ج28و29و30. كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني
= التي في الشمس فتقززت وبشعت من ذلك الطعام الذي طبخ فأشار إليّ أبي بأن كل فأكلنا حتى فرغنا من غدائنا فلما غسلنا أيدينا نادى ابن جامع يا غلام هات شرابنا فأتي بنبيذٍ في زكرة قد كانت الزكرة في الشمس فكرهت ذلك فأشار إليّ أبي أن لا تمتنع ثم أتوا بقدح جيشاني ملءِ الكف فصب النبيذ فيه وهو يشبه ماء قد أغلي بالنار ثم غنى ابن جامع فقال - طويل - ( كأنْ لم يكنْ بينَ الحَجُون إلى الصّفا ... أنيسٌ ولم يسمُرْ بمكّةَ سامرُ ) ( بَلَى نحنُ كنّا أهلَها فأزالنا ... صرُوُفُ اللَّيالي والجُدُودُ العواثرُ ) صوت ثم غنى للعرجي - بسيط - ( لو أنَّ سلمَى رأتْنا لا يَرَاعَ لنا ... لَمَا هَبَطْنا جميعاً أبْطُنَ السوقِ ) ( وكَشَرنا وكُبُوْلُ القَيْنِ تنكؤنا ... كالأُسْدِ تَكشِرُ عن أنيابِها الرُّوق ) صوت ثم تغنى - وافر - ( أُجَرَّرُ في الجوامِع كُلَّ يومٍ ... فيا للهِ مَظْلمَتي وصَبْري ) ثم أمر بالرحيل وقد غنى هذه الثلاثة الأصوات فقال لي أبي يا بني بشعت لما رأيتَ من طعام ابن جامع وشرابه فعلي عتق ما أملك إن لم يكن شرب الدم مع هذا طيبا ثم قال أسمِعت بني غناء قط أحسن من هذا فقلت لا والله ما سمعت قال ثم خرج ابن جامع حتى نزل بباب أمير المؤمنين الرشيد ليلاً واجتمع المغنون على الباب وخرج الرسول إليهم فأذن لهم والرشيد خلف الستارة فغنوا إلى السحر فأعطاهم ألف دينار إلاّ ابن جامع فلم يعطه شيئاً وانصرفوا متوجهين له وعرضوا عليه جميعاً فلم يقبل وانصرفوا فلما كان في الليلة الثانية دعوا فغنوا ساعة ثم كشفت الستارة وغنى ابن جامع صوتاً عرض فيه بحاله وهو - طويل - صوت ( تقولُ أقِمْ فينا فقيراً وما الذي ... تَرَى فيه ليلَى أن أُقيمَ فقيرا ) ( ذَرِيني أَمُتْ يا ليل أو أكسِبَ الغنى ... فإنِّي أرى غَيرَ الغنيِّ حقيرا ) ( يُدَفَّع في النادي ويُرفَض قوله ... وإن كان بالرأي السَّديدِ جديرا ) ( ويُلزَمُ ما يَجنِي سواه وإن يُطِفْ ... بذنبٍ يكن منه الصغيرُ كبيرا ) قالوا فأعجب الرشيد ذلك الشعر واللحن فيه وأمال رأسه نحوه كالمستدعي له وغناه أيضاً - طويل - صوت ( لئن مِصرُ فاتَتْني بما كنْتُ أرتجِي ... وأخلَفَني منها الذي كنتُ آمُلُ ) ( فما كلُّ ما يخشَى الفتى نازلٌ بهِ ... ولا كلُّ ما يرجو الفتى هو نائلُ ) ( وَوَاللهِ ما فرّطت في وجهِ حِيلةٍ ... ولكنَّ ما قد قَدَّر الله نازل ) ( وقد يَسْلَم الإِنسانُ من حيث يتَّقي ... ويُؤتَى الفتى مِن أمنِهِ وهو غافلُ ) ثم أمر بالانصراف فانصرفوا فلمّا بلغوا الستر صاح به الخادم يا قرشيّ مكانك فوقف مكانه فخرج إليه بخلع وسبعة آلاف دينار وأمر إن شاء أن يقيم وإن شاء أن ينصرف أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال ذكر الكلبي عن أبيه أنّ الناس بينا هم في ليلة مقمرة في المسجد الحرام إذ بصروا بشخص قد أقبل كأن قامته رمح فهربوا من بين يديه وهابوه فأقبل حتى طاف بالبيت الحرام سبعاً ثم وقف فتمثل - طويل - ( كأنْ لم يكُنْ بينَ الحَجُون إلى الصّفا ... أنيسٌ ولم يسمُرْ بمكّةَ سامرُ ) قال فأتاه رجل من أهل مكة فوقف بعيداً منه ثم قال سألتك بالذي خلقك أجني أنت أم إنسي فقال بل إنسي أنا امرأة من جرهم كنا سكان هذه الأرض وأهلها فأزالنا عنها هذا الزمان الذي يبلي كل جديد ويغيره ثم انصرفت خارجة عن المسجد حتى غابت عنهم ورجعوا إلى مواضعهم أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أبي عن جدي قال قال لي يحيى بن خالد يوماً أخبرك برؤيا رأيتها قلت خيراً رأيتَ قال رأيتُ كأنّي خرجت من داري راكباً ثم التفت يميناً وشمالاً فلم أرَ معي أحداً حتى صرت إلى الجسر فإذا بصائح يصيح من ذلك الجانب - طويل - ( كأنْ لم يكْن بينَ الحَجُون إلى الصَّفا ... أنيسٌ ولم يسمُرْ بمكّةَ سامرُ ) فأجبته بقوله ( بَلَى نحنُ كنَّا أهلَها فأبادنَا ... صرُوُفُ اللَّيالي والجُدُودُ العواثرُ ) فانصرفت إلى الرشيد فغنيته الصوت وخبرته الخبر فعجب منه وما مضت الأيام حتى أوقع بهم صوت خفيف ( شاقَني الزائراتُ قَصْرَ نَفِيْسٍ ... مُثْقَلاتِ الأعجازِ قُبَّ البُطونِ ) ( يتربَّعْنَهُ الربيعَ ويَنزِلْ ... إذا صِفْنَ منزلَ الماجِشونِ ) يتربعنه ينزلنه في أيام الربيع يقال لمنزل القوم في أيام الربيع متربعهم قال الشاعر - طويل - ( أمِن آلِ ليلى بالمَلاَ متربَّعُ ... كما لاحَ وشْمٌ في الذِّراع مُرَجَّعُ ) والماجشون رجل من أهل المدينة يروى عنه الحديث والماجشون لقب لقبته به سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وهو اسم لون من الصبغ أصفر تخالطه حمرة وكذلك كان لونه ويقال إنها ما لقبت أحداً قط بلقب إلاّ لصق به أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب الزبيري قال حدثني ابن الماجشون قال نظرت سكينة إلى أبي فقالت كأن هذا الرجل الماجشون وهو صبغ أصفر تخالطه حمرة فلقب بذلك قال عبد العزيز ونظرت إلى رجلٍ من ولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكانت فيه غلظة فقالت هذا الرجل في قريش كالشيرج في الأدهان فكان ذلك الرجل يسمى فلان شيرج حتى مات الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لإبراهيم الموصلي خفيف رمل مطلق في مجرى البنصر وفيه لبصبص جارية ابن نفيس التي قيل هذا الشعر فيها رمل وذكر حبش أن لها فيه أيضاً ثقيل أول بالوسطى 3 - كر أخبار بصبص جارية ابن نفيس وأخبارها كانت بصبص هذه جارية مولدة من مولدات المدينة حلوة الوجه حسنة الغناء قد أخذت عن الطبقة الأولى من المغنين وكان يحيى بن نفيس مولاها وقيل نفيس بن محمد والأول أصح صاحب قيان يغشاه الأشراف ويسمعون غناء جواريه وله في ذلك قصص نذكرها بعد وكانت بصبص هذه أنفسهن وأشدهن تقدماً وذكر ابن خرداذبه أنّ المهدي اشتراها وهو ولي العهد سراً من أبيه بسبعة عشر ألف دينار فولدت منه علية بنت المهدي وذكر غيره أن ابن خرداذبه غلط في هذا وأن الذي صح أن المهدي اشترى بهذه الجملة جارية غيرها وولدت علية وذكر هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات أن ابن القداح حدثه قال كانت مكنونة جارية المروانية وليست من آل مروان بن الحكم وهي زوجة الحسين بن عبد الله بن العباس أحسن جارية بالمدينة وجهاً وكانت رسحاء وكان بعض من يمازحها يعبث بها ويصيح طست طست وكانت حسنة الصدر والبطن وكانت توضح بهما وتقول ولكن هذا فاشتريت للمهدي في حياة أبيه بمائة ألف درهم فغلبت عليه حتى كانت الخيرزان تقول ما ملك أمة أغلظ عليّ منها واستتر أمرها على المنصور حتى مات وولدت من المهدي علية بنت المهدي والذي قال ابن خرداذبه غير مردود إذا كان هذا صحيحاً أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن غرير بن طلحة قال اتعد محمد بن يحيى بن زيد بن علي ابن الحسين وعبد الله بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير وعبد الله بن مصعب الزبيري وأبو بكر بن محمد بن عثمان الربعي ويحيى بن عقبة أن يأتوا بصبص جارية ابن نفيس فعجل محمد بن يحيى وكان من أصحاب عيسى بن موسى ليخرج إلى الكوفة فقال عبد الله بن مصعب - سريع - ( أرائحٌ أنتَ أبا جَعفرٍ ... من قبلِ أن تَسمع مِنْ بَصْبصا ) ( هيهاتَ أن تَسمع منها إذا ... جاوَزَتِ العِيسُ بك الأعوصا ) ( فخُذْ عليها مجلسَيْ لذّةٍ ... ومجلساً مِنْ قَبلِ أن تَشْخَصا ) ( أحلِفُ بالله يميناً ومَنْ ... يحلفُ بالله فقد أخْلَصا ) ( لو أنَّها تدعُو إلى بَيْعة ... بايعتُها ثمّ شققْتُ العصا ) قال وفيها غناء لبصبص قال فاشتراها أبو غسان مولى منيرة للمهدي بسبعة عشر ألف دينار قال حماد وحدثني أبي عن الزبير أن عبد الله بن مصعب خاطب بهذا الشعر أبا جعفر المنصور لما حج فاجتاز بالمدينة منصرفاً من الحج لا أبا جعفر محمد بن يحيى بن زيد أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي إجازة قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن سلام قال حدثني موسى بن مهران قال كانت بالمدينة قينة لآل نفيس بن محمد يقال لها بصبص وكان مولاها صاحب قصر نفيس الذي يقول فيه الشاعر - خفيف - ( شاقَني الزائراتُ قَصْرَ نَفيْسٍ ... مُثقَلاتِ الأعجازِ قُبَّ البُطونِ ) قال وكان عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير يأتيها فيسمع منها وكان يأتيها فتيان من قريش فيسمعون منها فقال عبد الله بن مصعب حين قدم المنصور منصرفاً من الحج ومر بالمدينة يذكر بصبص - سريع - ( أراحلٌ أنت أبا جعفرٍ ... مِن قبلِ أن تَسمع مِنْ بصبصا ) وذكر الأبيات فبلغت أبا جعفر فغضب فدعا به فقال أما إنكم يا آل الزبير قديماً ما قادتكم النساء وشققتم معهن العصا حتى صرت أنت آخر الحمقى تبايع المغنيات فدونكم يا آل الزبير هذا المرتع الوخيم قال ثم بلغ أبا جعفر بعد ذلك أن عبد الله بن مصعب قد اصطبح مع بصبص وهي تغنيه بشعره - سريع - صوت ( إذَا تَمزَّزْتُ صُراحيّةً ... كمثلِ ريح المسكِ أو أطيبُ ) ( ثم تَغَنَّى لي بأهزاجِه ... زيدٌ أخو الأنصار أو أشعَبُ ) ( حسِبْتُ أنِّي مالكٌ جالسٌ ... حَفَّتْ به الأملاك والموكِبُ ) ( فلا أُباِلي وإلهِ الوَرَى ... أشرَّقَ العالَمُ أم غَرَّبوا ) الغناء لزيد الأنصاري هزج مطلق في مجرى الوسطى عن الهشامي وغيره وذكر غيره أنه لأشعب فقال أبو جعفر العالم لا يبالون كيف أصبحت وكيف أمسيت ثم قال أبو جعفر ولكن الذي يعجبني أن يحدو بي الحادي الليلة بشعر طريف العنبري فهو آلف في سمعي من غناء بصبص وأحرى أن يختاره أهل العقل قال فدعا فلاناً الحادي قد ذكره وسقط اسمه وكان إذا حدا وضعت الإبل رؤوسها لصوته وانقادت انقياداً عجيباً فسأله المنصور ما بلغ من حسن حدائه قال تعطش الإبل ثلاثاً أو قال خمساً وتدنى من الماء ثم أحدو فتتبع كلها صوتي ولا تقرب الماء فحفظ الشعر وكان - كامل - ( إنِّي وإن كان ابن عمِّي كاشحاً ... لَمُزاحِمٌ مِن دُونِه وورائِهِ ) ( ومُمِدُّهُ نَصْرِي وإنْ كان امرأً ... متزحزِحاً في أرضِه وسمائِهِ ) ( وأكونُ مأوى سِرّه وأصونُه ... حتَّى يَحِقَّ عليّ يومُ أدائه ) ( وإذَا أتَى من غَيبِهِ بطَريفةٍ ... لم أطَّلِعْ ماذا وراءَ خِبائه ) ( وإذا تحيَّفَتِ الحوادثُ مالَه ... قُرِنَتْ صحيحتُنا إلى جَرْبائه ) ( وإذا ترَيَّشَ في غِناه وفَرْتُه ... وإذا تَصعلَكَ كنْتُ من قرنائهِ ) ( وإذا غدا يوماً ليركب مَركَباً ... صَعْباً قعدْتُ له على سِيسائِه ) فلما كان الليل حدا به الحادي بهذه الأبيات فقال هذا والله أحث على المروءة وأشبه بأهل الأدب من غناء بصبص قال فحدا به ليلة فلما أصبح قال يا ربيع أعطِه درهماً فقال له يا أمير المؤمنين حدوت بهشام بن عبد الملك فأمر لي بعشرين ألف درهم وتأمر أنت بدرهم قال إنّا لله ذكرت ما لم نحب أن تذكره ووصفت أنّ رجلاً ظالماً أخذ مال الله من غير حله وأنفقه في غير حقه يا ربيع اشدد يديك به حتى يرد المال فبكى الحادي وقال يا أمير المؤمنين قد مضت لهذا السنون وقضيت به الديون وتمزقته النفقات ولا والذي أكرمك بالخلافة ما بقي عندي منه شيء فلم يزل أهله وخاصته يسألونه حتى كف عنه وشرط عليه أن يحدو به ذاهباً وراجعاً ولا يأخذ منه شيئاً أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني القاسم بن زيد المديني قال اجتمع ذات يوم عند بصبص جارية ابن نفيس عبد الله بن مصعب الزبيري ومحمد بن عيسى الجعفري في أشراف من أهل المدينة فتذاكروا مزبداً المديني صاحب النوادر وبخله فقالت بصبص أنا آخذ لكم منه درهماً فقال لها مولاها أنت حرة لئن فعلت إن لم أشتر لك مخنقة بمائة ألف دينار وإن لم أشتر لك ثوب وشي بما شئت وأجعل لك مجلساً بالعقيق أنحر لك فيه بدنة لم تقتب ولم تركب فقالت جئ به وارفع عني الغيرة فقال أنت حرة أن لو رفع برجليك لأعنته على ذلك فقال عبد الله بن مصعب فصليت الغداة في مسجد المدينة فإذا أنا به فقلت أبا إسحاق أما تحب أن ترى بصبص جارية ابن نفيس فقال امرأته طالق إن لم يكن الله ساخطاً عليّ فيها وإن لم أكن أسأله أن يرينيها منذ سنة فما يفعل فقلت له اليوم إذا صليت العصر فوافني ههنا قال امرأته طالق إن برحت من ههنا حتى تجيء صلاة العصر قال فتصرفت في حوائجي حتى كانت العصر ودخلت المسجد فوجدته فيه فأخذت بيده وأتيتهم به فأكلوا وشربوا وتساكر القوم وتناوموا فأقبلت بصبص على مزبد فقالت أبا إسحاق كأن في نفسك تشتهي أن أغنيك الساعة - مجزوء الوافر - ( لقد حَثُّوا الجِمال لِيَهْرَبُوا ... منّا فلم يَئِلوا ) فقال زوجته طالق إن لم تكوني تعلمين ما في اللوح المحفوظ قال فغنته ساعة ثم مكثت ساعة فقالت أبا إسحاق كأن في نفسك تشتهي أن تقوم من مجلسك فتجلس إلى جانبي فتقرصني قرصات وأغنيك - بسيط - ( قالتْ وقد أَبْثَثْتُها وَجْدي فبُحْتُ به ... قد كنْتَ قِدْماً تحبُّ السِتَّرَ فاستترِ ) ( ألسْتَ تُبصِرُ مَن حَولِي فقلْتُ لها ... غَطَّى هواكِ وما ألقَى على بصري ) فقال امرأته طالق إن لم تكوني تعلمين ما في الأرحام وما تكسب الأنفس غدا وبأي أرض تموت فغنته ثم قالت برح الخفاء أنا أعلم أنك تشتهي أن تقبلني شق التين وأغنيك هزجا - هزج - ( أنا أبصرْتُ بالليلِ ... غُلاماً حَسَنَ الدَّلِّ ) ( كغصن البان قد أصْبَحَ مَسْقِياً من الطَّلِّ ) لم يذكر صانعه وهو هزج على ما ذكر فقال أنت نبية مرسلة فغنته ثم قالت أبا إسحاق أرأيت أسقط من هؤلاء يدعونك ويخرجونني إليك ولا يشترون ريحاناً بدرهم أي أبا إسحاق هلم درهماً نشتري به ريحاناً فوثب وصاح واحرباه أي زانية أخطأت استك الحفرة انقطع والله عنك الوحي الذي كان يوحى إليك وعطعط القوم بها وعلموا أن حيلتها لم تنفذ عليه ثم خرجوا فلم يعد إليها وعاود القوم مجلسهم فكان أكثر شغلهم فيه حديث مزبد معها والضحك منه وقال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات أنشدني الزبير بن بكار قال أنشدني غرير بن طلحة لابن أبي الزوائد وهو ابن ذي الزوائد في بصبص - ( بَصْبصُ أنت الشمسُ مُزدانةً ... فإنْ تبذَّلْتِ فأنتِ الهلالْ ) ( سُبحانَكَ اللّهمَّ ما هكذا ... فيما مَضَى كان يكونُ الجَمَالْ ) ( إذا دَعَتْ بالعُود في مَشهدٍ ... وعاونَتْ يُمْنى يَدَيها الشِّمالْ ) ( غنَّت غناءً يستفزُّ الفَتى ... حِذْقاً وزان الحَذْقَ منها الدلاَّلْ ) قال هارون قال الزبير وأنشدني غرير أيضاً لنفسه يهجو مولاها - بسيط - ( يا ويحَ بَصْبَصَ من يَحيَى لقد رُزِقَتْ ... وجهاً قبيحاً وأنفاً من جَعاميسِ ) ( يمجُّ مِنْ فيهِ في فيها إذا هَجَعَتْ ... رِيقاً خبيثاً كأرواح الكرايِيس ) أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي قال هوي محمد بن عيسى الجعفري بصبص جارية ابن نفيس فهام بها وطال ذلك عليه فقال لصديق له لقد شغلتني هذه عن صنعتي وكل أمري وقد وجدت مس السلو فاذهب بنا حتى أكاشفها بذلك فأستريح فأتياها فلما غنت لهما قال لها محمد بن عيسى أتغنين - وافر - ( وكنتُ أحِبُّكُمْ فسلوْتُ عنكُمْ ... عليكُمْ في ديارِكُم السَّلامُ ) فقالت لا ولكني أغني - وافر - ( تحمَّلَ أهلُها عنها فبانوا ... عَلَى آثارِ مَن ذَهَب العفاء ) فاستحيا وازداد بها كلفاً ولها عشقاً فأطرق ساعة ثم قال أتغنين - طويل - ( وأخضَعُ بالعُتْبَى إذا كنْتُ مذْنِباً ... وإن أذنبَتْ كنتُ الذي أتنصَّلُ ) قالت نعم وأغني أحسن منه - طويل - ( فإن تُقْبِلوا بالودِّ نقبلْ بمثلِه ... ونُنزلْكُمُ منَّا بأقربِ مَنزلِ ) قال فتقاطعا في بيتين وتواصلا في بيتين وفي هذه الأبيات الأربعة غناء كان محمد قريض وذكاء وغيرهما ممن شاهدنا من الحذاق يغنونه في الابتداءين لحنين من الثقيل الأول وفي الجوابين لحنين من خفيف الثقيل ولا أعرف صانعهما أخبرني عمي قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني أبو أيوب المديني عن مصعب قال حضر أبو السائب المخزومي مجلساً فيه بصبص جارية يحيى بن نفيس فغنت - منسرح - ( قلبي حبيسٌ عليكِ موقوفُ ... والعينُ عَبْرَى والدَّمْعُ مذروفُ ) ( والنَّفسُ في حسرةٍ بغُصَّتِها ... قد شَفَّ أرجاءها التَّساويف ) ( إن كُنتِ بالحسنِ قد وُصِفْتِ لنا ... فإنَّني بالهوى لمَوْصُوفُ ) ( يا حسرتَا حسرةً أموْتُ بها ... إن لم يكنْ لي لديك معروفُ ) قال فطرب أبو السائب ونعر وقال لا عرف الله قدره إن لم أعرف لك معروفك ثم أخذ قناعها عن رأسها وجعله على رأسه وجعل يلطم ويبكي ويقول لها بأبي والله أنت إني لأرجو أن تكوني عند الله أفضل من الشهداء لما توليناه من السرور وجعل يصيح واغوثاه يا لله لما يلقى العاشقون أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو بكر العامري قال حدثني عمرو بن عبد الله البصري قال حدثنا الحسين بن يحيى عن عثمان بن محمد الليثي قال كنت يوماً في مجلس ابن نفيس فخرجت إلينا جاريته بصبص وكان في القوم فتى يحبها فسألته حاجة فقام ليأتيها بها فنسي أن يلبس نعله ومشى حافياً فقالت يا فلان نسيت نعلك فلبسها وقال أنا والله كما قال الأول - طويل - ( وحُبُّكِ يُنسِيني عن الشَّيء في يدي ... ويَشْغَلُني عن كلِّ شيءٍ أحاولُهْ ) فأجابته فقالت ( وبي مثلُ ما تشكوه منِّي وإنَّني ... لأُشفِق من حُبٍّ أراكَ تزاولُهْ ) صوت منسرح ( يَشتاقُ قلبي إلى مُلَيْكَة لو ... أَمْسَتْ قريباً ممن يطالبُها ) ( ما أحسَنَ الجِيدَ من مُلَيكةَ واللَّبَّاتِ ... إذ زانَها ترائبها ) ( يا ليتَني ليلةً إذا هجع النَّاسُ ... ونامَ الكلابُ صاحبُها ) ( في ليلةٍ لا يُرَى بها أحدٌ ... يَسعَى علينا إلاّ كواكبها ) الشعر لأحيحة بن الجُلاحِ والغناء لابن سريج رمل بالخنصر في مجرى البنصر وفيه لحن لمالك من رواية يونس 4 - كر أحيحة بن الجلاح ونسبه وخبره والسبب الذي من أجله قال الشعر هو أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبى بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ويكنى أحيحة أبا عمرو أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز قال ركب الوليد بن عبد الملك إلى المساجد فأتى مسجد العصبة فلما صلى قال للأحوص يا أحوص أين الزوراء التي قال فيها صاحبكم - بسيط - ( إنِّي أُقِيمُ على الزَّوراءِ أعمُرُها ... إنَّ الكريمَ على الإِخوانِ ذُو المالِ ) ( لها ثلاثُ بِئارٍ في جَوَانِبها ... في كلِّها عُقَبٌ تُسْقَى بأقبال ) ( إِسْتغْنِ أو مُتْ ولا يَغْرُرْكَ ذو نشبٍ ... من ابنِ عَمٍّ ولا عَمٍّ ولا خالِ ) قال الزبير القب الذي في أول المال عند مدخل الماء والطلب الذي في آخره قال فأشار له الأحوص إليها وقال ها هي تلك لو طولت لأشقرك هذا لجال عليها فقال الوليد إن أبا عمرو كان يراه غنياً بها فعجب الناس يومئذ لعناية الوليد بالعلم حتى علم أن كنية أحيحة أبو عمرو وفي بعض هذا الشعر غناء وهو - بسيط - صوت ( إِسْتغْنِ أو مُتْ ولا يَغْرُرْكَ ذو نشبٍ ... من ابنِ عَمٍّ ولا عَمٍّ ولا خالِ ) ( يَلْوُوْنَ مالَهُمُ عن حقِّ أقربِهِمْ ... وعَنْ عشيرتِهِمْ والحقُّ للوالي ) غناه الهذلي رملاً بالوسطى من رواية الهشامي وعمرو بن بانة وأما السبب في قول أحيحة هذا الشعر فإن أحمد بن عبيد المكتب ذكر أن محمد بن يزيد الكلبي حدثنا وحدثه أيضاً هشام بن محمد بن الشرقي بن القطامي قال هشام وحدثني به أبي أيضاً قال وحدثني رجل من قريش عن أبي عبيدة بن عمار بن ياسر قال وحدثني عبد الرحمن بن سليمان الأنصاري قالوا جميعاً أقبل تبع الأخير وهو أبو كرب بن حسان بن أسعد الحميري من اليمن سائراً يريد المشرق كما كانت التبابعة تفعل فمر بالمدينة فخلف بها ابناً له ومضى حتى قدم الشأم ثم سار من الشأم حتى قدم العراق فنزل بالمشقر فقتل ابنه غيلة بالمدينة فبلغه وهو بالمشقر مقتل ابنه فكرّ راجعاً إلى المدينة وهو يقول - كامل - ( يا ذا مُعاهِرَ ما تَزَالُ تَرُوْدُ ... رَمَدٌ بعينكَ عادها أم عُوْدُ ) ( منعَ الرُّقادَ فما أغمِّضُ ساعةً ... نَبَطٌ بيثربَ آمنون قُعودُ ) ( لا يَستقِي بيدَيكَ إنْ لم تلْقِها ... حَرْباً كأنَّ أشاءها مجرود ) ثم أقبل حتى دخل المدينة وهو مجمع على إخرابها وقطع نخلها واستئصال أهلها وسبي الذرية فنزل بسفح أحد فاحتفر بها بئراً فهي البئر التي يقال لها إلى اليوم بئر الملك ثم أرسل إلى أشراف أهل المدينة ليأتوه فكان فيمن أرسل إليه زيد بن ضبيعة بن زيد بن عمرو بن عوف وابن عمه زيد بن أمية بن زيد وابن عمه زيد بن عبيد بن زيد وكانوا يسمون الأزياد وأحيحة بن الجلاح فلما جاء رسوله قال الأزياد إنما أرسل إلينا ليملكنا على أهل يثرب فقال أحيحة والله ما دعاكم لخيرٍ وقال - مديد - ( ليتَ حَظِّي من أبي كَرِبٍ ... أنْ يَرُدَّ خَيْرُهُ خَبَلَهْ ) فذهبت مثلا وكان يقال إن مع أحيحة تابعاً من الجن يعلمه الخبر لكثرة صوابه لأنه كان لا يظن شيئاً فيخبر به قومه إلا كان كما يقول فخرجوا إليه وخرج أحيحة ومعه قينة له وخباء فضرب الخباء وجعل فيه القينة والخمر ثم خرج حتى استأذن على تبع فأذن له وأجلسه معه على زربية تحته وتحدث معه وسأله عن أمواله بالمدينة فجعل يخبره عنها وجعل تبع كلما أخبره عن شيء منها يقول كل ذلك على هذه الزربية يريد بذلك تبع قتل أحيحة ففطن أحيحة أنه يريد قتله فخرج من عنده فدخل خباءه فشرب الخمر وقرض أبياتاً وأمر القينة أن تغنيه بها وجعل تبع عليه حرساً وكانت قينته تدعى مليكة فقال - منسرح - ( يشتاقُ قَلْبي إلى مُلَيكة لو ... أمْسَتْ قريباً ممن يطالبُها ) الأبيات وزاد فيها مما ليس فيه غناء - منسرح - ( لِتبكِني قَيْنَةٌ ومِزْهَرُها ... ولتبكِنِي قهوةٌ وشاربُها ) ( ولْتبكني ناقةٌ إذا رُحِلَتْ ... وغابَ في سَرْدَحٍ مَناكبها ) ( ولْتبِكِني عُصْبَةٌ إذا جُمِعتْ ... لم يعلمِ الناسُ ما عواقِبُها ) فلم تزل القينة تغنيه بذلك يومه وعامة ليلته فلما نام الحراس قال لها إني ذاهب إلى أهلي فشدي عليك الخباء فإذا جاء رسول الملك فقولي له هو نائم فإذا أبوا إلاّ يوقظوني فقولي قد رجع إلى أهله وأرسلني إلى الملك برسالة فإن ذهبوا بك إليه فقولي له يقول لك أحيحة اغدر بقينة أو دع ثم انطلق فتحصن في أطمه الضحيان وأرسل تبع من جوف الليل إلى الازياد فقتلهم على فقارة من فقار تلك الحرة وأرسل إلى أحيحة ليقتله فخرجت إليهم القينة فقالت هو راقد فانصرفوا وترددوا عليها مراراً كل ذلك تقول هو راقد ثم عادوا فقالوا لتوقظنه أو لندخلن عليك قالت فإنه قد رجع إلى أهله وأرسلني إلى الملك برسالة فذهبوا بها إلى الملك فلما دخلت عليه سألها عنه فأخبرته خبره وقالت يقول لك اغدر بقينة أو دع فذهبت كلمة أحيحة هذه مثلا فجرد له كتيبة من خيله ثم أرسلهم في طلبه فوجدوه قد تحصن في أطمه فحاصروه ثلاثاً يقاتلهم بالنهار ويرميهم بالنبل والحجارة ويرمي إليهم بالليل بالتمر فلما مضت الثلاث رجعوا إلى تبع فقالوا بعثتنا إلى رجل يقاتلنا بالنهار ويضيفنا بالليل فتركه وأمرهم أن يحرقوا نخله وشبت الحرب بين أهل المدينة أوسها وخزرجها ويهودها وبين تبع وتحصنوا في الآطام فخرج رجل من أصحاب تبع حتى جاء بني عدي بن النجار وهم متحصنون في أطمهم الذي كان في قبلة مسجدهم فدخل حديقة من حدائقهم فرقي عذقاً منها يجدها فاطلع إليه رجل من بني عدي بن النجار من الأطم يقال له أحمر أو صخر بن سليمان من بني سلمة فنزل إليه فضربه بمنجل حتى قتله ثم ألقاه في بئر وقال جاءنا يجد نخلنا إنما النخل لمن أبره فأرسلها مثلاً فلما انتهى ذلك إلى تبع زاده حنقاً وجرد إلى بني النجار جريدة من خيله فقاتلهم بنو النجار ورئيسهم عمرو بن طلة أخو بني معاوية بن مالك بن النجار وجاء بعض تلك الخيول إلى بني عدي وهم متحصنون في أطمهم الذي في قبلة مسجدهم فراموا بني عدي بالنبل فجعلت نبلهم تقع في جدار الأطم فكان على أطمهم مثل الشعر من النبل فسمي ذلك الأطم الأشعر ولم تزل بقايا النبل فيه حتى جاء الله عز و جل بالإسلام وجاء بعض جنوده إلى بني الحارث بن الخزرج فجذموا نخلهم من أنصافها فسميت تلك النخل جذمان وجدعوا هم فرساً لتبع فكان تبع يقول لقد صنع بي أهل يثرب شيئاً ما صنعه بي أحد قتلوا ابني وصاحبي وجدعوا فرسي قالوا فبينا تبع يريد إخراب المدينة وقتل المقاتلة وسبي الذرية وقطع الأموال أتاه حبران من اليهود فقالا أيها الملك انصرف عن هذه البلدة فإنها محفوظة وإنا نجد اسمها كثيراً في كتابنا وأنها مهاجر نبي من بني إسماعيل اسمه أحمد يخرج من هذا الحرم من نحو البيت الذي بمكة تكون داره وقراره ويتبعه أكثر أهلها فأعجبه ما سمع منهما وكف عن الذي أراد بالمدينة وأهلها وصدق الحبرين بما حدثاه وانصرف تبع عما كان أراد بها وكف عن حربهم وآمنهم حتى دخلوا عسكره ودخل جنده المدينة فقال عمرو بن مالك بن النجار يذكر شأن تبع ويمدح عمرو بن طلة - مديد - ( أَصَحَا أم انتحىَ ذِكَرَهْ ... أم قضَى من لذّةٍ وطَرَهْ ) ( بعدما وَلَّى الشباب وما ... ذِكْرُهُ الشَّبابَ أو عُصُرَهْ ) ( إنَّها حَرْبٌ يمانيَةٌ ... مَثلها آتى الفتى عِبَرَهْ ) ( سائِلي عِمْرَانَ أو أسَداً ... إذْ أتَتْ تعدُو مع الزُّهَرَهْ ) ( فَيْلَقٌ فيه أبو كَرِبٍ ... سَبُعٌ أبدانُه ذَفِرَهْ ) ( ثم قالوا مَنْ يؤُمُّ بنا ... أبنو عوفٍ أم النَّجَرَهْ ) ( يا بَني النّجارِ إنّ لنا ... فِيكُمُ ذَحْلاً وإنَّ تِرَه ) ( فتلقَّتْهمْ مُسايِفةٌ ... مَدُّها كالغَبْيَةِ النَّثِره ) الغبية السحابة التي فيها مطر وبرق برعد ( فيهمُ عَمرو بن طَلَّةَ لا ... هُمَّ فامنَحْ قومَه عُمُرَه ) ( سَيِّدٌ سامَى الملوكَ ومَنْ ... يَدْعُ عَمْرا لا تَجِدْ قَدَرهْ ) وقال في ذلك رجل من اليهود - متقارب - ( تكلِّفنِي مِن تَكاليفها ... نَخِيلَ الأَساوِيف والمصَنْعَه ) ( نخيلاً حَمَتْها بنو مالكٍ ... جُنودُ أبي كَرِبَ المُفْظِعَه ) وقال أحَيحة يرثي الأزياد الذين قَتَلَهم تُبّع - وافر - ( ألا يا لَهْفَ نفسي أيَّ لَهْفِ ... على أهلِ الفَقَارةِ أيَّ لَهْفِ ) ( مَضَوا قَصْدَ السَّبيلِ وخَلّفوني ... إلى خَلَفٍ من الأَبْرام خَلْفِ ) ( سُدىً لا يكتَفون ولا أراهُمْ ... يُطيعُونَ أمراً إن كان يكفي ) قالوا فلما كفّ تبّع عن أهل المدينة اختلطوا بعسكره فبايعوه وخالطوهم ثم إنّ تبعاً استوبأ بئره التي حفرها وشكا بطنه عن مائها فدخلت عليه امرأة من بني زريق يقال لها فكهة بنت زيد بن كلدة بن عامر بن زريق وكانت ذات جلد وشرف في قومها فشكا إليها وبأبئره فانطلقت فأخذت قرباً وحمارين حتى استقت له من ماء رومة فشربه فأعجبه وقال زيديني من هذا الماء فكانت تختلف إليه في كل يوم بماء رومة فلما حان رحيله دعاها فقال لها يا فكهة إنه ليس معنا من الصفراء والبيضاء شيء ولكن لك ما تركنا من أزوادنا ومتاعنا فلما خرج تبع نقلت ما تركوه من أزوادهم ومتاعهم فيقال إنه لم تزل فكهة أكثر بني زريق مالاً حتى جاء الإسلام قال وخرج تبع يريد اليمن ومعه الحبران اللذان نهياه عن المدينة قال حين شخص من منزله هذه قباء الأرض فسميت قباء ومر بالجرف فقال هذا جرف الأرض فسمي الجرف وهو أرفعها ومر بالعرصة وتسمى السليل فقال هذه عرصة الأرض ثم انحدر في العقيق فقال هذا عقيق الأرض فسمي العقيق ثم خرج يسير حتى نزل البقيع فنزل على غدير ماء يقال له براجم فشرب منه شربة فدخلت في حلقه علقة فاشتكى منها فقال فيما ذكر أبو مسكين قوله ( ولقد شربتُ على براجِمَ شَربةً ... كادت بباقيةِ الحياة تُذِيعُ ) ثم مضى حتى إذا كان بحمدان جاءه نفر من هذيل فقالوا له اجعل لنا جعلا وندلك على بيت مال فيه كنوز من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد والذهب والفضة ليست لأهله منعة ولا شرف فجعل لهم على ذلك جعلا فقالوا له هو البيت الذي تحجه العرب بمكة وأرادوا بذلك هلاكه فتوجه نحوه فأخذته ظلمة منعته من السير فدعا الحبرين فسألهما فقالا هذا لما أجمعت عليه في هذا البيت والله مانعه منك ولن تصل إليه فاحذر أن يصيبك ما أصاب من انتهك حرمات الله وإنما أراد القوم الذين أمروك به هلاكك لأنه لم يرمه أحد قط بشر إلا أهلكه الله فأكرمه وطف به واحلق رأسك عنده فترك الذي كان أجمع عليه وأمر بالهذليين فقطع أيديهم وأرجلهم ثم خرج يسير حتى أتى مكة فنزل بالشعب من الأبطح وطاف بالبيت وحلق رأسه وكساه الخصف قال هشام وحدثني ابن لجرير بن يزيد البجلي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال هشام وحدثني أبي عن صالح عن ابن عباس قال لما أقبل تبع يريد هدم البيت وصرف وجوه العرب إلى اليمن بات صحيحاً فأصبح وقد سالت عيناه على خديه فبعث إلى السحرة والكهان والمنجمين فقال ما لي فوالله لقد بت ليلتي ما أجد شيئاً وقد صرت إلى ما ترون فقالوا حدث نفسك بخير ففعل فارتد بصيراً وكسا البيت الخصف هذه رواية جعفر بن محمد عن أبيه وفي رواية ابن عباس فأتي في المنام فقيل له اكسه أحسن من هذا فكساه الوصائل قال وهي برود العصب سميت الوصائل لأنها كانت يوصل بعضها ببعض قال فأقام بمكة ستة أيام يطعم الطعام وينحر في كل يوم ألف بعير ثم سار إلى اليمن وهو يقول خفيف ( ونَحَرْنا بالشِّعْبِ ستَّة آلاف ... تَرى الناس نَحْوَهُنَّ وُرُودا ) ( وكَسَوْنا البيتَ الذي حَرَّمَ اللَّهُ مُلاَءً معضَّدا وبُرودا ) ( وأقَمنا بهِ من الشَّهرِ سِتّاً ... وجعلْنا له بهِ إقليدا ) ( ثم أُبْنَا منه نؤمُّ سُهَيلاً ... قد رَفَعْنا لواءنا المعقودا ) قال وتهود تبع وأهل اليمن بذينك الحبرين أخبرني محمد بن مزيد قال أخبرني حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني أبو البختري عن أبي إسحاق قال أخبرني أيوب بن عبد الرحمن أن رجلاً من بني مازن بن النجار يقال له كعب بن عمرو تزوج امرأة من بني سالم بن عوف فكان يختلف إليها فقعد له رهط من بين جحجبى بمرصد فضربوه حتى قتلوه أو كادوا فأدركه القواقل فاستنقذوه فلما بلغ ذلك أخاه عاصم بن عمرو خرج وخرج معه بنو النجار وخرج أحيحة بن الجلاح ببني عمرو بن عوف فالتقوا بالرحابة فاقتتلوا قتالاً شديداً فقتل أخا عاصم يومئذ أحيحة بن الجلاح وكان يكنى أبا وحوحة فأصابه في أصحابه حين انهزموا وطلب عاصم أحيحة حتى انتهى إلى البيوت فأدركه عاصم عند باب داره فزجه بالرمح ودخل أحيحة الباب ووقع الرمح في الباب ورجع عاصم وأصحابه فمكث أياماً ثم إنّ عاصماً طلب أحيحة ليلاً ليقتله في داره فبلغ ذلك أحيحة وقيل له إنّ عاصماً قد رئي البارحة عند الضحيان والغابة وهي أرض لأحيحة والضحيان أطم له وكان أحيحة إذ ذاك سيد قومه من الأوس وكان رجلاً صنعا للمال شحيحاً عليه يبيع بيع الربا بالمدينة حتى كاد يحيط بأموالهم وكان له تسع وتسعون بعيراً كلّها ينضح عليها وكان له بالجرف أصوار من نخل قل يوم يمر به إلاّ يطلع فيه وكان له أطمان أطم في قومه يقال له المستظل وهو الذي تحصن فيه حين قاتل تبعاً أسعد أبا كرب الحميري وأطمه الضحيان بالعصبة في أرضه التي يقال لها الغابة بناه بحجارة سود وبنى عليه نبرة بيضاء مثل الفضة ثم جعل عليها مثلها يراها الراكب من مسيرة يوم أو نحوه وكانت الآطام هي عزهم ومنعتهم وحصونهم التي يتحرزون فيها من عدوهم ويزعمون أنه لما بناه أشرف هو وغلام له ثم قال لقد بنيت حصناً حصينا ما بنى مثله رجل من العرب أمنع ولا أكرم ولقد عرفت موضع حجر منه لو نزع لوقع جميعاً فقال غلامه أنا أعرفه فقال فأرنيه يا بني قال هو هذا وصرف إليه رأسه فلما رأى أحيحة أنه قد عرفه دفعه من رأس الأطم فوقع على رأسه فمات وإنما قتله إرادة ألا يعرف ذلك الحجر أحد ولما بناه قال رجز ( بنيْتُ بعد مُستظَلٍّ ضاحيا ... بنيته بعُصْبةٍ من ماليا ) ( والسِّرُّ مما يتبع القواصِيا ... أخشَى رُكَيْبا أو رُجَيلا عاديا ) وكان أحيحة إذا أمسى جلس بحذاء حصنه الضحيان ثم أرسل كلاباً له تنبح دونه على من يأتيه ممن لا يعرف حذراً أن يأتيه عدو يصيب منه غرة فأقبل عاصم بن عمرو يريده في مجلسه ذلك ليقتله بأخيه وقد أخذ معه تمراً فلما نبحته الكلاب حين دنا منه ألقى لها التمر فوقفت فلما رآها أحيحة قد سكنت حذر فقام فدخل حصنه ورماه عاصم بسهم فأحرزه منه الباب فوقع السهم بالباب فلما سمع أحيحة وقع السهم صرخ في قومه فخرج عاصم بن عمرو فأعجزهم حتى أتى قومه ثم إن أحيحة جمع لبني النجار فأراد أن يغترهم فواعدهم وقومه لذلك وكانت عند أحيحة سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش إحدى نساء بني عدي بن النجار له منها عمرو بن أحيحة وهي أم عبد المطلب بن هاشم خلف عليها هاشم بعد أحيحة وكانت امرأة شريفة لا تنكح الرجال إلاّ وأمرها بيدها إذا كرهت من رجل شيئاً تركته فزعم ابن إسحاق أنه حدثه أيوب بن عبد الرحمن وهو أحد رهطها قال حدثني شيخ منا أن أحيحة لما أجمع بالغارة على قومها ومعها ابنها عمرو بن أحيحة وهو يومئذ فطيم أو دون الفطيم وهو مع أحيحة في حصنه عمدت إلى ابنها فربطته بخيط حتى إذا أوجعت الصبي تركته فبات يبكي وهي تحمله وفات أحيحة معها ساهراً يقول ويحك ما لابني فتقول والله ما أدري ما له حتى إذا ذهب الليل أطلقت الخيط عن الصبي فنام وذكروا أنها ربطت رأس ذكره فلما هدأ الصبي قالت وارأساه فقال أحيحة هذا والله ما لقيت من سهر هذه الليلة فبات يعصب لها رأسها ويقول ليس بك بأس حتى إذا لم يبق من الليل إلا أقله قالت له قم فنم فإني أجدني صالحة قد ذهب عني ما كنت أجده وإنما فعلت به ذلك ليثقل رأسه وليشتد نومه على طول السهر فلما نام قامت وأخذت حبلاً شديداً وأوثقته برأس الحصن ثم تدلت منه وانطلقت إلى قومها فأنذرتهم وأخبرتهم بالذي أجمع هو وقومه من ذلك فحذر القوم وأعدوا واجتمعوا فأقبل أحيحة في قومه فوجد القوم على حذر قد استعدوا فلم يكن بينهم كبير قتال ثم رجع أحيحة فرجعوا عنه وقد فقدها أحيحة حين أصبح فلما رأى القوم على حذر قال هذا عمل سلمى خدعتني حتى بلغت ما أرادت وسماها قومها المتدلية لتدليها من رأس الحصن فقال في ذلك أحيحة وذكر ما صنعت به سلمى - وافر - ( تفهّمْ أيُّها الرَّجُلُ الجَهُوْلُ ... ولا يَذهَبْ بك الرأيُ الوبيلُ ) ( فإنَّ الجهلَ مَحمَلُهُ خفيفٌ ... وإنَّ الحِلْمَ مَحمَلُه ثقيلُ ) وفيها يقول - وافر - ( لَعَمْرُ أبيكَ ما يُغِني مَقامي ... من الفتيانِ رائحةٌ جَهولُ ) ( نَؤُوم ما يقلِّصُ مستقِلاًّ ... على الغايات مَضجعُه ثقيل ) ( إذا باتت أُعَصِّبُها فنامت ... علَيَّ مكانَها الحُمَّى الشَّمولُ ) ( لعلَّ عِصابَها يَبغِيْك حَرْباً ... ويأتيهمْ بعوْرَتِك الدَّليلُ ) ( وقد أعددْتُ للحَدَثان عَقْلاً ... لَو انَّ المرء تنفعه العُقولُ ) وقال فيها وفيما صنعت به خفيف ( أَخْلَقَ الرَّبْعُ من سُعادَ فأمسى ... رَبْعُهُ مُخلِقاً كدَرْس المُلاةِ ) ( بَالياً بعد حاضرٍ ذي أنيسٍ ... مِن سليمى إذْ تغتدِي كالمَهَاةِ ) وهي قصيدة طويلة يقال إن في هذين البيتين منها غناء أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن العباس بن هشام عن أبيه عن أبي مسكين أنّ قيس بن زهير بن جذيمة أتى أحيحة بن الجلاح لما وقع الشر بينه وبين بني عامر وخرج إلى المدينة ليتجهز بعث إليهم حين قتل خالد بن جعفر زهير بن جذيمة فقال قيس لأحيحة يا أبا عمرو نبئت أن عندك درعاً ليس بيثرب درع مثلها فإن كانت فضلا فبعنيها أو فهبها لي فقال يا أخا بني عبس ليس مثلي يبيع السلاح ولا يفضل عنه ولولا أني أكره أن استليم إلى بني عامر لوهبتها لك ولحملتك على سوابق خيلي ولكن اشترها يا أبا أيوب فإن البيع مرتخص وغال فأرسلها مثلاً فقال له قيس فما تكره من استلامتك إلى بني عامر قال كيف لا أكره ذلك وخالد بن جعفر الذي يقول - طويل - ( إذا ما أرَدْتَ العزَّ في آل يثربٍ ... فنادِ بصوتٍ يا أحيحةُ تُمنَعِ ) ( رأيت أبا عمروٍ أحيحةَ جارُه ... يبيْتُ قَرير العين غيرَ مروَّعِ ) ( ومَن يأته مِن خائفٍ يَنْسَ خوفَه ... ومَن يأته من جائعِ الجَوْفِ يشبعِ ) ( فضائلُ كانت للجلاحِ قديمةً ... وأكرِمْ بفخرٍ من خصالكَ الأربع ) فقال قيس وما عليك بعد ذلك من لوم فلها عنه ثم عاوده فساومه فغضب أحيحة وقال له بت عندي فبات عنده فلما شرب تغنى أحيحة وقيس يسمع - وافر - ( ألا يا قيسُ لا تَسُمَنَّ دِرْعي ... فما مثلي يُساوَم بالدُّروعِ ) ( فلولا خَلَّةٌ لأبي جُوَيٍّ ... وأنِّي لستُ عنها بالنَّزوع ) ( لأُبْتَ بمثلها عَشْرٍ وطِرْفٍ ... لَحُوقِ الإِطْل جَيّاشٍ تَلِيع ) ( لكنْ سَمِّ ما أحببْتَ فيها ... فليس بمنكَرٍ غَبْنُ البيوع ) ( فما هِبة الدُّروع أخا بغيضٍ ... ولا الخيلِ السَّوابِقِ بالبديعِ ) وقال فأمسك بعد ذلك عن مساومته أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني أخي أحمد بن علي عن عافية بن شبيب قال حدثني أبو جعفر الأسدي عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي وأخبرنا به إسماعيل بن يونس الشيعي إجازة عن عمر بن شبة عن إسحاق قال دعاني الفضل بن الربيع يوماً فأتيته فإذا عنده شيخ حجازي حسن الوجه والهيئة فقال لي أتعرف هذا قلت لا قال هذا ابن أنيسة بنت معبد فسله عما أحببت من غناء جده فقلت يا أخا أهل الحجاز كم غناء جدك قال ستون صوتاً ثم غناني - منسرح - ( ما أَحْسَنَ الجِيدَ من مُليكة واللَّبَّاتِ ... إذ زانَها ترائبُها ) قال فغناه أحسن غناء في الأرض ولم آخذه منه اتكالاً على قدرتي عليه واضطرب الأمر على الفضل وصار إلى التغيب وشخص الشيخ إلى المدينة فبقيت أنشد الشعر وأسأل عنه مشايخ المغنين وعجائز المغنيات فلا أجد أحداً يعرفه حتى قدمت البصرة وكنت آتي جزيرتها في القيظ فأبيت بها ثم أبكر بالغداة إلى منزلي فإني لداخل يوماً إذا بامرأتين نبيلتين قد قامتا فأخذتا بلجام حماري فقلت لهما مه قال أبو زيد في خبره فقالت إحداهما كيف عشقك اليوم لما أَحْسَنَ الجِيدَ من مُليكة وشغفك به فقد بلغني أنك كنت تطلبه من كل أحد وقد كنت رأيتك في مجلس الفضل وقد استخفك الطرب لهذا الصوت حتى صفقت قال فقلت لها أشد والله ما كنت عشقاً له وقد ألهبت بذكرك إياه في قلبي جمراً ولقد طلبته ببغداد كلها فلم أجد أحداً يسمعنيه قالت أفتحب أن أغنيك إياه قلت نعم فغنته والله أحسن مما سمعته قديماً بصوت خافض فنزلت إليها فقبلت يديها ورجليها وقلت أغنيك وتغنيني يومنا إلى الليل قالت أنت والله أطفس من أن تفعل ذاك وإنما هو عرض ولكني أغنيك حتى تأخذه فقلت بأبي أنت وأمي وجعلني الله فداك من أنت قالت أنا وهبة جارية محمد بن عمران القروي التي يقول فيها فروح الرفاء الطلحي صوت بسيط ( يا وَهْبَ لم يَبْقَ لي شيء أُسَرُّ به ... إلاّ الجلوَسُ فتَسقِيني وأَسقيكِ ) ( وتمزُجينَ بريقٍ منكِ لي قَدَحاً ... كأنّ فيه رضابَ المِسْك من فيكِ ) ( يا أطيْبَ الناسِ ريقاً غيرَ مُختَبَرٍ ... إِلاّ شهادَةَ أطرافِ المَسَاويكِ ) ( قد زُرْتِنا زورةً في الدّهر واحدةً ... ثَنِّي ولا تجعلِيها بيضةَ الديك ) ( ما نلْتُ منك سِوَى شيءٍ أسَرُّ به ... ولستُ أبصر شيئاً من مَسَاويك ) ( قالت مُلِكْتَ ولم تملِكْ فقُلْتُ لها ... ما كلُّ مالكةٍ تُزرِي بمملوكِ ) قال أبو زيد خاصّة قال إسحاق وأنشدتنيه وغنتني فيه بصوت مليح قد صنعته فيه ثم صارت إليّ بعد ذلك وكانت من أحسن الناس غناء وأحسنهم رواية فما كانت تفوق فيه من صنعتها سائر الناس صوتها وهو صوت منسرح ( لا بُدَّ من سَكْرةٍ على طَرَبِ ... لعلَّ رَوْحاً يُدَالُ من كَرَبِ ) ( فَعاطِنِيها صفراءَ صافيةً ... تَضحكُ من لؤلؤٍ على ذهَبِ ) قال ولها فيه عملٌ فاضل ومن صنعتها قوله - مجزوء الكامل - صوت ( الكأسُ بعد الكأس قد ... تُصبي لَكَ الرجلَ الحليما ) ( وتُقَرِّب النَّسَب البعيدَ ... وَتَبْسُط الوجْهَ الشَّتيما ) قال وممّا برّزت فيه من صنعتها - خفيف صوت ( هاتِها سُكَّريَّةً كشُعاعِ الشَّمْسِ لا ... قَرْقَفاً ولا خَنْدَريسا ) ( في رُبىً يخلَع الولِيُّ عليها ... ما يحييِّ به الجليسُ الجليسا ) ( فَلنُوَّارِها نسيمٌ إذا ما ... حَرّكَتْه الرِّياح ردَّ النُّفوسا ) صوت بسيط ( أمْسى لسَلاَّمَة الزَّرقاءِ في كَبِدي ... صَدْعٌ مقيْمٌ طَوَالَ الدَّهرِ والأبدِ ) ( لا يستطيعُ صَنَاعُ القوم يَشْعَبَه ... وكيف يُشْعَب صَدْعُ الحبِّ في الكبد ) ( إلاّ بوصْلِ التي من حبِّها انصدعَتْ ... تلك الصُّدوعُ من الأسقام والكمَدِ ) الشعر والغناء لمحمد بن الأشعث بن فجوة الكاتب الكوفي أحد بني زهرة من قريش ولحنه من خفيف الثّقيل الأوّل بالبنصر وسلاّمة الزرقاء هذه جارية ابن رامين وكانت إحدى القينات المحسنات 5 - ذكر خبر سلامة الزرقاء وخبر محمد بن الأشعث نسخت ذلك من كتاب هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات ذكر أن أبا أيوب المديني حدثه عن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود قال كان محمد ابن الأشعث القرشي ثم الزهري كاتباً وكان من فتيان أهل الكوفة وظرفائهم وأدبائهم وكان يقول الشعر ويتغنى فيه فمن ذلك قوله في زرقاء جارية ابن رامين وكان يألفها - بسيط - ( أمسى لسَلاّمة الزَّرقاءِ في كبدي ... ) وذكر الأبيات قال ومن شعره فيها يخاطب مولاها وقد كان حج وأخرج جواريه كلهن هكذا ذكر أحمد بن إبراهيم وهذا الشعر الثاني لإسماعيل بن عمار الأسدي وقد ذكرت أخباره في موضع آخر صوت سريع ( أَيَّةُ حالٍ يابنَ رامينِ ... حالُ المحبِّينَ المساكين ) ( تَرَكْتَهُمْ موتَى ولم يَتْلَفوا ... قد جُرِّعوا منك الأَمَرِّين ) ويروى تركتهم موتى وما موتوا وجدته بخط حماد ( وسِرْتَ في رَكْبٍ على طِيّةٍ ... رَكْبٍ تَهَامٍ ويمَانِين ) ( يا راعيَ الذَّودِ لقد رُعْتَهُمْ ... ويلَكَ من رَوْع المحبِّين ) ( فرّقْتَ جمعاً لا يُرى مثلُهُمْ ... بين دُروب الرُّوم والصِّين ) الغناء لمحمد بن الأشعث نشيد خفيف ثقيل أول بالوسطى في مجراها عن ابن المكي وغيره قال ودخل ابن الأشعث يوماً على ابن رامين فخرجت إليه الزرقاء فبينما هو يلقي عليها إذ بصر بوصيفة من وصائفها فأعجبته فقال شعراً في وقته وتغنى فيه فأخذته منه الزرقاء وهو قوله - خفيف - صوت ( قل لأختي التي أحبُّ رضاها ... أنتِ لي فاعلميه رُكنٌ شديدُ ) ( إنَّ لي حاجةً إليكِ فقولي ... بين أُذْنِي وعاتقي ما تريد ) يعني قولي ما تريد في عنقي حتى أفعله ففطنت الزرقاء للذي أراد فوهبت له الوصيفة فخرج بها الغناء فيه رمل بالوسطى ذكر عمرو بن بانة أنه لابن سريج وقد وهم في ذلك بل الغناء لمحمد بن الأشعث لا يشك فيه قال هارون وحدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال وحدثني أبو عبد الله الأسك أمير المغنين أن محمد بن الأشعث الزهري وهشام بن محمد بن أبي عثمان السلمي اجتمعا عند ابن رامين وكان هشام قد أنفق في منزله مالاً عظيماً وكان يقال لأبيه بسياردرم وتفسيره بالعربية الكثير الدراهم فقال محمد بن الأشعث يا هشام قل ما تشاء قال - خفيف ( قل لأختي التي أحبُّ رضاها ... أنتِ لي فاعلميه رُكنٌ شديدُ ) وأشار بذلك إلى سلامة الزرقاء قالت وقد سمعت فقل فقال - خفيف - ( إنَّ لي حاجةً إليكِ فقولي ... بين أُذْنِي وعاتقي ما تريد ) ففطنت الزرقاء للذي أراد فقالت بين أذني وعاتقي ما تريد فما هو قال وصيفتك هذه فإنها قد أعجبتني قالت هي لك فأخذها فما رد ذلك ابن رامين ولا تكلم فيه وهذا الشعر والغناء فيه لمحمد بن الأشعث قال هارون وحدثني أبو أيوب عن أحمد بن إبراهيم قال ذكر عمرو بن نوفل بن أنس بن زيد التميمي أن محمد بن الأشعث كان ملازماً لابن رامين ولجاريته سلامة الزرقاء فشهر بذلك وكان رجلاً قصافاً فلامه قومه في فعله فلم يحفل بمقالتهم وطال ذلك منه ومنهم حتى رأى بعض ما كره في منزل ابن رامين فمال إلى سحيقة جارية زريق بن منيح مولى عيسى بن موسى وكان زريق شيخاً سخياً كريماً نبيلاً يجتمع إليه أشراف الكوفة من كل حي وكان الغالب على منزله رجلاً من ولد القاسم بن عبد الغفار العجلي كغلبة محمد بن الأشعث على منزل ابن رامين فتواصلا على ملازمة بيت زريق ففي ذلك يقول محمد بن الأشعث - خفيف - ( يابن رامينَ بُحْتَ بالتَّصريحِ ... في هَوَايَ سَحِيقَة ابنِ منيحِ ) ( قَيْنَةٌ عَفّةٌ ومولىً كريمٌ ... ونديمٌ من اللُّبابِ الصَّريحِ ) ( رَبَعيٌّ مهذَّبٌ أرْيَحيٌّ ... يَشترِي الحَمْدَ بالفَعَال الرَّبيحِ ) ( نحنُ منه في كلِّ ما تشتهي الأنفُسُ ... من لذّةٍ وعيشٍ نجيحِ ) ( عندَ قَرْمٍ من هاشم في ذُرَاها ... وغناءٍ من الغزالِ المليح ) ( في سُرورٍ وفي نعيمٍ مُقيمٍ ... قد أمِنَّا من كلِّ أمرٍ قبيحِ ) ( فاسْلُ عنا كما سَلَوْناكَ إنّي ... غيرُ سالٍ عن ذاتِ نَفْسي ورُوحِي ) ( حافظٌ منك كلَّ ما كنْتَ قد ضَيْتيَعْتَ ... مما عصيْتُ فيه نصيحي ) ( فالقِلَى ما حَيِيتَ منِّي لك الدِّهرَ ... بوُدٍّ لمُنْيتِي ممنوحِ ) ( يابنَ رامينَ فالزَمَنْ مَسْجِدَ الحَيْيِ ... وطُولَ الصَّلاة والتَّسبيحِ ) قال عمرو بن نوفل فلم يدع ابن رامين شريفاً بالكوفة إلاّ تحمل به على ابن الأشعث وأن يرضى عنه ويعاود زيارته فلم يفعل حتى تحمل عليه بالجحواني وهو محمد بن بشر بن جحوان الأسدي وكان يومئذ على الكوفة فكلمه فرضي عنه ورجع إلى زيارته ولم يقطع منزل زريق وقال في سحيقة وافر ( سحيقةُ أنتِ واحدة القيانِ ... فما لكِ مُشْبهٌ فيهنَّ ثانِ ) ( فَضَلْتِ على القيان بفَضلِ حِذقٍ ... فحُزْتِ على المدى قَصَبَ الرِّهان ) ( سجدْنَ لكِ القيانُ مكفِّراتٍ ... كما سجدَ المجوسُ لمرزُبانِ ) ( ولا سِيَمَا إذا غنَّيْتِ صوتاً ... وحَرَّكْتِ المَثالث والمثانِي ) ( شرِبتُ الخمرَ حتَّى خلْتُ أنِّي ... أبو قابوسَ أو عَبدُ المَدَانِ ) ( فإعمال اليَسارِ على المَلاوِي ... ومِن يُمْناكِ ترجمةُ البيان ) أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان عن حماد عن أبيه قال كان روح بن حاتم المهلبي كثير الغشيان لمنزل ابن رامين وكان يختلف إلى الزرقاء جارية ابن رامين وكان يهواها محمد بن جميل وتهواه فقال لها إن روح بن حاتم قد ثقل علينا قالت فما أصنع قد غمر مولاي ببره فقال احتالي له فبات عندهم روح ليلة فأخذت سراويله وهو نائم فغسلته فلما أصبح سأل عنه فقالت غسلناه ففطن أنه أحدث فيه فاحتيج إلى غسله فاستحيا من ذلك وانقطع عنها وخلا وجهها لابن جميل قال هارون وأخبرني حماد عن أبيه قال إن رامين اسمه عبد الملك بن رامين مولى عبد الملك بن بشر بن مروان وجواريه سعدة وربيحة وسلامة الزرقاء وفيهن يقول إسماعيل بن عمار الأسدي وأنشدناه الحرمي عن الزبير عن عمه وروايته أتم - بسيط - ( هَل مِن شفاءٍ لقلبٍ لَجَّ مَحزونِ ... صَبَا وصبٍّ إلى رِيم ابن رامينِ ) ( إلى رُبَيحة إنَّ الله فضَّلَها ... بحُسنها وسَماعٍ ذي أفانينِ ) ( نَعَمْ شفاؤك منها أن تقولَ لها ... قَتَلْتِنِي يومَ دَير اللُّجِّ فاحِييني ) ( أنتِ الطبيبُ لداءٍ قد تَلبَّسَ بي ... من الجوَى فانفُثي في فيَّ وارقِيني ) ( نفسِي تأبَّى لكمْ إلاّ طَوَاعية ... وأنتِ تَحْمَيْنَ أنفاً أن تُطيعيني ) ( فتلك قسمةُ ضِيَزى قد سمعْتُ بها ... وأنتِ تَتْلِينها ما ذاك في الدين ) ( ما عائِذُ الله لي إلفٌ ولا وطنٌ ... ولا ابنُ رامينَ لولا ما يمنِّيني ) ( يا ربِّ ما لابن رامينٍ له بَقَرٌ ... عِينٌ وليس لنا غيرُ البراذينِ ) ( لو شئْتَ أعطيْتَه مالاً على قدَرٍ ... يَرضَى به منكَ غيرَ الخُرَّدِ العِينِ ) ( لِعائِذِ الله بيتٌ ما مررْتُ به ... إلاَّوُجِئتُ على قلبي بسِكِّينِ ) ( يا سَعدةُ القينةُ البيضاءُ أنتِ لنا ... أُنسٌ لأنَّكِ في دار ابن رامينِ ) ( لا تَحْسَبِنَّ بياضَ الجِصِّ يؤنسني ... وأنتِ كنْتِ كمثل الخَزِّ في اللينِ ) ( لولا رُبَيْحَة ما استأنسْتُ ما عَمَدتْ ... نفسي إليكِ ولو مُثِّلْتِ في طينِ ) ( لم أنسَ سَعْدَة والزّرقاءَ يومَهما ... باللُّجّ شرقيَّه فوقَ الدَّكاكين ) ( تُغنَّيانِ ابنَ رامينٍ ضَحَاءَهما ... بالمَسْجِحِيِّ وتشبيبِ المحبِّينِ ) ( فما دَعوْتُ به من عيش مَمْلكةٍ ... ولم نَعِشْ يومَنا عيشَ المساكينِ ) ( أذاكَ أنْعَمُ أم يومٌ ظلِلْتُ به ... منعَّمَ العيشِ في سُتانِ سُورِين ) ( يشوي لنا الشَّيخ سُورِينٌ دواجِنَه ... بالجَرْدَناجِ وسحاجِ الشقابين ) ( نُسقَى شراباً لعمرانٍ يعتِّقه ... يُمسِي الأصحّاءُ منه كالمجانين ) يعني عمران بن موسى بن طلحة بن عبيد الله ( إذا ذكرنا صلاة بَعدما فَرَطَتْ ... قُمْنا إليها بلا عقلٍ ولا دين ) ( نمشِي إليها بِطاءً لا حَراكَ بنا ... كأنَّ أرْجُلَنا تُقْلَعْنَ من طينِ ) ( نمشِي وأرجُلنا عُوْجٌ مطارِحُها ... مَشْيَ الإِوَزِّ التي تأتي من الصينِ ) ( أو مَشْيَ عُميانِ دِيْرٍ لا دليلَ لهمْ ... إلاّ العصيُّ إلى عِيد السَّعانينِ ) وقال فيه أيضا - خفيف - ( لابن رامينَ خُرَّدٌ كَمَهَا الرَّمْلِ ... حِسانٌ وليس لي غير بَغْلِ ) ( ربِّ فضَّلْتَه عليَّ ولو شئتَ ... لفضَّلتني عليه بفَضْلِ ) قال حماد وأخبرني أبي قال حدّثني السكوني أنّ جعفر بن سليمان اشترى ربيحة بمائة ألف درهم واشترى صالحٌ ابن عليّ سعدة بتسعين ألف درهم واشترى معن بن زائدة الزرقاء قال مؤلف هذا الكتاب هذا خطأ الزّرقاء اشتراها جعفر بن سليمان ولعلَ معنا اشترى غيرها أخبرني حبيب بن نصر قال حدّثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني علي ابن الحسن الشيباني عن عبد الملك بن ثوبان قال قال إسماعيل بن عمار كنت أختلف إلى منزل ابن رامين فأسمع جاريتيه الزرقاء وسعدة وكانت سعدة أظرف من الزرقاء فأعجبت بها وعلمت ذلك مني وكانت سعدة كاتبة فكتبت إليها أشكو ما ألقى بها فوعدتني فكتبت إليها رقعة مع بعض خدمهم - بسيط - ( يا ربِّ إنَّ ابن رَامينٍ له بَقَرٌ ... عِينٌ وليس لنا غيرُ البراذِينِ ) وذكر الأبيات الماضية قال فجاءني الخادم وقال ما زالت تقرأ رقعتك وتضحك من قولك ( فإن تجودي بذاك الشيءِ أحْيَ بهِ ... وإنْ بَخِلْتِ به عنِّي فزَنِّيْنِي ) وكتبت إلي حاشاك من أن أزنيك ولكني أسير إليك فأغنيك وألهيك وأرضيك وصارت إلي فأرضتني بعد ذلك أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الحسين بن محمد الحراني وأخبرني الجوهري عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه أن جعفر بن سليمان اشترى الزرقاء صاحبة ابن رامين بثمانين ألف درهم وسترها عن أبيه وأبوه يومئذ على البصرة في خلافة المنصور وقد تحرك في تلك الأيام عبد الله بن علي فهجم عليهما يوماً سليمان بن علي فأخفيا العود تحت السرير ودخل فقال له ويحك نحن على هذه الحال نتوقع الصيلم وأنت تشتري جارية بثمانين ألف درهم وأظهر له غضباً عليه وتسخطاً لما فعل فغمز خادماً كان على رأسه فأخرجها إلى سليمان فأكبت على رأسه فقبلته ودعت له وكانت عاقلة مقبولة متكلمة فأعجبه ما رأى منها وقام عنهما فلم يعد لمعاتبة ابنه بعد ذلك قال ولما مضت لها مدة عند جعفر سألها يوماً هل ظفر منك أحد ممن كان يهواك بخلوة أو قبلة فخشيت أن يبلغه شيء كانت فعلته بحضرة جماعة أو يكون قد بلغه فقالت لا والله إلا يزيد بن عون العبادي الصيرفي فإنه قبلني قبلة وقذف في فيَّ لؤلؤة بعتها بثلاثين ألف درهم فلم يزل جعفر يحتال له ويطلبه حتى وقع في يده فضربه بالسياط حتى مات قال هارون وحدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني أبو عوف الدوسي عن عبد الرحمن بن مقرن قال كتبت إلى ابن رامين أستأذنه في إتيانه فكتب إلي قد سبقك روح بن حاتم فإن كنت لا تحتشم منه فرح فرحت فكنا كأننا فرسا رهان والتقينا فعانقني وقال لي أنى تريد قلت حيث أردت قال فالحمد لله فدخلنا فخرجت الزرقاء في إزار ورداء قوهيين موردين كأن الشمس طالعة من بين رأسها وكتفيها فغنتنا ساعة ثم جاء الخادم الذي يأذن لها وكان الإذن عليها دون مولاها فقام دون الباب وهي تغني حتى إذا قطعت نظرت إليه فقالت من فقال يزيد بن عون العبادي الصيرفي الملقب بالماجن على الباب فقالت أدخله فلما استقبلها كفر ثم أقعى بين يديها قال فوجدت والله له ورأيت أثر ذلك وتنوقت تنوقاً خلاف ما كانت تفعل بنا فأدخل يده في ثوبه فأخرج لؤلؤتين وقال انظري يا زرقاء جعلت فداك ثم حلف أنه نقد فيهما بالأمس أربعين ألف درهم فقالت فما أصنع بذلك قال أردت أن تعلمي فغنت صوتاً ثم قالت يا ماجن هبها لي ويحك قال إن شئت والله فعلت قالت قد شئت قال واليمين التي حلفت بها لازمة لي إن أخذتهما إلا بشفتيك من شفتي قال فذهب روح يتسرع إليه فقالت له ألك في بيت القوم حاجة قال نعم فقلت إنما يتكسبون مما ترى وقام ابن رامين فقال ضع لي يا غلام ماء ثم خرج عنا فقالت هاتهما فمشى على ركبتيه وكفيه وهما بين شفتيه فقال هاك فلما ذهبت بشفتيها جعل يصد عنها يميناً وشمالاً ليستكثر منها فغمزت جارية على رأسها فخرجت كأنها تريد حاجة ثم عطفت عليه فلما دنا منها وذهب ليزوغ دفعت منكبيه وأمسكتهما حتى أخذت الزرقاء اللؤلؤتين بشفتيها من فمه ورشح جبينها حياء مناً ثم تجلدت علينا فأقبلت عليه فقالت له المغبون في استه عود فقال أما أنا فما أبالي لا يزال طيب هذه الرائحة في أنفي وفمي أبداً ما حييت قال هارون وحدثني ابن النطاح عن المدائني عن علي بن أبي سليمان عن أبي عبد الله القرشي عن أبي زاهر بن أبي الصباح قال أتيت منزل ابن رامين مع رجل من قريش فأخرج الزرقاء وسعدة فقام القرشي ليبول وترك مطرفه فلبسته سعدة وخرجت فرجع القرشي وعليها المطرف قد خاطته فصار درعاً فقالت أرأيتم أسرع من هذا صار المطرف درعاً فقال القرشي هو لك قال وعلي طيلسان مثنى فأردت أن أبول فلففته وقمت فقالت سعدة دع طيلسانك فقلت لا أدعه أخاف أن يتحول مطرفاً وحدثني قبيصة بن معاوية قال قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي شربت زرقاء ابن رامين دواءً فأهدى لها ابن المقفع ألف دراجة على جمل قراسي قال هارون وحدثني حماد عن أبيه أن محمد بن جميل كان يتعشق الزرقاء وكان أبوه جميل يغدو كل يوم يسأل من يقدم عن ابنه محمد إلى أن مر به صديق له يكنى أبا ياسر فسأله عنه فقال له أبو ياسر تركته أعظم الناس قدرا يعامل الخليفة كل يوم في خراجه فيحتاج إليه ولده وصاحب شرطته وصاحب حرسه وخدمه فقال له يا أخي فكيف بهذه الجارية التي قد شهر بها فقال له الرجل لا تهتم بها قد مازحه أمير المؤمنين فيها وخاطبه بشعر قيل فيه قال وما هو قال - سريع - ( وابنُ جميلٍ فاعلموا عاجلاً ... لا بدّ موقوف على مَسْطَبَهْ ) ( يُوقَف في زرقاءَ مشهورةٍ ... تُجِيد ضَرْبَ العُود والعَرْطَبَهْ ) فقال جميل والله ما بي من هذا الأمر إلا أني أتخوف أن يكون قد شهر بها هذه الشُّهرَةَ ولم ينكها قال هارون وأحسب هذه القصة لزرقاء الزراد لا زرقاء ابن رامين قال هارون وحدثني أبو أيوب قال حدثني محمد بن سلام قال اجتمع عند ابن رامين معن بن زائدة وروح بن حاتم وابن المقفع فلما تغنت الزرقاء وسعدة بعث معن إليها بدرة فصبت بين يديها فبعث روح إليها أخرى فصبت بين يديها ولم يكن عند ابن المقفع دراهم فبعث فجاء بصك ضيعته وقال هذه عهدة ضيعتي خذيها فأما الدراهم فما عندي منها شيء أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا فضل اليزيدي قال حدثني إسحاق الموصلي قال قال سليمان الخشاب دخلت منزل ابن رامين فرأيت الزرقاء جاريته وهي وصيفة حين شال نهودها ثوبها عن صدرها لها شارب كأنه خط بمسك يلحظه الطرف ويقصر عنه الوصف وابن الأشعث الكوفي يلقي عليها والغناء له - سريع - ( ايّةُ حالٍ يا ابنَ رامين ... حالُ المحبِّين المساكين ) ( تَرَكْتَهُمْ موتَى وما مَوَّتوا ... قد جُرِّعوا منكَ الأمَرِّين ) ( وسِرْتُ في رَكْبٍ على طِيّةٍ ... ركبٍ تَهَامٍ ويَمانِين ) ( يا راعيَ الذَّود لقد رُعْتَنا ... ويلَكَ من رَوْعِ المحبِّين ) ( فَرَّقْتَ جمعاً لا يُرَى مثلُهُمْ ... فَجَّعتهمْ بالرَّبرب العِين ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثني هارون بن محمد الزيات قال قال أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل كان ابن رامين مولى الزرقاء أجل مقين بالكوفة وأكبرهم ورامين أبوه مولى بشر بن مروان قال هارون فحدثني سليمان المديني قال قال حماد بن إسحاق قال أبي قال معاذ بن الطبيب أتيت ابن رامين وعنده جواريه الزرقاء وصواحباتها وعندهن فتى حسن الوجه نظيف الثياب عطر الريح يلقي عليهن فسألت عنه فقيل لي هذا محمد بن الأشعث بن فجوة الزهري فمضيت به إلى منزلي وسألته المقام ففعل وأتيته بطعام وشراب وغنيته أصواتا من غناء أهل الحجاز فسألني أن ألقيها عليه فقلت نعم وكرامة وحباً على أن تلقي عليَّ أصواتا من صنعتك ألتذ بها وأقطع طريقي بروايتها وأطرف أهل بلدي بها ففعلت وفعل فكان مما أخذته عنه من صنعته - رمل - صوت ( صاحِ إنِّي عادَ لي ما ذَهَبا ... مِن هوىً هاجَ لقلبي طَرَبا ) ( أذكَرتني الشَّوق سَلاّمةُ أن ... لم أكُنْ قضيْتُ منها أرَبا ) ( وإذا ما لامَ فيها لائمٌ ... زاد في قلبي لحبِّي عجبا ) ( مِن ذَوات الدَّلِّ لو دبَّ على ... جِلدها الذَّرُّ لأبدَى نَدَبا ) الغناء لمحمد بن الأشعث ثقيل أول عن الهشامي وفيه ليونس خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وذكر أحمد بن عبيد أن فيه لحناً من الثقيل الثاني لا يدرى لمن هو قال ومنها طويل صوت ( لِذِكْرِ الحبيبِ النَّازحِ المتعتِّبِ ... طرِبْتُ ومَن يَعرِضْ له الشوق يَطْرَبِ ) لحنه رمل وقال منها - طويل - صوت ( خليليَّ عُوجا ساعةً ثم سلِّما ... على زَينبٍ سَقْياً ورَعْياً لزينبِ ) لحنه رمل وقال منها - مجزوء الكامل - صوت ( رَحُبَتْ بلادُك يا أمامهْ ... وسَلِمْتِ ما سَجَعَتْ حَمَامَهْ ) ( وسقَى ديارَك كلَّما ... حَنَّت إلى السُّقيا غَمَامَهْ ) ( إنِّي وإن أقصَيتني ... سَفَهاً أحبُّ لكِ الكرامهْ ) ( وأَرى أمورَكِ طاعةً ... مفروضةً حتّى القيامه ) لحنه خفيف رملٍ قال ومنها - مجزوء الرجز - صوت ( ما بالمَغَاني مِن أحَدْ ... إلاّ حماماتٌ فُرُدَ ) ( أضحت خَلاءً دُرَّساً ... للرِّيح فيها مُطَّرَدْ ) ( عهدِي بها فيما مَضَى ... ينتابُها بِيْضٌ خُرُدْ ) ( فاستبدلَتْ وَحشاً بهمْ ... والوُرْق تدعو والصُّرَد ) لحنه هزج قال ومنها صوت مجزوء الرمل ( ليتَ من طَيَّرَ نومي ... ردَّ في عيني المناما ) ( أو شَفَى جسماً سقيماً ... زاده الهجرُ سَقَاما ) ( نظرَتْ عيني إليها ... نَظرَةً هاجتْ غَراما ) ( تركَتْ قلبي حزيناً ... بهواها مُستَهاما ) لحنه رمل قال ابن الطبيب وأخذت منه مع هذه أصواتاً كثيرة ورأيت الناس بعد ذلك ينسبونها إلى قدماء المغنين قال هارون وحدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال حدثني إسماعيل بن جعفر بن سليمان أن الزرقاء صاحبة ابن رامين صارت إلى أبيه وكان يقال لها أم عثمان وأن ربيحة جارية ابن رامين صارت إلى محمد بن سليمان وكانت حظية عنده قال إسماعيل فأتى سليمان بن علي ابنه جعفراً فأخرج إليه الزرقاء فقال لها سليمان غنيني قالت أي شيءٍ تحب قال غنيني - مجزوء الوافر ( إذا ما أمُّ عبدِ اللَّهِ لم تَحْلُلْ بِواديهِ ) ( ولم تَشْفِ سقيماً هَيْيَجَ ... الحُزن دواعيهِ ) فقالت فديتك قد ترك الناس ذا منذ زمان ثم غنته إياه قال إسماعيل قد مات سليمان منذ ثلاث وسبعين سنة وينبغي أن يكون رأى الزرقاء قبل موته بسنتين أو ثلاث قال وقالت هي قد ترك الناس هذا منذ زمان فهذا من أقدم ما يكون من الغناء قال هارون وقال شراعة بن الزندبوذ - بسيط - ( قالوا شُرَاعَةُ عِنِّينٌ فقلْتُ لهمْ ... الله يعلمُ أنِّي غيرُ عِنِّينِ ) ( فإنْ أبيتمْ وقلتمْ مثلَ قولِهِمٌ ... فأقحِمونِيَ في دارِ ابنِ رامين ) ( ثم انظروا كيفَ طَعْنِي عند مُعَتركي ... في حِرِ مَنْ كنتُ أرميها وتَرميني ) قال هارون وحدثني أبو أيوب المديني عن أحمد بن إبراهيم قال قال بعض المدنيين أتيت منزل ابن رامين فوجدت عنده جارية قد رفع ثديها قميصاً لها شارب أخضر ممتد على شفتيها امتداد الطراز كأنما خطت طرتها وحاجباها بقلم لا يلحقها في ضرب من ضروب حسنها وصف واصف فسألت عن اسمها فقيل هذه الزرقاء نسبة الصوت الذي في الخبر صوت مجزوء الوافر ( إذا ما أمُّ عبدِ اللَّهِ لم تَحْلُلْ بِواديهِ ) ( ولم تَشْفِ سقيماً هَيْيَجَ الحُزْن دُواعيهِ ) ( غَزالٌ راعَه القَنَّاصُ ... تحميه صَواصيه ) ( عَرَفْتُ الربعَ بالإِكليلِ ... عَفَّتْهُ سوافيهِ ) ( بجوٍّ ناعِم الحَوْذانِ ... مُلتفٍّ رَوَابيه ) ( وما ذِكري حبيباً وقليلاً ما أُواتيهِ ) ( كذِي الخمرِ تمَنَّاها ... وقد أسْرَفَ ساقِيهِ ) ذكر الزبير بن بكار أن الشعر لعدي بن نوفل وقيل إنه للنعمان بن بشير الأنصاري وذاك أصح وقد أخرجت أخبار النعمان فيه مفردة في موضع آخر وذكرت القصيدة بأسرها ورواها ابن الأعرابي وأبو عمرو الشيباني للنعمان ولم يذكر أنها لعدي غير الزبير بن بكار والغناء فيما ذكر عمرو بن بانة لمعبد خفيف رمل بالوسطى وذكر إسحاق أن فيه خفيف رمل بالسبابة في مجرى البنصر يمان وفيه للغريض ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي في الأول والثاني والرابع والخامس 6 - نسب عدي بن نوفل وخبره هو عدي بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي وأمه آمنة بنت جابر بن سفيان أخت تأبط شراً وكان عمر بن الخطاب رضوان الله عليه استعمله أو عثمان بن عفان رضي الله عنه فيما أخبرنا به الطوسي عن الزبير بن بكار على حضرموت قال الزبير ودار عدي بن نوفل بين المسجد والسوق معروفة وفيها يقول إسماعيل بن يسار النسائي - خفيف - ( إنّ مَمْشاكِ نحوَ دارِ عَديٍّ ... كان للقلب شِقْوةً وفُتونا ) ( إذْ تراءت على البَلاط فلمَّا ... واجَهْتَها كالشَّمس تُعشِي العُيونا ) ( قال هارونُ قِفْ فيا ليتَ أنِّي ... كنتُ طاوعْتُ ساعةً هارونا ) وقد قيل إن هذه الأبيات لعمر بن أبي ربيعة قال الزبير كان تحت عدي بن نوفل أم عبد الله بنت أبي البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى فغاب مدة وكتب إليها أن تشخص إليه فلم تفعل فكتب إليها قوله - مجزوء الوافر - ( إذا ما أمُّ عبدِ اللَّهِ ... لم تَحْلُلْ بِواديهِ ) وذكر البيتين فقط فقال لها أخوها الأسود بن أبي البختري وهما لأب وأم أمهما عاتكة بنت أمية بن الحارث بن أسد بن عبد العزى قد بلغ الأمر هذا من ابن عمك فاشخصي إليه صوت متقارب ( أعينيِّ جُوْدَا ولا تَجْمُدَا ... ألاَ تبكيانِ لصَخْرِ النَّدَى ) ( ألا تبكيانِ الجَرِيَّ الجميلَ ... ألا تبكيانِ الفتَى السيِّدا ) الشعر للخنساء بنت عمرو بن الشريد ترثي أخاها صخراً والغناء لإبراهيم الموصلي ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لابن سريج خفيف رمل بالوسطى عن عمرو والهشامي وحبش 7 - نسب الخنساء وخبرها وخبر مقتل أخويها صخر ومعاوية هي الخنساء بنت عمرو بن الحارث بن الشريد بن رياح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر واسمها تماضر والخنساء لقب غلب عليها وفيها يقول دريد بن الصمة وكان خطبها فردته وكان رآها تهنأ بعيراً - كامل - ( حَيُّوا تُماضِرَ واربَعُوا صحبي ... وقِفُوا فإنَّ وقوفَكُمْ حسبِي ) ( أخُناسُ قد هامَ الفؤادُ بكمْ ... وأصابه تَبْل من الحُبِّ ) ( ما إن رايْتُ ولا سمِعْتُ بهِ ... كاليومِ طاليَ أَيْنُقٍ جُرْبِ ) ( متبذِّلاً تبدو محاسنُه ... يَضع الهِناءَ مواضع النُّقْبِ ) قال أبو عبيدة ومحمد بن سلام لما خطبها دريد بعثت خادماً لها وقالت انظري إليه إذا بال فإن كان بوله يخرق الأرض ويخد فيها ففيه بقية وإن كان بوله يسيح على وجهها فلا بقية فيه فرجعت إليها وأخبرتها فقالت لا بقية في هذا فأرسلت إليه ما كنت لأدع بني عمي وهم مثل عوالي الرماح وأتزوج شيخاً فقال - وافر - ( وقاكِ الله يا ابنةَ آل عمروٍ ... مِن الفتيانِ أشباهي ونَفْسِي ) ( وقالت إنّني شيْخٌ كبيرٌ ... وما نَبّأْتُها أنِّي ابنُ أمس ) ( فلا تلِدِي ولا يَنكحْكِ مثلي ... إذا ما ليلة طرَقَتْ بِنَحْسِ ) ( تريدُ شَرَنْبَثَ القَدَمَيْنِ شَثْناً ... يُباشِر بالعَشيّة كلَّ كِرْسِ ) فقالت الخنساء تُجيبه - وافر ( مَعَاذ اللهِ يَنْكِحُني حَبَرْكَى ... يقال أبوه من جُشَمَ بنِ بكْرِ ) ( ولو أصبحْتُ في جُشَمٍ هَدِيّاً ... إذاً أصبحْتُ في دَنَس وفَقْرِ ) وهذا الشعر ترثي به أخاها صخراً وقتله زيد بن ثور الأسدي يوم ذي الأثل أخبرنا بالسبب في ذلك محمد بن الحسن بن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة وأضفت إليه رواية الأثرم عن أبي عبيدة قال غزا صخر بن عمرو وأنس ابن عباس الرعلي في بني سليم بني أسد بن خزيمة قال أبو عبيدة وزعم السلمي أن هذا اليوم يقال له يوم الكلاب ويوم ذي الأثل في بني عوف وبني خفاف وكانا متساندين وعلى بني خفاف صخر بن عمرو الشريدي وعلى بني عوف أنس بن عباس قال فأصابوا في بني أسد بن خزيمة غنائم وسبياً وأخذ صخر يومئذ بديلة امرأة قال وأصابت صخراً يومئذ طعنة طعنه رجل يقال له ربيعة بن ثور ويكنى أبا ثور فأدخل جوفه حلقاً من الدرع فاندمل عليه حتى شق عنه بعد سنين وكان سبب موته قال أبو عبيدة وقال غيره بل ورد هو وبلعاء بن قيس الكناني قال وكانا أجمل رجلين في العرب قال فشربا عند يهودي خمار كان بالمدينة قال فحسدهما لما رأى من جمالهما وهيئتهما وقال إني لأحسد العرب أن يكون فيهم مثل هذين فسقاهما شربة جوياً منها قال فمر بصخر طبيب بعد ما طال مرضه فأراه ما به فقال أشق عنك فتفيق قال فعمد إلى شفار فجعل يحميها ثم يشق بها عنه فلم ينشب أن مات قال أبو عبيدة وأما أبو بلال بن سهم فإنه قال اكتسح صخر أموال بني أسد وسبي نساءهم فأتاهم الصريخ فتبعوه فتلاحقوا بذات الأثل فاقتتلوا قتالاً شديداً فطعن ربيعة بن ثور الأسدي صخراً في جنبه وفات القوم فلم يقعص وجوي منها ومرض قريباً من حول حتى مله أهله قال فسمع صخر امرأة وهي تسأل سلمى امرأة صخر كيف بعلك فقالت سلمى لا حي فيرجى ولا ميت فينعى لقينا منه الأمرين قال وزعم آخر أن التي قالت هذه المقالة بديلة الأسدية التي كان سباها من بني أسد فاتخذها لنفسه فأنشد هذا البيت - طويل - ( ألا تِلْكُمُ عِرْسي بُدَيلةُ أوجَسَتْ ... فِراقي ومَلَّتْ مَضجَعي ومكاني ) وأما أبو بلال بن سهم فزعم أن صخراً حين سمع مقالة سلمى امرأته قال - طويل - ( أرى أمَّ صخرٍ لا تَمَلُّ عيادتي ... ومَلَّتْ سُليمَى مَضجعِي ومَكانِي ) ( وما كنتُ أخشى أن أكونَ جِنازةً ... عليكِ ومَن يغتُّر بالحَدَثَان ) ( أهُمُّ بأمر الحَزْم لو أستطيعُهُ ... وقد حِيلَ بين العَيْرِ والنَّزَوان ) ( لَعَمري لقد نَبَّهْتِ مَن كان نائماً ... وأسْمعتِ مَن كانت لهُ أُذُنان ) ( ولَلْمَوْتُ خَيرٌ من حياةٍ كأنَّها ... مَحَلَّةُ يَعْسوبٍ برأس سِنانِ ) ( وأيُّ امرىءٍ ساوَى بأمٍّ حليلةً ... فلا عاشَ إلاّ في شَقاً وهَوان ) فلما طال عليه البلاء وقد نتأت قطعة مثل اللبد في جنبه في موضع الطعنة قالوا له لو قطعتها لرجونا أن تبرأ فقال شأنكم فأشفق عليه بعضهم فنهاهم فأبى وقال الموت أهون علي مما أنا فيه فأحموا له شفرة ثم قطعوها فيئس من نفسه قال وسمع صخر أخته الخنساء تقول كيف كان صبره فقال صخر في ذلك - طويل - ( أجارتَنا إِنّ الخطوبَ تنُوْبُ ... على النَّاس كلَّ المخطئين تُصِيبُ ) ( فإن تسأليني هَلْ صبرتَ فإِنَّني ... صَبُوْرٌ على رَيْبِ الزمانِ صَليبُ ) ( كأنِّي وقد أَدْنَوْا إِليّ شِفارَهمْ ... من الصَّبر دامي الصَّفْحتينِ رَكوبُ ) ( أجارَتَنا لَسْتُ الغداةَ بظاعنٍ ... ولكنْ مقيمٌ ما أقامَ عسيبُ ) عن أبي عبيدة عسيب جبل بأرض بني سليم إلى جنب المدينة فقبره هناك معلم وقال أبو عبيدة فمات فدفن هناك فقبره قريب من عسيب فقالت الخنساء ترثيه - متقارب - ( ألا ما لِعَيْنِكَ أم ما لَها ... لقد أخضَل الدَّمعُ سِرْبالهَا ) ( أبَعْدَ ابنِ عمروٍ مِن آل الشَّريدِ ... حَلَّتْ به الأرض أثقالَها ) ( فإنْ تَكُ مُرَّةُ أودَتْ به ... فقد كان يُكْثِر تَقتالهَا ) ( سَأَحْمِلُ نفسي على خُطّةٍ ... فإمّا عليها وإمّا لها ) ( فإنْ تصبرِ النَّفسُ تَلْقَ السُّرورَ ... وإنْ تجزعِ النفسُ أشقَى لها ) غنّى فيه ابن سريج خفيف رمل بالبنصر قال السلمي ليست هذه في صخر هذه إنّما رثت بها معاوية أخاها وبنو مرة قتلته ولكنها قالت في صخر - بسيط ( قَذىً بعينِكَ أم بالعَين عُوَّارُ ... أم أقفرَتْ إذْ خلَتْ من أهلها الدارُ ) ( تبكي لصخرٍ هي العَبْرَى وقد ثَكِلَتْ ... ودونَه من جَديد التّرْب أستارُ ) ( لا بدَّ من مِيتةٍ في صَرْفها غِيَرٌ ... والدَّهرُ في صَرْفه حَوْلٌ وأطوارُ ) ( يا صخرُ وَرّادَ ماءٍ قد تناذَرَه ... أهلُ الموارد ما في وِرْده عارُ ) ( مَشْيَ السَّبَنْتَى إلى هيجاءَ مُعضِلةٍ ... له سلاحانِ أنيابٌ وأظفارُ ) ( فما عَجُولٌ على بَوٍّ تُطيْفُ به ... لها حنينانِ إصْغارٌ وإكْبارُ ) ( تَرْتَعُ ما رتَعتْ حتّى إذا ادَّكرتْ ... فإِنَّما هي إقبالٌ وإدبارُ ) ( لا تَسْمَنُ الدَّهرَ في أرضٍ وإنْ رتعَتْ ... فإِنَّما هي تَحنانٌ وتَسجار ) ( يوماً بأوجَدَ منِّي يومَ فارقَني ... صخرٌ وللدَّهرِ إحلاءٌ وإمرار ) ( فإِنَّ صخراً لَوَالِينا وسيِّدُنا ... وإنّ صخراً إذا نَشتُو لنحَّار ) ( وإنَّ صخراً لتأتمُّ الهُداةُ به ... كأنّه عَلَمٌ في رأسه نارُ ) غنّى في هذين البيتين الأولين ابن سريج من رواية يونس ( لم تَرْأَهُ جارةٌ يمشي بساحَتها ... لِريْبةٍ حِين يُخلِي بيتَه الجارُ ) ( ولا تراه وما في البيت يأكلُه ... لكنَّه بارزٌ بالصَّحن مِهمارُ ) ( مثلُ الرُّدَينيِّ لم تنفَدْ شبيبَتُهُ ... كأنّه تحتَ طَيِّ البُرْد أُسْوارُ ) ( في جوفِ رَمْسٍ مُقيم قد تضمَّنَه ... في رمسِهِ مُقْمَطِرَّاتٌ وأحجار ) ( طَلْق اليدين بِفعلِ الخير ذو فَجَرٍ ... ضَخْم الدَّسيعة بالخيرات أمّار ) ( وَرُفقةٍ حارَ هاديهمْ بِمَهْلِكَةٍ ... كأنَّ ظلمتَها في الطَّخيةِ القار ) عروضه ثان من البسيط العوار والعائر وجع وهو مثل الرمد وذرفت قطرت قطراً متتابعاً لا يبلغ أن يكون سيلاً والعبرى يقال امرأة عبرى وعابر والعبرة سخنة العين والوله ما يصيب الرجل والمرأة من شدة الجزع على الولد حول وأطوار أي تحول وتقلب وتصرف قد تناذره أي أنذر بعضهم بعضاً هوله وصعوبته ويروى تبادره وقولها ما في ورده عار أرادت ما في ترك ورده عار أي لا يعير أحد إن عجز عنه من صعوبة ورده العجول الثكول والبو أن ينحر ولد الناقة ويؤخذ جلده فيحشى ويدنى من أمه فترأمه إحلاء وإمرار يقال ما أحلى ولا أمر أي ما أتى بحلوة ولا مرة والمعنى أن الدهر يأتي بالمشقة والمحبة كأنه علم في رأسه نار أي إنه مشهور والعلم الجبل وجمعه أعلام كأنه تحت طي البرد أسوار أي من لطافة بطنه وهيفه شبيه أسوار من ذهب والرديني الرمح منسوب إلى ردينة امرأة كانت تقوم الرماح أي هو معصوب البدن ليس بمهبج منحل وهذا كله من انتفاخ الجلد والسمن والاسترخاء وقال أبو عمرو مقمطرات صخور عظام والأحجار صغار ذو فجر يتفجر بالمعروف والدسيعة العطاء الطخية من الطخاء وهو الغيم الرقيق الذي يواري النجوم فيتحير الهادي وقالت الخنساء أيضاً ترثي صخراً - وافر - ( بَكَتْ عيني وعاودَها قَذَاها ... بعُوّارٍ فما تَقْضِي كَراها ) ( على صخرٍ وأيُّ فتىً كصخرٍ ... إذا ما النابُ لم تَرأَمْ طَلاها ) الطلا الولد أي لم تعطف عليه من الجدب ( فتَى الفتيانِ ما بلغوا مَدَاها ... ولا يُكدِي إذا بلغتْ كُداها ) ( لئن جزِعتْ بنو عمرٍو عليه ... لقد رُزِئت بنو عمرٍو فتاها ) غنى في هذه الأبيات ابنُ جامع ثاني ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى وذكر حبش أنّ له أيضاً فيه خفيف رمل بالبنصر ( ترى الشُّمَّ الجَحَاجحَ من سُليم ... وقد بَلّتْ مَدَامعُها لِحاها ) إذا وصف السيد بالشمم فإنه لا يدنو لدناءة ولا يضع لها أنفه ( وخَيلٍ قد كففْتُ بجَوْل خيلٍ ... فدارتْ بين كَبْشَيْها رحاها ) وجوْل خيل جولان ويقال قطعة خيل تجول أي تذهب وتجيء ( ترفِّع فَضْلَ سابغةٍ دِلاصٍ ... على خَيفانةٍ خَفِقٍ حَشاها ) ( وتسعى حينَ تشتجِرُ العوالي ... بكأسِ الموت ساعَةَ مُصْطلاها ) ( محافَظَةً ومَحْمِيَةً إذا ما ... نبَا بالقوم من جَزعٍ لظَاها ) ( فتتركُها قد اشتجرتْ بطعنٍ ... تضمَّنُه إذا اختلفت كُلاها ) ( هُنالك لو نزلْتَ بآل صخرٍ ... قَرَى الأضيافَ سُخْناً من ذُراها ) ( فمن للضَّيف إنْ هبّت شَمالٌ ... مُزعزعةٌ يجاوبُها صَداها ) ( وألجأ بردُها الأشْوالَ حُدْباً ... إلى الحَجَرات بارزةً كُلاها ) ( أمطعِمَكُمْ وحامِلَكُمْ تَرَكْتُمْ ... لدى غَبراءَ منهدمٍ رَجاها ) ( لَيَبْكِ عليك قومُك للمعالي ... وللهيْجاءِ إنّك ما فتاها ) ( وقد فَوّزْتَ طَلْعَةَ فاستراحتْ ... فليْتَ الخيلَ فارسُها يراها ) وقال خفاف بن عمير يرثي صخراً ومعاوية ابني عمرو ورجالاً منهم أصيبوا - وافر ( تطاول همُّه بِبِراقِ سِعْرٍ ... لذِكراهُمْ وأيُّ أوانِ ذِكرِ ) ( كأنَّ النارَ تُخرِجها ثيابي ... وتَدخلُ بعد نومِ الناسِ صدرِي ) ( لبَاتت تَضْرِبُ الأمثالَ عندي ... على نابٍ شَرِبْتُ بها وبَكْرِ ) ( وتَنْسى مَنْ أُفارقُ غيرَ قالٍ ... وأصبرُ عنهُمُ منْ آل عمرو ) ( وهل تدرين أنْ ما رُبَّ خِرْقٍ ... رُزْئتُ مبَّرأً بقِصاصِ وِتر ) ( أخِي ثقة إذا الضَّرَّاءُ نابت ... وأهلِ حِبِاءِ أضيافٍ ونَحْرِ ) ( كصخرٍ للسَّرِيّة غادروه ... بِذَرْوَةَ أو معاويةَ بن عمرو ) ( ومَيْتٍ بالجنَاب أثَلَّ عرشِي ... كصخرٍ أو كعمرٍو أو كبشْر ) ( وآخرَ بالنواصِف من هدامٍ ... فقد أودَى وربِّ أبيك صَبري ) ( فلم أَرَ مثلَهُمْ حَيّاً لَقَاحاً ... أقاموا بين قاصيةٍ وحَجْر ) ( أَشَدَّ على صُروف الدهر إدّاً ... وآمَرَ منهم فيها بصَبر ) ( وأكرَم حين ضَنّ الناسُ خِيماً ... وأحمد شِيمةً ونَشِيلَ قِدْر ) ( إذا الحسناء لم ترحَضْ يدَيْها ... ولم يُقصَرْ لها بَصَرٌ بِسِتْرِ ) ( قَرَوْا أضيافَهُمْ رَبَحَاً ببُحٍّ ... تجيءُ بعبقريِّ الوَدْقِ سُمْرِ ) ( رماحُ مثقِّفٍ حَملتْ نِصالاً ... يَلُحْنَ كأنّهنّ نجومُ فَجْر ) ( جَلاها الصَّيْقَلُونَ فأخلَصُوها ... مواضيَ كلُّها يَفْري بِبَتْر ) ( همُ الأيسارُ إن فَحَطَتْ جُمادَى ... بكلِّ صَبيرِ ساريةٍ وقَطْر ) ( يَصُدُّون المُغِيرةَ عن هَواها ... بطعْنٍ يَفلِقُ الهاماتِ شَزْرِ ) ( تعلَّمْ أنّ خَيرَ الناسِ طُرّاً ... لِولدانٍ غداةَ الريح غُبْرِ ) ( وأرملةٍ ومُعْتَرٍّ مُسِيفٍ ... عديم المال عِجْزَةُ أمِّ صخْر ) ومما رثت به الخنساء صخراً وغني فيه - متقارب - صوت ( أعَينيَّ جُودا ولا تَجُمدا ... ألا تبكيانِ لصخرِ الندَى ) ( ألاَ تَبكيان الجريء الجميلَ ... ألا تبكيان الفتى السيِّدا ) ( طويلُ النِّجادِ رفيعُ العِمادِ ... ساد عشيرتَه أمْرَدا ) ( إذا القومُ مَدُّوا بأيْدِيهِمُ ... إلى المجد مَدَّ إليه يدا ) ( فنال الذي فوقَ أيديهِمُ ... من المجدِ ثمَّ مضى مُصْعِدا ) ( يحمِّلُه القومُ ما عالَهمْ ... وإن كان أصغَرَهمْ مَولِدا ) ( ترى المجدَ يهوِي إلى بيته ... يرى أفضَلَ المجد أن يُحْمَدَا ) ( وإن ذُكر المجدُ ألفيْتَه ... تأزَّرَ بالمجد ثمَّ ارتدَى ) ونذكر الآن هاهنا خبر مقتل معاوية بن عمرو أخيهما إذ كانت أخبارهما وأخبارها يدعو بعضها إلى بعض قال أبو عبيدة حدثني أبو بلال بن سهم بن عباس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثة بن عبد بن عبس بن رفاعة بن الحارث بن بهثة بن سليم بن منصور قال غزا معاوية بن عمرو أخو خنساء بني مرة بن سعد بن ذبيان وبني فزارة ومعه خفاف بن عمير بن الحارث وأمه ندبة سوداء وإليها ينسب فاعتوره هاشم ودريد ابنا حرملة المريان قال ابن الكلبي وحرملة هو حرملة بن الأسعر ابن إياس بن مريطة بن ضمرة بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان قال أبو عبيدة فاستطرد له أحدهما ثم وقف وشد عليه الآخر فقتله فلما تنادوا قتل معاوية قال خفاف قتلني الله إن رمت حتى أثأر به فشد على مالك بن حمار الشمخي وكان سيد بني شمخ بن فزارة فقتله قال وهو مالك بن حمار بن حزن بن عمرو بن جابر بن عقيل بن هلال بن مازن بن فزارة فقال خفاف في ذلك - طويل - ( فإنْ تكُ خيلي قد أُصِيبَ صميمُها ... فعَمْداً على عَيْنٍ تَيَمَّمْتُ مالكا ) يعني مالك بن حمار الشمخي قال أبو عبيدة فأجمل أبو بلال الحديث قال وأما غيره فذكر أن معاوية وافى عكاظ في موسم من مواسم العرب فبينا هو يمشي بسوق عكاظ إذ لقي أسماء المرية وكانت جميلة وزعم أنها كانت بغياً فدعاها إلى نفسه فامتنعت عليه وقالت أما علمت أني عند سيد العرب هاشم بن حرملة فقال أما والله لأقارعنه عنك قالت شأنك وشأنه فرجعت إلى هاشم فأخبرته بما قال معاوية وما قالت له فقال هاشم فلعمري لا يريم أبياتنا حتى ننظر ما يكون من جهده قال فلما خرج الشهر الحرام وتراجع الناس عن عكاظ خرج معاوية بن عمرو غازياً يريد بني مرة وبني فزارة في فرسان أصحابه من بني سليم حتى إذا كان بمكان يدعى الحوزة أو الجوزة والشك من أبي عبيدة دومت عليه طير وسنح له ظبي فتطير منهما ورجع في أصحابه وبلغ ذلك هاشم بن حرملة فقال ما منعه من الإقدام إلا الجبن قال فلما كانت السنة المقبلة غزاهم حتى إذا كان في ذلك المكان سنح له ظبي وغراب فتطير فرجع ومضى أصحابه وتخلف في تسعة عشر فارساً منهم لا يريدون قتالا إنما تخلف عن عظم الجيش راجعاً إلى بلاده فوردوا ماء وإذا عليه بيت شعر فصاحوا بأهله فخرجت إليهم امرأة فقالوا ما أنت ممن أنت قالت امرأة من جهينة أحلاف لبني سهم بن مرة بن غطفان فوردوا الماء يسقون فانسلت فأتت هاشم بن حرملة فأخبرته أنهم غير بعيد وعرفته عدتهم وقالت لا أرى إلا معاوية في القوم فقال يا لكاع أمعاوية في تسعة عشر رجلاً شبهت أو أبطلت قالت بل قلت الحق ولئن شئت لأصفنهم لك رجلاً رجلا قال هاتي قالت رأيت فيهم شاباً عظيم الجمة جبهته قد خرجت من تحت مغفره صبيح الوجه عظيم البطن على فرس غرّاء قال نعم هذه صفته يعني معاوية وفرسه الشماء قالت ورأيت رجلاً شديد الأدمة شاعراً ينشدهم قال ذلك خفاف بن عمير قالت ورأيت رجلاً ليس يبرح وسطهم إذا نادوه رفعوا أصواتهم قال ذاك عباس الأصم قالت ورأيت رجلاً طويلاً يكنونه أبا حبيب ورأيتهم أشد شيء له توقيراً قال ذاك نبيشة بن حبيب قالت ورأيت شاباً جميلاً له وفرة حسنة قال ذاك العباس بن مرداس السلمي قالت ورأيت شيخاً له ضفيرتان فسمعته يقول لمعاوية بأبي أنت أطلت الوقوف قال ذاك عبد العزى زوج الخنساء أخت معاوية قال فنادى هاشم في قومه وخرج وزعم المري أنه لم يخرج إليهم إلا في مثل عدتهم من بني مرة قال فلم يشعر السلميون حتى طلعوا عليهم فثاروا إليهم فلقوهم فقال لهم خفاف لا تنازلوهم رجلاً رجلاً فإن خيلهم تثبت للطراد وتحمل ثقل السلاح وخيلكم قد أمنها الغزو وأصابها الحفا قال فاقتتلوا ساعة وانفرد هاشم ودريد ابنا حرملة المريان لمعاوية فاستطرد له أحدهما فشد عليه معاوية وشغله واغتره الآخر فطعنه فقتله واختلفوا أيهما استطرد له وأيهما قتله وكانت بالذي استطرد له طعنة طعنه إياها معاوية ويقال هو هاشم وقال آخرون بل دريد أخو هاشم قال وشد خفاف بن عمير بن الحارث بن الشريد على مالك بن حمار سيد بني شمخ بن فزارة فقتله وقال خفاف في ذلك وهو ابن ندبة وهي أمة سوداء كانت سباها الحارث بن الشريد حين أغار على بني الحارث بن كعب فوهبها لابنه عمير فولدت له خفافا ويقال في ندبة إنها ابنة الشيطان بن بنان من بني الحارث ابن كعب فقال - طويل - ( أقولُ له والرمْحُ يأطِرُ مَتْنَهُ ... تأمَّلْ خُفافاً إِنني أنا ذلكا ) ( وقفْتُ له جَلْوَى وقد خامَ صُحبتيِ لأَْبِنِيَ مَجْداً أو ِلأَثْأَرَ هالكا ) ( لَدُنْ ذرّ قرنُ الشَّمس حين رأيتُهُمْ ... سراعاً على خيلٍ تؤمُّ المسالكا ) ( فلمَّا رأيْتُ القومَ لا وُدَّ بينهمْ ... شَرِيجَيْنِ شَتَّى طالباً ومُواشِكا ) ( تَيَمَّمْتُ كبشَ القومِ حتّى عَرَفْتُهُ ... وجانَبْتُ شُبّان الرجالِ الصعالِكا ) ( فجادت له يُمنى يَدَيَّ بطعْنةٍ ... كسَتْ متنَه ُ من أسودِ اللون حالكا ) ( أنا الفارسُ الحامي الحقيقةِ والذي ... به أُدْرِكُ الأَبطال قِدْماً كذلكا ) ( فإنْ يَنْجُ منها هاشمٌ فبطعنةٍ ... كَسَتْه نجيعاً من دم الجوفِ صائكاً ) فحقق خفاف في شعره أنّ الذي طعن معاوية هو هاشم بن حرملة وقالت الخنساء ترثي أخاها معاوية - طويل - ( ألا لا أرى في الناس مثلَ معاويةْ ... إذا طَرَقَتْ إحدى الليالي بداهيهْ ) ( بداهيةٍ يُصْغِي الكلابَ حسيْسُها ... وتُخرِج من سِرِّ النجيِّ عَلانيه ) ( ألا لا أرى كفارِس الوَرْد فارساً ... إذا ما عَلَتْهُ جُرْأةً وغَلابَيَه ) ( وكان لِزازَ الحربِ عند شُبوبها ... إذا شَمَّرت عن ساقها وهي ذاكيه ) ( وقَوّادَ خيلٍ نحوَ أخرى كأنّها ... سَعَالٍ وعِقْبانٌ عليها زَبَانيه ) ( بلينا وما تُبْلَى تِعَارُ وما تُرى ... على حدث الأيام إلا كما هيه ) ( فأقسمْتُ لا ينفكُّ دمعي وعَوْلتِي ... عليكَ بحزنٍ ما دعا الله داعيَه ) وقالت الخنساء في كلمة أخرى ترثيه أيضاً - متقارب - ( ألا ما لعينيكِ أمْ ما لَها ... لقد أخْضَلَ الدمعُ سِرْبالَها ) ( أَبَعْدَ ابنِ عمروٍ مِنَ آل الشريدِ ... حَلَّت به الأرضُ أثقالها ) ( وأقسمْتُ آسَى على هالكٍ ... وأسألُ نائحةً ما لَهَا ) ( سأحملُ نفسي على آلةٍ ... فإِمّا عليها وإِمّا لها ) ( نُهِينُ النفوسَ وهُوْن النُّفوسِ ... يومَ الكريهة أبقَى لها ) ( ورجراجةٍ فوقَها بيضُها ... عليها المضاعَفُ زِفْنا لها ) ( كَكِرْفِئَةِ الغَيْثِ ذات الصَّبِيرِ ... تَرمي السحابَ ويَرمي لها ) ( وقافيةٍ مثلِ حدِّ السِّنان ... تبْقَى ويَهلِكُ مَن قالها ) ( نطقْتَ ابن عَمرو فسهَّلْتَها ... ولم يَنطِقِ الناسُ أمثالَهَا ) ( فإِن تَكُ مُرَّةُ أَوْدَتْ به ... فقد كان يُكْثِرُ تَقْتالها ) ( فزالَ الكواكبُ مِن فَقْدِه ... وجُلِّلَتِ الشمسُ أجلالها ) ( وداهيةٍ جَرَّها جارمٌ ... تُبِيْلُ الحَواصنَ أَحْبَالهَا ) ( كفاها ابنُ عمرٍو ولم يَسْتَعِنْ ... ولو كان غيرُك أدنى لها ) ( وليس بأَولَى ولكنَّه ... سيَكفي العشيرةَ ما عالها ) ( بمُعْتَرَكٍ ضَيِّق بيْنَه ... تجُرُّ المنيةُ أذيالَهَا ) ( وبِيض مَنَعْتَ غَداة الصباحِ ... تكشف للرَّوع أذيالها ) ( ومُعْمَلةٍ سُقْتَها قاعداً ... فَأَعْلَمْتَ بالسيف أغفالهَا ) ( وناجيةٍ كأتَانِ الثَّمِيلِ ... غادرْتَ بالخَلِّ أوصالها ) ( إلى مَلِكٍ لا إلى سُوقة ... وذلك ما كان إعمالهَا ) ( وتمنح خيلَك أرضَ العدوِّ ... وتَنبذُ بالغَزْو أطفالَها ) ( ونَوْحٍ بَعَثْتَ كمثل الإراخِ ... آنَسَتِ العِينُ أسبالها ) التفسير عن أبي عبيدة قوله حلت به الأرض قال بعضهم حلت من الحلية أي زينت به الأرض موتاها حين دفن بها وقال بعضهم حلت من حللت الشيء والمعنى ألقت مراسيها كأنه كان ثقلاً عليها قال اللفظ لفظ الاستفهام والمعنى خبر كما قال جرير - وافر - ( ألستم خيرَ مَن ركِب المطايا ... وأندَى العالَمِين بطونَ راحِ ) قال جواب أبعد في آسى أي أبعد ابن عمرو آسى وأسأل نائحة ما لها وقال أبو عبيدة هذا البيت لمية بنت ضرار بن عمرو الضبية ترثي أخاها قال أبو الحسن الأثرم سمعت أبا عمرو الشيباني يقول أمور الناس جارية على أذلالها أي على مسالكها واحدها ذل آلة حالة تقول فإما أن أموت وإما أن أنجو ولو قالت على ألة لم تنج لأن الألة هي الحربة هممت بنفسي قال أبو عبيدة هذا توعد قال الأصمعي كل الهموم قال الأثرم كأنها أرادت أن تقتل نفسها أبو عبيدة التكدس التتابع يتبع بعضها بعضاً أي يغزو ويجاهد في الغزو كما تتوقل الوعول في الجبال عن أبي عبيدة قال الأصمعي التكدس أن تحرك مناكبها إذا مشت وكأنها تنصب إلى بين يديها وإنما وصفتها بهذا تقول لا تسرع إلى الحرب ولكن تمشي إليها رويداً وهذا أثبت له من أن يلقاها وهو يركض ويقال جاء فلان يتكدس وهي مشية من مشي الغلاظ القصار وقال أبو زياد الكلابي الكداس عطاس الضأن قال السلمي التكدس تكدس الأوعال وهو التقحم والتكدس هو أن يرمي بنفسه رمياً شديداً في جريه نهين النفوس تريد غداة الكريهة وقولها أبقى لها لأنها إذا تذامرت وغشيت القتال كان أسلم لها من الانهزام كقول بشر بن أبي خازم - وافر ( ولا يُنجي من الغَمَرات إِلاَّ ... بَراكاءُ القِتال أو الفِرارُ ) قال بعضهم أبقى لها في الذكر وحسن القول والرجراجة التي تتمخض من كثرتها وقال الأصمعي الكرفئة وجمعها كرفىء قطع من السحاب بعضها فوق بعض وقوله ترمي السحاب أي تنضم إليه وتتصل به ويرمي لها أي ينضم إليها السحاب حتى يستوي مثل حد السنان لأنها ماضية سهلتها جئت بها سهلة وجللت الشمس أي كسفت الشمس وصار عليها مثل الجل تبيل الحواصن وهي الحوامل من النساء أولادها من شدة الفزع أي ما كان وليها ولا دنا إليها ولكنه يكفي القريب والبعيد ما عالها قال أبو عمرو عالها غلبها وقال أبو عبيدة يقال إنه ليعولني ما عالك أي يغمني ما غمك ويقال افعل كذا وكذا لا يعلك أن تأتي غيره أي لا يعجزك ويقال قد يعولك أن تفعل كذا أي قد دنا لك أن تفعل وأنشد - مخلع البسيط - ( ضَرْباً كما تَكَدَّسُ الوُعولُ ... يَعُول أن أُنْبِطَها يَعُولُ ) أي قد دنا ذلك ويقال عال كذا وكذا منك أي دنا منك ويروى وليس بأدنى ولكنه وقولها معملة إبل وقولها قاعداً أي على فرسك قال النابغة - طويل - ( قُعوداً على آل الوجيهِ ولا حقٍ ... ) والأغفال ما لا سمة عليها واحدها غفل والأتان الصخرة والثميل بقية الماء في الصخرة والخل الطريق في الرمل يقول أعيت فتركتها هنالك ويروى ( غادرْتَ بالنَّخْل أوصالها ... ) قال الأصمعي ناجية سريعة ويروى إلى ملك وإلى شأنىء تقول تقود خيلك إلى ملك أو عدو ويروى ما كان إكلالها ما صلة الإراخ بقر الوحش تقول خرجت من بيوتهن كما خرجت هذه البقر من كنسها فرحاً بالمطر ومثله في الفرح بالمطر لابن الأحمر قوله - بسيط - ( ماريّةٌ لُؤلُؤانُ اللونِ أَوْرَدَها ... طَلٌّ وبَنَّسَ عنها فَرْقَدٌ خَصِرُ ) أي قوى أنفسها المطر لما رأته ومثله - وافر - ( ألا هَلكَ امرؤٌ قامَتْ عليه ... بجَنْبِ عُنَيزةَ البَقَرُ الهجودُ ) أي لم يقرن في البيوت فتسترهن البيوت بل هن ظواهر وإنما شبه اجتماع هؤلاء النساء باجتماع العين وخروجهن للمطر قال وبقر الوحش تفرح بالمطر وقال دريد يرثي معاوية أخا الخنساء لما قتلته بنو مرة - وافر - ( ألا بَكَرَتْ تَلُومُ بغير قَدْرِ ... فقد أحْفَيتنِي ودخلْتِ سِترِي ) ( فإِنْ لم تَترُكي عَذْلي سَفَاهاً ... تَلُمْكِ عليَّ نفسُكِ أيَّ عَصْرِ ) ( أسَرَّكِ أن يكونَ الدهرَ هذا ... عليَّ بشَرِّهِ يغدو ويسري ) ( وألاَّ تُرْزَئي نَفْساً ومالاً ... يضرُّك هُلْكُه في طُولِ عمري ) ( فقد كذَبَتْكِ نفسُك فاكذبيها ... فإِنْ جزَعٌ وإنْ إجمالُ صبرِ ) ( وإِنَّ الرزء يومَ وقفْتُ أدعو ... فلم أُسمِع مُعاويةَ بنَ عمرِو ) ( رأيت مكانَه فعَرضْتُ بَدْءاً ... وأيُّ مَقِيلِ رُزْءٍ يا ابنَ بَكْر ) ( إِلى إِرَمٍ وأحجارٍ وصِيرٍ ... وأغصانٍ من السَّلَمَاتِ سُمْرِ ) صير الواحدة صيرة وهي حظيرة الغنم وقوله وأغصان من السلمات أي أُلقيت على قبره ( وبُنيان القبور أتَى عليها ... طَوالُ الدَّهر من سنةٍ وشهرِ ) ( ولو أسمعْتِهِ لسَرَى حثيثاً ... سَرِيْعَ السَّعي أو لأتاكِ يجري ) ( بشِكّةِ حازمٍ لا عيْبَ فيه ... إذا لبِسَ الكُماةُ جلودَ نُمْرِ ) أي كأنّ ألوانهم ألوان النمور سواد وبياض من السلاح عن أبي عبيدة ( فإِمَّا تُمْسِ في جَدَثٍ مقيماً ... بمَسْهَكةٍ من الأرواح قَفْرِ ) ( فعَزَّ عليَّ هُلكُكَ يا ابنَ عمروٍ ... وما لي عنكَ من عَزْم وصَبْرِ ) قال أبو الحسن الأثرم فلما دخل الشهر الحرام فيما ذكر أبو عبيدة عن أبي بلال بن سهم من السنة المقبلة خرج صخر بن عمرو حتى أتى بني مرة بن عوف ابن ذبيان فوقف على ابني حرملة فإذا أحدهما به طعنة في عضده قال لم يسمه أبو بلال بن سهم فأما خفاف بن عمير فزعم في كلمته تلك أن المطعون هاشم فقال أيكما قتل أخي معاوية فسكتا فلم يحيرا إليه شيئاً فقال الصحيح للجريح ما لك لا تجيبه فقال وقفت له فطعنني هذه الطعنة في عضدي وشد أخي عليه فقتله فأينا قتلت أدركت ثأرك إلا أنا لم نسلب أخاك قال فما فعلت فرسه الشماء قال ها هي تلك خذها فردها عليه فأخذها ورجع فلما أتى صخر قومه قالوا له اهجهم قال إن ما بيننا أجل من القذع ولو لم أكفف نفسي إلا رغبة عن الخنا لفعلت وقال صخر في ذلك - طويل - ( وعاذلةٍ هَبَّتْ بليل تلومني ... ألا لا تلوميني كَفَى اللومَ ما بيا ) قال أراد تباكره باللوم ولم يرد الليل نفسه إنما أراد عجلتها عليه باللوم كما قال النمر بن تولب العكلي - مديد - ( بَكَرتْ باللَّوم تَلْحانا ... ) وقال غيره تلومه بالليل لشغله بالنهار عنها بفعل المكارم والأضياف والنظر في الحمالات وأمور قومه لأنّه قوامهم - طويل - ( تقولُ ألا تهجو فَوارسَ هاشمٍ ... وما لِيَ إذْ أهجوهُمُ ثم ما ليا ) ( أبَى الشتمَ أنِّي قد أصابوا كريمتي ... وأنْ ليس إهداءُ الخَنَا من شِماليا ) أي من شمائلي ويروى من فعاليا ( إذا ذُكِر الإِخوانُ رقرقْتُ عبرةً ... وحيَّيْتُ رمساً عند لِيَّةَ ثاويا ) ( إذا ما امرؤٌ أهدَى لِمَيْتٍ تحيّةً ... فحيّاكَ ربُّ الناس عنِّي معاويا ) ( وهوّنَ وجدِي أننّي لم أقلْ له ... كذبْتَ ولم أبخلْ عليه بماليا ) ( فَنِعْمَ الفتى أدَّى ابن صِرْمَةَ بزَّه ... إذا الفحلُ أضحى أحدبَ الظَّهرِ عاريا ) قال أبو عبيدة ثم زاد فيها بيتاً بعد أن أوقع بهم فقال ( وذي أخوةٍ قطّعْتُ أقرانَ بينِهِمْ ... كما تَرَكوني واحداً لا أخاليا ) قال أبو عبيدة فلما كان في العام المقبل غزاهم وهو على فرسه الشماء فقال إني أخاف أن يعرفوني ويعرفوا غرة الشماء فيتأهبوا قال فحمم غرتها قال فلما أشرفت على أدنى الحيّ رأوها فقالت فتاة منهم هذه والله الشماء فنظروا فقالوا الشماء غرّاء وهذه بهيم فلم يشعروا إلاّ والخيل دوائس فاقتتلوا فقتل صخر دريداً وأصاب بني مرة فقال - كامل - ( ولقد قتلتُكُمُ ثُناءَ ومَوْحَداً ... وتركْتُ مُرّةَ مثلَ أمسِ المُدْبِرِ ) قال الأثرم مثنى وثناء لا ينونان قال ابن عنمة الضبي - طويل - ( يُباعُون بالنِّغْرانِ مَثَنى ومَوْحَدا ... ) لا ينونان لأنهما مما صرف عن جهته والوجه أن يقول اثنين اثنين وكذلك ثلاث ورباع قال صخر الغي - وافر - ( مَنَتْ لكَ أن تُلاقِيَنِي المنايا ... أُحادَ أُحادَ في الشهر الحلالِ ) قال ولا تجاوز العرب الرباع غير أن الكميت قال - متقارب ( فلم يَسْتريثُوكَ حتّى رميتَ ... فوقَ الرجالِ خِصالاً عُشَارا ) - كامل - ( ولقد دفعْتَ إلى دُرْيدَ بطعنةٍ ... نجلاءَ تُزغِل مثلَ عَطِّ المنحَرِ ) تزغل تخرج الدم قطعاً قطعاً قال والزغلة الدفعة الواحدة من الدم والبول قال - سريع - ( فأزغَلَتْ في الحَلْقِ إزغالةً ... ) وقال صخر أيضاً فيمن قتل من بني مرة - وافر - ( قتلْتُ الخالِدَيْنِ به وبشْراً ... وعَمْراً يوم حَوْزةَ وابنَ بشْر ) ( ومِن شَمْخٍ قتلْتُ رجالَ صِدْقٍ ... ومن بَدْرٍ فقد أوفيْتُ نذْرِي ) ( ومُرّةُ قد صَبَحْناها المنايا ... فروَّيْنا الأسنّةَ غيرَ فَخْر ) ( ومِن أفناءِ ثعلبةَ بنِ سعدٍ ... قَتلْتُ وما أبيئهُمُ بِوِتْر ) ( ولكنّا نُريد هلاكَ قومٍ ... فنقتلُهُمْ ونشْرِيهِمْ بكَسْرِ ) وقال صخر أيضاً - طويل - ( ألا لا أرى مستعْتِبَ الدَّهر مُعْتِبَا ... ولا آخِذٌ منه الرضا إنْ تَغَضَّبا ) ( وذي إخوةٍ قَطَّعْتُ أقرانَ بينِهِمْ ... إذا ما النُّفوسُ صِرْنَ حَسْرَى ولُغَّبا ) ( أقولُ لِرَمْسٍ بين أجراعِ بِيْشةٍ ... سقاكَ الغوادي الوابلَ المتحلِّبا ) ( لَنِعْمَ الفتى أدّى ابنُ صِرْمَةَ بَزَّه ... إذا الفحلُ أمسى عاريَ الظهر أحدبا ) قال أبو عبيدة ثم إن هاشم بن حرملة خرج غازياً فلما كان ببلاد جشم بن بكر بن هوازن نزل منزلاً وأخذ صفنا وخلا لحاجته بين شجر ورأى غفلته قيس ابن الأصور الجشمي فتبعه وقال هذا قاتل معاوية لا وألت نفسي إن وأل فلما قعد على حاجته تقتر له بين الشجر حتى إذا كان خلفه أرسل إليه معبلة فقتله فقالت الخنساء في ذلك قال ابن الكلبي وهي الخنساء بنت عمرو بن الحارث بن شريد بن رياح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم - وافر - ( فِدىً للفارِس الجُشَمِي نَفْسي ... وأَفْدِيه بمن لي مِن حَميمِ ) ( أفدِّيه بجُلّ بني سُلَيْمٍ ... بظاعِنِهم وبالأَنَسِ المُقْيمِ ) ( كما مِن هاشمٍ أقررْتُ عيني ... وكانت لا تَنام ولا تُنيم ) قال أبو عبيدة وكان هاشم بن حرملة بن صرمة بن مرة أسود العرب وأشدّهم وله يقول الشاعر - رجز - ( أحيا أباه هاشمُ بن حَرْمَله ... يومَ الهَبَاتَينِ ويومَ اليَعْمَله ) ( يقتلُ ذا الذَّنْبِ ومن لا ذنبَ له ... إذِ الملوكُ حولَه مُغربلهْ ) ( وسيفُه للوالدات مثكلهْ ... ) حدثني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن الحسن بن الحرون قال حدثنا الكسروي عن الأصمعي قال مررت بأعرابي وهو يخضد شجرة وقد أعجبته سماحتها وهو يرتجز ويقول - رجز - ( لو كنتِ إنساناً لكنْتِ حاتمَا ... أو الغلامَ الجُشَميَّ هاشما ) قلت من هاشم هذا قال أو لا تعرفه قلت لا قال هو الذي يقول - طويل - ( وعاذلةٍ هَبَّتْ بليلٍ تلومُني ... كأَنِّي إذا أنفقْتُ مالي أَضِيمُها ) ( دعِيني فإِنّ الجُودَ لن يتلِفَ الفتى ... ولن يُخْلِدَ النفسَ اللئيمةَ لُومُها ) ( وتُذكَر أخلاقُ الفتى وعظامُه ... مفرَّقةٌ في القبر بادٍ رميمُها ) ( سَلِي كلّ قيسٍ هل أبارِي خيارَها ... ويُعرِض عنِّي وَغْدُها ولئيمُها ) ( وتذكرُ فِتيانيِّتِي وتكرمي ... إذا ذُمّ فِتيانيُّها وكريمُها ) قلت لا أعرفه قال لا عرفت هو الذي يقول فيه الشاعر - رجز - ( أحيا أباه هاشمُ بن حَرمَلَهْ ... يقتُل ذا الذنب ومَن لا ذنبَ لَهْ ) ( تَرَى الملوكَ حولَه مُغربَله ... ) صوت بسيط ( تأبد الرّبعُ من سَلْمَى بأحفارِ ... وأقفرتْ من سُليمَى دِمْنَةُ الدّارِ ) ( وقد تحُلُّ بها سَلمى تحدّثني ... تَسَاقُطَ الْحَلي حاجاتي وأسراري ) الشعر للأخطل والغناء لعمر الوادي هزج بالسبابة في مجرى الوسطى وفيهما رمل بالبنصر يقال إنه لابن جامع ويقال إنه لغيره وفيهما خفيف رمل بالوسطى ذكر الهشامي أنه لحكم وذكر حبش أن فيهما لإبراهيم خفيف ثقيل أول بالوسطى ومما يغنى فيه من هذه القصيدة ( وشاربٍ مُرْبحٍ بالكأس نادَمَني ... لا بالحَصُور ولا فيها بِسأَّرِ ) ( نازعْتُهُ طيِّبَ الراحِ الشَّمولِ وقد ... صاح الدَّجاجُ وحانت وَقعةُ الساري ) ( لما أتَوْها بمصباحٍ ومِبزلِهِمْ ... سَمَتْ إليهم سموَّ الأبجل الضارِي ) الغناء في هذه الأبيات لابن سريج خفيف رمل بالبنصر عن الهشامي وذكر غيره أنها للدلال ومنها ( فَرْدٌ تغنِّيه ذِبّانُ الرِّياضِ كما ... غَنَّى الغُواةُ بصَنْجٍ عند أسوارِ ) ( كأنَّه من نَدى القُرَّاص مُغْتَمِرٌ ... بالوَرْس أو خارجٌ من بيت عَطّارِ ) غناه ابن سريج ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وذكر الهشامي أن لمالك فيه ثقيلاً أولاً ووافقه يونس في نسبته إلى مالك ولحكم في قوله - بسيط - ( فَرْدٌ تغنِّيه ذِبّانُ الرِّياضِ كما ... ) وبعده قوله ( صَهباء قد عَنَسَتْ من طُولِ ما حُبِسَتْ ... في مُخْدَعٍ بين جناتٍ وأنهارِ ) خفيف ثقيل بالبنصر ومنها ( لسَكَّنَتْني قريشٌ في ظِلالِهِمُ ... ومَوَّلَتْنِي قريشٌ بعد إقتارِ ) ( قومٌ إذا حاربوا شَدُّوا مآزرَهُمْ ... عن النِّساء ولو باتتْ بأطهارِ ) ليونس فيها لحن من كتابه ولم يجنسه وهذه القصيدة مدح بها الأخطل يزيد بن معاوية لما منع من قطع لسانه حين هجا الأنصار وكان يزيد هو الذي أمره بهجائهم فقيل إن السبب في ذلك كان تشبب عبد الرحمن بن حسان برملة بنت معاوية وقيل بل حمي لعبد الرحمن بن الحكم أخبرني الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو يحيى الزهري قال حدثني ابن أبي زريق قال شبب عبد الرحمن بن حسان برملة بنت معاوية فقال - خفيف - ( رَمْلَ هل تذكرين يومَ غزالٍ ... إذْ قَطَعْنا مَسِيرَنا بالتّمنّي ) ( إذْ تقولين عُمْرَكَ الله هل شَيْءٌ ... وإنْ جلَّ سوف يُسْليكَ عنّي ) ( أمْ هَلُ اطمِعْتُ منكُم بابن حَسّان ... كما قد أراك أُطمِعْتَ منّي ) قال فبلغ ذلك يزيد بن معاوية فغضب فدخل على معاوية فقال يا أمير المؤمنين ألا ترى إلى هذا العلج من أهل يثرب يتهكم بأعراضنا ويشبب بنسائنا قال ومن هو قال عبد الرحمن بن حسان وأنشده ما قال فقال يا يزيد ليست العقوبة من أحد أقبح منها من ذوي القدرة ولكن أمهل حتى يقدم وفد الأنصار ثم ذكرني قال فلما قدموا أذكره به فلما دخلوا عليه قال يا عبد الرحمن ألم يبلغني أنك تشبب برملة بنت أمير المؤمنين قال بلى ولو علمت أن أحداً أشرف به شعري أشرف منها لذكرته قال وأين أنت عن أختها هند قال وإن لها لأختا قال نعم قال وإنما أراد معاوية أن يشبب بهما جميعاً فيكذب نفسه قال فلم يرض يزيد ما كان من معاوية في ذلك أن يشبب بهما جميعاً فأرسل إلى كعب بن جعيل فقال أهج الأنصار فقال أفرق من أمير المؤمنين ولكن أدلك على الشاعر الكافر الماهر قال من هو قال الأخطل قال فدعا به فقال أهج الأنصار قال أفرق من أمير المؤمنين فقال لا تخف شيئاً أنا لك بذلك قال فهجاهم فقال - كامل - ( وإذا نَسَبْتَ ابنَ الفُريعةِ خِلْتَه ... كالجحش بين حِمارةٍ وحمارِ ) ( لعَنَ الإِلهُ من اليهود عِصابةً ... بالجِزْع بين صُلَيْصِلٍ وصِرارِ ) ( قومٌ إذا هَدَر العصيرُ رأيتهمْ ... حُمراً عيونُهُمُ من المُصطارِ ) ( خَلُّوا المكارمَ لستُمُ مِن أهلها ... وخُذوا مساحِيَكُمْ بني النجّار ) ( إنّ الفوارس يَعلمون ظهورَكُمْ ... أولادَ كلِّ مُقَبَّح أكَّارِ ) ( ذَهبتْ قريشٌ بالمكارم والعُلا ... واللؤمُ تحتَ عمائم الأنصارِ ) فبلغ ذلك النعمان بن بشير فدخل على معاوية فحسر عن رأسه عمامته وقال يا أمير المؤمنين أترى لؤماً قال لا بل أرى كرماً وخيراً ما ذاك قال زعم الأخطل أن اللؤم تحت عمائمنا قال أو فعل قال نعم قال لك لسانه وكتب فيه أن يؤتى به فلما أتي به سأل الرسول ليدخل إلى يزيد أولا فأدخله عليه فقال هذا الذي كنت أخاف قال لا تخف شيئاً ودخل على معاوية فقال علام أرسل إلى هذا الرجل وهو يرمي من وراء جمرتنا قال هجا الأنصار قال ومن زعم ذلك قال النعمان بن بشير قال لا تقبل قوله عليه وهو يدعي لنفسه ولكن تدعوه بالبينة فإن ثبت شيئاً أخذته به له فدعاه بالبينة فلم يأت بها فخلى سبيله فقال الأخطل - طويل - ( وإنّي غداةَ استُعْبِرَتْ أمُّ مالكٍ ... لرَاضٍ من السُّلطان أن يتهدّدا ) ( ولولا يزيدُ ابنُ الملوك وَسَعْيُهُ ... تجلَّلْتُ حِدْباراً من الشّرّ أنكدا ) ( فكم أنقذَتْني مِن خُطوبٍ حبالُهُ ... وخرسْاءَ لو يرمى بها الفيلُ بَلدَا ) ( ودافع عنِّي يومَ جِلِّقَ غَمْرَةً ... وهَمّاً يُنسِّيني السُّلافَ المبرّدا ) ( وباتَ نجِيّاً في دمشقَ لحيّةٍ ... إذا همّ لم يُنْمِ السليمَ فأقصدا ) ( يُخافِتُهُ طوراً وطوراً إذا رأى ... من الوجه إقبالاً ألحَّ وأجهدا ) ( وأطفأْتَ عنِّي نارَ نُعمانَ بعدما ... أعدَّ لأمرٍ فاجرٍ وتجردا ) ( ولما رأى النُّعمانُ دوني ابنَ حُرّةٍ ... طَوَى الكَشْحَ إذْ لم يستطعني وعَرّدا ) حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني عن أبي عبد الرحمن بن المبارك قال شبب عبد الرحمن ابن حسان بأخت معاوية فغضب يزيد فدخل على معاوية فقال يا أمير المؤمنين اقتل عبد الرحمن بن حسان قال ولم قال شبب بعمتي قال وما قال قال قال - خفيف - ( طال ليلي وبتُّ كالمحزونِ ... ومَلِلْتُ الثَّواءَ في جَيْرونِ ) قال معاوية يا بني وما علينا من طول ليله وحزنه أبعده الله قال إنه يقول ( فلذاكَ اغتَرَبْتُ بالشام حتَّى ... ظنّ أهلي مُرَجَّماتِ الظنون ) قال يا بني وما علينا من ظن أهله قال إنه يقول ( هي زهراءُ مثلُ لؤلؤةِ الغَوْوَاص ... مِيْزَتْ من جوهرٍ مكنونِ ) قال صدق يا بني قال إنه يقول ( وإذا ما نَسَبْتَها لم تجِدْها ... في سناءٍ من المكارمِ دُونِ ) قال صدق يا بني هي هكذا قال إنه يقول ( ثم خاصَرْتُها إلى القُبَّة الخضراءِ ... تمشي في مَرْمَرٍ مَسنونِ ) خاصرتها أخذت بخصرها وأخذت بخصري قال ولا كل هذا يا بني ثم ضحك وقال أنشدني ما قال أيضاً فأنشده قوله ( قُبّةٌ من مَرَاجلٍ نَصَبُوْها ... عند حَدِّ الشتاءِ في قَيْطونِ ) ( عَن يساري إذا دخلْتُ من الباب ... وإن كنْتُ خارجاً فيميني ) ( تجعل النَّدَّ والأُلُوَّةَ والعُودُ ... صلاَءً لها على الكانون ) ( وقِبابٌ قد أُشْرِجَتْ وبيوتٌ ... نُطِّقت بالريحان والزَّرَجُون ) قال يا بني ليس يجب القتل في هذا والعقوبة دون القتل ولكنا نكفه بالصلة له والتجاوز نسبة ما في هذه الأبيات من الغناء صوت خفيف ( هي زهراءُ مثلُ لؤلؤةِ الغَوْوَاص ... مِيْزَتْ من جوهرٍ مكنونِ ) ( وإذا ما نَسَبْتَها لم تجِدْها ... في سناءٍ من المكارمِ دُونِ ) نسخت من كتاب ابن النطاح وذكر الهيثم بن عدي عن ابن دأب قال حدثنا شعيب بن صفوان أن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت كان يشبب بابنة معاوية ويذكرها في شعره فقال الناس لمعاوية لو جعلته نكالا فقال لا ولكن أداويه بغير ذلك فأذن له وكان يدخل عليه في أخريات الناس ثم أجلسه على سريره معه وأقبل عليه بوجهه وحديثه ثم قال ابنتي الأخرى عاتبة عليك قال في أي شيء قال في مدحتك أختها وتركك إياها قال فلها العتبى وكرامة أنا ذاكرها وممتدحها فلما فعل وبلغ ذلك الناس قالوا قد كنا نرى أن نسيب ابن حسان بابنة معاوية لشيء فإذا هو عن رأي معاوية وأمره وعلم من كان يعرف أنه ليس له بنت أخرى أنه إنما خدعه ليشبب بها ولا أصل لها فيعلم الناس أنه كذب على الأولى لما ذكر الثانية وقد قيل في حمل يزيد بن معاوية الأخطل على هجاء الأنصار إنه فعل ذلك تعصباً لعبد الرحمن بن الحكم بن العاص بن أمية أخي مروان بن الحكم في مهاجاته عبد الرحمن وغضباً له لما استعلاه ابن حسان في الهجاء 8 - ذكر خبرهما في التهاجي والسبب في ذلك أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا أبو سعيد السكري قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال أخبرني أبو الخطاب الأنصاري قال كان عبد الرحمن بن حسان خليلاً لعبد الرحمن بن الحكم بن العاص مخالطاً له فقيل له إن ابن حسان يخلفك في أهلك فراسل امرأة ابن حسان فأخبرت بذلك زوجها وقالت أرسل إلي إني أحبك حباً أراه قاتلي فأرسل ابن حسان إلى امرأة ابن الحكم وكانت تواصله وقال للرسول اذهب إليها وقل لها إن امرأتي تزور أهلها اليوم فزوريني حتى نخلو فزارته فقعد معها ساعة ثم قال لها قد والله جاءت امرأتي فأدخلها بيتاً إلى جنبه وأمر امرأته فأرسلت إلى عبد الرحمن بن الحكم إنك ذكرت حبك إياي وقد وقع ذلك في قلبي وإن ابن حسان قد خرج اليوم إلى ضيعته فهلم فتهيأ ثم أقبل فإنه لقاعد معها إذ قالت له قد جاء ابن حسان فادخل هذا البيت فإنه لا يشعر بك فأدخلته البيت الذي فيه امرأته فلما رآها أيقن بالسوأة ووقع الشر بينهما وهجا كل واحد منهما صاحبه قال أبو عبيدة هذه رواية أبي الخطاب الأنصاري وأما قريش فإنهم يزعمون أن امرأة ابن حسان كانت تحب عبد الرحمن وتدعوه إلى نفسها فيأبى ذلك حفظاً لما بينه وبين زوجها وبلغ ذلك ابن حسان فراسل امرأة ابن الحكم حتى فضحها وبلغ ذلك ابن الحكم وقيل له إنك إذا أتيت ضيعتك أرسلت إلى ابن حسان فكان معها فأمر ابن الحكم أهله فقال عالجوا سفرة حتى أطالع مالي بمكان كذا وكذا فخرج وبعثت امرأته إلى ابن حسان فجاء كما كان يفعل ورجع ابن الحكم حين ظن أن ابن حسان قد صار عندها فاستفتح فقالت ابن الحكم والله وخبأته خلفها في بيت ودخل عبد الرحمن فبعث إلى امرأة ابن حسان إنه قد وقعت لك في قلبي مقة فأقبلي إلي الساعة فتهيأت وأقبلت حتى دخلت عليه فوضعت ثيابها وزوجها ينظر فقال لها قد كنت أكثرت الإرسال إلي فما شأنك قالت إني والله هالكة من حبك قال وزوجها يسمع وإنما أراد أن يعلمه أنها قد كانت ترسل إليه ويأبى عليها وزعم أنها هي التي قالت لابن الحكم إن ابن حسان يخلفك في أهلك فلما فرغ من كلامه وأسمعه زوجها قال لها قد جاءت امرأتي وأدخلها البيت الذي فيه ابن حسان فلما جمعهما في مكان واحد خرج عنهما فخرجا وطلق امرأته أخبرني ابن دريد قال أخبرني الرياشي قال حدثنا ابن بكير عن هشام ابن الكلبي عن خالد بن سعيد عن أبيه قال رأيت مروان بن الحكم يطوف بالبيت ويقول اللهم أذهب عني الشعر وأخوه عبد الرحمن يقول اللهم إني أسألك ما استعاذ منه فذهب الشعر عن مروان وقاله عبد الرحمن وأما هشام بن الكلبي فإنه حدث عن خالد وإسحاق ابني سعيد بن العاصي أن سبب التهاجي بينهما أنهما خرجا إلى الصيد بأكلب لهما في إمارة مروان فقال ابن الحكم لابن حسان - كامل - ( أُزْجُرْ كلابك إنها قَلَطِيّةٌ ... بُقْعٌ ومثلُ كلابكم لم تَصْطدِ ) فردّ عليه ابنُ حسان ( مَن كان يأكلُ من فَريسةِ صيدِه ... فالتَّمْرُ يُغْنينا عن المتصيَّدِ ) ( إنا أناس رَيِّقون وأمُّكُمْ ... ككلابِكُمْ في الوَلْغ والمترَدَّدِ ) ( حُزْناكُمُ للضّبِّ تحترشونه ... والريفِ نمنعُكُمْ بكلِّ مهنَّد ) ثم رجعا إلى المدينة فجعلا يتقارضان فقال عبد الرحمن بن الحكم في قصيدة - بسيط - ( ومثلُ أمِّك أمُّ العبدِ قد ضُرِبَتْ ... عندي ولي بِفنائي مِزْهَرٌ جَرِمُ ) ( وأنتَ عند ذُنَاباها تُعاوِنها ... على القُدور تَحَسَّى خاثرَ البُرَمِ ) فنقضها عبد الرحمن بن حسان عليه بقصيدته التي يقول فيها - بسيط - ( يا أيُّها الراكبُ المُزْجِي مَطيَّته ... إذا عرَضْتَ فسائِل عن بني الحكمِ ) ( القائلين إذَا لاقَوْا عدوَّهُمُ ... فِرُّوا فكُرُّوا على النِّسوان والنَّعَمِ ) ( كم من أمينٍ نَصيح الجيب قال لكمْ ... أَلاَّ نهيتمْ أخاكم يا بني الحَكم ) ( عَن رجلٍ لا بَغيضٍ في عشيرتهِ ... ولا ذليلٍ قصيرِ الباع مُعتصِمِ ) وقال ابن حسان بسيط ( صار الذليل عزيزاً والعزيزُ به ... ذُلٌّ وصارَ فُروع الناس أذنابا ) ( إِنِّي لملتمسٌ حتّى يبينَ لكمْ ... فيكمْ متى كنتُمُ للنَّاسِ أربابا ) ( فارْقَوْا على ظَلْعكم ثمَّ انظروا وسَلُوا ... عَنّا وعنكمْ قديمَ العلم نَسّابا ) ( فسوفَ يضحك أو تعتاده ذِكَرٌ ... يا بؤسَ للدهر للإِنسان رَيَابا ) ولهما نقائض كثيرة لا معنى لذكر جميعها ههنا قال دماذ وحدثني أبو عبيدة عن أبي الخطاب قال لما كثر التهاجي بينهما وأفحشا كتب معاوية يومئذ وهو الخليفة إلى سعيد بن العاص وهو عامله على المدينة أن يجلد كل واحد منهما مائة سوط قال وكان ابن حسان صديقاً لسعيد وما مدح أحداً قط غيره فكره أن يضربه أو يضرب ابن عمه فأمسك عنهما ثم ولي مروان فلما قدم أخذ ابن حسان فضربه مائة سوط ولم يضرب أخاه فكتب ابن حسان إلى النعمان بن بشير وهو بالشأم وكان كبيراً مكيناً عند معاوية - خفيف - ( ليتَ شِعْري أغائبٌ أنت بالشامِ ... خليلي أم راقدٌ نَعْمانُ ) ( أيّةً ما يكنْ فقد يرجع الغائب ... يوماً ويُوقَظ الوَسْنان ) ( إنّ عَمْراً وعامرا أبوَيْنا ... وحراماً قِدْماً على العهد كانوا ) ( أَفَهُمْ مانِعُوك أمْ قِلّة الكُتْتَابِ ... أم أنتَ عاتبٌ غضبانُ ) ( أم جفاءٌ أم أعْوَزَتْكَ القراطيسُ ... أمْ أَمْرِي به عليكَ هوانُ ) ( يومَ أنبئْتَ أنَّ ساقَيَّ رُضَّتْ ... وأتاكمْ بذلك الرُّكبان ) ( ثمَّ قالوا إنّ ابنَ عمِّك في بَلْوى ... أمورٍ أتَى بها الحَدَثان ) ( فتَئطُّ الأرحامُ والودُّ والصُّحبةُ ... فيما أتى به الحدثان ) ( إنما الرمح فاعلمنَّ قَناةٌ ... أو كبعض العيدان لولا السِّنانُ ) وهي قصيدة طويلة فدخل النعمان على معاوية فقال له يا أمير المؤمنين إنك أمرت سعيداً أن يضرب ابن حسان وابن الحكم مائة مائة فلم يفعل ثم وليت مروان فضرب ابن حسان ولم يضرب أخاه قال فتريد ماذا قال أن تكتب إليه بمثل ما كتبت إلى سعيد فكتب إلى معاوية يعزم عليه أن يضرب أخاه مائة وبعث إلى ابن حسان بحلة فلما قدم الكتاب على مروان بعث إلى ابن حسان إني مخرجك وإنما أنا مثل والدك وما كان ما كان مني إليك إلا على سبيل التأديب لك واعتذر إليه فقال حسان ما بدا له في هذا إلا لشيء قد جاءه وأبى أن يقبل منه فأبلغ الرسول ذلك مروان فوجهه إليه بالحلة فرمى بها في الحش فقيل له حلة أمير المؤمنين وترمي بها في الحش قال نعم وما أصنع بها وجاءه قومه فأخبروه الخبر فقال قد علمت أنه لم يفعل ما فعل إلا لأمر قد حدث فقال الرسول لمروان ما تصنع بهذا قد أبى أن يعفو فهلم أخاك فبعث مروان إلى الأنصار وطلب إليهم أن يطلبوا إليه أن يضربه خمسين فإنه ضعيف فطلبوا إليه فأجابهم فأخرجه فضربه خمسين فلقي ابن حسان بعض من كان لا يهوى ما ترك من ذلك فقال له أضربك مائة ويضربه خمسين بئس ما صنعت إذ وهبتها له قال إنه عبد وإنما ضربه ما يضرب العبد نصف ما يضرب الحر فحمل هذا الكلام حتى شاع بالمدينة وبلغ ابن الحكم فشق عليه فأتى أخاه مروان فخبره الخبر وقال فضحتني لا حاجة لي فيما تركت فهلم فاقتص فضرب ابن الحكم خمسين أخرى فقال عبد الرحمن يهجو ابن الحكم - كامل ( دَعْ ذا وعَدِّ قريضَ شعْرِك في امرىءٍ ... يَهذِي ويُنشِد شعرَه كالفاخِر ) ( عُثمانُ عمُّكُمُ ولستْم مِثلَه ... وبنو أميّة منكُمُ كالآمر ) ( وبنو أبيهِ سَخيفةٌ أحلامُهمْ ... فُحُشُ النفوسِ لدى الجليسِ الزائر ) ( أحياؤهُمْ عارٌ على أمواتهمْ ... والميِّتون مَسَبَّةٌ للغابِر ) ( همْ ينظرونَ إذا مَدْدت إليهِمْ ... نظرَ التيُّوس إلى شِفارِ الجازر ) ( خُزْرَ العيونِ منكِّسِي أذقانِهمْ ... نَظَرَ الذَّليلِ إلى العزيز القاهِر ) فقال ابن الحكم - وافر - ( لقد أبقَى بنو مروانَ حُزْناً ... مُبِيناً عارُه لبني سَوادِ ) ( أطاف به صَبيحٌ في مشِيدٍ ... ونادى دَعوة يابْنَيْ سُعادِ ) ( لقد أسمعْتَ لو ناديْتَ حيّاً ... ولكن لا حياة لمن تنادِي ) قال أبو عبيدة فاعتن أبو واسع أحد بني الأسعر من بني أسد بن خزيمة لابن حسان دون ابن الحكم فهجاه وعيره بضرب ابن المعطل أباه حسان على رأسه وعيرهم بأكل الخصى فقال - وافر - ( إنَّ ابن المُعَطَّل من سُلَيم ... أَذَلَّ قِيادَ رأسِك بالخِطامِ ) ( عَمِدْتَ إلى الخُصَى فأكلْتَ منها ... لقد أخطأتَ فاكهةَ الطعامِ ) ( وما للجارِ حينَ يُحلُّ فيكُمْ ... لديكم يا بني النجّار حامِ ) ( يَظلُّ الجار مفترشاً يديهِ ... مخافَتَكم لدى مَلَثِ الظَّلامِ ) ( وينظُر نظرةً في مِذْرَوَيْهِ ... وأخرى في استِهِ والطَّرْفُ سامِ ) قال فلما عم بني النجار بالهجاء ولا ذنب لهم دعوا الله عز و جل عليه فخرج من المدينة يريد أهله فعرض له الأسد فقضقضه فقال ابن حسان في ذلك - سريع - ( أبلغْ بني الأسعرِ إن جئتَهُمْ ... ما بالُ أبناءِ بني واسعِ ) ( والليث يعلوهُ بأنيابه ... مُعْتَفِراً في دمه الناقع ) ( إذ تركوهُ وَهْوَ يَدعوهُمُ ... بالنَّسب الداني وبالشاسع ) ( لا يرفَع الرحمنُ مصروعَكُمْ ... ولا يُوهِّي قوّةَ الصارِع ) فقالت له امرأته ما دعا أحد قبلك للأسد بخير قط قال ولا نصر أحداً كما نصرني وقال ابن الكلبي كان الأخطل ومسكين الدارمي صديقين لابن الحكم فاستعان بهما على ابن حسان فهجاه الأخطل وقال له مسكين ما كنت لأهجو أحداً أو أعذر إليه فكتب إليه مسكين بقصيدته اللامية يدعوه إلى المفاخرة والمنافرة فقال في أولها - وافر - ( ألا إنَّ الشّبابَ ثياب لبُسٍ ... وما الأموالُ إلاّ كالظِّلالِ ) ( فإن يَبْلُ الشّبابُ فكلُّ شيء ... سمعْتَ بهِ سوى الرحمنِ بالِ ) وهي طويلة جداً يفخر فيها بمآثر بني تميم فأجابه ابن حسان فقال - وافر - ( أتاني عنك يا مسكينُ قولٌ ... بذلْتُ النِّصْفَ فيه غيرَ آل ) ( دعوْتُ إلى التناضُل غير قَحْمٍ ... ولا غُمْرٍ يَطير لدى النضالِ ) وهي أطول من قصيدة مسكين ثم انقطع التناضل بينهما قال دماذ فحدثني أبو عبيدة قال حدثني أبو حية النميري قال حدثني الفرزدق قال كنا في ضيافة معاوية ومعنا كعب بن جعيل التغلبي فحدثني أن يزيد بن معاوية قال له إن ابن حسان فضح عبد الرحمن بن الحكم وغلبه وفضحنا فاهج الأنصار قال فقلت له أرادي أنت في الشرك أأهجو قوماً نصروا رسول الله وآله وآووه ولكني أدلك على غلام منا نصراني لا يبالي أن يهجوهم كأن لسانه لسان ثور قال من هو قلت الأخطل فدعاه وأمره بهجائهم فقال على أن تمنعني قال نعم قال أبو عبيدة إن معاوية دس إلى كعب وأمره بهجائهم فدله على الأخطل فقال الأخطل قصيدته التي هجا فيها الأنصار وقد مضت ومضى خبرها وخبر النعمان بن بشير وزاد أبو عبيدة عمن روينا ذلك عنه أن النعمان بن بشير رد على الأخطل فقال - كامل ( أبلِغ قبائل تغلبَ ابنةِ وائلٍ ... مَنْ بِالفرات وجانِبِ الثَّرثار ) ( فاللؤمُ بين أنوفِ تغلبَ بَيِّنٌ ... كالرَّقْم فوقَ ذراعِ كلِّ حمارِ ) قال فخافه الأخطل أن يهجوه فقال فيه - وافر - ( عَذَرْتُ بني الفُرَيعة أن هَجَوني ... فما بالي وبالُ بني بشير ) ( أُفَيْحِجُ من بني النجّار شَثْنٌ ... شديدُ القُصْرَيَيْنِ من السَّحورِ ) ولم يرد على هذين البيتين شيئاً في ذكره قال أبو عبيدة في خبره أيضاً إن الأنصار لما استعدوا عليه معاوية قال لهم لكم لسانه إلا أن يكون ابني يزيد قد أجاره ودس إلى يزيد من وقته إني قد قلت للقوم كيت وكيت فأجره فأجاره فقال يزيد بن معاوية في إجارته إياه - طويل - ( دعا الأخطلُ الملهوفُ بالشَّرِّ دَعْوَةً ... فأيَّ مجيبٍ كنْتُ لمَّا دعانيا ) ( ففرّجَ عنه مَشْهَدَ القوم مَشْهدي ... وألسِنَة الواشين عنه لسانيا ) صوت خفيف ( كان لي يا شُقَير حُبُّكِ حَيْنَا ... كادَ يقضي عليَّ لمَّا التقينا ) ( يعلمُ الله أنكُمْ لو نأيتمْ ... أو قَرُبْتُمْ أحبُّ شيء إلينا ) الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لحبابة جارية يزيد بن عبد الملك ولحنها ثاني ثقيل بالوسطى وجعلت مكان يا شقير يا يزيد وفي هذا الشعر للهذلي خفيف ثقيل أول مطلق بالوسطى وزعم عمرو بن بانة أنه للأبجر وقال الهشامي لحن الأبجر ثقيل أول بالبنصر وفيه للدارمي وابن فروخ خفيف ثقيل ولحن الدارمي فيهما مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق 9 - أخبار حبابة كانت حبابة مولدة من مولدات المدينة لرجل من أهلها يعرف بابن رمانة وقيل ابن مينا وهو خرجها وأدبها وقيل كانت لآل لاحق المكيين وكانت حلوة جميلة الوجه ظريفة حسنة الغناء طيبة الصوت ضاربة بالعود وأخذت الغناء عن ابن سريج وابن محرز ومالك ومعبد وعن جميلة وعزة الميلاء وكانت تسمى العالية فسماها يزيد لما اشتراها حبابة وقيل إنها كانت لرجل يعرف بابن مينا أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال حدثني حاتم بن قبيصة قال وكانت حبابة لرجل يدعى ابن مينا فأدخلت على يزيد بن عبد الملك في إزار له ذنبان وبيدها دف ترمي به وتتلقاه وتتغنى - منسرح - ( ما أَحْسَنَ الجِيدَ من مُلَيكةَ والللبَّاتِ ... إذْ زانَها ترائبُها ) ( يا ليتني ليلةً إذَا هجع النْنَاسُ ... ونام الكلاب صاحبُها ) ( في ليلةٍ لا يُرَى بها أحدٌ ... يسعَى علينا إلاّ كواكبها ) ثم خرج بها مولاها إلى إفريقية فلما كان بعد ما ولي يزيد اشتراها وروى حماد عن أبيه عن المدائني عن جرير المديني ورواه الزبير بن بكار عن إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه قال قال لي يزيد بن عبد الملك ما تقر عيني بما أوتيت من الخلافة حتى أشتري سلامة جارية مصعب بن سهيل الزهري وحبابة جارية لاحق المكية فأرسل فاشتريتا له فلما اجتمعتا عنده قال أنا الآن كما قال القائل - طويل - ( فألقَتْ عصاها واستقرَّت بها النوى ... كما قَرَّ عيناً بالإِيابِ المسافرُ ) قال إسحاق وحدثني أبو أيوب عن عباية قال كانت حبابة لآل رمانة ومنهم ابتيعت ليزيد أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني الزبير بن بكار قال أخبرني محمد بن سلمة عن ابن مافنه عن شيخ من أهل ذي خشب قال خرجنا نريد ذا خشب ونحن مشاة فإذا قبة فيها جارية وإذا هي تغني - مجزوء الرمل - ( سلكوا بطنَ مَحِيصٍ ... ثم ولَّوْا راجعينا ) ( أورثونِي حِينَ وَلَّوْا ... طُولَ حُزْنٍ وأَنينا ) قال فسرنا معها حتى أتينا ذا خشب فخرج رجل معها فسألناه وإذا هي حبابة جارية يزيد فلما صارت إلى يزيد أخبرته بنا فكتب إلى والي المدينة يعطي كل واحد ألف درهم ألف درهم أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق عن المدائني وروى هذا الخبر حماد بن إسحاق عن أبيه عن المدائني وخبره أتم أن حبابة كانت تسمى العالية وكانت لرجل من الموالي بالمدينة فقدم يزيد بن عبد الملك في خلافة سليمان فتزوج سعدة بنت عبد الله بن عمرو ابن عثمان على عشرين ألف دينار وربيحة بنت محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر على مثل ذلك واشترى العالية بأربعة آلاف دينار فبلغ ذلك سليمان فقال لأحجرن عليه فبلغ يزيد قول سليمان فاستقال مولى حبابة ثم اشتراها بعد ذلك رجل من أهل إفريقية فلما ولي يزيد اشترتها سعدة امرأته وعلمت أنه لا بد طالبها ومشتريها فلما حصلت عندها قالت له هل بقي عليك من الدنيا شيء لم تنله فقال نعم العالية فقالت هذه هي وهي لك فسماها حبابة وعظم قدر سعدة عنده ويقال إنها أخذت عليها قبل أن تهبها له أن توطئ لابنها عنده في ولاية العهد وتحضرها ما تحب إذا حضرت وقيل إن أم الحجاج أم الوليد بن يزيد هي التي ابتاعتها له وأخذت عليها ذلك فوفت لها بذلك هكذا ذكر الزبير فيما أخبرنا به الحسن بن علي بن هارون ابن محمد عنه عن عمه قال ومن زعم أن سعدة اشترتها فقد أخطأ قال المدائني ثم خطب يزيد إلى أخيها خالد بنت أخ له فقال أما يكفيه أن سعدة عنده حتى يخطب إلى بنات أخي وبلغ يزيد فغضب فقدم عليه خالد يسترضيه فبينا هو في فسطاطه إذ أتته جارية لحبابة في خدمها فقالت له أم داود تقرأ عليك السلام وتقول لك قد كلمت أمير المؤمنين فرضي عنك فالتفت فقال من أم داود فأخبره من معه أنها حبابة وذكر له قدرها ومكانها من يزيد فرفع رأسه إلى الجارية فقال قولي لها إن الرضا عني بسبب لست به فشكت ذاك إلى يزيد فغضب وأرسل إلى خالد فلم يعلم بشيء حتى أتاه رسول حبابة به فيمن معه من الأعوان فاقتلعوا فسطاطه وقلعوا أطنابه حتى سقط عليه وعلى أصحابه فقال ويلكم ما هذا قالوا رسل حبابة هذا ما صنعت بنفسك فقال ما لها أخزاها الله ما أشبه رضاها بغضبها قال إسحاق وحدثني محمد بن سلام عن يونس بن حبيب أن يزيد بن عبد الملك اشترى حبابة وكان اسمها العالية بأربعة آلاف دينار فلما خرج بها قال الحارث بن خالد فيها - كامل - ( ظَعَنَ الأميرُ بأحسنِ الخَلْقٍ ... وغَدَوْا بلُبِّك مطلِعَ الشرقِ ) ( مَرَّت على قَرَنٍ يُقاد بها ... تعدو أمامَ برَاذِنٍ زُرْقِ ) ( فظِللْتُ كالمقمور مُهْجَتَه ... هذا الجنونُ وليس بالعشق ) ( يا ظبيةً عَبِقَ العبيرُ بها ... عَبَقَ الدِّهانِ بجانب الحُقِّ ) وغنته حبابة في الشعر وبلغ يزيد فسألها عنه فأخبرته فقال لها غنيني به فغنته فأجادت وأطربته فقال إسحاق ولعمري إنه من جيد غنائها قال أبو الفرج الأصبهاني هذا غلط ممن رواه في أبيات الحارث بن خالد لأنه قالها في عائشة بنت طلحة لما تزوجها مصعب بن الزبير وخرج بها وفي أبياته يقول ( في البيت ذي الحَسَب الرفيع ومِن ... أهل التُّقَى والبِرِّ والصِّدْقِ ) وقد شرح ذلك في أخبار عائشة بنت طلحة قال إسحاق وأخبرني الزبيري أن يزيد اشتراها وهو أمير فلما أراد الخروج بها قال الحارث بن خالد فيها - بسيط - ( قد سُلَّ جسمي وقد أودَى به سَقَمٌ ... من أجل حَيٍّ جلَوْا من بلدةِ الحَرمِ ) ( يحنُّ قلبي إليها حين أذكرها ... وما تذكَّرْتُ شوقاً آب من أمَمِ ) ( إلاّ حنيناً إليها إنَّها رَشأٌ ... كالشَّمس رُوْدٌ ثَقالٌ سهلة الشيمِ ) ( فضَّلها اللهُ ربُّ الناس إذ خُلِقَتْ ... على النساءِ منَ أهل الحزم والكرمِ ) وقال فيها الشعراء فأكثروا وغنى في أشعارهم المغنون من أهل مكة والمدينة وبلغ ذلك يزيد فاستشنعه فقال هذا قبل رحلتنا وقد هممنا فكيف لو ارتحلنا وتذكر القوم شدة الفراق وبلغه أيضاً أن سليمان قد تكلم في ذلك فردها ولم تزل في قلبه حتى ملك فاشترتها سعدة امرأته العثمانية ووهبتها له أخبرني ابن عمار قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق قال حدثني أبو ذفافة المنهال بن عبد الملك عن مروان بن بشر بن أبي سارة مولى الوليد بن يزيد قال أول ما ارتفعت به منزلة حبابة عند يزيد أنه أقبل يوماً إلى البيت الذي هي فيه فقام من وراء الستر فسمعها تترنم وتغني وتقول - خفيف ( كان لي يا يزيدُ حبُّكَ حَيْنا ... كاد يقضي عليَّ لما التقينا ) والشعر كان يا شقير فرفع الستر فوجدها مضطجعة مقبلة على الجدار فعلم أنها لم تعلم به ولم يكن ذاك لمكانه فألقى نفسه عليها وحركت منه قال المدائني غلبت حبابة على يزيد وتبنى بها عمر بن هبيرة فعلت منزلته حتى كان يدخل على يزيد في أي وقت شاء وحسد ناس من بني أمية مسلمة بن عبد الملك على ولايته وقدموا فيه عند يزيد وقالوا إن مسلمة إن اقتطع الخراج لم يحسن يا أمير المؤمنين أن تفتشه أو تكشفه عن شيء لسنه وحقه وقد علمت أن أمير المؤمنين لم يدخل أحداً من أهل بيته في الخراج فوقر ذلك في قلب يزيد وعزم على عزله وعمل ابن هبيرة في ولاية العراق من قبل حبابة فعملت له في ذلك وكان بين ابن هبيرة وبين القعقاع بن خالد عداوة وكانا يتنازعان ويتحاسدان فقيل للقعقاع لقد نزل ابن هبيرة من أمير المؤمنين منزلة إنه لصاحب العراق غداً فقال ومن يطيق ابن هبيرة حبابة بالليل وهداياه بالنهار مع أنه وإن بلغ فإنه رجل من بني سكين فلم تزل حبابة تعمل له حتى وليها حدثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال سمعت إسحاق بن إبراهيم يحدث بهذا الحديث فحفظته ولم أحفظ إسناده وحدثنا محمد بن خلف وكيع قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب الزبيري عن مصعب بن عثمان وقد جمعت روايتيهما قالا أراد يزيد بن عبد الملك أن يشبه بعمر بن عبد العزيز وقال بماذا صار عمر أرجى لربه جل وعز مني فشق ذلك على حبابة فأرسلت إلى الأحوص هكذا في رواية وكيع وأما عمر بن شبة فإنه ذكر أن مسلمة أقبل على يزيد يلومه في الإلحاح على الغناء والشرب وقال له إنك وليت بعقب عمر بن عبد العزيز وعدله وقد تشاغلت بهذه الأمة عن النظر في الأمور والوفود ببابك وأصحاب الظلامات يصيحون وأنت غافل عنهم فقال صدقت والله وأعتبه وهم بترك الشرب ولم يدخل على حبابة أماماً فدست حبابة إلى الأحوص أن يقول أبياتاً في ذلك وقالت له إن رددته عن رأيه فلك ألف دينار فدخل الأحوص إلى يزيد فاستأذن في الإنشاد فأذن له قال إسحاق في خبره فقال الأحوص - طويل - صوت ( ألاَ لاَ تلُمْه اليومَ أنْ يتبلَّدا ... فقد غُلِب المحزونُ أن يَتَجَلَّدَا ) ( بكيْتُ الصِّبا جَهدِي فمن شاء لامني ... ومَن شاء آسَى في البكاء وأسْعَدا ) ( وإنِّي وإنْ فُنِّدْتُ في طلب الغنى ... لأَعلمُ أَنِّي لستُ في الحبِّ أوحدا ) ( إذا أنتَ لم تعشق ولم تَدْرِ ما الهوى ... فكنْ حجراً من يابس الصخرِ جلمدا ) ( فما العيشُ إلا ما تلَذُّ وتشتهِي ... وإنْ لامَ فيه ذو الشَّنَان وفَنّدا ) الغناء لمعبد - خفيف ثقيل أول - بالبنصر وفيه رمل للغريض ويقال إنه لحبابة قال ومكث جمعة لا يرى حبابة ولا يدعو بها فلما كان يوم الجمعة قالت لبعض جواريها إذا خرج أمير المؤمنين إلى الصلاة فأعلميني فلما أراد الخروج أعلمتها فتلقته والعود في يدها فغنت البيت الأول فغطى وجهه وقال مه لا تفعلي ثم غنت ( وما العيشُ إلا ما تلَذُّ وتشتهِي ... ) فعدل إليها وقال صدقت والله فقبح الله من لامني فيك يا غلام مر مسلمة أن يصلي بالناس وأقام معها يشرب وتغنيه وعاد إلى حاله وقال عمر بن شبة في حديثه فقال يزيد صدقت والله فعلى مسلمة لعنة الله وعاود ما كان فيه ثم قال لها من يقول هذا الشعر قالت الأحوص فأحضره ثم أنشده قصيدة مدحه فيها وأولها قوله - بسيط - ( يا مُوقِد النار بالعَلياء من إِضَمِ ... أوقِدْ فقد هجْتَ شوقاً غيرَ منصرمِ ) وهي طويلة فقال له يزيد ارفع حوائجك فكتب إليه في نحو من أربعين ألف درهم من دين وغيره فأمر له بها وقال مصعب في خبره بل استأذن الأحوص على يزيد فأذن له فاستأذن في الإنشاد فقال ليس هذا وقتك فلم يزل به حتى أذن له فأنشده هذه الأبيات فلما سمعها وثب حتى دخل على حبابة وهو يتمثل - طويل - ( وما العيشُ إلا ما تلَذُّ وتشتهِي ... وإنْ لامَ فيه ذو الشَّنَان وفَنّدا ) فقالت له ما ردك يا أمير المؤمنين فقال أبيات أنشدنيها الأحوص فسلي ما شئت قالت ألف دينار تعطيها الأحوص فأعطاه ألف دينار نسبة ما في هذا الخبر من الغناء صوت بسيط ( يا مُوقِد النار بالعَلْياء من إِضَمِ ... أوقِدْ فقد هِجْتَ شوقاً غيرَ منْصرمِ ) ( يا مُوقِدَ النار أوقِدْها فإنَّ لها ... سَناً يَهيج فؤادَ العاشِق السّدِم ) الشعر للأحوص والغناء لمعبد - خفيف ثقيل أول - بالوسطى عن يونس وإسحاق وعمرو وذكر حبش أن فيه خفيف ثقيل آخر لابن جامع أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني علي بن القاسم بن بشير قال لما غلب يزيد بن عبد الملك أهله وأبى أن يسمع منهم كلموا مولى له خراسانياً ذا قدر عندهم وكانت فيه لكنة فأقبل على يزيد يعظه وينهاه عما قد ألح عليه من السماع للغناء والشراب فقال له يزيد فإني أحضرك هذا الأمر الذي تنهى عنه فإن نهيتني عنه بعد ما تبلوه وتحضره انتهيت وإني مخبر جواري أنك عم من عمومتي فإياك أن تتكلم فيعلمن أني كاذب وأنك لست بعمي ثم أدخله عليهن فغنين والشيخ يسمع ولا يقول شيئاً حتى غنين - طويل - ( وقد كنتُ آتيكُمْ بِعِلّةِ غيركُمْ ... فأفنْيتُ عِلاّتي فكيف أقولُ ) فطرب الشيخ وقال لا قيف جعلني الله فداكن يريد لا كيف فعلمن أنه ليس عمه وقمن إليه بعيدانهن ليضربنه بها حتى حجزهن يزيد عنه ثم قال له بعدما انقضى أمرهن ما تقول الآن أدعُ هذا أم لا قال لا تدعه أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني خالد بن يزيد بن بحر الخزاعي الأسلمي عن محمد بن سلمة عن أبيه عن حماد الراوية قال كانت حبابة فائقة في الجمال والحسن وكان يزيد لها عاشقاً فقال لها يوماً قد استخلفتك على ما ورد عليّ ونصبت لذلك مولاي فلاناً فاستخلفيه لأقيم معك أياماً وأستمتع بك قالت فإني قد عزلته فغضب عليها وقال قد استعملته وتعزلينه وخرج من عندها مغضباً فلما ارتفع النهار وطال عليه هجرها دعا خصياً له وقال انطلق فانظر أي شيء تصنع حبابة فانطلق الخادم ثم أتاه فقال رأيتها مؤتزرة بإزار خلوقي قد جعلت له ذنبين وهي تلعب بلعبها فقال ويحك احتل لها حتى تمر بها علي فانطلق الخادم إليها فلاعبها ساعة ثم استلب لعبة من لعبها وخرج فجعلت تحضر في أثره فمرت بيزيد فوثب وهو يقول قد عزلته وهي تقول قد استعملته فعزل مولاه وولاه وهو لا يدري فمكث معها خالياً أياماً حتى دخل عليه أخوه مسلمة فلامه وقال ضيعت حوائج الناس واحتجبت عنهم أترى هذا مستقيماً لك وهي تسمع مقالته فغنت لما خرج طويل ( ألاَ لاَ تَلُمْهُ اليومَ أنْ يتبلَّدا ... ) فذكرت الأبيات فطرب وقال قاتلك الله أبيت إلا أن ترديني إليك وعاد إلى ما كان عليه أخبرني إسماعيل قال حدثني عمي قال حدثني إسحاق قال حدثني الهيثم بن عدي عن صالح بن حسان قال قال مسلمة ليزيد تركت الظهور وشهود الجمعة الجامعة وقعدت في منزلك مع هذه الإماء وبلغ ذلك حبابة وسلامة فقالتا للأحوص قل في ذلك شعراً فقال - طويل - ( وما العيشُ إلا ما تلَذُّ وتشتهِي ... وإنْ لامَ فيه ذو الشَّنَانِ وفَنّدَا ) ( بكيْتُ الصِّبا جَهدِي فمن شاء لامِني ... ومَن شاءَ آسَى في البكاء وأسْعَدا ) ( وإنِّي وإنْ أَغرقت في طَلَب الصبا ... لأَعلمُ أَنِّي لستُ في الحبِّ أوحدا ) ( إذا كنتَ عِزْهاةً عن اللَّهو والصبا ... فكنْ حجراً من يابس الصخرِ جَلمدا ) قال فغنتا يزيد فيه فلما فرغتا ضرب بخيزرانته الأرض وقال صدقتما صدقتما فعلى مسلمة لعنة الله وعلى ما جاء به قال وطرب يزيد فقال هاتيا فغنتاه من هذه القصيدة ( وعَهدِي بها صفراءَ رُوداً كأنما ... نَضَا عَرَقٌ منها على اللون مُجْسَدَا ) ( مهفهفة الأعلى وأسفل خلقِها ... جرى لحمُه ما دونَ أن يتخددا ) ( من المُدْمَجات اللحمِ جَدْلاً كأنها ... عِنانُ صَناعٍ مدمجُ الفتْل مُحْصَدا ) ( كأنّ ذكِيَّ المسك بادٍ وقد بَدَتْ ... وريحَ خُزامى طَلّةٍ تنفح الندى ) فطرب يزيد وأخذ فيه من الشراب قدره الذي كان يطرب منه ويسره ولم تره أظهر شيئاً مما كان يفعله عند طربه فغنته ( ألاَ لاَ تلُمْه اليومَ أنْ يتبلَّدا ... فقد غُلِب المحزونُ أن يَتَجَلَّدَا ) ( نظرْتُ رجاءً بالموقَّر أن أَرى ... أكارِيس يحتلُّون خاخاً فمنشِدا ) ( فأوفيْتُ في نَشْزٍ من الأرض يافعٍ ... وقد تُسْعِفُ الأيفاعُ من كان مُقْصَدا ) فلما غنته بهذا طرب طربه الذي تعهده وجعل يدور ويصيح الدخن بالنوى والسمك في بيطار جنان وشق حلته وقال لها أتأذنين أن أطير قالت وإلى من تدع الناس قال إليك قال وغنته سلامة من هذه القصيدة ( فقلتُ ألا يا ليت أسماءَ أصقَبَتْ ... وهل قولُ ليتٍ جامعٌ ما تبدّدا ) ( وإنِّي لأهواها وأهوى لِقاءها ... كما يَشتهي الصادي الشرابَ المبرَّدا ) ( علاقةَ حبٍّ لَجَّ في سَنَن الصِّبا ... فأبلَى وما يزداد إلاّ تجدُّدا ) ( سُهوبٌ وأعلام تخال سرابَها ... إذا استَنّ في القَيظ المُلاَءَ المعضَّدا ) قال وغنته حَبابة منها أيضاً ( كريمُ قريشٍ حين يُنسَبُ والذِي ... أقَرّت له بالملك كَهْلاً وأمرَدا ) ( وليس عطاءٌ كان منه بمانع ... وإن جَلّ من أضعاف أضعافه غدا ) ( أهانَ تِلاد المالِ في الحمد إنه ... إمامُ هدىً يَجري على ما تعوَّدا ) ( تردَّى بمجدٍ من أبيه وأمِّهِ ... وقد أَوْرَثَا بنيانَ مجد مشيَّدا ) فقال لها يزيد ويحك يا حبابة ومن مِن قريش هذا قالت أنت قال ومن يقول هذا الشعر قالت الأحوص يا أمير المؤمنين وقالت سلامة فليسمع أمير المؤمنين باقي ثنائه عليه فيها ثم اندفعت فغنته ( ولو كان بذلُ الجودِ والمالِ مُخْلِدا ... من الناس إنساناً لكنْتَ المخلَّدا ) ( فأقسمُ لا أنفكّ ما عِشْتُ شاكراً ... لنعماكَ ما طارَ الحَمامُ وغَرّدا ) أخبرني إسماعيل قال حدّثنا عمر بن شبة قال علي بن الجعد قال حدثني أبو يعقوب الخريمي عن أبي بكر بن عياش أن حبابة وسلاّمة اختلفتا في صوت معبد - وافر - ( ألاَ حيِّ الديار بسَعْدَ إنّي ... أحِبُّ لحبِّ فاطمةَ الديارا ) فبعث يزيد إلى معبد فأتى به فسأل لم بعث إليه فأخبر فقال لأيتهما المنزلة عند أمير المؤمنين فقيل لحبابة فلما عرضتا عليه الصوت قضى لحبابة فقالت سلامة والله ما قضى إلا للمنزلة وإنه ليعلم أن الصواب ما غنيت ولكن ائذن لي يا أمير المؤمنين في صلته لأن له عليّ حقا قال قد أذنت فكان ما وصلته به أكثر من حبابة نسبة هذا الصوت - وافر - ( ألاَ حيِّ الديارَ بسَعْدَ إنّي ... أحِلُّ لحبِّ فاطمةَ الديارا ) ( إذا ما حَلَّ أهلكِ يا سُلَيْمى ... بدارَةِ صُلْصُلٍ شَحَطوا مَزَارا ) الشعر لجرير والغناء لابن محرز خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال نزل الفرزدق على الأحوص حين قدم المدينة فقال له الأحوص ما تشتهي قال شواء وطلاء وغناء قال ذلك لك ومضى به إلى قينة بالمدينة فغنته ( ألاَ حيِّ الديار بسَعْدَ إنّي ... أحِبُّ لحبِّ فاطمةَ الديارا ) ( أرادَ الظاعنون ليحزنُوني ... فهاجُوا صَدْعَ قلبيَ فاستطارا ) فقال الفرزدق ما أرق أشعاركم يا أهل الحجاز وأملحها قال أو ما تدري لمن هذا الشعر فقال لا والله قال هو لجرير يهجوك به فقال ويل ابن المراغة ما كان أحوجه مع عفافه إلى صلابة شعري وأحوجني مع شهواتي إلى رقة شعره وقد روى صالح بن حسان أن الصوت الذي اختلفت فيه حبابة وسلامة هو - كامل - ( وترى لها دَلاًّ إذا نَطَقَتْ به ... تَرَكَتْ بناتِ فُؤاده صُعْرا ) ذكر ذلك حماد عن أبيه عن الهيثم بن عدي أنهما اختلفتا في هذا الصوت بين يدي يزيد فقال لهما من أين جاء اختلافكما والصوت لمعبد ومنه أخذتماه فقالت هذه هكذا أخذته وقالت الأخرى هكذا أخذته فقال يزيد قد اختلفتما ومعبد حي بعد فكتب إلى عامله بالمدينة يأمره بحمله إليه ثم ذكر باقي الخبر مثل ما ذكره أبو بكر بن عياش قال صالح بن حسان فلما دخل معبد إليه لم يسأله عن الصوت ولكنه أمره أن يغني فغناه فقال - طويل - ( فيا عَزَّ إنْ واشٍ وشَى بيَ عندَكُمْ ... فلا تُكْرِمِيهِ أن تقولي له مَهْلا ) فاستحسنه وطرب ثم قال إن هاتين اختلفتا في صوت لك فاقض بينهما فقال لحبابة غني فغنت وقال لسلامة غني فغنت وقال الصواب ما قالت حبابة فقالت سلامة والله يا ابن الفاعلة إنك لتعلم أن الصواب ما قلت ولكنك سألت أيتهما آثر عند أمير المؤمنين فقيل لك حبابة فاتبعت هواه ورضاه فضحك يزيد وطرب وأخذ وسادة فصيرها على رأسه وقام يدور في الدار ويرقص ويصيح السمك الطري أربعة أرطال عند بيطار جنان حتى دار الدار كلها ثم رجع فجلس مجلسه وقال شعراً وأمر معبداً أن يغني فيه فغنى فيه وهو - بسيط ( أَبْلِغْ حَبابة أسْقَى رَبْعَها المطرُ ... ما للفؤادِ سِوى ذكراكُمُ وَطَرُ ) ( إِنْ سار صحبي لم أملِكْ تذكُّرَكُمْ ... أو عَرَّسوا فهمومُ النفس والسَّهرُ ) فاستحسنه وطرب هكذا ذكر إسحاق في الخبر وغيره يذكر أن الصنعة فيه لحبابة ويزعم ابن خرداذبه أن الصنعة فيه ليزيد وليس كما مر وإنما أراد أن يوالي بين الخلفاء في الصنعة فذكره على غير تحصيل والصحيح أنه لمعبد قال معبد فسر يزيد لما غنيته في هذين البيتين وكساني ووصلني ثم لما انصرم مجلسه انصرفت إلى منزلي الذي أنزلته فإذا ألطاف سلامة قد سبقت ألطاف حبابة وبعثت إلي إني قد عذرتك فيما فعلت ولكن كان الحق أولى بك فلم أزل في ألطافهما جميعاً حتى أذن لي يزيد فرجعت إلى المدينة نسبة الصوت الذي غناه معبد الذي أوّله طويل ( فيا عَزَّ إنْ واشٍ وشَى بي عندَكُمْ ... ) صوت ( ألم يأنِ لي يا قلبُ أنْ أتركَ الجهلا ... وأنْ يُحدث الشيبُ الملِمُّ ليَ العقلا ) ( على حين صار الرأسُ منِّي كأنما ... عَلَتْ فوقَه ندّافةُ العُطُبِ الغزْلا ) ( فيا عَزَّ إنْ واشٍ وشَى بي عندَكُمْ ... فلا تُكرمِيه أنْ تقولي له مهلا ) ( كما لو وَشَى واشٍ بودِّك عندنا ... لقلْنا تزحزَحْ لا قَرِيباً ولا سَهْلا ) ( فأهلاً وسهلاً بالذي شَدَّ وصلنا ... ولا مرحباً بالقائِل اصرِم لها حَبلا ) الشعر لكثير والغناء لحنين ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وذكر ابن المكي وعمرو والهشامي أنه لمعبد وفيه ثاني ثقيل ينسب إلى ابن سريج وليس بصحيح أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير قال حدثتني ظبية قالت أنشدت حبابة يوماً يزيد بن عبد الملك - وافر - ( لعمركَ إنّني لأُحِبُّ سَلْعاً ... لرؤيتها ومَنْ بجَنوب سَلْعِ ) ثم تنفست تنفساً شديداً فقال لها ما لك أنت في ذمة أبي لئن شئت لأنقلنه إليك حجراً حجراً قالت وما أصنع به ليس إياه أردتإنما أردت صاحبه وربما قالت ساكنه نسبة هذا الصوت ( لعمركَ إنّني لأُحِبُّ سَلْعاً ... لرؤيتها ومَنْ بجَنوب سَلْعِ ) ( تَقَرُّ بقُربها عيني وإنِّي ... لأَخشَى أن تكونَ تريدُ فجعِي ) ( حلفْتُ بربِّ مكةَ والهدايا ... وأيدِي السَّابحاتِ غداةَ جَمْع ) ( لأنتِ على التنائي فاعلميهِ ... أحبُّ إليَّ مِن بَصَرِي وسمْعي ) الغناء لمعبد خفيف ثقيل بالوسطى مما لا يشك فيه من غنائه قال الزبير وحدثني ظبية أن يزيد قال لحبابة وسلامة أيتكما غنتني ما في نفسي فلها حكمها فغنت سلامة فلم تصب ما في نفسه وغنته حبابة - خفيف - ( حِلَقٌ من بني كِنانةَ حَولي ... بِفِلَسْطينَ يُسرِعون الركوبا ) فأصابت ما في نفسه فقال احتكمي فقالت سلامة تهبها لي ومالها قال اطلبي غيرها فأبت فقال أنت أولى بها ومالها فلقيت سلامة من ذلك أمراً عظيماً فقالت لها حبابة لا ترين إلا خيراً فجاء يزيد فسألها أن تبيعه إياها بحكمها فقالت أشهدك أنها حرة واخطبها إليّ الآن حتى أزوجك مولاتي أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق عن المدائني بنحو هذه القصة وقال فيها فجزعت سلامة فقالت لها لا تجزعي فإنما ألاعبه نسبة هذا الصوت خفيف ( حِلَقٌ من بني كِنانةَ حَولي ... بِفِلَسْطينَ يُسرِعون الركوبا ) ( هَزِئتْ أن رأت مشيبِيَ عِرْسي ... لا تلُومي ذوائبي أن تشيبا ) الشعر لابن قيس الرقيات والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق قال حماد بن إسحاق حدثني أبي عن المدائني وأيوب بن عباية قالا كانت سلامة المتقدمة منهما في الغناء وكانت حبابة تنظر إليها بتلك العين فلما حظيت عند يزيد ترفعت عليها فقالت لها سلامة ويحك أين تأديب الغناء وحق التعليم أنسيت قول جميلة لك خذي أحكام ما أطارحك إياه من سلامة فلن تزالي بخير ما بقيت لك وكان أمركما مؤتلفا قالت صدقت يا خليلتي والله لا عدت إلى شيء تكرهينه فما عادت بعد ذلك لها إلى مكروه وماتت حبابة وعاشت سلامة بعدها دهراً قال المدائني فرأى يزيد يوماً حبابة جالسة فقال ما لك فقالت أنتظر سلامة قال تحبين أن أهبها لك قالت لا والله ما أحب أن تهب لي أختي قال المدائني وكانت حبابة إذا غنت وطرب يزيد قال لها أطير فتقول له فإلى من تدع الناس فيقول إليك والله تعالى أعلم أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أيوب بن عباية أن البيذق الأنصاري القارئ كان يعرف حبابة ويدخل عليها بالحجاز فلما صارت إلى يزيد بن عبد الملك وارتفع أمرها عنده خرج إليها يتعرض لمعروفها ويستميحها فذكرته ليزيد وأخبرته بحسن صوته قال فدعاني يزيد ليلة فدخلت عليه وهو على فرش مشرفة قد ذهب فيها إلى قريب من ثدييه وإذا حبابة على فرش أخر مرتفعة وهي دونه فسلمت فرد السلام وقالت حبابة يا أمير المؤمنين هذا أبي وأشارت إلي بالجلوس فجلست وقالت لي حبابة اقرأ يا أبت فقرأت فنظرت إلى دموعه تنحدر ثم قالت إيه يا أبت حدث أمير المؤمنين وأشارت إليّ أن غنه فاندفعت في صوت ابن سريج - مجزوء الخفيف - ( من لِصَبِّ مفنَّدِ ... هائمِ القلبِ مُقْصَدِ ) فطرب والله يزيد فحذفني بمدهن فيه فصوص من ياقوت وزبرجد فضرب صدري فأشارت إليّ حبابة أن خذه فأخذته فأدخلته كمي فقال يا حبابة ألا ترين ما صنع بنا أبوك أخذ مدهننا فأدخله في كمه فقالت يا أمير المؤمنين ما أحوجه والله إليه ثم خرجت من عنده فأمر لي بمائة دينار نسبة هذا الصوت ( من لِصَبِّ مفنَّدِ ... هائمِ القلبِ مُقْصَدِ ) ( أنتِ زوَّدته الضَّنَى ... بِئْسَ زادُ المزوَّدِ ) ( وَلَوَ اني لا أرتجيْكِ لقد خَفَّ عوَّدي ) ( ثاوياً تحتَ تُربةٍ ... رهنَ رمسٍ بفَدفدِ ) ( غيرَ أنِّي أعلِّل النَفسَ باليومِ أو غدِ ) الشعر لسعيد بن عبد الرحمن بن حسان وذكر الزبير بن بكار أنه لجعفر بن الزبير والغناء لابن سريج خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى وقال حماد حدثني أبي عن مخلد بن خداش وغيره أن حبابة غنت يزيد صوتاً لابن سريج وهو قوله - منسرح - ( ما أحسنَ الجِيدَ من مُليكةَ واللَّبَّاتِ ... إذْ زانَها ترائبُها ) فطرب يزيد وقال هل رأيت أحداً أطرب مني قلت نعم ابن الطيار معاوية بن عبد الله بن جعفر فكتب فيه إلى عبد الرحمن بن الضحاك فحمل إليه فلما قدم أرسلت إليه حبابة إنما بعث إليك لكذا وكذا وأخبرته فإذا دخلت عليه فلا تظهرن طربا حتى أغنيه الصوت الذي غنيته فقال سوأة على كبر سني فدعا به يزيد وهو على طنفسة خز ووضع لمعاوية مثلها فجاؤوا بجامين فيهما مسك فوضعت إحداهما بين يدي يزيد والأخرى بين يدي معاوية فقال فلم أدر كيف أصنع فقلت انظر كيف يصنع فاصنع مثله فكان يقلبه فيفوح ريحه وأفعل مثل ذلك فدعا بحبابة فغنت فلما غنت ذلك الصوت أخذ معاوية الوسادة فوضعها على رأسه وقام يدور وينادي الدخن بالنوى يعني اللوبيا قال فأمر له بصلات عدة دفعات إلى أن خرج فكان مبلغها ثمانية آلاف دينار أخبرني إسماعيل بن يونس قال أخبرني الزبير بن أبي بكر عن ظبية أن حبابة غنت يوماً بين يدي يزيد فطرب ثم قال لها هل رأيت قط أطرب مني قالت نعم مولاي الذي باعني فغاظه ذلك فكتب في حمله مقيدا فلما عرف خبره أمر بإدخاله إليه فأدخل يرسف في قيده وأمرها فغنت بغتة - متقارب - ( تُشِطُّ غداً دارُ جيراننا ... ولَلدّارُ بعد غدٍ أَبْعَدُ ) فوثب حتى ألقى نفسه على الشمعة فأحرق لحيته وجعل يصيح الحريق يا أولاد الزنا فضحك يزيد وقال لعمري إن هذا لأطرب الناس فأمر بحل قيوده ووصله بألف دينار ووصلته حبابة ورده إلى المدينة أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمربن شبة قال قال إسحاق كان يزيد بن عبد الملك قبل أن تفضي إليه الخلافة تختلف إليه مغنية طاعنة في السن تدعى أم عوف وكانت محسنة فكان يختار عليها - بسيط - ( متى أُجِرْ خائفاً تَسرحْ مَطِيَّتُه ... وإن أُخِفْ آمِناً تنبو به الدارُ ) ( سِيروا إليَّ وأَرْخُوا من أعنَّتِكُمْ ... إنِّي لكلِّ امرىءٍ من وِتْره جارُ ) فذكرها يزيد يوماً لحبابة وقد كانت أخذت عنها فلم تقدر أن تطعن عليها إلا بالسن فغنت - طويل - ( أبى القلبُ إلاّ أمَّ عوْفٍ وَحُبَّها ... عجوزاً ومن يُحْبِبْ عجوزاً يُفَنَّدِ ) فضحك وقال لمن هذا الغناء فقالت لمالك فكان إذا جلس معها للشرب يقول غنيني صوت مالك في أم عوف أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني عمر بن شبة قال حدثني عبد الله بن أحمد بن الحارث العدوي قال حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي قال حدثني أبو غانم الأزدي قال نزل يزيد بن عبد الملك ببيت رأس بالشام ومعه حبابة فقال زعموا أنه لا تصفو لأحد عيشة يوماً إلى الليل إلا يكدرها شيء عليه وسأجرب ذلك ثم قال لمن معه إذا كان غداً فلا تخبروني بشيء ولا تأتوني بكتاب وخلا هو وحبابة فأتيا بما يأكلان فأكلت رمانة فشرقت بحبة منها فماتت فأقام لا يدفنها ثلاثاً حتى تغيرت وأنتنت وهو يشمها ويرشفها فعاتبه على ذلك ذوو قرابته وصديقه وعابوا عليه ما يصنع وقالوا قد صارت جيفة بين يديك حتى أذن لهم في غسلها ودفنها وأمر فأخرجت في نطع وخرج معها لا يتكلم حتى جلس على قبرها فلما دفنت قال أصبحت والله كما قال كثير - طويل - ( فإن يَسْلُ عنكِ القلبُ أو يدعِ الصِّبا ... فباليأس يَسلو عنك لا بالتجلُّدِ ) ( وكلُّ خليلٍ راءني فهو قائلٌ ... مِنَ اجلِكِ هذا هامَةُ اليومِ أو غدِ ) فما أقام إلا خمس عشرة ليلة حتى دفن إلى جنبها أخبرني أحمد قال حدثني عمر قال حدثني إسحاق الموصلي قال حدثني الفضل بن الربيع عن أبيه عن إبراهيم بن جبلة بن مخرمة عن أبيه أن مسلمة بن عبد الملك قال ماتت حبابة فجزع عليها يزيد فجعلت أؤسيه وأعزيه وهو ضارب بذقنه على صدره ما يكلمني حتى دفنها ورجع فلما بلغ إلى بابه التفت إليّ وقال ( فإن تَسْلُ عنكِ النَّفسُ أو تدعِ الصِّبا ... فباليأس تَسلو عنك لا بالتجلُّدِ ) ثم دخل بيته فمكث أربعين يوماً ثم هلك قال وجزع عليها في بعض أيامه فقال انبشوها حتى أنظر إليها فقيل تصير حديثاً فرجع فلم ينبشها وقد روى المدائني أنه اشتاق إليها بعد ثلاثة أيام من دفنه إياها فقال لا بد من أن تنبش فنبشت وكشف له عن وجهها وقد تغير تغيراً قبيحاً فقيل له يا أمير المؤمنين اتقِ الله ألا ترى كيف قد صارت فقال ما رأيتها قط أحسن منها اليوم أخرجوها فجاء مسلمة ووجوه أهله فلم يزالوا به حتى أزالوه عن ذلك ودفنوها وانصرف فكمد كمداً شديداً حتى مات فدفن إلى جانبها قال إسحاق وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله الشفافي عن العباس بن محمد أن يزيد بن عبد الملك أراد الصلاة على حبابة فكلمه مسلمة في أن لا يخرج وقال أنا أكفيك الصلاة عليها فتخلف يزيد ومضى مسلمة حتى إذا مضى الناس انصرف مسلمة وأمر من صلى عليها وروى الزبير عن مصعب بن عثمان عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال خرجت مع أبي إلى الشأم في زمن يزيد بن عبد الملك فلما ماتت حبابة وأخرجت لم يستطع يزيد الركوب من الجزع ولا المشي فحمل على منبر على رقاب الرجال فلما دفنت قال لم أصل عليها انبشوا عنها فقال له مسلمة نشدتك الله يا أمير المؤمنين إنما هي أمة من الإماء وقد واراها الثرى فلم يأذن للناس بعد حبابة إلا مرة واحدة قال فوالله ما استتم دخول الناس حتى قال الحاجب أجيزوا رحمكم الله ولم ينشب يزيد أن مات كمداً أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني إسحاق قال حدثني ابن أبي الحويرث الثقفي قال لما ماتت حبابة جزع عليها يزيد جزعاً شديداً فضم جويرية لها كانت تخدمها إليه فكانت تحدثه وتؤنسه فبينا هو يوماً يدور في قصره إذ قال لها هذا الموضع الذي كنا فيه فتمثلت - طويل - ( كَفَى حَزَناً للهائم الصبِّ أن يَرى ... مَنازِلَ مَن يهوى معطَّلةً قَفْرَا ) فبكى حتى كاد يموت ثم لم تزل تلك الجويرية معه يتذكر بها حبابة حتى مات صوت طويل ( أَيَدْعُوْنَني شَيْخاً وقد عِشْتُ حِقْبَةً ... وهُنَّ من الأزواجِ نحوي نوازِعُ ) ( وما شابَ رأسي من سِنِينَ تَتَابَعَتْ ... عليَّ ولكنْ شَيَّبَتْهُ الوقائعُ ) الشعر لأبي الطفيل صاحب رسول الله والغناء لإبراهيم خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو وغيره 10 - أخبار أبي الطفيل ونسبه هو عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمير بن جابر بن حميس بن جدي بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر ابن نزار وله صحبة برسول الله ورواية عنه وعمر بعده عمراً طويلاً وكان مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وروى عنه أيضاً وكان من وجوه شيعته وله منه محل خاص يستغنى بشهرته عن ذكره ثم خرج طالباً بدم الحسين بن علي عليهما السلام مع المختار بن أبي عبيد وكان معه حتى قتل وأفلت هو وعمر أيضاً بعد ذلك حدثني أحمد بن الجعد قال حدثنا محمد بن يوسف بن أسوار الجمحي بمكة قال حدثنا يزيد بن أبي حكيم قال حدثني يزيد بن مليل عن أبي الطفيل أنه رأى النبي في حجة الوداع يطوف بالبيت الحرام على ناقته ويستلم الركن بمحجنه أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا أبو عاصم عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل بمثله وزاد فيه ثم يقبل المحجن حدثني أبو عبيد الله الصيرفي قال حدثنا الفضل بن الحسن المصري قال حدثنا أبو نعيم عن بسام الصيرفي عن أبي الطفيل قال سمعت علياً عليه السلام يخطب فقال سلوني قبل أن تفقدوني فقام إليه ابن الكواء فقال ما ( الذاريات ذروا ) قال الرياح قال ( فالجاريات يسرا ) قال السفن قال ( فالحاملات وقراً ) قال السحاب قال ( فالمقسمات أمراً ) قال الملائكة قال فمن ( الذين بدلوا نعمة الله كفراً ) قال الأفجران من قريش بنو أمية وبنو مخزوم قال فما كان ذو القرنين أنبياً أم ملكاً قال كان عبداً مؤمناً أو قال صالحاً أحب الله وأحبه ضرب ضربة على قرنه الأيمن فمات ثم بعث وضرب ضربة على قرنه الأيسر فمات وفيكم مثله وكتب إليّ إسماعيل بن محمد المري الكوفي يذكر أن أبا نعيم حدثه بذلك عن بسام وذكر مثله أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال بلغني أن بشر بن مروان حين كان على العراق قال لأنس بن زنيم أنشدني أفضل شعر قالته كنانة فأنشده قصيدة أبي الطفيل - طويل - ( أَيَدْعُوْنَني شيخاً وقد عِشْتُ برهةً ... وهنَّ من الأزواجِ نَحوِي نوازعُ ) فقال له بشر صدقت هذا أشعر شعرائكم قال وقال له الحجاج أيضاً أنشدني قول شاعركم أيدعونني شيخاً فأنشده إياه فقال قاتله الله منافقاً ما أشعره حدثني أحمد بن عيسى العجلي الكوفي المعروف بابن أبي موسى قال حدثنا الحسين بن نصر بن مزاحم قال حدثني أبي قال حدثني عمرو بن شمر عن جابر الجعفي قال سمعت ابن حذيم الناجي يقول لما استقام لمعاوية أمره لم يكن شيء أحب إليه من لقاء أبي الطفيل عامر بن واثلة فلم يزل يكاتبه ويلطف له حتى أتاه فلما قدم عليه جعل يسائله عن أمر الجاهلية ودخل عليه عمرو بن العاص ونفر معه فقال لهم معاوية أما تعرفون هذا هذا خليل أبي الحسن ثم قال يا أبا الطفيل ما بلغ من حبك لعلي قال حب أم موسى لموسى قال فما بلغ من بكائك عليه قال بكاء العجوز الثكلى والشيخ الرقوب وإلى الله أشكو التقصير قال معاوية إن أصحابي هؤلاء لو سئلوا عني ما قالوا فيّ ما قلت في صاحبك قالوا إذا والله ما نقول الباطل قال لهم معاوية لا والله ولا الحق تقولون ثم قال معاوية وهو الذي يقول - طويل - ( إلى رجَبِ السَّبْعِينَ تَعْتَرِفونني ... مع السيف في حَوّاءَ جَمٍّ عديدُها ) ( رَجوفٍ كمتْنِ الطَّود فيها معاشرٌ ... كغُلْبِ السِّباع نُمرُها وأسودُها ) ( كُهولٌ وشبّان وساداتُ معشرٍ ... على الخيل فُرسانٌٍ قليلٌٍ صدودها ) ( كأنَّ شعاع الشَّمس تحتَ لوائِها ... إذا طَلعتْ أعشَى العيونَ حديدُها ) ( يَمُورونَ مَوْرَ الرِّيح إما ذُهِلْتُمْ ... وزَلّت بأكفالِ الرجال لبودُها ) ( شِعارُهُمُ سِيما النبيِّ ورايةٌ ... بها انتقَمَ الرحمنُ ممن يَكيدها ) ( تخطُّفُهمْ إياكُمُ عنْدَ ذكرِهِمْ ... كخَطْف ضوارِي الطَّير طيراً تصيدها ) فقال معاوية لجلسائه أعرفمتوه قالوا نعم هذا أفحش شاعر وألأم جليس فقال معاوية يا أبا الطفيل أتعرفهم فقال ما أعرفهم بخير ولا أبعدهم من شر قال وقام خزيمة الأسدي فأجابه فقال - طويل - ( إلى رجبٍ أو غُرّةِ الشهرِ بعده ... تصبِّحكُمْ حُمْرُ المنايا وسُودُها ) ( ثمانون ألفاً دِينُ عثمانَ دينُهُمْ ... كتائبُ فيها جِبرَئيلُ يقودها ) ( فمن عاشَ منكم عاش عبداً ومن يمت ... ففي النار سُقياهُ هناكَ صديدُها ) أخبرني عبد الله بن محمد الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث قال حدثنا المدائني عن أبي مخنف عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق قال لما رجع محمد بن الحنفية من الشام حبسه ابن الزبير في سجن عارم فخرج إليه جيش من الكوفة عليهم أبو الطفيل عامر بن واثلة حتى أتوا سجن عارم فكسروه وأخرجوه فكتب ابن الزبير إلى أخيه مصعب أن يسير نساء كل من خرج لذلك فأخرج مصعب نساءهم وأخرج فيهن أم الطفيل امرأة أبي الطفيل وابناً له صغيراً يقال له يحيى فقال أبو الطفيل في ذلك - متقارب - ( إنْ يكُ سَيَّرهَا مُصْعَبُ ... فإني إلى مصعبٍ مذنِبُ ) ( أقودُ الكتيبةَ مُسْتَلْئِماً ... كأنِّي أخو عُرّةٍ أَجْرَبُ ) ( عليَّ دِلاصٌ تخيَّرْتُها ... وفي الكفِّ ذو رَوْنَقٍ مِقْضَبُ ) أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن حميد الرازي قال حدثنا سلمة بن الفضل عن فطر بن خليفة قال سمعت أبا الطفيل يقول لم يبق من الشيعة غيري ثم تمثل - طويل - ( وخُلّفْتُ سَهْماً في الكنانة واحداً ... سيُرمَى به أو يكسِر السهمَ كاسرُه ) أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو عاصم قال حدثني شيخ من بني تيم اللات قال كان أبو الطفيل مع المختار في القصر فرمى بنفسه قبل أن يؤخذ وقال - طويل - ( ولما رأيْتُ البابَ قد حِيلَ دونه ... تكسَّرْتُ باسمِ الله فيمن تكسَّرا ) أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن شداد النشابي قال حدثني المفضل بن غسان قال حدثني عيسى بن واضح عن سليم ابن مسلم المكي عن ابن جريج عن عطاء قال دخل عبد الله بن صفوان على عبد الله بن الزبير وهو يومئذ بمكة فقال أصبحت كما قال الشاعر - بسيط - ( فإنْ تُصِبْكَ من الأيامِ جائحةٌ ... لا أَبْكِ منكَ على دُنيا ولا دينِ ) قال وما ذاك يا أعرج قال هذا عبد الله بن عباس يفقه الناس وعبيد الله أخوه يطعم الناس فما بقيا لك فأحفظه ذلك فأرسل صاحب شرطته عبد الله بن مطيع فقال له انطلق إلى ابني عباس فقل لهما أعمدتما إلى راية ترابية قد وضعها الله فنصبتماها بددا عني جمعكما ومن ضوى إليكما من ضلال أهل العراق وإلا فعلت وفعلت فقال ابن عباس قل لابن الزبير يقول لك ابن عباس ثكلتك أمك والله ما يأتينا من الناس غير رجلين طالب فقه أو طالب فضل فأي هذين تمنع فأنشأ أبو الطفيل عامر بن واثلة - بسيط - ( لا دَرَّ درُّ الليالي كيف تُضحِكنا ... منها خطوب أعاجيبٌٍ وتبكينا ) ( ومثلُ ما تحدِث الأيامُ من غِيَرٍ ... يا ابنَ الزبير عن الدنيا يُسلِّينا ) ( كنّا نجيءُ ابنَ عباسٍ فَيُقْبِسُنا ... عِلماً ويُكْسِبُنا أجْراً ويَهدينا ) ( ولا يزالُ عبيدُ الله مترعَةً ... جِفانُه مُطْعِماً ضَيْفاً ومسكينا ) ( فالبِرُّ والدِّينُ والدُّنيا بدارِهما ... ننال منها الذي نبغي إذا شِينا ) ( إن النبيَّ هو النور الذي كُشِفَتْ ... به عَمَاياتُ باقينا وماضينا ) ( ورهطُه عِصمةٌ في ديننا ولهمْ ... فضلٌ علينا وحقٌّ واجبٌ فينا ) ( ولسْتَ فاعلمْهُ أولى مِنْهُمُ رحماً ... يا ابنَ الزبير ولا أولَى به دِينا ) ( ففيمَ تَمنعُهُمْ عَنَّا وتمنعنا ... منهم وتؤذيْهُم فينا وتؤذينا ) ( لن يؤتي الله مَنْ أخزى ببغضهِمُ ... في الدين عِزّاً ولا في الأرض تمكينا ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني بعض أصحابنا أن أبا الطفيل عامر بن واثلة دعي في مأدبة فغنت فيها قينة قوله يرثي ابنه - بسيط - ( خَلَّى طفيلٌ عليَّ الهمَّ وانشعبا ... وهدَّ ذلك ركنِي هَدّةً عجبا ) فبكى حتى كاد يموت وقد أخبرني بهذا الخبر عمي عن طلحة بن عبد الله الطلحي عن أحمد بن إبراهيم أن أبا الطفيل دعي إلى وليمة فغنت قينة عندهم - بسيط - ( خَلَّى عليَّ طُفيلُ الهمَّ وانشعبا ... وهدَّ ذلك ركنِي هَدّةً عجبا ) ( وابنَيْ سُميةَ لا أنساهما أبداً ... فيمن نَسِيتُ وكلٌّ كان ليْ وَصَبا ) فجعل ينشج ويقول هاه هاه طفيل ويبكي حتى سقط على وجهه ميتاً وأخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد عن أبيه بخبر أبي الطفيل هذا فذكر مثل ما مضى وزاد في الأبيات ( فاملِكْ عزاءكَ إنْ رزءٌ بلِيتَ به ... فلنْ يردَّ بكاءُ المرء ما ذهبا ) ( وليس يَشفِي حزيناً مِنْ تذكُّره ... إِلاّ البكاءُ إذا ما ناح وانتحبا ) ( فإذْ سلكْتَ سبيلاً كنْتَ سالكَها ... ولا محالةَ أن يأتي الذي كُتبا ) ( فما لبطنك من ريٍّ ولا شِبَع ... ولا ظلِلْتَ بباقي العيش مُرْتَغِبا ) وقال حماد بن إسحاق حدثني أبي قال حدثني أبو عبد الله الجمحي عن أبيه قال بينا فتية من قريش ببطن محسر يتذاكرون الأحاديث ويتناشدون الأشعار إذ أقبل طويس وعليه قميص قوهي وحبرة قد ارتدى بها وهو يخطر في مشيته فسلم ثم جلس فقال له القوم يا أبا عبد المنعم لو غنيتنا قال نعم وكرامة أغنيكم بشعر شيخ من أصحاب رسول الله من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام وصاحب رايته أدرك الجاهلية والإسلام وكان سيد قومه وشاعرهم قالوا ومن ذاك يا أبا عبد المنعم فدتك أنفسنا قال ذلك أبو الطفيل عامر بن واثلة ثم اندفع فغنى - طويل - ( أيَدعونني شيخاً وقد عِشْتُ حِقْبَةً ... وهُنَّ من الأزواج نَحْوِي نوازعُ ) فطرب القوم وقالوا ما سمعنا قط غناء أحسن من هذا وهذا الخبر يدل على أن فيه لحناً قديماً ولكنه ليس يعرف صوت خفيف ( لمنِ الدارُ أقفرتْ بمَعَانِ ... بين شاطي اليَرْموك فالصَّمّانِ ) ( فالقُرَيّات من بَلاسَ فدَارَيَّا ... فسَكّاءَ فالقُصورِ الدواني ) ( ذاكَ مَغْنىً لآل جفنةَ في الدَّهرِ ... وحَقٌّ تَصَرُّفُ الأزمان ) ( صلوات المسيحِ في ذلك الدير ... دعاءُ القِسِّيس والرُّهبانِ ) الشعر لحسان بن ثابت والغناء لحنين بن بلوع خفيف ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى وهذا الصوت من صدور الأغاني ومختارها وكان إسحاق يقدمه ويفضله ووجدت في بعض كتبه بخطه قال الصيحة التي في لحن حنين - خفيف - ( لمن الدارُ أقفرتْ بمَعَانِ ... ) أخرجت من الصدر ثم من الحلق ثم من الأنف ثم من الجبهة ثم نبرت فأخرجت من القحف ثم نونت مردودة إلى الأنف ثم قطعت وفي هذه الأبيات وأبيات غيرها من القصيدة ألحان لجماعة اشتركوا فيها واختلف أيضاً مؤلفو الأغاني في ترتيبها ونسبة بعضها مع بعض إلى صاحبها الذي صنعها فذكرت هاهنا على ذلك وشرح ما قالوه فيها فمنها - خفيف - صوت ( قد عفا جاسمٌ إلى بيت رأسٍ ... فالحوانِي فجانِبُ الجَوْلانِ ) ( فحِمى جاسمٍ فأبنيةُ الصُّفرِ ... مَغْنَى قنابلٍ وهِجانِ ) ( فالقُريّات من بَلاَسَ فدارَيَّا ... فَسَكّاءَ فالقصور الدَّواني ) ( قد دنا الفِصْح فالولائدُ يَنظِمْنَ ... سِراعاً أكِلَّةَ المَرْجانِ ) ( يتبارَيْنَ في الدعاء إلى اللَّهِ ... وكلُّ الدّعاءِ للشيطان ) ( ذاك مغنىً لآل جَفْنَةَ في الدّهرِ ... وحَقٌّ تَصَرُّفُ الأزمان ) ( صلواتُ المسيح في ذلك الدّير ... دعاءُ القسِّيس والرُّهبان ) ( قد أَراني هُناك حقَّ مَكينٍ ... عند ذي التاج مَقْعدِي ومكاني ) ذكر عمرو بن بانة أن لابن محرز في الأول من هذه الأبيات والرابع خفيف ثقيل أول بالبنصر وذكر علي بن يحيى أن لابن سريج في الرابع والخامس رملاً بالوسطى وأن لمعبد فيهما وفيما بعدهما من الأبيات خفيف ثقيل ولمحمد بن إسحاق بن برثع ثقيل أول في الرابع والثامن وذكر الهشامي أن في الأول لمالك خفيف ثقيل ووافقه حبش وذكر حبش أن لمعبد في الأول والثاني والرابع ثقيلاً أول بالبنصر أخبار حسان وجبلة بن الأيهم أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني هارون بن عبد الله الزهري قال حدثني يوسف بن الماجشون عن أبيه قال قال حسان بن ثابت أتيت جبلة بن الأيهم الغساني وقد مدحته فأذن لي فجلست بين يديه وعن يمينه رجل له ضفيرتان وعن يساره رجل لا أعرفه فقال أتعرف هذين فقلت أما هذا فأعرفه وهو النابغة وأما هذا فلا أعرفه قال فهو علقمة بن عبدة فإن شئت أن تسكت سكت قلت فذاك قال فأنشده النابغة - طويل - ( كِلِينِي لهمٍّ يا أميمة ناصبِ ... وليلٍ أقاسيه بطيءِ الكواكِبِ ) قال فذهب نصفي ثم قال لعلقمة أنشد فأنشد - طويل - ( طَحا بك قلبٌ في الحسان طروبُ ... بُعيدَ الشبابِ عَصْرَ حانَ مَشيبُ ) فذهب نصفي الآخر فقال لي أنت أعلم الآن إن شئت أن تنشد بعدهما أنشدت وإن شئت أن تسكت سكت فتشددت ثم قلت لا بل أنشد قال هات فأنشدته - كامل - ( لله دَرُّ عِصَابةٍ نادمْتُها ... يوماً بجِلِّقَ في الزَّمان الأوّلِ ) ( أولادُ جَفْنَةَ عندَ قبر أبيهمُ ... قبرِ ابن مارِيَة الكريمِ المُفْضِلِ ) ( يَسْقُونَ مَنْ وَرَدَ البرِيصَ عليْهِم ... كأساً تُصَفَّقُ بالرحيق السلسلِ ) ( يُغشَوْنَ حتّى ما تَهِرُّ كلابُهُمْ ... لا يسألون عن السوَّاد المُقْبل ) ( بيضُ الوجوهِ كريمةٌ أحسابُهُمْ ... شُمُّ الأنوفِ من الطِّرازِ الأوّل ) فقال لي أدنه أدنه لعمري ما أنت بدونهما ثم أمر لي بثلاثمائة دينار وعشرة أقمصة لها جيب واحد وقال هذا لك عندنا في كل عام وقد ذكر أبو عمرو الشيباني هذه القصة لحسان ووصفها وقال إنما فضله عمرو بن الحارث الأعرج ومدحه بالقصيدة اللامية وأتى بالقصة أتم من هذه الرواية قال أبو عمرو قال حسان بن ثابت قدمت على عمرو بن الحارث فاعتاص الوصول علي إليه فقلت للحاجب بعد مدة إن أذنت لي عليه وإلا هجوت اليمن كلها ثم انقلبت عنكم فأذن لي فدخلت عليه فوجدت عنده النابغة وهو جالس عن يمينه وعلقمة بن عبدة وهو جالس عن يساره فقال لي يا ابن الفريعة قد عرفت عيصك ونسبك في غسان فارجع فإني باعث إليك بصلة سنية ولا أحتاج إلى الشعر فإني أخاف عليك هذين السبعين النابغة وعلقمة أن يفضحاك وفضيحتك فضيحتي وأنت والله لا تحسن أن تقول - طويل - ( رِقاقُ النِّعال طَيِّبٌ حُجُزاتُهُمْ ... يُحَيَّوْن بالريحانِ يوم السَّباسِب ) فأبيت وقلت لا بد منه فقال ذاك إلى عميك فقلت لهما بحق الملك إلا قدمتماني عليكما فقالا قد فعلنا فقال عمرو بن الحارث هات يا ابن الفريعة فأنشأت - كامل - ( أسألْتَ رسمَ الدَّارِ أم لم تَسْأَلِ ... بَينَ الحوانِي فالبَضيعِ فَحَوملِ ) فقال فلم يزل عمرو بن الحارث يزحل عن موضعه سروراً حتى شاطر البيت وهو يقول هذا وأبيك الشعر لا ما تعللاني به منذ اليوم هذه والله البتارة التي قد بترت المدائح أحسنت يا ابن الفريعة هات له يا غلام ألف دينار مرجوحة وهي التي في كل دينار عشرة دنانير فأعطيت ذلك ثم قال لك عليّ في كل سنة مثلها ثم أقبل على النابغة فقال قم يا زياد فهات الثناء المسجوع فقام النابغة فقال ألا أنعم صباحاً أيها الملك المبارك السماء غطاؤك والأرض وطاؤك ووالداي فداؤك والعرب وقاؤك والعجم حماؤك والحكماء جلساؤك والمداره سمارك والمقاول إخوانك والعقل شعارك والحلم دثارك والسكينة مهادك والوقار غشاؤك والبر وسادك والصدق رداؤك واليمن حذاؤك والسخاء ظهارتك والحمية بطانتك والعلاء علايتك وأكرم الأحياء أحياؤك وأشرف الأجداد أجدادك وخير الآباء آباؤك وأفضل الأعمام أعمامك وأسرى الأخوال أخوالك وأعف النساء حلائلك وأفخر الشبان أبناؤك وأطهر الأمهات أمهاتك وأعلى البنيان بنيانك وأعذب المياه أمواهك وأفيح الدارات داراتك وأنزه الحدائق حدائقك وأرفع اللباس لباسك قد حالف الإضريج عاتقيك ولاءم المسك مسكك وجاور العنبر ترائبك وصاحب النعيم جسدك العسجد آنيتك واللجين صحافك والعصب مناديلك والحوارى طعامك والشهد إدامك واللذات غذاؤك والخرطوم شرابك والأبكار مستراحك والأشراف مناصفك والخير بفنائك والشر بساحة أعدائك والنصر منوط بلوائك والخذلان مع ألوية حسادك والبر فعلك قد طحطح عدوك غضبك وهزم مغايبهم مشهدك وسار في الناس عدلك وشسع بالنصر ذكرك وسكن قوارع الأعداء ظفرك الذهب عطاؤك والدواة رمزك والأوراق لحظك وإطراقك وألف دينار مرجوحة إنماؤك أيفاخرك المنذر اللخمي فوالله لقفاك خير من وجهه ولشمالك خير من يمينه ولأخمصك خير من رأسه ولخطاؤك خير من صوابه ولصمتك خير من كلامه ولأمك خير من أبيه ولخدمك خير من قومه فهب لي أسارى قومي واسترهن بذلك شكري فإنك من أشراف قحطان وأنا من سروات عدنان فرفع عمرو رأسه إلى جارية كانت قائمة على رأسه وقال بمثل هذا فليثن على الملوك ومثل ابن الفريعة فليمدحهم وأطلق له أسرى قومه وذكر ابن الكلبي هذه القصة نحو هذا وقال فقال له عمرو اجعل المفاضلة بيني وبين المنذر شعراً فإنه أسير فقال - متقارب - ( ونُبِّئْتُ أنَّ أبا منذرٍ ... يُسامِيك للحدَث الأكبرِ ) ( قَذَالُكَ أحسنُ من وجهِه ... وأمّكَ خيرٌ من المنذرِ ) ( ويُسْراك أجْوَدُ من كفّه اليمينِ فقُولا له أخِّرِ ) وقد ذكر المدائني أن هذه الأبيات والسجع الذي قبلها لحسان وهذا أصح قال أبو عمرو الشيباني لما أسلم جبلة بن الأيهم الغساني وكان من ملوك آل جفنة كتب إلى عمر رضي الله عنه يستأذنه في القدوم عليه فأذن له عمر فخرج إليه في خمسمائة من أهل بيته من عك وغسان حتى إذا كان على مرحلتين كتب إلى عمر يعلمه بقدومه فسر عمر رضوان الله عليه وأمر الناس باستقباله وبعث إليه بأنزال وأمر جبلة مائتي رجل من أصحابه فلبسوا الديباج والحرير وركبوا الخيول معقودة أذنابها وألبسوها قلائد الذهب والفضة ولبس جبلة تاجه وفيه قرطا مارية وهي جدته ودخل المدينة فلم يبق بها بكر ولا عانس إلا تبرجت وخرجت تنظر إليه وإلى زيه فلما انتهى إلى عمر رحب به وألطفه وأدنى مجلسه ثم أراد عمر الحج فخرج معه جبلة فبينا هو يطوف بالبيت وكان مشهوراً بالموسم إذ وطئ إزاره رجل من بني فزارة فانحل فرفع جبلة يده فهشم أنف الفزاري فاستعدى عليه عمر رضوان الله عليه فبعث إلى جبلة فأتاه فقال ما هذا قال نعم يا أمير المؤمنين إنه تعمد حل إزاري ولولا حرمة الكعبة لضربت بين عينيه بالسيف فقال له عمر قد أقررت فإما أن رضي الرجل وإما أن أقيده منك قال جبلة ماذا تصنع بي قال آمر بهشم أنفك كما فعلت قال وكيف ذاك يا أمير المؤمنين وهو سوقة وأنا ملك قال إن الإسلام جمعك وإياه فلست تفضله بشيء إلا بالتقى والعافية قال جبلة قد ظننت يا أمير المؤمنين أني أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية قال عمر دع عنك هذا فإنك إن لم ترض الرجل أقدته منك قال إذاً أتنصر قال إن تنصرت ضربت عنقك لأنك قد أسلمت فإن ارتددت قتلتك فلما رأى جبلة الصدق من عمر قال أنا ناظر في هذا ليلتي هذه وقد اجتمع بباب عمر من حي هذا وحي هذا خلق كثير حتى كادت تكون بينهم فتنة فلما أمسوا أذن له عمر في الانصراف حتى إذا نام الناس وهدؤوا تحمل جبلة بخيله ورواحله إلى الشأم فأصبحت مكة وهي منهم بلاقع فلما انتهى إلى الشأم تحمل في خمسمائة رجل من قومه حتى أتى القسطنطينية فدخل إلى هرقل فتنصر هو وقومه فسر هرقل بذلك جداً وظن أنه فتح من الفتوح عظيم وأقطعه حيث شاء وأجرى عليه من النزل ما شاء وجعله من محدثيه وسماره هكذا ذكر أبو عمرو وذكر ابن الكلبي أن الفزاري لما وطئ إزار جبلة لطم جبلة كما لطمه فوثبت غسان فهشموا أنفه وأتوا به عمر ثم ذكر باقي الخبر نحو ما ذكرناه وذكر الزبير بن بكار فيما أخبرنا به الحرمي بن أبي العلاء عنه أن محمد بن الضحاك حدثه عن أبيه أن جبلة قدم على عمر رضي الله عنه في ألف من أهل بيته فأسلم قال وجرى بينه وبين رجل من أهل المدينة كلام فسب المديني فرد عليه فلطمه جبلة فلطمه المديني فوثب عليه أصحابه فقال دعوه حتى أسأل صاحبه وأنظر ما عنده فجاء إلى عمر فأخبره فقال إنك فعلت به فعلاً ففعل بك مثله قال أو ليس عندك من الأمر إلا ما أرى قال لا فما الأمر عندك يا جبلة قال من سبنا ضربناه ومن ضربنا قتلناه قال إنما أنزل القرآن بالقصاص فغضب وخرج بمن معه ودخل أرض الروم فتنصر ثم ندم وقال - طويل - ( تنصَّرتِ الأشرافُ من عارِ لطمةٍ ... ) وذكر الأبيات وزاد فيها بعد طويل ( ويا ليتَ لي بالشأم أدنَى معيشةٍ ... أجالسُ قومي ذاهبَ السمعِ والبصَرْ ) ( أدين بما دانوا به من شريعةٍ ... وقد يحبس العَوْد الضَّجور على الدَّبَرْ ) وذكر باقي خبره فيما وجه به إلى حسان مثله وزاد فيه أن معاوية لما ولي بعث إليه فدعاه إلى الرجوع إلى الإسلام ووعده إقطاع الغوطة بأسرها فأبى ولم يقبل ثم إن عمر رضي الله عنه بدا له أن يكتب إلى هرقل يدعوه إلى الله جل وعز وإلى الإسلام ووجه إليه رجلا من أصحابه وهو جثامة بن مساحق الكناني فلما انتهى إليه الرجل بكتاب عمر أجاب إلى كل شيء سوى الإسلام فلما أراد الرسول الانصراف قال له هرقل هل رأيت ابن عمك هذا الذي جاءنا راغباً في ديننا قال لا قال فالقه قال الرجل فتوجهت إليه فلما انتهيت إلى بابه رأيت من البهجة والحسن والسرور ما لم أرَ بباب هرقل مثله فلما أدخلت عليه إذا هو في بهو عظيم وفيه من التصاوير ما لا أحسن وصفه وإذا هو جالس على سرير من قوارير قوائمه أربعة أسد من ذهب وإذا هو رجل أصهب سبال وعثنون وقد أمر بمجلسه فاستقبل به وجه الشمس فما بين يديه من آنية الذهب والفضة يلوح فما رأيت أحسن منه فلما سلمت رد السلام ورحب بي وألطفني ولامني على تركي النزول عنده ثم أقعدني على شيء لم أثبته فإذا هو كرسي من ذهب فانحدرت عنه فقال مالك فقلت إن رسول الله نهى عن هذا فقال جبلة أيضاً مثل قولي في النبي حين ذكرته وصلى عليه ثم قال يا هذا إنك إذا طهرت قلبك لم يضرك ما لبسته ولا ما جلست عليه ثم سألني عن الناس وألحف في السؤال عن عمر ثم جعل يفكر حتى رأيت الحزن في وجهه فقلت ما يمنعك من الرجوع إلى قومك والإسلام قال أبعد الذي قد كان قلت قد ارتد الأشعث بن قيس ومنعهم الزكاة وضربهم بالسيف ثم رجع إلى الإسلام فتحدثنا ملياً ثم أومأ إلى غلام على رأسه فولى يحضر فما كان إلا هنيهة حتى أقبلت الأخونة يحملها الرجال فوضعت وجيء بخوان من ذهب فوضع أمامي فاستعفيت منه فوضع أمامي خوان خلنج وجامات قوارير وأديرت الخمر فاستعفيت منها فلما فرغنا دعا بكأس من ذهب فشرب به خمساً عدداً ثم أومأ إلى غلام فولى يحضر فما شعرت إلا بعشر جوار يتكسرن في الحلي فقعد خمس عن يمينه وخمس عن شماله ثم سمعت وسوسة من ورائي فإذا أنا بعشر أفضل من الأول عليهن الوشي والحلي فقعد خمس عن يمينه وخمس عن شماله وأقبلت جارية على رأسها طائر أبيض كأنه لؤلؤة مؤدب وفي يدها اليمنى جام فيه مسك وعنبر قد خلطا وأنعم سحقهما وفي اليسرى جام وفيه ماء ورد فألقت الطائر في ماء الورد فتمعك بين جناحيه وظهره وبطنه ثم أخرجته فألقته في جام المسك والعنبر فتمعك فيها حتى لم يدع فيها شيئاً ثم نفرته فطار فسقط على تاج جبلة ثم رفرف ونفض ريشه فما بقي عليه شيء إلا سقط على رأس جبلة ثم قال للجواري أطربنني فخفقن بعيدانهن يغنين - كامل - ( لله دَرُّ عصابةٍ نادَمْتُهُمْ ... يوماً بجِلِّقَ في الزمان الأوّلِ ) ( بِيضِ الوجوه كريمة أحسابُهُمْ ... شُمِّ الأنوف من الطِّرازِ الأوّل ) ( يُغْشَونَ حتّى ما تَهِرُّ كلابُهُمْ ... لا يسألون عن السَّواد المقبل ) فاستهل واستبشر وطرب ثم قال زدنني فاندفعن يغنين خفيف ( لمن الدارُ أقفرَتْ بمعَانِ ... بين شاطِي اليرموك فالصَّمَّان ) ( فَحِمى جاسمٍ فأبنية الصُّفَر ... مَغْنَى قنابلٍ وهِجان ) ( فالقُرُيّاتِ من بَلاسَ فدارَ ... يَّا فَسكَّاءَ فالقصورِ الدوانِي ) ( ذاكَ مغْنىً لآل جفنةَ في الدَّارِ ... وحَقٌّ تعاقُبُ الأزمان ) ( قد دنا الفِصْحُ فالولائدَ يَنْظِمْنَ ... سِراعاً أكِلّةَ المَرْجان ) ( لم يُعلَّلْنَ بالمغافير والصَّمغ ... ولا نَقْفِ حَنظل الشِّريان ) ( قد أُرانِي هناكَ حقّاً مكينا ... عند ذي التاج مَقْعدِي ومكاني ) فقال أتعرف هذه المنازل قلت لا قال هذه منازلنا في ملكنا بأكناف دمشق وهذا شعر ابن الفريعة حسان بن ثابت شاعر رسول الله قلت أما إنه مضرور البصر كبير السن قال يا جارية هاتي فأتته بخمسمائة دينار وخمسة أثواب من الديباج فقال ادفع هذا إلى حسان وأقرئه مني السلام ثم أرادني على مثلها فأبيت فبكى ثم قال لجواريه أبكينني فوضعن عيدانهن وأنشأن يقلن - طويل - ( تنصَّرَتِ الأشرافُ من عارِ لطمةٍ ... وما كان فيها لو صَبرْتُ لها ضَرَرْ ) ( تكنَّفني فيها لجَاجٌ ونَخوةٌ ... وبِعْتُ بها العيْنَ الصحيحةَ بالعَوَرْ ) ( فيا ليتَ أمِّي لم تَلِدْني وليتني ... رجَعْتُ إلى القول الذي قال لي عُمَرْ ) ( ويا ليتني أرعَى المخاضَ بقَفْرَةٍ ... وكنتُ أسيراً في ربيعةَ أو مُضر ) ( ويا ليت لي بالشأم أدنى معيشةٍ ... أجالِسُ قومي ذاهبَ السَّمْعِ والبَصَرْ ) ثم بكى وبكيت معه حتى رأيت دموعه تجول على لحيته كأنها اللؤلؤ ثم سلمت عليه وانصرفت فلما قدمت على عمر سألني عن هرقل وجبلة فقصصت عليه القصة من أولها إلى آخرها فقال أورأيت جبلة يشرب الخمر قلت نعم قال أبعده الله تعجل فانية اشتراها بباقية فما ربحت تجارته فهل سرح معك شيئاً قلت سرح إلى حسان خمسمائة دينار وخمسة أثواب ديباج فقال هاتها وبعث إلى حسان فأقبل يقوده قائده حتى دنا فسلم وقال يا أمير المؤمنين إني لأجد أرواح آل جفنة فقال عمر رضي الله عنه قد نزع الله تبارك وتعالى لك منه على رغم أنفه وأتاك بمعونة فانصرف عنه وهو يقول 6 - كامل - ( إنَّ ابنَ جفنةَ من بقيّة مَعْشَرٍ ... لم يَغْذُهُمْ آباؤهُمْ باللُّومِ ) ( لم يَنسنِي بالشَّأم إذ هو ربُّها ... كَلاَّ ولا متنصِّراً بالروم ) ( يُعطِي الجزيلَ ولا يَراه عنده ... إلاَّ كبعض عطيّةِ المَذْمُوم ) ( وأتيْتُه يوماً فقرَّب مجلسِي ... وسقَى فروَّاني من الخُرطومِ ) فقال له رجل في مجلس عمر أتذكر قوماً كانوا ملوكاً فأبادهم الله وأفناهم فقال ممن الرجل قال مزني قال أما والله لولا سوابق قومك مع رسول الله لطوقتك طوق الحمامة وقال ما كان خليلي ليخل بي فما قال لك قال قال إن وجدته حياً فادفعها إليه وإن وجدته ميتاً فاطرح الثياب على قبره وابتع بهذه الدنانير بدنا فانحرها على قبره فقال حسان ليتك وجدتني ميتاً ففعلت ذلك بي أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال قال لي عبد الرحمن بن عبد الله الزبيري قال الرسول الذي بعث به إلى جبلة ثم ذكر قصته مع الجارية التي جاءت بالجامين والطائر الذي تمعك فيهما وذكر قول حسان ( إنَّ ابنَ جفنةَ من بقيّة مَعْشَرٍ ... ) - كامل - ولم يذكر غير ذلك هكذا روى أبو عمرو في هذا الخبر وقد أخبرني به أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال قال عبد الله بن مسعدة الفزاري وجهني معاوية إلى ملك الروم فدخلت عليه فإذا عنده رجل على سرير من ذهب دون مجلسه فكلمني بالعربية فقلت من أنت يا عبد الله قال أنا رجل غلب عليه الشقاء أنا جبلة بن الأيهم إذا صرت إلى منزلي فالقني فلما انصرف وانصرفت أتيته في داره فألفيته على شرابه وعنده قينتان تغنيانه بشعر حسان بن ثابت - خفيف - ( قد عَفا جاسمٌ إلى بيت رأسٍ ... فالحوانِي فجانب الجَوْلان ) وذكر الأبيات فلما فرغتا من غنائهما أقبل علي ثم قال ما فعل حسان بن ثابت قلت شيخ كبير قد عمي فدعا بألف دينار فدفعها إليّ وأمرني أن أدفعها إليه ثم قال أترى صاحبك يفي لي إن خرجت إليه قال قلت قل ما شئت أعرضه عليه قال يعطيني الثنية فإنها كانت منازلنا وعشرين قرية من الغوطة منها دارياً وسكاء ويفرض بجماعتنا ويحسن جوائزنا قال قلت أبلغه فلما قدمت على معاوية قال وددت أنك أجبته إلى ما سأل فأجزته له وكتب إليه معاوية يعطيه ذلك فوجده قد مات قال وقدمت المدينة فدخلت مسجد رسول الله فلقيت حسان فقلت يا أبا الوليد صديقك جبلة يقرأ عليك السلام فقال هات ما معك قلت وما علمك أن معي شيئاً قال ما أرسل إليّ بالسلام قط إلا ومعه شيء قال فدفعت إليه المال أخبرني إبراهيم بن محمد بن أيوب قال حدثنا عبد الله بن مسلم قال حدثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه عن أهل المدينة قالوا بعث جبلة إلى حسان بخمسمائة دينار وكسى وقال للرسول إن وجدته قد مات فابسط هذه الثياب على قبره فجاء فوجده حياً فأخبره فقال لوددت أنك وجدتني ميتاً نسبة ما في هذه الأخبار من الأغاني صوت طويل ( تنصَّرتِ الأشرافُ من عارِ لطمةٍ ... وما كانَ فيها لو صَبَرْتُ لها ضَررْ ) الأبيات الخمسة الشعر لجبلة بن الأيهم والغناء لعريب نصب خفيف وبسيط رمل بالوسطى ومنها - كامل - صوت ( إنَّ ابن جفنةَ من بقيةِ مَعْشَرٍ ... لم يَغْذُهُمْ آباؤهُمْ باللُّومِ ) الأبيات الأربعة الشعر لحسان بن ثابت والغناء لعريب هزج بالبنصر أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا عمي يوسف بن محمد قال حدثني عمي إسماعيل بن أبي محمد قال قال الواقدي حدثني محمد بن صالح قال كان حسان بن ثابت يغدو على جبلة بن الأيهم سنة ويقيم سنة في أهله فقال لو وفدت على الحارث بن أبي شمر الغساني فإن له قرابة ورحماً بصاحبي وهو أبذل الناس للمعروف وقد يئس مني أن أفد عليه لما يعرف من انقطاعي إلى جبلة قال فخرجت في السنة التي كنت أقيم فيها بالمدينة حتى قدمت على الحارث وقد هيأت له مديحاً فقال لي حاجبه وكان لي ناصحاً إن الملك قد سر بقدومك عليه وهو لا يدعك حتى تذكر جبلة فإياك أن تقع فيه فإنه إنما يختبرك وإن رآك قد وقعت فيه زهد فيك وإن رآك تذكر محاسنه ثقل عليه فلا تبتدئ بذكره وإن سألك عنه فلا تطنب في الثناء عليه ولا تعبه امسح ذكره مسحاً وجاوزه إلى غيره فإن صاحبك يعني جبلة أشد إغضاء عن هذا من هذا أي أشد تغافلاً وأقل حفلاً به وذلك أن صاحبك أعقل من هذا وأبين وليس لهذا بيان فإذا دخلت عليه فسوف يدعوك إلى الطعام وهو رجل يثقل عليه أن يؤكل طعامه ولا يبالي الدرهم والدينار ويثقل عليه أن يشرب شرابه أيضاً فإذا وضع طعامه فلا تضع يدك حتى يدعوك وإذا دعاك فأصب من طعامه بعض الإصابة قال فشكرت لحاجبه ما أمرني به قال ثم دخلت عليه فسألني عن البلاد وعن الناس وعن عيشنا بالحجاز وعن رجال يهود وكيف ما بيننا من تلك الحروب فكل ذلك أخبره حتى انتهى إلى ذكر جبلة فقال كيف تجد جبلة فقد انقطعت إليه وتركتنا فقلت إنما جبلة منك وأنت منه فلم أجر إلى مدح ولا عيب وجاز ذلك إلى غيره ثم قال الغداء فأتي بالغداء ووضع الطعام فوضع يده فأكل أكلاً شديداً وإذا رجل جبار فقال بعد ساعة ادن فأصب من هذا فدنوت فخططت تخطيطاً فأتي بطعام كثير ثم رفع الطعام وجاء وُصفاءُ كثير عددهم معهم الأباريق فيها ألوان الأشربة ومعهم مناديل اللين فقاموا على رؤوسنا ودعا أصحاب برابط من الروم فأجلسهم وشرب فألهوه وقام الساقي على رأسي فقال اشرب فأبيت حتى قال هو اشرب فشربت فلما أخذ فينا الشراب أنشدته شعراً فأعجبه ولذ به فأقمت عنده أياماً فقال لي حاجبه إن له صديقاً هو أخف الناس عليه وهو جاء فإذا هو جاء جفاك وخلص به وقد ذكر قدومه فاستأذنه قبل أن يقدم عليه فإنه قبيح أن يجفوك بعد الإكرام والإذن اليوم أحسن قلت ومن هو قال نابغة بني ذبيان فقلت للحارث إن رأى الملك أن يأذن لي في الانصراف إلى أهلي فعل قال قد أذنت لك وأمرت لك بخمسمائة دينار وكسى وحملان فقبضتها وقدم النابغة وخرجت إلى أهلي صوت طويل ( ألا إنّ لَيلَى العامريّةَ أصبحَتْ ... على النأي منِّي ذنبَ غيريَ تنقِمُ ) ( وما ذاك من شيءٍ أكونُ اجترمته ... إليها فتجزيني به حيثُ أعلم ) ( ولكن إنساناً إذا مَلَّ صاحباً ... وحاول صَرْماً لم يزل يتجرّم ) ( وما زال بي ما يُحدِث النأيُ والذي ... أعالج حتَّى كدْتُ بالعيش أبْرَمُ ) ( وما زال بي الكِتْمانُ حتّى كأنني ... بِرَجْعِ جَوابِ السائِلي عنك أعجمُ ) ( لأسلمَ من قول الوُشاةِ وتسلمي ... سَلِمْتِ وهل حيٌّ من الناس يسلمُ ) عروضه من الطويل الشعر لنصيب ومن الناس من يروي الثلاثة الأبيات الأول للمجنون والغناء لبديح مولى عبد الله بن جعفر رحمهما الله وفي الأبيات الأول منها ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي وحبش وذكر حماد بن إسحاق ولم يجنسه وفيه لابن سريج هزج خفيف بالبنصر في مجراها عن إسحاق في البيتين الأخيرين وفيه لمعبد في البيتين الأولين خفيف ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق 12 - خبر بديح في هذا الصوت وغيره بديح مولى عبد الله بن جعفر وكان يقال له بديح المليح وله صنعة يسيرة وإنما كان يغني أغاني غيره مثل سائب خاثر ونشيط وطويس وهذه الطبقة وقد روى بديح الحديث عن عبد الله بن جعفر أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا العباس بن محمد الدوري قال حدثنا أبو عاصم النبيل عن جويرية بن أسماء عن عيسى بن عمر بن موسى عن بديح مولى عبد الله بن جعفر قال لما قدم يحيى بن الحكم المدينة دخل إليه عبد الله بن جعفر في جماعة فقال له يحيى جئتني بأوباش من أوباش خبثة فقال عبد الله سماها رسول الله طيبة وتسميها أنت خبثة أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال قال داود بن جميل حدثني من سمع هذا الحديث من ابن العتبي يذكره عن أبيه قال دخل عبد الله بن جعفر على عبد الملك بن مروان وهو يتأوه فقال يا أمير المؤمنين لو أدخلت عليك من يؤنسك بأحاديث العرب وفنون الأسمار قال لست صاحب هزل والجد مع علتي أحجى بي قال وما علتك يا أمير المؤمنين قال هاج بي عرق النسا في ليلتي هذه فبلغ مني قال فإن بديحاً مولاي أرقى الناس منه فوجه إليه عبد الملك فلما مضى الرسول سقط في يدي ابن جعفر وقال كذبة قبيحة عند خليفة فما كان بأسرع من أن طلع بديح فقال كيف رقيتك من عرق النسا قال أرقى الخلق يا أمير المؤمنين قال فسري عن عبد الله لأن بديحاً كان صاحب فكاهة يعرف بها فمد رجله فتفل عليها ورقاها مراراً فقال عبد الملك الله أكبر وجدت والله خفاً يا غلام ادع فلانة حتى تكتب الرقية فإنا لا نأمن هيجها بالليل فلا نذعر بديحاً فلما جاءت الجارية قال بديح يا أمير المؤمنين امرأته الطلاق إن كتبتها حتى تعجل حبائي فأمر له بأربعة آلاف درهم فلما صار المال بين يديه قال وامرأته الطلاق إن كتبتها أو يصير المال إلى منزلي فأمر به فحمل إلى منزله فلما أحرزه قال يا أمير المؤمنين امرأته الطلاق إن كنت قرأت على رجلك إلا أبيات نصيب - طويل - ( ألا إنّ لَيلَى العامريّةَ أصبحَتْ ... على النأي منِّي ذَنْبَ غيرِيَ تنقِمُ ) وذكر الأبيات وزاد فيها ( وما زلْتُ أستصفِي لكِ الودّ أبتغي ... مُحاسَنةً حتَّى كأنّي مُجْرِمُ ) قال ويلك ما تقول قال امرأته الطلاق إن كان رقاك إلا بما قال قال فاكتمها علي قال وكيف ذاك وقد سارت بها البرد إلى أخيك بمصر فطفق عبد الملك ضاحكاً يفحص برجليه أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني الأصمعي عن المنتجع النبهاني عن أبيه بهذا الخبر مثل الذي قبله وزاد في الشعر - طويل - ( فلا تصرِميني حينَ لا لِيَ مَرجِعٌ ... ورائي ولا لي عنكُمُ متقدَّمُ ) وقال فيه فسكن ما كان يجده عبد الملك وأمر لبديح بأربعة آلاف درهم فقال ابن جعفر لبديح ما سمعت هذا الغناء منك مذ ملكتك فقال هذا من نتف سائب خاثر أخبرني إسماعيل قال حدثنا عمر قال حدثني القاسم بن محمد بن عباد عن الأصمعي عن ابن أبي الزناد عن نافع أراه نافع الخير مولى ابن جعفر بهذا الخبر مثله وزاد فيه أن بديحا رفع صوته يغنيه به لما قال له أن يكتب الرقية وزاد فيه فجعل عبد الملك يقول مهلاً يا بديح فقال إنما رقيتك كما علمت يا أمير المؤمنين أخبرني إسماعيل قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو سلمة الغفاري عن عبد الله بن عمران بن أبي فروة قال كان ابن جعفر يحب أن يسمع عبد الملك غناء بديح فدخل إليه يوماً فشكا إليه عبد الملك ركبته فقال له ابن جعفر يا أمير المؤمنين إن لي مولى كانت أمه بربرية وكانت ترقي من هذه العلة وقد أخذ ذلك عنها قال فادع به فدعي بديح فجعل يتفل على ركبة عبد الملك ويهمهم ثم قال قم يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك فقام عبد الملك لا يجد شيئاً فقال عبد الله يا أمير المؤمنين مولاك لا بد له من صلة قال حتى تكتب رقيته ثم أمر جارية له فكتبت بسم الله الرحمن الرحيم فقال ليس فيها بسم الله الرحمن الرحيم قال كيف تكون ويلك رقية ليس فيها بسم الله الرحمن الرحيم قال فهو ذاك قال فاكتبيها على ما فيها فأملى عليها - طويل ( ديارَ سُليمى بين عَيقة فالمُهدِي ... سُقِيتِ وإن لم تَنطقي سَبَل الرَّعْدِ ) ثم قال له ابن جعفر لو سمعته منه قال أويجيد قال نعم قال هات فما برح والله حتى أفرغها في مسامعه أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله قال حدثني سليمان بن أبي شيخ قال كنا عند أبي نعيم الفضل بن دكين فجاءه رجل فقال يا أبا نعيم إن الناس يزعمون أنك