وعلى روايته أكثر المعول ونسخت أيضا من أخباره المنظومة أشياء ذكرها القحذمي عن رجاله وخالد بن كلثوم عن نفسه ومن روى عنه وخالد بن جمل ونتفا حكاها اليوسفي صاحب الرسائل عن أبيه عن أحمد بن حماد عن جميل عن ابن أبي جناح الكعبي وحكيت كل متفق فيه متصلا وكل مختلف في معانيه منسوبا إلى راوية قالوا جميعا كان منزل قومه في ظاهر المدينة وكان هو وأبوه من حاضرة المدينة وذكر خالد بن كلثوم أن منزله كان بسرف واحتج بقوله ( الحمد لله قد أمستْ مُجَاوِرةً ... أهلَ العَقيق وأمسَيْنا على سَرِفِ ) قالوا فمر قيس لبعض حاجته بخيام بني كعب بن خزاعة فوقف على خيمة منها والحي خلوف والخيمة خيمة لبنى بنت الحباب الكعبية فاستسقى ماء فسقته وخرجت إليه به وكانت امرأة مديدة القامة شهلاء حلوة المنظر والكلام فلما رآها وقعت في نفسه وشرب الماء فقالت له أتنزل فتتبرد عندنا قال نعم فنزل بهم وجاء أبوها فنحر له وأكرمه فانصرف قيس وفي قلبه من لبنى حر لا يطفأ فجعل ينطق بالشعر فيها حتى شاع وروي ثم أتاها يوما آخر وقد اشتد وجده بها فسلم فظهرت له وردت سلامه وتحفت به فشكا إليها ما يجد بها وما يلقى من حبها وشكت إليه مثل ذلك فأطالت وعرف كل واحد منهما ما له عند صاحبه فانصرف إلى أبيه وأعلمه حاله وسأله أن يزوجه إياها فأبى عليه وقال يا بني عليك بإحدى بنات عمك فهن أحق بك وكان ذريح كثير المال موسرا فأحب ألا يخرج ابنه إلى غريبة فانصرف قيس وقد ساءه ما خاطبه أبوه به فأتى أمه فشكا ذلك إليها واستعان بها على أبيه فلم يجد عندها ما يحب فأتى الحسين بن علي بن أبي طالب وابن أبي عتيق فشكا إليهما ما به وما رد عليه أبوه فقال له الحسين أنا أكفيك فمشى معه إلى أبي لبنى فلما بصر به أعظمه ووثب إليه وقال له يابن رسول الله ما جاء بك ألا بعثت إلي فأتيتك قال إن الذي جئت فيه يوجب قصدك وقد جئتك خاطبا ابنتك لبنى لقيس بن ذريح فقال يابن رسول الله ما كنا لنعصي لك أمرا وما بنا على الفتى رغبة ولكن أحب الأمر إلينا أن يخطبها ذريح أبوه علينا وأن يكون ذلك عن أمره فإنا نخاف إن لم يسع أبوه في هذا أن يكون عارا وسبة علينا فأتى الحسين رضي الله عنه ذريحا وقومه وهم مجتمعون فقاموا إليه إعظاما له وقالوا له مثل قول الخزاعيين فقال لذريح أقسمت عليك إلا خطبت لبنى لابنك قيس قال السمع والطاعة لأمرك فخرج معه في وجوه من قومه حتى أتوا لبنى فخطبها ذريح على ابنه إلى أبيها فزوجه إياها وزفت إليه بعد ذلك فأقامت معه مدة لا ينكر أحد من صاحبه شيئا وكان أبر الناس بأمه فألهته لبنى وعكوفه عليها عن بعض ذلك فوجدت أمه في نفسها وقالت لقد شغلت هذه المرأة ابني عن بري ولم تر للكلام في ذلك موضعا حتى مرض مرضا شديدا فلما برأ من علته قالت أمه لأبيه لقد خشيت أن يموت قيس وما يترك خلفا وقد حرم الولد من هذه المرأة وأنت ذو مال فيصير مالك إلى الكلالة فزوجه بغيرها لعل الله أن يرزقه ولدا وألحت عليه في ذلك فأمهل قيسا حتى إذا اجتمع قومه دعاه فقال يا قيس إنك اعتللت هذه العلة فخفت عليك ولا ولد لك ولا لي سواك وهذه المرأة ليست بولود فتزوج إحدى بنات عمك لعل الله أن يهب لك ولدا تقر به عينك وأعيننا فقال قيس لست متزوجا غيرها أبدا فقال له أبوه فإن في مالي سعة فتسر بالإماء قال ولا أسوءها بشيء أبدا والله قال أبوه فإني أقسم عليك إلا طلقتها فأبى وقال الموت والله علي أسهل من ذلك ولكني أخيرك خصلة من ثلاث خصال قال وما هي قال تتزوج أنت فلعل الله أن يرزقك ولدا غيري قال فما في فضلة لذلك قال فدعني أرتحل عنك بأهلي واصنع ما كنت صانعا لو مت في علتي هذه قال ولا هذه قال فأدع لبنى عندك وأرتحل عنك فلعلي أسلوها فإني ما أحب بعد أن تكون نفسي طيبة أنها في خيالي قال لا أرض أو تطلقها وحلف لا يكنه سقف بيت أبدا حتى يطلق لبنى فكان يخرج فيقف في حر الشمس ويجيء قيس فيقف إلى جانبه فيظله بردائه ويصلى هو بحر الشمس حتى يفيء الفيء فينصرف عنه ويدخل إلى لبنى فيعانقها وتعانقه ويبكي وتبكي معه وتقول له يا قيس لا تطع أباك فتهلك وتهلكني فيقول ما كنت لأطيع أحدا فيك أبدا فيقال إنه مكث كذلك سنة وقال خالد بن كلثوم ذكر ابن عائشة أنه أقام على ذلك أربعين يوما ثم طلقها وهذا ليس بصحيح طلاقه لبنى ثم ندمه أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني يحيى بن معين قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عمر بن أبي سفيان عن ليث بن عمرو أنه سمع قيس بن ذريح يقول لزيد بن سليمان هجرني أبواي في لبنى عشر سنين أستأذن عليهما فيرداني حتى طلقتها قال ابن جريج وأخبرت أن عبد الله بن صفوان الطويل لقي ذريحا أبا قيس فقال له ما حملك على أن فرقت بينهما أما علمت أن عمر بن الخطاب قال ما أبالي أفرقت بينهما أو مشيت إليهما بالسيف وروى هذا الحديث إبراهيم بن يسار الرمادي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال قال الحسين بن علي رضي الله عنهما لذريح بن سنة أبي قيس أحل لك أن فرقت بين قيس ولبنى أما إني سمعت عمر بن الخطاب يقول ما أبالي أفرقت بين الرجل وامرأته أو مشيت إليهما بالسيف قالوا فلما بانت لبنى بطلاقه إياها وفرغ من الكلام لم يلبث حتى استطير عقله وذهب به ولحقه مثل الجنون وتذكر لبنى وحالها معه فأسف وجعل يبكي وينشج أحر نشيج وبلغها الخبر فأرسلت إلى أبيها ليحتملها وقيل بل أقامت حتى انقضت عدتها وقيس يدخل عليها فأقبل أبوها بهودج على ناقة وبإبل تحمل أثاثها فلما رأى ذلك قيس أقبل على جاريتها فقال ويحك ما دهاني فيكم فقال لا تسألني وسل لبنى فذهب ليلم بخبائها فيسألها فمنعه قومها فأقبلت عليه امرأة من قومه فقالت له ما لك ويحك تسأل كأنك جاهل أو تتجاهل هذه لبنى ترتحل الليلة أو غدا فسقط مغشيا عليه لا يعقل ثم أفاق وهو يقول ( وإنّي لمُفْنٍ دمعَ عيْنيَ بالبكا ... حِذَارَ الذي قد كان أو هو كائنُ ) ( وقالوا غداً أو بعد ذاك بليلةٍ ... فراقُ حبيبٍ لم يَبِنْ وهو بائن ) ( وما كنتُ أخشى أن تكون منيّتي ... بكفَّيْكِ إلاّ أنّ ما حان حائن ) في هذه الأبيات غناء ولها أخبار قد ذكرت في أخبار المجنون قال وقال قيس ( يقولون لُبْنَى فتنةٌ كنتَ قبلها ... بخير فلا تَنْدَمْ عليها وطلِّقِ ) ( فطاوعتُ أعدائي وعاصيتُ ناصحي ... وأقررْتُ عين الشامت المُتخلِّق ) ( وَدِدْتُ وبيتِ الله أنّي عَصَيْتُهم ... وحُمِّلت في رِضوانِها كلَّ مُوبِق ) ( وكُلِّفتُ خوضَ البحر والبحر زاخرٌ ... أَبِيتُ على أثْبَاج موج مُغَرِّق ) ( كأنّي أرى الناسَ المحبّين بعدها ... عُصارةَ ماء الحنظل المُتَفَلِّق ) ( فتُنكر عيني بعدها كلَّ منظَرٍ ... ويكره سمعي بعدَها كلَّ منطق ) قال وسقط غراب قريبا منه فجعل ينعق مرارا فتطير منه وقال ( لقد نادى الغرابُ ببَيْن لُبْنَى ... فطار القلب من حَذَرِ الغرابِ ) ( وقال غداً تَبَاعَدُ دارُ لُبْنَى ... وتَنْأى بعد ودٍّ واقتراب ) ( فقلتُ تَعِستَ وَيْحَك من غراب ... وكان الدهرَ سعيُك في تَباب ) وقال أيضا وقد منعه قومه من الإلمام بها صوت ( ألاَ يا غرابَ البَيْنِ وَيْحَكَ نَبِنِّي ... بعلمك في لُبْنَى وأنتَ خبيرُ ) ( فإن أنتَ لم تُخْبِرْ بما قد علمتَه ... فلا طِرْتَ إلاّ والجنَاح كَسِيرُ ) ( ودُرْتَ بأعداءٍ حبيبُك فيهمُ ... كما قد تَراني بالحبيب أدورُ ) غنى سليمان أخو حجبة رملا بالوسطى قالوا وقال أيضا وقد أدخلت هودجها ورحلت وهي تبكي ويتبعها صوت ( ألاَ يا غرابَ البَيْنِ هل أنتَ مُخبِري ... بخيرٍ كما خَبَّرتَ بالنأي والشرِّ ) ( وقلتَ كذاك الدهرُ ما زال فاجعاً ... صدقتَ وهل شيءٌ بباق على الدهرِ ) غنى فيهما ابن جامع ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشامي وذكر حبش أن لقفا النجار فيهما ثقيلا أول بالوسطى قالوا فلما ارتحل قومها مليا ثم علم أن أباها سيمنعه من المسير معها فوقف ينظر إليهم ويبكي حتى غابوا عن عينه فكر راجعا ونظر إلى أثر خف بعيرها فأكب عليه يقبله ورجع يقبل موضع مجلسها وأثر قدمها فليم على ذلك وعنفه قومه على تقبيل التراب فقال ( وما أحببتُ أرضَكُم ولكن ... أُقَبِّل إثْر من وَطِئ التُّرابا ) ( لقد لاقيتُ من كَلَفِي بلُبْنَى ... بَلاءً ما أُسِيغ به الشَّرابا ) ( إذا نادى المنادي باسمِ لُبْنَى ... عَيِيتُ فما أُطيقُ له جوابا ) وقال وقد نظر إلى آثارها صوت ( ألاَ يا رَبْعَ لُبْنَى ما تقولُ ... ابِنْ لي اليومَ ما فعل الحُلولُ ) ( فلو أن الديارَ تُجيب صَبًّا ... لردّ جوابيَ الرّبعُ المُحِيلُ ) ( ولو أنّي قدَرْتُ غداةَ قالتْ ... غدَرتَ وماءُ مُقْلِتها يَسيلُ ) ( نحرتُ النفسَ حين سمعتُ منها ... مقالتَها وذاك لها قليلُ ) ( شَفَيْتُ غليلَ نفسي من فِعالي ... ولم أَغبُرْ بلا عقلٍ أجُول ) غنى فيه حسين بن محرز خفيف ثقيل من روايتي بذل وقريض وتمام هذه الأبيات ( كأنِّي والِهٌ بفراق لُبْنَى ... تَهِيمُ بفقد واحدِها ثَكُولُ ) ( ألاَ يا قلبُ وَيْحَكَ كن جَليداً ... فقد رحَلتْ وفات بها الذَّمِيل ) ( فإنك لا تُطيق رجوعَ لُبنى ... إذا رحَلتْ وإن كثُر العَوِيلُ ) ( وكَمْ قد عِشْتَ كَمْ بالقرب منها ... ولكنّ الفِراقَ هو السبيل ) ( فصبراً كلُّ مؤتَلِفَيْنِ يوماً ... من الأيام عيشُهما يزول ) قال فلما جن عليه الليل وانفرد وأوى إلى مضجعه لم يأخذه القرار وجعل يتململ فيه تململ السليم ثم وثب حتى أتى موضع خبائها فجعل يتمرغ فيه ويبكي ويقول صوت ( بِتُّ والهمُّ يا لُبيني ضَجيعي ... وجرتْ مُذْ نأيتِ عنِّي دموعي ) ( وتنفّستُ إذ ذكرتُك حتى ... زالت اليومَ عن فؤادي ضلوعي ) ( أتناسَاكِ كي يُرِيغَ فؤادي ... ثم يشتدُّ عند ذاك وَلُوعي ) ( يا لُبَيْنى فَدَتْكِ نفسي وأهلي ... هل لدهرٍ مضى لنا من رجوعِ ) غنت في البيتين الأولين شارية خفيف رمل بالوسطى وغنى فيهما حسين بن محرز ثاني ثقيل هكذا ذكر الهشامي وقد قيل إنه لهاشم بن سليمان أخبرني محمد بن خلف وكيع قال قال الزبير بن بكار حدثني عبد الجبار ابن سعيد المساحقي عن محمد بن معن الغفاري عن أبيه عن عجوز لهم يقال لهما حمادة بنت أبي مسافر قالت جاورت آل ذريح بقطيع لي فيه الرائمة وذات البر والحائل والمتبع قالت فكان قيس بن ذريح إلى شرف في ذلك القطيع ينظر إلى ما يلقين فيتعجب فقلما لبث حتى عزم عليه أبوه بطلاق لبنى فكاد يموت ثم آلى أبوه لئن أقامت لا يساكن قيسا فظعنت فقال ( أيا كبداً طارتْ صُدوعاً نوافذاً ... ويا حَسْرتَا ماذا تَغَلْغَلَ في القلب ) ( فأقْسِمُ ما عُمْشُ العيون شوارفٌ ... روائمُ بَوٍّ حائماتٌ على سَقْب ) ( تشمَّمْنَه لو يَسْتطِعن ارتشفْنَه ... إذا سُفْنَه يَزْددنَ نَكْباً على نَكْب ) ( رَئِمْنَ فما تَنْحاش منهنّ شارفٌ ... وحالَفْنَ حبساً في المُحول وفي الجَدْب ) ( بأَوْجَدَ منِّي يومَ وَلَّتْ حُمُولُها ... وقد طلعتْ أولَى الرِّكاب من النَّقْبِ ) ( وكلُّ مُلِمّات الزمان وجدتُها ... سوى فُرْقةِ الأحباب هيِّنَةَ الخَطْب ) أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال سمعت ابن عائشة يقول قال إسحاق بن الفضل الهاشمي لم يقل الناس في هذا المعنى مثل قول قيس ابن ذريح ( وكلُّ مُصِيبات الزمان وجدتُها ... سوى فُرْقَة الأحباب هيّنةَ الخَطْبِ ) قال وقال ابن النطاح قال أبو دعامة اشتاقها فقصدها وقال شعرا خرج قيس في فتية من قومه واعتل على أبيه بالصيد فأتى بلاد لبنى فجعل يتوقع أن يراها أو يرى من يرسل إليها فاشتغل الفتيان بالصيد فلما قضوا وطرهم منه رجعوا إليه وهو واقف فقالوا له قد عرفنا ما أردت بإخراجنا معك وأنك لم ترد الصيد وإنما أردت لقاء لبنى وقد تعذر عليك فانصرف الآن فقال ( وما حائماتٌ حُمْنَ يوماً وليلةً ... على الماء يَغْشَيْن العَصِيَّ حَوَانِ ) ( عَوَافِيَ لا يَصْدُرْن عنه لِوجهةٍ ... ولا هنّ من بَرْدِ الحِياض دَوَانِ ) ( يَرَيْنَ حَبَاب الماء والموتُ دونه ... فهنّ لأصوات السُّقّاةِ رَوَانِ ) ( بأجهدَ منِّي حَرَّ شوقٍ ولَوْعةٍ ... عليكِ ولكِنّ العدوَّ عَدَاني ) ( خليليَّ إني ميّتٌ أو مُكَلِّمٌ ... لُبَيْنى بسرِّي فامضِيا وذَرَاني ) ( أنَلْ حاجتي وَحْدِي ويا رُبَّ حاجةٍ ... قضيتُ على هَوْلٍ وخوفِ جَنَانِ ) ( فإنّ أحقَّ الناسِ ألا تُجَاوِزَا ... وتَطَّرِحا من لو يشاء شفاني ) ( ومن قادني للموت حتى إذا صفَتْ ... مشاربُه السمَّ الذُّعَافَ سقانِي ) قال فأقاموا معه حتى لقيها فقالت له يا هذا إنك متعرض لنفسك وفاضحي فقال لها ( صدَعْتِ القلبَ ثم ذرَرْتِ فيه ... هواكِ فلِيمَ فالتأم الفُطورُ ) ( تَغَلْغَلَ حيثُ لم يبلُغ شَرابٌ ... ولا حزنٌ ولم يبلغ سرور ) وقال القحذمي حدثني أبو الوردان قال حدثني أبي قال أنشدت أبا السائب المخزومي قول قيس ( صدعتِ القلبَ ثم ذررتِ فيه ... هواكِ فليم فالتأم الفطور ) فصاح بجارية له سندية تسمى زبدة فقال أي زبدة عجلي فقالت أنا أعجن فقال ويحك تعالي ودعي العجين فجاءت فقال لي أنشد بيتي قيس فأعدتهما فقال لها يا زبدة أحسن قيس وإلا فأنت حرة ارجعي الآن إلى عجينك أدركيه لا يبرد قالوا وجعل قيس يعاتب نفسه في طاعته أباه في طلاقه لبنى ويقول فألا رحلت بها عن بلده فلم أر ما يفعل ولم يرني فكان إذا فقدني أقلع عما يفعله وإذا فقدته لم أتحرج من فعله وما كان علي لو اعتزلته وأقمت في حيها أو في بعض بوادي العرب أو عصيته فلم أطعه هذه جنايتي على نفسي فلا لوم على أحد وهأنذا ميت مما فعلته فمن يرد روحي إلي وهل لي سبيل إلى لبنى بعد الطلاق وكلما قرع نفسه وأنبها بلون من التقريع والتأنيب بكى أحر بكاء وألصق خده بالأرض ووضعه على آثارها ثم قال صوت ( وَيْلِي وعَوْلِي ومالي حين تُفلِتُني ... من بعد ما أحرزتْ كفّي بها الظَّفَرا ) ( قد قال قلبي لطَرْفي وهو يعذُله ... هذا جزاؤك منّي فاكدِمُ الحجرا ) ( قد كنتُ أنهاك عنها لو تُطاوِعُني ... فاصبِرْ فما لك فيها أجرُ من صبرا ) غناه الغريض خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وفيه لإبراهيم ثقيل أول بالوسطى عن حبش وفي الثالث والأول خفيف رمل يقال إنه لابن الهربذ قالوا وقال أيضا ( بانت لُبَيْنَى فأنت اليوم متبول ... والرأي عندك بعد الحزم مخبول ) ( أستودِع اللهَ لُبْنَى إذ تفارقني ... بالرغم منّي وقولُ الشيخ مفعول ) ( وقد أَرَاني بلبنى حقَّ مُقتنِعٍ ... والشملُ مجتمعٌ والحبل موصول ) قال خالد بن كلثوم وقال ( ألاَ ليت لُبْنَى في خلاءٍ تزورني ... فأشكو إليها لَوْعتي ثم ترجِعُ ) ( صحا كلُّ ذي لبٍّ وكلُّ متيَّم ... وقلبي بُلبْنَى ما حَيِيتُ مروَّع ) ( فيا مَنْ لِقلبٍ ما يُفِيق من الهوى ... ويا مَنْ لعينٍ بالصَّبابة تَدْمَع ) قالوا وقال في ليلته تلك ( قد قلتُ للقلب لا لُبْناك فاعتِرف ... واقضِ اللُّبَانةَ ما قضَّيْتَ وانصرِف ) ( قد كنت أحلف جَهْداً لا أُفارقها ... أُفٍّ لكثرة ذاك القِيل والحَلِفِ ) ( حتى تكنَّفني الواشون فافتُلِتتْ ... لا تأمَنَنْ أبداً من غشّ مُكتنِف ) ( هيهات هيهات قد أمستْ مُجاوِرةً ... أهلَ العَقيق وأَمسيْنا على سَرِف ) قال وسرف على ستة أميال من مكة والعقيق واد باليمامة ( حي يَمَانُونَ والبَطْحاء منزلَنا ... هذا لَعْمرُك شملٌ غيرُ مؤتِلِف ) قالوا فلما أصبح خرج متوجها نحو الطريق الذي سلكته يتنسم روائحها فسنحت له ظبية فقصدها فهربت منه فقال من شعره في لبنى ( ألاَ يا شِبْهَ لُبْنَى لا تُرَاعِي ... ولا تتيمَّمِي قُلَلَ القِلاع ) وهي قصيدة طويلة يقول فيها ( فوا كبِدي وعاودني رُدَاعِي ... وكان فراقُ لُبْنَى كالخداع ) ( تكنَّفني الوُشاةُ فأزعجوني ... فيا للهِ لِلْواشِي المُطاع ) ( فأصبحتُ الغَداةَ ألوم نفسي ... على شيءٍ وليس بمستطاع ) ( كمغبونٍ يَعَضُّ على يديه ... تَبيَّنَ غَبْنَه بعد البِياع ) ( بدار مَضِيعةٍ تركتْك لُبْنَى ... كذاك الحَيْنُ يُهْدَى للمُضاع ) ( وقد عِشْنا نَلَذُّ العيشَ حِيناً ... لَوَ ان الدهرَ للإِنسان داع ) ( ولكنّ الجميعَ إلى افتراق ... وأسبابُ الحُتوفِ لها دواع ) غناه الغريض من القدر الأوسط من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لمعبد خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو والهشامي ولشارية في البيتين الأولين ثقيل أول آخر بالوسطى ولابن سريج رمل بالوسطى عن الهشامي في ( بدارِ مَضِيعةٍ تركْتك لُبْنَى ... ) وقبله ( فواكبدِي وعاودنِي رُدَاعِي ... ) ولسياط في البيتين الأولين خفيف رمل بالبنصر عن حبش حدثني عمي عن الكراني عن العتبي عن أبيه قال بعثت أم قيس بن ذريح بفتيات من قومه إليه يعبن إليه لبنى ويعبنه بجزعه وبكائه ويتعرضن لوصاله فأتينه فاجتمعن حواليه وجعلن يمازحنه ويعبن لبنى عنده ويعيرنه ما يفعله فلما أطلن أقبل عليهن وقال صوت ( يَقَرُّ بعيني قربُها ويَزِيدُني ... بها كَلَفاً مَنْ كان عندي يَعِيبُها ) ( وكم قائلٍ قد قال تُبْ فعصَيْتُه ... وتلك لعَمْرِي توبةٌ لا أتوبها ) ( فيا نفسُ صبراً لستِ والله فاعلمي ... بأوَّلِ نفسٍ غاب عنها حبيبُها ) غناه دحمان ثقيلا أول بالوسطى وفيه هزج بالبنصر لسليم وذكر حبش أنه لإسحاق قال فانصرفن عنه إلى أمه فأيأسنها من سلوته وقال سائر الرواة الذي ذكرتهم اجتمع إليه النسوة فأطلن الجلوس عنده وحادثنة وهو ساه عنهن ثم نادى يا لبنى فقلن له ما لك ويحك فقال خدرت رجلي ويقال إن دعاء الإنسان باسم أحب الناس إليه يذهب عنه خدر الرجل فناديتها لذلك فقمن عنه وقال ( إذا خدِرتْ رجلي تذكرتُ مَنْ لها ... فناديتُ لُبْنَى باسمِها ودعوتُ ) ( دعوتُ التي لو أنّ نفسي تُطِيعني ... لفارقتُها من حبِّها وقَضيتُ ) ( بَرَتْ نبلَها للصيد لبنى ورَيَّشَتْ ... ورَيَّشْتُ أُخرى مثلَها وبَرَيْتُ ) ( فلمّا رمتني أَقْصدتْني بسهمها ... وأخطأتُها بالسَّهم حين رميتُ ) ( وفارقتُ لبنى ضَلَّةً فكأنني ... قُرِنت إلى العَيُّوق ثم هَوَيْتُ ) ( فيا ليتَ أنِّي مُتُّ قبل فراقها ... وهل تَرْجِعَنْ فوتَ القضيّة لَيْتُ ) ( فصرتُ وشيخي كالذي عثَرتْ به ... غَداةَ الوَغَى بين العُدَاة كُمَيْتُ ) ( فقامت ولم تُضْرَرْ هناك سَوِيّةً ... وفارسُها تحت السَّنابِك مَيْتُ ) ( فإن يك تَهْيامي بلُبْنى غَوايَةً ... فقد يا ذَرِيحُ بن الحُبَاب غَوَيْتُ ) ( فلا أنت ما أمَّلتَ فيّ رأيتَه ... ولا أنا لبنى والحياةَ حَوَيْتُ ) ( فوَطِّنْ لهُلْكِي منك نفساً فإنّني ... كأنك بي قد يا ذَريحُ قَضَيْتُ ) وقال خالد بن كلثوم مرض قيس فسأل أبوه فتيات الحي أن يعدنه ويحدثنه لعله أن يتسلى أو يعلق بعضهن ففعلن ذلك ودخل إليه طبيب ليداويه والفتيات معه فلما اجتمعن عنده جعلن يحادثنه وأطلن السؤال عن سبب علته فقال صوت ( عِيدَ قيسٌ من حبِّ لُبنى ولُبنى ... داءُ قيسٍ والحبُّ داءٌ شديدُ ) ( وإذا عادني العوائدُ يوماً ... قالت العين لا أَرَى من أُريد ) ( ليت لُبْنَى تَعُودني ثم أَقْضِي ... إنها لا تعود فيمن يعود ) ( وَيْحَ قيسٍ لقد تضمَّن منها ... داءَ خَبْلٍ فالقلبُ منه عَميد ) غناه ابن سريج خفيف رمل عن الهشامي وفيه للحجبي ثقيل أول بالوسطى وفيه ليحيى المكي رمل قالوا فقال له الطبيب منذ كم هذه العلة ومنذ كم وجدت بهذه المرأة ما وجدت فقال صوت ( تعلَّق رُوحِي روحَها قبل خَلْقِنا ... ومن بعدِ ما كنَّا نِطافاً وفي المهدِ ) ( فزاد كما زِدنا فأصبح نامياً ... وليس إذا مُتْنا بمُنْصَرِم العهد ) ( ولكنَّه باقٍ على كلِّ حادثٍ ... وزائرُنا في ظُلْمة القبر واللَّحْدِ ) غناه الغريض ثقيلا أول بالوسطى من رواية حبش قالوا فقال له الطبيب إن مما يسليك عنها أن تتذكر ما فيها من المساوئ والمعيب وما تعافه النفس من أقذار بني آدم فإن النفس تنبو حينئذ وتسلو ويخف ما بها فقال ( إذا عِبتُها شبَّهتُها البدرَ طالعاً ... وحَسْبُكَ من عيب لها شَبَهُ البدرِ ) ( لقد فُضِّلتْ لبنى على الناس مثلَ ما ... على ألف شهر فُضِّلتْ ليلةُ القدر ) صوت ( إذا ما مشتْ شبراً من الأرض أَرْجَفتْ ... من البُهْر حتى ما تَزيدُ على شبرِ ) ( لها كَفَلٌ يَرْتَجُّ منها إذا مشتْ ... ومتنٌ كغصن البان مُضْطَمِرُ الخَصْر ) غنى في هذين البيتين ابن المكي خفيف رمل بالوسطى وفيهما رمل ينسب إلى ابن سريج وإلى ابن طنبورة عن الهشامي قالوا ودخل أبوه وهو يخاطب الطبيب بهذه المخاطبة فأنبه ولامه وقال له يا بني الله الله في نفسك فإنك ميت إن دمت على هذا فقال ( وفِي عُرْوةَ العُذْرِيّ إن متُّ أُسوةٌ ... وعمروِ بن عَجْلانَ الذي قتلتْ هندُ ) ( وبي مثلُ ما ماتا به غيرَ أنني ... إلى أجلٍ لم يأتِني وقتُه بعدُ ) صوت ( هل الحبُّ إلاّ عَبْرةٌ بعد زَفْرةٍ ... وحَرٌّ على الأحشاء ليس له بَرْدُ ) ( وفَيْضُ دموعٍ تَستهل إذا بدا ... لنا علمٌ من أرضكم لم يكن يبدو ) غنى في هذين البيتين زيد بن الخطاب مولى سليمان بن أبي جعفر وقيل إنه مولى سليمان بن علي ثقيلا أول بالوسطى عن الهشامي وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير وأخبرنا اليزيدي عن ثعلب عن الزبير قال حدثني إسماعيل بن أبي أويس قال جلست أنا وأبو السائب في النبالين فأنشدني قول قيس بن ذريح ( عِيدَ قيسٌ من حبِّ لُبْنَى ولُبنى ... داءُ قيسٍ والحبّ داءٌ شديدُ ) ( لَيت لُبْنَى تعودني ثم أَقْضِي ... إنها لا تعود فيمن يعود ) قال فأنشدته أنا لقيس ( تعلَّق رُوحِي رُوحَها قبل خَلْقِنا ... ومن بعد ما كنّا نِطافاً وفي المهد ) ( فزاد كما زِدنا وأصبح نامياً ... وليس إذا متْنا بمنتَقِضِ العهد ) ( ولكنَّه باقٍ على كل حادثٍ ... وزائرُنا في ظلمة القبر واللَّحْد ) فحلف لا يزال يقوم ويقعد حتى يرويها فدخل زقاق النبالين وجعلت أرددها عليه ويقوم ويقعد حتى رواها رجع الخبر إلى سياقته زوجوه لينسى لبنى وقال خالد بن جمل فلما طال على قيس ما به أشار قومه على أبيه بأن يزوجه امرأة جميلة فلعله أن يسلو بها عن لبنى فدعاه إلى ذلك فأباه وقال ( لقد خِفتُ ألاّ تَقْنَع النفسُ بعدها ... بشيءٍ من الدنيا وإن كان مَقْنَعا ) ( وأزجُر عنها النفس إذ حيل دونها ... وتأبَى إليها النفسُ إلاّ تَطلُّعا ) فأعلمهم أبوه بما رد عليه قالوا فمره بالمسير في أحياء العرب والنزول عليهم فلعل عينه أن تقع على امرأة تعجبه فأقسم عليه أبوه أن يفعل فسار حتى نزل بحي من فزارة فرأى جارية حسناء قد حسرت برقع خز عن وجهها وهي كالبدر ليلة تمه فقال لها ما اسمك يا جارية قالت لبنى فسقط على وجهه مغشيا عليه فنضحت على وجهه ماء وارتاعت لما عراه ثم قالت إن لم يكن هذا قيس بن ذريح إنه لمجنون فأفاق فنسبته فانتسب فقالت قد علمت أنك قيس ولكن نشدتك بالله وبحق لبنى إلا أصبت من طعامنا وقدمت إليه طعاما فأصاب منه بإصبعه وركب فأتى على أثره أخ لها كان غائبا فرأى مناخ ناقته فسألهم عنه فأخبروه فركب حتى رده إلى منزله وحلف عليه ليقيمن عنده شهرا فقال له لقد شققت علي ولكني سأتبع هواك والفزاري يزداد إعجابا بحديثه وعقله وروايته فعرض عليه الصهر فقال له يا هذا إن فيك لرغبة ولكني في شغل لا ينتفع بي معه فلم يزل يعاوده والحي يلومونه ويقولون له قد خشينا أن يصير علينا فعلك سبة فقال دعوني ففي مثل هذا الفتى يرغب الكرام فلم يزل به حتى أجابه وعقد الصهر بينه وبينه على أخته المسماة لبنى وقال له أنا أسوق عنك صداقها فقال أنا والله يا أخي أكثر قومي مالا فما حاجتك إلى تكلف هذا أنا سائر إلى قومي وسائق إليها المهر ففعل وأعلم أباه الذي كان منه فسره وساق المهر عنه ورجع إلى الفزاريين حتى أدخلت عليه زوجته فلم يروه هش إليها ولا دنا منها ولا خاطبها بحرف ولا نظر إليها وأقام على ذلك أياما كثيرة ثم أعلمهم أنه يريد الخروج إلى قومه أياما فأذنوا له في ذلك فمضى لوجهه إلى المدينة وكان له صديق من الأنصار بها فأتاه فأعلمه الأنصاري أن خبر تزويجه بلغ لبنى فغمها وقالت إنه لغدار ولقد كنت أمتنع من إجابة قومي إلى التزويج فأنا الآن أجيبهم وقد كان أبوها شكا قيسا إلى معاوية وأعلمه تعرضه لها بعد الطلاق فكتب إلى مروان بن الحكم يهدر دمه إن تعرض لها وأمر أباها أن يزوجها رجلا يعرف بخالد بن حلزة من بني عبد الله بن غطفان ويقال بل أمره بتزويجها رجلا من آل كثير بن الصلت الكندي حليف قريش فزوجها أبوها منه قال فجعل نساء الحي يقلن ليلة زفافها ( لُبَيْنَى زوجُها أصبح ... لا حرَّ بِواديه ) ( له فضلٌ على الناس ... بما باتت تُناجيه ) ( وقيسٌ ميّتٌ حيٌّ ... صريعٌ في بَواكيه ) ( فلا يُبعِدُه الله ... وبُعْداً لنَواعيه ) قال فجزع قيس جزعا شديدا وجعل ينشج أحر نشيج ويبكي أحر بكاء ثم ركب من فوره حتى أتى محلة قومها فناداه النساء ما تصنع الآن ها هنا قد نقلت لبنى إلى زوجها وجعل الفتيان يعارضونه بهذه المقالة وما أشبهها وهو لا يجيبهم حتى أتى موضع خبائها فنزل عن راحلته وجعل يتمعك في موضعها ويمرغ خده على ترابها ويبكي أحر بكاء ثم قال صوت ( إلى الله أشكو فَقْدَ لُبنى كما شكا ... إلى الله فقدَ الوالدَيْنِ يتيمُ ) ( يتيمٌ جفاه الأقربون فجسمُه ... نَحيلٌ وعهدُ الوالدَيْن قديمُ ) ( بكت دارُهم من نأيهم فتهلّلتْ ... دموعي فأيَّ الجازِعَيْنِ ألوم ) ( أمُستعبِراً يبكي من الشوق والهوى ... أَمَ آخَر يبكي شَجْوَه ويَهِيم ) لابن جامع في البيتين الأولين ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي ولعريب فيهما ثاني ثقيل وفي الثالث والرابع لمياسة خفيف رمل بالبنصر عن عمرو وحبش والهشامي وتمام هذه الأبيات وليست فيها صنعة قوله ( تهيَّضَنِي من حبّ لُبْنَى علائقٌ ... وأصنافُ حبٍّ هَوْلُهن عظيمُ ) ( ومن يتعلَّق حبَّ لبنى فؤادُه ... يَمُتْ أو يَعِشْ ما عاش وهو كَليم ) ( فإنّي وإن أجمعتُ عنكِ تَجلُّداً ... على العهد فيما بيننا لمُقِيم ) ( وإنّ زماناً شتَّت الشملَ بيننا ... وبينكُم فيه العِدَا لمَشُوم ) ( أفي الحقِّ هذا أنّ قلبكِ فارغٌ ... صحيح وقلبي في هواكِ سَقيم ) وقد قيل إن هذه الأبيات ليست لقيس وإنما خلطت بشعره ولكنها في هذه الرواية منسوبة إليه قال وقال أيضا في رحيل لبنى عن وطنها وانتقالها إلى زوجها بالمدينة وهو مقيم في حيها صوت ( بانت لُبَيْنَى فهاج القلبَ مَنْ بانا ... وكان ما وعدتْ مَطْلاً وَلَيّانَا ) ( وأَخْلفتْك مُنًى قد كنتَ تأمُلها ... فأصبح القلبُ بعد البين حيرانا ) ( الله يدري وما يدري به أحدٌ ... ماذا أُجَمْجِم من ذكراكِ أحيانا ) ( يا أكملَ الناسِ من قَرْنٍ إلى قدمٍ ... وأحسنَ الناس ذا ثوبٍ وعُرْيانا ) ( نعم الضَّجيعُ بُعَيْد النوم تَجْلُبه ... إليكَ ممتلئاً نوما ويَقْظانا ) للغريض في هذه الأبيات ثاني ثقيل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وعمرو وذكر الهشامي أن فيه لابن محرز ثاني ثقيل آخر وقال أحمد ابن عبيد فيه لحنان ليحيى المكي وعلويه وتمام هذه القصيدة ( لا بارك اللهُ فيمن كان يحسَبُكم ... إلاّ على العهد حتى كان ما كانا ) ( حتى استفقتُ أخيراً بعد ما نُكحت ... كأنما كان ذاك القلب حيرانا ) ( قد زارني طَيْفُكم ليلاً فأرَّقني ... فبِتُّ للشوق أُذْرِي الدمع تَهْتانا ) ( إن تَصْرِمي الحبَل أو تُمْسِي مُفارِقةً ... فالدهر يُحدث للإِنسان ألوانا ) ( وما أرى مثلَكم في الناس من بَشَرٍ ... فقد رأيتُ به حَيًّا ونِسْوانا ) أبو لبنى يشكوه إلى معاوية وقال ابن قتيبة في خبره عن الهيثم بن عدي ورواه عمر بن شبة أيضا أن أبا لبنى شخص إلى معاوية فشكا إليه قيسا وتعرضه لابنته بعد طلاقه إياها فكتب معاوية إلى مروان أو سعيد بن العاص يهدر دمه إن ألم بها وأن يشتد في لك فكتب مروان أو سعيد في ذلك إلى صاحب الماء الذي ينزله أبو لبنى كتابا وكيدا ووجهت لبنى رسولا قاصدا إلى قيس تعلمه ما جرى وتحذره وبلغ أباه الخبر فعاتبه وتجهمه وقال له انتهى بك الأمر إلى أن يهدر السلطان دمك فقال صوت ( فإن يَحْجُبوها أو يَحُلْ دون وصلها ... مقالةُ واشٍ أو وَعيدُ أمير ) ( فلن يمنعوا عينيَّ من دائم البُكا ... ولن يُذهبوا ما قد أَجَنَّ ضميري ) ( إلى الله أشكو ما أُلاَقِي من الهوى ... ومن حُرَقٍ تعتادني وزَفير ) ( ومن حَرَقٍ للحبّ في باطن الحشى ... وليلٍ طويلِ الحزن غيرِ قصير ) ( سأبكي على نفسي بعينٍ غزيرةٍ ... بكاءَ حَزينٍ في الوَثاق أسير ) ( وكنَّا جميعاً قبل أن يظهر الهوى ... بأَنْعَمِ حالَيْ غِبْطَةٍ وسرور ) ( فما برِح الواشون حتى بَدَتْ لهم ... بطونُ الهوى مقلوبةً لظهور ) ( لقد كنتِ حَسْبَ النفس لو دام وصلُنا ... ولكنَّما الدنيا متاعُ غرور ) هكذا في هذا الخبر أن الشعر لقيس بن ذريح وذكر الزبير بن بكار أنه لجده عبد الله بن مصعب غنى يزيد حوراء في الأول والثاني والسادس والثالث من هذه الأبيات خفيف رمل بالوسطى وغنى إبراهيم في الأول والثاني لحنا من كتابه غير مجنس وذكر حبش أن فيهما لإسحاق خفيف ثقيل بالوسطى وفي الخامس وما بعده لعريب ثقيل أول ابتداؤه نشيد وقال ابن الكلبي في خبره قال قيس في إهدار معاوية دمه إن زارها ( إن تك لُبْنَى قد أتى دون قربها ... حجابٌ منيعٌ ما إليه سبيل ) ( فإنّ نسيم الجوّ يجمع بيننا ... ونُبصر قَرْنَ الشمس حين تزول ) ( وأرواحنا باللَّيل في الحيّ تلتقي ... ونعلم أنّا بالنهار نَقيل ) ( وتجمعنا الأرضُ القَرارُ وفوقنا ... سماء نرى فيها النجومَ تجول ) ( إلى أن يعود الدهر سَلْماً وتنقضي ... تراتٌ بغاها عندنا وذُحول ) ومما وجد في كتاب لابن النطاح قال العتبي حدثنا أبي قال حج قيس ابن ذريج واتفق أن حجت لبنى في تلك السنة فرآها ومعها امرأة من قومها فدهش وبقي واقفا مكانه ومضت لسبيلها ثم أرسلت إليه بالمرأة تبلغه السلام وتسأله عن خبره فألفته جالسا وحده ينشد ويبكي ( ويومَ مِنًى أعرضتِ عنِّي فلم أقل ... بحاجة نفس عند لُبْنَى مقالُها ) ( وفي اليأس للنفس المريضة راحةٌ ... إذا النفسُ رامت خُطَّةً لا تَنالُها ) فدخلت خباءه وجعلت تحدثه عن لبنى ويحدثها عن نفسه مليا ولم تعلمه أن لبنى أرسلتها إليه فسألها أن تبلغها عنه السلام فامتنعت عليه فأنشأ يقول ( إذا طلعتْ شمسُ النهار فسلِّمي ... فآيةُ تسليمي عليكِ طلوعُها ) ( بعشر تحيَّاتٍ إذا الشمسُ أَشْرقتْ ... وعشرٍ إذا اصفرَّتْ وحان رجوعُها ) ( ولو أبلغتْها جارةٌ قوليَ اسلَمِي ... بكتْ جَزَعاً ارفَضَّ منها دموعُها ) ( وبانَ الذي تُخْفِي من الوجد في الحَشَى ... إذا جاءها عنِّي حديث يَرُوعُها ) غنى في البيتين الأولين علويه خفيف رمل بالوسطى قال وقضى الناس حجهم وانصرفوا فمرض قيس في طريقه مرضا شديدا أشفى منه على الموت فلم يأته رسولها عائدا لأن قومها رأوه وعلموا به فقال ( ألُبْنَى لقد جَلَّتْ عليكِ مصيبتي ... غَدَاةَ غدٍ إذ حلَّ ما أتوقَّعُ ) ( تُمنِّينَنِي نَيْلاً وتَلْوِبنَني به ... فنفسي شوقاً كلَّ يوم تَقَطَّع ) ( وقلبكِ قَطُّ ما يَليِن لما يَرى ... فواكبدي قد طال هذا التضرُّع ) ( ألومُكِ في شأني وأنتِ مُلِيمةٌ ... لعَمْرِي وأَجْفَى للمحبِّ وأقطع ) ( أخُبّرتِ أنّي فيكِ مَيّتُ حَسْرتي ... فما فاض من عينيكِ للوَجْد مَدْمَع ) ( ولكن لعَمْرِي قد بكيتُكِ جاهداً ... وإن كان دائي كلُّه منك أجمع ) ( صَبِيحةَ جاء العائداتُ يَعُدْنَنِي ... فظَلَّتْ عليَّ العائداتُ تَفَجَّع ) ( فقائلةٌ جئنا إليه وقد قضَى ... وقائلةٌ لا بل تركْناه يَنْزِع ) وروى القحذمي هاهنا ( فما غَشِيتْ عينيكِ من ذاك عَبْرةٌ ... وعيني على ما بي بِذكْراكِ تدمَع ) ( إذا أنتِ لم تَبْكِي عليّ جِنازةً ... لديكِ فلا تبكي غداً حين أُرفَع ) قال فبلغتها الأبيات فجزعت جزعا شديدا وبكت بكاء كثيرا ثم خرجت إليه ليلا على موعد فاعتذرت وقالت إنما أبقي عليك وأخشى أن تقتل فأنا أتحاماك لذلك ولولا هذا لما افترقنا وودعته وانصرفت وقال خالد بن كلثوم فبلغه أن أهلها قالوا لها إنه عليل لما به وإنه سيموت في سفره هذا فقالت لهم لتدفعهم عن نفسها ما أراه إلا كاذبا فيما يدعي ومتعللا لا عليلا فبلغه ذلك فقال ( تكاد بلادُ الله يا أُمَّ مَعْمَرٍ ... بما رحُبتْ يوماً عليّ تَضِيقُ ) ( تكذِّبني بالودّ لُبْنَى وليتَها ... تُكَلَّف منِّي مثلَه فتذوق ) ( ولو تعلمين الغَيْبَ أيقنتِ أنني ... لكم والهدايا المُشْعَراتِ صديق ) ( تتوق إليكِ النفس ثم أَرُدُّها ... حياءً ومثلي بالحياء حَقيق ) ( أَذُود سَوَامَ النفس عنكِ وما له ... على أحدٍ إلا عليك طريق ) ( فإنِّي وإن حاولتِ صُرْمي وهِجْرتي ... عليك مِنَ احداثِ الرَّدَى لشَفيق ) ( ولم أرَ أيّاماً كأيّامنا التي ... مَرَرْنَ علينا والزمان أَنِيق ) ( ووعدُكِ إيّانا ولو قلتِ عاجلٌ ... بعيدٌ كما قد تعلمين سَحِيق ) ( وحدّثتني يا قلبُ أنك صابرٌ ... على البين من لُبْنَى فسوف تذوق ) ( فمُتْ كَمَداً أو عِشْ سَقيماً فإنمَّا ... تكلِّفني ما لاَ أَرَاكَ تُطِيق ) ( أطعتَ وُشَاةً لم يكن لك فيهمُ ... خليلٌ ولا جارٌ عليك شَفيق ) ( فإن تك لمّا تَسْلُ عنها فإنّني ... بها مُغْرَمٌ صَبُّ الفؤاد مَشُوق ) ( بلُبْنَى أُنادَى عند أوُل غَشْيَةٍ ... ويَثْنِي بها الدَّاعِي لها فأفِيق ) ( شهِدتُ على نفسي بأنك غادةٌ ... رَدَاحٌ وأنّ الوجه منكِ عتيق ) ( وأنكِ لا تَجزينَنِي بصَحابةٍ ... ولا أنا للهِجران منكِ مُطِيق ) ( وأنكِ قسَّمتِ الفؤادَ فنصفُه ... رَهينٌ ونصفٌ في الحبال وَثيق ) ( صَبُوحِي إذا ماذَرَّتِ الشمسُ ذكركُم ... ولي ذكرُكم عند المَساء غَبُوق ) ( إذا أنا عَزَّيتُ الهوى أو تركتُه ... أتتْ عَبَراتٌ بالدموع تَسُوق ) ( كأنّ الهوى بين الحَيَازِيم والحَشَى ... وبين التَّرَاقِي واللَّهَاة حَرِيق ) ( فإن كنتِ لمَّا تَعْلمِي العلم فاسألي ... فبعضٌ لبعضٍ في الفَعال فَؤوق ) ( سَلِي هل قَلاَنِي من عَشيرٍ صحبتُه ... وهل مَلَّ رَحْلي في الرِّفاق رفيق ) ( وهل يَجْتَوي القومُ الكِرامُ صِحَابتي ... إذا اغْبَرَّ مَخْشِيّ الفِجاج عَميق ) ( وأكتُم أسرارَ الهوى فأميتها ... إذا باح مَزَّاحٌ بهنّ بَرُوق ) ( سعَى الدهرُ والواشون بيني وبينها ... فقُطّع حبلُ الوصل وهو وَثيق ) ( هل الصبر إلا أن أَصُدَّ فلا أرَى ... بأرضِك إلاّ أن يكون طريق ) قصته مع لبنى وزوجها قال ثم أتى قومه فاقتطع قطعة من إبله وأعلم أباه أنه يريد المدينة ليبيعها ويمتار لأهله بثمنها فعرف أبوه أنه إنما يريد لبنى فعاتبه وزجره عن ذلك فلم يقبل منه وأخذ إبله وقدم بها المدينة فبينا هو يعرضها إذ ساومه زوج لبنى بناقة منها وهما لا يتعارفان فباعه إياها فقال له إذا كان غد فأتني في دار كثير بن الصلت فاقبض الثمن قال نعم ومضى زوج لبنى إليها فقال لها إني ابتعت ناقة من رجل من أهل البادية وهو يأتينا غدا لقبض ثمنها فأعدي له طعاما ففعلت فلما كان من الغد جاء قيس فصوت بالخادم قولي لسيدك صاحب الناقة بالباب فعرفت لبنى نغمته فلم تقل شيئا فقال زوجها للخادم قولي له ادخل فدخل فجلس فقالت لبنى للخادم قولي له يا فتى مالي أراك أشعث أغبر فقالت له ذلك فتنفس ثم قال لها هكذا تكون حال من فارق الأحبة واختار الموت على الحياة وبكى فقالت لها لبنى قولي له حدثنا حديثك فلما ابتدأ يحدث به كشفت الحجاب وقالت حسبك قد عرفنا حديثك وأسبلت الحجاب فبهت ساعة لا يتكلم ثم انفجر باكيا ونهض فخرج فناداه زوجها ويحك ما قصتك ارجع اقبض ثمن ناقتك وإن شئت زدناك فلم يكلمه وخرج فاغترز في رحله ومضى وقالت لبنى لزوجها ويحك هذا قيس بن ذريح فما حملك على ما فعلت به قال ما عرفته وجعل قيس يبكي في طريقه ويندب نفسه ويوبخها علىفعله ثم قال صوت ( أبتكي على لُبْنَى وأنت تركتَها ... وأنت عليها بالمَلاَ أنت أقدَرُ ) ( فإن تكن الدنيا بلُبْنَى تقلَّبتْ ... عليَّ فلِلدنيا بطونٌ وأَظْهُر ) ( لقد كان فيها للأمانة موضعٌ ... وللكَفِّ مُرتَادٌ وللعين مَنْظَر ) ( وللحائم العطشانِ رِيٌّ بريقِها ... وللمَرِح المختالِ خمرٌ ومُسْكِرُ ) ( كأنّي لها أُرْجوحةٌ بين أَحْبُلٍ ... إذا ذُكْرةٌ منها على القلب تَخْطُر ) للغريض في البيتين الأولين ثقيل أول بالوسطى عن عمرو والهشامي وفيهما لعريب رمل ولشارية خفيف رمل من رواية أبي العبيس أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز قال تزوج رجل من أهل المدينة يقال له أبو درة امرأة كانت قبله عند رجل آخر من أهل المدينة يقال له أبو بطينة فلقيه زوجها الأول فضربه ضربة شلت يده منها فلقيه أبو السائب المخزومي فقال له يا ابا درة أضربك أبو بطينة في زوجته قال نعم قال أما إني أشهد أنها ليست كما قال قيس بن ذريح في زوجته لبنى ( لقد كان فيها للأمانة موضعٌ ... وللكَفِّ مُرْتَادٌ وللعين مَنْظَرُ ) ( وللحائم العطشان رِيٌّ بريقها ... وللمَرِح المختال خمر ومُسْكِر ) قال وكانت زوجة أبي درة هذه سوداء كأنها خنفساء مرض قيس قال وعاد إلى قومه بعد رؤيته إياها وقد أنكر نفسه وأسف ولحقه أمر عظيم فأنكروه وسألوه عن حاله فلم يخبرهم ومرض مرضا شديدا أشرف منه على الموت فدخل إليه أبوه ورجال قومه فكلموه وعاتبوه وناشدوه الله فقال ويحكم أتروني أمرضت نفسي أو وجدت لها سلوة بعد اليأس فاخترت الهم والبلاء أو لي في ذلك صنع هذا ما اختاره لي أبواي وقتلاني به فجعل أبوه يبكي ويدعو له بالفرج والسلوة فقال قيس ( لقد عذَّبتَني يا حبَّ لُبْنَى ... فقَعْ إمّا بموتٍ أو حياةِ ) ( فإنّ الموت أَرْوحُ من حياةٍ ... تدوم على التباعد والشَّتات ) ( وقال الأقربون تَعَزَّ عنها ... فقلت لهم إذاً حانت وفاتي ) قال ودست إليه لبنى بعد خروجه رسولا وقالت له استنشده فإن سألك عن نسبتك فانتسب له خزاعيا فإذا أنشدك فقل له لم تزوجت بعدها حتى أجابت إلى أن تتزوج بعدك واحفظ ما يقول لك حتى ترده علي فأتاه الرسول فسلم وانتسب خزاعيا وذكر أنه من أهل الشَام واستنشده فأنشده قوله ( فأقْسِم ما عُمْشُ العيونِ شوارِفٌ ... روائمُ بَوٍّ حانياتٌ على شَقْبِ ) وقد مضت هذه الأبيات فقال له الرجل فلم تزوجت بعدها فأخبره الخبر وحلف له أن عينه ما اكتحلت بالمرأة التي تزوجها وأنه لو رآها في نسوة ما عرفها وأنه ما مد يده إليها ولا كلمها ولا كشف لها عن ثوب فقال له الرجل فإني جار لها وإنها من الوجد بك على حال قد تمنى زوجها معها أن تكون بقربها لتصلح حالها بك فحملني إليها ماشئت أؤده إليها قال تعود إلي إذا أردت الرحيل فعاد إليه لما أراد الرحيل فقال تقول لها ( أَلاَ حيِّ لُبْنَى اليومَ إن كنتَ غاديَا ... وأَلمِمْ بها من قبلِ أنْ لا تَلاَقِيَا ) ( وأَهْدِ لها منك النصيحةَ إنها ... قليلٌ ولا تَخْشَ الوُشاةَ الأدانيا ) ( وقل إنّني والراقصاتِ إلى مِنىً ... بأَجْبُل جَمْعٍ ينتظرنَ المناديا ) ( أصونُكِ عن بعض الأمور مَضَنَّةً ... وأخشَى عليكِ الكاشحين الأعاديا ) ( تَسَاقطُ نفسي حين ألقاكِ أنفُساً ... يَرِدْنَ فما يَصْدُرْنَ إلا صَوَادِيا ) ( فإنْ أَحْيَ أو أهلِكْ فلستُ بزائلٍ ... لكم حافظاً ما بَلَّ ريقٌ لسانيا ) ( أقول إذا نفسي من الوَجْد أَصْعدتْ ... بها زَفْرةٌ تعتادني هي ما هيا ) ( وبين الحَشَى والنحرِ منِّي حرارةٌ ... ولوعةُ وجدٍ تترك القلب ساهيا ) ( ألاَ ليت لُبْنَى لم تكن ليَ خُلَّةً ... ولم تَرَنِي لُبْنى ولم أدرِ ما هيا ) ( سَلِي الناسَ هل خبَّرتُ سرَّكِ منهمُ ... أخا ثقةٍ أو ظاهرَ الغِشِّ باديا ) ( يقول ليَ الواشون لمّا تَظاهروا ... عليكِ وأَضْحَى الحبلُ للبين واهيا ) ( لعَمْري لقبلَ اليوم حُمِّلتَ ما تَرى ... وأُنْذِرتَ من لُبْنَى الذي كنتَ لاقيا ) ( خليليَّ مالي قد بَلِيتُ ولا أَرَى ... لُبَيْنَي على الهِجْران إلاّ كما هيا ) ( ألاَ يا غرابَ البَيْن مالكَ كلَّما ... ذكرتُ لُبَيْنَى طِرْتَ لي عن شِماليا ) ( أعندكَ علمُ الغيبِ أم لستَ مُخْبِرِي ... عن الحيِّ إلا بالذي قد بدا ليا ) ( جَزِعتُ عليها لو أَرى ليَ مَجْزَعاً ... وأفنيتُ دمعَ العين لو كان فانيا ) ( حياتَك لا تُغْلَبْ عليها فإنه ... كفَى بالذي تَلْقَى لنفسِك ناهيا ) ( تَمرّ الليالي والشهور ولا أَرَى ... وَلُوعِي بها يزداد إلاّ تماديا ) ( فما عن نَوالٍ من لُبَيْنَى زيارتي ... ولا قِلّةُ الإِلمام أَن كنتُ قاليا ) ( ولكنّها صَدَّتْ وحُمِّلتُ من هوىً ... لها ما يَؤود الشامخاتِ الرواسيا ) وهذه القصيدة تخلط بقصيدة المجنون التي في وزنها وعلى قافيتها لتشابههما فقلما يتميزان غنى الحسين بن محرز في البيت الأول والبيت الخامس من هذه القصيدة ثقيلا أول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى من روايتي بذل والهشامي حدثني المدائني عن عوانة عن يحيى بن علي الكناني قال شهر أمر قيس بالمدينة وغنى في شعره الغريض ومعبد ومالك وذووهم فلم يبق شريف ولا وضيع إلا سمع بذلك فأطربه وحزن لقيس مما به وجاءها زوجها فأنبها على ذلك وعاتبها وقال قد فضحتني بذكرك فغضبت وقالت يا هذا إني والله ما تزوجتك رغبة فيك ولا فيما عندك ولا دلس أمري عليك ولقد علمت أني كنت زوجته قبلك وأنه أكره على طلاقي ووالله ما قبلت التزويج حتى أهدر دمه إن ألم بحينا فخشيت أن يحمله ما يجد على المخاطرة فيقتل فتزوجتك وأمرك الآن إليك ففارقني فلا حاجة بي إليك فأمسك عن جوابها وجعل يأتيها بجواري المدينة يغنينها بشعر قيس كيما يستصلحها بذلك فلا تزداد إلا تماديا وبعدا ولا تزال تبكي كلما سمعت شيئا من ذلك أحر بكاء وأشجاه رجع الحديث إلى سياقته بريكة تجمعهما سرا وقال الحرمازي وخالد بن جمل كانت امرأة من موالي بني زهرة يقال لها بريكة من أظرف النساء وأكرمهن وكان لها زوج من قريش له دار ضيافة فلما طالت علة قيس قال له أبوه إني لأعلم أن شفاءك في القرب من لبنى فارحل إلى المدينة فرحل إليها حتى أتى دار الضيافة التي لزوج بريكة فوثب غلمانه إلى رحل قيس ليحطوه فقال لا تفعلوا فلست نازلا أو ألقى بريكة فإني قصدتها في حاجة فإن وجدت لها عندها موضعا نزلت بكم وإلا رحلت فأتوها فأخبروها فخرجت إليه فسلمت عليه ورحبت به وقالت حاجتك مقضية كائنة ما كانت فانزل ودنا منها فقال أذكر حاجتي قالت إن شئت قال أنا قيس بن ذريح قالت حياك الله وقربك إن ذكرك لجديد عندنا في كل وقت قال وحاجتي أن أرى لبنى نظرة واحدة كيف شئت قالت ذلك لك علي فنزل بهم وأقام عندها وأخفت أمره ثم أهدى لها هدايا كثيرة وقال لاطفيها وزوجها بهذا حتى يأنس بك ففعلت وزارتها مرارا ثم قالت لزوجها أخبرني عنك أنت خير من زوجي قال لا قالت فلبنى خير مني قال لا قالت فما بالي أزورها ولا تزورني قال ذلك إليها فأتتها وسألتها الزيارة وأعلمتها أن قيسا عندها فتسارعت إلى ذلك وأتتها فلما رآها ورأته بكيا حتى كادا يتلفان ثم جعلت تسأله عن خبره وعلته فيخبرها ويسألها فتخبره ثم قالت أنشدني ما قلت في علتك فأنشدها قوله ( أعالج من نفسي بَقايا حُشاشةٍ ... على رَمَقٍ والعائداتُ تعود ) ( فإنْ ذُكرتْ لُبْنَى هَشِشْتُ لذكرها ... كما هَشَّ للثدي الدَّرُورِ وَليدُ ) ( أجيب بلُبنى مَنْ دعاني تَجَلُّداً ... وبي زَفَراتٌ تنجلي وتعود ) ( تُعيد إلى روحي الحياةَ وإنني ... بنفسيَ لو عاينتني لأجود ) قال وفي هذه القصيدة يقول صوت ( ألاَ ليتَ أيّاماً مَضَيْن تعود ... فإن عُدْنَ يوماً إنني لسعيدُ ) ( سَقَى دارَ لُبنى حيث حَلَّتْ وخَيَّمتْ ... من الأرض مُنْهَلُّ الغَمامِ رَعود ) في هذين البيتين لعريب خفيف ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى وقيل إنه لغيرها وتمام هذه القصيدة ( على كلِّ حالٍ إن دَنَتْ أو تباعدتْ ... فإن تَدْنُ منّا فالدنوُّ مزيد ) ( فلا اليأسُ يُسْلِيني ولا القربُ نافعي ... ولُبْنَى مَنُوعٌ ما تكاد تجود ) ( كأنِّيَ من لُبنى سليمٌ مُسَهَّدٌ ... يَظَلُّ على أيدي الرجال يَميد ) ( رمتْنِي لُبَيْنَى في الفؤاد بسهمها ... وسهمُ لبينى للفؤاد صَيُود ) ( سلاَ كُلُّ ذي شَجْوٍ علمتُ مكانَه ... وقلبي للبنى ما حَيِيتُ ودود ) ( وقائلةٍ قد مات أو هو مَيِّتٌ ... ولِلنفس منِّي أن تَفيض رَصيد ) ( أُعالِج من نفسي بقايا حُشاشةٍ ... على رَمَقٍ والعائداتُ تعود ) وقال الحرمازي في خبره خاصة وعاتبته على تزوجه فحلف أنه لم ينظر إليها ملء عينيه ولا دنا منها فصدقته وقال صوت ( ولقد أردتُ الصبر عنكِ فعاقَني ... عَلَقٌ بقلبي من هواكِ قديمُ ) ( يبقَى على حَدَثِ الزمانِ ورَيْبِه ... وعلى جَفائِك إنه لكريمُ ) ( فصَرَمتِه وصَحَحْت وهو بدائه ... شَتَّانَ بين مُصَحَّح وسَقِيم ) ( وَارَبْتِه زمناً فعاد بحلمه ... إنّ المحبّ عن الحبيب حليمُ ) لعريب في هذه الأبيات خفيف ثقيل وللدارمي خفيف رمل من رواية الهشامي ومن الناس من ينسب خفيف الثقيل إليه وخفيف الرمل إليها قالوا فلم يزل يومه معها يحدثها ويشكو إليها أعف شكوى وأكرم حديث حتى أمسى فانصرفت ووعدته الرجوع إليه من غد فلم ترجع وشاع خبره فلم ترسل إليه رسولا فكتب هذه الأبيات في رقعة ودفعها إلى بريكة وسألها أن توصلها إليها ورحل متوجها إلى معاوية والأبيات صوت ( بنفسيَ مَنْ قلبي له الدَّهرَ ذاكرُ ... ومَنْ هو عنِّي مُعرِضُ القلبِ صابرُ ) ( ومَنْ حُبُّه يزداد عنديَ جِدَّةً ... وحبِّي لديه مُخْلَقُ العهدِ داثرُ ) غنت في هذين البيتين ضنين جارية خاقان بن حامد خفيف رمل قالوا يزيد يرق لحاله ثم ارتحل إلى معاوية فدخل إلى يزيد فشكا ما به إليه وامتدحه فرق له وقال سل ما شئت إن شئت أن أكتب إلى زوجها فأحتم عليه أن يطلقها فعلت قال لا أريد ذلك ولكن أحب أن أقيم بحيث تقيم من البلاد أتعرف أخبارها وأقنع بذلك من غير أن يهدر دمي قال لو سألت هذا من غير أن ترحل إلينا فيه لما وجب أن تمنعه فأقم حيث شئت وأخذ كتاب أبيه له بأن يقيم حيث شاء وأحب ولا يعترض عليه أحد وأزال ما كان كتب به في إهدار دمه فقدم إلى بلده وبلغ الفزاريين خبره وإلمامه بلبنى فكاتبوه في ذلك وعاتبوه فقال للرسول قل للفتى يعني أخا الجارية التي تزوجها يا أخي ما غررتك من نفسي ولقد أعلمتك أني مشغول عن كل أحد وقد جعلت أمر أختك إليك فأمض فيه من حكمك ما رأيت فتكرم الفتى عن أن يفرق بينهما فمكثت في حباله مدة ثم ماتت أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش السعدي عن أبيه قال أقبلت ذات يوم من الغابة فلما كنت بالمذاذ إذا ربع حديث العهد بالساكن وإذا رجل مجتمع في جانب ذلك الربع يبكي ويحدث نفسه فسلمت فلم يرد علي سلاما فقلت في نفسي رجل ملتبس به فوليت عنه فصاح بي بعد ساعة وعليك السلام هلم هلم إلي يا صاحب السلام فأتيته فقال أما والله لقد فهمت سلامك ولكني رجل مشترك اللب يضل عني أحيانا ثم يعود إلي فقلت ومن أنت قال قيس بن ذريح الليثي قلت صاحب لبنى قال صاحب لبنى لعمري وقتيلها ثم أرسل عينيه كأنهما مزادتان فما أنسى حسن قوله ( أبائنةٌ لُبْنَى ولم تَقطعِ المَدَى ... بوصلٍ ولا صُرْمٍ فييأسَ طامعُ ) ( نهارِي نهارُ الوالهِين صَبابةً ... وليلِىَ تنبو فيه عنِّي المضاجع ) ( وقد كنتُ قبل اليوم خِلْواً وإنّما ... تُقَسَّم بين الهالِكين المَصَارِع ) ( فلولا رجاءُ القلب أن تُسْعِف النَّوَى ... لَمَا حبستْه بينهنّ الأضالع ) ( له وَجَبَاتٌ إثْر لُبْنَى كأنها ... شَقائق برقٍ في السماء لَوَامِعِ ) ( أبَى اللهُ أن يَلْقَى الرشادَ مُتَيَّم ... ألاَ كلُّ أمر حُمَّ لا بُدّ واقعُ ) ( هما بَرَّحَابي مُعْوِلَيْنِ كِلاهما ... فؤادٌ وعينٌ جفنُها الدَّهرَ دامع ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا الزبير قال وأخبرنا به وكيع عن أبي أيوب المديني قال الزبير قال حدثتني ظبية قالت سمعت عبد الله بن مسلم بن جندب ينشد زوجي قول قيس بن ذريح ( إذا ذُكِرتْ لُبْنَى تأوَّه واشتكى ... تأوُّهَ محموم عليه البَلابلُ ) ( يَبيت ويُضْحى تحت ظِلّ منيَّةٍ ... به رَمَقٌ تَبْكي عليه القبائل ) ( قتيلٌ للُبْنَى صدَّع الحبُّ قلبَه ... وفي الحب شغلٌ للمحبِّين شاغل ) فصاح زوجي أوه واحرباه واسلباه ثم أقبل على ابن جندب فقال ويلك أتنشد هذا كذا قال فكيف أنشده قال لم لا تتأوه كما يتأوه وتشتكي كما يشتكي وقال القحذمي قال ابن أبي عتيق لقيس يوما أنشدني أحر ما قلت في لبنى فأنشده قوله ( وإني لأهوَى النَّومَ في غير حِينه ... لعلَّ لقاءً في المنام يكون ) ( تُحَدِّثني الأحلامُ أنِّي أَرَاكُم ... فيا ليتَ أحلامَ المنام يقين ) ( شهدتُ بأني لم أحُلْ عن مَوُدّةٍ ... وأنِّي بكم لو تَعْلمين ضَنين ) ( وأن فؤادي لا يَلِين إلى هوَى ... سواكِ وإن قالوا بَلَى سيَلِين ) فقال له ابن أبي عتيق لقل ما رضيت به منها يا قيس قال ذلك جهد المقل غنى في البيتين الأولين قفا النجار ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال أنشدني أحمد بن يحيى ثعلب لقيس بن ذريح وكان يستحسن هذه الأبيات من شعره ( سقَى طَلَلَ الدّارِ التي أنتُم بها ... حَياً ثم وَبْلٌ صَيِّفٌ ورَبيعُ ) ( مضى زمنٌ والناس يستشفعون بي ... فهل لي إلى لُبْنَى الغَداةَ شَفيع ) ( سأصرِم لُبْنَى حبلَكِ اليومَ مُجْمِلاً ... وإن كان صَرْمُ الحبل منكِ يَرُوع ) ( وسوف أُسَلِّي النفسَ عنكِ كما سَلاَ ... عن البلد النائي البعيدِ نَزِيع ) ( وإنْ مَسَّني للضُّرِّ منكِ كآبةٌ ... وإن نال جسمي للفِراق خُشوع ) ( يقولون صَب بالنساء موكَّلٌ ... وما ذاك من فعلِ الرجال بَديع ) ( نَدِمتُ على ما كان منّي ندامةً ... كما ندِم المغبونُ حين يَبيع ) ( فقَدتُكِ من نفسٍ شَعاعٍ ألم أكن ... نهيتُكِ عن هذا وأنتِ جَميع ) ( فقرّبت لي غير القريبِ وأَشْرفتْ ... هناكَ ثَنايا ما لهنَّ طلوع ) ( إلى الله أشكو نِيَّةً شَقّت العصا ... هي اليوم شَتَّى وهي أمسِ جميعُ ) ( فيا حَجَراتِ الدارِ حيث تحمَّلوا ... بذي سَلَمٍ لا جادكنَّ ربيع ) صوت ( فلو لم يَهِجْني الظاعنون لهاجَنِي ... حمائمُ وُرْقٌ في الدِّيار وُقوع ) ( تَدَاعيْنَ فاستبكَيْنَ مَنْ كان ذا هوىً ... نوائحَ لم تَقْطُر لهنّ دُموع ) غنى في هذين البيتين ابن سريج خفيف ثقيل أول عن الهشامي صوت ( إذا أمرتْني العاذلاتُ بهجرها ... أبتْ كَبِدٌ عمّا يَقُلْنَ صَديع ) ( وكيف أُطِيع العاذلاتِ وذكرُها ... يؤرِّقني والعاذلاتُ هُجوع ) غنى في هذين البيتين إبراهيم ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو فكاهات لأبي السائب المخزومي في شعره وفي سيرته أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز قال أنشدت أبا السائب المخزومي قول قيس بن ذريح صوت ( أُحبُّك أصنافاً من الحبِّ لم أجِدْ ... لها مَثَلاً في سائر الناس يُوصَفُ ) ( فمنهنَّ حبٌّ للحبيب ورحمةٌ ... بمعرفتي منه بما يتكلَّف ) ( ومنهن ألاّ يَعْرِضَ الدَّهرَ ذكرُها ... على القلب إلاّ كادتِ النفس تَتْلَفُ ) ( وحبٌّ بدا بالجسم واللونِ ظاهرٌ ... وحبٌّ لدى نفسي من الرُّوحِ ألطف ) قال أبو السائب لا جرم والله لأخلصن له الصفاء ولأغضبن لغضبه ولأرضين لرضاه غنى في البيتين الأولين الحسين بن محرز خفيف ثقيل عن الهشامي وبذل أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز عن أبي السائب المخزومي أنه أخبره أنه كان مع عبد الرحمن بن عبد الله بن كثير في سقيفة دار كثير إذ مر بجنازة فقال لي يا أبا السائب جارك ابن كلدة ألا تقوم بنا فنصلي عليه قال قلت بلى والله فديتك فقمنا حتى إذا كنا عند دار أويس إذ ذكرت أن جده كان تزوج لبنى ونزل بها المدينة فرجعت فطرحت نفسي في السقيفة وقلت لا يراني الله أصلي عليه فرجع الكثيري فقال أكنت جنبا قلت لا والله قال فعلى غير وضوء قلت لا والله قال فما لك قلت ذكرت أن جده كان تزوج لبنى وفرق بينها وبين قيس بن ذريح لما ظعن بها من بلادها فما كنت لأصلي عليه أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن يحيى قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال حدثني هارون بن موسى الفروي قال أخبرنا الخليل ابن سعيد قال مررت بسوق الطير فإذا الناس قد اجتمعوا يركب بعضهم بعضا فاطلعت فإذا أبو السائب المخزومي قائم على غراب يباع وقد أخذ بطرف ردائه وهو يقول للغراب يقول لك قيس بن ذريح ( ألاَ يا غرابَ البين قد طِرْتَ بالذي ... أُحاذِر من لُبْنَى فهل أنت واقعُ ) لم لا تقع ويضربه بردائه والغراب يصيح قال فقال قائل له أصلحك الله يا أبا السائب ليس هذا ذاك الغراب فقال قد علمت ولكن آخذ البريء حتى يقع الجريء وقال الحرمازي في خبره لما بلغ لبنى قول قيس ( ألاَ يا غرابَ البين قد طِرْتَ بالذي ... أُحاذِر من لبنى فهل أنت واقع ) آلت ألا ترى غرابا إلا قتلته فكانت كلما رأته أو رأته خادم لها أو جارة ابتيع ممن هو معه وذبحته وهذه القصيدة العينية أيضا من جيد شعر قيس والمختار منها قوله ( أتبكي على لُبنى وأنت تركتَها ... وكنتَ كآتٍ حَتْفَه وهو طائعُ ) ( فيا قلبُ صبراً واعترافاً لما ترَى ... ويا حبَّها قَعْ بالذي أنت واقع ) ( ويا قلبُ خبِّرني إذا شَطَّتِ النَّوَى ... بلُبْنَى وبانت عنك ما أنت صانع ) ( أتصبِر للبَيْن المُشِتِّ مع الجَوَى ... أم انت امرؤ ناسي الحياء فجازع ) ( كأنَّك بِدْعٌ لم تَرَ الناسَ قبلَها ... ولم يَطَّلِعْك الدهرُ فيمن يُطالع ) ( ألاَ يا غرابَ البَيْن قد طِرْتَ بالذي ... أُحاذِر من لُبنى فهل أنت واقع ) ( فليس محبٌّ دائماً لحبيبِه ... ولا ثقةٌ إلا له الدهرَ فاجع ) ( كأنَّ بلادَ الله ما لم تكن بها ... وإن كان فيها الناسُ قَفْرٌ بَلاَقِع ) ( فما أنت إذ بانت لُبَيْنَى بهاجعٍ ... إذا ما اطمأنّتْ بالنِّيَام المَضاجع ) صوت ( أُقَضِّي نهاري بالحديث وبالمُنَى ... ويَجْمعني والهمَّ بالليل جامعُ ) ( نهارِي نهارُ الناس حتى إذا دَجَا ... لِيَ الليلُ هَزَّتْني إليكِ المضاجع ) ( لقد رسَختْ في القلب منكِ مَودّةٌ ... كما رسَختْ في الراحتين الأصابع ) ( أحالَ عليَّ الهمُّ من كلِّ جانب ... ودامتْ فلم تبرح عليَّ الفواجع ) ( ألاَ إنّما أبكي لِما هو واقعٌ ... فهل جَزَعِي من وَشْكِ ذلك نافع ) ( وقد كُنت أبكي والنَّوَى مطمئنّةٌ ... بنا وبكم من عِلْمِ ما البينُ صانع ) ( وأَهجُركم هجرَ البَغيِض وحبُّكم ... على كبدي منه كُلومٌ صوادع ) ( وأَعمِد للأرض التي لا أريدها ... لِتَرْجِعَني يوماً إليكِ الرواجع ) ( وأشْفِق من هِجرانكم وتَرُوعني ... مَخافةُ وَشْكِ البين والشَّملُ جامع ) ( فما كلُّ ما منَّتْكَ نفسُك خالياً ... تُلاَقِي ولا كلُّ الهوى أنت تابع ) ( لَعَمْرِي لمَنْ أَمْسَى ولُبْنَى ضَجيعُه ... من الناس ما اختيرتْ عليه المضاجع ) ( فتلك لُبَيْنَى قد تراخَى مَزارُها ... وتلك نَواها غُرْبةٌ ما تُطاوع ) ( وليس لأمرٍ حاول اللهُ جمَعه ... مُشِتٌّ ولا ما فرَّق اللهُ جامع ) ( فلا تَبْكِيَنْ في إثر لُبْنَى نَدَامةً ... وقد نَزَعتْها من يديك النوازع ) غنى الغريض في الثالث والرابع والأول والعشرين وهو لعمري لمن أمسى ولبنى ضجيعه ثقيلا أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وغنى إبراهيم الموصلي في العاشر وهو أقضي نهاري بالحديث وبالمنى والحادي عشر والثاني عشر رملا بالوسطى عن عمرو وقد قيل إن ثلاثة أبيات من هذه وهي أقضي نهاري بالحديث وبالمنى والبيتان اللذان بعده لابن الدمينة الخثعمي وهو الصحيح وإنما أدخلها الناس في هذه الأبيات لتشابهها نهاية قيس ولبنى وقد اختلف في آخر أمر قيس ولبنى فذكر أكثر الرواة أنهما ماتا على افتراقهما فمنهم من قال إنه مات قبلها وبلغها ذلك فماتت أسفا عليه ومنهم من قال بل ماتت قبله ومات بعدها أسفا عليها وممن ذكر ذلك اليوسفي عن علي بن صالح صاحب المصلى قال قال لي أبو عمرو المدني ماتت لبنى فخرج قيس ومعه جماعة من أهله فوقف على قبرها فقال ( ماتت لُبَيْنَى فموتُها مَوْتِي ... هل تنفعَنْ حَسْرتي على الفَوْتِ ) ( وسوف أبكي بكاءَ مكتئبٍ ... قضى حياةً وَجْداً على مَيْت ) ثم أكب على القبر يبكي حتى أغمي عليه فرفعه أهله إلى منزله وهو لا يعقل فلم يزل عليلا لا يفيق ولا يجيب مكلما ثلاثا حتى مات فدفن إلى جنبها وذكر القحذمي وابن عائشة وخالد بن جمل أن ابن أبي عتيق صار إلى الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم وجماعة من قريش فقال لهم إن لي حاجة إلى رجل أخشى أن يردني فيها وإني أستعين بجاهكم وأموالكم فيها عليه قالوا ذلك لك مبتذل منا فاجتمعوا ليوم وعدهم فيه فمضى بهم إلى زوج لبنى فلما رآهم أعظم مصيرهم إليه وأكبره فقالوا لقد جئناك بأجمعنا في حاجة لابن أبي عتيق قال هي مقضية كائنة ما كانت قال ابن أبي عتيق قد قضيتها كائنة ما كانت من ملك أو مال أو أهل قال نعم قال تهب لهم ولي لبنى زوجتك وتطلقها قال فإني أشهدكم أنها طالق ثلاثا فآستحيا القوم واعتذروا وقالوا والله ما عرفنا حاجته ولو علمنا أنها هذه ما سألناك إياها وقال ابن عائشة فعوضه الحسن من ذلك مائة ألف درهم وحملها ابن أبي عتيق إليه فلم تزل عنده حتى انقضت عدتها فسأل القوم أباها فزوجها قيسا فلم تزل معه حتى ماتا قالوا فقال قيس يمدح ابن أبي عتيق ( جزى الرحمنُ أفضلَ ما يَجُازِي ... على الإِحسان خيراً من صديق ) ( فقد جَرَّبتُ إخواني جميعاً ... فما ألْفَيْتُ كابنِ أبي عتيق ) ( سعى في جمع شَمْلِي بعد صَدْعٍ ... ورَأيٍ حِدْتُ فيه عن الطريق ) ( وأطفأ لوعةً كانت بقلبي ... أغصَّتْني حرارتُها بريقي ) قال فقال له ابن أبي عتيق يا حبيبي أمسك عن هذا المديح فما يسمعه أحد إلا ظنني قوادا مضى الحديث ومن مدن معبد وهو الذي أوله ( يا دارَ عَبْلة بالجِواء تكلَّمي ... ) وقد جمع معه سائر ما يغنى فيه من القصيدة منها صوت ( هل غادر الشعراءُ من مُتَردَّمِ ... أم هل عَرَفتَ الدارَ بعد تَوَهمِ ) ( يا دارَ عَبْلة بالجِوَاء تَكَلَّمِي ... وعِمِي صَباحاً دارَ عبلةَ واسْلَمي ) ( وتَحُلّ عبلةُ بالجِوَاء وأهلُنا ... بالحَزْن فالصَّمَّان فالمُتَثلِّمِ ) ( كيف القَرَارُ وقد تربَّع أهلُها ... بعُنَيْزَتَيْن وأَهلُنا بالغَيْلَمِ ) ( حُيِّيتَ من طَلَلٍ تَقَادمَ عهدُه ... أَقْوَى وأَقْفرَ بعد أُمّ الهَيْثَم ) ( ولقد نزلتِ فلا تَظُنِّي غيرَه ... منِّي بمنزلة المُحَبِّ المُكْرَمِ ) ( ولقد خَشِيتُ بأن أموتَ ولم تَدُرْ ... للحرب دائرةٌ على ابنَيْ ضَمْضَم ) ( الشَّاتِمَيْ عِرْضِي ولم أشتُمْهما ... والنَّاذِرَيْنِ إذا لَمَ القهما دمي ) ( ولقد شَفَى نفسي وأبرأ سُقْمَها ... قِيل الفوارسِ وَيْكَ عنترُ فاقدُم ) ( ما زِلتُ أرميهم بثُغْرة نَحْرِه ... ولَبَانِه حتى تَسَرْبلَ بالدَّم ) ( هَلاَّ سألتِ الخيلَ يابنةَ مالكٍ ... إن كنتِ جاهلةً بما لم تَعْلَمي ) ( يُخْبِرْكِ مَنْ شَهِد الوَقِيعةَ أَنّني ... أَعْشَى الوَغَى وأعفُّ عند المَغْنَم ) ( يَدْعُون عَنْتَرَ والرِّماحُ كأنّها ... أشْطانُ بئرٍ في لَبَان الأدهمِ ) ( فشكَكْتُ بالرُّمْح الطويلِ ثيابَه ... ليس الكريمُ على القَنَا بمحرَّمِ ) ( فإذا شَرِبتُ فإنني مستهلِكٌ ... مالي وعِرْضِي وافرٌ لم يُكْلَم ) ( وإذا صحوتُ فما أُقَصِّر عن نَدًى ... وكما علمتِ شمائلي وتكرّمي ) الشعر لعنترة بن شداد العبسي وقد تقدمت أخباره ونسبه وغنى في البيت الأول على ما ذكره ابن المكي إسحاق خفيف ثقيل أول بالوسطى وما وجدت هذا في رواية غيره وغنى معبد في البيت الثاني والثالث خفيف ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وهو الصوت المعدود في مدن معبد وغنى سلام الغسال في السابع والثامن والثالث والعاشر رملا بالسبابة في مجرى البنصر ووجدت في بعض الكتب أن له أيضا في السابع وحده ثاني ثقيل أيضا وذكر عمرو بن بانة أن هذا الثقيل الثاني بالوسطى لمعبد ووافقه يونس وذكر ابن المكي أن هذا الثقيل الثاني للهذلي وذكر غيره أنه لابن محرز وذكر أحمد بن عبيد أن في السابع ثقيلا أول للهذلي ووافقه حبش وذكر حبش أن في الثاني لمعبد ثقيلا أول وأن لابن سريج فيه رملا آخر غير رمل ابن الغسال وأن لابن مسجح أيضا فيه خفيف ثقيل بالوسطى وفي كتاب أبي العبيس له في الثالث لحن وفي كتاب أبي أيوب المديني لابن جامع في هذه الأبيات لحن ولمعبد في الحادي عشر والثاني عشر والخامس عشر والسادس عشر خفيف ثقيلا أول مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق أيضا ولعلويه في السادس والرابع ثاني ثقيل وله أيضا في الرابع عشر والثالث عشر رمل وفي كتاب هارون بن الزيات لعبد آل في الخامس ثقيل أول وقد نسب الثقيل الثاني المختلف فيه لابن محرز وفي كتاب هارون لأحمد النصبي في الرابع والخامس لحن هل غادر الشعراء البيت يدفع اكثر الرواة أن يكون لعنترة وممن يدفعه الأصمعي وابن الأعرابي وأول القصيدة عندهما يا دار عبلة فذكر أبو عمرو الشيباني أنه لم يكن يرويه حتى سمع ابا حزام العكلي يرويه له قوله هل غادر الشعراء من متردم يقول هل تركوا شيئا ينظر فيه لم ينظروا فيه والمتردم المتعطف وهو مصدر يقول هل تركوا شيئا يتردم عليه أي يتعطف ويقال تردمت الناقة على ولدها إذا تعطفت عليه وثوب مردم وملدم إذا سدت خروقه بالرقاع والربع المنزل سمي ربعا لارتباعهم فيه والربيعة الصخرة حكى أبو نصر أنه يقول هل ترك الشعراء من خرق لم يرقعوه وفتق لم يرتقوه وهو أشبه بقوله من متردم وقال غيره يعني بقوله من متردم البناء وهو الردم أي لم يتركوا بناء إلا بنوه قال الله عز و جل ( أجعل بينكم وبينهم ردما ) يعني بناء وردم فلان حائطه أي بناه والجواء بلد بعينه والجواء أيضا جمع جو وهو البطن الواسع من الأرض عمي صباحا وانعمي صباحا تحية تربع أهلها نزلوا في الربيع وعنيزتين أكمة سوداء بين البصرة ومكة والغيلم موضع والطلل ما كان له شخص من الدار مثل أثفية أو وتد أو نؤي وتقول العرب حيا الله طللك أي شخصك وابنا ضمضم حصين وهرم المريان وثغرة نحره موضع لبته واللبان مجرى لببه من صدره وهو الصدر نفسه ويروى بغرة وجهه وتسربل أي صار له سربال من الدم وقوله هلا سألت الخيل يريد فرسان الخيل كما قال الله تعالى ( واسأل القرية ) والوقيعة الوقعة والوغى والوحى أصوات الناس وجلبتهم في الحرب وقال الشاعر ( وليلٍ كَسَاجِ الحِمْيَرِيِّ ادَّرعتُه ... كأنَّ وَغَى حافاتِه لَغَطُ العُجْمِ ) والأشطان الحبال واحدها شطن شبه اختلاف الرماح في صدر فرسه بالأشطان وشككت بالرمح نظمت وقال أبو عمرو يعني بثيابه قلبه والعرض موضع المدح والذم من الرجل يقال طيب العرض أي طيب ريح الجسم والكلوم الجراح والوافر التام وشمائلي أخلاقي واحدها شمال يقال فلان حلو الشمائل والنحائت والضرائب والغرائز سبب قول عنترة معلقته أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أبو سعيد السكري قال قال أبو عمرو الشيباني قال عنترة هذه القصيدة لأن رجلا من بني عبس سابه فذكر سواده وسواد أمه وإخوته وعيره ذلك فقال عنترة والله إن الناس ليترافدون بالطعمة فوالله ما حضرت مرفد الناس أنت ولا أبوك ولا جدك قط وإن الناس ليدعون في الفزع فما رأيتك في خيل قط ولا كنت في أول النساء وإن اللبس يعني الاختلاط ليكون بيننا فما حضرت أنت ولا أحد من أهل بيتك لخطة فيصل قط وكنت فقعا بقرقرة ولو كنت في مرتبتك ومغرسك الذي أنت فيه ثم ما جدتك لمجدتك أو طاولتك لطلتك ولو سألت أمك وأباك عن هذا لأخبراك بصحته وإني لأحتضر الوغى وأوفى المغنم وأعف عن المسألة وأجود بما ملكت وأفصل الخطة الصمعاء فقال له الآخر أنا أشعر منك فقال ستعلم وكان عنترة لا يقول من الشعر إلا البيت أو البيتين في الحرب فقال هذه القصيدة ويزعمون أنها أول قصيدة قالها وكانت العرب تسميها المذهبة نسبة الأصوات التي جعلت مكان بعض هذه الأصوات في مدن معبد وهن صوت ( تَقطَّع من ظَلاَّمةَ الوصلُ أَجْمَعُ ... أخيراً على أنْ لم يكن يَتَقَطَّعُ ) ( وأصبحتُ قد وَدّعت ظَلاَّمةَ التي ... تَضُرُّ وما كانت مع الضُّرّ تنفع ) الشعر لكثير والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالبنصر عن عمرو ويونس أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش السعدي قال قال السائب راوية كثير وأخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال زعم ابن الكلبي عن أبي المقوم قال حدثني سائب راوية كثير قال كنت مع كثير عند ظلامة فأقمنا أياما فلما أردنا الانصراف عقدت له في علاقة سوطه عقدا وقالت احفظها ثم انصرفنا فمررنا على ماء لبني ضمرة فقال إن في هذه الأخبية جارية ظريفة ذات جمال فهل لك أن تستبرزها فقلت ذاك إليك قال فملنا إليهم فخرجت إلينا جاريتها فأخرجتها إلينا فإذا هي عزة فجلس معها يحادثها وطرح سوطه بينه وبينها إلى أن غلبته عيناه وأقبلت عزة على تلك العقد تحلها واحدة واحدة فلما استيقظ انصرفنا فنظر إلى علاقة سوطه فقال أحلتها قلت نعم فلا وصلها الله والله إنك لمجنون قال فسكت عني طويلا ثم رفع السوط فضرب به واسطة رحله وأنشأ يقول ( تقطَّع من ظَلاَّمة الوصلُ أجمعُ ... أخيراً على أن لم يكن يتقطَّعُ ) ( وأصبحتُ قد ودّعت ظَلاّمةَ التي ... تَضُرُّ وما كانت مع الضُّرِّ تنفَع ) ( وقد سُدَّ من أبواب ظَلاَّمة التي ... لنا خَلَفٌ للنَّفْس منها ومَقْنَع ) ثم وصل عزة بعد ذلك وقطع ظلامة ومنها وهو الذي أوله خمصانة قلق موشحها صوت ( أَقْوَى مِنَ الِ ظُلَيمةَ الحَزْمُ ... فالغَمْرتانِ فأَوْحَش الخَطْمُ ) ( فجنوبُ أَثْبِرةٍ فَمُلْحَدُها ... فالسِّدْرتانِ فما حَوَى دَسْمُ ) ( وبما أرَى شخصاً به حسناً ... في القوم إذ حَيَّتْكُمُ نُعْمُ ) ( إذ وُدُّها صافٍ ورؤيتُها ... أمنيَّةٌ وكلامُها غُنْمُ ) ( لَفّاءُ مملوءٌ مُخَلْخَلُها ... عَجْزاءُ ليس لعَظْمها حَجْمُ ) ( خَمْصانةٌ قَلِقٌ موشَّحُها ... رُؤْدُ الشبابِ عَلا بها عَظْم ) ( وكأنَّ غاليَةً تُباشرها ... تحت الثيابِ إذا صَغا النَّجمُ ) ( أظُلَيمُ إنّ مُصَابَكم رجلاً ... أَهْدَى السلامَ تحيةً ظُلْمُ ) ( أَقْصيتِه وأراد سَلْمَكمُ ... فَلْيَهْنِهِ إذْ جاءكِ السَّلْمُ ) عروضه من الكامل الشعر للحارث بن خالد المخزومي والغناء لمعبد ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالخنصر في مجرى البنصر قال ولحن معبد ( خمصانةٌ قَلِقٌ مُوَشَّحُها ... ) وأول لحن مالك ( أقوى مِنَ الِ ظُلْيمةَ الحزمُ ... ) ذكر الحارث بن خالد ونسبه وخبره في هذا الشعر الحارث بن خالد بن العاصي بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وقد تقدم ذكره وأخباره في كتاب المائة المختارة في بعض الأغاني المختارة التي شعرها له وهو ( إنّ امرأً تَعْتادُه ذِكَرُ ... ) أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال بلغني أن الحارث بن خالد بن العاصي بن هشام بن المغيرة ويقال بل خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة كان تزوج حميدة بنت النعمان بن بشير بدمشق لما قدم على عبد الملك بن مروان فقالت فيه ( نكَحتُ المدينيَّ إذ جاءني ... فيا لَكِ من نَكْحَةٍ غاوية ) ( كهولُ دِمَشْقَ وشُبَّانُها ... أحبُّ إلينا من الجالِية ) ( صُنَانٌ لهم كصُنَان التُّيُوس ... أعيا على المسك والغالية ) فقال الحارث يجيبها صوت ( أَسَنَا ضوءِ نار ضَمْرة بالقَفْرة ... أبصرْتَ أم سَنَا ضوءِ بَرْقِ ) ( قاطناتُ الحَجُونِ أَشْهَى إلى قلبيَ ... من ساكنات دُورِ دِمَشْقِ ) ( يَتَضوَّعْنَ لو تضمَّخْنَ بالمسكِ ... صُنَاناً كأنّه رِيحُ مَرْقِ ) غناه مالك بن أبي السمح خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر من رواية إسحاق وفيه لابن محرز لحن من رواية عمرو بن بانة ثقيل أول بالوسطى رجعت الرواية إلى خبر الحارث قال وطلقها الحارث فخلف عليها روح بن زنباع قال وكان الحارث خطب أمة لمالك بن عبد الله بن خالد بن أسيد وخطبها عبد الله بن مطيع فتزوجها عبد الله ثم طلقها أو مات عنها فتزوجها الحارث بن خالد بعد ذلك وقال فيها قبل أن يتزوج ( أَقْوَى مِنَ آلِ ظُليمةَ الحَزْمُ ... فالغَمْرتانِ فأَوْحَش الخَطْمُ ) الأبيات التي فيها الغناء قال وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا محمد بن الحكم عن عوانة بهذا الخبر فذكر مثله ولم يذكر أن الحارث هو المتزوجها وفسر قولها ( أحبُّ إلينا من الجالِيةْ ... ) وقال الجالية أهل الحجاز كان أهل الشام يسمونهم بذلك لأنهم كانوا يجلون عن بلادهم إلى الشام وقال في الحديث فبلغ عبد الملك قولها فقال لولا أنها قدمت الكهول على الشبان لعاقبتها قال عوانة وكانت لحميدة أخت يقال لها عمرة وكانت تحت المختار ابن أبي عبيد الثقفي فأخذها مصعب بعد قتله المختار وأخذ امرأته الأخرى وهي بنت سمرة بن جندب فأمرهما بالبراءة من المختار أما بنت سمرة فبرئت منه وأبت ذلك عمرة فكتب به مصعب إلى أخيه عبد الله فكتب =========================== ج18. كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني إليه إن أبت أن تبرأ منه فاقتلها فأبت فحفر لها حفيرة وأقيمت فيها فقتلت فقال عمر بن أبي ربيعة في ذلك ( إنّ من أعجبِ العجائب عندي ... قتل بيضاءَ حُرَّةٍ عُطْبولِ ) ( قُتِلتْ حُرَّةٌ على غير جُرْمٍ ... إنّ للهِ دَرَّها من قَتيل ) ( كُتب القتلُ والقتالُ علينا ... وعلى الغانياتِ جَرُّ الذيول ) رجع الحديث إلى رواية عمر بن شبة قال أبو زيد وحدثني ابن عائشة عن أبيه بهذا الخبر ونحوه وزاد فيه أن الحارث لما تزوجها قالت فيه ( نكَحتُ المدِينيَّ إذ جاءني ... فيا لكِ من نَكْحةٍ غاويهْ ) وذكر الأبيات المتقدمة وقال عمر بن شبة فيه وتزوجها روح بن زنباع فنظر إليها يوما تنظر إلى قومه جذام وقد اجتمعوا عنده فلامها فقالت وهل أرى إلا جذام فوالله ما أحب الحلال منهم فكيف بالحرام وقالت تهجوه ( بكى الخَزُّ من رَوْحٍ وأنكر جلدَه ... وعَجَّتْ عَجيجاً من جُذامَ المطارفُ ) ( وقال العَبَا قد كنتُ حيناً لباسَكم ... وأكسيةٌ كُرْدِيَّةٌ وقَطائفُ ) فقال روح ( إن تَبْكِ منّا تَبْكِ ممن يُهِينُها ... وإن تَهْوَكم تهوَ اللِّئامَ المقَارِفَا ) وقال روح ( أَثْنِي عليَّ بما علمتِ فإنَّني ... مُثْنٍ عليكِ لبئس حَشوُ المِنْطَق ) فقالت ( أثْنِي عليكَ بأنّ باعَكَ ضَيِّقٌ ... وبأن اصْلَك في جُذَامٍ مُلْصَقُ ) فقال روح ( أَثْنِي عليَّ بما عَلِمْتِ فإنّني ... مُثْنٍ عليكِ بمثل رِيح الجَوْرَب ) فقالت ( فثناؤنا شرُّ الثَّنَاء عليكمُ ... أَسْوَا وأنْتَنُ من سُلاَح الثَّعْلَبِ ) وقالت ( وهل أنا إلا مُهْرَةٌ عربيّةٌ ... سَليلةُ أفراس تجلَّلها بَغْلُ ) ( فإنْ نُتِجتُ مُهْراً كريماً فبالحَرَى ... وإن يك إقرافٌ فما أَنْجب الفحلُ ) فقال روح ( فما بالُ مُهْرٍ رائعٍ عَرَضتْ له ... أتانٌ فبالتْ عند جَحْفَلة البغِل ) ( إذا هو وَلّى جانباً ربَخَتْ له ... كما ربختْ قَمْراءُ في دَمسٍ سهل ) وقالت عمرة لأخيها أبان بن النعمان ( أطال اللهُ شأوك من غُلاَمٍ ... متى كانتْ مَنَاكِحَنا جُذَامُ ) ( أترضَى بالأكارع والذُّنَابَى ... وقد كنّا يَقِرُّ بنا السَّنامُ ) وقال ابن عم لروح ( رَضِي الأشياخ بالفِطْيَوْنِ فَحْلاً ... وترغَب للحماقة عن جُذامِ ) ( يهوديٌّ له بُضْعُ العَذَارَى ... فقبحاً للكهول وللغلام ) ( تُزَفُّ إليه قبل الزوج خَوْدٌ ... كأنْ شَمْساً تدلَّتْ من غَمام ) ( فأبقى ذلكم عاراً وخِزْياً ... بقاءَ الوَحْيِ في صُمِّ السِّلام ) ( يهودٌ جُمِّعُوا من كلِّ أَوْبٍ ... وليسوا بالغَطَاريفِ الكرام ) وقالت ( سُمِّيتَ رَوْحاً وأنت الغمُّ قد عَلِموا ... لا روَّح اللهُ عن رَوْح بن زِنْباعِ ) فقال روح ( لا روَّح الله عمن ليس يمنعنا ... مالٌ رَغيبٌ وبعلٌ غير مِمناعِ ) ( كشافعٍ جَوْنةٍ ثُجْلٍ مَخَاصِرُها ... دَبَّابةٍ شَثْنةِ الكَفَّينِ جُبّاع ) قال والجباع القصيرة والجباع من السهام الذي لا نصل له والجباع الرصف وقالت ( تُكَحِّل عينيكَ بَرْدَ العَشيّ ... كأنّكَ مُومِسةٌ زانيهْ ) ( وآيةُ ذلك بعد الخُفُوقِ ... تَغَلُّفُ رأسِك بالغاليه ) ( وأنّ بَنِيكَ لرَيْبِ الزمان ... أمستْ رقابهمُ حاليه ) ( فلوكان أَوْسٌ لهم حاضراً ... لقال لهم إنّ ذا ماليه ) وأوس رجل من جذام يقال إنه استودع روحا مالا فلم يرده عليه فقال لها روح ( إن يكن الخُلْعُ من بالكم ... فليس الخلاعةُ من باليهْ ) ( وإن كان مَنْ قد مضىَ مثلَكم ... فأُفٍّ وتُفٍّ على الماضيه ) ( وما إنْ بَرَا اللهُ فاستيقنيه ... من ذات بعلٍ ومن جاريه ) ( شبيهاً بك اليوم فيمن بَقِي ... ولا كان في الأَعْصرُ الخاليه ) ( فبُعداً لَمِحْياكِ إذ ما حَيِيتِ ... وبُعداً لأَعظُمِك الباليه ) وقال روح في بعض ما يتنازعان فيه اللهم إن بقيت بعدي فابتلها ببعل يلطم وجهها ويملأ حجرها قيئا فتزوجها بعده الفيض بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل وكان شابا جميلا يصيب من الشراب فأحبته فكان ربما أصاب من الشراب مسكرا فيلطم وجهها ويقيء في حجرها فتقول يرحم الله أبا زرعة قد أجيبت دعوته في وقالت لفيض ( سُمِّيت فيضاً وما شيءٌ تَفِيضُ به ... إلاّ سُلاَحَكَ بين الباب والدارِ ) ( فتلك دعوةُ رَوْحِ الخيرِ أعرِفُها ... سقَى الإِلهُ صَدَاه الأَوْطَفَ السَّارِي ) وقالت لفيض أيضا ( ألا يَا فَيْضُ كنتُ أراكَ فَيْضاً ... فلا فَيْضاً أصبتُ ولا فُرَاتا ) وقالت ( وليس فيضٌ بفَيّاضِ العَطاء لنا ... لكنَّ فيضاً لنا بالقّيْءِ فَيّاضُ ) ( ليثُ اللُّيوثِ علينا باسلٌ شَرِسٌ ... وفي الحروب هَيُوبُ الصدرِ جَيَّاضُ ) فولدت من الفيض ابنة فتزوجها الحجاج بن يوسف وقد كانت قبلها عند الحجاج أم أبان بنت النعمان بن بشير فقالت حميدة للحجاج ( إذا تذكَّرتُ نكاحَ الحَجّاجْ ... من النَّهارِ أو من اللَّيل الداجْ ) ( فاضتْ له العينُ بدمع ثَجَّاجْ ... وأُشْعِل القلبُ بوَجْدٍ وَهَّاجْ ) ( لو كان نُعمانُ قتيلُ الأَعْلاجْ ... مسْتَوِيَ الشَّخصِ صَحِيحَ الأوداجْ ) ( لكنتَ منها بمكان النَّسَّاجْ ... قد كنتُ أرجو بعضَ ما يرجو الرَّاجْ ) ( أن تَنْكِحيه مَلِكاً أو ذا تاجْ ... ) فقدمت حميدة على ابنتها زائرة فقال لها الحجاج يا حميدة إني كنت أحتمل مزاحك مرة وأما اليوم فإني بالعراق وهم قوم سوء فإياك فقالت سأكف حتى أرحل أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا سليمان بن أيوب قال حدثنا المدائني عن مسلمة بن محارب قال قالت حميدة بنت النعمان لزوجها روح بن زنباع وكان أسود ضخما كيف تسود وفيك ثلاث خصال أنت من جذام وأنت جبان وأنت غيور فقال أما جذام فأنا في أرومتها وبحسب الرجل أن يكون في أرومة قومه وأما الجبن فإنما لي نفس واحدة ولو كان لي نفسان لجدت بإحداهما وأما الغيرة فهو أمر لا أحب أن أشارك فيه وإن المرء لحقيق بالغيرة على المرأة مثلك الحمقاء الورهاء لا يأمن أن تأتي بولدمن غيره فتقذفه في حجره ثم ذكر باقي خبرها مثل ما تقدم وقال فيه فخلف بعده عليها الفيض بن محمد عم يوسف بن عمر فكان يشرب ويلطمها ويقيء في حجرها فقالت ( سُمِّيتَ فَيْضا وما شيءٌ تَفيض به ... إلا سُلاحَكَ بين الباب والدار ) قال المدائني وتمثل فيض يوما بهذا البيت ( إن كنتِ ساقيةً يوماً على كَرَمٍ ... صَفْوَ المدامةِ فاسقِيها بني قَطَنِ ) ثم تحرك فضرط فقالت واسق هذه أيضا بني قطن وهذا الصوت أعني ( أَقْوَى مِن آلِ ظُلَيْمةَ الحَزْمُ ... ) هو الصوت الذي أشخص الواثق له أبا عثمان المازني بسبب بيت منه اختلف في إعرابه بحضرته وهو قوله ( أظُلَيْمُ إنّ مُصابَكم رجلاً ... أَهْدَى السَّلامَ تَحِيَّةً ظُلْمُ ) وقال آخرون رجل حدثني بذلك علي بن سليمان الأخفش عن أبي العباس محمد بن يزيد عن أبي عثمان وأخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا القاسم بن إسماعيل وعون بن محمد وعبد الواحد بن العباس بن عبد الواحد والطيب بن محمد الباهلي يزيد بعضهم على بعض قالوا حدثنا أبو عثمان المازني قال كان سبب طلب الواثق لي أن مخارقا غنى في مجلسه ( أظُلَيمُ إنّ مُصابَكم رجلاً ... أَهْدَى السَّلامَ تحيّةً ظلمُ ) فغناه مخارق رجل فتابعه بعض القوم وخالفه آخرون فسأل الواثق عمن بقي من رؤساء النحويين فذكرت له فأمر بحملي فلما وصلت إليه قال ممن الرجل قلت من بني مازن قال أمن مازن تميم أم مازن قيس أم مازن ربيعة أم مازن اليمن قلت من مازن ربيعة فقال لي با اسمك يريد ما اسمك وهي لغة كثيرة في قومنا فقلت على القياس مكر أي بكر فضحك فقال اجلس واطبئن يريد واطمئن فجلست فسألني عن البيت فقلت إن مصابكم رجلا فقال أين خبر إن قلت ظلم وهو الحرف الذي في آخر البيت وقال الأخفش في خبره وقلت له إن معنى مصابكم إصابتكم مثل ما تقول إن قتلكم رجلا حياكم ظلم ثم قلت يا أمير المؤمنين إن البيت كله معلق لا معنى له حتى يتم بقوله ظلم ألا ترى أنه لو قال أظليم إن مصابكم رجل أهدى السلام تحية لما احتيج إلى ظلم ولا كان له معنى إلا أن يجعل التحية بالسلام ظلما وذلك محال ويجب حينئذ أن يقول ( أَظُليمُ إن مُصابَكم رجلٌ ... أَهْدَى السَّلامَ تحيّةً ظُلْما ) ولا معنى لذلك ولا هو لو كان له وجه معنى قول الشاعر في شعره فقال صدقت ألك ولد قلت بنية لا غير قال فما قالت حين ودعتها قال قلت أنشدت شعر الأعشى ( تقول ابنتي حين جَدَّ الرَّحِيلُ ... أَرَانا سواءً ومَنْ قد يَتِمْ ) ( أبانا فلا رِمْتَ من عندِنا ... فإنّا بخَيرٍ إذا لم تَرِمْ ) ( أَرَانا إذا أضمرتْك البلادُ ... نُجْفَى وتُقْطَع منّا الرَّحِمْ ) قال فما قلت لها قال قلت لها قول جرير ( ثِقِي بالله ليس له شريكٌ ... ومِن عندِ الخليفةِ بالنَّجاحِ ) فقال ثق بالنجاح إن شاء الله تعالى إن ها هنا قوما يختلفون إلى أولادنا فامتحنهم فمن كان منهم