كتاب الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع القاضي عياض بن موسى اليحصبي
الإلماع
إلى معرفة اصول الرواية وتقييد السماع
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم
قال الفقيه القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبى وفقه الله
الحمد لله الذي هدى لطاعته وألهم وعلم الإنسان مالم يكن يعلم
أسأله شكر ما من به وأنعم وعقبى خير يكمل بها نعماه ويختم وصلواته على محمد نبيه صلى الله عليه و سلم وعلى آله وسلم وبعد
أيها الراغب في صرف العناية إلى تلخيص فصول في معرفة الضبط وتقييد السماع والرواية وتبيين أنواعها عند أهل التحصيل والدراية وما يصح منها وما يتزيف وما يتفق فيه من وجوهها ويختلف
فإنى بما علمته من حرصك على هذا الطريق وتميزك إلى هذا الفريق وإيثارك علم الأثر على سواه وتهممك بتقييد ألفاظ الحديث
وتفهم معناه وأنك سددت بمذهبك هذا لوجه الحق وصوابه وأتيت بيت العلم من بابه وسلكت في ذلك مسلك كل مشهور مذكور وأحببت من العلم ما يحبه الذكور فإن علم الكتاب والأثر أصل الشريعة الذي إليه انتماؤها واساس علومها الذى عليه يرتفع تفريع فروعها وبناؤها
وهو علم عذب المشرب رفيع المطلب متدفق الينبوع متشعب الفصول والفروع
فأول فصوله معرفة أدب الطلب والأخذ والسماع
ثم معرفة علم ذلك ووجوهه وعمن يؤخذ
ثم الإتقان والتقييد
ثم الحفظ والوعى
ثم التمييز والنقد بمعرفة صحيحه وسقيمه وحسنه ومقبوله ومتروكه وموضوعه واختلاف روايته وعلله وميز مسنده من مرسله وموقوفه من موصوله
ثم معرفة طبقات رجاله من الثقة والحفظ والعدالة والجرح والضعف والجهالة والتقدم والتأخر
ثم ميز زيادات الحفاظ وغيرهم فيه وفصل المدرج أثناءه من أقوال ناقليه
ثم معرفة غريب متونه وتفسير ألفاظه
ثم معرفة ناسخه من منسوخه ومفسره من مجمله ومتعارضه ومشكله ثم التفقه فيه واستخراج الحكم والأحكام من نصوصه ومعانيه وجلاء مشكل ألفاظه على أحسن تأويلها ووفق مختلفها على الوجوه المفصلة وتنزيلها
ثم النشر وآدابه وصحة المقصد في ذلك للدين واحتسابه
وكل فصل من هذه الفصول علم قائم بنفسه وفرع باسق على أصل علم الأثر وأسه
وفي كل منها تصانيف عديدة وتآليف جمة مفيدة
ولم يعتن أحد بالفصل الذي رغبته كما يجب ولا وقفت فيه على تصنيف يجد فيه الراغب ما رغب فأجبتك إلى بيان ما رغبت من فصوله وجمعت في ذلك نكتا غريبة من مقدمات علم الأثر وأصوله
وقدمت بين يدى ذلك أبوابا مختصرة في عظم شأن علم الحديث وشرف أهله ووجوب السماع والأداء له ونقله والأمر بالضبط والوعى والإتقان
وختمته بباب في أحاديث غريبة ونكت مفيدة عجيبة من آداب المحدثين وسيرهم وشوارد من اقاصيصهم وخبرهم
والله تعالى أسأل توفيقا لى ولك وعونا يسدد لما يرضيه عملى وعملك
باب في وجوب طلب علم الحديث والسنن وإتقان ذلك وضبطه وحفظه ووعيه
قال الفقيه القاضى المؤلف رضى الله عنه
لاخفاء على ذى عقل سليم ودين مستقيم بوجوب ذلك والحض عليه لأن أصل الشريعة التي تعبدنا بها إنما هي متلقاة من جهة نبينا صلوات الله عليه وسلامه إما فيما بلغه من كلام ربه وهو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي تكفل الله بحفظه فقال جل وعز ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )
وبهذا الوجه ارتفع بحمد الله فيه اللبس واطمأنت لصحة جميعه كل نفس ونقل بالتواتر كافة عنه ولم يقع بين فرق المسلمين خلاف في حرف منه
ثم بعد ذلك ما أخبر به من وحى الله إليه وأوامره ونواهيه وقد قال تعالى ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى )
وغير ذلك من سننه وسائر سيره وجملة أقواله وأفعاله وإقراره قال الله تعالى ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )
وكل هذا إنما يوصل إليه ويعرف بالتطلب والرواية والبحث والتنقير عنه والتصحيح له
ورحم الله سلفنا من الأئمة المرضيين والأعلام السابقين والقدوة الصالحين من أهل الحديث وفقهائهم قرنا بعد قرن فلولا اهتبالهم بنقله وتوفرهم على سماعه وحمله وأحتسابهم في إذاعته ونشره وبحثهم عن مشهوره وغريبه وتنخيلهم لصحيحه من سقيمه لضاعت السنن والآثار ولاختلط الأمر والنهى وبطل الاستنباط والاعتبار كما اعترى من لم يعتن بها وأعرض عنها بتزيين الشيطان ذلك له من الخوارج والمعتزلة وضعفة أهل الرأى حتى انسل أكثرهم عن الدين وأتت فتاويهم ومذاهبهم مختلة القوانين وذلك لأنهم اتبعوا السبل وعدلوا عن الطريق وبنوا أمرهم على غير أصل وثيق ( أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار ) الآية
وقد قال تعالى ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ) الآية
فهذا أصل في وجوب طلب العلم والرحلة في طلب السنن
وقال عليه السلام فيما أخبرنا به القاضي الحافظ أبو علي الحسين ابن محمد رحمه الله قراءة مني عليه قال أخبرنا الشيخ الإمام أبو الفضل أحمد بن أحمد الأصبهاني قال أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله
الحافظ قال أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر أخبرنا بنان بن أحمد القطان أخبرنا عبد الله بن عمر بن أبان أخبرنا شعيب بن إبراهيم أخبرنا سيف بن عمر عن أبان بن إسحق الأسدى عن الصباح بن محمد عن أبى حازم عن أبى سعيد الخدري قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أيها الناس إنى قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله وسنتى فلا تفسدوه وإنه لا تعمى أبصاركم ولن تزل أقدامكم ولن تقصر أيديكم ما أخذتم بهما
حدثنا القاضى الفقيه أبو عبد الله محمد بن عيسى والشيخ الصالح
أبو على الحسن بن طريف قالا أخبرنا أبو عبد الله محمد بن سعدون قال أخبرنا أبو بكر محمد بن على عن أبى عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أبو جعفر محمد بن على الشيبانى أخبرنا أحمد بن حازم بن أبى غرزة أخبرنا ضرار بن صرد أخبرنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الأسدى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم
حدثنا القاضى الشهيد أبو على بقراءتى عليه قلت له حدثكم
أبو الحسين بن عبد الجبار وأبو الفضل أحمد بن خيرون قالا أخبرنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد عن أبى على الحسن بن محمد السنجى عن أبى العباس محمد بن أحمد بن محبوب أخبرنا أبو عيسى محمد بن سورة الحافظ أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا محمد بن يوسف عن ابن ثوبان هو عبدالرحمن ابن ثابت بن ثوبان عن حسان بن عطية عن أبى كبشة السلولى عن عبد الله بن عمرو قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بلغوا عنى ولو آية وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
حدثنا القاضى أبو عبد الله بن عيسى والشيخ أبو على بن طريف عن ابن سعدون عن أبى بكر المطوعى عن أبى عبد الله الحاكم قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبدالحكم أخبرنا ابن وهب أخبرنى مسلمة بن على عن زيد بن واقد عن حزام بن حكيم
قال سمعت أنس بن مالك يقول سمعت رسول رسولالله صلى الله عليه و سلم يقول
حدثوا عنى كما سمعتم ولا حرج ألا من افترى على كذبا متعمدا بغير علم فليتبوأ مقعده من النار
أخبرنا الشيخ أبو على الحسين بن محمد الغسانى الحافظ من كتابه قال أخبرنا أبو القاسم حاتم بن محمد الطرابلسى قال أخبرنا أبو محمد عبد الملك ابن الحسن الصقلى أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري الحافظ أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا أبو عتبة أحمد بن الفرج أخبرنا بقية بن الوليد
وحدثنا القاضى محمد بن إسماعيل قراءة منى عليه قال أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن قاسم أخبرنا أبو محمد بن عباس أخبرنا أبو القاسم الجوهرى قال أخبرنا أبو الحسن على بن أحمد بن إسحاق أخبرنا عمرو بن أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن أبى السرى أخبرنا بقية بن الولد واللفظ لحديث ابن أبى السرى أخبرنا شعبة عن عمر بن سليمان بن عاصم ابن عمر بن الخطاب عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه عن زيد بن ثابت قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم نضر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه عنا كما سمعه فرب حامل فقه غير فقيه
ومن غير هذا الطريق ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه
ومن روايتنا عن الترمذى فرب مبلغ أوعى له من سامع
حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن عتاب الفقيه أخبرنا حاتم بن محمد أخبرنا على بن خلف الفقيه أخبرنا محمد بن أحمد المروزى أخبرنا محمد بن يوسف الفربرى أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا محمد أخبرنا بشر أخبرنا أبن عون عن ابن سيرين عن عبد الرحمن بن أبى بكرة عن أبيه قال
ذكر النبى صلى الله عليه و سلم وذكر خطبته يوم النحر وفى آخره
ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه
وحدثنا الشيخ أبو بحر سفيان بن العاصى الأسدى سماعا والفقيه أبو محمد عبد الله بن أبى جعفر الخشني قراءة قال الأسدى حدثنا أبو الليث نصر بن الحسن السمرقندى وقال الخشنى أخبرنا أبو على الحسين بن على
الطبرى قالا أخبرنا عبدالغافر الفارسى أخبرنا أبو أحمد بن عمرويه بن الجلودى أخبرنا إبراهيم بن سفيان أخبرنا مسلم بن الحجاج أخبرنا أبو بكر بن أبى شيبة ومحمد بن مثنى ومحمد بن بشار وألفاظهم متقاربة قال أبو بكر أخبرنا غندر عن شعبة وقال الآخران أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن أبى جمرة وذكر عن ابن عباس حديث وفد عبد القيس بكماله وما أمرهم به ونهاهم عنه وقال في آخره احفظوه وأخبروا به من وراءكم
كذا في رواية ابن أبي شيبة
وقال غيره من ورائكم
باب في شرف علم الحديث وشرف أهله
تقدم في أول الباب قبله من كلامنا فيه ومكانه من الشرع ومكان أهله غنية
حدثنا القاضى أبو على أخبرنا أبو الفضل الأصبهانى أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر عبد الله بن يحيى الطلحى أخبرنا أبو حصين محمد بن الحسين بن حبيب القاضى أخبرنا أبو الطاهر أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن على بن أبى طالب أخبرنا ابن أبى فديك عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس قال
سمعت على بن أبى طالب يقول خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال اللهم ارحم خلفائى قلنا يا رسول الله ومن هم خلفاؤك قال الذين يأتون من بعدى يروون أحاديثى ويعلمونها الناس
وأخبرنا قال أخبرنا أبو الفضل قال أخبرنا أبو نعيم أخبرنا محمد بن إبراهيم أخبرنا أبو عروبة أخبرنا على بن ميمون أخبرنا إسحاق ابن إبراهيم الحنينى أخبرنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن هذا الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء قيل يا رسول الله فمن الغرباء قال الذين
يحيون سنتي من بعدي ويعلمونها الناس
أخبرنى أبو الحسن يونس بن مغيث الفقيه قرأت عليه حدثكم أبو القاسم حاتم بن محمد الطرابلسى قال أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد الجهنى
وأخبرنا الحاكم بقرطبة أبو القاسم أحمد بن بقى مما قرأت عليه وهو حاضر يسمع وقال حدثنا به أبو العباس أحمد بن عمر أخبرنا
أبو بكر محمد بن أحمد المكى قال أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين أخبرنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار أخبرنا أبو محمد جعفر بن محمد الخندقى أخبرنا محمد بن إبراهيم السائح أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز
ابن أبى رواد عن أبيه عن عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس عن معاذ بن جبل قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من حفظ على أمتى أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة العلماء والفقهاء
وأخبرنا الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر إملاء أخبرنا القاضى أبو الإصبغ بن سهل أخبرنا أبو القاسم الطرابلسى أخبرنا أبو الحسن أحمد بن
إبراهيم بن فراس أخبرنا أبو عبد الله إبراهيم بن رحمون بن هارون السنجارى أخبرنا أنس بن سلم أخبرنا مخلد بن مالك أخبرنا إسحاق بن نجيج عن عطاء عن ابن عباس قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
من حفظ على أمتى فى السنة أربعين حديثا كنت له شفيعا من النار
أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد الأصبهانى الحافظ من كتابه
أخبرنا الشيخ أبو الحسين الطيورى قال أخبرنا أبو الحسن على ابن أحمد الفالى أخبرنا القاضى أبو عبد الله أحمد بن إسحاق بن خربان
النهاوندى أخبرنا القاضى أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزى أخبرنا محمد بن أحمد بن سهل الرازى أخبرنا بشر بن آدم أخبرنا محمد بن عبد الله العتبى أخبرنا سعيد بن محمد الخصاف عن الزهرى قال
لا يطلب الحديث من الرجال إلا ذكرانها ولا يزهد فيه إلا إناثها
وفى غير هذه الرواية الحديث ذكر يحبه ذكور الرجال
أخبرنا القاضى أبو عبد الله محمد بن عيسى فيما قرىء عليه وأنا أسمع والشيخ أبو على التاهرتى بقراءتى عليه قالا أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن سعدون القروى أخبرنا أبو بكر الغازى أبو بكر الغازى أخبرنا أبو عبد الله الحاكم سمعت محمد بن على الآدمى بمكة يقول سمعت موسى بن هارون يقول سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن معنى هذا الحديث يريد قوله صلى الله عليه و سلم لا يزال ناس من أمتى منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة
وفى رواية البخارى طائفة من أمتى ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون ونحوه عند مسلم من رواية ابن أبي شيبة في حديث المغيرة
ومن رواية معاوية لا تزال طائفة من أمتى قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتى أمر الله وهم ظاهرون على الحق
فقال أحمد إن لم تكن هذه الطائفة أصحاب الحديث فلا أدرى من هم
وقد قال أبو عبد الله البخارى هم أهل العلم
أخبرنا أبو طاهر الحافظ مكاتبة أخبرنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا أبو الحسن الفالى أخبرنا القاضى أبو عبد الله النهاوندى أخبرنا القاضى ابن خلاد أخبرنا عبدان بن أحمد بن أبى صالح حدثنا أبو حاتم الرازى أخبرنا عبيد بن هشام أخبرنا عطاء بن أبى مسلم قال
كان الأعمش يقول لا أعلم لله قوما أفضل من قوم يطلبون هذا الحديث ويحيون هذه السنة وكم أنتم في الناس والله لأنتم أقل من الذهب
قال ابن خلاد وأخبرنا عبد الله بن غنام الكوفى حدثنا على بن حكيم الأودى قال سمعت وكيعا يقول
سمعت سفيان الثوري يقول ماشى أخوف عندى من الحديث ولا شيء أفضل منه لمن اراد به ما عند الله
أخبرنا أحمد بن محمد بن غلبون عن أبيه قال أخبرنا القاضى أبو الوليد هو ابن الفرضى أخبرنا أبو الحسن بن جهضم أخبرنا أبو بكر أحمد بن على أخبرنا أحمد بن مروان الخزاعى أخبرنا صالح بن أحمد قال
سمعت أبى يقول ما الناس إلا من قال حدثنا وأخبرنا ولقد التفت المعتصم إلى أبى فقال له كلم ابن أبى دؤاب فأعرض عنه أبى بوجهه قال كيف أكلم من لم أره على باب عالم قط
حدثنا القاضى ابو على الصدفى الحافظ قال أخبرت ببغداد عن رجل
لم يكن عنده غير حديث واحد فكان قلما يوجد وحده إلا وعنده من يسأله عن ذلك الحديث ويرويه عنه
أخبرنا القاضى أبو بكر محمد بن عبد الله المعافرى قراءة منه على بلفظه أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد الأكفانى أخبرنا عبد العزيز ابن محمد الكتانى الدمشقى الحافظ أخبرنا أبو عصمة نوح بن نصر