رافضي قال فأطرق ساعة ثم رفع رأسه وهو يبكي وقال يا هذا أصبحت فيكم كما قال نصيب - طويل - ( وما زال بي الكِتمان حتى كأنني ... بِرَجْعِ جوابِ السَّائلِي عنكِ أَعْجَمُ ) ( لأسلَم من قول الوُشاةِ وتَسلمي ... سَلِمْتِ وهل حيٌّ من الناس يَسْلمُ ) صوت رمل ( يا غرابَ البَيْنِ أسْمعْتَ فقٌلْ ... إنّما تنطق شيئاً قد فُعِلْ ) ( إنَّ للخيرِ وللشّرّ مَدىً ... لِكلا ذَيْنِكَ وقتٌ وأجَلْ ) ( كلُّ بؤسٍ ونعيمٍ زائلٌ ... وبنات الدهرِ يَلعبْنَ بكلّ ) ( والعَطِيّاتُ خِساسٌ بينهمْ ... وسواءٌ قبرُ مُثْرٍ ومُقِلّ ) الشعر لعبد الله بن الزبعرى السهمي يقوله في غزاة أحد وهو يومئذ مشرك والغناء لابن سريج خفيف ثقيل أول بالبنصر عن عمرو على مذهب إسحاق وفيه لحن لابن مسجح من رواية حماد عن أبيه في كتاب ابن مسحج 13 - نسب ابن الزبعرى وأخباره وقصة غزوة أحد هو عبد الله بن الزبعرى بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار وهو أحد شعراء قريش المعدودين وكان يهجو المسلمين ويحرض عليهم كفار قريش في شعره ثم أسلم بعد ذلك فقبل النبي إسلامه وأمنه يوم الفتح وهذه الأبيات يقولها ابن الزبعرى في غزوة أحد حدثنا بالخبر في ذلك محمد بن جرير الطبري قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمرو بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا كلهم قد حدث ببعض هذا الحديث فقد اجتمع حديثهم كلهم فيما سقت من الحديث عن يوم أحد قالوا لما أصيبت قريش أو من قاله منهم يوم بدر من كفار قريش من أصحاب القليب فرجع فلهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بن حرب بعيره مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كان له في تلك العير من قريش تجارة فقال أبو سفيان يا معشر قريش إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا أن ندرك ثأراً ممن أصيب منا ففعلوا فاجتمعت قريش لحرب رسول الله حين فعل ذلك أبو سفيان وأصحاب العير بأحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة وكل أولئك قد استغووا على حرب رسول الله وكان أبو عزة عمرو ابن عبد الله الجمحي قد منّ عليه رسول الله يوم بدر وكان في الأسارى فقال يا رسول الله إني فقير ذو عيال وحاجة قد عرفتها فامنن علي صلى الله عليك فمن عليه رسول الله فقال صفوان بن أمية يا أبا عزة إنك امرؤ شاعر فاخرج معنا فأعنا بنفسك فقال إن محمداً قد من علي فلا أريد أن أظاهر عليه فقال بلى فأعنا بنفسك ولك الله إن رجعت أن أعينك وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر أو يسر فخرج أبو عزة يسير في تهامة ويدعو بني كنانة وخرج مسافع بن عبدة بن وهب بن حذافة بن جمح إلى بني مالك بن كنانة يحرضهم ويدعوهم إلى حرب رسول الله ودعا جبير بن مطعم غلاماً يقال له وحشي وكان حبشياً يقذف بحربة له قذف الحبشة قلما يخطئ بها فقال اخرج مع الناس فإن أنت قتلت عم محمد بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق وخرجت قريش بحدها وأحابيشها ومن معها من بني كنانة وأهل تهامة وخرجوا بالظعن التماس الحفيظة ولئلا يفروا وخرج أبو سفيان بن حرب وهو قائد الناس معه هند بنت عتبة بن ربيعة وخرج عكرمة بن أبي جهل بن هشام ابن المغيرة وخرج صفوان بن أمية بن خلف ببرزة وقيل ببرة من قول أبي جعفر بنت مسعود بن عمرو بن عمير الثقفية وهي أم عبد الله بن صفوان وخرج عمرو ابن العاص وخرج طلحة بن أبي طلحة وأبو طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بسلافة بنت سعد بن سهيل وهي أم بني طلحة مسافع والجلاس وكلاب قتلوا يومئذ وأبوهم وخرجت خناس بنت مالك بن المضرب إحدى نساء بني مالك بن حسل مع ابنها أبي عزة بن عمير وهي أم مصعب بن عمير وخرجت عمرة بنت علقمة إحدى نساء بني الحارث بن عبد مناة ابن كنانة وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة إذا مرت بوحشي أو مر بها قالت إيه أبا دسمة اشتف فنزلوا ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مما يلي المدينة فلما سمع بهم رسول الله والمسلمون قد نزلوا حيث نزلوا قال رسول الله للمسلمين ( إني قد رأيت بقراً تذبح فأولتها خيراً ورأيت في ذباب سيفي ثلما ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة وهي المدينة فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فإن أقاموا أقاموا بشر مقام وإن هم دخلوا علينا فيها قاتلناهم ) ونزلت قريش منزلها من أحد يوم الأربعاء فأقاموا به ذلك اليوم ويوم الخميس ويوم الجمعة وراح رسول الله حين صلى الجمعة فأصبح بالشعب من أحد فالتقوا يوم السبت للنصف من شوال وكان رأي عبد الله بن أبي بن سلول مع رأي رسول الله يرى رأيه في ذلك أن لا يخرج إليهم وكان رسول الله يكره الخروج من المدينة فقال رجال من المسلمين ممن أكرم الله جل ثناؤه بالشهادة يوم أحد وغيرهم ممن فاته بدر وحضوره يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا فقال عبد الله بن أبي ابن سلول يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم فوالله ما خرجنا منها إلى عدو قط إلا أصاب منا ولا يدخلها علينا إلا أصبنا منهم فدعهم يا رسول الله فإن أقاموا أقاموا بشر مجلس وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوق رؤوسهم وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاؤوا فلم يزل برسول الله الذين كان من أمرهم حب لقاء العدو حتى دخل رسول الله فلبس لأمته وذلك يوم الجمعة حين فرغ رسول الله من الصلاة وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال له مالك بن عمرو أحد بني النجار فصلى عليه رسول الله ثم خرج عليهم وقد ندم الناس وقالوا استكرهنا رسول الله ولم يكن ذلك لنا فخرج رسول الله عليهم فقالوا يا رسول الله استكرهناك ولم يكن ذلك لنا فإن شئت فاقعد صلى الله عليك فقال عليه السلام ( ما ينبغي لنبي لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل ) قال فخرج رسول الله في ألف رجل من أصحابه حتى إذا كانوا بالشوط بين أحد والمدينة انخزل عنه عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث الناس وقال أطاعهم فخرج وعصاني والله ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه من أهل النفاق والريب واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أحد بني سلمة يقول يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوهم فقالوا لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكنا لا نرى أنه يكون قتال فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف قال أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عز و جل عنكم وقال محمد بن عمر الواقدي انخزل عبد الله بن أبي عن رسول الله من لشيخين بثلاثمائة فبقي رسول الله في سبعمائة وكان المشركون في ثلاثة آلاف والخيل مائتا فارس والظعن خمس عشرة امرأة قال وكان في المشركين سبعمائة دارع ولم يكن معهم من الخيل إلا فرسان فرس لرسول الله وفرس لأبي بردة بن نيار الحارثي فادلج رسول الله من الشيخين حتى طلع الحمراء وهما أطمان كان يهودي ويهودية أعميان يقومان عليهما فيتحدثان فلذلك سميا الشيخين وهما في طرف المدينة قال وعرض رسول الله المقاتلة بعد المغرب فأجاز من أجاز ورد من رد قال وكان فيمن رد زيد بن ثابت وأبو عمرو أسيد بن ظهير والبراء بن عازب وعرابة بن أوس قال وهو عرابة الذي قال فيه الشماخ - وافر - ( إذا ما رايةٌ رُفِعَتْ لمجدٍ ... تَلقَّاها عَرَابةُ باليمينِ ) قال ورد أبا سعيد الخدري وأجاز سمرة بن جندب ورافع بن خديج وكان رسول الله قد استصغر رافعاً فقام على خفين له فيهما رقاع وتطاول على أطراف أصابعه فلما رآه رسول الله أجازه قال محمد بن جرير فحدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال كانت أم سمرة تحت مري بن سنان بن ثعلبة عم أبي سعيد الخدري وكان ربيبه فلما خرج رسول الله إلى أحد وعرض أصحابه فرد من استصغر رد سمرة بن جندب وأجاز رافع بن خديج فقال سمرة لربيبه مري ابن سنان أجاز رافعاً وردني وأنا أصرعه فقال يا رسول الله رددت ابني وأجزت رافع بن خديج وابني يصرعه فقال النبي لرافع وسمرة اصطرعا فصرع سمرة رافعاً فأجازه رسول الله فشهدها مع المسلمين وكان دليل النبي أبو خيثمة الحارثي رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق ومضى رسول الله حتى سلك في حرة بني حارثة فذب فرس بذنبه فأصاب كلاب سيف فاستله فقال رسول الله وكان يحب الفأل ولا يعتاف لصاحب السيف ( شم سيفك فإني أرى السيوف ستستل اليوم ) ثم قال رسول الله لأصحابه ( من رجل يخرج بنا على القوم من كثب من طريق لا يمر بنا عليهم ) فقال أبو خيثمة أخو بني حارثة بن الحارث أنا يا رسول الله فقدمه فنفذ به في حرة بني حارثة وبين أموالهم حتى سلك به في مال المربع بن قيظي وكان رجلاً منافقاً ضرير البصر فلما سمع حس رسول الله ومن معه من المسلمين قام يحثي التراب في وجوههم ويقول إن كنت رسول الله فلا أحل لك أن تدخل حائطي قال وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من تراب في يده ثم قال لو أني أعلم أني لا أصيب بها غيرك لضربت بها وجهك فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله ( لا تفعلوا بهذا الأعمى البصر الأعمى القلب ) وقد بدر إليه سعد بن زيد أخو بني عبد الأشهل حين نهى رسول الله عنه فضربه بالقوس في رأسه فشجه ومضى رسول الله على وجهه حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل فجعل ظهره وعسكره إلى أحد وقال لا يقاتلن أحد أحداً حتى نأمره بالقتال وقد سرحت قريش الظهر والكراع في زروع كانت بالصمغة من قناة للمسلمين فقال رجل من المسلمين حين نهى رسول الله عن القتال أترعى زروع بني قيلة ولما نضارب وتعبى رسول الله وهو في سبعمائة رجل وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف ومعهم مائتا فارس قد جنبوا خيولهم فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل وأمر رسول الله على الرماة عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف وهو يومئذ معلم بثياب بيض والرماة خمسون رجلاً وقال انضح عنا الخيل بالنبل لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبت بمكانك لا نؤتين من قبلك وظاهر رسول الله بين درعين قال محمد بن جرير فحدثنا هارون بن إسحاق قال حدثنا مصعب بن المقدام قال حدثنا أبو إسحاق عن البراء قال لما كان يوم أحد ولقي رسول الله المشركين أجلس رسول الله رجالاً بإزاء الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال لهم ( لا تبرحوا مكانكم وإن رأيتمونا ظهرنا عليهم وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا ) فلما لقي القوم هزم المشركين حتى رأيت النساء قد رفعن عن سوقهن وبدت خلاخيلهن فجعلوا يقولون الغنيمة الغنيمة فقال عبد الله مهلاً أما علمتم ما عهد إليكم رسول الله فأبوا فانطلقوا فلما أتوهم صرفت وجوههم فأصيب من المسلمين سبعون رجلاً قال محمد بن جرير حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قال أقبل أبو سفيان في ثلاث ليال خلون من شوال حتى نزل أحداً وخرج رسول الله فأذن في الناس فاجتمعوا وأمر الزبير على الخيل ومعه يومئذ المقداد الكندي وأعطى رسول الله الراية رجلاً من قريش يقال له مصعب بن عمير وخرج حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه بالجيش وبعث حمزة بين يديه وأقبل خالد بن الوليد على خيل المشركين ومعه عكرمة بن أبي جهل فبعث رسول الله الزبير وقال استقبل خالد بن الوليد فكن بإزائه حتى أوذنك وأمر بخيل أخرى فكانوا من جانب آخر فقال لا تبرحن حتى أوذنكم وأقبل أبو سفيان يحمل اللات والعزى فأرسل رسول الله إلى الزبير أن يحمل فحمل على خالد بن الوليد فهزمه الله تعالى ومن معه فقال جل وعز ( ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ) إلى قوله تبارك اسمه وتعالى ( من بعد ما أراكم ما تحبون ) وإن الله تعالى وعد المؤمنين النصر وأنه معهم وإن رسول الله بعث ناساً من الناس فكانوا من ورائهم فقال رسول الله كونوا هاهنا فردوا وجه من فر منا وكونوا حرساً لنا من قبل ظهورنا وإنه عليه السلام لما هزم القوم هو وأصحابه قال الذين كانوا جعلوا من ورائهم بعضهم لبعض ورأوا النساء مصعدات في الجبل ورأوا الغنائم انطلقوا إلى رسول الله وأدركوا الغنائم قبل أن تسبقوا إليها وقالت طائفة أخرى بل نطيع رسول الله فنثبت مكاننا فقال ابن مسعود ما شعرت أن أحداً من أصحاب رسول الله كان يريد الدنيا وعرضها حتى كان يومئذ قال محمد بن جرير حدثني محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا أسباط عن السدي قال لما برز رسول الله بأحد إلى المشركين أمر الرماة فقاموا بأصل الجبل في وجوه خيل المشركين وقال لهم لا تبرحوا مكانكم إن رأيتم قد هزمناهم فإنا لا نزال غالبين ما ثبتم مكانكم وأمر عليهم عبد الله بن جبير أخا خوات بن جبير ثم إن طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين قام فقال يا معاشر أصحاب محمد إنكم تزعمون أن الله عز و جل تعجلنا بسيوفكم إلى النار وتعجلكم بسيوفنا إلى الجنة فهل منكم أحد يعجله الله بسيفي إلى الجنة أو يعجلني بسيفه إلى النار فقام إليه علي بن أبي طالب عليه السلام فقال والذي نفسي بيده لا أفارقك حتى يعجلك الله عز و جل بسيفي إلى النار أو يعجلني بسيفك إلى الجنة فضربه علي فقطع رجله فبدت عورته فقال أنشدك الله والرحم يا ابن عم فتركه فكبر رسول الله وقال لعلي وأصحابه ما منعك أن تجهز عليه قال إن ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته فاستحييت منه ثم شد الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود على المشركين فهزماهم وحمل النبي وأصحابه فهزموا أبا سفيان فلما رأى ذلك خالد بن الوليد وهو على خيل المشركين حمل فرمته الرماة فانقمع فلما نظر الرماة إلى رسول الله وأصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه بادروا الغنيمة فقال بعضهم لا نترك أمر رسول الله وانطلق عامتهم فلحقوا بالعسكر فلما رأى خالد قلة الرماة صاح في خيله ثم حمل فقتل الرماة وحمل على أصحاب رسول الله فلما رأى المشركون أن خيلهم تقاتل تبادروا فشدوا على المسلمين فهزموهم وقتلوهم رجع إلى حديث ابن إسحاق فقال رسول الله من يأخذ هذا السيف بحقه فقام إليه رجال فأمسكه بينهم حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة أخو بني ساعدة فقال ما حقه يا رسول الله قال أن تضرب به في العدو حتى ينحني فقال أنا آخذه بحقه يا رسول الله فأعطاه إياه وكان أبو دجانة رجلاً شجاعاً يختال عند الحرب إذا كانت وكان إذا أعلم على رأسه بعصابة له حمراء علم الناس أنه سيقاتل فلما أخذ السيف من يد رسول الله أخذ عصابته تلك فعصب بها رأسه ثم جعل يتبختر بين الصفين قال محمد بن إسحاق حدثني جعفر بن عبد الله بن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رجل من الأنصار من بني سلمة قال قال رسول الله حين رأى أبا دجانة يتبختر إنها مشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن وقد أرسل أبو سفيان رسولاً فقال يا معشر الأوس والخزرج خلوا بيننا وبين ابن عمنا ننصرف عنكم فإنه لا حاجة بنا إلى قتالكم فردوه بما يكره وعن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة أن أبا عامر عمرو بن صيفي بن النعمان بن مالك بن أمية أحد بني ضبيعة وقد خرج إلى مكة مباعداً لرسول الله ومعه خمسون غلاماً من الأوس منهم عثمان بن حنيف وبعض الناس يقول كانوا خمسة عشر فكان يعد قريشاً أن لو قد لقي محمداً لم يختلف عليه منهم رجلان فلما التقى الناس كان أول من لقيهم أبو عامر في الأحابيش وعبدان أهل مكة فنادى يا معشر الأوس أنا أبو عامر قالوا فلا أنعم الله بك عيناً يا فاسق وكان أبو عامر يسمى في الجاهلية الراهب فسماه رسول الله الفاسق فلما سمع ردهم عليه قال لقد أصاب قومي بعدي شر ثم قاتلهم قتالا شديداً ثم راضخهم بالحجارة وقد قال أبو سفيان لأصحاب اللواء من بني عبد الدار يحرضهم بذلك على القتال يا بني عبد الدار إنكم وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم وإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم إذا زالت زالوا فإما أن تكفونا لواءنا وإما أن تخلوا بيننا وبينه فسنكفيكموه فهموا به وتوعدوه وقالوا نحن نسلم إليك لواءنا ستعلم غداً إذا التقينا كيف نصنع وذلك الذي أراد أبو سفيان فلما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض قامت هند بنت عتبة في النسوة اللواتي معها وأخذن الدفوف يضربن خلف الرجال ويحرضنهم فقالت هند فيما تقول - مجزوء الرجز - ( إنْ تُقبلوا نُعانقْ ... ونَفرش النمارقْ ) ( أو تدبروا نفارقْ ... فِراقَ غيرِ وامقْ ) وتقول - مجزوء الرجز - ( إيهاً بني عبد الدارْ ... إيهاً حُماةَ الأدبارْ ) ( ضَرْباً بكلِّ بتَّارْ ... ) واقتتل الناس حتى حميت الحرب وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس وحمزة ابن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب عليهما السلام في رجال من المسلمين فأنزل الله نصره وصدقهم وعده فحسوهم بالسيف حتى كشفوهم وكانت الهزيمة وعن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جده قال قال الزبير والله لقد رأيتني أنظر إلى هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير إذ مالت الرماة إلى الكر حتى كشفنا القوم عنه يريدون النهب وخلوا ظهورنا للخيل فأتينا من أدبارنا وصرخ صارخ ألا إن محمداً قد قتل فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنو إليه أحد من القوم وعن محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم أن اللواء لم يزل صريعاً حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته لقريش فلاذوا بها وكان اللواء مع صواب غلام لبني أبي طلحة حبشي فكان آخر من أخذه منهم فقاتل حتى قطعت يداه فبرك عليه وأخذ اللواء بصدره وعنقه حتى قتل عليه وهو يقول اللهم قد أعذرت فقال حسان بن ثابت في قطع يد صواب حين تقاذفوا بالشعر وافر ( فَخرْتُمْ باللواءِ وشرُّ فَخْرٍ ... لواءٌ حينَ ردّ إلى صوابِ ) ( جَعلتُمْ فَخرَكُمْ فيها لعبدٍ ... مِنَ الأمِ من وَطِي عَفَرَ التراب ) ( ظننتمْ والسَّفيه له ظُنونٌ ... وما إن ذاكَ من أمر الصَّواب ) ( بأنَّ جلادَنا يوم التقينا ... بمكةَ بَيْعُكُمْ حُمْرَ العِياب ) ( أقَرَّ العينَ إن عُصِبَتْ يداه ... وما أن يُعْصَبانِ على خِضابِ ) قال محمد بن جرير وحدثنا أبو كريب قال حدثنا عثمان بن سعيد قال حدثنا حبان بن علي عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده قال لما قتل أصحاب الألوية يوم أحد قتلهم علي بن أبي طالب عليه السلام أبصر رسول الله جماعة من مشركي قريش فقال لعلي احمل عليهم فحمل علي ففرق جمعهم وقتل عمرو بن عبد الله بن الجمحي ثم أبصر جماعة من مشركي قريش فقال لعلي احمل فحمل علي ففرق جمعهم وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي فقال جبريل عليه السلام يا رسول الله إن هذه للمواساة فقال رسول الله ( هو مني وأنا منه ) فقال جبريل عليه السلام وأنا منكم قال فسمعوا صوتاً - مجزوء الكامل - ( لا سيْفَ إلاّ ذو الفَقارِ ... ولا فتىً إلاَّ عَلِي ) فلما أتي المسلمون من خلفهم انكشفوا وأصاب منهم المشركون وكان المسلمون لما أصابهم ما أصابهم من البلاء أثلاثاً ثلث قتيل وثلث جريح وثلث منهزم وقد جهدته الحرب حتى ما يدري ما يصنع وأصيبت رباعية رسول الله السفلى وشقت شفته وكلم في وجنته وجبهته في أصول شعره وعلاه ابن قمئة بالسيف على شقه الأيمن وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص قال محمد بن جرير وحدثنا ابن يسار قال حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس بن مالك قال لما كان يوم أحد كسرت رباعية رسول الله وشج فجعل الدم يسيل على وجهه وجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول ( كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الله تعالى ) فأنزل الله عز و جل ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم ) الآية وقد قال رسول الله حين غشيه القوم ( من رجل يشري لي نفسه ) قال محمد فحدثني ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن محمود بن عمرو بن يزيد بن السكن قال فقام زياد بن السكن في نفر خمسة من الأنصار وبعض الناس يقول إنما هو عمارة بن زياد بن السكن فقاتلوا دون رسول الله رجلاً ثم رجلاً يقتلون دونه حتى كان آخرهم زياد بن عمارة بن زياد بن السكن فقاتل حتى أثبتته الجراحة ثم فاءت من المسلمين فئة حتى أجهضوهم عنه فقال رسول الله أدنوه مني فأدنوه منه فوسده قدمه فمات وخدّه على قدم رسول الله وترس من دون النبي أبو دجانة بنفسه يقع النبل في ظهره وهو منحن عليه حتى كثرت فيه النبل ورمى سعد بن أبي وقاص دون رسول الله قال سعد فلقد رأيته يناولني ويقول فداك أبي وأمي حتى إنه ليناولني السهم ما فيه نصل فيقول ارمِ به وعن محمد بن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها فأخذها قتادة بن النعمان فكانت عنده وأصيبت يومئذ عين قتادة حتى وقعت على وجنته وعن محمد بن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله ردها بيده فكانت أحسن عينيه وأحدهما وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله ومعه لواؤه حتى قتل وكان الذي أصابه ابن قمئة الليثي وهو يظن أنه رسول الله فرجع إلى قريش فقال قد قتلت محمداً فلما قتل مصعب بن عمير أعطى رسول الله اللواء علي بن أبي طالب عليه السلام وقاتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه حتى قتل أرطاة بن شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء ثم مر به سباع بن عبد العزى الغبشاني وكان يكنى أبا نيار فقال له حمزة هلم إلي يا ابن مقطعة البظور وكانت أمه ختانة بمكة مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفي فلما التقيا ضربه حمزة عليه السلام فقتله فقال وحشي غلام جبير بن مطعم إني لأنظر إلى حمزة يهذ الناس بسيفه ما يليق شيئاً يمر به مثل الجمل الأورق إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى فقال له حمزة هلم إلي يا ابن مقطعة البظور فضربه فما أخطأ رأسه وهززت حربتي حتى إذا ما رضيت دفعتها عليه فوقعت عليه في لبته حتى خرجت من بين رجليه وأقبل نحوي فغلب فوقع فأمهلته حتى إذا مات جئت فأخذت حربتي ثم تنحيت إلى العسكر ولم يكن لي بشيء حاجة غيره وقد قتل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أحد بني عمرو بن عوف مسافع ابن طلحة وأخاه كلاب بن طلحة كلاهما يشعره سهماً فيأتي أمه فيضع رأسه في حجرها فتقول يا بني من أصابك فيقول سمعت رجلاً يقول حين رماني خذها إليك وأنا ابن أبي الأقلح فتقول أقلحي فنذرت لله إن الله أمكنها من رأس عاصم أن تشرب فيه الخمر وكان عاصم قد عاهد الله عز و جل أن لا يمس مشركاً ولا يمسه عن ابن إسحاق قال حدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بني عدي بن النجار قال انتهى أنس بن النضر عم أنس بن مالك إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال ما يجلسكم ههنا فقالوا قتل رسول الله قال فما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا كراماً على ما مات عليه ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل وبه سميى أنس بن مالك عن ابن إسحاق قال حدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال لقد وجدنا بأنس بن النضر يومئذ سبعين ضربة وطعنة فما عرفته إلا أخته عرفته بحسن بنانه عن ابن إسحاق قال كان أول من عرف رسول الله بعد الهزيمة وقول الناس قتل رسول الله كما حدثني ابن شهاب الزهري كعب بن مالك أخو بني سلمة قال عرفت عينيه تزهران تحت المغفر فناديت بأعلى صوتي يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله فأشار إلي أن أنصت فلما عرف المسلمون رسول الله نهضوا به ونهض نحو الشعب معه أبو بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام والحارث بن الصمة في رهط من المسلمين رضي الله عنهم أجمعين فلما أسند رسول الله في الشعب أدركه أبي بن خلف وهو يقول يا محمد لا نجوت إن نجوت فقال القوم يا رسول الله أيعطف عليه رجل منا فقال دعوه فلما دنا تناول رسول الله الحربة من الحارث بن الصمة قال يقول بعض الناس فيما ذكر لي فلما أخذها رسول الله انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعراء عن ظهر البعير إذا انتفض ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ بها عن فرسه مراراً وكان أبي بن خلف كما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن صالح عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف يلقى رسول الله بمكة فيقول يا محمد إن عندي العود أعلفه كل يوم فرقاً من ذرة أقتلك عليه فيقول رسول الله بل أنا أقتلك إن شاء الله تعالى فلما رجع إلى قريش وقد خدشه في حلقه خدشاً غير كبير فاحتقن الدم قال قتلني والله محمد قالوا ذهب والله فؤادك والله ما بك بأس قال إنه كان بمكة قال لي أنا أقتلك فوالله لو بصق عليّ لقتلني فمات عدو الله بسرف وهم قافلون به إلى مكة فلما انتهى رسول الله إلى فم الشعب خرج علي بن أبي طالب حتى ملأ درقته من المهراس ثم جاء به إلى رسول الله فشرب منه وغسل عن وجهه الدم وصب على رأسه وهو يقول ( اشتد غضب الله على من دمى وجه نبيه ) قال محمد بن إسحاق حدثني صالح بن كيسان عمن حدثه عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يقول والله ما حرصت على قتل رجل قط ما حرصت على قتل عتبة ابن أبي وقاص وإن كان ما علمت لسيئ الخلق مبغضاً في قومه ولقد كفاني منه قول رسول الله ( اشتد غضب الله عز و جل على من دمى وجه رسول الله ) قال حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثني صالح بن كيسان قال خرجت هند والنسوة اللواتي معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله يجدعن الآذان والآنف حتى اتخذت هند من آذان الرجال وآنفهم خدماً وقلائد وأعطت خدمها وقلائدها وقرطها وحشياً غلام جبير بن مطعم وبقرت عن كبد حمزة عليه السلام فأخرجت كبده فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها ثم علت على صخرة مشرفة فصاحت بأعلى صوتها بما قالت من الشعر حين ظفروا بما أصابوا من أصحاب رسول الله قال حدثني صالح بن كيسان أنه حدث أن عمر بن الخطاب رضوان الله عليه قال لحسان يا ابن الفريعة لو سمعت ما تقول هند ورأيت أشرها قائمة على صخرة ترتجز بنا وتذكر ما صنعت بحمزة قال له حسان والله إني لأنظر إلى الحربة تهوي وإني على رأس فارع يعني أطمه فقلت والله إن هذه لسلاح ما هي بسلاح العرب وكأنها إنما تهوي إلى حمزة ولا أدري أسمعني بعض قولها أكفكموها قال فأنشده عمر بعض ما قالت فقال حسان يهجو هنداً - كامل - ( أشِرَتْ لَكاعِ وكان عادتُها ... لؤماً إذا أشِرَتْ من الكُفْرِ ) ( لعنَ الإلهُ وزوجَها معها ... هِنَد الهنود طويلةَ البَظْر ) ( أخَرجْتِ مُرْقِصةً إلى أُحُدٍ ... في القوم مُقتِبةً على بَكْر ) ( بَكْرٍ ثَفَالٍ لا حَراكَ به ... لا عن مُعاتبةٍ ولا زَجْر ) ( وعصاكِ استُكِ تتقينَ بها ... دُقِّي العَجايَة منك بالفِهْر ) ( قَرِحَتْ عجيزتُها ومَشْرَجُها ... من دَأبِها نصّاً على القُتْرِ ) ( ظلَّتْ تُداويها زمِيْلتُها ... بالماء تَنضَحه وبالسِّدْرَ ) ( أَخَرَجْتِ ثائرةً مبادِرةً ... بأبيك فاتِكِ يومِ ذي بَدْر ) ( وبعمِّكِ المستُوهِ في رَدَع ... وأخيك مُنعَفِرَيْنِ في الجَفْر ) ( ونَسيتِ فاحشةً أتيْتِ بها ... يا هندُ ويحكِ سَيْئَةَ الذكْر ) ( فَرَجَعْتِ صاغرةً بلا تَرهٍ ... منّا ظَفْرتِ بها ولا نَصْر ) ( زعمَ الولائدُ أنَّها وَلَدَتْ ... وَلداً صغيراً كان من عَهْرِ ) قال محمد بن جرير ثم إن أبا سفيان بن حرب أشرف على القوم فيما حدثنا هارون بن إسحاق قال حدثنا مصعب بن المقدام قال حدثنا إسرائيل وحدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن إسرائيل قال حدثنا ابن إسحاق عن البراء قال ثم إن أبا سفيان أشرف علينا فقال أفي القوم محمد فقال رسول الله لا تجيبوه مرتين ثم قال أفي القوم ابن أبي قحافة ثلاثاً فقال رسول الله لا تجيبوه ثم التفت إلى أصحابه فقال أما هؤلاء فقد قتلوا لو كانوا في الأحياء لأجابوا فلم يملك عمر بن الخطاب رضي الله عنه نفسه أن قال كذبت يا عدو الله قد أبقى الله لك ما يخزيك فقال أعل هبل أعل هبل فقال رسول الله أجيبوه قالوا ما نقول قال قالوا ( الله أعلى وأجل ) قال أبو سفيان لنا العزى ولا عزى لكم فقال رسول الله أجيبوه ُ قالوا ما نقول قال قولوا الله مولانا ولا مولى لكم قال أبو سفيان يوم بيوم بدر والحرب سجال أما إنكم ستجدون في القوم مثلاً لم آمر بها ولم تسؤني قال ابن إسحاق في حديثه لما أجاب عمر رضي الله عنه أبا سفيان قال له أبو سفيان هلم يا عمر فقال رسول الله ايتهِ فانظر ما شأنه فجاءه فقال له أبو سفيان أنشدك الله يا عمر أقتلنا محمداً فقال عمر اللهم لا وإنه ليسمع كلامك الآن قال أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر لقول ابن قمئة لهم إني قتلت محمداً ثم نادى أبو سفيان فقال إنه قد كان مثل والله ما رضيت ولا سخطت ولا أمرت ولا نهيت وقد كان الحليس بن زبان أخو بني الحارث بن عبد مناة وهو يومئذ سيد الأحابيش قد مر بأبي سفيان بن حرب وهو يضرب في شدق حمزة عليه السلام وهو يقول ذق عقق فقال الحليس يا بني كنانة هذا سيد قريش يصنع بابن عمه كما ترون لحماً فقال اكتمها علي فإنها كانت زلة قال فلما انصرف أبو سفيان ومن معه نادى أن موعدكم بدر العام المقبل فقال رسول الله لرجل من أصحابه ( قل نعم هي بيننا وبينك موعد ) ثم بعث رسول الله علي بن أبي طالب عليه السلام فقال اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون فإن كانوا قد جنبوا وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة فوالذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم ثم لأناجزنهم قال علي فخرجت في آثارهم أنظر ما يصنعون فلما جنبوا الخيل وامتطوا الإبل توجهوا إلى مكة وكان رسول الله قال لي أي ذلك كان فأخفه حتى يأتيني قال علي فلما رأيتهم قد توجهوا إلى مكة أقبلت أصيح ما أستطيع أن أكتم الذي أمرني به رسول الله لما بي من الفرح إذ رأيتهم انصرفوا إلى مكة عن المدينة وفرغ الناس لقتلاهم فقال رسول الله كما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني أخي بني النجار أن رسول الله قال ( من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع وسعد أخو بني الحارث بن الخزرج أفي الأحياء هو أم في الأموات ) فقال رجل من الأنصار أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل فنظر فوجده جريحاً في القتلى به رمق قال فقلت له إن رسول الله أمرني أن أنظر له أفي الأحياء أنت أم في الأموات قال فأنا في الأموات أبلغ رسول الله وقل له إن سعد بن الربيع يقول لك جزاك الله خير ما جزى نبياً عن أمته وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم إن سعد بن الربيع يقول لا عذر لكم عند الله جل وعز إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف ثم لم أبرح حتى مات رحمه الله فجئت رسول الله وأخبرته وخرج رسول الله فيما بلغني يلتمس حمزة بن عبد المطلب عليه السلام فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده ومثل به فجدع أنفه وأذناه وعن ابن إسحاق قال فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير أن رسول الله قال حين رأى بحمزة ما رأى ( لولا أن تحزن صفية أو تكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في أجواف السباع وحواصل الطير ولئن أنا أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم ) فلما رأى المسلمون حزن رسول الله وغيظه على ما فعل بعمه قالوا والله لئن أظهرنا الله عليهم يوماً من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط وعن محمد بن إسحاق قال حدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس قال ابن حميد قال سلمة وحدثني محمد بن إسحاق قال فحدثنا الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس أن الله عز و جل أنزل في ذلك من قول رسول الله ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) إلى آخر السورة فعفا رسول الله وصبر ونهى عن المثلة قال ابن إسحاق فيما بلغني خرجت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى حمزة وكان أخاها لأمها فقال رسول الله لابنها الزبير القها فأرجعها لا ترى ما بأخيها فلقيها الزبير فقال يا أمه إن رسول الله يأمرك أن ترجعي فقالت ولم فقد بلغني أنه مثل بأخي وذلك في الله جل وعز قليل فما أرضانا بما كان من ذلك لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله تعالى فلما جاء الزبير رسول الله فأخبره بذلك قال خل سبيلها فأتته فنظرت إليه وصلت عليه واسترجعت واستغفرت له ثم أمر رسول الله به فدفن قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد قال لما خرج رسول الله إلى أحد رجع حسيل بن جابر وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان وثابت بن وقش بن زعورا في الآطام مع النساء والصبيان فقال أحدهما لصاحبه وهما شيخان كبيران لا أبا لك ما تنتظر فوالله إن بقي لواحد منا من عمره إلا ظمء حمار إنما نحن هامة اليوم أو غد أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله لعل الله يرزقنا شهادة معه فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في الناس ولم يعلم أحد بهما فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون وأما حسيل بن جابر اليمان فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولم يعرفوه فقال حذيفة أبي قالوا والله إن عرفناه وصدقوا قال حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين فأراد رسول الله أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزادته عند رسول الله خيراً قال حدثني محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة قال كان فينا رجل أتي لا ندري من أين هو يقال له قزمان فكان رسول الله يقول إذا ذكره ( إنه لمن أهل النار ) فلما كان يوم أحد قاتل قتالاً شديداً فقتل هو وحده ثمانية من المشركين أو تسعة وكان شهماً شجاعاً ذا بأس فأثبتته الجراحة فاحتمل إلى دار بني ظفر قال فجعل رجال من المسلمين يقولون والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فأبشر قال بم أبشر فوالله إن قاتلت إلا على أحساب قومي ولولا ذلك ما قاتلت فلما اشتدت عليه جراحته أخذ سهماً من كنانته فقطع رواهشه فنزفه الدم فمات فأخبر رسول الله بذلك فقال إني رسول الله حقاً وعن محمد بن إسحاق قال حدثني حسين بن عبد الله عن عكرمة قال كان يوم أحد يوم السبت للنصف من شوال فلما كان الغد من يوم أحد وذلك يوم الأحد لست عشرة ليلة خلت من شوال أذن مؤذن رسول الله في الناس بطلب العدو وأذن مؤذنه أن لا يخرجن معنا إلا من حضر يومنا بالأمس فكلمه جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري فقال يا رسول الله إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع وقال لي يا بني إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة بلا رجل فيهن ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله على نفسي فتخلف على أخواتك فتخلفت عليهن فأذن له رسول الله فخرج معه وإنما خرج رسول الله مرهباً للعدو وأنهم خرجوا في طلبهم فيظنون أن بهم قوة وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم عن محمد بن إسحاق قال فحدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان بن عفان أن رجلا من أصحاب رسول الله من بني عبد الأشهل كان شهد أحداً قال فشهدت رسول الله أنا وأخ لي فرجعنا جريحين فلما أذن مؤذن رسول الله بالخروج في طلب العدو قلت لأخي وقال لي أتفوتنا غزوة مع رسول الله والله ما لنا من دابة نركبها وما منا إلا جريح ثقيل فخرجنا مع رسول الله وكنت أيسر جرحاً منه فكنت إذا غلب عليه حملته عقبة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون فخرج إليه رسول الله حتى انتهينا إلى حمراء الأسد وهي من المدينة على ثمانية أميال فأقام بها ثلاثاً الاثنين والثلاثاء والأربعاء ثم رجع إلى المدينة قال ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه مر برسول الله معبد الخزاعي وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة رسول الله لا يخفون عليه شيئاً كان بها ومعبد يومئذ مشرك فقال يا محمد لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك ولوددت أن الله قد أعفاك منهم ثم خرج من عند رسول الله بحمراء الأسد حتى لقي أبا سفيان بن حرب بالروحاء ومن معه وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله وقالوا أصبنا جد أصحابه وقادتهم وأشرافهم ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم لنكرن على بقيتهم فلنفرغن منهم فلما رأى أبو سفيان معبداً قال ما وراءك يا معبد قال محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقاً قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم وندموا على ما صنعوا فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط قال ويلك ما تقول قال والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل قال فوالله لقد أجمعنا الكرة لنستأصل شأفتهم قال فإني أنهاك عن ذلك فوالله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيه أبياتاً من شعر قال وماذا قلت قال قلت - بسيط - ( كادت تُهَدُّ من الأصوات راحلتي ... إذْ سالتِ الأرضُ بالجُرْد الأبابيل ) ( فظِلْتُ عدْواً أظنُّ الأرضَ مائلة ... لمّا سَموْا برئيسٍ غيرِ مخذول ) ( فقلْتُ ويلَ بنِ حربٍ من لقائِكُمُ ... إذا تَغَطْمَطَتِ البطحاءُ بالجِيْل ) ( إنِّي نذيرٌ لأهل السَّيْلِ ضاحيةً ... لكلِّ ذي إرْبَةٍ منهُمْ ومعقولِ ) ( من جيشِ أحمدَ لا وَخَشٍ تنابلةٍ ... وليس يُوْصَفُ ما أنذرْتُ بالقِيل ) قال فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه ومر به ركب من عبد القيس فقال أين تريدون قالوا نريد المدينة قال فلم قالوا نريد الميرة قال فهل أنتم مبلغون عني محمداً رسالة أرسلكم بها إليه وأحمل لكم إبلكم هذه غداً زبيباً بعكاظ إذا وافيتموها قالوا نعم قال فإذا جئتموه فأخبروه أن قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل شأفتهم فمر الركب برسول الله فأخبروه بالذي قال أبو سفيان فقال رسول الله وأصحابه ( حسْبُنا الله ونعم الوكيل ) صوت - وافر - ( أمِنْ ريحانَةَ الداعي السَّميعُ ... يؤرِّقُني وأصحابي هُجوعُ ) ( براني حبُّ مَن لا أستطيعُ ... ومن هو للذي أهوَى مَنُوعُ ) ( إذا لم تستطعْ شيئاً فَدَعْهُ ... وجاوِزْهُ إلى ما تستطيعُ ) الشعر لعمرو بن معد يكرب الزبيدي والغناء للهذلي ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى من رواية إسحاق وفيه ثقيل أول على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة وفيه لابن سريج رمل بالوسطى من رواية حماد عن أبيه 14 - ذكر عمرو بن معديكرب وأخباره هو عمرو بن معديكرب بن عبد الله بن عمرو بن عصم بن عمرو بن زبيد وهو منبه هكذا ذكر محمد بن سلام فيما أخبرنا به أبو خليفة عنه وذكر عمر بن شبة عن أبي عبيدة أنه عمرو بن معديكرب بن ربيعة بن عبد الله بن عمرو بن عصم بن زبيد بن منبه بن سلمة بن مازن بن ربيعة بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ويكنى أبا ثور وأمه وأم أخيه عبد الله امرأة من جرم فيما ذكر وهي معدودة من المنجبات أخبرنا محمد بن دريد قال أخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال عمرو بن معديكرب فارس اليمن وهو مقدم على زيد الخيل في الشدة والبأس وروى علي بن محمد المدائني عن زيد بن قحيف الكلابي قال سمعت أشياخنا يزعمون أن عمرو بن معديكرب كان يقال له مائق بني زبيد فبلغهم أن خثعم تريدهم فتأهبوا لهم وجمع معديكرب بني زبيد فدخل عمرو على أخته فقال أشبعيني إني غداً لكتيبة قال فجاء معديكرب فأخبرته ابنته فقال هذا المائق يقول ذاك قالت نعم قال فسليه ما يشبعه فسألته فقال فرق من ذرة وعنز رباعية قال وكان الفرق يومئذ ثلاثة أصوع فصنع له ذلك وذبح العنز وهيأ له الطعام قال فجلس عليه فسلته جميعاً وأتتهم خثعم الصباح فلقوهم وجاء عمرو فرمى بنفسه ثم رفع رأسه فإذا لواء أبيه قائم فوضع رأسه فإذا لواء أبيه قد زال فقام كأنه سرحة محرقة فتلقى أباه وقد انهزموا فقال انزل عنها فاليوم ظلم فقال له إليك يا مائق فقال له بنو زبيد خله أيها الرجل وما يريد فإن قتل كفيت مؤنته وإن ظهر فهو لك فألقى إليه سلاحه فركب ثم رمى خثعم بنفسه حتى خرج من بين أظهرهم ثم كر عليهم وفعل ذلك مراراً وحملت عليهم بنو زبيد فانهزمت خثعم وقهروا فقيل له يومئذ فارس زبيد قال أبو عمرو الشيباني كان من حديث عمرو بن معديكرب بن ربيعة بن عبد الله بن زبيد بن منبه بن سلمة بن مازن بن ربيعة بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة بن مالك وهو مذحج بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أنه قال لقيس بن مكشوح المرادي وهو ابن أخت عمرو حين انتهى إليهم أمر رسول الله يا قيس إنك سيد قومك وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز يقال له نبي فانطلق بنا حتى نعلم علمه وبادر فروة لا يغلبك على الأمر فأبى قيس ذلك وسفه رأيه وعصاه فركب عمرو متوجهاً إلى النبي وقال خالفتني يا قيس وقال عمرو في ذلك - مجزوء الوافر - ( أَمَرْتُك يومَ ذي صَنعاءَ ... أمْراً بيِّنا رَشَدُهْ ) ( أَمَرْتُك باتِّقاء اللهِ ... تأتيه وتَتَّعِدُهْ ) ( فكنتَ كذي الحُمَيِّر غرَّهُ ... من أيرِهِ وَتَدُهْ ) قال أبو عبيدة حدثنا غير واحد من مذحج قالوا قدم علينا وفد مذحج مع فروة بن مسيك المرادي على النبي فأسلموا وبعث فروة صدقات من أسلم منهم وقال له ادع الناس وتألفهم فإذا وجدت الغفلة فاهتبلها واغز قال أبو عمرو الشيباني وإنما رحل فروة مفارقاً لملوك كندة مباعداً لهم إلى رسول الله وقد كانت قبل الإسلام بين مراد وهمدان وقعة أصابت فيها همدان من مراد حتى أثخنوهم في يوم يقال له يوم الرزم وكان الذي قاد همدان إلى مراد الأجدع بن مالك بن حريم الشاعر الهمداني بن مسروق بن الأجدع ففضحهم يومئذ وفي ذلك يقول فروة بن مسيك المرادي - وافر ( فإن نَغلِبْ فغلاّبون قِدْماً ... وإن نُهْزَمْ فغير مُهَزَّمِينا ) فلما توجه فروة إلى النبي أنشأ يقول - كامل - ( لمَّا رأيتُ ملوكَ كندَة أعرضَتْ ... كالرِّجْلِ خَانَ الرجْلَ عِرْقُ نَساها ) ( يَمَّمْتُ راحلتي أمامَ محمدٍ ... أرجو فواضلَها وحسنَ ثَراها ) فلما انتهى إلى رسول الله قال له فيما بلغنا هل ساءك ما أصاب قومك يوم الرزم قال يا رسول الله من ذا الذي يصيب قومه مثل الذي أصاب قومي ولا يسوؤه فقال له أما إن ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيراً واستعمله على مراد وزبيد ومذحج كلها قال أبو عبيدة فلم يلبث عمرو أن ارتد عن الإسلام فقال حين ارتد - وافر - ( وجدنا مُلْكَ فروةَ شرَّ مُلْكٍ ... حِمارٌ سافَ مِنْخَرَه بقَذْرِ ) ( وإِنَّك لو رأيتَ أبا عميرٍ ... مَلأْتَ يديك من غَدْر وَخَتْرِ ) قال أبو عبيدة فلما ارتد عمرو مع من ارتد عن الإسلام من مذحج استجاش فروة النبي فوجه إليهم خالد بن سعيد بن العاص وخالد بن الوليد وقال لهما إذا اجتمعتم فعلي بن أبي طالب أميركم وهو على الناس ووجه علياً عليه السلام فاجتمعوا بكسر من أرض اليمن فاقتتلوا وقتل بعضهم ونجا بعض فلم يزل جعفر وزبيد وأود بنو سعد العشيرة بعدها قليلة وفي هذا الوجه وقعت الصمصامة إلى آل سعيد وكان سبب وقوعها إليهم أن ريحانة بنت معديكرب سبيت يومئذ ففداها خالد وأثابه عمرو الصمصامة فصار إلى أخيه سعيد فوجد سعيد جريحاً يوم عثمان بن عفان رضي الله عنه حين حصر وقد ذهب السيف والغمد ثم وجد الغمد فلما قام معاوية جاءه أعرابي بالسيف بغير غمد وسعيد حاضر فقال سعيد هذا سيفي فجحد أعرابي مقالته فقال سعيد الدليل على أنه سيفي أن تبعث إلى غمده فتغمده فيكون كفافه فبعث معاوية إلى الغمد فأتى به من منزل سعيد فإذا هو عليه فأقر الأعرابي أنه أصابه يوم الدار فأخذه سعيد منه وأثابه فلم يزل عنده حتى أصعد المهدي من البصرة فلما كان بواسط بعث إلى سعيد فيه فقال إنه للسبيل فقال خمسون سيفاً قاطعاً أغنى من سيف واحد فأعطاهم خمسين ألف درهم وأخذه وذكر ابن النطاح أن المدائني حكى عن أبي اليقظان عن جويرية بن أسماء قال أقبل النبي من غزاة تبوك يريد المدينة فأدركه عمرو بن معديكرب الزبيدي في رجال من زبيد فتقدم عمرو ليلحق برسول الله فأمسك حتى أوذن به فلما تقدم رسول الله يسير قال حياك الله إلهك أبيت اللعن فقال رسول الله ( إن لعنة الله وملائكته والناس أجمعين على الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر فآمن بالله يؤمنك يوم الفزع الأكبر ) فقال عمرو بن معديكرب وما الفزع الأكبر قال رسول الله ( إنه فزع ليس كما تحسب وتظن إنه يصاح بالناس صيحة لا يبقى حي إلا مات إلا ما شاء الله من ذلك ثم يصاح بالناس صيحة لا يبقى ميت إلا نشر ثم تلج تلك الأرض بدوي تنهد منه الأرض وتخر منه الجبال وتنشق السماء انشقاق القبطية الجديد ما شاء الله في ذلك ثم تبرز النار فينظر إليها حمراء مظلمة قد صار لها لسان في السماء ترمي بمثل رؤوس الجبال من شرر النار فلا يبقى ذو روح إلا انخلع قلبه وذكر ذنبه أين أنت يا عمرو ) قال إني أسمع أمراً عظيماً فقال رسول الله ( يا عمرو أسلم تسلم ) فأسلم وبايع لقومه على الإسلام وذلك منصرف رسول الله من غزاة تبوك وكانت في رجب من سنة تسع وقال أبو هارون السكسكي البصري حدثني أبو عمرو المديني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا نظر إلى عمرو قال الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمراً تعجباً من عظم خلقه أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة عن خالد بن خداش عن أبي نميلة قال أخبرني رميح عن أبيه قال رأيت عمرو بن معديكرب في خلافة معاوية شيخاً أعظم ما يكون من الرجال أجش الصوت إذا التفت التفت بجميع جسده وهذا خطأ من الرواية والصحيح أنه مات في آخر خلافة عمر رضي الله عنه ودفن بروذة بين قم والري ومن الناس من يقول إنه قتل في وقعة نهاوند قبره في ظاهرها موضع يعرف بقبديشجان وأنه دفن هناك يومئذ هو والنعمان بن مقرن وروي أيضاً من وجه ليس بالموثوق به أنه أدرك خلافة عثمان رضي الله عنه روى ذلك ابن النطاح عن مروان ابن ضرار عن أبي إياس البصري عن أبيه عن جويرية الهذلي في حديث طويل قال رأيت عمرو بن معديكرب وأنا في مسجد الكوفة في خلافة عثمان حين وجهه إلى الري كأنه بعير مهنوء وقال ابن الكلبي حدثني أسعر عن عمرو بن جرير الجعفي قال سمعت خالد بن قطن يقول خرج عمرو بن معد يكرب في خلافة عثمان رضي الله عنه إلى الري ودستبى فضربه الفالج في طريقه فمات بروذة أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال أخبرني خالد بن خداش قال حدثنا حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرض لعمرو بن معد يكرب في ألفين فقال له يا أمير المؤمنين ألف ههنا وأومأ إلى شق بطنه الأيمن وألف ههنا وأومأ إلى شق بطنه الأيسر فما يكون هاهنا وأومأ إلى وسط بطنه فضحك عمر رضوان الله عليه وزاده خمسمائة قال علي بن محمد قال أبو اليقظان قال عمرو بن معد يكرب لو سرت بظعينة وحدي على مياه معد كلها ما خفت أن أغلب عليها ما لم يلقني حراها أو عبداها فأما الحران فعامر بن الطفيل وعتيبة بن الحارث بن شهاب وأما العبدان فأسود بني عبس يعني عنترة والسليك بن السلكة وكلهم قد لقيت فأما عامر بن الطفيل فسريع الطعن على الصوت وأما عتيبة فأول الخيل إذا غارت وآخرها إذا آبت وأما عنترة فقليل الكبوة شديد الكلب وأما السليك فبعيد الغارة كالليث الضاري قالوا فما تقول في العباس بن مرداس قال أقول فيه ما قال فيّ - طويل - ( إذا مات عمروٌ قلْتُ للخيل أَوطئوا ... زُبيداً فقد أودى بنجدتِها عَمرُو ) وقام مغضبا وعلم أنهم أرادوا توبيخه بالعباس قال علي وقال أبو اليقظان أحسب في اللفظ غلطاً وأنه إنما قال هجينا مضر لأن عنترة استرق والعباس لم يسترق قط أخبرني أبو خليفة قال حدثنا أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أحمد بن جناب عن عيسى ابن يونس عن اسماعيل عن قيس أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص إني قد أمددتك بألفي رجل عمرو بن معد يكرب وطليحة بن خويلد وهو طليحة الأسدي فشاورهما في الحرب ولا تولهما شيئاً أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أحمد بن جناب قال حدثنا عيسى بن يونس عن إسماعيل عن قيس قال شهدت القادسية وكان سعد على الناس فجاء رستم فجعل يمر بنا وعمرو بن معد يكرب الزبيدي يمر على الصفوف يحض الناس ويقول يا معشر المهاجرين كونوا أسداً أغنى شأنه فإنما الفارسي تيس بعد أن يلقي نيزكه قال وكان مع رستم أسوار لا تسقط له نشابة فقال له يا أبا ثور اتق ذاك فإنا لنقول له ذلك إذ رماه رمية فأصاب فرسه وحمل عليه عمرو فاعتنقه ثم ذبحه وسلبه سواري ذهب كانا عليه وقباء ديباج قال أبو زيد فذكر أبو عبيدة أن عمراً حمل يومئذ على رجل فقتله ثم صاح يا معشر بني زبيد دونكم فإن القوم يموتون وقال علي بن محمد المدائني وأخبرنا محمد بن الفضل وعبد ربه بن نافع عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم قال حضر عمرو الناس وهم يقاتلون فرماه رجل من العجم بنشابة فوقعت في كتفه وكانت عليه درع حصينة فلم تنفذ وحمل على العلج فعانقه فسقطا إلى الأرض فقتله عمرو وسلبه ورجع بسلبه وهو يقول - سريع - ( أنا أبو ثَور وسيفِي ذو النُّونْ ... أَضْرِبُهُمْ ضَرْبَ غلامٍ مجنونْ ) ( يالَ زُبيد إنَّهم يموتونْ ... ) قال أبو عبيدة وقال في ذلك عمرو بن معد يكرب - سريع - صوت ( أَلْمِمْ بسلمَى قبلَ أن تَظْعَنَا ... إنَّ لنا من حبِّهَا دَيْدَنَا ) ( قد عَلِمَتْ سَلمى وجاراتُها ... ما قطَّرَ الفارسَ إلا أنا ) ( شككْتُ بالرمح حيازيمَه ... والخيلُ تعدو زِيَماً بيننا ) غنى فيه الغريض ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر وفيه رمل بالبنصر يقال إنه لمعبد ويقال إنه من منحول يحيى المكي قال أبو عبيدة في رواية أبي زيد عمر بن شبة شهد عمرو بن معد يكرب القادسية وهو ابن مائة وست سنين وقال بعضهم بل ابن مائة وعشر قال ولما قتل العلج عبر نهر القادسية هو وقيس بن مكشوح المرادي ومالك بن الحارث الأشتر قال فحدثني يونس أن عمرو بن معد يكرب كان آخرهم وكانت فرسه ضعيفة فطلب غيرها فأتي بفرس فأخذ بعكوة ذنبه وأخلد به إلى الأرض فأقعى الفرس فرده وأتي بآخر ففعل به مثل ذلك فتحلحل ولم يقع فقال هذا على كل حال أقوى من تلك وقال لأصحابه إني حامل وعابر الجسر فإن أسرعتم بمقدار جزر الجزور وجدتموني وسيفي بيدي أقاتل به تلقاء وجهي وقد عقر بي القوم وأنا قائم بينهم وقد قتلت وجردت وإن أبطأتم وجدتموني قتيلا بينهم وقد قتلت وجردت ثم انغمس فحمل في القوم فقال بعضهم يا بني زبيد تدعون صاحبكم والله ما نرى أن تدركوه حياً فحملوا فانتهوا إليه وقد صرع عن فرسه وقد أخذ برجل فرس رجل من العجم فأمسكها وإن الفارس ليضرب الفرس فما تقدر أن تتحرك من يده فلما غشيناه رمى الأعجمي بنفسه وخلى فرسه فركبه عمرو وقال أنا أبو ثور كدتم والله تفقدونني قالوا أين فرسك قال رمي بنشابة فشب فصرعني وعار وروى هذا الخبر محمد بن عمر الواقدي عن ابن أبي سبرة عن أبي عيسى الخياط ورواه علي بن محمد أيضاً عن مرة عن أبي إسماعيل الهمذاني عن طلحة بن مصرف فذكرا مثل هذا قال الواقدي وحدثني أسامة بن زيد عن أبان بن صالح قال قال عمرو بن معد يكرب يوم القادسية ألزموا خراطيم الفيلة السيوف فإنه ليس لها مقتل إلا خراطيمها ثم شد على رستم وهو على الفيل فضرب فيله فجذم عرقوبيه فسقط وحمل رستم على فرس وسقط من تحته خرج فيه أربعون ألف دينار فحازه المسلمون وسقط رستم بعد ذلك عن فرسه فقتله قال علي بن محمد المدائني حدثني علي بن مجاهد عن ابن إسحاق قال لما ضرب عمرو الفيل وسقط رستم سقط على رستم خرج كان على ظهر الفيل فيه أربعون ألف دينار فمات رستم من ذلك وانهزم المشركون وقال الواقدي حدثني ابن أبي سبرة عن موسى بن عقبة عن أبي حبيبة مولى آل الزبير قال حدثنا نيار بن مكرم الأسلمي قال شهدت القادسية فرأيت يوماً اشتد فيه القتال بيننا وبين الفرس ورأيت رجلاً يفعل يومئذ بالعدو أفاعيل يقاتل فارساً ثم يقتحم عن فرسه ويربط مقوده في حقوه فيقاتل فقلت من هذا جزاه الله خيراً قالوا هذا عمرو بن معد يكرب أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكلبي عن خالد بن سعيد عن أبي محمد المرهبي قال كان شيخ يجالس عبد الملك بن عمير فسمعته يحدث قال قدم عيينة بن حصن الكوفة فأقام بها أياماً ثم قال والله ما لي بأبي ثور عهد منذ قدمنا هذا الغائط يعني عمرو بن معد يكرب أسرج لي يا غلام فأسرج له فرسا أنثى من خيله فلما قربها إليه قال له ويحك أرأيتني ركبت أنثى في الجاهلية فأركبها في الإسلام فأسرج له حصاناً فركبه وأقبل إلى محلة بني زبيد فسأل عن محلة عمرو فأرشد إليها فوقف ببابه ونادى أي أبا ثور اخرج إلينا فخرج إليه مؤتزراً كأنما كسر وجبر فقال أنعم صباحاً أبا مالك فقال أوليس قد أبدلنا الله تعالى بهذا السلام عليكم قال دعنا مما لا نعرف انزل فإن عندي كبشاً ساحا فنزل 211 - فعمد إلى الكبش فذبحه ثم كشط عنه وعضاه وألقاه في قدر جماع وطبخه حتى إذا أدرك جاء بجفنة عظيمة فثرد فيها فأكفأ القدر عليها فقعدا فأكلاه ثم قال له أي الشراب أحب إليك أللبن أم ما كنا نتنادم عليه في الجاهلية قال أو ليس قد حرمها الله جل وعز علينا في الإسلام قال أنت أكبر سناً أم أنا قال أنت قال فأنت أقدم إسلاماً أم أنا قال أنت قال فإني قد قرأت ما بين دفتي المصحف فوالله ما وجدت لها تحريماً إلا أنه قال ( فهل أنتم منتهون ) فقلنا لا فسكت وسكتنا فقال له أنت أكبر سناً وأقدم إسلاماً فجاءا فجلسا يتناشدان ويشربان ويذكران أيام الجاهلية حتى أمسيا فلما أراد عيينة الانصراف قال عمرو لئن انصرف أبو مالك بغير حباء إنه لوصمة علي فأمر بناقة له أرحبية كأنها جبيرة لجين فارتحلها وحمله عليها ثم قال يا غلام هات المزود فجاء بمزود فيه أربعة آلاف درهم فوضعها بين يديه فقال أما المال فوالله لا قبلته قال والله إنه لمن حباء عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلم يقبله عيينة وانصرف وهو يقول - طويل - ( جُزِيتَ أبا ثَورٍ جزاءَ كرامةٍ ... فنِعْمَ الفتى المِزدارُ والمتضيَّفُ ) ( قريْتَ فأكرمْتَ القِرى وأَفَدْتَنا ... نَخِيلَةَ عِلم لم يكن قطُّ يعرف ) ( وقلت حَلالٌ أن تُديرَ مُدامةً ... كلونِ انعقاق البرقِ والليلُ مُسْدِفُ ) ( وقدّمتَ فيها حُجّةً عربية ... تَردُّ إلى الإِنصاف مَن ليس ينصِف ) ( وأنت لنا واللهِ ذي العرش قُدوةٌ ... إذا صَدَّنا عن شربها المتكلِّفُ ) ( نَقول أبو ثَورٍ أحلَّ حرامَها ... وقولُ أبي ثور أسدُّ وأعرف ) وقال علي بن محمد حدثني عبد الله بن محمد الثقفي عن أبيه والهذلي عن الشعبي قال جاءت زيادة من عند عمر بعد القادسية فقال عمرو بن معد يكرب لطليحة أما ترى أن هذه الزعانف تزاد ولا نزاد انطلق بنا إلى هذا الرجل حتى نكلمه فقال هيهات كلا والله لا ألقاه في هذا أبداً فلقد لقيني في بعض فجاج مكة فقال يا طليحة أقتلت عكاشة فتوعدني وعيداً ظننت أنه قاتلي ولا آمنه قال عمرو لكني ألقاه قال أنت وذاك فخرج إلى المدينة فقدم على عمر رضي الله عنه وهو يغدي الناس وقد جفن لعشرة عشرة فأقعده عمر مع عشرة فأكلوا ونهضوا ولم يقم عمرو فأقعد معه تكملة عشرة فأكلوا ونهضوا ولم يقم عمرو فأقعده مع عشرة حتى أكل مع ثلاثين ثم قام فقال يا أمير المؤمنين إنه كانت لي مآكل في الجاهلية منعني منها الإسلام وقد صررت في بطني صرتين وتركت بينهما هواء فسده قال عليك حجارة من حجارة الحرة فسده به يا عمرو إنه بلغني أنك تقول إن لي سيفاً يقال له الصمصامة وعندي سيف أسميه المصمم وإني إن وضعته بين أذنيك لم أرفعه حتى يخالط أضراسك وذكر ابن الكلبي ومحمد بن كناسة أن جبيلة بن سويد بن ربيعة بن رباب لقي عمرو بن معد يكرب وهو يسوق ظعناً له فقال عمرو لأصحابه قفوا حتى آتيكم بهذه الظعن فقرب نحوه حتى إذا دنا منه قال خل سبيل الظعن قال فلم إذاً ولدتني ثم شد على عمرو فطعنه فأذراه عن فرسه وأخذ فرسه فرجع إلى أصحابه فقالوا ما وراءك قال كأني رأيت منيتي في سنانه وبنو كنانة يذكرون أن ربيعة بن مكدم الفراسي طعن عمرو بن معد يكرب فأذراه عن فرسه وأخذ فرسه وأنه لقيه مرة أخرى فضربه فوقعت الضربة في قربوس السرج فقطعه حتى عض السيف بكاثبة الفرس فسالمه عمرو وانصرف قال المدائني حدثني مسلمة بن محارب عن داود بن أبي هند قال حمل عمرو بن معد يكرب حمالة فأتى مجاشع بن مسعود يسأله فيها وقال خالد بن خداش حدثني أبو عوانة عن حصين بن عبد الرحمن قال بلغني أن عمراً أتى مجاشع بن مسعود فقال له أسألك حملان مثلي وسلاح مثلي قال إن شئت أعطيتك ذاك من مالي ثم أعطاه حكمه وكان الأحنف أمر له بعشرين ألف درهم وفرس جواد عتيق وسيف صارم وجارية نفيسة فمر ببني حنظلة فقالوا له يا أبا ثور كيف رأيت صاحبك فقال لله بنو مجاشع ما أشد في الحرب لقاءها وأجزل في اللزبات عطاءها وأحسن في المكرمات ثناءها لقد قاتلتها فما أقللتها وسألتها فما أبخلتها وهاجيتها فما أفحمتها وقال أبو المنهال عيينة بن المنهال سمعت أبي يحدث قال جاء رجل وعمرو بن معد يكرب واقف بالكناسة على فرس له فقال لأنظرن ما بقي من قوة أبي ثور فأدخل يده بين ساقيه وبين السرج وفطن عمرو فضمها عليه وحرك فرسه فجعل الرجل يعدو مع الفرس لا يقدر أن ينزع يده حتى إذا بلغ منه قال يا ابن أخي ما لك قال يدي تحت ساقك فخلى عنه وقال يا ابن أخي إن في عمك لبقية وكان عمرو مع ما ذكرنا من محله مشهوراً بالكذب أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثنا محمد بن يزيد النحوي المبرد ولم يتجاوزه وذكر ابن النطاح هذا الخبر بعينه عن محمد بن سلام وخبر المبرد أتم قال كانت الأشراف بالكوفة يخرجون إلى ظاهرها يتناشدون الأشعار ويتحدثون ويتذاكرون أيام الناس فوقف عمرو إلى جانب خالد بن الصقعب النهدي فأقبل عليه يحدثه ويقول أغرت على بني نهد فخرجوا إليّ مسترعفين بخالد بن الصقعب يقدمهم فطعنته طعنة فوقع وضربته بالصمصامة حتى فاضت نفسه فقال له الرجل يا أبا ثور إن مقتولك الذي تحدثه فقال اللهم غفراً إنما أنت محدث فاسمع إنما نتحدث بمثل هذا وأشباهه لنرهب هذه المعدية قال محمد بن سلام وقال يونس أبت العرب إلا أن عمراً كان يكذب قال وقلت لخلف الأحمر وكان مولى الأشعريين وكان يتعصب لليمانية أكان عمرو يكذب قال كان يكذب باللسان ويصدق بالفعال أخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة أن سعدا كتب إلى عمر رضي الله عنه يثني على عمرو بن معد يكرب فسأله عمر عن سعد فقال هو لنا كالأب أعرابي في نمرته أسد في تامورته يقسم بالسوية ويعدل في القضية وينفر في السرية وينقل إلينا حقنا كما تنقل الذرة فقال عمر رضوان الله عليه لشد ما تقارضتما الثناء أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الحارث عن ابن سعد عن الواقدي عن بكير بن مسمار عن زياد مولى سعد قال سمعت سعداً يقول وبلغه أن عمرو بن معد يكرب وقع في الخمر وأنه قد دله فقال لقد كان له موطن صالح يوم القادسية عظيم الغناء شديد النكاية للعدو فقيل له فقيس بن مكشوح فقال هذا أبذل لنفسه من قيس وإن قيساً لشجاع أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة ونسخت هذا الخبر من رواية ابن الكلبي خاصة حدثني أسعر بن عمرو بن جرير عن خالد بن قطن قال حدثني من شهد موت عمرو بن معد يكرب والرواية قريبة وحكايتا عمر بن شبة وابن قتيبة عن أنفسهما ولم يتجاوزاها قالا كانت مغازي العرب إذ ذاك الري ودستبى فخرج عمرو مع شباب من مذحج حتى نزل الخان الذي دون روذة فتغدى القوم ثم ناموا وقام كل رجل منهم لقضاء حاجته وكان عمرو إذا أراد الحاجة لم يجترئ أحد أن =========================================================== ج29. كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني يدعوه وإن أبطأ فقام الناس للرحيل وترحلوا إلا من كان في الخان الذي فيه عمرو فلما أبطأ صحنا به يا أبا ثور فلم يجبنا وسمعنا علزا شديداً ومراسا في الموضع الذي دخله وقصدناه فإذا به حمرة عيناه مائلاً شدقه مفلوجاً فحملناه على فرس وأمرنا غلاماً شديد الذراع فارتدفه ليعدل ميله فمات بروذة ودفن على قارعة الطريق فقالت امرأته الجعفية ترثيه - طويل - ( لقد غَادَرَ الركبُ الذين تحمَّلُوا ... بِرُوذَة شخصاً لا ضعيفاً ولا غُمْرا ) ( فقل لزُبيدٍ بل لمذحِجَ كلِّها ... فَقَدْتُم أبا ثورٍ سِنانَكُمْ عَمْرا ) ( فإن تجزعوا لا يُغْنِ ذلك عنكُمُ ... ولكن سَلُوا الرحمن يُعْقِبكُم صَبْرا ) والأبيات العينية التي فيها الغناء وبها افتتح ذكر عمرو يقولها في أخته ريحانة بنت معد يكرب لما سباها الصمة بن بكر وكان أغار على بني زبيد في قيس فاستاق أموالهم وسبى ريحانة وانهزمت زبيد بين يديه وتبعه عمرو وأخوه عبد الله ابنا معد يكرب ثم رجع عبد الله واتبعه عمرو فأخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام أن عمراً اتبعه يناشده أن يخلي عنها فلم يفعل فلما يئس منها ولى وهي تناديه بأعلى صوتها يا عمرو فلم يقدر على انتزاعها وقال - وافر - ( أمِنْ ريحانَةَ الدَّاعِي السَّميعُ ... يؤرِّقني وأصحابي هُجوعُ ) ( سَباها الصِّمَّةُ الجشميُّ غَصْباً ... كأنّ بياضَ غرَّتها صَدِيع ) ( وحالت دونَها فُرسانُ قيسٍ ... تكشَّفُ عن سواعدها الدُّروع ) ( إذا لم تستطِع شيئاً فَدَعْهُ ... وجاوِزْه إلى ما تستطيع ) وزاد الناس في هذا الشعر وغنّى فيه ( وكيف أحبُّ مَن لا أستطيع ... ومن هو للذي أهوى مَنوعُ ) ( ومَن قد لامِني فيه صديقي ... وأهلي ثمَّ كُلاًّ لا أطيع ) ( ومَن لو أظهرَ البغضاءَ نحوي ... أتاني قابضُ الموتِ السريعُ ) ( فدىً لهُمُ معاً عمِّي وخالي ... وشَرْخُ شبابِهِمْ إن لم يُطيعوا ) وقد أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على أبي وأما قصة ريحانة فإن عمرو بن معد يكرب تزوج امرأة من مراد وذهب مغيراً قبل أن يدخل بها فلما قدم أخبر أنه قد ظهر بها وضح وهو داء تحذره العرب فطلقها وتزوجها رجل آخر من بني مازن بن ربيعة وبلغ ذلك عمراً وأن الذي قيل فيها باطل فأخذ يشبب بها فقال قصيدته وهي طويلة - وافر - ( أمِنْ ريحانَةَ الدَّاعِي السَّميعُ ... يؤرِّقني وأصحابي هُجوعُ ) وكان عبد الله بن معد يكرب أخو عمرو رئيس بني زبيد فجلس مع بني مازن في شرب منهم فتغنى عنده حبشي عبد للمخزم أحد بني مازن في امرأة من بني زبيد فلطمه عبد الله وقال له أما كفاك أن تشرب معنا حتى تشبب بالنساء فنادى الحبشي يا آل بني مازن فقاموا إلى عبد الله فقتلوه وكان الحبشي عبداً للمخزم فرئس عمرو مكان أخيه وكان عمرو غزا هو وأبي المرادي فأصابوا غنائم فادعى أبي أنه قد كان مسانداً فأبى عمرو أن يعطيه شيئاً وكره أبي أن يكون بينهما شر لحداثة قتل أبيه فأمسك عنه وبلغ عمراً أنه توعده فقال عمرو في ذلك قصيدة له أولها - وافر صوت ( أعاذلَ شِكتي بدني ورُمْحي ... وكلُّ مقلِّصٍ سَلسِ القِيادِ ) ( أعاذلَ إنّما أفنى شبابي ... وأقْرَحَ عاتقي ثِقَلُ النِّجاد ) ( تمنَّاني ليلقاني أُبَيٌّ ... وَدِدْتُ وأينَما منِّي ودادي ) ( ولو لاقيتنِي ومعي سِلاحي ... تكشَّف شحْمُ قلِبَك عن سوادِ ) ( أريد حِباءه ويريدُ قتْلي ... عذِيرك مِن خليلكَ من مرادِ ) وتمام هذه الأبيات ( تمنَّاني وسابغتي دِلاصٌ ... كأنَّ قَتِيرَها حَدَقُ الجرادِ ) ( وسيفي كان من عهدِ ابن صدٍّ ... تخيَّره الفتى من قَوم عاد ) ( ورمحي العنبريُّ تخال فيه ... سِناناً مثلَ مِقباس الزِّناد ) ( وعِجْلِزَة يزلُّ اللِّبْدُ عنها ... أمَرَّ سَراتَها حَلْقُ الجياد ) ( إذا ضُرِبَتْ سمعْتَ لها أزيزاً ... كوقع القَطْر في الأدم الجِلادِ ) ( إذاً لوجدْتَ خالكَ غيرَ نِكْسٍ ... ولا مُتَعلِّماً قَتْلَ الوحاد ) ( يقلِّب للأمور شَرنْبَثَاتٍ ... بأظفارٍ مَغارِزُها حِداد ) لابن سريج في الأول والثاني ثاني ثقيل بالبنصر ولابن محرز في السادس والخامس ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى الوسطى وفي الرابع والخامس والسادس لحن للهذلي من رواية يونس وهذا البيت الخامس كان علي بن أبي طالب عليه السلام إذا نظر إلى ابن ملجم تمثل به أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا حيان بن بشر قال حدثنا جرير عن حمزة الزيات قال كان علي عليه السلام إذا نظر إلى ابن ملجم قال - وافر - ( أريد حِباءه ويريدُ قتْلي ... عذِيرك مِن خليلكَ من مرادِ ) حدثني العباس بن علي بن العباس ومحمد بن خلف وكيع قالا حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني قال كان علي بن أبي طالب إذا أعطى الناس فرأى ابن ملجم قال ( أريد حِباءه ويريدُ قتْلي ... عذِيرك مِن خليلكَ من مرادِ ) حدثني محمد بن الحسن الأشناني قال حدثنا علي بن المنذر الطريفي قال حدثنا محمد بن فضيل قال حدثنا فطر بن خليفة عن أبي الطفيل عامر بن واثلة والأصبغ بن نباتة قال قال علي عليه السلام ما يحبس أشقاها والذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذا قال أبو الطفيل وجمع علي الناس للبيعة فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادي فرده مرتين أو ثلاثاً ثم بايعه ثم قال ما يحبس أشقاها فوالذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذا ثم تمثل بهذين البيتين وافر ( أشْدُدْ حيازيمَكَ للموتِ ... فإِنَّ الموت يأتيكَ ) ( ولا تجزعْ من القتلِ ... إذا حلَّ بواديكَ ) رجع الخبر إلى سياقة خبر عمرو قال وجاءت بنو مازن إلى عمرو فقالوا إن أخاك قتله رجل منا سفيه وهو سكران ونحن يدك وعضدك فنسألك الرحم وإلا أخذت الدية ما أحببت فهم عمرو بذلك وقال - بسيط - ( إحدى يديَّ أصابَتْني ولم تردِ ... ) فبلغ ذلك أختاً لعمرو يقال لها كبشة وكانت ناكحاً في بني الحارث بن كعب فغضبت فلما وافى الناس من الموسم قالت شعراً تعير عمراً - طويل - ( أرسلَ عبدُ الله إذ حانَ يومُه ... إلى قومه لا تَعقِلوا لهُمُ دمِي ) ( ولا تأخذوا مِنهمْ إفالاً وأبكُراً ... وأُتْرَكَ في بيتٍ بِصَعْدَةَ مظلمِ ) ( ودَعْ عنك عَمْراً مُسالِمٌ ... وهل بطنُ عمرو غيرُ شبْرٍ لمِطعم ) ( فإن أنتُمُ لم تقبلوا واتَّديْتُمُ ... فمشُّوا بآذان النَّعام المُصَلَّم ) ( أَيقتُلُ عبدَ الله سيِّدَ قومه ... بنو مازنٍ أن سُبّ راعي المخزَّم ) فقال عمروٌ قصيدةً له عند ذلك يقول فيها - متقارب - صوت ( أرِقتُ وأمسيْتُ لا أرقُدُ ... وساوَرَني المُوجِعُ الأَسْودُ ) ( وبتُّ لذِكرى بني مازنٍ ... كأنِّيَ مرتفقٌ أرمدُ ) فيه لحن من خفيف الثقيل الأوّل بالوسطى نسبه يحيى المكي إلى ابن محرز وذكر الهشامي أنه منحول ثم أكب على بني مازن وهم غارون فقتلهم وقال في ذلك شعراً - وافر - ( خُذُوا حُقُقاً مُخَطمَّة صفايا ... وكَيْدِي يا مخزَّم أن أكيدا ) ( قتلتُمْ سادتِي وتركتموني ... على أكتافِكُمْ عِبئاً جديدا ) ( فمن يأبى من الأقوام نَصْراً ... ويتركنَا فإنّا لن نريدا ) وأرادت بنو مازن أن ترد عليهم الدية لما آذنهم بحرب فأبى عمرو وكانت بنو مازن من أعداء مذحج وكان عبد الله أخا كبشة لأبيها وأمّها دون عمرو وكان عمرو قد هم بالكف عنهم حين قتل من قتل منهم فركبت كبشة في نساء من قومها وتركت عمراً أخاها وعيرته فأحمته فأكب عليهم أيضاً بالقتل فلما أكثر فيهم القتل تفرقوا فلحقت بنو مازن بصاحبهم بتميم ولحقت ناشرة ببني أسد وهم رهط الصقعب بن الصحصح ولحقت فالج بسليم بن منصور وفالج وناشرة ابنا أنمار بن مازن بن ربيعة بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة وأمهما هند بنت عدس ابن زيد بن عبد الله بن دارم فقال كابية بن حرقوص بن مازن - كامل - ( يا ليلتي ما ليلتي بالبَلْدَةِ ... رُدَّتْ عليَّ نجومُها فارتدَّتِ ) ( مَن كان أسرعَ في تفرُّق فالج ... فَلَبُونُه جَرِبَتْ معاً وأغدّتِ ) ( هَلاّ كَنَاشِرَة الذي ضَيَّعْتُمُ ... كالغصن في غَلْوائه المتنبّت ) وقال عمرو في ذلك - وافر - ( تمنَّتْ مازِنٌ جَهْلاً خِلاطي ... فذاقت مازنٌ طَعْمَ الخِلاطِ ) ( أطَلْتُ فِراطَكُمْ عاماً فعاماً ... وَدَيْنُ المَذحِجِيِّ إلى فِراطِ ) ( أطلْتُ فِراطَكُمْ حتَّى إذا ما ... قتلْتُ سَراتكُمْ كانت قَطَاطَ ) ( غَدَرْتُمْ غدرةً وغدرْتُ أخرى ... فما إنْ بَيْنَنَا أبداً يَعَاطِ ) أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد قرأت على أبي قال المدائني حدثني رجل من قريش قال كنا عند فلان القرشي فجاءه رجل بجارية فغنته - سريع ( بالله يا ظبي بنِي الحارثِ ... هل مَن وَفَى بالعهدِ كالناكثِ ) وغنته أيضاً بغناء ابن سريج - منسرح - ( يا طولَ ليلِي وبتُّ لم أَنَمِ ... وسادي الهمُّ مُبطنٌ سَقَمي ) فأعجبته واستام مولاها فاشتط عليه فأبى شراءها وأعجبت الجارية بالفتى فلما امتنع مولاها من البيع إلا بشطط قال القرشي فلا حاجة لنا في جاريتك فلما قامت الجارية للانصراف رفعت صوتها تغني وتقول - وافر - ( إذا لم تستطعْ شيئاً فدعْهُ ... وجاوزْه إلى ما تستطيعُ ) قال فقال الفتى القرشي أفأنا لا أستطيع شراءك والله لأشترينك بما بلغت قالت الجارية فذاك أردت قال القرشي إذا لأجبتك وابتاعها من ساعته والله أعلم نسبة ما في هذا الخبر من الغناء صوت سريع ( بالله يا ظَبيَ بني الحارثِ ... هل من وفى بالعهدِ كالناكِثِ ) ( لا تخدَعَنِّي بالمنى باطلاً ... وأنت بي تلعبُ كالعابثِ ) عروضه من السريع الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لابن سريج رمل بالبنصر وفيه لسياط خفيف ثقيل أول بالوسطى وفيه لإبراهيم الموصلي لحن من رواية بذل ومنها - منسرح - صوت ( يا طول ليلي وبتُّ لم أَنَم ... وسادِيَ الهَمُّ مُبْطَنٌ سَقمِي ) ( إذْ قمْتُ ليلاً على البلاط فَأَبْصَرْتُ ... ربيباً فليْتَ لم أقْمِ ) ( فقلتُ عُوجِي تُخبَّرِي خَبراً ... وأنتِ منه كصاحب الحُلُم ) ( قالتْ بلَ اخشى العيونَ إذْ حضرتْ ... حَولي وقلبي مُباشِرُ الألم ) عروضه من المنسرح والشعر والغناء لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وذكر محمد بن الفضل الهاشمي قال حدثنا أبي قال كان المأمون قد أطلق لأصحابه الكلام والمناظرة في مجلسه فناظر بين يديه محمد بن العباس الصولي علي بن الهيثم جونقا في الإمامة فتقلدها أحدهما ودفعها الآخر فلجت المناظرة بينهما إلى أن نبط محمد علياً فقال له علي إنما تكلمت بلسان غيرك ولو كنت في غير هذا المجلس لسمعت أكثر مما قلت فغضب المأمون وأنكر على محمد ما قاله وما كان منه من سوء الأدب بحضرته ونهض عن فرشه ونهض الجلساء فخرجوا وأراد محمد الانصراف فمنعه علي بن صالح صاحب المصلى وهو إذ ذاك يحجب المأمون وقال أفعلت ما فعلت بحضرة أمير المؤمنين ونهض على الحال التي رأيت ثم تنصرف بغير إذن اجلس حتى نعرف رأيه فيك وأمر بأن يجلس قال ومكث المأمون ساعة فجلس على سريره وأمر بالجلساء فردوا إليه فدخل إليه علي بن صالح فعرفه ما كان من قول علي بن محمد في الانصراف وما كان من منعه إياه فقال دعه ينصرف إلى لعنة الله فانصرف وقال المأمون لجلسائه أتدرون لم دخلت إلى النساء في هذا الوقت قالوا لا قال إنه لما كان من أمر هذا الجاهل ما كان لم آمن فلتات الغضب وله بنا حرمة فدخلت إلى النساء فعابثتهن حتى سكن غضبي قال وما مضى محمد عن وجهه إلا إلى طاهر فسأله الركوب إلى المأمون وأن يستوهبه جرمه فقال طاهر ليس هذا من أوقاتي وقد كتب إلي خليفتي في الدار أنه دعا بالجلساء فقال أكره أن أبيت ليلة وأمير المؤمنين علي ساخط فلم يزل به حتى ركب طاهر معه فأذن له فدخل ومجير الخادم واقف على رأس المأمون فلما بصر المأمون بطاهر أخذ منديلاً فمسح به عينيه مرتين أو ثلاثاً إلى أن وصل إليه وحرك شفتيه بشيء أنكره طاهر ثم دنا فسلم فرد السلام وأمره بالجلوس فجلس في موضعه فسأله عن مجيئه في غير وقته فعرفه الخبر واستوهبه ذنب محمد فوهبه له وانصرف وعرّف محمداً ذلك ثم دعا بهارون ابن خنعويه وكان شيخاً خراسانياً داهية ثقة عنده فذكر له فعل المأمون وقال له الق كاتب مجير والطف له واضمن له عشرة آلاف درهم على تعريفك ما قاله المأمون ففعل ذلك ولطف له فعرفه أنه لما رأى طاهراً دمعت عيناه وترحم على محمد الأمين ومسح دمعه بالمنديل فلما عرف ذلك طاهر ركب من وقته إلى أحمد بن أبي خالد الأحول وكان طاهر لا يركب إلى أحد من أصحاب المأمون وكلهم يركب إليه فقال له جئتك لتوليني خراسان وتحتال لي فيها وكان أحمد يتولى فض الخرائط بين يدي المأمون وغسان بن عباد يتولى إذ ذاك خراسان فقال له أحمد هلا أقمت بمنزلك وبعثت إلي حتى أصير إليك ولا يشهر الخبر فيما تريده بما ليس من عادتك لأن المأمون يعلم أنك لا تركب إلى أحد من أصحابه وسيبلغه هذا فينكره فانصرف واغض عن هذا الأمر وأمهلني مدة حتى أحتال لك ولبث مدة وزور ابن أبي خالد كتابا عن غسان بن عباد إلى المأمون يذكر فيه أنه عليل وأنه لا يأمن على نفسه ويسأل أن يستخلف غيره على خراسان وجعله في خريطة وفضها بين يدي المأمون في خرائط وردت عليه فلما قرأ على المأمون الكتاب اغتم به وقال له ما ترى فقال لعل هذه علة عارضة تزول وسيرد بعد هذا غيره فيرى حينئذ أمير المؤمنين رأيه ثم أمسك أياماً وكتب كتابا آخر ودسه في الخرائط يذكر فيه أنه تناهى في العلة إلى ما لا يرجو معه نفسه فلما قرأه المأمون قلق وقال يا أحمد إنه لا مدفع لأمر خراسان فما ترى فقال هذا رأي إن أشرت فيه بما أرى فلم أصب لم أستقبله وأمير المؤمنين أعلم بخدمه ومن يصلح بخراسان منهم قال فجعل المأمون يسمي رجالاً ويطعن أحمد على واحدٍ واحدٍ منهم إلى أن قال فما ترى في الأعور قال إن كان عند أحد قيام بهذا الأمر ونهوض فيه فعنده فدعا به المأمون فعقد له على خراسان وأمره أن يعسكر فعسكر بباب خراسان ثم تعقب الرأي فعلم أنه قد أخطأ فتوقف عن امضائه وخشي أن يوحش طاهراً بنقضه فمضى شهر تام وطاهر مقيم بمعسكره ثم إن المأمون في السحر من ليلة أحد وثلاثين يوماً من عقده له عقد اللواء لطاهر ظاهراً وأمر بإحضار مخارق المغني فأحضر وقد صلى المأمون الغداة مع طلوع الفجر فقال يا مخارق أتغني - وافر - ( إذا لم تستطع شيئاً فدعْهُ ... وجاوزْهُ إلى ما تستطيعُ ) ( وكيف تريدُ أن تُدعَى حكيماً ... وأنت لكلِّ ما تهوى تَبوع ) قال نعم قال هاته فغناه فقال ما صنعت شيئاً فهل تعرف من يقوله أحسن مما تقوله قال نعم علويه الأعسر فأمر بإحضاره فكأنه كان وراء الستر فأمره أن يغنيه فغناه واحتفل فقال ما صنعت شيئاً أتعرف من يقوله أحسن مما تقوله قال نعم عمرو بن بانة شيخنا فأمر بإحضاره فدخل في مقدار دخول علويه فأمر بأن يغنيه الصوت فغناه فأحسن فقال أحسنت ما شئت هكذا ينبغي أن يقال ثم قال يا غلام اسقني رطلا واسق صاحبيه رطلاً رطلاً ثم دعا له بعشرة آلاف درهم وخلعة ثلاثة أثواب ثم أمره بإعادته فأعاده فرد القول الذي قاله وأمر له بمثل ما أمر حتى فعل ذلك عشراً وحصل لعمرو مائة ألف درهم وثلاثون ثوباً ودخل المؤذنون فأذنوه بالظهر فعقد إصبعه الوسطى بإبهامه وقال برق يمان برق يمان وكذلك كان يفعل إذا أراد أن ينصرف من بحضرته من الجلساء فقال عمرو يا أمير المؤمنين قد أنعمت علي وأحسنت إلي فإن رأيت أن تأذن لي في مقاسمة أخوي ما وصل إليّ فقد حضراه فقال ما أحسن ما استمحت لهما بل نعطيهما نحن ولا نلحقهما بك وأمر لكل واحد بمثل نصف جائزة عمرو وبكر إلى طاهر فرحله فلما ثنى عنان دابته منصرفاً دنا منه حميد الطوسي فقال اطرح على ذنبه تراباً فقال اخسأ يا كلب ونفذ طاهر لوجهه وقدم غسان بن عباد فسأله عن علته وسببها فحلف له أنه لم يكن عليلاً ولا كتب بشيء في هذا فعلم المأمون أن طاهراً احتال عليه بابن أبي خالد وأمسك على ذلك فلما كان بعد مدة من مقدم طاهر إلى خراسان قطع الدعاء للمأمون على المنبر يوم الجمعة فقال له عون بن مجاشع بن مسعدة صاحب البريد لم تدع في هذه الجمعة لأمير المؤمنين فقال سهو وقع فلا تكتب به وفعل مثل ذلك في الجمعة الثانية وقال لعون لا تكتب به وفعله في الجمعة الثالثة فقال له عون إن كتب التجار لا تنقطع من بغداد وإن اتصل هذا الخبر بأمير المؤمنين من غيرنا لم آمن أن يكون سبب زوال نعمتي فقال اكتب بما أحببت فكتب إلى المأمون بالخبر فلما وصل كتابه دعا بأحمد بن أبي خالد وقال إنه لم يذهب علي احتيالك في أمر طاهر وتمويهك له وأنا أعطي الله عهداً لئن لم تشخص حتى توافيني به كما أخرجته من قبضتي وتصلح ما أفسدته علي من أمر ملكي لأبيدن غضراءك فشخص أحمد وجعل يتلوم في الطريق ويقول لأصحاب البرد اكتبوا بخبر علة أجدها فلما وصل الري لقيته الأخبار ووافاه رسل طلحة بن طاهر بوفاة طاهر فأغذ السير حتى قدم خراسان فلقيه طلحة على حد غفلة فقال له أحمد لا تكلمني ولا ترني وجهك فإن أباك عرضني للعطب وزوال النعمة مع احتيالي له وسعيي كان في محبته فقال له أبي قد مضى لسبيله ولو أدركته لما خرج عن طاعتك وأما أنا فأحلف لك بكل ما تسكن به نفسك وأبذل كل ما عندي من مال وغيره فاضمن له عني حسن الطاعة وضبط الناحية والإخلاص في النصيحة فكتب أحمد بخبره وخبر طاهر وخبر طلحة إلى المأمون وأشار بتقليده فأنفذ المأمون إليه اللواء والخلع والعهد وانصرف أحمد إلى مدينة السلام أخبرني وكيع قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال مدح ابن هرمة رجلاً من قريش فلم يثبه فقال له ابن عم له لا تفعل فإنه شاعر مفوه فلم يقبل منه فقال فيه ابن هرمة - وافر - ( فهلاَّ إذْ عجزْتَ عن المعالي ... وعمَّا يفعل الرجُل القريعُ ) ( أخذتَ برأي عمروٍ حين ذَكَّى ... وشُبَّ لناره الشرفُ الرفيع ) ( إذا لم تستطع شيئاً فدَعْه ... وجاوزْه إلى ما تستطيع ) ومما قاله عمرو بن معد يكرب في ريحانة أخته وغني فيه قولُه - بسيط - ( هاج لك الشوقُ من ريحانةَ الطربا ... إذْ فارقَتْكَ وأمستْ دارُها غُرُبَا ) ( ما زلْتُ أحبِس يومَ البَيْنِ راحلتي ... حتَّى استمروا وأذْرَتْ دَمْعَها سَرَبا ) ( حتَّى ترَفّعَ بالحُزَّان يركُضها ... مثلَ المَهاة مَرَتْه الريحُ فاضطربا ) ( والغانياتُ يقتِّلْنَ الرجال إذا ... ضَرَّجْنَ بالزعفران الرَّيْطَ والنقّبَا ) ( من كلِّ آنسةٍ لم يَغْذُها عُدُمٌ ... ولا تشدُّ لشيءٍ صوْتَها صَخَبَا ) ( إنّ الغوانيَ قد أَهْلَكْنَنَي وأرى ... حِبالَهُنَّ ضعيفاتِ القُوى كُذُبا ) غنى في هذا الشعر ابن سريج خفيف ثقيل من رواية حماد وفيه رمل نسبه حبش إليه أيضاً وقال الأصمعي هذا الشعر لسهل بن الحنظلية الغنوي ثم الضبيني ثم الجابري وهو جابر بن ضبينة قال أبو الفرج الأصبهاني وسهل بن الحنظلية أحد أصحاب رسول الله وقد روى عنه حديثاً كثيراً فذكر الأصمعي أن السبب في قوله هذا الشعر أنه اجتمع ناس من العرب بعكاظ منهم قرة بن هبيرة القشيري في سنين تتابعت على الناس فتواعدوا وتواقفوا أن لا يتغاوروا حتى يخصب الناس ثم قالوا ابعثوا إلى المنتشر بن وهب الباهلي ثم الوائلي فليشهد أمرنا ولندخله معنا فأتاهم فأعلموه ما صنعوه قال فما يأكل قومي إلى ذاك فقال له ابن جارم الضبي إنك لهناك يا أخا باهلة قال أما أنا فالغسل والنساء علي حرام حتى آكل من قمع إبلك فتفرقوا ولم يكن إلا ذلك وقال ابن جارم للمنتشر عند قوله استك أضيق من ذاك فأغار المنتشر على ابن جارم فلما رآه ابن جارم رمى بنفسه في وجار ضبع وأطرد المنتشر إبله ورعاءها فقال سهل في ذلك ( هاج لك الشَّوقُ من ريحانَةَ الطربا ... ) في قصيدة طويلة له حسنة وقال في ذلك أعشى باهلة - طويل - ( فدىً لك نفسي إذْ تركْتَ ابنَ جَارِمٍ ... أجبَّ السَّنام بعدَ ما كان مُصْعَبَا ) وقال المخبل في ذلك - طويل - ( إنَّ قشيرا من لقاحِ ابن جارم ... كغاسلةٍ حَيْضاً وليست بطاهرِ ) ( وأنبأتماني أنَّ قُرّةَ آمنٌ ... فناك أباه من مجير وخافر ) ( فلا تُوكلوها الباهليَّ وتقعُدوا ... لَدى غَرَضٍ أرميكُمُ بالنواقر ) ( إذا هي حلَّتْ بالذَّهاب وذي حُساً ... وراحت خِفافَ الوَطْء حُوْسَ الخواطر ) أخبرنا أحمد بن عمار قال أخبرني يعقوب بن إسرائيل قال حدثني قعنب ابن المحرز قال أخبرنا الهيثم بن عدي عن ابن عياش عن محمد بن المنتشر قال أخبرني من شهد الأشعث بن قيس وعمرو بن معد يكرب وقد تنازعا في شيء فقال عمرو للأشعث نحن قتلنا أباك ونكنا أمك فقال سعد قوما أف لكما فقال الأشعث لعمرو والله لأضرطنك فقال كلا إنها عزوز موثقة قال جرير بن عبد الله البجلي فأخذت بيد الأشعث فنترته فوقع على وجهه ثم أخذت بيد عمرو فجذبته فما تحلحل والله ولكأنما حركت أسطوانة القصر وقال أبو عبيدة قدم عمرو بن معد يكرب والأجلح بن وقاص الفهمي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأتياه وبين يديه مال يوزن فقال متى قدمتما قالا يوم الخميس قال فما حبسكما قالا شغلنا بالمنزل يوم قدمنا ثم كانت الجمعة ثم غدونا عليك اليوم فلما فرغ من وزن المال نحاه ثم أقبل عليهما فقال هيه فقال عمرو يا أمير المؤمنين هذا الأجلح بن وقاص شديد المرة بعيد الفرة وشيك الكرة والله ما رأيت مثله من الرجال صارعاً ومصروعاً والله لكأنه لا يموت فقال عمر للأجلح بن وقاص وأقبل عليه هيه قال وأنا أعرف الغضب في وجهه فقلت يا أمير المؤمنين الناس صالحون كثير نسلهم دارة أرزاقهم خصب نباتهم أجرياء على عدوهم جبان عدوهم عنهم صالحون بصلاح إمامهم والله ما رأينا مثلك إلا من تقدمك فنستمتع الله بك فقال ما منعك أن تقول في صاحبك مثل الذي قال فيك قال منعني ما رأيت في وجهك قال قد أصبت أما لو قلت له مثل الذي لك لأوجعتكما عقوبة فإن تركتك لنفسك فسوف أتركه لك والله لوددت لو سلمت لكم حالكم هذه أبداً أما إنه سيأتي عليك يوم تعضه وينهشك وتهره وينبحك ولست له يومئذ وليس لك فإن لم يكن بعهدكم فما أقربه منكم قال أبو عبيدة حدثنا يونس وأبو الخطاب قالا لما كان يوم القادسية أصاب المسلمون أسلحة وتيجاناً ومناطق ورقابا فبلغت مالاً عظيماً فعزل سعد الخمس ثم فض البقية فأصاب الفارس ستة آلاف والراجل ألفان فبقي مال دثر فكتب إلى عمر رضي الله عنه بما فعل فكتب إليه أن رد على المسلمين الخمس وأعط من لحق بك ممن لم يشهد الوقعة ففعل فأجراهم مجرى من شهد وكتب إليه عمر بذلك فكتب إليه أن فض ما بقي على حملة القرآن فأتاه عمرو بن معد يكرب فقال ما معك من كتاب الله تعالى فقال إني أسلمت باليمن ثم غزوت فشغلت عن حفظ القرآن قال ما لك في هذا المال نصيب قال وأتاه بشر بن ربيعة الخثعمي صاحب جبانة بشر فقال ما معك من كتاب الله قال بسم الله الرحمن الرحيم فضحك القوم منه ولم يعطه شيئاً فقال عمرو في ذلك - بسيط - ( إذا قُتِلنا ولا يَبْكي لنا أحدٌ ... قالت قريشٌ إلاَ تِلْكَ المقاديرُ ) ( نُعْطى السَّوِيّةَ من طَعْنٍ لَه نَفَذٌ ... ولا سوِيّةَ إذ تُعْطَى الدنانير ) وقال بشر بن ربيعة - طويل - ( أنختُ بباب القادسيّةٍ ناقتي ... وسَعْدُ بن وقّاصٍ عليَّ أميرُ ) ( وسعدٌ أمير شرُّه دونَ خيره ... وخيرُ أميرٍ بالعراق جريرُ ) ( وعند أمير المؤمنين نوافلٌ ... وعند المُثنَّى فضّة وحرير ) ( تذكَّرْ هداكَ الله وَقْعَ سيوفِنا ... بباب قُديس والمَكرُّ عسير ) ( عشيةَ وَدَّ القومُ لو أنَّ بعضَهُمْ ... يُعار جَناحَيْ طائر فيطير ) ( إذا ما فرغنا من قِراعِ كتيبةٍ ... دَلَفْنَا لأخرى كالجبال تسير ) ( ترى القومَ فيها واجمين كأنَّهُمْ ... جمالٌ بأحمالٍ لهنَّ زفير ) فكتب سعد إلى عمر رضي الله تعالى عنه بما قال لهما وما ردا عليه وبالقصيدتين فكتب أن أعطهما على بلائهما فأعطى كل واحد منهما ألفي درهم قال وحدثني أبو حفص السلمي قال كتب عمر إلى سلمان بن ربيعة الباهلي إن في جندك عمرو بن معد يكرب وطلحة بن خويلد الأسدي فإذا حضر الناس فأدنهما وشاورهما وابعثهما في الطلائع وإذا وضعت الحرب أوزارها فضعهما حيث وضعا أنفسهما يعني بذلك ارتدادهما وكان عمرو ارتد وطليحة تنبأ قال وحدثنا أبو حفص السلمي قال عرض سلمان بن ربيعة جنده بأرمينية فجعل لا يقبل إلا عتيقاً فمر به عمرو بن معد يكرب بفرس غليظ فقال سلمان هذا هجين فقال عمرو والهجين يعرف الهجين فبلغ عمر رضي الله تعالى عنه قوله فكتب إليه أما بعد فإنك القائل لأميرك ما قلت وإنه بلغني أن عندك سيفاً تسميه الصمصامة وعندي سيف أسميه مصمماً وأقسم لئن وضعته بين أذنيك لا أقلع حتى يبلغ قحفك وكتب إلى سلمان يلومه في حلمه عنه قال وزعموا أن عمراً شهد فتح اليرموك وفتح القادسية وفتح نهاوند مع النعمان بن مقرن المزني وكتب عمر إلى النعمان إن في جندك رجلين عمرو بن معد يكرب وطليحة بن خويلد الأسدي من بني قعين فأحضرهما الحرب وشاورهما في الأمر ولا تولهما عملاً والسلام صوت - طويل - ( خليليَّ هُبَّا طالما قد رَقَدْتُما ... أجِدَّكُما لا تَقْضِيان كَرَاكُمَا ) ( سأبكيكما طولَ الحياةِ وما الذي ... يَرُدُّ على ذي لَوْعةٍ إنْ بكاكما ) ويروى ذي عولة الشعر لقس بن ساعدة الإيادي فيما أخبرنا به محمد بن العباس اليزيدي في خبر أنا ذاكره هاهنا وذكر يعقوب بن السكيت أنه لعيسى بن قدامة الأسدي وذكر العتبي أنه لرجل من بني عامر بن صعصعة يقال له الحسن بن الحارث والغناء لهاشم بن سليمان ثقيل أول بالوسطى عن عمرو 15 - ذكر خبر قس بن ساعدة ونسبه وقصته في هذا الشعر هو قس بن ساعدة بن عمرو وقيل مكان عمرو شمر بن عدي بن مالك بن أيدعان بن النمر بن واثلة بن الطمثان بن زيد مناة بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد خطيب العرب وشاعرها وحليمها وحكيمها في عصره يقال إنه أول من علا على شرف وخطب عليه وأول من قال في كلامه أما بعد وأول من اتكأ عند خطبته على سيف أو عصا وأدركه رسول الله قبل النبوة ورآه بعكاظ فكان يأثر عنه كلاماً سمعه منه وسئل عنه فقال يحشر أمة وحده وقد سمعت خبره من جهات عدة إلا أنه لم يحضرني وقت كتبت هذا الخبر غيره وهو إن لم يكن من أقواها على مذهب أهل الحديث إسناداً فهو من أتمها أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أبو شعيب صالح بن عمران قال حدثني عمر بن عبد الرحمن بن حفص النسائي قال حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني الحسن بن عبد الله قال حدثني محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس قال لما قدم وفد إياد على النبي قال ما فعل قس بن ساعدة قالوا مات يا رسول الله قال كأني أنظر إليه بسوق عكاظ على جمل له أورق وهو يتكلم بكلام عليه حلاوة ما أجدني أحفظه فقال رجل من القوم أنا أحفظه يا رسول الله قال كيف سمعته يقول قال سمعته يقول أيها الناس اسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت ليل داج وسماء ذات أبراج بحار تزخر ونجوم تزهر وضوء وظلام وبر وآثام ومطعم ومشرب وملبس ومركب ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا وإله قس بن ساعدة ما على وجه الأرض دين أفضل من دين قد أظلكم زمانه وأدرككم أوانه فطوبى لمن أدركه فاتبعه وويل لمن خالفه ثم أنشأ يقول - مجزوء الكامل - ( في الذَّاهبين الأَوَّلينَ ... من القُرون لنا بصائرْ ) ( لمَّا رأيْتُ موارداً ... للموت ليس لها مَصادِرْ ) ( ورأيتُ قومي نحوها ... يَمضِي الأصاغرُ والأكابرْ ) ( أيقنْتُ أنِّي لا مَحالةَ ... حيثُ صار القومُ صائرْ ) فقال النبي ( يرحم الله قساً إني لأرجو أن يبعث يوم القيامة أمة وحده ) فقال رجل يا رسول الله لقد رأيت من قس عجبا قال وما رأيت قال بينا أنا بجبل يقال له سمعان في يوم شديد الحر إذ أنا بقس بن ساعدة تحت ظل شجرة عند عين ماء وعنده سباع كلما زأر سبع منها على صاحبه ضربه بيده وقال كف حتى يشرب الذي ورد قبلك قال ففرقت فقال لا تخف وإذا أنا بقبرين بينهما مسجد فقلت له ما هذان القبران قال هذان قبرا أخوين كانا لي فماتا فاتخذت بينهما مسجداً أعبد الله جل وعز فيه حتى ألحق بهما ثم ذكر أيامهما فبكى ثم أنشأ يقول - طويل - ( خليليَّ هُبَّا طالما قد رَقَدْتُما ... أجِدَّكُما لا تَقْضِيان كَرَاكُمَا ) ( ألم تعلما أنِّي بِسِمْعانَ مفرَدٌ ... وما ليَ فيه من حبيبٍ سِواكما ) ( أقيمُ على قبرَيْكما لستُ بارحاً ... طَوَال الليالي أو يُجِيبَ صَداكما ) ( كأنّكما والموتُ أقربُ غايةٍ ... بجسميَ في قبريْكما قد أتاكما ) ( فلو جُعِلَتْ نفسٌ لنفسٍ وقاية ... لجُدْتُ بنفسي أن تكون فِداكما ) فقال النبي ( يرحم الله قساً ) وأما الحكاية عن يعقوب بن السكيت أن الشعر لعيسى بن قدامة الأسدي فأخبرني بها علي بن سليمان الأخفش عن السكوني قال قال يعقوب بن السكيت قال عيسى بن قدامة الأسدي وكان قدم قاسان وكان له نديمان فماتا وكان يجيء فيجلس عند القبرين وهما براوند في موضع يقال له خزاق فيشرب ويصب على القبرين حتى يقضي وطره ثم ينصرف وينشد وهو يشرب - طويل - ( خليليَّ هُبَّا طالما قد رَقَدْتُما ... أجِدَّكما لا تقضيانِ كَراكُمَا ) ( ألم تعلما ما لي براوَنْدَ هذهِ ... ولا بخُزاقٍ من نديمٍ سواكُما ) ( مقيمٌ على قبرَيْكما لستُ بارحاً ... طِوَالَ الليالي أو يجِيبَ صَداكما ) ( جَرى الموتُ مجرى اللحمِ والعظم منكما ... كأنّ الذي يَسقي العُقارَ سَقاكما ) ( تحمَّل مَنْ يَهوي القُفولَ وغادَروا ... أخاً لكما أشجاه ما قد شجاكما ) ( فأيُّ أخٍ يجفو أخاً بعد موتِه ... فلستُ الذي مِن بَعْد موتٍ جفاكما ) ( أَصُبُّ على قبريْكما من مُدامةٍ ... فإلاّ تَذُوقا أُرْوِ منها ثَراكما ) ( أناديكما كيما تجيبا وتَنْطقا ... وليس مجاباً صوتُه مَن دعاكما ) ( أمِن طولِ نومٍ لا تُجيبان داعياً ... خليليَّ ما هذا الذي قد دهاكما ) ( قضَيْتُ بأنِّي لا محالةَ هالِكٌ ... وأني سيعروني الذي قد عراكما ) ( سأبكيكما طولَ الحياة وما الذي ... يردُّ على ذي عَوْلةٍ إنْ بكاكما ) وأخبرني ابن عمار أبو