عالما ينتفع به ألزمناهم إياه ومن كان بغير هذه الصورة قطعناه عنهم فأمر فجمعوا إلي فامتحنتهم فما وجدت فيهم طائلا وحذروا ناحيتي فقلت لا بأس على أحد فلما رجعت إليه قال كيف رأيتهم قلت يفضل بعضهم بعضا في علوم ويفضل الباقون في غيرها وكل يحتاج إليه فقال لي الواثق إني خاطبت منهم واحدا فكان في نهاية من الجهل في خطابه ونظره فقلت يا أمير المؤمنين أكثر من تقدم منهم بهذه الصفة ولقد أنشدت فيهم ( إنّ المعلِّمَ لا يزال مُضَعَّفاً ... ولو ابتنَى فوق السماء بناءَ ) ( من علَّم الصبيانَ أضْنَوْا عقلَه ... مما يلاقي غُدْوةً ومَساء ) مضى الحديث ومنها صوت ( يومَ تُبْدِي لنا قُتَيْلةُ عن جِيد ... أَسيلٍ تَزِينُه الأطواقُ ) ( وشَتِيتٍ كالأقْحُوانِ جَلاَه الطَّلُّ ... فيه عُذوبةٌ واتِّساق ) الشعر للأعشى والغناء لمعبد وذكر إسحاق أن لحنه خفيف ثقيل من أصوات قليلات الأشباه وذكر عمرو بن بانة أن لحنه من الثقيل الأول بالبنصر ولإسحاق لحن من الثقيل أيضا وهو مما عارض فيه معبدا فانتصف منه ومن أوائل أغانيه وصدورها أخبرنا إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة عن إسحاق قال ذكر الحسن بن عتبة اللهبي المعروف بفورك قال قال لي الوليد بن يزيد أريد الحج فما يمنعني منه إلا أن يلقاني أهل المدينة بقتيلات معبد وبقصره ونخله فأفتضح به طربا يعني ثلاثة أصوات لمعبد من شعر الأعشى في قتيلة هذه ونسبتها تأتي بعد ويعني بقصره ونخله لحنه ( القصرُ فالنخلُ فالجَمَّاء بينهما ... ) قال أبو زيد قال إسحاق وحدثني عبد الملك بن هلال وبلغني أن فتية من قريش دخلوا إلى قينة ومعهم روح بن حاتم المهلبي فتماروا فيما يختارونه من الغناء فقالت لهم أغني لكم صوتا يزيل الاختلاف ويوقع بينكم الاجتماع فرضوا بها فغنت ( يومَ تُبْدِي لنا قُتَيْلةُ عن جِيد ... أَسِيلٍ تَزِينُه الأطواقُ ) فرضوا به واتفقوا على أنه أحسن صوت يعرفونه وأقاموا عندها أسبوعا لا يسمعون غيره نسبة أصوات معبد في قتيلة منها ( أثَوَى وقَصَّر ليلَه ليُزَوَّدا ... فمضىَ وأُخْلِف من قُتَيْلَة مَوْعِدا ) ( يَجْحَدْنَ دَيْني بالنَّهار وأقتضِي ... دَيْني إذا وقَذ النُّعاسُ الرُّقَّدا ) ( وأرى الغوانيَ لا يُواصِلْنَ امرأً ... فقَد الشَّبابَ وقد يَصِلْنَ الأمردا ) الشعر للأعشى والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالوسطى أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أبو شراعة في مجلس الرياشي قال حدثت أن رجلا نظر إلى الأعشى يدور بين البيوت ليلا فقال له يا أبا بصير إلى أين في هذا الوقت فقال ( يجحدن دَيْنِي بالنَّهار وأقتضِى ... دَيْني إذا وقَذ النُّعاسُ الرُّقَّدا ) أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا يعقوب بن إسرائيل قال حدثنا أحمد بن القاسم بن جعفر بن سليمان قال حدثني إسحاق الموصلي قال حدثني أبي قال غنيت بين يدي الرشيد وستارته منصوبة ( وأرى الغوانيَ لا يُواصلن امرأً ... فقَد الشبابَ وقد يَصلْنَ الأمردا ) فطرب واستعاده وأمر لي بمال فلما أردت أن أنصرف قال لي يا عاض كذا وكذا أتغني بهذا الصوت وجواري من وراء ستارة يسمعنه لولا حرمتك لضربت عنقك فتركته والله حتى أنسيته ومنها صوت ( أَلمَّ خيالٌ من قُتَيْلةَ بعد ما ... وهى حبلُها من حبالنا فَتَصرَّمَا ) ( فبِتُّ كأنيِّ شاربٌ بعد هَجْعةٍ ... سُخَاميَّةً حمراءَ تُحْسَبُ عَنْدَمَا ) الشعر للأعشى والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالبنصر عن عمرو وفيه لابن محرز ثاني ثقيل بالوسطى عنه وعن ابن المكي سبعة ابن سريج فأما السبعة التي جعلت لابن سريج بإزاء سبعة معبد فإني قرأت خبرها في كتاب محمد بن الحسن قال حدثني الحسين بن أحمد الأكثمي عن أبيه قال ذكرنا عند إسحاق يوما أصوات معبد السبعة فقال والله ما سبعة ابن سريج بدونهن فقلنا له وأي سبعة فقال إن مغني المكيين لما سمعوا بسبعة معبد وشهرتها لحقتهم لذلك غيرة فاجتمعوا فاختاروا من غناء ابن سريج سبعة فجعلوها بإزاء سبعة معبد ثم خايروا أهل المدينة فانتصفوا منهم فسألوا إسحاق عن السبعة السريجية فقال منها ( تَشَكَّى الكُمَيْتُ الجَرْيَ لما جَهَدتُه ... ) وقد مضت نسبته في الثلاثة الأصوات المختارة ( و لقد حَبَّبت نُعْمٌ إِلينا بوجهها ... ) ( و قَرَّب جِيرانُنا جِمالَهمُ ... ) ( و أَرِقتُ وما هذا السُّهاد المؤرِّقُ ... ) وقد مضى في أخبار الأعشى المذكورة في مدن معبد ( و بَيْنَا كذاك إذا عَجَاجةُ مَوْكِبٍ ... ) ( و فلم أَرَ كالتَّجْمير منظَر ناظرٍ ... ) وقد مضى في الأرمال المختارة ( و تَضوَّع مِسْكاً بطنُ نَعْمَانَ إذ مشتْ ... ) وقد ذكر في المائة مع غيره في شعر النميري ( و إن جاء فلْيَأْتِ على بغلةٍ ... ) نسبة ما لم تمض نسبته من هذه الأصوات إذ كان بعضها قد مضى متقدما فمنها صوت ( لقد حَبَّبتْ نُعْمٌ إلينا بوجهِها ... مساكنَ ما بين الوَتَائر فالنَّقْع ) ( ومن أَجْلِ ذاتِ الخال أَعْملتُ ناقتي ... أكلِّفها سَيْرَ الكَلاَلِ مع الظَّلْع ) عروضه من الطويل والشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالبنصر وذات الخال التي عناها هاهنا عمر امرأة من ولد أبي سفيان بن حرب كان عمر يكني عنها بذلك حدثني علي بن صالح بن الهيثم قال حدثني أبو هفان عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن الزبيري والمسيبي ومحمد بن سلام والمدائني وأخبرنا به الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي ولم يتجاوزه أن عمر بن أبي ربيعة وابن أبي عتيق كانا جالسين بفناء الكعبة إذا مرت بهما امرأة من آل أبي سفيان فدعا عمر بكتف فكتب إليها وكنى عن اسمها صوت ( أَلِمَّا بذاتِ الخالِ فاستطلِعا لنا ... على العهد باقٍ ودُّها أم تَصَرَّما ) ( وقولاَ لها إنّ النَّوَى أجنبيّةٌ ... بنا وبكم قد خِفتُ أن تَتَيمَّما ) غناه ابن سريج خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق قال فقال له ابن أبي عتيق سبحان الله ما تريد إلى امرأة مسلمة محرمة أن تكتب إليها مثل هذا قال فكيف بما قد سيرته في الناس من قولي ( لقد حَبَّبتْ نُعْمٌ إلينا بوجهِها ... مساكنَ ما بين الوَتَائر و النَّقْع ) ( ومن أَجْلِ ذاتِ الخال أَعْملتُ ناقتي ... أدًلِّفها سيْرَ الكَلاَلِ مع الظَّلْع ) ( ومن أجل ذات الخال يومَ لقِيُتها ... بمُنْدَفَع الأخباب أَخْضلنِي دمعي ) ( ومن أجل ذات الخال آلَفُ منزلاً ... أحُلُّ به لا ذا صديقٍ ولا زَرْع ) ( ومن أجل ذات الخال عُدْتُ كأنني ... مُخَامَرُ سُقْمٍ داخلٍ أو أخو رَبْع ) ( ألِمّا بذات الخال إن مُقَامَها ... لدى الباب زاد القلبَ صَدْعاً على صَدْع ) ( وأُخرَى لَدَى البيت العَتيق نظرتُها ... إليها تَمشّتْ في عظامي وفي سمعي ) وقال الحرمي في خبره أما ترى ما سار لي من الشعر ما علم الله أني اطلعت حراما قط ثم انصرفنا فلما كان من الغد التقينا فقال عمر أشعرت أن ذلك الإنسان قد رد الجواب قال وما كان من رده قال كتب صوت ( أمسى قَرِيضُك بالهوى نَمَّاما ... فارْبَعْ هُديتَ وكن له كَتَّاما ) ( واعلم بأن الخال حين وصفتَه ... قعد العدوُّ به عليك وقاما ) ( لا تحسَبنَّ الكاشحين عَدِمتَهم ... عما يسوءك غافلين نِياما ) ( لا تمكننَّ من الدَّفِينة كاشحاً ... يتلو بها حفظاً عليك إماما ) غنى فيه سليم خفيف رمل بالبنصر عن عمرو قال وفيه لفريدة وإبراهيم لحنان وفي بعض النسخ لإسحاق فيه ثقيل أول غير منسوب وذكر حبش أن خفيف الرمل لفريدة أخبرني محمد بن خلف وكيع قال أخبرنا أبو أيوب المديني عن محمد ابن سلام قال وأخبرني حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن سلام قال سألت عمر بن أبي خليفة العبدي وكان عابدا وكان يعجبه الغناء أي القوم كان أحسن غناء قال ابن سريج إذا تمعبد يريد إذا غنى في مذهب معبد من الثقيل قلت مثل ماذا قال مثل صوته صوت ( لقد حَبَّبتْ نُعْمٌ إلينا بوجهها ... مساكنَ ما بين الوَتَائر فالنَّقْع ) وقال حماد بن إسحاق حدثني أبي قال حدثني أبو محمد العامري قال جلس معبد والأبجر وجماعة من المغنين فتذاكروا ابن سريج وما اشتهاه الناس من غنائه فقالوا ما هو إلا من غناء الزطف والمخنثين فنمي الحديث إلى ابن سريج فغنى ( لقد حَبَّبتْ نعمٌ إلينا بوجهها ... ) فلما جاء معبد وأصحابه واجتمعوا غناهم إياه فلما سمعوه قاموا هاربين وجعل ابن سريج يصفق خلفهم ويقول إلى أين إنما هو ابن ليلته فكيف لو اختمر قال فقال معبد دعوه مع طرائقه الأول ولا تهيجوه على طرائقكم وإلا لم يدع لكم والله خبزا تأكلونه قال الزبير في خبره عن عمه وعلق نعما هذه فقال فيها شعرا كثيرا ونحن نذكر هاهنا ما فيه غناء من ذلك فمنه قوله صوت ( خَطَرتْ لذات الخال ذِكْرَى بعد ما ... سلَك المَطِيُّ بنا على الأنصابِ ) ( أنصابِ عمرةَ والمَطِيُّ كأنَّها ... قِطَعُ القَطَا صدَرتْ عن الأَجْباب ) ( فانْهَلّ دمعي في الرِّداء صَبابةً ... فسترتُه بالُبرْدِ عن أصحابي ) ( فرأى سوابقَ دمعةٍ مسكوبةٍ ... بَكْرٌ فقال بكَى أبو الخَطّاب ) عروضه من الكامل بكر الذي ذكره هاهنا عمر هو ابن أبي عتيق وهو يسميه في شعره ببكر وبعتيق وإياه يعني بقوله ( لا تَلُمْنِي عَتِيقُ حَسْبِي الذي بي ... إنّ بي يا عَتيقُ ما قد كفاني ) الغناء في خطرت لذات الخال للغريض ولحنه ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر عمرو بن بانة أن فيه ثقيلا أول بالبنصر لأبي سعيد مولى فائد وأخبرني الحرمي قال حدثني الزبير قال حدثني عمي أن عمر بن أبي ربيعة وافقها وهي تستلم الركن فقرب منها فلما رأته تأخرت وبعثت إليه جاريتها فقالت له تقول لك ابنة عمك إن هذا مقام لا بد منه كما ترى وأنا اعلم أنك ستقول في موقفنا هذا فلا تقولن هجرا فأرسل إليها لست أقول إلا خيرا ثم تعرض لها وهي ترمي الجمار فأعرضت عنه واستترت فقال صوت ( دِينَ هذا القلبُ من نُعْمِ ... بسَقَامٍ ليس كالسُّقْمِ ) ( إن نُعْماً أقصدتْ رجلاً ... آمِناً بالخَيْفِ إذ تَرْمي ) ( اِسمعي منّا تَحَاوُرَنا ... واحكُمِي رُضِّيتُ بالحكم ) ( بشَتيتٍ نبتُه رَتِلٍ ... طيِّبِ الأنياب والطَّعْم ) ( يأتِكم منه بحُجَّته ... فله العُتْبَى ولا أَحْمي ) عروضه من المديد الغناء لإسحاق خفيف رمل بالوسطى عن عمرو وفيه لمالك ثقيل أول من أصوات قليلات الأشباه عن إسحاق وفيه لابن سريج رمل بالبنصر عن حبش وفيه لابن مسجح ثقيل أول بالوسطى عن حبش أيضا وذكر الهشامي أن هذا الصوت مما يشك فيه أنه لمعبد أو غيره قال وقال فيها أيضا صوت ( أبِينِي اليومَ أيْ نُعْمُ ... أوَصْلٌ منكِ أم صُرْمُ ) ( فإن يك صُرْمُ عاتبةٍ ... فقد نَغْنَى وهُو سَلْم ) ( تَلُومكَ في الهوى نُعْمُ ... وليس لها به عِلْمُ ) ( صحيحٌ لو رأى نُعْماً ... لخالط جسمَه سُقْمُ ) عروضه من الهزج غناه مالك ولحنه ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه لمتيم خفيف رمل بالبنصر عن إسحاق وذكر أن فيه أيضا صنعة لابن سريج ومما يغنى فيه مما قاله فيها وهو من قصيدة طويلة صوت ( فقلتُ لَجنَّادٍ خُذِ السَّيْفَ واشْتمِلْ ... عليه بحزمٍ وانظُر الشمس تَغْرُبِ ) ( وأَسْرِجْ لنا الدَّهْمَاءَ واعجَلْ بمِمْطَرِي ... ولا تُعْلِمَنْ خَلْقاً من الناس مذهبي ) عروضه من الطويل غناه زرزور غلام المارقي خفيف ثقيل بالبنصر أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي قال قيل لعمر بن أبي ربيعة ما أحب شيء أصبته إليك قال بينا أنا في منزلي ذات ليلة إذ طرقني رسول مصعب بن الزبير بكتابه يقول إنه قد وقعت عندنا أثواب مما يشبهك وقد بعثت بها إليك وبدنانير ومسك وطيب وبغلة قال فإذا بثياب من وشي وخز العراق لم أر مثلها قط وأربعمائة دينار ومسك وطيب كثير وبغلة فلما أصبحت لبست بعض تلك الثياب وتطيبت وأحرزت الدنانير وركبت البغلة وأنا نشيط لا هم لي قد أحرزت نفقة سنتي فما أفدت فائدة كانت أحب إلي منها وقلت في ذلك ( ألاَ أَرْسلتْ نُعْمٌ إلينا أنِ ائْتِنا ... فأحْبِبْ بها من مُرسِلٍ مُتغَضِّبِ ) ( فأرسلتُ أن لا أستطيعُ فأَرْسلتْ ... تؤكِّد أَيمانَ الحبيبِ المؤنِّبِ ) ( فقلت لجَنَّادٍ خُذِ السيفَ واشتمِلْ ... عليه بحزمٍ وانظُرِ الشمسَ تَغْرُبِ ) ( وأسْرِجْ ليَ الدَّهْمَاء واعجَلْ بمِمْطَرِي ... ولا تُعلِمَنْ خَلْقاً من الناس مذهبي ) ( وموعدُك البَطْحَاءُ أو بَطْنُ يأجَجِ ... أو الشِّعْبُ بالمَمْرُوخ من بطن مُغْرِبِ ) ( فلما التقنيا سَلَّمتْ وتبسَّمَتْ ... وقالت مقالَ المُعْرِض المُتَجَنِّب ) ( أمِنْ أجلِ واشٍ كاشحٍ بنَميمةٍ ... مشَى بيننا صدَّقتَه لم تُكَذِّبِ ) ( قطعتَ وصالَ الحبلِ منَّا ومن يُطِع ... بذِي ودِّه قولَ المحرِّش يُعْتِب ) ( فبات وِسادِي ثِنْيَ كفٍّ مُخضَّبٍ ... مُعَاوِدَ عَذْبٍ لم يُكَدَّرْ بمَشْرَب ) ( إذا مِلتُ مالتْ كالكَثيب رخيمةٌ ... مُنَعَّمَةٌ حُسَّانةُ المُتَجَلْبَب ) أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي قال بلغ عمر بن أبي ربيعة أن نعما اغتسلت في غدير فنزل عليه ولم يزل يشرب منه حتى نضب قال الزبير قال عمي وقال فيها أيضا صوت ( طال ليلِي وعادني اليومَ سُقْمُ ... وأصابت مقاتلَ القلب نُعْمُ ) ( وأصابتْ مَقَاتلي بسهامٍ ... نافذاتٍ وما تَبَيَّن كَلْمُ ) ( حُرَّةُ الوجه والشمائلِ والجوهر ... تكليمُها لمن نال غُنْمُ ) ( هكذا وَصْفُ ما بدا لِي منها ... ليس لي بالذي تغيَّب عِلْمُ ) ( غيرَ أني أرى الثيابَ مِلاءً ... في يَفَاعٍ يَزين ذلك جسمُ ) ( وحديثٍ بمثله تَنْزِل العُصْمُ ... رَخيمٍ يشوب ذلك حِلْمُ ) عروضه من الخفيف غنى ابن سريج في الأربعة الأبيات لحنا ذكره إسحاق وأبو أيوب المديني في جامع غنائه ولم يجنسه وذكر حبش أنه خفيف رمل بالبنصر إسحاق وإبراهيم بن المهدي ورأيهما في معبد وابن سريج أخبرني عمي قال حدثني الحسين بن يحيى أبو الحمار قال حدثني عمرو بن بانة قال كنت حاضرا مع إسحاق بن إبراهيم الموصلي عند إبراهيم بن المهدي فتفاوضنا حديث المغنين حتى انتهوا إلى أن حكى إسحاق قول عمر بن أبي خليفة إذا تمعبد ابن سريج كان أحسن الناس غناء فقال إبراهيم لإسحاق حاشاك يا أبا محمد أن تقول هذا فقد رفع الله علمك وقدر ابن سريج عن مثل هذا القول وأغنى ابن سريج بنفسه عن أن يقال له تمعبد وماكان معبد يضع نفسه هذا الموضع وكيف ذلك وهو إذا أحسن يقول أصبحت اليوم سريجيا وما قد أنصف أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي معبدا في هذا القول لأن معبدا وإن كان يعظم ابن سريج ويوفيه حقه فليس بدونه ولا هو بمرذول عنده وقد مضى في صدر الكتاب خبر ابن سريج لما قدم المدينة مع الغريض ليستمنحا أهلها فسمعاه وهو يصيد الطير يغني لحنه ( القَصْرُ فالنخل فالجَمَّاءُ بينهما ... ) فرجع ابن سريج ورد الغريض وقال لا خير لنا عند قوم هذا غناء غلام فيهم يصيد الطير فكيف بمن داخل الجونة وأظرف من ذلك من أخباره وأدل على تعظيم ابن سريج معبدا ما أخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني علي بن سليمان النوفلي قال حدثني أبي قال التقى ابن سريج ومعبد ليلة بعد افتراق طويل وبعد عهد فتساءلا عما صنعا من الأغاني بعد افتراقهما فتغنى هذا وتغنى هذا ثم تغنى ابن سريج لحنه في ( أنا الهالكُ المسلوبُ مهجةَ نفسه ... إذا جاوزَتْ مَرًّا وعُسْفانَ عِيرُها ) فغناه مرسلا لا صيحة فيه فقال له معبد أفلا حسنته بصيحة قال فأين أضعها قال في ( غدتْ سافراً والشمسُ قد ذَرَّ قَرْنُها ... ) قال فصح أنت فيه حتى أسمع منك قال فصاح فيه معبد الصيحة التي يغنى بها فيه اليوم فاستعاده ابن سريج حتى أخذه فغنى صوته كما رسمه معبد فحسن به جدا وفي هذا دليل يبين فيه التحامل على معبد في الحكاية صوت ( غَدَتْ سافِراً والشمسُ قد ذَرَّ قَرْنُها ... فأَغْشَى شُعَاع الشمس منها سفورُها ) ( وقد علمتْ شمسُ النهار بأنّها ... إذا ما بدتْ يوماً سيذهب نورها ) ( أنا الهالك المسلوبُ مهجةَ نفسِه ... إذا جاوزتْ مَرًّا وعُسْفانَ عيرُها ) ( أهاجتك سلمى إذ أَجَدّ بُكورُها ... وهَجَّر يوماً للرَّواح بعيرها ) الشعر يقال إنه لطريف العنبري والغناء لابن سريج خفيف ثقيل أول بالوسطى في مجراها عن ابن المكي وذكر عمرو أنه لسياط ولإبراهيم في الثالث والأول والرابع خفيف رمل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق وعمرو وفيه لبسباسة ثقيل أول بالبنصر عن حبش وفيه لابن جامع لحن عن حبش من رواية أبي أيوب المديني ومن سبعة ابن سريج صوت ( قَرَّب جيرانُنا جِمالَهُمُ ... ليلاً فأَضْحَوْا معاً قد ارتفعوا ) ( ما كنت أَدْرِي بوَشْكِ بينِهُم ... حتى رأيتُ الحُداة قد طلَعوا ) ( على مِصَكَّيْنِ من جِمالهمُ ... وعَنْتَرِيسَيْن فيهما شَجَعُ ) ( يا نفسُ صبراً فإنّه سَفَهٌ ... بالحُرِّ أن يستفزَّه الجَزَعُ ) الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وذكر حبش أن فيه للغريض ثقيلا أول بالبنصر وذكر ابن أبي حسان أن هبة الله بن إبراهيم بن المهدي حدثه عن أبيه عن ابن جامع قال عيب على ابن سريج خفة غنائه فأخذ أبيات عمر بن أبي ربيعة ( قَرَّب جيرانُنا جِمالَهُم ... ) فغنى فيها في كل إيقاع لحنا فجميع ما فيها من الألحان له وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال حدثني منصور بن أبي مزاحم قال حدثني رزام أبو قيس مولى خالد بن عبد الله قال قال لي إسماعيل بن عبد الله يا أبا قيس أي رجل أنت لولا أنك تحب السماع قلت أصلحك الله أما والله لو سمعت فلانة تغنيك ( قَرَّب جيرانُنا جِمالهُم ... ليلاً فأضحَوْا معاً قد ارتفعوا ) لعذرتني فقال يا أبا قيس لا عاتبتك بعد هذا أبدا ومنها صوت ( بَيْنَا كذلك إذا عَجَاجةُ مَوْكِبٍ ... رفَعوا ذَمِيلَ العِيسِ في الصحراءِ ) ( قالت أبو الخَطّاب أعرِف زِيَّه ... ولباسَه لا شكَّ غيرَ خَفاء ) الشعر لابن أبي ربيعة والغناء لابن سريج ثقيل أول بالبنصر وذكر الهشامي وأبو العبيس أنه لمعبد وليس الأمر كما ذكرا ومنها صوت وهو الذي أوله ( إن جاء فَلْيَأْتِ على بغلةٍ ... ) ( سَلْمَى عِديهِ سَرْحَتَيْ مالكٍ ... أو الرُّبَا دونَهما مَنْزِلاَ ) ( إن جاء فلْيَأتِ على بغلهٍ ... إني أخاف المُهْرَ أن يَصْهَلا ) الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج من رواية يحيى بن المكي والهشامي ثقيل أول بالبنصر وذكر يونس أنه للغريض وذكر إسحاق في أغاني الغريض ولم يجنسه أغاني الخلفاء وأولادهم وأولاد أولادهم قال مؤلف هذا الكتاب المنسوب إلى الخلفاء من الأغاني والملصق بهم منها لا أصل لجله ولا حقيقة لأكثره لا سيما ما حكاه ابن خرداذبة فإنه بدأ بعمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر أنه تغنى في هذا البيت ( كأنّ راكبها غصنٌ بمَرْوَحةٍ ... ) ثم والى بين جماعة من الخلفاء واحدا بعد واحد حتى كأن ذلك عنده ميراث من مواريث الخلافة أو ركن من أركان الإمامة لا بد منه ولا معدل عنه يخبط خبط العشواء ويجمع جمع حاطب الليل فأما عمر بن الخطاب فلو جاز هذا أن يروى عن كل أحد لبعد عنه وإنما روي أنه تمثل بهذا البيت وقد ركب ناقة فاستوطأها لا أنه غنى به ولا كان الغناء العربي أيضا عرف في زمانه إلا ما كانت العرب تستعمله من النصب والحداء وذلك جار مجرى الإنشاد إلا أنه يقع بتطريب وترجيع يسير ورفع للصوت والذي صح من ذلك عن رواة هذا الشأن فأنا ذاكر منه ما كان متقن الصنعة لاحقا بجيد الغناء قريبا من صنعة الأوائل وسالكا مذاهبهم لا ما كان ضعيفا سخيفا وجامع منه ما اتصل به خبر له يستحسن ويجري مجرى هذا الكتاب وما تضمنه فأول من دونت له صنعة منه عمر بن عبد العزيز فإنه ذكر عنه أنه صنع في أيام إمارته على الحجاز سبعة ألحان يذكر سعاد فيها كلها فبعضها عرفت الشاعر القائل له فذكرت خبره وبعضها لم أعرف قائله فأتيت به كما وقع إلي فإن مر بي بعد وقتي هذا أثبته في موضعه وشرحت من أخباره ما اتصل بي وإن لم يقع لي ووقع إلى بعض من كتب هذا الكتاب فمن أقل الحقوق عليه أن يتكلف إثباته ولا يستثقل تجشم هذا القليل فقد وصل إلى فوائد جمة تجشمناها له ولنظرائه في هذا الكتاب فحظي بها من غير نصب ولا كدح فإن جمال ذلك موفر عليه إذا نسب إليه وعيبه عنا ساقط مع اعتذارنا عنه إن شاء الله ومن الناس من ينكر أن تكون لعمر بن عبد العزيز هذه الصنعة ويقول إنها أصوات محكمة العمل لا يقدر على مثلها إلا من طالت دربته بالصنعة وحذق الغناء ومهر فيه وتمكن منه ولم يوجد عمر بن عبد العزيز في وقت من الأوقات ولا حال من الحالات اشتهر بالغناء ولا عرف به ولا بمعاشرة أهله ولا جالس من ينقل ذلك عنه ويؤديه وإنما هو شيء يحسن المغنون نسبته إليه وروي من غير وجه خلاف لذلك وإثبات لصنعته إياها وهو أصح القولين لأن الذين أنكروا ذلك لم يأتوا على إنكارهم بحجة أكثر من هذا الظن والدعوى ومخالفوهم قد أيدتهم أخبار رويت أخبرني محمد بن خلف وكيع والحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق قال حدثني أبي عن أبيه وعن إسماعيل بن جامع عن سياط عن يونس الكاتب عن شهدة أم عاتكة بنت شهدة عن كردم بن معبد عن أبيه أن عمر بن عبد العزيز طارحه لحنه في ( أَلِمَّا صاحِبَيّ نَزُرْ سُعَادَا ... ) ونسخت هذا الخبر من كتاب محمد بن الحسين الكاتب قال حدثني أبو يعلى زرقان غلام أبي الهذيل وصاحب أحمد بن أبي داود قال حدثني محمد ابن يونس قال حدثني هاتف أراه قال أم ولد المعتصم قالت حدثتني علية ابنة المهدي قالت حدثتني عاتكة بنت شهدة عن أمها شهدة عن كردم قال طرح علي عمر بن عبد العزيز لحنه ( عَلِقَ القلبُ سُعَادا ... عادتِ القلبَ فعادا ) ( كلَّما عُوتبَ فيها ... أو نُهِي عنها تَمادَى ) ( وهو مشغوف بسُعْدَى ... قد عصَى فيها وزادا ) قال كردم وكان عمر أحسن خلق الله صوتا وكان حسن القراءة للقرآن ونسخت من كتاب ابن الكرنبي بخطه حدثني أحمد بن الفتح الحجاجي في مجلس حماد بن إسحاق قال أخبرني أحمد بن الحسين قال رأيت عمر بن عبد العزيز في النوم وعليه عمامة ورأيت الشجة في وجهه تدل على أنها ضربة حافر فسمعته يقول قال عمر بن الخطاب لا تعلموا نساءكم الخلع قال حدثني محمد بن الحسين فأقبلت عليه في نومي فقلت له يا أمير المؤمنين صوت يزعم الناس أنك صنعته في شعر جرير ( أَلِمَّا صاحِبَيّ نَزُرْ سُعَادا ... لوَشْكِ فِرقها وذَرَا البِعادا ) ( لَعَمْرُك إنَّ نفعَ سُعَاد عنِّي ... لمصروفٌ ونفعِي عن سعادا ) ( إلى الفاروقِ يَنتسبُ ابنُ لَيْلَى ... ومروانَ الذي رفع العِمادا ) فتبسم عمر ولم يرد علي شيئا نسبة هذين الصوتين صوت ( أَلِمَّا صاحِبَيّ نَزُرْ سُعادا ... لوَشْكِ فِرقها وذَرَا البِعاد ) ( لَعَمْرُك إنَّ نفعَ سُعَاد عنِّي ... لمصروفٌ ونفعي عن سعادا ) ( إلى الفاروقِ يَنتسبُ ابنُ لَيْلَى ... ومروانَ الذي رفع العِمادا ) الشعر لجرير يمدح عمر بن عبد العزيز بن مروان والغناء لعمر بن عبد العزيز ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر وفيه خفيف ثقيل ينسب إلى معبد صوت ( عَلِقَ القلبُ سُعَادا ... عادتِ القلبَ فعادا ) ( كلَّما عُوتِب فيها ... أو نُهِي عنها تَمادَى ) ( وهو مشغوفٌ بِسُعْدَى ... قد عَصى فيها وزادا ) الغناء لعمر بن عبد العزيز خفيف ثقيل وفيه ثاني ثقيل ينسب إلى الهذلي ذكر عمر بن عبد العزيز وشيء من أخباره عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ويكنى أبا حفص وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان يقال له أشج قريش لأنه كان في جبهته أثر يقال إنه ضربة حافر فذكر يحيى بن سعيد الأموي عن أبيه أن عبد الملك بن مروان كان يؤثر عمر بن عبد العزيز ويرق عليه ويدنيه وإذا دخل عليه رفعه فوق ولده جميعا إلا الوليد فعاتبه بعض بنيه على ذلك فقال له أو ما تعلم لم فعلت ذلك قال لا قال إن هذا سيلي الخلافة يوما وهو أشج بني مروان الذي يملأ الأرض عدلا بعد أن تملأ جورا فمالي لا أحبه وأدنيه أخبرني محمد بن يزيد قال حدثنا الرياشي قال حدثنا سالم بن عجلان قال خرج عمر بن عبد العزيز يلعب فرمحته بغلة على جبينه فبلغ الخبر أمه أم عاصم فخرجت في خدمها واقبل عبد العزيز بن مروان إليها فقالت أما الكبير فيخدم وأما الصغير فيكرم وأما الوسط فيضيع لم لا تتخذ لابني حاضنا حتى أصابه ما ترى فجعل عبد العزيز بمسح الدم عن وجهه ثم نظر إليها وقال لها ويحك إن كان أشج بني مروان أو أشج بني أمية إنه لسعيد أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن أحمد المقدمي قال حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري قال حدثنا هارون بن معروف قال حدثنا ضمرة قال سمعت ثروان مولى عمر بن عبد العزيز قال دخل عمر بن عبد العزيز وهو غلام إصطبل أبيه فضربه فرس على وجهه فأتي به أبوه يحمل فجعل أبوه يمسح الدم عن وجهه ويقول لئن كنت أشج بني أمية إنك لسعيد حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا مصعب الزبيري قال كانت بنت لعبيد الله بن عمر بن الخطاب تحت إبراهيم بن نعيم النحام فماتت فأخذ عاصم بن عمر بيده فأدخله منزله وأخرج إليه ابنتيه حفصة وأم عاصم فقال له اختر فاختار حفصة فزوجها إياه فقيل له تركت أم عاصم وهي أجملهما فقال رأيت جارية رائعة وبلغني أن آل مروان ذكروها فقلت علهم أن يصيبوا من دنياهم فتزوجها عبد العزيز بن مروان فولدت له أبا بكر وعمر وكانت عنده وقتل إبراهيم بن نعيم يوم الحرة وماتت أم عاصم عند عبد العزيز بن مروان فتزوج أختها حفصة بعدها فحملت إليه بمصر فمرت بأيلة وبها مخنث أو معتوه وقد كان أهدى لأم عاصم حين مرت به فأثابته فلما مرت به حفصة أهدى لها فلم تثبه فقال ليست حفصة من رجال أم عاصم فذهبت مثلا أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا أبو بكر الرمادي وسليمان ابن أبي شيخ قالا حدثنا أبو صالح كاتب الليث قال حدثني الليث قال لما ولي عمر بن عبد العزيز بدأ بلحمته وأهل بيته فأخذ ما كان في أيديهم وسمى أعمالهم المظالم ففزعت بنو أمية إلى فاطمة بنت مروان عمته فأرسلت إليه إنه قد عناني أمر لا بد من لقائك فيه فأتته ليلا فأنزلها عن دابتها فلما أخذت مجلسها قال يا عمة أنت أولى بالكلام لأن الحاجة لك فتكلمي قالت تكلم يا أمير المؤمنين فقال إن الله تبارك وتعالى بعث محمدا رحمة لم يبعثه عذابا إلى الناس كافة ثم اختار له ما عنده فقبضه إليه وترك لهم نهرا شربهم فيه سواء ثم قام أبو بكر فترك النهر على حاله ثم ولي عمر فعمل على عمل صاحبه فلما ولي عثمان اشتق من ذلك النهر نهرا ثم ولي معاوية فشق منه الأنهار ثم لم يزل ذلك النهر يشق منه يزيد ومروان وعبد الملك والوليد وسليمان حتى أفضى الأمر إلي وقد يبس النهر الأعظم ولن يروى أصحاب النهر حتى يعود اليهم النهر الأعظم إلى ما كان عليه فقالت له قد أردت كلامك ومذاكرتك فأما إذ كانت هذه مقالتك فلست بذاكرة لك شيئا أبدا ورجعت اليهم فأبلغتهم كلامه وقال سليمان بن أبي شيخ في خبره فلما رجعت إلى بني أمية قالت لهم ذوقوا مغبة أمركم في تزويجكم آل عمر بن الخطاب كثير والأحوص ونصيب عند عمر بن عبد العزيز أخبرني محمد بن خلف وكيع قال أخبرني عبد الله بن دينار مولى بني نصر ابن معاوية قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن التيمي قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهيل عن حماد الراوية وأخبرني محمد بن حسين الكندي خطيب القادسية قال حدثنا الرياشي قال حدثنا شيبان بن مالك قال حدثنا عبد الله بن إسماعيل الجحدري عن حماد الراوية والروايتان متقاربتان وأكثر اللفظ للرياشي قال دخلت المدينة ألتمس العلم فكان أول من لقيت كثير عزة فقلت يا أبا صخر ما عندك من بضاعتي قال عندي ما عند الأحوص ونصيب قلت وما هو قال هما أحق بإخبارك فقلت له إنا لم نحث المطي نحوكم شهرا نطلب ما عندكم إلا ليبقى لكم ذكر وقل من يفعل ذلك فأخبرني عما سألتك ليكون ما تخبرني به حديثا آخذه عنك فقال إنه لما كان من أمر عمر بن عبد العزيز ما كان قدمت أنا ونصيب والأحوص وكل واحد منا يدل بسابقته عند عبد العزيز وإخائه لعمر فكان أول من لقينا مسلمة بن عبد الملك وهو يومئذ فتى العرب وكل واحد منا ينظر في عطفيه لا يشك أنه شريك الخليفة في الخلافة فأحسن ضيافتنا وأكرم مثوانا ثم قال أما علمتم أن إمامكم لا يعطي الشعراء شيئا قلنا قد جئنا الآن فوجه لنا في هذا الأمر وجها فقال إن كان ذو دين من آل مروان قد ولي الخلافة فقد بقي من ذوي دنياهم من يقضي حوائجكم ويفعل بكم ما أنتم له أهل فأقمنا على بابه أربعة أشهر لا نصل إليه وجعل مسلمة يستأذن لنا فلا يؤذن فقلت لو أتيت المسجد يوم الجمعة فتحفظت من كلام عمر شيئا فأتيت المسجد فأنا أول من حفظ كلامه سمعته يقول في خطبة له لكل سفر زاد لا محالة فتزودوا من الدنيا إلى الآخرة التقوى وكونوا كمن عاين ما أعد الله له من ثوابه وعقابه فعمل طلبا لهذا وخوفا من هذا ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم وتنقادوا لعدوكم واعلموا أنه إنما يطمئن بالدنيا من وثق بالنجاة من عذاب الله في الآخرة فأما من لا يداوي جرحا إلا أصابه جرح من ناحية أخرى فكيف يطمئن بالدنيا أعوذ بالله أن آمركم بما أنهى نفسي عنه فتخسر صفقتي وتبدو عيلتي وتظهر مسكنتي يوم لا ينفع فيه إلا الحق والصدق فارتج المسجد بالبكاء وبكى عمر حتى بل ثوبه حتى ظننا أنه قاض نحبه فبلغت إلى صاحبي فقلت جددا لعمر من الشعر غير ما أعددناه فليس الرجل بدنيوي ثم إن مسلمة استأذن لنا يوم جمعة بعدما أذن للعامة فدخلنا فسلمنا عليه بالخلافة فرد علينا فقلت له يا أمير المؤمنين طال الثواء وقلت الفائدة وتحدثت بجفائك إيانا وفود العرب فقال يا كثير أما سمعت إلى قول الله عز و جل في كتابه ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ) أفمن هؤلاء أنت فقلت له وأنا ضاحك أنا ابن سبيل ومنقطع به قال أو لست ضيف أبي سعيد قلت بلى قال ما أحسب من كان ضيف أبي سعيد ابن سبيل ولا منقطعا به ثم استأذنه في الإنشاد فقال قل ولا تقل إلا حقا فإن الله سائلك فقلت ( وَلِيتَ فلم تَشْتُم عليًّا ولم تُخِفْ ... بَرًّيا ولم تتبَع مقالة مُجْرِمِ ) ( وقلتَ فصدَّقتَ الذي قلت بالذي ... فعلتَ فأَضْحَى راضياً كلُّ مسلم ) ( ألاَ إنّما يَكْفِي الفتى بعد زَيْغه ... من الأوَدِ الباقي ثِقَافُ المقَوِّم ) ( لقد لبِستْ لبْس الهَلُوكِ ثيابَها ... وأَبْدتْ لك الدنيا بكفَ ومِعْصَم ) ( وتُومِضُ أحياناً بعينٍ مَريضةٍ ... وَتَبْسِمُ عن مثل الجُمانِ المنظَّم ) ( فأعرضتَ عنها مشمئزًّا كأنما ... سَقَتْكَ مَدُوفاً من سِمامٍ وعَلْقَم ) ( وقد كُنتَ من أجبالها في مُمَنَّعٍ ... ومن بحرها في مُزْبِد الموج مُفْعَم ) ( وما زلتَ سَبَّاقاً إلى كلّ غايةٍ ... صَعِدتَ بها أعلى البناء المقدَّم ) ( فلما أتاك الملكُ عَفْواً ولم يكن ... لطالبِ دنيا بعده مِن تَكَلُّم ) ( تركتَ الذي يَفْنَي وإن كان مُونِقاً ... وآثرتَ ما يبقى برأيٍ مصمِّم ) ( فأضررْتَ بالفاني وشمَّرتَ للذي ... أمامَك في يومٍ من الهَوْلِ مُظلم ) ( ومالك أن كُنتَ الخليفةَ مانعٌ ... سوى الله من مالٍ رَغيبٍ ولا دمِ ) ( سَمَا لَكَ همٌّ في الفؤاد مؤرِّقٌ ... صَعِدْتَ به أعلى المعالي بسُلَّم ) ( فما بين شرق الأرض والغرب كلِّها ... مُنَادٍ ينادِي من فصيح وأعجم ) ( يقول أميرَ المؤمنين ظلمتَني ... بأخذٍ لدينارٍ ولا أخذِ درهم ) ( ولا بسطِ كَفٍّ لامرِئٍ ظالمٍ له ... ولا السفكِ منه ظالماً مِلْءَ مِحْجَم ) ( فلو يستطيع المسلمون تقسَّموا ... لك الشَّطْرَ من أعمارهم غيرَ نُدَّم ) ( فعِشْتَ به ما حَجَّ لله راكبٌ ... مُغِذٌّ مُطِيفٌ بالمقام وَزَمْزِم ) ( فأَرْبِحْ بها من صَفْقَةٍ لمبايِع ... وأعْظِمْ بها أَعْظِمْ بها ثم أعْظِم ) فقال لي يا كثير إن الله سائلك عن كل ما قلت ثم تقدم إليه الأحوص فاستأذنه فقال قل ولا تقل إلا حقا فإن الله سائلك فأنشده ( وما الشعرُ إلاّ خطبةٌ من مؤلِّفٍ ... بمنطقِ حقٍّ أو بمنطقِ باطلِ ) ( فلا تَقْبَلَنْ إلاّ الذي وافق الرِّضا ... ولا تَرْجِعَنَّا كالنساء الأرامل ) ( رأيناك لم تَعْدِلْ عن الحقّ يَمْنةً ... ولا يَسْرةً فعلَ الظَّلومِ المجادِلِ ) ( ولكن اخذتَ القَصْدَ جهدَك كلَّه ... وتَقْفُو مثالَ الصالحين الأوائل ) ( فقلنا ولم نَكْذِبْ بما قد بَدَا لنا ... وَمَنْ ذا يَرُدُّ الحقَّ من قول عاذلِ ) ( ومَنْ ذا يردُّ السَّهمَ بعد مُروقِه ... على فُوقِه إن عارَ من نَزْع نابِل ) ( ولولا الذي قد عودَّتْنا خلائفٌ ... غَطَارِيفُ كانت كالليوث البواسل ) ( لما وَخَدَتْ شهراً بِرَحْلِيَ جَسْرةٌ ... تَفُلُّ مُتونَ البِيدِ بين الرَّواحل ) ( ولكن رَجَوْنا منك مثلَ الذي به ... صُرِفنا قديماً من ذويكَ الأفاضل ) ( فإن لم يكن للشعر عندك موضعٌ ... وإن كان مثلَ الدُّرِّ من قول قائِل ) ( وكان مُصِيبا صادقاً لا يَعيبه ... سِوَى أنه يُبْنَى بناءَ المنازل ) ( فإنّ لنا قُرْبَى ومَحْضَ مَوَدَّةٍ ... وميراثَ آباءٍ مَشَوْا بالمناصل ) ( فذادُوا عدوَّ السَّلْم عن عُقْر دارهم ... وأَرْسَوْا عَمُودَ الدِّين بعد تَمَايُل ) ( فقبلَك ما أعطَى الهُنيدةَ جِلَّةً ... على الشعر كَعْباً من سَديسٍ وبازل ) ( رسولُ الإِله المصطفَى بِنُبُوَّةٍ ... عليه سلامٌ بالضُّحَى والأصائل ) ( فكلّ الذي عدَّدتُ يَكْفِيكَ بعضُه ... ونَيْلُك خيرٌ من بحور السوائل ) فقال له عمر يا أحوص إن الله سائلك عن كل ما قلت ثم تقدم إليه نصيب فاستأذن في الإنشاد فأبى أن يأذن له وغضب غضبا شديدا وأمره باللحاق بدابق وأمر لي وللأحوص لكل واحد بمائة وخمسين درهما وقال الرياشي في خبره فقال لنا ما عندي ما أعطيكم فانتظروا حتى يخرج عطائي فأواسيكم منه فانتظرناه حتى خرج فأمر لي وللأحوص بثلاثمائة درهم وأمر لنصيب بمائة وخمسين درهما فما رأيت أعظم بركة من الثلاث المائة التي أعطاني ابتعت بها وصيفة فعلمتها الغناء فبعتها بألف دينار عمر ودكين الراجز أخبرني عمي عبد العزيز بن أحمد قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني قال قال دكين الراجز امتدحت عمر بن عبد العزيز وهو والي المدينة فأمر لي بخمس عشرة ناقة كرائم فكرهت أن أرمي بهن الفجاج ولم تطب نفسي ببيعهن فقدمت علينا رفقة من مصر فسألتهم الصحبة فقالوا ذاك إليك ونحن نخرج الليلة فأتيته فودعته وعنده شيخان لا أعرفهما فقال لي يا دكين إن لي نفسا تواقة فإن صرت إلى أكثر مما أنا فيه فأتني ولك الإحسان قلت أشهد لي بذلك قال أشهد الله به قلت ومن خلقه قال هذين الشيخين فأقبلت على أحدهما فقلت من أنت أعرفك قال سالم بن عبد الله بن عمر فقلت له لقد استسمنت الشاهد وقلت للآخر من أنت قال أبو يحيى مولى الأمير فخرجت إلى بلدي بهن فرمى الله في أذنابهن بالبركة حتى اعتقدت منهن الإبل والعبيد فإني لبصحراء فلج إذا ناع ينعى سليمان قلت فمن القائم بعده قال عمر بن عبد العزيز فتوجهت نحوه فلقيني جرير منصرفا من عنده فقلت يا أبا حزرة من أين فقال من عند من يعطي الفقراء ويمنع الشعراء فانطلقت فإذا هو في عرصة دار وقد أحاط الناس به فلم أخلص اليه فناديت ( يا عُمَرَ الخيراتِ والمكَارِم ... وعُمَرَ الدَّسائِع العظائِمِ ) ( إني امرؤٌ من قَطَنِ بن دارِم ... طلبتُ دَيْنِي من أخي مَكَارِم ) ( إذ تَنْتَحِي والليلُ غيرُ نائم ... عند أبي يَحْيَى وعند سالم ) فقام أبو يحيى فقال يا أمير المؤمنين لهذا البدوي عندي شهادة عليك فقال أعرفها ادن يا دكين أنا كما ذكرت لك إن نفسي لم تنل شيئا قط إلا تاقت لما هو فوقه وقد نلت غاية الدنيا فنفسي تتوق إلى الآخرة والله ما رزأت من أموال الناس شيئا ولا عندي إلا ألف درهم فخذ نصفها قال فوالله ما رأيت ألفا كان أعظم بركة منه قال ودكين الذي يقول ( إذا المرءُ لم يَدْنَسْ من اللُّؤمِ عِرْضُه ... فكلُّ رِداءٍ يَرتديه جميلُ ) ( وإن هو لم يَرْفَع عن اللؤم نفسَه ... فليس إلى حُسْنِ الثَّنَاء سبيلُ ) زهده وحبه آل البيت أخبرني الحرمي عن الزبير عن هارون بن صالح عن أبيه قال كنا نعطي الغسال الدراهم الكثيرة حتى يغسل ثيابنا في أثر ثياب عمر بن عبد العزيز من كثرة الطيب فيها يعني المسك قال ثم رأيت ثيابه بعد ذلك وقد ولي الخلافة فرأيت غير ما كنت أعرف أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي عن نافع بن أبي نعيم قال قدم عبد الله بن الحسن على عمر بن عبد العزيز فقال إنك لا تغنم أهلك شيئا خيرا من نفسك فارجع وأتبعه حوائجه قال الرياشي وحدثنا نصر بن علي قال حدثنا أبو أحمد محمد بن الزبير الأسدي عن سعيد بن أبان قال رأيت عمر بن عبد العزيز آخذا بسرة عبد الله بن حسن وقال اذكرها عندك تشفع لي يوم القيامة حدثني أبو عبيد الصيرفي قال حدثنا الفضل بن الحسن المصري قال حدثنا عبد الله بن عمر القواريري قال حدثنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبان القرشي قال دخل عبد الله بن حسن على عمر بن عبد العزيز وهو حديث السن وله وفرة فرفع مجلسه وأقبل عليه وقضى حوائجه ثم أخذ عكنة من عكنه فغمزها حتى أوجعه وقال له اذكرها عندك للشفاعة فلما خرج لامه أهله وقالوا فعلت هذا بغلام حديث السن فقال إن الثقة حدثني حتى كأني أسمعه من في رسول الله قال إنما فاطمة بضعة مني يسرني ما يسرها وأنا أعلم أن فاطمة لو كانت حية لسرها ما فعلت بابنها قالوا فما معنى غمزك بطنه وقولك ما قلت قال إنه ليس أحد من بني هاشم إلا وله شفاعة فرجوت أن أكون في شفاعة هذا أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عيسى ابن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي قال أخبرني يزيد بن عيسى بن مورق قال كنت بالشام زمن ولي عمر بن عبد العزيز وكان بخناصرة وكان يعطي الغرباء مائتي درهم قال فجئته فأجده متكئا على إزار وكساء من صوف فقال لي ممن أنت قلت من أهل الحجاز قال من أيهم قلت من أهل المدينة قال من أيهم قلت من قريش قال من أي قريش قلت من بني هاشم قال من أي بني هاشم قلت مولى علي قال من علي فسكت قال من فقلت ابن أبي طالب فجلس وطرح الكساء ثم وضع يده على صدره وقال وأنا والله مولى علي ثم قال أشهد على عدد ممن أدرك النبي يقول قال رسول الله من كنت مولاه فعلي مولاه أين مزاحم كم تعطي مثله قال مائتي درهم قال أعطه خمسين دينارا لولائه من علي ثم قال أفي فرض أنت قلت لا قال وافرض له ثم قال الحق بلادك فإنه سيأتيك إن شاء الله ما يأتي غيرك قال أبو زيد فحدثني عيسى بن عبد الله قال حدثني أبي عن أبيه قال قال أبي ولد لي