الفرغاني قال سمعت أبا المظفر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جبريل بن مت الخزرجى وأبا بكر محمد بن عيسى البخارى يقولان سمعنا أبا ذر عمار بن محمد بن مخلد التميمى يقول سمعت أبا المظفر محمد ابن أحمد بن حامد بن الفضيل البخارى يقول
لما عزل أبو العباس الوليد بن إبراهيم بن زيد الهمدانى عن قضاء الرى ورد بخارى لتجديد مودة كانت بينه وبين أبى الفضل البلعمى فنزل في جوارنا فحملنى معلمى أبو إبراهيم إسحق
ابن إبراهيم الختلى إليه وقال له أسألك أن تحدث هذا الصبى بما سمعت من مشايخك
قال مالى سماع
قال فكيف وأنت فقيه فما هذا
قال لأنى لما بلغت مبلغ الرجال تاقت نفسى إلى معرفة الحديث ومعرفة الرجال ودراية الأخبار وسماعها فقصدت محمد بن إسماعيل البخارى ببخارى صاحب التاريخ والمنظور إليه في معرفة الحديث وأعلمته مرادى وسألته الإقبال على في ذلك فقال لي يا بنى لا تدخل في أمر إلا بعد معرفة حدوده والوقوف على مقاديره
فقلت له عرفنى رحمك الله حدود ما قصدتك له ومقادير ما سألتك عنه
فقال لى اعلم أن الرجل لا يصير محدثا كاملا في حديثه إلا بعد أن يكتب أربعا مع أربع كأربع مثل أربع في أربع عند أربع بأربع على أربع عن أربع لأربع
وكل هذه الرباعيات لا تتم له إلا بأربع مع أربع
فإذا تمت له كلها هان عليه أربع وابتلى بأربع
فإذا صبر على ذلك أكرمه الله في الدنيا بأربع وأثابه في الآخرة بأربع
قلت له فسر لى ما ذكرت من أحوال هذه الرباعيات من قلب صاف بشرح كاف وبيان شاف طلبا للأجر الوافى
فقال نعم أما الأربعة التي تحتاج إلى كتبتها هي أخبار رسول الله صلى الله عليه و سلم وشرائعه والصحابة ومقاديرهم والتابعين وأحوالهم وسائر العلماء وتواريخهم مع أسماء رجالهم وكناهم وأمكنتهم وأزمنتهم كالتحميد مع الخطب والدعاء مع الرسل والبسم مع السور والتكبير مع الصلوات مثل المسندات والمرسلات والموقوفات والمقطوعات في صغره وفى إدراكه وفى كهولته وفى شبابه عند فراغه وعند شغله وعند فقره وعند غناه بالجبال والبحار والبلدان والبرارى على الأحجار والأصداف والجلود والأكتاف إلى الوقت الذي يمكنه نقلها إلى الأوراق عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه وعن كتاب أبيه يتيقن أنه بخط أبيه دون غيره لوجه الله تعالى طالبا لمرضاته والعمل بما وافق الكتاب منها ونشرها بين طالبيها ومجتنيها والتأليف في إحياء ذكره بعده
ثم لا تتم له هذه الأشياء إلا بأربع من كسب العبد أعنى معرفة
الكتابة واللغة والصرف والنحو مع أربع هى من إعطاء الله تعالى أعنى القدرة والصحة والحرص والحفظ
فإذا تمت له هذه الأشياء هان عليه أربع الأهل والولد والمال والموطن وابتلى بأربع شماتة الأعداء وملامة الأصدقاء وطعن الجهلاء وحسد العلماء
فإذا صبر على هذه المحن أكرمه الله في الدنيا بأربع بعز القناعة وبهيبة النفس ولذة العلم وحياة الأبد
وأثابه في الآخرة بأربع بالشفاعة لمن أراد من إخوانه وبظل العرش يوم لا ظل إلا ظله وبسقى من أراد من حوض نبيه صلى الله عليه و سلم وبجوار النبيين في أعلى عليين في الجنة
فقد أعلمتك يا بنى مجملا جميع ما كنت سمعته من مشايخى متفرقا في هذا الباب مجمعا فأقبل الآن على ما قصدتني له أو دع
قال فهالنى قوله فسكت متفكرا وأطرقت نادما فلما رأى ذلك منى قال
وإلا تطق احتمال هذه المشاق كلها فعليك بالفقه الذى يمكنك تعلمه وأنت في بيتك قار ساكن لا تحتاج إلى بعد الأسفار ووطء الديار وركوب
البحار وهو مع ذا ثمرة الحديث وليس ثواب الفقيه بدون ثواب المحدث في الآخرة ولا عزه بأقل من عز المحدث
قال فلما سمعت ذلك نقض عزمى في طلب الحديث وأقبلت على دراسة الفقه وتعلمه إلى أن صرت متفقها فلذلك لم يكن عندى ما أمليه على هذا الصبى يا أبا إبراهيم
فقال له أبو إبراهيم إن هذا الحديث الواحد الذى لا يوجد عند غيرك خير للصبى من ألف حديث يجده عند غيرك
قال الفقيه القاضى أبو الفضل وشبيه بمذهب البخارى في هذا الخبر ما رواه بعض شيوخنا عن أبى زرعة الرازى أنه قال عليكم بالفقه فإنه كالتفاح الجبلى يطعم
أخبرنا محمد بن إسماعيل قال قرأت على الفقيه أبى القاسم عبد الرحمن بن قاسم عن أبى محمد عبد الرحمن بن محمد بن عباس عن أبى القاسم عبد الرحمن بن عبد الله الغافقى قال أخبرنا محمد بن أحمد الذهلى أخبرنا موسى بن هارون أخبرنا إسحاق بن عمر بن سليط أخبرنا نجم ابن فرقد العطار حدثنا أبو هارون قال
كنت إذا دخلت على أبى سعيد الخدرى يقول مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه و سلم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لنا
إن الناس لكم تبع وسيأتيكم أو سيأتونكم قوم من أقطار الأرض يتفقهون فإذا رأيتموهم فاستوصوا بهم خيرا وعلموهم مما علمكم الله ومن غير هذا الطريق فإذا جاءوكم فألطفوهم وحدثوهم
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عتاب وأبو القاسم خلف بن إبراهيم الخطيب وأبو عمران موسى بن
أبى تليد وغيرهم إجازة قالوا أخبرنا أبو عمر بن عبد البر أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى أخبرنا أحمد بن سعيد حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا محمد بن على بن مروان أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن أبى رزمة قال سمعت عبدان بن عثمان يقول سمعت ابن المبارك يقول
ليكن الأمر الذى تعتمدون عليه هو الأثر وخذوا من الرأى ما يفسر لكم الحديث
قال وأخبرنا ابن أبى رزمة أخبرنى أبى أخبرنا عبد الله بن المبارك عن سفيان قال
إنما الدين بالآثار
قال وأخبرنا عبد الله بن عبد المؤمن أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن أحمد القاضى المالكى حدثنى عبد الله بن محمد الهمدانى أخبرنا عبد الله ابن حمدان أخبرنا سعيد بن عمرو بن أبى سلمة عن أبيه عن مالك في قوله تعالى ( وإنه لذكر لك ولقومك ) قال هو قول الرجل حدثنى أبى عن جدى
أخبرنا الحافظ أبو على أخبرنا الشيخ أبو الحسين الصيرفى أنشدنا أبو عبد الله الحافظ الصورى أنشدنا أبو الحسين بن جميع أخبرنا أبو عبد الله بن عطاء أنشدنا محمد بن الزبرقان
( دين النبى محمد أخبار ... نعم المطية للفتى الآثار )
( لا تخدعن عن الحديث وأهله ... فالرأى ليل والحديث نهار )
( فلربما سلك الفتى سبل الهدى ... والشمس طالعة لها أنوار )
وأخبرنا رحمه الله قال أخبرنا الصيرفى قال أنشدنا الصورى لنفسه
( قل لمن أنكر الحديث وأضحى ... عائبا أهله ومن يدعيه )
( أبعلم تقول هذا ابن لى ... أم بجهل فالجهل خلق السفيه )
( أيعاب الذين هم حفظوا الدين ... من الترهات والتمويه )
( وإلى قولهم وما قد رووه ... راجع كل عالم وفقيه )
قرأت بخط الشيخ أبى عبد الله محمد بن أبى نصر نزيل بغداد مما كتبه للقاضى أبى بكر بن عمران وأجازنا ذلك عنه غير واحد مما أنشد لنفسه
( زين الفقيه حديث يستضىء به ... عند الحجاج وإلا كان في ظلم )
( إن تاه ذو مذهب في قفر مشكلة ... لاح الحديث له في الوقت كالعلم )
وبخطه أيضا لنفسه
( الناس نبت وأرباب العلوم معا ... روض وأهل الحديث الماء والزهر )
( من كان قول رسول الله حاكمه ... فلا شهود له إلا الالى ذكروا )
وأخبرنا القاضى أبو بكر محمد بن عبد الله المعافرى قال أخبرنى أبو الحسين الطيورى عن أبى بكر الخطيب قال أنشدنى أبو على الحسن بن شهاب العكبرى قال أنشدنى أبو عامر الحسن بن محمد النسوى أنشدنى أبو زيد الفقيه لبعض علماء شاش
( كل العلوم سوى القرآن زندقة ... إلا الحديث وإلا الفقه في الدين )
( والعلم متبع ما كان حدثنا ... وما سوى ذلك وسواس الشياطين )
أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ فيما أذن لى بالحديث به عنه قال أخبرنا أبو الحسين الصيرفى قال حدثنا الفالى أخبرنا ابن خربان القاضى أخبرنا ابن خلاد قال أنشدنا عزيز بن سماك الكرمانى وكان من حفاظ الحديث لعبد الله بن المبارك
( مالذتى إلا رواية مسند ... قد قيدت بفصاحة الألفاظ )
( ومجالس فيها على سكينة ... ومذكرات معاشر الحفاظ )
( نالوا الفضيلة والكرامة والنهى ... من ربهم برعاية وحفاظ )
( أخبرنا القاضى أبو على قال أخبرنا أبو القاسم خلف بن عمر الباجى قال أنشدنا أبو بكر محمد بن الحسن بن عبد الوارث قال أنشدنا أبو عمرو المقرى لنفسه
( نور البلاد وزين ... الأنام صحب الحديث )
( لولاهم ما علمنا ... ضلال كل خبيث )
( ولا علمنا صحيحا ... من السقيم الرثيث )
( فنحن فيما لديهم ... نسعى بكل حثيث )
( لكى نفوز بذخر ... من ربنا مبثوث )
قال المؤلف
( يا طالب العلم استمع قول امرىء ... محض النصيحة للمريد الراغب )
( العلم في أصلين لا يعدوهما ... إلا المضل عن الطريق اللاحب )
( علم الكتاب وعلم الآثار التى ... قد أسندت عن تابع عن صاحب )
( جاءت بها الأثبات عنهم واعتنت ... بمساند ومراسل وغرائب )
( حتى نفت طعن الغوى وميزت ... خطأ الغبي وزور وضع الكاذب )
( فأتت كما انتظم الوشاح وثقفت ... سمر الرماح ولاح ضوء الثاقب )
( لولا روايتهم لما اتصلت بنا ... ولما علمنا سنة من واجب )
( منها مثار الفقه وهى دليله ... والرأى مطرح لابعد جانب )
( فأشدد عليه يد الضنانة وارحلن ... لسماعه بمشارق ومغارب )
( وأنو الإله به تعش في غبطة ... وتفز بعدن في نعيم دائب )
باب في آداب طالب السماع وما يجب أن يتخلق به
يجب أولا على كل طالب علم قبل الشروع فيه التخلق بأخلاق أهله والتزام زيهم والتأدب بأدب حملته ولزوم السكينة والوقار والبكور لطلبه والمواظبة عليه وإخلاص النية لله فيه والتواضع لمن يأخذ عنه وتعظيمه وتوقيره والصبر على ما يلقاه منه أو من رفقائه من جفاء وانتقاد من يأخذ عنه والبحث عن حاله قبل الأخذ عنه واختياره المشاهير من أهل العلم والدين
أخبرنا القاضى الشهيد قراءة عليه قال أخبرنا أبو الفضل الأصبهانى قال أخبرنا أبو نعيم الحافظ أخبرنا أبو محمد بن حيان أخبرنا أحمد بن يحيى بن زهير أخبرنا محمد بن سفيان بن أبى الزرد أخبرنا عباد بن حرب عن عبد الله بن أبى حميد عن أبى المليح عن ابن عباس
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اعتموا تزدادوا حلما
أخبرنا القاضى الشهيد وغيره فيما أجازنيه واللفظ له قال أخبرنا أبو الحسين الصيرفى أخبرنا أبو الحسن على بن أحمد أخبرنا القاضى أبو عبد الله أحمد بن إسحاق أخبرنا القاضى أبو محمد بن خلاد أخبرنا موسى بن زكريا أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن المصرى أخبرنا مطرف قال
سمعت مالك بن أنس يقول قلت لأمى أذهب فأكتب العلم فقالت لى أمى تعال فالبس ثياب العلماء ثم أذهب فأكتب فألبستنى ثيابا مشمرة ووضعت الطويلة على رأسى وعممتنى فوقها ثم قالت اذهب الآن فاكتب
وأخبرنا رحمه الله أخبرنا أحمد بن أحمد أخبرنا أبو نعيم أخبرنا أحمد بن بندار أخبرنا أبو بكر بن أبى عاصم حدثنا الحوضى أخبرنا يحيى بن صالح عن محمد بن عبد الملك الأنصارى عن نافع عن ابن عمر قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تواضعوا لمن تعلمون منه العلم وتواضعوا لمن تعلمونه
قال وأخبرنا أبو نعيم أخبرنا أحمد بن محمد بن إسحاق في كتابه إلىأخبرنا محمد بن حفص الطالقانى بمصر أخبرنا صالح بن محمد
الترمذى أخبرنا سليمان بن عمرو عن شريك بن عبد الله بن ابى نمر عن سعيد بن المسيب عن على بن أبى طالب قال
إن من حق العالم ألا تكثر عليه بالسؤال ولا تعنته في الجواب ولا تلح عليه إذا كسل ولا تأخذ بثوبه إذا نهض ولا تشر إليه بيدك ولا تفش له سرا ولا تغتابن عنده أحدا ولا تطلبن عثرته فإن زل انتظرت أوبته وقبلت معذرته وأن توقره وتعظمه لله ولا تمش أمامه وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته ولا تتبرمن من طول صحبته فإنما هو بمنزلة النخلة تنتظر ما يسقط عليك منها منفعة وإذا جئت فسلم على القوم وخصه بالتحية واحفظه شاهدا وغائبا وليكن ذلك كله لله فإن العالم أعظم أجرا من الصائم القائم المجاهد في سبيل الله وإذا مات العالم ان انثلمت في الإسلام ثلمة إلى يوم القيامة لا يسدها إلا خلف مثله وطالب العلم تشيعه الملائكة من السماء
وأخبرنا أبو محمد بن عتاب قال حدثنى أبى عن أبى محمد عبد الله ابن ربيع عن أبى بكر بن معاوية عن أبى عبد الرحمن النسائى قال أخبرنا إسماعيل بن مسعود أخبرنا خالد قال أخبرنا شعبة أن زياد ابن علاقة حدثهم قال سمعت أسامة بن شريك يقول
أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا أصحابه عنده كأن على رءوسهم الطير
وأخبرنا القاضى الشهيد أخبرنا أبو الفضل عن ابى نعيم قال أخبرنا أحمد إجازة عن ابن أبى داود أخبرنا الحسين بن يحيى ابن كثير العنبرى أخبرنا أبى أخبرنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أسلم المنقرى عن أبى بردة عن أبى موسى عن النبى صلى الله عليه و سلم أنه بينما يعلمهم شيئا من أمر دينهم إذ شخصت أبصارهم عنه فقال ما أشخص أبصاركم عنى
أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا ابن قاسم أخبرنا ابن عباس أخبرنا الجوهرى أخبرنا الذهلى أخبرنا جعفر الفريابى حدثنا إسحاق ابن موسى الأنصارى حدثنى إبراهيم بن قريم الأنصارى قاضى المدينة قال
مر مالك بن أنس على أبى حازم وهو يحدث فجاوزه فقيل له فقال إنى لم أجد موضعا أجلس فيه وكرهت أن آخذ حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا قائم
أخبرنا القاضى الشهيد أخبرنا أحمد بن أحمد أخبرنا أبو نعيم أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر أخبرنا مسلم بن سعيد أخبرنا مجاشع ابن عمرو أخبرنا كثير بن سليم سمعت أنس بن مالك يقول
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
اطلبوا الحديث يوم الأثنين والخميس فإنه ميسر لصاحبه
وفى حديث آخر
اغدوا في طلب العلم فإنى سألت الله أن يبارك لأمتى في بكورها ويجعل ذلك يوم الخميس
أخبرنا القاضى أبو عبد الله محمد بن عيسى وأخبرنا القاضى أبو على الصدفى والقاضى أبو عبد الله بن حمدين وغير واحد قالوا أخبرنا أبو العباس العذرى سماعا وإجازة قال أخبرنا أبو الحسن بن فهر المصرى أخبرنا أبو القاسم الجوهرى أخبرنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن الورد حدثنى العباس أخبرنا أبو الربيع أخبرنا ابن وهب قال
سمعت مالكا يقول
حق على من طلب العلم أن يكون عليه وقار وسكينة ويكون متبعا لآثار من مضى
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ كتابة أخبرنا أبو الحسين الحمامى أخبرنا الفالى أخبرنا ابن خربان أخبرنا ابن خلاد أخبرنا الساجي أخبرنا أحمد بن مدرك حدثنى حرملة قال سمعت الشافعى يقول
لا يطلب هذا العلم من يطلبه بالتملك وغنى النفس فيفلح ولكن من طلبه بذلة النفس وضيق العيش وخدمة العلم أفلح
أخبرنا الشيخ أبو الأصبغ عيسى بن أبى البحر والخطيب
أبو القاسم خلف بن إ براهي م والشيخ أبو العباس أحمد بن خليفة الخزاعى وغير واحد قالوا كلهم حدثتنا الصالحة كريمة بنت أحمد المروزية بمكة حرسها الله عن أبي الهيثم محمد بن مكى عن محمد ابن يوسف قال أخبرنا محمد بن إسماعيل قال
قال مجاهد لا يتعلم العلم مستحى ولا مستكبر
باب ما يلزم من إخلاص النية في طلب الحديث وانتقاد من يؤخذ عنه
قال الله تعالى ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) وقال صلوات الله عليه إنما الأعمال بالنيات
أخبرنا الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن محسن بقراءتى عليه قال حدثنى أبى أخبرنا أحمد بن ثابت الواسطى أخبرنا عبد الله ابن إبراهيم أخبرنا أبو أحمد بن محمد بن يوسف الجرجانى ومحمد ابن محمد المروزى قالا أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد
ابن إسماعيل قال أخبرنا الحميدى أخبرنا سفيان أخبرنا يحيى ابن سعيد أخبرنى محمد بن إبراهيم التيمى أنه سمع علقمة بن أبى وقاص يقول سمعت عمر بن الخطاب على المنبر يقول
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى الحديث
وحدثنا أبو الوليد هشام بن أحمد الفقيه بقراءتى عليه أخبرنا أبوعلى الغسانى أخبرنا أبو عمر النمرى أخبرنا ابن عبد المؤمن أخبرنا أبو بكر بن داسة أخبرنا أبو داود السجستانى أخبرنا أبو بكر ابن أبى شيبة أخبرنا شريح بن النعمان أخبرنا فليح عن أبى طويلة عبد الله ابن عبد الرحمن بن معمر عن سعيد بن يسار عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا لصيب 4به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة
أخبرنا غير واحد من شيوخنا عن أبى الحسين بن عبد الجبار البغدادى قال أخبرنا أبو الحسن الفالى حدثنا القاضى ابن خربان أخبرنا ابن خلاد أخبرنا أبى أخبرنا أحمد بن حازم الغفارى أخبرنا حسن بن قتيبة حدثنى محمد بن إسحاق عن سماك بن حرب أنه قال
طلبنا هذا الأمر لا نريد به الله فلما بلغت منه حاجتى دلنى على ما ينفعنى وحجزنى عما يضرنى
وروى نحوه سفيان بن عيينة ومجاهد وغيرهما بمعناه
أخبرنا القاضى أبو عبد الله التميمى أخبرنا ابن سعدون أخبرنا أبو بكر النيسابورى أخبرنا الحاكم أخبرنا أبو سهل الترمذى أخبرنا محمد بن صالح الترمذى أخبرنا إسماعيل بن سيف حدثنى محمد بن عبد الواحد بن أيمن سمعت يونس بن عبيد يقول
إن للحديث فتنة فاتقوا فتنته
قال القاضى رضي الله عنه
فيجب على الطالب ل هذا الشأن من إخلاص النية فيه وأن يكون طلبه ليعلم ما يلزمه من سنه نبيه صلى الله عليه و سلم وشرائع دينه ويحيى نقلها ويجدد رسمها لئلا تندرس بتركه وترك غيره
ثم ليعمل بها ويبلغها غيره حتى تتصل أسانيدها ويشتهر نقلها وليحصل له ما وعده الله ورسوله لطالبى العلم وحامليه والعاملين به من النعيم والفوز العظيم لا ليحصل بذلك المنازل والخطط وينال بعد الصيت وشهرة الذكر بالحفظ وعلو الإسناد والمعرفة بالإتقان والنقد
ولا يعتمد الأخذ عن أهل الجاه والظهور تملقا لهم ليصل بذلك إلى دنياهم ويتوسل بهم إلى من فوقهم
ويكون أخذه عن أهل الثقة لما ينقلون والمعرفة به والضبط له فإن وجد من اجتمعت فيه هذه الخصال من الدين والعلم والاتقان فقد ظفرت يداه بحاجته
وإن لم يكن إلا من فيه بعضها فليجتنب من لا دين له فإن أخذه عنه عناء إذ لا يوثق بما عنده ولا يحتج به لنفسه ولا لغيره
والأصل فيه قول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) الآية واشتراطه تعالى الرضا والعدالة في الشهداء وكذلك يجتنب من لا ضبط عنده ومن عرف بكثرة الوهم وسوء الحفظ فإنه من نمط الأول
وليبحث عن حقيقة من يظهر منه خير وعلم لئلا يكون على بدعة وهوى فيشربه إياه ويلقنه له ويرويه من الظواهر التي يحتج بها على بدعته وأباطيل الأحاديث الموضوعة مما يضره وينبز بعد بصحبته له فقد أضر ذلك بجماعة من أهل هذا الشأن
أخبرنا القاضى الحافظ أبو على أخبرنا أبو الفضل الحداد أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال أخبرنا محمد بن على بن حبيش قال أخبرنا أحمد بن القاسم بن مساور أخبرنا سريج بن يونس أخبرنا أصرم ابن غياث عن سعيد بن سنان عن هارون بن عنترة عن أبى هريرة
قال أبو نعيم أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا يعقوب بن حجر أخبرنا محمد بن سليمان أخبرنا يزيد بن هارون عن حميد عن أنس قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه
ولم يرفعه أبو هريرة
وقد رواه محمد بن معاوية من حديث أبى سعيد مرفوعا
قال أبو نعيم الحافظ والصحيح وقوفه على محمد بن سيرين
وقد روى مثله عن مالك بن أنس
وأخبرنا قال أخبرنا أبو الفضل أخبرنا أبو نعيم أخبرنا محمد بن الحسن اليقطينى أخبرنا يحيى بن محمد بن أبى الصفيراء أخبرنا إبراهيم بن المنذر أخبرنا معن قال
سمعت مالكا يقول لا تأخذوا العلم عن أربعة وخذوا ممن سواهم لا يؤخذ من سفيه معلن بالسفه وإن كان أروى الناس ولا من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه ولا من كذاب يكذب في أحاديث الناس وان كنت لا تتهمه بكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا من شيخ له عبادة وفضل إذا كان لا يعرف الحديث
وأخبرنا رحمه الله قال أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقى
البغدادى أخبرنا أبو الفتح عبد الجبار بن عبد الله الأردستانى أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمى أخبرنا أبو القاسم حسان بن محمد الفقيه أخبرنا محمد بن المنذر الهروى أخبرنا أبو أمية الطرطوسى والرمادى قالا أخبرنا أبو الوليد الطيالسى قال أخبرنا زهير بن محمد عن موسى بن وردان عن أبى هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل
باب متى يستحب سماع الطالب ومتى يصح سماع الصغير
قال القاضى أما صحة سماعه فمتى ضبط ما سمعه صح سماعه ولا خلاف في هذا وصح الأخذ عنه بعد بلوغه إذ لا يصح الأخذ عن الصغير ومن لم يبلغ وقد حدد أهل الصنعة في ذلك أن أقله سن محمود ابن الربيع
أخبرنا أبو محمد بن عتاب قال أخبرنا أبو القاسم حاتم بن محمد أخبرنا أبو الحسن القابسى أخبرنا أبو زيد محمد بن أحمد المروزى أخبرنا أبو عبد الله الفربرى أخبرنا محمد بن إسماعيل البخارى أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا أبو مسهر حدثنى محمد بن حرب
حدثنى الزبيدي عن الزهرى عن محمود بن الربيع قال
عقلت من النبى صلى الله عليه و سلم مجة مجها في وجهى وأنا ابن خمس سنين من دلو
وترجم البخارى عليه متى يصح سماع الصغير
وفى غير هذه الرواية وهو ابن أربع سنين
وتابع أبا مسهر على قوله خمس سنين ابن مصفى وغيره وخالفهم غيرهم فقال أربع
ولعلهم إنما رأوا أن هذا السن أقل ما يحصل به الضبط وعقل ما يسمع وحفظه وإلا فمرجوع ذلك للعادة ورب بليد الطبع غبى الفطرة لا يضبط شيئا فوق هذا السن ونبيل الجبلة ذكى القريحة يعقل دون هذا السن
وقد أخبرنا القاضى أبو على الصدفى عن أبى منصور المالكى عن أبى بكر الخطيب البغدادى أن القاضى أبا عمر محمد بن يوسف الحمادى كان يحدث عن جده يعقوب بن إسماعيل بن حماد بحديث لقنه وهو ابن أربع سنين
وقد قال سفيان جلست إلى الزهرى وأنا ابن ست عشرة سنة
وقال الزهرى ما رأيت أحدا يطلب هذا الشأن أصغر منه
ولمشايخ المحدثين اختيار في وقت إسماع الشباب وأمرهم بذلك
فحدثنا أحمد بن محمد من كتابه قال أخبرنا أبو الحسين الطيورى قال أخبرنا أبو الحسن الفالى أخبرنا القاضى ابن خربان أخبرنا
القاضى ابن خلاد قال حدثنى محمد بن عبد الله سمعت أبا طالب بن نصر يقول سمعت موسى بن هارون يقول
أهل البصرة يكتبون لعشر سنين وأهل الكوفة لعشرين وأهل الشام لثلاثين
وقال سفيان يكمل عقل الغلام لعشرين
قال ابن خلاد وقال أبو عبد الله الزبيرى يستحب كتب الحديث من العشرين لأنها مجتمع العقل وأحب إلى أن يشتغل قبل بحفظ القرآن والفرائض
وسمعت بعض شيوخ العلم يقول الرواية من العشرين والدراية من الأربعين
حدثنا أبو عبد الله الخولانى قال حدثنى أبى عن أحمد بن سعيد عن سعيد عن عثمان قال أخبرنا يونس عن ابن وهب عن اسماعيل ابن رافع يرفعه قال
من تعلم علما وهو شاب كان كوشم في حجر ومن تعلم بعد ما يدخل في السن كان ككاتب على ظهر الماء
وقد رفع هذا الحديث محمد بن عجلان عن سعيد بن أبى سعيد عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال
من تعلم العلم وهو شاب كان كوشم في حجر وذكر بقية الحديث
وعن الحسن طلب الحديث في الصغر كالنقش في الحجر
وقد نظم هذا في شعر
فأخبرنا أبو عبد الله أخبرنا أبو عمر الحافظ قال أنشدنى أحمد بن محمد ابن هشام قال أنشدنى على بن عمر بن موسى القاضى قال أنشدنى أبو الحسين محمد بن عبد الله المقرى قال أنشدنى أبو عبد الله نفطويه لنفسه في أبياته
( أرانى أنسى ما تعلمت في الكبر ... ولست بناس ما تعلمت في الصغر )
( ولو فلق القلب المعلم في الصبا ... لالفي فيه العلم كالنقش قي الحجر )
باب أنواع الأخذ وأصول الرواية
قال القاضى رضى الله عنه إعلم أن طريق النقل ووجوه الأخذ وأصول الرواية على أنواع كثيرة ويجمعها ثمانية ضروب وكل ضرب منها له فروع وشعوب ومنها ما يتفق عليه في الرواية والعمل ومنها ما يختلف فيه فيهما جميعا أو في أحدها كما سنوضحه إن شاء الله تعالى
أولها السماع من لفظ الشيخ
وثانيها القراءة عليه
وثالثها المناولة
ورابعها الكتابة
وخامسها الإجازة
وسادسها الإعلام للطالب بأن هذه الكتب روايته
وسابعها وصيته بكتبه له
وثامنها الوقوف على خط الراوى فقط
وها نحن نتكلم على كل ضرب من هذه الضروب ونقسمها ونبين صحيحها من سقيمها
1
- الضرب الأول السماع من لفظ الشيخ
وهو منقسم إلى إملاء أو تحديث وسواء كان من حفظه أو القراءة من كتابه وهو أرفع درجات أنواع الرواية عند الأكثرين
ولا خلاف أنه يجوز في هذا أن يقول السامع منه حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت فلانا يقول وقال لنا فلان وذكر لنا فلان
ولم يره جماعة من الحجازيين أرفع وسوؤا بينه وبين القراءة و العرض على العالم وروى هذا عن مالك وحكاه عن أئمة المدينة وروى عنه أيضا وعن غيره أن القراءة على الشيخ أعلى مراتب الحديث
حدثنا الشيخ أبو عبد الله أحمد بن محمد بن غلبون عن أبى ذر الهروى بالإجازة عن الوليد بن بكر قال سمعت أبا بكر محمد بن محمد البخارى يقول سمعت محمد بن يعقوب البيكندى يقول سمعت إسحاق بن الحسن
ابن ميمون الحربى يقول سمعت عبد الله بن مسلمة القعنبى يقول قال لى مالك بن أنس قراءتك على أصح من قراءتى عليك
وأخبرنا أبو طاهر الحافظ من كتابه أخبرنا الطيورى أخبرنا الفالى أخبرنا ابن خربان أخبرنا ابن خلاد حدثنا عبد الله بن أحمد أخبرنا يوسف بن مسلم قال
قال لى موسى بن داود القراءة أثبت من الحديث وذلك أنك إذا قرأت على شغلت نفسى بالإنصات لك وإذا حدثتك غفلت عنك
2
- الضرب الثانى القراءة على الشيخ
وسواء كنت أنت القارىء أو غيرك وأنت تسمع أو قرأت في كتاب أو من حفظ أو كان الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه أويمسك أصله ولا خلاف أنها رواية صحيحة
واختلف هل هي سماع يجوز فيها النقل ب حدثنا وأخبرنا وأنبأنا ما يجوز في السماع من لفظ الشيخ ام لا وهل هي مثل السماع أو دونه أو فوقه في الرتبة
فمذهب معظم علماء الحجاز والكوفة التسوية بينهما وهو مذهب مالك وأصحابه وأشياخه من أهل المدينة وعلمائها يحيى بن سعيد القطان وابن عيينة والزهرى في جماعة
وروى مثله عن على بن أبى طالب و ابن عباس قالا قراءتك على العالم كقراءته عليك
وهو مذهب البخارى
وأكثر المحدثين يسمونه عرضا لأن القارىء يعرض ما يقرؤه على الشيخ كما يعرض القرآن على إمامه وحكاه البخارى عن الحسن والثورى ومالك أنها إجازة
وذكر الحجة لذلك بحديث ضمام وقوله للنبى آلله
أمرك بكذا وكذا فيقول نعم
قال البخارى فهذه قراءة على النبى صلى الله عليه و سلم أخبر بها ضمام قومه فأجازوه
قال واحتج مالك بالصك يقرأ على القوم فيقولون أشهدنا فلان ويقرأ على المقرىء فيقول القارىء أقرأنى فلان
وذهب جمهور أهل المشرق وخراسان إلى أن القراءة درجة ثانية وأبوا من تسميتها سماعا وسموها عرضا وأبوا من إطلاق حدثنا فيها
وإلى هذا ذهب أبو حنيفة في أحد قوليه والشافعى وهو مذهب مسلم بن الحجاج ويحيى بن يحيى التميمى وقد تقدم لمالك أيضا وغيره أنها أرفع من السماع وأصح
أخبرنا القاضى أبو على أخبرنا محمد بن يحيى بن هاشم الهاشمى قال أخبرنا أبو القاسم الصدفى وأبو العباس بن نفيس قالا حدثنا أبو القاسم الجوهرى أخبرنا أحمد بن الحسن أخبرنا فهر بن سليمان أخبرنا عبد الله بن يوسف قال سمعت مالكا يقول وسئل فقيل له العرض أحب إليك أم السماع قال بل العرض قيل فتقول في العرض حدثنا قال نعم
أخبرنا أحمد بن محمد الخولانى الشيخ الصالح عن أبى ذر إجازة قال أخبرنا الوليد بن بكر قال سمعت أبا بكر محمد بن أحمد البخارى
الخولانى يقول سمعت الوزان يقول سمعت سهل بن المتوكل يقول سمعت ابن أبى أويس يقول سمعت مالكا يقول السماع عندنا على ثلاثة أضرب
أولها قراءتك على العالم
الثانى قراءته عليك
والثالث أن يدفع إليك كتابا قد عرفه فيقول اروه عنى
قال وكان مالك يحتج في هذا بأن الراوى ربما سها أو غلط فيما يقرؤه بنفسه فلا يرده عليه الطالب السامع ذلك الغلط لخلال ثلاث إما لأن الطالب جاهل فلا يهتدى للرد عليه وإما لهيبة الراوى وجلالته وإما أن يكون غلطه في موضع صادف اختلافا فيجعل خلافا توهما أنه مذهبه فيحمل الخطأ صوابا
قال وإذا أقرأ الطالب على الراوى فسها الطالب أو أخطأ رد عليه الراوى لعلمه مع فراغ ذهنه أو يرد عليه غيره ممن يحضره لأنه لاهيبة للطالب
ولا يعد له أيضا مذهب في الخلاف إن صادف بغلطه موضع اختلاف فالرد عليه متوجه
وكان مالك رحمه الله قال لنافع القارىء وقد شاوره ليتقدم إماما في مسجد النبى صلى الله عليه و سلم المحراب موضع محنة فإن زللت في حرف وأنت إمام حسبت قراءة حملت عنك
فهذا حكم مرتبة القراءة على ضروبها المتقدمة من قراءتك أو سماعك بقراءة غيرك أو كان الشيخ يحفظ حديثه أو يمسك أصله وإمساك الأصل هنا أثبت لئلا يغفل ويذهب الوهم فيذكر الكتاب
فإن كان الشيخ لا يمسك كتابه هو وإنما يمسكه عليه ثقة عارف سواه وإن كان الشيخ يحفظ حديثه فالحال واحدة
وإن كان لا يحفظه فاختلف ههنا فرأى بعضهم أن هذا سماع غير صحيح وإليه نحا الجوينى من أئمتنا الأصوليين وتردد فيه القاضى
ابن الطيب وأكثر ميله إلى المنع
وأجازه بعضهم وصححه إذا كان ممسك الكتاب موثوقا به وبهذا عمل كافة الشيوخ وأهل الحديث فيه
وأما القراءة في أصل الشيخ فهي للقارىء صحيحة كإمساك الشيخ نسخته إذ لا فرق بين الاعتماد على بصر الشيخ أو سمعه
وهذا كله على مذهب من يرى التسهيل في السماع على ما يذكر في الباب بعد هذا
وأما على مذهب أهل النظر والتحقيق في التشديد فيه لا سيما على مذهب من لا يرى التحدث بالإجازة والمناولة فيضيق عليه الباب جدا
وأما متى كان ممسك الأصل على الشيخ أو القارىء غير ثقة ولا مأمون على ذلك أو غير بصير بما يقرؤه فلا يحل السماع والرواية بهذه القراءة إذ لم يبق طريق الثقة بما سمع بهذه القراءة لا حقيقة ولا مسامحة إلا أن يكون الشيخ يحفظ حديثه
وقد ضعف أئمة الصنعة رواية من سمع الموطأ على مالك بقراءة حبيب كاتبه لضعفه عندهم وأنه كان يخطرف الأوراق حين القراءة ليتعجل وكان يقرأ للغرباء
وقد أنكر هذا الخبر على قائله لحفظ مالك لحديثه وحفظ كثير من أصحابه الحاضرين له وأن مثل هذا مما لا يجوز على مالك وأن العرض عليه لم يكن من الكثرة بحيث تخطرف عليه الأوراق ولا يفطن هو ولا من حضر
لكن عدم الثقة بقراءة مثله مع جواز الغفلة والسهو عن الحرف وشبهه وما لا يخل بالمعنى مؤثرة في تصحيح السماع كما قالوه ولهذه العلة لم يخرج البخارى من حديث ابن بكير عن مالك إلا القليل وأكثر عنه عن الليث قالوا لأن سماعه كان بقراءة حبيب وقد
أنكر هو ذلك
وشرط في صحة الحديث بالقراءة بعض الظاهرية وبه عمل جماعة من مشايخ أهل المشرق وأئمتهم إقرار الشيخ عند تمام السماع بأنه كما قرىء عليه فيقول نعم وأبى الحديث من اشترطه إذا لم يكن هذا التقرير وفى صحيح مسلم عن يحيى عن مالك ومن حديث غيره هذا التقرير
وقد أنكره مالك لمن قرره أيضا وقال ألم أفرغ لكم نفسى وسمعت عرضكم وأقمت سقطه وز لله
والصحيح هذا وأن الشرط غير لازم لأنه لا يصح من ذى دين إقرار على الخطأ فى مثل هذا فلا معنى للتقرير بعد
وهذا مذهب الجمهور من المحدثين والفقهاء والنظار
ولعل المروى عن مالك وأمثاله في فعل ذلك التأكيد لا اللزوم