العباس أحمد بن عبيد الله بخبر هؤلاء عن أحمد بن يحيى البلاذري قال حدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي قال بلغني أن ثلاثة نفر من أهل الكوفة كانوا في الجيش الذي وجهه الحجاج إلى الديلم وكانوا يتنادمون لا يخالطون غيرهم فإنهم لعلى ذلك إذ مات أحدهم فدفنه صاحباه وكانا يشربان عند قبره فإذا بلغه الكأس هراقاها على قبره وبكيا ثم إن الثاني مات فدفنه الباقي إلى جنب صاحبه وكان يجلس عند قبريهما فيشرب ويصب الكأس على الذي يليه ثم على الآخر ويبكي وقال فيهما ( نديميَّ هُبَّا طالما قد رَقَدْتُما ... ) وذكر بعض الأبيات التي تقدم ذكرها وقال مكان براوند هذه بقزوين وسائر الخبر نحو ما ذكرناه قال ابن عمار فقبورهم هناك تعرف بقبور الندماء ذكر العتبي عن أبيه أن الشعر للحزين بن الحارث أحد بني عامر بن صعصعة وكان أحد نديميه من بني أسد والآخر من بني حنيفة فلما مات أحدهما كان يشرب ويصب على قبره ويقول - رمل - ( لا تُصَرِّدْ هامةً من كأسها ... واسقِهِ الخمرَ وإن كان قُبِرْ ) ( كان حُرّاً فهوى فيمن هوى ... كلُّ عودٍ ذي شُعُوبٍ يَنْكَسِرْ ) قال ثم مات الآخر فكان يشرب عند قبريهما وينشد ( خليليَّ هبا طالما قد رَقَدْتُما ... ) الأبيات قال ثم قالت له كاهنة إنك لا تموت حتى تنهشك حية في شجرة بوادي كذا وكذا فورد ذلك الوادي في سفر له وسأل عنه فعرفه وقد كان خط في أصل شجرة ومد رجله عليه فنهشته حية فأنشأ يقول - طويل - ( خليليَّ هذا حيثُ رَمْسِي فَعَرِّجَا ... عليَّ فإنِّي نازلٌ فَمُعَرِّسُ ) ( لَبِسْتُ رداءَ العيش أَحْوَى أجُّره العَشِيّاتِ ... حتَّى لم يكنْ فيه مَلْبَسُ ) ( تَرَكْتُ خِبائي حيثُ أَرْسَى عمادَه ... عليَّ وهذا مَرْمَسِي حيث أُرْمَسُ ) ( أَحَتْفِي الذي لا بدَّ أنَّك قاتلي ... هَلمَّ فما في غابر العيش مَنْفَس ) ( أبعدَ نديميَّ اللذَيْن بعاقلٍ ... بَكَيْتُهما حولاً مَدى أتوجَّس ) 16 - ذكر هاشم بن سليمان وبعض أخباره هو هاشم بن سليمان مولى بني أمية ويكنى أبا العباس وكان موسى الهادي يسميه أبا الغريض وهو حسن الصنعة عزيزها وفيه يقول الشاعر - سريع - ( يا وَحشتي بعدك يا هاشمُ ... غِبْتَ فَشَجْوي بك لي دائمُ ) ( اللهوُ واللذّةُ يا هاشمُ ... ما لم تكن حاضرَه مأتَمُ ) أخبرني علي بن عبد العزيز قال حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبه قال كان موسى الهادي يميل إلى هاشم بن سليمان ويمازحه ويلقبه أبا الغريض وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد قال بلغني أن هاشم بن سليمان دخل يوماً على موسى الهادي فغناه - مجزوء الكامل - صوت ( لو يُرسِل الأَزْلُ الظِّباء ... تَرودُ ليس لهنَّ قائدْ ) ( لَتَيَمَّمَتْكَ تدُلُّها ... رَيّاكَ للسُّبُل الموارد ) ( وإذا الرياحُ تنكَّرتْ ... نُكْباً هواجرُها صَوَاردْ ) ( فالناس سائلةٌ إليكَ ... فصادرا تُغنِي وواردْ ) الشعر لطريح بن إسماعيل الثقفي يقوله في الوليد بن يزيد بن عبد الملك والغناء لهاشم بن سليمان خفيف ثقيل أول بالبنصر فطرب موسى وكان بين يديه كانون كبير ضخم عليه فحم فقال له سلني ما شئت قال تملأ لي هذا الكانون فأمر له بذلك وفرغ الكانون فوسع ست بدور فدفعها إليه وقد أخبرني بهذا الخبر الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد عن أبي توبة عن محمد بن جبر عن هاشم بن سليمان قال أصبح موسى أمير المؤمنين يوماً وعنده جماعة منا فقال يا هاشم غنني - كامل - ( أبَهَارُ قد هيَّجْتِ لي أوجاعا ... ) فإن أصبت مرادي فيه فلك حاجة مقضية فغنيته فقال قد أصبت وأحسنت سل حاجتك فقال يا أمير المؤمنين تأمر أن يملأ هذا الكانون دراهم قال وبين يديه كانون عظيم فأمر به فملئ فوسع ثلاثين ألف درهم فلما حصلتها قال يا ناقص الهمة والله لو سألتني أن أملأه دنانير لفعلت فقلت أقلني يا أمير المؤمنين فقال لا سبيل إلى ذلك فلم يسعدك الجد به نسبة هذا الصوت - كامل - ( أبهارُ قد هيَّجْتِ لي أوجاعاً ... وتركتِني عبداً لكُمْ مِطْواعا ) ( بحديثِكِ الحَسَنِ الذي لو كُلِّمتْ ... وَحْشُ الفلاةِ به لَجِئْنَ سِراعا ) ( وإذا مررْتُ على البَهَار مُنَضَّدا ... في السُّوق هَيَّجَ لي إليكِ نزاعا ) ( واللهِ لو عَلِم البَهارُ بأنَّها ... أضحَتْ سميَّتَه لصار ذِراعا ) الغناء لهاشم ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو وفيه ثقيل أول بالبنصر ينسب إلى إبراهيم الموصلي وإلى يحيى المكي وإلى إسحاق أخبرني أحمد بن عبد العزيز واسماعيل بن يونس قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني بعض أصحابنا قال كنا في منزل محمد بن اسماعيل بن علي بن عبد الله بن عباس وكان عالماً بالغناء والفقه جميعاً وقد كان يحيى بن أكثم وصفه للمأمون بالفقه ووصفه أحمد بن يوسف بالعلم بالغناء فقال المأمون ما أعجب ما اجتمع فيه العلم بالفقه والغناء فكتبت إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلي أن يتحول إلينا وكان في جوارنا وعندنا يومئذ محمد بن أيوب بن جعفر ابن سليمان وذكاء وصغير غلاما أحمد بن يوسف الكاتب فكتب إلينا إسحاق جعلت فداءكم قد أخذت دواء فإذا خرجت منه حملت قدري وصرت إليكم وكتب في أسفل كتابه - رجز - ( أنا شماطيط الذي حُدِّثتَ بِهْ ... مَتَى أنبَّهْ للغَدَاءِ أنتبهْ ) ( ثم أدور حولَه وأحتبِهْ ... حتّى يقال شِرْهٌ ولسْتُ بِهْ ) ثم جاءنا ومعه بديح غلامه فتغدينا وشربنا فغنى ذكاء غلام أحمد بن يوسف ( أبهارُ قد هيّجْتِ لي أوجاعا ... ) كامل فسأله إسحاق أن يعيده فأعاده مراراً ثم قال له ممن أخذت هذا فقال من معاذ بن الطبيب قال والصنعة فيه له فقال له إسحاق أحب أن تلقيه على بديح ففعل فلما صليت العشاء انصرف ذكاء وقعد أبو جعفر يشرب يعني مولاه وعنده قوم وتخلف صغير فغنانا فقال له إسحاق أنت والله يا غلام ماخوري وسكر محمد بن إسماعيل في آخر النهار فغنانا - متقارب - ( دَعُوني أغُضُّ إذا ما بَدَتْ ... وأملِكُ طَرْفِي فلا أنظرُ ) فقال إسحاق لمحمد بن الحسن آجرك الله في ابن عمك أي قد سكر فأقدم على الغناء بحضرتي نسبة هذا الصوت صوت - متقارب - ( هَبُوني أَغُضُّ إذا ما بَدَتْ ... وأملِك طَرْفي فلا أنظُرُ ) ( فكيف احتيالي إذا ما الدموعُ ... نَطَقْنَ فَبُحْنَ بما أضمِرُ ) ( أيا مَنْ سروري به شِقْوةٌ ... ومَنْ صفوُ عيشي به أكْدرُ ) ( أَمِنِّي تخاف انتشارَ الحديثِ ... وحظِّيَ في سَتْره أوفَرُ ) ( ولو لم أصُنْه لِبُقْيَا عليك ... نظرْتُ لنفسي كما تنظر ) الشعر للعباس بن الأحنف والغناء للزبير بن دحمان ثقيل أول بالوسطى عن عمرو في الأبيات الثلاثة الأول وفيها لعمرو بن بانة ماخوري وفي ( أيا مَن سُروري به شِقْوَةٌ ... ) لسليم هزج وفيه ثاني ثقيل ينسب إلى حسين بن محرز وإلى عباس منقار صوت - رجز - ( هذا أوانُ الشدِّ فاشتدِّي زِيَمْ ... قد لَفَّها الليلُ بسوّاقٍ حُطمْ ) ( ليسَ براعي إبلٍ ولا غَنمْ ... ولا بجَزّارٍ على ظهرٍ وَضَمْ ) عروضه من الرجز الشعر لرشيد بن رميض العنزي يقوله في الحطم وهو شريح بن ضبيعة وأمه هند بنت حسان بن عمرو بن مرثد والغناء ليزيد حوراء - خفيف - ثقيل أول بالبنصر وفيه خفيف رمل يقال إنه لأحمد المكي قال أبو عبيدة كان شريح بن ضبيعة غزا اليمن في جموع جمعها من ربيعة فغنم وسبى بعد حرب كانت بينه وبين كندة أسر فيها فرعان بن مهدي بن معد يكرب عم الأشعث بن قيس وأخذ على طريق مفازة فضل بهم دليلهم ثم هرب منهم ومات فرعان في أيديهم عطشاً وهلك منهم ناس كثير بالعطش وجعل الحطم يسوق بأصحابه سوقاً عنيفاً حتى نجوا ووردوا الماء فقال فيه رشيد - رجز - ( هذا أوانُ الشدَّ فاشتدي زِيَمْ ... ليسَ براعي إبلٍ ولا غنمْ ) ( ولا بجزّارَ على ظهرِ وضَمْ ... نامَ الحداةُ وابن هندٍ لم يَنَمْ ) ( باتتْ يقاسِيها غلامٌ كالزَّلَمْ ... خَدلَّج السَّاقين خَفّافُ القدمْ ) ( قد لفَّها الليلُ بسَوّاقٍ حُطَمْ ... ) فلقب يومئذ الحطم لقول رشيد هذا فيه وأدرك الحطم الإسلام فأسلم ثم ارتد بعد وفاة رسول الله حدثنا محمد بن جرير الطبري قال حدثنا عبد الله بن سعد الزهري قال أخبرنا عمي يعقوب قال أخبرني سيف قال خرج العلاء بن الحضرمي نحو البحرين وكان من حديث البحرين أن رسول الله لما مات ارتدوا ففاءت عبد القيس منهم وأما بكر فتمت على ردتها وكان الذي ثنى عبد القيس الجارود بن المعلى فذكر سيف عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن بن أبي الحسن قال قدم الجارود بن المعلى على النبي مرتاداً وقال أسلم يا جارود فقال إن لي ديناً قال له النبي إن دينك يا جارود ليس بشيء وليس بدين فقال له الجارود فإن أنا أسلمت فما كان من تبعة في الإسلام فعليك قال نعم فأسلم وأقام بالمدينة حتى فقه حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل عن أبي إسحاق قال اجتمعت ربيعة بالبحرين فقالوا ردوا الملك في آل المنذر فملكوا المنذر بن النعمان بن المنذر وكان يسمى الغرور ثم أسلم بعد ذلك وقال لست بالغرور ولكني المغرور حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا عبد الله بن سعد قال أخبرني عمي قال أخبرنا سيف عن إسماعيل بن مسلم عن عمير بن فلان العبدي قال لما مات رسول الله خرج الحطم بن ضبيعة في بني قيس بن ثعلبة ومن اتبعه من بكر بن وائل على الردة ومن تأشب إليه من غير المرتدين ممن لم يزل كافراً حتى نزل القطيف وهجر واستغوى الخط و من كان بهما من الزط والسيابجة وبعث بعثاً إلى دارين فأقا موا له ليجعل عبد القيس بينهم وبينه وكانوا مخالفين له يمدون المنذرو المسلمين وأرسل إلى الغرور بن سويد بن المنذر ابن أخي النعمان بن المنذر فقال له اثبت فإني إن ظفرت ملكتك البحرين حتى تكون كالنعمان بالحيرة وبعث إلى رواثا وقيل إلى جؤاثا فحاصرهم وألح عليهم فاشتد الحصار على المحصورين من المسلمين وفيهم رجل من صالحي المسلمين يقال له عبد الله بن حذف أحد بني أبي بكر بن كلاب فاشتد عليه وعليهم الجوع حتى كادوا يهلكون فقال عبد الله بن حذف - وافر - ( ألاَ أبلِغْ أبا بكرٍ رسولاً ... وفتيانَ المدينةِ أجمعينا ) ( فهلْ لَكُمُ إلى قومٍ كرامٍ ... قُعُودٍ في جؤاثاً مُحْصَرِينا ) ( كأنَّ دماءهُمْ في كل فَجٍّ ... شُعاعُ الشمس يُعشي الناظرينا ) ( توكَّلْنا على الرحمن إنّا ... وجَدْنا النَّصْرَ للمتوكلينا ) حدثني محمد بن جرير قال كتب إلى السري بن يحيى عن شعيب بن إبراهيم عن سيف بن عمر عن الصقعب بن عطية بن بلال عن سهم بن منجاب عن منجاب بن راشد قال بعث أبو بكر العلاء بن الحضرمي على قتال أهل الردة بالبحرين فتلاحق به لم من لم يرتد من المسلمين وسلك بنا الدهناء حتى إذا كنا في بحبوحتها أراد الله عز و جل أن يرينا آية فنزل العلاء وأمر الناس بالنزول فنفرت الإبل في جوف الليل فما بقي بعير ولا زاد ولا مزاد ولا بناء يعني الخيم قبل أن يحطوا فما علمت جمعاً هجم عليه من الغم ما هجم علينا وأوصى بعضنا إلى بعض ونادى منادي العلاء اجتمعوا فاجتمعنا إليه فقال ما هذا الذي ظهر فيكم وغلب عليكم فقال الناس وكيف نلام ونحن إن بلغنا غداً لم تحم شمسه حتى نصير حديثاً فقال أيها الناس لا تراعوا ألستم مسلمين ألستم في سبيل الله ألستم أنصار الله قالوا بلى قال فأبشروا فوالله لا يخذل الله تبارك وتعالى من كان في مثل حالكم ونادى المنادي بصلاة الصبح حين طلع الفجر فصلى بنا ومنا المتيمم ومنا من لم يزل على طهوره فلما قضى صلاته جثا لركبتيه وجثا الناس معه فنصب في الدعاء ونصبوا فلمع لهم سراب فأقبل على الدعاء ثم لمع لهم آخر كذلك فقال الرائد ماء فقام وقام الناس فمشينا حتى نزلنا عليه فشربنا واغتسلنا فما تعالى النهار حتى أقبلت الإبل من كل وجه وأناخت إلينا فقام كل رجل إلى ظهره فأخذه فما فقدنا سلكا فأرويناها العلل بعد النهل وتروحنا وكان أبو هريرة رفيقي فلما غبنا عن ذلك المكان قال لي كيف علمك بموضع ذلك الماء فقلت أنا أهدى الناس بهذه البلاد قال فكر معي حتى تقيمني عليه فكررت به فأنخت على ذلك ُ المكان بعينه فإذا هو لا غدير به ولا أثر للماء فقلت له والله لولا أني لا أرى الغدير لأخبرتك أن هذا هو المكان وما رأيت بهذا المكان ماء قبل ذلك فنظر أبو هريرة فإذا إداوة مملوءة فقال يا سهم هذا والله المكان ولهذا رجعت ورجعت بك وملأت إداوتي هذه ثم وضعتها على شفير الوادي فقلت إن كان منا من المن وكانت آية عرفتها وإن كان غياثاً عرفته فإذا من من المن وحمدت الله جل وعز ثم سرنا حتى نزلنا هجر فأرسل العلاء إلى الجارود ورجل آخر أن انضما في عبد القيس حتى تنزلا على الحطم مما يليكما وخرج هو فيمن معه وفيمن قدم عليه حتى ينزل مما يلي هجر وتجمع المسلمون كلهم إلى العلاء بن الحضرمي ثم خندق المسلمون والمشركون فكانوا يتراوحون القتال ويرجعون إلى خندقهم فكانوا كذلك شهراً فبينا الناس ليلة كذلك إذ سمع المسلمون في عسكر المشركين ضوضاء شديدة فكأنها ضوضاء هزيمة فقال العلاء من يأتينا بخبر القوم فقال عبد الله بن حذف أنا آتيكم بخبر القوم وكانت أمه عجلية فخرج حتى إذا دنا من خندقهم أخذوه فقالوا له من أنت فانتسب لهم وجعل ينادي يا أبجراه فجاء أبجر بن بجير فعرفه فقال ما شأنك فقال لا أضيعن الليلة بين اللهازم علام أقتل وحولي عساكر من عجل وتيم اللات وعنزة وقيس أيتلاعب بي الحطم ونزاع القبائل وأنتم شهود فتخلصه وقال والله إني لأظنك بئس ابن الأخت لأخوالك الليلة قال دعني من هذا وأطعمني فقد مت جوعاً فقرب إليه طعاماً فأكل ثم قال زودني واحملني وجوزني انطلق إلى طيتي ويقول ذلك لرجل قد غلب عليه الشراب ففعل وحمله على بعير وزوده وجوزه وخرج عبد الله حتى دخل عسكر المسلمين فأخبرهم أن القوم سكارى فخرج القوم عليهم حتى اقتحموا عسكرهم فوضعوا فيهم السيوف حيث شاؤوا واقتحموا الخندق هرابا فمترد وناج ودهش ومقتول ومأسور واستولى المسلمون على ما في العسكر ولم يفلت رجل إلا بما عليه فأما أبجر فأفلت وأما الحطم فإنه بعل ودهش وطار فؤاده فقام إلى فرسه والمسلمون خلالهم يجوسونهم ليركبه فلما وضع رجله في الركاب انقطع فمر به عفيف بن المنذر أحد بني عمرو بن تميم والحطم يستغيث ويقول ألا رجل من بني قيس ابن ثعلبة يعقلني فرفع صوته فعرفه عفيف فقال أبو ضبيعة قال نعم قال أعطني رجلك أعقلك فأعطاه رجله يعقلها فنفحها فأطنها من الفخذ وتركه فقال أجهز علي فقال إني لأحب أن لا تموت حتى أمضك وكان مع عفيف عدة من ولد أبيه فأصيبوا ليلتئذ وجعل الحطم يقول ذلك لمن لا يعرفه حتى مر به قيس بن عاصم فقال له ذلك فعرفه فمال عليه فقتله فلما رأى فخذه نادرة قال واسوأتاه لو عرفت الذي به لم أحركه وخرج المسلمون بعد ما أحرزوا الخندق على القوم يطلبونهم فاتبعوهم فلحق قيس بن عاصم أبجر وكان فرس أبجر أقوى من فرس قيس فلما خشي أن يفوته طعنه في العرقوب فقطع العصب وسلم النسا فقال عفيف بن المنذر في ذلك - طويل - ( فإن يَرْقَأِ العرقوبُ لا يرقأ النَّسا ... وما كلُّ مَن يبقى بذلك عالمُ ) ( ألم تَرَ أنَّا قد فَلَلْنَا حُماتَهُمْ ... بأسرةِ عمروٍ والرِّباب الأكارِمِ ) وأسر عفيف بن المنذر الغرور ابن أخي النعمان بن المنذر فكلمته الرباب فيه وكان ابن أختهم وسألوه أن يجيره فجاء به إلى العلاء قال إني أجرته قال ومن هو قال الغرور قال العلاء أنت غررت هؤلاء قال أيها الملك إني لست بالغرور ولكني المغرور قال أسلم فأسلم وبقي بهجر وكان الغرور اسمه ليس بلقب وقتل العفيف أيضاً المنذر بن سويد أخا الغرور لأمه وكان له يومئذ بلاء عظيم فأصبح العلاء يقسم الأنفال ونفل رجالاً من أهل البلاء ثيابا فكان فيمن نفل عفيف بن المنذر وقيس بن عاصم وثمامة بن أثال فأما ثمامة فنفل ثيابا فيها خميصة ذات أعلام وكان الحطم يباهي فيها وباع الباقي وهرب الفل إلى دارين فركبوا إليها السفن فجمعهم الله عز و جل بها وندب العلاء الناس إلى دارين وخطبهم فقال إن الله عز و جل قد جمع لكم أحزاب الشيطان وشذاذ الحرب في هذا اليوم وقد أراكم من آياته في البر لتعتبروا بها في البحر فانهضوا إلى عدوكم ثم استعرضوا البحر إليهم فإن الله جل وعز قد جمعهم به فقالوا نفعل ولا نهاب والله بعد الدهناء هولاً ما بقينا فارتحل وارتحلوا حتى أتى ساحل البحر فاقتحموا على الخيل هم والحمولة والإبل والبغال الراكب والراجل ودعا ودعوا وكان دعاؤه و دعاؤهم يا أرحم الراحمين يا كريم يا حليم يا صمد يا حي يا محيي الموتى يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت يا ربنا فأجازوا ذلك الخليج بإذن الله يمشون على مثل رملة ميثاء فوقها ماء يغمر أخفاف الإبل وبين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفن البحر ووصل المسلمون إليها فما تركوا من المشركين بها مخبرا وسبوا الذراري واستاقوا الأموال فبلغ من ذلك نفل الفارس من المسلمين ستة آلاف والراجل ألفين فلما فرغوا رجعوا عودهم على بدئهم وفي ذلك يقول عفيف - طويل - ( ألم تَرَ أنَّ الله ذلَّل بحرَه ... وأنزَلَ بالكفَّار إحدى الجلائلِ ) ( دَعَوْنا الذي شَقَّ البحارَ فجاءنا ... بأعجبَ مِن شقّ البحار الأوائلِ ) وأقفل العلاء الناس إلا من أحب المقام فاختار ثمامة بن أثال الذي نفله العلاء خميصة الحطم حين نزل على ماء لبني قيس بن ثعلبة فلما رأوه عرفوا الخميصة فبعثوا إليه رجلاً فسألوه أهو الذي قتل الحطم قال لا ولوددت أني قتلته قالوا فأنى لك حلته قال نفلتها قالوا وهل ينفل إلا القاتل قال إنها لم تكن عليه إنما كانت في رحله قالوا كذبت فقتلوه وكان بهجر راهب فأسلم فقيل له ما دعاك إلى الإسلام فقال ثلاثة أشياء خشيت أن يمسخني الله بعدها إن أنا لم أفعل فيض في الرمال وتمهيد أثباج البحور ودعاء سمعته في عسكرهم في الهواء من السحر قالوا وما هو قال اللهم إنك أنت الرحمن الرحيم لا إله غيرك والبديع ليس قبلك شيء والدائم غير الغافل والحي الذي لا يموت وخالق ما يرى وما لا يرى وكل يوم أنت في شأن وعلمت اللهم كل شيء بغير تعليم فعلمت أن القوم لم يعاونوا بالملائكة إلا وهم على أمر الله جل وعز فلقد كان أصحاب رسول الله يسمعون هذا من ذلك الهجري بعد صوت - خفيف - ( يا خليليَّ من مَلامٍ دعانِي ... وألِمَّا الغداةَ بالأظعان ) ( لا تَلوما في آل زينبَ إنّ القلبَ ... رَهْنٌ بآلِ زينبَ عانِ ) الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء للغريض خفيف رمل بالبنصر وهذا الشعر يقوله في زينب بنت موسى أخت قدامة بن موسى الجمحي أخبرني حرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة قال حدثني قدامة بن موسى قال خرجت بأختي زينب بنت موسى إلى العمرة فلما كنت بسرف لقيني عمر بن أبي ربيعة على فرس فسلم عليّ فقلت إني أراك متوجهاً يا أبا الخطاب قال ذكرت لي امرأة من قومي برزة الجمال فأردت الحديث معها قلت أما علمت أنها أختي قال لا والله واستحيا وثنى عنق فرسه راجعاً إلى مكة أخبرني حرمي قال حدثني الزبير قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز الزهري قال نسب ابن أبي ربيعة بزينب بنت موسى الجمحي أخت قدامة بن موسى فقال - خفيف - ( يا خليليَّ من مَلامٍ دعانِي ... ) وذكر البيتين وبعدهما ( لمْ تَدَعْ للنِّساء عندي نَصِيباً ... غيرَ ما قلْتُ مازِحاً بلساني ) فقال له ابن أبي عتيق أما قلبك فمغيب عنا وأما لسانك فشاهد عليك أخبرني الحرمي قال حدثني الزبير قال قال عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز الزهري لما نسب عمر بن أبي ربيعة بزينب قال ( لمْ تَدَعْ للنِّساء عندي نَصِيباً ... غيرَ ما قلْتُ مازِحاً بلساني ) قال له ابن أبي عتيق رضيت لهما بالمودة وللنساء بالدهفشة قال والدهفشة التجميش والخديعة بالشيء اليسير أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال أخبرني مثل ذلك عبد الملك بن عبد العزيز عن يوسف بن الماجشون قال فبلغ ذلك أبا وداعة السهمي فأنكره فقيل لابن أبي عتيق أبو وداعة قد اعترض لعمر بن أبي ربيعة دون زينب بنت موسى الجمحي وقال لا أقر له أن يذكر في الشعر امرأة من بني هصيص فقال ابن أبي عتيق لا تلوموا أبا وداعة أن ينعظ من سمرقند على أهل عدن قال عبد الملك وفيها يقول أيضاً عمر - خفيف - ( طالَ عن آل زينب الإِعراضُ ... للتعزِّي وما بنا الإِبغاضُ ) ( ووليداً قد كان عُلِّقها القلْبُ ... إلى أنْ علا الرؤوسَ البياض ) ( حَبْلُها عندنا متينٌ وحَبلِي ... عندَها واهنُ القوى أنقاضُ ) غناه ابن محرز رمل بالبنصر عن حبش وفيها يقول أيضاً - خفيف صوت ( أيها الكاشِح المعيِّر بالصُّرْمِ ... تزحزَحْ فما بها الهِجرانُ ) ( لا مطاعٌ في آل زينبَ فارِجعْ ... أو تكلَّمْ حتّى يملَّ اللسان ) ( فاجعلِ الليلَ مَوْعِداً حين يمسي ... ويُعفِّي حديثَنا الكتمان ) ( كيف صبري عن بَعضِ نفسي وهل يَصبِرُ ... عن بعضِ نفسِه إنسان ) ( ولقد أشهدُ المحدّث عند القَصر ... فيه تعفُّفٌ وبَيان ) ( في زمانٍ من المعيشة لَذِّ ... قد مضى عصرُه وهذا زمانُ ) عروضه من الخفيف غناه ابن سريج ولحنه رمل بالوسطى من نسخة عمرو بن بانة الثانية ووافقته دنانير وذكر يونس أن فيه لابن محرز ولابن عباد الكاتب لحنين ولم يجنسهما وأول لحن عباد لا مطاع في آل زينب وأول لحن ابن محرز ولقد أشهد المحدث قال وفيها يقول أيضاً طويل صوت ( أحدِّثُ نفسي والأحاديثُ جَمْةٌ ... وأكْبَرُ همِّي والأحاديثُ زينبُ ) ( إذا طَلَعَتْ شمسُ النهار ذكَرْتُها ... وأَحْدِثُ ذكراها إذا الشمسُ تَغرب ) ذكر حماد عن أبيه أن فيه للهذلي لحناً لم ينسبه صوت - مجزوء الكامل - ( يا نُصْبَ عَيْنِيَ لا أرى ... حيثُ التَفَتُّ سواكِ شَيّا ) ( إنِّي لَمَيْتٌ إنْ صَدَدْتِ ... وإن وَصَلْتِ رَجَعْتُ حيّا ) الشعر لعليّ بن أديم الجعفي الكوفي والغناء لعمرو بن بانة رمل بالوسطى 17 - ذكر علي بن أديم وخبره هو رجل من تجار أهل الكوفة كان يبيع البز وكان متأدبا صالح الشعر يهوى جارية يقال لها منهلة واستهيم بها مدة ثم بيعت فمات أسفاً عليها وله حديث طويل معها في كتاب مفرد مشهور صنعه أهل الكوفة لهما فيه ذكر قصصهما وقتاً وقتا وما قال فيها من الأشعار وأمرهما متعالم عند العامة وليس مما يصلح الإطالة به أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني محمد بن داود بن الجراح قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال قال دعبل بن علي كان بالكوفة رجل يقال له علي بن أديم وكان يهوى جارية لبعض أهلها فتعاظم أمره وبيعت الجارية فمات جزعاً عليها وبلغها خبره فماتت قال وحدثني بعض أهل الكوفة أنه علقها وهي صبية تختلف إلى الكتاب فكان يجيء إلى ذلك المؤدب فيجلس عنده لينظر إليها فلما أن بلغت باعها مواليها لبعض الهاشميين فمات جزعاً عليها قال وأنشدني له أيضاً - كامل - صوت ( صاحُوا الرَّحيلُ وحثَّني صَحْبي ... قالوا الرواحُ فطيَّروا لُبِّي ) ( واشتقْتُ شوقاً كاد يقتلني ... والنفْسُ مشرِفة على نَحْبِ ) ( لم يَلْقَ عند البَيْنِ ذو كَلَفٍ ... يوماً كما لاقيْتُ من كَرب ) ( لا صَبْرَ لي عند الفراق على ... فَقْدِ الحبيب ولوعةِ الحبِّ ) الشعر لعلي بن أديم الكوفي الجعفي والغناء لحكم الوادي وذكر حبش أن لابراهيم بن أبي الهيثم فيه لحناً والله أعلم أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أبو بكر العمري قال حدثني دعبل بن علي قال كان بالكوفة رجل من بني أسد يقال له علي بن أديم فهوي جارية لبعض نساء بني عبس فباعتها لرجل من بني هاشم فخرج بها عن الكوفة فمات علي بن أديم جزعاً عليها بعد ثلاثة أيام من خروجها وبلغها خبره فماتت بعده فعمل أهل الكوفة لهما أخباراً هي مشهورة عندهم حدثني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أبو بكر العمري قال حدثنا محمد بن سماعة قال آخر من مات من العشق علي بن أديم الجعفي مر بمكتب في بني عبس بالكوفة فرأى فيه جارية تسمى منهلة عليها ثياب سواد فاستهيم بها وأعجبته وكلف بها وقال فيها - مجزوء الكامل - ( إنِّي لمَا يعتادني ... من حبِّ لابسةِ السوادِ ) ( في فتنةٍ وبليّةٍ ... ما إنْ يطيقُهُما فُؤادي ) ( فبقِيتُ لا دُنْيَا أصبْتُ ... وفاتني طلبُ المعَادِ ) وسأل عنها فإذا لها مالكة عبسية وكان ابن أديم خزازاً فتحمل أبوه بجماعة من التجار على مولاتها لتبيعها فأبت وخرج إلى أم جعفر ورفع إليها قصته يسألها فيها المعونة على الجارية فخرج له توقيع بما أحب وأقام يتنجز تمام أمره فبينا هو ذات يوم على باب أم جعفر إذ خرجت امرأة من دارها فقالت أين العاشق فأشاروا إليه فقالت أنت عاشق وبينك وبين من تحب القناطر والجسور والمياه والأنهار مع ما لا يؤمن من حدوث الحوادث فكيف تصبر على هذا إنك لجسور صبور فخامر قلبه هذا القول وجزع فبادر فاكترى بغلاً إلى الكوفة على الدخول فمات يوم دخول الكوفة 18 - ذكر عمرو بن بانة هو عمرو بن محمد بن سليمان بن راشد مولى ثقيف وكان أبوه صاحب ديوان ووجهاً من وجوه الكتاب وينسب إلى أمه بانة بنت روح القحطبية وكان مغنياً محسناً وشاعراً صالح الشعر وصنعته صنعة متوسطة النادر منها ليس بالكثير وكان يقعده عن اللحاق بالمتقدم في الصنعة أنه كان مرتجلاً والمرتجل من المحدثين لا يلحق الضراب وعلى ذلك فما فيه مطعن ولا يقصر جيد صنعته عن صنعة غيره من طبقته وإن كانت قليلة وروايته أحسن رواية وكتابه في الأغاني أصل من الأصول وكان يذهب مذهب إبراهيم بن المهدي في الغناء وتجنيسه ويخالف إسحاق ويتعصب عليه تعصباً شديداً ويواجهه بذلك وينصر إبراهيم بن المهدي عليه وكان تياهاً معجبا شديد الذهاب بنفسه وهو معدود في ندماء الخلفاء ومغنيهم على ما كان به من الوضح وفيه يقول الشاعر - متقارب - ( أقولُ لعمروٍ وقد مرَّ بي ... فَسَلَّمَ تَسْلِيمَةً جافيهْ ) ( لئن فضَّلوك بفضْل الغناء ... لقد فضل الله بالعافيهْ ) وقال ابن حمدون كان عمرو حسن الحكاية لمن أخذ الغناء عنه حتى كان من يسمعه لو توارى عن عينه عمرو ثم غنى لم يشكك في أنه هو الذي أخذ عنه لحسن حكايته وكان محظوظا ممن يعلمه ما علم أحداً قط إلا خرج نادراً مبرزاً فأخبرني جحظة قال حدثني أبو العبيس بن حمدون قال قال لي عمرو بن بانة علمت عشرة غلمان كلهم تبينت فيهم الثقافة والحذق وعلمت أنه يتقدم أحدهم أنت وتمرة وما تبينت قط من أحد خلاف ذلك فعلمته وقال محمد بن الحسن الكاتب حدثني أبو حارثة الباهلي عن أخيه أبي معاوية قال سمعت عمرو بن بانة يقول لإسحاق في كلام جرى بينهما ليس مثلي يقاس بمثلك لأنك تعلمت الغناء تكسبا وتعلمته تطربا وكنت أضرب لئلا أتعلمه وكنت تضرب حتى تتعلمه وأخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن الحسن بن الحرون قال اجتمع عمرو بن بانة والحسين بن الضحاك في منزل ابن شعوف وكان له خادم يقال له مفحم وكان عمرو يتهم به فلما أخذ فيه الشراب سأل عمرو الحسين بن الضحاك أن يقول في مفحم شعراً ليغني فيه فقال الحسين - منسرح - ( وا بأبي مُفْحَمٌ لِغرّته ... قلْتُ له إذ خَلَوْتُ مكتتما ) ( تحبُّ بالله من يخصُّك بالحُبِّ ... فما قال لا ولا نعما ) الشعر للحسين بن الضحاك والغناء لعمرو بن بانة ثاني ثقيل بالبنصر قال فغنى فيه عمرو ولم يزل هذا الشعر غناءهم وفيه طربهم إلى أن تفرقوا وأتاهم في عشيتهم إسحاق بن إبراهيم الموصلي فسألوا ابن شعوف أن لا يأذن له فحجبه وانصرف إسحاق بن إبراهيم الموصلي إلى منزله فلما تفرقوا مر به الحسين بن الضحاك وهو سكران فأخبره بجميع ما دار بينهما في مجلسهم فكتب إسحاق إلى ابن شعوف - منسرح - ( يا ابن شعوفٍ أمَا سَمِعْتَ بما ... قد صار في الناس كلِّهِمْ عَلَما ) ( أتاك عمروٌ فبات ليلتَه ... في كلِّ ما يُشتَهى كما زَعَما ) ( حتَّى إذا ما الظلامُ خالطَه ... سرى دَبِيباً فجامع الخدَما ) ( ثُمّتَ لم يَرْضَ أن يفوز بِذَا ... سِرّاً ولكن أبدى الذي كَتما ) ( حتّى تَغَنَّى لفرط صَبْوَتِهِ ... صَوْتاً شفَى من فؤاده السَّقَما ) ( وا بأبي مُفْحَمٌ لِغرّته ... قلْتُ له إذ خَلَوْتُ مكتتما ) ( تحبُّ بالله من يخصُّك بالودّ ... فما قال لا ولا نعما ) فهجر ابن شعوف عمرو بن بانة مدة وقطع عشرته وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي بهذا الخبر قال حدثني ميمون بن الأزرق قال كان لمحمد بن شعوف الهاشمي ثلاثة غلمان مغنين ومنهم اثنان صقلبيان محبوبان خاقان وحسين وكان خاقان أحسن الناس غناء وكان حسين يغني غناء متوسطاً وهو مع ذلك أضرب الناس وكان قليل الكلام جميل الأخلاق أحسن الناس وجهاً وجسماً وكان الغلام الثالث فحلاً يقال له حجاج حسن الوجه رومي حسن الغناء فتعشق عمرو بن بانة منهم المعروف بحسين وقال فيه - منسرح - ( وا بأبي مُفْحَمٌ لِغرّته ... قلْتُ له إذ خَلَوْتُ مكتتما ) ( تحبُّ بالله من يخصُّك بالوُدِّ ... فما قال لا ولا نعما ) ولم يذكر غير هذا وقال محمد بن الحسن حدثني أبو الحسين العاصمي قال دخلت أنا وصديق لي على عمرو بن بانة في يوم صائف فصادفناه جالساً في ظل طويل ممتع فدعاني إلى مشاركته فيه وجعل يغنينا يومه كله لحنه - وافر - صوت ( نِقابُكِ فاتنٌ لا تفتنينا ... ونَشْرُكِ طيّبٌ لا تحرِمينا ) ( وخاتَمك اليمانِي غيرَ شَكٍّ ... خَتمْتِ به رقابَ العالمينا ) الغناء لعمرو بن بانة هزج خفيف بالبنصر قال فما طربت لغناء قط طربي له ولا سمعت أشجى ولا أكثر نغما ولا أحسن من غنائه أخبرني جحظة قال حدثني أبو حشيشة قال كنت يوماً عند عمرو بن بانة فزاره خادم كان يحبه فأقام عنده فطلب عمرو في الدنيا كلها من يضرب عليه فلم يجد أحداً فقال له جعفر الطبال إن أنا غنيتك اليوم على عود يضرب به عليك أي شيء لي عندك قال مائة درهم ودستيجة نبيذ وكان جعفر حاذقاً متقدماً نادراً طيباً وكان نذل الهمة فقال أسمعني مخرج صوتك ففعل فسوى عليه طبله كما يسوى الوتر واتكأ عليه بركبته فأوقع عليه ولم يزل عمرو يغني بقية يومه على إيقاعه لا ينكر منه شيئاً حتى انقضى يومنا ودفع إليه مائة درهم وأحضر الدستيجة فلم يكن له من يحملها فحملها جعفر على عنقه وغطاها بطيلسانه وانصرفنا قال أبو حشيشة فحدثت بهذا الحديث إسحاق بن عمرو بن بزيع وكان صديق إبراهيم بن المهدي فحدثني أن إبراهيم بن المهدي قال له يا جعفر حذق فلانة جاريتي ضرب الطبل ولك مائة دينار أعجل لك منها خمسين قال نعم فعجلت له الخمسون وعلمها فلما حذقت طالب إبراهيم بتتمة المائة فلم يعطه فاستعدى عليه أحمد بن أبي دواد الحسني خليفته فأعداه ووكل إبراهيم وكيلاً فلما تقدم مع الوكيل إلى القاضي أراد الوكيل أن يكسر حجة جعفر فقال أصلح الله القاضي سله من أين له هذا الذي يدعي وما سببه فقال جعفر أصلح الله القاضي أنا رجل طبال وشارطني إبراهيم على مائة دينار على أن أحذق جاريته فلانة وعجل لي بخمسين ديناراً ومنعني الباقي بعد أن رضي حذقها فيحضر القاضي الجارية وطبلها وأحضر أنا طبلي ويسمعنا القاضي فإن كانت مثلي قضى لي عليه وإلا حذقتها فيه حتى يرضى القاضي فقال له القاضي قم عليك وعليها لعنة الله وعلى من يرضى بذلك منك ومنها فأخذ الأعوان بيده فأقاموه وقال علي بن محمد الهشامي حدثني جدي ابن حمدون قال كنت عند عمرو بن بانة يوماً ففتح باب داره فإذا بخادم أبيض شيخ قد دخل يقود بغلاً له عليه مزادة فلما رآه عمرو صرخ لا إله إلا الله ما أعجب أمرك يا دنيا فقلت له ما لك قال يا أبا عبد الله هذا الخادم رزق غلام علويه المغني الذي يقول فيه الحسين بن الضحاك الشاعر - سريع - ( يا ليت رزقاً كان من رزقي ... يا ليته حظي من الخَلْقِ ) قد صار إلى ما ترى ثم غناني لحناً له في هذا الشعر فما سمعت أحسن منه منذ خلقت نسبة هذا اللحن صوت ( يا ليْتَ رزقاً كان من رِزقي ... يا ليتَه حظَّي من الخَلْقِ ) ( يا شادناً ملَّكْتُه رقِّي ... فلسْتُ أرجُو راحةَ العِتْقِ ) الشعر للحسين بن الضحاك والغناء لعمرو بن بانة ولحنه من الثقيل الأول بالوسطى وقال علي بن محمد الهشامي حدثني جدي يعني ابن حمدون قال كنا عند المتوكل ومعنا عمرو بن بانة في آخر يوم من شعبان فقال له عمرو يا أمير المؤمنين جعلني الله فداءك تأمر لي بمنزل فإنه لا منزل لي يسعني فأمر المتوكل عبيد الله بن يحيى بأن يبتاع له منزلاً يختاره قال وهجم الصوم وشغل عبيد الله وانقطع عمرو عنا فلما أهل شوال دعا بنا المتوكل فكان أول صوت غناه عمرو في شعر هذا - منسرح - صوت ( ملاَّكَ ربِّي الأَعيادِ تُخْلِقُها ... في طولُ عمرٍ يا سيدَ الناسِ ) ( دُفِعْتُ عن منزل أمرْتَ به ... فإِنَّني عنه مباعَد خاس ) ( فمرْ بتسليمِهِ إليّ على ... رَغْم عدوِّي بحرمة الكاس ) ( أعوذ بالله والخليفة أن ... يرجع ما قلته على راسي ) لحن عمرو في هذا الموضع هزج بالبنصر فدعا المتوكل بعبيد الله بن يحيى فقال له لم دافعت عمراً بابتياع المنزل الذي كنت أمرتك بابتياعه فاعتل بدخول الصوم وتشعب الأشغال فتقدم إليه أن لا يؤخر ابتياع ذلك إليه فابتاع له الدور التي في دور سر من رأى بحضرة المعلى بن أيوب وفيها توفي عمرو أخبرني محمد بن إبراهيم قريص قال سمعت أحمد بن أبي العلاء يحدث أستاذي يعني محمد بن داود بن الجراح قال جمع عبد الله بن طاهر بين المغنين وأراد أن يمتحنهم وأخرج بدرة دراهم سبقاً لمن تقدم منهم وأحسن فحضره مخارق وعلويه وعمرو بن بانة ومحمد بن الحارث بن بسخنر فغنى فلم يصنع شيئاً وتبعه محمد بن الحارث فكانت هذه سبيله وامتدت الأعين إلى مخارق وعمرو فبدأ مخارق فغنى مجزوء الكامل ( إني امرؤٌ من خيرهمْ ... عمِّي وخالي من جذامْ ) فما نهنهه عمرو مع انقطاع نفسه حتى غنى سريع ( يا ربْعَ سلاّمة بالمنحنى ... بخَيف سلْعٍ جادكَ الوابلُ ) وكان إبراهيم بن المهدي حاضراً فبكى طرباً وقال أحسنت والله واستحققت فإن أعطيته وإلا فخذه من مالي يا حبيبي عني أخذت هذا الصوت وقد والله زدت علي فيه وأحسنت غاية الإحسان ولا يزال صوتي عليك أبداً فقال له عبد الله من حكمت له بالسبق فقد حصل وأمر له بالبدرة فحملت إلى عمرو ثم حدثنا بعد ذلك أن إسحاق لقي عمرو بن راشد الخناق فقال له قد بلغني خبر المجلس الذي جمع عبد الله فيه المغنين يمتحنهم ولو شاء لكان في راحة من ذلك قلت وكيف قال أما مخارق فأحسن القوم غناء إذا اتفق له أن يحسن وقلما يتفق له ذلك وأما محمد بن الحارث فأحسنهم شمائل وأملحهم إشارة بأطراف وجهه في الغناء وليس له غير ذلك وأما عمرو بن بانة فأعلم القوم وأرقاهم وأما علويه فمن أدخله ابن الزانية مع هؤلاء نسبة هذين الصوتين صوت مجزوء الكامل ( إني امرؤٌ من خيرهمْ ... عمِّي وخالي من جذامْ ) ( خَوْدٌ كضوء البدر أو ... أضْوَا لدَى الليل التمامْ ) ( يجرِي وِشاحاها على ... نَحْرٍ نقيٍّ كالرُّخام ) والغناء لابن جامع رمل مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق صوت خفيف ( يا خليليَّ من بني شيبانِ ... أنا لا شكَّ ميّتٌ فابكياني ) ( إنّ روحي لم يَبْقَ منها سِوى شيءٍ ... يسيرٍ مُعَلّقٍ بلساني ) الشعر لأبي العتاهية والغناء لإبراهيم رمل بالوسطى عن عمرو والهشامي وإبراهيم وهذا الشعر يخاطب به أبو العتاهية عبد الله وزائدة بن معن بن زائدة الشيباني وكان صديقاً وخاصاً بهما ثم إن يزيد بن معن غضب لمولاة لهم يقال لها سعدى وكان أبو العتاهية يشبب بها فضربه مائة سوط فهجاه وهجا إخوته ثم أصلح بينهم مندل بن علي العبدي وهو مولى أبي العتاهية فعاد إلى ما كان عليه لهم فأخبرني وكيع قال حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني علي بن محمد النوفلي عن أبيه قالا قول أبي العتاهية ( يا خَليليَّ من بني شيبان ... ) يخاطب به عبد الله ويزيد ابني معن بن زائدة أو قال عبد الله وزائدة أخبرني ابن عمار قال حدثني زيد بن موسى بن حماد وأخبرني محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن سعيد قال حدثني أبو سويد عبد القوي بن محمد ابن أبي العتاهية قال كان أبو العتاهية في حداثته يهوى امرأة من أهل الحيرة نائحة لها حسن وجمال ودماثة وكان ممن يهواها أيضاً عبد الله بن معن بن زائدة أبو الفضل وكانت مولاة لهم يقال لها سعدى وكان أبو العتاهية مغرماً بالنساء فقال فيها - طويل - ( ألا يا ذَواتِ السّحْق في الغرب والشرق ... أَفِقْنَ فإِنّ النَّيْكَ أشهى من السحقِ ) ( أَفِقْنَ فإِنَّ الخبز بالأُدْم يُشْتَهى ... وليس يسوغ الخبزُ بالخبز في الخَلْقِ ) ( أراكنَّ تَرْقَعْنَ الخروقَ بمثلها ... وأيُّ لبيب يرقع الخَرْق بالخَرْق ) ( وهل يَصلُح المِهراسُ إلاّ بعوده ... إذا احتيج منه ذاتَ يومٍ إلى الدقّ ) قال وقال فيه أيضاً - خفيف - ( قلتُ للقلب إذْ طوى وَصْلَ سُعدَى ... لهواهُ البعيدة الأنسابِ ) ( أنت مثل الذي يفرُّ من القَطْر ... حِذارَ الندى إلى الميزاب ) قال محمد بن محمد في خبره فغضب عبد الله بن معن لسعدى فضرب أبا العتاهية مائة فقال - مجزوء الخفيف - ( جلَدَتْني بكفِّها ... بنْتُ مَعْن بن زائدَه ) ( جَلَدَتْني بكفِّها ... بأبي أنتِ جالدَه ) ( جلدتني وبالغَتْ ... مائةً غيرَ واحده ) ( إجْلدي إجلدي اجلدِي ... إنّما أنتِ والده ) أخبرني وكيع قال حدثني أبو أيوب المديني قال احتال عبد الله بن معن فضرب أبا العتاهية ضرباً غير مبرح إشفاقاً مما يغنّى به فقال ( إجْلدي إجلدي اجلدِي ... إنّما أنتِ والده ) أخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا الغلابي قال حدثني مهدي قال تهدد عبد الله بن معن أبا العتاهية وخوفه ونهاه أن يعرض لمولاته سعدى فقال أبو العتاهية قوله - مجزوء الوافر - ( ألا قلْ لابن مَعْنٍ والذي ... في الودِّ قد حالا ) ( لقد بُلِّغْتُ ما قال ... فما باليْتُ ما قالا ) ( ولو كان من الأُسْد ... لما راعَ ولا هالا ) ( فَصُغْ ما كنْتَ حلَّيْتَ ... به سيْفَك خَلخالا ) ( فما تصنع بالسيف ... إذا لم تَكُ قَتّالا ) ( ولو مَدّ إلى أُذُنَيْه ... كَفَّيْه لما نالا ) ( قَصير الطُّول والطَّوْل ... فلا شبَّ ولا طالا ) ( أرى قومَك أبطالا ... وقد أصبحْتَ بطّالا ) أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني الحسن بن علي الرازي قال حدثني أحمد بن أبي فنن قال كنا عند ابن الأعرابي فذكر قول يحيى بن نوفل في عبد الملك بن عمير القاضي - طويل - ( إذا كَلَّمَتْهُ ذاتُ دَلٍّ لحاجةٍ ... فهمَّ بأن يقضي تنحنحَ أو سعَلْ ) وأن عبد الملك بن سليمان بن عمير قال تركني والله وإن السعلة لتعرض لي في الخلاء فأذكر قوله فأتركها قال فقلت له هذا عبد الله بن معن بن زائدة يقول له أبو العتاهية - مجزوء الوافر ( فصُغْ ما كنْتَ حلَّيْتَ ... به سيفك خلخالا ) ( وما تصنعُ بالسيف ... إذا لم تكُ قتَّالا ) قال فقال عبد الله ما لبست السيف قط فلمحني إنسان إلا قلت إنه يحفظ شعر أبي العتاهية فيّ فينظر إليّ بسببه فقال ابن الأعرابي اعجبوا إليه لعنه الله يهجو مولاه وكان أبو العتاهية من موالي بني شيبان وقال محمد بن موسى في خبره وقال أبو العتاهية يهجو عبد الله بن معن - سريع - ( لا تُكثرا يا صاحبَيْ رحلِي ... في شَتْمِ مَنْ أكثرَ من عَذْلِي ) ( سبحانَ من خصَّ ابنَ معنٍ بما ... أرى به من قلّة العقل ) ( قال ابن مَعْنٍ وَجَلاَ نفسَه ... علَى مَنِ الجِلوةُ يا أهلي ) ( أنا فتاةُ الحيِّ من وائلٍ ... في الشّرَف الباذخ والنُّبْلِ ) ( ما في بني شيبانَ أهلِ الحِجى ... جاريةٌ واحدةٌ مثلي ) ( يا ليتَني أبصرْتُ دلاّلة ... تدلُّني اليوم على فحلِ ) ( والَهْفَتَا اليومَ على أَمْرَدٍ ... يُلْصِق منِّي القُرْط بالحجْلِ ) ( أتيْتُه يوماً فصافحْتُهُ ... فقال دَعْ كَفِّي وخذْ رِجلي ) ( يُكنَى أبا الفضل فيا مَن رأى ... جاريةً تكنى أبا الفضل ) ( قد نقّطتْ في خدِّها نقطةً ... مخافةَ العين من الكُحْلِ ) ( إنْ زُرْتموها قال حُجّابُها ... نحنُ عن الزوّارِ في شُغْلِ ) ( مولاتُنا خاليةٌ عندَها ... بَعْلٌ ولا إذْنَ على البعلِ ) ( قولا لعبد الله لا تجهلَنْ ... وأنتَ رأس النُّوْك والجهلِ ) ( أتجلِد الناسَ وأنت امرؤٌ ... تُجلَد في الدُّبر وفي القبَل ) ( تبذُل ما يمنع أهلُ الندى ... هذا لعمري مُنتهى البَذْلِ ) ( ما ينبغي للناس أن يَنسبُوا ... من كان ذا جُودٍ إلى البخلِ ) وقال في ضربه إياه - خفيف - ( ضربَتْني بكفِّها بنت معنِ ... أَوْجَعَتْ كفَّها وما أَوْجَعتْني ) ( ولعمري لولا أذى كفِّها إذ ... ضربَتْني بالسَّوط ما تركَتْني ) أخبرني ابن عمار قال حدثني محمد بن موسى وأخبرني محمد بن يحيى قال حدثني جبلة بن محمد قالا لما اتصل هجاء أبي العتاهية بعبد الله بن معن غضب من ذلك أخوه يزيد بن معن فهجاه أبو العتاهية فقال - وافر - ( بَنَى مَعْنٌ ويهدِمُه يزيدُ ... كذاك الله يفعلُ ما يريدُ ) ( فمعنٌ كان للحساد غَمّاً ... وهذا قد يُسَرُّ به الحسود ) ( يزيدُ يزيدُ في مَنْعٍ وبُخل ... وينقُصُ في النوال ولا يزيد ) أخبرني محمد بن يحيى عن جبلة بن محمد قال حدثني أبي قال لما هجا أبو العتاهية بني معن فمضوا إلى مندل وحيان ابني علي العنزيين الفقيهين وكانا من سادات أهل الكوفة وهما من بني عمرو بن عمرو بطن من يقدم بن عنزة فقالوا لهما نحن بيت واحد وأهل ولا فرق بيننا وقد أتانا من مولاكم هذا ما لو أتى من بعيد الولاء لوجب أن تردعاه فأحضرا أبا العتاهية ولم يكن يمكنه الخلاف عليهما فأصلحا بينه وبين عبد الله ويزيد ابني معن وضمنا عنه خلوص النية وعنهما ألا يتتبعاه بسوء وكانا ممن لا يمكن خلافهما فرجعت الحال إلى المودة والصفاء وجعل الناس يعذلون أبا العتاهية فيما فرط منه ولامه آخرون على صلحه لهم فقال - مجزوء الرمل - ( ما لعذَّالي وما لي ... أمَروني بالضلالِ ) ( عَذلوني في اغتفاري ... لابن معنٍ واحتماِلي ) ( أنا منه كنت أكْبَى ... زَندةً في كل حالِ ) ( كلُّ ما قد كان منه ... فِلِقُبْحٍ من فِعالي ) ( إنّما كانت يميني ... صَرَمتْ جهلاً شِمالي ) ( مالُه بل نفسُه لي ... وله نفسي ومالي ) ( قل لمن يعجَب من حسن ... رُجوعي وانتقالي ) ( قد رأينا ذا كثيراً ... جارِياً بين الرجال ) ( رُبَّ وَصْلٍ بعد صَدٍّ ... وقِلىً بعد وصال ) أخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن موسى قال كان أبو العباس زائدة بن معن صديقاً لأبي العتاهية ولم يعن أخويه عليه فمات فرثاه فقال - وافر - ( حَزِنْتُ لموت زائدةَ بنِ مَعْنِ ... حقيقٌ أن يطولَ عليه حزني ) ( فَتى الفتيانِ زائدةُ المصفَّى ... أبو العباس كان أخي وخِدْني ) ( فَتَى قومِي وأيُّ فتىً توارت ... به الأكفانُ تحت ثرىً ولِبْنِ ) ( ألا يا قبرَ زائدةَ بنِ مَعْن ... دَعَوْتُك كي تجيْبَ فلم تجبني ) ( سلِ الأيامَ عن أركان قومي ... أُصِبْتُ بهنّ ركناً بعد ركن ) صوت طويل ( فما روضةٌ بالحَزْن طيّبةُ الثرى ... يمجُّ الندى جَثجاثُها وعَرارُها ) ( بأطيبَ من أردانِ عَزّة مَوْهِناً ... وقد أُوْقِدَتْ بالمَنْدَلِ الرَّطْبِ نارُها ) ( فإنْ خَفِيَتْ كانت لعينيك قُرّةً ... وإن تَبْدُ يوماً لم يُعَمِّمْك عارها ) ( من الخفِرات البيض لم تَرَ شِقوةً ... وفي الحسب المكنون صافٍ نِجارُها ) الشعر لكثير والغناء لمعبد في الأول والثاني ولحنه من الثقيل الأول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وذكر عمرو بن بانة أنه لابن سريج وللغريض في الرابع والثالث ثقيل أول بالبنصر عن عمرو وحبش وذكر الهشامي أن في الأول والثاني رملاً لابن سريج بالوسطى وذكر عمرو وحبش أن فيه رملاً لابن جامع بالبنصر وفي الأبيات خفيف ثقيل يقال إنه لمعبد ويقال إنه للغريض وأحسبه للغريض أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة هكذا موقوفاً لم يتجاوز وأخبرني أن كثير بن عبد الرحمن كان غالياً في التشيع وأخبر عن قطام صاحبة ابن ملجم في قدمة قدمها الكوفة فأراد الدخول عليها ليوبخها فقيل له لا تردها فإن لها جواباً فأبى وأتاها فوقف على بابها فقرعه فقالت من هذا فقال كثير بن عبد الرحمن الشاعر فقالت لبنات عم لها تنحين حتى يدخل الرجل فولجن البيت وأذنت له فدخل وتنحت من بين يديه فرآها وقد ولت فقال لها أنت قطام قالت نعم قال صاحبة علي بن أبي طالب عليه السلام قالت صاحبة عبد الرحمن بن ملجم قال أليس فيك قتل علي بن أبي طالب قالت بل مات بأجله قال أما والله لقد كنت أحب أن أراك فلما رأيتك نبت عيني عنك فما احلوليت في خلدي قالت والله إنك لقصير القامة عظيم الهامة قبيح المنظر وإنك لكما قال الأول تسمع بالمعيدي خير من أن تراه فقال - طويل - ( رأتْ رجلاً أودَى السِّفارُ بوجهه ... فلم يَبْقَ إلا منظرٌ وجَناجِنُ ) ( فإنْ أكُ معروقَ العظام فإنني ... إذا وُزِنَ الأقوامُ بالقوم وازن ) ( وإنّي لِمَا استَوْدَعْتِني من أمانةٍ ... إذا ضاعت الأسرار للسر دافن ) فقلت أنت لله أبوك كثير عزة قال نعم قالت الحمد لله الذي قصر بك فصرت لا تعرف إلا بامرأة فقال الأمر كذلك فوالله لقد سار بها شعري وطار بها ذكري وقرب من الخليفة مجلسي وأنا لكما قلت - طويل - ( فإن خَفِيَتْ كانت لعينك قُرّةً ... وإن تَبْدُ يوماً لم يَعُمَّك عارُها ) ( فما روضةٌ بالحَزْنِ طَيِّبَةُ الثَّرَى ... يمجُّ الندى جَثْجاثُها وعَرارُها ) ( بأطيبَ من أردانِ عزّةَ موهِنا ... وقد أُوقِدتْ بالمَنْدَلِ اللَّدْنِ نارُها ) فقالت بالله ما رأيت شاعراً قطّ أنقص عقلاً منك ولا أضعف وصفاً أين أنت من سيدك امرئ القيس حيث يقول - طويل ( ألم تَرَياني كلّما جئْتُ طارقا ... وَجَدْتُ بها طِيباً وإن لم تَطَيَّبِ ) فخرج وهو يقول - كامل - ( ألحقُّ أبلجُ لا يُخِيل سبيلُه ... والحقُّ يعرفه ذوو الألباب ) صوت - مجزوء الرمل - ( هاكَ فاشربها خليلي ... في مَدَى الليلِ الطويلِ ) ( قهوةً في ظلِّ كَرْمٍ ... سُبِيَتْ مِن نهر بِيْل ) ( في لسانِ المرء منها ... مثلُ طَعْمِ الزنجبيل ) ( قل لمن يَلْحاكَ فيها ... مِن فقيهٍ أو نبيل ) ( أنتَ دعْها وارجُ أخرى ... مِن رحيق السلسبيل ) ( تَعطش اليومَ وتُسقَى ... في غَدٍ نَعْتَ الطُّلول ) الشعر لآدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز والغناء لإِبراهيم الموصلي هزج بالنصر عن حبش ولإبراهيم بن المهدي في الخامس والسادس والأول خفيف رمل بالوسطى عن الهشامي ولهاشم فيها ثاني ثقيل بالبنصر وقيل لعبد الرحيم ذكر آدم بن عبد العزيز وأخباره آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وأمه أم عاصم بنت سفيان بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم أيضاً وهو أحد مَن منّ عليه أبو العباس السفاح من بني أمية لما قتل من وجد منهم وكان آدم في أول أمره خليعاً ماجناً منهمكاً في الشراب ثم نسك بعد ما عمر ومات على طريقة محمودة وأخبرني الحسين بن علي عن أحمد بن سعيد الدمشقي عن الزبير بن بكار عن عمه أن المهدي أنشد هذه الأبيات وغني فيها بحضرته - مجزوء الرمل - ( أنتَ دعْها وارجُ أخرى ... مِن رحيق السلسبيل ) فسأل عن قائلها فقيل آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز فدعا به فقال له ويلك تزندقت قال لا والله يا أمير المؤمنين ومتى رأيت قرشياً تزندق والمحنة في هذا إليك ولكنه طرب غلبني وشعر طفح على قلبي في حال الحداثة فنطقت به فخلى سبيله قال وكان المهدي يحبه ويكرمه لظرفه وطيب نفسه وروي هذا الخبر عن مصعب الزبيري وإسحاق بن إبراهيم الموصلي قال كان آدم بن عبد العزيز يشرب الخمر ويفرط في المجون وكان شاعراً فأخذه المهدي فضربه ثلاثمائة سوط على أن يقر بالزندقة فقال والله ما أشركت بالله طرفة عين ومتى رأيت قرشياً تزندق قال فأين قولك - مجزوء الرمل - ( اسقِني واسقِ غُصَيْنَا ... لا تبعْ بالنقد دَيْنَا ) ( اسقِنِيها مُزة الطعم ... تُريك الشّيْنَ زَيْنا ) في هذين البيتين لعمرو بن بانة ثاني ثقيل بالوسطى ولإبراهيم هزج بالبنصر قال فقال لئن كنت ذاك فما هو مما يشهد على قائله بالزندقة قال فأين قولك - مجزوء الرمل - ( اسقني واسقِ خليلي ... في مَدَى الليلِ الطويلِ ) ( قهوةً صَهْباءَ صِرْفاً ... سُبِيَتْ من نهر بِيلِ ) ( لونُها أصفرُ صافٍ ... وهْي كالمسك الفتيلِ ) ( في لسانِ المرء منها ... مثلُ طعم الزنجبيل ) ( ريحُها يَنفَح منها ... ساطعاً من رأس ميلِ ) ( مَن يَنَلْ منها ثلاثاً ... يَنْسَ مِنهاجَ السبيل ) ( فمتى ما نال خَمْساً ... تركَته كالقَتيل ) ( ليس يَدري حينَ ذاكمْ ... ما دَبِيرٌ من قَبِيل ) ( إنَّ سمعي عن كلام اللائِم ... فيها الثقيلِ ) ( لشَدِيدُ الوَقْر إنِّي ... غير مِطْواعٍ ذليلِ ) ( قلْ لمن يلحاك فيها ... مِن فقيهٍ أو نبيل ) ( أنتَ دَعْها وارجُ أخرى ... مِن رحيق السلسبيل ) ( نعطش اليومَ ونُسْقَى ... في غدٍ نَعْتَ الطلول ) فقال كنت فتى من فتيان قريش أشرب النبيذ وأقول ما قلت على سبيل المجون والله ما كفرت بالله قط ولا شككت فيه فخلى سبيله ورقّ له قال مصعب وهو الذي يقول - مجزوء الخفيف - صوت ( اسقني يا معاويْة ... سبعةً أو ثمانيهْ ) ( اسقنيها وغَنِّني ... قبلَ أخذِ الزَّبانيهْ ) ( اسقنيها مُدامةً ... مُزّةَ الطعم صافيه ) ( ثمَّ مَن لامَنا عليها ... فذاك ابنُ زانيه ) فيه خفيف رمل بالبنصر ينسب إلى أحمد بن المكي وإلى حكم الوادي قال وآدم الذي يقول - وافر ( أقولُ وراعنَي إيوانُ كسرى ... برأس مَعَانَ أو أدْرُوسِفانِ ) ( وأبصرْتُ البِغالَ مُرَبَّطاتٍ ... به من بعد أزمِنةٍ حسان ) ( يعزُّ على أبي ساسان كسرى ... بموقِفكنَّ في هذا المكانِ ) ( شربْتُ على تذكُّر عيشِ كسرى ... شراباً لونُه كالزعفرانِ ) ( ورحْتُ كأنّني كسرى إذا ما ... عَلاهُ التاجُ يوم المِهْرجانِ ) قال وهو الذي يقول - متقارب - ( أحبُّك حُبّينِ لي واحدٌ ... وآخر أنَّكِ أهلٌ لذاكِ ) ( فأما الذي هو حبُّ الطباعِ ... فشيءٌ خُصِصْتِ به عن سواكِ ) ( وأما الذي هو حبُّ الجمال ... فلسْتُ أرى ذاك حتّى أراكِ ) ( ولستُ أمنُّ بهذا عليكِ ... لك المنُّ في ذا وهذا وذاكِ ) أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي عن فليح بن سليمان قال مررنا يوماً مع خالصة في موكبها فوقفت على آدم بن عبد العزيز فقالت يا أخي طلبت منا حاجة فرفعناها لك إلى السيدة وأمرت بها وهي في الديوان فساء ظنك بها فقعدت عن تنجزها قال فموه لها عذراً اعتذر به فوقفت عن الموكب حتى مضت ثم قلت له أخملت نفسك والله ما أحسب أنه حبسك عنها إلا الشراب أنت ترى الناس يركضون خلفها وهي ترف عليك لحاجتك فقال والله هو ذاك إذا أصبحت فكل كسرة ولو بملح وافتح دنك فإن كان حامضاً دبغ معدتك وإن كان حلواً خرطك وإن كان مدركاً فهو الذي أردت قلت لا بارك الله عليك ومضيت ثم أقلع بعد ذلك وتاب فاستأذن يوماً على يعقوب بن الربيع وأنا عنده فقال يعقوب ارفعوا الشراب فإن هذا قد تاب وأحسبه يكره أن يراه فرفع وأذن له فلما دخل قال ( إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) قال يعقوب هو الذي وجدت ولكننا ظننا أن يثقل عليك لتركك الشراب قال إي والله إنه ليثقل عليّ ذاك قال فهل قلت في ذلك شيئاً منذ تركته قال قلت طويل ( ألا هل فتىً عن شُربها اليومَ صابر ... لِيَجْزِيَهُ يوماً بذلك قادِرُ ) ( شربْتُ فلمَّا قيل ليس بنازعٍ ... نَزعْتُ وثوبي من أذَى اللُّوم طاهرُ ) أخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال حدثني أبو هفان عن إسحاق قال كان مع المهدي رجل من أهل الموصل يقال له سليمان بن المختار وكانت له لحية عظيمة فذهب يوماً ليركب فوقعت لحيته تحت قدمه في الركاب فذهب عامتها فقال آدم بن عبد العزيز قوله - مجزوء الوافر - ( قدِ استوجَبَ في الحكمِ ... سليمانُ بنُ مختارِ ) ( بما طَوَّل من لحيتهِ ... جَزّاً بمنشارِ ) ( أو السيفِ أو الحَلْقِ ... أو التحريق بالنارِ ) ( فقد صار بها أشهرَ ... من رايةِ بَيطار ) فقال ثم أنشدها عمر بن بزيغ المهدي فضحك وسارت الأبيات فقال أسيد بن أسيد وكان وافر اللحية ينبغي لأمير المؤمنين أن يكف هذا الماجن عن الناس فبلغت آدم بن عبد العزيز فقال - مجزوء الرمل - ( لحيةٌ تمَّتْ وطالت ... لأَسِيد بن أَسِيدِ ) ( كشِراعٍ من عَباءٍ ... قطعت حَبْلَ الوريد ) ( يَعجب الناظرُ منها ... مِن قريبٍ وَبعيدِ ) ( هي إنْ زادت قليلاً ... قطَعَتْ حبلَ الوريدِ ) وقال وكان المهدي يدني آدم ويحبه ويقربه وهو الذي قال لعبد الله بن علي لما أمر بقتله في بني أمية بنهر أبي فطرس إن أبي لم يكن كآبائهم وقد علمت مذهبه فيكم فقال صدقت وأطلقه وكان طيب النفس متصوفاً ومات على توبة ومذهب جميل صوت مجزوء الوافر ( ألا يا صاحِ للعَجبِ ... دَعوْتُكَ ثم لم تُجِبِ ) ( إلى القَيْناتِ والَلذّاتِ ... والصَّهباءِ والطَّربِ ) ( ومنهنَّ التي تَبَلَتْ ... فؤادَك ثمّ لم تتبِ ) الشعر ليزيد بن معاوية يقوله للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام والغناء لسائب خاثر خفيف رمل بالوسطى عن حبش أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني المدائني قال قدم سلم بن زياد على يزيد فنادمه فقال له ليلة ألا أوليك خراسان قال بلى وسجستان فعقد له في ليلته فقال - خفيف ( اسقِني شربةً فروِّ عظامي ... ثم عُدْ واسقِ مثلَها ابنَ زيادِ ) ( موضع السرِّ والأمانةِ منِّي ... وعلى ثغر مَغْنمي وجِهادي ) قال ولما رجع في خلافة أبيه جلس بالمدينة على شراب فاستأذن عليه عبد الله بن العباس والحسين بن علي فأمر بشرابه فرفع وقيل له إن ابن عباس إن وجد ريح شرابك عرفه فحجبه وأذن للحسين فلما دخل وجد رائحة الشراب مع الطيب فقال لله در طيبك هذا ما أطيبه وما كنت أحسب أحداً يتقدمنا في صنعة الطيب فما هذا يا ابن معاوية فقال يا أبا عبد الله هذا طيب يصنع لنا بالشأم ثم دعا بقدح فشربه ثم دعا بقدح آخر فقال اسق أبا عبد الله يا غلام فقال الحسين عليك شرابك أيها المرء لا عين عليك مني فشرب وقال - مجزوء الوافر - ( ألا يا صاحِ للعَجبِ ... دَعوْتُكَ ثم لم تُجِبِ ) ( إلى القَيْناتِ والَلذّاتِ ... والصَّهباءِ والطَّربِ ) ( وباطيةٍ مُكلَّلَة ... عليها سادةُ العرب ) ( وفيهن التي تَبَلَتْ ... فؤادَك ثمّ لم تتبِ ) فوثب الحسين عليه السلام وقال بل فؤادك يا ابن معاوية صوت - وافر - ( أإن نادَى هدِيلاً يومَ فَلْج ... مع الإِشراق في فَنَنٍ حَمامُ ) ( ظلِلْتَ كأنّ دمعَك دُرُّ سِلْكٍ ... وَهَى خيطاً وأسلمه النِّظامُ ) ( تموتُ تشوُّقاً طوراً وتحيا ... وأنت جديرُ أنكَ مُستهامُ ) ( كأنّك من تذكُّرِ أمِّ عمروِ ... وحَبْلُ وصالها خَلَقٌ رِمام ) ( سلامُ الله يا مطرٌ عليها ... وليس عليكَ يا مطرُ السلام ) ( فإنْ يكن النكاحُ أحلَّ أنثى ... فإنَّ نكاحها مطراً حرام ) ( ولا غفرَ الإله لمُنكِحِيها ... ذنُوبَهُمُ وإنْ صلَّوا وصاموا ) ( فطلِّقْها فلسْتَ لها بكُفْء ... وإلاّ عضَّ مَفرِقَك الحُسام ) الشعر للأحوص والغناء لمعبد من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالبنصر في مجرى الوسطى ولإبراهيم الموصلي في الأربعة الأبيات الأول ثاني ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن ثابت بن إبراهيم ابن خلاد الأنصاري قال حدثني أبو عبد الله بن سعد الأنصاري قال قدم الأحوص البصرة فخطب إلى رجل من تميم ابنته وذكر له نسبه فقال هات لي شاهداً واحداً يشهد أنك ابن حمي الدبر وأزوجك فجاءه بمن شهد له على ذلك فزوجه إياها وشرطت عليه ألا يمنعها من أحد من أهلها فخرج إلى المدينة وكانت أختها عند رجل من بني تميم قريباً من طريقهم فقالت له اعدل بي إلى أختي ففعل فذبحت لهم وأكرمتهم وكانت من أحسن الناس وكان زوجها في إبله فقالت زوجة الأحوص له أقم حتى يأتي فلما أمسوا راح مع إبله ورعائه وراحت غنمه فراح من ذلك أمر كثير وكان يسمى مطراً فلما رآه الأحوص ازدراه واقتحمته عينه وكان قبيحاً دميماً فقالت له زوجته قم إلى سلفك وسلم عليه فقال وأشار إلى أخت زوجته بإصبعه - وافر - ( سلامُ الله يا مطرٌ عليها ... وليس عليكَ يا مطرُ السلام ) وذكر الأبيات وأشار إلى مطر بإصبعه فوثب إليه مطر وبنوه وكاد الأمر يتفاقم حتى حجز بينهم قال الزبير قال محمد بن ثابت أبو عبد الله بن سعد الذي حدث بهذا الحديث أمه بنت الأحوص وأمها التميمية أخت زوجة مطر وأخبرنا الحسين بن يحيى قال حدثنا حماد عن أبيه أن امرأة الأحوص التي تزوجها إحدى بني سعد بن زيد مناة بن تميم وذكر باقي القصيدة وهو قوله - وافر - ( كأنكَ مِن تذكُّرِ أمِّ عمروٍ ... وحَبْلُ وِصالها خَلَقٌ رِمامُ ) ( صَريع مُدامةٍ غَلَبَتْ عليه ... تموتُ لها المفاصِلُ والعِظام ) ( وأنَّى مِن بلادِك أمَّ عمروٍ ... سقَى داراً تُحلُّ بها الغمام ) ( تحلُّ النَّعْفَ من أُحُدٍ وأدنى ... مَساكِنها الشُّبيكة أو سَنام ) ( فلو لم ينكِحوا إلا كفِيّاً ... لكان كفيَّها الملكُ الهمام ) أخبرني الحسين قال قال حماد قرأت على أبي حدثنا ابن كناسة قال مر بنا أشعب ونحن جماعة في المجلس فأتى جار لنا صاحب جوار يقال له أبان بن سليمان وعليه رداء خلق قد بدا منه ظهره وبه آثار فسلم علينا فرددنا عليه السلام فلما مضى قال بعض القوم مدني مجلود فأراه سمعها أو سمعها رجل يمشي معه فأخبره فلما انصرف وانتهى إلى المجلس قال - وافر - ( سلامُ الله يا مطرٌ عليها ... وليس عليكَ يا مطرُ السلامُ ) فقلت للقوم أنتم والله مطر ومثل ما جرى في هذا الخبر من قوله في المرأة خبر له آخر شبيه به مع ابن حزم أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا محمد بن فضالة عن جميع ابن يعقوب قال خطب أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بنت عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر إلى أخيها معمر بن عبد الله فزوجه إياها فقال الأحوص أبياتاً وقال لفتى من بني عمرو بن عوف أنشدها معمر بن عبد الله في مجلسه ولك هذه الجبة فقال الفتى نعم فجاءه وهو في مجلسه فقال - بسيط - ( يا معمرٌ يا ابن زيدٍ حين تَنكحها ... وتستبدُّ بأمر الغيِّ والرشَدِ ) فقال كان ذلك الرجل غائباً فقال الفتى - بسيط - ( أما تذكّرْتَ صيفيَاً فتحفظه ... أو عاصماً أو قتيلَ الشِّعْب من أُحُدِ ) قال ما فعلتُ ولا تذكّرتُ فقال الفتى ( أكنْتَ تجهل حزماً حين تَنكِحها ... أم خفْتَ لا زلتَ فيها جائع الكبدِ ) قال معمر لم أجهل حزماً فقال الفتى ( أَبعدَ صهرِ بني الخطّاب تجعلهُمْ ... صِهراً وبعد بني العوّامِ من أسدِ ) فقال معمر قد كان ذلك فقال الفتى ( هَبْها سليلَة خَيلٍ غيرِ مُقْرِفةٍ ... مظلومةً حُبِسَتْ للعَيْر في الجَددِ ) قال نعم أعانها الله وصبّرها فقال الفتى ( فكلُّ ما نالنَا من عارِ مَنكَحها ... شَوىً إذا فارقَتْه وهي لم تلدِ ) قال نعم إلى الله عز و جل في ذلك الرغبة قال الزبير أما قوله صهر بني الخطاب فإن جميلة بنت أبي الأقلح كانت عند عمر بن الخطاب فولدت له عاصم بن عمر وأما صهر بني العوام فإن نهيسة بنت النعمان بن عبد الله بن أبي عقبة كانت عند يحيى بن حمزة بن عبد الله ابن الزبير فولدت له أبا بكر ومحمداً أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني مصعب قال قال الهدير كرهت أم جعفر أصواتاً من الغناء القديم فأرسلت لها رسولاً يلقيها في البحر ثم غنتها جارية بعد ذلك - وافر - ( سلامُ الله يا مطرٌ عليها ... وليس عليكَ يا مطرُ السلامُ ) فقالت هذا أرسلوا به رسولاً مفرداً إلى دهلك ليلقيه في البحر خاصة قال والذي حمل أم جعفر على هذا التطير على ابنها محمد الأمين من هذه الأصوات أيام محاربته المأمون فمنها قوله - طويل - ( كُليْبٌ لَعَمْرِي كان أكثرَ ناصراً ... وأيسَرَ جُرْماً منك ضُرِّج بالدمِ ) ومنها قوله - طويل - ( هُمُ قتَلوه كي يكونوا مكانَه ... كما غَدَرَتْ يوماً بِكسرى مَرازِبُهْ ) ومنها قوله - طويل - ( رأيت زهيراً تحت كلكل خالدٍ ... فأقبلْتُ أسعى كالعَجُول أبادِرُ ) ومنها قوله - طويل - ( أبا منذرٍ أفنيْتَ فاستَبْقِ بَعْضَنَا ... حَنانَيْكَ بعضُ الشرِّ أهْوَنُ من بعضِ ) مضى الحديث صوت طويل ( وكنّا كنَدْمانَيْ جَذِيمةَ حِقْبَةً ... من الدَّهر حتَّى قيل لن يتصدَّعا ) ( فلما تفرَّقنا كأني ومالكاً ... لطِولِ اجتماعٍ لم نَبِتْ ليلةً معا ) الشعر لمتمم بن نويرة يرثي أخاه مالكاً والغناء لسياط 20 - ذكر متمم وأخباره وخبر مالك ومقتله هو متمم بن نويرة بن عمرو بن شداد بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار ويكنى متمم بن نويرة أبا نهشل ويكنى أخوه مالك أبا المغوار وكان مالك يقال له فارس ذي الخمار قيل له ذلك بفرس كان عنده يقال له ذو الخمار وفيه يقول وقد أحمده في بعض وقائعه - طويل - ( جزاني دَوائي ذُو الخِمار وصَنْعتي ... بما باتَ أطْواءً بنيَّ الأصاغرُ ) أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام قال كان مالك بن نويرة شريفاً فارساً وكان فيه خيلاء وتقدم وكان ذا لمة كبيرة وكان يقال له الجفول وكان مالك قتل في الردة قتله خالد بن الوليد بالبطاح في خلافة أبي بكر وكان مقيماً بالبطاح فلما تنبأت سجاح اتبعها ثم أظهر أنه مسلم فضرب خالد عنقه صبراً فطعن عليه في ذلك جماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب وأبو قتادة الأنصاري لأنه تزوج امرأة مالك بعده وقد كان يقال إنه يهواها في الجاهلية واتهم لذلك أنه قتله مسلماً ليتزوج امرأته بعده حدثنا بالسبب في مقتل مالك بن نويرة محمد بن جرير الطبري قال كتب إليّ السري بن يحيى يذكر عن شعيب بن إبراهيم التيمي عن سيف ابن عمر عن الصقعب بن عطية عن أبيه أن رسول الله استعمل عماله على بني تميم فكان مالك بن نويرة عامله على بني يربوع قال ولما تنبأت سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان وسارت من الجزيرة راسلت مالك بن نويرة ودعته إلى الموادعة فأجابها وقناها عن غزوها وحملها على أحياء من بني تميم فأجابته وقالت نعم فشأنك بمن رأيت وإنما أنا امرأة من بني يربوع وإن كان ملك فهو ملككم فلما تزوجها مسيلمة الكذاب ودخل بها انصرفت إلى الجزيرة وصالحته أن يحمل عليها النصف من غلات اليمامة فارعوى حينئذ مالك بن نويرة وندم وتحير في أمره فلحق بالبطاح ولم يبق في بلاد بني حنظلة شيء يكره إلا ما بقي من أمر مالك بن نويرة ومن تأشب إليه بالبطاح فهو على حاله متحير ما يدري ما يصنع وقال سيف فحدثني سهل بن يوسف عن القاسم بن محمد وعمرو بن شعيب قالا لما أراد خالد بن الوليد المسير خرج من ظفر وقد استبرأ أسداً وغطفان وطيئاً فسار يريد البطاح دون الحزن وعليها مالك بن نويرة وقد تردد عليه أمره وقد ترددت الأنصار على خالد وتخلفت عنه وقالوا ما هذا بعهد الخليفة إلينا فقد عهد إلينا إن نحن فرغنا من البزاخة واستبرأنا بلاد القوم أن يكتب إلينا بما نعمل فقال خالد إن يكن عهد إليكم هذا فقد عهد إليّ أن أمضي وأنا الأمير وإليّ تنتهي الأخبار ولو أنه لم يأتني له كتاب ولا أمر ثم رأيت فرصة إن أعلمته بها فاتتني لم أعلمه حتى أنتهزها وكذلك لو ابتلينا بأمر ليس منه عهد إلينا فيه لم ندع أن نرى أفضل ما بحضرتنا ونعمل به وهذا مالك بن نويرة بحيالنا وأنا قاصد له بمن معي من المهاجرين والتابعين لهم بإحسان ولست أكرههم ومضى خالد وبرمت الأنصار وتذامروا وقالوا لئن أصاب القوم خيراً إنه لخير حرمتموه ولئن أصابتهم مصيبة ليجتنبنكم الناس فأجمعوا على اللحاق بخالد وجردوا إليه رسولاً فأقام عليهم حتى لحقوا به ثم سار حتى لحق البطاح فلم يجد به أحداً قال السري عن شعيب عن سيف عن خزيمة بن شجرة العقفاني عن عثمان بن سويد عن سويد بن المنعبة الرياحي قال قدم خالد بن الوليد البطاح فلم يجد عليه أحداً ووجد مالك بن نويرة قد فرقهم في أموالهم ونهاهم عن الاجتماع فبعث السرايا وأمرهم بداعية الإسلام فمن أجاب فسالموه ومن لم يجب وامتنع فاقتلوه وكان فيما أوصاهم أبو بكر إذا نزلتم منزلاً فأذنوا وأقيموا فإن أذن القوم وأقاموا فكفوا عنهم وإن لم يفعلوا فلا شيء إلا الغارة ثم اقتلوهم كل قتلة الحرق فما سواه فإن أجابوكم إلى داعية الإسلام فسائلوهم فإن هم أقروا بالزكاة قبلتم منهم وإلا فلا شيء إلا الغارة ولا كلمة فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر معه من بني ثعلبة بن يربوع ومن بني عاصم وعبيد وعرين وجعفر واختلفت السرية فيهم وفيهم أبو قتادة وكان ممن شهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا فلما اختلفوا فيهم أمر بحبسهم في ليلة باردة لا يقوم لها شيء وجعلت تزداد برداً فأمر خالد منادياً فنادى دافئوا أسراكم وكان في لغة كنانة إذا قالوا دافأنا الرجل وأدفئوه فذلك معنى اقتلوه من الدفء فظن القوم أنه يريد القتل فقتلوهم فقتل ضرار بن الأزور مالكاً فسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم فقال إذا أراد الله أمراً أصابه وقد اختلف القوم فيهم فقال أبو قتادة هذا عملك فزبره خالد فغضب ومضى حتى أتى أبا بكر فغضب عليه أبو بكر حتى كلمه عمر بن الخطاب فيه فلم يرض إلا بأن يرجع إليه فرجع إليه فلم يزل معه حتى قدم المدينة وقد كان تزوج خالد أم تميم بنت المنهال وتركها لينقضي طهرها وكانت العرب تكره النساء في الحرب وتعايره فقال عمر لأبي بكر إن في سيف خالد رهقاً وحق عليه أن تقيده وأكثر عليه في ذلك وكان أبو بكر لا يقيد من عماله ولا من وزعته فقال هبه يا عمر تأول فأخطأ فارفع لسانك عن خالد وودى مالكاً وكتب إلى خالد أن يقدم عليه ففعل وأخبره خبره فعذره وقبل منه وعنفه بالتزويج الذي كانت العرب تعيب عليه من ذلك فذكر سيف عن هشام بن عروة عن أبيه قال شهد قوم من السرية أنهم أذنوا وأقاموا وصلوا وشهد آخرون أنه لم يكن من ذلك شيء فقتلوا وقدم أخوه متمم ينشد أبا بكر دمه ويطلب إليه في سبيهم فكتب له برد السبي وألح عليه عمر في خالد أن يعزله وقال إن في سيفه لرهقاً فقال له لا يا عمر لم أكن لأشيم سيفاً سله الله على الكافرين حدثنا محمد بن إسحاق قال كتب إلى السري عن شعيب عن سيف عن خزيمة عن عثمان عن سويد قال كان مالك من أكثر الناس شعراً وإن أهل العسكر أثفوا القدور برؤوسهم فما منها رأس إلا وصلت النار إلى بشرته ما خلا مالكاً فإن القدر نضجت وما نضج رأسه من كثرة شعره ووقى الشعر البشرة من حر النار أن تبلغ منه ذلك قال وأنشد متمم عمر بن الخطاب ذكر خمصه يعني قوله - طويل - ( لقد كَفَّن المِنهالُ تحت رِدائه ... فتىً غيرَ مِبطانِ العشيّاتِ أرْوَعا ) فقال أكذاك كان يا متمم قال أما ما أعني فنعم أخبرني اليزيدي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب وحدثنيه أحمد بن الجعد قال حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب أن مالك بن نويرة كان من أكثر الناس شعراً وأن خالداً لما قتله أمر برأسه فجعل أثفية لقدر فنضج ما فيها قبل أن تبلغ النار إلى شواته أخبرني محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا مسلمة عن ابن إسحاق عن طلحة بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن أبا بكر كان من عهده إلى جيوشه أن إذا غشيتم داراً من دور الناس فسمعتم فيها أذانا للصلاة فأمسكوا عن أهلها حتى تسألوهم ماذا نقموا وإذا لم تسمعوا أذانا فشنوا الغارة واقتلوا وحرقوا فكان ممن شهد لمالك بالإسلام أبو قتادة الأنصاري واسمه الحارث بن ربعي أخو بني سلمة وقد كان عاهد الله أنه لا يشهد حرباً بعدها أبداً وكان يحدث أنهم لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل فأخذ القوم السلاح قال فقلنا لهم إنا المسلمون فقالوا ونحن المسلمون قلنا فما بال السلاح معكم فإن كنتم كما تقولون فضعوا السلاح ففعلوا ثم صلينا وصلوا وكان خالد يعتذر في قتله أنه قال له وهو يراجعه ما إخال صاحبكم يعني النبي إلا وقد كان يقول كذا وكذا فقال خالد أو ما تعده صاحباً ثم قدمه فضرب عنقه وأعناق أصحابه فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر رضي الله عنه وقال عدو الله عدا على امرىء مسلم فقتله ثم نزا على امرأته وأقبل خالد بن الوليد قافلاً حتى دخل المسجد وعليه قباء له وعليه صدأ الحديد معتجراً بعمامة قد غرز فيها أسهما فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها ثم قال أقتلت امرأ مسلماً ثم نزوت على امرأته والله لأرجمنك بأحجارك ولا يكلمه خالد بن الوليد ولا يظن إلا أن رأي أبي بكر على مثل رأي عمر فيه حتى دخل على أبي بكر فأخبره الخبر واعتذر إليه فعذره أبو بكر وتجاوز له عما كان في حربه تلك فخرج خالد حين رضي عنه أبو بكر وعمر جالس في المسجد الحرام فقال هلم إلي يا ابن أم شملة فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه ودخل بيته وكان الذي قتل مالك بن نويرة عبد بن الأزور الأسدي وقال محمد بن جرير قال ابن الكلبي الذي قتل مالك بن نويرة ضرار بن الأزور وهكذا روى أبو زيد عمر بن شبة عن أصحابه وأبو خليفة عن محمد بن سلام قال قدم مالك بن نويرة على النبي فيمن قدم من أمثاله من العرب فولاه صدقات قومه بني يربوع فلما مات النبي اضطرب فيها فلم يحمد أمره وفرق ما في يده من إبل الصدقة فكلمه الأقرع بن حابس المجاشعي والقعقاع بن معبد بن زرارة الدارمي فقالا له إن لهذا الأمر قائماً وطالباً فلا تعجل بتفرقة ما في يدك فقال - وافر - ( أَراني الله بالنَّعَمِ المُنَدَّى ... بِبُرْقَةِ رَحْرَحانَ وقد أراني ) ( تُمَشِّي يابنَ عَوْذَةَ في تميم ... وصاحِبُك الأُقَيْرَعُ تَلْحَيَاني ) ( حَمَيْتُ جميعَها بالسَّيف صَلْتاً ... ولم تُرعَشْ يداي ولا بَناني ) يعني أم القعقاع وهي معاذة بنت ضرار بن عمرو وقال أيضاً - طويل - ( وقلْتُ خُذوا أموالَكُمْ غيرَ خائفٍ ... ولا ناظرٍ فيما يجيءُ من الغدِ ) ( فإنْ قامَ بالأمر المُخَوِّفِ قائمٌ ... مَنَعْنا وقلنا الدِّينُ دين محمَّدِ ) قال ابن سلام فمن لا يعذر خالداً يقول إنه قال لخالد وبهذا أمرك صاحبك يعني النبي وأنه أراد بهذه القرشية ومن يعذر خالداً يقول إنه أراد انتفاء من النبوة ويحتج بشعريه المذكورين آنفاً ويذكر خالد أن النبي لما وجهه إلى ابن جلندى قال له يا أبا سليمان إن رأت عينك مالكاً فلا تزايله أو تقتله قال محمد بن سلام وسمعني يوماً يونس وأنا أراد التميمية في خالد وأعذره فقال لي يا أبا عبد الله أما سمعت بساقي أم تميم يعني زوجة مالك التي تزوجها خالد لما قتله وكان يقال إنه لم ير أحسن من ساقيها قال وأحسن ما سمعت من عذر خالد قول متمم بأن أخاه لم يستشهد ففيه دليل على عذر خالد أخبرنا اليزيدي قال حدثنا الرياشي قال حدثني محمد بن الحكم البجلي عن الأنصاري قال صلى متمم بن نويرة مع أبي بكر الصبح ثم أنشده قوله - كامل ( نِعْمَ القتيلُ إذا الرياحُ تَنَاوحَتْ ... تحت الإِزار قَتلْتَ يا ابن الأزورِ ) ( أَدَعَوْتَه بالله ثُمّ قَتَلْتَهُ ... لو هُوْ دَعاكَ بِذمّةٍ لم يَغدرِ ) فقال أبو بكر والله ما دعوته ولا قتلته فقال - كامل - ( لا يُضمِر الفحشاءَ تحت ردائه ... حلوٌ شمائله عفيفُ المِئزرِ ) ( ولَنِعْمَ حَشْوُ الدِّرعِ أنت وحاسراً ... ولنعمْ مَأوى الطارقِ المتنوِّر ) قال ثم بكى حتى سالت عينه ثم انخرط على سية قوسه متكئاً يعني مغشياً عليه أخبرني اليزيدي قال حدثنا الرياشي قال حدثني محمد بن صخر بن خلخلة قال ذكر متمم بن نويرة أخاه في المدينة فقيل له إنك لتذكر أخاك فما كانت صفته أوصفه لنا فقال كان يركب الجمل الثفال في الليلة الباردة يرتوي لأهله بين المزادتين المضرجتين عليه الشملة الفلوت يقود الفرس الجرور ثم يصبح ضاحكاً أخبرني اليزيدي قال حدثنا أحمد بن زهير عن الزبير بن حبيب بن بدر الطائي وغيره أن المنهال رجلاً من بني يربوع مر على أشلاء مالك بن نويرة لما قتله خالد فأخذ ثوباً وكفنه فيه ودفنه ففيه يقول متمم - طويل - صوت ( لعمري وما دَهْري بتأبينِ مالكٍ ... ولا جَزعٍ مما أصابَ فأوجَعا ) ( لقد كَفَّن المِنهالُ تحت رِدائه ... فتىً غيرَ مِبطانِ العشيّاتِ أرْوَعا ) غناه عمرو بن أبي الكنات ثقيل أول بالوسطى عن حبش أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا الحسن بن محمد البصري قال حدثنا الحسن بن إسماعيل القضاعي قال حدثني أحمد بن عمار العبدي وكان من العلم بموضع قال حدثني أبي عن جدي قال صليت مع عمر ابن الخطاب الصبح فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل قصير أعور متنكباً قوساً وبيده هراوة فقال من هذا فقال متمم بن نويرة فاستنشده قوله في أخيه فأنشده - طويل ( لعمري وما دَهْري بتأبينِ مالكٍ ... ولا جَزعٍ مما أصابَ فأوجَعا ) ( لقد كَفَّن المِنهالُ تحت ثيابه ... فتىً غيرَ مِبطانِ العشيّاتِ أرْوَعا ) حتى بلغ إلى قوله - طويل - ( وكنا كَندمانَيْ جَذيمةَ حِقْبةً ... من الدهر حتّى قِيل لن يتصدّعا ) ( فلما تفرَّقنا كأنِّي ومالكاً ... لِطُول اجتماعِ لم نَبِتْ ليلةً معا ) فقال عمر هذا والله التأبين ولوددت أني أحسن الشعر فأرثي أخي زيداً بمثل ما رثيت به أخاك فقال متمم لو أن أخي مات على ما مات عليه أخوك ما رثيته وكان قتل باليمامة شهيداً وأمير الجيش خالد بن الوليد فقال لعمر ما عزاني أحد عن أخي بمثل ما عزاني به متمم قال وكان عمر يقول ما هبت الصبا من نحو اليمامة إلا خيل إليّ أني أشم ريح أخي زيد قال وقيل لمتمم ما بلغ من وجدك على أخيك فقال أصبت بإحدى عيني فما قطرت منها دمعة عشرين سنة فلما قتل أخي استهلت فما ترقأ أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا عبد الله بن لاحق عن ابن أبي مليكة قال مات عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبشي خارج مكة فحمل فدفن بمكة فقدمت عائشة فوقفت على قبره وقالت متمثلة - طويل - ( وكنا كَندمانَيْ جَذيمةَ حِقْبةً ... من الدهر حتّى قِيل لن يتصدّعا ) ( فلما تفرَّقنا كأنِّي ومالكاً ... لِطُول اجتماعِ لم نَبِتْ ليلةً معا ) أما والله لو حضرتك لدفنت حيث مت ولو شهدتك ما زرتك أخبرني إبراهيم بن أيوب قال حدثنا عبد الله بن مسلم بن قتيبة أن متمم بن نويرة دخل على عمر بن الخطاب فقال له عمر ما أرى في أصحابك مثلك فقال يا أمير المؤمنين أما والله إني مع ذلك لأركب الجمل الثفال وأعتقل الرمح الشطون وألبس الشملة الفلوت ولقد أسرتني بنو تغلب في الجاهلية فبلغ ذلك أخي مالكاً فجاء ليفديني منهم فلما رآه القوم أعجبهم جماله وحدثهم فأعجبهم حديثه فأطلقوني له بغير فداء أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني النوفلي عن أبيه وأهله قالوا لما أنشد متمم بن نويرة عمر بن الخطاب قوله يرثي أخاه مالكاً - طويل - ( وكنا كَندمانَيْ جَذيمةَ حِقْبةً ... من الدهر حتّى قِيل لن يتصدّعا ) ( فلما تفرَّقنا كأنِّي ومالكاً ... لِطُول اجتماعِ لم نَبِتْ ليلةً معا ) قال له عمر هل كان مالك يحبك مثل محبتك إياه أم هل كان مثلك فقال وأين أنا من مالك وهل أبلغ مالكاً والله يا أمير المؤمنين لقد أسرني حي من العرب فشدوني وثاقاً بالقد وألقوني بفنائهم فبلغه خبري فأقبل على راحلته حتى انتهى إلى القوم وهم جلوس في ناديهم فلما نظر إليّ أعرض عني ونظر القوم إليه فعدل إليهم وعرفت ما أراد فسلم عليهم وحادثهم وضاحكهم وأنشدهم فوالله إن زال كذلك حتى ملأهم سروراً وحضر غداؤهم فسألوه ليتغدى معهم فنزل وأكل ثم نظر إلي وقال إنه لقبيح بنا أن نأكل ورجل ملقى بين أيدينا لا يأكل معنا وأمسك يده عن الطعام فلما رأى ذلك القوم نهضوا وصبوا الماء على قدي حتى لان وخلوني ثم جاؤوا فأجلسوني معهم على الغداء فلما أكلنا قال لهم أما ترون تحرم هذا بنا وأكله معنا إنه لقبيح بكم أن تردوه إلى القد فخلوا سبيلي فكان كما وصفت وما كذبت في شيء من صفته إلا أني وصفته خميص البطن وكان ذا بطن أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن نصر العتيقي قال حدثني محمد بن الحسن بن مسعود الزرقي عن أبيه عن مروان بن موسى ووجدت هذا الخبر أيضاً في كتاب محمد بن علي بن حمزة العلوي عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال لمتمم بن نويرة إنكم أهل بيت قد تفانيتم فلو تزوجت عسى أن ترزق ولداً يكون فيه بقية منكم فتزوج امرأة بالمدينة فلم ترض أخلاقه لشدة حزنه على أخيه وقلة حفله بها فكانت تماظه وتؤذيه فطلقها وقال - طويل - ( أقول لهندٍ حينَ لم أرْضَ فِعلَها ... أهذا دلالُ الحب أم فعلُ فاركِ ) ( أمِ الصَّرْمُ ما تبغي وكلُّ مَفارقٍ ... يسيرٌ علينا فَقْدُهُ بعدَ مالكِ ) أخبرني محمد بن جعفر الصيدلاني النحوي قال حدثنا محمد بن موسى بن حماد قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أحمد بن معاوية عن سلمويه بن أبي صالح عن عبد الله بن المبارك عن نعيم بن أبي عمرو الرازي قال بينا طلحة والزبير يسيران بين مكة والمدينة إذ عرض لهما أعرابي فوقفا ليمضي فوقف فتعجلا ليسبقاه فتعجل فقالا ما أثقلك يا أعرابي تعجلنا لنسبقك فتعجلت فوقفنا لتمضي فوقفت فقال لا إله إلا الله مفني أغدر الناس أغدر بأصحاب محمد هباني خفت الضلال فأحببت أن أستدل بكما أو خفت الوحشة فأحببت أن أستأنس بكما فقال طلحة من أنت قال أنا متمم ابن نويرة فقال طلحة واسوأتاه لقد مللنا غير مملول هات بعض ما ذكرت في أخيك من البكاء فزوجوه أم خالد فبينا هو واضع رأسه على فخذها إذ بكى فقالت لا إله إلا الله أما تنسى أخاك فأنشأ يقول - طويل - ( أقولُ لها لما نهتني عن البُكا ... أفي مالكٍ تَلْحَيْنني أمَّ خالدِ ) ( فإنْ كان إخواني أصيبوا وأخطأتْ ... بني أمك اليومَ الحُتوفُ الرواصدُ ) ( فكلُّ بني أمّ سيُمْسُونَ ليلةً ... ولم يَبْقَ من أعيانِهِمْ غيرُ واحِد ) أما معنى قول متمم ( وكنا كَندمانَيْ جَذيمةَ حِقْبةً ... ) فإنه يعني نديمي جذيمة الأبرش الملك وهو جذيمة بن مالك بن فهم ابن غانم بن دوس بن عدثان الأسدي وكان الخبر في ذلك ما أخبرنا به علي بن سليمان الأخفش عن أبي سعيد السكري عن محمد بن حبيب وذكر ابن الكلبي عن أبيه والشرقي وغيره من الرواة أن جذيمة الأبرش وأصله من الأزد وكان أول من ملك قضاعة بالحيرة وأول من حدا النعال وأدلج من الملوك ورفع له الشمع قال يوماً لجلسائه قد ذكر لي عن غلام من لخم مقيم في أخواله من إياد له ظرف ولب فلو بعثت إليه يكون في ندماني ووليته كأسي والقيام بمجلسي كان الرأي فقالوا الرأي ما رأى الملك فليبعث إليه ففعل فلما قدم فعل به ما أراد له فمكث كذلك مدة طويلة ثم أشرفت عليه يوماً رقاش ابنة الملك أخت جذيمة فلم تزل تراسله حتى اتصل بينهما ثم قالت له يا عدي إذا سقيت القوم فامزج لهم واسق الملك صرفاً فإذا أخذت منه الخمر فاخطبني إليه فإنه يزوجك وأشهد القوم عليه إن هو فعل ففعل الغلام ذلك فخطبها فزوجه وانصرف الغلام بالخبر إليها فقالت عرس بأهلك ففعل فلما أصبح غدا مضرجاً بالخلوق فقال له جذيمة ما هذه الآثار يا عدي قال آثار العرس قال أي عرس قال عرس رقاش قال فنخر وأكب على الأرض ورفع عدي جراميزه فأسرع جذيمة في طلبه فلم يحسسه وقيل إنه قتله وكتب إلى أخته - خفيف - ( حَدّثِيني رَقاشِ لا تَكذِبيني ... أَبِحُرٍّ زنيتِ أم بهجينِ ) ( أم بعبدٍ فأنتِ أهلٌ لِعَبْدٍ ... أم بِدُونٍ فأنت أهلٌ لدونِ ) قالت بل زوجتني امرأ عربياً فنقلها جذيمة وحصنها في قصره واشتملت على حمل فولدت منه غلاماً وسمته عمراً وربته فلما ترعرع حلته وعطرته وألبسته كسوة مثله ثم أرته خاله فأعجب به وألقيت عليه منه محبة ومودة حتى إذا وصف خرج الغلمان يجتنون الكمأة في سنة قد أكمأت وخرج معهم وقد خرج جذيمة فبسط له في روضة فكان الغلمان إذا أصابوا الكمأة أكلوها وإذا أصابها عمرو خبأها ثم أقبلوا يتعادون وهو معهم يقدمهم ويقول - سريع - ( هذا جنايَ وخياره فيهْ ... إذْ كلُّ جانٍ يده إلى فيهْ ) فالتزمه جذيمة وحباه وقرب من قلبه وحل منه بكل مكان ثم إن الجن استطارته فلم يزل جذيمة يرسل في الآفاق في طلبه فلم يسمع له بخبر فكفّ عنه ثم أقبل رجلان يقال لأحدهما عقيل والآخر مالك ابنا فالج وهما يريدان الملك بهدية فنزلا على ماء ومعهما قينة يقال لها أم عمرو فنصبت قدراً وأصلحت طعاماً فبينما هما يأكلان إذ أقبل رجل أشعث أغبر قد طالت أظفاره وساءت حاله حتى جلس مزجر الكلب فمد يده فناولته شيئاً فأكله ثم مد يده فقالت إن يعط العبد كراعاً يتسع ذراعاً فأرسلتها مثلاً ثم ناولت صاحبيها من شرابها وأوكأت دنها فقال عمرو بن عدي - وافر - صوت ( صَددْتِ الكأسَ عنا أمَّ عمروٍ ... وكان الكأسُ مَجراها اليمينا ) ( وما شرُّ الثلاثة أمَّ عمرو ... بصاحبِك الذي لا تَصْبَحِينا ) غناه معبد فيما ذكر عن إسحاق في كتابه الكبير وقد زعم بعض الرواة أن هذا الشعر لعمرو بن معد يكرب وأخبرنا اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد النوشجاني قال حدثنا حفص بن عمرو عن الهيثم بن عدي عن ابن عياش أن هذا الشعر لعمرو بن معد يكرب في ربيعة بن نصر اللخمي رجع الحديث إلى سياقه فقال الرجلان ومن أنت فقال إن تنكراني أو تنكرا نسبي فإنني عمرو وعدي أبي فقاما إليه فلثماه وغسلا رأسه وقلما أظفاره وقصرا من لمته وألبساه من طرائف ثيابهما وقالا ما كنا لنهدي إلى الملك هدية أنفس عنده ولا هو عليها أحسن صفداً من ابن أخته فقد رده الله عز و جل إليه فخرجا حتى إذا دفعا إلى باب الملك بشراه به فصرفه إلى أمه فألبسته ثياباً من ثياب الملوك وجعلت في عنقه طوقاً كانت تلبسه إياه وهو صغير وأمرته بالدخول على خاله فلما رآه قال شب عمرو عن الطوق فأرسلها مثلاً وقال للرجلين اللذين قدما به احكما فلكما حكمكما قالا منادمتك ما بقيت وبقينا قال ذلك لكما فهما نديما جذيمة اللذان ذكرهما متمم وضربت بهما الشعراء المثل قال أبو خراش الهذلي - طويل - ( ألم تَعلمي أنْ قد تفرَّقَ قبلنا ... خليلاَ صفاءٍ مالكٌ وعقيلُ ) قال ابن حبيب في خبره وكان جذيمة من أفضل الملوك رأياً وأبعدهم مغاراً وأشدهم نكاية وهو أول من استجمع له الملك بأرض العراق وكانت منازله ما بين الأنبار وبقة وهيت وعين التمر وأطراف البر والقطقطانة والحيرة فقصد في جموعه عمرو بن الظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع بن هوبر العاملي من عاملة العماليق فجمع عمرو جموعه ولقيه فقتله جذيمة وفض جموعه فانفلوا وملكوا عليهم ابنته الزباء وكانت من أحزم الناس فخافت أن تغزوها ملوك العرب فاتخذت لنفسها نفقاً في حصن كان لها على شاطئ الفرات وسكرت الفرات في وقت قلة الماء وبنت أزجا من الآجر والكلس متصلاً بذلك النفق وجعلت نفقاً آخر في البرية متصلاً بمدينة لأختها ثم أجرت الماء عليه فكانت إذا خافت عدواً دخلت النفق فلما اجتمع لها أمرها واستحكم ملكها أجمعت على غزو جذيمة ثائرة بأبيها فقالت لها أختها وكانت ذات رأي وحزم إنك إن غزوت جذيمة فإنه امرؤ له ما يصده فإن ظفرت أصبت ثأرك وإن ظفر بك فلا بقية لك والحرب سجال ولا تدرين كيف تكون ألك أم عليك ولكن ابعثي إليه فأعلميه أنك قد رغبت في أن تتزوجيه وتجمعي ملكك إلى ملكه وسليه أن يجيبك إلى ذلك لأنه إن اغتر ففعل ظفرت به بلا مخاطرة فكتبت الزباء في ذلك إلى جذيمة تقول له إنها قد رغبت في صلة بلدها ببلده وإنها في ضعف من سلطانها وقلة ضبط لمملكتها وإنها لم تجد كفأ غيره وتسأله الإقبال عليها وجمع ملكها إلى ملكه فلما وصل ذلك إليه استخفه وطمع فيه فشاور أصحابه فكل صوب رأيه في قصدها وإجابتها إلا قصير بن سعد بن عمرو بن جذيمة بن قيس بن هلال بن نمارة بن لخم فقال هذا رأي فاتر وغدر حاضر فإن كانت صادقة فلتقبل إليك وإلا فلا تمكنها من نفسك فتقع في حبالها وقد وترتها في أبيها فلم يوافق جذيمة ما قال وقال له أنت امرؤ رأيك في الكن لا في الضح ورحل فقال له قصير في طريقه انصرف ودمك في وجهك فقال جذيمة ببقة قضي الأمر فأرسلها مثلاً ومضى حتى إذا شارف مدينتها قال لقصير ما الرأي قال ببقة تركت الرأي قال فما ظنك بالزباء قال القول رداف والحزم عيرانة لا تخاف واستقبله رسلها بالهدايا والألطاف فقال يا قصير كيف ترى قال خطر يسير في خطب كبير وستلقاك الخيول فإن سارت أمامك فالمرأة صادقة وإن أخذت في جنبيك وأحاطت بك فالقوم غادرون فلقيته الخيول فأحاطت به فقال له قصير اركب العصا فإنها لا تدرك ولا تسبق يعني فرساً له كانت تجنب قبل أن يحولوا بينك وبين جنودك فلم يفعل فجال قصير في ظهرها فمرت به تعدو في أول أصحاب جذيمة ولما أحيط بجذيمة التفت فرأى قصيراً على فرسه العصا في أول القوم فقال لحازم من يجري العصا في أول القوم فذكر أبو عبيدة والأصمعي أنها لم تكن تقف حتى جرت ثلاثين ميلاً ثم وقفت فبالت هناك فبني على ذلك الموضع برج يسمى العصا وأخذ جذيمة فأدخل على الزباء فاستقبلته قد كشفت عن فرجها فإذا هي قد ضفرت الشعر عليه فقالت يا جذيم أذات عروس ترى قال بل أرى متاع أمة لكعاء غير ذات خفر ثم قال بلغ المدى وجف الثرى وأمر غدر أرى قالت والله ما ذلك من عدم مواس ولا قلة أواس ولكنها شيمة ما أناس ثم قالت لجواريها خذن بعضد سيدكن ففعلن ثم دعت بنطع فأجلسته عليه وأمرت برواهشه فقطعت في طست من ذهب يسيل دمه فيه وقالت له يا جذيم لا يضيعن من دمك شيء فإني أريده للخبل فقال لها وما يحزنك من دم أضاعه أهله وإنما كان بعض الكهان قال لها إن نقط من دمه شيء في غير الطست أدرك بثأره فلم يزل دمه يجري في الطست حتى ضعف فتحرك فنقطت من دمه نقطة على أسطوانة رخام ومات قال والعرب تتحدث في أن دماء الملوك شفاء من الخبل قال المتلمس - طويل - ( من الدارِميِّينَ الذين دماؤهُمْ ... شِفاءٌ من الداءِ المجَنَّةِ والخَبْلِ ) قال وجمعت دمه في برنية وجعلته في خزانتها ومضى قصير إلى عمرو بن عبد الحر التنوخي فقال له اطلب بدم ابن عمك وإلا سبتك به العرب فلم يحفل بذلك فخرج قصير إلى عمرو بن عدي ابن أخت جذيمة فقال هل لك في أن أصرف الجنود إليك على أن تطلب بثأر خالك فجعل ذلك له فأتى القادة والأعلام فقال لهم أنتم القادة والرؤساء وعندنا الأموال والكنوز فانصرف إليه منهم بشر كثير فالتقى بعمرو التنوخي فلما صافوا القتال تابعه التنوخي ومالك بن عمرو بن عدي فقال له قصير انظر ما وعدتني في الزباء فقال وكيف وهي أمنع من عقاب الجو فقال أما إذ أبيت فإني جادع أنفي وأذني ومحتال لقتلها فأعني وخلاك ذم فقال له عمرو وأنت أبصر فجدع قصير أنفه ثم انطلق حتى دخل على الزباء فقالت من أنت قال أنا قصير ولا ورب البشر ما كان على ظهر الأرض أحد أنصح لخدمته مني ولا أغش لك حتى جدع عمرو بن عدي أنفي وأذني فعرفت أني لن أكون مع أحد أثقل عليه منك فقالت أي قصير نقبل ذلك منك ونصر لك في بضاعتنا وأعطته مالاً للتجارة فأتى بيت مال الحيرة فأخذ منه بأمر عدي ما ظن أنه يرضيها وانصرف إليها به فلما رأت ما جاء به فرحت وزادته ولم يزل حتى أنست به فقال لها إنه ليس من ملك ولا ملكة إلا وقد ينبغي له أن يتخذ نفقاً يهرب إليه عند حدوث حادثة يخافها فقالت أما أني قد فعلت واتخذت نفقاً تحت سريري هذا يخرج إلى نفق تحت سرير أختي وأرته إياه فأظهر لها سروراً بذلك وخرج في تجارته كما كان يفعل وعرف عمرو بن عدي ما فعله فركب عمرو في ألفي دارع على ألف بعير في الجوالق حتى إذا صاروا إليها تقدم قصير يسبق الإبل ودخل على الزباء فقال لها اصعدي في حائط مدينتك فانظري إلى مالك وتقدمي إلى بوابك فلا يعرض لشيء من أعكامنا فإني قد جئت بمال صامت وقد كانت أمنته فلم تكن تتهمه ولا تخافه فصعدت كما أمرها فلما نظرت إلى ثقل مشي الجمال قالت وقيل إنه مصنوع منسوب إليها رجز ( ما لِلجمالِ مَشْيُها وئيدا ... أَجَنْدلاً يَحْمِلْنَ أم حديدا ) ( أم صَرَفاناً بارداً شديداً ... أم الرجالُ جُثَّما قُعودا ) فلما دخل آخر الجمال نخس البواب عكما من الأعجام بمنخسة معه فأصابت خاصرة رجل فضرط فقال البواب شر والله عكمتم به في الجوالقات فثاروا بأهل المدينة ضرباً بالسيف فانصرفت راجعة فاستقبلها عمرو بن عدي فضربها فقتلها وقيل بل مصت خاتمها وقالت بيدي لا بيد عمرو وخربت المدينة وسبيت الذراري وغنم عمرو كل شيء كان لها ولأبيها وأختها وقال الشعراء في ذلك تذكر ما كان من قصير في مشورته على جذيمة وفي جدعه أنفه فأكثروا قال عدي بن زيد - وافر - ( ألا يا أَيُّها المُثْرِي المُرَجَّى ... ألم تَسمعْ بِخَطْبِ الأوّلينا ) ( دَعا بالبَقَّة الأمراءُ يَوْماً ... جذيمةَ ينتحي عُصَباً ثُبِينا ) ( فطاوَعَ أمرَهُمْ وعصى قصيراً ... وكان يقول لو سَمِع اليقينا ) وهي طويلة وقال المتلمس يذكر جدع قصير أنفه - طويل - ( ومِن حَذَر الأيام ما حَزَّ أنفَه ... قصيرٌ وخاضَ الموتَ بالسيف بيهسُ ) وكان جذيمة الملك شاعراً وإنما قيل له الوضاح لبرص كان به وكان يعظم أن يسمى بذلك فجعل مكانه الأبرش والوضاح وهو الذي يقول - مجزوء الكامل - ( والمُلْكُ كان لذي نُواسٍ ... حَوله تَردِي يُحابرْ ) ( بالسابغات وبالقَنا ... والبِيض تَبرق والمَغَافر ) ( أزمانَ لا مُلكٌ يُجير ... ولا ذِمامَ لمن يُجاورْ ) ( أوْدَى بهمْ غِيَرُ الزمانِ ... فمنجدٌ منهمْ وغائرْ ) وهو الذي يقول - مديد - ( ربَّما أوفيْتُ في عَلَم ... تَرْفَعْن ثوبي شمالاتُ ) ( في شبابٍ أنا رابئهمْ ... همْ لذي العَورة صِمّات ) ( ليتَ شعري ما أطافَ بهمْ ... نحن أدْلَجْنا وهُم باتوا ) ( ثُمَّ أبْنا غانِمِينَ وكم ... كَرَّ ناسٌ قبلنا ماتوا ) فيه غناء يقال إنه ليمانٍ ويقال إنه لمعبد ولم يصح صوت بسيط ( في كَفِّه خيزُرانٌ ريحُه عَبِقٌ ... من كفِّ أرْوَعَ في عِرْنينه شَمَمُ ) ( يُغضي حياءً ويُغْضَى من مَهابته ... فما يُكلَّمُ4 إلا حين يبتسمُ ) الشعر لحزين بن سليمان الديلي والغناء لإسحاق ثاني ثقيل بالبنصر عن حبش وفيه لعريب رمل عمله على لحن ابن سريج 21 - أخبار الحزين ونسبه ذكر الواقدي أنه من كنانة وأنه صليبة وأن الحزين لقب غلب عليه وأن اسمه عمرو بن عبيد بن وهيب بن مالك ويكنى أبا الشعثاء بن حريث بن جابر بن بجير وهو راعي الشمس الأكبر بن يعمر بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة أخبرني بذلك أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبة عن الواقدي قال وأما عمر بن شبة فإنه ذكر أن الحزين مولى وأنه الحزين بن سليمان ويكنى سليمان أبا الشعثاء ويكنى الحزين أبا الحكم من شعراء الدولة الأموية حجازي مطبوع ليس من فحول طبقته وكان هجاء خبيث اللسان ساقطاً يرضيه اليسير ويتكسب بالشر وهجاء الناس وليس ممن خدم الخلفاء ولا انتجعهم بمدح ولا كان يريم الحجاز حتى مات وهذا الشعر يقوله الحزين في عبد الله بن عبد الملك بن مروان وكان عبد الله من فتيان بني أمية وظرفائهم وكان حسن الوجه حسن المذهب وأمه أم ولد وزوجة عبد الله رملة بنت عبد الله بن عبد الله وعبد الله هذا هو عبد الحجر بن عبد المدان بن الديان بن قطن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن عمرو وزوجته هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن ربيعة بن الأسود بن مطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي تزوجها لما كان يقال