غلام يوم قام عمر بن عبد العزيز فغدوت عليه فقلت له ولد لي في هذه الليلة غلام فقال لي ممن قلت من التغلبية قال فهب لي اسمه قلت نعم قال قد سميته اسمي ونحلته غلامي مورقا وكان نوبيا فأعتقه عمر بن العزيز بعد ذلك فولده اليوم موالينا أخبرني محمد بن العباس قال حدثنا عمر قال حدثنا عيسى بن عبد الله قال أخبرني موسى بن عبد الله بن حسن عن أبيه قال كان عمر بن عبد العزيز يراني إذا كانت لي حاجة أتردد إلى بابه فقال لي ألم أقل لك إذا كانت لك حاجة فارفع بها إلي فوالله إني لأستحيي من الله أن يراك على بابي أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثني العمري عن العتبي عن أبيه قال لما حضرت عمر بن عبد العزيز الوفاة جمع ولده حوله فلما رآهم استعبر ثم قال بأبي وأمي من خلفتهم بعدي فقراء فقال له مسلمة بن عبد الملك يا أمير المؤمنين فتعقب فعلك وأغنهم فما يمنعك أحد في حياتك ولا يرتجعه الوالي بعدك فنظر إليه نظر مغضب متعجب فقال يا مسلمة منعتهم إياه في حياتي وأشقى به بعد وفاتي إن ولدي بين رجلين إما مطيع لله فالله مصلح له شأنه ورازقه ما يكفيه أو عاص له فما كنت لأعينه على معصيته يا مسلمة إني حضرت أباك لما دفن فحملتني عيني عند قبره فرأيته قد أفضى إلى أمر من أمر الله راعني وهالني فعاهدت الله ألا أعمل بمثل عمله إن وليت وقد اجتهدت في ذلك طول حياتي وأرجو أن أفضي إلى عفو من الله وغفران قال مسلمة فلما دفن حضرت دفنه فلما فرغ من شأنه حتى حملتني عيني فرأيته فيما يرى النائم وهو في روضة خضراء نضرة فيحاء وأنهار مطردة وعليه ثياب بيض فأقبل علي فقال يا مسلمة لمثل هذا فليعمل العاملون هذا أو نحوه فإن الحكاية تزيد أو تنقص أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم قال حدثنا عبد الله ابن أبي سعد قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ عن يحيى بن سعيد الأموي قال لما مات عمر بن عبد العزيز وقف مسلمة عليه بعد أن أدرج في كفنه فقال رحمك الله يا أمير المؤمنين فقد أورثت صالحينا بك اقتداء وهدى وملأت قلوبنا بمواعظك وذكرك خشية وتقى وأثلت لنا بفضلك شرفا وفخرا وأبقيت لنا في الصالحين بعدك ذكرا كتابه إلى أساري قسطنطينية أخبرني الحسن قال أخبرنا الغلابي عن ابن عائشة عن أبيه إن عمر بن عبد العزيز كتب إلى الأساري بقسطنطينية أما بعد فإنكم تعدون أنفسكم أسارى ولستم أسارى معاذ الله أنتم الحبساء في سبيل الله واعلموا أني لست أقسم شيئا بين رعيتي إلا خصصت أهلكم بأوفر ذلك وأطيبه وقد بعثت اليكم خمسة دنانير خمسة دنانير ولولا أني خشيت إن زدتكم أن يحبسه عنكم طاغية الروم لزدتكم وقد بعثت إليكم فلان بن فلان يفادي صغيركم وكبيركم ذكركم وأنثاكم حركم ومملوككم بما يسأل فأبشروا ثم أبشروا رده على كتاب الحسن البصري أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عبد الله بن مسلم قال زعم لنا سليمان بن أرقم قال كتب الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز وكان يكاتبه فلما استخلف كتب إليه من الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز فقيل له إن الرجل قد ولي وتغير فقال لو علمت أن غير ذلك أحب إليه لاتبعت محبته ثم كتب من الحسن بن أبي الحسن إلى عمر بن عبد العزيز أما بعد فكأنك بالدنيا لم تكن وكأنك بالآخرة لم تزل قال فمضيت إليه بالكتاب فقدمت عليه به فإني عنده أتوقع الجواب إذ خرج يوما غير يوم جمعة حتى صعد المنبر واجتمع الناس فلما كثروا قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنكم في أسلاب الماضين وسيرثكم الباقون حتى تصيروا إلى خير الوارثين كل يوم تجهزون غاديا إلى الله ورائحا قد حضر أجله وطوي عمله وعاين الحساب وخلع الأسلاب وسكن التراب ثم تدعونه غير موسد ولا ممهد ثم وضع يديه على وجهه فبكى مليا ثم رفعهما فقال يا أيها الناس من وصل الينا منكم بحاجته لم نأله خيرا ومن عجز فوالله لوددت أنه وآل عمر في العجز سواء قال ثم نزل فأرسل إلي فدخلت إليه فكتب بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإنك لست بأول من كتب عليه الموت وقد مات والسلام آخر خطبة له أخبرني ابن عمار قال حدثني سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا أبو مطرف المغيرة بن مطرف عن شعيب بن صفوان عن أبيه أن عمر بن عبد العزيز خطب بخناصرة خطبة لم يخطب بعدها حمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثا ولم تتركوا سدى وإن لكم معادا يتولى الله فيه الحكم فيكم والفصل بينكم فخاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض واعلموا أن الأمان غدا لمن حذر الله وخافه وباع قليلا بكثير ونافدا بباق وخوفا بأمان ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيخلفها من بعدكم الباقون وكذلك حتى تردوا إلى خير الوارثين ثم إنكم في كل يوم وليلة تشيعون غاديا إلى الله ورائحا قد قضى نحبه وانقضى أجله ثم تضعونه في صدع من الأرض في بطن لحد ثم تدعونه غير موسد ولا ممهد قد خلع الأسلاب وفارق الأحباب ووجه للحساب غنيا عما ترك فقيرا إلى ما قدم وايم الله إني لأقول لكم هذه المقالة ولا أعلم عند أحد منكم أكثر مما عندي وأستغفر الله لي ولكم وما يبلغنا أحد منكم حاجته يسعها ما عندنا إلا سددنا من حاجته ما قدرنا عليه ولا أحد يتسع له ما عندنا إلا وددت أنه بدئ بي وبلحمتي الذي يلونني حتى يستوي عيشنا وعيشكم وايم الله لو أردت غير هذا من عيش أو غضارة لكان اللسان به مني ناطقا ذلولا عالما بأسبابه ولكنه من الله عز و جل كتاب ناطق وسنة عادلة دل فيهما على طاعته ونهى فيهما عن معصيته ثم بكى فتلقى دموعه بطرف ردائه ثم نزل فلم ير على تلك الأعواد بعد حتى قبضه الله إليه رحمة الله عليه شراؤه موضع قبره أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو سلمة المديني عن إبراهيم بن ميسرة أن عمر بن عبد العزيز اشترى موضع قبره بعشرة دنانير أخبرني اليزيدي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو سلمة المديني قال أخبرني ابن مسلمة بن عبد الملك قال حدثني أبي مسلمة قال كنا عند عمر في اليوم الذي توفي فيه أنا وفاطمة بنت عبد الملك فقلنا له يا أمير المؤمنين إنا نرى أنا قد منعناك النوم فلو تأخرنا عنك شيئا عسى أن تنام قال ما أبالي لو فعلتما قال فتنحيت أنا وهي وبيننا وبينه ستر قال فما نشبنا أن سمعناه يقول حي الوجوه حي الوجوه فابتدرناه أنا وهي فجئناه وقد أغمض ميتا فإذا هاتف يهتف في البيت لا نراه ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) ومن أصوات عمر في سعاد صوت ( ألاَ يا دِينَ قلُبك من سُلَيْمى ... كما قد دِينَ قلبُك من سُعَادَا ) ( هما سَبَتَا الفؤادَ وأَصْبَتاه ... ولم يُدْرِك بذلك ما أراد ) ( قِفَا نَعْرِفْ منازلَ من سُلَيْمَى ... دَوَارِسَ بين حَوْمَلَ أو عُرَادَا ) ( ذكرتُ بها الشَّبابَ وآلَ لَيلَى ... فلم يَرُدِ الشبابُ بها مَرادا ) ( فإن تَشِبِ الذُّؤابةُ أُمَّ زيدٍ ... فقد لاقيتُ أيّاماً شِدادا ) عروضه من الوافر الشعر لأشهب بن رميلة فيما ذكر ابن الأعرابي وأبو عمرو الشيباني وحكى ابن الأعرابي أنه سمع بعض بني ضبة يذكر أنها لابن ابي رميلة الضبي والغناء لعمر بن عبد العزيز رمل بالوسطى عن الهشامي وحبش وغيرهما وفي نسخة عمرو بن بانة الثانية لخزرج رمل بالبنصر نسب الأشهب بن رميلة وأخباره رملية أمه وهي أمة لخالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم بن عمرو بن تميم وهو الأشهب بن ثور بن أبي حارثة بن عبد الدار بن جندل بن نشهل بن دارم في النسب قال أبو عمرو وولدها يزعمون أنها كانت سبية من سبايا العرب فولدت لثور بن أبي حارثة أربعة نفر وهم رباب وحجناء والأشهب وسويد فكانوا من أشد إخوة في العرب لسانا ويدا وأمنعهم جانبا وكثرت أموالهم في الإسلام وكان أبوهم ثور ابتاع رميلة في الجاهلية وولدتهم في الجاهلية فعزوا عزا عظيما حتى كانوا إذا وردوا ماء من مياه الصمان حظروا على الناس ما يريدون منه وكانت لرميلة قطيفة حمراء فكانوا يأخذون الهدب من تلك القطيفة فيلقونه على الماء أي قد سبقنا إلى هذا فلا يرده أحد لعزهم فيأخذون من الماء ما يحتاجون إليه ويدعون ما يستغنون عنه فوردوا في بعض السنين ماء من مياه الصمان وورد معهم ناس من بني قطن بن نهشل وكانت بنو قطن بن نهشل وبنو زيد بن نهشل وبنو مناف بن درام حلفاء وكانت الأعجاز حلفاء عليهم وهم جندل وجرول وصخر بنو نهشل فأورد بعضهم بعيره فأشرعه حوضا قد حظروا عليه وبلغهم ذلك فغضبوا منه واجتمعوا وأحلافهم واجتمعت الأحلاف عليهم فاقتتلوا قتالا شديدا فضرب رباب بن رميلة رأس نسير بن صبيح المعروف بأبي بدال وأمه بنت أبي الحمام بن قراد بن مخزوم وقال رباب في ذلك ( ضربتُه عَشِيَّةَ الهِلالِ ... أوَّلَ يومٍ عُدَّ من شوّالِ ) ( ضرباً على رأس أبي بَدَّال ... ثُمَّتَ ما أُبْتُ ولا أُباليِ ) ( ألاّ يؤوبَ آخرَ اللَّياليِ ... ) فجمع كل واحد منهما لصاحبه فقالت بنو قطن يا بني جرول ويا بني صخر ويا بني مناف ضرب صاحبكم صاحبنا ضربة لا ندري أيموت منها أم يعيش فأنصفونا فأبى القوم أن يفعلوا فاقتتلوا يومهم ذلك إلى الليل وكان أبي بن أشيم أخو بني جرول وهو سيدهم خرج في حاجة له فلقيه بعض بني قطن فأسره وأتى به أ صحابه فقال نهشل بن حري يا بني قطن أطيعوني اليوم واعصوني أبدا قالوا نعم فقل فقال إن هذا لم يشهد شركم ولا حربكم ولا يحل لكم دمه وإن قومه أحر من يقاتلكم وشوكتهم فخذوا عليه العهد أن يصرفهم عنكم وخلوا سبيله قالوا افعل ما رأيت فأتاه نهشل بن حري فقال له يا أبا أسماء إن قومك قد حالوا بيننا وبين حقنا وقاتلوا دونه وقد أمكننا الله منك وأنت والله أوفى دما عندنا من بني رميلة فوالله لأقتلنك أو تعطيني ما أسألك قال سل قال تجعل أن تصرف بني جرول جميعا فإن لم يطيعوك انصرفت ببني أشيم فإن لم يطيعوك أتيتنا قال نعم فخلي سبيله تحت الليل فأتاهم وهم بحيث يرى بعضهم بعضا فقال يا بني جرول انصرفوا أتعترضون على قوم يريدون حقهم ألا تتقون الله والله لقد أسرني القوم ولو أرادوا قتلى لكان فيه وفاء بحقهم ولكنهم يكرهون حربكم فلا تبغوا عليهم فانصرف منهم أكثر من سبعين رجلا فلما رأى ذلك بنو صخر وبنو جرول قالوا والله إنا لنظلم قومنا إن قاتلناهم وانصرفوا وتخاذل القوم فلما رأى ذلك الأشهب بن رميلة قال ويلكم أفي ضربة من عصا لم تصنع شيئا تسفكون دماءكم والله ما به من بأس فأعطوا قومكم حقهم فقال حجناء ورباب والله لننصرفن فلنلحقن بغيركم ولا نعطي ما بأيدينا فجعل الأشهب ابن رميلة يقول ويلكم أتخربون دار قومكم في ضربة عصا لم تبلغ شيئا فلم يزل بهم حتى جاؤوا برباب فدفعوه إلى بني قطن وأخذوا منهم أبا بدال وهو المضروب فمات في تلك الليلة في أيديهم فكتموه وأرسلوا إلى عباد بن مسعود ومالك بن ربعي ومالك بن عوف والقعقاع بن معبد فعرضوا عليهم الدية فقالوا وما الدية وصاحبنا حي قالوا فإن صاحبكم ليس بحي فأمسكوا وقالوا ننظر ثم جاؤوا إلى رباب فقالوا أوصنا بما بدا لك قال دعوني أصلي قالوا صل فصلى ركعتين ثم قال أما والله إني إلى ربي لذو حاجة وما منعني أن أزيد في صلاتي إلا أن تروا أن ذلك فرق من الموت فليضربني منكم رجل شديد الساعد حديد السيف فدفعوه إلى أبي خزيمة بن نسير المكني بأبي بدال فضرب عنقه فدفنوه وذلك في الفتنة بعد مقتل عثمان بن عفان فقال الأشهب يرثي أخاه ويلوم نفسه في دفعه إليهم لتسكن الحرب ( أَعَيْنَيَّ قَلَّتْ عَبْرةٌ من أخيكما ... بأن تسهرَا ليلَ التَّمام وتَجْزَعا ) ( وباكيةٍ تَبْكي الرَّبابَ وقائلٍ ... جَزَى اللهُ خيراً ما أعفَّ وأمْنَعا ) ( وأَضْرَبَ في الهَيْجا إذا حَمِس الوَغَى ... وأَطعَمَ إذ أَمْسىَ المَرَاضِيعُ جُوَّعا ) ( إذا ما اعترضْنا من أخينا أخاهُم ... رَوِينا ولم نَشْفِ الغَلِيلَ فَيَنْقَعا ) ( قَرَوْنا دماً والضَّيْف منتظِرُ القِرَى ... ودعوةِ داعٍ قد دعانا فأسمعا ) ( مَرَدْنا وكانت هفوةً من حُلومنا ... بِثَدْيٍ إلى أولاد ضَمْرَة أَقْطعا ) ( وقد لامنِي قومي ونفسي تَلُومُني ... بما فال رأيي في ربابٍ وضَيَّعا ) ( فلو كان قلبي من حديدٍ أذابَه ... ولو كان من صُمِّ الصَّفَا لتصدَّعا ) مضى الحديث اصوات عمر في سعاد ونسخت من كتاب محمد بن الحسن الكاتب حدثني محمد بن أحمد بن يحيى المكي عن أبيه قال لعمر بن عبد العزيز في سعاد سبعة ألحان منها ( يا سُعادُ التي سَبَتْنِي فؤادي ... ورُقَادي هَبِي لعيني رُقادي ) ولحنه رمل مطلق ومنها ( حظُّ عيني من سُعاد ... أبداً طولُ السُّهَاد ) ولحنه رمل بالسبابة في مجرى البنصر ومنها ( سبحان ربيِّ بَرَا سُعادا ... لا تعرف الوصلَ والودادا ) ولحنه خفيف رمل ومنها ( لعَمْرِي لئن كانت سعادُ هي المُنَى ... وجنَّةَ خُلْد لا يُمَلُّ خلودُها ) ولحنه ثقيل أول ومنها ( أسُعادُ جُودِي لا شَقِيتِ سُعَادا ... واجْزِي مُحِبَّكِ رأفةً وودادَا ) ولحنه خفيف رمل ومنها ( ألِمَّا صاحبيّ نَزُرْ سُعادَا ... ) ومنها ( ألاَ يا دِينَ قلبُكَ من سُلَيْمَى ... ) وقد ذكرت طريقتهما وقد روي عن عمر بن عبد العزيز حديث كثير وفقه وحمل عنه أهل العلم أخبرنا محمد بن جرير الطبري قال حدثنا عمران بن بكار الكلاعي قال حدثنا خالد بن علي قال حدثنا بقية بن الوليد عن مبشر بن إسماعيل عن بشر ابن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عمر عن جده عبد العزيز عن معاوية بن أبي سفيان قال قال رسول الله من أحب أن تمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار أخبرني محمد بن عمران الصيرفي وعمي قالا حدثنا العنزي قال حدثني وزير بن محمد أبو هاشم الغساني قال حدثني محمد بن أيوب بن سعيد السكري عن عمر بن عبد العزيز عن أمه عن أبيها عاصم بن عمر عن أبيه عمر ابن الخطاب قال قال رسول الله نعم الإدام الخل وممن حكي عنه أنه صنع في شعره غناء يزيد بن عبد الملك ولم يأت ذلك برواية عمن يحصل قوله كما حكي عن عمر بن عبد العزيز وإنما وجد في الكتب أنه صنع لحنا في شعره وذكره من لا يوثق به ولم نروه عن أحد فلم نأت بأخباره هاهنا مشروحة وأتيت بها في أخبار ه مع حبابة بحيث يصلح وأما اللحن الذي ذكر أنه صنعه فهو صوت ( أبلغْ حَبَابةَ أَسْقَى رَبْعَهَا المطرُ ... ما للفؤاد سِوى ذكراكُم وَطَرُ ) ( إن سار صَحْبِيَ لم أمْلَلْ بذكركُم ... أو عرَّسوا فهمومُ النفسِ والفِكَرُ ) في هذين البيتين ثقيل أول يقال إنه ليزيد بن عبد الملك وذكر ابن المكي أنه لحبابة وحكي عن الهيثم بن عدي أن يزيد بن عبد الملك لما رأى حبابة تعلقها ولم يقدر على ابتياعها خوفا من أخيه سليمان أو من عمر بن عبد العزيز وقال فيها هذين البيتين وهو راحل عن الحجاز وغناه فيهما معبد فوصله بعد ذلك بما كان يغنيه وأخذته حبابة وغيرها عنه وذكر الهشامي أنه مما لا يشك فيه من غناء معبد وقد مضت أخبار يزيد بن عبد الملك وحبابة في صدر هذا الكتاب فاستغني عن إعادتها هنا وممن غنى منهم الوليد بن يزيد وله أصوات صنعها مشهورة وقد كان يضرب بالعود ويوقع بالطبل ويمشي بالدف على مذهب أهل الحجاز أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عبد الله بن أبي سعد عن الفطراني عن محمد بن جبر قال حدثني من سمع خالد صامة يقول كنت يوما عند الوليد بن يزيد وأنا أغنيه ( أَرانِي الله يا سَلْمَى حياتي ... ) وهو يشرب حتى سكر ثم قال لي هات العود فدفعته إليه فغناه أحسن غناء فنفست عليه إحسانه ودعوت بطبل فجعلت أوقع عليه وهو يضرب حتى دفع العود وأخذ الطبل فجعل يوقع به أحسن إيقاع ثم دعا بدف فأخذه ومشى به وجعل يغني أهزاج طويس حتى قلت قد عاش ثم جلس وقد انبهر فقلت يا سيدي كنت أرى أنك تأخذ عنا ونحن الآن نحتاج إلى الأخذ عنك فقال اسكت ويلك فوالله لئن سمع هذا منك أحد ما دمت حيا لأقتلنك فوالله ما حكيته عنه حتى قتل أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى قال أخبرنا أبو أيوب المديني قال ذكر أبو الحسن المدائني أن يحيى مولى العبلات المعروف بقيل وهو الذي غنى ( أَزْرَى بنا أننا شالتْ نَعامتُنا ... ) كان مقيما بمكة فلما قدمها الوليد بن يزيد سأل عن أحسن الناس غناء وحكاية لابن سريج فقيل له فيل فدعاه وقال له امش لي بالدف ففعل ثم قال له الوليد هاته حتى أمشى به فإن أخطأت فقومني فمشى به أحسن من مشية فيل فقال له يحيى جعلت فداءك ايذن لي حتى أختلف إليك لأتعلم منك فمن مشهور صنعته في شعره ( وَصَفْراءَ في الكأس كالزعفران ... سباها التُّجِيبيُّ من عَسْقَلانْ ) ( تُريكَ القَذاةَ وعَرْضُ الإِ ناء ... سِتْر لها دون لمْسِ البنانْ ) لحنه فيه خفيف رمل وفيه لأبي كامل ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق ويونس ولعمر الوادي فيه ثقيل أول بالوسطى عن يونس والهشامي وقد مضت أخباره مشروحة في المائة الصوت المختارة وممن دونت صنعته من خلفاء بني العباس الواثق بالله ولم نعلمه حكي ذلك عن أحد منهم قبله إلا ما قدمنا سوء العهدة فيه عن ابن خرداذبة فإنه حكى أن للسفاح والمنصور وسائرهم غناء وأتى فيها بأشياء غثة لا يحسن لمحصل ذكرها وأخبرني يحيى بن محمد الصولي قال حدثني أحمد بن محمد بن إسحاق قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال دخلت يوما دار الواثق بغير إذن إلى موضع أمر أن أدخله إذا كان جالسا فسمعت صوت عود من بيت وترنما لم أسمع أحسن منه قط فأطلع خادم رأسه ثم رده وصاح بي فدخلت فإذا الواثق فقال أي شيء سمعت فقلت الطلاق لازم لي وكل مملوك لي حر لقد سمعت ما لم أسمع مثله قط حسنا فضحك فقال وما هو إنما هذه فضلة أدب وعلم مدحه الأوائل واشتهاه أصحاب رسول الله ورحمهم والتابعون بعدهم وكثر في حرم الله ومهاجر رسول الله أتحب أن تسمعه مني قلت إي والذي شرفني بخطابك وجميل رأيك فقال يا غلام هات العود وأعط إسحاق رطلا فدفع الرطل إلي وضرب وغنى في شعر لأبي العتاهية بلحن صنعه فيه ( أضحتْ قبورهُم من بعد عِزِّهمُ ... تَسْفِي عليها الصَّبا والحَرْجَف السَّمَلُ ) ( لا يَدْفَعون هَوَاماً عن وجوههمُ ... كأنهمْ خَشَبٌ بالقاع مُنْجَدِلُ ) فشربت الرطل ثم قمت فدعوت له فأجلسني وقال أتشتهي أن تسمعه ثانية فقلت إي والله فغنانيه ودعا لي برطل ففعلت كما فعلت ثانية ثم ثالثة وصاح ببعض خدمه وقال له احمل إلى إسحاق ثلثمائة ألف درهم ثم قال يا إسحاق قد سمعت ثلاثة أصوات وشربت ثلاثة أرطال وأخذت ثلثمائة ألف درهم فانصرف إلى أهلك ليسروا بسرورك فانصرفت بالدراهم أخبرني محمد قال سمعت أحمد بن محمد بن الفرات يقول سمعت عريب تقول الواثق له صنعة جيدة في الغناء صنع الواثق مائة صوت ما فيها صوت ساقط ولقد صنع في هذا الشعر ( هل تعلمين وراء الحبِّ منزلةً ... تُدْنِي إليكِ فإنّ الحبَّ أقصاني ) ( هذا كتابُ فتًى طالتْ بَلِيَّتُه ... يقول يا مُشْتَكَى بَثى وأحزاني ) لحنا من الرمل تشبه فيه بصنعة الأوائل نسبة هذا الصوت الشعر ليعقوب بن إسحاق الربعي المخزومي والغناء للواثق رمل بالوسطى من رواية الهشامي أخبرني محمد بن العباس اليزيدي والحرمي بن أبي العلاء وعلي بن سليمان الأخفش قالوا حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال قال الزبير بن بكار كتب ابن أبي مسرة المكي إلى أهل المدينة ببيتين وهما ( هذا كتابُ فتًى طالتْ بَلِيَّتُه ... يقول يا مُشْتَكَى بَثِّي وأحزاني ) ( هل تعلمين وراءَ الحبِّ منزلةً ... تُدني إليكِ فإنّ الحبّ أقصاني ) قال الزبير وكنت غائبا فلما قدمت قال لي أهل المدينة ذلك فقلت لهم أيكتب إليكم صاحبكم يعاتبكم فلا تجيبونه أنشدني يعقوب بن إسحاق الربعي المخزومي لنفسه ( قال الوُشاةُ لهندٍ عن تَصَارُمِنَا ... ولستُ أنسَى هوى هندٍ وتنساني ) ( يعقوبُ ليس بمتبولٍ ولا كَلِفٍ ... وَيْحَ الوُشاةِ فإنّ الداء أضناني ) ( ما بي سوى الحبِّ من هندٍ وإن بَخِلْت ... حُبِّي لهندٍ برى جسمي وأبلاني ) ( قد قلتُ حين بدا لي بُخْلُ سيِّدتي ... وقد تتابع بي بَثِّي وأحزاني ) ( هل تعلمين وراء الحبِّ منزلةً ... تُدْنِي إليكِ فإنّ الحبَّ أقصاني ) ( قالت نعم قلتُ ما ذاكم أسيِّدتي ... وطاعةُ الحبِّ تَنفي كلَّ عِصْيان ) ( قالت فدَعْنا بلا صُرْمٍ ولا صِلَةٍ ... ولا صدودٍ ولا في حال هِجران ) ( حتى يَشُكَّ وُشاةٌ قد رَمَوْك بنا ... وأعلنوا بك فينا أيَّ إعلان ) ومن غناء الواثق بالله صوت ( خليليَّ عُوجَا من صدور الرَّواحِل ... بجَرْعاءِ حُزْوى وابكيا في المنازِل ) ( لعلّ انحدارَ الدمع يُعْقب راحةً ... من الوَجْدِ أو يَشْفِي نَجِي البَلابِل ) الشعر لذي الرمة والغناء للواثق بالله رمل مطلق في مجرى الوسطى عن الهشامي ولإسحاق فيهما رمل بالسبابة في مجرى البنصر ولحن الواثق منهما الذي أوله البيت الثاني وهو اللحن المحثوث المسجح وله ردة في لعل ولحن إسحاق أوله البيت الأول ثم الثاني وهو أشدهما إمساكا وفيه صياح أخبرنا أبو أحمد يحيى بن علي بن يحيى قال حدثنا أبو أيوب المديني قال حدثنا محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي قال حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي أنه دخل على إسحاق بن إبراهيم الطاهري وقد كان تكلم له في حاجة فقضيت فقال له أعطاك الله أيها الأمير ما لم تحط به أمنية ولم تبلغه رغبة قال فاشتهى هذا الكلام فاستعاده فأعدته قال ثم مكثنا ما شاء الله وأرسل الواثق إلى محمد بن إبراهيم يأمره بإشخاصي إليه في الصوت الذي أمرني أن أتغنى فيه وهو ( لقد بَخِلت حتى لَوَ أنِّي سألتُها ... ) فأمر لي بمائة ألف درهم فأقمت ما شاء الله ليس أحد من مغنيهم يقدر على أن يأخذ هذا الصوت مني فلما طال مقامي قلت يا أمير المؤمنين ليس أحد من هؤلاء المغنين يقدر على أن يأخذ هذا الغناء مني فقال لي ولم ويحك قلت لأني لا أصححه ولا تسخو نفسي لهم به فما فعلت يا أمير المؤمنين في الجارية التي أخذتها مني يعني شجا وهي التي كان أهداها إلى الواثق وعمل لها المصنف الذي في أيدي الناس لإسحاق قال وكيف فقلت لأنها تأخذه مني وأطيب به لها نفسا وهم يأخذونه منها قال فأمر بها فأخرجت وأخذته على المكان فأمر لي بمائة ألف درهم أخرى وأذن لي في الانصراف وكان إسحاق بن إبراهيم الطاهري حاضرا عنده فقلت له عند وداعي إياه أعطاك الله يا أمير المؤمنين ما لم تحط به أمنية ولم تبلغه رغبة فالتفت إلي إسحاق بن إبراهيم فقال لي ويحك يا إسحاق تعيد الدعاء فقلت إي والله أعيده قاص أنا أو مغن فانصرفت إلى بغداد وأقمت حتى قدم إسحاق فجئته مسلما فقال ويلك يا إسحاق أتدري ما قال أمير المؤمنين بعد خروجك من عنده قلت لا أيها الأمير قال قال لي ويحك كنا أغنى الناس عن أن نبعث إسحاق على لحننا فيفسده علينا هذه رواية أبي أيوب قال أبو أحمد يحيى بن علي بن يحيى وأخبرني أبي رحمه الله عن إسحاق أنه قال لما صنعت لحني في ( خليلي عُوجَا من صدور الرواحل ... ) غنيته الواثق فاستحسنه وعجب من صحة قسمته ومكث صوته أياما ثم قال لي يا إسحاق قد صنعت لحنا في صوتك وفي إيقاعه وأمر فغنيت به فقلت يا أمير المؤمنين بغضت إلي لحني وسمجته عندي وقد كنت استأذنته مرات في الانحدار إلى بغداد بعد أن ألقيت اللحن الذي كان أمرني بصنعه في ( لقد بَخِلت حتى لَوَ اني سألتها ... ) فمنعني ودافعني بذلك فلما صنع لحنه الرمل في ( خليليّ عُوجَا من صدور الرّواحل ... ) قلت له يا أمير المؤمنين قد والله اقتصصت وزدت فأذن لي بعد ذلك قال أبو الحسن علي بن يحيى قلت لإسحاق فأيهما أجود الآن لحنك فيه أو لحنه فقال لحني أجود قسمة وأكثر عملا ولحنه أظرف لأنه جعل ردته من نفس قسمته فليس يقدر على أدائه إلا متمكن من نفسه قال أبو الحسن فتأملت اللحنين بعد ذلك فوجدتهما كما ذكر إسحاق قال وقال لي إسحاق ما كان يحضر مجلس الواثق أعلم منه بالغناء فأما نسبة هذين الصوتين فإن أحدهما قد مضى ومضت نسبته والآخر صوت ( أيا مُنْشِرَ الموتى أقِدْني من التي ... بها نَهِلتْ نفسي سَقاماً وعَلَّتِ ) ( لقد بَخِلتْ حتى لَوَ أنّي سألتُها ... قَذَى العين من ضاحِي الترُّاب لضَنَّتِ ) الشعر لأعرابي رواه إسحاق عنه ولم يذكر اسمه والناس يغلطون فينسبونه إلى كثير ويظنونه من قصيدته التي أولها ( خليليَّ هذا رَسْمُ عَزّةَ فاعْقِلاَ ... قَلُوصَيْكما ثم ابكيا حيث حَلَّتِ ) وهذا خطأ ممن قال ذلك والغناء للواثق ثاني ثقيل بالوسطى ولإسحاق في البيت الثاني وبعده بيت ألحقه به ليس من الشعر ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى والبيت الذي ألحقه إسحاق به من شعره ( فإن بَخِلتْ فالبخلُ منها سَجِيةٌ ... وإن بَذَلتْ أعطتْ قليلاً وأكْدَتِ ) أخبرني عمي رحمه الله قال حدثني أبو جعفر بن الدهقانة النديم قال كان الواثق إذا أراد أن يعرض صنعته على إسحاق نسبها إلى غيره وقال وقع إلينا صوت قديم من بعض العجائز ما سمعه أحد ويأمر من يغنيه إياه وكان إسحاق يأخذ نفسه في ذلك بقول الحق أشد أخذ فإن كان جيدا من صناعته قرظه ووصفه واستحسنه وإن كان مطرحا أو فاسدا أو متوسطا ذكر ما فيه فربما كان للواثق فيه هوى فيسأله عن تقويمه وإصلاح فساده وربما اطرحه بقول إسحاق فيه إلى أن صنع لحنا في قول الشاعر ( لقد بَخِلت حتى لو أنّي سألتها ... قَذَى العين من ضاحِي التراب لضَنَّتِ ) فأعجب به واستحسنه وأمر المغنين فغنوا فيه وأمر بإشخاص إسحاق إليه من بغداد ليسمعه فكاده مخارق عنده وقال يا أمير المؤمنين إن إسحاق شيطان خبيث داهية وإن قولك له فيما تصنعه هذا صوت وقع إلينا لا يخفى عليه به أن الصوت لك ومن صنعتك ولا يوقع في فهمه أنه قديم فيقول لك وبحضرتك ما يقارب هواك فإذا خرج عن حضرتك قال لنا ضد ذلك فأحفظ الواثق قوله وغاظه وقال له أريد على هذا القول منك دليلا قال أنا أقيم عليه الدليل إذا حضر فلما قدم به وجلس في أول مجلس اندفع مخارق يغني لحن الواثق ( لقد بَخِلتْ حتَّى لَوَ انّي سألتُها ... ) فزاد فيه زوائد أفسدت قسمته فسادا شديدا وخفيت على الواثق لكثرة زوائد مخارق في غنائه فسأله الواثق عنه فقال هذا غناء فاسد غير مرضي عندي فغضب الواثق وأمر بإسحاق فسحب حتى أخرج من المجلس فلما كان من الغد قالت فريدة للواثق يا أمير المؤمنين إن إسحاق رجل يأخذ نفسه بقوله الحق في صناعته على كل حال ساءته أو سرته لا يخاف في ذلك ضررا ولا يرجو نفعا وما لك منه عوض وقد كاده مخارق عندك فزاد في صدر الصوت من زوائده التي تعرف وتركه في المصراع الثاني على حاله ونقص من البيت الثاني وقد تبينت ذلك وأنا أعرضه على إسحاق وأغنيه إياه على صحته واسمع ما يقول وما زالت تلطف للواثق حتى رضي عنه وأمر بإحضاره فغنته إياه فريدة كما صنعه الواثق فلما سمعه قال هذا صوت صحيح الصنعة والقسمة والتجزئة وما هكذا سمعته في المرة الأولى ثم أخبر الواثق عن مواضع فساده حينئذ وأبان ذلك له بما فهمه وغنته فريدة عدة أصوات من القديم والحديث كلها يقول فيها بما عنده من مدح لبعضها وطعن على بعض فاستحسن الواثق ذلك وأجازه يومئذ وحباه وجفا مخارقا مدة لما فعله به منزلة إسحاق عنده أخبرني جحظة قال حدثني ابن المكي عن أبيه قال كان الواثق إذا صنع شيئا من الغناء أخبر إسحاق به وعرضه عليه حتى يصلح ما فيه ثم يظهره وقد أخبرني الحسن بن علي عن يزيد بن محمد المهلبي بهذا الخبر فذكر نحو ما ذكرته ها ههنا وفي ألفاظه اختلاف وقد تقدم ذكره وابتدأناه في أخبار إسحاق والأبيات الثانية التي غنى فيها الواثق وإسحاق أنشدنيها علي بن سليمان الأخفش وعلي بن هارون بن علي بن يحيى جميعا عن هارون بن علي بن يحيى عن أبيه عن إسحاق لأعرابي وأنشدناها محمد بن العباس اليزيدي قال أنشدني أحمد بن يحيى ثعلب لبعض الأعراب ( ألاَ قاتل اللهُ الحمامةَ غُدْوةً ... على الغصن ماذا هَيَّجَتْ حين غَنَّتِ ) ( فغَنَّتْ بصوتٍ أعجميٍّ فهيَّجتْ ... هَوايَ الذي كانت ضُلوعي أكَنَّتِ ) ( فلو قَطَرتْ عين امرِئ من صَبابةٍ ... دَماً قطَرتْ عيني دماً وألَمَّتِ ) ( فما سكتتْ حتى أوَيتُ لصوتها ... وقلتُ أرى هذِي الحمامةَ جُنَّتِ ) ( ولي زَفَراتٌ لو يَدُمْنَ قتْلنَنِي ... بشوقٍ إلى نادي التي قد تَولَّتِ ) ( إذا قلتُ هذِي زفرةُ اليوم قد مضتْ ... فمَنْ لي بأُخرَى في غدٍ قد أَظلَّتِ ) ( أيا مُنْشِرَ الموتَى أعِنِّي على التي ... بها نَهِلَتْ نفسي سَقاماً وعَلَّت ) ( لقد بَخِلَتْ حتى لَوَ انّي سألتُها ... قَذَى العين من سَافِي الترابِ لضَنَّتِ ) ( فقلتُ ارْحَلاَ يا صاحبَيَّ فليتنِي ... أرى كلَّ نفس أُعطِيَتْ ما تمنَّت ) ( حلَفتُ لها بالله ما أُمُّ واحدِ ... إذا ذكرتْه آخرَ الليل أَنَّتِ ) ( وما وَجْدُ أعرابيّةٍ قَذَفتْ بها ... صُروفُ النَّوَى من حيثُ لم تَكُ ظَنَّت ) ( إذا ذكرتْ ماءَ العِضَاهِ وطِيبَه ... وبطن الحَصَى من بطن خَبْت أَرَنَّتِ ) ( بأعظمَ من وجدي بها غيرَ أنني ... أُجَمْجِمُ أحشائي على ما أجَنَّت ) أخبرني جحظة وابن أبي الأزهر ويحيى بن علي والحسين بن يحيى قالوا جميعا أخبرنا حماد بن إسحاق عن أبيه وقد جمعت روايتهم في هذا الخبر وزدت فيه ما نقصه كل واحد منهم حتى كملت ألفاظه قال ما وصلني أحد من الخلفاء بمثل ما وصلني به الواثق وما كان أحد منهم يكرمني إكرامه ولقد غنيته لحني ( لعلَّكَ إن طالتْ حياتُك أن تَرى ... بِلاداً بها مَبْدًى لليلَى ومَحْضَرُ ) فاستعاده مني ليلة لا يشرب على غيره ثم وصلني بثلثمائة ألف درهم ولقد قدمت عليه في بعض قدماتي فقال لي ويحك يا إسحاق أما اشتقت إلي فقلت بلى والله يا سيدي وقلت في ذلك أبياتا إن أمرتني أنشدتها قال هات فأنشدته ( أشكو إلى الله بُعْدِي عن خليفتِه ... وما أقاسيه من هَمٍّ ومن كِبَرِ ) ( لا أستطيع رَحيلاً إن هَمَمتُ به ... يوماً إليه ولا أقوَى على السفر ) ( أنوي الرحيلَ إليه ثم يمنَعني ... ما أَحْدثَ الدهرُ والأيّامُ في بصري ) ثم استأذنته في إنشاد قصيدة مدحته بها فأذن لي فأنشدته قصيدتي التي أقول فيها ( لمّا أمرتَ بإشخاصي إليك هَوَى ... قلبي حَنيناً إلى أهلي وأولادي ) ( ثم اعتزمتُ فلم أَحْفلْ ببَيْنِهُمُ ... وطابت النفسُ عن فَضْلٍ وحَمّاد ) ( كم نعمةٍ لأبيك الخَيْرِ أفردني ... بها وخَصَّ بأخْرَى بعد إفرادي ) ( فلو شكرتُ أيادِيكم وأَنْعُمَكم ... لَمَا أحاط بها وصفي وتَعْدادي ) ( لأشكرنَّك ما غار النجومُ وما ... حَدَا على الصُّبْحِ في إثر الدُّجَى حاد ) قال علي بن يحيى خاصة في خبره فقال لي أحمد بن إبراهيم يا أبا الحسن أخبرني لو قال الخليفة لإسحاق أحضر لي فضلا وحمادا أليس كان يفتضح إسحاق يعني من دمامة خلقتهما وتخلف شاهدهما الواثق وإسحاق في طريقهما إلى النجف قال إسحاق ثم انحدرت مع الواثق إلى النجف فقلت يا أمير المؤمنين قد قلت في النجف قصيدة فقال هاتها فأنشدته قولي ( يا راكبَ العِيسِ لا تَعْجَلْ بنا وِقفِ ... نُحَيِّ داراً لسُعْدَي ثم ننصرِف ) ( لم يَنْزِلِ الناسُ في سهلٍ ولا جبلٍ ... أَصْفَى هواءً ولا أَغْذَى من النَّجَفِ ) ( حُفَّتْ ببرٍّ وبحرٍ في جوانبها ... فالبَرُّ في طَرَفٍ والبحرُ في طَرَفِ ) ( ما إن يزال نسيمٌ من يَمانِيةٍ ... يأتيك منها بَريَّا رَوْضةٍ أُنُفِ ) حتى انتهيت إلى مديحه فقلت وقد انتهيت إلى قولي فيه ( لا يَحْسَبُ الجودَ يُفنِي مالَه أبداً ... ولا يرى بَذْلَ ما يَحْوِي من السَّرَفِ ) فقال لي أحسنت يا أبا محمد فكناني وأمر لي بألف درهم وانحدرنا إلى الصالحية التي يقول فيها أبو نواس ( فالصالحيّةُ من أكناف كَلْواذا ... ) وذكرت الصبيان وبغداد فقلت ( أتَبْكِي على بغدادَ وهي قريبةٌ ... فكيف إذا ما ازددتَ منها غداً بُعدا ) ( لَعَمْرُك ما فارقتُ بغدادَ عن قِلًى ... لَوَ انّا وجدنا من فِراقٍ لها بُدّا ) ( إذا ذَكرتْ بغدادَ نفسي تَقَطَّعتْ ... من الشوقِ أو كادت تموت بها وجدا ) ( كفى حَزَناً أن رُحْتَ لم تستطع لها ... وَدَاعاً ولم تُحْدِثْ لساكنها عهدا ) فقالت لي يا موصلي لقد اشتقت إلى بغداد فقلت لا والله يا أمير المؤمنين ولكني اشتقت إلى الصبيان وقد حضرني بيتان فقال هاتهما فقلت ( حَنَنتَ إلى الأُصَيْبيةِ الصِّغار ... وشاقكَ منهمُ قُرْبُ المَزَارِ ) ( وكلُّ مُفارِقٍ يزداد شوقاً ... إذا دنت الدِّيار من الديار ) فقال لي يا إسحاق سر إلى بغداد فأقم شهرا مع صبيانك ثم عد إلينا وقد أمرت لك بمائة ألف درهم أخبرني جحظة عن ابن حمدون أن إسحاق كان يحضر مجالس الخلفاء إذا جلسوا للشرب في جملة المغنين وعوده معه إلى أيام الواثق فإنه كان إذا قدم عليه يحضر مع الجلساء بغير عود ويدنيه الواثق ولا يغني حتى يقول له غن فإذا قال له غن جاؤوه بعود فغنى به وإذا فرغ رفع العود من بين يديه إكراما من الواثق له أخبرني الحسين بن يحيى عن وسواسة بن الموصلي عن حماد بن إسحاق قال كتب حمدون بن إسماعيل إلى أبي إن أمير المؤمنين الواثق يأمرك أن تصنع لحنا في هذا الشعر ( لقد بَخِلَتْ حتى لَوَ انّي سألتُها ... ) وقد كان الواثق غنى فيه غناء أعجبه فغنى فيه أبي فلما سمعه الواثق قال أفسد علينا إسحاق ما كنا أعجبنا به من غنائنا قال حماد ثم لم أعلم أن أبي صنع بعده غناء حتى مات ومن مشهور أغاني الواثق صوت ( سقَى العَلَمَ الفردَ الذي في ظِلاَلِه ... غزالان مكحولانِ مؤتلِفانِ ) ( أرَغْتُهما خَتْلاً فلم أستطعهما ... ورَمْياً ففاتاني وقد رَمَياني ) ولحنه فيه من الثقيل الأول ولإسحاق فيه رمل أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال أخبرني محمد بن منصور بن علية القرشي قال أخبرني جعفر بن عبيد الله بن جعفر الهاشمي عن إسحاق بن سليمان بن علي قال لقيت أعرابيا بالسمية فصيحا فاستخففته وتأملته فإذا هو مصفر شاحب ناحل الجسم فاستنشدته فأنشدني الشيء بعد الشيء على استكراه مني له فقلت له ما بالك فوالله إنك لفصيح فقال أما ترى الجبلين قلت بلى قال في ظلالهما والله ما يمنعني من إنشادك ويشغلني ويذهلني عن الناس قلت وما ذاك قال بنت عم لي قد تيمتني وذهبت بعقلي والله إنه لتأتي علي ساعات ما أدري أفي السماء أنا أم في الأرض ولا أزال ثابت العقل ما لم يخامر ذكرها قلبي فإذا خامره بطلت حواسي وعزب عني لبي قلت فما يمنعك منها أقلة ما في يدك قال والله ما يمنعني منها غير ذلك قلت وكم مهرها قال مائة ناقة قلت فأنا أدفعها إليك إذا لتدفعها إليهم قال والله لئن فعلت ذلك إنك لأعظم الناس علي منة فوعدته بذلك واستنشدته ما قال فيها فأنشدني أشياء كثيرة منها قوله ( سقى العَلَمَ الفردَ الذي في ظلاله ... غَزَالانِ مكحولانِ مؤتلفانِ ) البيتان فقلت له يا أعرابي والله لقد قتلتني بقولك ففاتاني وقد قتلاني وأنا برئ من العباس إن لم أقم بأمرك ثم دعوت بمركوب فركبته وحملت معي الأعرابي فصرنا إلى أبي الجارية في جماعة من أهلي وموالي حتى زوجته إياها وضمنت عنه الصداق واشتريت له مائة ناقة فسقتها عنه وأقمت عندهم ثلاثا ونحرت لهم ثلاثين جزورا ووهبت للأعرابي عشرة آلاف درهم وللجارية مثلها وقلت استعينا بهذا على اتصالكما وانصرفت فكان الأعرابي يطرقنا في كل سنة وامرأته معه فأهب له وأصله وينصرف غناؤه في شعر حسان ومن أغانيه أخبرني به ذكاء وجه الرزة عن أحمد بن أبي العلاء عن مخارق وأنه أخذه عنه صوت ( إنّ التي عاطيتَها فرَدَدْتُها ... قُتِلتْ قُتِلْتَ فهاتِها لم تُقْتَلِ ) ( كلتاهما حَلَبُ العَصير فعاطِني ... بزجاجةٍ أرخاهما للمَفْصِل ) يروى كلتاهما جلب العصير وحلب العصير ويروى للمفصل وللمفصل والمفصل الواحد من المفاصل والمفصل هو اللسان ذكر ذلك علي بن سليمان الأخفش عن محمد بن الحسن الأحول عن ابن الأعرابي الشعر لحسان بن ثابت والغناء للواثق خفيف رمل بالبنصر وفيه لإبراهيم الموصلي رمل مطلق في مجرى الوسطى وهذه الأبيات من قصيدة حسان المشهورة التي يمدح بها بني جفنة وأولها ( أسألتَ رسمَ الدار أم لم تسألِ ... ) وهي من فاخر المديح منها قوله ( أولادُ جَفْنةَ عند قبر أبيهمُ ... قبرِ ابن ماريَةَ الكريمِ المُفْضِلِ ) ( يَسْقُون مَنْ ورَد البَرِيصَ عليهمُ ... بَرَدَى يُصفَّق بالرَّحيق السَّلْسَلِ ) ( بِيضُ الوجوهِ كريمةٌ أنسابُهم ... شُمُّ الأنوفِ من الطَّرازِ الأوّلِ ) ( يُغْشَوْن حتى ما تَهِرُّ كِلابُهم ... لا يَسألون عن السَّواد المُقْبِلِ ) نسخت من كتاب الشاهيني حدثني ابن عليل العنزي قال حدثني أحمد بن عبد الملك بن أبي السمال السعدي قال حدثني أبو ظبيان الحماني قال اجتمعت جماعة من الحي على شراب لهم فتغنى رجل منهم بشعر حسان ( إنّ التي عاطيتَني فرددتُها ... قُتِلَتْ قُتِلْتَ فهاتها لم تُقتَلِ ) ( كلتاهما حَلَبُ العَصير فعاطِني ... بزجاجةٍ أرخاهما للمَفْصِل ) فقال رجل من القوم ما معنى قوله إن التي عاطيتني فجعلها واحدة ثم قال كلتاهما حلب العصير فجعلهما ثنتين فلم يعلم أحد منا الجواب فقال رجل من القوم امرأته طالق ثلاثا إن بات أو يسأل القاضي عبيد الله بن الحسن عن تفسير هذا الشعر قال أبو ظبيان فحدثني بعض أصحابنا السعديين قال فأتيناه نتخطى إليه الأحياء حتى أتيناه وهو في مسجده يصلي بين العشاءين فلما سمع حسنا أوجز في صلاته ثم أقبل علينا وقال ما حاجتكم فبدأ رجل منا كان أحسننا بقية فقال نحن أعز الله القاضي قوم نزعنا إليك من طرف البصرة في حاجة مهمة فيها بعض الشيء فإن أذنت لنا قلنا قال قولوا فذكر يمين الرجل والشعر فقال أما قوله إن التي ناولتني هي الخمرة وقوله قتلت يعني مزجت بالماء وقوله كلتاهما حلب العصير يعني به الخمر ومزاجها فالخمر عصير العنب والماء عصير السحاب قال الله عز و جل ( وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا ) انصرفوا إذا شئتم أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني أحمد بن يزيد المهلبي عن أبيه قال غنى مخارق يوما بحضرة الواثق ( حتى إذا الليلُ خَبا ضوءهُ ... وغابتِ الجَوْزاءُ والمِرْزَمُ ) ( خرجتُ والوطءُ خَفِيٌّ كما ... ينسابُ من مَكْمَنه الأرقمُ ) فاستملح الواثق الشعر واللحن فصنع في نحوه ( قالت إذا الليلُ دَجَا فأْتِنا ... فجئتُها حين دجا الليلُ ) ( خَفِيَّ وطءِ الرِّجلِ من حارسٍ ... ولو درَى حلَّ بيَ الويل ) ولحنه فيه من الرمل وصنع فيه الناس ألحانا بعده منها لعريب خفيف رمل ومنها ثقيل أول لا أعلم لمن هو وسمعت ذكاء ومحمد بن إبراهيم قريضا يغنيانه وذكرا أنهما أخذاه عن أحمد بن أبي العلاء ولا أدري لمن هو حدثني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أبي قال سرت إلى سر من رأى بعد قدومي من الحج فدخلت إلى الواثق فقال بأي شيء أطرفتني من أحاديث الأعراب وأشعارهم فقلت يا أمير المؤمنين جلس إلي فتى