3
- الضرب الثالث المناولة
وهي أيضا على أنواع
أرفعها أن يدفع الشيخ كتابه الذى رواه أو نسخه منه وقد صححها أو أحاديث من حديثه وقد انتخبها وكتبها بخطه أو كتبت عنه فعرفها فيقول للطالب هذه روايتى فاروها عنى ويدفعها إليه أو يقول له خذها فانسخها وقابل بها ثم اصرفها إلى وقد أجزت لك أن تحدث بها عنى أو اروها عنى أو يأتيه الطالب بنسخه صحيحة من رواية الشيخ أو بجزء من حديثه فيقف عليه الشيخ ويعرفه ويحقق جميعه وصحته ويجيزه له
فهذا كله عند مالك وجماعة من العلماء بمنزلة السماع
أخبرنا أبو طاهر الأصبهاني مكاتبة قال حدثنى أبو الحسين الطيورى أخبرنا أبو الحسن الفالى أخبرنا ابن خربان أخبرنا ابن خلاد أخبرنا أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول أخبرنا إسماعيل بن إسحاق سمعت إسماعيل بن أبى أويس يقول
سألت مالكا عن أصح السماع فقال قراءتك على العالم أو قال المحدث ثم قراءة المحدث عليك ثم أن يدفع إليك كتابه فيقول أرو عنى هذا
وفى رواية أخرى السماع عندنا على ثلاثة أضرب الحديث المتقدم وهى رواية صحيحة عند معظم الأئمة والمحدثين
وهو مذهب يحيى بن سعيد الأنصارى والحسن والأوزاعي وعبيد الله العمرى وحيوة بن شريح والزهرى وهشام بن عروة وابن جريح وحكاه الحاكم عن أبى بكر بن عبد الرحمن وعكرمة ومجاهد والشعبى والنخعى وقتادة في جماعة عذهم من أئمة المدينة والكوفة والبصرة ومصر وهو قول كافة أهل النقل والأداء والتحقيق من أهل النظر
وقد حدثنا محمد بن إسماعيل أخبرنا ابن القاسم أخبرنا ابن عباس أخبرنا الجوهرى أخبرنا أحمد بن الحسن أخبرنا أحمد بن زكريا العائذى أخبرنا الزبير بن بكار حدثنى محمد بن الضحاك عن مالك ابن انس قال
كلمنى يحيى بن سعيد الأنصارى فكتب له من أحاديث ابن شهاب فقال له قائل فسمعها منك قال هو كان أفقه من ذلك
ومن غير هذا الطريق بل أخذها عنى وحدث بها
وهذا بين لأن الثقة بكتابه مع إذنه أكثر من الثقة بالسماع واثبت لما يدخل من الوهم على السامع والمسمع والأصل عندهم في ذلك من الأثر اعتماد عمال النبى صلى الله عليه و سلم في البلاد على كتبه إليهم
أخبرنا القاضى أبو عبد الله التميمى أخبرنا أبو عبد الله بن سعدون أخبرنا المطوعى أخبرنا الحاكم أبو عبد الله أخبرنا أبو بكر إسحاق الفقيه أخبرنا على بن عبد العزيز أخبرنا أحمد بن محمد ابن أيوب أخبرنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان قال قال ابن شهاب
أخبرنى عبيد الله بن عبد الله أن ابن عباس أخبره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين ويدفعه عظيم البحرين إلى كسرى
وحجتهم أيضا في كتابه لعبد الله بن جحش كتابا وختم عليه ودفعه إليه ووجهه في طائفة من أصحابه إلى جهة نخلة وقال له لا تنظر فى
الكتاب حتى تسير يومين ثم انظر فيه وانفذ لما فيه ولا تكرهن أحدا على النفوذ معك
وروى عن الأوزاعى أنه أجاز المناولة وفعل ذلك وروى عنه أنه يعمل بها ولا يحدث بها
قال القاضى ولعل قوله هذا فيما لم يأذن في الحديث به عنه كما يأتى بعد هذا إن شاء الله
نوع آخر
من المناولة أن يعرض الشيخ كتابه ويناوله الطالب ويأذن له فى الحديث به عنه ثم يمسكه الشيخ عنده ولا يمكنه منه
فهذه مناولة صحيحة أيضا تصح بها الرواية والعمل على ما تقدم لكن بعد وقوع كتاب الشيخ ذلك للطالب بعينه أو انتساخه
نسخه منه أو تصحيح كتابه متى أمكنه بكتابه أو بنسخه وثق بمقابلتها منه
وعلى التحقيق فليس هذا بشىء زائد على معنى الإجازة للشىء المعين من التصانيف المشهورة والأحاديث المعروفة المعينة ولا فرق بين إجازته إياه أن يحدث عنه بكتاب الموطأ وهو غائب أو حاضر إذ المقصود تعيين ما أجاز له لكن قديما وحديثا شيوخنا من أهل الحديث يرون لهذا مزية على الإجازة ولا مزية له عند مشايخنا من أهل النظر والتحقيق بخلاف الوجوه الأول لأن دفعه كتابه إليه وتمليكه إياه حتى يحدث منه أو ينتسخه بمنزلة تحديثه إياه وإملائه عليه في التحقيق حتى كتب الحديث أو حفظه
وهذا الوجه الآخر وإن كان يتوصل به إلى المراد عند ظفره بالكتاب المناول فقد قلنا إنه لا فرق بينه وبين إجازته لذلك الكتاب إذا عين له اسمه وإن لم يحضر لأنه إذا ظفر به أيضا صحت روايته له عنه
4
- الضرب الرابع الكتابة
وهو أن يسأل الطالب الشيخ أن يكتب له شيئا من حديثه
أو يبدأ الشيخ بكتاب ذلك مفيدا للطالب بحضرته أو من بلد آخر وليس في الكتاب ولا في المشافهة والسؤال إذن ولا طلب للحديث بها عنه
فهذا قد أجاز المشايخ الحديث بذلك عنه متى صح عنده أنه خطه وكتابه لأن في نفس كتابه إليه به بخط يده أو إجابته إلى ما طلبه عنده من ذلك أقوى إذن وبهذا قال حذق الأصوليين واختاره المحاملى من أصحاب الشافعى قال وذهب ناس إلى أنه لا تجوز الرواية عنه وهذا غلط
حدثنا الشيخ الحسن بن طريف النحوى قال أخبرنا أبو عبد الله ابن سعدون القروى أخبرنا أبو بكر الغازى أخبرنا أبو عبد الله الحافظ الحاكم قال سمعت أبا بكر بن محمد بن إسماعيل الفقيه قال عن
أبى شعيب الحرانى عن جده أخبرنا موسى بن أعين عن شعبة قال كتب إلى منصور بحديث ثم لقيته بعد ذلك ثم سألته عن ذلك الحديث وفى غير هذا الطريق فقلت أقول حدثنى فقال أليس قد حدثتك إذا كتبت إليك فقد حدثتك
قال شعبة فسألت أيوب عن ذلك فقال صدق إذا كتب إليك فقد حدثتك بها
فهؤلاء ثلاثة أئمة رأوا ذلك
وقال البخارى وذكر المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان إن عبد الله بن عمر ويحيى بن سعيد ومالك بن أنس رأوا ذلك جائزا
وقد استمر عمل السلف ممن بعدهم من المشايخ بالحديث بقولهم كتب إلى فلان قال أخبرنا فلان وأجمعوا على العمل بمقتضى هذا التحديث وعدوه في المسند بغير خلاف يعرف في ذلك وهو موجود في الأسانيد كثير
قال القاضى أبو محمد بن خلاد إذا تيقن أنه بخطه فهو وسماعه و الإقرار منه سواء لأن الغرض من الخط كما باللسان التعبير عن الضمير فإذا وقعت بما وقعت فكله سواء
حدثنا أحمد بن محمد الحافظ من كتابه قال أخبرنا أبو الحسين الصيرفى أخبرنا أبو الحسن الفالى أخبرنا أبو عبد الله بن خربان أخبرنا القاضى أبو محمد بن خلاد أخبرنا الساجى أخبرنا جماعة من أصحابنا أن الشافعى ناظر إسحاق بن راهوية وابن حنبل حاضر في جلود الميتة إذا دبغت فقال الشافعى دباغها طهورها واستدل بحديث ميمونة هلا انتفعتم بإهابها
فقال إسحاق حديث ابن عكيم كتب إلينا النبى صلى الله عليه و سلم لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب أشبه أن يكون ناسخا لحديث ميمونة لأنه قبل موته بشهر
فقال الشافعى هذا كتاب وذاك سماع فقال إسحاق كتب النبى صلى الله عليه و سلم إلى كسرى وقيصر وكان حجة عليهم فسكت الشافعى
5
- الضرب الخامس الإجازة
إما مشافهة أو إذنا باللفظ مع المغيب أو يكتب له ذلك بخطه بحضرته أو مغيبه
والحكم في جميعها واحد إلا أنه يحتاج مع المغيب لإثبات النقل أو الخط
ثم هى مع ذلك على وجوه ستة
أعلاها الإجازة لكتب معينة وأحاديث مخصصة مفسرة إما في اللفظ والكتب أو محال على فهرسة حاضرة أو مشهورة
فهذه عند بعضهم التي لم يختلف في جوازها ولا خالف فيه أهل الظاهر وإنما الخلاف منهم في غير هذا الوجه
وقد سوى بعضهم بين هذه وبين ضرب المناولة وسماه أبو العباس ابن بكر المالكى في كتابه الوجازة مناولة وقال إنه
يحل محل السماع والقراءة عند جماعة من أصحاب الحديث قال وهو مذهب مالك
وقال القاضى أبو الوليد الباجى لا خلاف في جواز الرواية بالإجازة من سلف هذه الأمة وخلفها وادعى فيه لإجماع ولم يفصل وذكر الخلاف في العمل بها
وقال الإمام أبو المعالى الجوينى في كتابه البرهان في الإجازة لما صح من مسموعات الشيخ أو لكتاب عينة تردد الأصوليون فيه فذهب ذاهبون إلى أنه لا يتلقى بالإجازة حكم ولا يسوغ التعويل عليها عملا ورواية واختار هو التعويل على ذلك مع تحقيق الحديث وقال أبو مروان الطبنى
إنما تصح الإجازة عندى إذا عين المجيز للمجاز ما أجاز له فله أن يقول فيه حدثنى
وعلى هذا رأيت إجازات أهل المشرق وما رأيت مخالفا له بخلاف إذا أبهم ولم يسم ما أجاز ولا يحتاج في هذا لغير مقابلة نسخته بأصول الشيخ
حدثنا الخولانى عن أبى ذر قال أخبرنا أبو العباس المالكى أخبرنا تميم بن محمد أخبرنا أبو الغصن السوسى أخبرنا عون بن يوسف أخبرنا ابن وهب قال
كنت عند مالك بن أنس فجاءه رجل يحمل الموطأ في كسائه فقال له يا أبا عبد الله هذا موطؤك قد كتبته وقابلته فأجزه لى قال قد فعلت قال فكيف أقول حدثنا مالك أو أخبرنا مالك قال قل أيهما شئت
وأخبرنا الخولانى قال أخبرنى أبو عمرو المقرىء حدثنى على بن محمد الربعى أخبرنا زياد بن يونس قال
قال عيسى بن مسكين الإجازة رأس مال كبير وجائز أن يقول حدثنى فلان وأخبرنى فلان
الوجه الثانى
أن يجيز لمعين على العموم والإبهام دون تخصيص ولا تعيين لكتب ولا أحاديث كقولك قد أجزت لك جميع روايتى أو ما صح عندك من روايتى
فهذا الوجه هو الذى وقع فيه الخلاف تحقيقا والصحيح جوازه وصحت الرواية والعمل به بعد تصحيح شيئين تعيين روايات الشيخ
ومسموعاته وتحقيقها وصحة مطابقة كتب الراوى لها وهو قول الأكثرين والجمهور من الأئمة والسلف ومن جاء بعدهم من مشايخ المحدثين والفقهاء والنظار وهو مذهب الزهرى ومنصور بن المعتمر وأيوب وشعبة وربيعة وعبد العزيز بن الماجشون والأوزاعى والثورى ومالك وابن عيينة وجملة المالكيين وعامة أصحاب الحديث وهو الذى استمر عليه عمل الشيوخ وقووه وصححه أبو المعالى واختاره هو وغيره من أئمة النظار المحققين
سمعت أبا محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب بن محسن الفقيه يقول سمعت أبى يقول
لا غنى في السماع من الإجازة لأنه قد يغلط القارىء ويغفل الشيخ أو يغلط الشيخ إن كان هو القارىء ويغفل السامع فينجبر له ما فاته بالإجازة
وقد وقفت على تقييد سماع لبعض نبهاء الخراسانيين من أهل المشرق بنحو ما أشار إليه ابن عتاب فقال
سمع هذا الجزء فلان وفلان على الشيخ أبى الفضل عبد العزيز
إبن إسماعيل البخارى وأجاز ما أغفل وصحف ولم يصغ إليه أن يروى عنه على الصحة
وهذا منزع نبيل في الباب جدا
ؤأخبرنا أحمد بن محمد من كتابه وإذنه أخبرنا عبد بن أحمد ابن غفير أخبرنا الوليد بن بكر أخبرنا أحمد بن محمد بن سهل العطار بالإسكندرية قال
كان أحمد بن ميسر يقول الإجازة عندى على وجهها خير وأقوى في النقل من السماع الردى
ولم يخالف فى ذلك إلا بعض أهل الظاهر وقلة من المشيخة فمنعوا الرواية بها وحكى ذلك عن الشافعى وبعض أصحابه
اختلف من أجاز الرواية بها في وجوب العمل بمقتضاها وما روى بها فالجمهور على صحة ذلك كما تقدم وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه لا يجب العمل بها
وما روى عن مالك من خلاف ذلك في سماع ابن وهب فعلى الكراهية وتعظيم شأن العلم وهو قوله رأيت مالكا فعله
قال وسمعته مرة وقد سئل عن مثل هذا فقال ما يعجبنى وأن الناس يفعلونه قال وذلك أنهم طلبوا العلم لغير الله يريدون أن يأخذوا الشىء الكثير في المقام القليل
ومثل هذا قول عبد الملك بن الماجشون لرسول اصبغ بن الفرج في ذلك قل له إن كنت تريد العلم فارحل له
أو يكون ذلك لما أخبرنا به أو بحر سفيان بن العاصى الأسدى قال أخبرنا أحمد بن عمر أخبرنا أبو ذر الهروى أخبرنا أبو العباس المالكى قال
لمالك شرط في الإجازة أن يكون الفرع معارضا بالأصل حتى كأنه هو وأن يكون المجيز عالما بما يجيز ثقة في دينه وروايته معروفا بالعلم وأن يكون المجاز من أهل العلم متسما به حتى لا يضع العلم إلا عند أهله
قال وكان يكرهها لمن ليس من أهله ويقول إذا امتنع من إعطاء الإجازة أحدهم يحب أن يدعى قسا ولم يخدم الكنيسة يضرب هذا المثل في هذا
قال القاضى المؤلف رضى الله عنه أما الشرطان الأولان فواجبان على كل حال في السماع والعرض والإجازة وسائر طرق النقل إلا اشتراط العلم فمختلف فيه
قال أبو عمر الحافظ الصحيح أنها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة
وفى شيء معين لا يشكل إسناده
أخبرنا أبو على الجيانى فيما كتب به إلى قال أخبرنا أبو عمر بن عبد البر أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد أخبرنا محمد بن على ابن الحسن سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن بزدان الرازى يقول سمعت أبا العباس عبد الله بن عبيد الله الطيالسى ببغداد يقول كنا عند أبى الأشعث أحمد بن المقدام العجلي إذ جاءه
قوم يسألونه إجازة كتاب قد حدث به فأملى عليهم
( كتابى إليكم فافهموه فإنه ... رسول إليكم والكتاب رسول )
( وهذا سماعى من رجال لقيتهم ... لهم ورع في فهمهم وعقول )
( فإن شئتم فارووه عنى فإنما ... تقولون ما قد قلته وأقول )
الوجه الثالث
قال القاضى رضي الله عنه الإجازة للعموم من غير تعيين المجاز له
وهي على ضربين معلقة بوصف ومخصوصة بوقت أو مطلقة فأما المخصوصة والمعلقة بقولك أجزت لمن لقينى أو لكل من قرأ على العلم أو لمن كان من طلبة العلم أو لأهل بلد كذا أو لبنى هاشم أو قريش والمطلقة أجزت لجميع المسلمين أو لكل أحد
فهذه الوجوه تفترق وفى بعضها اختلاف
فذهب القاضى ببغداد أبو الطيب الطبرى إلى أن هذا كله يصح فيمن كان موجودا من أهل ذلك البلد ومن بنى هاشم وجماعة المسلمين ولا يصح لمن لم يوجد بعد ممن هو معدوم
وذهب القاضى بالبصرة أبو الحسن الماوردى إلى منعها فى المجهول كله من المسلمين من وجد منهم ومن لم يوجد وكذلك يأتى على قوليهما في طلبة العلم عليه فيمن وجد منهم ومن لم يوجد
وذهب أبو بكر الخطيب إلى جواز ذلك كله وإليه ذهب غير واحد من مشايخ الحديث
حدثنا الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر قال أخبرنا القاضى أبو الأصبغ عيسى بن سهل قال سألت الفقيه أبا عبد الله بن عتاب أن أقرأ عليه كتاب مسلم وكان يحمله عن أبى محمد عبد الله بن سعيد الشنتجالى فقال لى قد أجاز الكتاب أبو محمد ابن سعيد لكل من دخل قرطبة من طلبة العلم فأنت وأنا فيه سواء
قال القاضى المؤلف رضى الله عنه وقد رأيت أنا إجازة القاضى أبى الأصبغ المذكور بخطه لكل من طلب عليه العلم ببلدنا
وهؤلاء ثلاثة جلة فقهاء رأوا هذا من أهل قطرنا واختلافهم فيه مبنى على اختلافهم في الوقف على المجهول ومن لا يحصى كالوقف على بنى تميم وقريش فإن الفقهاء اختلفوا في ذلك
فقالت طائفة ذلك يصح وهو مذهب أصحابنا المالكيين ومحمد ابن الحسن وأبى يوسف وأحد قولى أصحاب الشافعى قالوا ومن أجاز الوقف كان أحق به كما لو قال على الفقراء والمساكين وهم لا يحصون
والقول الآخر لا يصح لأنه لا يتعين الموقوف عليه وعادت إلى جهالة فأما إذا كان هذا على العموم لمن يأخذه الحصر والوجود كقوله أجزت لمن هو الآن من طلبة العلم ببلد كذا أو لمن قرأ على قبل هذا فما أحسبهم اختلفوا في جوازه ممن تصح عنده الإجازة ولا رأيت منعه لأحد لأنه محصور موصوف كقوله لأولاد فلان أو إخوة فلان
الوجه الرابع
قال القاضى رضى الله عنه الإجازة للمجهول
وهي على ضروب فأما لمعين مجهول في حق المجيز لا يعرفه فلا تضره بعد إجازته له جهالته بعينه إذا سمى له أو سماه في كتابه أو نسبه على ما نص عليه كما لا يضره عدم معرفته إذا حضر شخصه للسماع منه
وأما مجهول مبهم على الجملة كقوله أجزت لبعض الناس أو لقوم أو لنفر لا غير
فهذا لا تصح الرواية بها ولا تفيد هذه الإجازة إذ لا سبيل إلى معرفة هذا المبهم ولا تعيينه
وأما إن تعلقت الجهالة بشرط وتميزت بصفة أو تعيين أولا كقوله أجزت لأهل بلد كذا إن أرادوا أو لمن شاء أن يحدث عنى أو لمن شاء فلان فهذا قد اختلف فيه وقد وقعت إجازته لبعض من تقدم وبإجازته قال أبو بكر الخطيب الشافعى وأبو الفضل بن عمروس المالكى وأبو يعلى بن الفراء الحنبلى والقاضى أبو عبد الله الدامغانى الحنفى وروى مثله عن محمد بن احمد بن يعقوب بن شيبة وغيره ممن تقدم