إنها ناتق في ولادها فمات عنها ولم تلد له فخلفه محمد بن علي بن عبد الله بن العباس على رملة فولدت له محمداً وإبراهيم وموسى وبنات أخبرني بذلك عمر بن عبد الله بن جميل العتكي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري ويحيى بن علي بن يحيى قالوا حدثنا عمر بن شبة عن ابن رواحة وغيره وأخبرني به الطوسي والحرمي عن الزبير عن عمه أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثني الزبير قال حدثني عمي أن عبد الله بن عبد الملك حج فقال له أبوه سيأتيك الحزين الشاعر بالمدينة وهو ذرب اللسان فإياك أن تحتجب عنه وأرضه وصفته أنه أشعر ذو بطن عظيم الأنف فلما قدم عبد الله المدينة وصفه لحاجبه وقال له إياك أن ترده فلم يأت الحزين حتى قام فدخل لينام فقال له الحاجب قد ارتفع فلما ولى ذكر فلحقه فقال ارجع فاستأذن له فأدخله فلما صار بين يديه ورأى جماله وبهاءه وفي يده قضيب خيزران وقف ساكتاً فأمهله عبد الله حتى ظن أنه قد أراح ثم قال له السلام رحمك الله أولاً فقال عليك السلام وحيا الله وجهك أيها الأمير إني قد كنت مدحتك بشعر فلما دخلت عليك ورأيت جمالك وبهاءك أذهلني عنه فأنسيت ما كنت قلته وقد قلت في مقامي هذا بيتين فقال ما هما قال - بسيط ( في كَفِّه خيزُرانٌ ريحُها عَبِقٌ ... من كفِّ أرَْوَعَ في عِرْنينه شَمَمُ ) ( يُغضي حياءً ويُغْضَى من مَهابته ... فما يُكلَّمُ إلا حين يبتسمُ ) فأجازه فقال أخدمني أصلحك الله فإنه لا خادم لي فقال اختر أحد هذين الغلامين فأخذ أحدهما فقال له عبد الله أعلينا ترذل خذ الأكبر والناس يروون هذين البيتين للفرزدق في أبياته التي يمدح بها علي بن الحسين بن أبي طالب عليه السلام التي أولها - بسيط - ( هذا الذي تعرِف البطحاءُ وطأتَه ... والبيْتُ يعرفه والحِلُّ والحرمُ ) وهو غلط ممن رواه فيها وليس هذان البيتان مما يمدح به مثل علي بن الحسين عليهما السلام وله من الفضل المتعالم ما ليس لأحد حدثني محمد بن محمد بن سليمان الباغندي قال حدثني محمد بن عمر العدني قال حدثني سفيان بن عيينة عن الزهري قال ما رأيت هاشمياً أفضل من علي بن الحسين حدثني محمد قال حدثنا يوسف بن موسى القطان قال حدثنا جرير بن المغيرة قال كان علي بن الحسين يبخل فلما مات وجدوه يعول مائة أهل بيت بالمدينة حدثني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن معرس قال حدثنا محمد ابن ميمون قال حدثنا سفيان عن ابن أبي حمزة الثمالي قال كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره فيتصدق به ويقول إن صدقة الليل تطفئ غضب الرب حدثني أبو عبد الله الصيرفي قال حدثنا الفضل بن الحسين المصري قال حدثنا أحمد بن سليمان قال حدثنا ابن عائشة قال حدثنا سعد بن عامر عن جويرية بن أسماء عن نافع قال قال علي بن الحسين ما أكلت بقرابتي من رسول الله شيئاً قط حدثنا الحسن بن علي قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني إسحاق بن موسى الأنصاري قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال كان ناس من أهل المدينة يعيشون ما يدرون من أين عيشهم فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل وأما الأبيات التي مدح بها الفزردق علي بن الحسين وخبره فيها فحدثني بها أحمد بن محمد بن الجعد ومحمد بن يحيى قالا حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال حدثنا ابن عائشة قال حج هشام بن عبد الملك في خلافة الوليد أخيه ومعه رؤساء أهل الشام فجهد أن يستلم الحجر فلم يقدر من ازدحام الناس فنصب له منبر فجلس عليه ينظر إلى الناس وأقبل علي بن الحسين وهو أحسن الناس وجهاً وأنظفهم ثوباً وأطيبهم رائحة فطاف بالبيت فلما بلغ الحجر الأسود تنحى الناس كلهم وأخلوا له الحجر ليستلمه هيبة وإجلالاً له فغاظ ذلك هشاماً وبلغ منه فقال رجل لهشام من هذا أصلح الله الأمير قال لا أعرفه وكان به عارفاً ولكنه خاف أن يرغب فيه أهل الشام ويسمعوا منه فقال الفرزدق وكان لذلك كله حاضراً أنا أعرفه فسلني يا شامي قال ومن هو قال - بسيط - ( هذا الذي تعرفُ البطحاء وَطْأَتَهُ ... والبيْتُ يعرِفه والحِلُّ والحَرَمُ ) ( هذا ابنُ خيرِ عبادِ الله كلِّهِمُ ... هذا التَّقِيُّ النقي الطاهرُ العلمُ ) ( إذا رأته قُرَيْشٌ قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكَرَمُ ) ( يكاد يُمسِكه عِرْفانَ راحته ... رُكنُ الحَطيم إذا ما جاء يستلمُ ) ( فليس قولُك مَن هذا بضائِرِه ... العُرْبُ تَعْرِفُ من أنكرْتَ والعجم ) ( أيُّ الخلائق ليست في رقابِهِمُ ... لأوّليةِ هذا أو لَهُ نِعَم ) ( مَن يعرِف الله يعرفْ أوّليةَ ذا ... فالدينُ من بيتِ هذا ناله الأمم ) فحبسه هشام فقال الفرزدق - طويل - ( أيحبسني بين المدينة والتي ... إليها قلوبُ الناس يَهوِي مُنِيبُها ) ( يُقلِّب رأساً لم يكن رأسَ سيدٍ ... وعيناً له حَولاءَ بادٍ عيوبُها ) فبعث إليه هشام فأخرجه ووجه إليه علي بن الحسين عشرة آلاف درهم وقال اعذر يا أبا فراس فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر من هذا لوصلناك به فردها وقال ما قلت ما كان إلا لله وما كنت لأرزأ عليه شيئاً فقال له علي قد رأى الله مكانك فشكرك ولكنا أهل بيت إذا أنفذنا شيئاً ما نرجع فيه فأقسم عليه فقبلها ومن الناس أيضاً من يروي هذه الأبيات لداود بن سلم في قثم بن العباس ومنهم من يرويها لخالد بن يزيد فيه فهي في روايته - بسيط - ( كم صارخٍ بك من راجٍ وراجيةٍ ... يَرجُوك يا قُثَمَ الخيراتِ يا قُثَمُ ) ( أيُّ العمائر ليست في رقابِهِمُ ... لأوّليةِ هذا أَوْ لَهُ نِعَمُ ) ( في كَفِّه خيزُرانٌ ريحُها عَبِقٌ ... من كفِّ أرْوَعَ في عِرْنينه شَمَمُ ) ( يُغضِي حياءً ويُغْضَى من مَهابته ... فما يُكلَّمُ إلا حين يبتسِمُ ) وممن ذكر لنا ذلك الصولي عن الغلابي عن مهدي بن سابق أن داود بن سلم قال هذه الأبيات الأربعة سوى البيت الأول في شعره في علي بن الحسين عليه السلام وذكر الرياشي عن الأصمعي أن رجلاً من العرب يقال له داود وقف لقثم فناداه وقال - بسيط - ( يكاد يُمسِكه عِرْفانَ راحتِه ... رُكْنُ الحَطيم إذا ما جاء يستلمُ ) ( كما صارخٍ بك من راجٍ وراجيةٍ ... في الناس يا قُثَمَ الخيراتِ يا قُثَمُ ) فأمر له بجائزة سنية والصحيح أنها للحزين في عبد الله بن عبد الملك وقد غلط ابن عائشة في إدخاله البيتين في تلك الأبيات وأبيات الحزين مؤتلفة منتظمة المعاني متشابهة تنبئ عن نفسها وهي - بسيط - ( الله يعلمُ أنْ قد جُبْتُ ذا يَمَنٍ ... ثمَّ العراقَيْن لا يَثْنِينِيَ السَّأَمُ ) ( ثم الجزيرةَ أعلاها وأسفَلها ... كذاك تَسرِي على الأهوال بِي القدمُ ) ( ثم المواسمَ قد أوْطَنْتُها زمناً ... وحيث تُحلَقُ عند الجمرة اللِّممُ ) ( قالوا دِمشقُ يُنبِّيك الخبيرُ بها ... ثم ائتِ مصرَ فثَمَّ النائلُ العَمَم ) ( لمَّا وقفت عليها في الجموع ضُحىً ... وقد تَعَرَّضَتِ الحجّابُ والخَدَمُ ) ( حَيّيته بسَلامٍ وهو مرتفقٌ ... وضَجَّةُ القومِ عند الباب تَزدحمُ ) ( في كَفِّه خيزُرانٌ ريحُها عَبِقٌ ... من كفِّ أرْوَعَ في عِرْنينه شَمَمُ ) ( يُغْضَي حياءً ويُغْضَى مِنْ مَهابته ... فما يُكلَّمُ إلاّ حينَ يبتسمُ ) ( ترى رؤوسَ بني مَرْوانَ خاضعةً ... يمشُون حولَ ركابَيْهِ وما ظلموا ) ( إنْ هشَّ هشُّوا له واستبشَروا جَذَلا ... وإنْ هُمُ آنسوا إعراضَه وجَموا ) ( كلتا يديه ربيعٌ عند ذي خُلُفٍ ... بحرٌ يَفيض وهادِي عارضٍ هَزِم ) ومن الناس من يقول إن الحزين قالها في عبد العزيز بن مروان لذكره دمشق ومصر وقد كان ثم عبد الله بن عبد الملك أيضاً في مصر والحزين بها أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن يحيى أبو غسان عن عبد العزيز بن عمران الزهري قال وفد الحزين على عبد الله بن عبد الملك وفي الرقيق أخوان فقال عبد الله للحزين أي الرقيق أعجب إليك قال ليختر لي الأمير قال عبد الله قد رضيت لك هذا لأحدهما فإني رأيته حسن الصلاح قال الحزين لا حاجة لي به فأعطني أخاه فأعطاه إياه قال والغلامان مزاحم مولى عمر بن عبد العزيز وتميم أبو محمد بن تميم وهو الذي اختاره الحزين قال فقال في عبد الله يمدحه - بسيط - ( الله يعلمُ أنْ قد حَيَّيْت ذا يَمَنٍ ... ) وذكر القصيدة بطولها على هذا السبيل أخبرني وكيع عن محمد بن علي بن حمزة العلوي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال كان على المدينة طائف يقال له صفوان مولى لآل محرمة بن نوفل فجاء الحزين الديلي إلى شيخ من أهل المدينة فاستعاره حماره وذهب إلى العقيق فشرب وأقبل على الحمار وقد سكر فجاء به الحمار حتى وقف به على باب المسجد كما كان صاحبه عوده إياه فمر به صفوان فأخذه فحبسه وحبس الحمار فأصبح والحمار محبوس معه فأنشأ يقول - وافر - ( أيا أهل المدينة خبِّروني ... بأيِّ جريرة حُبِس الحمارُ ) ( فما للعَيْر من جُرْمٍ إليكُمْ ... وما بالعير إنْ ظُلِم انتصارُ ) فردوا الحمار على صاحبه وضربوا الحزين الحد فأقبل إلى مولى صفوان وهو في المسجد فقال - طويل ( نَشَدْتُك بالبيت الذي طِيفَ حولَه ... وزمزمَ والبيتِ الحرامِ المحجّبِ ) ( لِزانيةٍ صفوانُ أمْ لعفيفةٍ ... لأعلمَ ما آتي وما أتجنّبُ ) فقال مولاه هو لزانية فخرج وهو ينادي إن صفوان ابن الزانية فتعلق به صفوان فقال هذا مولاك يشهد أنك ابن زانية فخلى عنه وقال محمد بن علي بن حمزة وأخبرني الرياشي أن ابن عم للحزين استشاره في امرأة يتزوجها فقال له إن لها إخوة مشائيم وقد ردوا عنها غير واحد وأخشى أن يردوك فتطلق عليك ألسنا كانت عنك خرساً فخطبها ولم يقبل منه فردوه فقتال الحزين - طويل - ( نَهَيْتُكَ عن أمرٍ فلم تَقْبَلِ النُّهَى ... وحذَّرتك اليومَ الغُواةَ الأشائما ) ( فصرْتَ إلى ما لم أكنْ منه آمِناً ... وأشْمَتَّ أعدائي وأنطقْتَ لائما ) ( وما بِهِمُ مِن رغبةٍ عنك قلْ لَهُمْ ... فإن تسألوني تسألوا بِيَ عالما ) نسخت من كتاب لعلي بن محمد الشامي حدثني أبو محلم ولم يتجاوزه وأخبرني عيسى بن الحسن قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثني عمر بن سلام مولى عمر بن الجعاب أن الحزين الديلي خرج مع ابن لسهيل بن عبد الرحمن بن عوف إلى منتزه لهم فسكر الحزين وانصرف فبات في الطريق وسلب ثيابه فأرسل إلى سهيل يخبره الخبر ويستمنحه فلم يمنحه وبلغ الخبر سفيان بن عاصم بن عبد العزيز بن مروان فأرسل إليه بجميع ما يحتاج إليه وعوضه ثمن ثيابه فقال الحزين في ذلك - منسرح - ( هَلاَّ سُهيلاً أشبهْتَ أو بعض أعْمامِكَ ... يا ذا الخلائِقِ الشَّكِسَهْ ) ( ضَيَّعْتَ نَدْمانك الكريمَ ولم ... تُشْفِقْ عليه من ليلةٍ نَحِسَهْ ) ( ثم تعالَلْتَ إذ أتاك له ... صُبْحاً رسولٌ بعِلّة طفِسَهْ ) ( لكنّ سفيانَ لم يكن وَكَلاً ... لمَّا أتتْنا صِلاتُه سَلِسَهْ ) ( سما به أَرْوَعٌ ونفسُ فتىً ... أَرْوَعَ ليست كنفسك الدَّنِسَهْ ) حدثنا الصولي قال حدثنا ثعلب قال حدثني عبد الله بن شبيب قال مرّ الحزين الديلي على مجلس لبني كعب بن خزاعة وهو سكران فضحكوا عليه فوقف عليهم وقال - بسيط - ( لا بارَكَ الله في كَعْبٍ ومجلِسِهِمْ ... ماذا تجمَّعَ من لؤمٍ ومن ضَرَعِ ) ( لا يدرُسون كتابَ الله بَيْنَهُمُ ... ولا يصومون من حِرْص على الشبعِ ) فوثب إليه مشايخهم فاعتذروا منه وسألوه الكف وأن لا يزيد شيئاً على ما قاله فأجابهم وانصرف أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثنا عمرو بن أبي بكر المؤملي قال حدثني عبد الله بن أبي عبيدة قال كان الحزين قد ضرب على كل رجل من قريش درهمين درهمين في كل شهر منهم ابن أبي عتيق فجاءه لأخذ درهميه وهو على حمار أعجف قال وكثير مع ابن أبي عتيق فدعا ابن أبي عتيق للحزين بدرهمين فقال له الحزين من هذا معك قال هذا أبو صخر كثير بن أبي جمعة قال وكان قصيراً دميماً فقال له الحزين أتأذن لي أن أهجوه ببيت قال لا لعمري لا آذن لك أن تهجو جليسي ولكن أشتري عرضه منك بدرهمين آخرين ودعا له بهما فأصغى ثم قال لا بد لي من هجائه ببيت قال أو أشتري ذلك منك بدرهمين آخرين ودعا له بهما فأخذهما وقال ما أنا بتاركه حتى أهجوه قال أو أشتري ذلك منك بدرهمين آخرين فقال له كثير ائذن له وما عسى أن يقول فيّ فأذن له ابن أبي عتيق فقال - طويل - ( قصير القميص فاحشٌ عند بيته ... يَعَضُّ القُرادَ باستِه وهو قائمُ ) فوثب كثير إليه فوكزه فسقط هو والحمار وخلص ابن أبي عتيق بينهما وقال لكثير قبحك الله أتأذن له وتبسط إليه يدك قال كثير وأنا ظننته يبلغ في هذا كله في بيت واحد ولكثير مع الحزين أخبار أخر قد ذكرت في أخبار كثير أخبرني الحرمي قال حدثني عمي عن الضحاك بن عثمان قال حدثني ابن عروة بن أذينة قال كان الحزين صديقاً لأبي وعشيراً على النبيذ وكان كثيراً ما يأتيه وكان بالمدينة قينة يهواها الحزين ويكثر غشيانها فبيعت وأخرجت عن المدينة فأتى الحزين أبي وهو كئيب حزين كاسمه فقال له أبي ما لك يا أبا حكيم قال أنا والله يا أبا عامر كما قال كثير - طويل - ( لعمرِي لئن كانَ الفؤادُ من الهوى ... بَغَى سَقَماً إني إذاً لسقيمُ ) ( سألْتُ حكيماً أين شَطَّتْ بها النوى ... فخبَّرني ما لا أحبُّ حكيمُ ) فقال له أبي أنت مجنون إن أقمت على هذا أخبرني أحمد بن سليمان الطوسي قال حدثنا الزبير قال حدثني مصعب قال مر الحزين على جعفر بن محمد بن عبد الله بن نوفل بن الحارث وعليه أطمار فقال له يا ابن أبي الشعثاء إلى أين أصبحت غادياً قال أمتع الله بك نزل عبد الله بن عبد الملك الحرة يريد الحج وقد كنت وفدت إليه بمصر فأحسن إلي قال أفما وجدت شيئاً تلبسه غير هذه الثياب قال قد استعرت من أهل المدينة فلم يعرني أحد منهم غير هذه الثياب فدعا جعفر غلاماً فقال ائتني بجبة صوف وقميص ورداء فجاءه بذلك فقال أبل وأخلق فلما ولى الحزين قال جلساء جعفر له ما صنعت إنه يعمد إلى هذه الثياب التي كسوته إياها فيبيعها ويفسد بثمنها قال ما أبالي إذا كافأته بثيابه ما صنع بها فسمع الحزين قولهم وما رد عليهم ومضى حتى أتى عبد الله بن عبد الملك فأحسن إليه وكساه فلما أصبح الحزين أتى جعفراً ومعه القوم الذين لاموه بالأمس وأنشده - طويل - ( وما زال ينمو جعفرُ بنُ محمّدٍ ... إلى المجد حتّى عَبْهَلَتْهُ عواذلهْ ) ( وقُلْنَ له هلْ مِن طريفٍ وتالدٍ ... من المال إلاّ أنت في الحقِّ باذلهْ ) ( يُحاوِلْنَه عن شِيمةٍ قد علِمْنَها ... وفي نفسه أمرٌ كريمٌ يُحاولهْ ) ثم قال له بأبي أنت وأمي سمعت ما قالوا وما رددت عليهم أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن الضحاك عن أبيه قال صحب الحزين رجلاً من بني عامر بن لؤي يلقب أبا بعرة وكان استعمل على سعايات فلم يصنع إليه خيراً وكان قد صحب قبله عمرو بن مساحق وسعد بن نوفل فأحمدهما فقال له - طويل ( صحبتُك عاماً بعد سَعدِ بن نوفلٍ ... وعمروٍ فما أشبهْتَ سَعْداً ولا عَمْرَا ) ( وجادا كما قَصَّرْتَ في طلب العلا ... فحُزْتَ به ذمّاً وحازا به شكرا ) قال وأبو بعرة هذا هو الذي كان يعبث بجارية لابن أبي عتيق فشكته إليه فقال لها عديه فإذا جاءك فأدخليه إليّ ففعلت فأدخلته عليه وهو وشيخ من نظرائه جالسان في حجلة فلما رآهما قال أقسم بالله ما اجتمعتما إلا على ريبة فقال له ابن أبي عتيق استر علينا ستر الله عليك قال وآل أبي بعرة هم موالي آل أبي سمير قال فلما ولي المهدي باعوا ولاءهم منه قال الزبير وأنشدني عمي تمام الأبيات التي هجا بها أبا بعرة وسماه لي فقال وكان اسمه عيسى وهي - طويل - ( أولاك الجِعاد البيض من آل مالكٍ ... وأنتُمْ بنو قَيْنٍ لَحِقْتُمْ به نَزْرَا ) نصب نزرا على الحال كأنه قال لحقتم به نزراً قليلاً من الرجال ( نسوق بَيَعْوَراً أميرا كأنما ... نَسوق به في كلِّ مَجمعةٍ وَبْرا ) ( فإن يكن البَيْعُورُ ذمَّ رفيقُه ... قراه فقد كانت إمارتُه نكْرا ) ( ومُتَّبِعُ البَيْعُورِ يرجُو نوالَه ... فقد زاده البَيْعُورُ في فَقْره فَقْرا ) أخبرني الحرمي قال حدثني الزبير قال حدثني صالح عن عامر بن صالح قال مدح الحزين عمرو بن عمرو بن الزبير فلم يعطه شيئاً وأخبرني بهذا الخبر عمي تاما واللفظ له ولم يذكر الزبير منه إلا يسيراً قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري قال حدثني عطاء بن مصعب عن عاصم بن الحدثان قال دخل الحزين على عمرو بن عمرو بن الزبير بن العوام منزله فامتدحه وسأله حاجة فقال له ليس إلى ما تطلب سبيل ولا نقدر أن نملأ الناس معاذير وما كل من سألنا حاجة استحق أن نقضيها ولرب مستحق لها قد منعناه حاجته فقال الحزين أفمن المستحقين أنا قال لا والله وكيف تكون مستحقا لشيء من الخير وأنت تشتم أعراض الناس وتهتك حريمهم وترميهم بالمعضلات إنما المستحق من كف أذاه وبذل نداه ووقم أعداه فقال له الحزين أفمن هؤلاء أنت فقال له عمرو أين تبعدني لا أم لك من هذه المنزلة وأفضل منها فوثب الحزين من عنده وأنشأ يقول - وافر - ( حَلَفْتُ وما صَبَرْتُ على يمينٍ ... ولو أُدعى إلى أيمانِ صَبْرِ ) ( بربِّ الراقصاتِ بِشُعْثِ قومٍ ... يُوافون الجِمارَ لصُبحِ عشرِ ) ( لوَ انَّ اللؤم كان مع الثريَّا ... لكان حليفَه عمرُو بنُ عمرو ) ( ولو أنِّي عرَفْتُ بأنّ عَمْراً ... حليفُ اللؤم ما ضيَّعْتُ شِعري ) فقال العمري وحدثني لقيط أن الحزين قال فيه أيضاً يهجوه ويمدح محمد بن مروان بن الحكم وجاءه فشكا إليه عمراً فوصله وأحسن إليه قال - طويل - ( إذا لم يكنْ للمرء فضلٌ يَزِينُهُ ... سِوى ما ادَّعَى يوماً فليس له فَضْلُ ) ( وتَلْقَى الفتى ضخماً جميلاً رُواؤه ... يَرُوعك في النَّادي وليس له عَقْلُ ) ( وآخرُ تنبو العين عنه مهذَّبٌ ... يجود إذا ما الضَّخم نَهْنَهَهُ البخل ) ( فيا راجياً عمرو بنَ عمروٍ وسَيْبَه ... أتعرف عَمْراً أم أتاهُ بك الجهل ) ( فإن كنْتَ ذا جهلٍ فقد يُخطئ الفتى ... وإن كنْتَ ذا حزم إذاً حارتِ النّبل ) ( جَهِلْتَ ابنَ عمرو فالتمسْ سَيْبَ غيره ... ودونك مَرْمىً ليس في جِدِّه هَزْلُ ) ( عليك ابنَ مروانَ الأغرَّ محمداً ... تجدْه كريماً لا يطيش له نَبْلُ ) قال لقيط فلما أنشد الحزين محمد بن مروان هذا الشعر أمر له بخمسة آلاف درهم وقال له اكفف يا أخا بني ليث عن عمرو بن عمرو ولك حكمك فقال لا والله ولا بحمر النعم وسودها لو أعطيتها ما كففت عنه لأنه ما علمت كثير الشر قليل الخير متسلط على صديقه فظ على أهله وخير ابن عمرو بالثريا معلق فقال له محمد بن مروان هذا شعر فقال بعد ساعة يصير شعراً ولو شئت لعجلته ثم قال - طويل - ( شَرُّ ابنِ عمروٍحاضرٌ لصديقه ... وخَيرُ ابن عمروٍ بالثريّا معلَّقُ ) ( ووجهُ ابن عمروٍ باسرٌ إنْ طَلَبْتَهُ ... نوالاً إذا جاد الكريم الموفّق ) ( فبئس الفتى عمرو بن عمرو إذا غَدَتْ ... كتائب هيجاء المنيّة تبرق ) ( فلا زال عمروٌ للبلايا دّرِيَّةً ... تباكِره حتّى يموت وتطرُق ) ( يهرُّ هرير الكلب عمروٌ إذا رأى ... طعاماً فما ينفكّ يبكي ويَشهَقُ ) قال فزجره محمد عنه وقال له أفٍّ لك قد أكثرت الهجاء وأبلغت في الشتيمة قال العمري وحدثني عطاء بن مصعب عن عبد الله بن الليث الليثي قال قال الحزين الديلي يهجو عمرو بن عمرو بن الزبير - طويل - ( لعمرك ما عمرو بن عمروٍ بماجدٍ ... ولكنّه كَزُّ اليدينِ بخيلُ ) ( ينام عن التقوى ويُوقِظه الخِنا ... فيخبطُ أثناءَ الظلام يجولُ ) ( فلا خَير في عمروٍ لجارٍ ولا له ... ذِمامٌ ولكنْ للئام وصولُ ) ( مواعيدُ عمروٍ تُرَّهاتٌ ووجهُهُ ... على كلِّ ما قد قلْت فيه دليل ) ( جبانٌ وفحَّاشٌ لئيمٌ مذمَّمٌ ... وأكذبُ خَلْقِ الله حين يقول ) ( كلام ابن عمروٍ صُوفةُ وسطَ بَلْقَعٍ ... وكفُّ ابنِ عمروٍ في الرَّخاء تطول ) ( وإنْ حَزَبَتْه الحازباتُ تَشنَّجتْ ... يداه ورمحٌ في الهياج كليلُ ) فبلغ شعره عمراً فقال ما له لعنه الله ولعن من ولده لقد هجاني بنية صادقة ولسان صنع ذلق وما عداني إلى غيري قال فلقي الحزين عروة بن أذينة الليثي فأنشده هذه الأبيات فقال له ويحك بعضها كان يكفيك فقد بنيتها ولم تقم أودها وداخلتها وجعلت معانيها في أكمتها قال الحزين ذلك والله أرغب للناس فيها فقال له عروة خير الناس من حلم عن الجهال وما أراه إلا قد حلم عنك فقال الحزين حلم والله عني شاء أو أبى برغمه وصغره قال العمري فحدثنا عطاء عن عاصم بن الحدثان قال لقي شبان من ولد الزبير الحزين فتناولوه بألسنتهم وهموا بضربه فحال بينهم وبينه ابن لمصعب ابن الزبير فقال الحزين يهجوهم ويهجو جماعة من بني أسد بن عبد العزى سوى بني مصعب الذين منعوهم منه قال - طويل - ( لحا الله حيّاً من قُريشٍ تحالفوا ... على البُخل بالمعروف والجودِ بالنُّكْرِ ) ( فصاروا لخلق اللهِ في اللؤمِ غاية ... بهمْ تُضْرَبُ الأمثالُ في النثر والشعرِ ) ( فيا عمرو لو أشبهت عَمْرا ومصعبا ... حُمِدْتَ ولكنْ أنت منقبضُ البِشْرِ ) ( بني أسدٍ سادَتْ قريشٌ بجودها ... معدّاً وسادتْكُمْ معدٌّ يَدَ الدّهرِ ) ( تجود قريشٌ بالنَّدى ورضِيتُمُ ... بني أسد باللُّؤم والذّلّ والغدْرِ ) ( أعمرو بنَ عمروٍ لست ممن تَعدُّه ... قريشٌ إذا ما كاثَروا الناسَ بالفخرِ ) ( أَبَتْ لك يا عمرو بنَ عمروٍ دناءةٌ ... وخُلْقٌ لئيم أن تَرِيش وأن تَبرِي ) أخبرني الحرمي قال حدّثنا الزبير قال حدثني محمد بن الضحاك الحزامي قال حدثني أبي قال كان الحزين سفيهاً نذلاً يمدح بالنّزر إذا أعطيه ويهجو على مثله إذا منع فنزل بعاصم بن عمرو بن عثمان فلم يقره فقال يهجوه بقوله - طويل - ( سِيروا فقد جُنَّ الظّلامُ عليكُمُ ... فَبِاسْتِ الذي يرجو القِرى عند عاصمِ ) ( ظَلِلنا عليه وهو كالتّيس طاعماً ... نَشُدّ على أكبادِنا بالعمائم ) ( وما ليَ من ذَنْبٍ إليه عَلِمْتُهُ ... سوى أنّني قد جِئْتُه غيرَ صائم ) فقيل له إنّ عاصماً كثيراً ما تسمّي به قريش فقال أمَا والله لأبيِّننَّه لهم فقال - طويل ( إليك ابن عثمان بن عفان عاصم بنَ ... عمروٍ سَرَتْ عَنْسِي فخابَ سُراها ) ( فقد صادَفَتْ كزَّ اليدَينِ مبخَّلا ... جباناً إذا ما الحرب شُبَّ لظاها ) ( بخيلا بما في رحلِه غير أنهُ ... إذا ما خَلَتْ عِرْسُ الخليل أتاها ) أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن الضحاك عن أبيه قال قال الحزين لهلال بن يحيى بن طلحة قوله - طويل - ( هلالُ بن يحيى غُرّةٌ لا خفَا بها ... على الناس في عُسرِ الزمان ولا اليُسرِ ) ( وسَعْدٌ بن إبراهيمَ ظُفْرٌ موسَّخٌ ... فهل يستريح الناسُ من وَسَخَ الظُّفْرِ ) يعني سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وكان ولي قضاء المدينة من هشام بن عبد الملك فلم يعط الحزين شيئاً فهجاه وقال فيه أيضاً - طويل - ( أتيْتُ هلالاً أرتجي فَضْلَ سَيْبِه ... فأفلتَنِي ممّا أحبُّ هِلالُ ) ( هِلال بن يحيى غُرّةٌ لا خفا بها ... لكلِّ أُناسٍ غُرَّةٌ وهلال ) صوت - طويل - ( ألم تَشهدِ الجَوْنينِ والشِّعْبَ ذا الصَّفا ... وكَرَّاتِ قَيْسٍ يَوْمَ دَيْرِ الجماجِمِ ) ( تحرِّضُ يابنَ القَيْن قيساً ليَجعلوا ... لقومك يوماً مثلَ يوم الأَراقمِ ) ( بسيف أبي رَغْوانَ سيْفِ مُجاشعٍ ... ضربْتَ ولم تَضربْ بسيفِ ابنِ ظالمِ ) ( ضربْتَ به عند الإِمام فأُرعِشَتْ ... يداك وقالوا مُحدَثٌ غير صارمِ ) الشعر لجرير والغناء لابن محرز ثقيل أول بالبنصر وهذه الأبيات يقولها جرير يهجو الفرزدق ويعيره بضربة ضربها بسيفه رجلاً من الروم فحضره سليمان بن عبد الملك فلم يصنع شيئاً فحدثنا بخبره في ذلك محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا صالح بن سليمان عن إبراهيم بن جبلة بن مخرمة الكندي وكان شيخاً كبيراً وكان من أصحاب عبد الملك بن مروان ثم كان من أصحاب المنصور قال كنت حاضراً سليمان بن عبد الملك وأخبرنا علي بن سليمان الأخفش واليزيدي عن السكري عن محمد بن حبيب عن أبي عبيدة وعن قتادة عن أبي عبيدة في كتاب النقائض عن رؤبة بن العجاج قال حج سليمان بن عبد الملك ومعه الشعراء وحججت معهم فمر بالمدينة منصرفاً فأتي بأسرى من الروم نحو من أربعمائة فقعد سليمان وعنده عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي عليهم السلام وعليه ثوبان ممصران وهو أقربهم منه مجلساً فأدنوا إليه بطريقهم وهو في جامعة فقال لعبد الله بن الحسن قم فاضرب عنقه فقام فما أعطاه أحد سيفاً حتى دفع إليه حرسي سيفاً كليلاً فضربه فأبان عنقه وذراعه وأطن ساعده وبعض الغل فقال له سليمان اجلس فوالله ما ضربته بسيفك ولكن بحسبك وجعل يدفع الأسرى إلى الوجوه وإلى الناس فيقتلونهم حتى دفع إلى جرير رجلاً فدست إليه بنو عبس سيفاً قاطعاً في قراب أبيض فضربه فأبان رأسه ودفع إلى الفرزدق أسيراً فدست إليه القيسية سيفاً كليلاً فضرب به الأسير ضربات فلم يصنع شيئاً فضحك سليمان وضحك الناس معه هذه رواية أبي عبيدة عن رؤبة وأما سليمان بن أبي شيخ فإنه ذكر في خبره أن سليمان لما دفع إليه الأسير دفع إليه سيفاً وقال له اقتله به فقال لا بل أضربه بسيف مجاشع واخترط سيفه فضربه به فلم يغن شيئاً فقال له سليمان أما والله لقد بقي عليك عارها وشنارها فقال جرير قصيدته التي يهجوه فيها ومنها الصوت المذكور وأولها قوله - طويل - ( ألاَ حيِّ رَبْعَ المنزلِ المتقادِمِ ... وما حُلَّ مُذْ حَلَّتْ به أمُّ سالِم ) وهي طويلة فقال الفرزدق صوت - طويل - ( فهل ضَربةُ الرُّوميِّ جاعلةٌ لكُمْ ... أباً عن كُليبٍ أو أباً مِثلَ دارمِ ) ( كذاك سيوفُ الهِندِ تَنْبو ظُباتُها ... وتَقطع أحياناً مَنَاط التمائم ) ( ولا نَقتُل الأسرى ولكنْ نفكُّهمْ ... إذا أثَقَلَ الأعناقَ حملُ المَغَارِم ) ذكر يونس أن في هذه الأبيات لحناً لابن محرز ولم يجنسه وقال يعرّض بسليمان ويعيّره بنبو سيف ورقاء بن زهير العبسي عن خالد بن جعفر وبنو عبس أخوال سليمان قال - طويل ( فإنْ يكُ سيفٌ خانَ أو قدَرٌ أتى ... بتعجيل نفسٍ حَتْفُها غير شاهِد ) ( فسيفُ بني عَبسٍ وقد ضَربوا به ... نَبَا بيدَيْ وَرْقاءَ عن رأسِ خالدِ ) ( كذاك سيوفُ الهند تنبو ظُباتُها ... وتقطع أحياناً مَناطَ القلائدِ ) وروي هذا الخبر عن عوانة بن الحكم قال فيه إن الفرزدق قال لسليمان يا أمير المؤمنين هب لي هذا الأسير فوهبه له فأعتقه وقال الأبيات التي تقدم ذكرها ثم أقبل على رواته وأصحابه فقال كأني بابن المراغة وقد بلغه خبري فقال - طويل - ( بَسيفِ أبي رَغْوانَ سيفِ مُجاشعٍ ... ضَربتَ ولم تضرِبْ بسيفِ ابنِ ظالِم ) ( ضَرَبْتَ به عِند الإِمام فأُرعِشَتْ ... يداك وقالوا مُحْدَثٌ غيرُ صارمِ ) قال فما لبثنا غير مدة يسيرة حتى جاءتنا القصيدة وفيها هذان البيتان فعجبنا من فطنة الفرزدق وأخبرني بهذا الخبر محمد بن خلف وكيع قال حدثنا محمد بن عيسى بن حمزة العلوي قال حدثنا أبو عثمان المازني قال زعم جهم بن خلف أن رؤبة بن العجاج حدثه فذكر هذه القصيدة وزاد فيها قال واستوهب الفرزدق الأسير فوهبه له سليمان فأعتقه وكساه وقال قصيدته التي يقول فيها - طويل - ( ولا نقتُل الأسرى ولكن نفكُّهمْ ... إذا أثقَلَ الأعناقَ حملُ المغارمِ ) قال وقال في ذلك - طويل ( تَباشَرُ يربوعٌ بنبوةِ ضربةٍ ... ضَربْتُ بها بين الطُّلاَ والحراقدِ ) ( ولو شئْتُ قدَّ السيْفُ ما بين عُنْقه ... إلى عَلَق بين الحجابَيْنِ جامدِ ) ( فإنْ يَنْبُ سيفٌ أو تراخَتْ منيّةٌ ... لميقاتِ نَفْسٍ حتفُها غيرُ شاهدِ ) ( فسيفُ بني عبسٍ وقد ضَربوا به ... نَبَا بِيَدَيْ ورقاءَ عن رأسِ خالدِ ) قال وقال في ذلك - بسيط - ( أيَضْحَكُ الناسُ أن أضحكْتُ سيِّدَهُمْ ... خليفةَ الله يُستَسْقَى به المَطَرُ ) ( فما نبا السيفُ عن جُبنٍ ولا دَهَش ... عند الإِمام ولكنْ أخَّرَ القَدَرُ ) ( ولو ضَربْتُ به عمراً مقلَّدَه ... لخرَّ جُثمانُه ما فوقَه شَعَر ) ( وما يقدِّم نفساً قبل مِيتَتها ... جمعُ اليدَينِ ولا الصَّمصامةُ الذَّكَرُ ) فأما يوم الجونين الذي ذكره جرير فهو اليوم الذي أغار فيه عتيبة بن الحارث بن شهاب على بني كلاب وهو يوم الرغام أخبرني بخبره علي بن سليمان الأخفش ومحمد بن العباس اليزيدي عن السكري عن ابن حبيب ودماذ عن أبي عبيدة وعن إبراهيم بن سعدان عن أبيه أن عتيبة بن الحارث بن شهاب أغار في بني ثعلبة بن يربوع على طوائف من بني كلاب يوم الجونين فاطرد إبلهم وكان أنس بن العباس الأصم أخو بني رعل من بني سليم مجاوراً في بني كلاب وكان بين بني ثعلبة بن يربوع وبين بني رعل عهد لا يسفك دم ولا يؤكل مال فلما سمع الكلابيون الدعوى يال ثعلبة يال عبيد يال جعفر عرفوهم فقالوا لأنس بن العباس قد عرفنا ما بين بني رعل وبني ثعلبة بن يربوع فأدركهم فاحبسهم علينا حتى نلحق فخرج أنس في آثارهم حتى أدركهم فلما دنا منهم قال عتيبة بن الحارث لأخيه حنظلة أغن عنا هذا الفارس فاستقبله حنظلة فقال له أنس إنما أنا أخوكم وعقيدكم وكنت في هؤلاء القوم فأغرتم على إبلي فيما أغرتم عليه وهو معكم فرجع حنظلة إلى أخيه فأخبره الخبر فقال له حياك الله وهلم فوال إبلك أي اعزلها قال والله ما أعرفها وبنو أخي وأهل بيتي معي وقد أمرتهم بالركوب في أثري وهم أعرف بها مني فطلع فوارس بني كلاب فاستقبلهم حنظلة بن الحارث في فوارس فقال لهم أنس إنما هم بني وبنو أخي وإنما يربثهم لتلحق فوارس بني كلاب فلحقوا فحمل الحوثرة بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر على حنظلة فقتله وحمل لأم ابن سلمة أخو بني ضبارى بن عبيد بن ثعلبة على الحوثرة هو وابن مزنة أخو بني عاصم بن عبيد فأسراه ودفعاه إلى عتيبة فقتله صبراً وهزم الكلابيون ومضى بنو ثعلبة بالإبل وفيها إبل أنس فلم تقر أنساً نفسه حتى اتبعهم رجاء أن يصيب منهم غرة وهم يسيرون في شجراء فتخلف عتيبة لقضاء حاجته وأمسك برأس فرسه فلم يشعر إلا بأنس قد مر في آثارهم فتقدم حتى وثب عليه فأسره فأتى به عتيبة أصحابه فقال بنو عبيدة قد عرفنا أن لأم بن سلمة وابن مزنة قد أسرا الحوثرة فدفعاه إليك فضربت عنقه فأعقبهما في أنس بن عباس فمن قتلته خير من أنس فأبى عتيبة أن يفعل ذلك حتى افتدى أنس نفسه بمائتي بعير فقال العباس بن مرداس يعير عتيبة بن الحارث بفعله - كامل ( كثُر الضَّجاجُ وما سمعْتُ بغادرٍ ... كعُتيبةَ بنِ الحارث بن شهاب ) ( جَلّلْتَ حنظلةَ المخَانَة والخَنَا ... ودَنِسْتَ آخرَ هذه الأحقاب ) ( وأسَرتُمُ أنساً فمَا حاولْتُمُ ... بإسارِ جارِكُمُ بني المِيقاب ) الميقاب التي تلد الحمقى والوقب الأحمق ( باستِ التي ولدتك واستِ معاشرٍ ... تَرَكوك تحرسهمْ من الأحساب ) فقال عتيبة بن الحارث - وافر - ( غدرتمْ غدرةً وغدرْتُ أُخرى ... فليسَ إلى توافينا سبيلُ ) ( كأنَّكُمُ غداة بني كلابٍ ... تفاقدتمْ عليَّ لكُمْ دليلُ ) قوله تفاقدتم دعاء عليهم أن يفقد بعضهم بعضاً صوت - طويل - ( وبالعُفْر دارٌ مِن جميلَة هَيَّجَتْ ... سوالفَ حُبٍّ في فؤادكَ مُنْصِبِ ) ( وكنتَ إذا ناءت بها غربة النوى ... شديدَ القوَى لم تَدْرِ ما قولُ مِشْغَبِ ) ( كريمة حُرِّ الوجه لم تَدْعُ هالكاً ... من القوم هُلكاً في غدٍ غير مُعْقِبِ ) ( أَسِيلةُ مَجرى الدمع خُمْصانةُ الحشا ... بَرُوق الثّنايا ذاتُ خَلْقٍ مُشَرْعَبِ ) العفر منازل لقيس بالعالية سوالف مواض يقول هيّجت حبّاً قد كان ثم انقطع ومنصب ذو نصب ونأت وناءت وبانت بمعنى واحد أي بعدت ومشغب ذو شغب عليك وخلاف في حبها ويروى مشعب أي متعدّد يصرفك عنها وقوله لم تدع هالكاً أي لم تندب هالكاً هلك فلم يخلف غيره ولم يعقب ومعنى ذلك أنها في عدد وقوم يخلف بعضهم بعضا في المكارم لا كمن إذا مات سيد قومها أو كريم منهم لم يقم أحد منهم مقامه والمشرعب الجسيم الطويل والشرعبي الطويل الشعر لطفيل الغنوي والغناء لجميلة ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وذكره حماد عن أبيه لها ولم يجنسه وروى إسحاق عن أبيه عن سياط عن يونس أن هذا أحسن صوت صنعته جميلة 22 - نسب الطفيل الغنوي وأخباره قال ابن الكلبي هو طفيل بن عوف بن كعب بن خلف بن ضبيس بن خليف بن مالك بن سعد بن عوف بن كعب بن غنم بن غني بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان ووافقه ابن حبيب في النسب إلا في خلف بن ضبيس فإنه لم يذكر خلفا وقال هو طفيل بن عوف بن ضبيس قال أبو عبيدة اسم غني عمرو واسم أعصر منبه وإنما سمي أعصر لقوله - كامل - ( قالتْ عُميرةُ ما لرأسِكَ بعد ما ... فُقِدَ الشبابُ أتَى بلونٍ مُنْكَرِ ) ( أعُميرَ إنّ أباكِ غيَّر رأسَه ... مرُّ الليالي واختلافُ الأعصر ) فسمي بذلك وطفيل شاعر جاهلي من الفحول المعدودين ويكنى أبا قران يقال إنه من أقدم شعراء قيس وهو من أوصف العرب للخيل أخبرني هاشم بن محمد بن هارون بن عبد الله بن مالك أبو دلف الخزاعي قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن قريب الأنصاري قال قال لي عمي إن رجلاً من العرب سمع الناس يتذاكرون الخيل ومعرفتها والبصر بها فقال كان يقال إن طفيلاً ركب الخيل ووليها لأهله وإن أبا دواد الأيادي ملكها لنفسه ووليها لغيره كان يليها للملوك وأن النابغة الجعدي لما أسلم الناس وآمنوا اجتمعوا وتحدثوا ووصفوا الخيل فسمع ما قالوه فأضافه إلى ما كان سمع وعرف قبل ذلك في صفة الخيل وكان هؤلاء نعات الخيل أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثني عمي قال كان طفيل أكبر من النابغة وليس في قيس فحل أقدم منه قال وكان معاوية يقول خلوا لي طفيلاً وقولوا ما شئتم في غيره من الشعراء أخبرني عبد الله بن مالك النحوي قال حدثنا محمد بن حبيب قال كان طفيل الغنوي يسمى طفيل الخيل لكثرة وصفه إياها أخبرني محمد بن الحسين الكندي خطيب مسجد القادسية قال حدثني الرياشي قال حدثني الأصمعي قال كان أهل الجاهلية يسمون طفيلاً الغنوي المحبر لحسن وصفه الخيل أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن يزيد قال قال أبو عبيدة طفيل الغنوي والنابغة الجعدي وأبو دواد الإيادي أعلم العرب بالخيل وأوصفهم لها أخبرني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال حدثنا العمري عن لقيط قال قال قتيبة بن مسلم لأعرابي من غني قدم عليه من خراسان أي بيت قالته العرب أعف قال قول طفيل الغنوي - بسيط ( ولا أكونُ وِكاءَ الزاد أحبسه ... لقد علمْتُ بأنّ الزاد مأكولُ ) قال فأيُّ بيتٍ قالته العرب في الحرب أجود قال قول طفيل - طويل - ( بحيٍّ إذا قيل اركبوا لم يقل لهمْ ... عَواويرُ يَخْشَوْنَ الرَّدَى أين نَركبُ ) قال فأي بيت قالته العرب في الصبر أجود قال قول نافع بن خليفة الغنوي - طويل - ( ومِن خيرِ ما فينا من الأمر أنّنا ... متى ما نُوافِي مَوْطِنَ الصّبر نَصْبِر ) قال فقال قتيبة ما تركت لإخوانك من باهلة قال قول صاحبهم - طويل - ( وإنا أُناسٌ ما تَزالُ سَوامُنا ... تُنَوِّرُ نيرانَ العدوِّ مَناسمُهْ ) ( وليس لنا حيٌّ نُضافُ إليْهِمُ ... ولكن لنا عَوْدٌ شديدٌ شكائمهْ ) ( حرامٌ وإن صَلَّيْتَه ودَهَنْتَهُ ... تأوُّدُهُ ما كان في السيف قائمُهْ ) وهذه القصيدة المذكورة فيها الغناء يقولها طفيل في وقعة أوقعها قومه بطيئ وحرب كانت بينه وبينهم وذكر أبو عمرو الشيباني والطوسي فيما رواه عن الأصمعي وأبي عبيدة أنّ رجلاً من غني يقال له قيس الندامى وفد على بعض الملوك وكان قيس سيداً جواداً فلما حفل المجلس أقبل الملك على من حضره من وفود العرب فقال لأضعن تاجي على أكرم رجل من العرب فوضعه على رأس قيس وأعطاه ما شاء ونادمه مدة ثم أذن له في الانصراف إلى بلده فلما قرب من بلاد طيىء خرجوا إليه وهم لا يعرفونه فلقوه برمان فقتلوه فلما علموا أنه قيس ندموا لأياديه كانت فيهم فدفنوه وبنوا عليه بيتاً ثم إن طفيلاً جمع جموعاً من قيس فأغار على طيىء فاستاق من مواشيهم ما شاء وقتل منهم قتلى كثيرة وكانت هذه الوقعة بين القنان وشرقي سلمى فذلك قول طفيل في هذه القصيدة - طويل - ( فذُوقوا كما ذُقْنا غَداةَ محجَّرٍ ... من الغَيْظ في أكبادنا والتحوُّبِ ) ( فبِالقتلِ قَتْلٌ والسَّوامُ بمثله ... وبالشَّلّ شَلُّ الغائط المتصوِّبِ ) أخبرني علي بن الحسن بن علي قال حدثنا الحارث بن محمد عن المدائني عن سلمة بن محارب قال لما مات محمد بن الحجاج بن يوسف جزع عليه الحجاج جزعاً شديداً ودخل الناس عليه يعزونه ويسلونه وهو لا يسلو ولا يزداد إلا جزعاً وتفجعاً وكان فيمن دخل عليه رجل كان الحجاج قتل ابنه يوم الزاوية فلما رأى جزعه وقلة ثباته للمصيبة شمت به وسر لما ظهر له منه وتمثل بقول طفيل - طويل - ( فذُقوا كما ذُقْنا غَداةَ محجَّرٍ ... من الغَيْظ في أكبادنا والتحوُّبِ ) وفي هذه القصيدة يقول طفيل - طويل - ( تَرَى العينُ ما تَهوى وفيها زيادةٌ ... من اليُمْنِ إذْ تبدو ومَلْهىً لِمَلْعبِ ) ( وبيتٍ تهبُّ الرِّيحُ في حَجَراته ... بأرضٍ فضاءٍ بابهُ لم يحجَّب ) ( سَمَاوتُه أسمالُ بُرْدٍ مُحَبَّرٍ ... وصَهْوَتُهُ مِنْ أَتْحَمِيٍّ مُعَصَّبِ ) أخبرني عيسى بن الحسين بن الوراق قال حدثنا الرياشي عن العتبى عن عن أبيه قال قال عبد الملك بن مروان لولده وأهله أي بيت ضربته العرب على عصابة ووصفته أشرف حواء وأهلا وبناء فقالوا فأكثروا وتكلم من حضر فأطالوا فقال عبد الملك أكرم بيت وصفته العرب بيت طفيل الذي يقوله فيه - طويل - ( وبيتٍ تهبُّ الرِّيحُ في حَجَراته ... بأرضٍ فضاءٍ بابهُ لم يحجَّب ) ( سَمَاوتُه أسمالُ بُرْدٍ مُحَبَّرٍ ... وصَهْوَتُهُ مِنْ أَتْحَمِيٍّ مُعَصَّبِ ) ( وأطنابُه أرسانُ جُرْدٍ كأنّها ... صُدورُ القَنا من بادىءٍ ومُعَقِّبِ ) ( نصبْتُ على قومٍ تُدِرّ رماحُهُمْ ... عروقَ الأعادِي من غَرِيرٍ وأشيْبِ ) وقال أبو عمرو الشيباني كانت فزارة لقيت بني أبي بكر بن كلاب وجيرانهم من محارب فأوقعت بهم وقعة عظيمة ثم أدركتهم غني فاستنقذتهم فلما قتلت طيىء قيس الندامى وقتلت بنو عبس هريم بن سنان بن عمرو بن يربوع بن طريف ابن خرشة بن عبيد بن سعد بن كعب بن جلان بن غنم بن غني وكان فارساً حسيباً قد ساد ورأس قتله ابن هدم العبسي طريد الملك فقال له الملك كيف قتلته قال حملت عليه في الكبة وطعنته في السبة حتى خرج الرمح من اللبة وقتل أسماء بن واقد بن رفيد بن رياح بن يربوع بن ثعلبة بن سعد بن عوف بن كعب بن جلان وهو من النجوم وحصن بن يربوع بن طريف وأمهم جندع بنت عمرو بن الأغر بن مالك بن سعد بن عوف فاستغاثت غني ببني أبي بكر وبني محارب فقعدوا عنهم فقال طفيل في ذلك يمن عليهم بما كان منهم في نصرتهم ويرثي القتلى قال - طويل - ( تأوَّبَني هَمٌّ من اللَّيل مُنْصِبُ ... وجاء من الأخبار ما لا أُكَذِّبُ ) ( تتابَعْنَ حتّى لم تكنْ لِيَ رِيبةٌ ... ولم يكُ عمّا خَبَّروا مُتَعقَّب ) ( وكان هُريمٌ من سِنانٍ خليفةً ... وحِصْنٍ ومن أسماءَ لمّا تَغَيَّبوا ) ( ومن قيسٍ الثّاوي بِرَمّان بيتُه ... ويومَ حَقِيل فادَ آخرُ مُعْجِبُ ) ( أَشَمُّ طويلُ السّاعدين كأنه ... فَنِيقُ هِجانٍ في يديه مُركّب ) ( وبالسَّهْبِ ميمونُ النَّقيبة قولُه ... لملتمس المعروف أهلٌ ومَرْحَبُ ) صوت طويل ( كواكُب دَجْنٍ كلَّما انقضَّ كوكبٌ ... بَدا وانجَلَتْ عنه الدُّجُنَّةُ كَوكبُ ) الغناء لسليم أخي بابويه ثاني ثقيل عن الهشامي وهي قصيدة طويلة وذكرت منها هذه الأبيات من أجل الغناء الذي فيها ومن مختار مرثيته فيها قوله - طويل - ( لعمري لقد خَلَّى ابنُ جَنْدَعَ ثَلمةً ... ومن أينَ إنْ لم يرأبِ الله تُرأَبُ ) ( ندامَايَ أمسَوْا قد تخلَّيْتُ عَنْهُمُ ... فكيف أَلَذُ الخمرَ أم كيف أشرب ) ( مضَوْا سلَفاً قَصْدَ السَّبيل عليهِمُ ... وصَرْف المنايا بالرجال تقلّبُ ) صوت - سريع - ( فَدَيْتُ مَنْ باتَ يُغَنِّيني ... وبتُّ أسقِيهِ ويَسقيني ) ( ثم اصطبَحْنا قَهوةً عُتِّقتْ ... مِن عَهِد سابورَ وشِيرينِ ) الشعر والغناء لمحمد بن حمزة بن نصير وجه القرعة ولحنه فيه رمل أول بالبنصر لا نعرف له صنعة غيره 23 - سب محمد بن حمزة بن نصير الوصيف وأخباره هو محمد بن حمزة بن نصير الوصيف مولى المنصور ويكنى أبا جعفر ويلقب وجه القرعة وهو أحد المغنين الحذاق الضراب الرواة وقد أخذ عن إبراهيم الموصلي وطبقته وكان حسن الأداء طيب الصوت لا علة فيه إلا أنه كان إذا غنى الهزج خاصة خرج بسبب لا يعرف إلا لآفة تعرض للحس في جنس من الأجناس فلا يصح له بتة فذكر محمد بن الحسن الكاتب أن إسحاق بن محمد الهاشمي حدثه عن أبيه أنه شهد إسحاق بن إبراهيم الموصلي عند عمه هارون بن عيسى وعنده محمد بن الحسن بن مصعب قال فأتانا محمد بن حمزة وجه القرعة فسر به عمي وكان شرس الخلق أبيَّ النفس فكان إذا سئل الغناء أباه فإذا أمسك عنه كان هو المبتدئ به فأمسكنا عنه حتى طلب العود فأتي به فغنى وقال - مجزوء الرمل - ( مَرَّ بي سِرْبُ ظِباءِ ... رائحاتٍ من قُباءِ ) قال وكان يحسنه ويجيده فجعل إسحاق يشرب ويستعيده حتى شرب ثلاثة أرطال ثم قال أحسنت يا غلام هذا الغناء لي وأنت تتقدمني فيه ولا يخلق الغناء ما دام مثلك ينشأ فيه قال وحدثني إسحاق الهاشمي عن أبيه قال كنا في البستان المعروف ببستان خالص النصراني ببغداد ومعنا محمد بن حمزة وجه القرعة فيغنينا قوله - مجزوء الكامل - ( يا دارُ أَقَفَرَ رَسْمُها ... بين المُحَصَّب والحَجُونِ ) ( يا بِشْرُ إنِّي فاعلمي ... واللهِ مجتهداً يميني ) فإذا برجل راكب على حمار يؤمنا وهو يصيح أحسنت يا أبا جعفر أحسنت والله فقلنا اصعد إلينا كائنا من كنت فصعد وقال لو منعتموني من الصعود لما امتنعت ثم سفر اللثام عن وجهه فإذا هو مخارق فقال يا أبا جعفر أعد عليّ صوتك فأعاده فشرب رطلاً من شرابنا وقال لولا أني مدعو الخليفة لأقمت عندكم واستمعت هذا الغناء الذي هو أحسن من الزهر غب المطر نسبة ما في هذه الأخبار من الغناء منها - مجزوء الرمل - صوت ( مَرَّ بي سِرْبُ ظِباءِ ... رائحاتٍ من قُباءِ ) ( زُمَراً نحوَ المُصَلَّى ... يَتَمشَّيْنَ حِذائي ) ( فتجاسَرْتُ وأَلقيْتُ ... سَرابيلَ الحَياء ) ( وقديماً كان لَهْوِي ... وفُتونِي بالنِّساءِ ) الغناء لإسحاق مما لا يشك فيه من صنعته ولحنه من ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى وذكر محمد بن أحمد المكي أنه لجدّه يحيى وذكر حبش أنّ فيه لابن جامع ثاني ثقيل بالوسطى ومنها - مجزوء الكامل - صوت ( يا بِشْرُ إني فاعلمِي ... واللهِ مُجتهداً يميني ) ( ما إن صرَمْتُ حِبالَكمْ ... فَصِلِي حبالِي أو ذَرِيني ) ( استبدَلُوا طَلَبَ الحِجازِ ... وسُرّةِ البلدِ الأمين ) ( بحدائقٍ محفوفةٍ ... بالبيتِ من عِنَبٍ وتينِ ) ( يا دارُ أقفَرَ رَسْمُها ... بين المُحَصَّب والحَجُون ) ( أَقْوَتْ وغيَّرَ آيَها ... طُولُ التَّقادُم والسّنينِ ) الشعر للحارث بن خالد والغناء لابن جامع في الأربعة الأبيات الأول رمل بالوسطى ولابن سريج في الخامس والسادس والأول والثاني ثقيل أول بالبنصر أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن مهرويه قال حدثنا عبد الله ابن أبي سعد قال حدثني الفضل بن المغنّي عن محمد بن جبر قال دخلنا على إسحاق بن إبراهيم الموصلي نعوده من علة كان وجدها فصادفنا عنده مخارقاً وعلويه وأحمد بن المكي وهم يتحدثون فاتصل الحديث بينهم وعرض إسحاق عليهم أن يقيموا عنده ليتفرج بهم ويخرج إليهم ستارته يغنون من ورائها ففعلوا وجاء محمد بن حمزة وجه القرعة على بقية ذلك فاحتبسه إسحاق معهم ووضع النبيذ وغنوا فغنى مخارق أو علويه صوتاً من الغناء القديم فخالفه محمد فيه وفي صانعه وطال مراؤهما في ذلك وإسحاق ساكت ثم تحاكما إليه فحكم لمحمد وراجعه علويه فقال له إسحاق حسبك فوالله ما فيكم أدرى بما يخرج من رأسه منه ثم غنى أحمد بن يحيى المكي قوله - بسيط - ( قل للجُمانةِ لا تَعجَلْ بإسراج ... ) فقال محمد هذا اللحن لمعبد ولا يعرف له هزج غيره فقال أحمد أما على ما شرط أبو محمد آنفاً من أنه ليس في الجماعة أدرى بما يخرج من رأسه منك فلا معارض لك فقال له إسحاق يا أبا جعفر ما عنيتك والله فيما قلت ولكن قد قال إنه لا يعرف لمعبد هزج غير هذا وكلنا نعلم إنه لمعبد فأكذبه أنت بهزج آخر له مما لا يشك فيه فقال أحمد ما أعرف نسبة هذا الصوت قال محمد بن الحسن وحدثني إسحاق الهاشمي عن أبيه أن محمداً دخل معه على إسحاق الموصلي مهنئاً له بالسلامة من علة كان فيها فدعا بعود فأمر به إسحاق فدفع إلى محمد فغنى أصواتاً للقدماء وأصواتاً لإبراهيم وأصواتاً لإسحاق في إيقاعات مختلفة فوجه إسحاق خادماً بين يديه إلى جواري أبيه فخرجن حتى سمعنه من وراء حجاب ثم ودعه وانصرف فقال إسحاق للجواري ما عندكن في هذا الفتى فقلن ذكرنا والله أباك فيما غناه فقال صدقتن ثم أقبل علينا فقال هو مغن محسن ولكنه لا يصلح للمطارحة لكثرة زوائده ومثله إذا طارح جسر الذي يأخذ عنه فلم ينتفع به ولكنه ناهيك به من مغن مطرب قال إسحاق وحدثت أنه صار إلى مخارق عائداً فصادف عنده المغنين جميعا فلما طلع تغامزوا عليه فسلم على مخارق وسأله به فأقبل عليه مخارق ثم قال له يا أبا جعفر إن جواريك اللواتي في ملكي قد تركن الدرس من مدة فأحب أن تدخل إليهن وتأخذ عليهن وتصلح من غنائهن ثم صاح بالخدم فسعوا بين يديه إلى حجرة الجواري ففعل ما سأله مخارق ثم خرج فأعلمه أنه قد أتى ما أحبه والتفت إلى المغنين فقال قد رأيت غمزكم فهل فيكم أحد رضي أبو المهنا أعزه الله حذقه وأدبه وأمانته ورضيه لجواريه غيري ثم ولى فكأنما ألقمهم حجراً فما أجابه أحد صوت - كامل - ( عَفَتِ الدِّيارُ مَحلُّها فمُقامُها ... بِمَنى تأبّدَ غَوْلُها فرِجامُها ) ( فَمَدَافُع الرّيّانِ عُرِّيَ رَسْمُها ... خَلَقاً كما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها ) ( فاقنعْ بما قسمَ الإلهُ فإِنَّما ... قَسَم الخلائقَ بيننا عَلاّمُها ) عروضه من الكامل عفت درست ومنى موضع في بلاد بني عامر وليس منى مكة تأبد توحش والغول والرجام جبلان بالحمى والريان واد مدافعه مجاري الماء فيه وعري رسمها أي ترك وارتحل عنه يقول عري من أهله وسلامها صخورها واحدتها سلمة الشعر للبيد بن ربيعة العامري والغناء لابن سريج رمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لابن محرز خفيف رمل أول بالوسطى عن حبش وذكر الهشامي أن فيه رملاً آخر للهذلي في الثالث والأول 24 - نسب لبيد وأخباره هو لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر وكان يقال لأبيه ربيع المقترين لجوده وسخائه وقتلته بنو أسد في الحرب التي كانت بينهم وبين قومهم وقومه وعمه أبو براء عامر بن مالك ملاعب الأسنة سمي بذلك لقول أوس بن حجر فيه - طويل - ( فلاعَبَ أطرافَ الأسنّة عامرٌ ... فراحَ له حظُّ الكتيبةِ أجمعُ ) وأم لبيد تامرة بنت زنباع العبسية إحدى بنات جذيمة بن رواحة ولبيد أحد شعراء الجاهلية المعدودين فيها والمخضرمين ممن أدرك الإسلام وهو من أشراف الشعراء المجيدين الفرسان القراء المعمرين يقال إنه عمر مائة وخمسا وأربعين سنة أخبرني بخبره في عمره أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة عن عبد الله بن محمد بن حكيم وأخبرني الحسن بن علي قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد عن علي بن الصباح عن ابن الكلبي وعن علي بن المسور عن الأصمعي وعن المدائني وعن رجال ذكرهم منهم أبو اليقظان وابن دأب وابن جعدبة والوقاصي أن لبيد بن ربيعة قدم على رسول الله وفد بني كلاب بعد وفاة أخيه أربد وعامر بن الطفيل فأسلم وهاجر وحسن إسلامه ونزل الكوفة أيام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فأقام بها ومات بها هناك في آخر خلافة معاوية فكان عمره مائة وخمساً وأربعين سنة منها تسعون سنة في الجاهلية وبقيتها في الإسلام قال عمر بن شبة في خبره فحدثني عبد الله بن محمد بن حكيم أن لبيدا قال حين بلغ سبعاً وسبعين سنة بسيط - ( قامت تَشَكَّى إليَّ النَّفسُ مُجْهِشةً ... وقد حَمَلْتُك سبعاً بعد سبعينا ) ( فإنْ تُزادِي ثلاثاً تبلُغي أملاً ... وفي الثّلاثِ وفاءٌ للثمانينا ) فلما بلغ التسعين قال - طويل ( كأنِّي وقد جاوزْتُ عِشرين حِجَّةً ... خَلَعْتُ بِها عن مَنكِبيَّ ردائيا ) فلما بلغ مائة وعشرا قال - بسيط - ( أليسَ في مائةٍ قد عاشَها رجلٌ ... وفي تكامُلِ عَشْرٍبعدَها عُمُرُ ) فلما جاوزها قال - كامل - ( ولقد سئِمْتُ من الحياةِ وطُولها ... وسُؤالِ هذا الناس كيفَ لبَيدُ ) ( غَلَب الرّجالَ وكان غيرَ مغلَّبٍ ... دَهرٌ طويلٌ دائمٌ ممدود ) ( يوماً أرى يأتي عليَّ وليلةٌ ... وكلاهما بَعدَ المضاءِ يعودُ ) ( وأراه يأتي مثلَ يوم لقيتُه ... لم يُنتَقَصْ وضَعُفْتُ وهو يزيد ) أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم السجستاني قال حدثنا الأصمعي قال وفد عامر بن مالك ملاعب الأسنة وكان يكنى أبا البراء في رهط من بني جعفر ومعه لبيد بن ربيعة ومالك بن جعفر وعامر بن مالك عم لبيد على النعمان فوجدوا عنده الربيع بن زياد العبسي وأمه فاطمة بنت الخرشب وكان الربيع نديماً للنعمان مع رجل من تجار الشام يقال له زرجون بن توفيل وكان حريفاً للنعمان يبايعه وكان أديباً حسن الحديث والندام فاستخفه النعمان وكان إذا أراد أن يخلو على شرابه بعث إليه وإلى النطاسي متطبب كان له وإلى الربيع بن زياد فخلا بهم فلما قدم الجعفريون كانوا يحضرون النعمان لحاجتهم فإذا خرجوا من عنده خلا به الربيع فطعن فيهم وذكر معايبهم وكانت بنو جعفر له أعداء فلم يزل بالنعمان حتى صده عنهم فدخلوا عليه يوماً فرأوا منه جفاء وقد كان يكرمهم ويقربهم فخرجوا غضابا ولبيد متخلف في رحالهم يحفظ متاعهم ويغدو بإبلهم كل صباح يرعاها فأتاهم ذات ليلة وهم يتذاكرون أمر الربيع فسألهم عنه فكتموه فقال والله لا حفظت لكم متاعاً ولا سرحت لكم بعيراً أو تخبروني فيم أنتم وكانت أم لبيد يتيمة في حجر الربيع فقالوا خالك قد غلبنا على الملك وصد عنا وجهه فقال لبيد هل تقدرون على أن تجمعوا بيني وبينه فأزجره عنكم بقول ممض لا يلتفت إليه النعمان أبداً فقالوا وهل عندك شيء قال نعم قالوا فإنا نبلوك قال وما ذاك قالوا تشتم هذه البقلة وقدامهم بقلة دقيقة القضبان قلية الورق لاصقة بالأرض تدعى التربة فقال هذه التربة التي لا تذكي ناراً ولا تؤهل داراً ولا تسر جاراً عودها ضئيل وفرعها كليل وخيرها قليل أقبح البقول مرعى وأقصرها فرعاً وأشدهما قلعاً بلدها شاسع وآكلها جائع والمقيم عليها قانع فالقوا بي أخا عبس أرده عنكم بتعس وأتركه من أمره في لبس قالوا نصبح ونرى فيك رأينا فقال عامر انظروا إلى غلامكم هذا يعني لبيداً فإن رأيتموه نائماً فليس أمره بشيء إنما هو يتكلم بما جاء على لسانه وإن رأيتموه ساهراً فهو صاحبه فرمقوه فوجدوه وقد ركب رحلاً وهو يكدم وسطه حتى أصبح فقالوا أنت والله صاحبه فعمدوا إليه فحلقوا رأسه وتركوا دؤابته وألبسوه حلة ثم غدا معهم وأدخلوه على النعمان فوجدوه يتغدى ومعه الربيع بن زياد وهما يأكلان لا ثالث لهما والدار والمجالس مملوءة من الوفود فلما فرغ من الغداء أذن للجعفريين فدخلوا عليه وقد كان أمرهم تقارب فذكروا الذي قدموا له من حاجتهم فاعترض الربيع بن زياد في كلامهم فقال لبيد في ذلك - رجز ( أكلَّ يومٍ هامتي مُقَزَّعَهْ ... يا رُبَّ هيجا هي خيرٌ من دَعَهْ ) ( نحن بني أمِّ البنينَ الأربعهْ ... سيوفُ حَزٍّ وَجِفان مُتْرَعَهْ ) ( نحنُ خيارُ عامِربن صَعْصَعَهْ ... الضاربون الهامَ تحتَ الخَيْضَعَهْ ) ( والمطمعون الجَفْنَة المُدَعْدَعهْ ... مهلاً أبيْتَ اللَّعْنَ لا تأكلْ معهْ ) ( إنَّ استَه من بَرَصٍ مُلمَّعه ... وإِنّه يُدخِل فيها إصْبَعَهْ ) ( يُدخِلها حتّى يُوارِي أَشْجَعَه ... كأنّه يطلُب شيئاً ضَيَّعَهْ ) فرفع النعمان يده من الطعام وقال خبثت والله علي طعامي يا غلام وما رأيت كاليوم فأقبل الربيع على النعمان فقال كذب والله ابن الفاعلة ولقد فعلت بأمه كذا وكذا فقال له لبيد مثلك فعل ذلك بربيبة أهله والقريبة من أهله وإن أمي من نساء لم يكن فواعل ما ذكرت وقضى النعمان حوائج الجعفريين ومضى من وقته وصرفهم ومضى الربيع بن زياد إلى منزله من وقته فبعث إليه النعمان بضعف ما كان يحبوه وأمره بالانصراف إلى أهله فكتب إليه الربيع إني قد عرفت أنه قد وقع في صدرك ما قال لبيد وإني لست بارحاً حتى تبعث إليّ من يجردني فيعلم من حضرك من الناس أني لست كما قال لبيد فأرسل إليه إنك لست صانعاً بانتفائك مما قال لبيد شيئاً ولا قادراً على رد ما زلت به الألسن فالحق بأهلك فلحق بأهله ثم أرسل إلى النعمان بأبيات شعر قالها وهي - بسيط - ( لئن رَحَلتُ جِمالي لا إلى سَعةٍ ... ما مثلُها سَعَةٌ عَرْضاً ولا طُولا ) ( بحيثُ لو وَرَدَتْ لخمٌ بأَجْمَعِها ... لم يَعدِلوا ريشةً من رِيش سَمْويلا ) ( ترعى الروائمُ أحرارَ البقولِ بها ... لا مثلَ رَعْيِكمُ مِلحاً وغَسْوِيلا ) ( فاثبُتْ بأرضك بعدي واخلُ متكئاً ... مع النَّطاسيّ طوراً وابن تُوفيلا ) فأجابه النعمان بقوله - بسيط - ( شَرِّدْ برحلكَ عنِّي حيثُ شئْتَ ولا ... تُكثِر عليَّ وَدَعْ عنكَ الأباطيلا ) ( فقد ذُكِرْتَ بشيءٍ لستُ ناسِيَه ... ما جاورت مصرُ أهلَ الشّام والنِّيلا ) ( فما انتفاؤك منه بعد ما جَزَعَتْ ... هُوجُ المطيِّ به نحو ابن سَمْويلا ) ( قد قيل ذلك إنْ حقّاً وإنْ كذباً ... فما اعتذارُك من قولٍ إذا قيلا ) ( فالحقْ بحيثُ رأيتَ الأرضَ واسعةً ... فانْشر بها الطَّرْفُ إنْ عَرْضاً وإن طُولا ) قال وقال لبيد يهجو الربيع بن زياد ويزعمون أنها مصنوعة قال - رجز - ( ربيعُ لا يَسُقْكَ نحوي سائقُ ... فتُطلَبَ الأذْحالُ والحقائقُ ) ( ويُعلمَ المُعْيا به والسّابقُ ... ما أنتَ إن ضُمَّ عليك المازِقُ ) ( إلاّ كشيءٍ عاقَه العوائق ... إنّك حاسٍ حُسْوَةً فذائقُ ) ( لا بدّ أن يغمز منك العاتق ... غَمْزاً ترى أنك منه ذارق ) ( إنّك شيخٌ خائن منافقُ ... بالمخزيات ظاهرٌ مطابق ) وكان لبيد يقول الشعر ويقول لا تظهروه حتى قال - كامل ( عَفَت اِلِّديارُ محلُّها فمُقامُها ... ) وذكر ما صنع الربيع بن زياد وضمرة بن ضمرة ومن حضرهم من وجوه الناس فقال لهم لبيد حينئذ أظهروها قال الأصمعي في تفسير قوله الخيضعة أصله الخضعة بغير ياء يعني الجلبة والأصوات فزاد فيها الياء وقال في قوله بالمخزيات ظاهر مطابق يقال طابق الدابة إذا وضع يديه ثم رفعهما فوضع مكانهما رجليه وكذلك إذا كان يطأ في شوك والمأزق المضيق والنازق الخفيف نسخت من كتاب مروي عن أبي الحكم قال حدثني العلاء بن عبد الله الموقع قال اجتمع عند الوليد بن عقبة سماره وهو أمير الكوفة وفيهم لبيد فسأل لبيدا عما كان بينه وبين الربيع بن زياد عند النعمان فقال له لبيد هذا كان من أمر الجاهلية وقد جاء الله بالإسلام فقال له عزمت عليك وكانوا يرون لعزمة الأمير حقاً فجعل يحدثهم فحسده رجل من غني فقال ما علمنا بهذا قال أجل يا ابن أخي لم يدرك أبوك مثل ذلك وكان أبوك ممن لم يشهد تلك المشاهد فيحدثك أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثني العمري قال حدثني الهيثم عن ابن عياش عن محمد بن المنتشر قال لم يسمع من لبيد فخره في الإسلام غير يوم واحد فإنه كان في رحبة غني مستلقياً على ظهره قد سجى نفسه بثوبه إذ أقبل شاب من غني فقال قبح الله طفيلاً حيث يقول - طويل - ( جَزَى الله عنّا جعفراً حيثُ أشرفَتْ ... بنا نَعْلُنا في الوَاطئينَ فَزَلَّتِ ) ( أَبَوْا أن يَملُّونا ولو أنّ أُمَّنَا ... تُلاقِي الذي يَلقَوْن منّا لَمَلَّتِ ) ( فذو المال موفورٌ وكل مُعَصِّبٍ ... إلى حُجُرات أَدْفَأَتْ وأظَلَّت ) ( وقالت هَلُمُّوا الدار حتّى تَبَيَّنُوا ... وتنجليَ الغَمَّاءُ عمّا تجلَّت ) ليت شعري ما الذي رأى من بني جعفر حيث يقول هذا فيهم قال فكشف لبيد الثوب عن وجهه وقال يا ابن أخي إنك أدركت الناس وقد جعلت لهم شرطة يزعون بعضهم عن بعض ودار رزق تخرج الخادم بجرابها فتأتي برزق أهلها وبيت مال يأخذون منه أعطيتهم ولو أدركت طفيلاً يوم يقول هذا لم تلمه ثم استلقى وهو يقول أستغفر الله فلم يزل يقول أستغفر الله حتى قام أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد قال مر لبيد بالكوفة على مجلس بني نهد وهو يتوكأ على محجن له فبعثوا إليه رسولاً يسأله عن أشعر العرب فسأله فقال الملك الضليل ذو القروح فرجع فأخبرهم فقالوا هذا امرؤ القيس ثم رجع إليه فسأله ثم من فقال له الغلام المقتول من بني بكر فرجع فأخبرهم فقالوا هذا طرفة ثم رجع فسأله ثم من فقال ثم صاحب المحجن يعني نفسه أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبو عبيدة قال لم يقل لبيد في الإسلام إلا بيتاً واحداً وهو - بسيط ( الحمدُ لله إذْ لم يأتني أجَلي ... حتّى لبسْتُ من الإسلام سِربالا ) أخبرني أحمد قال أخبرني عمي قال حدثني محمد بن عباد بن حبيب المهلبي قال حدثنا نصر بن دأب عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة أن استنشد من قبلك من شعراء مصرك ما قالوا في الإسلام فأرسل إلى الأغلب الراجز العجلي فقال له أنشدني فقال - رجز - ( أَرَجَزاً تريدُ أم قصيداً ... لقد طلبْتَ هيّناً موجودا ) ثم أرسل إلى لبيد فقال أنشدني فقال إن شئت ما عفي عنه يعني الجاهلية فقال لا أنشدني ما قلت في الإسلام فانطلق فكتب سورة البقرة في صحيفة ثم أتى بها وقال أبدلني الله هذه في الإسلام مكان الشعر فكتب بذلك المغيرة إلى عمر فنقص من عطاء الأغلب خمسمائة وجعلها في عطاء لبيد فكان عطاؤه ألفين وخمسمائة فكتب الأغلب يا أمير المؤمنين أتنقص عطائي أن أطعتك فرد عليه خمسمائة وأقر عطاء لبيد على ألفين وخمسمائة قال أبو زيد وأراد معاوية أن ينقصه من عطائه لما ولي الخلافة وقال هذان الفودان يعني الألفين فما بال العلاوة يعني الخمسمائة فقال له لبيد إنما أنا هامة اليوم أو غد فأعرني اسمها فلعلي لا أقبضها أبداً فتبقى لك العلاوة والفودان فرق له وترك عطاءه على حاله فمات ولم يقبضه وقال عمر بن شبة في خبره الذي ذكره عن عبد الله بن محمد بن حكيم وأخبرني به إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم قالا كان لبيد من جوداء العرب وكان قد آلى في الجاهلية أن لا تهب صباً إلا أطعم وكان له جفنتان يغدو بهما ويروح في كل يوم على مسجد قومه فيطعمهم فهبت الصبا يوماً والوليد بن عقبة على الكوفة فصعد الوليد المنبر فخطب الناس ثم قال إن أخاكم لبيد بن ربيعة قد نذر في الجاهلية ألا تهب صباً إلا أطعم وهذا يوم من أيامه وقد هبت صباً فأعينوه وأنا أول من فعل ثم نزل عن المنبر فأرسل إليه بمائة بكرة وكتب إليه بأبيات قالها - وافر - ( أرى الجزّارَ يشحَذُ شَفْرَتَيْهِ ... إذا هبَّتْ رياحُ أبي عَقيلِ ) ( أشَمُّ الأنفِ أصْيَدُ عامريٌّ ... طويلُ الباع كالسَّيفِ الصَّقيل ) ( وفَى ابنُ الجعفريِّ بحَلْفَتَيْهِ ... على العِلاَّتِ والمالِ القليل ) ( بِنَحْرِ الكُوم إذ سُحِبَتْ عليه ... ذيولُ صباً تَجَاوَبُ بالأصيل ) فلما بلغت أبياته لبيدا قال لابنته أجيبيه فلعمري لقد عشت برهة وما أعيا بجواب شاعر فقالت ابنته - وافر - ( إذا هبَّتْ رياحُ أبي عَقيلٍ ... دعَوْنا عند هَبَّتِها الوليدا ) ( أشمَّ الأنفِ أَرْوَعَ عبشميّاً ... أعانَ على مروءته لَبيدا ) ( بأمثالِ الهِضابِ كأنّ رَكْباً ... عليها من بني حامٍ قُعودا ) ( أبا وَهْبٍ جَزَاكَ اللهُ خيراً ... نَحَرْناها فأطعَمْنا الثَّريدا ) ( فَعُدْ إنَّ الكريمَ له مَعَادٌ ... وظنِّي يا ابنَ أروى أن تَعُودا ) فقال لها لبيد أحسنت لولا أنك استطعمته فقالت إن الملوك لا يستحيا من مسألتهم فقال وأنت يا بنية في هذه أشعر أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد ابن عمران الضبي قال حدثني القاسم بن يعلى عن المفضل الضبي قال قدم الفرزدق فمر بمسجد بني أقيصر وعليه رجل ينشد قول لبيد - كامل - ( وَجَلا السُّيولُ عن الطُّلول كأنها ... زُبُرٌ تُجِدُّ مُتونَها أقلامُها ) فسجد الفرزدق فقيل له ما هذا يا أبا فراس فقال أنتم تعرفون سجدة القرآن وأنا أعرف سجدة الشعر أخبرنا أحمد بن عبد الله بن عمار قال حدثنا يعقوب الثقفي وابن عياش ومسعر بن كدام كلهم عن عبد الملك بن عمير قال أخبرني من أرسله القراء الأشراف قال الهيثم فقلت لابن عياش من القراء الأشراف قال سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة الفزاري وخالد بن عرفطة الزهري ومسروق بن الأجدع الهمداني وهانئ بن عروة المرادي إلى لبيد ابن ربيعة وهو في المسجد وفي يده محجن فقلت يا أبا عقيل إخوانك يقرئونك السلام ويقولون أي العرب أشعر قال الملك الضليل ذو القروح فردوني إليه وقولوا ومن ذو القروح قال امرؤ القيس فأعادوني إليه وقالوا ثم من قال الغلام ابن ثماني عشرة سنة فردوني إليه فقلت ومن هو فقال طرفة فردوني إليه فقلت ثم من قال صاحب المحجن حيث يقول - رمل - ( إنَّ تقوى ربِّنا خيرُ نَفَلْ ... وبإِذن الله رَيثي وعَجَلْ ) ( أَحْمَدُ اللهَ ولا نِدَّ لهُ ... بيديهِ الخيرُ ما شَاءَ فَعَلْ ) ( مَن هَداه سُبُلَ الخيرِ اهتدى ... ناعمَ البالِ ومَنْ شاءَ أضلّ ) يعني نفسه ثم قال أستغفر الله أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة عن ابن البواب قال جلس المعتصم يوماً للشراب فغناه بعض المغنين قوله - رمل - ( وبَنُو العباسِ لا يأتون لا ... وعلى ألسنهمْ خفّتْ نَعَمْ ) ( زَيّنت أحلامُهُمْ أحسابَهُمْ ... وكذاك الحلمُ زَينٌ للكرمْ ) فقال ما أعرف هذا الشعر فلمن هو قيل للبيد فقال وما للبيد وبني العباس قال المغنّي إنما قال ( وبنو الدّيّان لا يأتون ... ) فجعلته وبنو العباس فاستحسن فعله ووصله وكان يعجب بشعر لبيد فقال من منكم يروي قوله ( بَلِينا وما تَبْلَى النجومُ الطوالعُ ... ) - طويل - فقال بعض الجلساء أنا فقال أنشدنيها فأنشد ( بَلِينا وما تَبلَى النُّجومُ الطوالعُ ... وتَبقَى الجبالُ بعدَنا والمصانِعُ ) ( وقد كنتُ في أكنافِ جارِ مَضَنّةٍ ... ففارقني جارٌ بِأَرْبَدَ نافعُ ) فبكى المعتصم حتى جرت دموعه وترحم على المأمون وقال هكذا كان رحمة الله عليه ثم اندفع وهو ينشد باقيها ويقول ( فلا جَزَعٌ إنْ فَرَّقَ الدَّهرُ بيننا ... فكلُّ امرىءٍ يوماً له الدهرُ فاجعُ ) ( وما الناسُ إلاّ كالدِّيارِ وأهلِها ... بها يومَ حَلُّوها وبَعْدُ بلاقعُ ) ( ويَمضُون أرسالاً ونخلُف بعدَهمْ ... كما ضمَّ إحدى الراحتينِ الأصابعُ ) ( وما المرءُ إلا كالشِّهابِ وضوئه ... يَحُورُ رَماداً بَعْدَ إذْ هو ساطع ) ( وما البرُّ إلا مُضْمَراتٌ من التُّقى ... وما المالُ إلا عارياتٌ ودائعُ ) ( أليسَ ورائي إنْ تراخَتْ منيَّتي ... لُزُومُ العصا تُحنَى عليها الأصابعُ ) ( أخبِّر أخبارَ القرونِ التي مضت ... أدِبُّ كأنِّي كلما قُمْتُ راكعُ ) ( فأصبحْتُ مثلَ السَّيف أَخْلَقَ جَفْنَه ... تقادُمُ عهدِ القَيْن والنَّصْلُ قاطع ) ( فلا تَبْعَدَنْ إنَّ المنيَّةَ مَوعِدٌ ... علينا فدانٍ للطُّلوع وطالع ) ( أعاذلَ ما يُدْرِيكِ إلاّ تَظَنِّياً ... إذا رحَل الفِتيانُ مَنْ هو راجع ) ( أتَجزعُ مما أحدَثَ الدهرُ بالفتى ... وأيُّ كريم لم تُصِبْه القوارع ) ( لعمركَ ما تدري الضَّواربُ بالحصى ... ولا زاجراتُ الطَّيرِ ما الله صانع ) قال فعجبنا والله من حسن ألفاظه وصحة إنشاده وجودة اختياره أخبرني الحسين بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه وحدثنا محمد بن جرير الطبري قال حدثنا محمد بن حميد الرازي قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق قال كان عثمان بن مظعون في جوار الوليد بن المغيرة فتفكر يوماً في نفسه فقال والله ما ينبغي لمسلم أن يكون آمنا في جوار كافر ورسول الله خائف فجاء إلى الوليد بن المغيرة فقال له أحب أن تبرأ من جواري قال لعله رابك ريب قال لا ولكن أحب أن تفعل قال فاذهب بنا حتى أبرأ منك حيث أجرتك فخرج معه إلى المسجد الحرام فلما وقف على جماعة قريش قال لهم هذا ابن مظعون قد كنت أجرته ثم سألني أن ابرأ منه أكذاك يا عثمان قال نعم قال اشهدوا أني منه بريء قال وجماعة يتحدثون من قريش معهم لبيد بن ربيعة ينشدهم فجلس عثمان مع القوم فأنشدهم لبيد - طويل - ( ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ ... ) فقال له عثمان صدقت فقال لبيد ( وكلُّ نعيمٍ لا محالةَ زائلُ ... ) فقال عثمان كذبت فلم يدر القوم ما عنى فأشار بعضهم إلى لبيد أن يعيد فأعاد فصدقه في النصف الأول وكذبه في الآخر لأن نعيم الجنة لا يزول فقال لبيد يا معشر قريش ما كان مثل هذا يكون في مجلسكم فقام أبي بن خلف أو ابنه فلطم وجه عثمان فقال له قائل لقد كنت في منعة من هذا بالأمس فقال له ما أحوج عيني هذه الصحيحة إلى أن يصيبها ما أصاب الأخرى في الله أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن الهيثم قال حدثني العمري عن الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش قال كتب عبد الملك إلى الحجاج يأمره بإشخاص الشعبي إليه فأشخصه فألزمه ولده وأمر بتخريجهم ومذاكرتهم قال فدعاني يوماً في علته التي مات فيها فغص بلقمة وأنا بين يديه فتساند طويلاً ثم قال أصبحت كما قال الشاعر - طويل - ( كأنِّي وقد جاوزْتُ سبعين حجّة ... خلعْتُ بها عنّي عذارَ لجامِ ) ( إذا ما رآني الناسُ قالوا ألم يكنْ ... شديدَ مَحال البطشِ غيرَ كَهامِ ) ( رمتني بناتُ الدَّهر من حيث لا أرى ... وكيف بمن يُرمَى وليس بِرامِ ) ( ولو أنّني أُرْمَى بسهمٍ رأيتُه ... ولكنّني أرمى بغير سهامِ ) فقال الشعبي فقلت إنّا لله استسلم الرجل والله للموت فقلت أصلحك الله ولكن مثلك ما قال لبيد - بسيط - ( باتت تشكَّى إليّ الموتَ مُجْهشَةً ... وقد حَمَلْتُك سبعاً بعد سبعينا ) ( فإن تُزادِي ثلاثاً تبلغي أملاَ ... وفي الثّلاث وفاءٌ للثمانينا ) فعاش إلى أن بلغ مائة تسعين سنة فقال - طويل - ( كأنِّي وقد جاوزْتُ تسعين حجة ... خلعْتُ بها عن مَنْكِبيَّ ردائيا ) فعاش إلى أن بلغ مائة وعشر سنين قال - بسيط - ( أليس في مائةٍ قد عاشها رجلٌ ... وفي تكاملِ عَشْرٍ بعدها عُمُرُ ) فعاش إلى أن بلغ مائة وعشرين سنة فقال - كامل - ( ولقد سَئِمْتُ من الحياة وطولِها ... وسُؤَالِ هذا الناسِ كيفَ لبيدُ ) ( غَلَبَ الرجالَ وكان غير مغلَّبٍ ... دَهْرٌ جديدٌ دائمٌ ممدودُ ) ( يومٌ أرى يأتي عليه وليلةٌ ... وكلاهما بعدَ المضاءِ يَعودُ ) ففرِح واستبشر وقال ما أرَى بأساً وقد وجدت خفّاً وأمر لي بأربعة آلاف درهم فقبضتها وخرجت فما بلغت الباب حتى سمعت الواعية عليه وغنّى في هذه الأبيات التي أوّلها - كامل - ( غَلَب الرجالَ وكان غيرَ مغلَّبٍ ... ) عمر الوادي خفيف رمل مطلق بالوسطى عن عمرو أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثنا هارون بن مسلم عن العمري عن الهيثم بن عدي عن حماد الراوية قال نظر النابغة الذبياني إلى لبيد بن ربيعة وهو صبي مع أعمامه على باب النعمان بن المنذر فسأل عنه فنسب له فقال يا غلام إن عينيك لعينا شاعر أفتقرض من الشعر شيئاً قال نعم يا عم قال فأنشدني شيئاً مما قلته فأنشده قوله - وافر - ( ألم تَربَعْ على الدِّمن الخوالي ... ) فقال له يا غلام أنت أشعر بني عامر زدني يا بنيّ فأنشده ( طَلَلٌ لخولة بالرُّسَيس قديمُ ... ) - كامل - فضرب بيديه إلى جنبيه وقال اذهب فأنت أشعر من قيسٍ كلها أو قال هوازن كلها وأخبرني بهذا الخبر عمي قال حدثنا العمري عن لقيط عن أبيه وحماد الراوية عن عبد الله بن قتادة المحاربي قال كنت مع النابغة بباب النعمان بن المنذر فقال لي النابغة هل رأيت لبيد بن ربيعة فيمن حضر قلت نعم قال أيهم أشعر قلت الفتى الذي رأيت من حاله كيت وكيت فقال اجلس بنا حتى يخرج إلينا قال فجلسنا فلما خرج قال له النابغة إلي يا ابن أخي فأتاه فقال أنشدني فأنشده قوله - وافر - ( ألم تُلمِمْ على الدِّمن الخوالي ... لسَلْمَى بالمذَانِب فالقٌفالِ ) فقال له النابغة أنت أشعر بني عامر زدني فأنشده - كامل - ( طَللٌ لخولةَ بالرُّسَيسِ قديمُ ... فبعاقلٍ فالأنعَمَيْن رُسومُ ) فقال له أنت أشعر هوازن زدني فأنشده قوله - كامل - ( عَفَتِ الدِّيارُ محلُّها فمُقامها ... بمنىً تأبَّدَ غَوْلُها فَرِجامُها ) فقال له النابغة اذهب فأنت أشعر العرب أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني عبد الله بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد أن لبيداً لما حضرته الوفاة قال لابن أخيه ولم يكن له ولد ذكر يا بني إن أباك لم يمت ولكنه فني فإذا قبض أبوك فأقبله القبلة وسجه بثوبه ولا تصرخن عليه صارخة وانظر جفنتي اللتين كنت أصنعهما فاصنعهما ثم احملهما إلى المسجد فإذا سلم الإمام فقدمها إليهم فإذا طعموا فقل لهم فليحضروا جنازة أخيهم ثم أنشد قوله - مجزوء الكامل - ( وإذا دَفَنْتَ أباك فاجعَلْ ... فوقَه خشباً وطِينا ) ( وسَقائفاً صُمّاً رَوَاسِيها ... يُسَدِّدْن الغصونا ) ( لِيَقِينَ حُرَّ الوجهِ سفساف ... التُّراب ولن يَقِينا ) قال وهذه الأبيات من قصيدة طويلة وقد ذكر يونس أنّ لابن سريج لحناً في أبيات من قصيدة لبيد هذه ولم يجنسه صوت - مجزوء الكامل - ( أبُنيَّ هل أَبْصَرْتَ أعمامي ... بني أمِّ البنينا ) ( وأبي الذي كان الأراملُ ... في الشِّتاء له قَطينا ) ( وأبا شَرِيكٍ والمُنازِلُ في المضِيق إذا لقينا ) ( ما إنْ رأيتُ ولا سمعْتُ ... بمثلهمْ في العالَمينا ) ( فبقيتُ بعدَهُمُ وكنتُ ... بطول صُحبتهم ضنَيِنا ) ( دَعْني وما مَلَكَتْ يَميني ... إنْ سددْتُ بها الشؤونا ) ( وافعلْ بمالِك ما بدا ... لك مُستعاناً أو مُعينا ) قال وقال لابنتيه حين احتُضر وفيه غناء - طويل - ( تمنَّى ابنتايَ أن يعيشَ أبوهما ... وهَلْ أنا إلاّ من ربيعةَ أو مُضَرْ ) ( فإنْ حانَ يوماً أن يموت أبوكما ... فلا تَخمِشا وَجْهَا ولا تحلِقَا شَعَرْ ) ( وقولا هو المرءُ الذي لا حليفَه ... أضاعَ ولا خانَ الصَّديقَ ولا غَدَرْ ) ( إلى الحَوْلِ ثم اسمُ السَّلامِ عليكما ... ومَن يَبْكِ حَوْلاً كاملاً فقد اعتذر ) في هذه الأبيات هزج خفيف مطلق في مجرى الوسطى وذكر الهشامي أنه لإسحاق وذكر أحمد بن يحيى أنه لإبراهيم قال فكانت ابنتاه تلبسان ثيابهما في كل يوم ثم تأتيان مجلس بني جعفر بن كلاب فترثيانه ولا تُعولان فأقامتا على ذلك حولاً ثم انصرفتا صوت - وافر - ( سألناهُ الجزيلَ فما تأبَّى ... فأعطى فوقَ مُنْيتِنا وزادا ) ( وأحسَنَ ثمّ أحسَنَ ثم عُدْنا ... فأحسَنَ ثم عُدْت له فعادا ) ( مراراً ما دنوْتُ إليه إلاّ ... تبسَّم ضاحكاً وثَنَى الوِسادا ) الشعر لزياد الأعجم والغناء لشارية خفيف رمل بالبنصر مطلق 25 - خبار زياد الأعجم ونسبه زياد بن سليمان مولى عبد القيس أحد بني عامر بن الحارث ثم أحد بني مالك بن عامر الخارجية أخبرني بذلك علي بن سليمان الأخفش عن أبي سعيد السكري وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي عن عمه عن ابن حبيب قال هو زياد بن جابر بن عمرو مولى عبد القيس وكان ينزل إصطخر فغلبت العجمة على لسانه فقيل له الأعجم وذكر ابن النطاح مثل ذلك في نسبه وخالف في بلده وذكر أن أصله ومولده ومنشأه بأصبهان ثم انتقل إلى خراسان فلم يزل بها حتى مات وكان شاعراً جزل الشعر فصيح الألفاظ على لكنة لسانه وجريه على لفظ أهل بلده أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى قال حدثت عن المدائني أن زياداً الأعجم دعا غلاماً له ليرسله في حاجة فأبطأ فلما جاءه قال له منذ لدن دأوتك إلى أن قلت لبي ما كنت تسنأ يريد منذ لدن دعوتك إلى إن قلت لبيك ماذا كنت تصنع فهذه ألفاظه كما ترى في نهاية القبح واللُّكنة وهو الذي يقول يرثي المغيرة بن المهلب بقوله - كامل - صوت ( قُلْ للقَوافل والغَزِيِّ إذا غَزَوْا ... والباكرين وللمُجِدِّ الرائح ) ( إنّ المروءةَ والسّماحةَ ضُمِّنا ... قبراً بمَرْوَ على الطَّريق الواضحِ ) ( فإذا مررْتَ بقبرِهِ فاعقِرْ بهِ ... كُومَ الهِجانِ وكلَّ طِرْفٍ سابح ) ( وانضحْ جوانب قبرِه بدِمائها ... فلقد يكون أخا دمٍ وذبائح ) ( يا مَن بمهوَى الشَّمس من حيٍّ إلى ... ما بين مَطلع قَرْنها المتنازِح ) ( ماتَ المغيرةُ بعد طولِ تعرُّضٍ ... للموتِ بين أسنّةٍ وصفائح ) ( والقتلُ ليس إلى القتال ولا أرى ... حَيَّاً يؤخَّر للشَّفيق الناصح ) وهي طويلة وهذا من نادر الكلام ونقي المعاني ومختار القصيد وهي معدودة من مراثي الشعراء في عصر زياد ومقدمها لابن جامع في الأبيات الأربعة الأول غناء أوله نشيد كله ثم تعود الصنعة إلى الثاني والثالث في طريقة الهزج بالوسطى وقد أخبرني علي بن سليمان الأخفش عن السكري عن محمد بن حبيب أن من الناس من يروي هذه القصيدة للصلتان العبدي وهذا قول شاذ والصحيح أنها لزياد قد دونها الرواة غير مدفوع عنها أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني إسحاق بن محمد النخعي قال حدثنا ابن عائشة عن أبيه قال رثى زياد الأعجم المغيرة بن المهلب فقال - كامل - ( إنّ الشَّجاعة والسَّماحةَ ضُمِّنا ... قبراً بمَرْوَ على الطَّرِيق الواضحِ ) ( فإذا مررْتَ بقبرِهِ فاعقِرْ به ... كُومَ الهجان وكلَّ طِرْفٍ سابحِ ) فقال له يزيد بن المهلب يا أبا أمامة أفعقرت أنت عنده قال كنت على بنت الهمار يريد الحمار أخبرني مالك بن محمد الشيباني قال كنت حاضراً في مجلس أبي العباس فقلت وقد قرئ عليه شعر زياد الأعجم فقرئت عليه قصيدته - كامل - ( قل للقوافِلِ والغزِيّ إذا غَزَوا ... والباكرين وللمجدِّ الرائحِ ) قال فقلت إنّها من مختار الشعر ولقد أنشدت لبعض المحدثين في نحو هذا المعنى أبياتاً حسنة ثم أنشدنا - خفيف - ( أيُّها الناعيانِ مَنْ تنعيانِ ... وعلى مَنْ أراكما تبكيانِ ) ( اندُبا الماجِدَ الكريمَ أبا إسْحاقَ ... ربَّ المعروفِ والإِحسانِ ) ( واذهبا بي إنْ لم يكنْ لكما عَقْرٌ ... إلى جَنْب قَبرِه فاعقِراني ) ( وانضحَا من دمِي عليه فقد كا ... ن دمي مِن نَداهُ لو تعلمانِ ) أخبرني وكيع قال حدثني إسحاق بن محمد النخعي عن ابن عائشة عن أبيه قال كان المهلب بن أبي صفرة بخراسان فخرج إليه زياد الأعجم فمدحه فأمر له بجائزة فأقام عنده أياماً قال فإنا لبعشية نشرب مع حبيب بن المهلب في دار له وفيها حمامة إذ سجعت الحمامة فقال زياد - وافر - ( تَغَنَّيْ أنتِ في ذِممِي وعَهدي ... وذمّةِ والدي إنْ لم تُطارِي ) ( وبيتُك فاصلِحيهِ ولا تخافي ... على صُفْرٍ مزغَّبة صِغارِ ) ( فإنّكِ كلَّما غَنَّيْتِ صوتاً ... ذكرْتُ أحبَّتي وذكرْتُ داري ) ( فإما يَقتلوكِ طلبْتُ ثأراً ... له نبأٌ لأنك في جِواري ) فقال حبيب يا غلام هات القوس فقال له زياد ما تصنع بها قال أرمي جارتك هذه قال والله لئن رميتها لأستعدين عليك الأمير فأتى بالقوس فنزع لها سهماً فقتلها فوثب زياد فدخل على المهلب فحدثه الحديث وأنشده الشعر فقال المهلب علي بأبي بسطام فأتي بحبيب فقال له أعط أبا أمامة دية جارته ألف دينار فقال أطال الله بقاء الأمير إنما كنت ألعب قال أعطه كما آمرك فأنشأ زياد يقول - طويل - ( فللّه عينَا مَنْ رأى كَقَضيّةٍ ... قَضَى لي بها قَرْمُ العِراق المهلَّبُ ) ( رماها حبيبُ بن المهلَّب رميةً ... فأثبتَها بالسَّهم والسهمُ يغرب ) ( فألْزَمَهُ عَقْلَ القَتيل ابنُ حُرّةٍ ... وقال حبيبٌ إنَّما كنت ألعبُ ) ( فقال زيادٌ لا يروَّعُ جارُه ... وجارة جاري مثل جِلدي وأقربُ ) قال فحمل حبيب إليه ألف دينار على كره منه فإنه ليشرب مع حبيب يوماً إذ عربد عليه حبيب وقد كان حبيب ضغن عليه مما جرى فأمر بشق قباء ديباج كان عليه فقام فقال - طويل - ( لعمرِك ما الدِّيباجَ خرَّقْت وحدهُ ... ولكنّما خرَّقْت جلْد المهلَّب ) فبعث المهلب إلى حبيب فأحضره وقال له صدق زياد ما خرقت إلا جلدي تبعث هذا على أن يهجوني ثم بعث إليه فأحضره فاستل سخيمته من صدره وأمر له بمال وصرفه وقد أخبرني وكيع بهذا الخبر أيضاً قال أحمد بن الهيثم بن فراس قال العمري عن الهيثم بن عدي قال تهاجى قتادة بن مغرب اليشكري وزياد الأعجم بخراسان وكان زياد يخرج وعليه قباء ديباج تشبها بالأعاجم فمر به يزيد بن المهلب وهو على حاله تلك فأمر به فقنع أسواطاً ومزقت ثيابه وقال له أبأهل الكفر والشرك تتشبه لا أم لك فقال زياد - طويل - ( لعمرِك ما الدِّيباجَ خرَّقْت وحدهُ ... ولكنّما خرَّقْت جلْد المهلَّب ) وذكر باقي الخبر مثله وقال فيه فدعا به المهلب فقال له يا أبا أمامة قلت شيئاً آخر قال لا والله أيها الأمير قال فلا تقل وأعتبه وكساه وحمله وأمر له بعشرة آلاف درهم وقال له اعذر ابن أخيك يا أبا أمامة فإنه لم يعرفك وهذه الأبيات التي فيها الغناء يقولها زياد الأعجم في عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي أخبرني بخبره في ذلك أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال أتى زياد الأعجم عمر بن عبيد الله بن معمر بفارس وقدم عليه عراك بن محمد الفقيه من مصر فكان عراك يحدثه بحديث الفقهاء فقال زياد - طويل - ( يحدِّثنا أنَّ القيامةَ قد أتَتْ ... وجاء عِراكٌ يبتغي المالَ من مِصرِ ) ( فكم بينَ بابِ النُّوبِ إنْ كنتَ صادقاً ... وإيوان كسرى من فَلاةٍ ومن قصْرِ ) وقال يمدح عمر بن عبيد الله - وافر - ( سألناه الجزيلَ فما تأبَّى ... وأعطى فوقَ مُنْيتِنا وزادا ) وذكر الأبيات الثلاثة نسخت من كتاب ابن أبي الدنيا أخبرني محمد بن زياد عن ابن عائشة وأخبرني هاشم بن محمد قال حدثني عيسى بن إسماعيل عن ابن عائشة وخبر ابن أبي الدنيا أتم قال كان زياد الأعجم صديقاً لعمر بن عبيد الله بن معمر قبل أن يلي فقال له عمر يا أبا أمامة لو قد وليت لتركتك لا تحتاج إلى أحد أبداً فلما ولي فارس قصده فلما لقيه أنشأ يقول - طويل - ( أبلغْ أبا حفصٍ رسالةَ ناصح ... أتَتْ من زيادٍ مستبيناً كلامُها ) ( فإنّكَ مثلُ الشَّمس لا سِتْرَ دونَها ... فكيف أبا حفص عليَّ ظَلامُها ) فقال له عمر لا يكون عليك ظلامها أبداً فقال زياد - طويل - ( لقد كنتُ أدعو الله في السّرّ أن أرى ... أمورَ معدٍّ في يديك نظامُها ) فقال له قد رأيتَ ذلك فقال ( فلما أتاني ما أردْتُ تباشرتْ ... بناتي وقلْنَ العامَ لا شكَّ عامُها ) قال فهو عامهنّ إن شاء الله تعالى فقال ( فإنّي وأرْضاً أنت فيها ابنَ معمرٍ ... كمكّةَ لم يَطربْ لأرضٍ حَمامها ) قال فهي كذلك يا زياد فقال ( إذا اخترْت أرضاً للمقامِ رضيتُها ... لنفسي ولم يثقُلْ عليَّ مُقامُها ) ( وكنتُ أمنَّي النفسَ منك ابنَ معمر ... أمانيَّ أرجو أن يتمَّ تمامُها ) قال قد أتمَّها الله عليك فقال ( فلا أكُ كالمُجْرِي إلى رأسِ غايةٍ ... يُرجِّي سَماءً لم يصِبْه غَمامُها ) قال لست كذلك فسل حاجتك قال نجيبة ورحالتها وفرس رائع وسائسه وبدرة وحاملها وجارية وخادمها وتخت ثياب ووصيف يحمله فقال قد أمرنا لك بجميع ما سألت وهو لك علينا في كل عام فخرج من عنده حتى قدم على عبد الله بن الحشرج وهو بسابور فأنزله وألطفه فقال في ذلك - كامل - ( إنَّ السَّماحةَ والمروءةَ والنَّدَى ... في قُبّةٍ ضُرِبت على ابن الحَشْرَجِ ) ( مَلِكٌ أغرُّ متوَّجٌ ذو نائلٍ ... للمُعْتَفِين يمينُه لم تَشنجِ ) ( يا خَير من صعِد المنابر بالتقى ... بعد النبيِّ المصطفى المتحرِّج ) ( لما أتيتُك راجياً لنوالكمْ ... ألفيتُ بابَ نوالكم لم يُرتَجِ ) فأمر له بعشرة آلاف درهم أخبرنا محمد بن خلف وكيع عن عبد الله بن محمد عن عبيد بن الحسن بن عبد الرحمن بهذا الخبر فقال فيه أتى زياد عبد الله بن عامر بن كريز والخبر الأول أصح وزاد في الشعر - وافر - ( أخٌ لك لا تراه الدّهرَ إلاَّ ... على العِلاَّتِ بسّاماً جَوادا ) فقال له عمر أحسنت يا أبا أمامة ولك لكل بيت ألف قال دعني أتمها مائة قال أما إنك لو كنت فعلت لفعلت ولكن لك ما رزقت أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا ابن عائشة قال حدثني أبي قال لما خرج ابن الأشعث أرسل عبد الملك إلى عمر بن عبيد الله ابن معمر ليقدم عليه فلما كان بضمير وهي من الشأم مات بالطاعون فقام عبد الملك على قبره وقال أما والله لقد علمت قريش أن قد فقدت اليوم ناباً من أنيابها وقال جد خلاد بن أبي عمرو الأعمى وكانوا موالي أبي وجرة بن أبي عمرو بن أمية أهو اليوم ناب لما مات وكان أمس ضرساً كليلة أما والله لوددت أن السماء وقعت على الأرض فلم يعش بينهما أحد بعده وسمعها عبد الملك فتغافل عنها قال وقال الفرزدق يرثيه - بسيط - ( يا أيُّها الناس لا تَبكُوا على أحدٍ ... بعد الذي بضُمير وافق القدرا ) ( كانت يداه لنا سَيْفاً نَصُول به ... على العدُوّ وغيْثاً ينبت الشَّجرا ) ( أمّا قريشٌ أبَا حفصٍ فقد رُزئت ... بالشّام إذ فارقتك البأس والظّفرا ) ( مَنْ يقتُل الجوعَ من بعد الشهِيدِ ومَنْ ... بالسيف يقتل كَبْش القوم إذ عَكرا ) ( إنّ النوائح لم يَعدُدْنَ في عمرٍ ... ما كان فيه إذا المولى به افتخرا ) ( إذَا عدَدْنَ فعالاً أو لَهُ حسباً ... ويومَ هيجاءَ يُعْشي بأسُه البصرا ) ( كم مِن جَبانٍ إلى الهيجا دنوْتَ له ... يومَ اللِّقاء ولولا أنت ما صَبَرا ) أخبرنا أحمد حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا حميد عن سليمان بن قتة قال بعث عمر بن عبيد الله ابن معمر إلى ابن عمر والقاسم بن محمد بألف دينار فأتيت عبد الله بن عمر وهو يغتسل في مستحم له فأخرج يده فصببتها في يده فقال وصلت رحما وقد جاءتنا على حاجة وأتيت القاسم فأبى أن يقبلها فقالت لي امرأته إن كان القاسم ابن عمه فأنا لابنة عمه فأعطيتها قال فكان عمر يبعث بهذه الثياب العمرية يقسمها بين أهل المدينة فقال ابن عمر جزى الله من اقتنى هذه الثياب بالمدينة خيراً وقال لي عمر لقد بلغني عن صاحبك شيء كرهته قلت وما ذاك قال يعطي المهاجرين ألفاً ألفاً ويعطي الأنصار سبعمائة سبعمائة فأخبرته فسوى بينهم أخبرنا أحمد قال حدثنا أبو زيد قال كانت لرجل جارية يهواها فاحتاج إلى بيعها فابتاعها منه عمر بن عبيد الله بن معمر فلما قبض ثمنها أنشأت تقول - طويل - ( هنيئاً لك المال الذي قد قَبَضْتَهُ ... ولم يَبْقَ في كَفَّيَّ غيرُ التَّحَسُّرِ ) ( فإنّي لحُزْنٍ من فِراقكَ مُوْجَعٌ ... أناجِي به قلباً طويلَ التفكّر ) فقال لا ترحلي ثم قال ( ولولا قُعود الدّهرِ بي عنكِ لم يكن ... يفرقنا شيءٌ سوى الموتِ فاعذرِي ) ( عليك سلامٌ لا زيارةَ بيننا ... ولا وَصْلَ إلا أنْ يشاء ابنُ معمرِ ) فقال قد شئت خذ الجارية وثمنها فأخذَها وانصرف أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن زياد قال حدثني ابن عائشة قال استبطأ زياد الأعجم عمر بن عبيد الله بن معمر في زيارته إياه فقال - طويل - ( أصابت علينا جُودَكَ العينُ يا عُمرْ ... فنحنُ لها نبغي التمائم والنُّشَرْ ) ( أصابتك عينٌ في سماحِك صلبةٌ ... ويا رُبّ عينٍ صُلبةٍ تَفْلِقُ الحَجَرْ ) ( سنَرقيكَ بالأشعارِ حتّى تَملَّها ... فإنْ لم تُفِقْ يوماً رقَيْناكَ بالسُّوَر ) فبلغته الأبيات فأرضاه وسرحه أخبرني عمي قال حدثني الكراني قال حدثني العمري قال حدثني من سمع حماداً الراوية يقول امتدح زياد الأعجم عباد بن الحصين الحبطي وكان على شرطة الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة الذي يقال له القباع وطلب حاجة فلم يقضها فقال زياد - متقارب - ( سألْتُ أبا جَهْضَمٍ حاجةً ... وكنتُ أراه قريباً يسيرا ) ( فلو أنني خِفْتُ منه الخِلافَ ... والمنْع لي لم أسلْهُ نقيرا ) ( وكيف الرَّجاءُ لِمَا عندَه ... وقد خالط البخلُ منه الضميرا ) ( أقِلْني أبا جهضم حاجتي ... فإني امرؤٌ كان ظَنِّي غُرُورا ) أخبرني عمي قال حدثني الكراني عن العمري عن عطاء بن مصعب عن عاصم بن الحدثان قال مرّ يزيد بن حبناء الضبي بزياد الأعجم وهو ينشد شعراً قد هجا به قتادة بن مغرب فأفحش فيه فقال له يزيد بن حبناء ألم يأن لك أن ترعوي وتترك تمزيق أعراض قومك ويحك حتى متى تتمادى في الضلال كأنك بالموت قد صبحك أو مساك فقال زياد فيه - طويل - ( يحذّرني الموتَ ابنُ حبناءَ والفتى ... إلى الموت يَغدو جاهداً ويَرُوحُ ) ( وكلُّ امرىءٍ لا بدّ للموتِ صائرٌ ... وإن عاشَ دهراً في البلاد يسيح ) ( فقلْ ليزيدٍ يا ابنَ حَبْناء لا تَعِظْ ... أخاكَ وَعِظْ نَفْساً فأنت جَنوحُ ) ( تركْتَ التُّقى والدينُ دينُ محمّدٍ ... لأهلي التُّقى والمسلمين يلوحُ ) ( وتابَعْتَ مُرَّاقَ العراقَيْنِ سادراً ... وأنتَ غليظ القُصْرَيَيْنِ صحيح ) فقال له يزيد بن عاصم الشني قبحك الله أتهجو رجلاً وعظك وأمرك بمعروف بمثل هذا الهجاء هلا كففت إذ لم تقبل أراه والله سيأتي على نفسك ثم لا تحبق فيك عنزان اذهب ويحك فأته واعتذر إليه لعله يقبل عذرك فمشى إليه بجماعة من عبد القيس فشفعوا إليه فيه فقال لا تثريب لست واجداً عليه بعد يومي هذا أخبرني أحمد بن علي قال سمعت جدي علي بن يحيى يحدث عن أبي الحسن عن رجل من جعفي قال كنت جالساً عند المهلب إذ أقبل رجل طويل مضطرب فلما رآه المهلب قال اللهم إني أعوذ بك من شره فجاء فقال أصلح الله الأمير إني قد مدحتك ببيت صفده مائة ألف درهم فسكت المهلب فأعاد القول فقال له أنشده فأنشده - طويل - ( فتىً زادَهُ السُّلطانُ في الخير رغبة ... إذا غيَّرَ السُّلطانُ كلَّ خليلِ ) فقال له المهلب يا أبا أمامة مائة ألف فوالله ما هي عندنا ولكن ثلاثون ألفاً فيها عروض وأمر له بها فإذا هو زياد الأعجم أخبرني عمي قال حدثني الكراني وأبو العيناء عن القحذمي قال لقي الفرزدق زياداً الأعجم فقال له الفرزدق لقد هممت أن أهجو عبد القيس وأصف من فسوهم شيئاً قال له زياد كما أنت حتى أسمعك شيئاً ثم قال قل إن شئت أو أمسك قال هات قال - طويل - ( وما تَرَكَ الهاجون لي إن هجوْتُه ... مَصَحّاً أراه في أديمِ الفرزدقِ ) ( فإنّا وما تُهدِي لنا إنْ هجوْتَنَا ... لكالبحر مَهما يُلْقَ في البحر يَغرقِ ) فقال له الفرزدق حسبك هلم نتتارك قال ذاك إليك وما عاوده بشيء وأخبرني بهذا الخبر محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا العتبى عن العباس بن هشام عن أبيه قال حدثني خراش وكان عالماً راوية لأبي ولمؤرج ولجابر بن كلثوم قال أقبل الفرزدق وزياد ينشد الناس في المربد وقد اجتمعوا حوله فقال من هذا قيل الأعجم فأقبل نحوه فقيل له هذا الفرزدق قد أقبل عليك فقام فتلقاه وحيّا كل واحد منهما صاحبه فقال له الفرزدق ما زالت تنازعني نفسي إلى هجاء عبد القيس منذ دهر قال زياد وما يدعوك إلى ذلك قال لأني رأيت الأشقري هجاكم فلم يصنع شيئاً وأنا أشعر منه وقد عرفت الذي هيج بينك وبينه قال وما هو قال إنكم اجتمعتم في قبة عبد الله بن الحشرج بخراسان فقلت له قد قلت شيئاً فمن قال مثله فهو أشعر مني ومن لم يقل مثله ومد إلي عنقه فإني أشعر منه فقال لك وما قلت فقلت قلت - طويل - ( وقافيةٍ حَذّاءَ بتُّ أحُوكُها ... إذا ما سُهيْلٌ في السّماء تَلاَلا ) فقال لك الأشقري - طويل - ( وأقلف صلَّى بعد ما ناك أمَّه ... يرى ذاك في دِين المجوسِ حَلالا ) فأقبلت على من حضر فقلت يا لأم كعب أخزاها الله تعالى ما أنمها حين تخبر ابنها بقلفتي فضحك الناس وغلبت عليه في المجلس فقال له زياد يا أبا فراس هب لي نفسك ساعة ولا تعجل حتى يأتيك رسولي بهديتي ثم ترى رأيك وظن الفرزدق أنه سيهدي إليه شيئاً يستكفه به فكتب إليه - طويل - ( وما ترَك الهاجُون لي إن أردْتُه ... مَصَحّاً أراهُ في أديم الفرزدقِ ) ( وما تركوا لحماً يدقّون عَظْمَه ... لآكِلِه ألقَوْه للمتعرِّق ) ( سأحطِمُ ما أبقَوْا له من عِظامه ... فأنكتُ عظمَ الساق منه وأنتقِي ) ( فإنّا وما تُهدِي لنا إنْ هجوْتَنَا ... لكالبحر مَهما يُلْقَ في البحر يَغرقِ ) فبعث إليه الفرزدق لا أهجو قوماً أنت منهم أبداً قال أبو المنذر زياد أهجى من كعب الأشقري وقد أوثر عليه في عدة قصائد منها التي يقول فيها - متقارب - ( قُبَيِّلةٌ خيرُها شرُّها ... وأصدقُها الكاذب الآثمُ ) ( وضَيفُهُمُ وَسْطَ أبياتهمْ ... وإن لم يكن صائماً صائمُ ) وفيه يقول - طويل - ( إذا عذَّبَ اللهُ الرجالَ بِشِعرهِمْ ... أمِنْتُ لكعبٍ أنْ يُعذَّبَ بالشعرِ ) وفيه يقول - وافر - ( أتتْكَ الأزدُ مصفَرّاً لِحَاها ... تَساقَطُ من مناخرها الجُوَافُ ) أخبرني وكيع قال حدثني أحمد بن عمر بن بكير قال حدثنا الهيثم عن ابن عياش قال دخل أبو قلابة الجرمي مسجد البصرة وإذا زياد الأعجم فقال زياد من هذا قال أبو قلابة الجرمي فقام على رأسه فقال - طويل - ( قمْ صاغراً يا كهلَ جَرْمٍ فإنّما ... يقال لكَهل الصِّدق قُمْ غيرَ صاغِرِ ) ( فإنّك شَيخ مَيِّتٌ ومورِّثٌ ... قضاعةَ ميراثَ البَسوسِ وقاشِر ) ( قضى الله خَلْقَ النّاسِ ثم خُلِقْتُمُ ... بقيّةَ خَلْق اللهِ آخِرَ آخرِ ) ( فلم تسمعوا إلاّ بما كان قبلَكُمْ ... ولم تُدرِكوا إلاّ بِدَقِّ الحوافرِ ) ( فلو ردّ أهلُ الحق مَن مات منكُمُ ... إلى حقَّه لم تُدفَنوا في المقابر ) فقيل له فأين كانوا يدفنون يا أبا أمامة قال في النواويس أخبار شارية قال أبو الفرج علي بن الحسين كانت شارية مولدة من مولدات البصرة يقال إن أباها كان رجلا من بني سامة بن لؤي المعروفين ببني ناجية وأنه جحدها وكانت أمها أمة فدخلت في الرق وقيل بل سرقت فبيعت فاشترتها امرأة من بني هاشم فأدبتها وعلمتها الغناء ثم اشتراها إبراهيم بن المهدي فأخذت غناءها كله أو أكثره عنه وبذلك يحتج من يقدمها على عريب ويقول إن إبراهيم خرجها وكان يأخذها بصحة الأداء لنفسه وبمعرفة ما يأخذها به ولم تكن هذه حال عريب لأن المراكبي لم يكن يقارب إبراهيم في العلم ولا يقاس به في بعضه فضلا عن سائره أخبرني بخبرها محمد بن إبراهيم قريض أن ابن المعتز دفع إليه كتابه الذي ألفه في أخبارها وقال له أن يرويه عنه فنسخت منه ما كان يصلح لهذا الكتاب على شرطي فيه وأضفت إليه ما وجدته من أخبارها عن غيره في الكتب وسمعته أنا عمن رويته عنه قال ابن المعتز حدثني عيسى بن هارون المنصوري أن شارية كانت لامرأة من الهاشميات بصرية من ولد جعفر بن سليمان فحملتها لتبيعها ببغداد فعرضت على إسحاق بن إبراهيم الموصلي فأعطى بها ثلثمائة دينار ثم استغلاها بذلك ولم يردها فجيء بها إلى إبراهيم بن المهدي فعرضت عليه فساوم بها فقالت له مولاتها قد بذلتها لإسحاق بن إبراهيم بثلثمائة دينار وأنت أيها الأمير أعزك الله بها أحق فقال زنوا لها ما قالت فوزن لها ثم دعا بقيمته فقال خذي هذه الجارية ولا ترينيها سنة وقولي للجواري يطرحن عليها فلما كان بعد سنة أخرجت إليه فنظر إليها وسمعها فأرسل إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلي فدعاه وأراه إياها وأسمعه غناءها وقال هذه جارية تباع فبكم تأخذها لنفسك قال إسحاق آخذها بثلاثة آلاف دينار وهي رخيصة بها قال له إبراهيم أتعرفها قال لا