من الأعراب في بعض المنازل فحادثني فرأيت منه أحلى ما رأيت من الفتيان منظرا وحديثا وأدبا فاستنشدته فأنشدني ( سقَى العَلَمَ الفَرْدَ الذي في ظِلاله ... غزالان مكحولان مؤتلِفان ) ( إذا أمِنَا التفّا بجِيدَيْ تَواصُلٍ ... وطَرْفاهما للرَّيْب مُسترِقان ) ( أرغْتُهما خَتْلاً فلم أستطعهما ... ورمياً ففاتاني وقد قتلاني ) ثم تنفس تنفسا ظننت أنه قد قطع حيازيمه فقلت مالك بأبي أنت فقال إن لي وراء هذين الجبلين شجنا وقد حيل بيني وبين المرور به ونذروا دمي وأنا أتمتع بالنظر إلى الجبلين تعللا بهما إذا قدم الحاج ثم يحال بيني وبين ذلك فقلت له زدني مما قلت في ذلك فأنشدني ( إذا ما وردتَ الماءَ في بعض أهله ... حَضُورُ فعرِّض بي كأنّك مازحُ ) ( فإنْ سألتْ عنّي حَضُورُ فقُلْ لها ... به غُبَّرٌ من دائه وهو صالح ) فأمرني الواثق فكتبت له الشعرين فلما كان بعد أيام دعاني فقال قد صنع بعض عجائز دارنا في أحد الشعرين لحنا فاسمعه فإن ارتضيته أظهرناه وإن رأيت فيه موضع إصلاح أصلحته فغني لنا من وراء الستار فكان في نهاية الجودة وكذلك كان يفعل إذا صنع شيئا فقلت له أحسن والله صانعه يا أمير المؤمنين ما شاء فقال بحياتي فقلت وحياتك وحلفت له بما وثق به وأمر لي برطل فشربته ثم أخذ العود فغناه ثلاث مرات وسقاني ثلاثة أرطال وأمر لي بثلاثين ألف درهم فلما كان بعد أيام دعاني فقال قد صنع أيضا عندنا في الشعر الآخر وأمر فغني به فكانت حالي فيه مثل الحال في الأول فلما استحسنته وحلفت له على جودته ثلاث مرات سقاني ثلاثة أرطال وأمر لي بثلاثين ألف درهم ثم قال لي هل قضيت حق هديتك فقلت نعم يا أمير المؤمنين فأطال الله بقاءك وتمم نعمتك ولا أفقدنيها منك وبك ثم قال لكنك لم تقض حق جليسك الأعرابي ولا سألتني معونته على أمره وقد سبقت مسألتك وكتبت بخبره إلى صاحب الحجاز وأمرته بإحضاره وخطبت المرأة له وحمل صداقها إلى قومها عنه من مالي فقبلت يده وقلت السبق إلى المكارم لك وأنت أولى بها من عبدك ومن سائر الناس نسبة ما في هذه الأخبار من الأغاني منها الصوتان اللذان في الأخبار المتقدمة شوت ( حتى إذا الليلُ خَبَا ضوءهُ ... وغابتِ الجَوْزاءُ والمِرْزَمُ ) ( أقبلتُ والوطءُ خَفِيٌّ كما ... ينساب من مَكْمَنة الأرقَمُ ) ذكر يحيى المكي أن اللحن لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر وذكر الهشامي أنه منحول طرب شيخ فرمى بنفسه في الفرات فأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار وإسماعيل بن يونس وغيرهما قالوا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم عن ابن كناسة قال اصطحب شيخ مع شباب في سفينة في الفرات ومعهم مغنية فلما صاروا في بعض الطريق قالوا للشيخ معنا جارية لبعضنا وهي مغنية فأحببنا أن نسمع غناءها فهبناك فإن أذنت لنا فعلنا قال أنا أصعد إلى طلل السفينة فاصنعوا أنتم ما شئتم فصعد وأخذت الجارية عودها فغنت ( حتى إذا الصبحُ بدا ضوءهُ ... وغابت الجَوْزاءُ والمِرْزَمُ ) ( أقبلتُ والوطءُ خفيٌّ كما ... ينساب من مَكْمَنه الأرقم ) فطرب الشيخ وصاح ثم رمى بنفسه بثيابه في الفرات وجعل يغوص في الفرات ويطفو ويقول أنا الأرقم أنا الأرقم فألقوا أنفسهم خلفه فبعد لأي ما استخرجوه وقالوا له يا شيخ ما حملك على ما صنعت فقال إليكم عني فإني والله أعرف من معاني الشعر ما لا تعرفون وقال إسماعيل في خبره فقلت له ما أصابك فقال دب شيء من قدمي إلى رأسي كدبيب النمل ونزل في رأسي مثله فلما وردا على قلبي لم أعقل ما عملت وأما ما في الخبر من الصنعة في قالت إذا الليل دجا فإن لحن الواثق هو المشهور وما وجدت في كتب الأغاني غيره بل سمعت محمد بن إبراهيم المعروف بقريض وذكاء وجه الرزة يغنيان فيه لحنا من الثقيل الأول المذموم فسألتهما عن صانعه فلم يعرفاه وذكرا جميعا أنهما أخذاه عن أحمد بن أبي العلاء الواثق أعلم الخلفاء بالغناء وأخبرني الصولي عن أحمد بن محمد بن إسحاق عن حماد بن إسحاق قال كان الواثق أعلم الخلفاء بالغناء وبلغت صنعته مائة صوت وكان أحذق من غنى بضرب العود قال ثم ذكرها فعد منها ( يفرَح الناسُ بالسَّماع وأبكى ... أنا حُزْناً إذا سمعتُ السَّماعا ) ( ولها في الفؤاد صَدْعٌ مُقيمٌ ... مثُل صَدْع الزُّجاج أَعْيا الصَّنَاعا ) الشعر للعباس بن الأحنف والغناء للواثق خفي ثقيل وفيه لأبي دلف خفيف رمل ومنها ( ألاَ أيُّها النفسُ التي كادها الهوى ... أفآنتِ إذا رمتُ السُلُوَّ غَريمي ) ( أَفِيقي فقد أفنيتِ صبري أو اصبري ... لِما قد لقَيتيه عليَّ ودُومي ) الشعر والغناء للواثق خفيف رمل ومنها ( سَقَى العَلَمَ الفردَ الذي في ظلاله ... غزالانِ مكحولان مؤتلِفان ) ( أرغتُهما خَتْلاً فلم أستطعْهما ... ورمياً ففاتاني وقد قتلاني ) الغناء للواثق ثقيل أول وفيه لإسحاق رمل وهو من غريب صنعته يقال إنه صنعه بالرقة ومنها ( كلَّ يومٍ قَطيعةٌ وعِتابُ ... ينقضي دهرُنا ونحن غِضابُ ) ( ليت شعري أنَا خُصِصْتُ بهذا ... دون ذا الخلقِ أم كذا الأحبابُ ) ( فاصبِر النفسَ لا تكونَنْ جَزُوعاً ... إنما الحبّ حَسْرةٌ وعذاب ) فيه للواثق رمل ولزرزور ثقيل أول ولعريب هزج ومنها ( ولم أر لَيْلَى بعد موقف ساعةٍ ... بخَيْفِ مِنىً ترمي جِمارَ المحصَّب ) ( ويُبْدِي الحَصَى منها إذا قذَفتْ به ... من البُرْد أطرافَ البَنان المُخَضَّب ) ( فأصبحتُ من ليلَى الغَدَاةَ كناظرٍ ... مع الصبح في أَعْقاب نجم مغرِّب ) ( ألاَ إنما غادرِتِ يا أمَّ مالكٍ ... صَدىً أينما تذهبْ به الريحُ يَذْهب ) الصنعة في هذا الشعر ثقيل أول وهو لحن الواثق فيما أرى ونسبه حبش وهو قليل التحصيل إلى ابن محرز في موضع وإلى سليم في موضع آخر وإلى معبد في موضع ثالث ومنها ( أمستْ وُشَاتُكِ قد دَبَّتْ عقاربُها ... وقد رَمَوْكِ بعين الغِشّ وابتَدروا ) ( تُرِيكِ أعيُنهم ما في صدورهم ... إنّ الصدور يؤدِّي غيبَها النظر ) الشعر للمجنون والغناء للواثق ثاني ثقيل وفيه لمتيم ثقيل أول وقد نسب لحن كل واحد منهما إلى الآخر ومنها ( عجبتُ لِسَعْي الدهر بيني وبينها ... فلمّا انقضى ما بيننا سكَن الدهرُ ) ( فيا هجَرَ لَيْلَى قد بلغتَ بي المَدَى ... وزدتَ على ما لم يكن بلَغ الهجر ) الغناء للواثق رمل وفيه لمعبد ثاني ثقيل بالوسطى ولابن سريج ثقيل أول بالبنصر ولعريب ثقيل أول آخر ومنها ( كأنّ شخصي وشخصه حَكَيا ... نظامَ نِسْرِينَتَيْنِ في غُصُنِ ) ( فليت لَيْلىِ وليلَه أبداً ... دام ودُمْنا به فلم نَبِن ) الشعر أظنه لعلي بن هشام أو لمراد ولحن الواثق فيه ثقيل أول وفيه لعريب ثقيل أول آخر وفيه لأبي عيسى بن الرشيد ولمتيم لحنان لم يقع إلي جنسهما ومنها ( اهابُكِ إجلالاً وما بِكِ قدرةٌ ... عليّ ولكن ملءُ عينٍ حَبيبُها ) ( وما فارقتْكِ النفسُ يا ليلُ أنها ... قَلَتْكِ ولكن قَلَّ منكِ نصيبُها ) لحن الواثق فيه ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى وفيه لغيره لحن ومنها ( في فمي ماءٌ وهل يَنطِق ... مَنْ في فيه ماءُ ) ( أنا مملوكٌ لمملوكٍ ... عليه الرُّقَباءُ ) ( كنت حُرًّا هاشميًّا ... فاسترقَّتْني الإِماءُ ) ( وسباني مَنْ له كان ... على الكُرْه السِّباءُ ) ( أَحْمَد اللهَ على ما ... ساقه نَحْوِي القضاءُ ) ( ما بعينيَّ دموعٌ ... أنفد الدمعَ البكاء ) الغناء للواثق رمل ومنها ( أيُّ عَوْنٍ على الهموم ثلاثُ ... مُتْرَعاتٌ من بعدهنَّ ثلاثُ ) ( بعدها أربعٌ تَتِمةُ عَشْرٍ ... لا بطاءٌ لكنهنَّ حِثَاثُ ) فيه رمل ينسب إلى الواثق وإلى متيم ومنها ( أيا عَبْرة العينين قد ظَمِئ الحدُّ ... فما لكما من أن تُلِمَّا به بُدُّ ) ( ويا مُقْلةً قد صار يُبْغضها الكَرَى ... كأن لم يكن من قبلُ بينهما وُدّ ) ( لئن كان طولُ العهد أحدث سَلْوةً ... فموعدُ بينِ العينِ والعَبْرة الوُجْد ) ( وما أنا إلاّ كالذين تُخُرِّموا ... على أنّ قلبي من قلوبهمُ فَرْد ) الشعر والغناء للواثق رمل وفيه لأبي حشيشة هزج ذكر ذلك الهشامي الملقب بالمسك وأخبرني جحظة أنه للمسدود وأخبرني جحظة أن من صنعة أبي حشيشة في شعر الواثق خفيف رمل وهو ( سألتُه حُوَيْجةً فأعرضا ... وعَلقِ القلبُ به وَمَرِضَا ) ( فاستَلَّ منّي سيفَ عزمٍ مُنْتضى ... فكان ما كان وكابرْنا القَضَا ) قال وفي هذا الشعر أيضا بعينه للواثق رمل ولقلم الصالحية فيه هزج وقد غلط جحظة في هذا الشعر وهو لسعيد بن حميد مشهور وله فيه خبر قد ذكرناه في موضعه أخبرني عمي عن علي بن محمد بن نصر عن جده ابن حمدون عن أبيه حمدون بن إسماعيل قال كان الواثق يحب خادما له كان أهدي إليه من مصر فغاضبه يوما وهجره فسمع الخادم يحدث صاحبا له بحديث أغضبه عليه إلى أن قال له والله إنه ليجهد منذ أمس على أن أصالحه فما أفعل فقال الواثق في ذلك ( يا ذا الذي بعذابي ظلَّ مفتخرَا ... هل أنت إلاّ مليكٌ جار إذ قَدَرَا ) ( لولا الهوى لتجازَيْنا على قَدَرٍ ... وإن أَفِقْ مَرّةً منه فسوف تَرَى ) قال وغنى الواثق وعلويه فيه لحنين ذكر الهشامي أن لحن الواثق خفيف ثقيل وفي أغاني علويه لحنه في هذا الشعر خفيف رمل حدثني الصولي قال حدثني ابن أبي العيناء عن أبيه عن إبراهيم بن الحسن ابن سهل قال كنا وقوفا على رأس الواثق في أول مجالسه التي جلسها لما ولي الخلافة فقال من ينشدنا شعرا قصيرا مليحا فحرصت على أن أعمل شيئا فلم يجئني فأنشدته لعلي بن الجهم ( لو تنصَّلتَ إلينا ... لَوَهَبْنا لكَ ذَنْبَكْ ) ( ليتني أملِك قلبي ... مثلَما تملِك قلبَكْ ) ( أيُّها الواثق بالله ... لقد ناصحتَ رَبَّكْ ) ( سيِّدي ما أبغض العيشَ ... إذا فارقتُ قُربَكْ ) ( أصبحتْ حُجَّتُك العُلْيا ... وحِزْبُ الله حِزْبَكْ ) فاستحسنها وقال لمن هذه فقلت لعبدك علي بن الجهم فقال خذ ألف دينار لك وله وصنع فيها لحنا كنا نغني به بعد ذلك أخبرني محمد بني يحيى بن أبي عباد قال حدثني أبي قال لما خرج المعتصم إلى عمورية استخلف الواثق بسر من رأى فكانت أموره كلها كأمور أبيه فوجه إلى الجلساء والمغنين أن يبكروا إليه يوما حدد لهم ووجه إلى إسحاق فحضر الجميع فقال لهم الواثق إني عزمت على الصبوح ولست أجلس على سرير حتى أختلط بكم ونكون كالشيء الواحد فاجلسوا معي حلقة وليكن كل جليس إلى جانبه مغن فجلسوا كذلك فقال الواثق أنا أبدأ فأخذ عودا فغنى وشربوا وغنى من بعده حتى انتهى إلى إسحاق فأعطي العود فلم يأخذه فقال دعوه ثم غنوا دورا آخر فلما بلغ الغناء إلى إسحاق لم يغن وفعل هذا ثلاث مرات فوثب الواثق فجلس على سريره وأمر بالناس فأدخلوا فما قال لأحد منهم اجلس ثم قال علي بإسحاق فلما رآه قال يا خوزي يا كلب أتنزل لك وأغني وترتفع عني أترى لو أني قتلتك كان المعتصم يقيدني بك أبطحوه فبطح فضرب ثلاثين مقرعة ضربا خفيفا وحلف ألا يغني سائر يومه سواه فاعتذر وتكلمت الجماعة فيه فأخذ العود وما زال يغني حتى انقضى ذلك اليوم وعاد الواثق إلى مجلسه وجدت في بعض الكتب عن ابن المعتز قال كان الواثق يهوى خادما له فقال فيه ( سأمنع قلبي من مودَّةِ غادر ... تعبَّدني خُبْثاً بمكرِ مُكاشِرِ ) ( خطبتُ إليه الوصل خِطْبةَ راغبٍ ... فَلاَحَظَنِي زَهْواً بِطَرْفِ مُهَاجِر ) قال أبو العباس عبد الله بن المعتز وللواثق في هذا الشعر لحن من الثقيل الأول أخبرني محمد بني يحيى قال حدثني الحسين بن يحيى أبو الحمار قال حدثني عبد أم غلام الواثق قال دعا بنا الواثق مع صلاة الغداة وهو يستاك فقال خذوا هذا الصوت ونحن عشرون غلاما كلنا يغني ويضرب ثم ألقى علينا ( أشكو إلى الله ما ألقَى من الكَمَدِ ... حَسْبِي بربيِّ فلا أشكو إلى أحدِ ) فما زال يردده حتى أخذنا عنه نسبة هذا الصوت ( أشكو إلى الله ما أَلْقَى من الكَمَدِ ... حَسْبِي بربيِّ فلا أشكو إلى أحد ) ( أين الزمانُ الذي قد كنت ناعمةً ... مُهِلَّةً بدُنُوِّي منك يا سَنَدي ) ( وأسألُ الله يوماً منكِ يُفْرِحُني ... فقد كَحَلْتِ جُفونَ العين بالسَّهَد ) ( شوقاً إليكِ وما تَدْرِين ما لقيتْ ... نفسي عليكِ وما بالقلب من كَمَد ) الغناء للواثق ثقيل أول بالبنصر وفيه لعريب أيضا ثقيل أول بالوسطى أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني محمد بن أحمد المكي قال حدثني أبي قال كان الواثق يعرض صنعته على إسحاق فيصلح الشيء بعد الشيء مما يخفى على الواثق فإذا صححه أخرجه إلينا وسمعناه حدثنا جحظة قال حدثني حماد بن إسحاق قال حدثني مخارق قال لما صنع الواثق لحنه في ( حَوْراءُ مَمْكورَةٌ مُنَعَّمةٌ ... كأنما شَفّ وجهَها نُزُفُ ) وصنع لحنه في سأذكر سربا طال ما كنت فيهم أمرني وعلويه وعريب أن نعارض صنعته فيهما ففعلنا واجتهدنا ثم غنيناه فضحك فقال أمنا معكم أن نجد من يبغض إلينا صنعتنا كما بغض إسحاق إلينا أيا منشر الموتى قال حماد هذا آخر لحن صنعه أبي يعني الذي عارض به لحن الواثق في أيا منشر الموتى أخبرني جحظة قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال دخلت يوما إلى الواثق وهو مصطبح فقال لي غنني يا إسحاق بحياتي عليك صوتا غريبا لم أسمعه منك حتى أسر به بقية يومي فكأن الله أنساني الغناء كله إلا هذا الصوت ( يا دارُ إن كان البِلَى قد مَحَاكْ ... فإنه يُعْجبني أن أراكْ ) ( أَبْكِي الذي قد كان لي مَأْلَفاً ... فِيكِ فأتِي الدارَ من أجل ذاكْ ) والغناء في هذا اللحن للأبجر رمل بالوسطى عن ابن المكي وهو الصواب وذكر عمرو بن بانة أنه لسليم قال فتبينت الكراهية في وجهه وندمت على ما فرط مني وتجلد فشرب رطلا كان في يده وعدلت عن الصوت إلى غيره فكان والله ذلك اليوم آخر جلوسي معه وممن حكي عنه أنه صنع في شعره وشعر غيره المنتصر فإني ذكرت ماروي عنه أنه غنى فيه على سوء العهدة في ذلك وضعف الصنعة لئلا يشذ عن الكتاب شيء قد روي وقد تداوله الناس فمما ذكر عنه أنه غنى فيه صوت ( سُقِيتُ كأساً كَشَفَتْ ... عن ناظريَّ الخُمُرَا ) ( فنَشَّطَتْنِي ولقد ... كنتُ حزينا خاثِرا ) الشعر للمنتصر وهو شعر ضعيف ركيك إلا أنه يغني فيه المنتصر متخلف في قول الشعر وحدثني الصولي عن أحمد بن يزيد المهلبي عن أبيه قال كان طبع المنتصر متخلفا في قول الشعر وكان متقدما في كل شيء غيره فكان إذا قال شعرا صنع فيه وأمر المغنين بإظهاره وكان حسن العلم بالغناء فلما ولي الخلافة قطع ذلك وأمر بستر ما تقدم منه من ذلك صنعته في شعره وهو من الثقيل الأول المذموم ( سُقِيتُ كأساً كَشَفَتْ ... عن ناظريَّ الخُمُرَا ) قال ومن شعره الذي غنى فيه ولحنه ثاني ثقيل صوت ( متى تَرْفَعُ الأيّامُ مَنْ قد وضعْنَه ... وينقادُ لي دهرٌ عليّ جَموحُ ) ( أُعَلِّل نفسي بالرجاء وإنني ... لأغدو على ما ساءني وأروحُ ) قال وكان أبي يستجيد هذين البيتين ويستحسنهما ونذكر هاهنا شيئا من أخبار المنتصر في هذا المعنى دون غيره أسوة ما فعلنا في نظرائه أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني محمد بن يحيى بن أبي عباد قال حدثني أبي قال أراد المنتصر أن يشرب في الزقاق فوافى الناس من كل وجه ليروه ويخدموه فوقف على شاطئ دجلة وأقبل على الناس فقال ( لَعَمْرِي لقد أَصْحرتْ خيلُنا ... بأكناف دِجْلَةَ لِلمَلْعَبِ ) والشعر بأكناف دجلة للمصعب ولكنه غيره لأنه تطير من ذكر المصعب ( فمَنْ يَكُ مِنّا يَبِتْ آمِناً ... وَمَنْ يَكُ من غيرنا يهرُبِ ) قال فعلم أنه يريد الخلوة بالندماء والمغنين فانصرفوا فلم يبق معه إلا من يصلح للأنس والخدمة حدثني الصولي قال حدثني أحمد بن يزيد المهلبي قال كان أبي أخص الناس بالمنتصر وكان يجالسه قبل مجالسته المتوكل فدخل المتوكل يوما على المنتصر على غفلة فسمع كلامه فاستحسنه فأخذه إليه وجعله في جلسائه وكان المنتصر يريد منه أن يلازمه كما كان فلم يقدر على ذلك لملازمته أباه فعتب عليه لتأخره عنه على ثقة بمودة وأنس به فلما أفضت إليه الخلافة استأذن عليه فحجبه وأمر بأن يعتقل في الدار فحبس أكثر يومه ثم أذن له فدخل وسلم وقبل الأرض بين يديه ثم قبل يده فأمره بالجلوس ثم التفت إلى بنان ابن عمرو وقال له غن وكان العود في يده ( غَدَرْتَ ولم أغدِر وخُنْتَ ولم أَخُنْ ... ورُمْتَ بَدِيلاً بي ولم أَتَبَدَّلِ ) قال والشعر للمنتصر فغناه بنان وعلم أبي أنه أراده بذلك فقام فقال والله ما اخترت خدمة غيرك ولا صرت إليها إلا بعد إذنك فقال صدقت إنما قلت هذا مازحا أتراني أتجاوز بك حكم الله عز و جل إذ يقول ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما ) ثم استأذنه في الإنشاد فأذن له فأنشده ( أَلاَ يا قَوْمِ قد بَرِح الخفاء ... وبان الصبرُ منَّي والعزاءُ ) ( تَعَجَّبَ صاحبي لضياع مثلي ... وليس لداء محروم دواء ) ( جفاني سَيّدٌ قد كان بَرًّا ... ولم أُذْنِبْ فما هذا الجفاء ) ( حَلَلْتُ بداره وعلمتُ أنِّي ... بدار لا يَخيبُ بها الرجاء ) ( فلمّا شاب رأسي في ذَرَاه ... حُجِبتُ بعُقْبِ ما بَعُد اللِّقاء ) ( فإن تَنْأَى سُتورُ الإِذن عنّا ... فما نأتِ المحبّةُ والثناء ) ( وإن يَكُ كادني ظلماً عَدُوٌّ ... فعند البحث يَنكشف الغِطاء ) ( ألم تر أنّ بالآفاق منّا ... جَماجِمَ حَشْوُ أقْبُرِها الوفاء ) ( وقد وَصَف الزمانَ لنا زِيادٌ ... وقال مقالةً فيها شفاء ) ( ألاَ يا رُبَّ مغمومٍ سيَحْظَى ... بدولتنا ومسرورٍ يُساء ) ( أمنتصِر الخَلائِف جُدْتَ فينا ... كما جادت على الأرض السماء ) ( وَسِعْتَ الناسَ عدلاً فاستقاموا ... بأحكامٍ عليهنّ الضياء ) ( وليس يفوتنا ما عِشْتَ خيرٌ ... كفانا أن يطول لك البقاء ) قال فقال له المنتصر والله إنك لمن ذوي ثقتي وموضع اختياري ولك عندي الزلفى فطب نفسا قال ووصلني بثلاثة آلاف دينار من شعر حسين بن الضحاك في المنتصر حدثني الصولي قال حدثني عون بن محمد الكندي قال لما ولي المنتصر الخلافة دخل عليه الحسين بن الضحاك فهنأه بالخلافة وأنشده ( تجدَّدتِ الدنيا بِمُلْكِ محمدِ ... فأَهْلاً وسَهْلاً بالزمان المجدَّدِ ) ( هي الدولة الغَرّاءُ راحتْ وبَكّرتْ ... مُشَهرةً بالرُّشْد في كل مَشْهَد ) ( لَعَمْرِي لقد شَدَّتْ عُرَا الدِّين بَيْعةٌ ... أعزَّ بها الرحمنُ كلَّ موحِّد ) ( هَنَتْكَ أميرَ المؤمنين خلافةٌ ... جَمَعْتَ بها أهواءَ أُمّة أحمد ) قال فأظهر إكرامه والسرور به وقال له إن في بقائك بهاء للملك وقد ضعفت عن الحركة فكاتبني بحاجاتك ولا تحمل على نفسك بكثرة الحركة ووصله بثلاثة آلاف دينار ليقضي بها دينا بلغة أنه عليه قال وقال الحسين بن الضحاك فيه وقد ركب الظهور وراء الناس وهو آخر شعر قاله ( أَلاَ ليتَ شعري أَبَدْرٌ بَدَا ... نهاراً أم المَلِكُ المنتصرْ ) ( إمامٌ تَضَمَّنُ أثوابُه ... على سَرْجه قمراً من بشرْ ) ( حَمى اللهُ دولةَ سلطانِه ... بجُنْدِ القضاء وجُنْد القَدَر ) ( فلا زال ما بَقِيتْ مدّةٌ ... يروح بها الدهرُ أو يَبْتَكِرْ ) قال وغنى فيه بنان وعريب حدثني الصولي قال حدثني أحمد بن يزيد المهلبي قال أول قصيدة أنشدها أبي في المنتصر بعد أن ولي الخلافة ( لَيَهْنِكَ مُلْكٌ بالسعادة طائرُهْ ... مَوَارِدُه محمودةٌ وَمَصَادِرُهْ ) ( فأنت الذي كنّا نُرَجِّي فلم نَخِبْ ... كَما يُرتَجَى من واقع الغيث باكره ) ( بمنتصرٍ بالله تَمّتْ أمورُنا ... وَمَنْ ينتصرْ بالله فاللهُ ناصره ) فأمر المنتصر عريب أن تغني نشيدا في أول الأبيات وتجعل البسيط في البيت الأخير فعملته وغنته به حدثني الصولي قال حدثني أحمد بن يزيد قال صلى المنتصر بالناس في الأضحى سنة سبع وأربعين ومائتين فأنشده أبي لما انصرف ( ما استشرف الناسُ عيداً مثلَ عِيدِهم ... مع الإِمامِ الذي بالله ينتصرُ ) ( غَدَا بِجَمْعٍ كجُنْحِ الليل يقدمُه ... وجهٌ أغرُّ كما يجلو الدُّجَى القمرُ ) ( يَؤُمُّهم صادعٌ بالحق أَحْكَمه ... حزمٌ وعلمٌ بما يأتي وما يَذَرُ ) ( لو خُيِّر الناسُ فاختاروا لأنفسهم ... أحظَّ منك لِما نالوه ما قدَروا ) قال فأمر له بألف دينار وتقدم إلى ابن المكي أن يغني في الأبيات حدثني الصولي قال حدثني الحسين بن يحيى قال حدثني بنان بن عمرو المغني قال غنيت يوما بين يدي المنتصر ( هل تَطْمِسون من السماء نجوَمتها ... بأكُفِّكم أو تستُرون هِلالَها ) فقال لي إياك وأن تغني بحضرتي هذا الصوت وأشباهه فما أحب أن أغنى إلا في أشعار آل أبي حفصة خاصة وممن هذه سبيله في صنعة الغناء المعتز بالله فإني لم أجد له منها شيئا إلا ما ذكره الصولي في أخباره فأتيت بما حكاه للعلة التي قدمتها من أني كرهت أن يخل الكتاب بشيء قد دونه الناس وتعارفوه فمما ذكر أنه غنى فيه صوت ( لَعَمْرِي لقد أَصْحرتْ خيلُنا ... بأكناف دجْلَةَ للمُصْعَبِ ) ( فمَنْ يَكُ مِنّا يَبِتْ آمناً ... ومن يَكُ من غيرنا يَهرُبِ ) الشعر لعدي بن الرقاع والغناء للمعتز خفيف رمل وهذه الأبيات من قصيدة لعدي يقولها في الوقعة التي كانت بين عبد الملك بن مروان والمصعب ابن الزبير بطسوج مسكن فقتل فيها مصعب بقرية من مسكن يقال لها دير الجاثليق وذكرته الشعراء في هذه الأبيات ( لَعَمْرِي لقد أَصْحرتْ خيلُنا ... بأكناف دِجْلَةَ للمُصْعَبِ ) ( يهزُّون كلَّ طويل القناةِ ... لَدْنٍ ومعتدلِ الثَّعْلَبِ ) ( فِداؤك أُمِّي وأبناؤُها ... وإن شئتَ زدتُ عليها أبي ) ( وما قلتُها رهبةً إنما ... يَحُلّ العقابُ على المذْنِب ) ( إذا شئتُ نازلتُ مُسْتقتِلاً ... أُزاحِمُ كالجمل الأجربِ ) ( فمن يَكُ منّا يَبِتْ آمِناً ... ومن يَكُ من غيرنا يهرُبِ ) أخبار عدي بن الرقاع ونسبه هو عدي بن زيد بن مالك بن عدي بن الرقاع بن عصر بن عك بن شعل بن معاوية بن الحارث وهو عاملة بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد وأم معاوية بن الحارث عاملة بنت وديعة من قضاعة وبها سموا عاملة ونسبه الناس إلى الرقاع وهو جد جده لشهرته أخبرني بذلك أبو خليفة عن محمد بن سلام طبقته بين الشعراء وكان شاعرا مقدما عند بني أمية مداحا لهم خاصا بالوليد بن عبد الملك وله بنت شاعرة يقال لها سلمى ذكر ذلك ابن النطاح وجعله محمد بن سلام في الطبقة الثالثة من شعراء الإسلام وكان منزله بدمشق وهو من حاضرة الشعراء لا من باديتهم وقد تعرض لجرير وناقضه في مجلس الوليد بن عبد الملك ثم لم تتم بينهما مهاجاة إلا أن جريرا قد هجاه تعريضا في قصيدته ( حَيِّ الهِدَمْلَةَ من ذات الموَاعِيسِ ... ) ولم يصرح لأن الوليد حلف إن هو هجاه أسرجه وألجمه وحمله على ظهره فلم يصرح بهجائه أخبرني أبو خليفة إجازة قال حدثنا محمد بن سلام قال أخبرني أبو الغراف قال دخل جرير على الوليد بن عبد الملك وهو خليفة وعنده عدي بن الرقاع العاملي فقال الوليد لجرير أتعرف هذا قال لا يا أمير المؤمنين فقال الوليد هذا عدي بن الرقاع فقال جرير فشر الثياب الرقاع قال ممن هو قال العاملي فقال جرير هي التي يقول فيها الله عز و جل ( عاملة ناصبة تصلى نارا حامية ) ثم قال ( يُقَصِّر باعُ العامليِّ عن النَّدَى ... ولكنَّ أَيْرَ العماملِّي طويلُ ) فقال له عدي بن الرقاع ( أَأُمُّكَ كانت أخبرتْك بطُوله ... أَمَ أنت امرؤٌ لم تَدْرِ كيف تقول ) فقال لا بل أدري كيف أقول فوثب العاملي إلى رجل الوليد فقبلها وقال أجرني منه فقال الوليد لجرير لئن شتمته لأسرجنك ولألجمنك حتى يركبك فيعيرك الشعراء بذلك فكنى جرير عن اسمه فقال ( إني إذا الشاعر المغرورُ حرّبني ... جارٌ لقبرٍ على مَرَّانَ مَرْمُوس ) ( قد كان أشْوَسَ آباءٍ فورَّثنا ... شَغْباً على الناس في أبنائه الشَّوس ) ( أَقْصِرْ فإنّ نِزاراً لن يفاضلَها ... فرعٌ لئيمٌ وأصلٌ غيرُ مغروس ) ( وابن اللَّبُون إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ ... لم يَستطِعْ صَوْلةَ البُزْلِ القَنَاعِيس ) أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال قال أبو عبيدة دخل جرير على الوليد بن عبد الملك وعنده عدي بن الرقاع العاملي فقال له الوليد أتعرف هذا قال لا فمن هو قال هذا ابن الرقاع قال فشر الثياب الرقاع فممن هو قال من عاملة قال أمن التي قال الله تعالى فيها ( عاملة ناصبة تصلى نارا حامية ) فقال الوليد والله ليركبنك لشاعرنا ومادحنا والراثي لأمواتنا تقول هذه المقالة يا غلام علي بإكاف ولجام فقام إليه عمر بن الوليد فسأله أن يعفيه فأعفاه فقال والله لئن هجوته لأفعلن ولأفعلن فلم يصرح بهجائه وعرض فقال قصيدته التي أوليها ( حَيِّ الهِدَمْلَةَ من ذاتِ الموَاعِيسِ ... ) وقال فيها يعرض به ( قد جَرَّبَتْ عَرْكَتِي في كلِّ مُعْتَرَكٍ ... غُلْبُ الأُسودِ فما بالُ الضَّغَابِيسِ ) أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش السعدي قال ذكر كثير وعدي بن الرقاع العاملي في مجلس بعض خلفاء بني أمية فامتروا فيهما أيهما أشعر وفي المجلس جرير فقال جرير لقد قال كثير بيتا هو أشهر وأعرف في الناس من عدي بن الرقاع نفسه ثم أنشد قول كثير ( أأن زُمَّ أجمالٌ وفارق جِيرةٌ ... وصاح غرابُ البين أنت حزينُ ) قال فحلف الخليفة لئن كان عدي بن الرقاع أعرف في الناس من بيت كثير ليسرجن جريرا وليلجمنه وليركبن عدي بن الرقاع على ظهره فكتب إلى واليه بالمدينة إذا فرغت من خطبتك فسل الناس من الذي يقول ( أأن زُمَّ أجمالٌ وفارق جِيرةٌ ... وصاح غرابُ البين أنت حزينُ ) وعن نسب ابن الرقاع فلما فرغ الوالي من خطبته قال إن أمير المؤمنين كتب إلي أن أسألكم من الذي يقول ( أأن زُمَّ أجمالٌ وفارق جِيرةٌ ... ) قال فابتدروا من كل وجه يقولون كثير كثير ثم قال وأمرني أن أسأل عن نسب ابن الرقاع فقالوا لا ندري حتى قام أعرابي من مؤخر المسجد فقال هو من عاملة أخبرني يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه قال قال لي محمد بن المنجم ما أحد ذكر لي فأحببت أن أراه فإذا رأيته أمرت بصفعه إلا عدي بن الرقاع قلت ولم ذلك قال لقوله ( وعلمتُ حتى ما أُسائل عالماً ... عن علم واحدةٍ لكي أزدَادَها ) فكنت أعرض عليه أصناف العلوم فكلما مر به شيء لا يحسنه أمرت بصفعه حدثني إبراهيم بن محمد بن أيوب قال حدثنا عبد الله بن مسلم قال كان عدي بن الرقاع ينزل بالشام وكانت له بنت تقول الشعر فأتاه ناس من الشعراء ليماتنوه وكان غائبا فسمعت بنته وهي صغيرة لم تبلغ دور وعيدهم فخرجت إليهم وأنشأت تقول ( تجمّعتُمُ من كل أوْبٍ وبَلْدةٍ ... على واحدٍ لا زلتُم قِرْنَ واحِدِ ) فأفحمتهم عدي بن الرقاع شاعر المطية وقال عبد الله بن مسلم وما ينفرد به ويقدم فيه وصف المطية فإنه كان من أوصف الشعراء لها حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا محمد بن عباد بن موسى قال كنت عند أبي عمرو أعرض أو يعرض عليه رجل بحضرتي من شعر عدي ابن الرقاع وقرأت أو قرأ هذه الأبيات ( لولا الحياءُ وأنّ رأسيَ قد عَسَا ... فيه المشِيبُ لزُرْتُ أمَّ القاسمِ ) ( وكأنها وَسْطَ النساء أعارَها ... عينيه أَحْورُ من جآذِرِ جاسِم ) ( وَسْنانُ أَقْصدَه النُّعاسُ فَرَنَّقتْ ... في عِينه سِنَةٌ وليس بنائم ) فقال أبو عمرو أحسن والله فقال رجل كان يحضر مجلسه أعرابي كأنه مدني أما والله لو رأيته مشبوحا بين أربعة وقضبان الدفلى تأخذه لكنت أشد له استحسانا يعني إذا كان يغنى به على العود أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عبد الله بن أبي سعد عن علي بن المغيرة قال كان أبو عبيدة يستحسن بيت عدي بن الرقاع ( وَسْنانُ أَقْصدَه النُّعاسُ فَرَنَّقتْ ... في عِينه سِنَةٌ وليس بنائم ) جدا ويقول ما قال أحد في مثل هذا المعنى أحسن منه في هذا الشعر وفي هذا الشعر غناء نسبته صوت ( لولا الحياءُ وأنّ رأسيَ قد عَسَا ... فيه المشِيبُ لزُرْتُ أمَّ القاسِم ) ( وكأنّها وَسْطَ النساء أعارَها ... عينيه أَحْورُ من جآذِرِ جاسِم ) ( وَسْنانُ أَقْصدَه النُّعاسُ فَرَنَّقتْ ... في عِينه سِنَةٌ وليس بنائم ) ( أَلْمِمْ على طَلَلٍ عَفَا مُتَقادِمِ ... بين الذُّؤَيْبِ وبين غَيْب النَّاعِم ) عروضه من الكامل الجآذر جمع جؤذر وهي أولاد البقر الوحشية وجاسم موضع ويروى في هذا الشعر عاسم مكان جاسم والوسنان النائم والوسن النوم الواحدة منه سنة والترنيق الدنو من الشيء يريد أن يفعله يقال رنقت العقاب لصيدها إذا دنت منه وترنيقها أيضا أن تقصر عن الخفقان بجناحيها ويقال طير مرنقة إذا جاءت تطير ثم أرادت الوقوع ومدت أجنحتها فلم تخفق وترجحت ويقال للقوم إذا قصروا في سيرهم وللسابح إذا قصر في الخفق بيديه ورجليه قد رنقوا ترنيقا الشعر لعدي بن الرقاع والغناء لابن مسجح خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه ثقيل أول بالبنصر ينسب إليه أيضا وذكر الهشامي أنه من منحول يحيى بن المكي إليه أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني محمد بن عبد الله المعروف بالحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو قال كنت عند أبي ورجل يقرأ عليه شعر عدي بن الرقاع فلما قرأ عليه القصيدة التي يقول فيها ( لولا الحياءُ وأنّ رأسيَ قد عَسَا ... فيه المشيبُ لزرتُ أمَّ القاسم ) قال أبي أحسن والله عدي بن الرقاع قال وعنده شيخ مدني جالس فقال الشيخ والله لئن كان عدي أحسن لما أساء أبو عباد قال أبي ومن هو أبو عباد قال معبد والله لو سمعت لحنه في هذا الشعر لكان طربك أشد واستحسانك له أكثر فجعل أبي يضحك أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن جرير عن محمد بن سلام قال عزل الوليد بن عبد الملك عبيدة بن عبد الرحمن عن الأردن وضربه وحلقه وأقامه للناس وقال للمتوكلين به من أتاه متوجعا وأثنى عليه فأتوني به فأتى عدي بن الرقاع وكان عبيدة إليه محسنا فوقف عليه وأنشأ يقول ( فما عزَلوك مسبوقاً ولكن ... إلى الخيرات سَبَّاقاً جَوَادَا ) ( وكنتَ أخي وما ولدتْك أُمِّي ... وَصْولاً باذلاً لي مسترادا ) ( وقد هِيضتْ لِنَكْبتك القُدَامَى ... كذاك الله يفعل ما أراد ) فوثب المتوكلون به إليه فأدخلوه إلى الوليد وأخبروه بما جرى فتغيظ عليه الوليد وقال له أتمدح رجلا قد فعلت به ما فعلت فقال يا أمير المؤمنين إنه كان إلي محسنا ولي مؤثرا وبي برا ففي أي وقت كنت أكافئه بعد هذا اليوم فقال صدقت وكرمت فقد عفوت عنك وعنه لك فخذه وانصرف فانصرف به إلى منزله رأي جرير فيه أخبرني محمد بن القاسم الأنباري قال حدثني أحمد بن يحيى ثعلب قال قال نوح بن جرير لأبيه يا أبت من أنسب الشعراء قال له أتعني ما قلت قال إني لست أريد من شعرك إنما أريد من شعر غيرك قال ابن الرقاع في قوله ( لولا الحياء وأنّ رأسيَ قد عَسَا ... فيه المَشِيب لزُرْتُ أُمَّ القاسم ) الثلاثة الأبيات ثم قال لي ما كان يبالي أن لم يقل بعدها شيئا أخبرني الحسن بن علي عن هارون بن محمد بن عبد الملك عن أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني قال قال جرير سمعت عدي بن الرقاع ينشد ( تُزْجِي أَغَنَّ كأنّ إبرةَ رَوْقِه ... ) فرحمته من هذا التشبيه فقلت بأي شيء يشبهه ترى فلما قال ( قلمٌ أصاب من الدَّواةِ مِدادَها ... ) رحمت نفسي منه أخبرني اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله عن ابن حبيب عن أبي عبيدة قال مال روح بن زنباع الجذامي إلى يزيد بن معاوية لما فصل بين الخطبتين فقال يا أمير المؤمنين ألحقنا بإخوتنا من معد فإنا معديون والله ما نحن من قصب الشأم و من زعاف اليمن فقال يزيد إن أجمع قومك على ذلك جعلناك حيث شئت فبلغ ذلك عدي بن الرقاع فقال ( إنَّا رَضِينا وإن غابت جماعتُنا ... ما قال سيِّدُنا رَوْح بن زِنْباع ) ( يرعَى ثمانين ألفاً كان مثلُهُمُ ... مّما يُخالفِ أحياناً على الرّاعي ) قال فبلغ ناتل بن قيس الجذامي فجاء يركض فرسه حتى دخل المقصورة في الجمعة الثانية فلما قام يزيد على المنبر وثب فقال أين الغادر الكاذب روح بن زنباع فأشاروا إلى مجلسه فأقبل عليه وعلى يزيد ثم قال يا أمير المؤمنين قد بلغني ما قال لك هذا وما نعرف شيئا منه ولا نقر به ولكنا قوم من قحطان يسعنا ما يسعهم ويعجز عنا ما يعجز عنهم فأمسك روح ورجع عن رأيه فقال عدي بن الرقاع في ذلك ( أضلالُ ليلٍ ساقطٍ أكنافُه ... في الناس أعْذَرُ أم ضلالُ نهارِ ) ( قَحْطانُ والدُنا الذي نُدْعَى له ... وأبو خُزَيْمةَ خِنْدِفُ بن نِزار ) ( أنبيع والدَنا الذي نُدْعَى له ... بأبي مَعَاشِرَ غائبٍ مُتوارِي ) ( تلك التجارةُ لا زَكَاءَ لمثلها ... ذهبٌ يباع بآنُكٍ وإبار ) فقال له يزيد غيرت يابن الرقاع قال إن ناتلا والله علي أعزهما سخطا وأنصحهما لي ولعشيرتي قال أبو عبيدة الإبار جمع إبرة عدي بن الرقاع وابن سريج في حضرة الوليد أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن جده إبراهيم أن الأحوص وابن سريج قدما المدينة فنزلا في بعض الخانات ليصلحا من شأنهما وقد قدم عدي بن الرقاع وكانت هذه حاله فنزل عليهما فلماكان في بعض الليل أفاضوا في الأحاديث فقال عدي بن الرقاع لابن سريج والله لخروجنا كان إلى أمير المؤمنين أجدى علينا من المقام معك يا مولى بن نوفل قال وكيف ذلك قال لأنك توشك أن تلهينا فتشغلنا عما قصدنا له فقال له ابن سريج أو قلة شكر أيضا فغضب عدي وقال إنك لتمن علينا أن نزلنا عليك وإني أعاهد الله ألا يظلني وإياك سقف إلا أن يكون بحضرة أمير المؤمنين وخرج من عندهما وقدم الوليد من باديته فأذن لهما فدخلا وبلغه خبر ابن الرقاع وماجرى بينه وبين ابن سريج فأمر بابن سريج فأخفي في بيت ودعا بعدي فأدخله فأنشده قصيدة امتدحه بها فلما فرغ أومأ إلى بعض الخدم فأمر ابن سريج فغنى في شعر عدي بن الرقاع يمدح الوليد ( عَرَف الديارَ تَوَهُّماً فاعتادها ... من بعدِ ما شَمِل البِلَى أبلادَها ) فطرب عدي وقال لا والله ما سمعت يا أمير المؤمنين بمثل هذا قط ولا ظننت أن يكون مثله طيبا وحسنا ولولا أنه في مجلس أمير المؤمنين لقلت طائف من الجن أيأذن لي أمير المؤمنين أن أقول قال قل قال مثل هذا عند أمير المؤمنين وهو يبعث إلى ابن سريج يتخطى به قبائل العرب فيقال ابن سريج المغني مولى بني نوفل بعث أمير المؤمنين إليه فضحك ثم قال للخادم أخرجه فخرج فلما رآه عدي أطرق خجلا ثم قال المعذرة إلى الله وإليك يا أخي فما ظننت أنك بهذه المنزلة وإنك لحقيق أن تحتمل على كل هفوة وخطيئة فأمر لهم الوليد بمال سوى بينهم فيه ونادمهم يومئذ إلى الليل نسبة هذا الصوت المذكور في هذا الخبر وسائر ما مضى في أخبار عدي قبله من الأشعار التي فيها غناء صوت ( عَرَف الديارَ تَوَهُّماً فاعتادها ... من بعدِ ما شَمِل البِلَى أبلادَها ) ( إلاّ رَوَاكِدَ كلُّهن قد اصطَلى ... حمراءَ أَشْعل أهلُها إيقادَها ) عروضه من الكامل الشعر لعدي بن الرقاع والغناء لابن محرز خفيف ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثني أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدثني العمري عن الهيثم بن عدي قال أنشد عدي بن الرقاع الوليد بن عبد الملك قصيدته التي أولها ( عرَف الديارَ تَوَهُّماً فاعتادها ... ) وعنده كثير وقد كان يبلغه عن عدي أنه يطعن على شعره ويقول هذا شعر حجازي مقرور إذا أصابه قر الشأم جمد وهلك فأنشده إياها حتى أتى على قوله ( وقصيدةٍ قد بِتُّ أجمع بينها ... حتى أقوِّمَ مَيْلَها وسِنَادَها ) فقال له كثير لو كنت مطبوعا أو فصيحا أو عالما لم تأت فيها بميل ولا سناد فتحتاج إلى أن تقومها ثم أنشد ( نَظَرَ المثقِّف في كُعوب قَنَاته ... حتى يُقِيمَ ثِقافُهُ مُنْآدَها ) فقال له كثير لا جرم أن الأيام إذا تطاولت عليها عادت عوجاء ولأن تكون مستقيمة لا تحتاج إلى ثقاف أجود لها ثم أنشد ( وعلمتُ حتى ما أُسائل واحداً ... عن علم واحدةٍ لكي أزدادَها ) فقال كثير كذبت ورب البيت الحرام فليمتحنك أمير المؤمنين بأن يسألك عن صغار الأمور دون كبارها حتى يتبين جهلك وما كنت قط أحمق منك الآن حيث تظن هذا بنفسك فضحك الوليد ومن حضر وقطع بعدي بن الرقاع حتى ما نطق أخبار المعتز في الأغاني ومع المغنين وما جرى هذا المجرى حدثني محمد بني يحيى الصولي قال حدثني علي بن محمد بن نصر قال حدثني جدي حمدون بن إسماعيل قال اصطبح المعتز في يوم ثلاثاء ونحن بين يديه ثم وثب فدخل واعترضته جارية كان يحبها ولم يكن ذلك اليوم من أيامها فقبلها وخرج فحدثني بما كان وأنشدني لنفسه في ذلك صوت ( إني قَمَرْتُكَ يا سؤلي ويا أَمَليِ ... أمراً مُطاعاً بلا مَطْلٍ ولا عِلَلِ ) ( حتّى متى يا حبيبَ النفس تَمطُلني ... وقد قمرتك مَرّاتٍ فلم تَفِ لي ) ( يومُ الثلاثاء يومٌ سوف أشكره ... إذ زارني فيه مَنْ أهوى على عَجَلِ ) ( فلم أَنَلْ منه شيئاً غَيرَ قُبْلته ... وكان ذلك عندي أعظمَ النَّفَلِ ) قال وعمل فيه لحن خفيف وشربنا عليه سائر يومنا الغناء في هذه الأبيات لعريب رمل عن الهشامي ولأبي العبيس في الثالث والرابع هزج أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني أحمد بن يزيد المهلبي قال حدثني أبي قال كان المعتز يشرب على بستان مملوء من النمام وبين النمام شقائق النعمان فدخل إليه يونس بن بغا وعليه قباء أخضر فقال المعتز صوت ( شبّهْتُ حُمرةَ خدّه في ثوبه ... بشقائق النُّعمان في النَّمّامِ ) ثم قال أجيزوا فابتدر بنان المغني وكان ربما عبث بالبيت بعد البيت فقال ( والقَدُّ منه إذا بدا في قَرْطَقٍ ... كالغصن في لِينٍ وحسن قَوامِ ) فقال له المعتز فغن فيه الآن فعمل فيه لحنا لحن بنان في هذين البيتين من خفيف الثقيل الثاني وهو الماخوري أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن يحيى بن أبي عباد قال حدثني عمر بن محمد بن عبد الملك قال شرب المعتز ويونس بن بغا بين يديه يسقيه والجلساء والمغنون بين يديه وقد أعد الخلع والجوائز إذ دخل بغا فقال يا أمير المؤمنين والدة عبدك يونس في الموت وهي تحب أن تراه فأذن له فخرج وفتر المعتز ونعس بعده وقام الجلساء وتفرق المغنون إلى أن صليت المغرب وعاد المعتز إلى مجلسه ودخل يونس وبين يديه الشموع فلما رآه المعتز دعا برطل فشربه وسقى يونس رطلا وغناه المغنون وعاد المجلس أحسن ما كان فقال المعتز صوت ( تَغِيبُ فلا أَفْرَحُ ... فليْتَك ما تَبْرَحُ ) ( وإنْ جِئتَ عَذَّبتَني ... بأَنّك لا تَسْمح ) ( فأصحبتُ ما بين ذَيْنِ ... لي كبد تُجْرَحُ ) ( على ذاك يا سيِّدي ... دُنُوُّك لي أصلَحُ ) ثم قال غنوا فيه فجعلوا يفكرون فقال المعتز لسليمان بن القصار الطنبوري ويلك ألحان الطنبور أملح وأخف فغن فيه أنت فغنى فيه لحنا فدفع إليه دنانير الخريطة وهي مائة دينار مكية ومائتان مكتوب على كل دينار منها ضرب هذا الدينار بالجوسق بخريطة أمير المؤمنين المعتز بالله ثم دعا بالخلع والجوائز لسائر الناس فكان ذبلك المجلس من