ومنع ذلك القاضى أبو الطيب الطبرى والقاضى أبو الحسن الماوردى والشافعيان
واحتج المحتج لهذا القول لأنه تحمل يحتاج إلى تعيين المتحمل
حدثنا الشيخ أبو الحسن على بن أحمد الربعى عن أبى بكر الخطيب فيما أجازنيه عنه مشافهة قال حدثنا أبو الفضل عبيد الله ابن أحمد بن على الصيرفى كان في كتاب أبى الحسين عبد الرحمن بن عمر الخلال إجازة كتبها محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة بن الصلت السدوسى نسختها
يقول محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة قد أجزت لعمر بن أحمد الخلال وابنه عبد الرحمن بن عمر ولختنه على بن الحسن جميع ما فاته من حديثى مما لم يدرك سماعه من المسند وغيره وقد أجزت ذلك لمن أحب عمر فليرووه عنى إن شاءوا
قال الخطيب ورأيت مثل هذه الإجازة لبعض الشيوخ المتقدمين المشهورين غيره
الوجه الخامس
الإجازة للمعدوم كقوله أجزت لفلان وولده وكل ولد يولد له أو لعقبة وعقب عقبة أو لطلبة العلم ببلد كذا متى كانوا أو لكل من دخل بلد كذا من طلبة العلم
فهذا مما اختلف فيه أيضا
فأجازها معظم الشيوخ المتأخرين وبها استمر عملهم بعد شرقا وغربا وإليه ذهب من الفقهاء أبو الفضل بن عمروس البغدادى المالكى وأبو يعلى بن الفراء الحنبلى , القاضي أبو عبد الله الدامغانى الحنفي
واختلف فيها قول القاضى أبى الطيب الطبرى من الشافعية وأجازها غيره منهم وهو اختيار الشيخ أبى بكر بن ثابت البغدادى ومنع ذلك الماوردى
قال الشيخ الخطيب أبو بكر الحافظ فيما حدثنا به عنه أبو الحسن على بن أحمد الربعى الشافعى بالإجازة
لم أجد لأحد من شيوخ المحدثين في ذلك قولا ولا بلغنى عن المتقدمين في ذلك رواية سوى ما حدثنا أبو الحسين أحمد بن على بن الحسين قال سمعت أبا بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان يقول
سمعت أبا بكر بن أبى داود وسئل عن الإجازة فقال قد أجزت لك ولأولادك ولحبل الحبلة قال يريد من لم يولد بعد
وحجة المجيزين لها القياس على الوقف عند القائلين بإجازة الوقف على المعدوم من المالكية والحنفية ولأنه إذا صحت الإجازة مع عدم اللقاء وبعد الديار وتفريق الأقطار فكذلك مع عدم اللقاء وبعد الزمان وتفريق الأعصار
الوجه السادس
قال الفقيه القاضى أبو الفضل الإجازة لما لم يروه المجيز بعد
فهذا لم أر من تكلم عليه من المشايخ ورأيت بعض المتأخرين والعصريين يصنعونه إلا أنى قرأت في فهرسة الشيخ الأديب الراوية أبى مروان عبد الملك بن زبادة الله الطبني قال
كنت عند القاضى بقرطبة أبى الوليد يونس بن مغيث فجاءه إنسان فسأله الإجازة له بجميع ما رواه إلى تاريخها وما يرويه بعد فلم يجبه إلى ذلك فغضب السائل فنظر إلى يونس فقلت له يا هذا يعطيك ما لم يأخذه هذا محال فقال يونس هذا جوابى
قال القاضى المؤلف رضى الله عنه وهذا هو الصحيح فإن هذا يجيز بما لا خبر عنده منه ويأذن في الحديث بما لم يتحدث به بعد ويبيح مالم يعلم هل يصح له الإذن فيه فمنعه الصواب كما قال القاضى
أبو الوليد يونس وصاحبه أبو مروان
وعلى هذا فيجب على المجاز له في الإجازة العامة المبهمة إذا طلب تصحيح رواية الشيخ كما قدمنا أن يعلم أن هذا مما رواه قبل الإجازة إن كان الشيخ ممن يعلم سماعه وطلبه بعد تاريخ الإجازة فيحتاج ههنا إلى ثبوت فصل ثالث وهو تاريخ سماعه زائدا إلى الفصلين اللذين ذكرناهما هنالك
وقد تقصينا وجه الإجازة بما لم نسبق إليه وجمعنا فيه تفاريق المجموعات والمسموعات والمشافهات والمستنبطات بحول الله وعونه
ونرجع إلى ذكر ما بقى من ضروب النقل والرواية إن شاء الله تعالى وهو حسبنا ونعم الوكيل
الضرب السادس
وهو إعلام الشيخ الطالب أن هذا الحديث من روايته وأن هذا الكتاب سماعه فقط دون أن يأذن له في الرواية عنه أو يأمره
بذلك أو يقول له الطالب هو روايتك أحمله عنك فيقول له نعم أو يقره على ذلك ولا يمنعه
فهذا أيضا وجه وطريق صحيح للنقل والعمل عند الكثير لأن اعترافه به وتصحيحه له أنه سماعه كتحديثه له بلفظه وقراءته عليه إياه وإن لم يجزه له وبه قال طائفة من أئمة المحدثين ونظار الفقهاء المحققين وروى عن عبيد الله العمرى وأصحابه المدنيين وقالت به طائفة من أهل الظاهر وهو الذى نصر واختار القاضى أبو محمد بن خلاد والحافظ الوليد بن بكر المالكى وغيرهما وهو مذهب عبدالملك بن حبيب من كبراء أصحابنا وبها
نعى عليه من لم يبلغ معرفته في روايته عن أسد بن موسى وكان أعطاه كتبه ونسخها فحدث بها عنه ولم يجزه إياها فقيل لأسد أنت لا تجيز الإجازة فكيف حدث ابن حبيب عنك ولم يسمع منك
قال إنما طلب منى كتبى ينتسخها فلا أدرى ما صنع ونحو هذا ولم يجز النقل والرواية بهذا الوجه طائفة من المحدثين وأئمة الأصوليين
وجعلوه كالشاهد إذا لم يشهد على شهادته وسمع يذكرها فلا يشهد عليها إذ لعله لو استؤذن في ذلك لم يأذن لتشكك أو ارتياب يداخله عند التحقيق والأداء أو النقل عنه بخلاف ذكرها على غير هذا الوجه فكذلك النقل عنه للحديث وهو اختيار الطوسى من أئمة الأصوليين لكن محققو أصحاب الأصول لا يختلفون بوجوب العمل بذلك وإن لم تجز به الرواية عند بعضهم على ما سنذكره في الخط إن شاء الله تعالى وقال القاضى أبو محمد بن خلاد بصحتها وصحة الرواية والنقل بها
قال حتى لو قال له هذه روايتى لكن لا تروها عنى لم يلتفت إلى نهيه وكان له أن يرويها عنه كما لو سمع منه حديثا ثم قال له لا تروه عنى ولا أجيزه لك لم يضره ذلك
قال القاضى المؤلف رضى الله عنه وما قاله صحيح لا يقتضى النظر سواه لأن منعه ألا يحدث بما حدثه لا لعلة ولا ريبة في الحديث لا تؤثر لأنه قد حدثه فهو شيء لا يرجع فيه
وما أعلم مقتدى به قال خلاف هذا في تأثير منع الشيخ ورجوعه عما
حدث به من حدثه وأن ذلك يقطع سنده عنه إلا أنى قرأت في كتاب الفقيه أبى بكر بن أبى عبد الله المالكى القروى في طبقات علماء إفريقية عن شيخ من جلة شيوخنا أنه أشهد بالرجوع عما حدث به بعض أصحابه لأمر يقمه عليه
وكذلك فعل مثل هذا بعض من لقيته من مشايخ الأندلس المنظور إليهم وهو الفقيه أبو بكر بن عطية فإنه أشهد بالرجوع عما حدث به بعض أصحابه لهوى ظهر له منه وأمور أنكرها عليه
ولعل هذا لمن فعله تأديب منهم وتضعيف لهم عند العامة لا لأنهم اعتقدوا صحة تأثيره والله أعلم
وقياس من قاس الإذن في الحديث في هذا الوجه وعدمه على الإذن
في الشهادة وعدمها غير صحيح لأن الشهادة على الشهادة لا تصح إلا مع الاشهاد والإذن في كل حال إلا إذا سمع أداؤها عند الحاكم ففيه اختلاف والحديث عن السماع والقراءة لا يحتاج فيه إلى إذن بإتفاق
فهذا يكسر عليهم حجتهم بالشهادة في مسألتنا هنا ولا فرق
وأيضا فإن الشهادة مفترقة من الرواية في أكثر الوجوه ويشترط في الشاهد أوصاف لا تشترط في الراوى ويضر الرجوع عنها بخلاف الخبر ولأن الشاهد لو نسى شهادته أو شك فيها بعد أن كان نقلت عنه
لم يصح نقلها ولا جازت شهادة الفرع لضعف شهادة الأصل عند الجميع والخبر يجوز فيه نقل الفرع مع شك الأصل ونسيانه عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنفية وجماعة المحدثين والأصوليين وهو مروي عن السلف المتقدم ولم يخالف فيه إلا الكرخى وبعض متأخرة الحنفية أصحابه ولأن الشهادة لا تنقل بحضرة شاهد الأصل وإمكانه من أدائها عندنا ويصح الخبر عن راويه مع شهوده وإمكان سماعه منه ولأنه لا يصح بتزكية شاهد الفرع لشاهد الأصل ويصح بتزكية الراوى لمن روى عنه فهما مفترقان ولا فرق في التحقيق بين سماعه كتابا عليه أو عرضه والشيخ ساكت عند من لا يشترط التقرير وهم الجمهور والمحققون ولا بين أن يدفع إليه كتابا ذكر له أنه روايته أو اعترف له به وإن لم يدفعه إليه أو كتب إليه بأحاديث بخطه وإن لم يجزها له
أخبرنا أحمد بن محمد أخبرنا عبد بن أحمد أخبرنا الوليد بن بكر أخبرنا زياد بن عبد الرحمن اللؤلؤى أخبرنا محمد بن محمد اللخمى أخبرنا يحيى بن عمر أخبرنا هارون بن سعيد الأبلى قال سمعت أنس بن عياض
يقول سمعت عبيد الله بن عمر يعنى العمرى يقول
كنا نأتى الزهرى بالكتاب من حديثه فنقول له يا أبا بكر هذا من حديثك فيأخذه فينظر فيه ثم يرده إلينا ويقول نعم هو من حديثى
قال عبيد الله فنأخذه وما قرأه علينا ولا استجزناه أكثر من إقراره بأنه من حديثه
فهذا مذهب الزهرى إمام هذا الشأن وعبيد الله العمرى أحد أئمة وقته بالمدينة في آخرين من أقرانه أبهمهم من أصحاب الزهرى ومن هم إلا مالك وابن عمه أبو أويس ومحمد بن إسحاق وإبراهيم بن سعد ويونس بن يزيد وطبقتهم
قال الواقدى قال ابن أبى الزناد شهدت ابن جريج جاء إلى هشام بن عروة فقال له الصحيفة التى أعطيتها فلانا هي حديثك قال نعم
قال الواقدى سمعت ابن جريج بعد ذلك يقول أخبرنا هشام ابن عروة
7
- الضرب السابع الوصية بالكتب
وهو أن يوصى الشيخ بدفعه كتبه عند موته أو سفره لرجل
وهذا باب أيضا قد روى فيه عن السلف المتقدم إجازة الرواية بذلك لأن في دفعها له نوعا من الإذن وشبها من العرض والمناولة وهو قريب من الضرب الذى قبله
أخبرنا القاضى أبو على وغيره واللفظ لغيره قالوا حدثنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفى قال أخبرنا أبو الحسن على بن أحمد أخبرنا أحمد بن اسحاق القاضى أخبرنا أبو محمد
الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزى أخبرنا يوسف بن يعقوب أخبرنا عارم أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب قال
قلت لمحمد هو ابن سيرين إن فلانا أوصى لى بكتبه أفأحدث بها عنه قال نعم ثم قال لى بعد ذلك لا آمرك ولا أنهاك
قال حماد وكان أبو قلابة قال ادفعوا كتبى إلى ايوب إن كان حيا وإلا فاحرقوها
8
- الضرب الثامن الخط
وهو الوقوف على كتاب بخط محدث مشهور يعرف خطه ويصححه
وإن لم يلقه ولا سمع منه أو لقيه ولكن لم يسمع منه كتابه هذا وكذلك كتب أبيه وجده بخط أيديهم
فهذا لا أعلم من يقتدى به أجاز النقل فيه ب حدثنا وأخبرنا ولا من يعده معد المسند
والذى استمر عليه عمل الأشياخ قديما وحديثا في هذا قولهم وجدت بخط فلان وقرأت في كتاب فلان بخطه إلا من يدلس فيقول عن فلان أو قال فلان وربما قال بعضهم أخبرنا وقد انتقد هذا على جماعة عرفوا بالتدليس
أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا القاضى محمد بن خلف أخبرنا أبو بكر المطوعى أخبرنا أبو عبيد الله الحاكم أخبرنا محمد بن صالح
القاضى حدثنا المستعينى أخبرنا عبد الله بن على المدينى عن أبيه قال قال عبد الرحمن بن مهدى
كان عند مخرمة كتب لأبيه لم يسمعها منه
قال والحكم بن مقسم عن ابن عباس إنما سمع منه أربعة أحاديث والباقى كتاب
وحكى أن إسحاق بن راشد قدم الرى فجعل يقول أخبرنا الزهرى فسئل اين لقيته فقال لم ألقه مررت ببيت المقدس فوجدت كتابا له
وقد ذكرنا قبل في الحكاية الغريبة عن البخارى جواز حديثه عن كتاب أبيه بخطه ولعله فيما اعترف له أبوه أنه من روايته ولم يسمعه منه ثم وثق بعد بكتابه فيكون من ضرب الإعلام بالرواية دون الإذن الذى قدمناه أو يكون هذا مذهبا للبخارى وبعضده إجازة الحديث بوصية الكتب المروية عن ابن سيرين وأيوب لأن ترك كتابه لابنه كوصيته به لغيره وإن كان في الوصية كما قدمنا إشعار زائد يفهم منه أن يحدث بها عنه فقاربت المناولة من وجه
ثم اختلفت أئمة الحديث والفقه والأصول في العمل بما وجد من الحديث بالخط المحقق لإمام أو أصل من أصول ثقة مع اتفاقهم على منع النقل والرواية به فمعظم المحدثين والفقهاء من المالكية وغيرهم لا يرون العمل به وحكى عن الشافعى جواز العمل به وقالت به طائفة من نظار أصحابه وهو الذى نصره الجوينى واختاره غيره من أرباب التحقيق وهذا مبنى على مسألة العمل بالمرسل
وحكى القاضى أبو الوليد الباجى أنه روى للشافعى أنه يجوز أن يحدث بالخبر يحفظه وإن لم يعلم أنه سمعه قال وحجته أن حفظه لما في كتابه كحفظه لما سمعه فجاز له أن يرويه
ولا نور ولا بهجة لهذه الحجة ولا ذكرها عن الشافعى أحد من أصحابه ولعله ما قدمنا عنه من العمل به لا الرواية والله أعلم إلا أن يكون إنما أراد أنه وجده بخطه ولم يحقق سماعه إلا ما وجده بخطه وهى مسئلة اختلف فيها الأصوليون فيحتمل أن يكون
غير النقلة بخطه بحفظه وحجته تدل عليه وسنذكر المسئلة بعد إن شاء الله تعالى
هذه وفقنا الله وإياك ضروب النقل مفصلة مبينة الأصول والفروع مفسرة لمراتب الإجماع والاختلاف
وها نحن نذكر اختلاف العلماء في العبارة عن النقل بضروبها والمختار من ذلك إن شاء الله تعالى
باب في العبارة عن النقل بوجوه السماع والأخذ والمتفق في ذلك والمختلف
فيه والمختار منه عند المحققين وعند المحدثين
قال القاضى الإمام المؤلف رضى الله عنه لا خلاف بين أحد من الفقهاء والمحدثين والاصوليين بجواز اطلاق حدثنا وأخبرنا وأنبأنا ونبأنا وخبرنا فيما سمع من قول المحدث ولفظه وقراءته وإملائه
وكذلك سمعته يقول أو قال لنا وذكر لنا وحكى لنا وغير ذلك من العبارة عن التبليغ إلا شيء حكى عن إسحاق بن راهويه أنه اختار أخبرنا في السماع والقراءة على حدثنا وأنها أعم من حدثنا
وتابعه على ذلك طائفة من أصحاب الحديث الخراسانيين
ومذهب مالك رحمه الله ومعظم علماء الحجازيين والكوفيين ان حدثنا وأخبرنا واحد وأن ذلك يستعمل فيما سمع من لفظ الشيخ فيما قرىء عليه وهو يسمع
وهو مذهب الحسن والزهرى في جماعة واختيار البخارى
واختلف في ذلك عن أبى حنيفة وابن جريج والثورى وهو مذهب متقدمى أهل المدينة وهو مذهب الفقهاء المدنيين وأصحاب مالك بجملتهم وذكر مالك أنه مذهب متقدمى أئمة أهل المدينة
حدثنا الفقيه أبو عبد الله محمد بن عيسى التميمى عن أحمد بن عمر فيما كتبه له بخطه عن على بن فهر المصري قال أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله الغافقى أخبرنا أحمد بن الحسن أخبرنا على بن حيون أخبرنا عمرو بن سواد قال
سمعت ابن وهب يقول قلت لمالك إذا سمعت الأحاديث منك تقرأ على وأقرأ عليك كيف أقول
قال إن شئت فقل حدثنا وإن شئت فقل أخبرنا
وفى رواية ابن بكير وإن شئت فقل حدثنى أو أخبرنى قال وأراه قال وإن شئت فقل سمعت
وذكر البخارى عن ابن عيينة حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت واحد
وأجاز بعضهم في القراءة سمعت فلانا وهو قول روى عن الثورى
وقد تقدم من فرق بين القراءة والسماع ومن وافق بينهما وترجيح مالك القراءة عليه على السماع منه وحجته في ذلك
وأبى جمهور الخراسانيين وأهل المشرق من إطلاق حدثنا في القراءة وأجازوا فيه أخبرنا ليفرقوا بين الضربين قالوا ولا تكون أخبرنا إلا مشافهة ويصح أخبرنا في الكتاب والتبليغ ألا ترى أنك تقول أخبرنا الله بكذا وأخبرنا رسوله ولا تقول حدثنا
ويحتج الآخرون في رد هذا بقوله تعالى ( الله نزل أحسن الحديث ) وبقوله ( من أصدق من الله حديثا ) فقد أطلق فيه لفظ الحديث وقال تعالى ( يومئذ تحدث أخبارها ) وقال ( قد نبأنا الله من أخباركم ) فقد سوى بين هذه الألفاظ
وروى هذا المذهب من التفريق عن أبى حنيفة أيضا وهو قول الشافعى وحكاه ابن البيع عن الأوزاعى والثورى وهو مذهب مسلم بن الحجاج فى آخرين وقالوا إن أول من أحدث الفرق بين هذين اللفظين ابن وهب بمصر
وقال آخرون يقول حدثنا وأخبرنا إلا فيما سمع من الشيخ وليقل قرأت أو قرىء عليه وأنا أسمع وإلى هذا نحا ابن المبارك ويحيى ابن يحيى التميمى والنسائى وابن حنبل في آخرين
وذهب القاضى أبو بكر بن الطيب في لمة من أهل النظر والتحقيق إلى اختيار الفصل بين السماع والقراءة فلا يطلق حدثنا إلا فيما سمع ويفيد في غيره بما قرأ بأن يقول حدثنا أو أخبرنا قراءة أو فيما قرىء عليه وأنا أسمع أو قرأت عليه ليزول إبهام اختلاط أنواع الأخذ وتظهر نزاهة الراوى وتحفظه