قال هذه الجارية التي عرضتها عليك الهاشمية بثلثمائة دينار فلم تقبل فبقي إسحاق متحيرا يعجب من حالها وما انقلبت إليه وقال ابن المعتز حدثني الهشامي عن محمد بن راشد أن شارية كانت مولدة البصرة وكانت لها أم خبيثة منكرة تدعي أنها بنت محمد بن زيد من بني سامة بن لؤي قال ابن المعتز وحدثني غيره أنها كانت تدعي أنها من بني زهرة قال الهشامي فجيء بها إلى بغداد وعرضت على إبراهيم بن المهدي فأعجب بها إعجابا شديدا فلم يزل يعطي بها حتى بلغت ثمانية آلاف درهم فقال لي هبة الله بن إبراهيم بن المهدي إنه لم يكن عند أبي درهم ولا دانق فقال لي ويحك قد أعجبتني والله هذه الجارية إعجابا شديدا وليس عندنا شيء فقلت له نبيع ما نملكه حتى الخزف ونجمع ثمنها فقال لي قد فكرت في شيء اذهب إلى علي بن هشام فأقرئه مني السلام وقل له جعلني الله فداءك قد عرضت علي جارية قد أخذت بمجامع قلبي وليس عندي ثمنها فأحب أن تقرضني عشرة آلاف درهم فقلت له إن ثمنها ثمانية آلاف درهم فلم تكثر على الرجل بعشرة آلاف درهم فقال إذا اشتريناها بثمانية آلاف درهم لا بد أن نكسوها ونقيم لها ما تحتاج إليه فصرت إلى علي بن هشام فأبلغته الرسالة فدعا بوكيل له وقال له ادفع إلى خادمه عشرين ألفا وقل له أنا لا أصلك ولكن هي لك حلال في الدنيا والآخرة قال فصرت إلى أبي بالدراهم فلو طلعت عليه بالخلافة لم تكن تعدل عنده تلك الدراهم وكانت أمها خبيثة فكانت كلما لم يعط إبراهيم ابنتها ما تشتهي ذهبت إلى عبد الوهاب بن علي ودفعت إليه رقعة يرفعها إلى المعتصم تسأله أن تأخذ ابنتها من إبراهيم قال ابن المعتز وأخبرني عبد الواحد بن إبراهيم بن محمد بن الخصيب قال ذكر يوسف بن إبراهيم المصري صاحب إبراهيم بن المهدي أن إبراهيم وجه به إلى عبد الوهاب بن علي في حاجة كانت له قال فلقيته وانصرفت من عنده فلم أخرج من دهليز عبد الوهاب حتى استقبلتني امرأة فلما نظرت في وجهي سترت وجهها فأخبرني شاكري أن المرأة هي أم شارية جارية إبراهيم فبادرت إلى إبراهيم وقلت له أدرك فإني رأيت أم شارية في دار عبد الوهاب وهي من تعلم وما يفجؤك إلا حيلة قد أوقعتها فقال لي في جواب ذلك أشهدك أن جاريتي شارية صدقة على ميمونة بنت إبراهيم بن المهدي ثم أشهد ابنة هبة الله على مثل ذلك وأمرني بالركوب إلى دار ابن أبي دواد وإحضار من قدرت عليه من الشهود المعدلين عنده فأحضرته أكثر من عشرين شاهدا وأمر بإخراج شارية فخرجت فقال لها أسفري فجزعت من ذلك فأعلمها أنه إنما أمرها بذلك لخير يريده بها ففعلت فقال لها تسمي فقالت أنا شارية أمتك فقال لهم تأملوا وجهها ففعلوا ثم قال فإني أشهدكم أنها حرة لوجه الله تعالى وأني قد تزوجتها وأصدقتها عشرة آلاف درهم يا شارية مولاة إبراهيم بن المهدي أرضيت قالت نعم يا سيدي قد رضيت والحمد لله على ما أنعم به علي فأمرها بالدخول وأطعم الشهود وطيبهم وانصرفوا فما أحسبهم بلغوا دار ابن أبي دواد حتى دخل علينا عبد الوهاب بن علي فأقرأ عمه سلام المعتصم ثم قال له يقول لك يا أمير المؤمنين من المفترض علي طاعتك وصيانتك عن كل ما يعرك إذ كنت عمي وصنو أبي وقد رفعت إلي امرأة من قريش قصة ذكرت فيها أنها من بني زهرة صليبة وأنها أم شارية واحتجت بأنه لا تكون بنت امرأة من قريش أمة فإن كانت هذه المرأة صادقة في أن شارية بنتها وأنها من بني زهرة فمن المحال أن تكون شارية أمة والآشبه بك والأصلح إخراج شارية من دارك وسترها عند من تثق به من أهلك حتى نكشف ما قالت هذه المرأة فإن ثبت ما قالته أمرت من جعلتها عنده بإطلاقها وكان في ذلك الحظ لك في دينك ومروءتك وإن لم يصح ذلك أعيدت الجارية إلى منزلك وقد زال عنك القول الذي لا يليق بك ولا يحسن فقال له إبراهيم فديتك يا أبا إبراهيم هب شارية بنت زهرة بن كلاب أتنكر على ابن عباس بن عبد المطلب أن يكون بعلا لها فقال عبد الوهاب لا فقال إبراهيم فأبلغ أمير المؤمنين أطال الله بقاءه السلامة وأخبره أن شارية حرة وأني قد تزوجتها بشهادة جماعة من العدول وقد كان الشهود بعد منصرفهم من عند إبراهيم صاروا إلى ابن أبي دواد فشم منهم من رائحة الطيب ما أنكره فسألهم عنه فأعلموه أنهم حضروا عتق شارية وتزوج إبراهيم إياها فركب إلى المعتصم فحدثه بالحديث معجبا له منه فقال ضل سعي عبد الوهاب ودخل عبد الوهاب على المعتصم فلما رآه يمشي في صحن الدار سد المعتصم أنف نفسه وقال يا عبد الوهاب أنا أشم رائحة صوف محرق وأحسب أن عمي لم يقنعه ردك إلا وعلى أذنك صوفة حتى أحرقها فشممت رائحتها منك فقال الأمر على ما ظن أمير المؤمنين وأقبح ولما انصرف عبد الوهاب من عند إبراهيم ابتاع إبراهيم من بنته ميمونة شارية بعشرة آلاف درهم وستر ذلك عنها فكان عتقه إياها وهي في ملك غيره ثم ابتاعها من ميمونة فحل له فرجها فكان يطؤها على أنها أمته وهي تتوهم أنه يطؤها على أنها حرة فلما توفي طلبت مشاركة أم محمد بنت خالد زوجته في الثمن فأظهرت خبرها وسئلت ميمونة وهبة الله عن الخبر فأخبرا به المعتصم فأمر المعتصم بابتياعها من ميمونة فابتيعت بخمسة آلاف وخمسمائة دينار فحولت إلى داره فكانت في ملكه حتى توفي قال ابن المعتز وقد قيل إن المعتصم ابتاعها بثلثمائة ألف درهم قال وكان منصور بن محمد بن واضح يزعم أن إبراهيم اقترض ثمن شارية من ابنته وملكها إبراهيم ولها سبع سنين فرباها تربية الولد حتى لقد ذكرت أنها كانت في حجره جالسة وقد أعجب بصوت أخذته منه إذ طمثت أول طمثها فأحس بذلك فدعا قيمة له فأمرها بأن تأتيه بثوب خام فلفه عليها فقال احمليها فقد اقشعرت وأحسب برد الحش قد آذاها قال وحدثت شارية أنها كانت معه في حراقة قد توسط بها دجلة في ليلة مقمرة وهي تغني إذ اندفعت فغنت ( لقد حثوا الجِمال ليهربوا ... منا فلم يَئِلوا ) فقام إليها فأمسك فاها وقال أنت والله أحسن من الغريض وجها وغناء فما يؤمنني عليك أمسكي قال وحدث حمدون بن إسماعيل أنه دخل على إبراهيم يوما فقال له أتحب أن أسمعك شيئا لم تسمعه قط قال نعم فقال هاتوا شارية فخرجت فأمرها أن تغني لحن إسحاق ( هل بالديار التي حَيَّيْتَها أحد ... ) قال حمدون فغنتني شيئا لم أسمع مثله قط فقلت لا والله يا سيدي ما سمعت هكذا فقال أتحب أن تسمعه أحسن من هذا فقلت لا يكون فقال بلى والله تقر بذاك فقلت على اسم الله فغناه هو فرأيت فضلا عجيبا فقلت ما ظننت أن هذا يفضل ذاك هذا الفضل قال أفتحب أن تسمعه أحسن من هذا وذاك فقلت هذا الذي لا يكون فقال بلى والله فقلت فهات قال بحياتي يا شارية قوليه وأحيلي حلقك فيه فسمعت والله فضلا بينا فأكثرت التعجب فقال لي يا أبا جعفر ما أهون هذا على السامع تدري بالله كم مرة رددت عليها موضعا في هذا الصوت قلت لا قال فقل وأكثر قلت مائة مرة قال اصعد ما بدا لك قلت ثلثمائة قال أكثر والله من ألف مرة حتى قالته كذا قال وكانت ريق تقول إن شارية كانت إذا اضطربت في صوت فغاية ما عنده من عقوبتها أنه يقيمها تغنيه على رجليها فإن لم تبلغ الذي يريد ضربت ريق قال ويقال إن شارية لم تضرب بالعود إلا في أيام المتوكل لما اتصل الشر بينها وبين عريب فصارت تقعد بها عند الضرب فضربت هي بعد ذلك إبراهيم يمتنع من بيعها قال ابن المعتز وحدث محمد بن سهل بن عبد الكريم المعروف بسهل الأحول وكان قاضي الكتاب في زمانه وكان يكتب لإبراهيم وكان شيخا ثقة قال أعطى المعتصم إبراهيم بشارية سبعين ألف دينار فامتنع من بيعها فعاتبته على ذلك فلم يجبني بشيء ثم دعاني بعد أيام فدخلت وبين يديه مائدة لطيفة فأحضره الغلام سفودا فيه ثلاث فراريج فرمى إلي بواحدة فأكلتها وأكل اثنتين ثم شرب رطلا وسقانيه ثم أتي بسفود آخر ففعل كما فعل وشرب كما شرب وسقاني ثم ضرب سترا كان إلى جانبه فسمعت حركة العيدان ثم قال يا شارية تغني فسمعت شيئا ذهب بعقلي فقال يا سهل هذه التي عاتبتني في أن أبيعها بسبعين ألف دينار لا والله ولا هذه الساعة الواحدة بسبعين ألف دينار قال وكانت شارية تقول إن أباها من قريش وإنها سرقت صغيرة فبيعت بالبصرة من امرأة هاشمية وباعتها من إبراهيم بن المهدي والله أعلم أخبرني عمي قال حدثني عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال أمرني المعتز ذات يوم بالمقام عنده فأقمت فأمر فمدت الستارة وخرج من كان يغني وراءها وفيهن شارية ولم أكن سمعتها قبل ذلك فاستحسنت ما سمعت منها فقال لي أمير المؤمنين المعتز يا عبيد الله كيف ما تسمع منها عندك فقلت حظ العجب من هذا الغناء أكثر من حظ الطرب فاستحسن ذلك وأخبرها به فاستحسنته قال ابن المعتز وأخبرني الهشامي قال قالت لي ريق كنت ألعب أنا وشارية بالنرد بين يدي إبراهيم وهو متكىء على مخدة ينظر إلينا فجرى بيني وبين شارية مشاجرة في اللعب فأغلظت لها في الكلام بعض الغلظة فاستوى إبراهيم جالسا وقال أراك تستخفين بها فوالله لا أحد يخلفك غيرها وأومأ إلى حلقه بيده قال وحدثني الهشامي قال حدثني عمرو بن بانة قال حضرت يوما مجلس المعتصم وضربت الستارة وخرجت الجواري وكنت إلى جانب مخارق فغنت شارية فأحسنت جدا فقلت لمخارق هذه الجارية في حسن الغناء على ما تسمع ووجهها وجه حسن فكيف لم يتحرم بها إبراهيم بن المهدي فقال لي أحد الحظوظ التي رفعت لهذا الخليفة منع إبراهيم بن المهدي من ذلك قال عبد الله بن المعتز وحدثني أبو محمد الحسن بن يحيى أخو علي بن يحيى عن ريق قالت استزار المعتصم من إبراهيم بن المهدي جواريه وكان في جفوة من السلطان تلك الأيام فنالته ضيقة قالت فتحمل ذهابنا إليه على ضعف فحضرنا مجلس المعتصم ونحن في سراويلات مرقعة فجعلنا نرى جواري المعتصم وما عليهن من الجوهر والثياب الفاخرة فلم تستجمع إلينا أنفسنا حتى غنوا وغنينا فطرب المعتصم على غنائنا ورآنا أمثل من جواريه فتحولت إلينا أنفسنا في التيه والصلف وأمر لنا المعتصم بمائة ألف درهم غناؤها وكرمها قال وحدثني أبو العبيس عن أبيه قال كانت شارية أحسن الناس غناء منذ توفي المعتصم إلى آخر خلافة الواثق قال أبو العبيس وحدثتني ريق أن المعتصم افتضها وأنها كانت معها في تلك الليلة قال أبو العبيس وحدثتني طباع جارية الواثق أن الواثق كان يسميها ستي وكانت تعلم فريدة فلم تبق في تعليمها غاية إلى أن وقع بينهما شيء بحضرة الواثق فحلفت أنها لا تنصحها ولا تنصح أحدا بعدها فلم تكن تطرح بعد ذلك صوتا إلا نقصت من نغمه وكان المعتمد قد تعشق شرة جاريتها وكانت أكمل الناس ملاحة وخفة روح وعجز عن شرائها فسأل أم المعتز أن تشتريها له فاشترتها من شارية بعشرة آلاف دينار وأهدتها إليه ثم تزوجت بعد وفاة المعتمد بابن البقال المغني وكان يتعشقها فقال عبد الله بن المعتز وكان يتعشقها ( أقول وقد ضاقت بأحزانها نفسِي ... ألا رب تطليقٍ قريب من العُرسِ ) ( لئن صِرتِ للبقال يا شر زوجة ... فلا عجب قد يربُض الكلب في الشمس ) وقال يعقوب بن بنان كانت شارية خاصة بصالح بن وصيف فلما بلغه رحيل موسى بن بغا من الجبل يريده بسبب قتله المعتز أودع شارية جوهره فظهر لها جوهر كثير بعد ذلك فلما أوقع موسى بصالح استترت شارية عند هارون بن شعيب العكبري وكان أنظف خلق الله طعاما وأسراه مائدة وأوسخه كل شيء بعد ذلك وكان له بسر من رأى منزل فيه بستان كبير وكانت شارية تسميه أبي وتزوره إلى منزله فتحتمل معها كل شيء تحتاج إليه حتى الحصير الذي تقعد عليه قال وكانت شارية من أكرم الناس عاشرها أبو الحسن علي بن الحسين عند هارون هذا ثم أضاق في وقت فاقترض منها على غير رهن عشرة آلاف دينار ومكثت عليه أكثر من سنة ما أذكرته بها ولا طالبته حتى ردها ابتداء قال يعقوب بن بنان وكان أهل سر من رأى متحازبين فقوم مع شارية وقوم مع عريب لا يدخل أصحاب هذه مع هؤلاء ولا أصحاب هذه في هؤلاء فكان أبو الصقر إسماعيل بن بلبل عريبيا فدعا علي بن الحسين يوم جمعة أبا الصقر إسماعيل بن بلبل وعنده عريب وجواريها فاتصل الخبر بشارية فبعثت بجواريها إلى علي بن الحسين بعد يوم أو يومين وأمرت إحداهن وما أدري من هي مهرجان أو مطرب أو قمرية إلا أنها إحدى الثلاثة أن تغني قوله ( لا تعودنّ بعدها ... فترى كيف أصنع ) فلما سمع علي الغناء ضحك وقال لست أعود قال وكان المعتمد قد وثق بشارية فلم يكن يأكل إلا طعامها فمكثت دهرا من الدهور تعد له في كل يوم جونتين وكان طعامه منهما في أيام المتوكل قال ابن المعتز وحدثني أحمد بن نعيم عن ريق قالت كان مولاي إبراهيم يسمي شارية بنتي ويسميني أختي حدثني جحظة قال كنت عند المعتمد يوما فغنته شارية بشعر مولاها إبراهيم بن المهدي ولحنه ( يا طول عِلةِ قلبيَ المعتادِ ... إلفَ الكرامِ وصحبةَ الأمجادِ ) فقال لها أحسنت والله فقالت هذا غنائي وأنا عارية فكيف لو كنت كاسية فأمر لها بألف ثوب من جميع أنواع الثياب الخاصية فحمل ذلك إليها فقال لي علي بن يحيى المنجم اجعل انصرافك معي ففعلت فقال لي هل بلغك أن خليفة أمر لمغنية بمثل ما أمر به أمير المؤمنين اليوم لشارية قلت لا فأمر بإخراج سير الخلفاء فأقبل بها الغلمان يحملونها في دفاتر عظام فتصفحناها كلها فما وجدنا أحدا قبله فعل ذلك نسبة هذا الصوت صوت ( يا طول عِلةِ قلبيَ المعتادِ ... إلفَ الكرامِ وصحبةَ الأمجاد ) ( ما زلت آلف كل قَرْم ماجدٍ ... متقدِّم الآباء والأجداد ) الشعر لإبراهيم بن المهدي والغناء لعلويه - خفيف رمل - لشارية بالبنصر ولم يقع إلينا فيه طريقة غير هذه أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثني عبد الله بن أبي سعيد قال حدثني محمد بن مالك الخزاعي قال حدثتني ملح العطارة وكانت من أحسن الناس غناء وإنما سميت العطارة لكثرة استعمالها العطر المطيب قالت غنت شارية يوما بين يدي المتوكل وأنا واقفة مع الجواري ( بالله قولوا لي لمن ذا الرَّشا ... المثقلُ الردِف الهضيمُ الحشا ) ( أظرف ما كان إذا ما صحا ... وأملح الناس إذا ما انتشى ) ( وقد بنى برج حمام له ... أرسل فيه طائراً مُرعَشا ) ( يا ليتني كنت حَماماً له ... أو باشَقاً يفعل بي ما يشا ) ( لو لبس القُوهيّ من رقةٍ ... أوجعه القُوهيّ أو خدَّشا ) وهو - هزج - فطرب المتوكل وقال لشارية لمن هذا الغناء فقالت أخذته من دار المأمون ولا أدري لمن هو فقلت له أنا أعلم لمن هو فقال لمن هو يا ملح فقلت أقوله لك سرا قال أنا في دار النساء وليس يحضرني إلا حرمي فقوليه فقلت الشعر والغناء جميعا لخديجة بنت المأمون قالته في خادم لأبيها كانت تهواه وغنت فيه هذا اللحن فأطرق طويلا ثم قال لا يسمع هذا منك أحد صوت ( أحبك يا سَلْمى على غير ريبة ... وما خير حب لا تعف سرائرهْ ) ( أحبك حباً لا أعنِّف بعده ... محباً ولكني إذا ليم عاذرهْ ) ( وقد مات حُبِّي أول الحب فانقضى ... ولو مت أضحى الحب قد مات آخرهْ ) ( ولما تناهى الحب في القلب وارداً ... أقام وسدّت فيه عنه مصادرهْ ) الشعر للحسين بن مطير الأسدي والغناء لإسحاق هزج بالبنصر أخبار الحسين بن مطير ونسبه هو الحسين بن مطير بن مكمل مولى لبني أسد بن خزيمة ثم لبني سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد وكان جده مكمل عبدا فأعتقه مولاه وقيل بل كاتبه فسعى في مكاتبته حتى أداها وأعتق وهو من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية شاعر متقدم في القصيد والرجز فصيح قد مدح بني أمية وبني العباس أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار عن محمد بن داود بن الجراح عن محمد بن الحسن بن الحرون أنه كان من ساكني زبالة وكان زيه وكلامه يشبه مذاهب الأعراب وأهل البادية وذلك بين في شعره ومما يدل على إدراكه دولة بني أمية ومدحه إياهم ما أخبرنا به يحيى بن علي بن يحيى إجازة قال أخبرني أبي عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن مروان بن أبي حفصة قال دخلت أنا وطريح بن الثقفي والحسين بن مطير الأسدي في عدة من الشعراء على الوليد بن يزيد وهو في فرش قد غاب فيها وإذا رجل كلما أنشد شاعر شعرا وقف الوليد على بيت بيت منه وقال هذا أخذه من موضع كذا وكذا وهذا المعنى نقله من شعر فلان حتى أتى على أكثر الشعراء فقلت من هذا قالوا هذا حماد الراوية فلما وقفت بين يدي الوليد لأنشده قلت ما كلام هذا في مجلس أمير المؤمنين وهو لحانة فتهانف الشيخ ثم قال يا بن أخي أنا رجل أكلم العامة وأتكلم بكلامها فهل تروي من أشعار العرب شيئا فذهب عني الشعر كله إلا شعر ابن مقبل فقلت نعم لابن مقبل فأنشدته ( سل الدار من جنبي جِبِرٍّ فواهبٍ ... الى ما رأى هضبَ القليب المُضَيحُ ) ثم جزت فقال قف ماذا يقول فلم أدر ما يقول فقال يا بن أخي أنا أعلم الناس بكلام العرب يقال تراءى الموضعان إذا تقابلا وفوده على معن بن زائدة أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار والحسن بن علي ويحيى بن علي قالوا حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن علي قال حدثني أبي أن الحسين بن مطير وفد على معن بن زائدة لما ولي اليمن وقد مدحه فلما دخل عليه أنشده ( أتيتك إذ لم يبق غيرَك جابر ... ولا واهب يعطِي اللُّها والرغائبا ) فقال له معن يا أخا بني أسد ليس هذا بمدح إنما المدح قول نهار بن توسعة أخي بني تيم الله بن ثعلبة في مسمع بن مالك ( قلدّته عُرا الأمورِ نِزار ... قبل أن تهلِك السراة البحور ) قال وأول هذا الشعر ( اظعني من هراة قد مر فيها ... حِجج مذ سكنتِها وشهور ) ( اظعني نحو مِسمع تجديهِ ... نعم ذو المُنثَنى ونعم المَزور ) ( سوف يكفيك إن نبتْ بك أرض ... بخراسان أو جفاك أمير ) ( من بني الحِصن عاملِ بن بريح ... لا قليلُ الندى ولا منزور ) ( والذي يفزع الكماة إليه ... حين تدمى من الطعان النحور ) ( فاصطنع يا بن مالك آل بكرٍ ... واجبرِ العظم إنه مكسور ) فغدا إليه بأرجوزته التي مدحه بها وأولها ( حديث ريا حَبّذا إدلالُها ... ) ( تسأل عن حالي وما سؤالها ... ) ( عن امرىء قد شفَّه خيالها ... ) ( وهي شفاء النفس لو تنالها ... ) يقول فيها يمدحه ( سلَّ سيوفاً محدثاً صِقالُها ... ) ( صاب على أعدائه وبالها ... ) ( وعند معن ذي الندى أمثالها ... ) فاستحسنها وأجزل صلته أخبرني ابن عمار ويحيى بن علي قالا حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني أبو المثنى أحمد ابن يعقوب ابن أخت أبي بكر الأصم قال كنا في مجلس الأصمعي فأنشده رجل لدعبل بن علي ( أين الشبابُ وأيةً سلكا ... ) فاستحسنا قوله ( لا تعجبي يا سَلْمُ من رجلٍ ... ضحِك المشيب برأسِه فبكى ) فقال الأصمعي هذا أخذه من قول الحسين بن مطير ( أين أهل القِباب بالدهناءِ ... أين جِيراننا على الأحساءِ ) ( فارقونا والأرض مُلبَسة نور ... الأقاحِي يُجَاد بالأنواء ) ( كلَّ يوم بأقحوان جديد ... تضحك الأرض من بكاء السماء ) أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني محمد بن القاسم الدينوري قال حدثني محمد بن عمران الضبي قال أبياته تسهر المهدي قال المهدي للمفضل الضبي أسهرتني البارحة أبيات الحسين بن مطير الأسدي قال وما هي يا أمير المؤمنين قال قوله ( وقد تغدر الدنيا فيضحِي فقيرها ... غنياً ويغنى بعد بؤسٍ فقيرُها ) ( فلا تقرب الأمر الحرام فإنه ... حلاوته تفنى ويبقى مَريرها ) ( وكم قد رأينا من تغير عيشة ... وأخرى صفا بعد اكدرار غديرها ) فقال له المفضل مثل هذا فليسهرك يا أمير المؤمنين وقد أخبرني بهذا الخبر عمي رحمه الله أتم من هذا قال نسخت من كتاب المفضل بن سلمة قال أبو عكرمة الضبي قال المفضل الضبي كنت يوما جالسا على بابي وأنا محتاج إلى درهم وعلي عشرة آلاف درهم إذ جاءني رسول المهدي فقال أجب أمير المؤمنين فقلت ما بعث إلي في هذا الوقت إلا لسعاية ساع وتخوفته لخروجي كان مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن فدخلت منزلي فتطهرت ولبست ثوبين نظيفين وصرت إليه فلما مثلت بين يديه سلمت فرد علي وأمرني بالجلوس فلما سكن جأشي قال لي يا مفضل أي بيت قالته العرب أفخر فتشككت ساعة ثم قلت بيت الخنساء وكان مستلقيا فاستوى جالسا ثم قال وأي بيت هو قلت قولها ( وإنّ صخراً لتأتمُّ الهداة به ... كأنه عَلَم في رأسهِ نارُ ) فأومأ إلى إسحاق بن بزيع ثم قال قد قلت له ذلك فأباه فقلت الصواب ما قاله أمير المؤمنين ثم قال حدثني يا مفضل قلت أي الحديث أعجب إلى أمير المؤمنين قال حديث النساء فحدثته حتى انتصف النهار ثم قال لي يا مفضل أسهرني البارحة بيتا ابن مطير وأنشد البيتين المذكورين في الخبر الأول ثم قال ألهذين ثالث يا مفضل قلت نعم يا أمير المؤمنين فقال وما هو فأنشدته قوله ( وكم قد رأينا من تغير عِيشةٍ ... وأخرى صفا بعد اكدرار غديرها ) وكان المهدي رقيقا فاستعبر ثم قال يا مفضل كيف حالك قلت كيف يكون حال من هو مأخوذ بعشرة آلاف درهم فأمر لي بثلاثين ألف درهم وقال اقض دينك وأصلح شأنك فقبضتها وانصرفت مدحه المهدي أخبرني يحيى بن علي عن علي بن يحيى إجازة وحدثنا الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم عن عبد الله بن أبي سعد قال حدثني إسحاق بن عيسى بن موسى بن مجمع أحد بني سوار بن الحارث الأسدي قال أخبرني جدي موسى بن مجمع قال قال الحسين بن مطير في المهدي قصيدته التي يقول فيها ( إليك أمير المؤمنين تعسفتْ ... بنا البيدَ هَوجاءُ النَّجاء خَبوب ) ( ولو لم يكن قدامها ما تقاذفت ... جبال بها مغبرة وسُهوب ) ( فتى هو من غير التخلق ماجد ... ومن غير تأديب الرجال أديب ) ( علا خَلْقُه خَلق الرجال وخُلْقه ... إذا ضاق أخلاق الرجال رحيب ) ( إذا شاهد القوّاد سار أمامهم ... جريء على ما يتقون وَثوب ) ( وإن غاب عنهم شاهدتهم مهابة ... بها يقهر الأعداء حين يغيب ) ( يعف ويستحيي إذا كان خالياً ... كما عف واستحيا بحيث رقيب ) فلما أنشدها المهدي أمر له بسبعين ألف درهم وحصان جواد وكان الحسين من الثعلبية وتلك داره بها قال ابن أبي سعد وأرانيها الشيخ أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني عبد الله بن أبي سعد عن إسحاق بن عيسى قال دخل الحسين بن مطير على المهدي فأنشده قوله ( لو يعبد الناس يا مهدي أفضلهم ... ما كان في الناس إلا أنت معبود ) ( أضحت يمينك مِن جودٍ مصوّرة ... لا بل يمينك منها صُوِّر الجود ) ( لو أن من نوره مثقال خردلة ... في السود طراً إذن لابيضت السود ) فأمر له لكل بيت بألف درهم أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ قال حدثني أبي قال خرج المهدي يوما فلقيه الحسين بن مطير فأنشده قوله ( أضحت يمينك من جود مصوّرة ... لا بل يمينك منها صوّر الجود ) فقال كذبت يا فاسق وهل تركت من شعرك موضعا لأحد بعد قولك في معن بن زائدة حيث تقول ( ألِمّا بمعنٍ ثم قولا لقبره ... سُقِيت الغوادي مَرْبَعاً ثم مربعا ) أخرجوه عني فأخرجوه وتمام الأبيات ( أيا قبر معن كنت أوّل حفرةٍ ... من الأرض خُطت للمكارم مضجعا ) ( أيا قبر معنٍ كيف واريت جوده ... وقد كان منه البر والبحر مترَعا ) ( بلى قد وسعت الجود والجود ميت ... ولو كان حياً ضِقت حتى تصدعا ) ( فتى عيش في معروفه بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه ممرِعا ) ( أبَى ذكر معن أن تموت فِعاله ... وإن كان قد لاقى حِماماً ومصرعا ) أخبرني أحمد بن يحيى بن علي بن يحيى إجازة قال حدثني ابن مهرويه قال حدثني علي بن عبيد الكوفي قال حدثني الحسين بن أبي الخصيب الكاتب عن أحمد بن يوسف الكاتب قال كنت أنا وعبد الله بن طاهر عند المأمون وهو مستلق على قفاه فقال لعبد الله بن طاهر يا أبا العباس من أشعر من قال الشعر في خلافة بني هاشم قال أمير المؤمنين أعلم بهذا وأعلى عينا فقال له على ذاك فقل وتكلم أنت أيضا يا أحمد بن يوسف فقال عبد الله بن طاهر أشعرهم الذي يقول ( أيا قبر معن كنت أوّل خِطة ... من الأرض خطت للمكارم مضجعا ) فقال أحمد بن يوسف بل أشعرهم الذي يقول ( وقف الهوى بي حيث أنتِ فليس لي ... متأخَّر عنه ولا متقدم ) فقال أبيت يا أحمد إلا غزلاً أين أنتم عن الذي يقول ( يا شقيق النفس من حكم ... نمتَ عن ليلى ولم أنم ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أبو خليفة عن التوزي قال قلت لأبي عبيدة ما تقول في شعر الحسين بن مطير فقال والله لوددت أن الشعراء قاربته في قوله ( مخصرة الأوساط زانت عقودها ... بأحسن مما زينتها عقودُها ) ( فصفر تراقيها وحمر أكفها ... وسود نواصيها وبيض خدودها ) شعره في وصف السحاب والمطر أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال أنشدنا محمد بن يزيد للحسين بن مطير قال كان سبب قوله هذه الأبيات أن واليا ولي المدينة فدخل عليه الحسين بن مطير فقيل له هذا من أشعر الناس فأراد أن يختبره وقد كانت سحابة مكفهرة نشأت وتتابع منها الرعد والبرق وجاءت بمطر جود فقال له صف هذه السحابة فقال ( مستضحِك بلوامعٍ مستعبِر ... بمدامعٍ لم تَمْرِها الأقذاء ) ( فله بلا حزن ولا بمسرة ... ضحِك يراوِح بينه وبكاء ) ( كثرت لكثرة ودقه أطباؤه ... فإذا تَحَلَّبَ فاضتِ الأطباء ) ( وكأن بارقه حريق تلتقي ... ريح عليه وعرفج وألاء ) ( لو كان من لجج السواحل ماؤه ... لم يبق في لجج السواحل ماء ) صوت ( إذا ما أم عبد الله ... لم تحْلل بواديهِ ) ( ولم تمسِ قريباً هيج ... الحزن دواعيه ) ( غزال راعه القناص ... تحميه صياصيه ) ( وما ذكري حبيباً وقليل ... ما أواتيه ) ( كذي الخمرِ تمناها ... وقد أُنزِف ساقيه ) ( عرفت الربع بالإكليل ... عفته سوافِيه ) ( بجو ناعم الحوذان ... ملتف روابيه ) الشعر مختلط بعضه للنعمان بن بشير الأنصاري وبعضه ليزيد بن معاوية فالذي للنعمان بن بشير منه الثلاثة الأبيات الأول والبيت الأخير وباقيها ليزيد بن معاوية ورواه من يوثق به وبروايته لنوفل بن أسد بن عبد العزى فأما من ذكر أنه للنعمان بن بشير فأبو عمرو الشيباني وجدت ذلك عنه في كتابه وخالد بن كلثوم نسخته من كتاب أبي سعيد السكري في مجموع شعر النعمان وتمام الأبيات للنعمان بن بشير بعد الأربعة الأبيات التي نسبتها إليه فإنها متوالية قال ( فبحت اليوم بالأمر الْلَذي ... قد كنت تخفيهِ ) ( فَإن أكتمه يوماً ... فإني سوف أبديهِ ) ( وما زلت أفدّيهِ ... وأدنيهِ وأرقيهِ ) ( وأسعى في هواه أبداً حتى ألاقيه ) ( فبات الريم مني حذراً ... زلّت مراقيه ) والغناء لمعبد - خفيف رمل - بالوسطى عن عمرو وذكره إسحاق في - خفيف الرمل - بالسبابة في مجرى البنصر ولم ينسبه إلى أحد وفيه للغريض - ثقيل - أول بالوسطى عن الهشامي وحنين أخبار النعمان بن بشير ونسبه هو النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج وأمه عمرة بنت رواحة أخت عبد الله بن رواحة التي يقول فيها قيس بن الخطيم ( أجَدَّ بعمرة غُنيانُها ... فتهجرَ أم شانُنا شانُها ) ( وعمرة من سَروات النساء ... تنفح بالمسك أردانها ) وله صحبة بالنبي ولأبيه بشير بن سعد وكان جاء إلى النبي ومعه آخر ليشهد معه غزوة له فيما قيل فاستصغرهما فردهما وأبوه بشير بن سعد أول من قام يوم السقيفة من الأنصار إلى أبي بكر رضي الله عنه فبايعه ثم توالت الأنصار فبايعته وشهد بشير بيعة العقبة وبدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها واستشهد يوم عين التمر مع خالد بن الوليد وكان النعمان عثمانيا وشهد مع معاوية صفين ولم يكن معه من الأنصار غيره وكان كريما عليه رفيعا عنده وعند يزيد ابنه بعده وعمر إلى خلافة مروان بن الحكم وكان يتولى حمص فلما بويع لمروان دعا إلى ابن الزبير وخالف على مروان وذلك بعد قتل الضحاك بن قيس بمرج راهط فلم يجبه أهل حمص إلى ذلك فهرب منهم وتبعوه فأدركوه فقتلوه وذلك في سنة خمس وستين ويقال إن النعمان بن بشير أول مولود ولد بالمدينة بعد قدوم رسول الله إياها وقد قيل ذلك في عبد الله بن الزبير إلا أن النعمان أول مولود ولد بعد مقدمه من الأنصار روى ذلك عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وروى النعمان بن بشير عن النبي كثيرا حدثني أحمد بن محمد بن الجعد الوشاء قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عباد بن العوام عن الحصين عن الشعبي قال سمعت النعمان بن بشير يقول أعطاني أبي عطية فقالت أمي عمرة لا أرضى حتى تشهد رسول الله فأتى رسول الله فقال ابني من عمرة أعطيته عطية فأمرتني أن أشهدك فقال أعطيت كل ولدك مثل هذا قال لا فقال فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا محمد بن سعيد قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن مجالد عن الشعبي قال أمر معاوية لأهل الكوفة بزيادة عشرة دنانير في أعطيتهم وعامله يومئذ على الكوفة وأرضها النعمان بن بشير وكان عثمانيا وكان يبغض أهل الكوفة لرأيهم في علي عليه السلام فأبى النعمان أن ينفذها لهم فكلموه وسألوه بالله فأبى أن يفعل وكان إذا خطب على المنبر أكثر قراءة القرآن وكان يقول لا ترون على منبركم هذا أحدا بعدي يقول إنه سمع رسول الله فصعد المنبر يوما فقال يا أهل الكوفة فصاحوا ننشدك الله والزيادة فقال اسكتوا فلما أكثروا قال أتدرون ما مثلي ومثلكم قالوا لا قال مثل ===================================== ج30. كتاب:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني الضبع والضب والثعلب فإن الضبع والثعلب أتيا الضب في وجاره فنادياه أبا الحسل فقال سميعا دعوتما قالا أتيناك لتحكم بيننا قال في بيته يؤتى الحكم قالت الضبع إني حللت عيبتي قال فعل الحرة فعلت قال فلقطت ثمرة قال طيبا لقطت قالت فأكلها الثعلب قال لنفسه نظر قالت فلطمته قال بجرمه قالت فلطمني قال حر انتصر قالت فاقض بيننا قال قد فعلت قال حدث امرأة حديثين فإن أبت فعشرة فقال عبد الله بن همام السلولي ( زيادتَنا نعمانَ لا تحبِسنها ... خَفِ اللهَ فينا والكتابَ الذي تتلو ) ( فإنك قد حُمِّلت منا أمانة ... بما عجزت عنه الصَّلاخمة البُزْل ) ( فلا يك باب الشر تحسن فتحه ... وباب الندى والخيِّرات له قفل ) ( وقد نلت سلطاناً عظيماً فلا يكن ... لغيرك جَمّات الندى ولك البخل ) ( وأنت امرؤ حلو اللسان بليغه ... فما باله عند الزيادة لا يحلو ) ( وقبلك قد كانوا علينا أئمة ... يهمهُم تقويمنا وهم عُصْل ) ( إذا نصبوا للقول قالوا فأحسنوا ... ولكنّ حسن القول خالفه الفعل ) ( يذمون دنياهم وهم يرضِعونها ... أفاويقَ حتى ما يدرّ لهم ثَعل ) ( فيا معشر الأنصار إني أخوكُم ... وإني لمعروفٍ أنَى منكم أهل ) ( ومن أجل إيواء النبيّ ونصره ... يحبكُم قلبي وغيركم الأصل ) فقال النعمان بن بشير لا عليه ألا يتقرب فوالله لا أجيزها ولا أنفذها أبدا النعمان يقول عزة تزيد النفس طيبا أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الأصمعي قال حدثني شيخ قديم من أهل المدينة وأخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان عن أبي السائب المخزومي وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسي عن حماد بن إسحاق عن أبيه قال ذكر لي عن جعفر بن محرز الدوسي قال دخل النعمان بن بشير المدينة في أيام يزيد بن معاوية وابن الزبير فقال والله لقد أخفقت أذناي من الغناء فأسمعوني فقيل له لو وجهت إلى عزة الميلاء فإنها من قد عرفت فقال إي ورب الكعبة إنها لممن تزيد النفس طيبا والعقل شحذا ابعثوا إليها عن رسالتي فإن أبت صرت إليها فقال له بعض القوم إن النقلة تشتد عليها لثقل بدنها وما بالمدينة دابة تحملها فقال النعمان بن بشير وأين النجائب عليها الهوادج فوجه إليها بنجب فذكرت علة فلما عاد الرسول إلى النعمان قال لجليسه أنت كنت أخبر بها قوموا بنا فقام هو مع خواص أصحابه حتى طرقوها فأذنت وأكرمت واعتذرت فقبل النعمان عذرها وقال لها غني فغنت صوت ( أجدَّ بعَمرة غُنيانها ... فتهجرَ أم شانُنا شانُها ) ( وعمرة من سَروات النساء ... تنفَح بالمسك أردانها ) قال فأشير إليها أنها أمه فأمسكت فقال غني فوالله ما ذكرت إلا كرما وطيبا ولا تغني سائر اليوم غيره فلم تزل تغنيه هذا اللحن فقط حتى انصرف قال إسحاق فتذاكروا هذا الحديث عند الهيثم بن عدي فقال ألا أزيدكم فيه طريفة فقلنا بلى يا أبا عبد الرحمن فقال قال لقيط ونحن عند سعيد الزبيري قال عامر الشعبي اشتاق النعمان بن بشير إلى الغناء فصار إلى منزل عزة الميلاء فلما انصرف إذا امرأة بالباب منتظرة له فلما خرج شكت إليه كثرة غشيان زوجها إياها فقال النعمان لأقضين بينكما بقضية لا ترد علي قد أحل الله له من النساء أربعا مثنى وثلاث ورباع له مرتان بالنهار ومرتان بالليل أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني عمي عن العباس بن هشام عن أبيه وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن الكلبي وأخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثني العمري عن الهيثم بن عدي قالوا الأعشى يمدح النعمان والأخطل يهجو الأنصار خرج أعشى همدان إلى الشام في ولاية مروان بن الحكم فلم ينل فيها حظا فجاء إلى النعمان بن بشير وهو عامل على حمص فشكا إليه حاله فكلم له النعمان اليمانية وقال لهم هذا شاعر اليمن ولسانها واستماحهم له فقالوا نعم يعطيه كل واحد منا دينارين من عطائه فقال أعطوه دينارا واجعلوا ذلك معجلا فقالوا له أعطه إياه من بيت المال واحتسب ذلك على كل رجل من عطائه ففعل النعمان ذلك وكانوا عشرين ألفا فأعطاه عشرين ألف دينار وارتجعها منهم عند العطاء فقال الأعشى يمدح النعمان ( ولم أر للحاجات عند التماسها ... كنعمانَ نعمانِ الندى ابن بشير ) ( إذا قال أوفى ما يقول ولم يكن ... كمُدْلٍ إلى الأقوام حبل غرور ) ( متى أكفرِ النعمان لا أُلْف شاكراً ... وما خير من لا يقتدي بشَكور ) ( فلولا أخو الأنصار كنت كنازل ... ثَوَى ما ثوى لم ينقلب بنَقير ) أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا يحيى الزبيري قال حدثني ابن أبي زريق قال شبب عبد الرحمن بن حسان برملة بنت معاوية فقال ( رملَ هل تذكرين يوم غزال ... إذ قطعنا مسيرنا بالتمني ) ( إذ تقولين عمرك الله هل شيء ... وإنْ جلّ سوف يُسْليكَ عني ) ( أم هَلْ اُطْمِعْتُ منكم يا بن حسان ... كما قد أراك أُطعمتَ مني ) فبلغ ذلك يزيد بن معاوية فغضب ودخل على معاوية فقال يا أمير المؤمنين ألا ترى إلى هذا العلج من أهل يثرب يتهكم بأعراضنا ويشبب بنسائنا فقال ومن هو قال عبد الرحمن بن حسان وأنشده ما قال فقال يا يزيد ليس العقوبة من أحد أقبح منها بذوي القدرة ولكن أمهل حتى يقدم وفد الأنصار ثم اذكرني به فلما قدموا أذكره به فلما دخلوا قال يا عبد الرحمن ألم يبلغني أنك شببت برملة بنت أمير المؤمنين قال بلى ولو علمت أن أحدا أشرف لشعري منها لذكرته فقال فأين أنت عن أختها هند قال وإن لها لأختا يقال لها هند قال نعم وإنما أراد معاوية أن يشبب بهما جميعا فيكذب نفسه قال فلم يرض يزيد ما كان من معاوية في ذلك فأرسل إلى كعب بن الجعيل فقال اهج الأنصار فقال أفرق من أمير المؤمنين ولكن أدلك على هذا الشاعر الكافر الماهر الأخطل قال فدعاه فقال له اهج الأنصار فقال أفرق من أمير المؤمنين قال لا تخف شيئا أنا بذلك لك فهجاهم فقال ( وإذا نسبت ابن الفُريعة خِلته ... كالجحش بين حمارة وحمار ) ( لعن الإله من اليهود عصابة ... بالجِزْع بين صُليصل وصُدار ) ( قوم إذا هدر العصيرُ رأيتهم ... حمراً عيونهمُ من المُسْطار ) ( خَلُّوا المكارم لستمُ من أهلها ... وخذوا مساحيكم بني النجار ) ( إن الفوارس يعرفون ظهوركم ... أولادَ كل مقبَّح أكار ) ( ذهبت قريش بالمكارم والعلا ... واللؤم تحت عمائم الأنصار ) فبلغ ذلك النعمان بن بشير فدخل على معاوية فحسر عمامته عن رأسه وقال يا أمير المؤمنين أترى لؤما قال بل أرى كرما وخيرا فما ذاك قال زعم الأخطل أن اللؤم تحت عمائم الأنصار قال أوفعل ذلك قال نعم قال لك لسانه وكتب فيه أن يؤتى به فلما أتى به سأل الرسول أن يدخله إلى يزيد أولا فأدخله عليه فقال له هذا الذي كنت أخاف قال لا تخف شيئا ودخل إلى معاوية فقال علام أرسل إلى هذا الرجل الذي يمدحنا ويرمي من وراء جمرتنا قال هجا الأنصار قال ومن زعم ذلك قال النعمان بن بشير قال لا تقبل قوله عليه وهو المدعي لنفسه ولكن تدعوه بالبينة فإن أثبت شيئا أخذت به له فدعاه بالبينة فلم يأت بها فخلى سبيله فقال الأخطل ( وإني غداة استعبرتْ أم مالك ... لَراضٍ من السلطان أن يتهددا ) ( ولولا يزيد ابن الملوك وسعيُه ... تجللتُ حِدْباراً من الشر أنكدا ) ( فكم أنقذتْني من خطوب حبالُه ... وخَرْساء لو يُرْمَى بها الفيل بَلّدا ) ( ودافع عني يوم جِلَّقَ غمرة ... وهمّاً ينسِّيني الشراب المبرَّدا ) ( وبات نَجيّاً في دمَشقَ لحيةٍ ... إذا همَّ لم يَنَمِ السليمُ وأقصدا ) ( يُخافته طوراً وطوراً إذا رأى ... من الوجه إقبالاً ألحّ وأجهدا ) ( أبا خالد دافعت عني عظيمة ... وأدركت لحمي قبل أن يتبددا ) ( وأطفأت عني نار نعمان بعدما ... أغذ لأمر فاجر وتجردا ) ( ولما رأى النعمان دوني ابن حرّة ... طوى الكشح إذ لم يستطعني وعرّدا ) حدثني عمي قال حدثنا احمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن أبي بكر الهذلي قال لما أمر يزيد بن معاوية بن كعب بن الجعيل بهجاء الأنصار قال له أرادي أنت إلى الكفر بعد الإسلام أأهجو قوما آووا رسول الله ونصروه قال أما إذ كنت غير فاعل فأرشدني إلى من يفعل ذلك قال غلام منا خبيث الدين نصراني فدله على الأخطل أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن أبي الخطاب قال لما كثر الهجاء بين عبد الرحمن بن حسان بن ثابت وعبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص وتفاحشا كتب معاوية إلى سعيد بن العاص وهو عامله على المدينة أن يجلد كل واحد منهما مئة سوط وكان ابن حسان صديقا لسعيد وما مدح أحدا غيره قط فكره أن يضربه أو يضرب ابن عمه فأمسك عنهما ثم ولى مروان فلما قدم أخذ ابن حسان فضربه مئة سوط ولم يضرب أخاه فكتب ابن حسان إلى النعمان بن بشير وهو بالشام وكان كبيرا أثيرا مكينا عند معاوية ( ليت شعري أغائبٌ ليس بالشام ... خليلي أم راقدٌ نعمان ) ( أيةً ما يكن فقد يرجع الغائب ... يوماً ويوقظ الوسنان ) ( إن عمراً وعامراً أبوينا ... وحراماً قِدْما على العهد كانوا ) ( أفهم مانِعوك أم قلة الكتّاب ... أم أنت عاتب غضبان ) ( أم جفاء أم أعوزتك القراطيس ... أمَ امري به عليك هوانُ ) ( يوم أُنبئتَ أن ساقيَ رُضَّت ... وأتتكم بذلك الركبان ) ( ثم قالوا إن ابن عمك في بلوى ... أمور أتى بها الحِدْثانُ ) ( فنسيت الأرحام والودّ والصحبة ... فيما أتت به الأزمان ) ( إنما الرمح فاعلمنّ قناة ... أو كبعض العيدان لولا السنان ) وهي قصيدة طويلة فدخل النعمان بن بشير على معاوية فقال يا أمير المؤمنين إنك أمرت سعيدا بأن يضرب ابن حسان وابن الحكم مئة مئة فلم يفعل ثم وليت أخاه فضرب ابن حسان ولم يضرب أخاه قال فتريد ماذا قال أن تكتب إليه بمثل ما كتبت به إلى سعيد فكتب معاوية إليه يعزم عليه أن يضرب أخاه مئة فضربه خمسين وبعث إليه ابن حسان بحلة وسأله أن يعفو عن خمسين ففعل وقال لأهل المدينة إنما ضربني حد الحر مئة وضربه حد العبد خمسين فشاعت هذه الكلمة حتى بلغت ابن الحكم فجاء إلى أخيه فأخبره وقال لا حاجة لي فيما عفا عنه ابن حسان فبعث إليه مروان لا حاجة لنا فيما تركت فهلم فاقتص من صاحبك فحضر فضربه به مروان خمسين أخرى أخبرني الحسن بن علي قال أخبرنا أحمد بن الحارث قال حدثنا المدائني عن يعقوب بن داود الثقفي ومعاوية بن محارب أن معاوية تزوج امرأة من كلب فقال لامرأته ميسون أم يزيد بن معاوية ادخلي فانظري إلى ابنة عمك هذه فأتتها فنظرت إليها ثم رجعت فقالت ما رأيت مثلها ولقد رأيت خالا تحت سرتها ليوضعن تحت مكانه في حجرها رأس زوجها فتطير من ذلك فتزوجها حبيب بن سلمة ثم طلقها فتزوجها النعمان بن بشير فلما قتل وضعوا رأسه في حجرها قالوا وكان النعمان بن بشير لما قتل الضحاك بن قيس بمرج راهط في خلافة مروان بن الحكم أراد أن يهرب من حمص وكان عاملا عليها فخالف ودعا لابن الزبير فطلبه أهل حمص فقتلوه واحتزوا رأسه فقالت امرأته هذه الكلبية ألقوا رأسه في حجري فأنا أحق به فألقوه في حجرها فضمته إلى جسده وكفنته ودفنته أخبرني هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ قال حدثنا أبو عبيدة قال نظر معاوية إلى رجل في مجلسه فراقه حسنا وشارة وجسما فاستنطقه فوجده سديدا فقال له ممن أنت قال ممن أنعم الله عليه بالإسلام فاجعلني حيث شئت يا أمير المؤمنين قال عليك بهذه الأزد الطويلة العريضة الكثير عددها التي لا تمنع من دخل فيهم ولا تبالي من خرج منهم فغضب النعمان بن بشير ووثب من بين يديه وقال أما والله إنك ما علمت لسيء المجالسة لجليسك عاق بزورك قليل الرعاية لأهل الحرمة بك فأقسم عليه إلا جلس فجلس فضاحكه معاوية طويلا ثم قال له إن قوما أولهم غسان وآخرهم الأنصار لكرام وسأله عن حوائجه فقضاها حتى رضي باكورة شعر النعمان نسخت من كتاب أبي سعيد السكري بخطه أخبرنا ابن حبيب قال قال خالد بن كلثوم خرج النعمان بن بشير في ركب من قومه وهو يومئذ حديث السن حتى نزلوا بأرض من الأردن يقال لها حفير وحاضرتها بنو القين فأهدت لهم امرأة من بني القين يقال لها ليلى هدية فبينا القوم يتحدثون ويذكرون الشعراء إذ قال بعضهم يا نعمان هل قلت شعرا قال لا والله ما قلت فقال شيخ من الحارث بن الخزرج يقال له ثابت بن سماك لم تقل شعرا قط قال لا قال فأقسم عليك لتربطن إلى هذه السرحة فلا تفارقها حتى يرتحل القوم أو تقول شعرا فقال عند ذلك وهو أول شعر قاله ( يا خليليّ ودعا دار ليلى ... ليس مثلي يحل دار الهوان ) ( إن قَيْنية تحل مُحِباً ... وحفيراً فجنبتي تَرْفُلان ) ( لا تؤاتيك في المغيب إذا ما ... حال من دونها فروع قَنان ) ( إن ليلى ولو كلفت بليلى ... عاقها عنك عائق غيرُوان ) قال وضرب الدهر على ذلك وأتى عليه زمن طويل ثم إن ليلى القينية قدمت عليه بعد ذلك وهو أمير على حمص فلما رآها عرفها فأنشأ يقول ( ألا استأذنت ليلى فقلنا لها لِجِي ... ومالكِ ألا تدخلي بسلام ) ( فإن أناساً زرتِهم ثم حَرَّموا ... عليك دخول البيت غير كرام ) وأحسن صلتها ورفدها طول مقامها إلى أن رحلت عنه أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن الحسن بن مسعود عن أبيه عن مشيخة من الأنصار قال حضرت وفود الأنصار باب معاوية بن أبي سفيان فخرج إليهم حاجبه سعد أبو درة وقد حجب بعده عبد الملك بن مروان فقالوا له استأذن للأنصار فدخل إليه وعنده عمرو بن العاص فاستأذن لهم فقال له عمرو ما هذا اللقب يا أمير المؤمنين اردد القوم إلى أنسابهم فقال معاوية إني أخاف من ذلك الشنعة فقال هي كلمة تقولها إن مضت عضتهم ونقصتهم وإلا فهذا الاسم راجع إليهم فقال له اخرج فقل من كان ههنا من ولد عمرو بن عامر فليدخل فقالها الحاجب فدخل ولد عمرو بن عامر كلهم إلا الأنصار فنظر معاوية إلى عمرو نظرا منكرا فقال له باعدت جدا فقال اخرج فقل من كان ههنا من الأوس والخزرج فليدخل فخرج فقالها فلم يدخل أحد فقال له معاوية اخرج فقل من كان ههنا من الأنصار فليدخل فخرج فقالها فدخلوا يقدمهم النعمان بن بشير وهو يقول ( ياسعد لا تُعِد الدعاء فما لنا ... نسب نجيب به سوى الأنصار ) ( نسب تخيّره الإِله لقومنا ... أثْقِل به نسباً على الكفار ) ( إن الذين ثَوَوْا ببدر منكُم ... يوم القَليب همُ وقود النار ) فقال معاوية لعمرو قد كنا أغنياء عن هذا والنعمان بن بشير هو من المعروفين في الشعر سلفا وخلفا جده شاعر وأبوه شاعر وعمه شاعر وهو شاعر وأولاده وأولاد أولاده شعراء فأما جده سعد بن الحصين فهو القائل ( إن كنت سائلة والحق مَعْتبة ... فالأزد نسبتُنا والماء غسان ) ( شم الأنوف لهم عز ومكرمة ... كانت لهم من جبال الطَّوْد أركان ) وعمه الحسين بن سعد أخو بشير بن سعد القائل ( إذ لم أزر إلا لآكل أكلة ... فلا رفعت كفي إليّ طعامي ) ( فما أكلة إن نلتها بغنيمة ... ولا جّوْعة إن جعتها بغرام ) وأبوه بشير بن سعد الذي يقول ( لعمرةَ بالبطحاء بين معرَّفٍ ... وبين المطافِ مسكن ومحاضر ) ( لعمري لَحَيٌّ بين دار مزاحم ... وبين الجُثَا لا يجشم السير حاضر ) ( وحي حِلال لا يروع َسْرُبهم ... لهم من وراء القاصيات زوافر ) ( أحق بها من فتية وركائب ... يقطع عنها الليلَ عوج ضوامر ) ( تقول وتذري الدمع عن حُر وجهها ... لعلك نفسي قبل نفسِك باكر ) ( أباح لها بِطريق فارس غائطاً ... لها من ذرا الجَوْلان بقل وزاهر ) ( فقرَّبتها للرحلِ وهي كأنها ... ظلِيم نعامٍ بالسماوة نافر ) ( فأوردتها ماء فما شربت به ... سوى أنه قد بُلّ منها المشافر ) ( فباتت سُراها ليلة ثم عرست ... بيثرب والأعراب بادٍ وحاضر ) قال خالد بن كلثوم ودخل النعمان بن بشير على معاوية لما هجا الأخطل الأنصار فلما مثل بين يديه أنشأ يقول ( معاويَ إلاّ تعطنا الحق تعترفْ ... لِحَي الأزد مشدوداً عليها العمائم ) ( أيشتمنا عبد الأراقم ضَلة ... وماذا الذي تجدي عليك الأراقم ) ( فماليَ ثأر غيرَ قطع لسانه ... فدونك من يرضيه عنك الدراهم ) ( وَأَرْعِ رويداً لا تَسُمنا دَنِية ... لعلك في غِب الحوادث نادم ) ( متى تلق منا عصبة خزرجية ... أو الأوس يوماً تخترمك المخارم ) ( وتلقك خيل كالقطا مسبطِرّةٌ ... شماطيطُ أرسال عليها الشكائم ) ( يسوّمِها العَمْرانِ عمرو بن عامر ... وعِمران حتى تستباح المحارم ) ( ويبدو من الخَودِ الغريرة حِجلها ... وتبيض من هول السيوف المَقادم ) ( فتطلب شَعْب الصدع بعد انفتاقِهِ ... فتعيا به فالآنَ والأمر سالم ) ( وإلا فبَزِّي لأْمة تُبَعِية ... مواريث آبائي وأبيض صارم ) ( وأجرد خوّار العِنان كأنه ... بدُومةَ موشيّ الذراعينِ صائم ) ( وأسمر خَطِّي كأنّ كعوبه ... نوى القَسْبِ فيها لَهْذميّ ضُبارِم ) ( فإن كنت لم تشهد ببدر وقيعة ... أذلت قريشاً والأنوف رواغم ) ( فسائل بنا حَيَّيْ لؤيِّ بن غالب ... وأنت بما تخفي من الأمر عالم ) ( ألم تبتدركم يوم بدر سيوفنا ... وليلك عما ناب قومك نائم ) ( ضربناكُم حتى تفرّق جمعكم ... وطارت أكف منكُم وجماجم ) ( وعاذت على البيت الحرام عوانِس ... وأنت على خوفٍ عليك تمائم ) ( وعضت قريش بالأنامل بِغضة ... ومن قبلُ ما عُضت علينا الأباهم ) ( فكنا لها في كل امر تكيده ... مكان الشَّجا والأمر فيه تفاقم ) ( فما إن رمى رامٍ فأوهى صَفاتَنا ... ولا ضامنا يوماً من الدهر ضائم ) ( وإني لأغضي عن أمور كثيرة ... ستُرقَى بها يوماً إليك السلالم ) ( أصانع فيها عبد شمس وإنني ... لتلك التي في النفس مني أكاتم ) ( فلا تشتُمنّا يابن حرب فإنما ... ترقَّي إلى تلك الأمورِ الأشائم ) ( فما أنت والأمرَ الذي لستَ أهله ... ولكن ولي الحق والأمر هاشم ) ( إليهم يصير الأمر بعد شتاته ... فمن لك بالأمر الذي هو لازم ) ( بهم شرع الله الهدى واهتدى بهم ... ومنهم له هادٍ إمامٌ وخاتم ) قال فلما بلغت هذه الأبيات معاوية أمر بدفع الأخطل إليه ليقطع لسانه فاستجار بيزيد بن معاوية فمنع منه وأرضوا النعمان حتى رضي وكف عنه وقال عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه لما ضرب مروان بن الحكم عبد الرحمن بن حسان الحد ولم يضرب أخاه حين تهاجيا وتقاذفا كتب عبد الرحمن إلى النعمان بن بشير يشتكي ذلك إليه فدخل إلى معاوية وأنشأ يقول ( يابن أبي سفيانَ ما مثلُنا ... جار عليه ملك أو أميرْ ) ( اذكر بنا مَقْدمَ أفراسنا ... بالحِنْو إذ أنت إلينا فقير ) ( واذكر غداة الساعديّ الذي ... آثركم بالأمر فيها بشير ) ( واحذر عليهم مثل بدر فقد ... مر بكم يومٌ ببدر عسير ) ( إن ابن حسان له ثائر ... فأعطه الحق تَصِحّ الصدور ) ( ومثلُ أيام لنا شتتت ... ملكاً لكم أمرك فيها صغير ) ( أما ترى الأزد وأشياعها ... نحوك خُزْراً كاظمات تَزير ) ( يطوف حولي منهمُ معشر ... ان صُلْتُ صالوا وهم لي نصير ) ( يأبى لنا الضيم فلا يعتلي ... عز منيع وعديد كثير ) ( وعنصر في حُرِّ جرثومة ... عاديّة تنقل عنها الصخور ) أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثني أحمد بن الهيثم الفراسي قال حدثني العمري عن الهيثم بن عدي قال حضرت الأنصار باب معاوية ومعهم النعمان بن بشير فخرج إليهم سعد أبو درة وكان حاجب معاوية ثم حجب عبد الملك بن مروان فقال استأذن لنا فدخل فقال لمعاوية الأنصار بالباب فقال له عمرو بن العاص ما هذا اللقب الذي قد جعلوه نسبا ارددهم إلى نسبهم فقال معاوية إن علينا في ذلك شناعة قال وما في ذلك إنما هي كلمة مكان كلمة ولا مرد لها فقال له معاوية اخرج فناد من بالباب من ولد عمرو بن عامر فليدخل فخرج فنادى بذلك فدخل من كان هناك منهم سوى الأنصار فقال له اخرج فناد من كان ههنا من الأوس والخزرج فليدخل فخرج فنادى ذلك فوثب النعمان بن بشير فأنشأ يقول ( يا سعد لا تُعِد الدعاء فما لنا ... نسب نجيب به سوى الأنصار ) ( نسب تخيره الإله لقومنا ... أثقل به نسباً على الكفار ) ( إن الذين ثَوَوا ببدر منكم ... يوم القَليب همُ وقود النار ) وقام مغضبا وانصرف فبعث معاوية فرده فترضاه وقضى حوائجه وحوائج من حضر معه من الأنصار من محتار شعر النعمان ومن مختار شعر النعمان قوله رواها خالد بن كلثوم واخترت منها ( إذا ذُكرت أم الحويرث أخضلت ... دموعي على السربال أربعة سكبا ) ( كأنّي لما فرَّقتْ بيننا النَّوى ... أجاور في الأغلال تغلب أو كلبا ) ( وكنا كماء العين والجفنِ لا تَرَى ... لواش بغَى نقض الهوى بيننا إِرْبا ) ( فأمسى الوشاة غيَّروا وُدَّ بيننا ... فلا صلةً ترعَى لديّ ولا قُربَى ) ( جرى بيننا سعي الوشاة فأصبحت ... كأنِّي - ولم أذنب - جَنيتُ لها ذنبا ) ( فإن تصرميني تصرمي بيَ واصلاً ... لَدَى الود مِعْراضاً إذا ما التوى صعبا ) ( عَزوفاً إذا خاف الهوان عن الهوى ... ويأبى فلا يعطي مودته غصبا ) ( فإن أستطع أصبر وإن يغلب الهوى ... فمثل الذي لاقيت كلفني نُصْبا ) واخترت هذه الأبيات من قصيدة أخرى وأولها ( أهيَّجَ دمعَك رسمُ الطللْ ... عفا غيرَ مطَّردٍ كالخِللْ ) ( نعم فاستهلّ لعرفانه ... يَسِح ويَهْمي بفَيْضٍ سَبَل ) ( ديار الأَلوف وأترابِها ... وأنت من الحب كالمختَبَل ) ( لياليَ تَسْبِي قلوب الرجال ... تحت الخدور بحسن الغزل ) ( من الناهضات بأعجازهِنّ ... حين يقوم جزيلُ الكفل ) ( كأن الرُّضاب وصَوْب السحابِ ... بات يُشاب بذَوْب العسل ) ( من الليل خالط أنيابها ... بُعيد الكرى واختلافِ العَلل ) أخذ هذا المعنى جميل منه فقال ( وكأن طارقها على عَلَل الكرى ... والنجمُ وَهْناً قد دنا لتَغَوُّر ) ( يشتمّ ريح مدامةٍ معلولة ... بِسحيقِ مسك في ذكي العنبر ) وفي هذه القصيدة يقول النعمان ( وأروعَ ذي شرف حازم ... صروم وصولٍ حبال الخُلل ) ( كريم البلاء صبور اللقاء ... صافي الثناء قليل العذَل ) ( عظيم الرماد طويل العمادِ ... واري الزناد بعيد القَفَل ) ( أقمت له ولأصحابه ... عمود السُّرى بذمولٍ رمل ) ( مداخَلةٍ سَرْحة جسرةٍ ... على الأين دّوْسّرة كالجمل ) ومن شعراء ولد النعمان بن بشير ابنه عبد الله بن النعمان وهو القائل ( ماذا رجاؤك غائبا ... من لا يَسُرك شاهدا ) ( وإذا دنوت يزيده ... منك الدنو تباعدا ) ومنهم عبد الخالق بن أبان بن النعمان بن بشير شاعر مكثر وهو القائل في قصيدة طويلة ( وشاد أبونا الشيخ عمرو بن عامر ... بأعلى ذَرا العلياء ركناً تأثلا ) ( وخَطّ حياض المجد مترعة لنا ... مِلاءً فعَلَّ الصفوَ منها وأنهلا ) ( وأشرع فيها الناس بعدُ فما لهم ... من المجد إلا سُؤْرُه حين أفضلا ) ( وفي غيرنا مجد من الناس كلهم ... فأما كمثل العُشْرِ من مجدنا فلا ) وله أشعار كثيرة لم أحب الإطالة بذكرها ومنهم شبيب بن يزيد بن النعمان بن بشير شاعر مكثر مجيد وهو القائل من قصيدة طويلة يعاتب بني أمية عند اختلاف أمرهم في أيام الوليد بن يزيد وبعده أولها ( يا قلب صبراً جميلاً لا تمتْ حُزْنا ... قد كنتَ من أن تُرى جَلْد القُوَى قَمنَا ) يقول فيها ( بل أيها الراكبُ المُزْجِي مطيته ... لُقِّيتَ حيث توجهتَ الثَّنا الحسنا ) ( أبلغْ أمية أعلاها وأسفلَها ... قولا ينفِّر عن نُوّامها الوَسَنا ) ( إن الخلافة أمر كان يُعْظِمه ... خيار أوّلكم قِدْما وأوّلنا ) ( فقد بقرتم بأيديكم بطونكُم ... وقد وُعظتم فما أحسنتُم الأَذَنا ) ( أغريتُم بكمُ جهلاً عدوكُم ... في غير فائدة فاستوسَقوا سَنَنا ) ( لما سفكتم بأيديكم دماءكُم ... بغياً وغشَّيتُم أبوابكم درنا ) ومنهم إبراهيم بن بشير بن سعد أخو النعمان شاعر مكثر وهو القائل في قصيدة طويلة ( أشاقتك أظعانُ الحُدوج البواكرِ ... كنخل النُّجَير الشامخاتِ المَواقر ) ( على كل فَتْلاء الذراعين جَسْرةٍ ... وأَعْيَس نَضّاخ المَهَدّ عُذافِر ) ( نعم فاستدرت عبرة العين لوعة ... وما أنت عن ذكرى سليمى بصابر ) ( ولم أرى سلمى بعد إذ نحن جيرة ... من الدهر إلا وقفةً بالمَشاعر ) ( ألا رُبَّ ليل قد سريتُ سواده ... الى رُدُح الأعجاز غُرّ المحاجر ) ( لياليَ يدعوني الصِّبا فأجيبه ... أجر إزاري عاصياً أمر زاجري ) ( وإذ لمتِي مثل الجناح أَثنيثةٌ ... أمشِّي الهُوَيْنَى لا يروَّع طائري ) ( فأصبحت قد ودعت كُمْ بغيره ... مخافة ربي يوم تُبلَى سرائري ) وبنت النعمان بن بشير واسمها حميدة كانت شاعرة ذات لسان وعارضة وشر فكانت تهجو أزواجها وكانت تحت الحارث بن خالد المخزومي وقيل بل كانت تحت المهاجر بن عبد الله بن خالد فقالت فيه ( كهولُ دمشقَ وشبانُها ... أحب إليّ من الجاليهْ ) ( صُماحهمُ كصماحِ التيوس ... أعيا على المسك والغاليه ) ( وقملٌ يدب دبيب الجرادِ ... أكاريسَ أعيا على الفاليه ) فطلقها فتزوجها روح بن زنباع فهجته وقالت تخاطب أخاها الذي زوجها من روح وتقول ( أضل الله حلمك من غلام ... متى كانت مَناكحَنا جذامُ ) ( أترضى بالأكارع والذَُنابَى ... وقد كنا يَقِر لنا السنام ) وقالت تهجو روحا ( بكى الخزُّ من روح وأنكر جلدَه ... وعَجَّت عجيجاً من جُذامَ المطارفُ ) ( وقال العَباء نحن كنا ثيابهم ... وأكسيةٌ كدْريَّة وقطائف ) فطلقها روح وقال سلط الله عليك بعلا يشرب الخمر ويقيئها في حجرك فتزوجت بعده الفيض بن أبي عقيل الثقفي وكان يسكر ويقيء في حجرها فكانت تقول أجيبت في دعوة روح وقالت في الفيض ( سُمِّيت فَيْضاً وما شيءٌ تفيض به ... إلا بِسَلْحِكَ بين الباب والدار ) ( فتلك دعوة رَوْح الخير أعرفها ... سقى الإله صَداه الأَوطفَ الساري ) وقالت فيه ( وَهَل أنا إلا مُهْرة عربية ... سليلة أفراس تجلّلها بغل ) ( فإن نُتِجت مهراً كريماً فبالحَرَى ... وإن كان إقرافٌ فما أنجب الفحل ) هكذا روى خالد بن كلثوم هذين البيتين لها وغيره يرويهما لمالك بن أسماء لما تزوج الحجاج أخته هندا وهي القائلة لما تزوج الحجاج أختها أم أبان ( قد كنت أرجو بعض ما يرجو الراجْ ... أن تنكحيه ملكاً أو ذا تاجْ ) ( إذا تذكرت نكاح الحجاجْ ... تضرّم القلب بحزن وهّاج ) ( وفاضت العين بماء ثَجّاج ... لو كان نعمان قتيلُ الأعلاج ) ( مستويَ الشخص صحيح الأوداج ... ما نلتَ بخَتْل الدُّراج ) فأخرجها الحجاج من العراق وردها إلى الشام صوت ( نفرتْ قَلوصي من حجارة حَرّةٍ ... بُنيتْ على طلْقِ اليدين وَهوبِ ) ( لا تنفري يا ناقَ منه فإنه ... شِرِّيب خمر مِسْعر لحروب ) ( لا يَبعَدنّ ربيعةُ بن مكدَّم ... وسقى الغوادي قبره بذَنوب ) ( لولا السِّفارُ وبُعْد خَدْقٍ مَهْمَةٍ ... لتركتُها تحبو على العُرْقوب ) يقال إن الشعر لحسان بن ثابت الأنصاري ويقال إنه لضرار بن الخطاب الفهري أخبرني أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلام قال الصحيح أن هذه الأبيات لعمرو بن شقيق أحد بني فهر بن مالك ومن الناس من يرويها لمكرز بن حفص بن الأحنف الفهري وعمرو بن شقيق أولى بها والغناء لمالك - خفيف ثقيل - بإطلاق الوتر في مجرى البنصر أخبار مقتل ربيعة ونسبه وهذا الشعر قيل في قتل ربيعة بن مكدم بن عامر بن حرثان بن جذيمة بن علقمة بن جذل الطعان بن فراس بن عثمان بن ثعلبة بن مالك بن كنانة أحد فرسان مضر المعدودين وشجعانهم المشهورين قتله نبيشة بن حبيب السلمي في يوم الكديد وكان السبب في ذلك فيما ذكره محمد بن الحسن بن دريد إجازة عن أبي حاتم عن أبي عبيدة ونسخته أيضا من رواية الأصمعي وحماد صاحب أبي غسان دماذ والأثرم فجمعتها ههنا قال أبو عبيدة قال أبو عمرو بن العلاء وقع تدارؤ بين نفر من بني سليم بن منصور وبين نفر من بني فراس بن مالك بن كنانة فقتلت بنو فراس رجلين من بني سليم بن منصور ثم إنهم ودوهما ثم ضرب الدهر ضرباته فخرج نبيشة بن حبيب السلمي غازياً فلقي ظعنا من بني كنانة بالكديد في نفر من قومه وبصر بهم نفر من بني فراس بن مالك فيهم عبد الله بن جذل الطعان بن فراس والحارث بن مكدم أبو الفارعة وقال بعضهم أبو الفرعة أخو ربيعة بن مكدم قال وهو مجدور يومئذ يحمل في محفة فلما رآهم أبو الفارعة قال هؤلاء بنو سليم يطلبون دماءهم فقال أخوه ربيعة بن مكدم أنا أذهب حتى أعلم علم القوم فآتيكم بخبرهم فتوجه نحوهم فلما ولى قال بعض الظعن هرب ربيعة فقالت أخته أم عزة بنت مكدم أين تنتهي نفرة الفتى فعطف وقدسمع قول النساء فقال ( لقد علمنَ أنَّني غير فَرِقْ ... لأطعُنن طعنة وأعتنقْ ) ( أُعْمِل فيهم حين تحمر الحَدَق ... عَضْباً حساماً وسناناً يأتلق ) قال ثم انطلق يعدو به فرسه فحمل عليه بعض القوم فاستطرد له في طريق الظعن وانفرد به رجل من القوم فقتله ربيعة ثم رماه نبيشة أو طعنه فلحق بالظعن يستدمي حتى أتى إلى أمه أم سيار فقال اجعلي على يدي عصابة وهو يرتجز ويقول ( شدي عليّ العَصْب أم سيارْ ... ) ( لقد رُزِيتِ فارساً كالدينار ... ) ( يطعُن بالرمح أمام الأدبار ... ) فقالت أمه ( إنا بنو ثعلبة بن مالكِ ... مُرَزَّأ أخيارنا كذلكِ ) ( من بين مقتول وبين هالك ... ولا يكون الرزء إلا ذلك ) قال أبو عبيدة وشدت أمه عليه عصابة فاستسقاها ماء فقالت إنك إن شربت الماء مت فكر على القوم فكر راجعا يشد على القوم ويذبهم ونزفه الدم حتى أثخن فقال للظعن أوضعن ركابكن خلفي حتى تنتهين إلى أدنى بيوت الحي فإني لما بي وسوف أقف دونكن لهم على العقبة وأعتمد على رمحي فلن يقدموا عليكن لمكاني ففعلن ذلك فنحون إلى مأمنهن قال أبو عبيدة قال أبو عمرو بن العلاء ولا نعلم قتيلا ولا ميتا حمى ظعائن غيره قال وإنه يومئذ لغلام له ذؤابة قال فاعتمد على رمحه وهو واقف لهن على متن فرسه حتى بلغن مأمنهن وما تقدم القوم عليه فقال نبيشة بن حبيب إنه لمائل العنق وما أظنه إلا قد مات فأمر رجلا من خزاعة كان معه أن يرمي فرسه فرماها فقمصت وزالت فمال عنها ميتا قال ويقال بل الذي رمى فرسه نبيشة فانصرفوا عنه وقد فاتهم الظعن قال أبو عبيدة ولحقوا يومئذ أبا الفرعة الحارث بن مكدم فقتلوه وألقوا على ربيعة أحجارا أشعار في رثائه فمر به رجل من بني الحارث بن فهر فنفرت ناقته من تلك الأحجار التي أهيلت على ربيعة فقال يرثيه ويعتذر ألا يكون عقر ناقته على قبره وحض على قتلته وعير من فر وأسلمه من قومه ( نفرت قلوصي من حجارة حَرة ... بُنيت على طلق اليدين وهوبِ ) ( لا تنفري يا ناق منه فإنه ... سَبّاء خمر مِسْعَر لحروب ) ( لولا السِّفار وبعد خرق مهمه ... لتركتها تحبو على العرقوب ) ( مر الفوارس عن ربيعة بعدما ... نَجّاهُم من غُمّة المكروب ) ( يدعو علياً حين أسلم ظهره ... فلقد دعوتَ هناك غير مجيب ) ( لله در بني عليّ إنهم ... لم يُحمشوا غزواً كولْغ الذيب ) ( نِعْمَ الفتى أدى نبيشة بَزَّه ... يوم الكديد نبيشةُ بن حبيب ) ( لا يبعَدن ربيعة بن مكدم ... وسقى الغوادي قبره بذَنوب ) قال أبو عبيدة ويقال إن الذي قال هذا الشعر هو ضرار بن الخطاب بن مرداس أحد بني محارب بن فهر وقال آخر هو حسان بن ثابت وقال الأثرم أنشدني أبو عبيدة مرة أخرى هذا البيت ( وسقى الغوادي قبره بذَنوب ... ) واحتج به في قول الله عز و جل ( ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم ) فسألته لمن هذا البيت فقال لمكرز بن حفص بن الأحنف أحد بني عامر بن لؤي رجل من قريش الظواهر ولم يسمه ههنا وقال عبد الله بن جذل الطعان واسمه بلعاء ( لأطلبنْ بربيعة بن مكدم ... حتى أنال عُصَيّة بن مَعِيص ) يقال إن عصية من بني سليم وهو عصية بن معيص بن عامر بن لؤي ( وتقاد كل طِمِرةٍ ممحوصةٍ ... ومقلِّص عَبْل الشَّوَى ممحوص ) وقال رجل من بني الحارث بن الخزرج من الأنصار يرثي ربيعة بن مكدم وقال أبو عبيدة زعم أبو الخطاب الأخفش أنه لحسان بن ثابت يحض على قتله ( ولأصرِفنّ سِوى حذيفة مِدْحتي ... لفتى الشتاء وفارس الأجراف ) ( مأوى الضَّريك إذا الرياح تناوَحتْ ... ضخم الدَّسيعة مُخِلفٍ مِتلاف ) ( من لا يزال يَكُب كل ثقيلة ... كَوْماء غير مُسائل منزاف ) ( رَحْب المَباءة والجناب موطَّأ ... مأوىً لكل مُعتَّق بسَواف ) ( فسقى الغوادي قبرك ابن مكدم ... من صَوْب كل مُجلجِل وَكّاف ) ( أبلغ بني بكر وخُص فوارساً ... لحِقوا الملامة دون كل لحاف ) ( أسلمتُم جِذل الطعان أخاكُم ... بين الكديد وقُلة الأعراف ) الأعراف رمل قال الأثرم الأعراف كل ما ارتفع ومنه قول الله تعالى ( ونادى أصحاب الأعراف ) ( حتى هوى مُتزايِلاً أوصاله ... للَّحْد بين جنادل وقِفاف ) ( لله در بني عليّ إن هُم ... لم يثأروا عوفاً وحيَّ خِفاف ) قال الأثرم وأنشدنا أبو عبيدة هذه القصيدة مرة لقيس بن الخطيم حين قتل قاتل أبيه فقال ( تذكر ليلى حُسنَها وصفاءَها ... ) وقال ابن جذل الطعان في ذلك أيضا ( ألا لله در بني فِراس ... لقد أُورثتُمُ حزناً وجيعا ) ( غداة ثوى ربيعة في مَكَرّ ... تمج عروقه عَلَقاً نَجيعا ) ( فلن أنسى ربيعةَ إذ تَعالَى ... بكاء الظُّعْن تدعو يا ربيعا ) وقال كعب بن زهير وأمه من بني أشجع بن عامر بن الليث بن بكر بن كنانة يرثي ربيعة بن مكدم ويحض على بني سليم ويعير بني كنانة بالدماء التي أدوها إلى بني سليم وهم لا يدركون قتلاهم عندهم بدرك قتل فيهم ولا دية ( بان الشبابُ وكل إلفٍ بائن ... ظعن الشباب مع الخليط الظاعنِ ) ( قالت أُميمة ما لجسمك شاحباً ... وأراك ذا بَثٍّ ولست بدائن ) ( غُضِّي ملامك إن بي من لومكم ... داءً أظن مُماطِلي أو فاتني ) ( أبلغ كنانة غَثَّها وسمينها ... الباذلين رِباعها بالقاطن ) ( أن المذلة أن تُطَلَّ دماؤكم ... ودماء عوفٍ ضامن في العاهن ) ( أموالكم عوض لهم بدمائهم ... ودماؤكم كَلَف لهم بظعائن ) ( طلبوا فأدرك وترَهم مولاهمُ ... وأبت محامِلكم إباء الحارن ) ( شُدوا المآزر فاثأروا بأخيكُم ... إن الحفائظ نِعم ربح الثامِن ) ( كيف الحياة ربيعةَ بن مكدم ... يُغدَى عليك بِمزْهَر أو قائنِ ) ( وهو التَّريكة بالعراء وحارثٌ ... فَقْعُ القَراقر بالمكان الواتن ) ( كم غادروا لك من أراملَ عُيَّا ... جَزَر الضِّباع ومن ضَريكٍ واكنِ ) وقالت أم عمرو أخت ربيعة ترثي ربيعة ( ما بال عينك منها الدمع مهراقُ ... سَحًّا ولا عازب لالا ولا راقي ) ( أبكِي على هالك أودى وأورثني ... بعد التفرق حزناً بعده باقي ) ( لو كان يَرجِع ميتا وجدُ ذي رحمٍ ... أبقى أخي سالماً وجدي وإشفاقي ) ( أو كان يُفدَى لكان الأهل كلُّهمُ ... وما أُثمِّر من مال له واقي ) ( لكنْ سهام المنايا من نصَبْنَ له ... لم ينجه طِب ذي طِب ولا راقي ) ( فاذهب فلا يُبعدنْك الله من رجل ... لاقى الذي كلُّ حي مثله لاقي ) ( فسوف أبكيك ما ناحت مطوقة ... وما سريتُ مع الساري على ساقي ) ( أبكَى لذكرته عَبْرى مفجَّعة ... ما إن يجف لها من ذكره ماقِي ) وقال عبد الله يرثيه ( خَلَّى عليّ ربيعة بن مكدم ... حزناً يكاد له الفؤاد يزولُ ) ( فإذا ذَكرتُ ربيعةَ بن مكدم ... ظلت لذكراه الدموع تسيل ) ( نِعْم الفتى حياً وفارسُ بُهمةٍ ... يَرْدي بشِكته أقبُّ ذؤول ) ( سقت الغوادي بالكُدَيِّدِ رِمّة ... والناس إما هالك وقتيل ) ( فإذا لقيتَ ربيعة بن مكدم ... فعلى ربيعة من نداه قبول ) ( كيف العزاء ولا تزال خريدة ... تبكي ربيعة غادة عُطبول ) ( يأبى ليَ الله المذلة إنما ... يعطَى المذلة عاجز تنبيل ) وقال عبد الله أيضا يرثيه ( نادى الظعائنُ يا ربيعةُ بعد ما ... لم يبق غيُر حُشاشة وفُواق ) ( فأجابها والرمح في حيزومه ... أَنَفاً بطعن كالشَّعيب دُفاق ) ( يا رَيْطَ إن ربيعة بن مكدم ... وربيع قومك آذنا بفراق ) ( ولئن هلكت لرُبَّ فارِس بُهْمة ... فرجتُ كُرْبته وضيق خِناق ) وقال أيضا يتوعد بني سليم ( ولست لحاضر إن لم أُزِركم ... كتائب من كنانة كالصرِيم ) ( على قُبِّ الأياطل مضمَرات ... أضرّ بنِيِّها علكُ الشكيم ) أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا يعقوب بن إسرائيل قال حدثني الطلحي قال أخبرني عبد الله بن إبراهيم الجمحي ومحمد بن الحسن بن زبالة في مجلس واحد قالا مر حسان بن ثابت بقبر ربيعة بن مكدم الكناني بثنية كعب ويقال بثنية غزال فقلعت به راحلته فقال ( نفرت قلوصي من حجارة حَرَّة ... بنيت على طلق اليدين وهوب ) ( لا تنفري يا ناقَ منه فإنه ... شِرّيب خمر مِسْعر لحروب ) ( لولا السِّفار وبعد خَرْق مهمه ... لتركتها تحبو على العرقوب ) فبلغ شعره بني كنانة فقالوا والله لو عقرها لسقنا إليه ألف ناقة سود الحدق أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا السجستاني قال حدثنا أبو عبيدة قال خرج دريد بن الصمة في فوارس من بني جشم حتى إذا كانوا بواد لبني كنانة يقال له الأخرم وهو يريد الغارة على بني كنانة رفع له رجل من ناحية الوادي معه ظعينة فلما نظر إليه قال لفارس من أصحابه صح به أن خل عن الظعينة وانج بنفسك وهو لا يعرفه فانتهى إليه الرجل فصاح به وألح عليه فلما أتى ألقى الزمام وقال للظعينة ( سِيري على رِسْلك سير الآمِن ... سير رَداحٍ ذات جأش ساكن ) ( إن انثنائي دون قِرني شائني ... وابلِي بلائي واخبُرِي وعايني ) ثم حمل على الفارس فقتله وأخذ فرسه فأعطاه الظعينة فبعث دريد فارسا آخر لينظر ما صنع صاحبه فرآه صريعا فصاح به فتصامم عنه فظن أنه لم يسمعه فغشيه فألقى الزمام إليها ثم حمل على الفارس فطعنه فصرعه وهو يقول ( خلِّ سبيل الحُرة المنيعهْ ... إنك لاقٍ دونها ربيعهْ ) ( في كفه خَطِّية مطِيعه ... أو لا فخذها طعنةً سريعه ) ( فالطعن مني في الوغى شريعه ... ) فلما أبطأ على دريد بعث فارسا آخر لينظر ما صنعا فانتهى إليهما فرآهما صريعين ونظر إليه يقود ظعينته ويجرر رمحه فقال له الفارس خل عن الظعينة فقال لها ربيعة اقصدي قصد البيوت ثم أقبل عليه فقال ( ماذا تريد من شَتيم عابسِ ... ألم تر الفارس بعد الفارسِ ) ( أرداهما عامل رمح يابِس ... ) ثم طعنه فصرعه وانكسر رمحه فارتاب دريد وظن أنهم قد أخذوا الظعينة وقتلوا الرجل فلحق بهم فوجد ربيعة لا رمح معه وقد دنا من الحي ووجد القوم قد قتلوا فقال دريد أيها الفارس إن مثلك لا يقتل وإن الخيل ثائرة بأصحابها ولا أرى معك رمحا وأراك حديث السن فدونك هذا الرمح فإني راجع إلى أصحابي فمثبط عنك فأتى دريد أصحابه وقال إن فارس الظعينة قد حماها وقتل فوارسكم وانتزع رمحي ولا طمع لكم فيه فانصرف القوم وقال دريد في ذلك ( ما إنْ رأيتُ ولا سمعت بمثله ... حامي الظعينة فارساً لم يُقتلِ ) ( أردى فوارسَ لم يكونوا نُهْزة ... ثم استمرّ كأنه لم يفعل ) ( متهلل تبدو أسِرَّة وجهه ... مثلَ الحمام جلته كف الصيقل ) ( يُزجِي ظعينته ويسحب رمحه ... متوجهاً بمُناه نحو المنزل ) ( وترى الفوارسَ من مخافة رمحه ... مثل البغاثِ خَشين وقع الأجدل ) ( يا ليت شعري من أبوه وأمه ... يا صاح من يك مثلَه لم يُجهل ) فقال ربيعة ( إن كان ينفعكِ اليقينُ فسائِلي ... عني الظعينة يوم وادي الأخرمِ ) ( هل هِي لأول من أتاها نُهزة ... لولا طعان ربيعة بن مكدم ) ( إذ قال لي أدنى الفوارس مِيتة ... خَلِّ الظعينة طائعاً لا تندم ) ( فصرفتُ راحلة الظعينة نحوه ... عبداً ليعلم بعض ما لم يعلم ) ( وهتكت بالرمح الطويل إهابه ... فهوى صريعاً لليدين وللفم ) ( ومنحت آخر بعده جياشة ... نجلاء فاغرة كشدق الأضجم ) ( ولقد شفعتهما بآخر ثالث ... وأبى الفرارَ ليَ الغداة تكرمي ) قال فلم يلبث بنو مالك بن كنانة رهط ربيعة بن مكدم أن أغاروا على بني جشم رهط دريد فقتلوا وأسروا وغنموا وأسروا دريد بن الصمة فأخفى نسبه فبينا هو عندهم محبوس إذ جاء نسوة يتهادين إليه فصرخت امرأة منهن فقالت هلكتم وأهلكتم ماذا جر علينا قومنا هذا والله الذي أعطى ربيعة رمحه يوم الظعينة ثم ألقت عليه ثوبها وقالت يا آل فراس أنا جارة له منكم هذا صاحبنا يوم الوادي فسألوه من هو فقال أنا دريد بن الصمة فمن صاحبي قالوا ربيعة بن مكدم قال فما فعل قالوا قتله بنو سليم قال فمن الظعينة التي كانت معه قالت المرأة ريطة بنت جذل الطعان وأنا هي وأنا امرأته فحبسه القوم وآمروا أنفسهم وقالوا لا ينبغي أن تكفر نعمة دريد على صاحبنا وقال بعضهم والله لا يخرج من أيدينا إلا برضا المخارق الذي أسره وانبعثت المرأة في الليل فقالت ( سنجزي دريدا عن ربيعة نعمة ... وكل فتى يُجزَى بما كان قَدِّما ) ( فإن كان خيراً كان خيراً جزاؤه ... وإن كان شراً كان شراً مذمَّما ) ( سنجزيه نُعمى لم تكن بصغيرة ... بإعطائه الرمح السديد المقوّما ) ( فقد أدركتْ كفاه فينا جزاءه ... وأهلٌ بأن يجزَى الذي كان أنعما ) ( فلا تكفروه حق نُعماه فيكمُ ... ولا تركبوا تلك التي تملأ الفما ) ( فلو كان حياً لم يضق بثوابه ... ذراعاً غنياً كان أو كان معدِما ) ( ففُكوا دريداً من إسار مُخارق ... ولا تجعلوا البؤسَى إلى الشر سلما ) فأصبح القوم فتعاونوا بينهم فأطلقوه وكسته ريطة وجهزته ولحق بقومه ولم يزل كافا عن غزو بني فراس حتى هلك أحيل الناس وأشجعهم وأجبنهم أخبرني الحسن بن علي قال حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك قال حدثني محمد بن يعقوب بن أبي مريم العدوي البصري قال حدثني محمد بن عمر الأزدي قال حدثني أبو البلاد الغطفاني وقبيصة بن ميمون الصادري قالا سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمرو بن معد يكرب الزبيدي من أشجع من رأيت فقال والله يا أمير المؤمنين لأخبرنك عن أحيل الناس وعن أشجع الناس وعن أجبن الناس فقال له عمر هات فقال أربعت المدينة فخرجت كأحسن ما رأيت وكانت لي فرس شمقمقة طويلة سريعة الإبقاء تمطق بالعرق تمطق الشيخ بالمرق فركبتها ثم آليت لا ألقى أحدا إلا قتلته فخرجت وعلي مقدي فإذا أنا بفتى بين غرضين فقلت له خذ حذرك فإني قاتلك فقال والله ما أنصفتني يا أبا ثور أنا كما ترى أعزل أميل عوارة والعوارة الذي لا ترس معه فأنظرني حتى آخذ نبلي فقلت وما غناؤها عنك قال أمتنع بها قلت خذها قال لا والله أو تعطيني من العهود ما يثلجني أنك لا تروعني حتى آخذها فأثلجته فقال وإله قريش لا آخذها أبدا فسلم والله مني وذهبت فهذا أحيل الناس ثم مضيت حتى اشتمل علي الليل فوالله إني لأسير في قمر زاهر كالنور الظاهر إذا بفتى على فرس يقود ظعينة وهو يقول ( يا لُدَينا يا لُدَينا ... ليتنا يُعدَى علينا ) ( ثم يُبْلَى ما لدينا ... ) ثم يخرج حنظلة من مخلاته فيرمي بها في السماء فلا تبلغ الأرض حتى ينظمها بمشقص من نبله فصحت به خذ حذرك ثكلتك أمك فإني قاتلك فمال عن فرسه فإذا هو في الأرض فقلت إن هذا إلا استخفاف فدنوت منه وصحت به ويلك ما أجهلك فما تحلحل ولا زال عن موضعه فشككت الرمح في إهابه فإذا هو كأنه قد مات منذ سنة فمضيت وتركته فهذا أجبن الناس ثم مضيت فأصبحت بين دكادك هرشى إلى غزال فنظرت إلى أبيات فعدلت إليها فإذا فيها جوار ثلاث كأنهن نجوم الثريا فبكين حين رأينني فقلت ما يبكيكن فقلن لما ابتلينا به منك ومن ورائنا أخت هي أجمل منا فأشرفت من فدفد فإذا بمن لم أر شيئا قط أحسن من وجهه وإذا بغلام يخصف نعله عليه ذؤابة يسحبها فلما نظر إلي وثب على الفرس مبادرا ثم ركض فسبقني إلى البيوت فوجدهن قد ارتعن فسمعته يقول لهن ( مهلاً نُسَيّاتي إذن لا ترتعْنْ ... ان يُمنع اليوم نساء تُمنعْنْ ) ( أرخين أذيال المروط وارتَعنْ ... ) فلما دنوت منه قال أتطردني أم أطردك قلت أطردك فركض وركضت في أثره حتى إذا مكنت السنان في لفتته واللفتة أسفل من الكتف اتكأت عليه فإذا هو والله مع لبب فرسه ثم استوى في سرجه فقلت أقلني قال اطرد فتبعته حتى إذا ظننت أن السنان في ماضغيه اعتمدت عليه فإذا هو والله قائم على الأرض والسنان ماض زالج واستوى على فرسه فقلت أقلني قال اطرد فطردته حتى إذا مكنت السنان في متنه اتكأت عليه وأنا أظن أني قد فرغت منه فمال في ظهر فرسه حتى نظرت إلى يديه في الأرض ومضى السنان زالجا ثم استوى وقال أبعد ثلاث تريد ماذا أطردني ثكلتك أمك فوليت وأنا مرعوب منه فلما غشيني ووجدت حس السنان التفت فإذا هو يطردني بالرمح بلا سنان فكف عني واستنزلني فنزلت ونزل فجز ناصيتي وقال انطلق فإني أنفس بك عن القتل فكان ذلك والله يا أمير المؤمنين عندي أشد من الموت فذاك أشجع من رأيت وسألت عن الفتى فقيل ربيعة بن مكدم الفراسي من بني كنانة وقد أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري هذا الخبر وفيه خلاف للأول قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن موسى الهذلي قال حدثني سكين بن محمد قال دخل عمرو بن معد يكرب على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له يا أبا ثور من أين أقبلت قال من عند سيد بني مخزوم أعظمها هامة وأمدها قامة وأقلها ملامة وأفضلها حلما وأقدمها سلما وأجرئها مقدما قال ومن هو قال سيف الله وسيف رسوله قال وأي شيء صنعت عنده قال أتيته زائرا فدعا لي بكعب وقوس وثور فقال عمر وأبيك إن في هذا لشبعا قال لي أو لك يا أمير المؤمنين قال لي ولك قال له فوالله إني لآكل الجذعة وأشرب التبن من اللبن رثيئة وصرفا فلم تقول هذا يا أمير المؤمنين فقال له عمر أي أحياء قومك خير قال مذحج وكل قد كان فيه خير شداد فوارسها فوارس أبطالها أهل الربا والرباح قال عمر وأين سعد العشيرة قال هم أشدنا شريسا وأكثرنا خميسا وأكرمنا رئيسا وهم الأوفياء البررة المساعير الفجرة قال عمر يا أبا ثور ألك علم بالسلاح قال على الخبير سقطت سل عما بدا لك قال أخبرني عن النبل قال منايا تخطىء وتصيب قال فأخبرني عن الرمح قال أخوك وربما خانك قال فأخبرني عن الترس قال ذاك مجن وعليه تدور الدوائر قال أخبرني عن الدرع قال مشغلة للفارس متعبة للراجل قال أخبرني عن السيف قال عنه قارعتك لأمك الهبل قال لا بل لأمك قال عمرو بل لأمك فرفع عمر الدرة فضرب بها عمرا وكان عمرو محتبيا فانحلت حبوته فاستوى قائما وأنشأ يقول ( أتضربني كأنك ذو رُعَين ... بخير معيشة أو ذو نواس ) ( فكم مُلْك قديم قد رأينا ... وعز ظاهر الجبروت قاسي ) ( فأضحى أهله بادوا وأضحى ... ينقَّل من أناس في أناس ) قال صدقت يا أبا ثور وقد هدم ذلك كله الإسلام أقسمت عليك لما جلست فجلس فقال له عمر هل كععت من فارس قط ممن لقيت قال اعلم يا أمير المؤمنين أني لم أستحل الكذب في الجاهلية فكيف أستحله في الإسلام ولقد قلت لجبهة من خيلي خيل بني زبيد أغيروا بنا على بني البكاء فقالوا بعيد علينا المغار فقلت فعلى بني مالك بن كنانة قال فأتينا على قوم سراة فقال عمر ما علمك بأنهم سراة قال رأيت مزاود خيلهم كثيرة وقدورا مثفاة وقباب أدم فعرفت أن القوم سراة فتركت خيلي حجرة وجلست في موضع أتسمع كلامهم فإذا بجارية منهم قد خرجت من خيمتها فجلست بين صواحب لها ثم دعت وليدة من ولائدها فقالت ادعي فلانا فدعت لها برجل من الحي فقالت له إن نفسي تحدثني أن خيلا تغير على الحي فكيف أنت إن زوجتك نفسي فقال أفعل وأصنع وجعل يصف نفسه فيفرط فقالت له انصرف حتى أرى رأيي وأقبلت على صواحباتها فقالت ما عنده خير ادعي لي فلانا فدعت بآخر فخاطبته بمثل ما خاطبت به صاحبه فأجابها بنحو جوابه فقالت له انصرف حتى أرى رأيي وقالت لصواحباتها ولا عند هذا خير أيضا ثم قالت للوليدة ادعي لي ربيعة بن مكدم فدعته فقالت له مثل قولها للرجلين فقال لها إن أعجز العجز وصف المرء نفسه ولكني إذا لقيت أعذرت وحسب المرء غناء أن يعذر فقالت له قد زوجتك نفسي فاحضر غدا مجلس الحي ليعلموا ذلك فانصرف من عندها وانتظرت حتى ذهب الليل ولاح الفجر فخرجت من مكمني وركبت فرسي وقلت لخيلي أغيري فأغارت وتركتها وقصدت نحو النسوة ومجلسهن فكشفت عن خيمة المرأة فإذا أنا بامرأة تامة الحسن فلما ملأت بصرها مني أهوت إلى درعها فشقته وقالت واثكلاه والله ما أبكي على مال ولا تلاد ولكن على أخت من وراء هذا القوز تبقى بعدي في مثل هذا الغائط فتهلك ضيعة وأومأت بيدها إلى قوز رمل إلى جانبهم فقلت هذه غنيمة من وراء غنيمة فدفعت فرسي حتى أوفيت على الأيفاع فإذا أنا برجل جلد نجد أهلب أغلب يخصف نعله وإلى جنبه فرسه وسلاحه فلما رآني رمىبنعله ثم استوى على فرسه وأخذ رمحه ومضى ولم يحفل بي فطفقت أشجره بالرمح خفقا وأقول له يا هذا استأسر فمضى ما يحفل بي حتى أشرف على الوادي فلما رأى الخيل تحوي إبله استعبر باكيا وأنشأ يقول ( قد علمتْ إذ منحتني فاها ... أني سأحوي اليوم من حَواها ) ( بل ليت شعري اليوم من دهاها ... ) فأجبته ( عمرو على طول الوجَى دهاها ... بالخيل يحميها على وجاها ) ( حتى إذا حل بها احتواها ... ) فحمل علي وهو يقول ( أَهْوِن بنضر العيش في دار نَدَمْ ... أفيض دمعاً كلما فاض انسجمْ ) ( أنا ابن عبد الله محمود الشيم ... مؤتمن الغيب وفيّ بالذمم ) ( أكرم من يمشي بساق وقدم ... كالليث إن هم بتَقْصام قَصَم ) فحملت عليه وأنا أقول ( أنا ابن ذي التقليد في الشهر الأصمّ ... أنا ابن ذي الإكليل قتال البُهَم ) ( من يلقَني يُودِ كما أودت إِرَم ... أتركه لحماً على ظهر وضَمْ ) وحمل علي وهو يقول ( هذا حِمًى قد غاب عنه ذائده ... الموت وِرْد والأنام وارده ) وحمل علي فضربني فرغت وأخطأني فوقع سيفه في قربوس السرج فقطعه وما تحته حتى هجم على مسح الفرس ثم ثنى بضربة أخرى فرغت وأخطأني فوقع سيفه على مؤخر السرج فقطعه حتى وصل إلى فخذ الفرس وصرت راجلا فقلت ويحك من أنت فوالله ما ظننت أحدا من العرب يقدم علي إلا ثلاثة الحارث بن ظالم للعجب والخيلاء وعامر بن الطفيل للسن والتجربة وربيعة بن مكدم للحداثة والغرة فمن أنت ويلك قال بل الويل لك فمن أنت قلت عمرو بن معد يكرب قال وأنا ربيعة بن مكدم قلت يا هذا إني قد صرت راجلا فاختر مني إحدى ثلاث إن شئت اجتلدنا بسيفينا حتى يموت الأعجز وإن شئت اصطرعنا فأينا صرع صاحبه حكم فيه وإن شئت سالمتك وسالمتني قال الصلح إذن إن كان لقومك فيك حاجة وما بي أيضا على قومي هوان قلت فذاك لك وأخذت بيده حتى أتيت أصحابي وقد حازوا نعمه فقلت هل تعلمون أني كععت عن فارس قط من الأبطال إذا لقيته قالوا نعيذك من ذاك قال قلت فانظروا هذا النعم الذي حزتموه فخذوه مني غدا في بني زبيد فإنه نعم هذا الفتى والله لا يوصل إلى شيء منه وأنا حي فقالوا لحاك الله فارس قوم أشقيتنا حتى إذا هجمنا على الغنيمة الباردة فثأتنا عنها قال قلت إنه لا بد لكم من ذلك وأن تهبوها لي ولربيعة بن مكدم فقالوا وإنه لهو قلت نعم فردوها وسالمته فأمن حربي وأمنت حربه حتى هلك وفي بعض هذه الأراجيز التي جرت بين عمرو بن معد يكرب وربيعة بن مكدم غناء نسبته وقد جمع شعراهما معا في لحن واحد وهو صوت ( أنا ابن ذي التقليد في الشهر الأصمّ ... أنا ابن عبد الله قَتّال البُهَمْ ) ( أكرم من يمشي بساق وقدم ... من يلقَنِي يودِ كما أودت إِرَم ) ( أتركه لحماً على ظهر وَضَم ... كالليث إن همَّ بتَقْصام قَصَم ) ( مؤتمَنُ الغيب وفيٌّ بالذمم ... ) ذكر أحمد بن يحيى المكي أن الغناء في هذا الشعر لحنين - خفيف ثقيل - بإطلاق الوتر في مجرى البنصر وذكر الهشامي أنه لابن سرجيس الملقب بقراريط حدثتني قمرية العمرية جارية عمرو بن بانة أنها أخذت عن أحمد بن العلاء هذا اللحن فقال لها انظري أي صوت أخذت فوالله لقد أخذته عن مخارق فلما استوى لي قال لي مخارق انظر أي صوت أخذت فوالله لقد أخذته عن يحيى المكي فلما غنيته الرشيد أطربه فوهب ليحيى عشرة آلاف درهم أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن الحسن الأحول عن الطرسوسي عن ابن الأعرابي قال أجود بيت وصفت به الطعنة قول أهبان بن عادياء قاتل ربيعة بن مكدم حيث يقول ( ولقد طعنتُ ربيعة بن مكدمٍ ... يوم الكديد فخرّ غير موسَّدِ ) ( في ناقع شَرِقت بما في جوفه ... منه بأحمر كالعقيق المُجسَد ) صوت ( أدركتِ ما منيتُ نفسي خالياً ... لله درك يابنة النعمانِ ! ) ( إني لِحَلْفِك بالصليبِ مصدق ... والصُّلْب أصدق حَلْفةِ الرهبان ) ( ولقد رددتِ على المغيرةِ ذهنه ... إن الملوك بطيئة الإذعان ) ( يا هند حسبكِ قد صدقتِ فأمسِكِي ... والصدق خير مقالة الإِنسان ) الشعر للمغيرة بن شعبة الثقفي يقوله في هند بنت النعمان بن المنذر وقد خطبها فردته وخبره في ذلك وغيره يذكر هاهنا إن شاء الله والغناء لحنين ثاني - ثقيل - بالبنصر عن الهشامي وإبراهيم أخبار المغيرة بن شعبة ونسبه هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسي وهو ثقيفب ويكنى أبا عبد الله وكان يكنى أبا عيسى فغيرها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكناه أبا عبد الله وأمه أسماء بنت الأفقم بن أبي عمرو بن ظويلم بن جعيل بن عمرو بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وكان المغيرة بن شعبة من دهاة العرب وحزمتها وذوي الرأي منها والحيل الثاقبة وكان يقال له في الجاهلية والإسلام مغيرة الرأي وكان يقال ما اعتلج في صدر المغيرة أمران إلا اختار أحزمهما وصحب النبي وشهد معه الحديبية وما بعدها وبعثه أبو بكر رضي الله عنه إلى أهل النجير وشهد فتح اليمامة وفتوح الشام وكان أعور أصيبت عينه في يوم اليرموك وشهد القادسية مع سعد بن أبي وقاص فلما أراد مراسلة رستم لم يجد في العرب أدهى منه ولا أعقل فبعث به إليه وكان السفير بينهما حتى وقعت الحرب وولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عدة ولايات إحداها البصرة ففتح وهو واليها ميسان ودست ميسان وأبرقباذ وقاتل الفرس بالمرغاب فهزمهم ونهض إلى من كان بسوق الأهواز فقاتلهم وهزمهم وفتحها وانحازوا إلى نهر تيرى ومناذر الكبرى فزحف إليهم فقاتلهم وهزمهم وفتحها وخرج إلى المشرق مع النعمان بن المقرن وكان المغيرة على ميسرته وكان عمر قد عهد إن هلك النعمان فالأمير حذيفة فإن هلك حذيفة فالأمير المغيرة بن شعبة ولما فتحت نهاوند سار المغيرة في جيش إلى همذان ففتحها وولاه عمر رضي الله عنه بعد ذلك الكوفة فقتل عمر وهو واليها وولاه أيضا إياها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فكان عليها إلى أن مات بها وهو أول من وضع ديوان الإعطاء بالبصرة ورتب الناس فيه فأعطاهم على الديوان ثم صار ذلك رسما لهم بعد ذلك يحتذونه إسلامه قال محمد بن سعد كاتب الواقدي أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني محمد بن سعيد الثقفي وعبد الرحمن بن عبد العزيز وعبد الملك بن عيسى الثقفي وعبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب ومحمد بن يعقوب بن عتبة عن أبيه وغيرهم قالوا قال المغيرة بن شعبة كنا قوما من العرب متمسكين بديننا ونحن سدنة اللات فأراني لو رأيت قوما قد أسلموا ما تبعتهم فأجمع نفر من بني مالك الوفود على المقوقس وأهدوا له هدايا فأجمعت الخروج معهم فاستشرت عمي عروة بن مسعود فنهاني وقال لي ليس معك من بني أبيك أحد فأبيت إلا الخروج وخرجت معهم وليس معهم أحد من الأحلاف غيري حتى دخلنا الإسكندرية فإذا المقوقس في مجلس مطل على البحر فركبت قاربا حتى حاذيت مجلسه فنظر إلي فأنكرني وأمر من يسائلني ما أنا وما أريد فسألني المأمور فأخبرته بأمرنا وقدومنا عليه فأمر بنا أن ننزل في الكنيسة وأجرى علينا ضيافة ثم دعا بنا فنظر إلى رأس بني مالك فأدناه إليه وأجلسه معه ثم سأله أكل القوم من بني مالك فقال نعم إلا رجلا واحدا من الأحلاف فعرفه إياي فكنت أهون القوم عليه ووضعوا هداياهم بين يديه فسر بها وأمر بقبضها وأمر لهم بجوائز وفضل بعضهم على بعض وقصر بي فأعطاني شيئا قليلا لا ذكر له وخرجنا فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم وهم مسرورون ولم يعرض علي أحد منهم مواساة وخرجوا وحملوا معهم خمرا فكانوا يشربون منها وأشرب معهم ونفسي تأبى أن تدعني معهم وقلت ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا وما حباهم به الملك ويخبرون قومي بتقصيره بي وازدرائه إياي فأجمعت على قتلهم فقلت أنا أجد صداعا فوضعوا شرابهم ودعوني فقلت رأسي يصدع ولكني أجلس وأسقيكم فلم ينكروا شيئا وجلست أسقيهم وأشرب القدح بعد القدح فلما دبت الكأس فيهم اشتهوا الشراب فجعلت أصرف لهم وأترع الكأس فيشربون ولا يدرون فأهمدتهم الكأس حتى ناموا ما يعقلون فوثبت إليهم فقتلتهم جميعا وأخذت جميع ما كان معهم فقدمت على النبي فوجدته جالسا في المسجد مع أصحابه وعلي ثياب السفر فسلمت بسلام الإسلام فنظر إلي أبو بكر بن أبي قحافة وكان بي عارفا فقال ابن أخي عروة قلت نعم جئت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقال رسول الله الحمد لله الذي هداك إلى الإسلام فقال أبو بكر رضي الله عنه أفمن مصر أقبلتم قلت نعم قال فما فعل المالكيون الذين كانوا معك قلت كان بيني وبينهم بعض ما يكون بين العرب ونحن على دين الشرك فقتلتهم وأخذت أسلابهم وجئت بها إلى رسول الله ليخمسها ويرى فيها رأيه فإنما هي غنيمة من مشركين وأنا مسلم مصدق بمحمد فقال رسول الله أما إسلامك فنقبله ولا نأخذ من أموالهم شيئا ولا نخمسها لأن هذا غدر والغدر لا خير فيه فأخذني ما قرب وما بعد وقلت يا رسول الله إنما قتلتهم وأنا على دين قومي ثم أسلمت حين دخلت عليك الساعة قال فإن الإسلام يجب ما كان قبله وكان قتل منهم ثلاثة عشر إنسانا فبلغ ذلك ثقيفا بالطائف فتداعوا للقتال ثم اصطلحوا على أن يحمل عمي عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية قال المغيرة وأقمت مع النبي حتى اعتمر عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست من الهجرة فكانت أول سفرة خرجت معه فيها وكنت أكون مع أبي بكر وألزم النبي فيمن يلزم وبعثت قريش عام الحديبية عروة بن مسعود إلى النبي فأتاه يكلمه وجعل يمس لحية رسول الله وأنا قائم على رأسه مقنع في الحديد فقلت لعروة وهو يمس لحية رسول الله اكفف يدك قبل ألا تصل إليك فقال عروة يا محمد من هذا ما أفظه وأغلظه فقال هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة فقال عروة يا عدو الله ما غسلت عني سوءتك إلا بالأمس يا غدر أخبرني محمد بن خلف قال حدثني أحمد بن الهيثم الفراسي قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن مجالد عن الشعبي قال قال المغيرة بن شعبة أول ما عرفني به العرب من الحزم والدهاء أني كنت في ركب من قومي في طريق لنا إلى الحيرة فقالوا لي قد اشتهينا الخمر وما معنا إلا درهم زائف فقلت هاتوه وهلموا زقين فقالوا وما يكفيك لدرهم زائف زق واحد فقلت أعطوني ما طلبت وخلاكم ذم ففعلوا وهم يهزأون بي فصببت في أحد الزقين شيئا من ماء ثم جئت إلى خمار فقلت له كل لي ملء هذا الزق فملأه فأخرجت الدرهم الزائف فأعطيته إياه فقال لي ما هذا ويحك أمجنون أنت فقلت مالك قال إن ثمن هذا الزق عشرون درهما جيادا وهذا درهم زائف فقلت أنا رجل بدوي وظننت أن هذا يصلح كما ترى فإن صلح وإلا فخذ شرابك فاكتال مني ما كاله وبقي في زقي من الشراب بقدر ما كان فيه من الماء فأفرغته في الزق الآخر وحملتهما على ظهري وخرجت وصببت في الزق الأول ماء ودخلت إلى خمار آخر فقلت إني أريد ملء هذا الزق خمرا فانظر إلى ما معي منه فإن كان عندك مثله فأعطني فنظر إليه وإنما أردت ألا يستريب بي إذا رددت الخمر عليه فلما رآه قال عندي أجود منه قلت هات فأخرج لي شرابا فاكتلته في الزق الذي فيه الماء ثم دفعت إليه الدرهم الزائف فقال لي مثل قول صاحبه فقلت خذ خمرك فأخذ ما كان كاله لي وهو يرى أني خلطته بالشراب الذي أريته إياه وخرجت فجعلته مع الخمر الأول ولم أزل أفعل ذلك بكل خمار في الحيرة حتى ملأت زقي الأول وبعض الآخر ثم رجعت إلى أصحابي فوضعت الزقين بين أيديهم ورددت درهمهم فقالوا لي ويحك أي شيء صنعت فحدثتهم فجعلوا يعجبون وشاع لي الذكر في العرب بالدهاء حتى اليوم قال محمد بن سعد أخبرنا محمد بن معاوية النيسابوري قال حدثنا داود بن خالد عن العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس قال أول من خضب بالسواد المغيرة بن شعبة خرج على الناس وكان عهدهم به أبيض الشعر فعجب الناس منه قال محمد وأخبرني شهاب بن عباد قال حدثنا إبراهيم بن حميد الرواسي عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي خازم عن المغيرة بن شعبة قال كنت جالسا عند أبي بكر إذ عرض عليه فرس له فقال له رجل من الأنصار احملني عليها فقال أبو بكر لأن أحمل عليها غلاما قد ركب الخيل على غرلته أحب إلي من أن أحملك عليها فقال له الأنصاري أنا خير منك ومن أبيك قال المغيرة فغضبت لما قال ذلك لأبي بكر رضي الله عنه فقمت إليه فأخذت برأسه فركبته وسقط على أنفه فكأنما كان عزالي مزادة فتوعدني الأنصار أن يستفيدوا مني فبلغ ذلك أبا بكر فقام فقال أما بعد فقد بلغني عن رجال منكم زعموا أني مقيدهم من المغيرة ووالله لأن أخرجهم من دارهم أقرب إليهم من أن أقيدهم من وزعة الله الذين يزعون إليه يخطب هند ابنة التسعين عاما أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن سلام الجمحي قال حدثنا حسان بن العلاء الرياحي عن أبيه عن الشعبي قال ركب المغيرة بن شعبة إلى هند بنت النعمان بن المنذر وهي بدير هند متنصرة عمياء بنت تسعين سنة فقالت له من أنت قال أنا المغيرة بن شعبة قالت أنت عامل هذه المدرة تعني الكوفة قال نعم قالت فما حاجتك قال جئتك خاطبا إليك نفسك قالت أما والله لو كنت جئت تبغي جمالا أو دينا أو حسبا لزوجناك ولكنك أردت أن تجلس في موسم من مواسم العرب فتقول تزوجت بنت النعمان بن المنذر وهذا والصليب أمر لا يكون أبدا أو ما يكفيك فخرا أن تكون في ملك النعمان وبلاده تدبرهما كما تريد وبكت فقال لها أي العرب كان أحب إلى أبيك قالت ربيعة قال فأين كان يجعل قيسا قالت ما كان يستعتبهم من طاعة قال فأين كان يجعل ثقيفا قالت رويدا لا تعجل بينا أنا ذات يوم جالسة في خدر لي إلى جنب أبي إذ دخل عليه رجلان أحدهما من هوازن والآخر من بني مازن كل واحد منهما يقول إن ثقيفا منا فأنشأ أبي يقول ( إن ثقيفاً لم يكن هوازنا ... ولم يناسب عامراً ومازنا ) ( إلا قريباً فانشِر المحاسِنا ... ) فخرج المغيرة وهو يقول ( أدركتِ ما منيتُ نفسِيَ خالياً ... لله درك يابنة النعمانِ ! ) وذكر الأبيات التي مضت وذكرت الغناء فيها أخبرني محمد بن خلف قال أخبرنا الحارث بن محمد قال قال أبو