أحسن المجالس لحن سليمان بن القصار في هذه الأبيات رمل مطلق حدثني الصولي قال حدثني محمد بن عبد السميع الهاشمي قال حدثني أبي قال لما قتل بغا دخلنا فهنأنا المعتز بالظفر فاصطبح ومعه يونس بن بغا وما رأينا قط وجهين اجتمعا أحسن من وجهيهما فما مضت ثلاث ساعات حتى سكر ثم خرج علينا المعتز فقال ( ما إنْ تَرَى مَنْظَراً إن شئتَه حسناً ... إلاّ صَريعاً يُهَادَى بين سُكْرَينِ ) ( سُكْرِ الشراب وسكرٍ من هَوَى رَشَأٍ ... تخاله والذي يَهْواهُ عُصْنَين ) ثم أمر فتغنى فيه بعض المغنين حدثني الصولي قال حدثني أحمد بن محمد بن إسحاق الخراساني قال حدثني الفضل بن العباس بن المأمون قال كنت مع المعتز في الصيد فانقطع عن الموكب وأنا ويونس بن بغا معه ونحن بقرب قنطرة وصيف وكان هناك دير فيه ديراني يعرفني وأعرفه نظيف ظريف مليح الأدب واللفظ فشكا المعتز العطش فقلت يا أمير المؤمنين في هذا الدير ديراني أعرفه خفيف الروح لا يخلو من ماء بارد أفترى أن نميل إليه قال نعم فجئناه فأخرج لنا ماء باردا وسألني عن المعتز ويونس فقلت فتيان من أبناء الجند فقال بل مفلتان من حور الجنة فقلت له هذا ليس في دينك فقال هو الآن في ديني فضحك المعتز فقال لي الديراني أتأكلون شيئا قلت نعم فأخرج شطيرات وخبزا وإداما نظيفا فأكلنا أطيب أكل وجاءنا بأطراف أشنان فاستظرفه المعتز وقال لي قل له فيما بينك وبينه من تحب أن يكون معك من هذين لا يفارقك فقلت له فقال كلاهما وتمرا فضحك المعتز حتى مال على حائط الدير فقلت للديراني لا بد من أن تختار فقال الاختيار والله في هذا دمار وماخلق الله عقلا يميز بين هذين ولحقهما الموكب فارتاع الديراني فقال له المعتز بحياتي لا تنقطع عما كنا فيه فإني لمن ثم مولى ولمن هاهنا صديق فمزحنا ساعة ثم أمر له بخمسمائة ألف درهم فقال والله ما أقبلها إلا على شرط قال وما هو قال يجيب أمير المؤمنين دعوتي مع من أراد قال ذلك لك فأتعدنا ليوم جئناه فيه فلم يبق غاية وأقام للموكب كله ما احتاج إليه وجاءنا بأولاد النصارى يخدموننا ووصله المعتز يومئذ صلة سنية ولم يزل يعتاده ويقيم عنده ولي الخلافة وهو صغير حدثني الصولي قال حدثنا عبد الله بن المعتز قال بويع للمعتز بالخلافة وله سبع عشرة سنة كاملة وأشهر فلما انقضت البيعة قال ( تَوَحَّدكَ الرحمنُ بالعز والعُلاَ ... فأنت على كل الأنام أميرُ ) هكذا ذكر الصولي في قافية الشعر ووجدته في أغاني بنان مرفوع القافية وله فيه صنعة ولعل المعتز قال البيت فأضاف بنان إليه آخر وجعل المخاطبة عن نفسه للمعتز فقال صوت ( تَوَحَّدنِي الرحمنُ بالعِزِّ والعُلاَ ... فأصبحتُ فوق العالمين أميرَا ) ( تُقاتِلُ عنك التُّرْكُ والخُزْرُ كلُّها ... كأنّهُم أُسْدٌ لهنّ زَئيرُ ) الغناء لبنان لحنان خفيف ثقيل وخفيف رمل ومما قاله المعتز وغنى فيه قوله ذكر الصولي أن عبد الله بن المعتز أنشده إياه لأبيه صوت ( ألاَ حيِّ الحبيبَ فَدَتْه نفسي ... بكأسٍ من مُدامة خَانِقِينَا ) ( فإنيّ قد بَقِيتُ مع الليالي ... أُقاسي الهَمَّ في يده سِنينا ) الغناء فيه لعريب خفيف رمل ولبنان هزج وممن ذكر أن له صنعة من الخلفاء المعتمد قال محمد بن يحيى الصولي ذكر عبد الله بن المعتز عن القاسم بن زرزور أن المعتمد ألقى عليه لحنا صنعه في هذا الشعر وهو ( ليس الشَّفِيعُ الذي يأتيكَ مُؤْتزِرا ... مثلَ الشَّفِيع الذي يأتيكَ عُرْيانَا ) الشعر للفرزدق والغناء للمعتمد ولحنه فيه خفيف ثقيل هذه حكاية الصولي وفي غناء عريب لها في هذا البيت خفيف ثقيل ولا أعلم لمن هو منهما على صحة إلا أن المشهور في أيدي الناس أنه لعريب ولم اسمع للمعتمد غناء إلا من هذه الجهة التي ذكرتها ذكر أخبار الفرزدق في هذا الشعر خاصة دون غيره لأن أخباره كثيرة جدا فكرهت أن أثبتها هاهنا في غناء مشكوك فيه فذكرت نسبه وخبره في هذا الشعر خاصة وأخباره تأتي بعد هذا في موضع مفرد يتسع لطول أحاديثه الفرزدق لقب غلب عليه واسمه همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة ابن مالك بن زيد مناة بن تميم وهو وجرير والأخطل أشعر طبقات الإسلاميين والمقدم في الطبقة الأولى منهم وأخباره تذكر مفردة في موضع آخر يتسع لها ونذكر هاهنا خبره في هذا المعنى فأخبرني خبره في ذلك جماعة فممن أخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة وأخبرني به أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلام وأخبرني به محمد بن العباس اليزيدي عن السكري عن محمد بن حبيب عن أبي عبيدة وابن الأعرابي قال عمر بن شبة خاصة في خبره حدثني محمد بن يحيى قال حدثني أبي أن عبد الله بن الزبير تزوج تماضر بنت منظور بن زبان وأمها مليكة بنت خارجة بن سنان بن أبي حارثة فخاصم الفرزدق امرأته النوار إلى ابن الزبير هكذا ذكر محمد بن يحيى ولم يذكر السبب في الخصومة وذكرها عمر بن شبة ولم يروها عن أحد وذكرها ابن حبيب عن أصحابه وذكرها أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة أن رجلا من بني أمية خطب النوار بنت أعين المجاشعية فرضيته وجعلت أمرها إلى الفرزدق فقال لها أشهدي لي بذلك على نفسك شهودا ففعلت واجتمع الناس لذلك فتكلم الفرزدق ثم قال اشهدوا أني قد تزوجتها وأصدقتها كذا وكذا فأنا ابن عمها وأحق بها فبلغ ذلك النوار فأبته واستترت من الفرزدق وجزعت ولجأت إلى بني قيس بن عاصم المنقري فقال فيها ( بَني عاصمٍ لا تُلْجِئوها فإنكم ... مَلاجيءُ للسَّوْءات دُسْمُ العمائِم ) ( بني عاصمٍ لو كان حيًّا أبوكُم ... لَلاَمَ بَنِيه اليومَ قيسُ بن عاصم ) فقالوا والله لئن زدت على هذين البيتين لنقتلنك غيلة فنافرته إلى عبد الله بن الزبير وأرادت الخروج إليه فتحامى الناس كراءها ثم إن رجلا من بني عدي يقال له زهير بن ثعلبة وقوما يعرفون ببني أم النسير أكروها فقال الفرزدق ( ولولا أن تقول بنو عَدِيٍّ ... أليستْ أُمْ حَنْظَلةَ النّوارُ ) ( أتتكم يا بني مِلْكانَ عنِّي ... قوافٍ لا تُقَسِّمها التِّجَارُ ) يعني بالنوار هاهنا بنت جل بن عدي بن عبد مناة وهي أم حنظلة بن مالك بن زيد مناة وهي إحدى جداته وقال فيها أيضا ( سَرَى بالنَّوَار عَوْهُجِيٌّ يَسُوقه ... عُبَيْدٌ قَصِيُر الشِّبْرِ نائي الأقاربِ ) ( تؤمُّ بلادَ الأمن دائبةَ السُّرَى ... إلى خير والٍ من لُؤَيِّ بن غالب ) ( فدونكَ عِرْسِي تبتغي نَقْضَ عُقْدتي ... وإبطالَ حقِّي باليمين الكواذب ) وقال أيضا ( ولولا أنّ أمِّي من عَدِيٍّ ... وأني كارِهٌ سُخْطَ الرِّباب ) ( إذاً لأتَى الدواهِي من قَريبٍ ... جزاءً غيرَ مُنْصَرِف العِقاب ) ( وصُلْتُ على بني مِلْكانَ منِّي ... بجيش غير مُنْتَظَر الإِياب ) وقال لزهير أيضا ( لبئس العِبْءُ يحمله زُهَيرٌ ... على أعجاز صِرْمته نَوارُ ) ( لقد أَهْدتْ وليدتُنا إليكم ... عوائرَ لا تقسِّمها التِّجَار ) وقال لبني أم النسير ( لَعمْرِي لقد أَرْدَى النَّوارَ وساقها ... إلى الغَوْر أحلامٌ خِفافٌ عقولُها ) ( أطاعت بنِي أُمِّ النُّسَير فأصبحتْ ... على قَتَبٍ يعلو الفَلاة دليلُها ) ( وقد سَخِطتْ مِنِّي النَّوَارُ الذي ارتضَى ... به قبلها الأزواجُ خبابَ رَحِيلُها ) ( وإن امرأً أمسى تحبَّبَ زوجتي ... كماش إلى أُسْدِ الشَّرَى يَسْتبيلها ) ( ومن دوِن أبوالِ الأسود بَسالةٌ ... وبَسْطةُ أيدٍ يمنَع الضَّيمَ طُولُها ) ( وإنّ أمير المؤمنين لعالمٌ ... بتأويل ما أَوْصَى العبادَ رسولها ) ( فدونكها يابن الزُّبَير فإنها ... مولَّعةٌ يُوهي الحجارةَ قِيلُها ) فلما قدمت مكة نزلت على بنت منظور بن زبان واستشفعت بها إلى زوجها عبد الله وانضم الفرزدق إلى حمزة بن عبد الله بن الزبير وأمه بنت منظور هذه ومدحه فقال ( أصبحتُ قد نزلت بحَمْزَة حاجتي ... إنّ المنوّه باسمِه الموثوقُ ) الأبيات وقال فيه أيضا ( يا حَمْزُ هل لك في ذي حاجة غَرِضتْ ... أنضاؤه بمكانٍ غير ممطورِ ) ( فأنت أَحْرَى قريشٍ أن تكون لها ... وأنت بين أبي بَكْر ومنظور ) ( بين الحَوَاريِّ والصِّدِّيقِ في شُعَبٍ ... نَبَتْنَ في طيِّب الإِسلامِ والخِير ) هذه الأبيات كلها من رواية أبي زيد خاصة قالوا جميعا وقال في النوار ( هَلُمِّي لابن عمِّك لا تكوني ... كمختارٍ على الفرسِ الحِمارا ) وقال فيها أيضا ( تُخاصمُني النَّوَارُ وغاب فيها ... كرأس الضَّبِّ يلتمس الجرادا ) قال أبو زيد في خبره خاصة فجعل أمر الفرزدق يضعف وأمر النوار يقوى وقال الفرزدق ( أمّا بَنُوه فلم تُقْبَلْ شفاعتهم ... وشفعت بنتَ منظورِ بنِ زَبَّانَا ) صوت ( ليس الشَّفِيعُ الذي يأتيكَ مُؤْتزِراً ... مثلَ الشَّفِيع الذي يأتيك عُرْيانَا ) غنت في هذا البيت عريب خفيف ثقيل أول بالبنصر فبلغ ابن الزبير هذا فدعا النوار فقال إن شئت فرقت بينكما وقتلته فلا يهجونا أبدا وإن شئت سيرته إلى بلاد العدو فقالت ما أريد واحدة منهما قال فإنه ابن عمك وهو فيك راغب أفأزوجه إياك قالت نعم فزوجه إياها فكان الفرزدق يقول خرجنا متباغضين ورجعنا متحابين أخبرني أحمد قال حدثني عمر بن شبة قال قال عثمان بن سليمان شهدت الفرزدق يوم نازع النوار فتوجه القضاء عليه فأشفق من ذلك وتعرض لابن الزبير بكلام أغضبه وكان ابن الزبير حديدا فقال له ابن الزبير أيا ألأم الناس وهل أنت وقومك إلا جالية العرب وأمر به فأقيم وأقبل علينا فقال إن بني تميم كانوا وثبوا على البيت قبل الإسلام بمائة وخمسين سنة فاستلبوه وأجمعت العرب عليها لما انتهكت ما لم ينتهكه أحد قط فأجلتها من أرض تهامة فلما كان في طائفة من ذلك اليوم لقيني الفرزدق فقال هيه أيعيرنا ابن الزبير جلاءنا عن البيت اسمع ثم قال ( فإن تَغْضَبْ قريشٌ ثم تغضبْ ... فإنّ الأرض ترعاها تميمُ ) ( همُ عَدَدُ النجوم وكلُّ حيٍّ ... سواهم لا تُعَدُّ لهم نجوم ) ( فلولا بنتُ مُرٍّ من نِزارٍ ... لَمَا صحَّ المنَابتُ والأديم ) ( بها كثر العَديدُ وطاب منكم ... وغيركُم أحذُّ الرِّيشِ هِيم ) ( فمهلاً عن تذلُّل مَنْ عَزَزْتُم ... بخُولَتِه وعَزَّ به الحَميم ) ( أعبدَ الله مهلاً عن أَذَاتي ... فإنِّي لا الضعيف ولا السَّؤُوم ) ( ولكنّي صَفاةٌ لم تُؤَبَّس ... تَزِلُّ الطيرُ عنها والعُصُوم ) ( أنا ابن العاقرِ الخُورِ الصَّفَايَا ... بصَوأَرَ حيث فُتِّحت العُكوم ) وذكر الزبير بن بكار عن عمه أن عبد الله بن الزبير لما حكم على الفرزدق قال إنما حكمت علي بهذا لأفارقها فتثب عليها وأمر به فأقيم وقال له ما قال في بني تميم قال ثم خرج عبد الله بن الزبير إلى المسجد فرأى الفرزدق في بعض طرق مكة وقد بلغته أبياته التي قالها فقبض ابن الزبير على عنقه فكاد يدقها ثم قال ( لقد أصبحتْ عِرْسُ الفرزدق ناشِزاً ... ولو رضيتْ رَمْحَ استِه لاستقرّتِ ) قال الزبير وهذا الشعر لجعفر بن الزبير أخبرنا أبو خليفة قال أخبرنا ابن سلام قال أخبرنا إبراهيم بن حبيب الشهيد قال قال ابن الزبير للفرزدق ما حاجتك بها وقد كرهتك كن لها أكره وخل سبيلها فخرج وهو يقول ما أمرني بطلاقها إلا ليثب عليها فبلغ ذلك ابن الزبير فخرج وقد استهل هلال ذي الحجة ولبس ثياب الإحرام يريد البيت الحرام فألفى الفرزدق بباب المسجد عند الباعة فأخذ بعنقه فغمزها حتى جعل رأسه بين ركبتيه وقال ( لقد أصبحتْ عِرْسُ الفرزدق ناشِزاً ... ولو رضيتْ رَمْحَ استِه لاستقرَّتِ ) قال الزبير وهذا البيت لجعفر بن الزبير أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة عن محمد بن يحيى عن أبيه قال لما قال الفرزدق في ابن الزبير ( أمّا بنوه فلم تُقْبَل شفاعتُهم ... وشُفِّعتْ بنتُ منظورِ بن زَبَّانَا ) قال جعفر بن الزبير ( ألا تِلْكُمُ عِرْسُ الفرزدقِ جامِحاً ... ولو رضيتْ رمحَ استِه لاستقرَّتِ ) فقال عبد الله بن الزبير أتجزرنا كلبا من كلاب بني تميم لئن عدت لم أكلمك أبدا قال وتماضر التي عناها الفرزدق أم خبيب وثابت ابني عبد الله بن الزبير وماتت عند عبد الله فتزوج أختها أم هاشم فولدت له هاشما وحمزة وعبادا قال وفي أم هاشم يقول الفرزدق يستعينها على ابن الزبير ويشكو طول مقامه ( تروَّحتِ الرُّكْبانُ يا أُمَّ هاشم ... وهُنَّ مُناخَاتٌ لهنَّ حَنِينُ ) ( وخُيِّسْنَ حتى ليس فيهنّ نافِقٌ ... لبَيْعٍ ولا مركوبُهن سَمِينُ ) قال وهذا يدل على أن النوار كانت استعانت بأم هاشم لا بتماضر فلما أذنت النوار لعبد الله في تزويجها بالفرزدق حكم لها عليه بمهر مثلها عشرة آلاف درهم فسأل هل بمكة أحد يعينه فدل على سلم بن زياد وكان ابن الزبير حبسه فقال فيه ( دَعِي مُغْلِقِي الأبوابِ دون فَعالهم ... ومُرِّي تَمَشَّيْ بي هُبِلْتِ إلى سَلْمِ ) ( إلى من يَرى المعروفَ سَهْلاً سبيلُه ... ويفعل أفعال الكرام التي تَنْمي ) ثم دخل على سلم فأنشده فقال له هي لك ومثلها نفقتك ثم أمر له بعشرين ألفا فقبضها فقالت له زوجته أم عثمان بنت عبد الله بن عثمان بن أبي العاصي الثقفية أتعطي عشرين ألفا وأنت محبوس فقال ( ألاَ بَكرت عِرْسِي تَلُوم سَفاهةً ... على ما مضَى منِّي وتأمر بالبخل ) ( فقلت لها والجودُ منِّي سَجِيّةٌ ... وهل يمنع المعروفَ سُؤَّاله مثلي ) ( ذَرِيني فإنّي غير تارِكِ شِيمتِي ... ولا مُقْصِرٍ عن السَّماحةِ والبَذْل ) ( ولا طاردٍ ضَيْفِي إذا جاء طارقاً ... فقد طرَق الأضيافُ شَيْخِيَ من قبلي ) ( أأبخَل إنّ البخل ليس بمُخْلِدٍ ... ولا الجُود يُدْنِيني إلى الموت والقتل ) ( أَبِيع بني حَرْبٍ بآل خُوَيْلِدٍ ... وما ذاكَ عند الله في البيع بالعدل ) ( وأشْرِي ابنَ مروان الخليفةَ طائعا ... بنَجْل بني العَوَّام قُبِّح من نَجْل ) ( فإن تُظْهِروا لي البخلَ آلَ خُوَيلدٍ ... فما دَلُّكم دَلِّي ولا شَكْلُكم شكلي ) ( وإن تَقْهَروني حيث غابت عَشيرتي ... فمن عَجَبِ الأيام أن تَقْهَروا مثلي ) لم تحسن النوار عشرته فتزوج عليها قال دماذ في خبره ثم اصطلحا ورضيت به وساق إليها مهرها ودخل بها وأحبلها قبل أن تخرج من مكة ثم خرج بها وهما عديلان في محمل فكانت لا تزال تشاره وتخالفه لأنها كانت صالحة حسنة الدين وكانت تكره كثيرا من أمره فتزوج عليها حدراء بنت زيق بن بسطام بن قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن عبد الله بن عمرو بن الحارث بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان فتزوجها على مائة من الإبل فقالت له النوار ويلك تزوجت أعرابية دقيقة الساقين بوالة على عقبيها على مائة بعير فقال الفرزدق يفضلها عليها ويعيرها أنها كانت تربيها أمة ( لَجاريةٌ بين السَّلِيل عُروقُها ... وبين أبي الصَّهْباء من آل خالد ) ( أحقُّ بإغلاء المُهور من التي ... رَبَتْ وهي تَنْزَو في حُجور الولائد ) ومدحها أيضا فقال ( عَقِيلةٌ من بني شَيْبانَ ترفعها ... دَعائمٌ للعُلاَ من آل هَمّام ) ( من آل مُرَّةَ بين المُستضاء بهم ... من رَهْطِ صيدٍ مَصَاليتٍ وحُكّام ) ( بين الأحَاوِص من كَلبٍ مُرَكَّبُها ... وبين قيس بن مسعودٍ وبسْطام ) وقال أيضا يمدحها ويعرض بالنوار ( لعَمْري لأعرابيَّةٌ في مِظَلَّة ... تَظَلُّ بأعلى بيتها الرِّيحُ تَخْفُقُ ) ( كأُمِّ غَزالٍ أو كَدُرَّةِ غائص ... إذا ما أتَتْ مثلَ الغَمامة تُشْرِق ) ( أحبُّ إلينا من ضِنَاكٍ ضِفِنَّة ... إذا وُضِعتْ عنها المراوحُ تَعْرَق ) فقال بعض باهلة يجيبه ( أعوذ بالله من غُولٍ مُغَوِّلةٍ ... كأَنَّ حافرَها في الحدِّ ظُنْبُوبُ ) ( تَسْتَرْوِحُ الشاةَ من مِيلٍ إذا ذُبِحْت ... حُبَّ اللِّحامِ كما يَسْتَرْوِحُ الذِّيبُ ) وأغضب الفرزدق النوار بمدحه إياها فقالت والله لأخزينك يا فاسق وبعثت إلى جرير فجاءها فقالت ألا ترى ما قال لي الفاسق وشكت إليه فقال ( فلا أنا مُعْطى الحُكْمِ عَن شِفِّ مَنْصِبٍ ... ولا عن بنات الحَنْظَلِيّين راغبُ ) ( وهنّ كماء المُزْن يُشْفَى به الصَّدَى ... وكانت مِلاحاً غيرَهُنَّ المَشاربُ ) ( لقد كنتَ أهلاً أن تَسُوقَ دِيَاتِكم ... إلى آل زِيق أن يَعِيبَك عائب ) ( وما عَدَلتْ ذاتُ الصَّلِيب ظعينةً ... عُتَيْبةُ والرِّدْفانِ منها وحاجب ) ( ألاَ رُبَّما لم نُعْطِ زِيقاً بحُكْمِه ... وأدَّى إلينا الحُكْمَ والغُلُّ لازِبُ ) ( حَوَيْنا أبا زِريقٍ وزِيقاً وعمَّه ... وجَدَّةُ زِيقٍ قد حوتْها المَقَانِبُ ) فأجابه الفرزدق بقصيدة منها ( ألستَ إذ القَعْساء أَنْسَلَ ظهرُها ... إلى آل بِسْطام بن قيس بخاطبِ ) ( فنَلْ مثلَها من مثلهم ثم لُمْهمُ ... بملْكك من مالٍ مُرَاحٍ وعازِب ) ( فلو كنتَ من أكفاء حَدْراءَ لم تَلُمْ ... على دَارِميٍّ بين ليلى وغالب ) ( وإني لأخشى إن خطبتَ إليهمُ ... عليك التي لاقى يَسَارُ الكواعب ) يسار كان عبدا لبني ددانة فأراد مولاته على نفسها فنهته مرة بعد مرة وألح فوعدته فجاء فقالت له إني أريد أن أبخرك فإن رائحتك متغيرة فوضعت تحته مجمرة وقد أعدت له حديدة حادة فأدخلت يدها فقبضت على ذكره وهو يرى أن ذلك لشيء فقطعته بالموسى فقالت صبرا على مجامر الكرام فذهبت مثلا عاد الشعر ( ولو قَبِلوا منِّي عَطَّيةَ سُقْتُهُ ... إلى آلِ زِيقٍ من وَصيفٍ مُقَارِبِ ) ( همُ زوَّجوا قبلي ضِراراً وأنْكَحوا ... لَقِيطاً وهم أكفاؤنا في المَناسب ) ( ولو تُنكِح الشمسُ النجومَ بناتِها ... إذاً لنكحناهنّ قبل الكواكب ) وقال جرير ( يا زِيقُ أَنْكحتَ قَيْناً باستِه حَمَمٌ ... يا زِيقُ وَيْحَكَ مَنْ أَنْكحتَ يا زِيقُ ) ( غاب المثنَّى فلم يَشْهَدْ نَجِيَّكما ... والحَوْفَزانُ ولم يشهَدْك مفروق ) ( أين الأُلَى أَنْزلوا النعمانَ مُقْتَسَراً ... أم أين أبناءُ شَيْبَانَ الغَرَانِيقُ ) ( يا رُبَّ قائلةٍ بعد البِناء بها ... لا الصِّهْرُ راضٍ ولا ابنُ القَيْنِ معشوق ) وقال الفرزدق لجرير في هذا ( إن كان أنفُك قد أعْياكَ مَحْمَلُه ... فاركبْ أتانَك ثم اخطُبْ إلى زِيقِ ) قال ولامه الحجاج وقال أتزوجت ابنة نصراني على مائة ناقة قال وما هي في جود الأمير قال فاشترى الإبل وساقها فلما كان في بعض الطريق ومعه أوفى بن خنزير أحد بني التيم بن شيبان بن ثعلبة دليله رأى كبشا مذبوحا فقال يا أوفى هلكت والله حدراء قال مالك بذلك من علم فلما بلغ قال له بعض قومها هذا البيت فانزل وأما حدراء فهلكت وقد عرفنا الذي يصيبكم في دينكم من ميراثها وهو النصف فهو لك عندنا فقال لا والله لا أرزأ منه قطميرا وهذه صدقتها فاقبضوها فقال يا بني دارم والله ما صاهرنا أكرم منكم قال وفي هذه القصة يقول الفرزدق ( عجبتُ لحادِينا المقحِّمِ سيره ... بنا مُوجَفاتٍ من كَلاَل وظُلَّعَا ) ( ليُدْنِيَنَا ممن إلينا لقاؤه ... حبيبٌ ومن دارٍ أَرَدْنَا لتجمَعا ) ( ولو يعلم الغَيْبَ الذي مِنْ أمامِنا ... لكرَّ بنا حادِي المطِّي فأَسْرَعا ) ( يقولون زُرْ حَدْراءَ والتُّرْبُ دونَها ... وكيف بشيءٍ وصلُه قد تقطَّعا ) ( وما مات عند ابنِ المَرَاغة مثلُها ... ولا تبعتْه ظاعناً حيث ودّعا ) ( يقول ابنُ خِنْزيرٍ بكيتَ ولم تكن ... على امرأةٍ عيَنا أخيك لتدْمَعا ) ( وأهونُ رُزْءٍ لامرئٍ غيرِ جازعٍ ... رَزِيَّةُ مُرْتَجِّ الرَّوادِفِ أَفْرعا ) وقال ابن سلام فيما أخبرنا به أبو خليفة عنه قال حدثني حاجب بن زيد وأبو الغراف قالا تزوج الفرزدق حدراء بنت زيق بن بسطام بن قيس بن مسعود بن قيس ابن خالد بن ذي الجدين وهو عبد الله بن عمرو بن الحارث بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان على حكم أبيها فاحتكم مائة من الإبل فدخل علىالحجاج فعذله فقال أتزوجتها على حكمها وحكم أبيها مائة بعير وهي نصرانية وجئتنا متعرضا أن نسوقها عنك اخرج ما لك عندنا شيء فقال عنبسة بن سعيد بن العاصي وأراد نفعه أيها الأمير إنها من حواشي إبل الصدقة فأمر بها فوثب عليه جرير فقال ( يا زِيقُ قد كنتَ من شَيْبَان في حَسَبٍ ... يا زِيقُ وَيْحَكَ مَنْ أَنْكحتَ يا زِيقُ ) ( أَنْكحتَ وَيْحَكَ قَيْناً باستِه حَمَمٌ ... يا زِيقُ وَيْحَكَ هل بارتْ بكَ السُّوقُ ) ثم ذكر باقي القصيدة بمثل رواية دماذ قال ابن سلام وأراد الفرزدق أن تحمل فاعتلوا عليه وقالوا ماتت كراهة أن يهتك جرير أعراضهم فقال جرير ( وأقْسِم ما ماتتْ ولكنّه الْتوَى ... بحدْراءَ قومٌ لم يَرَوْك لها أهلاَ ) ( رأوا أن صِهْرَ القَيْن عارٌ عليهمُ ... وأن لِبسطامٍ على غالبٍ فضلا ) ( إذا هي حَلَّتْ مُسْحُلانَ وحاربتْ ... بشَيْبان لاقى القومُ من دونها شُغْلا ) وحدراء هذه هي التي ذكرها الفرزدق في أشعاره ومن ذلك قوله صوت ( عَزَفْتَ بأَعْشاشٍ وما كِدْتَ تَعْزُفُ ... وأنكرتَ من حَدْراءَ ما كنتَ تعرِفُ ) ( ولَجّ بك الهِجْرانُ حتى كأنَّما ... ترى الموتَ في البيت الذي كنتَ تألَفُ ) عروضه من الطويل عزفت عن الشيء انصرفت عنه عزف يعزف عزوفا الشعر للفرزدق والغناء لسلسل ثاني ثقيل بالوسطى وفيه لحن للغريض من الثقيل الأول بالبنصر من رواية حبش الفرزدق وابن أبي بكر بن حزم أخبرني علي بن سليمان الأخفش ومحمد بن العباس اليزيدي قالا حدثنا أبو سعيد السكري قال حدثنا محمد بن حبيب وأبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال قال اليربوعي قال إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص الزهري قدم الفرزدق المدينة في إمارة أبان بن عثمان قال فإني والفرزدق وكثيرا لجلوس في المسجد نتناشد الأشعار إذ طلع علينا غلام شخت آدم في ثوبين ممصرين أي مصبوغين بصفرة غير شديدة ثم قصد نحونا حتى جاء إلينا فلم يسلم فقال أيكم الفرزدق فقلت مخافة أن يكون من قريش أهكذا تقول لسيد العرب وشاعرها فقال لو كان كذلك لم أقل هذا له فقال له الفرزدق ومن أنت لا أم لك قال رجل من بني الأنصار ثم من بني النجار ثم أنا ابن أبي بكر بن حزم بلغني أنك تزعم أنك أشعر العرب وتزعم مضر ذلك لك وقد قال صاحبنا حسان شعرا فأردت أن أعرضه عليك وأؤجلك سنة فإن قلت مثله فأنت أشعر العرب وإلا فأنت كذاب منتحل ثم أنشده قول حسان ( لنا الجَفَناتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بالضُّحَى ... وأسيافُنا يَقْطُرْنَ من نَجْدةٍ دَمَا ) ( مَتَى ما تَزُرْنا من مَعَدٍّ عِصابةٌ ... وغسّانَ نَمْنَع حَوْضَنا أن يُهَدَّما ) قيل إن قوله وغسان هاهنا قسم أقسم به لأن غسان لم تكن تغزوهم مع معد ( أبَى فعلُنا المعروفَ أن نَنْطق الخَنَا ... وقائلنا بالعُرْف إلاّ تكَلُّما ) ( ولَدْنا بني العَنْقاءِ وابنَيْ مُحَرِّقٍ ... فأَكْرِمْ بنا خالاً وأَكْرِمْ بنا ابنَمَا ) فأنشده القصيدة إلى آخرها وقال له إني قد أجلتك بها حولا ثم انصرف وانصرف الفرزدق مغضبا يسحب رداءه ما يدري أي طريق يسلك حتى خرج من المسجد قال فأقبل كثير علي فقال قاتل الله الأنصاري ما أفصح لهجته وأوضح حجته وأجود شعره قال فلم نزل في حديث الفرزدق والأنصاري بقية يومنا حتى إذا كان الغد خرجت من منزلي إلى مجلسي الذي كنت فيه بالأمس وأتاني كثير فجلس معي فإنا لنتذاكر الفرزدق ونقول ليت شعري ما فعل إذ طلع علينا في حلة أفواف يمانية موشاة له غديرتان حتى جلس في مجلسه بالأمس ثم قال ما فعل الأنصاري قال فنلنا منه وشتمناه فقال قاتله الله ما رميت بمثله ولا سمعت بمثل شعره فارقتكما فأتيت منزلي فأقبلت أصعد وأصوب في كل فن من الشعر فلكأني مفحم أو لم أقل قط شعرا حتى نادى المنادي بالفجر فرحلت ناقتي ثم أخذت بزمامها فقدتها حتى أتيت ذبابا ثم ناديت بأعلى صوتي أخاكم أبا لبنى وقال سعدان أبا ليلى فجاش صدري كما يجيش المرجل ثم عقلت ناقتي وتوسدت ذراعها فما قمت حتى قلت مائة وثلاثة عشر بيتا فبينا هو ينشدنا إذ طلع علينا الأنصاري حتى انتهى إلينا فسلم ثم قال أما إني لم آتك لأعجلك عن الأجل الذي وقته لك ولكني أحببت ألا أراك إلا سألتك عما صنعت فقال اجلس ثم أنشده ( عزَفْتَ بأَعْشاشٍ وما كِدْتَ تَعْزِفُ ... ) فلما فرغ الفرزدق من إنشاده قام الأنصاري كئيبا فلما توارى طلع أبوه وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في مشيخة من الأنصار فسلموا علينا وقالوا يا أبا فراس قد عرفت حللنا ومكاننا من رسول الله ووصيته بنا وقد بلغنا أن سفيها من سفهائنا تعرض لك فنسألك بالله لما حفظت فينا وصية النبي ووهبتنا له ولم تفضحنا قال إبراهيم بن محمد فأقبلت أكلمه أنا وكثير فلما أكثرنا عليه قال اذهبوا فقد وهبتكم لهذا القرشي قال وقد كان جرير قال ( ألاَ أيُّها القلبُ الطَّروبُ المُكَلَّفُ ... أفِقْ رُبّما ينأى هواكَ ويُسْعِفُ ) ( ظَلِلتَ وقد خَبَّرْتَ أن لستَ جازعاً ... لِرَبْع بسُلْمَانَيْنِ عَيْنُك تَذْرفُ ) فجعل الفرزدق هذه القصيدة نقيضة لها نسبة ما في هذا الخبر من الأصوات صوت منها ( لنا الجَفَناتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بالضُّحَى ... وأسيافُنا يَقْطُرْنَ من نَجْدةٍ دمَا ) ( ولَدْنا بني العَنْقاءِ وابنَيْ مُحَرِّقٍ ... فأَكْرِمْ بنا خالاً وأَكْرِمْ بنا ابنَمَا ) عروضه من الطويل الشعر لحسان بن ثابت والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالبنصر عن عمرو بن بانة النابغة وحسان بسوق عكاظ أخبرني عمي الحسن بن محمد قال حدثني محمد بن سعد الكراني عن أبي عبد الرحمن الثقفي وأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة وأخبرنا إبراهيم بن أيوب الصائغ عن ابن قتيبة أن نابغة بني ذبيان كان تضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ يجتمع إليه فيها الشعراء فدخل إليه حسان بن ثابت وعنده الأعشى وقد أنشده شعره وأنشدته الخنساء قولها ( قَذىً بعينِك أم بالعين عُوّارُ ... ) حتى انتهت إلى قولها ( وإنّ صخراً لتأْتمُّ الهُداةُ به ... كأنه عَلَمٌ في رأسه نار ) ( وإنّ صخراً لمولانا وسيِّدُنا ... وإن صخراً إذا نَشْتُو لَنحّار ) فقال لولا أن أبا بصير أنشدني قبلك لقلت إنك أشعر الناس أنت والله أشعر من كل ذات مثانة قالت الله ومن كل ذي خصيتين فقال حسان أنا والله أشعر منك ومنها قال حيث تقول ماذا قال حيث أقول ( لنا الجَفَناتُ الغُرّ يَلْمَعْنَ بالضُّحَى ... وأسيافُنا يَقْطُرْنَ من نَجْدةٍ دَمَا ) ( ولَدْنا بني العَنْقاءِ وابنَيْ مُحَرِّقٍ ... فأَكْرِمْ بنا خالاً وأَكْرِمْ بنا ابنَمَا ) فقال إنك لشاعر لولا أنك قللت عدد جفانك وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك وفي رواية أخرى فقال له إنك قلت الجفنات فقللت العدد ولو قلت الجفان لكان أكثر وقلت يلمعن في الضحى ولو قلت يبرقن بالدجى لكان أبلغ في المديح لأن الضيف بالليل أكثر طروقا وقلت يقطرن من نجدة دما فدللت على قلة القتل ولو قلت يجرين لكان أكثر لانصباب الدم وفخرت بمن ولت ولم تفخر بمن ولدك فقام حسان منكسرا منقطعا مما يغنى فيه من قصيدة الفرزدق الفائية قوله صوت ( تَرَى الناسَ ما سِرْنا يَسِيُرون خَلْفَنا ... وإن نحن أَوْمَأْنا إلى الناس وَقَّفُوا ) فيه رمل بالوسطى يقال إنه لابن سريج وذكر الهشامي أنه من منحول يحي المكي أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو مسلمة موهوب بن رشيد الكلابي قال وقف الفرزدق على جميل والناس مجتمعون عليه وهو ينشد ( تَرَى الناسَ ما سِرْنا يَسيُرون خَلْفَنا ... وإن نحن أَوْمَأنا إلى الناس وَقَّفُوا ) فأشرع إليه رأسه من وراء الناس وقال أنا أحق بهذا البيت منك قال أنشدك الله يا أبا فراس فمضى الفرزدق وانتحله الفرزدق وكثير والبيت المسروق أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير قال حدثني أبي عن جدي أن الفرزدق لقي كثيرا فقال له ما أشعرك يا كثير في قولك ( أُريد لأنسَى ذكرَها فكأنّما ... تَمَثَّلُ لي لَيْلَى بكلّ سبيل ) فعرض له بسرقته إياه من جميل ( أريد لأنسى ذكرها فكأنّما ... تَمَثَّلُ لي لَيْلَى على كلِّ مَرْقَبِ ) فقال له كثير أنت يا فرزدق أشعر مني في قولك ( تَرَى الناسَ ما سِرْنا يَسِيُرون خَلْفَنا ... وإن نحن أَوْمَأنا إلى الناس وَقَّفوا ) قال وهذا البيت لجميل سرقه الفرزدق فقال الفرزدق لكثير هل كانت أمك ترد البصرة قال لا ولكن أبي كان نزيلا لأمك أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن إسماعيل عن عبد العزيز بن عمران عن محمد بن عبد العزيز عن ابن شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال لقي الفرزدق كثيرا بقارعة البلاط وأنا وهو نمشي فقال له الفرزدق يا أبا صخر أنت أنسب العرب حيث تقول ( أريد لأَنْسَى ذكرَها فكأنّما ... تَمَثَّلُ لي ليلى بكلِّ سبيلِ ) قال وأنت يا أبا فراس أفخر العرب حيث تقول ( تَرَى الناسَ ما سِرْنا يَسِيُرون خَلْفَنا ... وإن نحن أَوْمَأْنا إلى الناس وَقَّفوا ) قال عبد العزيز وهذان البيتان جميعا لجميل سرق أحدهما الفرزدق وسرق الآخر كثير فقال له الفرزدق يا أبا صخر هل كانت أمك ترد البصرة قال لا ولكن أبي كان كثيرا يردها قال طلحة فوالذي نفسي بيده لقد تعجبت من كثير وجوابه وما رأيت أحدا قط أحمق منه لقد دخلت عليه يوما في نفر من قريش وكنا كثيرا نهزأ به وكان يتشيع تشيعا قبيحا فقلنا له كيف تجدك يا أبا صخر فقال بخير هل سمعتم الناس يقولون شيئا قلت نعم يتحدثون أنك الدجال قال والله إن قلت ذلك إني لأجد في عيني هذه ضعفا منذ أيام ولجرير قصيدة يناقض بها هذه القصيدة في أولها غناء نسيته ( ألاَ أيُّها القلب الطَّرُوب المكلَّفُ ... أفِقْ رُبَّما يَنْأَى هواك ويُسعِفُ ) ( ظَلِلْتَ وقد خَبَّرتَ أنْ لستَ جازعاً ... لرَبْعٍ بِسُلْمانَيْنِ عينُك تَذْرِفُ ) الشعر لجرير والغناء لمحمد بن الأشعث الكوفي ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو بن بانة وقال حبش فيه ثقيل أول بالوسطى وليس ذلك بصحيح رجع الحديث إلى سياقة حديث الفرزدق والنوار قال دماذ وتزوج الفرزدق على النوار امرأة من اليرابيع وهم بطن من النمر بن قاسط حلفاء لبني الحارث بن عباد القيني وقد انتسبوا فيهم فقالت له النوار وما عسى أن تكون القينية فقال ( أرتك نجومَ اللَّيلِ والشمسُ حيَّةٌ ... زِحامُ بناتِ الحارث بن عُبادا ) ( نساءٌ أبوهنّ الأغرُّ ولم تكن ... من الحُتِّ في أجبالها وهَدَادِ ) ( ولم يكن الجَوْفُ الغموضُ مَحَلَّها ... ولا في الهِجَاريِّين رَهْطِ زياد ) ( أبوها الذي أدْنَى النَّعامةَ بعدما ... أبَتْ وائلٌ في الحرب غيرَ تَمَاد ) يعني بأبيها الذي أدنى النعامة الحارث بن عباد وأراد قوله ( قرِّبا مَرْبِطَ النَّعَامةِ منّي ... ) ( عدلتُ بها مَيْلَ النَّوَار فأصبحتْ ... مُقارِبةً لي بعد طول بعادِ ) ( وليست وإنْ أَنبأتُ أنِّي أحِبُّها ... إلى دَارِمِّيات النِّجار جيادِ ) وقال أبو عبيدة حدثني أعين بن لبطة قال تزوج الفرزدق مضارة للنوار امرأة يقال لها رهيمة بنت غنيم بن درهم من اليرابيع قوم من النمر بن قاسط في بني الحارث بن عباد وأمها الحميضة من بني الحارث فنافرته الحميضة فاستعدت عليه فأنكرها الفرزدق وقال أنا منها بريء وطلق ابنتها وقال ( إنّ الحميضة كانت لي ولابنتِها ... مثلَ الهَرَاسةِ بين النَّعل والقَدَمِ ) ( إذا أتتْ أهلَها منِّي مُطَلَّقةً ... فلن أَرُدَّ عليها زَفْرَةَ النَّدمِ ) مضى الحديث ولم أجد لأحد من الخلفاء الذين ذكرتهم والذين لم أذكرهم بعد الواثق صنعة يعتد بها إلا المعتضد فإنه صنع صنعة متقنة عجيبة أبرت على صنعة سائر الخلفاء سوى الواثق وفضل فيها أكثر أهل الزمان الذي نشأ فيه وإنما ذكرت صنعة من بينهما لأنها قد رويت فأما حقيقة الغناء الجيد فليس بينهما مثلهما وذكر عبيد الله بن عبد الله بن طاهر صنعة المعتضد فقرظها وقال لم أجد لحنا قديما قد جمع من النغم ما جمعه لحن ابن محرز في شعر مسافر بن أبي عمرو وهو ( يا مَنْ لِقَلْبٍ مُقْصِرٍ ... تَرك المُنَى لفواتها ) فإنه جمع من النغم العشر ثمانيا ولحن ابن محرز أيضا في شعر كثير ( توهَّمتُ بالخَيْف رَسْماً مُحِيلاَ ... لِعزَّةَ تَعْرِفُ منه الطُّلُولا ) وهو أيضا يجمع ثمانيا من النغم وقد تلطف بعض من له دربة وحذق بهذه الصناعة حتى جمع النغم العشر في هذا الصوت الأخير متوالية وجمعها في صوت آخر غير متوالية وهو في شعر ابن هرمة ( فإنّكِ إذ أطمعتِني منكِ بالرضا ... وأيأستنِي من بعد ذلك بالغضبْ ) وأعجب من ذلك ما عمله أمير المؤمنين المعتضد بالله فإنه صنع في رجز دريد بن الصمة يا ليتني فيها جذع لحنا من الثقيل الأول يجمع النغم العشر فأتى به مستوفى الصنعة محكم البناء صحيح الأجزاء والقسمة مشبع المفاصل كثير الأدوار لاحقا بجيد صنعة الأوائل وإنما زاد فضله على من تقدمه لأنه عمله في ضرب من الرجز قصير جدا واستوفى فيه الصنعة كلها على ضيق الوزن فصار أعجب مما تقدمه إذ تلك عملت في أوزان تامة وأعاريض طوال يتمكن الصانع فيها من الصنعة ويقتدر على كثرة التصرف وليس هذا الوزن في تمكنه من ذلك فيه مثل تلك نسبة هذا اللحن صوت ( يا ليتني فيها جَذَعْ ... أَخُبُّ فيها وأَضَعْ ) ( أَقُود وَطْفاءَ الزَّمَعْ ... كأنها شاةٌ صَدَعْ ) الشعر لدريد بن الصمة والغناء للمعتضد ولحنه ثقيل أول يجمع النغم العشر بسم الله الرحمن الرحيم أخبار المنخل ونسبه هو المنخل بن عمرو ويقال المنخل بن مسعود بن أفلت بن عمرو بن كعب بن سواءة بن غنم بن حبيب بن يشكر بن بكر بن وائل وذكر أبو محلم النسابة أنه المنخل بن مسعود بن أفلت بن قطن بن سوءة بن مالك بن ثعلبة بن حبيب بن غنم بن حبيب بن كعب بن يشكر وقال ابن الأعرابي هو المنخل بن الحارث بن قيس بن عمرو بن ثعلبة بن عدي بن جشم بن حبيب بن كعب بن يشكر اتهمه النعمان بامرأته المتجردة فقتله شاعر مقل من شعراء الجاهلية وكان النعمان بن المنذر قد اتهمه بامرأته المتجردة وقيل بل وجده معها وقيل بل سعي به إليه في أمرها فقتله وقيل بل حبسه ثم غمض خبره فلم تعلم له حقيقة إلى اليوم فيقال إنه دفنه حيا ويقال إنه غرقه والعرب تضرب به المثل كما تضربه بالقارظ العنزي وأشباهه ممن هلك ولم يعلم له خبر وقال ذو الرمة ( تُقارِب حتى تُطمِعَ التابعَ الصّبا ... وليست بأدنى من إياب المنخّلِ ) وقال النمر بن تولب ( وقَوْلِي إذا ما أطلقوا عن بعيرهم ... تلاقونه حتى يؤوبَ المنخّلُ ) أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال أخبرني أحمد بن زهير قال أخبرني عبد الله بن كريم قال أخبرني أبو عمرو الشيباني قال كان سبب قتل المنخل أن المتجردة واسمها ملوية وقيل عند بنت المنذر بن الأسود الكلبية كانت عند ابن عمر لها يقال له حلم وهو الأسود بن المنذر بن حارثة الكلبي وكانت أجمل أهل زمانها فرآها المنذر بن المنذر الملك اللخمي فعشقها فجلس ذات يوم على شرابه ومعه حلم وامرأته المتجردة فقال المنذر لحلم إنه لقبيح بالرجل أن يقيم على المرأة زمانا طويلا حتى لا يبقى في رأسه ولا لحيته شعرة بيضاء إلا عرفتها فهل لك أن تطلق امرأتك المتجردة وأطلق امرأتي سلمى قال نعم فأخذ كل واحد منهما على صاحبه عهدا قال فطلق المنذر امرأته سلمى وطلق حلم امرأته المتجردة فتزوجها المنذر ولم يطلق لسلمى أن تتزوج حلما وحجبها وهي أم ابنه النعمان بن المنذر فقال النابغة الذبياني يذكر ذلك ( قد خادعوا حُلماً عن حرّة خَرِدٍ ... حتى تبطَّنها الخدّاع ذو الحُلُمِ ) قال ثم مات المنذر بن المنذر فتزوجها بعده النعمان بن المنذر ابنه وكان قصيرا دميما أبرش وكان ممن يجالسه ويشرب معه النابغة الذبياني وكان جميلا عفيفا والمنخل اليشكري وكان جميلا وكان يتهم بالمتجردة فأما النابغة فإن النعمان أمره بوصفها فقال قصيدته التي أولها ( مِن آل ميّةَ رائح أو مغتدي ... عجلانَ ذا زاد وغيرَ مزوَّد ) ووصفها فأفحش فقال ( وإذا طعنتَ طعنتَ في مستهدِفٍ ... رابي المَجسّة بالعَبير مُقَرمَدِ ) ( وإذا نزعتَ نزعتَ عن مستحصِفٍ ... نزع الحَزَوّر بالرشاء المحصَدِ ) فغار المنخل من ذلك وقال هذه صفة معاين فهم النعمان بقتل النابغة حتى هرب منه وخلا المنخل بمجالسته وكان يهوى المتجردة وتهواه وقد ولدت للنعمان غلامين جميلين يشبهان المنخل وكانت العرب تقول إنهما منه فخرج النعمان لبعض غزواته قال ابن الأعرابي بل خرج متصيدا فبعثت المتجردة إلى المنخل فأدخلته قبتها وجعلا يشربان فأخذت خلخالها وجعلته في رجله وأسدلت شعرها فشدت خلخالها إلى خلخاله الذي في رجله من شدة إعجابها به و دخل النعمان بعقب ذلك فرآها على تلك الحال فأخذه فدفعه إلى رجل من حرسه من تغلب يقال له عكب وأمره بقتله فعذبه حتى قتله فقال المنخل يحرض قومه عليه ( ألا مَن مبلِغ الحيين عنّي ... بأن القوم قد قتلوا أُبَيّا ) ( فإن لم تثأروا لي من عِكَبٍّ ... فلا رَوّيتُمُ أبدا صَدِيا ) وقال أيضا ( ظلّ وسْط النديّ قتلَى بِلا جُرْم ... وقومي يُنتِّجون السِّخالا ) وقال في المتجردة ( دِيارٌ لِلّتي قتلتك غصباً ... بلا سيف يُعَدّ ولا نِبالِ ) ( بطَرفٍ ميِّت في عين حَيٍّ ... له خَبَل يزيدُ على الخَبالِ ) وقال أيضا ( ولقد دخلتُ على الفتاة ... الخِدرَ في اليومِ المطيرِ ) ( الكاعبِ الخنساء ترفُلَ ... في الدِّمَقْس وفي الحرير ) ( دافعتُها فتدافَعتْ ... مَشْيَ القطاةِ إلى الغدير ) ( ولثمتُها فتنفّست ... كتنفّس الظبي البَهير ) ( ورَنَت وقالت يا مُنخّل ... هل بجسمك من فتور ) ( ما مس جسمي غيرُ حُبّك ... فاهدئي عنِّي وسيري ) ( يا هندُ هل من ناثلٍ ... يا هند للعاني الأسير ) ( وأُحبّها وتُحبّني ... ويُحبّ ناقتَها بعيري ) ( ولقد من شربتُ من المدامة ... بالكبير وبالصغير ) ( فإذا سكرتُ فإنني ... ربُّ الخورنق والسدير ) ( وإذا صحوتُ فإنني ... ربّ الشُّوَيهة والبعير ) ( يا رُبَّ يومٍ للمنخّل ... قد لها فيه قصيرِ ) رواية أخرى عن علاقته بالمتجردة وشعره فيها وأخبرني بخبر المنخل مع المتجردة أيضا علي بن سليمان الأخفش قال أخبرني أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي قال كانت المتجردة امرأة النعمان فاجرة وكانت تتهم بالمنخل وقد ولدت للنعمان غلامين جميلين يشبهان المنخل فكان يقال إنهما منه وكان جميلا وسيما وكان النعمان أحمر أبرش قصيرا دميما وكان للنعمان يوم يركب فيه فيطيل المكث وكان المنخل من ندمائه لا يفارقه وكان يأتي المتجردة في ذلك اليوم الذي يركب فيه النعمان فيطيل عندها حتى إذا جاء النعمان آذنتها بمجيئه وليدة لها موكلة بذلك فتخرجه فركب النعمان ذات يوم وأتاها المنخل كما كان يأتيها فلاعبته وأخذت قيدا فجعلت إحدى حلقتيه في رجله والأخرى في رجلها وغفلت الوليدة عن ترقب النعمان لأن الوقت الذي يجيء فيه لم يكن قرب بعد وأقبل النعمان حينئذ ولم يطل في مكثه كما كان يفعل فدخل إلى المتجردة فوجدها مع المنخل قد قيدت رجلها ورجله بالقيد فأخذه النعمان فدفعه إلى عكب صاحب سجنه ليعذبه وعكب رجل من لخم فعذبه حتى قتله وقال المنخل قبل أن