وقد اصطلح مشايخ المحدثين على تفريق في هذا
فحدثنا الشيخ أبو عامر محمد بن أحمد قال أخبرنا القاضى
أبو عبد الله محمد بن خلف بن سعيد عن أبى بكر محمد بن على النيسابورى عن أبى عبد الله محمد بن البيع قال
الذى اختاره في الرواية وعهدت عليه مشايخ وأئمة عصرى أن يقول في الذى يأخذه من المحدث لفظا وليس معه أحد حدثنى فلان
وما يأخذه من المحدث لفظا ومعه غيره حدثنا
وما قرىء على المحدث بنفسه أخبرنى
وما قرىء عليه وهو حاضر أخبرنا
وما عرض عليه فأجاز له روايته شفاها يقول فيه أنبأنى
وما كتب إليه المحدث من مدينته ولم يشافهه كتب إلى
أخبرنا القاضى الشهيد بقراءتى عليه قال أخبرنا الإمام أبو القاسم البلخى هو ابن شافور أخبرنا الفارسى أخبرنا أبو القاسم الخزاعى أخبرنا الهيثم بن كليب أخبرنا أبو عيسى الحافظ أخبرنا أحمد هو ابن الحسن أخبرنا يحيى بن سليمان الجعفى المصرى قال
قال ابن وهب ما قلت حدثنا فهو ما سمعت مع الناس
وما قلت حدثنى فهو ما سمعت وحدى
وما قلت أخبرنا فهو ما قرىء على العالم وأنا شاهد
وما قلت أخبرنى فهو ما قرأت على العالم
قال القاضى عياض وأخبرنا هو وغير واحد عن أبى الحسين ابن عبد الجبار البغدادى بالإجازة قال أخبرنا على بن أحمد قال أخبرنا أحمد بن اسحاق قال أخبرنا الحسن بن عبد الرحمن قال أخبرنا العباس بن يوسف الشكلى قال أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد حدثنى أبى قال
قلت للأوزاعى ما قرأته عليك وما أجزته لى ما أقول فيهما
قال ما أجزت لك وحدك فقل فيه خبرنى
وما أجزته لجماعة أنت فيهم فقل فيه خبرنا
وما قرأت على وحدك فقل فيه أخبرنى
وما قرىء في جماعة أنت فيهم فقل فيه أخبرنا
وما قرأته عليه وحدك فقل فيه حدثنى
وما قرأته على جماعة أنت فيهم فقل فيه حدثنا
وذهب جماعة إلى إطلاق حدثنا وأخبرنا في الإجازة وحكى ذلك عن ابن جريج وجماعة من المتقدمين وقد اشرنا إلى من سوى بينهما وبين القراءة والسماع على ما تقدم وحكى ابو العباس ابن بكر المالكى في كتاب الوجازة أنه مذهب مالك وأهل المدينة
وحق ما قال عن مالك فإنه إذا جعل المناولة سماعا كالقراءة كما تقدم فيما روينا عنه قبل صح فيه حدثنا وأخبرنا فإذا روعى كما قدمنا معنى النقل والإذن فيه وأنه لا فرق بين القراءة والسماع والعرض والمناولة للحديث في جهة الإقرار والإعتراف بصحته وفهم التحديث به وجب استواء العبارة عنه بما شاء
وقد ذهب إلى تجويز ذلك من ارباب الأصول الجوينى لكن قال ليس حدثنى وأخبرني مطلقا في الإجازة خلفا لكن ليست عندى عبارة مرضية لائقة بالتحفظ والصون فالوجه البوح بالإجازة
ومنع إطلاق حدثنا في الإجازة غيره من الأصوليين جملة
وقال شعبة في الإجازة مرة تقول أنبأنا وروى عنه أيضا أخبرنا
واختار أبو حاتم الرازى أن تقول في الإجازة بالمشافهة أجاز لى وفيما كتب إ'ليه كتب إلى
وذهب أبو سليمان الخطابى إلى أن يقول في الإجازة أخبرنا فلان أن فلانا حدثه ليبين بهذا أنه إجازة
وأنكر هذا بعضهم وحقه أن ينكر فلا معنى له يتفهم به المراد ولا اعتيد هذا الوضع في المسألة لغة ولا عرفا ولا اصطلاحا
وذكر أبو محمد بن خلاد في كتابه الفاصل مثل هذا عن بعض أهل الظاهر قال ولا تقل إن فلانا قال حدثنا فلان لأن هذا ينبيء عن السماع
وهذا مثل الأول وكلام من اصطلح فيما يريده مع نفسه إلا لو اجتمع أهل الصنعة على هذا الوضع ليجعلوه فصلا وعلما للإجازة لما أنكر
وقد كان للسلف في هذه العبارة اختيار في إيثار بعض الألفاظ دون بعض
فمنهم من كان لا يقول إلا أخبرنا
ومنهم من كان لا يقول إلا حدثنا
ومنهم من كان يقولهما معا
فممن كان لا يقول إلا أخبرنا عروة بن الزبير وابنه هشام وابن جريج فى آخرين ومن بعدهم ابن المبارك وعبد الرزاق وأبو عاصم في آخرين
وممن كان لا يقول إلا حدثنا مالك بن أنس وهو المروى عن على بن أبى طالب في أحاديثه وهو اختيار الكثير منهم مع تجويز مالك غير هذا وإنما هذا على إيثار بعض الألفاظ
والأكثر على التسوية فيهما وقد قال الله تعالى ( يومئذ تحدث أخبارها ) وقال ( قد نبأنا الله من أخباركم ) وقال ( فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا ) وقال ( نبئونى بعلم إن كنتم صادقين )
وقال عليه السلام حدثونى ما هى
وقال أخبرنى بهن آنفا جبريل
وقال ألا أخبركم بخير دور الأنصار
وقال حدثنى تميم الدارى فى أحاديث كثيرة من استعماله عليه السلام اللفظين
وقد ذكرنا مذهب من فصل في ذلك بين السماع وغيره
وكل ما تقدم من الاصطلاحات والاختيارات لا تقوم لترجيحها حجة إلا من وجه الاستحسان للفرق لطرق الأخذ والمواضعة لتمييز أهل الصنعة أنواع النقل
وقد رأيت للقدماء والمتأخرين قولهم في الإجازة أخبرنا فلان إذنا وفيما أذن لى فيه وفيما أطلق لى الحديث به عنه وفيما أجازنيه
وبعضهم يقول فيما كتب به إلى إن كان أجازه بخطه لقيه أو لم يلقه
وبعضهم يقول فيما كتب به إلى إن كان كتب له من بلد وفيما كتب لى إذا كان إجازة وبعضهم يقول حدثنا كتابة ومن كتابه
والتمييز إذا أمكن أجمل بالمحدث وهو الذى شاهدته من أهل التحرى في الرواية ممن أخذنا عنه
وأما من جهة التحقيق فلا فرق إذا صحت الأصول المتقدمة وأنها طرق للنقل صحيحة وأن العبارة فيها بحدثنا وأخبرنا وأنبأنا سواء
لأنه إذا سمعه منه فلا شك في إخباره به وكذلك إذا قرأه عليه فجوزه له أو أقره عليه فهو إخبار له به حقيقة وإن لم يسمع من فيه كلمة منه فكذلك إذا كتبه له أو أذن له فيه كله إخبار حقيقة وإعلام بصحة ذلك الحديث أو الكتاب وروايته له بسنده الذى يذكره له فكأنه سمع منه جميعه
قال القاضى هذا مقتضى اللغة وعرف أهلها حقيقة ومجازا ولا فرق فيها بين هذه العبارات
وعلى التسوية أو التفريق في هذا جاء اختلاف مسائل الفقهاء فيمن حلف ليخبرن أو ليحدثن بكذا ولا نية له فأشار أو كتب هل هو حانث على كل حال وهو مقتضى مذهبنا على الجملة أو لا يحنث إلا بالمشافهة وهو مذهب الطحاوي
والقولان عندنا فيمن حلف على الكلام في الإشارة والكتاب أو التفريق بين الحديث والخبر فيحنث في الخبر ولا يحنث في الحديث لأن مقتضاه المشافهة
وهذا قول محمد بن الحسن ويظهر من مذهبنا أيضا وبالله التوفيق
باب في تحقيق التقييد والضبط والسماع ومن سهل في ذلك وشدد
قال الفقيه القاضى المؤلف رضى الله عنه الذى ذهب إليه أهل التحقيق من مشايخ الحديث وأئمة الأصوليين والنظار أنه لا يجب أن يحدث المحدث إلا ما حفظه في قلبه أو قيده في كتابه وصانه في خزانته فيكون صونه فيه كصونه في قلبه حتى لا يدخله ريب ولا شك في أنه كما سمعه وكذلك يأتى لو سمع كتابا وغاب عنه ثم وجده أو أعاره ورجع إليه وحقق أنه بخطه أو الكتاب الذى سمع فيه بنفسه ولم يرتب في حرف منه ولا في ضبط كلمة ولا وجد فيه تغييرا فمتى كان بخلاف هذا أو دخله ريب أو شك لم يجز له الحديث بذلك إذ الكل مجمعون على أنه لا يحدث إلا بما حقق وإذا ارتاب في شىء فقد حدث بما لم يحقق أنه من قول النبى صلى الله عليه و سلم ويخشى أن يكون مغيرا فيدخل في وعيد من حدث عنه بالكذب وصار حديثه بالظن والظن أكذب الحديث
وقد هاب السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم الحديث بما سمعوه من فلق فيه وحفظوه عنه مخافة تجويز النسيان والوهم والغلط على حفظهم ولا تأثير في الشرع للتجويزات فكيف بما لا يحقق ويبنى على الظن وسلامة الظاهر ولهذا قال مالك رحمه الله فيمن يحدث من الكتب ولا يحفظ حديثه لا يؤخذ عنه أخاف أن يزاد في كتبه بالليل وقد قال بمثل هذا جماعة من أئمة الحديث وشددوا في الأخذ
حدثنا أبو الطاهر أحمد بن محمد بن سلفة الحافظ مكاتبة أخبرنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا أبو الحسن الفالى أخبرنا القاضى ابن خربان أخبرنا القاضى ابن خلاد أخبرنا عبد الله بن أحمد الغزاء أخبرنا يوسف ابن مسلم أخبرنا خلف بن تميم قال
كتبت عن سفيان عشرة آلاف حديث أو نحوها فكنت استفهم جليسى فقلت لزائدة يا أبا الصلت إنى كتبت عن سفيان
عشرة آلاف حديث أو نحوها فقال لى لا تحدث إلا بما تحفظ بقلبك وتسمع بأذنك قال فألقيتها
قال وحدثنا أبو حفص الواسطى أخبرنا عباس الدورى قال قراد
سمعت شعبة يقول إذا سمعت من المحدث ولم تر وجهه فلا ترو عنه
وذكر عن سفيان الثورى في الجماعة يسمعون والكتاب عند بعضهم وهو عندهم ثقة هل يصدقونه قال لا إنما هي بمنزلة الشهادة
حدثنا أحمد بن محمد الخولاني عن أبيه عن أبى عمر أحمد ابن محمد بن سعيد قال
كتب القاضى منذر بن سعيد إلى أبى على البغدادى يستعير منه كتاب الغريب المصنف بهذه الأبيات حيث يقول
( بحق ريم مهفهف ... وصدغه المتعطف )
( ابعث إلى بجزء ... من الغريب المصنف )
فقضى أبو على حاجته وأجابه بقوله
( وحق در تألف ... بفيك أى تألف )
( لابعثن بما قد ... حوى الكتاب المصنف )
( ولو بعثت بنفسى ... إليك ما كنت اسرف )
وبلغنى بلاغا أنه بعد ذلك لم يسمع في الكتاب لمغيبه عنه
وقد سمعت أن ذلك إنما كان في كتاب الألفاظ في قصة أخرى مع الحكم أمير المؤمنين المروانى
وحكى أبو عبد الله المحاملى عن أبى حنيفة وبعض الشافعية فيمن وجد سماعه في كتاب ولم يذكر أنه سمعه أنه لا يجوز له روايته حتى يتذكر سماعه وهو قول الجوينى
وحكى المحاملى عن أكثر الشافعية ومحمد بن الحسن وأبى يوسف جواز ذلك وحكاه أبو المعالى وهو الذى اختار هو
والخلاف فيه مبنى على الخلاف في شهادة الإنسان على خطه بالشهادة إذا لم يذكرها وإن كان أولئك لا يقولون بجوازها في الشهادة وأجازوها هنا قالوا لأن الشهادة مبنية على التغليظ والتشديد والخبر مبنى على حسن الظاهر
والمسامحة وأنه لا يشترط فيه ما يشترط في الشهادة قالوا مع اعتماد السلف الصالح على كتب النبى صلى الله عليه و سلم والرجوع إلى الخط وهذا غير مسلم لهم لما قدمناه
وكذلك اختلفوا في إذا حقق السماع من ثقة ونسى ممن سمعه فحكى عن بعض الأصوليين جواز روايته وأومأ إليه الشافعى وأنكره المحققون إذ لا يصح له تسمية من سمعه منه إلا على الإرسال ولعله مراد من أجازه
باب من سهل في ذلك
قال القاضى الإمام المؤلف رضى الله عنه
ذهب كثير من المحدثين من الصدر الأول فمن بعدهم من طوائف من الفقهاء إلى ترك التشديد في الأخذ والمسامحة فيه والبناء فيه على التسهيل
وما أراهم ذهبوا في ذلك إلا بناء على صحة الإجازة وأن الحضور من الشيخ والإعلام بأن هذا الكتاب روايته مقنع في الأداء والنقل ثم جاءت بعد ذلك القراءة والسماع قوة وزيادة كالمناولة وإلا فالتحقيق ألا يحدث أحدا إلا بما حقق ولا يخبر إلا بما يتقن فلو أنه لا يجوز إلا السماع أو القراءة على الوجه المشترط لما صح في النقل إلا ما تقدم من التشديد لكن إذا صح الخبر والرواية كما قدمنا بالعرض والمناولة والإجازة والإقرار والإعلام لم تضر المسامحة في القراءة إذ هي شيء زائد على جواز ما تقدم إذا صحت المعارضة بالأصول والمقابلة بكتاب الشيخ ولهذا قال الفقيه أبو عبد الله بن عتاب فيما ذكرنا أن ابنه الفقيه أبا محمد أخبرنا به عنه أنه لا غنى عن الإجازة مع القراءة وقول ابن ميسر
الفقيه الإجازة عندى خير من السماع الردىء
وعلى هذا عمل الناس لليوم في أقطار الأرض وسيرة المشايخ قبل فيصححون سماع الأعجمى والأبله والصبى الذين لا يفقهون ما يقرأ ويحضر السامع بغير كتاب ثم يكتبه بعد عشرات من الشهور أو السنين من كتاب ثقة سمع منه ولعل الضبط في كثير منه يخالف كتاب الشيخ أو ما قرىء عليه
وحكيت المسامحة فيه عن ابن عيينة وابن وهب ومن بعدهم وعلى هذا تسامح الشيوخ في مجالس الإملاءات وتبليغ المستملين عن الشيخ لمن بعد وتذكير السامعين بعضهم من بعض
حدثنا القاضى الشهيد أخبرنا أبو الفضل أحمد بن أحمد أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله أخبرنا الحسن بن محمد بن كيسان أخبرنا يوسف القاضى أخبرنا نصر بن على أخبرنا نوح بن قيس أخبرنا يزيد الرقاشى عن أنس بن مالك قال
كنا قعودا مع النبى صلى الله عليه و سلم فعسى أن نكون ستين رجلا فيحدثنا الحديث ثم يريد الحاجة فنتراجعه بيننا فنقوم كأنما زرع في قلوبنا
وحدثنا أحمد بن محمد بن سلفة كتابة قال أخبرنا الصيرفى
أخبرنا الفالى أخبرنا ابن خربان أخبرنا ابن خلاد أخبرنا أحمد أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن أخبرنا الطباع سمعت أبا حفص يقول
كنا عند حماد بن زيد فذهب إنسان بعيد عليهم فقال ليستفهم بعضكم بعضا
قرأت بخط الشيخ الفقيه أبى عبد الله مكى بن عبد الرحمن القرشى كاتب الفقيه أبى الحسن القابسى قال
قعدت انسخ ونحن نسمع من الشيخ أبى الحسن فحكى أن حمزة الكنانى نهى بعضهم عن النسخ وهو يسمع ثم سكت يعنى أبا الحسن ولم ينهنى ولم يأمرنى بالتمادى
وحدثونا عن أحمد بن عمر العذرى أن بعض شيوخه وأراه أبا الحسن بن بندار القزوينى كان يكثر نومه حين السماع فشق عليهم كثرة تنبيهه وإيقاظه فعمد بعض السامعين وأعد قرطاسا فيه قطع حلاوة شديدة العقد صعبة على المضغ فكان إذا رأى الشيخ يغازله النوم وتأخذه السنة أدخل في فيه قطعة من تلك القطع فيشتغل الشيخ بلوكها وتوقظه حلاوتها وشدة مضغها حتى إذا فنيت ومضت مدة وغازله النوم ثانية فعل به مثل ذلك فاستراحوا من تعب إيقاظه ومشقته عليه وعليهم بهذه الحيلة ومن إفساد السماع بتركه ونومه وشكرت هذه الفعلة لفاعلها واستنبل فيها
وقد بلغنى أن أبا ذر الهروى كان يتكلم في سماع
كريمة بنت أحمد المروزية من أبى الهيثم الكشميهنى ويستضعفه ويقول إن أباها يحضرها معنا عند أبى الهيثم وهى صغيرة لا تضبط السماع أو نحو هذا
باب في التقييد بالكتاب والمقابلة والشكل والنقط والضبط
قال الفقيه القاضى المؤلف رضى الله عنه
حدثنا القاضى أبو عبد الله بن عيسى والفقيه أبو الوليد هشام ابن أحمد بقراءتى عليه قالا حدثنا الشيخ أبو على الحافظ قال أخبرنا أبو عمر الحافظ حدثنا ابن عبد المؤمن أخبرنا ابن داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا مسدد وأبو بكر بن أبى شيبة قالا أخبرنا يحيى بن عبيد الله بن الأخنس عن الوليد بن عبد الله بن أبى مغيث عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو قال
كنت أكتب كل شىء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم أريد حفظه وذكر الحديث وأنه ذكر ذلك للنبى صلى الله عليه و سلم فقال له أكتب
حدثنا القاضى أبو على الصدفي أخبرنا أبو الفضل الأصبهانى أخبرنا أبو نعيم الحافظ أخبرنا على بن هارون أخبرنا موسى بن هارون أخبرنا سعيد بن عبد الجبار أخبرنا عبد الله بن المثنى حدثنى ثمامة عمى أن أنس بن مالك قال لبنيه قيدوا العلم بالكتاب
قال موسى اتفق الأنصارى ومسلم بن إبراهيم وسعيد على هذا في قول أنس ورفعه عبد الحميد ولا يصح رفعه
وقد روى كتابه العلم عن النبى صلى الله عليه و سلم في أحاديث كثيرة
وروى إجازة ذلك وفعله عن عمر وعلى وأنس وجابر وابن عباس وعبد الله بن عمرو والحسن وعطاء وقتادة وعمر ابن عبد العزيز وسعيد بن جبير في أمثالهم ومن بعد هؤلاء ممن لا يعد كثرة
ووقع عليه بعد هذا الاتفاق والإجماع من جميع مشايخ العلم وائمته وناقليه
وكان فيه في الصدر الأول خلاف لأحاديث وردت في ذلك
أخبرنا الشيخ الحافظ أبو على الحسين بن محمد الجيانى فيما أذن لى فيه وقرأته على الفقيه أبى الوليد عنه قال أخبرنا ابن عبد البر أخبرنا ابن عبد المؤمن أخبرنا ابن داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا نصر ابن على أخبرنى أبو أحمد أخبرنا كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله ابن حنطب قال
دخل زيد بن ثابت على معاوية فسأله عن حديث فأمر إنسانا بكتبه فقال له زيد إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرنا ألا نكتب شيئا من حديثه فمحاه