عبيدة قال العلاء بن جرير العنبري بينا حسان بن ثابت ذات يوم جالس بالخيف من منى وهو يومئذ مكفوف إذ زفر زفرة ثم أنشأ يقول ( وكأن حافرها بكل خميلةٍ ... صاع يكيل به شحيح معدِمُ ) ( عاري الأشاجعِ من ثقيفٍ أصله ... عبد ويزعم أنه مِنْ يَقْدُم ) قال والمغيرة بن شعبة يسمع ما يقول فبعث إليه بخمسة آلاف درهم فلما أتاه بها الرسول قال من بعث بهذه قال المغيرة بن شعبة سمع ما قلت فقال واسوأتاه وقبلها أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل العتكي قال حدثنا محمد بن سلام الجمحي قال أحصن المغيرة بن شعبة إلى أن مات ثمانين امرأة فيهن ثلاث بنات لأبي سفيان بن حرب وفيهن حفصة بنت سعد بن أبي وقاص وهي أم ابنه حمزة بن المغيرة وعائشة بنت جرير بن عبد الله وقال أبو اليقظان صلى المغيرة بالناس سنة أربعين في العام الذي قتل فيه علي بن أبي طالب عليه السلام فجعل يوم الأضحى يوم عرفة أظنه خاف أن يعزل فسبق ذلك فقال الراجز ( سِيري رُويداً وابتغي المغيرهْ ... كلفتُها الإِدلاج بالظهيرة ) قال وكان المغيرة مطلاقا فكان إذا اجتمع عنده أربع نسوة قال إنكن لطويلات الأعناق كريمات الأخلاق ولكني رجل مطلاق فاعتددن وكان يقول النساء أربع والرجال أربعة رجل مذكر وامرأة مؤنثة فهو قوام عليها ورجل مؤنث وامرأة مذكرة فهي قوامة عليه ورجل مذكر وامرأة مذكرة فهما كالوعلين ينتطحان ورجل مؤنث وامرأة مؤنثة فهما لا يأتيان بخير ولا يفلحان المغيرة يتزوج تسعا وثمانين امرأة أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا الأصمعي قال حدثنا أبو هلال عن مطير الوراق قال قال المغيرة بن شعبة نكحت تسعا وثمانين امرأة أو قال أكثر من ثمانين امرأة فما أمسكت امرأة منهن على حب أمسكها لودها ولحسبها ولكذا ولكذا قال أبو زيد وبلغني أنهم ذكروا النساء عند المغيرة بن شعبة فقال أنا أعلمكم بهن تزوجت ثلاثا وتسعين امرأة منهن سبعون بكرا فوجدت اليمانية كثوبك أخذت بجانبه فاتبعك بقيته ووجدت الربعية أمتك أمرتها فأطاعتك ووجدت المضرية قرنا ساورته فغلبته أو غلبك حدثنا ابن عمار قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو عاصم قال رأى المغيرة امرأة له تخلل بعد صلاة الصبح فطلقها فقالت علام طلقني قيل رآك تخللين فظن أنك أكلت فقالت أبعده الله والله ما أتخلل إلا من السواك أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة عن زيد بن أسلم أن رجلا جاء فنادى يستأذن لأبي عيسى على أمير المؤمنين فقال عمر أيكم أبو عيسى قال المغيرة بن شعبة أنا فقال له عمر هل لعيسى من أب أما يكفيكم معاشر العرب أن تكتنوا بأبي عبد الله وأبي عبد الرحمن فقال له رجل من القوم أشهد أن النبي كناه بها فقال له عمر إن النبي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأنا لا أدري ما يفعل بي فكناه أبا عبد الله أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال حدثني عمرو بن بحر أبو عثمان الجاحظ قال كان الجمال بالكوفة ينتهي إلى أربعة نفر المغيرة بن شعبة وجرير بن عبد الله والأشعث بن قيس وحجر بن عدي وكلهم كان أعور فكان المغيرة والأشعث وجرير يوما متواقفين بالكوفة بالكناسة فطلع عليهم أعرابي فقال لهم المغيرة دعوني أحركه قالوا لا تفعل فإن للأعراب جوابا يؤثر قال لا بد قالوا فأنت أعلم قال له يا أعرابي هل تعرف المغيرة بن شعبة قال نعم أعرفه أعور زانيا فوجم ثم تجلد فقال هل تعرف الأشعث بن قيس قال نعم ذاك رجل لا يعرى قومه قال وكيف ذاك قال لأنه حائك ابن حائك قال فهل تعرف جرير بن عبد الله قال وكيف لا أعرف رجلا لولاه ما عرفت عشيرته قالوا له قبحك الله فإنك شر جليس فهل تحب أن نوقر لك بعيرك هذا مالا وتموت أكرم العرب قال فمن يبلغه أهلي إذن فانصرفوا عنه وتركوه أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني أبو سعيد السكري قال حدثنا محمد بن أبي السري واسم أبي السري سهل بن سلام الأزدي قال حدثني هشام بن محمد قال أخبرنا عوانة بن الحكم قال خرج المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يومئذ ومعه الهيثم بن الأسود النخعي بعد غب مطر يسير بظهر الكوفة والحوف فلقي ابن لسان الحمرة أحد بني تيم الله بن ثعلبة وهو لا يعرف المغيرة فقال له المغيرة من أين أقبلت يا أعرابي قال من السماوة قال فكيف تركت الأرض خلفك قال عريضة أريضة قال وكيف كان المطر قال عفى الأثر وملأ الحفر قال ممن أنت قال من بكر بن وائل قال فكيف علمك بهم قال إن جهلتهم لم أعرف غيرهم قال فما تقول في بني شيبان قال سادتنا وسادة غيرنا قال فما تقول في بني ذهل قال سادة نوكى قال فقيس بن ثعلبة قال إن جاورتهم سرقوك وإن ائتمنتهم خانوك قال فبنو تيم الله بن ثعلبة قال رعاء البقر وعراقيب الكلاب قال فما تقول في بني يشكر قال صريح تحسبه مولى قال هشام لأن في ألوانهم حمرة قال فعجل قال أحلاس الخيل قال فحنيفة قال يطعمون الطعام ويضربون الهام قال فعنزة قال لا تلتقي بهم الشفتان لؤما قال فضبيعة أضجم قال جدعا وعقرا قال فأخبرني عن النساء قال النساء أربع ربيع مربع وجميع تجمع وشيطان سمعمع وغل لا يخلع قال فسر قال أما الربيع المربع فالتي إذا نظرت إليها سرتك وإذا أقسمت عليها أبرتك وأما التي هي جميع تجمع فالمرأة تتزوجها ولها نشب فتجمع نشبك إلى نشبها وأما الشيطان السمعمع فالكالحة في وجهك إذا دخلت والمولولة في أثرك إذا خرجت وأما الغل الذي لا يخلع فبنت عمك السوداء القصيرة الفوهاء الدميمة التي قد نثرت لك بطنها إن طلقتها ضاع ولدك وإن أمسكتها فعلى جدع أنفك فقال له المغيرة بل أنفك ثم قال له ما تقول في أميرك المغيرة بن شعبة قال أعور زناء فقال الهيثم فض الله فاك ويلك هذا الأمير المغيرة فقال إنها كلمة والله تقال فانطلق به المغيرة إلى منزله وعنده يومئذ أربع نسوة وستون أو سبعون أمة قال له ويحك هل يزني الحر وعنده مثل هؤلاء ثم قال لهن المغيرة ارمين إليه بحلاكن ففعلن فخرج الأعرابي بملء كسائه ذهبا وفضة يغش علي ويخدع مصقلة الشيباني أخبرني عبيد الله بن محمد قال حدثنا الخراز عن المدائني عن أبي مخنف وأخبرني أحمد بن عيسى العجلي قال حدثنا الحسن بن نصر قال حدثني أبي نصر بن مزاحم قال حدثنا عمر بن سعد عن أبي مخنف عن رجاله أن المغيرة بن شعبة جاء إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له اكتب إلى معاوية فوله الشام ومره بأخذ البيعة لك فإنك إن لم تفعل وأردت عزله حاربك فقال علي عليه السلام ( ما كنت متخذ المضلين عضدا ) فانصرف المغيرة وتركه فلما كان من غد جاءه فقال إني فكرت فيما أشرت به عليك أمس فوجدته خطأ ووجدت رأيك أصوب فقال له علي لم يخف علي ما أردت قد نصحتني في الأولى وغششتني في الآخرة ولكني والله لا آتي أمرا أجد فيه فسادا لديني طلبا لصلاح دنياي فانصرف المغيرة أخبرني الحسن بن علي قال حدثني إبراهيم بن سعيد بن شاهين قال حدثني محمد بن يونس الشيرازي قال حدثني محمد بن غسان الضبي قال حدثني زاجر بن عبد الله الثقفي مولى الحجاج بن يوسف قال كان بين المغيرة بن شعبة وبين مصقلة بن هبيرة الشيباني تنازع فضرع له المغيرة وتواضع في كلامه حتى طمع فيه مصقلة واستعلى عليه فشتمه فقدمه المغيرة إلى شريح وهو القاضي يومئذ فأقام عليه البينة فضربه الحد فآلى مصقلة ألا يقيم ببلدة فيها المغيرة بن شعبة ما دام حيا وخرج إلى بني شيبان فنزل فيهم إلى أن مات المغيرة ثم دخل الكوفة فتلقاه قومه وسلموا عليه فما فرغ من التسليم حتى سألهم عن مقابر ثقيف فأرشدوه إليها فجعل قوم من مواليه يلتقطون له الحجارة فقال ما هذا قالوا ظننا أنك تريد أن ترجم قبره فقال ألقوا ما في أيديكم فألقوه وانطلق حتى وقف على قبره ثم قال والله لقد كنت نافعا لصديقك ضائرا لعدوك وما مثلك إلا كما قال مهلهل في أخيه كليب ( إن تحت الأحجار حزماً وعزماً ... وخَصيماً ألدّ ذا معلاق ) ( حيةٌ في الوِجار أربدُ لا ينْقع ... منه السليمَ نفثُ الراقي ) وأخبرني بهذا الخبر محمد بن خلف بن المرزبان عن أحمد بن القاسم عن العمري عن الهيثم بن عدي عن مجالد عن الشعبي أن مصقلة قال له والله إني لأعرف شبهي في عروة ابنك فأشهد عليه بذلك وجلده الحد وذكر باقي الخبر مثل الذي قبله عمر لا ينخدع أخبرني محمد بن عبد الله الرازي قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني عن مسلمة بن محارب قال قال رجل من قريش لعمر بن الخطاب رضوان الله عليه ألا تتزوج أم كلثوم بنت أبي بكر فتحفظه بعد وفاته وتخلفه في أهله فقال عمر بلى إني لأحب ذاك فاذهب إلى عائشة فاذكر لها ذلك وعد إلي بجوابها فمضى الرسول إلى عائشة فأخبرها بما قال عمر فأجابته إلى ذلك وقالت له حبا وكرامة ودخل إليها بعقب ذلك المغيرة بن شعبة فرآها مهمومة فقال لها مالك يا أم المؤمنين فأخبرته برسالة عمر وقالت إن هذه جارية حدثة وأردت لها ألين عيشا من عمر فقال لها علي أن أكفيك وخرج من عندها فدخل على عمر فقال بالرفاء والبنين قد بلغني ما أتيته من صلة أبي بكر في أهله وخطبتك أم كلثوم فقال قد كان ذاك قال إلا أنك يا أمير المؤمنين رجل شديد الخلق على أهلك وهذه صبية حديثة السن فلا تزال تنكر عليها الشيء فتضربها فتصيح يا أبتاه فيغمك ذلك وتتألم له عائشة ويذكرون أبا بكر فيبكون عليه فتجدد لهم المصيبة به مع قرب عهدها في كل يوم فقال له متى كنت عند عائشة واصدقني فقال آنفا فقال عمر أشهد أنهم كرهوني فتضمنت لهم أن تصرفني عما طلبت وقد أعفيتهم فعاد إلى عائشة فأخبرها بالخبر وأمسك عمر عن معاودتها المغيرة يزني وأبو بكرة يشهد عليه حدثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري وأحمد بن عبيد الله بن عمار قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد النوفلي عن محمد بن سليمان الباقلاني عن قتادة عن غنيم بن قيس قال كان المغيرة بن شعبة يختلف إلى امرأة من ثقيف يقال لها الرقطاء فلقيه أبو بكرة فقال له أين تريد قال أزور آل فلان فأخذ بتلابيبه وقال إن الأمير يزار ولا يزور وحدثنا بخبره لما شهد عليه الشهود عند عمر رضي الله عنه أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز قالا حدثنا عمر بن شبة فرواه عن جماعة من رجاله بحكايات متفرقة قال عمر بن شبة حدثني أبو بكر العليمي قال أخبرنا هشام عن عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن عن أبيه عن أبي بكرة قال عمر بن شبة وحدثنا عمرو بن عاصم قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال أبو زيد عمر بن شبة وحدثنا علي بن محمد بن حباب بن موسى عن مجالد عن الشعبي قال وحدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثنا عوف عن قسامة بن زهير قال أبو زيد عمر بن شبة قال الواقدي حدثنا عبد الرحمن بن محمد ابن أبي بكرة عن أبيه عن مالك بن أوس بن الحدثان قال وحدثني محمد بن الجهم عن علي بن أبي هاشم عن إسماعيل بن أبي عبلة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن المغيرة بن شعبة كان يخرج من دار الإمارة وسط النهار وكان أبو بكرة يلقاه فيقول له أين يذهب الأمير فيقول آتي حاجة فيقول له حاجة ماذا إن الأمير يزار ولا يزور قال وكانت المرأة التي يأتيها جارة لأبي بكرة قال فبينا أبو بكرة في غرفة له مع أصحابه وأخويه نافع وزياد ورجل آخر يقال له شبل بن معبد وكانت غرفة جارته تلك بحذاء غرفة أبي بكرة فضربت الريح باب المرأة ففتحته فنظر القوم فإذا هم بالمغيرة ينكحها فقال أبو بكرة هذه بلية ابتليتم بها فانظروا فنظروا حتى أثبتوا فنزل أبو بكرة فجلس حتى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة فقال له إنه قد كان من أمرك ما قد علمت فاعتزلنا قال وذهب ليصلي بالناس الظهر فمنعه أبو بكرة وقال له لا والله لا تصلي بنا وقد فعلت ما فعلت فقال الناس دعوه فليصل فإنه الأمير واكتبوا بذلكم إلى عمر فكتبوا إليه فورد كتابه بأن يقدموا عليه جميعا المغيرة والشهود وقال المدائني في حديثه عن حباب بن موسى وبعث عمر بأبي موسى الأشعري على البصرة وعزم عليه ألا يضع كتابه من يده حتى يرحل المغيرة بن شعبة قال قال علي بن أبي هاشم في حديثه إن أبا موسى قال لعمر لما أمره أن يرحله من وقته أو خير من ذلك يا أمير المؤمنين نتركه يتجهز ثلاثا ثم يخرج قال فصلينا صلاة الغداة بظهر المربد ودخلنا المسجد فإذا هم يصلون الرجال والنساء مختلطين فدخل رجل على المغيرة فقال له إني رأيت أبا موسى في جانب المسجد عليه برنس فقال له المغيرة ما جاء زائرا ولا تاجرا فدخلنا عليه ومعه صحيفة ملء يده فلما رآنا قال الأمير فأعطاه أبو موسى الكتاب فلما قرأه ذهب يتحرك عن سريره فقال أبو موسى مكانك تجهز ثلاثا وقال الآخرون إن أبا موسى أمره أن يرحل من وقته فقال له المغيرة لقد علمت ما وجهت فيه فألا تقدمت فصليت فقال له أبو موسى ما أنا وأنت في هذا الأمر إلا سواء فقال له المغيرة فإني أحب أن أقيم ثلاثا لأتجهز فقال قد عزم علي أمير المؤمنين ألا أضع عهدي من يدي إذا قرأته عليك حتى أرحلك إليه قال إن شئت شفعتني وأبررت قسم أمير المؤمنين قال وكيف قال تؤجلني إلى الظهر وتمسك الكتاب في يدك قالوا فقد رئي أبو موسى يمشي مقبلا ومدبرا وإن الكتاب لفي يده معلقا بخيط فتجهز المغيرة وبعث إلى أبي موسى بعقيلة جارية عربية من سبي اليمامة من بني حنيفة ويقال إنها مولدة الطائف ومعها خادم لها وسار المغيرة حين صلى الظهر حتى قدم على عمر وقال في حديث محمد بن عبد الله الأنصاري فلما قدم على عمر قال له إنه قد شهد عليك بامر إن كان حقا لأن تكون مت قبل ذلك كان خيرا لك قال أبو زيد وحدثني الحكم بن موسى قال حدثنا يحيى بن حمزة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري عن مصعب بن سعد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلس ودعا المغيرة والشهود فتقدم أبو بكرة فقال له أرأيته بين فخذيها قال نعم والله لكأني أنظر إلى تشريم جدري بفخذيها فقال له المغيرة لقد ألطفت النظر فقال له لم آل أن أثبت ما يخزيك الله به فقال له عمر لا والله حتى تشهد لقد رأيته يلج فيه كما يلج المرود في المكحلة فقال نعم أشهد على ذلك فقال له اذهب عنك مغيرة ذهب ربعك ثم دعا نافعا فقال له علام تشهد قال على مثل شهادة أبي بكرة قال لا حتى تشهد أنه كان يلج فيه ولوج المرود في المكحلة فقال نعم حتى بلغ قذذه فقال اذهب عنك مغيرة ذهب نصفك ثم دعا الثالث فقال علام تشهد فقال على مثل شهادة صاحبي فقال له علي بن أبي طالب عليه السلام اذهب عنك مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك قال حتى مكث يبكي إلى المهاجرين فبكوا وبكى إلى أمهات المؤمنين حتى بكين معه وحتى لا يجالس هؤلاء الثلاثة أحد من أهل المدينة قال ثم كتب إلى زياد فقدم على عمر فلما رآه جلس له في المسجد واجتمع إليه رؤوس المهاجرين والأنصار قال المغيرة ومعي كلمة قد رفعتها لأكلم القوم قال فلما رآه عمر مقبلا قال إني لأرى رجلا لن يخزي الله على لسانه رجلا من المهاجرين قال أبو زيد وحدثنا عفان قال حدثنا السري بن يحيى قال حدثنا عبد الكريم بن رشيد عن أبي عثمان النهدي قال لما شهد عند عمر الشاهد الأول على المغيرة تغير لذلك لون عمر ثم جاء آخر فشهد فانكسر لذلك انكسارا شديدا ثم جاء رجل شاب يخطر بين يديه فرفع عمر رأسه إليه وقال له ما عندك يا سلح العقاب وصاح أبو عثمان صيحة تحكي صيحة عمر قال عبد الكريم لقد كدت أن يغشى علي وقال آخرون قال المغيرة فقمت إلى زياد فقلت له لا مخبأ لعطر بعد عروس ثم قلت يا زياد اذكر الله واذكر موقف يوم القيامة فإن الله وكتابه ورسوله وأمير المؤمنين قد حقنوا دمي إلا أن تتجاوز إلى ما لم تر ما رأيت فلا يحملك شر منظر رأيته على أن تتجاوزه إلى ما لم تر فوالله لو كنت بين بطني وبطنها ما رأيت أين سلك ذكري منها قال فترنقت عيناه واحمر وجهه وقال يا أمير المؤمنين أما أن أحق ما حق القوم فليس ذلك عندي ولكني رأيت مجلسا قبيحا وسمعت نفسا حثيثا وانبهارا ورأيته متبطنها فقال له أرأيته يدخله كالميل في المكحلة فقال لا وقال غير هؤلاء إن زيادا قال له رأيته رافعا برجليها ورأيت خصيتيه تترددان بين فخذيها ورأيت حفزا شديدا وسمعت نفسا عاليا فقال له أرأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة فقال لا فقال عمر الله أكبر قم إليهم فاضربهم فقام إلى أبي بكرة فضربه ثمانين وضرب الباقين وأعجبه قول زياد ودرأ عن المغيرة الرجم فقال أبو بكرة بعد أن ضرب فإني أشهد أن المغيرة فعل كذا وكذا فهم عمر بضربه فقال له علي عليه السلام إن ضربته رجمت صاحبك ونهاه عن ذلك قال يعني أنه إن ضربه جعل شهادته بشهادتين فوجب بذلك الرجم على المغيرة قال واستتاب عمر أبا بكرة فقال إنما تستتيبني لتقبل شهادتي قال أجل قال لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا قال فلما ضربوا الحد قال المغيرة الله أكبر الحمد لله الذي أخزاكم فقال له عمر اسكت أخزى الله مكانا رأوك فيه قال وأقام أبو بكرة على قوله وكان يقول والله ما أنسى رقط فخذيها قال وتاب الاثنان فقبلت شهادتهما قال وكان أبو بكرة بعد ذلك إذا دعي إلى شهادة يقول اطلب غيري فإن زيادا قد أفسد علي شهادتي قال أبو زيد وحدثني سليمان بن داود بن علي قال حدثني إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال لما ضرب أبو بكرة أمرت أمه بشاة فذبحت وجعلت جلدها على ظهره قال فكان أبي يقول ما ذاك إلا من ضرب شديد حدثنا ابن عمار والجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد عن يحيى بن زكريا عن مجالد عن الشعبي قال كانت أم جميل بنت عمر التي رمي بها المغيرة بن شعبة بالكوفة تختلف إلى المغيرة في حوائجها فيقضيها لها قال ووافقت عمر بالموسم والمغيرة هناك فقال له عمر أتعرف هذه قال نعم هذه أم كلثوم بنت علي فقال له عمر أتتجاهل علي والله ما أظن أبا بكرة كذب عليك وما رأيتك إلا خفت أن أرمى بحجارة من السماء حدثني أحمد بن الجعد قال حدثنا محمد بن عباد قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر قال قال علي بن أبي طالب عليه السلام لئن لم ينته المغيرة لأتبعنه أحجاره وقال غيره لئن أخذت المغيرة لأتبعنه أحجاره أخبرني ابن عمار والجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا المدائني قال قال حسان بن ثابت يهجو المغيرة بن شعبة في هذه القصة ( لوَ إن اللؤم ينسَب كان عبداً ... قبيح الوجه أعور من ثقيفِ ) ( تركتَ الدين والإسلام لما ... بدت لك غُدوةً ذاتُ النَّصيف ) ( وراجعت الصِّبا وذكرت عهداً ... من القَينات والغمز اللطيف ) أخبرني الجوهري وابن عمار قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا المدائني عن عبد الله بن سلم الفهري قال لما شخص المغيرة إلى عمر رأى في طريقه جارية فأعجبته فخطبها إلى أبيها فقال له أنت على هذه الحال قال وما عليك إن أعف فهو الذي تريد وإن أقتل ترثني فزوجه قال أبو زيد قال الواقدي تزوجها بالرقم وهي امرأة من بني مرة فلما قدم بها على عمر قال إنك لفارغ القلب طويل الشبق وقال محمد بن سعد أخبرني محمد بن عبد الله الأسدي قال حدثنا مسعر عن زياد بن علاقة قال سمعت جرير بن عبد الله حين مات المغيرة بن شعبة يقول استغفروا لأميركم هذا فإنه كان يحب العافية قال وكان المغيرة أصهب الشعر جدا أكشف يفرق رأسه قرونا أربعة أقلص الشفتين مهتوما ضخم الهامة عبل الذراعين بعيد ما بين المنكبين قال وقال الواقدي حدثني محمد بن موسى الثقفي عن أبيه قال مات المغيرة بن شعبة بالكوفة سنة خمسين في خلافة معاوية وهو ابن سبعين سنة وكان رجلا طوالا أعور أصيبت عينه يوم اليرموك صوت ( جِنية ولها جِن يعلمها ... رمي القلوب بقوس ما لها وترُ ) ( إن كان ذا قدَراً يعطيكِ نافلة ... منا ويحرِمنا ما أنصف القدر ) الشعر لمحمد بن بشير الخارجي والغناء لإبراهيم - هزج - بالبنصر عن الهشامي أخبار محمد بن بشير الخارجي ونسبه هو محمد بن بشير بن عبد الله بن عقيل بن أسعد بن حبيب بن سنان بن عدي بن عوف بن بكر بن يشكر بن عدوان الخارجي من بني خارجة بن عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر ويقال لعدوان وفهم ابنا جديلة نسبا إلى أمهما جديلة بنت مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ويكنى محمد بن بشير أبا سليمان شاعر فصيح حجازي مطبوع من شعراء الدولة الأموية وكان منقطعا إلى أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة القرشي أحد بني أسد بن عبد العزى وهو جد ولد عبد الله بن الحسن بن الحسن لأمهم هند بنت أبي عبيدة بن زمعة القرشي ولدت لعبد الله محمدا وإبراهيم وموسى وكانت لمحمد بن بشير فيه مدائح ومراث مختارة وهي عيون شعره وكان يبدو في أكثر زمانه ويقيم في بوادي المدينة ولا يكاد يحضر مع الناس أخبرني بقطعة من أخباره الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني مصعب الزبيري قال أحمد وحدثنا الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش السعدي وعمي مصعب وحدثني بقطعة أخرى منها عيسى بن الحسن الوراق عن الزبير عن سليمان بن عياش وقد ذكرت كل ذلك في مواضعه عائشة بنت يحيى تأبى أن تتزوجه قال ابن أبي خيثمة في روايته عن مصعب وعن الزبير عن سليمان بن عياش كان الخارجي واسمه محمد بن بشير بن عبد الله بن عقيل بن سعد بن حبيب بن سنان بن عدي بن عوف بن بكر شاعرا فصيحا ويكنى أبا سليمان فقدم البصرة في طلب ميراث له بها فخطب عائشة بنت يحيى بن يعمر الخارجية من خارجة عدوان فأبت أن تتزوجه إلا أن يقيم معها بالبصرة ويترك الحجاز ويكون أمرها في الفرقة إليها فأبى أن يفعل وقال في ذلك ( أرِق الحزينُ وعاده سُهُدهْ ... لطوارق الهم التي تَرِدُهْ ) ( وذكرتُ من لانت له كبدي ... فأبى فليس تلين لي كبده ) ( ونأى فليس بنازل بلدي ... أبدا وليس بمُصلِحي بلده ) ( فصُدِعت حين أبى مودتَه ... صَدْعَ الزجاجة دائم أبده ) ( وعرفت أن الطير قد صدقت ... يوم الكِدانة شرَّ ما تَعِده ) ( فاصبر فإن لكل ذي أجل ... يوماً يجيء فينقضي عدده ) ( ماذا تعاتب من زمانك إذ ... ظعن الحبيب وحل بي كمَدُه ) قالا وخاطب أباها يحيى بن يعمر في ذلك فقال له إنها امرأة برزة عاقلة لا يفتات على مثلها بأمرها وما عندها عنك من رغبة ولكنها امرأة في خلقها شدة ولها غيرة وقد بلغني أن لك زوجتين وما أراها تصبر على أن تكون ثالثة لهما فانظر في أمرك وشاور فيه فإما أن أقمت بالبصرة معها فعفت لك عن صاحبتيك إذ لا مجاورة بينهما وبينها ولا عشرة وإن شئت فارقتهما وأخرجها معك فصار إلى رحله مغموما وشاور ابن عم له يقال له وراد بن عمرو في ذلك فقال له إن في يحيى بن يعمر لرغبة لثروته وكثرة ماله وما ذكرته من جمال ابنته وما نحب أن تفارق زوجتيك وكانت إحداهما ابنة عمه والأخرى من أشجع فتقيم معها السنة بالبصرة ونمضي نحن فإن رغبت فيها تمسكت بها وأقمت بمكانك وإن رغبت في العود إلى بلدك كتبت إلينا فجئناك حتى تنصرف معنا إلى بلدك ففكر ليلة أجمع في ذلك ثم غدا عازما على الرجوع إلى الحجاز وقال ( لئن أقمتُ بحيث الفيضُ في رجب ... حتى أُهِلَّ به من قابلٍ رَجَبَا ) ( وراح في السَّفْر ورّاد فهيجني ... ان الغريب إذا هيجته طربا ) ( إن الغريب يَهيج الحزنُ صَبْوته ... إذا المصاحب حياه وقد ركبا ) ( قد قلت أمس لوراد وصاحبه ... عُوجا على الخارجيّ اليوم واحتسِبا ) ( وأبلغا أم سعد أنّ عانيها ... أعيا على شفعاء الناس فاجتنبا ) ( لما رأيت نجِيَّ القوم قلت لهم ... هل يعدُوَنَّ نجيُّ القوم ما كُتبا ) ( وقلت إني متى أجلب شفاعتكم ... أندم وإنّ أشقّ الغيّ ما اجتُلِبا ) ( وإنّ مثلي متى يسمع مقالتكم ... ويعرف العين يندم قبل أن يجبا ) ( إني وما كبّر الحُجّاج تحملهم ... بُزْل المطايا بجنبي نخلةٍ عُصَبا ) ( وما أهلّ به الداعي وما وقفت ... عُلْيا ربيعة ترمي بالحصى الحصِبا ) ( جهداً لَمَنْ ظن أني سوف أُظعنها ... عن ربع غانية أخرى لقد كذبا ) ( أأبتغي الحسن في أخرى وأتركها ... فذاك حين تركت الدين والحسبا ) ( وما انقضى الهم من سُعدى وما عَلِقت ... مني الحبائل حتى رمتُها حِقَبا ) ( وما خلوت بها يوماً فتعجبني ... إلا غدا أكثرَ اليومين لي عجبا ) ( بل أيها السائِلي ما ليس يدركه ... مهلاً فإنك قد كلفتَني تعبا ) ( كم من شفيع أتاني وهو يحسُب لي ... حَسْبا فأُقصِرهُ من دون ما حَسَبا ) ( فإن يكن لهواها أو قرابتها ... حب قديم فما غاب ولا ذهبا ) ( هما عليّ فإن أرضيتها رضيا ... عني وإن غضبتْ في باطل غضبا ) ( كائنْ ذهبتُ فَردّاني بكيدهما ... عما طلبت وجاءاها بما طلبا ) ( وقد ذهبت فلم أصبح بمنزلة ... إلا أنازع من أسبابها سببا ) ( وَيْلُمِّها خُلّةً لو كنتِ مُسجِحةً ... أو كنتَ ترجع من عَصْرَيْك ما ذهبا ) ( أنت الظعينة لا تُرْمَى برمتها ... ولا يفجِّعها ابن العم ما اصطحبا ) أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش السعدي قال قدم أعراب من بني سليم أقحمتهم السنة إلى الروحاء فخطب إلى بعضهم رجل من الموالي من أهل الروحاء فزوجه فركب محمد بن بشير الخارجي إلى المدينة وواليها يومئذ إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة فاستعداه الخارجي على المولى فأرسل إبراهيم إليه وإلى النفر السلميين وفرق بين المولى وزوجته وضربه مائتي سوط وحلق رأسه ولحيته وحاجبيه فقال محمد بن بشير في ذلك ( شهدتُ غداةَ خصم بني سُليم ... وجوهاً من قضائك غير سود ) ( قضيتَ بسنة وحكمت عدلاً ... ولم تَرِث الحكومة من بعيد ) ( إذا غُمِز القنا وُجِدتْ لعمري ... قناتك حين تغمَز خيرَ عُود ) ( إذا عض الثِّقاف بها اشمأزت ... أبيَّ النفس بائنة الصعود ) ( حمى حَدَباً لحوم بنات قوم ... وهم تحت التراب أبو الوليد ) ( وفي المِئَتَيْنِ للمولى نَكال ... وفي سلب الحواجب والخدود ) ( إذا كافأتَهم ببنات كِسرى ... فهل يجد الموالي من مَزيد ) ( فأي الحق أنصف للموالي ... مِن اصْهار العبيد إلى العبيد ) حدثني عمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش قال كان للخارجي عبد وكان يتلطف له ويخدمه حتى أعتقه وأعطاه مالا فعمل به وربح فيه ثم احتاج الخارجي بعد ذلك إلى معونة أو قرض في نائبة لحقته فبعث إلى مولاه في ذلك وقد كان المولى أثرى واتسعت حاله فحلف له أنه لا يملك شيئا فقال الخارجي في ذلك ( يسعى لك المولى ذليلاً مُدقِعا ... ويخذلك المولى إذا اشتدّ كاهلُهْ ) ( فأمسِك عليك العبد أوّل وَهْلةٍ ... ولا تنفلِت من راحتيك حبائله ) وقال أيضا ( إذا افتقر المولى سعى لك جاهداً ... لترضى وإن نال الغنى عنك أدبرا ) تأخرت زوجتاه فتزوج ثالثة حدثني عيسى بن الحسين قال حدثنا الزبير قال حدثني سليمان بن عياش السعدي قال كان محمد بن بشير الخارجي بين زوجتين له وكان يسكن الروحاء فأجدب عليه منزله فوجه غنما إلى سحابة وقعت برجفان وهو جبل يطل على مضيق يليل فشقت غيبتها عليه فقال لزوجتيه لو تحولتما إلى غنمنا فقالتا له بل تذهب فتطلع إليها وتصرفها إلى موضع قريب حتى نوافيك فيه فمضى وزودتاه وطبين وقالتا له اجمع لنا اللبن ووعدتاه موضعا من رجفان يقال له ذو القشع فانطلق فصرف غنمه إلى ذلك الموضع ثم انتظرهما فأبطأتا عليه وخالفته سحابة إليهما فأقامتا وقالتا يبلغ إلى غنمه ثم يأتينا فجعل يصعد في الجبل وينزل يتبصرهما فلا يراهما فبينما هو كذلك إذ أبصر امرأتين قد نزلتا فقال أنزل فأتحدث إليهما فإذا هو بامرأة مسنة ومعها بنت لها شابة فأعجبته فقال لها أتزوجينني ابنتك هذه قالت إن كنت كفوءا فانتسب لها فقالت أعرف النسب ولا أعرف الوجه ولكن يأتي أبوها فجاء أبوها فعرفه فأخبرته امرأته بما طلب فقال نعم وزوجه إياها فساق إليها قطعة من غنمه ثم بنى بها وانتظر فلم ير زوجتيه تقدمان عليه فارتحل إليهما بزوجته وبقية غنمه فلما طلع عليهما وقف فأخذ بيدها ثم أنشأ يقول ( كأني مُوف للهلال عشية ... بأسفل ذات القِشع منتظِرَ القَطْرِ ) ( وأنتن تلبسن الجديدة بعدما ... طُردت بطَيِّ الوَطْب في البُلْق والعُفْرِ ) ( فكان الذي قلتن أَعْدِدْ بضاعة ... لناهد بيضاء الترائب والنحر ) ( كأنّ سُموط الدر منها معلق ... بجَيْداءَ في ضالٍ بوَجْرة أو سدر ) ( تكون بلاغاً ثم لست بمخبر ... إذا وُدِيت لي ما وددتن من أمري ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني مصعب قال حدثني أحمد بن زهير وحدثني الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش قالا كان محمد بن بشير يتحدث إلى امرأة من مزينة وكان قومها قد جاوروهم ثم جاء الربيع وأخصبت بلاد مزينة فارتحلوا فقال محمد بن بشير ( لو بَيَّنتْ لك يوم فراقِها ... أن التفرّق من عشيةَ أو غدِ ) ( لشكوت إذ علِق الفؤاد بهائم ... علقٍ حبائلَ هائم لم يُعهد ) ( وتبرجت لك فاستَبَتْك بواضح ... صَلت وأسود في النصيف معقّد ) ( بيضاء خالصة البياض كأنها ... قمر توسط ليل صيف مُبْرِد ) ( موسومة بالحسن ذات حواسد ... إن الجمال مظِنة للحسَّد ) ( لم يُطْغِها سَرَف الشباب ولم تضِع ... عنها معاهدة النصيح المرشد ) ( خَود إذا كثر الكلام تعوّذت ... بِحمَى الحياء وإن تكلمْ تُقصِدِ ) ( وكأَن طعم سُلافة مشمولةٍ ... تنصبّ في إثر السواك الأغيدِ ) ( وترى مدامعها تُرَقْرِق مقلة ... حوراء ترغب عن سواد الإِثمد ) ( ماذا إذا برزت غداة رحيلهامِ ... الحسن تحت رِقاق تلك الأبرد ) ( وُلِدت بأسعدِ أنجمٍ فمحلها ... ومسيرها أبداً بطلق الأسعدُ ) ( الله يُسعدها ويُسْقِي دارها ... خَضِلَ الرَّباب سَرَى ولما يُرْعِدِ ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني الزبير قال حدثني سليمان بن عياش قال صحب محمد بن بشير رفقة من قضاعة إلى مكة وكانت فيهم امرأة جميلة فكان يسايرها ويحادثها ثم خطبها إلى نفسها فقالت لا سبيل إلى ذلك لأنك لست لي بعشير ولا جاري في بلدي ولا أنا ممن تطمعه رغبة عن بلده ووطنه فلم يزل يحادثها ويسايرها حتى انقضى الحج ففرق بينهما نزوعهما إلى أوطانهما فقال الخارجي في ذلك ( أستغفر الله ربي من مخدَّرة ... يوماً بدا لي منها الكشحُ والكتِدُ ) ( من رُفقة صاحبونا في ندائِهمُ ... كلٌّ حرام فما ذُمُّوا ولا حُمِدوا ) ( حتى إذا البُدْن كانت في مناحرها ... يعلو المناسمَ منها مُزبِد جَسِد ) ( وحلّق القوم واعتمّوا عمائمهم ... واحتلِ كل حرامٍ رأسُه لَبِد ) ( أقبلتُ أسألها ما بالُ رُفقتها ... وما أبالي أغاب القوم أم شهِدوا ) ( فقربت لِيَ واحلولت مقالتها ... وعوّقتني وقالت بعضَ ما تجد ) ( أنّى ينال حِجازيّ بحاجته ... إحدى بني القين أدنى دارِها بَرِد ) أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا الزبير قال حدثنا سليمان بن عياش قال خطب محمد بن بشير امرأة من قومه فقالت له طلق امرأتك حتى أتزوجك فأبى وانصرف عنها وقال في ذلك ( أأطلب الحسن في أخرى وأتركها ... فذاك حين تركت الدين والحسبا ) ( هي الظعينة لا يُرْمى برُمتها ... ولا يفجّعها ابن العم ما اصطحبا ) ( فما خلوت بها يوماً فتعجِبني ... إلا غدا أكثر اليومينِ لي عجبا ) حدثني عيسى قال حدثنا الزبير قال بلغني عن صالح بن قدامة بن إبراهيم أن محمد بن حاطب الجمحي يروي شيئا من أخبار الخارجي وأشعاره فأرسلت إليه مولى من موالينا يقال له محمد بن يحيى كان من الكتاب وسألته أن يكتب لي ما عنده فكان فيما كتب لنا قال زعم الخارجي واسمه محمد بن بشير وكنيته أبو سليمان وهو رجل من عدوان وكان يسكن الروحاء قال بينا نحن بالروحاء في عام جدب قليل الأمطار ومعنا سليمان بن الحصين وابن أخته وإذا بقطار ضخم كثير الثقل يهوي قادم من المدينة حتى نزلوا بجانب الروحاء الغربي بيننا وبينهم الوادي وإذا هم من الأنصار وفيهم سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فلبثنا أياما ثم إذا بسليمان بن الحصين يقول لي أرسل إلي النساء يقلن أمالكم في الحديث حاجة فقلت لهن فكيف برجالكن قلن بلغنا أن لكم صاحبا يعرف بالخارجي صاحب صيد فإن أتاهم فحدثهم عن الصيد انطلقوا معه وخلوتم فتحدثتم قال فقلت لسليمان بئس لعمر الله ما أردت مني أأذهب إلى القوم فأغرهم وآثم وأتعب وتنالون أنتم حاجتكم دوني ما هذا لي برأي قال لي سليمان فأنظرني إذن أرسل إلى النساء وأخبرهن بقولك فأرسل إليهن فأخبرهن بما قلت فقلن قل له احتل لنا عليهم هذه المرة بما قلنا لك وعلينا أن نحتال لك المرة الأخرى قال الخارجي فخرجت حتى أتيت القوم فحدثتهم وذكرت لهم الصيد فطارت إليه أنفسهم فخرجت بهم وأخذت لهم كلابا وشباكا وتزودنا لثلاث وانطلقت أحدثهم وألهيهم فحدثتهم بالصدق حتى نفد ثم حدثتهم بما يشبه الصدق حتى نفد ثم صرحت لهم بمحض الكذب حتى مضت ثلاث وجعلت لا أحدثهم حديثا إلا قالوا صدقت وغبت بهم ثلاثا ما أعلم أنا عاينا صيدا فقلت في ذلك ( إني لأعجَبُ مني كيف افْكِههم ... أم كيف أخدع قوماً ما بهم حُمُق ! ) ( أظل في البيد أُلهيهم وأخبرهم ... أخبار قوم وما كانوا وما خُلقوا ) ( ولو صدقت لقلت القومُ قد قدموا ... حين انطلقنا وآتي ساعة انطلقوا ) ( أم كيف تُحْرَم أيد لم تخن أحدا ... شيئاً وتظفر أيديهم وقد سرقوا ) ( ونرتمي اليوم حتى لا يكون له ... شمس ويرمون حتى يبرُق الأفق ) ( يرمون أحور مخضوباً بغير دم ... دفعاً وأنت وشاحا صيدك العَلَق ) ( تسعى بكلبين تبغيه وصيدهم ... صيد يرجَّى قليلا ثم يُعْتنق ) ( ما زلت أحدوهم حتى جعلتهم ... في أصل مَحْنية ما إن بها طَرَق ) ( ولو تركتهم فيها لمزقهم ... شيخا مزينة إن قالا انعِقوا نعقوا ) ( إن كنتم أبدا جاريْ صديقِكم ... والدهر مختلف ألوانه طرق ) ( فمتعوني فإني لا أرى أحداً ... إلا له أجل في الموتِ مستَبَق ) رثاؤه سليمان بن الحصين قال سليمان بن عياش ومات سليمان بن الحصين هذا وكان خليلا للخارجي مصافيا له وصديقا مخلصا فجزع عليه وحزن حزنا شديدا فقال يرثيه ( يا أيها المتمني أن يكون فتىً ... مثل ابن ليلى لقد خلّى لك السبلا ) ( إن ترحل العيسَ كي تسعى مساعيَه ... يَشفَقْ عليك وتعملْ دون ما عملا ) ( لو سرت في الناس أقصاهم وأقربهم ... في شُقة الأرض حتى تُحسِر الإِبلا ) ( تبغي فتى فوق ظهر الأرض ما وجدوا ... مثل الذي غيبوا في بطنها رجلا ) ( اعْدُد ثلاث خصال قد عُرفن له ... هل سُب من أحد أو سَبَّ أو بخلا ) قال سليمان بن عياش لما مات عبد العزيز بن مروان ونعي إلى أخيه عبد الملك تمثل بأبيات الخارجي هذه وجعل يرددها ويبكي أخبرني عيسى قال حدثنا الزبير قال حدثني عمي عن أبيه قال قال الرشيد يوما لجلسائه أنشدوني شعرا حسنا في امرأة خفرة كريمة فأنشدوا فأكثروا وأنا ساكت فقال لي إيه يا بن مصعب أما إنك لو شئت لكفيتنا سائر اليوم فقلت نعم يا أمير المؤمنين لقد أحسن محمد بن بشير الخارجي حيث يقول ( بيضاء خالصة البياض كأنها ... قمر توسط جنح ليل مُبرِد ) ( موسومة بالحسن ذات حواسد ... ان الحسان مظنة للحسد ) ( وترى مدامعها تُرقرق مقلة ... حوراء ترغب عن سواد الإِثمد ) ( خَوْد إذا كثر الكلام تعوذت ... بحمى الحياء وإن تكلم تُقْصد ) ( لم يطغها شرف الشباب ولم تضع ... منها مُعاهدة النصيح المرشد ) ( وتبرجت لك فاستبتك بواضح ... صَلْت وأسود في النصيف معقد ) ( وكأن طعم سلافة مشمولة ... بالريق في أثر السواك الأغيد ) فقال الرشيد هذا والله الشعر لا ما أنشدتمونيه سائر اليوم ثم أمر مؤدب ابنيه محمد الأمين وعبد الله المأمون فرواهما الأبيات الخارجي رجل النساء أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياش قال كان محمد بن بشير الخارجي يتحدث إلى عبدة بنت حسان المزنية ويقيل عندها أحيانا وربما بات عندها ضيفا لإعجابه بحديثها فنهاها قومها عنه وقالوا ما مبيت رجل بامرأة أيم فجاءها ذات يوم فلم تدخله خباءها وقالت له قد نهاني قومي عنك وكان قد أمسى فمنعته المبيت وقالت لا تبت عندنا فيظن بي وبك شر فانصرف وقال فيها ( ظللتُ لدى أطنابها وكأنني ... أسيرٌ مُعَنًّى في مخلخله كَبْلُ ) ( أخيَّر إما جَلسةٌ عند دارها ... وإما مَرَاح لا قريب ولا سهل ) ( فإنك لو أكرمتِ ضيفك لم يعب ... عليكِ الذي تأتين حَمْوٌ ولا بعل ) ( وقد كان يَنميها إلى ذروة العلا ... أب لا تخطاه المطية والرحْل ) ( فهل أنتِ إلا جِنَّة عبقرية ... يخالط من خالطتِ من حبكم خَبْل ) ( وهل أنت إلا نبعة كان أصلها ... نضاراً فلم يفضحك فرع ولا أصل ) ( صددت امرأ عن ظل بيتك ماله ... بواديك لولاكم صديق ولا أهل ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الزبير قال حدثني سليمان بن عياش قال خرج محمد وسليمان ابنا عبيد الله بن الحصين الأسلميان حتى أتيا امرأة من الأنصار من بني ساعدة فبرزت لهما وتحدثا عندها وقالا لها هل لك في صاحب لنا ظريف شاعر فقالت من هو قالا محمد بن بشير الخارجي قالت لا حاجة بي إلى لقائه ولا تجيئاني به معكما فإنكما إن أتيتما به لم آذن لكما فجاءا به معهما وأخبراه بما قالت لهما وأجلساه في بعض الطريق وتقدما إليها فخرجت إليهما وجاءهما الخارجي بعد خروجها إليهما فرحبا به وسلما عليه فقالت لهما من هذا قالا هذا الخارجي الذي كنا نخبرك عنه فقالت والله ما أرى فيه من خير وما أشبهه إلا بعبدنا أبي الجون فاستحيا الخارجي وجلس هنيهة ثم قام من عندها وعلقها قلبه فقال فيها ( ألا قد رابني ويريب غيري ... عشية حكمها حيفٌ مريبُ ) ( وأصبحت المودة عند ليلى ... منازل ليس لي فيها نصيب ) ( ذهبتُ وقد بدا ليَ ذاك منها ... لأهجوها فيغلبني النسيب ) ( وأنسى غيظ نفسي إن قلبي ... لمن واددت فَيئته قريب ) ( فلا قلب مُصِرٌّ كل ذنب ... ولا راض بغير رضا غضوب ) ( فدعها لست صاحبها وراجع ... حديثك إن شأنكما عجيب ) قال وبلغ الأشجعية زوجة محمد بن بشير ما قالته الأنصارية فعيرته بذلك وكانت إذا أرادت غيظه كنته أبا الجون فقال في ذلك ( وأيدي الهدايا ما رأيتُ مُعاتباً ... من الناس إلا الساعديةُ أجملُ ) ( وقد أخطأتْني يوم بطحاء منعم ... لها كِفَف يُصطاد فيها وأحبلُ ) ( وقد قال أهلي خير كسب كسبته ... أبو الجَون فاكسب مثلها حين ترحل ) ( فإن بات إيضاعي بأمر مسرة ... لكن فما تسخطن في العيش أطول ) أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد قال حدثنا الزبير قال حدثني سليمان بن عياش قال اجتمع محمد بن بشير الخارجي وسائب بن ذكوان راوية كثير بمكة فوافقا نسوة من بني غفار يتحدثن فجلسا إليهن وتحدثا معهن حتى تفرقن وبقيت واحدة منهن تحدث الخارجي وتستنشده شعره حتى أصبحوا فقال لهم رجل مر بهم أما تبرحون عن هذا الشعر وأنتم حرم ولا تدعون إنشاده وقول الزور في المسجد فقالت المرأة كذبت لعمر الله ما قول الشعر بزور ولا السلام والحديث حرام على محرم ولا محل فانصرف الرجل وقال فيها الخارجي ( أما لك أن تزور وأنت خِلْو ... صحيح القلب أخت بني غفار ) ( فما برحت تُعِيرك مقلتيها ... فتعطيك المنية في استتار ) ( وتسهو في حديث القوم حتى ... يُبينَ بعض ذلك ما تواري ) ( فمت يا قلب ما بك من دفاع ... فينجيَك الدفاع ولا فرار ) ( فلم أر طالباً بدم كمثلي ... أودَّ وحسن مطلوب بثار ) ( إذا ذكروا بثأري قلت سقيا ... لثأري ذي الخواتم والسوار ) ( وما عرفت دمي فتبوءَ منه ... برهن في حبالي أو ضِمار ) ( وقد زعم العواذل أن يومي ... ويومك بالمحصَّب ذي الجمار ) ( من الإِغباء ثم زعمت أن لا ... وقلت لدى التنازع والتَّمارِ ) ( كذبتم ما السلام بقول زُور ... وما اليوم الحرام بيوم ثار ) ( ولا تسليمنا حُرُماً بإثم ... ولا الحب الكريم لنا بعار ) ( فإن لم نلقكم فسقى الغوادي ... بلادك والرويّاتُ السواري ) قال سليمان وفي هذه المرأة يقول الخارجي وقد رحلوا عن مكة فودعها وتفرقوا ( يا أحسن الناس لولا أن نائلها ... قِدْماً لمن يبتغي ميسورها عَسِرُ ) ( وإنما دَلُّها سحر تصيد به ... وإنما قلبها للمشتكي حجر ) ( هل تذكرين كما لم أنس عهدكم ... وقد يدوم لعهد الخُلَّة الذَّكر ) ( قَوْلي وركبك قد مالت عمائمهم ... وقد سقاهم بكأس الشقوةِ السفرُ ) ( يا ليت أني بأثوابي وراحلتي ... عبد لأهلك هذا العام مؤتجر ) ( فقد أطلتِ اعتلالاً دون حاجتنا ... بالحج أمسِ فهذا الحِل والسفر ) ( ما بال رأيك إذ عهدي وعهدكم ... إلفان ليس لنا في الود مُزدجَر ) ( فكان حظك منها نظرةً طرفتْ ... إنسانَ عينك حتى ما بها نظر ) ( أكنتِ أبخل من كانت مواعده ... دَيناً إلى أجلٍ يرجَى وينتظر ) ( وقد نظرتُ وما ألفيت من أحد ... يعتاده الشوق إلا بدؤه النظر ) ( أبقت شجىً لك لا ينسى وقادحة ... في أسود القلب لم يشعر بها أخِر ) ( جِنية أوْ لها جن يعلمها ... رمي القلوب بقوس ما لها وتر ) ( تجلو بقادمتي ورقاء عن بَرَد ... حمر المفاغر في أطرافها أشر ) ( خَوْد مبتَّلة ريا معاصمها ... قدرَ الثياب فلا طول ولا قصر ) ( إذا مجاسدها اغتالت فواضلها ... منها روادف فَعْمات ومؤتزر ) ( إن هبت الريح حنت في وشائحها ... كما يجاذب عودَ القينة الوتر ) ( بيضاء تعشو بها الأبصار إن برزت ... في الحج ليلة إحدى عشرة القمر ) ( ألا رسول إذا بانت يبلغها ... عنا وإن لم تؤلِّف بيننا المِرر ) ( أني - بآية وجد قد ظفرتِ به ... مني ولم يك في وجدي بكم ظفر ) ( - قتيلُ يومَ تلاقَينا وأن دمي ... عنها وعمن أجارت من دمي هَدَر ) ( تقضين فِيَّ ولا أقضي عليك كما ... يقضي المليك على المملوك يقتسر ) ( إن كان ذا قَدَرا يعطيك نافلةِ ... منا ويحرمنا ما أنصف القدر ) أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا الزبير قال حدثني سليمان بن عياش قال كان الخارجي قدم البصرة فتزوج بها امرأة من عدوان كانت موسرة فأقام عندها بالبصرة مدة ثم توخم البصرة فطالبها بأن ترحل معه إلى الحجاز فقالت ما أنا بتاركة مالي وضيعتي ههنا تذهب وتضيع وأمضي معك إلى بلد الجدب والفقر والضيق فإما أن أقمت هاهنا أو طلقتني فطلقها وخرج إلى الحجاز ثم ندم وتذكرها فقال ( دامت لعينكَ عَبرة وسُجوم ... وثوت بقلبكَ زَفرة وهُمومُ ) ( طيف لزينب ما يزال مؤرقي ... بعد الهدوِّ فما يكاد يَرِيم ) ( إذا تعرض في المنام خيالها ... نكأ الفؤادَ خيالُها المحلوم ) ( أجعلتِ ذنبكِ ذنبه وظلمتِه ... عند التحاكم والمُدِل ظلومُ ) ( ولئن تجنيتِ الذنوب فإنه ... ذو الداء يَعْذِر والصحيح يلوم ) ( ولقد أراكِ غداة بنتِ وعهدُكم ... في الوصل لا حَرج ولا مذموم ) ( أضحت تُحَكمك التجارب والنهى ... عنه ويُكْلِفه بك التحكيم ) صوت ( بَرَأَ الأُلى عِلقوا الحبائل قبله ... فنَجوا وأصبح في الوَثاق يهيم ) ( ولقد أردت الصبر عنك فعاقني ... عَلَق بقلبي من هواك قديم ) ( ضعفت معاهد حبهن مع الصبا ... ومع الشباب فبِن وهو مقيم ) ( يبقى على حدث الزمان وريبه ... وعلى جفائك إنه لكريم ) ( وجنيتِ حين صَحَحْت وهو بدائه ... شتان ذاك مصحَّحٌ وسقيم ) ( وأَدَيْتِه زمناً فعاذ بحلمه ... إن المحب عن الحبيب حليم ) ( وزعمت أنك تبخلين وشفَّه ... شوق إليك وإن بخلت أليم ) غنى في هذه الأبيات الدارمي - خفيف رمل - بالوسطى عن الهشامي وفيه لعريب - خفيف ثقيل - مطلق وهو الذي يغنى الآن ويتعارفه الناس أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا الزبير قال حدثني سليمان بن عياش السعدي قال كان الخارجي منقطعا إلى أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة وكان يكفيه مؤونته ويفضل عليه ويعطيه في كل سنة ما يكفيه ويغنيه ويغني قومه وعياله من البر والتمر والكسوة في الشتاء والصيف ويقطعه القطعة بعد القطعة من إبله وغنمه وكان منقطعا إليه وإلى زيد بن الحسن وابنه الحسن بن زيد وكلهم به بر وإليه محسن فمات أبو عبيدة وكان ينزل الفرش من ملل وكان الخارجي ينزل الروحاء فقال يرثيه ( ألا أيها الناعي ابن زينب غدوة ... نعيت الندى دارت عليه الدوائر ) ( لعمري لقد أمسى قرى الضيف عاتماً ... بذي الفَرش لما غيبتك المقابر ) ( إذا سوفوا نادَوا صداك ودونه ... صفيح وخَوّار من الترب مائرُ ) ( ينادون من أمسى تَقَطَّعُ دونه ... من البعد أنفاس الصدور الزوافر ) ( فقومي اضربي عينيك يا هند لن تَرَي ... أباً مثله تسمو إليه المفاخرُ ) قال الزبير فحدثني سليمان بن عياش قال كانت هند بنت أبي عبيدة عند عبد الله بن حسن بن حسن فلما مات أبوها جزعت عليه جزعا شديدا ووجدت وجدا عظيما فكلم عبد الله بن الحسن محمد بن بشير الخارجي أن يدخل إليها فيعزيها ويسليها عن أبيها فدخل إليها معه فلما نظر إليها صاح بأعلى صوته ( قومي اضربي عينيك يا هند لن تَرَيْ ... أباً مثله تسمو إليه المفاخر ) ( وكنتِ إذا فاخرتِ أسميتِ والداً ... يزين كما زان اليدينِ الأساور ) ( فإن تُعْوِليه يشفِ يوماً عويلُه ... غليلَك أو يعذرك بالنوح عاذر ) ( وتحزنك ليلات طوال وقد مضت ... بذي الفرش ليلات تسر قصائر ) ( فلقاه رب يغفر الذنب رحمة ... إذا بُلِيت يوم الحساب السرائر ) ( إذا ما ابن زاد الركب لم يمسِ ليلة ... قفا صفِرٍ لم يقرب الفَرش زائر ) ( لقد علم الأقوام أن بناتِه ... صوادقُ إذ يندبنه وقواصر ) قال فقامت هند فصكت وجهها وعينيها وصاحت بويلها وحربها والخارجي يبكي معها حتى لقيا جهدا فقال له عبد الله بن الحسن ألهذا دعوتك ويحك فقال له أفظننت أني أعزيها عن أبي عبيدة والله ما يسليني عنه أحد ولا لي عنه ولا عن فقده صبر فكيف يسليها عنه من ليس يسلو بعده يمدح زيد بن الحسن ويبكي سليمان بن الحصين أخبرني عيسى قال حدثني الزبير قال حدثني سليمان بن عياش قال وعد رجل محمد بن بشير الخارجي بقلوص فمطله فقال فيه يذمه ويمدح زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ( لعلك والموعود حق وفاؤه ... بدا لك في تلك القَلوص بَدَاءُ ) ( فإن الذي ألقى إذا قال قائل ... من الناس هل أحسستها لعناء ) ( يقول الذي يبدي الشَّماتَ وقوله ... عليّ وإشمات العدوّ سواء ) ( دعوتُ - وقد أخلفتني الوعد - دعوة ... بزيد فلم يَضْلِل هناك دعاء ) ( بأبيض مثل البدر عظَّم حقه ... رجال مِنَ آل المصطفى ونساء ) فبلغت الأبيات زيد بن الحسن فبعث إليه بقلوص من خيار إبله فقال يمدحه ( إذا نزل ابن المصطفى بطن تَلْعة ... نفى جدبها واخضر بالنبت عودها ) ( وزيد ربيع الناس في كل شَتْوة ... إذا أخلفت أنواؤها ورعودها ) ( حمول لأشناق الديات كأنه ... سراج الدجى إذ قارنته سعودها ) أخبرني عيسى قال حدثني الزبير قال حدثني سليمان بن عياش قال نظر الخارجي إلى نعش سليمان بن الحصين وقد أخرج فهتف بهم فقال ( ألم تروا أن فتىً سيداً ... راح على نعش بني مالك ) ( لا أنفَسُ العيش لمن بعده ... وأنفَس الهُلك على الهالك ) وقال فيه أيضا ( ألا أيها الباكي أخاه وإنما ... تفرّق يوم الفدفدِ الأخوانِ ) ( أخي يوم أحجار الثُّمام بكيته ... ولو حُمَّ يومِي قبله لبكاني ) ( تداعت به أيامه فاخترمنه ... وأبقين لي شجواً بكل زمان ) ( فليت الذي ينعَى سليمان غُدوة ... بكى عند قبري مثلها ونهاني ) ( فلو قسمت في الجن والإنس لوعتي ... عليه بكى من حرّها الثقَلان ) ( ولو كانت الأيام تطلب فِديةً ... إليه وصرف الدهر ما أَلوَاني ) أخبرني عيسى قال حدثنا الزبير قال حدثنا سليمان بن عياش قال خرج محمد بن بشير يرمي الأروى ومعه جماعة فيهم رجل من الموالي من أهل السيالة فصعد المولى على صفاة بيضاء يرمي من فوقها فزلت قدمه عنها فصاح حتى سقط على الأرض وأحدث في ثيابه فقال الخارجي في ذلك ( حُرِّق يا صفاة في ذُراكِ ... بِالنارِ إن لم تمنعِي أَرواكِ ) ( تَعَلَّمِي أن بذي الأراكِ ... أيتها الأَروى - ذوي عِرَاكِ ) ( قَوماً أَعَدُّوا شَبَكَ الشِّباكِ ... يبغون ضَبْعاً قتلت أباكِ ) ( نِعْمَ مُلَوِّي الحِيدِ المَدَاكِ ... إذا صوت الجالب في أخراك ) ( ولم يقل منتصِحاً إياك ... بين مقاطِيها ركبْتِ فاكِ ) ( فَعُدتِ والطعن على كُلاكِ ... مثل الأضاحي بيد النساكِ ) ( يُرمِى بالأكتافِ على الأوراكِ ... كما أطحتِ العبد عن صفاكِ ) ( أما السَّياليّ فلن ينساكِ ... لو يرتميك الناس ما رماك ) أخبرني عيسى قال حدثنا الزبير قال حدثنا سليمان بن عياش قال كانت عند الخارجي بنت عم له فهجاه بعض قرابتها فأجابه الخارجي فغضبت زوجته وقالت هجوت قرابتي فقال الخارجي في ذلك ( أَمَّا ما أقول لهم فعابت ... عليّ وقد هُجيت فما تعيب ) ( فرمت وقد بدا لي ذاك منها ... لأهجوها فيمنعني النسيب ) ( فلا قلب يبصَّر كل ذنب ... ولا راض بغير رضا غَضُوبُ ) أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني مصعب قال وحدثني الزبير عن سليمان بن عياش قالا تزوج الخارجي جارية من بني ليث شابة وقد أسن وأسنت زوجته العدوانية فضربت دونه حجابا وتوارت عنه ودعت نسوة من عشيرتها فجلسن عندها يلهون ويتغنين ويضربن بالدفوف وعرف ذلك محمد فقال ( لئِن عانسٌ قد شاب ما بين قَرْنها ... الى كعبها وابيضَّ عنها شبابُها ) ( صَبَتْ في طِلاب اللهو يوماً وعَلَّقتْ ... حجاباً لقد كانت يَسِيراً حجابُها ) ( لقد مُتِّعت بالعيش حتى تشعَّبت ... من اللهو إذ لا ينكر اللهوَ بابُها ) ( فبِينِي برغمٍ ثم ظَلِّي فربما ... ثَوى الرغم منها حيث يثوِي نقابها ) ( لبيضاءَ لم تُنسَبْ لجدٍّ يَعيبها ... هِجانٍ ولم تَنبَحْ لئيماً كلابها ) ( تأوّدُ في المَمْشى كأنّ قناعَها ... على ظبية أدْماءَ طابَ شبابها ) ( مُهفهفة الأعطافِ خَفّاقةِ الحَشَى ... جميل محياها قليلٍ عِتابها ) ( إذا ما دعتْ بابني نِزار وقارَعَتْ ... ذَوِي المجد لم يُرْدد عليها انتسابها ) إبراهيم المخزومي يصله بعد استعطاف حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي عن الضحاك بن عثمان قال لما ولي إبراهيم بن هشام الحرمين دخل إليه محمد بن بشير الخارجي وكان له قبل ذلك صديقا فأعرض عنه ولم يظهر به بشاشة ولا أنسا ثم عاوده فاستأذنه في الإنشاد فأعرض عنه وأخرجه الحاجب من داره وكان إبراهيم بن هشام تياها شديد الذهاب بنفسه فوقف له يوم الجمعة على طريقه إلى المسجد فلما حاذاه صاح به ( يابن الهِشَامَيْنِ طُرًّا حُزت مجدَهما ... وما تَخَوَّنه نقضٌ وإمرارُ ) ( لا تُشمِتنّ بي الأعداءَ إنهمُ ... بيني وبينك سُمّاع ونُظّار ) ( وإن شكرِيَ إنْ رُدُّوا بغيظهمُ ... في ذمة الله إعلانٌ وإسرار ) ( فاكْرر بنائلك المحمود مِنْ سعة ... عليّ إنك بالمعروف كَرّار ) فقال لحاجبه قل له يرجع إلي إذا عدت فرجع فأدخله إليه وقضى دينه وكساه ووصله وعاد إلى ما عهده منه أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني مصعب عن أبيه قال عثر بعروة بن أذينة حماره عند ثنية العويقل فقال عروة ( ليتَ العُوَيقلَ مسدودٌ وأَصبحَ من ... فوق الثنيةِ فيه رَدمُ يأجوجِ ) ( فتستريحَ ذوو الحاجات من غِلَظ ... ويَسْلُكَ السهلَ يمشِي كلُّ مَنْتوجِ ) فقال محمد بن بشير الخارجي يرد عليه ( سبحانَ ربك تب مما أتيتَ به ... ما يسدُدِ اللهُ يُصبحْ وهو مَرْتوجُ ) ( وهل يُسَدّ وللحُجّاج فيه إذا ... ما أصعدوا فيه تكبير وتلْجِيج ) ( ما زال منذُ أذلّ اللهُ مَوطِئَه ... ومنذ آذَنَ أنّ البيت مَحْجوج ) ( يهدِي له الوفدَ وفدَ الله مَطْربة ... كأنه شُطَب بالقِدّ منسوج ) ( خل الطريق إليها إن زائرها ... والساكنينَ بها الشتم الأَباليج ) ( لا يسدُد الله نَقباً كان يسلكه البيض ... البهالِيل والعُوج العَناجِيج ) ( لو سدَّه الله يوماً ثم عَجّ له ... من يسلك النقبَ أمسى وهو مفروج ) أخبرني الحسن قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب قال كان للخارجي أخ يقال له بشار بن بشير وكان يجالس أعداءه ويعاشر من يعلم أنه مباين له وفيه يقول ( وإني قد نَصَحْت فلم تُصدِّق ... بنصحي واعتَددتُ فما تبَالي ) ( وإني قد بدا لي أنَّ نُصحي ... لغيبك واعتدادي في ضلال ) ( فكمْ هذا أذودُك عن قِطاعي ... كتذويد المَحََّلأَة النَّهال ) ( فلا تبغ الذنوب عليَّ واقصِدْ ... لأمركَ من قِطاع أو وصال ) ( فسوف أرَى خلالَك مَنْ تُصافِي ... إذا فارقتني وترى خِلالي ) ( وإن جزاءَ عهدِك إذْ تَوَلَّى ... بأن أغضِي وأسكتَ لا أبالي ) أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا سليمان بن عياش قال كان الخارجي معجبا بزوجته سعدى وكانت من أسوأ الناس خلقا وأشده على عشير فكان يلقى منها عنتا فغاضبها يوما لقول آذته به واعتزلها وانتقل إلى زوجته الأخرى فأقام عندها ثلاثا ثم اشتاق إلى سعدى وتذكرها وبدا له في الرجوع إلى بيتها فتحول إليها وقال ( أرانِي إذا غالبتُ بالصبر حُبَّها ... أبى الصبرُ ما ألقى بسُعدى فأُغلَبُ ) ( وقد علِمَتْ عند التعاتب أننا ... إذا ظَلَمْتنا أو ظَلَمنا سنُعْتِب ) ( وإنّي وإن لم أجن ذنباً سأبتغِي ... رضاها وأعفو ذنبَها حين تذنب ) ( وإني وإن أنبتُ فيها يزيدني ... بها عَجَبا من كان فيها يؤنب ) أخبرني عيسى قال حدثنا الزبير قال حدثنا سليمان بن عياش قال كان بشار بن بشير أخو محمد بن بشير يعاديه ويجالس أعداءه فقال الخارجي فيه ( كفاني الذي ضَّيعتَ مني وإنما ... يُضيعُ الحقوقَ ظالماً من أضاعَها ) ( صنِيعةَ من وَلاَّك سوءَ صنيعها ... وولى سواكَ أجْرَها واصطناعَها ) ( أبى لك كسبَ الخير رأيٌ مُقَصِّرٌ ... ونفس أضاق الله بالخير باعها ) ( إذا هي حثَّته على الخير مرةً ... عصاها وإن همت بشر أطاعها ) ( فلولا رجالٌ كاشحون يَسُرُّهم ... أَذاكَ وقُرْبَى لا أحبُّ انقطاعَها ) ( إذاً بان إن زلَّتْ بك النعلُ زَلَّةً ... فِراقُ خِلال لا تُطِيق ارتجاعها ) ( وإني متى أُحْمَل على ذاك أطَّلِعْ ... عليك عيوباً لا أحبُّ اطلاعها ) ( فإِنْ تك أحلامٌ تردُّ إخاءنا ... علينا فمن هذا يردُّ سماعها ) ( سأنهاك نهياً مُجمِلاً وقصائداً ... نواصح تشفي من شؤون صُداعَها ) ( ومن يجتلب نحوي القصائد يجتلب ... قِراهُ ويتبع من يُحِبّ اتباعَها ) ( إذا ما الفتى ذو اللب حلت قصائد ... إليه فَيُخْلِ للقوافي رباعَها ) رثاؤه زيد بن حسن أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال حدثنا الزبير قال حدثنا سليمان بن عياش قال لما دفن زيد بن حسن وانصرف الناس عن قبره جاء محمد بن بشير إلى الحسن بن زيد وعنده بنو هاشم ووجوه قريش يعزونه فأخذ بعضادتي الباب وقال ( أعينيّ جودا بالدموع وأَسعِدا ... بني رحِم ما كان زيدٌ يُهينُها ) ( ولا زيدَ إلا أن يجود بعَبرة ... على القبر شاكي نكبة يستكينها ) ( وما كنتَ تلقى وجهَ زيد ببلدة ... من الأرض إلا وجهُ زيد يزينها ) ( لعمر أبي الناعي لعمَّتْ مصيبةٌ ... على الناس واختصت قُصَيًّا رَصينها ) ( وأنَّى لنا أمثالُ زيد وجَدُّه ... مبلِّغُ آيات الهدَى وأمينُها ) ( وكانَ حَليفيه السماحةُ والنَّدى ... فقد فارق الدنيا نداها وليِنها ) ( غدت غُدْوةً ترمِي لُؤيَّ بن غالب ... بجَعْد الثَّرى فوق امرىء ما يَشِينها ) ( أغرُّ بِطاحِيٌّ بكت من فراقه ... عُكاظُ فبطحاء الصفا فحجَونها ) ( فقل للتي يعلو على الناس صوتُها ... ألا لا أعان الله من لا يُعينها ) ( وأرملةٍ تبكي وقد شُقّ جيبُها ... عليه فآبت وهيَ شُعْث قرونها ) ( ولو فقِهت ما يفقه الناسُ أصبحت ... خواشعَ أعلامُ الفَلاة وعِينها ) ( نعاه لنا الناعي فظَلنا كأننا ... نرى الأرضَ فيها آيةٌ حانَ حِينها ) ( وزالت بنا أقدامنا وتقلبتْ ... ظهورُ روابيها بنا وبطونها ) ( وآب ذوو الألباب منا كأنما ... يرون شِمالاً فارقتها يمينها ) ( سقى الله سُقْيَا رحمةٍ تُربَ حفْرة ... مقيم على زيدٍ ثراها وطينها ) قال فما رئي يوم كان أكثر باكيا من يومئذ أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدثني العمري عن لقيط قال كان محمد بن بشير الخارجي من أهل المدينة وكانت له بنت عم سرية جميلة قد خطبها غير واحد من سروات قريش فلم ترضه فقال لأبيه زوجنيها فقال له كيف أزوجكها وقد رد عمك عنها أشراف قريش فذهب إلى عمه فخطبها إليه فوعده بذلك وقرب منه فمضى محمد إلى أبيه فأخبره فقال له ما أراه يفعل ثم عاوده فزوجه إياها فغضبت الجارية وقالت له خطبني إليك أشراف قريش فرددتهم وزوجتني هذا الغلام الفقير فقال لها هو ابن عمك وأولى الناس بك فلما بنى بها جعلت تستخف به وتستخدمه وتبعثه في غنمها مرة وإلى نخلها أخرى فلما رأى ذلك من فعلها قال شعرا ثم خلا في بيت يترنم به ويسمعها وهو ( تثاقلتِ أن كُنتُ ابنَ عمّ نكحتِهِ ... فملتِ وقد يُشْفى ذوو الرأي بالعَذلِ ) ( فإنك إلاّ تتركي بعضَ ما أرى ... تُنازِعْك أخرى كالقَرينة في الحبلِ ) ( تَلُزُّك ما اسطاعت إذا كان قَسْمُها ... كَقَسْمِك حَقّاً في التِّلاد وفي البعْل ) ( متى تحمليها منك يوماً لحالة ... فتتبعَها تحمِلك منها على مِثل ) قال فصلحت ولم ير منها بعد ما سمعت شيئا يكرهه صوت ( علامَ هَجرتِ ولم تُهْجرِي ... ومثلكِ في الهجر لم يُعذَرِ ) ( قطعتِ حبالَكِ من شادنٍ ... أغنَّ قَطوفِ الخُطا أَحْورِ ) الشعر لسديف مولى بني هاشم والغناء لأبي العبيس بن حمدون - خفيف ثقيل - بالسبابة والوسطى ذكر سديف وأخباره هو سديف بن ميمون مولى خزاعة وكان سبب ادعائه ولاء بني هاشم أنه تزوج مولاة لآل أبي لهب فادعى ولاءهم ودخل في جملة مواليهم على الأيام وقيل بل أبوه هو كان المتزوج مولاة اللهبيين فولدت منه سديفا فلما يفع وقال الشعر وعرف بالبيان وحسن العارضة ادعى الولاء في موالي أبيه فغلبوا عليه وسديف شاعر مقل من شعراء الحجاز ومن مخضرمي الدولتين وكان شديد التعصب لبني هاشم مظهرا لذلك في أيام بني أمية فكان يخرج إلى أحجار صفا في ظهر مكة يقال لها صفي السباب ويخرج مولى لبني أمية معه يقال له سباب فيتسابان ويتشاتمان ويذكران المثالب والمعايب ويخرج معهما من سفهاء الفريقين من يتعصب لهذا ولهذا فلا يبرحون حتى تكون بينهم الجراح والشجاج ويخرج السلطان إليهم فيفرقهم ويعاقب الجناة فلم تزل تلك العصبية بمكة حتى شاعت في العامة والسفلة فكانوا صنفين يقال لهما السديفية والسبابية طول أيام بني أمية ثم انقطع ذلك في أيام بني هاشم وصارت العصبية بمكة في الحناطين والحرارين أخبرني عمر بن عبيد الله بن جميل العتكي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني فليح بن إسماعيل قال قال سديف قصيدة يذكر فيها أمر بني حسن بن حسن وأنشدها المنصور بعد قتله لمحمد بن عبد الله بن حسن فلما أتى على هذا البيت ( يا سوءَنا للقوم لا كَفُّوا ولا ... إذ حاربوا كانوا من الأحرار ) فقال له المنصور أتحضهم علي يا سديف فقال لا ولكني أؤنبهم يا أمير المؤمنين وذكر ابن المعتز أن العوفي حدثه عن أحمد بن إبراهيم الرياحي قال سلم سديف بن ميمون يوما على رجل من بني عبد الدار فقال له العبدري من أنت يا هذا قال أنا رجل من قومك أنا سديف بن ميمون فقال له والله ما في قومي سديف ولا ميمون قال صدقت لا والله ما كان قط فيهم ميمون ولا مبارك صوت ( لعمرُك إنني لأحب داراً ... تكون بها سُكينة والرَّبابُ ) ( أحبهما وأبذل جُلَّ مالي ... وليس لعاتب عندي عتاب ) الشعر للحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام والغناء لابن سريج - رمل - بالبنصر وفيه للهذلي ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق أخبار الحسين بن علي ونسبه الحسين بن علي بن أبي طالب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وقد تكرر هذا النسب في عدة مواضع من هذا الكتاب واسم أبي طالب عبد مناف واسم عبد المطلب شيبة واسم هاشم عمرو وأم علي بن أبي طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وكانت أول هاشمية تزوجها هاشمي وهي أم سائر ولد أبي طالب وأم الحسين بن علي بن أبي طالب فاطمة بنت رسول الله وأمها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وكانت خديجة تكنى أم هند وكانت فاطمة تكنى أم أبيها ذكر ذلك قعنب بن محرز قال حدثنا أبو نعيم عن حسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه وكان علي بن أبي طالب سمى الحسن حربا فسماه رسول الله الحسن ثم ولد له الحسين فسماه حربا فسماه رسول الله الحسين حدثني بذلك أحمد بن الجعد قال حدثنا عبد الرحمن بن صالح قال حدثنا يحيى بن عيسى قال حدثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال قال علي بن أبي طالب كنت رجلا أحب الحرب فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حربا فسماه رسول الله الحسن فلما ولد الحسين هممت أن أسميه حربا فسماه رسول الله الحسين ثم قال سميتهما باسمي ابني هارون شبر وشبير وأخبرنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي قال حدثنا محمد بن يحيى الأحول قال حدثنا خلاد المقرىء قال حدثنا قيس بن الربيع بن أبي حصين عن يحيى بن وثاب عن ابن عمر قال كان على الحسن والحسين تعويذتان حشوهما من زغب جناح جبريل عليه السلام وهذا الشعر يقوله الحسين بن علي في امرأته الرباب بنت امرىء القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن كلب بن وبرة بن تغلب ابن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وأمها هند بنت الربيع بن مسعود بن معاذ بن حصين بن كعب بن عليم بن كلب وفي ابنته منها سكينة بنت الحسين واسم سكينة أميمة وقيل أمينة وقيل آمنة وسكينة لقب لقبت به قال مصعب فيما أخبرني به الطوسي عن زبير عنه اسمها آمنة أخبرني أحمد بن عبد العزيز وإسماعيل بن يونس قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو نعيم عن عمر بن ثابت عن مالك بن أعين قال سمعت سكينة بنت الحسين تقول عاتب عمي الحسن أبي في أمي فقال ( لعمركَ إنني لأحبُّ داراً ... تكون بها سُكينة والرَّباب ) ( أحبهما وأبذل جُلّ مالي ... وليس لعاتب عندي عتاب ) حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسد قال حدثنا العمري عن ابن الكلبي عن أبيه قال قال لي عبد الله بن الحسن بن الحسن ما اسم سكينة بنت الحسين فقلت سكينة فقال لا اسمها آمنة وروى أن رجلا سأل عبد الله بن الحسن عن اسم سكينة فقال أمينة فقال له إن ابن الكلبي يقول أميمة فقال سل ابن الكلبي عن أمه وسلني عن أمي وقال المدائني حدثني أبو إسحاق المالكي قال سكينة لقب واسمها آمنة وهذا هو الصحيح حدثني أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثنا يحيى بن الحسن العلوي قال حدثنا شيخ من قريش قال حدثنا أبو حذافة أو غيره قال أسلم امرؤ القيس بن عدي على يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فما صلى الله صلاة حتى ولاه عمر وما أمسى حتى خطب إليه علي عليه السلام ابنته الرباب على ابنه الحسين فزوجه إياها فولدت له عبد الله وسكينة ولدي الحسين عليهما السلام وفي سكينة وأمها يقول ( لعمرُك إنني لأحب داراً ... تحل بها سُكينة والرباب ) وذكر البيت الآخر وزاد على البيتين ( فَلَسْتُ لهم وإن غابوا مُضِيعاً ... حياتي أو يغيِّبني الترابُ ) ونسخت هذا الخبر من كتاب أبي عبد الرحمن الغلابي وهو أتم قال حدثنا علي بن صالح عن علي بن مجاهد عن أبي المثنى محمد بن السائب الكلبي قال أخبرنا عبد الله بن حسن بن حسن قال حدثني خالي عبد الجبار بن منظور بن زبان بن سيار الفزاري قال حدثني عوف بن خارجة المري قال والله إني لعند عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته إذ أقبل رجل أفحج أجلى أمعر يتخطى رقاب الناس حتى قام بين يدي عمر فحياه بتحية الخلافة فقال له عمر فمن أنت قال امرؤ نصراني أنا امرؤ القيس بن عدي الكلبي قال فلم يعرفه عمر فقال له رجل من القوم هذا صاحب بكر بن وائل الذي أغار عليهم في الجاهلية يوم فلج قال فما تريد قال أريد الإسلام فعرضه عليه عمر رضي الله عنه فقبله ثم دعا له برمح فعقد له على من أسلم بالشام من قضاعة فأدبر الشيخ واللواء يهتز على رأسه قال عوف فوالله ما رأيت رجلا لم يصل لله ركعة قط أمر على جماعة من المسلمين قبله ونهض علي بن أبي طالب رضوان الله عليه من المجلس ومعه ابناه الحسن والحسين عليهم السلام حتى أدركه فأخذ ثيابه فقال له يا عم أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله وصهره وهذان ابناي الحسن والحسين من ابنته وقد رغبنا في صهرك فأنكحنا فقال قد أنكحتك يا علي المحياة بنت امرىء القيس وأنكحتك يا حسن سلمى بنت امرىء القيس وأنكحتك يا حسين الرباب بنت امرىء القيس وقال هشام بن الكلبي كانت الرباب من خيار النساء وأفضلهن فخطبت بعد قتل الحسين عليه السلام فقالت ما كنت لأتخذ حما بعد رسول الله قال المدائني حدثني أبو إسحاق المالكي قال قيل لسكينة واسمها آمنة وسكينة لقب أختك فاطمة ناسكة وأنت تمزحين كثيرا فقالت لأنكم سميتموها باسم جدتها المؤمنة - تعني فاطمة بنت رسول الله - وسميتموني باسم جدتي التي لم تدرك الإسلام تعني آمنة بنت وهب أم رسول الله الرباب ترثي زوجها الحسين أخبرني عمي قال حدثنا الكناني عن قعنب بن المحرز الباهلي عن محمد بن الحكم عن عوانة قال رثت الرباب بنت امرىء القيس أم سكينة بنت الحسين زوجها الحسين عليه السلام حين قتل فقالت ( إنّ الذي كان نوراً يُستضاء به ... بكَربلاءَ قتيلٌ غير مدفونِ ) ( سِبْطَ النبيّ جَزَاك الله صالحةً ... عنا وجُنِّبتَ خُسران الموازينِ ) ( قد كنت لي جَبَلاً صعْباً ألوذ به ... وكنت تصحبنا بالرُّحم والدِّين ) ( من لليتامَى ومن للسائلينَ ومَن ... يُغْنِي ويَأوِي إليه كلُّ مسكين ) ( والله لا أبتغي صهراً بصهركُم ... حتى أغيَّبَ بين الرمل والطين ) أخبرني الطوسي قال حدثني الزبير عن عمه قال أخبرني إسماعيل بن بكار قال حدثني أحمد بن سعيد عن يحيى بن الحسين العلوي عن الزبير عن عمه قال وأخبرني إسماعيل بن يعقوب عن عبد الله بن موسى قالا كان الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب خطب إلى عمه الحسين فقال له الحسين عليهم السلام يابن أخي قد كنت أنتظر هذا منك انطلق معي فخرج به حتى أدخله منزله فخيره في ابنتيه فاطمة وسكينة فاختار فاطمة فزوجه إياها وكان يقال إن امرأة تختار على سكينة لمنقطعة القرين في الحسن وقال عبد الله بن موسى في خبره إن الحسين خيره فاستحيا فقال له قد اخترت لك فاطمة فهي أكثرهما شبها بأمي فاطمة بنت رسول الله أحاديث عن سكينة حدثني أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثني يحيى بن الحسن العلوي قال كتب إلي عباد بن يعقوب يخبرني عن جدي يحيى بن سليمان بن الحسين العلوي قال كانت سكينة في مأتم فيه بنت لعثمان فقالت بنت عثمان أنا بنت الشهيد فسكتت سكينة فلما قال المؤذن أشهد أن محمدا رسول الله قالت سكينة هذا أبي أو أبوك فقالت العثمانية لا جرم لا أفخر عليكم أبدا أخبرني أحمد بن محمد قال حدثنا يحيى قال حدثنا مروان بن موسى القروي قال حدثنا بعض أصحابنا قال كانت سكينة تجيء في ستارة يوم الجمعة فتقوم بإزاء ابن مطيرة وهو خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم إذا صعد المنبر فإذا شتم عليا شتمته هي وجواريها فكان يأمر الحرس فيضربون جواريها أخبرني الطوسي عن الزبير عن عمه مصعب قال كانت سكينة عفيفة سليمة برزة من النساء تجالس الأجلة من قريش وتجتمع إليها الشعراء وكانت ظريفة مزاحة أخبرني الطوسي قال حدثنا الزبير عن عمه قال حدثني معاوية بن بكر قال قالت سكينة أدخلت على مصعب وأنا أحسن من النار الموقدة أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن موسى عن أبي أيوب المديني عن مصعب قال كانت سكينة أحسن الناس شعرا فكانت تصفف جمتها تصفيفا لم ير أحسن منه حتى عرف ذلك فكانت تلك الجمة تسمى السكينية وكان عمر بن عبد العزيز إذا وجد رجلا قد صفف جمته السكينية جلده وحلقه أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار عن أحمد بن سليمان بن أبي شيخ عن أبيه عن أبي سفيان الحميري قال بعثت سكينة بنت الحسين عليهما السلام إلى حبيش بن دلجة بغالية لأنه كان من أخوالها فلما وصلت إليه قال فأين كانت - حبيش بن دلجة - عن الصياح يقدر أن الصياح أرفع من الغالية قال محمد بن سلام كانت سكينة مزاحة فلسعتها دبرة فولولت فقالت لها أمها مالك يا سيدتي وجزعت فقالت لسعتني دبيرة مثل الأبيرة فأوجعتني قطيرة وقال هارون بن أبي عبيد الله حدثني ضمرة بن ضمرة قال أجلست سكينة شيخا فارسيا على سلة بيض وبعثت إلى سليمان بن يسار كأنها تريد أن تسأله عن شيء فجاءها إكراما لها فأمرت من أخرج إليه ذلك الشيخ جالسا على السلة فيها البيض فولى يسبح قال وبعثت سكينة إلى صاحب الشرطة بالمدينة أنه دخل علينا شامي فابعث إلينا بالشرط فركب ومعه الشرط فلما أتى إلى الباب أمرت ففتح له وأمرت جارية من جواريها فأخرجت إليه برغوثا فقال ما هذا قالت هذا الشامي الذي شكوناه فانصرفوا يضحكون أخبرني محمد بن جعفر النحوي قال حدثنا أحمد بن القاسم قال حدثنا أبو هفان قال حدثنا سيف بن إبراهيم صاحب إبراهيم بن المهدي قال حدثني إبراهيم بن المهدي أن الرشيد لما ولاه دمشق استوهبه صحبة دبية والغاضري وعبيدة بن أشعب وحكم الوادي فوهبهم له فأشخصهم معه قال فكان فيما حدثني به عبيدة قال إبراهيم ركبت حمارة وهو عديلي ونمت على ظهرها فلما بلغنا ثنية العقاب اشتد علي البرد فاحتجت إلى الزيادة من الدثار فدعوت بدواج سمور فألقيته على ظهري ودعوت بمن كان معي في سمري في تلك الليلة وكانوا حولي فقلت لابن أشعب حدثني بأعجب ما تعلم من طمع أبيك فقال أعجب من طمع أبي طمع ابنه فقلت وما بلغ من طمعك فقال دعوت آنفا لما اشتد عليك البرد بدواج سمور لتستدفىء به فلم أشك أنك دعوت به لتجعله علي فغلبني الضحك وخلعت عليه الدواج ثم قلت له ما أحسب لك قرابة بالمدينة فقال اللهم غفرا لي بالمدينة قرابات وأي قرابات قلت أيكونون عشرة قال وما عشرة قلت فعشرين قال اللهم غفرا لا تذكر العشرات ولا المئين وتجاوز ذكر الألوف إلى ما هو أكثر منها قلت ويحك ليس بينك وبين أشعب أحد فكيف يكون هذا فقال إن زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان تزوج سكينة بنت الحسين فخف أبي على قلبها فأحسنت إليه وكانت عطاياها خلاف عطايا مولاه فمال إليها بكليته قال وحج سليمان بن عبد الملك وهو خليفة فاستأذن زيد بن عمرو سكينة وأعلمها أنها أول سنة حج فيها الخليفة وأنه لا يمكنه التخلف عن الحج معه وكانت لزيد ضيعة يقال لها العرج وكان له فيها جوار فأعلمته أنها لا تأذن له إلا أن يخرج أشعب معه فيكون عينا لها عليه ومانعا له من العدول إلى العرج ومن اتخاذ جارية لنفسه في بدأته ورجعته فقنع بذلك وأخرج أشعب معه وكان له فرس كثير الأوضاح حسن المنظر يصونه عن الركوب إلا في مسايرة خليفة أو أمير أو يوم زينة وله سرج يصونه ولا يركب به غير ذلك الفرس وكان معه طيب لا يتطيب به إلا في مثل ذلك اليوم الذي يركب فيه وحلة موشية يصونها عن اللبس إلا في يوم يريد التجمل فيه بها فحج مع سليمان وكانت له عنده حوائج كثير فقضاها ووصله وأجزل صلته وانصرف سليمان من حجه ولم يسلك طريق المدينة وانصرف ابن عثمان يريد المدينة فنزل على ماء لبني عامر بن صعصعة ودعا أشعب فأحضره وصر صرة فيها أربعمائة دينار وأعلمه أنه ليس بينه وبين العرج إلا أميال وأنه إن أذن له في المسير إليها والمبيت بها عند جواريه غلس إليه فوافى وقت ارتحال الناس ووهب له أربعمائة دينار فقبل يده ورجله وأذن له في السير إلى حيث أحب وحلف له أنه يحلف لسكينة بالأيمان المحرجة أنه ما سار إلى العرج ولا اتخذ جارية منذ فارق سكينة إلى أن يرجع إليها فدفع إليه مولاه الدنانير ومضى قال أبو إسحاق قال ابن أشعب حدثني أبي أنه لا يتوهم أن مولاه سار نصف ميل حتى رأى في الماء الذي كان عليه رحل زيد جاريتين عليهما قربتان فألقتا القربتين وألقتا ثيابهما عنهما ورمتا بأنفسهما في الغدير وعامتا فيه ورأى من مجردهما ما أعجبه واستحسنه فسألهما عند خروجهما من الماء عن نسبهما فأعلمتاه أنهما من إماء نسوة خلوف لبني عامر بن صعصعة هن بالقرب من ذلك الغدير فسألهما هل سبيل إلى مولياتهما لمحادثة شيخ حسن الخلق طيب العشرة كثير النوادر فقالتا وأنى لهن بمن هذه صفته فقال لهما أنا ذاك فقالتا انطلق معنا فوثب إلى فرس زيد فأسرجه بسرجه الذي كان يسرجه به ويركبه ودعا بحلته التي كان يضن بها فلبسها وأحضر السفط الذي كان فيه طيبه فتطيب منه وركب الفرس ومضى معهما حتى وافى الحي فأقام في محادثة أهله إلى قرب وقت صلاة العصر فأقبل في ذلك الوقت رجال الحي وقد انصرفوا غانمين من غزاتهم وأقبلت تمر به الرعلة بعد الرعلة فيقفون به فيقولون ممن الرجل فينتسب في نسب زيد فيقول كل من اجتاز به ما نرى به بأسا وينصرفون عنه إلى قرب غروب الشمس فأقبل شيخ فان على حجر هرمة هزيل ففعل مثل ما كان يفعل من اجتاز فسأله مثلما يسألون عنه فأخبره بمثل ما كان يخبر من تقدمه فقال مثل قولهم قال ابن أشعب قال أبي ثم رأيت الشيخ وقد وقف بعد قوله فأوجست منه خيفة لأني رأيته قد جعل يده اليسرى تحت حاجبيه فرفعهما ثم استدار ليرى وجهي فركبت الفرس فما استويت عليه حتى سمعته يقول أقسم بالله ما هذا قرشي وما هذا إلا وجه عبد فركضت وركض خلفي فرأى حجره مقصرة فلما يئس من اللحاق بي انتزع سهما فرماني به فوقع في مؤخرة السرج فكسرها ودخلتني من صوته روعة أحدثت لها في الحلة ووافيت رحل مولاي فغسلت الحلة ونشرتها فلم تجف ليلا وغلس مولاي من العرج فوافاني في وقت الرحيل فرأى الحلة منشورة ومؤخرة السرج مكسورة والفرس قد أضر بها الركض وسفط الطيب مكسور الختم فسألني عن السبب فصدقته فقال لي ويحك أما كفاك ما صنعت بي حتى انتسبت في نسبي فجعلتني عند أشراف قومي من العرب جماشا وسكت عني فلم يقل لي أحسنت ولا أسأت حتى وافينا المدينة فلما وافاها سألته سكينة عن خبره فقال لها يا بنت رسول الله وما سؤالك إياي ولم يزل ثقتك معي وهو أمين علي فسليه عن خبري يصدقك عنه فسألتني فأخبرتها أني لم أنكر عليه شيئا ولم أمكنه من ابتياع جارية ولم أطلق له الاجتياز بالعرج فاستحلفتني على ذلك فلما حلفت لها بالأيمان المحرجة فيها طلاق أمك وثب فوقف بين يديها وقال أي ابنة عم ويا بنت رسول الله كذبك والله العلج ولقد أخذ مني أربعمائة دينار على أن أذن لي في المصير إلى العرج فأقمت بها يوما وليلة وغسلت بها عدة من جواري وها أنا ذا تائب إلى الله مما كان مني وقد جعلت توبتي هبتهن لك وتقدمت في حملهن إليك وهن موافيات المدينة في عشية اليوم فبيعهن أو عتقهن إليك الأمر فيه وأنت أعلم بما ترين في العبد السوء فأمرتني بإحضار أربعمائة الدينار فأحضرتها فأمرت بابتياع خشب بثلثمائة دينار وأمرت بنشره وليس عندي ولا عند أحد من أهل المدينة علم بما تريده فيه ثم أمرت بأن يتخذ بيت كبير وجعلت النفقة عليه في أجرة النجارين من المائة الدينار الباقية ثم أمرت بابتياع بيض وتبن وسرجين بما بقي من المائة الدينار بعد أجرة النجارين ثم أدخلتني البيت وفيه البيض والتبن والسرجين وحلفت بحق جدها ألا أخرج من ذلك البيت حتى أحضن ذلك البيض كله إلى أن يفقس ففعلت ذلك ولم أزل أحضنه حتى فقس كله فخرج منه الألوف من الفراريج وربيت في دار سكينة فكانت تنسبهن إلي وتقول بنات أشعب قال أبو إسحاق قال لي وبقي ذلك النسل في أيدي الناس إلى الآن فكلهم إخواني وأهلي قال فضحكت والله حتى غلبت وأمرت له بعشرة آلاف درهم فحملت بحضرتي إليه أزواج سكينة أخبرني الطوسي والحرمي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب قال تزوجت سكينة بنت الحسين عليه السلام عدة أزواج أولهم عبد الله بن الحسن بن علي وهو ابن عمها وأبو عذرتها ومصعب بن الزبير وعبد الله بن عثمان الحزامي وزيد بن عمرو بن عثمان والأصبغ بن عبد العزيز بن مروان ولم يدخل بها وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ولم يدخل بها قال مصعب ويحيى بن الحسن العلوي إن عبد الله بن حسن زوجها كان يكنى أبا جعفر وأمه بنت السليل بن عبد الله البجلي أخي جرير بن عبد الله قال ثم خلفه عليها مصعب بن الزبير زوجه إياها أخوها علي بن الحسين ومهرها مصعب ألف ألف درهم قال مصعب وحدثني مصعب بن عثمان أن علي بن الحسين أخاها حملها إليه فأعطاه أربعين ألف دينار قال مصعب وحدثني معاوية بن بكر الباهلي قال قالت سكينة دخلت على مصعب وأنا أحسن من النار الموقدة في الليلة القرة قال فولدت من مصعب بنتا فقال لها سميها زهراء قالت بل أسميها باسم إحدى أمهاتي وسمتها الرباب فلما قتل مصعب ولي أخوه عروة تركته فزوجها يعني الرباب بنت مصعب ابنه عثمان بن عروة فماتت وهي صغيرة فورثها عثمان بن عروة عشرة آلاف دينار قال الزبير فحدثني محمد بن سلام عن شعيب بن صخر عن أمه سعدة بنت عبد الله بن سالم قالت لقيت سكينة بين مكة ومنى فقالت قفي لي يابنة عبد الله فوقفت فكشفت عن بنتها من مصعب فإذا هي قد أثقلتها بالحلي واللؤلؤ فقالت ما ألبستها إياه إلا لتفضحه قال الزبير وحدثني عمي عن الماجشون قال قالت سكينة لعائشة بنت طلحة أنا أجمل منك وقالت عائشة بل أنا فاختصمتا إلى عمر بن أبي ربيعة فقال لأقضين بينكما أما أنت يا سكينة فأملح منها وأما أنت يا عائشة فأجمل منها فقالت سكينة قضيت لي والله وكانت سكينة تسمي عائشة ذات الأذنين وكانت عظيمة الأذنين أخبرني الحسن بن علي قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا المدائني قال خطب سكينة بنت الحسين عليه السلام عبد الملك بن مروان فقالت أمها لا والله لا يتزوجها أبدا وقد قتل ابن أخي تعني مصعبا وأما محمد بن سلام الجمحي فإنه ذكر فيما أخبرني به أبو الحسن الأسدي عن الرياشي عنه أن أبا عذرتها هو عندي عبد الله بن الحسن بن علي ثم خلف عليها العثماني ثم مصعب بن الزبير ثم الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان فقال فيه بعض المدنيين ( نَكَحَتْ سُكينة بالحساب ثلاثةً ... فإذا دخلتَ بها فأنت الرابعُ ) قال وكان يتولى مصر فكتبت إليه إن أرض مصر وخمة فبنى لها مدينة تسمى مدينة الأصبغ وبلغ عبد الملك تزوجه إياها فنفس بها عليه فكتب إليه اختر مصر أو سكينة فبعث إليها بطلاقها ولم يدخل بها ومتعها بعشرين ألف دينار ومروا بها في طريقها على منزل فقالت ما اسم هذا المنزل قالوا جوف الحمار قالت ما كنت لأدخل جوف الحمار أبدا وذكر محمد بن سلام في هذا الخبر الذي رواه الرياشي عن شعيب بن صخر أن الحزامي عبد الله بن عثمان خلف الأصبغ عليها وولدت منه بنتا وذكر عن أمه سعدة بنت عبد الله أن سكينة أرتها بنتها من الحزامي وقد أثقلتها باللؤلؤ وهي في قبة فقالت والله ما ألبستها إياه إلا لتفضحه تريد أنها تفضح الحلي بحسنها لأنها أحسن منه أخبرني ابن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي عن صالح بن حسان وغيره أن سكينة كانت عند عمرو بن حكيم بن حزام ثم تزوجها بعده زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان ثم تزوجها مصعب بن الزبير فلما قتل مصعب خطبها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فبعثت إليه أبلغ من حمقك أن تبعث إلى سكينة بنت الحسين بن فاطمة بنت رسول الله تخطبها فأمسك عن ذلك قال ثم تنفست يوما بنانة جارية سكينة وتنهدت حتى كادت أضلاعها تتحطم فقالت لها سكينة مالك ويلك قالت أحب أن أرى في الدار جلبة تعني العرس فدعت مولى لها تثق به فقالت له اذهب إلى إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فقل له إن الذي كنا ندفعك عنه قد بدا لنا فيه أنت من أخوال رسول الله فأحضر بيتك قال فجمع عدة من بني زهرة وأفناء قريش من بني جمح وغيرهم نحوا من سبعين رجلا أو ثمانين ثم أرسل إلى علي بن الحسين والحسن بن الحسن وغيرهم من بني هاشم فلما أتاهم الخبر اجتمعوا وقالوا هذه السفيهة تريد أن تتزوج إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فتنادى بنو هاشم واجتمعوا وقالوا لا يخرجن أحد منكم إلا ومعه عصا فجاؤوا وما بقي إلا الكلام فقال اضربوا بالعصى فاضطربوا هم وبنو زهرة حتى تشاجوا فشج بينهم يومئذ أكثر من مائة إنسان ثم قالت بنو هاشم أين هذه قالوا في هذا البيت فدخلوا إليها فقالوا أبلغ هذا من صنعك ثم جاؤوا بكساء طاروقي فبسطوه ثم حملوها وأخذوا بجوانبه - أو قال بزواياه الأربع - فالتفتت إلى بنانة فقالت يا بنانة أرأيت في الدار جلبة قالت إي والله إلا أنها شديدة وقال هارون بن الزيات أخبرني أبو حذيفة عن مصعب قال كان أول أزواج سكينة عبد الله بن الحسن بن علي قتل عنها ولم تلد له وخلف عليها مصعب فولدت له جارية ثم خلف عليها عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام فنشزت عليه فطلقها ثم خلف عليها الأصبغ بن عبد العزيز فأصدقها صداقا كثيرا فقال الشاعر ( نكحت سُكَينة بالحساب ثلاثة ... فإذا دخلت بها فأنت الرابعُ ) ( إن البقيع إذا تتابع زرعُه ... خاب البقيعُ وخاب فيه الزارع ) وبلغ ذلك عبد الملك بن مروان فغضب وقال أما تزوجنا أحسابنا حتى تزوجنا أموالنا فطلقها فطلقها فخلف عليها العثماني وشرطت عليه ألا يطلقها ولا يمنعها شيئا تريده وأن يقيمها حيث خلتها أم منظور ولا يخالفها في أمر تريده فكانت تقول له يابن عثمان اخرج بنا إلى مكة فإذا خرج بها فسارت يوما أو يومين قالت ارجع بنا إلى المدينة فإذا رجع يومه ذاك قالت اخرج بنا إلى مكة فقال له سليمان بن عبد الملك أعلم أنك قد شرطت لها شروطا لم تف بها فطلقها فطلقها فخلف عليها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فكره ذلك أهلها وخاصموه إلى هشام بن إسماعيل فبعث إليها يخيرها فجاء إبراهيم بن عبد الرحمن من حيث تسمع كلامه فقال لها جعلت فداءك قد خيرتك فاختاريني فقالت قلت ماذا بأبي تهزأ بي فعرف ذلك فانصرف وخيروها فقالت لا أريده قال وماتت فصلى عليها شيبة بن نصاح وأما ابن الكلبي فذكر فيما أخبرنا به الجوهري عن عمر بن شبة عن عبد الله بن محمد بن حكيم عنه أن أول أزواجها الأصبغ ومات ولم يرها ثم زيد بن عمرو العثماني قال وولدت له ابنه عثمان الذي يقال له قرين ثم الحزامي ثم خلف عليها مصعب فولدت له جارية ثم خلف عليها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ولم يدخل بها قال عمر بن شبة وحدثني محمد بن يحيى قال تزوج مصعب سكينة وهو يومئذ بالبصرة عامل لأخيه عبد الله بن الزبير وكان بين مصعب وبين أخيه رسول يقال له أبو السلاس وهو الذي جاء بنعيه فقال ابن قيس فيه ( قد أتانا بما كرهنا أبو السلاَّس ... كانت بنفسه الأوجاع ) وفي هذا الشعر غناء قد ذكر في موضعه وهذا غلط من محمد بن يحيى ليست قصة أبي السلاس مع مصعب وإنما هي مع ابن جعفر قال محمد بن يحيى ولما تزوج مصعب سكينة على ألف ألف كتب عبد الله بن همام على يد أبي السلاس إلى عبد الله بن الزبير ( أبلغ أمير المؤمنين رسالة ... من ناصح لك لا يريد خِداعا ) ( بُضْع الفتاة بألف ألف كاملٍ ... وتبيت سادات الجنود جياعا ) ( لو لأبي حفص أقول مقالتي ... وأبث ما أبثثتكم لارتاعا ) قال وكان ابن الزبير قد أوصاه ألا يعطيه أحد كتابا إلا جاء به فلما أتاه بهذا الكتاب قال صدق والله لو يقول هذه المقالة لأبي حفص لارتاع من تزويج امرأة على ألف ألف درهم ثم قال إن مصعبا لما وليته البصرة أغمد سيفه وسل أيره وعزله عن البصرة وأمره أن يجيء على ذات الجيش وقال إني لأرجو أن يخسف الله بك فيها فبلغ عبد الملك بن مروان قول عبد الله في مصعب فقال لكن عبد الله والله أغمد سيفه وأيره وخيره مغاضبة زيد بن عمرو العثماني لسكينة قال ابن زيد أخبرني محمد بن يحيى عن ابن شهاب الزهري قال ذكر أن زيد بن عمرو بن عثمان العثماني خرج إلى مال له مغاضبا لسكينة وعمر بن عبد العزيز يومئذ والي المدينة فأقام سبعة أشهر فاستعدته سكينة على زيد وذكرت غيبته مع ولائده سبعة أشهر وأنها شرطت عليه أنه إن مس امرأة أو حال بينها وبين شيء من ماله أو منعها مخرجا تريده فهي خلية فبعث إليه عمر فأحضره وأمر ابن حزم أن ينظر بينهما قال حدثني أبو بكر بن عبد الله قال بعثني عمر وبعث معي محمد بن معقل بن يسار الأشجعي إلى ابن حزم وقال اشهدا قضاءه فدخلنا عليه وعنده زيد جالس وفاطمة امرأة ابن حزم في الحجلة وجاءت سكينة فقال ابن حزم أدخلوها وحدها فقالت والله لا أدخل إلا ومعي ولائدي فأدخلن معها فلما دخلت قالت يا جارية أثني لي هذه الوسادة ففعلت وجلست عليها ولصق زيد بالسرير حتى كاد يدخل في جوفه خوفا منها فقال لها ابن حزم يابنة الحسين إن الله عز و جل يحب القصد في كل شيء فقالت له وما أنكرت مني إني وإياك والله كالذي يرى الشعرة في عين صاحبه ولا يرى الخشبة في عينه فقال لها أما والله لو كنت رجلا لسطوت بك فقالت له يابن فرتنى ألا تزال تتوعدني وشتمته وشتمها فلما بلغا ذلك قال ابن أبي الجهم العدوي ما بهذا أمرنا فأمض الحكم ولا تشاتم فقالت لمولاة لها من هذا قالت أبو بكر بن عبد الله بن أبي الجهم فقالت لا أراك ههنا وأنا اشتم بحضرتك ثم هتفت برجال قريش وحضت ابن أبي الجهم وقالت اما والله لو كان أصحاب الحرة أحياء لقتلوا هذا العبد اليهودي عند شتمه إياي أي عدو الله تشتمني وأبوك الخارج مع يهود صبابة بدينهم لما أخرجهم رسول الله إلى أريحاء يابن فرتنى قال وشتمها وشتمته قال ثم أحضرنا زيدا فكلمها وخضع لها فقالت ما أعرفني بك يا زيد والله لا تراني أبدا أتراك تمكث مع جواريك سبعة أشهر لا تقربهن املأ عينك الآن مني فإنك لا تراني بعد الليلة أبدا وجعلت تردد هذا القول ومثله فكلما تكلمت ترفث لابن حزم وامرأته في الحجلة وهو يقلق لسماع امرأته ذلك فيه ثم حكم بينهما بأن سكينة إن جاءت ببينة على ما ادعنه وإلا فاليمين على زيد فقامت وقالت لزيد يابن عثمان تزود مني بنظرة فإنك والله لا تراني بعد الليلة أبدا وابن حزم صامت ثم خرجنا وجئنا إلى عمر بن عبد العزيز وهو ينتظرنا في وسط الدار في ليلة شاتية فسألنا عن الخبر فأخبرناه فجعل يضحك حتى أمسك بطنه ثم دعا زيدا من غد فأحلفه ورد سكينة عليه وأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير بن بكار عن عمه قال قالت سكينة لأم أشعب سمعت للناس خبرا قالت لا فبعثت إلى إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فتزوجته وبلغ ذلك بني هاشم فأنكروه وحملوا العصي وجاؤوا فقاتلوا بني زهرة حتى كثرت الشجاج ثم فرق بينهم وخيرت سكينة فأبت نكاح إبراهيم ثم التفتت إلى أم أشعب وقالت أترين الآن أنه كان للناس اليوم خبر قالت أي والله - بأبي أنت - وأي خبر زوجها بخيل وهي تبغض أهل الكوفة قال هارون بن الزيات وجدت في كتاب القاسم بن يوسف حدثني الهيثم بن عدي عن أشعب قال تزوج زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان سكينة وكان أبخل قرشي رأيته فخرج حاجا وخرجت سكينة معه فلم تدع إوزة ولا دجاجة ولا خبيصا ولا فاكهة إلا حملته معها وأعطتني مائة دينار وقالت يابن أم حميدة اخرج معنا فخرجت ومعنا طعام على خمسة أجمال فلما أتينا السيالة نزلنا وأمرت بالطعام أن يقدم فلما جيء بالأطباق أقبل أغيلمة من الأنصار يسلمون على زيد فلما رآهم قال أوه خاصرتي باسم الله ارفعوا الطعام وهاتوا الترياق والماء الحار فأتي به فجعل يتوجرهما حتى انصرفوا ورحلنا وقد هلكت جوعا فلم آكل إلا مما اشتريته من السويق فلما كان من الغد أصبحت وبي من الجوع ما الله أعلم به ودعا بالطعام وأتي به قال فأمر بإسخانه وجاءته مشيخة من قريش يسلمون عليه فلما رآهم اعتل بالخاصرة ودعا بالترياق والماء الحار فتوجره ورفع الطعام فلما ذهبوا أمر بإعادته فأتي به وقد برد فقال لي يا أشعب هل إلى إسخان هذا الدجاج سبيل فقلت له أخبرني عن دجاجك هذا أمن آل فرعون فهو يعرض على النار غدوا وعشيا أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ عن محمد بن الحكم عن عوانة قال جاء قوم من أهل الكوفة يسلمون على سكينة فقالت لهم الله يعلم أني أبغضكم قتلتم جدي عليا وأبي الحسين وأخي عليا وزوجي مصعبا فبأي وجه تلقونني أيتمتموني صغيرة وأرملتموني كبيرة أخبرني الحسن بن علي عن أحمد بن زهير عن المدائني قال بينما سكينة ذات ليلة تسير إذ سمعت حاديا يحدو في الليل يقول ( لولا ثلاث هنَّ عيشُ الدهرِ ... ) فقالت لقائد قطارها ألحق بنا هذا الرجل حتى نسمع منه ما هذه الثلاث فطال طلبه لذلك حتى أتعبها فقالت لغلام لها سر أنت حتى تسمع منه فرجع إليها فقال سمعته يقول ( الماء والنوم وأم عمرو ... ) فقالت قبحه الله أتعبني منذ الليلة قال وحدثني المدائني أن أشعب حج مع سكينة فأمرت له بجمل قوي يحمل أثقاله فأعطاه القيم جملا ضعيفا فلما جاء إلى سكينة قالت له أعطوك ما أردت قال عرسه الطلاق لو أنه حمل قتبا على الجمل لما حمله فكيف يحمل محملا أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة عن نعيم بن سالم بن علي الأنصاري عن سفيان بن حرب قال رأيت سكينة بنت الحسين عليه السلام ترمي الجمار فسقطت من يدها الحصاة السابعة فرمت بخاتمها مكانها وقال هارون بن الزيات حدثني أبو حذافة السهمي قال أخبرني غير واحد منهم محمد بن طلحة أن سكينة ناقلت بمالها بالزوراء إلى قصر يقال له البريدي بلزق الجماء فلما سال العقيق خرجت ومعها جواريها تمشي حتى جاءت السيل فجلست على جرفه ومالت برجليها في السيل ثم قالت هذا في است المغبون والله لهذه الساعة من هذا القصر خير من الزوراء قال وكان البريدي قصرا لا غلة له وإنما يتنزه فيه وكانت غلة الزوراء غلة وافرة عظيمة بدراقُس يجري لها عملية جراحية وقال هارون وحدثني علي بن محمد النوفلي عن أبيه وعمه وغيرهما من مشايخ الهاشميين والطالبيين أن سكينة بنت الحسين عليه السلام خرجت بها سلعة في أسفل عينها فكبرت حتى أخذت وجهها وعينها وعظم شأنها وكان بدراقس منقطعا إليها في خدمتها فقالت له ألا ترى ما قد وقعت فيه فقال لها أتصبرين على ما يمسك من الألم حتى أعالجك قالت نعم فأضجعها وشق جلد وجهها حتى ظهرت السلعة ثم كشط الجلد عنها أجمع وسلخ اللحم من تحتها حتى ظهرت عروق السلعة وكان منها شيء تحت الحدقة فرفع الحدقة عنه حتى جعلها ناحية ثم سل عروق السلعة من تحتها فأخرجها أجمع ورد العين إلى موضعها وعالجها وسكينة مضطجعة لا تتحرك ولا تئن حتى فرغ مما أراد فزال عنها وبرئت منها وبقي أثر تلك الجراحة في مؤخر عينها فكان أحسن شيء في وجهها وكان أحسن على وجهها من كل حلي وزينة ولم يؤثر ذلك في نظرها ولا في عينها أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال أخبرني عيسى بن إسماعيل عن محمد بن سلام عن جرير المديني عن المدائني وأخبرني به محمد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن محمد بن سلام وأخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن عمر بن شبة موقوفا عليه قالوا اجتمع في ضيافة سكينة بنت الحسين عليه السلام جرير والفرزدق وكثير وجميل ونصيب فمكثوا أياما ثم أذنت لهم فدخلوا عليها فقعدت حيث تراهم ولا يرونها وتسمع كلامهم ثم أخرجت وصيفة لها وضيئة وقد روت الأشعار والأحاديث فقالت أيكم