يموت هذه الأبيات وبعث بها إلى ابنيه ( ألا مَن مبلغ الحُرّين عنّي ... بأن القوم قد قتلوا أُبيا ) ( وإن لم تثأروا لي من عِكَبٍّ ... فلا أَرويتما أبداً صَدِيّا ) ( يُطوّف بي عِكبٌّ في معدٍّ ... ويطعن بالصُّملّة في قَفَيّا ) قال ابن حبيب وزعم ابن الجصاص أن عمرو بن هند هو قاتل المنخل والقول الأول أصح وهذه القصيدة التي منها الغناء يقولها في المتجردة وأولها قوله ( إن كنتِ عاذلتي فسيري ... نحوَ العراق ولا تَحورِي ) ( لا تسألي عن جُلّ ما ... لي واذكري كرَمي وخِيري ) ( وإذا الرياح تناوحَتْ ... بجوانب البيت الكسير ) ( ألفيتِني هشّ النديِّ ... بِمرّ قدِحي أو شجيري ) الشجير القدح الذي لم يصلح حسنا ويقال بل هو القدح العارية ( ونَهَى أبو أفعى فقلّدنِي ... أبو أفعى جريري ) ( وجُلالة خطّارة ... هوجاءَ جائلةَ الضُّفور ) ( تعدو بأشعثَ قد وهَى ... سِر بالُه باقي المسير ) ( فُضُلا على ظهر الطريق ... إليك علقمةَ بنَ صير ) ( الواهب الكومِ الصّفايا ... والأوانس في الخُدور ) ( يُصفيك حين تجيئه ... بالعَصْب والحَلْي الكثير ) ( وفوارسٍ كأْوار حرِّ ... النار أحلاسِ الذُّكور ) ( شدُّوا دوابرَ بيضهم ... في كلّ محكمةِ الفتير ) ( فاستلأموا وتَلبَّبُوا ... إن التلبّب للمغير ) ( وعلى الجياد المضمَرات ... فوارسٌ مثل الصقور ) ( يَخرجن من خَلَل الغبار ... يَجِفْن بالنَّعَم الكثير ) ( فشفيتُ نفسي من أولئك ... والفوائح بالعبير ) ( يرفُلن في المسك الذكيّ ... وصائكٍ كدَمِ النّحير ) ( يعكُفن مثل أساود التَّنُّومِ ... لم تُعكَف لِزور ) ( ولقد دخلتُ على الفتاة ... الخدرَ في اليوم المطير ) ( الكاعبِ الخنساء ترفل في الدّمَقْس وفي الحرير ) ( فدفَعتُها فتدافعتْ ... مشيَ القطاة إلى الغدير ) ( ولثمتُها فنتفّسَتْ ... كتنفّس الظبي البَهير ) ( فدنّتْ وقالت يا منخّل ... ما بجسمك من حَرور ) ( ما شفّ جسمي غيرُ حبّك ... فاهدئي عنّي وسيري ) ( ولقد شرِبتُ من المُدامة ... بالصغير وبالكبير ) ( ولقد شرِبتُ الخمر بالخيل ... الإناث وبالذُّكور ) ( ولقد شرِبتُ الخمر بالعبد الصحيح وبالأسير ) ( فإذا سكِرتُ فإنني ... ربُّ الخَوَرْنَق والسدير ) ( وإذا صحوتُ فإنني ... ربّ الشّوَيهة والبعير ) ( يا رُبَّ يوم للمنخّل قد لها فيه قصير ) ( يا هند هل من نائل ... يا هند للعاني الأسير ) ومن الناس من يزيد في هذه القصيدة ( وأُحبّها وتُحبّني ... ويحبّ ناقتَها بعيري ) ولم أجده في رواية صحيحة صوت ( لِمَن شيخان قد نَشَدا كلابا ... كتابَ الله لو قَبِل الكتابا ) ( أُناشده فيُعرِض في إباءٍ ... فلا وأَبِي كلابٍ ما أصابا ) الشعر لأمية بن الأسكر الليثي والغناء لعبد الله بن طاهر رمل بالوسطى صنعه ونسبه إلى لميس جاريته وذكر الهشامي أن اللحن لها وذكره عبيد الله بن عبد الله بن طاهر في جامع أغانيهم ووقع إلي فقال الغناء فيه للدار الكبيرة وكذلك كان يكني عن أبيه وعن إسحاق بن إبراهيم ابن مصعب وجواريهم ويكني عن نفسه وجاريته شاجي وما يصنع في دور إخوته بالدار الصغيرة أخبار أمية بن الأسكر ونسبه هو أمية بن حرثان بن الأسكر بن عبد الله بن سرابيل الموت بن زهرة ابن زبينة بن جندع بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة ابن إلياس بن مضر بن نزار شاعر فارس مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام وكان من سادات قومه وفرسانهم وله أيام مأثورة مذكورة وكان له أخ يقال له أبو لاعق الدم وكان من فرسان قومه وشعرائهم وابنه كلاب بن أمية أيضا أدرك النبي فأسلم مع أبيه ثم هاجر إلى النبي فقال أبوه فيه شعرا ذكر أبو عمرو الشيباني أنه هذا الشعر وهو خطأ إنما خاطبه بهذا الشعر لما غزا مع أهل العراق لقتال الفرس وخبره في ذلك يذكر بعد هذا قال أبو عمرو في خبره فأمره بصلة أبيه وملازمته طاعته وكان عمر بن الخطاب استعمل كلابا على الأبلة فكان أبواه ينتابانه يأتيه أحدهما في كل سنة ثم أبطآ عليه وكبرا فضعفا عن لقائه فقال أبياتا وأنشدها عمر فرق له ورده إليهما فلم يلبث معهما إلا مدة حتى نهشته أفعى فمات وهذا أيضا وهم من أبي عمرو وقد عاش كلاب حتى ولي لزياد الأبله ثم استعفى فأعفاه وسأذكر خبره في ذلك وغيره ها هنا إن شاء الله تعالى شعره لابنه كلاب لما طالت غيبته فأما خبره مع عمر فإن الحسن بن علي أخبرني به قال حدثني الحارث بن محمد قال حدثني المدائني عن أبي بكر الهذلي عن الزبيري عن عروة بن الزبير قال هاجر كلاب بن أمية بن الأسكر إلى المدينة في خلافة عمر بن الخطاب فأقام بها مدة ثم لقي ذات يوم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام فسألهما أي الأعمال أفضل في الإسلام فقالا الجهاد فسأل عمر فأغزاه في جيش وكان أبوه قد كبر وضعف فلما طالت غيبة كلاب عنه قال ( لِمَن شيخان قد نشدا كلابا ... كتابَ الله إن قَبِل الكتابا ) ( أناديه فيُعرض في إباء ... فلا وأبي كلابٍ ما أصابا ) ( إذا سجعَتْ حمامةُ بطنِ وادٍ ... إلى بَيْضاتها دعَوَا كلابا ) ( أتاه مهاجران تكنّفاه ... ففارق شيخه خَطِئا وخابا ) ( تركتَ أباك مُرعَشةً يداه ... وأُمَّك ما تُسيغ لها شرابا ) ( تُمَسّح مُهره شفقَاً عليه ... وتجنبُه أبا عرَها الصعابا ) قال تجنبه وتجنبه واحد من قول الله عز و جل ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) قال ( فإنك قد تركت أباك شيخاً ... يطارق أينُقا شُزُبا طِرابا ) ( فإنك والتماسَ الأجرِ بَعدي ... كباغي الماء يتّبع السرابا ) شعره في استرحام عمر لاسترداد ابنه فبلغت أبياته عمر فلم يردد كلابا وطال مقامه فأهتر أميه وخلط جزعا عليه ثم أتاه يوما وهو في مسجد رسول الله وحوله المهاجرون والأنصار فوقف عليه ثم أنشأ يقول ( أعاذلَ قد عذَلْتِ بغير قدرٍ ... ولا تدرِين عاذلَ ما أُلاقي ) ( فإمّا كنتِ عاذلتي فَرُدِّي ... كِلاباً إذ توجَّه للعراق ) ( ولم أَقضِ اللُّبانة من كِلابٍ ... غداةَ غدٍ وأُذّن بالفِراق ) ( فتى الفِتيان في عُسْرٍ ويُسرٍ ... شديدُ الرُّكن في يوم التلاقِي ) ( فلا والله ما باليتَ وَجدي ... ولا شفقي عليكَ ولا اشتياقِي ) ( وإبقائي عليكَ إذا شتَونا ... وضمَّك تحت بحري واعتناقي ) ( فلو فَلق الفؤادَ شَدِيدُ وجْدٍ ... لهَمَّ سوادُ قلبي بانفلاق ) ( سأَستعدي على الفاروق ربًّا ... له دُفِعَ الحجيجُ إلى بُساقِ ) ( وأدعو الله مجتهداً عليه ... ببطن الأخشبَين إلى دُفاق ) ( إنِ الفاروقُ لم يردد كلاباً ... إلى شيخين هامُهما زَواق ) قال فبكى عمر بكاء شديدا وكتب برد كلاب إلى المدينة فلما قدم دخل إليه فقال ما بلغ من برك بأبيك قال كنت أوثره وأكفيه أمره وكنت أعتمد إذا أردت أن أحلب له لبنا أغزر ناقة في إبله وأسمنها فأريحها وأتركها حتى تستقر ثم أغسل أخلافها حتى تبرد ثم أحتلب له فأسقيه فبعث عمر إلى أمية من جاء به إليه فأدخله يتهادى وقد ضعف بصره وانحنى فقال له كيف أنت يا أبا كلاب قال كما تراني يا أمير المؤمنين قال فهل لك من حاجة قال نعم أشتهي أن أرى كلابا فأشمه شمة وأضمه ضمة قبل أن أموت فبكى عمر ثم قال ستبلغ من هذا ما تحب إن شاء الله تعالى ثم أمر كلابا أن يحتلب لأبيه ناقة كما كان يفعل ويبعث إليه بلبنها ففعل فناوله عمر الإناء وقال دونك هذا يا أبا كلاب فلما أخذه وأدناه إلى فمه قال لعمر والله يا أمير المؤمنين إني لأشم رائحة يدي كلاب من هذا الإناء فبكى عمر وقال هذا كلاب عندك حاضرا قد جئناك به فوثب إلى ابنه وضمه إليه وقبله وجعل عمر يبكي ومن حضره وقال لكلاب الزم أبويك فجاهد فيهما ما بقيا ثم شأنك بنفسك بعدهما وأمر له بعطائه وصرفه مع أبيه فلم يزل معه مقيما حتى مات أبوه أصيبت ابله بالهيام فأخرجه قومه ونسخت من كتاب أبي سعيد السكري أن أمية كانت له إبل هائمة أي أصابها الهيام وهو داء يصيب الإبل من العطش فأخرجته بنو بكر مخافة أن يصيب إبلهم فقال لهم يا بني بكر إنما هي ثلاث ليال ليلة بالبقعاء وليلة بالفرع وليلة بلقف في سامر من بني بكر فلم ينفعه ذلك وأخرجوه فأتى مزينة فأجاروه وأقام عندهم إلى أن صحت إبله وسكنت فقال يمدح مزينة ( تكنّفها الهُيام وأخرجوها ... فما تأوي إلى إبل صِحاحِ ) ( فكان إلى مُزَينةَ منتهاها ... على ما كان فيها من جُناح ) ( وما يكن الجُناحُ فإنّ فيها ... خلائقَ ينتمين إلى صلاح ) ( ويوما في بني ليث بن بكرٍ ... تُراعى تحت قعقعة الرماح ) ( فإمّا أُصبِحَنْ شيخا كبيرا ... وراء الدار يُثقلنِي سلاحي ) ( فقد آتي الصريخَ إذا دعاني ... على ذي مَنْعة عَتِدٍ وَقاح ) ( وشرُّ أخي مؤامرةٍ خَذولٌ ... على ما كان مؤتِكلٌ ولاح ) عمر حتى خرف وسخر منه أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن عبد الله الحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه وأخبرني به محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أبو توبة عن أبي عمرو قال عمر أمية بن الأسكر عمرا طويلا حتى خرف فكان ذات يوم جالسا في نادي قومه وهو يحدث نفسه إذ نظر إلى راعي ضأن لبعض قومه يتعجب منه فقام لينهض فسقط على وجهه فضحك الراعي منه واقبل ابناه إليه فلما رآهما أنشأ يقول ( يا بْنَي أمية إني عنكما غانِ ... وما الغنى غير أني مُرعَشٌ فانِ ) ( يا بْني أمية إلاّ تحفظا كِبَري ... فإنما أنتما والثُّكلُ سِيّان ) ( هل لكما في تُراثٍ تذهبان به ... إن التراث لِهَيّان بنِ بَيّان ) يقال هيان بن بيان وهي ترى للقريب والبعيد ( أصبحت هُزْءاً لراعي الضأن يَسخَر بِي ... ماذا يَربيك مِنِّي راعيَ الضّان ) ( أعجَبْ لغيريَ إني تابع سلفي ... أعمامَ مجد وأجدادي وإخواني ) ( وانعَقْ بضأنك في أرض تُطِيف بها ... بين الأَساف وأنتجها بِجلْذان ) جلذان موضع بالطائف ( ببلدة لا ينام الكالئان بها ... ولا يقَرُّ بها أصحابُ ألوان ) إعجاب الإمام علي بشعره وهذه الأبيات تمثل بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في خطبة له على المنبر بالكوفة حدثنا بها أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن أبي رجاء قال حدثنا إبراهيم بن سعد قال قال عبد الله بن عدي بن الخيار شهدت الحكمين ثم أتيت الكوفة وكانت لي إلى علي عليه السلام حاجة فدخلت عليه فلما رآني قال مرحبا بك يا ابن أم قتال أزائرا جئتنا أم لحاجة فقلت كل جاء بي جئت لحاجة وأحببت أن أجدد بك عهدا وسألته عن حديث فحدثني على ألا أحدث به واحدا فبينا أنا يوما بالمسجد في الكوفة إذا علي صلوات الله عليه متنكب قرنا له فجعل يقول الصلاة جامعة وجلس على المنبر فاجتمع الناس وجاء الأشعث بن قيس فجلس إلى جانب المنبر فلما اجتمع الناس ورضي منهم قال فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنكم تزعمون أن عندي من رسول الله ما ليس عند الناس ألا وإنه ليس عندي إلا ما في قرني هذا ثم نكت كنانته فأخرج منها صحيفة فيها المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فقال له الأشعث بن قيس هذه والله عليك لا لك دعها تترحل فخفض علي صلوات الله عليه إليه بصره وقال ما يدريك ما علي مما لي عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين حائك ابن حائك منافق ابن منافق كافر ابن كافر والله لقد أسرك الإسلام مرة والكفر مرة فما فداك من واحد منهما حسبك ولا مالك ثم رفع إلي بصره فقال يا عبيد الله ( أصبحتُ قِنًّا لراعي الضأن يلعب بي ... ماذا يَريبك منِّي راعيَ الضان ) فقلت بأبي أنت وأمي قد كنت والله أحب أن أسمع هذا منك قال هو والله ذلك قال ( فما قِيلَ لي من بعدها من مقالة ... ولا عَلِقتْ مني جديدا ولا دَرْسا ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الحارث عن المدائني قال لما مات أمية بن الأسكر عاد ابنه كلاب إلى البصرة فكان يغزو مع المسلمين منها مغازيهم وشهد فتوحات كثيرة وبقي إلى أيام زياد فولاه الأبلة فسمع كلاب يوما عثمان بن أبي العاص يحدث أن داود نبي الله عليه السلام كان يجمع أهله في السحر فيقول ادعوا ربكم فإن في السحر ساعة لا يدعو فيها عبد مؤمن إلا غفر له إلا أن يكون عشار أو عريفا فلما سمع ذلك كلاب كتب إلى زياد فاستعفاه من عمله فأعفاه قال المدائني ولم يزل كلاب بالبصرة حتى مات والمربعة المعروفة بمربعة كلاب بالبصرة منسوبة إليه وقال أبو عمرو الشيباني كان بين بني غفار قومه وبني ليث حرب فظفرت بنو ليث بغفار فحالف رحضة بن خزيمة بن خلاف بن حارثة بن غفار وقومه جميعا بني أسلم بن أفصى بن خزاعة فقال أمية بن الأسكر في ذلك وكان سيد بني جندع بن ليث وفارسهم ( لقد طِبتَ نفساً عن مواليك يا رَحْضا ... وآثرتَ أذناب الشوائل والحمضا ) ( تُعللنا بالنّصر في كل شتوة ... وكلّ ربيع أنت رافضنا رفضا ) ( فلولا تأسّينا وحدُّ رماحنا ... لقد جلاّ قوم لحمنا تَرِباً قَضَّا ) القض والقضيض الحصا الصغار تمثل عبد الله بن الزبير بشعره أخبرني الحسن بن علي قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب بن عبد الله عن أبيه قال افتعل عمرو بن الزبير كتابا عن معاوية إلى مروان بن الحكم بأن يدفع إليه مالا فدفعه إليه فلما عرف معاوية خبره كتب إلى مروان بأن يحبس عمرا حتى يؤدي المال فحبسه مروان وبلغ الخبر عبد الله بن الزبير فجاء إلى مروان وسأله عن الخبر فحدثه به فقال مالكم في ذمتي فأطلق عمرا وأدى عبد الله المال عنه وقال والله إني لأؤديه عنه وإني لأعلم أنه غير شاكر ثم تمثل قول أمية بن الأسكر الليثي ( فلولا تأسّينا وحدّ رماحنا ... لقد جرّ قوم لحمنا تَرِبا قَضّا ) وقال ابن الكلبي حدثنا بعض بني الحارث بن كعب قال سيدان يخطبان ابنة له جميلة اجتمع يزيد بن عبد المدان وعامر بن الطفيل بموسم عكاظ فقدم أمية بن الأسكر ومعه بنت له من أجمل أهل زمانها فخطبها يزيد وعامر فقالت أم كلاب امرأة أمية من هذان الرجلان قال هذا ابن الديان وهذا عامر بن الطفيل قالت أعرف ابن الديان ولا أعرف عامرا قال هل سمعت بملاعب الأسنة قالت نعم والله قال فهذا ابن أخيه وأقبل يزيد فقال يا أمية أنا ابن الديان صاحب الكثيب ورئيس مذحج ومكلم العقاب ومن كان يصوب أصابعه فتنطف دما ويدلك راحتيه فتخرجان ذهبا قال أمية بخ بخ فقال عامر جدي الأحزم وعمي أبو الأصبع وعمي ملاعب الأسنة وجدي الرحال وأبي فارس قرزل قال أمية بخ بخ مرعى ولا كالسعدان فأرسلها مثلا فقال يزيد يا عامر هل تعلم شاعرا من قومي رحل بمدحه إلى رجل من قومك قال لا قال فهل تعلم أن شعراء قومك يرحلون بمدحهم إلى قومي قال نعم قال فهل لك نجم يمان أو برد يمان أو سيف يمان أو ركن يمان فقال لا قال فهل ملكناكم ولم تملكونا قال نعم فنهض يزيد وقام ثم قال ( أُميّ يا بنَ الأسكر بنِ مُدلج ... لا تجعلَنْ هوازنا كَمذحِجِ ) ( إنك إن تلهج بأمر تلجَجِ ... ما لنّبع في مغرِسه كالعَوْسج ) ( ولا الصّريحُ المحضُ كالممزَّج ... ) وقال مرة بن دودان العقيلي وكان عدوا لعامر بن الطفيل ( يا ليت شعري عنك يا يزيدُ ... ماذا الذي من عامر تريدُ ) ( لكلّ قوم فخرُهم عتيدُ ... أمُطلَقون نحن أم عبيدُ ) ( لا بل عَبيدٌ زادُنا الهَبيد ... ) فزوج أمية يزيد فقال يزيد في ذلك ( يا لَلرجال لطارق الأحزان ... ولِعامر بن طفيلٍ الوسنانِ ) ( كانت إتاوةُ قومه لمحرِّق ... زمنا وصارت بعدُ للنعمان ) ( عَدّ الفوارسَ من هوازن كلّهَا ... كثَفْا عليّ وجئتُ بالديان ) ( فإذا ليَ الفضلُ المبين بوالدٍ ... ضخمِ الدَّسِيعة أزأنيِّ ويمان ) ( يا عامِ إنك فارسٌ متهوّرٌ ... غضُّ الشباب أخونَديً وقيان ) ( واعلم بأنك يا بن فارس قرْزَل ... دون الذي تسمو له وتُداني ) ( ليستْ فوارسُ عامر بمُقِرَّةٍ ... لك بالفضيلة في بني عَيْلان ) ( فإذا لقيتَ بني الخميس ومالكا ... وبني الضِّباب وحيَّ آل قنان ) ( فاسأل مَنِ المرءُ المُنَوَّه باسمه ... والدافعُ الأعداء عن نَجران ) ( يُعطَى المَقادةَ في فوارس قومِه ... كرما لعمرك والكريم يمان ) فقال عامر بن الطفيل مجيبا له ( يا للرجال لطارق الأحزان ... ولِما يجيء به بنو الدّيانِ ) ( فخروا عليَّ بِحَبْوة لمحَرِّق ... وإتاوة سلفت من النعمان ) ( ما أنت وابنَ محرقٍ وقبيلَه ... وإتاوةَ اللخميِّ في عَيْلان ) ( فاقصِد بذَرْعك قَصْد أمرك قصده ... ودعِ القبائل من بني قحطان ) ( إذ كان سالفُنا الإتاوة فيهم ... أولى ففخرك فخر كل يمان ) ( وافخر بَرِهط بني الحَماس ومالك ... وابن الضِّباب وزعبل وقيان ) ( وأنا المنخل وابنُ فارس قُرْزُلٍ ... وأبو نزار زانني ونماني ) ( وإذا تعاظمت الأمور موازنا ... كنتُ المنوَّهَ باسمه والثاني ) فلما رجع القوم إلى بني عامر وثبوا على مرة بن دودان وقالوا أنت شاعر بني عامر ولم تهج بني الديان فقال ( تكلّفني هوازنُ فخْرَ قومٍ ... يقولون الأنامُ لنا عبيدُ ) ( أبوهم مَذْحِج وأبو أبيهم ... إذا ما عُدّت الآباءُ هودُ ) ( وهل لي إن فخَرتُ بغير فخر ... مقالٌ والأنام له شهود ) ( فإنّا لم نزل لهمُ قطينا ... تجيء إليهمُ منا الوفود ) ( فإنّا نضرب الأحلام صفحا ... عن العلياء أو من ذا يكيد ) ( فقولوا يا بني عَيلان كنا ... لكم قِنًّا وما عنكم محيد ) وهذا الخبر مصنوع من مصنوعات ابن الكلبي والتوليد فيه بين وشعره شعر ركيك غث لا يشبه أشعار القوم وإنما ذكرته لئلا يخلو الكتاب من شيء قد روي شعره في يوم المريسيع وقال محمد بن حبيب فيما روى عنه أبو سعيد السكري ونسخته من كتابه قال أبو عمرو الشيباني أصيب قوم من بني جندع بن ليث بن بكر بن هوازن رهط أمية بن الأسكر يقال لهم بنو زبينة أصابهم أصحاب النبي يوم المريسيع في غزوته بني المصطلق وكانوا جيرانه يومئذ ومعهم ناس من بني لحيان من هذيل ومع بني جندع رجل من خزاعة يقال له طارق فاتهمه بنو ليث بهم وأنه دل عليهم وكانت خزاعة مسلمها ومشركها يميلون إلى النبي على قريش فقال أمية بن الأسكر لطارق الخزاعي ( لعمرك إني والخزاعيَّ طارقا ... كنَعجة عادٍ حتفَها تتحفّر ) ( أثارت عليها شَفرةً بِكُراعها ... فظلّت بها من آخر الليل تجزَر ) ( شَمِتَّ بِقومٍ هم صديقك أُهلِكوا ... أصابهمُ يوم من الدهر أعسر ) ( كأنك لم تُنبأ بيوم ذُؤالة ... ويومٍ الرّجيع إذ تنحّر حبتر ) ( فهلاّ أباكم في هذيل وعمَّكم ... ثأرتُمْ وهمْ أعدى قلوبا وأوتر ) ( ويوم الأراك يوم أُردِف سبيكم ... صميمُ سَراة الدِّيل عبدٌ ويعمرُ ) ( وسَعْد بن ليث إذ تُسَلُّ نساؤكم ... وكلب بن عوف نحرّوكم وعقّروا ) ( عجبت لشيخ من ربيعةَ مُهْتَرٍ ... أُمِرّ له يومٌ من الدهر منكَر ) فأجابه طارق الخزاعي فقال ( لعمرك ما أدري وإني لقائل ... إلى أيِّ مَن يظُنّني أتعذَّر ) ( أُعنَّف أَنْ كانت زبِينة أُهلكت ... ونال بني لحيانَ شرّ ونُفّروا ) وهذه الأبيات الابتداء والجواب تمثل بابتدائها ابن عباس في رسالة إلى معاوية وتمثل بجوابها معاوية في رسالة أجابه بها حدثني بذلك أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجلي العطار بالكوفة قال حدثنا الحسين بن نصر بن مزاحم المنقري قال حدثنا زيد بن المعذل النمري قال حدثنا يحيى بن شعيب الخراز قال حدثنا أبو مخنف قال لما بلغ معاوية مصاب أمير المؤمنين علي عليه السلام دس رجلا من بني القين إلى البصرة يتجسس الأخبار ويكتب بها إليه فدل على القيني بالبصرة في بني سليم فأخذ وقتل وكتب ابن عباس من البصرة إلى معاوية أما بعد فإنك ودسك أخا بني القين إلى البصرة تلتمس من غفلات قريش مثل الذي ظفرت به من يمانيتك لكما قال الشاعر ) لعمرك إني والخزاعيَّ طارقا ... كنعجة عاد حتفَها تتحفّر ) ( أثارت عليها شَفرةً بكُراعها ... فظلّت بها من آخر الليل تُجزَر ) ( شمِتَّ بقوم هم صديقك أُهُلكوا ... أصابهمُ يوم من الدهر أمعر ) فأجابه معاوية أما بعد فإن الحسن قد كتب إلي بنحو مما كتبت به وأنبني بما لم أجن ظنا وسوء رأي وإنك لم تصب مثلنا ولكن مثلنا ومثلكم كما قال طارق الخزاعي ( فوالله ما أدري وإني لصادق ... إلى أيِّ من يَظَّنني أتعذر ) ( أُعَنّف أَن كانتَ زبينةُ أُهلِكت ... ونال بني لِحيان شرّ ونُفِّروا ) صوت ( أبُنيّ إني قد كبِرتُ ورابني ... بَصري وفيّ لمُصلح مستمتَعُ ) ( فلئن كبِرتُ لقد دنوتُ من البلى ... اوحَلَّتْ لكم منَّي خَلائقُ أربع ) عروضه من الكامل والشعر لعبدة بن الطبيب والغناء لابن محرز ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالبنصر في مجراها عن إسحاق وفيه لمعبد خفيف ثقيل أول بالبنصر في مجراها عنه أيضا نسب عبدة بن الطبيب وأخباره هو فيما ذكر ابن حبيب عن ابن الأعرابي وأبو نصر أحمد بن حاتم عن الأصمعي وأبي عمرو الشيباني وأبي فروة العكلي عبدة بن الطبيب والطبيب اسمه يزيد بن عمرو بن وعلة بن أنس بن عبد الله بن عبد تيم بن جشم بن عبد شمس ويقال عبشمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم وقال ابن حبيب خاصة وقد أخبرني أبو عبيدة قال تميم كلها كانت في الجاهلية يقال لها عبد تيم وتيم صنم كان لهم يعبدونه أجاد الشعر ولم يكثر وعبدة شاعر مجيد ليس بالمكثر وهو مخضرم أدرك الإسلام فأسلم وكان في جيش النعمان بن المقرن الذين حاربوا معه الفرس بالمدائن وقد ذكر ذلك في قصيدته التي أولها ( هل حَبلُ خَوْلةَ بعد الهَجر موصولُ ... أم أنت عنها بَعيدُ الدار مشغولُ ) ( حلّت خُويْلة في دارٍ مجاوِرةً ... أهلَ المدينة فيها الديك والفيل ) ( يقارعون رؤوس العُجْم ضاحيةً ... منهم فوارس لا عُزْلٌ ولا مِيل ) أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال أرثى بيت قالته العرب قول عبدة بن الطبيب ( فما كان قيس هُلْكهُ هُلكَ واحدٍ ... ولكنه بُنيانُ قوم تهدَّما ) وتمام هذه الأبيات أنشدناه علي بن سليمان الأخفش عن السكري والمبرد والأحول لعبدة يرثي قيسا ( عليك سلامُ الله قيسَ بنَ عاصم ... ورحمتُه ما شاء أن يترحّما ) ( تحيةَ من أوليتَه منك نعمةً ... إذا زار عن شَحْطٍ بلادَك سلَّما ) ( وما كان قيس هُلكهُ هلكَ واحد ... ولكنه بُنيانُ قوم تهدَّما ) كان يترفع عن الهجاء ويراه ضعة أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو عثمان الأشنانداني عن التوزي عن أبي عبيدة عن يونس قال قال رجل لخالد بن صفوان كان عبدة بن الطبيب لا يحسن أن يهجو فقال لا تقل ذاك فوالله ما أبى من عي ولكنه كان يترفع عن الهجاء ويراه ضعة كما يرى تركه مروءة وشرفا قال ( وأجرأ من رأيتُ بظَهْر غيبٍ ... على عيب الرجال أولو العيوب ) أخبرني محمد بن القاسم الأنباري قال حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب عن ابن الأعرابي أن عبد الملك بن مروان قال يوما لجلسائه أي المناديل أشرف فقال قائل منهم مناديل مصر كأنها غرقئ البيض وقال آخرون مناديل اليمن كأنها نور الربيع فقال عبد الملك مناديل أخي بني سعد عبدة بن الطبيب قال ( لمّا نزلنا نصبنا ظلّ أخبيةٍ ... وفارَ لِلقوم باللحم المراجيلُ ) ( وَرْدٌ وأشقرُ ما يؤنيه طابخهُ ... ما غيَّر الغليُ منه فهو مأكول ) ( ثُمّتَ قمنا إلى جُرْد مُسوَّمةٍ ... أعرافُهنّ لأيدينا مناديل ) يعني بالمراجيل المراجل فزاد فيها الياء ضرورة صوت ( إن الليالي أسرعَت في نقضي ... أخذن بعَضِي وتركن بعِضي ) ( حَنَيْنَ طُولي وطَوَين عَرْضي ... أقعدْنني مِن بعد طول نهض ) عروضه من الرجز الشعر للأغلب العجلي والغناء لعمرو بن بانة هزج بالبنصر أخبار الأغلب ونسبه هو فيما ذكر ابن قتيبة الأغلب بن جشم بن سعد بن عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل وهو أحد المعمرين عمر في الجاهلية عمرا طويلا وأدرك الإسلام فأسلم وحسن إسلامه وهاجر ثم كان فيمن توجه إلى الكوفة مع سعد ابن أبي وقاص فنزلها واستشهد في وقعة بنهاوند فقبره هناك في قبور الشهداء هو أول من رجز الأراجيز من العرب ويقال إنه أول من رجز الأراجيز الطوال من العرب وإياه عنى الحجاج بقوله مفتخرا ( إني أنا الأغلب أَمسى قد نشد ... ) قال ابن حبيب كانت العرب تقول الرجز في الحرب والحداء والمفاخرة وما جرى هذا المجرى فتأتِي منه بأبيات يسيرة فكان الأغلب أول من قصد الرجز ثم سلك الناس بعده طريقته أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي أبو خليفة في كتابه إلينا قال أخبرنا محمد بن سلام قال حدثنا الأصمعي وأخبرنا أحمد بن محمد أبو الحسن الأسدي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا معمر بن عبد الوارث عن أبي عمرو بن العلاء قال كانت للأغلب سرحة يصعد عليها ثم يرتجز ( قد عرَفَتْني سَرْحتي فأطَّتِ ... وقد شَمِطتُ بعدها واشمطَّتِ ) فاعترضه رجل من بني سعد ثم أحد بني الحارث بن عمرو بن كعب ابن سعد فقال له أنشد من شعر الجاهلية فأنقص عمر عطاءه ( قَبُحتَ من سالِفةٍ ومن قفا ... عبدٌ إذا ما رسب القوم طفا ) ( كما شِرار الرِّعْي أطرافُ السّفَى ... ) أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن عباد بن حبيب المهلبي قال حدثني نصر بن ناب عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال كتب عمر بن الخطاب إلى المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة أن اشتنشد من قبلك من شعراء قومك ما قالوا في الإسلام فأرسل إلى الأغلب العجلي فاستنشده فقال ( لقد سألتَ هيِّنا موجودا ... أرجَزاً تريد أم قصيدا ) ثم أرسل إلى لبيد فقال له إن شئت مما عفا الله عنه يعني الجاهلية فعلت قال لا أنشدني ما قلت في الإسلام فانطلق لبيد فكتب سورة البقرة في صحيفة وقال أبدلني الله عز و جل بهذه في الإسلام مكان الشعر فكتب المغيرة بذلك إلى عمر فنقص عمر من عطاء الأغلب خمسمائة وجعلها في عطاء لبيد فكتب إلى عمر يا أمير المؤمنين أتنقص عطائي أن أطعتك فرد عليه خمسمائة وأقر عطاء لبيد على ألفين وخمسمائة أخبرني محمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن حاتم قال حدثنا علي بن القاسم عن الشعبي قال دخل الأغلب على عمر فلما رآه قال هيه أنت القائل ( أرجزاً تريد أم قصيدَا ... لقد سألتَ هيّنا موجوداا ) فقال يا أمير المؤمنين إنما أطعتك فكتب عمر إلى المغيرة أن أردد عليه الخمس المائة وأقر الخمس المائة للبيد شعره في سجاح حين تزوجت مسيلمة الكذاب أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال قال الأغلب العجلي في سجاح لما تزوجت مسيلمة الكذاب ( لقد لقيتْ سجاح من بعد العمى ... مُلَوَّحا في العين مجلود القَرا ) ( مثل العَتيق في شبابٍ قد أتى ... من اللُّجَيْميّين أصحابِ القِرَى ) ( ليس بذي واهنة ولا نَسا ... نشا بلحم وبخبز ما اشترى ) ( حتى شتا يَنتح ذِفراه الندى ... خاظى البضيع لحمهُ خظابظا ) ( كأنما جمَّع من لحم الخُصى ... إذا تمطَّى بين بُرديه صأى ) ( كأنَّ عِرق أيره إذا ودى ... حَبلُ عجوز ضَفَّرت سبعَ قُوى ) ( يمشي على قوائمٍ خمس زَكا ... يرفع وُسطاهنّ من بَرد النَّدى ) ( قالت متى كنت أبا الخير متى ... قال حديثا لم يغيِّرني البِلى ) ( ولم أفارق خُلَّة لي عن قِلَى ... فانتُسفَتْ فَيشتُه ذاتُ الشَّوى ) ( كأن في أجلادها سبعَ كُلَى ... ما زال عنها بالحديث والمُنى ) ( والخلُقِ السَّفسافِ يُردِي في الردى ... قال ألا تَرينَه قالت أرى ) ( قال ألا أدخله قالت بلى ... فشام فيها مثلَ محراث الغضى ) ( يقول لما غاب فيها واستوى ... لمِثلها كنتُ أُحسِّيك الحَسا ) من أخبار سجاح وكان من خبر سجاح وادعائها النبوة وتزويج مسيلمة الكذاب إياها ما أخبرنا به إبراهيم بن النسوي يحيى عن أبيه عن شعيب عن سيف أن سجاح التميمية ادعت النبوة بعد وفاة رسول الله واجتمعت عليها بنو تميم فكان فيما ادعت أنه أنزل عليها يأيها المؤمنون المتقون لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريشا قوم يبغون واجتمعت بنو تميم كلها إليها لتنصرها وكان فيهم الأحنف بن قيس وحارثة بن بدر ووجوه تميم كلها وكان مؤذنها شبيب بن ربعي الرياحي فعمدت في جيشها إلى مسيلمة الكذاب وهو باليمامة وقالت يا معشر تميم اقصدوا اليمامة فاضربوا فيها كل هامة وأضرموا فيها نارا ملهامة حتى تتركوها سوداء كالحمامة وقالت لبني تميم إن الله لم يجعل هذا الأمر في ربيعة وإنما جعله في مضر فاقصدوا هذا الجمع فإذا فضضتموه كررتم على قريش فسارت في قومها وهم الدهم الداهم وبلغ مسيلمة خبرها فضاق بها ذرعا وتحصن في حجر حصن اليمامة وجاءت في جيوشها فأحاطت به فأرسل إلى وجوه قومه وقال ما ترون قالوا نرى أن نسلم هذا الأمر إليها وتدعنا فإن لم نفعل فهو البوار وكان مسيلمة ذا دهاء فقال سأنظر في هذا الأمر ثم بعث إليها إن الله تبارك وتعالى أنزل عليك وحيا وأنزل علي فهلمي نجتمع فنتدارس ما أنزل الله علينا فمن عرف الحق تبعه واجتمعنا فأكلنا العرب أكلا بقومي وقومك فبعثت إليه أفعل فأمر بقبة أدم فضربت وأمر بالعود المندلي فسجر فيها وقال أكثروا من الطيب والمجمر فإن المرأة إذا شمت رائحة الطيب ذكرت الباه ففعلوا ذلك وجاءها رسوله يخبرها بأمر القبة المضروبة للاجتماع فأتته فقالت هات ما أنزل عليك فقال ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى أخرج منها نطفة تسعى بين صفاق وحشا من بين ذكر وأنثى وأموات وأحيا ثم إلى ربهم يكون المنتهى قالت وماذا قال ألم تر أن الله خلقنا أفواجا وجعل النساء لنا أزواجا فنولج فيهن الغراميل إيلاجا ونخرجها منهن إذا شئن إخراجا قالت فبأي شيء أمرك قال ( ألا قومي إلى النَّيكِ ... فقد هُيِّي لك المضجعْ ) ( فإن شئتي ففي البيت ... وإن شئتي ففي المُخدعْ ) ( وإن شئتي سلقناك ... وإن شئتي على أربعْ ) ( وإن شئتي بثلثيه ... وإن شئتي به أجمعْ ) قال فقالت لا إلا به أجمع قال فقال كذا أوحى الله إلي فواقعها فلما قام عنها قالت إن مثلي لا يجري أمرها هكذا فيكون وصمة على قومي وعلي ولكني مسلمة النبوة إليك فاخطبني إلى أوليائي يزوجوك ثم أقود تميما معك فخرج وخرجت معه فاجتمع الحيان من حنيفة وتميم فقالت لهم سجاح إنه قرأ علي ما أنزل عليه فوجدته حقا فاتبعته ثم خطبها فزوجوه إياها وسألوه عن المهر فقال قد وضعت عنكم صلاة العصر فبنو تميم إلى الآن بالرمل لا يصلونها ويقولون هذا حق لنا ومهر كريمة منا لا نرده قال وقال شاعر من بني تميم يذكر أمر سجاح في كلمة له ( أضحَتْ نَبِيّتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياءُ الله ذُكْرانا ) قال وسمع الزبرقان بن بدر الأحنف يومئذ وقد ذكر مسيلمة وما تلاه عليهم فقال الأحنف والله ما رأيت أحمق من هذا النبي قط فقال الزبرقان والله لأخبرن بذلك مسيلمة قال إذا والله أحلف أنك كذبت فيصدقني ويكذبك قال فأمسك الزبرقان وعلم أنه قد صدق قال وحدث الحسن البصري بهذا الحديث فقال أمن والله أبو بحر من نزول الوحي قال فأسلمت سجاح بعد ذلك وبعد قتل مسيلمة وحسن إسلامها صوت ( كم ليلةٍ فيكِ بِتُّ أسهرها ... ولوعةٍ من هواك أُضمِرُها ) ( وحُرقةٍ والدموعُ تُطفئها ... ثم يعود الجوى فيُسعِرها ) ( بيضاء رُود الشباب قد غُمسَت ... في خَجل دائب يعصفرها ) ( الله جارٌ لها فما امتلأَت ... عيناي إلا من حيثُ أُبصرُها ) الشعر للبحتري والغناء لعريب رمل مطلق من مجموع أغانيها وهو لحن مشهور في أيدي الناس والله أعلم أخبار البحتري ونسبه هو الوليد بن عبيد الله بن يحيى بن عبيد بن شملال بن جابر بن سلمة بن مسهر بن الحارث بن خيثم بن أبي حارثة بن جدي بن تدول بن بحتر بن عتود بن عثمة بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن جلهمة وهو طيىء بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان هجاؤه جيد على ندرته ويكنى أبا عبادة شاعر فاضل فصيح حسن المذهب نقي الكلام مطبوع كان مشايخنا رحمة الله عليهم يختمون به الشعراء وله تصرف حسن فاضل نقي في ضروب الشعر سوى الهجاء فإن بضاعته فيه نزرة وجيده منه قليل وكان ابنه أبو الغوث يزعم أن السبب في قلة بضاعته في هذا الفن أنه لما حضره الموت دعا به وقال له اجمع كل شيء قلته في الهجاء ففعل فأمره بإحراقه ثم قال له يا بني هذا شيء قلته في وقت فشفيت به غيظي وكأفات به قبيحا فعل بي وقد انقضى أربي في ذلك وإن بقي روي وللناس أعقاب يورثونهم العداء والمودة وأخشى أن يعود عليك من هذا شيء في نفسك أو معاشك لا فائدة لك ولي فيه قال فعلمت أنه قد نصحني وأشفق علي فأحرقته أخبرني بذلك علي بن سليمان الأخفش عن أبي الغوث وهذا كما قال أبو الغوث لا فائدة لك ولا لي فيه لأن الذي وجدناه وبقي في أيدي الناس من هجائه أكثره ساقط مثل قوله في ابن شير زاد ( نفقْتَ نُفُوق الحمار الذّكَرْ ... وبان ضُراطُك عنا فمرْ ) ومثل قوله في علي بن الجهم ( ولو أعطاك ربُّك ما تمَنَّى ... لزادك منه في غِلَظ الأيورِ ) ( عَلامَ طَفِقْت تهجوني مليًّا ... بما لفقّت من كذبٍ وزُورِ ) وأشباه لهذه الأبيات ومثلها لا يشاكل طبعه ولا تليق بمذهبه وتنبيء بركاكتها وغثاثة ألفاظها عن قلة حظه في الهجاء وما يعرف له هجاء جيد إلا قصيدتان إحداهما قوله في ابن أبي قماش ( مرّت على عَزْمِها ولم تقفِ ... مُبدِيةً للشِّنان والشَّنَفِ ) يقول فيها لابن أبي قماش ( قد كان في الواجب المُحقَّق أن ... تعرف ما في ضميرها النّطفِ ) ( بما تَعاطيتَ في العيوب وما ... أُوتِيت من حكمة ومن لَطَفِ ) ( أمَا رأيت المرّيخَ قد مازج الزّهرة في الجدّ منه والشّرَفِ ) ( وأخبرتك النّحوسُ أنكما ... في حالتي ثابت ومُنْصَرَف ) ( من أين أعلمت ذا وأنت على ... التَّقْويم والزِّيج جِدّ مُنْعكفِ ) ( أما زجرتَ الطّير العلا أو تَعَيَّفْت ... المها اَو نظرت في الكَتِفِ ) ( رذُلت في هذه الصناعةِ أو ... أكديتَ أو رمتَها على الخَرَفِ ) ( لم تَخْطُ باب الدّهليز منصرِفاً ... إلا وخَلخالُها مع الشَّنَفِ ) وهي طويلة ولم يكن مذهبي ذكرها إلا للإخبار عن مذهبه في هذا الجنس وقصيدته في يعقوب بن الفرج النصراني فإنها وإن لم تكن في أسلوب هذه وطريقتها تجري مجرى التهكم باللفظ الطيب الخبيث المعاني وهي ( تظنّ شُجُونِيَ لم تَعْتَلِجْ ... وقد خلج البَيْنُ من قد خَلَجْ ) وكان البحتري يتشبه بأبي تمام في شعره ويحذو مذهبه وينحو نحوه في البديع الذي كان أبو تمام يستعمله ويراه صاحبا وإماما ويقدمه على نفسه ويقول في الفرق بينه وبينه قول منصف إن جيد أبي تمام خير من جيده ووسطه ورديئه خير من وسط أبي تمام ورديئه وكذا حكم هو على نفسه من أشعر هو أو أبو تمام أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني الحسين بن علي الياقطاني قال قلت للبحتري أيما أشعر أنت أو أبو تمام فقال جيده خير من جيدي ورديئي خير من رديئه حدثني محمد بن يحيى قال حدثني أبو الغوث يحيى بن البحتري قال كان أبي يكنى أبا الحسن وأبا عبادة فأشير علي في أيام المتوكل بأن أقتصر على أبي عبادة فإنها أشهر فاقتصرت عليها حدثني محمد قال سمعت عبد الله بن الحسين بن سعد يقول للبحتري وقد اجتمعنا في دار عبد الله بالخلد وعنده المبرد في سنة ست وسبعين ومائتين وقد أنشد البحتري شعرا لنفسه قد كان أبو تمام قال في مثله أنت والله أشعر من أبي تمام في هذا الشعر قال كلا والله إن أبا تمام للرئيس والأستاذ والله ما أكلت الخبز إلا به فقال له المبرد لله درك يا أبا الحسن فإنك تأبى إلا شرفا من جميع جوانبك حدثني محمد قال حدثني الحسين بن إسحاق قال قلت للبحتري إن الناس يزعمون أنك أشعر من أبي تمام فقال والله ما ينفعني هذا القول ولا يضر أبا تمام والله ما أكلت الخبز إلا به ولوددت أن الأمر كان كما قالوا ولكني والله تابع له آخذ منه لائذ به نسيمي يركد عند هوائه وأرضي تنخفض عند سمائه حدثني محمد بن يحيى قال حدثني سوار بن أبي شراعة عن البحتري قال وحدثني أبو عبد الله الألوسي عن علي بن يوسف عن البحتري قال كان أول أمري في الشعر ونباهتي أني صرت إلى أبي تمام وهو بحمص فعرضت عليه شعري وكان الشعراء يعرضون عليه أشعارهم فأقبل علي وترك سائر من حضر فلما تفرقوا قال لي أنت أشعر من أنشدني فكيف بالله حالك فشكوت خلة فكتب إلى أهل معرة النعمان وشهد لي بالحذق بالشعر وشفع لي إليهم وقال امتدحهم فصرت إليهم فأكرموني بكتابه ووظفوا لي أربعة آلاف درهم فكانت أول مال أصبته وقال علي بن يوسف في خبره فكانت نسخة كتابه يصل كتابي هذا على يد الوليد أبي عبادة الطائي هو على بذاذته شاعر فأكرموه حدثني جحظة قال سمعت البحتري يقول كنت أتعشق غلاما من أهل منبج يقال له شقران واتفق لي سفر فخرجت فيه فأطلت الغيبة ثم عدت وقد التحى فقلت فيه وكان أول شعر قلته ( نبَتَتْ لِحْيةُ شُقرانَ ... شَقِيقِ النَّفْسِ بَعْدِي ) ( حُلِقت كيف أتته ... قبل أن يُنجِزَ وعدِي ) كيف تم التعارف بينه وبين أبي تمام وقد روي في غير هذه الحكاية أن اسم الغلام شندان حدثني علي بن سليمان قال حدثني أبو الغوث بن البحتري عن أبيه وحدثني عمي قال حدثني علي بن العباس النوبختي عن البحتري وقد جمعت الحكايتين وهما قريبتان قال أول ما رأيت أبا تمام أني دخلت على أبي سعيد محمد بن يوسف وقد مدحته بقصيدتي ( أأفاق صبٌّ من هَوًى فاُفِيقَا ... أو خان عهداً أو أطاع شفيقا ) فسر بها أبو سعيد وقال أحسنت والله يا فتى وأجدت قال وكان في مجلسه رجل نبيل رفيع المجلس منه فوق كل من حضر عنده تكاد تمس ركبته ركبته فأقبل علي ثم قال يا فتى أما تستحي مني هذا شعر لي تنتحله وتنشده بحضرتي فقال له أبو سعيد أحقا تقول قال نعم وإنما علقه مني فسبقني به إليك وزاد فيه ثم اندفع فأنشد أكثر هذه القصيدة حتى شككني علم الله في نفسي وبقيت متحيرا فأقبل علي أبو سعيد فقال يا فتى قد كان في قرابتك منا وودك لنا ما يغنيك عن هذا فجعلت أحلف له بكل محرجة من الأيمان أن الشعر لي ما سبقني إليه أحد ولا سمعته منه ولا انتحلته فلم ينفع ذلك شيئا وأطرق أبو سعيد وقطع بي حتى تمنيت أني سخت في الأرض فقمت منكسر البال أجر رجلي فخرجت فما هو إلا أن بلغت باب الدار حتى خرج الغلمان فردوني فأقبل علي الرجل فقال الشعر لك يا بني والله ما قلته قط ولا سمعته إلا منك ولكنني ظننت أنك تهاونت بموضعي فأقدمت على الإنشاد بحضرتي من غير معرفة كانت بيننا تريد بذلك مضاهاتي ومكاثرتي حتى عرفني الأمير نسبك وموضعك ولوددت ألا تلد أبدا طائية إلا مثلك وجعل أبو سعيد يضحك ودعاني أبو تمام وضمني إليه وعانقني وأقبل يقرظني ولزمته بعد ذلك وأخذت عنه واقتديت به هذه رواية من ذكرت وقد حدثني علي بن سليمان الأخفش أيضا قال حدثني عبد الله بن الحسين بن سند القطربلي أن البحتري حدثه أنه دخل على أبي سعيد محمد بن يوسف الثغري وقد مدحه بقصيدة وقصده بها فألفى عنده أبا تمام وقد أنشده قصيدة له فيه فاستأذنه البحتري في الإنشاد وهو يومئذ حديث السن فقال له يا غلام أتنشدني بحضرة