حدثنا القاضى الشهيد أبو على بقراءتى عليه قال أخبرنا أبو الحسين وأبو الفضل بن خيرون حدثنا أبو يعلى ابن زوج الحرة أخبرنا أبو على السنجي أخبرنا أبو العباس المروزى أخبرنا أبو عيسى الترمذي أخبرنا سفيان بن وكيع أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد هو الخدرى قال
استأذنا النبى صلى الله عليه و سلم في الكتابة فلم يأذن لنا
وروى كراهة ذلك عن أبى موسى وابن عمر وأبى سعيد الخدرى وجماعة بعدهم لذلك ومخافة الاتكال على الكتاب وترك الحفظ ولئلا يكتب شيء مع القرآن
ومنهم من كان يكتب فإذا حفظ محا
والحال اليوم داعية للكتابة لانتشار الطرق وطول الأسانيد وقلة الحفظ وكلال الأفهام
وأما النقط والشكل فهو متعين فيما يشكل ويشتبه
حدثنا أبو على الغسانى الحافظ المعروف بالجيانى كتابه والفقيه أبو عمران بن أبى تليد والخطيب أبو القاسم خلف بن إ براهيم المقرى والفقيه أبو محمد بن عتاب وغيرهم من كتابة وأجازة قالوا أخبرنا أبو عمر بن عبد البر الحافظ قال أخبرنا خلف بن أبى جعفر أخبرنا أبو عمر بن حزم أخبرنا أحمد بن خالد أخبرنا مروان بن عبد الملك أخبرنا أبو الطاهر أخبرنا بشر بن بكر عن الأوزاعى قال
سمعت ثابت بن معبد يقول نور الكتاب العجم وقد روى من قول الأوزاعى
وقال بعضهم إنما يشكل ما يشكل
وأما النقط فلا بد منه
وقال آخرون يجب شكل ما أشكل وما لا يشكل
وهذا هو الصواب لا سيما للمبتدىء وغير المتبحر في العلم فإنه لا يميز ما أشكل مما لا يشكل ولا صواب وجه الإعراب للكلمة من خطائه
وقد يقع النزاع بين الرواة فيها فإذا جاء عند الخلاف وسئل كيف ضبطه في هذا الحرف وقد أهمله بقى متحيرا
وقد وقع الخلاف بين العلماء بسبب اختلافهم في الإعراب كاختلافهم في قوله عليه السلام ذكاة الجنين ذكاء أمه فالحنفية ترجح فتح ذكاة الثانية على مذهبها في أنه يذكى مثل ذكاة أمه
وغيرهم من المالكية والشافعية ترجح الرفع لاسقاطهم ذكاته
وكذلك قوله عليه السلام لا نورث ما تركناه صدقة
الجماعة ترجح روايتها برفع صدقة على خبر المبتدأ على مذهبها في أن الأنبياء لا تورث
وغيرهم من الإمامية يرجح الفتح على التمييز لما تركوه صدقة أنه لا يورث دون غير ما ترك صدقة وإذا كان هذا لم يكن فرقا بينهم وبين غيرهم ولم يكن معنى لتخصيصه الأنبياء وقد أجاز النحاس نصبه على الحال
وكذلك قوله في الحديث هولك عبد بن زمعة
رواية الجماعة رفع عبد على النداء أو اتباع ابن له على الوجهين في نعت المنادى المفرد من الضم والفتح
والحنفية ترجح تنوين عبد على الابتداء أي هو الولد لك عبد وتنصب ابن زمعة على النداء المضاف
في كثير مما لا يحصى من هذا فإذا أهمله السامع إذ لم ينتبه لوضع الخلاف فيه فإذا نوزع في إعرابه وضبطه ورجع إلى كتابه فوجده مهملا بقى متحيرا أو جسر على الضبط بغير بصيرة ويقين
حدثنا أبو الحسين سراج بن عبد الملك بن سراج اللغوى الحافظ قراءة عليه من شيخنا الاستاذ أبى الحسن على بن أحمد المقرى وأنا أسمع قال حدثنى أبى قال حدثنى أبو عمرو السفاقسى أخبرنا أبو عبد الله الفسوي أخبرنا أبو سليمان الخطابى
وذكر قوله عليه السلام نضر الله امرء اسمع مقالتى فوعاها الحديث فقال
كيف يؤديها كما سمعها من لم يتقن حفظها ولم يحسن وعيها وكيف يبلغها من هو أفقه منه وهو لم يملك حملها فهو مغتصب الفقه حقه قاطع لطريق العلم على من بعده
أخبرنا أبو الحسن على بن مشرف بن مسلم الأنماطى
من كتابه إلى وسمعته على الحافظ أبى على عنه قال أخبرنا أبو زكريا البخارى أخبرنا أبو محمد عبد الغنى بن سعيد الحافظ أخبرنا أبو عمران موسى بن عيسى الحنفى قال سمعت أبا إسحاق النجيرمى إبراهيم ابن عبد الله يقول
أولى الأشياء بالضبط أسماء الناس لأنه لا يدخله القياس ولا قبله شيء يدل عليه ولا بعده شيء يدل عليه
وأخبرنا الشيخ أبو على الجيانى الحافظ وأبو عمران موسى ابن أبى تليذ الفقيه وغير واحد إجازة وكتابة قالوا أخبرنا أبو عمر الحافظ أخبرنا خلف بن قاسم الحافظ أخبرنا أبو الميمون بن راشد الدمشقى أخبرنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقى قال سمعت عفان بن مسلم يقول
سمعت حماد بن سلمة يقول لأصحاب الحديث ويحكم غيروا يعنى قيدوا واضبطوا
قال ابو زرعة ورأيت عفان بن مسلم يحض أصحاب الحديث على الضبط والتقييد إذا أخذوا عنه
قال أبو على الحافظ روى عن عبد الله بن إدريس الكوفى قال
لما حدثنى شعبة بحديث أبى الحوراء السعدى عن الحسن ابن على كتبت أسفله حور عين لئلا أغلط يعنى فيقرأه أبا الجوزاء لشبهه به في الخط
وأبو الحوراء بالحاء والراء هو ربيعة بن شيبان
وأما أبو الجوزاء بالجيم والزاى فهو أوس بن عبد الله الربعى عن ابن عباس
وأبو الجوزاء مثله أيضا أحمد بن عثمان النوفلى من شيوخ مسلم والنسائى
وهكذا جرى رسم المشايخ وأهل الضبط في هذه الحروف المشكلة
والكلمات المشتبهة إذا ضبطت وصححت في الكتاب أن يرسم ذلك الحرف المشكل مفردا في حاشية الكتاب قبالة الحرف بإهماله أو نقطه أو ضبطه ليستبين أمره ويرتفع الإشكال عنه مما لعله يوهمه ما يقابله من الأسطار فوقه أو تحته من نقط غيره أو شكله لا سيما مع دقة الكتاب وضيق الأسطار فيرتفع بإفراده الإشكال
وكما نأمره بنقط ما ينقط للبيان كذلك نأمره بتبيين المهمل بجعل علامة الإهمال تحته فيجعل تحت الحاء حاء صغيرة وكذلك تحت العين عينا صغيرة وكذلك الصاد والطاء والدال والراء وهو عمل بعض أهل المشرق والأندلس
ومنهم من يقتصر على مثال النبرة تحت الحروف المهملة
ومنهم من يقلب النقط في المهملات فيجعله أسفل علامة لإهماله
ومن أهل المشرق من يعلم على الحروف المهملة بخط صغير فوقه شبه نصف النبرة
وقال محمد بن عبد الملك الزيات في صفة دفتر فيما ذكره لنا بعض شيوخنا
( وأرى وشوما في كتابك لم تدع ... شكا لمرتاب ولا لمفكر )
( نقط وأشكال تلوح كأنها ... ندب الخدش تلوح بين الأسطر )
وأما مقابلة النسخة بأصل السماع ومعارضتها به فمتعينة لا بد منها
ولا يحل للمسلم التقى الرواية ما لم يقابل بأصل شيخه أو نسخة تحقق ووثق بمقابلتها بالأصل وتكون مقابلته لذلك مع الثقة المأمون ما ينظر فيه فإذا جاء حرف مشكل نظر معه حتى يحقق ذلك
وهذا كله على طريق من سامح في السماع وعلى من يجيز إمساك أصل الشيخ عليه عند السماع إذ لا فرق بين إمساكه عند السماع أو عند النقل لأنه تقليد لهذا الثقة لما في كتاب الشيخ
وأما على مذهب من منع ذلك من أهل التحقيق فلا يصح مقابلته مع احد غير نفسه ولا يقلد سواه ولا يكون بينه وبين كتاب الشيخ واسطة كما لا يصح ذلك عنده في السماع فليقابل نسخته من الأصل بنفسه حرفا حرفا حتى يكون على ثقة ويقين من معارضتها به ومطابقتها له ولا ينخدع في الإعتماد على نسخ الثقة العارف دون مقابلة نعم ولا على
نسخ نفسه بيده ما لم يقابل ويصحح فإن الفكر يذهب والقلب يسهو والنظر يزيغ والقلم يطغى
أخبرنا أبو طاهر الحافظ من كتابه أخبرنا الشيخ أبو الحسين أخبرنا على بن أحمد أخبرنا القاضى أبو عبد الله النهاوندى أخبرنا القاضى أبو محمد الرامهرمزى أخبرنا محمد بن عبد الله السراج أخبرنا أبو همام أخبرنا إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة قال قال لى أبى أكتبت قلت نعم قال قابلت قلت لا قال لم تكتب يا بنى
أخبرنا أبو عمران بن أبى تليد وأبو محمد بن عتاب وغيره قالوا أخبرنا يوسف بن عبد الله قال أخبرنا عبد الوارث أخبرنا قاسم أخبرنا أحمد بن زهير أخبرنا الحوطى أخبرنا بقية عن الأوزاعى قال
مثل الذى يكتب ولا يعارض مثل الذى يدخل الخلاء ولا يستنجى
وروى مثله عن يحيى بن أبى كثير
وقد روى عن زيد بن ثابت أنه قال
كنت أكتب الوحى عند رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يملى على فإذا فرغت قال أقرأه فأقرؤه فإن كان فيه سقط أقامه
ولبعض الشعراء في هذا
( المح كتابك حين تكتبه ... واحرسه من وهم ومن سقط )
( واعرضه مرتابا بصحته ... ما أنت معصوما من الغلط )
باب التخريج والإلحاق للنقص
قال الفقيه القاضي الإمام أبو الفضل عياض المؤلف رضى الله عنه
أما تخريج الملحقات لما سقط من الأصول فأحسن وجوهها ما استمر عليه العمل عندنا من كتابة خط بموضع النقص صاعدا إلى تحت السطر الذى فوقه ثم ينعطف إلى جهة التخريج في الحاشية انعطافا يشير إليه ثم يبدأ في الحاشية باللحق مقابلا للخط المنعطف بين السطرين ويكون كتابها صاعدا إلى أعلى الورقة حتى ينتهى اللحق في سطر هناك أو سطرين أو أكثر على مقداره ويكتب آخره صح وبعضهم يكتب آخره بعد التصحيح رجع وبعضهم يكتب انتهى اللحق
واختار بعض أهل الصنعة من أهل أفقنا وهو اختيار القاضى أبى محمد بن خلاد من أهل المشرق ومن وافقه على ذلك أن يكتب في آخر اللحق الكلمة المتصلة به من الأم ليدل على انتظام الكلام
وقد رأيت هذا في غير كتاب بخط من يلتفت إليه وليس عندى باختيار حسن فرب كلمة قد تجىء في الكلام مكررة مرتين وثلاثا لمعنى صحيح فإذا كررنا الحرف آخر كل لحق لم يؤمن أن يوافق ما يتكرر حقيقة أو يشكل أمره فيوجب ارتيابا وزيادة إشكال
والصواب التصحيح عند آخر تمام اللحق ولا فرق بين آخر سطر من اللحق وبين سائر سطور الكلام في انتظام اللحق
وفائدة كتابه صاعدا في الحاشية إلى أعلى الورقة لئلا يجد بعده نقصا وإسقاطا آخر فإن كنا كتبنا الأول نازلا إلى أسفل وجدنا الحاشية به ملأى فلم نجد حيث نخرجه
فإن كنا كتبنا كل ما وجدنا صاعدا فما وجدناه بعد ذلك من نقص وجدنا ما يقابله من الحاشية نقيا لإلحاقه ولذلك يجب أن يكون التخريج أبدا إلى جهة اليمين لأنك إن خرجت إلى جهة الشمال ربما وجدت في السطر نفسه تخريجا آخر فلا يمكن إخراجه أمامه لأنه كان يشكل التخريجان فيضطر إلى إخراجه إلى جهة اليمين فتلتقى عطفة تخريج جهة
الشمال مع عطفه تخريج ذات اليمين أو تقابلها فيظهر كالضرب على ما بينهما من الكلام أو يشكل الأمر
وإذا كانت العطفة الأولى إلى جهة اليمين وخرجت الثانية إلى جهة الشمال لم يلتقيا فأمن من الإشكال لكن إذا كان النقص في آخر السطر فلا وجه إلى تخريجه إلى جهة الشمال لقرب التخريج من اللحق وسرعة لحاق الناظر به ولأمننا من نقص بعده كما إذا كان في أول السطر فلا وجه إلا تخريجه لليمين لهذه العلة وللعلة الأولى
وذهب بعضهم إلى أن يمر عطفة خط التخريج من موضع للنقص داخل الكتاب حتى يلحقه بأول حرف من اللحق بالحاشية ليأتى الكلام والخط كالمتصل
وهذا فيه بيان لكنه تسخيم للكتاب وتسويد له لا سيما إن كثرت الإلحاقات والنقص وقد رأيته في بعض الأصول
وأما كل ما يكتب في الطرر والحواشى من تنبيه أو تفسير أو اختلاف ضبط فلا يجب أن يخرج إليه فإن ذلك يدخل اللبس ويحسب من الأصل ولا يخرج إلا لما هو من نفس الأصل لكن ربما جعل على الحرف المثبت بهذا التخريج كالضبة أو التصحيح ليدل عليه
وقد حدثنى بعض من لقيته ممن يعتنى بهذا الشأن أن كتب الحكم المستنصر بالله خرجت إلى أهل بيت المقابلة والنسخ بقصره برسوم منها بعض ما ذكرناه
قال لنا القاضى الشهيد أبو على سمعت أبا يوسف عبد السلام ابن بندار القروى يقول أنشدنى الشريف أبو على محمد بن أحمد ابن أبى موسى الهاشمى لأحمد بن حنبل
( من طلب العلم والحديث فلا ... يضجر من خمسة يقاسيها )
( دراهم للعلوم يجمعها ... وعند نشر الحديث يفنيها )
( يضجره الضرب في دفاتره ... وكثرة اللحق في حواشيها )
( يغسل أثوابه وبزته ... من أثر الحبر ليس ينقبها )
وقال القاضى الإمام أبوالفضل المؤلف رضى الله عنه
( خير ما يقتنى اللبيب كتاب ... محكم النقل متقن التقييد )
( خطه عارف نبيل وعاناهم ... فصح التبيض بالتسويد )
( لم يخنه إتقان نقط وشكل ... لا ولا عابه لحاق المزيد )
( فكان التخريج في طرنيه ... طرر صففت ببيض الخدود )
( فيناجيك شخصه من قريب ويناديك نصه من بعيد )
( فاصحبنه تجده خير جليس ... واختبره تجده أنس المريد )
باب في التصحيح والتمريض والتضبيب
قال الفقيه القاضى
أما كتابة صح على الحرف فهو استثبات لصحة معناه وروايته ولا يكتب صح إلا على ما هذا سبيله إما عند لحقه أو إصلاحه أو تقييد مهمله وشكل مشكله ليعرف أنه صحيح بهذه السبيل قد وقف عليه عند الرواية واهتبل بتقييده
فأن كان اللفظ غير صحيح في اللسان إما في إعرابه أو بيانه أو فيه اختلال من تصحيف أو تغيير أو نقصت كلمة من الجملة أخلت بمعنى أو بتر من الحديث مالا يتم إلا به إما لتقصير في حفظ روايه أو للأختصار وتبيين عين الحديث بلفظة منه لا بإيراده على وجهه وهو الباب الذى يسميه أهل الصنعة الا راف أو بتقديم أو تأخير قلب مفهومه ونثر منظومة فهذا الذى جرت عادة أهل التقييد أن يمدوا عليه خطا أوله مثل الصاد ولا يلزق بالكلمة المعلم عليها لئلا يظن ضربا ويسمونه ضبة ويسمونه تمريضا وكأنها صاد التصحيح كتبت بمدتها وحرفت
حاؤها ليفرق بينها وبين ما صح لفظا ومعنى وذلك أنه صح من جهة الرواية وضعف من جهة المعنى فلم يكمل عليه التصحيح وكتب عليه هذا علامة على مرضه ولئلا يرتاب في صحة روايته ويظن الناظر في كتابه مهما وقف عليه يوما ملحونا أو مغيرا أنه من وهمه وغلطه لا من صحة سماعه فنبه بالتمريض عليه على وقوفه عليه عند السماع ونقله على ما هو عليه ولعل غيره قد يخرج له وجها صحيحا ويظهر له في صحة معناه ولفظه حجة لم تظهر لهذا ففوق كل ذى علم عليم
قال القاضى ولهذا قد شاهدنا من الإصلاحات لمثل هذا لبعض المتجاسرين وأكثرهم من المحدثين والمتأخرين ما الصواب فيما أنكروه وعين الخطأ ما أصلحوه ومن وقف على ما رسمناه من ذلك في كتابنا
المسمى بمشارق الأنوار على صحاح الآثار شهد له بصحة ما ادعيناه
قرأت بخط الشيخ أبى عبد الله محمد بن أبى نصر الحميدى نزيل بغداد اخبرنى أبو محمد الحسين بن على المصرى قال أخبرنا أبو مروان عبد الملك بن زيادة الله بن على التميمى قال أخبرنا أبو القاسم إبراهيم ابن محمد بن زكريا القرشى الزهرى هو ابن الإفليلى اللغوى قال
كان شيوخنا من أهل الأدب يتعالمون أن الحرف إذا كتب عليه صح بصاد وحاء أن ذلك علامة لصحة الحرف لئلا يتوهم متوهم عليه خللا ولا نقصا فوضع حرف كامل على حرف صحيح وإذا كان عليه صاد ممدودة دون حاء كان علامة أن الحرف سقيم إذ وضع عليه حرف غير تام ليدل نقص الحرف على اختلال الحرف ويسمى ذلك الحرف أيضا ضبة أى أن الحرف مقفل بها لا يتجه لقراءة كما أن الضبة مقفل بها
باب في الضرب والحك والشق والمحو
أخبرنا أحمد بن محمد الأصبهانى من كتابه أخبرنا الصيرفى أخبرنا أبو الحسن الفالى أخبرنا النهاوندى أخبرنا القاضى أبو محمد ابن خلاد قال
قال أصحابنا الحك تهمة وأجود الضرب ألا يطمس الحرف المضروب عليه بل بخط من فوقه خطا جيدا بينا يدل على إبطاله ويقرأ من تحته ما خط عليه
سمعت شيخنا أبا بحر سفيان بن العاصى الأسدى يحكى عن بعض شيوخه أنه كان يقول
كان الشيوخ يكرهون حضور السكين مجلس السماع حتى لا يبشر شيء لأن ما يبشر منه قد يصح من رواية أخرى وقد يسمع الكتاب مرة أخرى على شيخ آخر يكون ما بشر وحك من رواية هذا صحيحا في رواية الآخر فيحتاج إلى إلحاقه بعد أن بشره وهو إذا خط عليه وأوقفه من رواية الأول وصح عند الآخر اكتفى بعلامة الآخر عليه بصحته
واختلفت اختيارات الضابطين في الضرب فأكثرهم على ما تقدم من مد الخط عليه لكن يكون هذا الخط مختلطا بالكلمات المضروب عليها وهو الذى يسمى الضرب والشق
ومنهم من لا يخلطه ويثبته فوقه لكنه يعطف طرف الخط على أول المبطل وآخره ليميزه من غيره
ومنهم من يستقبح هذا ويراه تسويدا وتطليسا في الكتاب بل يحوق على الكلام المضروب عليه بنصف دائرة وكذلك في آخره
وإن كثر فربما فعل ذلك في أول كل سطر وآخر من المضروب عليه للبيان وربما اكتفى بالتحويق على أول الكلام وآخره وربما كتب عليه لا في أوله و ( إلى ) في آخره ومثل هذا يصلح فيما صح في بعض الروايات وسقط من بعض حديث أو من كلام وقد يكتفى بمثل هذا بعلامة من ثبتت له فقط أو بإثبات لا و إلى فقط