الفرزدق فقال لها هأنذا فقالت أنت القائل ( هما دلّتاني من ثمانينَ قامةً ... كما انحط بازٍ أقتم الريشِ كاسرُه ) ( فلما استوت رجلاي بالأرض قالتا ... أحي يُرَجَّى أم قتيل نحاذرهْ ) ( فقلت ارفعوا الأمراس لا يشعروا بنا ... وأقبلتُ في أعجاز ليلٍ أبادِرهْ ) ( أبادر بوابَيْن قد وُكِّلا بنا ... وأحمر من ساج تبِصُّ مسامرهْ ) قال نعم قالت فما دعاك إلى إفشاء سرها وسرك هلا سترتها وسترت نفسك خذ هذه الألف والحق بأهلك ثم دخلت على مولاتها وخرجت فقالت أيكم جرير فقال لها هأنذا فقالت أنت القائل ( طرقتكَ صائدة القلوب وليس ذا ... حينَ الزيارةِ فارجعي بسلامِ ) ( تُجْري السواك على أغرّ كأنه ... بَرَد تحدر من مُتون غَمام ) ( لو كان عهدك كالذي حدثتِنا ... لوصلتِ ذاك فكان غير رِمامِ ) ( إني أواصل من أردتُ وصاله ... بحبالِ لا صلِفٍ ولا لَوّام ) قال نعم قالت أفلا أخذت بيدها ورحبت بها وقلت لها ما يقال لمثلها أنت عفيف وفيك ضعف خذ هذه الألف والحق بأهلك ثم دخلت على مولاتها وخرجت فقالت أيكم كثير فقال هأنذا فقالت أنت القائل ( وأعجبني يا عَزُّ منك خلائق ... كرام إذا عُدَّ الخلائق أربعُ ) ( دنوُّك حتى يطمع الطالبُ الصِّبا ... ودفعك أسباب الهوى حين يطمع ) ( وقطعُك أسبابَ الكريم ووصلك الْلئيم ... وخَلاَّت المكارم ترفع ) ( فوالله ما يدري كريم مماطَلٌ ... أينساك إذ باعدتِ أم يتَضرعُ ) قال نعم قالت ملحت وشكلت خذ هذه الثلاثة الآلاف والحق بأهلك ثم دخلت إلى مولاتها وخرجت فقالت أيكم نصيب قال هأنذا قالت أأنت القائل ( ولولا أن يقال صبا نُصَيْب ... لقلت بنفسيَ النَّشَأُ الصِّغارُ ) ( بنفسي كل مهضوم حشاها ... إذا ظُلِمَتْ فليس لها انتصار ) قال نعم قالت ربيتنا صغارا ومدحتنا كبارا خذ هذه الأربعة الآلاف والحق بأهلك ثم دخلت على مولاتها وخرجت فقالت يا جميل مولاتي تقرئك السلام وتقول لك والله ما زلت مشتاقة لرؤيتك منذ سمعت قولك ( ألا ليتَ شعري هل أبيتن ليلةً ... بوادي القُرَى إني إذاً لسعيدُ ) ( لكلِّ حديثٍ بينهن بشاشة ... وكلُّ قتيل عندهن شهيد ) جعلت حديثنا بشاشة وقتلانا شهداء خذ هذه الأربعة الآلاف الدينار والحق بأهلك سكينة تحكم في شعر الشعراء أخبرني ابن أبي الأزهر قال حدثنا حماد عن أبيه عن أبي عبد الله الزبيري قال اجتمع بالمدينة راوية جرير وراوية كثير وراوية جميل وراوية نصيب وراوية الأحوص فافتخر كل واحد منهم بصاحبه وقال صاحبي أشعر فحكموا سكينة بنت الحسين بن علي عليهما السلام لما يعرفونه من عقلها وبصرها بالشعر فخرجوا يتقادون حتى استأذنوا عليها فأذنت لهم فذكروا لها الذي كان من أمرهم فقالت لراوية جرير أليس صاحبك الذي يقول ( طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... حِينَ الزيارةِ فارجِعي بسلامِ ) وأي ساعة أحلى للزيارة من الطروق قبح الله صاحبك وقبح شعره ألا قال فادخلي بسلام ثم قالت لراوية كثير أليس صاحبك الذي يقول ( يَقَرّ بعيني ما يقَرُّ بعينها ... وأحسن شيء ما به العين قَرّتِ ) فليس شيء أقر لعينها من النكاح أفيحب صاحبك أن ينكح قبح الله صاحبك وقبح شعره ثم قالت لراوية جميل أليس صاحبك الذي يقول ( فلو تَرَكَتْ عقلِي معي ما طلبتُها ... ولكن طِلابيها لما فات من عقلي ) فما أرى بصاحبك من هوى إنما يطلب عقله قبح الله صاحبك وقبح شعره ثم قالت لراوية نصيب أليس صاحبك الذي يقول ( أهيم بدعد ما حييت فإن أَمُت ... فيا حَرَبا من ذا يهيم بها بعدِي ) فما أرى له همة إلا من يتعشقههما بعده قبحه الله وقبح شعره ألا قال ( أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فلا صَلَحت دعد لذي خُلَّة بعدي ) ثم قالت لراوية الأحوص أليس صاحبك الذي يقول ( مِن عاشقين تواعدا وتراسلا ... ليلا إذا نجمُ الثريا حَلَّقا ) ( باتا بأنعمِ ليلة وألذها ... حتى إذا وضَح الصباحُ تفرّقا ) قال نعم قالت قبحه الله وقبح شعره ألا قال تعانقا قال إسحاق في خبره فلم تثن على أحد منهم في ذلك اليوم ولم تقدمه قال وذكر لي الهيثم بن عدي مثل ذلك في جميعهم إلا جميلا فإنه خالف هذه الرواية وقال فقالت لراوية جميل أليس صاحبك الذي يقول ( فيا ليتني أعمى أصمُّ تقودني ... بُثَينة لا يَخْفى علي كلامها ) قال نعم قالت رحم الله صاحبك كان صادقا في شعره كان جميلا كاسمه فحكمت له وفي الأشعار المذكورة في الأخبار أغان تذكر ها هنا نسبتها فمنها صوت ( هما دلتانِي من ثمانين قامةً ... كما انقض بازٍ أقتم الريش كاسرُهْ ) ( فلما استوت رجلاي بالأرض قالتا ... أحَيٌّ يرجَّى أم قتيل نحاذره ) عروضه - الطويل - الشعر للفرزدق والغناء للحجبي - ورمل - بالبنصر عن الهشامي وحبش وأخبرني أبو خليفة في كتابه إلي قال حدثنا محمد بن سلام عن يونس وحدثنا به اليزيدي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا محمد بن سلام عن يونس قال كان للفرزدق غلامان يقال لأحدهما وقاع وللآخر زنقطة قال ولوقاع يقول الفرزدق ( تغلغل وقّاع إليها فأقبلت ... تخوض خُدارِيا من الليل أخضرا ) ( لطيف إذا ما انغلَّ أدرك ما ابتغى ... إذا هو للظبي المَرُوعِ تقتَّرا ) وله يقول أيضا ( فأبْلَغَهنّ وحيَ القولِ عني ... وأدخل رأسه تحت القِرامِ ) ( أُسَيِّد ذو خُرَيِّطةٍ نهارا ... من المتلقِّطِي قَرَدِ القُمامِ ) ( فقلن له نواعدك الثريا ... وذاك إليه مجتمعُ الرِّجام ) صوت ( ثلاث واثنتان فهن خمسٌ ... وسادسة تميل مع السَّنام ) ( خرجن إليّ لم يطمثنَ قبلي ... فهُن أصح من بيض النعام ) ( فبتن بجانبيَّ مُصَرَّعاتٍ ... وبت أفُضُّ أغلاق الختام ) في هذه الأبيات الثلاثة لابن جامع - خفيف رمل - بالبنصر عن الهشامي وفيها هزج يمان بالوسطى عن عمرو بن بانة وذكر حبش أن الهزج لفليح وأن لحن ابن جامع ثاني ثقيل بالوسطى أخبرني أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال قال الفرزدق وهو بالمدينة ( هما دلتانِي من ثمانين قامةً ... كما انقض باز أقتم الريش كاسرُه ) ( فلما استوت رجلاي بالأرض قالتا ... أحَيٌّ يُرَجَّى أم قتيل نحاذره ) ( فقلت ارفعوا الأسباب لا يفطُنوا بنا ... ووليت في أعجاز ليل أبادره ) ( أبادر بوابَيْن قد وُكِّلا بنا ... وأحمرَ من ساجٍ تبِص مسامرُهْ ) ( وأصبحت في القوم الجلوسِ وأصبحت ... مُغَلَّقة دوني عليها دساكرُه ) قال فأنكرت ذلك قريش عليه وأزعجه مروان عن المدينة وهو واليها لمعاوية وأجله ثلاثة أيام فقال ( يا َمْروَ إنّ مطيتي محبوسة ... ترجوا الحِباء وربها لم ييأسِ ) ( وأتيتني بصحيفةٍ مختومةٍ ... أخشى عليّ بها حِباءَ النَّقْرِس ) ( ألقِ الصحيفة يا فرزدقُ لا تكن ... نكداءَ مثلَ صحيفة المتلمسِ ) وقال في ذلك ( وأخرجني وأجَّلني ثلاثا ... كما وُعِدت لمهلِكِها ثمودُ ) وذكر ذلك جرير في مناقضته إياه فقال ( وشبهتَ نفسك أشقى ثمودٍ ... فقالوا ضَلَلْت ولم تهتدِ ) يعني تأجيل مروان له ثلاثا وقال فيه أيضا جرير ( تدليتَ تزني من ثمانين قامةً ... وقَصَّرت عن باع العلا والمكارم ) وهما قصيدتان أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال قال سليمان بن عبد الملك للفرزدق أنشدني أجود شعر قلته فأنشده قوله ( عَزَفْتَ بأعشاشٍ وما كدتَ تعزِفُ ... وأنكرت من حَدْراء ما كنت تعرفُ ) فقال له زدني فأنشده قوله ( ثلاث واثنتان فهن خمس ... وسادسة تميل إلى الشمام ) فقال له سليمان ما أظنك إلا قد أحللت بنفسك العقوبة أقررت بالزنا عندي وأنا إمام ولا بد لي من إقامة الحد عليك قال إن أخذت في بقول الله عز و جل لم تفعل قال وما قال الله عز و جل قال قال ( والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) فضحك سليمان وقال تلافيتها ودرأت عن نفسك وأمر له بجائزة سنية وخلع عليه أخبرني هاشم بن محمد قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال نزل الفرزدق هو ومن معه بقوم من العرب فأنزلوه وأكرموه وأحسنوا قراه فلما كان في الليل دب إلى جارية منهم فراودها عن نفسها فصاحت فتبادر القوم إليها فأخذوها من يده وأنبوه فجعل يفكر واهتم فقال له الرجل الذي نزل به مالك أتحب أن أزوجك من هذه الجارية فقال لا والله ما ذلك بي ولكني كأني بابن المراغة قد بلغه هذا الخبر فقال في ( وكنتَ إذا حللتَ بدار قوم ... رحلتَ بخَزْية وتركت عارا ) فقال له الرجل لعله لا يفطن لهذا فقال عسى أن يكون ذلك قال فوالله ما لبثوا أن مر بهم راكب ينشد هذا البيت فسألوه عنه فأنشدهم قصيدة لجرير يعيره بذلك الفعل وفيها هذا البيت بعينه ومنها صوت ( طرقتك صائدةُ القلوب وليس ذا ... حِين الزيارة فارجعي بسلامِ ) ( تُجْرِي السواكَ على أغرَّ كأنه ... بَرَد تحدَّر من مُتون غَمام ) ( هيهاتَ منزلُنا بجوِّ سُوَيْقةٍ ... ممن يَحِلّ بواطن الآجام ) ( إقر السلام على سُعاد وقُل لها ... لَوْمَا تردَ رسولنا بسلام ) الشعر لجرير والغناء لابن سريج ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر عن ابن المكي وذكره إسحاق في هذه الطريق أيضا ولم ينسبه إلى أحد وأظنه من منحول يحيى وذكره عمرو بن بانة أيضا لابن سريج في الثاني والرابع في هذه الطريقة وذكر علي بن يحيى أن فيه لابن سريج ثقيل أول في الثاني والثالث وأنكر ذلك حبش وقال هو بالوسطى قال علي بن يحيى ومن الناس من ينسبه إلى سياط وذكر حبش أن فيه للهذلي خفيف ثقيل بالبنصر وللغريض ثاني ثقيل بالوسطى ومنها صوت ( مِن عاشقين تراسلا وتواعدا ... بِلِقاً إذا نجم الثريا حَلَّقا ) ( بعثا أمامهما مخافة رِقبة ... رَصَداً فمزَّق عنهما ما مَزَّقا ) ( باتا بأنعم ليلة وألذها ... حتى إذا وضح الصباحُ تفرقا ) الشعر للأحوص والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالبنصر عن يونس والهشامي رجع الحديث إلى أخبار سكينة سكينة والفرزدق وروى أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني عن أبي يعقوب الثقفي عن عامر الشعبي وذكر أيضا أبو عبيدة معمر بن المثنى أن الفرزدق خرج حاجا فلما قضى حجه خرج إلى المدينة فدخل على سكينة بنت الحسين عليه السلام مسلما فقالت له يا فرزدق من أشعر الناس قال أنا قالت كذبت أشعر منك الذي يقول ( بنفسيَ من تجنُّبه عزيزٌ ... عليّ ومن زيارته لِمامُ ) ( ومن أُمسي وأصبح لا أراه ... ويَطْرُقُني إذا هجَع النِّيامُ ) قال والله لئن أذنت لي لأسمعنك أحسن منه قالت أقيموه فأخرج ثم عاد إليها من الغد فدخل عليها فقالت يا فرزدق من أشعر الناس قال أنا قالت كذبت صاحبك أشعر منك حيث يقول ( لولا الحياء لعادني استعبارُ ... ولزرت قبرَك والحبيب يزارُ ) ( كانت إذا هجر الضجيعُ فراشها ... كُتِم الحديث وعفَّتِ الأسرارُ ) ( لا يُلْبِث القرناءَ أن يتفرقوا ... ليلٌ يكُرّ عليهم ونهارُ ) فقال والله لئن أذنت لي لأسمعنك أحسن منه فأمرت به فأخرج ثم عاد إليها في اليوم الثالث وحولها مولدات كأنهن التماثيل فنظر الفرزدق إلى واحدة منهن فأعجب بها فقالت يا فرزدق من أشعر الناس فقال أنا فقالت كذبت صاحبك أشعر منك حيث يقول ( إن العيون التي في طرفها مَرَض ... قتلننا ثم لم يُحْيِين قتلانا ) ( يَصْرَعن ذا اللب حتى لا حَرَاك به ... وهن أضعفُ خلق الله أركانا ) فقال يا بنت رسول الله إن لي عليك حقا عظيما ضربت إليك من مكة أريد التسليم عليك فكان في دخولي إليك تكذيبي ومنعك إياي أن أسمعك وبي ما قد عيل معه صبري وهذه المنايا تغدو وتروح ولعلي لا أفارق المدينة حتى أموت فإن أنا مت فمري أن أدرج في كفني وأدفن في حر تلك الجارية يعني الجارية التي أعجبته فضحكت سكينة وأمرت له بالجارية فخرج بها آخذا بريطتها وأمرت الجواري أن يدفعن في أقفائهما ثم قالت يا فرزدق أحسن صحبتها فإني آثرتك بها على نفسي أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا علي بن محمد النوفلي قال حدثني أبي عن أبيه وعمومته وجماعة من شيوخ بني هاشم أنه لم يصل على أحد بعد رسول الله بغير إمام إلا سكينة بنت الحسين عليه السلام فإنها ماتت وعلى المدينة خالد بن عبد الملك فأرسلوا إليه فآذنوه بالجنازة وذلك في أول النهار في حر شديد فأرسل إليهم لا تحدثوا حدثا حتى أجيء فأصلي عليها فوضع النعش في موضع المصلى على الجنائز وجلسوا ينتظرونه حتى جاءت الظهر فأرسلوا إليه فقال لا تحدثوا فيها شيئا حتى أجيء فجاءت العصر ثم لم يزالوا ينتظرونه حتى صليت العشاء كل ذلك يرسلون إليه فلا يأذن لهم حتى صليت العتمة ولم يجىء ومكث الناس جلوسا حتى غلبهم النعاس فقاموا فأقبلوا يصلون عليها جمعا جمعا وينصرفون فقال علي بن الحسين عليه السلام من أعان بطيب رحمه الله قال وإنما أراد خالد بن عبد الملك فيما ظن قوم أن تنتن قال فأتي بالمجامر فوضعت حول النعش ونهض ابن أختها محمد بن عبد الله العثماني فأتى عطارا كان يعرف عنده عودا فاشتراه منه بأربعمائة دينار ثم أتى به فسجر حول السرير حتى أصبح وقد فرغ منه فلما صليت الصبح أرسل إليهم صلوا عليها وادفنوها فصلى عليها شيبة بن نصاح وذكر يحيى بن الحسين في خبره أن عبد الله بن حسن هو الذي ابتاع لها العود بأربعمائة دينار صوت ( وأنا الأخضرُ من يعرفني ... أخضرُ الجلدة من بيت العَرَبْ ) ( من يساجلْني يساجلْ ماجداً ... يملأ الدلوَ إلى عَقْد الكَرَبْ ) ( إنما عبد مناف جوهر ... زيَّن الجوهرَ عبدُ المطلِبْ ) ( كل قوم صيغة من فضة ... وبنو عبد مناف من ذَهَبْ ) ( نحن قوم قد بنى الله لنا ... شرفاً فوق بُيوتات العرب ) ( بنبي الله وابني عمه ... وبعباس بن عبد المطَّلِبْ ) الشعر للفضل بن العباس اللهبي والغناء لمعبد - ثقيل - أول بالبنصر في الأول والثاني والثالث ولابن محرز في الأول والثاني - خفيف ثقيل - أول مطلق في مجرى البنصر وذكر يونس أن فيهما لمعبد ومالك وابن محرز وابن مسجح وابن سريج خمسة ألحان وذكر الهشامي أن لحن ابن سريج رمل ولحن مالك - خفيف ورمل - ولحن معبد - خفيف ثقيل - ولحن ابن محرز - ثقيل - أول وذكر ابن المكي أن الثقيل الأول لمالك وذكر عمرو بن بانة في كتابه الثاني أن لابن مسجح أو لابن محرز فيه - خفيف رمل - وذكر الهشامي أن فيه رملا آخر بالوسطى لأبي سعيد مولى فائد ولأبي الحسن مولى سكينة في الثالث والرابع - خفيف ثقيل - وذكر حبش أن لابن صاحب الوضوء في الأول والثاني ثاني - ثقيل - بالبنصر ولابن سريج - ثقيل - أول بالبنصر وذكر حماد عن أبيه أن لابن عائشة فيهما لحنا ووافقه ابن المكي وذكر أنه - خفيف رمل - قال وقيل إنه لدحمان وذكر ابن خرداذبه أن لخليدة المكية في الرابع والثالث - خفيف رمل - وفي الخامس والسادس والأول - رمل - يقال إنه لإبراهيم ويقال إنه لإسحاق والخامس والسادس من هذه الأبيات وإن كان شعر الفضل بن العباس اللهبي فليس من القصيدة التي فيها ( وأنا الأخضر من يعرفني ... ) لكن من قصيدة له أولها ( شاب رأسي ولِداتي لم تشب ... بعد لهو وشباب ولَعِبْ ) ( شيبَ المفرِق مني وبدا ... في حفافَيْ لحيتي مثلُ العطَبْ ) في هذين البيتين لهاشم ونفيلة - خفيف رمل - بالوسطى والقصيدة التي فيها ( وأنا الأخضر من يعرفني ... أخضر الجلدة من نسل العرب ) أولها قوله ( طَرِب الشيخُ ولا حينَ طَرَبْ ... وتصابى وصِبا الشيخِ عَجَبْ ) أخبار الفضل بن العباس اللهبي ونسبه الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب واسمه عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وكان أحد شعراء بني هاشم المذكورين وفصحائهم وكان شديد الأدمة ولذلك قال ( وأنا الأخضر من يعرفني ... ) وهو هاشمي الأبوين أمه بنت العباس بن عبد المطلب أخبرني بذلك محمد بن العباس اليزيدي عن عمه عبيد الله عن ابن حبيب وإنما أتاه السواد من قبل أمه جدته وكانت حبشية وكان النبي زوج عتبة إحدى بناته فلما بعثه الله تعالى نبيا أقسمت عليه أم جميل أن يطلقها فجاء إلى النبي فقال يا محمد أشهد من حضر أني قد كفرت بربك وطلقت ابنتك فدعا عليه رسول الله أن يبعث الله عليه كلبا من كلابه يقتله فبعث الله عز و جل عليه أسدا فافترسه أخبرني الحسن بن القاسم البجلي الكوفي قال حدثنا علي بن إبراهيم بن المعلى قال حدثني الوليد بن وهب عن أبي حمزة الثمالي عن عكرمة قال لما نزلت ( والنجم إذا هوى ) قال عتبة للنبي أنا أكفر برب النجم إذا هوى فقال رسول الله اللهم أرسل عليه كلبا من كلابك قال فقال ابن عباس فخرج إلى الشام في ركب فيهم هبار بن الأسود حتى إذا كانوا بوادي الغاضرة وهي مسبعة نزلوا ليلا فافترشوا صفا واحدا فقال عتبة أتريدون أن تجعلوني حجرة لا والله لا أبيت إلا وسطكم فبات وسطهم قال هبار فما أنبهني إلا السبع يشم رؤوسهم رجلا رجلا حتى انتهى إليه فأنشب أنيابه في صدغيه فصاح أي قوم قتلني دعوة محمد فأمسكوه فلم يلبث أن مات في أيديهم أخبرني الحسن بن الهيثم قال حدثنا علي بن إبراهيم قال حدثني الوليد بن وهب عن أبي حمزة عن هشام بن عروة عن أبيه مثله إلا أنه قال قال عتبة أن بريء من الذي دنا فتدلى قال وقال هبار فضغمه الأسد ضغمة فالتقت أنيابه عليه الفضل والأحوص نسخت من كتاب ابن النطاح عن الهيثم بن عدي وقد أخبرنا به محمد بن العباس اليزيدي في كتاب الجوابات قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني إلا أن رواية ابن النطاح أتم واللفظ له قال مر الفضل اللهبي بالأحوص وهو ينشد وقد اجتمع الناس عليه فحسده فقال له يا أحوص إنك لشاعر ولكنك لا تعرف الغريب ولا تعرب قال بلى والله إني لأبصر الناس بالغريب والإعراب فأسألك قال نعم قال ( ما ذاتُ حَبْلٍ يراها الناس كلهمُ ... وَسْط الجحيم فلا تخفَى على أحدِ ) ( كل الحِبالِ حبالِ الناسِ من شَعَرٍ ... وحبلها وَسْطَ أهلِ النار من مسدِ ) فقال له الفضل بن العباس ( ماذا أردت إلى شتمِي ومَنْقَصتِي ... ماذا أردت إلى حمَّالةِ الحطبِ ) ( أَذْكَرْتَ بنتَ قُروم سادةٍ نُجُبٍ ... كانت حليلة شيخ ثاقبِ النَّسبِ ) فانصرف عنه بين الفضل والحزين الديلي والفرزدق قال ابن النطاح وحدثت أن الحزين الديلي مر بالفضل يوم جمعة وعنده قوم ينشدهم فقال له الحزين أتنشد الشعر والناس يروحون إلى الصلاة فقال الفضل ويلك يا حزين أتتعرض لي كأنك لا تعرفني قال بلى والله إني لأعرفك ويعرفك معي كل من قرأ سورة ( تبت يدا أبي لهب ) وقال يهجوه ( إذا ما كنت مفتخِراً بجَد ... فعرِّج عن أبي لهبٍ قليلا ) ( فقد أَخزَى الإِله أباك دهراً ... وقَلَّد عِرسه حبلا طويلا ) فأعرض عنه الفضل وتكرم عن جوابه وكان الحزين مغرى به وبهجائه حدثني الحسن بن علي قال حدثنا القاسم بن محمد الأنباري قال حدثنا أبو عكرمة عامر بن عمران قال دخل الفرزدق المدينة فنظر إلى الفضل بن العباس بن عتبة ينشد ( من يساجِلْنِي يساجِلْ ماجداً ... يملأ الدلو إلى عَقْدِ الكَرَبْ ) فقال الفرزدق من المنشد فأخبر به فقال ما يساجلك إلا من عض بظر أمه حدثني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا محمد بن الحكم قال قدم الوليد بن عبد الملك حاجا إلى مكة وهو خليفة فدخل عليه الفضل بن العباس بن عتبة فشكا إليه كثرة العيال وسأله فأعطاه مالا وإبلا ورقيقا فلما مات الوليد ولي سليمان فحج فأتاه فسأله فلم يعطه شيئا فقال ( يا صاحب العيِسِ التي رُحِلت ... محبوسة لعشِيةِ النَّفْرِ ) ( امرر على قبر الوليدِ فقل له ... صلَّى الإِله عليك من قبر ) ( يا واصل الرَّحم التي قُطِعت ... وأصابها الجَفَوات في الدهر ) ( إني وجدت الخِلّ بعدك كاذبا ... فبرِئت من كذبٍ ومن غَدْر ) ( ولقد مررت بنسوةٍ يندبنه ... بيضِ السواعدِ من بني فِهر ) ( تبكي لسيدها الأجل وما ... يبكين من نابٍ ولا بَكْر ) ( يبكِينه ويقلن سَيدَنا ... ضاع الخلافةُ آخر الدهر ) ( ماذا لقيتُ جزِيتَ صالحة ... من جفوةِ الإخوان لو تدرِي ) أخبرني وكيع بهذا الخبر قال حدثني محمد بن علي بن حمزة قال حدثنا أبو غسان قال أخبرنا أبو عبيدة عن عبد العزيز بن أبي ثابت قال كان الفضل بن العباس منقطعا إلى الوليد بن عبد الملك فلما مات الوليد جفاه سليمان وحرمه فقال ( يا راكب العيسِ التي وُقِفت ... لِلنفْر يوم صبيحةِ النحرِ ) وذكر الأبيات قال وكان الوليد فرض له فريضة يعطاها كل سنة فقال يا أمير المؤمنين بقي شارب الريح قال وما شارب الريح قال حماري افرض له شيئا ففرض له خمسة دنانير فأخذها ولم يكن يطعمه فعمد رجل فكتب رقعة يذكر فيها قصة الحمار وعلقها في عنقه وجاء بها إلى القاضي فأضحك منه الناس بخل الفضل حدثنا اليزيدي قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثني أبو الشكر مولى بني هاشم كوفي ظريف قال كان الفضل بن العباس بخيلا فقدم علي بن عبد الله بن العباس حاجا فأتاه في منزله مسلما عليه فقال كيف أنت وكيف حالك قال بخير نحن في عافية قال فهل من حاجة قال لا والله وإني لأشتهي هذا العنب وقد أغلاه علينا هؤلاء العلوج فغمز غلاما له فذهب فأتاه بسلة عظيمة من عنب فجعل يغسل له عنقودا عنقودا ويناوله فكلما فعل ذلك قال برتك رحم أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير بن بكار عن عمه قال كان الفضل بن العباس بخيلا وكان ثقيل البدن إذا أراد أن يمضي في حاجة استعار مركوبا فطال ذلك عليه وعلى أهل المدينة من فعله فقال له بعض بني هاشم أنا أشتري لك حمارا تركبه وتستغني عن العارية ففعل وبعث به إليه فكان يستعير له سرجا إذا أراد أن يركبه فتواصى الناس بألا يعيره أحد سرجا فلما طال عليه ذلك اشترى سرجا بخمسة دراهم وقال ( ولما رأيت المال مَأْلف أهلِه ... وصان ذوِي الأخطار أن يتبذلوا ) ( رجعت إلى مالِي فأعتبت بعضه ... فأعتبني إني كذلك أفعل ) ثم قال للذي اشترى له الحمار إني لا أطيق علفه فإما أن تبعث إلي علفه وإلا رددته فكان يبعث إليه بعلف كل ليلة وشعير ولا يدع هو أيضا أن يطلب من كل أحد يأنس به علفا لحماره فيبعث به إليه فيعلفه التبن دون الشعير حتى هزل وعطب فرفع الحزين الكناني إلى ابن حزم أو عبد العزيز بن عبد المطلب رقعة وكتب في رأسها قصة حمار الفضل اللهبي وذكر فيها أنه يركبه ويأخذ علفه وقضيمه من الناس ويعلفه التبن ويبيع الشعير ويأخذ ثمنه ويسأل أن ينصف منه فضحك لما قرأ الرقعة وقال لئن كنت مازحا إني لأراك صادقا وأمر بتحويل حمار اللهبي إلى إصطبله ليعلفه ويقضمه فإذا أراد ركوبه دفع إليه أخبرني وكيع قال حدثني محمد بن سعد الشامي عن ابن عائشة قال كان الفضل اللهبي بغير سرج فاستعار سرجا فمطله الرجل حتى خاف أن تفوته حاجته فاشترى سرجا ومضى لحاجته وأنشأ يقول ( ولما رأيت المال مألف أهله ... ) وذكر البيتين ولم يزد عليهما شيئا أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني علي بن محمد النوفلي قال كان أبي عند إسحاق بن عيسى بن علي وهو والي البصرة وعنده وجوه أهل البصرة وقد كانت فيهم بقية حسنة في ذلك الدهر فأفاضوا في ذكر بني هاشم وما أعطاهم الله من الفضل بنبيه فمن منشد شعرا ومتحدث حديثا وذاكر فضيلة من فضائل بني هاشم فقال أبي قد جمع هذا الكلام الفضل بن العباس اللهبي في بيت قاله ثم أنشد قوله ( ما بات قومٌ كرام يدّعون يدا ... إلا لقومي عليهم مِنَّة ويدُ ) ( نحن السَّنام الذي طالت شظِيته ... فما يخالطه الأدواء والعَمَد ) فمن صلى صلاتنا وذبح ذبيحتنا عرف أن لرسول الله يدا عليه بما هداه الله عز و جل إلى الإسلام به ونحن قومه فتلك منة لنا على الناس وفي هذين البيتين غناء لابن محرز هزج بالبنصر في رواية عمرو بن بانة وقوله طالت شظيته الشظية الشظى قال دريد بن الصمة ( سليم الشَّظَى عَبْلُ الشَّوَى شنِج النسا ... أمين القُوى نهدٌ طويل المقلَّد ) والعمد داء يصيب البعير من مؤخر سنامه إلى عجزه فلا يلبثه أو يقتله مدحه عبد الملك أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران قال أخبرني أحمد بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص قال قدم الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب على عبد الملك بن مروان فأنشده وعنده ابن لعبيد الله بن زياد فقال الزيادي والله ما أسمع شعرا فلما كان العشي راح إليه الفضل فوقف بين يديه ثم قال يا أمير المؤمنين ( أتيتك حالا وابن عم وعمةٍ ... ولم أك شَعْبا لاطه بك مِشعَبُ ) ( فصِلْ واشجاتٍ بيننا من قرابة ... ألا صِلةُ الأرحام أبقَى واقرب ) ( ولا تجعلّني كامرىء ليس بينه ... وبينكم قربى ولا متَنسَّب ) ( أتحدِب من دون العشيرةِ كلها ... فأنت على مولاك أحنى وأحدب ) فقال الزيادي هذا والله يا أمير المؤمنين الشعر فقال عبد الملك النخس يكفيك البطيء وجعل يضحك من استرسال الزيادي في يده وأحسن صلته وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني النوفلي قال حدثني عمي قال لما قدم الفضل اللهبي على عبد الملك بن مروان أمر له بعشرة آلاف درهم ثم حج الوليد فأمر له بمثلها فلما قدم الأحيحي على المهدي فمدحه قال المهدي لمن حضر كم كان عبد الملك أعطى الفضل اللهبي لما مدحه فما أعلم هاشميا مدحه غيره فقيل له أعطاه عشرة آلاف درهم قال فكم أعطاه الوليد قالوا مثل عطية أبيه فأمر للأحيحي بثلاثين ألف درهم أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن معاوية عن عثمان بن إبراهيم الحاطبي قال خرج علي بن عبد الله بن العباس بالفضل اللهبي إلى عبد الملك بن مروان بالشام فخرج عبد الملك يوما رائحا على نجيب له ومعه بغلة تجنب فحدا حادي عبد الملك به فقال ( يا أيها البكر الذي أراكا ... عليك سهلَ الأرضِ في ممشاكا ) ( ويلَك هل تعلم من علاكا ... إن ابن مروان على ذُراكا ) ( خليفة الله الذي امتطاكا ... لم يَعْلُ بكراً مثلُ من علاكا ) فعارضه الفضل اللهبي فحدا بعلي بن عبد الله بن عباس فقال ( يا أيها السائل عن عليّ ... سألت عن بدر لنا بدرِيّ ) ( أغلبَ في العلياء غالبيِّ ... وليِّنِ الشيمةِ هاشمي ) ( حاء على بكر له مَهْرِي ... ) فنظر عبد الملك إلى علي فقال أهذا مجنون آل أبي لهب قال نعم فلما أعطى قريشا مر به اسمه فحرمه وقال يعطيه علي هكذا رواية عمر بن شبة وأخبرني ابن عمار بهذا الخبر عن علي بن محمد بن النوفلي عن عمه أن سليمان بن عبد الملك حج في خلافة الوليد فجاء إلى زمزم فجلس عندها ودخل الفضل اللهبي يستقي فجعل يرتجز ويقول ( يا أيها السائل عن عليّ ... سألت عن بدرٍ لنا بدريِّ ) ( مقدَّم في الخير أبطحِيِّ ... ولينِ الشيمةِ هاشميّ ) ( زمزمَنا بوركتِ من ركيِّ ... بورِكتِ للساقي وللمسقيّ ) فغضب سليمان وهم بالفضل فكفه عنه علي بن عبد الله ثم أتاه بقدح فيه نبيذ من نبيذ السقاية فأعطاه إياه وسأله أن يشربه فأخذه من يده كالمتعجب ثم قال نعم إنه يستحب ووضعه في يده ولم يشربه فلما ولي الخلافة وحج لقيه الفضل فلم يعطه شيئا نسخت من كتاب ابن النطاح قال ذكر أبو الحسن المدائني أن الحارث بن خالد المخزومي كان يحسد الفضل اللهبي على شعره ويعاديه لأن أبا لهب كان قامر جده العاصي بن هشام على ماله فقمره ثم قامره على رقة فقمره فأسلمه قينا ثم بعث به بديلا يوم بدر فقتله علي بن أبي طالب عليه السلام فكان إذا أنشد شيئا من شعره يقول هذا شعر ابن حمالة الحطب فقال الفضل في ذلك ( ماذا تحاول من شتمي ومنقصتي ... ماذا تُعَيِّر من حمالة الحطبِ ) ( غراء سائلة في المجد غُرتها ... كانت حليلة شيخ ثاقِب النسب ) ( إنا وإن رسول الله جاء بنا ... شيخ عظيم شؤون الرأس والنشبِ ) ( يا لعن الله قوما أنت سيدهم ... في جلدة بين أصل الثيِّل والذنب ) ( أبالقيون توافيني تفاخِرني ... وتدعي المجد قد أفرطتَ في الكذبِ ) ( وفي ثلاثةِ رهطٍ أنت رابعهم ... توعدني واسطاً جرثومةَ العرب ) ( في أسرة من قريش هم دعائمها ... تشفِي دماؤهم للخيْل والكَلَب ) ( اما أبوك فعبدٌ لستَ تنكره ... وكان مالكَه جدي أبو لهب ) ( النبعُ عيداننا والمجدُ شِيمتنا ... لسنا كقومِك من مَرْخ ولا غَرَبِ ) أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله بن محمد عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي قال كان رجل من بني كنانة يقال له عقرب حناط قد داين الفضل اللهبي فمطله ثم مر به الفضل وهو يبيع حنطة له ويقول ( جاءت بها ضابطة التِّجَارِ ... صافية كقطع الأوتارِ ) فقال الفضل ( قد تَجَرت عَقْربُ في سوقنا ... يا عجَباً للعقربِ التاجرهْ ) ( قد صافتِ العقربُ واستيقنت ... أنْ مالها دنيا ولا آخرهْ ) ( فإن تعدْ عادت لما ساءها ... وكانتِ النعلُ لها حاضرهْ ) ( إنّ عدُوا كيدُه في استِهِ ... لَغَيرُ ذي كيدٍ ولا نائرهْ ) ( كل عدو يُتَّقَى مقبلاً ... وعَقْرب تُخْشَى من الدابِرهْ ) ( كأنها إذ خرجت هَوْدجٌ ... شَدَّت قُواه رُفعة باكرهْ ) مفاخرته مع عمر بن أبي ربيعة أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا دماذ أبو غسان عن أبي عبيدة ووجدته في بعض الكتب عن الرياشي عن زكويه العلائي عن ابن عائشة عن أبيه والروايتان كالمتفقتين أن عمر بن أبي ربيعة وفد على عبد الملك بن مروان فأدخل عليه فسأله عن نسبه فانتسب فقال له ( لا أنعم الله بقَيْن عينا ... تحية السخطِ إذا التقينا ) أأنت لا أم لك القائل صوت ( نظرت إليها بالمحصَّب مِن مِنىً ... ولي نظر لولا التحرُّج عارِمُ ) ( فقلت أشمس أم مصابيح بِيعةٍ ... بدت لك خلف السجفِ أم أنت حالم ) ( بعيدةُ مَهْوى القُرْط إمّا لنوفل ... أبوها وإما عبدُ شمس وهاشِمُ ) الغناء لابن سريج - رمل - بالوسطى من رواية عمرو بن بانة ومن رواية حماد بن إسحاق عن أبيه ولمعبد فيه لحن من رواية إسحاق - ثقيل - أول بالسبابة في مجرى البنصر أوله ( بعيدة مهْوَى القرطِ إما لنوفل ... ) وفي لحن معبد خاصة قوله ( ومد عليها السجف يوم لقيتها ... على عجلٍ تُبَّاعها والخوادم ) وتمام الشعر ( فلم أستطعها غير أنْ قد بدا لنا ... عشية راحت كفُّها والمعاصمُ ) ( معاصم لم تضرب على البَهْم بالضُّحَى ... عصاها ووجه لم تَلُحْه السَّمائم ) نرجع إلى سياقة الخبر ثم قال له عبد الملك قاتلك الله ما ألأمك أما كانت لك في بنات العرب مندوحة عن بنات عمك فقال عمر بئست والله هذه التحية يا أمير المؤمنين لابن العم على شحط الدار ونأي المزار فقال له عبد الملك أراك مرتدعا عن ذلك فقال إني إلى الله تعالى تائب فقال عبد الملك إذن يتوب الله عليك وسيحسن جائزتك ولكن أخبرني عن منازعتك اللهبي في المسجد الجامع فقد أتاني نبأ ذلك وكنت أحب أن أسمعه منك قال عمر نعم يا أمير المؤمنين بينا أنا جالس في المسجد الحرام في جماعة من قريش إذ دخل علينا الفضل بن العباس بن عتبة فسلم وجلس ووافقني وأنا أتمثل بهذا البيت ( وأصبح بَطنُ مكة مقشعِرَّا ... كأن الأرضَ ليسَ بها هِشام ) فأقبل علي وقال يا أخا بني مخزوم والله إن بلدة تبحبح بها عبد المطلب وبعث منها رسول الله واستقر بها بيت الله عز و جل لحقيقة ألا تقشعر لهشام وإن أشعر من هذا البيت وأصدق قول من يقول ( إنما عبد مناف جوهر ... زَيَّنَ الجوهرَ عبدُ المطلِب ) فأقبلت عليه فقلت يا أخا بني هاشم إن أشعر من صاحبك الذي يقول ( إن الدليل على الخيراتِ أجمعِها ... أبناءُ مخزومَ للخيرات مخزومُ ) فقال لي أشعر والله من صاحبك الذي يقول ( جبريلُ أهْدَى لنا الخيرات أجمعَها ... إذ أمَّ هاشمَ لا أبناءَ مخزوم ) فقلت في نفسي غلبني والله ثم حملني الطمع في انقطاعه علي فخاطبته فقلت بل أشعر منه الذي يقول ( أبناء مخزومٍ الحريقُ إذا ... حركته تارة ترى ضَرَما ) ( يَخرج منه الشَّرارُ معْ لَهَبٍ ... من حاد عن حَرِّه فقد سلِما ) فوالله ما تلعثم أن أقبل علي بوجهه فقال يا أخا بني مخزوم أشعر من صاحبك وأصدق الذي يقول ( هاشمُ بحر إذا سما وطما ... أخمد حَرّ الحريق واضطرما ) ( واعْلَم وخير المقال أصدقُه ... بأنّ من رام هاشماً هُشِما ) قال فتمنيت والله يا أمير المؤمنين أن الأرض ساخت بي ثم تجلدت عليه فقلت يا أخا بني هاشم أشعر من صاحبك الذي يقول ( أبناءُ مخزومَ أنجمٌ طلعتْ ... للناس تجلو بنورها الظُّلما ) ( تجود بالنَّيل قبلَ تُسْأَله ... جُوداً هنيئاً وتضربُ البُهما ) فأقبل علي بأسرع من اللحظ ثم قال أشعر من صاحبك وأصدق الذي يقول ( هاشمُ شمسٌ بالسَّعْدِ مَطْلَعها ... إذا بَدَت أخفت النجومَ مَعَا ) ( اختار منها ربِّي النبيَّ فمن ... قارَعَها بعد أحمد قُرِعا ) فاسودت الدنيا في عيني ودير بي وانقطعت فلم أحر جوابا ثم قلت له يا أخا بني هاشم إن كنت تفخر علينا برسول الله فما يسعنا مفاخرتك فقال كيف لا أم لك والله لو كان منك لفخرت به علي فقلت صدقت واستغفر الله إنه لموضع الفخار وداخلني السرور لقطعه الكلام ولئلا ينالني عوز عن إجابته فأفتضح ثم إنه ابتدأ بالمناقضة فأفكر هنيهة ثم قال قد قلت فلم أجد بدا من الاستماع فقلت هات فقال ( نحنُ الذين إذا سما لِفَخارهم ... ذو الفخر أقعده هناك القُعْدُدُ ) ( افخَر بنا إن كنتَ يوماً فاخراً ... تَلْق الأُلى فخروا بفخرك أُفْرِدوا ) ( قل يابن مخزومٍ لكل مفاخرٍ ... منا المباركُ ذو الرسالة أحمد ) ( ماذا يقول ذوو الفَخار هُنِا لِكُمْ ... هَيهاتَ ذلك هل يُنال الفرقَدُ ) فحصرت والله وتبلدت وقلت له إن لك عندي جوابا فأنظرني وأفكرت مليا ثم أنشأت أقول ( لا فَخْرَ إلا قد علاه محمدٌ ... فإذا فخرتَ به فإني أشهدُ ... ) ( أَنْ قَدْ فخرتَ وفُقْت كلَّ مفاخرٍ ... وإليك في الشرف الرفيعِ المَعْمَدُ ) ( ولنا دعائم قد بناها أوّلٌ ... في المكرمات جرى عليها المَوْلِدُ ) ( من رامها حاشى النبي وأهله ... بالفخر غطمطه الخليجُ المُزْبد ) ( دعْ ذا ورُحْ لِغناء خَوْدٍ بَضَّةٍ ... مما نطقتَ به وغَنَّى مَعْبدُ ) ( معْ فتية تَنْدى بطونُ أكفهم ... جُودا إذا هَرَّ الزمانُ الأنكَدُ ) ( يتناولون سُلافة عانيَّة ... طابت لشاربها وطاب المقْعَد ) فوالله يا أمير المؤمنين لقد أجابني بجواب كان أشد علي من الشعر قال لي يا أخا بني مخزوم أريك السها وتريني القمر - قال أبو عبد الله اليزيدي أدلك على الأمر الغامض وأنت لم تبلغ أن ترى الأمر الواضح وهذا مثل - أتخرج من المفاخرة إلى شرب الراح وهي الخمر المحرمة فقلت له أما علمت أصلحك الله أن الله عز و جل يقول في الشعراء ( وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) فقال صدقت وقد استثنى الله قوما منهم فقال ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فإن كنت منهم فقد دخلت تحت الاستثناء وقد استحققت العقوبة بدعائك إليها وإن لم تكن منهم فالشرك بالله عليك أعظم من شرب الخمر فقلت أصلحك الله لا أجد للمستخذي شيئا أصلح من السكوت فضحك وقال أستغفر الله وقام عني قال فضحك عبد الملك حتى استلقى وقال يابن أبي ربيعة أما علمت أن لبني عبد مناف ألسنة لا تطاق ارفع حوائجك قال فرفعتها فقضاها وأحسن جائزتي وصرفني واللفظ في هذا الخبر لمحمد بن العباس ذكر خبر من لم يمض له خبر ولا يأتي ممن ذكرت صنعته في هذا الخبر منهم خليدة المكية وهي مولاة لابن شماس كانت هي وعقيلة وربيحة يعرفن بالشماسيات وقد أخذت الغناء عن ابن سريج ومعبد ومالك فأخبرني الحرمي بن أبي العلاء والطوسي قالا حدثنا الزبير بن بكار عن عمه قال كانت لهشام بن عروة جفنة يصيب منها هو وبنوه ناحية وكان محمد بن هشام يصنع الطعام الرقيق فيشير إليهم فيمسكون عن الأكل فيفطن هشام فيقول لقد حدث شيء ثم يقوم محمد فيتسلل القوم إليه وجاءت خليدة المكية فصعدوا غرفة فلما غنت إذا حفز ونفس فإذا هو هشام قد طلع وهو ينشد ( يا قدميّ الحقاني بالقوم ... لا تَعِداني كَسَلا بعد اليومْ ) فلما رآهم قال أحسبه قد جلس معهم وقال لخليدة غني فغنت فقال لها اكتبي في صدرك قل هو الله أحد والمعوذتين لا تصيبك العين أخبرني علي بن عبد العزيز الكاتب عن ابن خرداذبة قال حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن الفضل بن الربيع قال ما رأيت ابن جامع يطرب لغناء كما يطرب لغناء خليدة المكية وكانت سوداء وفيها يقول الشاعر ( فتَنَت كاتبَ الأَمير رِياحا ... يا لقومٍ خُلَيدة المكيهْ ) أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة ونسخت هذا الخبر بعينه من كتاب جعفر بن قدامة يخطه قال حدثني عمر بن شبة قال بلغني أن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أرسل إلى خليدة المكية أبا عون مولاه يخطبها عليه فاستأذن فأذنت له وعليها ثياب رقاق لا تسترها ثم وثبت فقالت إنما ظننتك بعض سفهائك ولكني ألبس لك ثياب مثلك ثم أخرج إليك ففعلت وقالت قل قال أرسلني إليك مولاي وهو من تعلمين بين رسول الله وبين علي وعثمان وهو ابن عم أمير المؤمنين يخطبك وقالت قد نسبته فأبلغت فاسمع نسبي أنا بأبي أنت إن أبي بيع على غير عقد الإسلام ولا عهده فعاش عبدا ومات وفي رجله قيد وفي عنقه سلسلة وعلى الإباق والسرقة وولدتني امي على غير رشدة وماتت وهي آبقة فأنا من تعلم فإن أراد صاحبك نكاحا مباحا أو زنا صراحا فهلم إليه فنحن له فقال إنه لا يدخل في الحرام قالت ولا ينبغي أن يستحيي من الحلال فأما نكاح السر فلا والله لا فعلته ولا كنت عارا على القيان قال فأتيت محمدا فأخبرته فقال ويلك أتزوجها معلنا وعندي بنت طلحة بن عبيد الله لا ولكن ارجع إليها فقل لها تختلف إلي أردد بصري فيها لعلي أسلو فرجعت فأبلغتها الرسالة فضحكت وقالت أما هذا فنعم لسنا نمنعه منه صوت ( رُبَّ ليلٍ ناعم أحييتُه ... في عفافٍ عند قبّاءِ الحشَى ) ( ونهار قد لهونا بالتي ... لا نرى شبهاً لها فيمن مَشَى ) ( لِطلوعِ الشمس حتى آذنت ... بغروب عند إبان العِشا ) ( لِسُلَيمَى ما دعت قُمْريّة ... بهديل فوق غصن من غَضَى ) ( وعُقارٍ قهوةْ باكرتُها ... في ندامَى كمصابيح الدُّجى ) ( وجواد سابح أقحمته ... حَوْمة الموت على زُرق القَنا ) الشعر للمهاجر بن خالد بن الوليد فيما ذكر الزبير بن بكار وذكر أبو عمرو الشيباني وخالد بن كلثوم أنه لابنه خالد بن المهاجر والغناء لابن محرز - ثقيل - أول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وفيه لإبراهيم الموصلي لحنان أحدهما - هزج خفيف - بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق وابن المكي والآخر - رمل - بالبنصر عن عمرو وابن المكي والهشامي وفيه لمعبد - خفيف ثقيل - بالخنصر والبنصر عن ابن المكي قال وفيه لمالك - خفيف ثقيل - آخر نشيد ووافقه عمرو والهشامي وذكر عمرو في نسخته الأولى أنه لابن محرز والمعمول عليه الرواية الثانية أخبار المهاجر بن خالد ونسبه وأخبار ابنه خالد المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وكان الوليد بن المغيرة سيدا من سادات قريش وجوادا من جودائها وكان يلقب بالوحيد وأمه صخرة بنت الحارث بن عبد الله بن عبد شمس امرأة من بجيلة ثم من قسر ولما مات الوليد بن المغيرة أرخت قريش بوفاته مدة لإعظامها إياه حتى كان عام الفيل فجعلوه تاريخا هكذا ذكر ابن دأب وأما الزبير بن بكار فذكر عن عمرو بن أبي بكر المؤملي أنها كانت تؤرخ بوفاة هشام بن المغيرة تسع سنين إلى أن كانت السنة التي بنوا فيها الكعبة فأرخوا بها خالد سيف الله ولخالد بن الوليد من الشهرة بصحبة رسول الله والغناء في حروبه المحل المشهور ولقبه رسول الله سيف الله وهاجر إلى النبي قبل الفتح وبعد الحديبية هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة فقال النبي لما رآهم رمتكم مكة بأفلاذ كبدها وشهد فتح مكة مع النبي فكان أول من دخلها في مهاجرة العرب من أسفل مكة وشهد يوم مؤتة فلما قتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة ورأى ألا طاقة للمسلمين بالقوم انحاز بهم وحامى عليهم حتى سلموا فلقبه يومئذ رسول الله سيف الله حدثنا بذلك أجمع الحرمي بن أبي العلاء والطوسي عن الزبير بن بكار وكان خالد يوم حنين في مقدمة رسول الله ومعه بنو سليم فأصابته جراح كثيرة فأتاه رسول الله بعد هزيمة المشركين فنفث على جراحه فاندملت ونهض وله آثار في قتال أهل الردة في أيام أبي بكر رضي الله عنه مشهورة يطول ذكرها وهو فتح الحيرة بعث إليه أهلها عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة فكلمه خالد فقال له من أين أقبلت قال من ورائي قال وأين تريد قال أمامي قال ابن كم أنت قال ابن رجل وامرأة قال فأين أقصى أثرك قال منتهى عمري قال أتعقل قال نعم وأقيد قال ما هذه الحصون قال بنيناها نتقي بها السفيه حتى يردعه الحليم قال لأمر ما اختارك قومك ما هذا في يدك قال سم ساعة قال وما تصنع به قال أردت أن أنظر ما تردني به فإن بلغت ما فيه صلاح لقومي عدت إليهم وإلا شربته فقتلت نفسي ولم أرجع إلى قومي بما يكرهون فقال له خالد أرنيه فناوله إياه فقال خالد باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثم أكله فتجللته غشية ثم أفاق يمسح العرق عن وجهه فرجع ابن بقيلة إلى قومه فأخبرهم بذلك وقال ما هؤلاء القوم إلا من الشياطين وما لكم بهم طاقة فصالحوهم على ما يريدون ففعلوا أخبرني بذلك إبراهيم بن السري عن يحيى التميمي عن أبيه عن شعيب بن سيف وأخبرني به الحسن بن علي عن الحارث بن محمد عن محمد بن سعد عن الواقدي وأمره أبو بكر على جميع الجيوش التي بعثها إلى الشام لحرب الروم وفيهم أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل فرضوا به وبإمارته قالوا وكان رسول الله قد حلق رأسه ذات يوم فأخذ خالد شعره فجعله في قلنسوة له فكان لا يلقى جيشا وهي عليه إلا هزمه وروى عن النبي الحديث وحمل عنه ورآه النبي متدليا من هرشى فقال نعم الرجل خالد بن الوليد أخبرنا بذلك الطوسي والحرمي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني يعقوب بن محمد عن عبد العزيز بن محمد عن عبد الواحد بن أبي عون عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله قال ذلك له قال الزبير وحدثني محمد بن سلام عن أبان بن عثمان قال لما مات خالد بن الوليد لم تبق امرأة من بني المغيرة إلا وضعت لمتها على قبره يعني حلقت رأسها ووضعت شعرها على قبره قال ابن سلام وقال يونس النحوي إن عمر رضي الله عنه قال حينئذ دعوا نساء بني المغيرة يبكين أبا سليمان ويرقن من دموعهن سجلا أو سجلين ما لم يكن نقع أو لقلقة قال والنقع مد الصوت بالنحيب واللقلقة حركة اللسان بالولولة ونحوها قال الزبير فيما ذكره لي من رويت عنه حدثني محمد بن الضحاك عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أشبه الناس بخالد بن الوليد فخرج عمر سحرا فلقيه شيخ فقال له مرحبا بك يا أبا سليمان فنظر إليه عمر فإذا هو علقمة بن علاثة فرد عليه السلام فقال له علقمة عزلك عمر بن الخطاب فقال له عمر نعم قال ما شبع لا أشبع الله بطنه قال له عمر فما عندك قال ما عندي إلا السمع والطاعة فلما أصبح عمر دعا بخالد وحضره علقمة بن علاثة فأقبل على خالد فقال له ماذا قال لك علقمة قال ما قال لي شيئا قال اصدقني فحلف خالد بالله ما لقيه ولا قال له شيئا فقال له علقمة حلا أبا سليمان فتبسم عمر فعلم خالد أن علقمة قد غلط فنظر إليه وفطن علقمة فقال له قد كان ذلك يا أمير المؤمنين فاعف عني عفا الله عنك فضحك عمر وأخبره الخبر أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني عن شيخ من أهل الحجاز عن زيد بن رافع مولى المهاجرين خالد بن الوليد وعن أبي ذئب عن أبي سهيل أو ابن سهيل أن معاوية لما أراد أن يظهر العهد ليزيد قال لأهل الشام إن أمير المؤمنين قد كبرت سنه ورق جلده ودق عظمه واقترب أجله ويريد أن يستخلف عليكم فمن ترون فقالوا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فسكت وأضمرها ودس ابن أثال الطبيب إليه فسقاه سما فمات وبلغ ابن أخيه خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد خبره وهو بمكة وكان أسوأ الناس رأيا في عمه لأن أباه المهاجر كان مع علي عليه السلام بصفين وكان عبد الرحمن بن خالد بن الوليد مع معاوية وكان خالد بن المهاجر على رأي أبيه هاشمي المذهب ودخل مع بني هاشم الشعب فاضطغن ذلك ابن الزبير عليه فألقى عليه زق خمر وصب بعضه على رأسه وشنع عليه بأنه وجد ثملا من الخمر فضربه الحد فلما قتل عمه عبد الرحمن مر به عروة بن الزبير فقال له يا خالد أتدع ابن أثال ينقي أوصال عمك بالشأم وأنت بمكة مسبل إزارك تجره وتخطر فيه متخايلا فحمي خالد ودعا مولى له يدعى نافعا فأعلمه الخبر وقال له لا بد من قتل ابن أثال وكان نافع جلدا شهما فخرجا حتى قدما دمشق وكان ابن أثال يمسي عند معاوية فجلس له في مسجد دمشق إلى اسطوانة وجلس غلامه إلى أخرى حتى خرج فقال خالد لنافع إياك أن تعرض له أنت فإني أضربه ولكن احفظ ظهري واكفني من ورائي فإن رابك شيء يريدني من ورائي فشأنك فلما حاذاه وثب عليه فقتله وثار إليه من كان معه فصاح بهم نافع فانفرجوا ومضى خالد ونافع وتبعهما من كان معه فلما غشوهما حملا عليهم فتفرقوا حتى دخل خالد ونافع زقاقا ضيقا ففاتا القوم وبلغ معاوية الخبر فقال هذا خالد بن المهاجر اقلبوا الزقاق الذي دخل فيه ففتش عليه فأتي به فقال لا جزاك الله من زائر خيرا قتلت طبيبي قال قتلت المأمور وبقي الآمر فقال له عليك لعنة الله أما والله لو كان تشهد مرة واحدة لقتلتك به أمعك نافع قال لا قال بلى والله ما اجترأت إلا به ثم أمر بطلبه فوجد فأتي به فضربه مئة سوط ولم يهج خالدا بشيء أكثر من أن حبسه وألزم بني مخزوم دية ابن أثال اثني عشر ألف درهم أدخل بيت المال منها ستة آلاف درهم وأخذ ستة آلاف درهم ولم يزل ذلك يجري في دية المعاهد حتى ولي عمر بن عبد العزيز فأبطل الذي يأخذه السلطان لنفسه وأثبت الذي يدخل بيت المال وخالد بن المهاجر الذي يقول صوت ( يا صاحِ يا ذا الضامِرِ العَنْسِ ... والرحلِ ذي الأنساع والحِلسِ ) ( سَيْرَ النهارِ ولستَ تاركه ... وتُجِدُّ سَيراً كلما تمسِي ) في هذين البيتين وبيت ثالث لم أجده في شعر المهاجر ولا أدري أهو له أم ألحقه به المغنون لحنان - ثقيل - أول - وخفيف ثقيل - ذكر يونس أن أحدهما لمالك ولم يذكر طريقة لحنه ووجدته في جامع غناء معبد عن الهشامي ويحيى المكي له فيه - خفيف ثقيل - وهكذا ذكر علي بن يحيى أيضا ولعله رواه عن ابن المكي وإن كان هذا لمعبد صحيحا فلحن مالك هو الثقيل الأول وذكر حبش وهو ممن لا يحصل قوله أن لحن معبد - ثقيل - أول بالوسطى رجع الخبر إلى سياقة خبر خالد قال ولما حبس معاوية خالد بن المهاجر قال في الحبس ( إمَّا خُطَايَ تقارَبَتْ ... مَشْيَ المقيَّد في الحِصارِ ) ( فبما أُمَشِّي في الأباطِح ... يقتفي أثري إزارِي ) ( دع ذا ولكنْ هل تَرَى ... نارا تُشَبُّ بذي مُرَار ) ( ما إن تُشَبُّ لِقُرَّة ... للمصطلين ولا قُتار ) ( ما بالُ ليلكَ ليس يَنْقُص ... طُولَه طول النهارِ ) ( لتقاصُرِ الأزمانِ أم ... غَرَضِ الأسير من الإِسارِ ) قال فبلغت أبياته معاوية فرق له وأطلقه فرجع إلى مكة فلما قدمها لقي عروة بن الزبير فقال له أما ابن أثال فقد قتلته وذاك ابن جرموز ينقي أوصال الزبير بالبصرة فاقتله إن كنت ثائرا فشكاه إلى أبي بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام فأقسم عليه أن يمسك عنه ففعل أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن نعيم قال حدثني إسحاق بن محمد قال حدثني عيسى بن محمد القحطبي قال حدثني محمد بن الحارث بن بسخنر قال غنى إبراهيم بن المهدي يوما بحضرة المأمون وأنا حاضر ( يا صاحِ يا ذا الضامر العنسِ ... والرحِل ذي الأقتابِ والحِلْسِ ) قال وكانت لي جائزة قد خرجت فقلت تأمر سيدي يا أمير المؤمنين بإلقاء هذا الصوت علي مكان جائزتي فهو أحب إلي منها فقال له يا عم ألق هذا الصوت على محمد فألقاه علي حتى إذا كدت أن آخذه قال اذهب فأنت أحذق الناس به فقلت إنه لم يصلح لي بعده قال فاغد غدا علي فغدوت عليه فأعاده ملتويا فقلت له أيها الأمير لك في الخلافة ما ليس لأحد أنت ابن الخليفة وأخو الخليفة وعم الخليفة تجود بالرغائب وتبخل علي بصوت فقال ما أحمقك إن المأمون لم يستبقني محبة لي ولا صلة لرحمي ولا ليرب المعروف عندي ولكنه سمع من هذا الجرم ما لم يسمعه من غيره قال فأعلمت المأمون بمقالته فقال إنا لا نكدر على أبي إسحاق عفونا عنه فدعه فلما كانت أيام المعتصم نشط للصبوح يوما فقال أحضروا عمي فجاء في دراعة بغير طيلسان فأعلمت المعتصم بخبر الصوت سرا فقال يا عم غنني ( يا صاحِ يا ذا الضامرِ العنسِ ... والرحِل ذي الأقتاب والحلسِ ) فغناه فقال ألقه على محمد فقال قد فعلت وقد سبق مني قول ألا أعيده عليه ثم كان يتجنب أن يغنيه حيث أحضر صوت ( أقفَر بعد الأحبّة البلَدُ ... فهْو كأنْ لم يكنْ به أحدُ ) ( شَجاك نُؤْيٌ عَفَت معالمُهُ ... وهامدٌ في العِراص مُلتبدُ ) ( أمُّك عَنْسية مهذَّبة ... طابت لها الأُمَّهات والقَصَد ) ( تُدْعى زهيرية إذا انتسبتْ ... حيث تلاقى الأنسابُ والعَدَد ) الشعر لحمزة بن بيض والغناء لمعبد - خفيف ثقيل - أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق وفيه لابن عباد ثاني - ثقيل - بالوسطى عن الهشامي وعمرو وابن المكي أخبار حمزة بن بيض ونسبه حمزة بن بيض الحنفي شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية كوفي خليع ماجن من فحول طبقته وكان كالمنقطع إلى المهلب بن أبي صفرة وولده ثم إلى أبان بن الوليد وبلال بن أبي برده واكتسب بالشعر من هؤلاء مالا عظيما ولم يدرك الدولة العباسية أخبرني عمي قال حدثنا أبو هفان قال أخبرني أبو محلم عن المفضل قال أخذ حمزة بن بيض الحنفي بالشعر ألف ألف درهم من مال وحملان وثياب ورقيق وغير ذلك أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أبو توبة قال قدم حمزة بن بيض على بلال بن أبي بردة فلما وصل إلى بابه قال لحاجبه استأذن لحمزة بن بيض الحنفي فدخل الغلام إلى بلال فقال حمزة بن بيض بالباب وكان بلال كثير المزح معه فقال اخرج إليه فقل حمزة بن بيض ابن من فخرج الحاجب إليه فقال له ذلك فقال ادخل فقل له الذي جئت إليه إلى بنيان الحمام وأنت أمرد تسأله أن يهب لك طائرا فأدخلك وناكك ووهب لك طائرا فشتمه الحاجب فقال له ما أنت وذا بعثك برسالة فأخبره بالجواب فدخل الحاجب وهو مغضب فلما رآه بلال ضحك وقال ما قال لك قبحه الله قال ما كنت لأخبر الأمير بما قال فقال يا هذا أنت رسول فأد الجواب قال فأبى فأقسم عليه حتى أخبره فضحك حتى فحص برجله وقال قل له قد عرفنا العلامة فادخل فدخل فأكرمه ورفعه وسمع مديحه وأحسن صلته قال وأراد بقوله ابن بيض ابن من قول الشاعر فيه ( أنت ابن بِيض لعمري لست أنكره ... وقد صدقت ولكن مِن أبو بِيض ) أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن الحسن الأحول عن الأثرم عن أبي عمرو وأخبرني وكيع قال حدثني عبيد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان قال حدثني أبو الحسن الشيباني قال حدثني شعيب بن صفوان قال حمزة يمدح فيثاب قدم حمزة بن بيض على مخلد بن يزيد بن المهلب وعنده الكميت فأنشده قوله فيه ( أتيناك في حاجة فاقضها ... وقل مرحباً يَجِبِ المرحبُ ) ( ولا تَكِلَنَّا إلى معشر ... متى يعدوا عِدة يكذبوا ) ( فإنك في الفرع من أسرة ... لهم خضع الشرق والمغرب ) ( وفي أدبٍ منهُم ما نشأتَ ... ونعْمَ لعمرك ما أدّبوا ) ( بلغت لعَشر مضت من سنيك ... ما يبلغ السيدُ الأشيب ) ( فَهَمُّك فيها جسام الأمور ... وهمُّ لِداتك أن يلعبوا ) ( وجُدْتَ فقلت ألا سائل ... فيعطَى ولا راغبٌ يرغب ) ( فمنك العطية للسائلين ... وممن ينوبك أن يَطلُبوا ) فأمر له بمئة ألف درهم فقبضها قال وكيع في خبره وسأله عن حوائجه فأخبره بها فقضى جميعها وقال أيضا في خبره فحسده الكميت فقال له يا حمزة أنت كمهدي التمر إلى هجر قال نعم ولكن تمرنا أطيب من تمر هجر أخبرني علي بن سليمان قال حدثني محمد بن يزيد النحوي قال قال الجاحظ أصاب حمزة بن بيض حصر فدخل عليه قوم يعودونه وهو في كرب القولنج إذ ضرط رجل منهم فقال حمزة من هذا المنعم عليه أخبرني الحسن بن علي قال حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال قال علي بن الصباح حدثني هشام بن محمد عن الشرقي قال زعم هشام بن عروة أن عبد الرحمن بن عنبسة مر فإذا هو بغلام أصبح الغلمان وأحسنهم ولم يكن لعبد الرحمن ولد فسأل عنه فقيل له يتيم من أهل الشام قدم أبوه العراق في بعث فقتل وبقي الغلام هاهنا فضمه ابن عنبسة إليه وتبناه فوقع الغلام فيما شاء من الدنيا ومر يوما على برذون ومعه خدم على ابن بيض وحول ابن بيض عياله في يوم شات وهم شعث عراة فقال ابن بيض من هذا فقيل صدقة يتيم ابن عنبسة فقال ( يَشْعَث صِبياننا وما يَتموا ... وأنت صافي الأديم والحدقهْ ) ( فليت صِبياننا إذا يَتِموا ... يلقَون ما قد لقيت يا صدقهْ ) ( عوّضك الله من أبيك ومن ... أمك في الشام بالعراق مِقهْ ) ( كَفاك عبد الرحمن فَقْدَهما ... فأنت في كِسوة وفي نَفَقهْ ) ( تظل في دَرْمك وفاكهة ... ولحمِ طير ما شئت أو مرقهْ ) ( تأوِي إلى حاضن وحاضنة ... زادا على والديك في الشفقهْ ) ( فكل هنيئاً ما عاش ثم إذا ... مات فَلَغْ في الدماء والسرِقهْ ) ( وخالِف المسلمين قِبلَتهم ... وضَلَّ عنهم وخادِنِ الفسقه ) ( واشتر نهد التلِيل ذا خصَلٍ ... لصوته في الصهيلِ صَهْصَلقَه ) ( واقطع عليه الطريق تُلْفَ غدا ... رَبَّ دنانيرَ جمةٍ ورِقهْ ) فلما مات عبد الرحمن أصابه ما قال ابن بيض أجمع من الفساد والسرقة وصحبة اللصوص ثم كان آخر ذلك أنه قطع الطريق فأخذ وصلب أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني النوفلي عن أبيه قال ابن عمار وأخبرني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ قال حدثني أبي عن أبي سفيان الحميري قال خرج حمزة بن بيض يريد سفرا فاضطره الليل إلى قرية عامرة كثيرة الأهل والمواشي من الشاء والبقر كثيرة الزرع فلم يصطنعوا به خيرا فغدا عليهم وقال ( لعن الإِله قرية يممتها ... فأضافني ليلاً إليها المغربُ ) ( الزارِعين وليس لي زرع بها ... والحالبين وليس لي ما أحلُب ) ( فلعل ذاك الزرع يُودِي أهلُه ... ولعل ذاك الشاء يوما يَجْرب ) ( ولعل طاعوناً يصيب علوجها ... ويصيب ساكنها الزمان فتخرب ) قال فلم يمر بتلك القرية سنة حتى أصابهم الطاعون فأباد أهلها وخربت إلى اليوم فمر بهم ابن بيض فقال كلا زعمت أني لا أعطى منيتي قالوا وأبيك لقد أعطيتها فلو كنت تمنيت الجنة كان خيرا لك قال أنا أعلم بنفسي لا أتمنى ما لست له بأهل ولكني أرجو رحمة ربي عز و جل أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن زكرياء الغلابي قال قال ابن عائشة خرج ابن بيض في سفر فنزل بقوم فلم يحسنوا ضيافته وأتوه بخبز يابس وألقوا لبغلته تبنا فأعرض عنهم وأقبل على بغلته فقال ( أُحسُبيها ليلة أدلجتُها ... فكلي إن شئت تِبْناً أو ذري ) ( قد أتى ربَّكِ خبزٌ يابس ... فتعزَّي معه واصطبري ) حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز قال حدثنا المدائني قال قال حمزة بن بيض يوما للفرزدق أيما أحب إليك تسبق الخير أو يسبقك قال لا أسبقه ولا يسبقني ولكن نكون معا فأيما أحب إليك أن تدخل إلى بيتك فتجد رجلا قابضا على حر امرأتك أو تجد امرأتك قابضة على أيره فقال كلام لا بد من جوابه والبادي أظلم بل أجدها قابضة على أيره قد أغبته عن نفسها نسخت من كتاب أبي إسحاق الشايميني قال ابن الأعرابي وقع بين بني حنيفة بالكوفة وبين بني تميم شر حتى نشبت الحرب بينهم فقال رجل لحمزة بن بيض ألا تأتي هؤلاء القوم فتدفعهم عن قومك فإنك ذو بيان وعارضة فقال ( ألا لا تلمني يابن ماهان إنني ... أخاف على فَخَّارتي أن تَحَطَّما ) ( ولو أنني أبتاع في السوق مثلَها ... وجدِّك ما باليت أن أتقدّما ) مفاضلة بين ناسك وشارب للنبيذ قال وكان لابن بيض صديق عامل من عمال ابن هبيرة فاستودع رجلا ناسكا ثلاثين ألف درهم واستودع مثلها نبيذيا فأما الناسك فبنى بها داره وتزوج النساء وأنفقها وجحده وأما النبيذي فأدى إليه الأمانة في ماله فقال حمزة بن بيض فيهما ( ألا لا يغرَّنْك ذو سجدة ... يظل بها دائباً يَخْدَعُ ) ( كأن بجبهته جُلْبة ... يسبح طوراً ويسترجع ) ( وما للتُّقى لزمت وجهه ... ولكن ليغترَّ مستودِع ) ( فلا تنفِرنَّ مِنَ اهل النبيذِ ... وإن قيل يشرب لا يُقلِع ) ( فعندك علم بما قد خبرتُ ... إن كان علم بهم ينفع ) ( ثلاثون ألفاً حواها السجود ... فليست إلى أهلها تَرجع ) ( بنى الدار من غير ما ماله ... وأصبح في بيته أربعُ ) ( مهائر من غير مال حواه ... يقاتون أرزاقَهم جُوَّعُ ) وأخبرني بهذا الخبر الحسين بن محمد بن زكريا الصحاف قال حدثنا قعنب بن المحرز قال حدثنا أبو عبيدة والأصمعي وكيسان بن المعرف فذكروا نحو هذا الخبر إلا أنه حكى أن حمزة بن بيض هو الذي استودع الرجلين المال وقال ( وأدى أخو الكأس ما عنده ... وما كنت في ردها أطمع ) أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال حدثني أحمد بن محمد عن ابن داجة قال اختصم أبو الجون السحيمي وحمزة بن بيض إلى المهاجر بن عبد الله الكلابي وهو على اليمامة فوثب عليه حمزة وقال ( غَمَّضتُ في حاجة كانت تؤرقني ... لولا الذي قلت فيها قلَّ تغميضي ) فقال وما الذي قلت لك قال ( حلفت بالله لي أن سوف تنصفني ... فساغ في الحلق ربقِي بعد تجريضي ) قال وأنا أحلف لأنصفنك قال ( سل هؤلاءِ إلى ماذا شهادتهم ... أم كيف أنت وأصحابَ المعاريضِ ) قال أوجعهم ضربا فقال ( وسل سُحيما إذا وافاك أجمعُهم ... هل كان بالشرَ حوض قبل تحويضي ) قال فقضى له فأنشأ السحيمي يقول ( أنت ابن بِيض لعمري لستُ أُنكره ... حقاً يقيناً ولكن من أبو بيض ) ( إن كنت أنبضت لي قوساً لترميني ... فقد رميتك رمياً غير تنبيض ) ( أو كنت خَضْخضت لي وطْباً لتسقيني ... فقد سقيتك محضاً غير ممخوض ) قال فوجم حمزة وقطع به فقيل له ويلك ما لك لا تجيبه قال وبم أجيبه والله لو قلت له عبد المطلب بن هاشم أبو بيض ما نفعني ذلك بعد قوله ولكن من أبو بيض وأخبرني بهذا الخبر ابن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيدة بمثله وقال فيه إن المخاصم له أبو الحويرث السحيمي مدح يزيد بن المهلب وسليمان بن عبد الملك فكافآه أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا السكن بن سعيد عن محمد بن عباد قال دخل حمزة بن بيض على يزيد بن المهلب السجن فأنشده ( أغلِق دون السماح والجود والنجدة ... باب حديدُه أَشِبُ ) ( ابنُ ثلاث وأربعين مضت ... لا ضرع واهن ولا نَكِب ) ( لا بَطِر إن تتابعت نِعَم ... وصابر في البلاء محتسِب ) ( بَرَّزْتَ سبقَ الجواد في مَهَل ... وقصَّرتْ دون سعيك العرَب ) فقال والله يا حمزة لقد أسأت إذ نوهت باسمي في غير وقت تنويه ولا منزل لك ثم رفع مقعدا تحته فرمى إليه بخرقة مصرورة وعليه صاحب خبر واقف فقال خذ هذا الدينار فوالله ما أملك ذهبا غيره فأخذه حمزة وأراد أن يرده فقال له سرا خذه ولا تخدع عنه فقال حمزة فلما قال لي لا تخدع عنه قلت والله ما هذا بدينار فقال لي صاحب الخبر ما أعطاك يزيد فقلت أعطاني دينارا فأردت أن أرده عليه فاستحييت منه فلما صرت إلى منزلي حللت الصرة فإذا فص ياقوت أحمر كأنه سقط زند فقلت والله لئن عرضت هذا بالعراق ليعلمن أني أخذته من يزيد فيؤخذ مني فخرجت به إلى خراسان فبعته من رجل يهودي بثلاثين ألفا فلما قبضت المال وصار الفص في يده قال لي والله لو أبيت إلا خمسين ألف درهم لأخذته منك فكأنما قذف في قلبي جمرة فلما رأى تغير وجهي قال إني رجل تاجر ولست أشك أني قد غممتك قلت إي والله وقتلتني فاخرج إلي مائة دينار فقال أنفق هذه في طريقك لتتوفر عليك تلك أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد بن إسحاق قرأت على أبي دخل حمزة بن بيض على يزيد بن المهلب وهو في حبس عمر بن عبد العزيز فأنشده قوله فيه ( أصبح في قيدك السماحة والحاملُ ... للمعضلات والحَسَبُ ) ( لا بطرٌ إن تتابعت نعمٌ ... وصابرٌ في البلاء محتسِبُ ) فقال له ويحك أتمدحني على هذه الحال قال نعم لئن كنت هكذا لطالما أثبت على الثناء فأحسنت الثواب والرفد فهل بأس أن نسلفك الآن قال أما إذ جعلته سلفا فاقنع بما حضر إلى أن يمكن قضاء دينك وأمر غلامه فدفع إليه أربعة آلاف درهم وبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز فقال قاتله الله يعطي في الباطل ويمنع الحق يعطي الشعراء ويمنع الأمراء أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا عبد الأول بن مزيد قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي قال أخبرني مخلد بن حمزة بن بيض قال قدم أبي على يزيد بن المهلب وهو عند سليمان بن عبد الملك فأدخله إليه فأنشده ( ساس الخلافةَ والداك كلاهما ... من بين سَخْطة ساخط أو طائعِ ) ( أبواك ثم أخوك أصبح ثالثاً ... وعلى جبينك نُور مَلْك الرابعِ ) ( سَرَّيتَ خوف بني المهلَّب بعدما ... نظروا إليك بسَمِّ موتٍ ناقِع ) ( ليس الذي ولاك ربُّك منهمُ ... عند الإِله وعندهم بالضائع ) فأمر له بخمسين ألفا أخبرني عمي قال حدثنا عبد الله بن عمرو قال حدثني جعفر بن محمد العاصمي قال حدثني عيينة بن المنهال قال حدثني الهيثم بن عدي قال حدثني أبو يعقوب الثقفي قال قال لي حمزة بن بيض لما وفد الكميت بن زيد إلى مخلد بن يزيد بن المهلب وهو يخلف أباه على خراسان وكان واليها وله ثماني عشرة سنة وقد مدحه بقصيدته التي أولها ( هلاَّ سألتَ معالم الأطلالِ ... ) وهي التي يقول فيها ( يمشين مشي قطا البطاحِ تأوُّدا ... قُبّ البطون رواجح الأكفالِ ) وقصيدته التي يقول فيها ( هلا سألت منازلا بالأبرقِ ... ) أعطاه مئة ألف درهم سوى العروض والحملان فقدم الكوفة في هيئة لم ير مثلها فقلت في نفسي والله لأنا أولى من الكميت بما ناله من مخلد بن يزيد وإني لحليفه وناصره في العصبية على الكميت وعلى مضر جميعا فهيأت لمخلد مديحا على روي قصيدتي الكميت وقافيتيهما ثم شخصت إليه فلما كان قبل خروجي إليه بيوم أتتني جماعة من ربيعة في خمس ديات عليهم لمضر في البدو فقالوا إنك تأتي مخلدا وهو فتى العرب ونحن نعلم أنك لا تؤثر على نفسك ولكن إذا فرغ من أمرك فأعلمه ممشانا إليك ومسألتنا إياك كلامه فنرجو أن تكون عند ظننا فلما قدمت على مخلد خراسان أنزلني وفرش لي وأخدمني وحملني وكساني وخلطني بنفسه فكنت أسمر معه فقال لي ليلة أعليك دين يابن بيض قلت دعني من مسألتك إياي عن الدين إنك قد أعطيت الكميت عطية لست أرضى بأقل منها وإلا لم أدخل الكوفة ولم أعير بتقصيرك بي عنه فضحك ثم قال لي بل أزيدك على ما أعطيت الكميت فأمر لي بمئة ألف درهم كما أعطى الكميت وزادني عليه وصنع بي في سائر الألطاف كما صنع به فلما فرغت من حاجتي أتيته يوما ومعي تذكرة بحاجة القوم في الديات فلما جلس أنشدته ( أتيناك في حاجة فاقضِها ... وقُلْ مرحباً يجِبِ المرحَبُ ) ( ولا تَكِلَنَّا إلى معشر ... متى يعِدوا عِدة يكذِبوا ) ( فإنك في الفرع من أسرة ... لهم خضع الشرق والمغرب ) ( وفي أدب منهم ما نشأْتَ ... ونِعْم لعمرُك ما أدَّبوا ) ( بلغت لعشرٍ مضت من سِنيك ... ما يبلغ السيدُ الأشيب ) ( فهمُّك فيها جِسام الأمورِ ... وهمُّ لِداتك أن يلعبوا ) فقال مرحبا بك وبحاجتك فما هي فأخرجت إليه رقعة القوم وقلت حمالات في ديات فتبسم ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم فقلت أو غير ذلك أيها الأمير قال وما هو قلت أدل على قبر المهلب حتى أشكو إليه قطيعة ولده فتبسم ثم قال زده يا غلام عشرة آلاف أخرى فأبيت وقلت بل أدل على قبر المهلب فقال زده يا غلام عشرة آلاف أخرى فما زلت أكررها ويزيدني عشرة آلاف حتى بلغت سبعين ألفا فخشيت والله أن يكون يلعب أو يهزأ بي فقلت وصلك الله أيها الأمير وآجرك وأحسن جزاءك فقال مخلد أما والله لو أقمت على كلامك ثم أتى ذلك على خراج خراسان لأعطيتكه المأمون والنضر بن شميل أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني النضر بن شميل قال دخلت على أمير المؤمنين المأمون بمرو وعلي أطمار مترعبلة فقال لي يا نضر تدخل على أمير المؤمنين في مثل هذه الثياب فقلت إن حر مرو لا يدفع إلا بمثل هذه الأخلاق فقال لا ولكنك رجل متقشف فتجارينا الحديث فقال المأمون حدثني هشيم بن بشير عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال قال رسول الله إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سداد من عوز هكذا قال سداد بالفتح فقلت صدق يا أمير المؤمنين حدثني عوف الأعرابي عن الحسن أن النبي قال إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سداد من عوز وكان المأمون متكئا فاستوى جالسا وقال السداد لحن يا نضر عندك قلت نعم هاهنا يا أمير المؤمنين وإنما هشيم لحن وكان لحانة فقال ما الفرق بينهما قلت السداد القصد في الدين والطريقة والسبيل والسداد البلغة وكل ما سددت به شيئا فهو سداد وقد قال العرجي ( أضاعوني وأيَّ فتىً أضاعوا ... ليوم كريهة وسِداد ثغرِ ) قال فأطرق المأمون مليا ثم قال قبح الله من لا أدب له ثم قال أنشدني يا نضر أخلب بيت للعرب قال قلت قول حمزة بن بيض يا أمير المؤمنين ( تقول لي والعيون هاجعة ... أقم علينا يوماً فلم أُقِم ) ( قالت فأيَّ الوجوه قلت لها ... لأيّ وجه إلا إلى الحَكَم ) ( متى يقُلْ حاجبا سرادِقِه ... هذا ابن بِيض بالباب يبتسِم ) ( قد كنت أسلمت فيكَ مُقْتَبِلاً ... فهات إذ حلَّ أعطني سَلَمِي ) فقال المأمون لله درك كأنما شق لك عن قلبي فأنشدني أنصف بيت للعرب قال قلت قول أبي عروبة المدني ( إني وإن كان ابن عمي عاتبا ... لَمزاحِمٌ من خلفهِ وورائِه ) ( ومُفيده نصري وإن كنت امرأ ... متزحزحا عن أرضه وسمائه ) ( وأكون واليَ سِره وأصونه ... حتى يحين عليّ وقتُ أدائه ) ( وإذا الحوادث أجحفت بسَوامِه ... قُرِنت صَحيحتنا إلى جَرْبائه ) ( وإذا دعا باسمي ليركب مَرْكباً ... صعبا قعدتُ له على سِيسائِه ) ( وإذا أتى من وجهه بطريفةٍ ... لم أطَّلع ممَّا وراء خِبائه ) ( وإذا ارتدى ثوباً جميلاً لم أقل ... يا ليت أن عليَّ حسنَ ردائه ) فقال أحسنت يا نضر أنشدني الآن أقنع بيت قالته العرب فأنشدته قول ابن عبدل الأسدي ( إني امرؤ لم أزل وذاك من الله ... قديماً أعلّم الأدبا ) ( أقيم بالدار ما اطمأنت بيَ الدار ... وإن كنت مازحاً طرِبا ) ( لا أجتوِي خُلَّة الصديق ولا ... أُتبِع نفسي شيئاً إذا ذهبا ) ( أطلب ما يطلب الكريم من الرِّزق ... بنفسي وأُجْمِل الطلبا ) ( وأحلب الثرة الصفِي ولا ... أُجهَد أخلاف غيرِها حَلَبا ) ( إني رأيت الفتى الكريم إذا ... رغَّبته في صنيعة رغِبا ) ( والعبد لا يطلب العَلاء ولا ... يعطيك شيئاً إلا إذا رهِبا ) ( مثلُ الحمار المُوَقَعَ السَّوْءِ لا ... يُحسن مَشْياً إلا إذا ضُرِبا ) ( قد يُرزق الخافضُ المقيمُ وما ... شد بِعيس رحلا ولا قَتَبا ) ( ويُحرَمُ الرزقَ ذو المطية والرحل ... ومن لا يزال مغتربا ) ( ولم أجد عُدّة الخلائق إلاّ ... الدِّين لما اعتبرتُ والحَسَبا ) فقال أحسنت يا نضر وكتب لي إلى الحسن بن سهل بخمسين ألفا وأمر خادما بإيصال رقعة وتنجيز ما أمر به لي فمضيت معه إليه فلما قرأ التوقيع ضحك وقال لي يا نضر أنت الملحن لأمير المؤمنين قلت لا بل لهشيم قال فذاك إذن وأطلق لي الخمسين ألف درهم وأمر لي بثلاثين ألفا وأخبرني الحسين بن يحيى قال حدثنا حماد عن أبيه قال بلغني أن حمزة بن بيض الحنفي كان يسامر عبد الملك بن بشر بن مروان وكان عبد الملك يعبث به عبثا شديدا فوجه إليه ليلة برسول وقال خذه على أي حال وجدته عليها ولا تدعه يغيرها وحلفه على ذلك وغلظ الأيمان عليه فمضى الرسول فهجم عليه فوجده يريد أن يدخل الخلاء فقال أجب الأمير فقال ويحك إني أكلت طعاما كثيرا وشربت نبيذا حلوا وقد أخذني بطني قال والله لا تفارقني أو أمضي بك إليه ولو سلحت في ثيابك فجهد في الخلاص فلم يقدر عليه فمضي به إلى عبد الملك فوجده قاعدا في طارمة له وجارية جميلة كان يتحظاها جالسة بين يديه تسجر الند في طارمته فجلس يحادثه وهو يعالج ما هو فيه قال فعرضت لي ريح فقلت أسرحها وأستريح فلعل ريحها لا يتبين مع هذا البخور فأطلقتها فغلبت والله ريح الند وغمرته فقال ما هذا يا حمزة قلت علي عهد الله وميثاقه وعلي المشي والهدي إن كنت فعلتها وما هذا إلا عمل هذه الفاجرة فغضب واحتفظ وخجلت الجارية فما قدرت على الكلام ثم جاءتني أخرى فسرحتها وسطع والله ريحها فقال ما هذا ويلك أنت والله الآفة فقلت امرأتي فلانة طالق ثلاثا إن كنت فعلتها قال وهذه اليمين لازمة لي إن كنت فعلتها وما هو إلا عمل هذه الجارية فقال ويلك ما قصتك قومي إلى الخلاء إن كنت تجدين حسا فزاد خجلها وأطرقت وطمعت فيها فسرحت الثالثة وسطع من ريحها ما لم يكن في الحساب فغضب عبد الملك حتى كاد يخرج من جلده ثم قال خذ يا حمزة بيد الزانية فقد وهبتها لك وامض فقد نغصت علي ليلتي فأخذت والله بيدها وخرجت فلقيني خادم له فقال ما تريد أن تصنع قلت أمضي بهذه قال لا تفعل فوالله لئن فعلت ليبغضنك بغضا لا تنتفع به بعدها أبدا وهذه مئة دينار فخذها ودع الجارية فإنه يتحظاها وسيندم على هبته إياها لك قلت والله لا نقصتك من خمس مئة دينار فلم يزل يزايدني حتى بلغ مئتي دينار ولم تطب نفسي أن أضيعها فقلت هاتها فأعطانيها وأخذها الخادم فلما كان بعد ثلاث دعاني عبد الملك فلما قربت من داره لقيني الخادم فقال لي هل لك في مئة دينار وتقول ما لا يضرك ولعله أن ينفعك قلت وما ذاك قال إذا دخلت إليه ادعيت إليه عنده الثلاث الفسوات ونسبتها إلى نفسك وتنفح عن الجارية ما قرفتها به قلت هاتها فدفعها إلي ودخلت على عبد الملك فلما وقفت بين يديه قلت ألي الأمان حتى أخبرك بخبر يسرك وتضحك منه قال لك الأمان قلت أرأيت ليلة حضوري وما جرى قال نعم فقلت فعلي وعلي إن كان فسا تلك الفسوات غيري فضحك حتى سقط على قفاه ثم قال ويلك فلم لم تخبرني قلت أردت بذلك خصالا منها أن قمت فقضيت حاجتي وقد كان رسولك منعني منها ومنها أني أخذت جاريتك ومنها أن كافأتك على أذاك لي بمثله فقال فأين الجارية قلت ما برحت من دارك ولا خرجت حتى سلمتها إلى فلان الخادم وأخذت مائتي دينار فسر بذلك وأمر لي بمئتي دينار أخرى وقال هذه لجميل فعلك بي وتركك أخذ الجارية قال حمزة بن بيض ودخلت إليه يوما وكان له غلام لم ير الناس أنتن إبطا منه فقال لي يا حمزة سابق غلامي حتى يفوح صنانكما فأيكما كان صنانه أنتن فله مئة دينار فطمعت في المائة ويئست منها لما أعلمه من نتن إبط الغلام فقلت أفعل وتعادينا فسبقني فسلحت في يدي ثم لطخت إبطي بالسُّلاح وقد كان عبد الملك جعل بيننا حكما يخبره بالقصة فلما دنا الغلام منه فشمه وثب وقال هذا والله لا يساجله شيء فصحت به لا تعجل بالحكم مكانك ثم دنوت منه فألقمت أنفه إبطي حتى علمت أنه قد خالط دماغه وأنا ممسك لرأسه تحت يدي فصاح الموت والله هذا بالكنف أشبه منه بالآباط فضحك عبد الملك ثم قال أفحكمت له قال نعم فأخذت الدنانير أخبرني عمي قال حدثني جعفر العاصمي قال حدثنا عيينة بن المنهال عن الهيثم بن عدي عن أبي يعقوب الثقفي قال قال حمزة بن بيض دخلت يوما على مخلد بن يزيد فقلت ( إنّ المشارق والمغارب كلها ... تُجْبَى وأنت أميرها وإمامُها ) فضحك ثم قال مه فقلت ( أغفيتُ قبل الصبح نومَ مسهَّدٍ ... في ساعة ما كنت قبلُ أنامها ) قال ثم ماذا كان قلت ( فرأيت أنك جُدت لي بوصيفة ... موسومة حَسَنٍ عليَّ قيامُها ) قال قد فعلت فقلت ( وببَدرة حُمِلت إليّ وبلغة ... سَفْواء ناجية يصِلُّ لجامها ) قال قد حقق الله رؤياك ثم أمر لي بذلك كله وما علم الله أني رأيت من ذلك شيئا قال مؤلف هذا الكتاب وقد روي هذا الخبر بعينه لابن عبدل الأسدي وذكرته في أخباره أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال حدثنا عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير قال حج حمزة بن بيض الحنفي فقال له ابن عم له أحجج بي معك فأخرجه معه فحوقل عليه بعد نشاطه فقال ابن بيض فيه ( وذي سِنةٍ لم يدر ما السير قبلها ... ولم يعتسِف خَرْقاً من الأرض مَجْهلا ) ( ولم يدر ما حَلُّ الحبال وعقدُها ... إذا البردُ لم يترك لكفيه مَعْملا ) ( ولم يقر مأجوراً ولا حج حِجة ... فيضربَ سهما أو يصاحبَ مِكتلا ) ( غدونا به كالبغل ينفض رأسَه ... نشاطاً بناه الخير حتى تفتَّلا ) ( ترى المَحْمِل المحسور ناءَ عُرامَه ... وباباً إذا أمسى من الشر مُقْفلا ) ( وإن قلت ليلاً أين أنت لحاجةٍ ... أجاب بأن لبيك عشراً وأقبلا ) ( يسوق مطي القوم طوراً وتارة ... يقود وإن شئنا حدا ثم جلجلا ) ( فأجّلته خمساً وقلت له انتظر ... رُوَيدا وأجلنا المطيّ ليدبُلا ) ( فلما صدرنا عن زُبالة وارتمت ... بنا العيس منها مَنْقلاً ثم مَنْقلا ) ( ترامت به المَوماة حتى كأنما ... يَسَفُّ بمعسول الخزيرة حنظلا ) ( وحتَّى نَبا عن مِزود القوم ضِرْسُه ... وعادى من الجهدِ الثريدَ المرعبلا ) ( وحتى لوَ أن الليثَ ليث خَفَّية ... يحاوله عن نفسه ما تَحَلْحلا ) ( وحتى لَوَ أن الله أعطاه سؤله ... وقيل له ما تشتهي قال محملا ) ( فقلت له لما رأيتُ الذي به ... وقد خِفت أن ينضِى لدينا ويهزِلا ) ( أطعني وكُلْ شيئاً فقال معذِرا ... من الجهد أطعِمني تراباً وجندلا ) ( فللموت خير منك جاراً وصاحباً ... فدعنِي فلا لبيك ثم تَجَدلا ) ( وقال أقلني عثرتي وارعَ حرمتي ... وقد فر مني مرتين لِيقفِلا ) ( فقلت له لا - والذي أنا عبده - ... أقيلُك حتى تمسح الركن أوّلا ) أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثني عبد الله بن عمرو بن سعد قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي قال حدثني أبو عمر العمري قال حدثني عطاء بن مصعب عن عاصم بن الحدثان قال قدم حمزة بن بيض على مخلد بن يزيد بن المهلب فوعده أن يصنع به خيرا ثم شغل عنه فاختلف إليه مرارا فلم يصل إليه وأبطأت عليه عدته فقال ابن بيض ( أمَخْلِد إن الله ما شاء يصنع ... يجود فيعطي من يشاء ويمنعُ ) ( وإنّي قد أملت منك سحابة ... فحالت سراباً فوق بيداء تلمع ) ( فأجمعت صُرْماً ثم قلت لعله ... يثوب إلى أمر جميل فيرجع ) ( فأيأسني من خير مخلدَ أنه ... على كل حال ليس لي فيه مطمع ) ( يجود لأقوام يودون أنه ... من البغض والشَّنْآن أمسى يُقَطَّعُ ) ( ويَبْخَل بالمعروف عمن يوَدُّه ... فوالله ما أدري به كيف أصنع ) ( أأصرِمه فالصُّرم شرُّ مغبَّةً ... ونفسي إليه بالوصال تَطَلَّع ) ( وشتانَ بيني في الوصال وبينَه ... على كل حال أستقيمُ ويَظْلَع ) ( وقد كان دهراً واصلاً لي مودةً ... ويمنعني من صرف دهري أضرع ) ( وأعقبني صُرْماً على غير إِحنة ... وبخلاً وقِدْماً كان لي يتبرع ) ( وغيَّره ما غيّر الناسَ قبلَه ... فنفسي بما يأتي به ليس تقنع ) ثم كتبها في قرطاس وختمه وبعث به مع رجل فدفعه إلى غلامه فدفعه الغلام إليه فلما قرأه سأل الغلام من صاحب الكتاب قال لا أعرفه فأدخل إليه الرجل فقال من أعطاك هذا الكتاب ومن بعث به معك قال لا أدري ولكن من صفته كذا وكذا ووصف صفة ابن بيض فأمر فضرب عشرين سوطا على رأسه وأمر له بخمس مئة درهم وكساه وقال إنما ضربناك أدبا لك لأنك حملت كتابا لا تدري ما فيه لمن لا تعرف فإياك أن تعود لمثلها قال الرجل لا والله أصلحك الله لا أحمل كتابا لمن أعرف ولا لمن لا أعرف قال له مخلد احذر فليس كل أحد يصنع بك صنيعي وبعث إلى ابن بيض فقال له أتعرف ما لحق صاحبك الرجل قال لا فحدثه مخلد بقصته فقال ابن بيض والله أصلحك الله لا تزال نفسه تتوق إلى العشرين سوطا مع الخمس مائة أبدا فضحك مخلد وأمر له بخمسة آلاف درهم وخمسة أثواب وقال وأنت والله لا تزال نفسك تتوق إلى عتاب إخوانك أبدا قال أجل والله ولكن من لي بمثلك يعتبني إذا استعتبته ويفعل بي مثل فعلك ثم قال ( وأبيضَ بُهْلُولٍ إذا جئت داره ... كفاني وأعطاني الذي جئت أسألُ ) ( ويُعتِبني يوماً إذا كنت عاتباً ... وإن قلت زدني قال حقًّا سأفعلُ ) ( تراه إذا ما جئته تطلب الندى ... كأنك تعطيه الذي جئتَ تسألُ ) ( فللَّه أبناءُ المهلَّب فتيةً ... إذا لَقحَتْ حرب عَوانٌ تأكَّل ) ( هٌم يصطلون الحرب والموتُ كانعٌ ... بسُمْر القنا والمشرفيةُ من عَلُ ) ( ترى الموت تحت الخافقات أمامَهُمْ ... إذا وردوا عَلُّوا الرماح وأَنهلوا ) ( يجودون حتى يحسِب الناس أنهم ... لجودهم نذر عليهم يُحَلَّل ) ( غيوث لمن يرجو نداهم وجودهم ... سِمام لأقوام ذُعافٌ يُثَمّلُ ) ( وفَى لي أبناءُ المهلّب إنهم ... إذا سئلوا المعروف لم يَتَسَعَّلوا ) ( فذلك مِيراث المهلَّلب إنه ... كريم نَماه للمكارم أَوّلُ ) ( جرى وجرت آباؤه فتحرَّزوا ... عن الذمّ في عَيطاء لا تُتَوَقَّل ) فلما أنشده ابن بيض هذه الأبيات أمر له بعشرة آلاف درهم وعشرة أثواب وقال نزيدك ما زدتنا ونضعف لك فقال ( أَمَخْلَد لم تترك لنفسي بُغْيَةً ... وزدت على ما كنت أرجو وآملُ ) ( فكنتَ كما قد قال مَعْنٌ فإنه ... بصير بما قد قال إذ يتمثَّلُ ) ( وَجَدْتُ كثير المالِ إذ ضَنَّ مُعَدِماً ... يُذَمُّ ويَلْحاه الصديقُ المؤَمَّل ) ( وإن أحقّ الناس بالجودِ من رأى ... أباه جَواداً للمكارم يُجْزل ) ( تَرُبُّ الذي قَدَّم كان قَدّضم والد ... أغَرُّ إذا ما جئته يَتَهَلل ) ( وَجَدْتَ يزيداً والمهلَّبَ برَّزا ... فقلت فإني مثلَ ذلك أفعل ) ( ففزت كما فازا وجاوزتَ غاية ... يُقَصِّر عنها السابق المتمهِّل ) ( فأنت غِياث لليتامى وعصمة ... إليك جِمال الطالبي الخيرِ تُرحل ) ( أصاب الذي رجَّى نداك مُخِيلةً ... تصُبّ عزاليها عليه وتَهطِل ) ( ولم تُلْفَ إذ رَجَّوا نوالَك باخلا ... تضَن على المعروف والمالُ يُعْقَلُ ) ( وموت الفتى خير له من حياته ... إذا كان ذا مال يَضَنُّ ويبخل ) فقال له مخلد احتكم فأبى فأعطاه عشرة آلاف دينار وجارية وغلاما وبرذونا أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني قال كان حمزة بن بيض شاعرا ظريفا فشاتم حماد بن الزبرقان وكان من ظرفاء أهل الكوفة وكلاهما صاحب شراب وكان حماد يتهم بالزندقة فمشى الرجال بينهما حتى اصطلحا فدخلا يوما على بعض ولاة الكوفة فقال لابن بيض أراك قد صالحت حمادا فقال ابن بيض نعم أصلحك الله على ألا آمره بالصلاة ولا ينهاني عنها اشتاق إلى أهله فقال شعرا أخبرني محمد بن زكريا الصحاف قال حدثنا قعنب بن المحرز الباهلي قال حدثني الهيثم بن عدي قال قدم حمزة بن بيض البصرة زائرا لبلال بن أبي بردة بن أبي موسى وبينهما مودة منذ الصبا فطال مقامه عنده فاشتاق إلى أهله وولده فكتب إلى بلال ( كَلَّتْ رحالي وأعواني وأحراسي ... إلى الأمير وإدلاجي وإمْلاسي ) ( إلى امرىء مُشْبَع مجدا ومكرُمة ... عادية فهو حالٍ منهما كاسي ) ( فلستُ منك ولا مما مَنَنْتَ به ... من فضل ودك كالمرميّ في راسي ) ( إني وإياك والإخوانَ كلَّهم ... في العسر واليسر لو قِيسوا بمقياس ) ( وذاك مما ينوبُ الدهرُ من حَدَث ... كالْورد في المَثَل المضروب والآس ) ( يبيد هذا فيبلَى بعد جدّته ... غَضًّا وآخره رهن بإيناس ) ( وأنت لي دائم باقٍ بشاشته ... يهتز في عود لا عَشٍّ ولا عاسي ) فعجل له بلال صلته وسرحه إلى الكوفة أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدثنا إسحاق بن محمد النخعي قال حدثنا أبو المعارك الضبي قال حدثني أبو مسكين قال دخل حمزة بن بيض على سليمان بن عبد الملك فلما مثل بين يديه أنشأ يقول ( رأيتك في المنام شننت خزاً ... عليّ بَنَفْسَجاً وقضيت ديني ) ( فصدق يا فدتْك النفس رؤيا ... رأتها في المنام لديك عَيْني ) فقال سليمان يا غلام أدخله خزانة الكسوة واشنن عليه كل ثوب خز بنفسجي فيها فخرج كأنه مشجب ثم قال له كم دينك قال عشرة آلاف درهم فأمر له بها صوت ( من سره ضرب يُرعبلُ بعضه ... بعضاً كمعمعة الأَباء المُحرَق ) ( فليأتِ مأسدة تُسَنُّ سيوفُها ... بين المَذاد وبين جِزْع الخَنْدَقِ ) ويروى يمعمع بعضه بعضا والمعمعة اختلاف الأصوات وشدة زجلها والمأسدة الموضع الذي تجتمع فيه الأسد وتسن تحد يقال سيف مسنون والمذاد موضع بالمدينة والخندق يعني به الذي احتفره رسول الله وأصحابه حول المدينة والشعر لكعب بن مالك الأنصاري والغناء لابن محرز خفيف رمل بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى عن إسحاق وعمرو أخبار كعب بن مالك الأنصاري ونسبه هو كعب بن مالك بن أبي كعب واسم أبي كعب عمرو بن القين بن كعب بن سواد وقيل القين بن سواد هكذا قال ابن الكلبي بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن شاردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث وكان كعب بن مالك من شعراء أصحاب رسول الله المعدودين وهو بدري عقبي وأبوه مالك بن أبي كعب بن القين شاعر وله في حروب الأوس والخزرج التي كانت بينهم قبل الإسلام آثار وذكر وعمه قيس بن أبي كعب شهد بدرا وهو شاعر أيضا وهو الذي حالف جهينة على الأوس وخبره في ذلك يذكر في موضعه بعد أخبار كعب وأبيه ولكعب بن مالك أصل عريق وفرع طويل في الشعر ابنه عبد الرحمن شاعر وابن ابنه بشير بن عبد الرحمن شاعر والزبير بن خارجة بن عبد الله بن كعب شاعر ومعن بن عمرو بن عبد الله بن كعب شاعر وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أبو الخطاب شاعر ومعن بن وهب بن كعب شاعر وكلهم مجيد مقدم وعمر كعب بن مالك وروى عن النبي حديثا كثيرا وكل بني كعب بن مالك قد روى عنه الحديث فمما رواه ابن ابنه بشير عن أبيه عنه حدثني أحمد بن الجعد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أحمد بن عبد الملك قال حدثنا عتاب بن سلمة عن إسحاق بن راشد عن الزهري قال كان بشير بن عبد الرحمن بن كعب يحدث عن أبيه أن كعب بن مالك كان يحدث أن رسول الله قال والذي نفسي بيده لكأنما تنضحونهم بالنبل بما تقولون لهم من الشعر ومما رواه عنه ابنه عبد الله أخبرني أحمد بن الجعد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا بكر بن عبد الرحمن قال حدثنا عيسى بن المختار عن ابن أبي ليلى عن إسماعيل بن أمية عن محمد بن مسلم عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال كان رسول الله يصلي المغرب ثم يرجع الناس إلى أهاليهم وهم يبصرون مواقع النبل حين يرمون ومما رواه ابنه محمد أخبرني أحمد بن الجعد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن محمد بن كعب عن أبيه أنه حدثه أن النبي بعثه وأوس بن الحدثان أيام التشريق فنادى إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأيام منى أيام أكل وشرب ويقال كان كعب بن مالك عثمانيا وهو أحد من قعد عن علي بن أبي طالب عليه السلام فلم يشهد معه حروبه وخاطبه في أمر عثمان وقتلته خطابا نذكره بعد هذا في أخباره ثم اعتزله وله مراث في عثمان بن عفان رحمه الله وتحريض للأنصار على نصرته قبل قتله وتأنيب لهم على خذلانه بعد ذلك منها قوله ( فلو حُلْتُمُ من دونه لم يزلْ لكم ... يَدَ الدهر عِزٌّ لا يبوخُ ولا يَسْري ) ( ولم تَقْعدوا والدار كابٍ دُخانها ... يُحَرَّق فيها بالسعير وبالجمر ) ( فلم أرَ يوماً كان أكثر ضيعةً ... وأقربَ منه للغَواية والنُّكْر ) كعب يرثي عثمان في المسجد أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال كان كعب بن مالك الأنصاري أحد من عاون عثمان على المصريين يجري وشهر سلاحه فلما ناشد عثمان الناس أن يغمدوا سيوفهم انصرف ولم ير أن الأمر يخلص إليه ولا ويجري القوم إلى قتله فلما قتل وقف كعب بن مالك على مجلس الأنصار في مسجد رسول الله فأنشدهم ( مَنْ مُبْلِغُ الأنصارِ عنِّيَ آيةً ... رُسُلاً تَقُصُّ عليهمُ التِّبيانا ) ( أَن قد فَعَلْتم فَعْلة مذكورة ... كَستِ الفُضُوح وأبدَتِ الشنَّآنا ) ( بقعودكم في دوركم وأميركم ... تُحْشَى ضواحي دارِه النيرانا ) ( بينا يرجِّي دفعَكم عن دارِه ... مُلِئت حَريقاً كابِياً ودُخانا ) ( حتى إذا خَلَصوا إلى أبوابه ... دخلوا عليه صائماً عطشانا ) ( يُعلُون قُلَّته السيوفَ وأنتُم ... متلبِّثون مكانكم رِضوانا ) ( الله يَعلم أنني لم أرضَه ... لكمُ صنيعاً يوم ذاك وشانا ) ( يا لَهْفَ نفسي إذ يقول ألا أَرَى ... نَفَراً من الأنصار لي أعوانا ) ( والله لو شهد ابن قيسٍ ثابتٌ ... ومعاشر كانوا له إخوانا ) يعني ثابت بن قيس بن شماس ( وأبو دُجانة وابنُ أرقمَ ثابتٌ ... وأخو المَشاهد من بني عَجْلانا ) أبو دجانة سماك بن خرشة وابن أرقم ثابت البلوي وأخو المشاهد من بني عجلان معن بن عدي عقبي ( ورِفاعة العُمَريُّ وابن مُعاذِهم ... وأخو مُعَاويَ لم يخف خذلانا ) رفاعة ابن عبد المنذر العُمَريّ وابن معاذ سعد بن معاذ وأخو معاوية المنذر بن عمرو الساعدي عقبي بدري ( قومٌ يَرَوْن الحق نصرَ أميرِهم ... ويَرون طاعةَ أمره إيمانا ) ( إن يُتركوا فَوْضَى يَرَوا في دينهم ... أمْرًا يُضَيِّق عنهمُ البُلدانا ) ( فَلَيُعْلِينَّ الله كعبَ وَليهِ ... وَلَيَجْعَلنَّ عَدُوَّه الذُّلاَّنا ) ( إني رأيت محمداً إختاره ... صِهراً وكان يَعُدُّه خُلْصانا ) ( مَحْضَ الضرائبِ ماجداً أعراقُهُ ... من خيرِ خِندِفَ مَنصِباً ومَكانا ) ( عَرَفَتْ له عُلْيا مَعَدّ كلُّها ... بعدَ النبيّ الملكَ والسلطانا ) ( من مَعْشَر لا يغدِرون بجارهم ... كانوا بمكة يَرْتَعون زمانا ) ( يُعْطون سائلهم ويأمنُ جارهم ... فيهم ويُرْدون الكُماة طِعانا ) ( فلَوَ انكم مع نصركم لنبيكم ... يوم اللقاء نصرتُمُ عثمانا ) ( أَنَسِيتُم عهد النبيّ إليكُمُ ... ولقد أَلَظَّ ووَكَّد الأَيمانا ) قال فجعل القوم يبكون ويستغفرون الله عز و جل أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو عامر عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه قال رجز راجز من قريش برسول الله فقال ( لم يَغْذُها مُدٌّ ولا نصِيفُ ... ولا تُمَيراتٌ ولا تَعْجِيف ) ( لكن غذاها اللبنُ الحِرِّيفُ ... والمَخْضُ والقارصُ والصَّريفُ ) قال فاحتفظت الأنصار حيث ذكر المد والتمر فقالوا لكعب بن مالك انزل فنزل فقال ( لم يَغذْها مدٌّ ولا نَصِيفُ ... لكن غذاها الحنظلُ النَّقيفُ ) ( ومَذْقة كطُرَّة الخنيف ... تبيتُ بين الزَّرْب والكَنيفِ ) فقال رسول الله اركبا أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا هوذة بن خليفة قال حدثنا عوف بن محمد عن محمد بن سيرين في حديث طويل قال كان يهجوهم يعني قريشا ثلاثة نفر من الأنصار يجيبونهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وكان حسان وكعب يعارضانهم بمثل قولهم بالوقائع والأيام والمآثر ويعيرانهم بالمثالب وكان عبد الله بن رواحة يعيرهم بالكفر وينسبهم إليه ويعلم أن ليس فيهم شيء شر من الكفر فكانوا في ذلك الزمان أشد شيء عليهم قول حسان وكعب وأهون شيء عليهم قول ابن رواحة فلما أسلموا وفقهوا الإسلام كان أشد القول عليهم قول ابن رواحة كعب يستأذن الرسول في هجاء قريش أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عبد الله بن بكر السهمي قال حدثني حاتم بن أبي صغيرة قال حدثنا سماك بن حرب قال أتي رسول الله فقيل إن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يهجوك فقام ابن رواحة فقال يا رسول الله ائذن لي فيه فقال له أنت الذي تقول فثبت الله قال نعم يا رسول الله أنا الذي أقول ( فثبت الله ما أعطاك من حَسَنٍ ... تثبيت مُوسَى ونَصْراً كالذي نَصَرا ) فقال وأنت فعل الله بك مثل ذلك قال فوثب كعب بن مالك فقال يا رسول الله ائذن لي فيه فقال أنت الذي تقول همت قال نعم يا رسول الله أنا الذي أقول ( همت سَخِينةُ أَنْ تغالَب ربَّها ... ولَيُغْلَبَنَّ مُغالِبُ الغَلاَّب ) فقال أما إن الله لم ينس لك ذلك أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا عبد الله بن يحيى مولى ثقيف قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا مجالد عن الشعبي قال لما انهزم المشركون يوم الأحزاب قال رسول الله إن المشركين لن يغزوكم بعد اليوم ولكنكم تغزونهم وتسمعون منهم أذى ويهجونكم فمن يحمي أعراض المسلمين فقام عبد الله بن رواحة فقال أنا فقال إنك لحسن الشعر ثم قام كعب فقال أنا فقال وإنك لحسن الشعر أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن منصور قال حدثني سعيد بن عامر قال حدثني جويرية بن أسماء قال بلغني أن رسول الله قال أمرت عبد الله بن رواحة فقال وأحسن وأمرت حسانا فشفى واشتفى أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن عيسى قال حدثني عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث أن يحيى بن سعيد حدثه عن عبد الله بن أنيس عن أمه وهي بنت كعب بن مالك أن النبي خرج على كعب وهو في مسجد رسول الله ينشد فلما رآه كأنه انقبض فقال ما كنتم فيه فقال كعب كنت أنشد فقال رسول الله فأنشد فأنشد حتى أتى على قوله ( مُقاتَلُنا عن جِذْمِنا كُلَّ فَخْمةٍ ... ) فقال رسول الله لا تقل عن جذمنا ولكن قل مقاتلنا عن ديننا قال أبو زيد وحدثني سعيد بن عامر قال حدثنا أبو عون عن ابن سيرين قال وقف رسول الله بباب كعب بن مالك فخرج فقال له رسول الله إيه فأنشده ثم قال إيه فأنشده ثم قال إيه فأنشده ثلاث مرات فقال رسول الله لهذا أشد عليهم من مواقع النبل أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا أبو جعفر محمد بن منصور الربعي وذكر أنه إسناد شآم هكذا قال قال ابن عمار في الخبر وذكر حديثا فيه طول لحسان بن ثابت والنعمان بن بشير وكعب بن مالك فذكرت ما كان لكعب فيه قال لما بويع لعلي بن أبي طالب عليه السلام بلغه عن حسان بن ثابت وكعب بن مالك والنعمان بن بشير - وكانوا عثمانية - أنهم يقدمون بني أمية على بني هاشم ويقولون الشأم خير من المدينة واتصل بهم أن ذلك قد بلغه فدخلوا عليه فقال له كعب بن مالك يا أمير المؤمنين أخبرنا عن عثمان أقتل ظالما فنقول بقولك أم قتل مظلوما فنقول بقولنا ونكلك إلى الشبهة فيه فالعجب من تيقننا وشكك وقد زعمت العرب أن عندك علم ما اختلفنا فيه فهاته نعرفه ثم قال ( كَفَّ يديهِ ثم أغلقَ بابه ... وأيقنَ أن الله ليس بغافلِ ) ( وقال لمن في داره لا تقاتلوا ... عفا الله عن كل امرىء لم يقاتلِ ) ( فكيف رأيتَ الله صبَّ عليهم العداوة ... والبغضاء بعد التواصُل ) ( وكيف رأيت الخير أدبر عنهمُ ... وولَّى كإدبار النعام الجوافِل ) فقال لهم علي عليه السلام لكم عندي ثلاثة أشياء استأثر عثمان فأساء الأثرة وجزعتم فأسأتم الجزع وعند الله ما تختلفون فيه إلى يوم القيامة فقالوا لا ترضى بهذا العرب ولا تعذرنا به فقال علي عليه السلام أتردون علي بين ظهراني المسلمين بلا بينة صادقة ولا حجة واضحة اخرجوا عني ولا تجاوروني في بلد أنا فيه أبدا فخرجوا من يومهم فساروا حتى أتوا معاوية فقال لهم لكم الولاية والكفاية فأعطى حسان بن ثابت ألف دينار وكعب بن مالك ألف دينار وولى النعمان بن بشير حمص ثم نقله إلى الكوفة بعد ==التالي بمشيئة الله ج31وج32وج33.