أبي تمام فقال تأذن ويستمع فقام فأنشده إياها وأبو تمام يسمع ويهتز من قرنه إلى قدمه استحسانا لها فلما فرغ منها قال أحسنت والله يا غلام فممن أنت قال من طيء فطرب أبو تمام وقال من طيء الحمد لله على ذلك لوددت أن كل طائية تلد مثلك وقبل بين عينيه وضمه إليه وقال لمحمد بن يوسف قد جعلت له جائزتي فأمر محمد بها فضمت إلى مثلها ودفعت إلى البحتري وأعطى أبا تمام مثلها وخص به وكان مداحا له طول أيامه ولابنه بعده ورثاهما بعد مقتليهما فأجاد ومراثيه فيهما أجود من مدائحه وروي أنه قيل له في ذلك فقال من تمام الوفاء أن تفضل المراثي المدائح لا كما قال الآخر وقد سئل عن ضعف مراثيه فقال كنا نعمل للرجاء نحن نعمل اليوم للوفاء وبينهما بعد حدثني حكم بن يحيى الكنتحي قال بعض من صفاته كان البحتري من أوسخ خلق الله ثوبا وآلة وأبخلهم على كل شيء وكان له أخ وغلام معه في داره فكان يقتلهما جوعا فإذا بلغ منهما الجوع أتياه يبكيان فيرمي إليهما بثمن أقواتهما مضيقا مقترا ويقول كلا أجاع الله أكبادكما وأعرى أجلادكما وأطال إجهادكما قال حكم بن يحيى وأنشدته يوما من شعر أبي سهل بن نوبخت فجعل يحرك رأسه فقلت له ما تقول فيه فقال هو يشبه مضغ الماء ليس له طعم ولا معنى وحدثني أبو مسلم محمد بن بحر الأصبهاني الكاتب قال دخلت على البحتري يوما فاحتبسني عنده ودعا بطعام له ودعاني إليه فامتنعت من أكله وعنده شيخ شامي لا أعرفه فدعاه إلى الطعام فتقدم وأكل معه أكلا عنيفا فغاظه ذلك والتفت إلي فقال لي أتعرف هذا الشيخ فقلت لا قال هذا شيخ من بني الهجيم الذين يقول فيهم الشاعر ( وبَنو الهُجَيْم قبيلةٌ مَلْعونةٌ ... حُصُّ اللِّحى مُتشابهو الأَلْوانِ ) ( لو يسمعون بأكلة أو شَرْبة ... بعُمانَ أصبح جَمعُهم بُعمانِ ) قال فجعل الشيخ يشتمه ونحن نضحك وحدثني جحظة قال حدثني علي بن يحيى المنجم قال اجتازت جارية بالمتوكل معها كوز ماء وهي أحسن من القمر فقال لها ما اسمك قالت برهان قال ولمن هذا الماء قالت لستي قبيحة قال صبيه في حلقي فشربه عن آخره ثم قال للبحتري قل في هذا شيئا فقال البحتري ( ما شَرْبَةٌ من رَحِيق كأسُها ذَهَبٌ ... جاءت بها الحُورُ من جَنَّات رِضْوان ) ( يوما بأطيبَ من ماءٍ بلا عَطَش ... شربتُه عبثاً من كف بُرْهان ) أخبرني علي بن سليمان الأخفش وأحمد بن جعفر جحظة قالا حدثنا أبو الغوث بن البحتري قال كتبت إلى أبي يوما أطلب منه نبيذا فبعث إلي بنصف قنينة دردي وكتب إلي دونكها يا بني فإنها تكشف القحط وتضبط الرهط قال الأخفش وتقيت الرهط خبره مع أحمد بن علي الإسكافي حدثني أبو الفضل عباس بن أحمد بن ثوابة قال قدم البحتري النيل على أحمد بن علي الإسكافي مادحا له فلم يثبه ثوابا يرضاه بعد أن طالت مدته عنده فهجاه بقصيدته التي يقول فيها ( ما كسبنا من أحمدَ بنِ عَلِيٍّ ... ومن النَّيلِ غيرَ حُمَّى النَّيلِ ) وهجاه بقصيدة أخرى أولها ( قِصَّةُ النّيلِ فاسمعوهَا عُجابَه ... ) فجمع إلى هجائه إياه هجاء أبي ثوابة وبلغ ذلك أبي فبعث إليه بألف درهم وثياب ودابة بسرجها ولجامها فرده إليه وقال قد أسلفتكم إساءة لا يجوز معها قبول رفدكم فكتب إليه أبي أما الإساءة فمغفورة وأما المعذرة فمشكورة والحسنات يذهبن السيئات وما يأسو جراحك مثل يدك ولقد رددت إليك ما رددته علي وأضعفته فإن تلافيت ما فرط منك أثبنا وشكرنا وإن لم تفعل احتملنا وصبرنا فقبل ما بعث به وكتب إليه كلامك والله أحسن من شعري وقد أسلفتني ما أخجلني وحملتني ما اثقلني وسيأتيك ثنائي ثم غدا إليه بقصيدة أولها ( ضَلالٌ لها ماذا أرادت إلى الصّد ... ) وقال فيه بعد ذلك ( برقٌ أضاء العقيقَ من ضَرَمِه ... ) وقال فيه أيضا ( دانٍ دعا داعي الصَّبا فأجابَهْ ) قال ولم يزل أبي يصله بعد ذلك ويتابع بره لديه حتى افترقا شعره في نسيم غلامه أخبرني جحظة قال كان نسيم غلام البحتري الذي يقول فيه ( دَعا عَبْرتي تجرِي على الجَور والقصد ... ظنُّ نسيماً قارفَ الهمَّ من بعدي ) ( خلاَ ناظِري من طيفِه بعد شخصِه ... فيا عجبا للدَّهْر فقدٌ على فَقْدِ ) غلاما روميا ليس بحسن الوجه وكان قد جعله بابا من أبواب الحيل على الناس فكان يبيعه ويعتمد أن يصيره إلى ملك بعض أهل المروءات ومن ينفق عنده الأدب فإذا حصل في ملكه شبب به وتشوقه ومدح مولاه حتى يهبه له فلم يزل ذلك دأبه حتى مات نسيم فكفي الناس أمره أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال كتب البحتري إلى أبي محمد بن علي القمي يستهديه نبيذا فبعث إليه نبيذا مع غلام له أمرد فجمشه البحتري فغضب الغلام غضبا شديدا دل البحتري على أنه سيخبر مولاه بما جرى فكتب إليه ( أبا جعفرٍ كان تَجْمِيشُنا ... غلامَك إحدى الهَنات الدَّنِيّهْ ) ( بعثتَ إلينا بشمس المُدامِ ... تضيء لنا مع شمس البُرِيّهْ ) ( فليت الهديّة كان الرّسول ... وليتَ الرسولَ إلينا الهَدِيّهْ ) فبعث إليه محمد بن علي الغلام هدية فانقطع البحتري عنه بعد ذلك مدة خجلا مما جرى فكتب إليه محمد بن علي ( هجرتَ كأنّ البِرّ أعقب حِشمَةً ... ولم أرَ وَصْلاً قبل ذا أعقب الهَجْرا ) فقال فيه قصيدته التي أولها ( فتى مَذْحج عَفْواً فتى مذحجٍ غُفْرا ) وهي طويلة وقال فيه أيضا ( أمواهبٌ هاتيك أم أَنواءُ ... هُطُلٌ وأخذٌ ذَاكَ أم إعطاءُ ) ( إن دَامَ ذا أو بَعضُ ذا من فعل ذا ... ذهب السخاءُ فلا يُعَدُّ سَخاءُ ) ( ليس الذي حلّت تمِيمٌ وسْطَه الدّهناء ... لكن صدرُكَ الدهناءُ ) ( ملك أغرّ لآل طَلحة مَجدُه ... كفّاه بحرُ سماحةٍ وسماءُ ) ( وشريف أشراف إذا احتكَّت بهم ... جُرْبُ القبائل أحسنوا وأساءوا ) ( أمحمدُ بنَ عليَّ اسمَعْ عُذْرَةً ... فيها شفاءٌ للمُسيء ودَاءُ ) ( مالي إذا ذُكِر الكرامُ رأيتُني ... مالي مع النّفر الكرام وَفاءُ ) ( يضفو عليَّ العَذْلُ وهو مُقاربٌ ... ويَضيق عني العُذْرُ وهْو فَضاءُ ) ( إنّي هجرتُك إذ هجرتُك حِشْمةً ... لا العَوْدُ يُذهِبُها ولا الإِبداءُ ) ( أخجلتَني بَنَدى يديْك فسَّودَت ... ما بيننا تلك اليدُ البَيضاءُ ) ( وقطعَتني بالبرّ حتى إنّني ... متوهّم أن لا يكون لقاءُ ) ( صِلَةٌ غَدَت في الناس وَهْي قطِيعَةٌ ... عجباً وبِرٌّ راح وَهْو جَفاء ) ( ليواصِلنَّك رَكْبُ شِعريَ سائرا ... تُهدَى به في مدحك الأَعداءُ ) ( حتى يتمّ لك الثّناءُ مُخَلَّداً ... أبداً كما دامت لك النّعماء ) ( فتظلَّ تَحسُدك الملوكُ الصيدُ بي ... وأظَلَّ يحْسدُني بك الشُّعراء ) مات في السكتة أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال سألني القاسم بن عبيد الله عن خبر البحتري وقد كان أسكت ومات من تلك العلة فأخبرته بوفاته وأنه مات في تلك السكتة فقال ويحه رمي في أحسنه أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن علي الأنباري قال سمعت البحتري يقول أنشدني أبو تمام يوما لنفسه ( وسابحٍ هطل التَّعداء هَتّان ... على الجراء أمِينٍ غير خوَّانِ ) ( أظْمى الفصُوصِ ولم تظمأ قوائِمهُ ... فخلِّ عينيك في ظمآنَ رَيّانِ ) ( فلو تراه مُشِيحا والحصى زِيَمٌ ... بين السّنابك من مثنًى وؤُحدان ) ( أيقنتَ إنْ لم تثَبَّتْ أنّ حافَره ... من صَخْر تَدْمُر أو من وَجْه عثمان ) ثم قال لي ما هذا الشعر قلت لا أدري قال هذا هو المستطرد أو قال الاستطراد قلت وما معنى ذلك قال يريك أنه يريد وصف الفرس وهو يريد هجاء عثمان وقد فعل البحتري ذلك فقال في صفة الفرس ( ما إن يَعافُ قَذًى ولو أوردتَه ... يوماً خلائقَ حَمْدَوَيْهِ الأَحول ) وكان حمدويه الأحول عدوا لمحمد بن علي القمي الممتدح بهذه القصيدة فهجاه في عرض مدحه محمدا والله أعلم رأي أبي تمام في شاعريته حدثني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني أبو الغوث بن البحتري قال حدثني أبي قال قال لي أبو تمام بلغني أن بني حميد أعطوك مالا جليلا فيما مدحتهم به فأنشدني شيئا منه فأنشدته بعض ما قلته فيهم فقال لي كم أعطوك فقلت كذا وكذا فقال ظلموك والله ما وفوك حقك فلم استكثرت ما دفعوه إليك والله لبيت منها خير مما أخذت ثم أطرق قليلا ثم قال لعمري لقد استكثرت ذلك واستكثر لك لما مات الناس وذهب الكرام وغاضت المكارم فكسدت سوق الأدب أنت والله يا بني أمير الشعراء غدا بعدي فقمت فقبلت رأسه ويديه ورجليه وقلت له والله لهذا القول أسر إلى قلبي وأقوى لنفسي مما وصل إلي من القوم حدثني محمد بن يحيى عن الحسن بن علي الكاتب قال قال لي البحتري أنشدت أبا تمام يوما شيئا من شعري فتمثل ببيت أوس بن حجر ( إذا مُقرَمٌ منا ذرا حدُّ نابِه ... تخمَّطَ فينا نابُ آخَر مُقرَمِ ) ثم قال لي نعيت والله إلي نفسي فقلت أعيذك بالله من هذا القول فقال إن عمري لن يطول وقد نشأ في طيء مثلك أما علمت أن خالد ابن صفوان رأى شبيب بن شيبة وهو من رهطه يتكلم فقال يا بني لقد نعى إلي نفسي إحسانك في كلامك لأنا أهل بيت ما نشأ فينا خطيب قط إلا مات من قبله فقلت له بل يبقيك الله ويجعلني فداءك قال ومات أبو تمام بعد سنة شعره في المتوكل حدثني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني أبو العنبس الصيمري قال كنت عند المتوكل والبحتري ينشده ( عن أيّ ثغر تبتَسِمْ ... وبأيّ طرفٍ تحتكمْ ) حتى بلغ إلى قوله ( قل للخلِيفَة جعفر المتوكّلِ ... بنِ المعتصم ) ( المُبْتدِي للمُجْتَدِي ... والمنعِم بنِ المُنْتقِم ) ( اسلَمْ لدِينِ محمدٍ ... فإذا سلمتَ فقد سَلِمْ ) قال وكان البحتري من أبغض الناس إنشادا يتشادق ويتزاور في مشيه مرة جانبا ومرة القهقرى ويهز رأسه مرة ومنكبيه أخرى ويشير بكمه ويقف عند كل بيت ويقول أحسنت والله ثم يقبل على المستمعين فيقول ما لكم لا تقولون أحسنت هذا والله ما لا يحسن أحد أن يقول مثله فضجر المتوكل من ذلك وأقبل علي وقال أما تسمع يا صيمري ما يقول فقلت بلى يا سيدي فمرني فيه بما أحببت فقال بحياتي اهجه على هذا الروي الذي أنشدنيه فقلت تأمر ابن حمدون أن يكتب ما أقول فدعا بدواة وقرطاس وحضرني على البديهة أن قلت المتوكل يأمر الصيمري أن يهجوه ( أدخلتَ رأسك في الرّحم ... وعلمتَ أنّك تنهَزمْ ) ( يا بحتريُّ حَذارِ وَيْحَك ... من قُضاقِضةٍ ضُغُم ) ( فلقد أَسلْتَ بواديَيْك ... من الهِجا سَيْلَ العَرِمْ ) ( فبأيِّ عِرْضٍ تَعتصمْ ... وبَهْتِكه جَفَّ القَلَمْ ) ( والله حِلْفَةً صادقٍ ... وبقبرِ أحمد والحرَمْ ) ( وبحقّ جعفرٍ الإمامِ ... ابن الإمام المعتَصِمْ ) ( لأصَيّرنَّك شُهرةً ... بين المَسيِل إلى العَلَمْ ) ( حَيّ الطّلول بذي سلَمْ ... حيث الأراكةُ والخِيَمْ ) ( يا بنَ الثَّقِيلَة والثقيل ... على قُلوبِ ذَوِي النّعَم ) ( وعلى الصغير مع الكبير ... من المَوالي والحَشَمْ ) ( في أي سَلْح ترتطمْ ... وبأيّ كفّ تلتقِمْ ) ( يا بنَ المُباحةِ للورَى ... أمن العفاف أم التُّهَم ) ( إذ رَحْلُ أختك للعَجَم ... وفراشُ أمّك في الظُّلَم ) ( وبباب دَارِك حانَةٌ ... في بَيْتِه يُؤْتَى الحَكَمْ ) قال فغضب وخرج يعدو وجعلت أصيح به ( أدخلت رأسك في الرّحِمْ ... وعلمتَ أنّك تَنْهَزِم ) والمتوكل يضحك ويصفق حتى غاب عن عينه هكذا حدثني جحظة عن أبي العنبس ووجدت هذه الحكاية بعينها بخط الشاهيني حكاية عن أبي العنبس فرأيتها قريبة اللفظ موافقة المعنى لما ذكره جحظة والذي يتعارفه الناس أن أبا العنبس قال هذه الأبيات ارتجالا وكان واقفا خلف البحتري فلما ابتدأ وأنشد قصيدته ( عن ايّ ثغرٍ تبتسِمْ ... وبأيّ طرْف تحتكِم ) صاح به أبو العنبس من خلفه ( في أيّ سَلْح ترتَطِم ... وبأيّ كَفٍّ تَلْتَقِمْ ) ( أدخلتَ رأسَك في الرّحِم ... وعلمتَ أنك تنهزِمْ ) فغضب البحتري وخرج فضحك المتوكل حتى أكثر وأمر لأبي العنبس بعشرة آلاف درهم والله أعلم وأخبرني بهذا الخبر محمد بن يحيى الصولي وحدثني عبد الله بن أحمد بن حمدون عن أبيه قال وحدثني يحيى بن علي عن أبيه أن البحتري أنشد المتوكل وأبو العنبس الصيمري حاضر قصيدته ( عن أيّ ثَغْر تَبْتَسم ... وبأيّ طَرْف تحتكم ) إلى آخرها وكان إذا أنشد يختال ويعجب بما يأتي به فإذا فرغ من القصيدة رد البيت الأول فلما رده بعد فراغه منها وقال ( عن أيّ ثغر تبتسم ... وبأيّ طرف تحتكم ) قال أبو العنبس وقد غمزه المتوكل أن يولع به ( في أي سَلْحٍ تَرْتَطِم ... وبأي كفٍّ تَلْتَقمْ ) ( أدخلت رأسك في الرّحم ... وعلمتَ أنّك تَنْهَزِمْ ) فقال نصف البيت الثاني فلما سمع البحتري قوله ولى مغضبا فجعل أبو العنبس يصيح به ( وعلمتَ أنك تنهزم ... ) فضحك المتوكل من ذلك حتى غلب وأمر لأبي العنبس بالصلة التي أعدت للبحتري قال أحمد بن زياد فحدثني أبي قال جاءني البحتري فقال لي يا أبا خالد أنت عشيرتي وابن عمي وصديقي وقد رأيت ما جرى علي أفتأذن لي أن أخرج إلى منبج بغير إذن فقد ضاع العلم وهلك الأدب فقلت لا تفعل من هذا شيئا فإن الملوك تمزح بأعظم مما جرى ومضيت معه إلى الفتح فشكا إليه ذلك فقال له نحوا من قولي ووصله وخلع عليه فسكن إلى ذلك الصيمري يصر على هجائه بعد موت المتوكل حدثني جحظة عن علي بن يحيى المنجم قال لما قتل المتوكل قال أبو العنبس الصيمري ( يا وحشةَ الدنيا على جَعْفَرٍ ... على الهمام الملك الأزْهرِ ) ( على قتيلٍ من بني هاشمٍ ... بين سرير المُلْك والمِنْبَرِ ) ( واللّهِ ربّ البَيْتِ والمَشْعَر ... والله أن لو قُتِل البُحْتُرِي ) ( لثارَ بالشّام له ثائِرٌ ... في ألف نَغْلٍ من بني عَضْ خَرى ) ( يقدُمهم كُلُّ أخي ذِلّة ... على حمارٍ دابِرٍ أعورِ ) فشاعت الأبيات حتى بلغت البحتري فضحك ثم قال هذا الأحمق يرى أني أجيبه على مثل هذا فلو عاش امرؤ القيس فقال من كان يجيبه ذكر نتف من أخبار عريب مستحسنة منزلتها في الغناء والشعر والخط كانت عريب مغنية محسنة وشاعرة صالحة الشعر وكانت مليحة الخط والمذهب في الكلام ونهاية في الحسن والجمال والظرف وحسن الصورة وجودة الضرب وإتقان الصنعة والمعرفة بالنعم والأوتار والرواية للشعر والأدب لم يتعلق بها أحد من نظرائها ولا رئي في النساء بعد القيان الحجازيات القديمات مثل جميلة وعزة الميلاء وسلامة الزرقاء ومن جرى مجراهن على قلة عددهن نظير لها وكانت فيها من الفضائل التي وصفناها ما ليس لهن مما يكون لمثلها من جواري الخلفاء ومن نشأ في قصور الخلافة وغذي برقيق العيش الذي لا يدانيه عيش الحجاز والنش بين العامة والعرب الجفاة ومن غلظ طبعه وقد شهد لها بذلك من لا يحتاج مع شهادته إلى غيره أخبرني محمد بن خلف وكيع عن حماد بن إسحاق قال قال لي أبي ما رأيت امرأة أضرب من عريب ولاأحسن صنعة ولا أحسن وجها ولا أخف روحا ولا أحسن خطابا ولا أسرع جوابا ولا ألعب بالشطرنج والنرد ولا أجمع لخصلة حسنة لم أر مثلها في امرأة غيرها قال حماد فذكرت ذلك ليحيى بن أكثم في حياة أبي فقال صدق أبو محمد هي كذلك قلت أفسمعتها قال نعم هناك يعني في دار المأمون قلت أفكانت كما ذكر أبو محمد في الحذق فقال يحيى هذه مسألة الجواب فيها على أبيك فهو أعلم مني بها فأخبرت بذلك أبي فضحك ثم قال ما استحييت من قاضي القضاة أن تسأله عن مثل هذا أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني أبي قال قال لي إسحاق كانت عندي صناجة كنت بها معجبا واشتهاها أبو إسحاق المعتصم في خلافة المأمون فبينا أنا ذات يوم في منزلي إذ أتاني إنسان يدق الباب دقا شديدا فقلت أنظروا من هذا فقالوا رسول أمير المؤمنين فقلت ذهبت صناجتي تجده ذكرها له ذاكر فبعث إلي فيها فلما مضى بي الرسول انتهيت إلى الباب وأنا مثخن فدخلت فسلمت فرد علي السلام ونظر إلى تغير وجهي فقال لي اسكن فسكنت فقال لي غن صوتا وقال لي أتدري لمن هو فقلت أسمعه ثم أخبر أمير المؤمنين إن شاء الله ذلك فأمر جارية من وراء الستارة فغنته وضربت فإذا هي قد شبهته بالغناء القديم فقلت زدني معها عودا آخر فإنه أثبت لي فزادني عودا آخر فقلت هذا الصوت محدث لامرأة ضاربة قال من أين قلت ذاك قلت لما سمعت لينه عرفت أنه محدث من غناء النساء ولما رأيت جودة مقاطعه علمت أن صاحبته ضاربة وقد حفظت مقاطعه وأجزاءه ثم طلبت عودا آخر فلم أشك فقال صدقت الغناء لعريب عدت أصواتها فكانت ألفا قال ابن المعتز وقال يحيى بن علي أمرني المعتمد على الله أن أجمع غناءها الذي صنعته فأخذت منها دفاترها وصحفها التي كانت قد جمعت فيها غناءها فكتبته فكان ألف صوت وأخبرني علي بن عبد العزيز عن ابن خرداذبه أنه سأل عريب عن صنعتها فقالت قد بلغت إلى هذا الوقت ألف صوت وحدثني محمد بن إبراهيم قريض أنه جمع غناءها من ديواني ابن المعتز وأبي العبيس بن حمدون وما أخذه عن بدعة جاريتها التي أعطاها إياها بنو هاشم فقابل بعضه ببعض فكان ألفا ومائة وخمسة وعشرين صوتا وذكر العتابي أن أحمد بن يحيى حدثه قال سمعت أبا عبد الله الهشامي يقول وقد ذكرت صنعة عريب صنعتها مثل قول أبي دلف في خالد بن يزيد حيث يقول ( يا عينُ بَكى خالِدا ... أَلْفا ويُدعَى واحدَا ) يريد أن غناءها ألف صوت في معنى واحد فهي بمنزلة صوت واحد وحكى عنه أيضا هذه الحكاية ابن المعتز وهذا تحامل لا يحل ولعمري إن في صنعتها لأشياء مرذولة لينة وليس ذلك مما يضعها ولا عري كبير أحد من المغنين القدماء والمتأخرين من أن يكون في صنعته النادر والمتوسط سوى قوم معدودين مثل ابن محرز ومعبد في القدماء ومثل إسحاق وحده في المتأخرين وقد عيب بمثل هذا ابن سريج في محله فبلغه أن المغنين يقولون إنما يغني ابن سريج الأرمال والخفاف وغناؤه يصلح للأعراس والولائم فبلغه ذلك فتغنى بقوله ( لقد حبَّبَتْ نُعمٌ إلينا بوجهها ... مساكنَ ما بين الوتائِر فالنَّقْعِ ) ثم توفي بعدها وغناؤه يجري مجرى المعيب عليه وهذا إسحاق يقول في أبيه على عظيم محله في هذه الصناعة وما كان إسحاق يشيد به من ذكره وتفضيله على ابن جامع وغيره ولأبي ستمائة صوت منها مائتان تشبه فيها بالقديم وأتى بها في نهاية من الجودة ومائتان غناء وسط مثل أغاني سائر الناس ومائتان فلسية وددت أنه لم يظهرها وينسبها لنفسه فأسترها عليه فإذا كان هذا قول إسحاق في أبيه فمن يعتذر بعده من أن يكون له جيد ورديء وما عري أحد في صناعة من الصناعة من حال ينقصه عن الغاية لأن الكمال شيء تفرد الله العظيم به والنقصان جبلة طبع بني آدم عليها وليس ذلك إذا وجد في بعض أغاني عريب مما يدعو إلى إسقاط سائرها ويلزمه اسم الضعف واللين وحسب المحتج لها شهادة إسحاق بتفضيلها وقلما شهد لأحد أو سلم خلق وإن تقدم وأجمع على فضله من شينه إياه وطعنه عليه لنفاسته في هذه الصناعة واستصغاره أهلها فقد تقدم في أخباره مع علوية ومخارق وعمرو بن بانة وسليم بن سلام وحسين بن محرز ومن قبلهم ومن فوقهم مثل ابن جامع وإبراهيم بن المهدي وتهجينه إياهم وموافقته لهم على خطئهم فيما غنوه وصنعوه مما يستغنى به عن الإعادة في هذا الموضع فإذا انضاف فعله هذا بهم وتفضيله إياها كان ذلك أدل دليل على التحامل ممن طعن عليها وإبطاله فيما ذكرها به ولقائل ذلك وهو أبو عبد الله الهشامي سبب كان يصطنعه عليها فدعاه إلى ما قال نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى ومما يدل على إبطاله أن المأمون أراد أن يمتحن إسحاق في المعرفة بالغناء القديم والحديث فامتحنه بصوت من غنائها من صنعتها فكاد يجوز عليه لولا أنه أطال الفكر والتلوم واستثبت مع علمه بالمذاهب في الصنعة وتقدمه في معرفة النغم وعللها والإيقاعات ومجاريها وأخبرنا بذلك يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني أبي عن إسحاق فأما السبب الذي كان من أجله يعاديها الهشامي فأخبرني به يحيى بن محمد بن عبد الله بن طاهر قال ذكر لأبي أحمد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر عمي أن الهشامي زعم أن أحسن صوت صنعته عريب ( صَاحِ قد لمتَ ظالما ... ) وأن غناءها بمنزلة قول أبي دلف في خالد ( يا عينُ بكى خالدا ... ألفاً ويُدعَى واحِدا ) فقال ليس الأمر كما ذكر ولعريب صنعة فاضلة متقدمة وإنما قال هذا فيها ظلما وحسدا وغمطها ما تستحقه من التفضيل بخبر لها معه طريف فسألناه عنه فقال أخرجت الهشامي معي إلى سر من رأى بعد وفاة أخي يعني أبا محمد بن عبد الله بن طاهر فأدخلته على المعتز وهو يشرب وعريب تغني فقال له يا بن هشام غن فقال تبت من الغناء مذ قتل سيدي المتوكل فقالت له عريب قد والله أحسنت حيث تبت فإن غناءك كان قليل المعنى لا متقن ولا صحيح ولا مطرب فأضحكت أهل المجلس جميعا منه فخجل فكان بعد ذلك يبسط لسانه فيها ويعيب صنعتها ويقول هي ألف صوت في العدد وصوت واحد في المعنى وليس الأمر كما قاله إن لها لصنعة تشبهت فيها بصنعة الأوائل وجودت وبرزت فيها منها ( أئن سكنت نَفْسِي وقلَّ عَويلُها ... ) ومنها ( تقول هَمِّي يومَ وَدَّعتها ... ) ومنها ( إذا أردت انتصافا كان ناصركم ... ) ومنها ( بأبي من هو دائي ... ) ومنها ( أسلموها في دمشقَ كما ... ) ومنها ( فلا تتعنّتي ظلما وزورا ... ) ومنها ( لقد لام ذا الشوق الخَلِيُّ من الهوى ... ) ونسخت ما أذكره من أخبارها فأنسبه إلى ابن المعتز من كتاب دفعه إلي محمد بن إبراهيم الجراحي المعروف بقريض وأخبرني أن عبد الله بن المعتز دفعه إليه من جمعه وتأليفه فذكرت منها ما استحسنته من أحاديثها إذ كان فيها حشو كثير وأضفت إليه ما سمعته ووقع إلي غير مسموع مجموعا ومتفرقا ونسبت كل رواية إلى راويها نسبها قال ابن المعتز حدثني الهشامي أبو عبد الله وأخبرني علي بن عبد العزيز عن ابن خرداذبة قالا كانت عريب لعبد الله بن إسماعيل صاحب مراكب الرشيد وهو الذي رباها وأدبها وعلمها الغناء قال ابن المعتز وحدثني غير الهشامي عن إسماعيل بن الحسين خال المعتصم أنها بنت جعفر بن يحيى وأن البرامكة لما انتهبوا سرقت وهي صغيرة قال فحدثني عبد الواحد بن إبراهيم بن محمد بن الخصيب قال حدثني من أثق به عن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل المراكبي أن أم عريب كانت تسمى فاطمة وكانت قيمة لأم عبد الله بن يحيى بن خالد وكانت صبية نظيفة فرآها جعفر بن يحيى فهويها وسأل أم عبد الله أن تزوجه إياها ففعلت وبلغ الخبر يحيى بن خالد فأنكره وقال له أتتزوج من لا تعرف لها أم ولا أب اشتر مكانها مائة جارية وأخرجها فأخرجها وأسكنها دارا في ناحية باب الأنبار سرا من أبيه ووكل بها من يحفظها وكان يتردد إليها فولدت عريب في سنة إحدى وثمانين ومائة فكانت سنوها إلى أن ماتت ستا وتسعين سنة قال وماتت أم عريب في حياة جعفر فدفعها إلى امرأة نصرانية وجعلها داية لها فلما حدثت الحادثة بالبرامكة باعتها من سنبس النخاس فباعها من المراكبي قال ابن المعتز وأخبرني يوسف بن يعقوب أنه سمع الفضل بن مروان يقول كنت إذا نظرت إلى قدمي عريب شبهتهما بقدمي جعفر بن يحيى قال وسمعت من يحكي أن بلاغتها في كتبها ذكرت لبعض الكتاب فقال فما يمنعها من ذلك وهي بنت جعفر بن يحيى وأخبرني جحظة قال دخلت إلى عريب مع شروين المغني وأبي العبيس بن حمدون وأنا يومئذ غلام علي قباء ومنطقة فأنكرتني وسألت عني فاخبرها شروين وقال هذا فتى من أهلك هذا ابن جعفر بن موسى ابن يحيى بن خالد وهو يغني بالطنبور فأدنتني وقربت مجلسي ودعت بطنبور وأمرتني بأن أغني فغنيت أصواتا فقالت قد أحسنت يا بني ولتكونن مغنيا ولكن إذا حضرت بين هذين الأسدين ضعت أنت وطنبورك بين عوديهما وأمرت لي بخمسين دينارا قال ابن المعتز وحدثني ميمون بن هارون قال حدثتني عريب قالت بعث الرشيد إلى أهلها تعني البرامكة رسولا يسألهم عن حالهم وأمره ألا يعلمهم أنه من قبله قالت فصار إلى عمي الفضل فسأله فأنشأ عمي يقول صوت ( سأَلُونا عن حالنا كيف أنتمُ ... مَنْ هَوَى نَجمهُ فكيفَ يكونُ ) ( نحن قومٌ أصابنا عَنَتُ الدّهر ... فَظَلْنا لريبه نَسْتكينُ ) ذكرت عريب أن هذا الشعر للفضل بن يحيى ولها فيه لحنان ثاني ثقيل وخفيف ثقيل كلاهما بالوسطى وهذا غلط من عريب ولعله بلغها أن الفضل تمثل بشعر غير هذا فأنسيته وجعلت هذا مكانه فأما هذا الشعر فللحسين بن الضحاك لا يشك فيه يرثي به محمدا الأمين بعد قوله ( نحن قوم أصابنا حادثُ الدَّهر ... فظلْنا لرَيْبه نَسْتكِينُ ) ( نتمَنَّى من الأَمين إياباً ... كلَّ يوم وأينَ منّا الأَمينُ ) وهي قصيدة هربت إلى معشوقها ومكثت عنده زمانا قال ابن المعتز وحدثني الهشامي أن مولاها خرج إلى البصرة وأدبها وخرجها وعلمها الخط والنحو والشعر والغناء فبرعت في ذلك كله وتزايدت حتى قالت الشعر وكان لمولاها صديق يقال له حاتم بن عدي من قواد خراسان وقيل إنه كان يكتب لعجيف على ديوان الفرض فكان مولاها يدعوه كثيرا ويخالطه ثم ركبه دين فاستتر عنده فمد عينه إلى عريب فكاتبها فأجابته وكانت المواصلة بينهما وعشقته عريب فلم تزل تحتال حتى اتخذت سلما من عقب وقيل من خيوط غلاظ وسترته حتى إذا همت بالهرب إليه بعد انتقاله عن منزل مولاها بمدة وقد أعد لها موضعا لفت ثيابها وجعلتها في فراشها بالليل ودثرتها بدثارها ثم تسورت من الحائط حتى هربت فمضت إليه فمكثت عنده زمانا قال وبلغني أنها لما صارت عنده بعث إلى مولاها يستعير منه عودا تغنيه به فأعاره عودها وهو لا يعلم أنها عنده ولا يتهمه بشيء من أمرها فقال عيسى بن عبد الله بن إسماعيل المراكبي وهو عيسى ابن زينب يهجو أباه ويعيره بها وكان كثيرا ما يهجوه ( قاتلَ الله عَرِيبَا ... فعَلت فِعْلاً عَجِيبَا ) ( رَكِبت والليلُ دَاجٍ ... مركباً صَعْباً مهوبا ) ( فارتقَت مُتّصِلا بالنَّجم ... أو منه قريبا ) ( صبرت حتى إذا ما ... أقصد النّومُ الرَّقيبا ) ( مَثَّلت بين حَشَايَا ... هالِكيلا تَسْترِيبَا ) ( خَلفاً منها إذا نودِيَ ... لم يُلفَ مُجيبَا ) ( ومضت يحملها الخوفُ ... قَضِيباً وكَثِيبا ) ( مُحَّةً لو حُرّكت خِفْتَ ... عليها أن تَذوبا ) ( فتدلّت لمُحِبّ ... فتلقّاها حَبِيبَا ) ( جَذِلاً قد نال في الدُّنْيا ... من الدُّنيا نصِيبا ) ( أيّها الظَّبْي الذي تَسْحَرُ ... عيناه القُلُوبَا ) ( والذي يأكل بعضا ... بَعضُه حُسناً وطِيبا ) ( كُنتَ نَهْباً لذئابٍ ... فَلَقَد أطعمْتَ ذِيَبا ) ( وكذا الشاةُ إذا لم ... يَكُ راعيها لَبيبَا ) ( لا يُبالِي وبَأَ المَرْعَى ... إذا كان خَصيبا ) ( فلقد أصبح عبدُ الله ... كشخانَ حَريبَا ) ( قد لعمري لَطَم الوَجهَ ... وقد شَقَّ الجُيوبَا ) ( وجرت منه دُموعٌ ... بلّت الشَّعْر الخَضِيبا ) وقال ابن المعتز حدثنا محمد بن موسى بن يونس أنها ملته بعد ذلك فهربت منه فكانت تغني عند أقوام عرفتهم ببغداد وهي متسترة متخفية فلما كان يوم من الأيام اجتاز ابن أخ للمراكبي ببستان كانت فيه مع قوم تغني فسمع غناءها فعرفه فبعث إلى عمه من وقته وأقام هو بمكانه فلم يبرح حتى جاء عمه فلببها وأخذها فضربها مائة مقرعة وهي تصيح يا هذا لم تقتلني أنا لست أصبر عليك أنا امرأة حرة إن كنت مملوكة فبعني لست أصبر على الضيقة فلما كان من غد ندم على فعله وصار إليها فقبل رأسها ورجلها ووهب لها عشرة آلاف درهم ثم بلغ محمدا الأمين خبرها فأخذها منه قال وكان خبرها سقط إلى محمد في حياة أبيه فطلبها منه فلم يجبه إلى ما سأل وقبل ذلك ما كان طلب منه خادما عنده فاضطغن لذلك عليه فلما ولي الخلافة جاء المراكبي ومحمد راكب ليقبل يده فأمر بمنعه ودفعه ففعل ذلك الشاكري فضربه المراكبي وقال له أتمنعني من يد سيدي أن أقبلها فجاء الشاكري لما نزل محمد فشكاه فدعا محمد بالمراكبي وأمر بضرب عنقه فسئل في أمره فأعفاه وحبسه وطالبه بخمسمائة ألف درهم مما اقتطعه من نفقات الكراع وبعث فأخذ عريب من منزله مع خدم كانوا له فلما قتل محمد هربت إلى المراكبي فكانت عنده قال وأنشدني بعض أصحابنا لحاتم بن عدي الذي كانت عنده لما هربت إليه ثم ملته فهربت منه وهي أبيات عدة هذان منها ( ورُشُّوا على وَجْهي من الماء واندُبُوا ... قتيلَ عَريبٍ لا قتيلَ حُروبِ ) ( فليتكِ إن عجَّلتني فقتَلتِني ... تَكونِين ... من بعد الممات نصِيبي ) قال ابن المعتز وأما رواية إسماعيل بن الحسين خال المعتصم فإنها تخالف هذا وذكر أنها إنما هربت من دار مولاها المراكبي إلى محمد بن حامد الخاقاني المعروف بالخشن أحد قواد خراسان قال وكان أشقر أصهب الشعر أزرق وفيه تقول عريب ولها فيه هزج ورمل من روايتي الهشامي وأبي العباس ( بأبي كلّ أزرقٍ ... أَصهبِ اللون أشقرِ ) ( جُنّ قلبي به وليسَ ... جُنُوني بمُنْكَرِ ) تقول الشعر الفاحش قال ابن المعتز وحدثني ابن المدبر قال خرجت مع المأمون إلى أرض الروم أطلب ما يطلبه الأحداث من الرزق فكنا نسير مع العسكر فلما خرجنا من الرقة رأينا جماعة من الحرم في العماريات على الجمازات وكنا رفقة وكنا أترابا فقال لي أحدهم على بعض هذه الجمازات عريب فقلت من يراهنني أمر في جنبات هذه العماريات وأنشد أبيات عيسى ابن زينب ( قاتل الله عرِيبَا ... فعلت فعلاً عجيبَا ) فراهنني بعضهم وعدل الرهنان وسرت إلى جانبها فأنشدت الأبيات رافعا صوتي بها حتى أتممتها فإذا أنا بامرأة قد أخرجت رأسها فقالت يا فتى أنسيت أجود الشعر وأطيبه أنسيت قوله ( وعَرِيبٌ رَطْبةُ الشَّفْرَيْنِ ... قد نِيكت ضُروبا ) اذهب فخذ ما بايعت فيه ثم ألقت السجف فعلمت أنها عريب وبادرت إلى أصحابي خوفا من مكروه يلحقني من الخدم شعر في مظلومة رقيبة عريب أخبرني إسماعيل بن يونس قال قال لنا عمر بن شبة كانت للمراكبي جارية يقال لها مظلومة جميلة الوجه بارعة الحسن فكان يبعث بها مع عريب إلى الحمام أو إلى من تزوره من أهله ومعارفه فكانت ربما دخلت معها إلى ابن حامد الذي كانت تميل إليه فقال فيها بعض الشعراء وقد رآها عنده ( لقد ظلموكِ يا مظلومَ لمّا ... أقاموكِ الرَّقيبَ على عَريبِ ) ( ولو أَوْلَوكِ إنصافاً وَعَدْلا ... لما أخلوْكِ أنت من الرّقيبِ ) ( أتَنْهَين المُرِيبَ عن المعاصي ... فكيف وأنتِ من شأنِ المُريبِ ) ( وكيف يُجانِبُ الجاني ذنوباً ... لديك وأنت داعِيَةُ الذُّنوبِ ) ( فإن يَسْترقِبُوكِ على عَرِيبٍ ... فما رَقَبُوك من غيب القلوبِ ) وفي هذا المعنى وإن لم يكن من جنس ما ذكرته ما أنشدنيه علي بن سليمان الأخفش في رقيبة مغنية استحسنت وأظنه للناشئ ( فديتُكِ لو أنهم أنصَفُوا ... لقد منعوا العينَ عن ناظرَيْكِ ) ( ألم يقرءوا ويحهم ما يرون ... من وحي طَرْفك في مُقْلَتَيْكِ ) ( وقد بعثوك رَقِيباً لنا ... فمن ذا يكون رَقِيباً عليكِ ) ( تصُدّين أعْيُنَنا عن سواك ... وهل تنظر العينُ إلا إليكِ ) محمد الأمين يبعث في إحضارها وإحضار مولاها قال ابن المعتز وحدثني عبد الواحد بن إبراهيم عن حماد بن إسحاق عن أبيه وعن محمد بن إسحاق البغوي عن إسحاق بن إبراهيم أن خبر عريب لما نمي إلى محمد الأمين بعث في إحضارها وإحضار مولاها فأحضرا وغنت بحضرة إبراهيم بن المهدي تقول ( لكلّ أُناسٍ جَوْهَر متنافسٌ ... وأنتِ طرازُ الآنساتِ المَلائح ) فطرب محمد واستعاد الصوت مرارا وقال لإبراهيم يا عم كيف سمعت قال يا سيدي سمعت حسنا وإن تطاولت بها الأيام وسكن روعها ازداد غناؤها حسنا فقال للفضل بن الربيع خذها إليك وساوم بها ففعل فاشتط مولاها في السوم ثم أوجبها له بمائة ألف دينار وانتقض أمر محمد وشغل عنها وشغلت عنه فلم يأمر لمولاها بثمنها حتى قتل بعد أن افتضها فرجعت إلى مولاها ثم هربت منه إلى حاتم بن عدي وذكر باقي الخبر كما ذكره من تقدم وقال في خبره إنها هربت من مولاها إلى ابن حامد فلم تزل عنده حتى قدم المأمون بغداد فتظلم إليه المراكبي من محمد بن حامد فأمر بإحضاره فأحضر فسأله عنها فأنكر فقال له المأمون كذبت قد سقط إلي خبرها وأمر صاحب الشرطة أن يجرده في مجلس الشرطة ويضع عليه السياط حتى يردها فأخذه وبلغها الخبر فركبت حمار مكار وجاءت وقد جرد ليضرب وهي مكشوفة الوجه وهي تصيح أنا عريب إن كنت مملوكة فليبعني وإن كنت حرة فلا سبيل له علي فرفع خبرها إلى المأمون فأمر بتعديلها عند قتيبة بن زياد القاضي فعدلت عنده وتقدم إليه المراكبي مطالبا بها فسأله البينة على ملكه إياها فعاد متظلما إلى المأمون وقال قد طولبت بما لم يطالب به أحد في رقيق ولا يوجد مثله في يد من ابتاع عبدا أو أمة وتظلمت إليه زبيدة وقالت من أغلظ ما جرى علي بعد قتل محمد ابني هجوم المراكبي على داري وأخذه عريبا منها فقال المراكبي إنما أخذت ملكي لأنه لم ينقدني الثمن فأمر المأمون بدفعها إلى محمد بن عمر الواقدي وكان قد ولاه القضاء بالجانب الشرقي فأخذها من قتيبة بن زياد فأمر ببيعها ساذجة فاشتراها المأمون بخمسين ألف درهم فذهبت به كل مذهب ميلا إليها ومحبة لها قال ابن المعتز ولقد حدثني علي بن يحيى المنجم أن المأمون قبل في بعض الأيام رجلها قال فلما مات المأمون بيعت في ميراثه ولم يبع له عبد ولا أمة غيرها فاشتراها المعتصم بمائة ألف درهم وأعتقها فهي مولاته وذكر حماد بن إسحاق عن أبيه أنها لما هربت من دار محمد حين قتل تدلت من قصر الخلد بحبل إلى الطريق وهربت إلى حاتم بن عدي وأخبرني جحظة عن ميمون بن هارون أن المأمون اشتراها بخمسة آلاف دينار ودعا بعبد الله بن إسماعيل فدفعها إليه وقال لولا أني حلفت ألا أشتري مملوكا بأكثر من هذا لزدتك ولكني سأوليك عملا تكسب فيه أضعافا لهذا الثمن مضاعفة ورمى إليه بخاتمين من ياقوت أحمر قيمتهما ألف دينار وخلع عليه خلعا سنية فقال يا سيدي إنما ينتفع الأحياء بمثل هذا وأما أنا فإني ميت لا محالة لأن هذه الجارية كانت حياتي وخرج عن حضرته فاختلط وتغير عقله ومات بعد أربعين يوما قال ابن المعتز فحدثني علي بن يحيى قال حدثني كاتب الفضل بن مروان قال حدثني إبراهيم بن رباح قال كنت أتولى نفقات المأمون فوصف له إسحاق بن إبراهيم الموصلي عريب فأمره أن يشتريها فاشتراها بمائة ألف درهم فأمرني المأمون بحملها وأن أحمل إلى إسحاق مائة ألف درهم أخرى ففعلت ذلك ولم أدر كيف أثبتها فحكيت في الديوان أن المائة الألف خرجت في ثمن جوهرة والمائة الألف الأخرى خرجت لصائغها ودلالها فجاء الفضل بن مروان إلى المأمون وقد رأى ذلك فأنكره وسألني عنه فقلت نعم هو ما رأيت فسأل المأمون عن ذلك وقال أوجب وهب لدلال وصائغ مائة ألف درهم وغلظ القصة فأنكرها المأمون فدعاني ودنوت إليه وأخبرته أن المال الذي خرج في ثمن عريب وصلة إسحاق وقلت أيما أصوب يا أمير المؤمنين ما فعلت أو أثبت في الديوان أنها خرجت في صلة مغن وثمن مغنية فضحك المأمون وقال الذي فعلت أصوب ثم قال للفضل بن مروان يا نبطي لا تعترض على كاتبي هذا في شيء بعض من أخبارها وقال ابن المكي حدثني أبي عن نحرير الخادم قال دخلت يوما قصر الحرم فلمحت عريب جالسة على كرسي ناشرة شعرها تغتسل فسألت عنها فقيل هذه عريب دعا بها سيدها اليوم فافتضها قال ابن المعتز فأخبرني ابن عبد الملك البصري أنها لما صارت في دار المأمون احتالت حتى وصلت إلى محمد بن حامد وكانت قد عشقته وكاتبته بصوت قالته ثم احتالت في الخروج إليه وكانت تلقاه في الوقت بعد الوقت حتى حبلت منه وولدت بنتا وبلغ ذلك المأمون فزوجه إياها وأخبرنا إبراهيم بن القاسم بن زرزور عن أبيه وحدثني به المظفر بن كيغلغ عن القاسم بن زرزور قال لما وقف المأمون على خبرها مع محمد بن حامد أمر بإلباسها جبة صوف وختم زيقها وحبسها في كنيف مظلم شهرا لا ترى الضوء يدخل إليها خبز وملح وماء من تحت الباب في كل يوم ثم ذكرها فرق لها وأمر بإخراجها فلما فتح الباب عنها وأخرجت لم تتكلم بكلمة حتى اندفعت تغني ( حجبوه عن بصري فمُثِّل شَخصُه ... في القلب فهْو محجَّبٌ لا يُحَجَبُ ) فبلغ ذلك المأمون فعجب منها وقال لن تصلح هذه أبدا فزوجها إياه نسبة هذا الصوت صوت ( لو كان يَقدرُ أن يَبُثَّك ما به ... لرأيتَ أحسن عاتب يتعَتَّبُ ) ( حجبوه عن بَصَري فمُثِّل شَخصُه ... في القَلْب فهو مُحجَّب لا يُحجبُ ) الغناء لعريب ثقيل أول بالوسطى قال ابن المعتز وحدثني لؤلؤ صديق علي بن يحيى المنجم قال حدثني أحمد بن جعفر بن حامد قال لما توفي عمي محمد بن حامد صار جدي إلى منزله فنظر إلى تركته وجعل يقلب ما خلف ويخرج إليه منها الشيء بعد الشيء إلى أن أخرج إليه سفط مختوم ففض الخاتم وجعل يفتحه فإذا فيه رقاع عريب إليه فجعل يتصفحها ويبتسم فوقعت في يده رقعة فقرأها ووضعها من يده وقام لحاجة فقرأتها فإذا فيها قوله صوت ( وبلي عليكَ ومِنْكَا ... أوقعت في الحق شَكّا ) ( زعمتَ أنّي خئونٌ ... جَوْراً عليّ وإِفْكَا ) ( إن كان ما قلتَ حقّا ... أو كنت أزمعتُ تَرْكَا ) ( فأبدلَ الله ما بي ... من ذِلَّة الحبّ نُسْكَا ) لعريب في هذه الأبيات رمل وهزج عن الهشامي والشعر لها قصة بيت من الشعر قال ابن المعتز وحدثني عبد الوهاب بن عيسى الخراساني عن يعقوب الرخامي قال كنا مع العباس بن المأمون بالرقة وعلى شرطته هاشم رجل من أهل خراسان فخرج إلي وقال يا أبا يوسف ألقي إليك سرا لثقتي بك وهو عندك أمانة قلت هاته قال كنت واقفا على رأس الأمين وبي حر شديد فخرجت عريب فوقفت معي وهي تنظر في كتاب فما ملكت نفسي أن أومأت إليها بقبلة فقالت كحاشية البرد فوالله ما أدري ما أرادت فقلت قالت لك طعنة قال وكيف ذاك قلت أرادت قول الشاعر ( رَمَى ضرعَ نابٍ فاستمرّ بطعنةٍ ... كحاشية البُرْد اليمانِي المُسهّم ) وحكى هذه القصة أحمد بن أبي طاهر عن بشر بن زيد عن عبد الله ابن أيوب بن أبي شمر أنهم كانوا عند المأمون ومعهم محمد بن حامد وعريب تغنيهم فغنت تقول ( رمى ضَرع نابٍ فاستمرّ بطعنة ... كحاشية البرد اليماني المسهّم ) فقال لها المأمون من أشار إليك بقبلة فقلت له طعنة فقالت له يا سيدي من يشير إلي بقبلة في مجلسك فقال بحياتي عليك قالت محمد بن حامد فسكت أحبت أميرا وتزوجت خادما قال ابن المعتز وحدثني محمد بن موسى قال اصطبح المأمون يوما ومعه ندماؤه وفيهم محمد بن حامد وجماعة من المغنين وعريب معه على مصلاه فأومأ محمد بن حامد إليها بقبلة فاندفعت تغني ابتداء ( رَمَى ضَرْع نابٍ فاستَمرَّ بطَعْنةٍ ... كحاشية البرد اليمانيّ المسهّم ) تريد بغنائها جواب محمد بن حامد بأن تقول له طعنة فقال لها المأمون أمسكي فأمسكت ثم أقبل على الندماء فقال من فيكم أومأ إلى عريب بقبلة والله لئن لم يصدقني لأضربن عنقه فقام محمد فقال أنا يا أمير المؤمنين أومأت إليها والعفو أقرب للتقوى فقال قد عفوت فقال كيف استدل أمير المؤمنين على ذلك قال ابتدأت صوتا وهي لا تغني ابتداء إلا لمعنى فعلمت أنها لم تبتدئ بهذا الصوت إلا لشيء أومئ به إليها ولم يكن من شرط هذا الموضع إلا إيماء بقبلة فعلمت أنها أجابت بطعنة==

المكتبة الشاملة

1. العقيدة796 2. الفرق والردود151 3. التفسير270 4. علوم القرآن وأصول التفسير308 5. التجويد والقراءات148 6. كتب السنة1228 7. شروح الحدي...