وأما ما هو خطأ محض فالتحويق التام عليه أوحكه أولى
ومن الأشياخ المحسنين لكتبهم من يستقبح فيها الضرب والتحويق ويكتفى بدائرة صغيرة أول الزيادة وآخرها ويسميها صفرا كما يسميها أهل الحساب ومعناها خلو موضعها عندهم عن عدد كذلك تشعر هنا بخلو ما بينهما عن صحة
واختلف أهل الإتقان من أهل هذا الشأن في الحرف إذا تكرر واحتاج إلى الضرب على أحدها وإبطاله ايها أولى به
فقال بعضهم أولاهما بالإبقاء الأول لأنه صحيح ويبطل الثانى لأنه هو الخطأ والمستغنى عنه
وقال آخرون أولاهما بالإبقاء أجودهما صورة وأحسنهما كتابة
وأرى أنا إن كان الحرف تكرر في أول سطر مرتين أن يضرب على الثانى لئلا يطمس أول السطر ويسخم وإن كان تكرر في آخر سطر وأول الذى بعده فليضرب على الأول الذي في آخر السطر وإن كانا جميعا في آخر سطر فليضرب على الأول أيضا لأن هذا كله من سلامة أوائل السطور وأواخرها أحسن في الكتاب وأجمل له إلا إذا اتفق آخر سطر وأول آخر فمراعاة الأول من السطر أولى وهذا عندى إذا تساوت الكلمات في المنازل فأما إن كان مثل المضاف والمضاف إليه فتكرر أحدهما فينبغى ألا يفصل بينهما في الخط ويضرب بعد على المتكرر من ذلك كان أولا أو آخرا وكذلك الصفة مع الموصوف وشبه هذا فمراعاة هذا مضطر للفهم وربما أدخل الفصل بينهما بالضرب والإتصال إشكالا وتوقفا فمراعاة المعانى والاحتياط لها أولى من مراعاة تحسين الصورة في الخط
أخبرنا سفيان بن العاصى الأسدى أخبرنا القاضى أبو الوليد الوقشى أخبرنا أبو عمر أحمد بن محمد المعافرى قال قال محمد ابن سحنون أخبرنا موسى أخبرنا جرير عن منصور قال كان إبراهيم النخعى يقول
من المروءة أن يرى في ثوب الرجل وشفتيه مداد قال وفى مثل هذا دليل على جواز لعق الكتاب بلسانه وكان سحنون ربما كتب الشىء ثم لعقه
باب تحرى الرواية والمجىء باللفظ ومن رخص للعلماء في المعنى ومن منع
لا خلاف أن على الجاهل والمبتدىء ومن لم يمهر في العلم ولا تقدم في معرفة تقديم الألفاظ وترتيب الجمل وفهم المعانى أن لا يكتب ولا يروى ولا يحكى حديثا إلا على اللفظ الذى سمعه وأنه حرام عليه التعبير بغير لفظه المسموع إذ جميع ما يفعله من ذلك تحكم بالجهالة وتصرف على غير حقيقة في أصول الشريعة وتقول على الله ورسوله ما لم يحط به علما
وقديما هاب الصحابة رضوان الله عليهم فمن بعدهم الحديث عن النبى صلى الله عليه و سلم وتبديل اللفظ المسموع منه وحض النبى صلى الله عليه و سلم على ذلك وأمر بإيراد ما سمع منه كما سمع
حدثنا القاضى الحافظ أبو على الحسين بن محمد الصدفى سماعى عليه قال حدثنا القاضى أبو الوليد الباجى قال أخبرنا أبو ذر الهروى
أخبرنا أبو إسحاق وأبو الهيثم وأبو محمد قالوا أخبرنا أبو عبد الله الفربري قال أخبرنا أبو عبد الله البخارى أخبرنا مسدد أخبرنا معتمر سمعت منصورا عن سعد بن عبيدة حدثنى البراء بن عازب قال
قال لى رسول الله صلى الله عليه و سلم
إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل
اللهم أسلمت وجهى إليك وفوضت أمرى إليك وألجأت ظهرى إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى إلا إليك آمنت بكتابك الذى أنزلت وبنبيك الذى أرسلت فإن مت مت على الفطرة واجعله آخر ما تقول
فقلت أستذكرهن ورسولك الذى أرسلت فقال لا ونبيك الذى أرسلت
وأخبرنا قال أخبرنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا على بن أحمد أخبرنا القاضى أبو الحسن النهاوندى أخبرنا القاضى أبو محمد
الرامهرمزى أخبرنا أبو جعفر الحضرمى أخبرنا عبد الله بن عمر بن أبان أخبرنا حفص أخبرنا الأعمش أخبرنا عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد قال
كان عبد الله بن مسعود يمكث السنة لا يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذته الرعدة ويقول أو هكذا أو نحوه أو شبهه
وقال صلوات الله وسلامه عليه نضر الله امرءا سمع مقالتى فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه
ثم اختلف السلف وأرباب الحديث والفقه والأصول هل يسوغ ذلك لأهل العلم فيحدثون على المعنى أولا يباح لهم ذلك
فأجازه جمهورهم إن كان ذلك من مشتغل بالعلم ناقد لوجوه تصرف الألفاظ والعلم بمعانيها ومقاصدها جامع لمواد المعرفة بذلك وروى عن مالك نحوه
ومنعه آخرون وشددوا فيه من المحدثين والفقهاء ولم يجيزوا ذلك لأحد ولا سوغوا إلا الإتيان به على اللفظ نفسه في حديث النبى صلى الله عليه و سلم وغيره وروى نحوه عن مالك أيضا وشدد مالك الكراهية فيه في حديث النبى صلى الله عليه و سلم وروى عنه في سماع أشهب أما في حديث النبى صلى الله عليه و سلم فأحب إلى أن يؤتى به على ألفاظه ورخص فيه في حديث غيره وفى التقديم والتأخير وفى الزيادة والنقص
وحمل أئمتنا هذا من مالك على الاستحباب كما قال ولا يخالفه أحد فى هذا وأن الأولى والمستحب المجىء بنفس اللفظ ما استطيع
حدثنا محمد بن أحمد القاضى أخبرنا ابن قاسم أخبرنا ابن عباس أخبرنا أبو القاسم الغافقى أخبرنا الذهلى اخبرنا جعفر أخبرنا إسحاق بن موسى سمعت معن بن عيسى يقول
كان مالك يتقى في حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم الباء والتاء ونحوهما
وحدثنا بسنده عن الغافقى قال أخبرنا أبو إسحاق ابن شعبان حدثنى إبراهيم بن عثمان حدثنى يحيى بن أيوب أخبرنا سعيد بن عفير قال سمعت مالك بن أنس يقول
أما حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم فأحب أن يؤتى به على ألفاظه
وما قاله رحمه الله الصواب فإن نظر الناس مختلف وأفهامهم متباينة وفوق كل ذى علم عليم كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه فإذا أدى اللفظ أمن الغلط واجتهد كل من بلغ إليه فيه وبقى على حاله لمن يأتى بعد وهو أنزه للراوى وأخلص للمحدث
ولا يحتج باختلاف الصحابة في نقل الحديث الواحد بألفاظ مختلفة فإنهم شاهدوا قرائن تلك الألفاظ وأسباب تلك الأحاديث وفهموا معانيها حقيقة فعبروا عنها بما اتفق لهم من العبارات أذ كانت محافظتهم على معانيها التى شاهدوها والألفاظ ترجمة عنها
وأما من بعدهم فالمحافظة أولا على الألفاظ المبلغة إليهم التى منها تستخرج المعانى فما لم تضبط الألفاظ وتتحرى وتسومح في العبارت والتحدث على المعنى انحل النظم واتسع الخرق
وجواز ذلك للعالم المتبحر معناه عندى على طريق الاستشهاد والمذاكرة والحجة وتحريه في ذلك متى أمكنه أولى كما قال مالك وفى الأداء والرواية آكد
وكذلك اختلفوا في الحديث ببعض الحديث وفصل منه واستخراج
نكته منه وسنة لا تعلق لها بما بقى كاختلافهم في الحديث على المعنى وهذا أحب لأهل العلم بتفاصيل الكلام وجمله وقد تقصينا الكلام في هذا في كتاب الإكمال لشرح كتاب مسلم بن الحجاج في الصحيح
182
باب في إصلاح الخطأ وتقويم اللحن والاختلاف في ذلك
قال الفقيه القاضى أبو الفضل عياض المؤلف رضى الله عنه
حدثنا الفقيهان أبو محمد عبد الله بن أبى جعفر الخشنى وعبد الرحمن ابن محمد بن عتاب بقراءتى عليهما قالا أخبرنا أبو القاسم حاتم بن محمد قال أخبرنا أبو الحسن القابسى الفقيه قال سمعت أبا الحسن بن هشام المصرى يقول
سئل أبو عبد الرحمن النسائى عن اللحن في الحديث فقال إن كان شيئا تقوله العرب وإن كان في غير لغة قريش فلا يغير لأن النبى صلى الله عليه و سلم كان يكلم الناس بلسانهم وإن كان مالا يوجد في كلام العرب فرسول الله صلى الله عليه و سلم لا يلحن
حدثنا القاضى أبو عبد الله التميمى والوزير أبو الحسين بن سراج الحافظ بسماعى عليهما قال حدثنا أبو مروان بن سراج الحافظ قال حدثنى
أبو عمر بن أبى السفاقسى قال أخبرنا أبو عبد الله الفسوى أخبرنا أبو سليمان البستى الخطابى قال حدثنى محمد بن معاذ أخبرنا بعض اصحابنا عن أبى داود السنجى قال سمعت الأصمعى يقول
إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبى صلى الله عليه و سلم من كذب على فليتبوأ مقعده من النار لأنه لم يكن يلحن فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه
أخبرنا أحمد بن محمد من كتابه أخبرنا أبو الحسين بن الحمامى قال أخبرنا أبو الحسن على بن أحمد الفالى أخبرنا القاضى أبو عبد الله أحمد ابن إسحاق أخبرنا أبو محمد بن خلاد القاضى أخبرنا الحسين بن إدريس أخبرنا بشر بن معاذ أخبرنا أبو معاذ مولى لقريش أخبرنا شريك عن جابر عن الشعبى قال
لا بأس أن يقوم اللحن في الحديث
قال وأخبرنا محمد بن أحمد بن محمويه أخبرنا أبو زرعة الدمشقى أخبرنا الوليد بن عتبة أخبرنا الوليد بن مسلم سمعت الأوزاعى يقول
أعربوا الحديث فإن القوم كانوا عربا
وعن الأوزاعى أيضا لا بأس بإصلاح اللحن في الحديث
وروى مثل هذا عن جماعة من السلف فمن بعدهم
أخبرنا عطاء وابن المبارك وابن معين أخبرنا ابن عتاب عن يوسف ابن عبد الله قال أخبرنا عبد الوارث أخبرنا قاسم حدثنا ابن وضاح حدثنا يوسف بن عدى حدثنا عثام بن على عن الأعمش عن عمارة عن أبى معمر قال
أنى لأسمع الحديث لحنا فألحن كما سمعت
وأخبرنا الحضرمى أخبرنا محمد بن العلاء أخبرنا عثام بن على عن الأعمش عن عمارة عن أبى معمر قال
إنى لأسمع الحديث لحنا فألحن كما سمعت
قال القاضى المؤلف رضى الله عنه الذى استمر عليه عمل أكثر الأشياخ نقل الرواية كما وصلت إليهم وسمعوها ولا يغيرونها من كتبهم حتى
أطردوا ذلك في كلمات من القرآن استمرت الرواية في الكتب عليها بخلاف التلاوة المجمع عليها ولم يجىء في الشاذ من ذلك في الموطأ والصحيحين وغيرها حماية للباب لكن أهل المعرفة منهم ينبهون على خطئها عند السماع والقراءة وفى حواشى الكتب ويقرءون ما فى الأصول على ما بلغهم
ومنهم من يجسر على الإصلاح وكان أجرأهم على هذا من المتأخرين القاضى أبو الوليد هشام بن أحمد الكنانى الوقشى فإنه لكثرة مطالعته وتفننه كان في الأدب واللغة وأخبار الناس وأسماء الرجال وأنسابهم وثقوب فهمه وحدة ذهنة جسر على الإصلاح كثيرا وربما نبه على وجه الصواب لكنه ربما وهم وغلط في أشياء من ذلك وتحكم فيها بما ظهر له أو بما رآه في حديث آخر وربما كان الذى أصلحه صوابا وربما غلط فيه واصلح الصواب بالخطأ
وقد وقفنا له من ذلك في الصحيحين والسير وغيرها على أشياء كثيرة وكذلك لغيره ممن سلك هذا المسلك
وحماية باب الإصلاح والتغير أولى لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن ويتسلط عليه من لا يعلم وطريق الأشياخ أسلم مع التبيين فيذكر اللفظ عند السماع كما وقع وينبه عليه ويذكر وجه صوابه إما من جهة العربية أو النقل
أو وروده كذلك في حديث آخر أو يقرؤه على الصواب ثم يقول وقع عند شيخنا أو في روايتنا كذا أو من طريق فلان كذا وهو أولى لئلا يقول على النبى صلى الله عليه و سلم مالم يقل
وأحسن ما يعتمد عليه في الإصلاح أن ترد تلك اللفظة المغيرة صوابا فى أحاديث أخرى فإن ذاكرها على الصواب في الحديث أمن أن يقول عن النبى صلى الله عليه و سلم مالم يقل
بخلاف إذا كان إنما أصلحها بحكم علمه ومقتضى كلام العرب وهذه طريقة أبى على بن السكن البغدادى فى انتقائه روايته لصحيح البخارى فإن أكثر متون أحاديثه ومحتمل روايته هى عنده متقنة صحيحة من سائر الأحاديث الأخر الواقعة في الكتاب وغيره
وقد نبه أبو سليمان الخطابى على ألفاظ من هذا في جزء أيضا لكن أكثر ما ذكره مما أنكره على المحدثين له وجوه صحيحة في العربية وعلى لغات منقولة واستمرت الرواية به وليس الرأى في صدر واحدا
وممن كان يأبى تغيير اللحن نافع مولى بن عمر ومحمد بن سيرين وأبو الضحى وغيرهم
باب ضبط اختلاف الروايات والعمل في ذلك
قال الفقيه القاضى الإمام أبو الفضل عياض المؤلف رضى الله عنه
هذا مما يضطر إلى اتقانه ومعرفته وتمييزه وإلا تسودت الصحف واخلطت الروايات ولم يحل صاحبها بطائل وأولى ذلك أن يكون الأم على رواية مختصة ثم ما كانت من زيارة الأخرى ألحقت أو من نقص أعلم عليها أو من خلاف خرج في الحواشى وأعلم على ذلك كله بعلامة صاحبه من أسمه أو حرف منه للاختصار لا سيما مع كثرة الخلاف والعلامات وإن اقتصر على أن تكون الرواية الملحقة بالحمرة فقد عمل ذلك كثير من الأشياخ وأهل الضبط كأبى ذر الهروى و أبى الحسن
القابسى وغيرهما فما أثبت لهذه الرواية كتبته بالحمرة وما نقص منهما مما ثبت للأخرى حوق بها عليه
وقد يقتصر بعض المشايخ على مجرد التخريج والتحويق والشق لإحدى الروايتين ويكل الأمر إلى ذكره وما عقده مع نفسه من ذلك وقد رأيت أبا محمد الأصيلى التزم ذلك في كثير من كتابه في صحيح البخارى الذى بخطه وما وقع فيه على أبى زيد المروزى وقيد فيه روايته
ورواية أبى أحمد الجرجانى الذى عليها أصل كتابه فما سقط لأبى زيد ولم يروه عنه شق عليه بخطه أو حوق عليه
وما سقط لهما معا شق عليه بخطين ليظهر سقوطه لهما
وما اختلفا فيه أثبت عليه اسم صاحبه
ولا يغفل المهتبل بهذا عند كثرة العلامات واختلاف الروايات تقييد ذلك أول دفتره أو على ظهر جزئه أو آخره والتعريف بكل علامة لمن هذه
لئلا ينسى وضع تلك العلامات مع طول الزمن وكبر السن واختلال الذكر فتختلط عليه روايته ويتشكل عليه ضبطه
ومن الصواب ألا يتساهل الناظر في ذلك ولا يهمله فربما احتاج إن أفلح إلى تخريج حديث أو تصنيف كتاب فلا يأتى به على رواية من يسنده إليه إن لم يهتبل بذلك فيكون من جملة أصناف الكاذبين
والناس مختلفون في إتقان هذا الباب اختلافا يتباين ولأهل الأندلس فيه يد ليست لغيرهم وكان إمام وقتنا في بلادنا في هذا الشأن الحافظ أبو على الجيانى شيخنا رحمه الله من أتقن الناس بالكتب وأضبطهم لها وأقومهم لحروفها وأفرسهم ببيان مشكل أسانيدها ومتونها وأعانه على ذلك ما كان عنده
من الأدب وإتقانه ما احتاج إليه من ذلك على شيخه الشيخ أبى مروان ابن سراج اللغوى آخر أئمة هذا الشأن وصحبته للحافظ أبى عمر بن عبد البر آخر أئمة الأندلس في الحديث وأخذه عنه وتقييده عليه وكثرة مطالعته
وناهيك من إتقانه لكتابه الذى ألفه على مشكل رجال الصحيحين
وكان قرينه وكنيه شيخنا القاضى الشهيد عارفا بما يجب من ذلك جدا لكنه لم يهتبل بكتبه اهتباله
وكان القاضى أبو الوليد الكنانى ممن أتقن ربما تكلف في الإصلاح والتقويم بعض ما نعى عليه
باب رفع الإسناد في القراءة والتخريج والعمل فيه
قال الفقيه القاضى أبو الفضل المؤلف رضى الله عنه
فاعلم أولا أن مدار الحديث على الإسناد فيه فيه تتبين صحته ويظهر اتصاله
حدثنا القاضى أبو عبد الله التميمى والأديب أبو على النحوى بسماعى عليهما قالا أخبرنا الفقيه أبوعبد الله بن سعدون قال أخبرنا أبو بكر الغازى قال أخبرنا أبو عبد الله بن البيع أخبرنا أبو العباس السيارى أخبرنا أبو الموجه محمد بن عمرو أخبرنا عبدان قال
سمعت عبد الله بن المبارك يقول
الإسناد من الدين لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء
فأما الأحاديث المفردات فلا إشكال في ذكرها من أول أسانيدها من ذكر من حدث بها الشيخ إلى أن تنتهى منتهاها كما سمعها أو رواها
وأما الأجزاء والدفاتر فلا بد من إعلام الشيخ بروايته فيه وعمن رواه
ويذكر سنده ثم يقرأ الجزء إن كان هو القارىء بنفسه أو يقرؤه غيره عليه
ومنهم من يقرأ السند أول الكتاب أو أول كل مجلس أو يقول بعد قراءته له في أول الكتاب في سائر المجلس وبسندك المتقدم
ثم متى احتاج السامع بعد إلى تخريج حديث داخل الدفتر قال فيه حدثنا فلان وذكر السند الذى مضى له أول الكتاب وهو إنما سمع السند أو قرأه في أول حديث وهذا مما استمر عليه العمل عند الأكثر وفيه ضرب من التجوز والمسامحة والتعويل على إخباره أولا أن جميع ما في الدفتر عنى بهذا الإسناد الذى ذكرت لك أو الذى قرأته على وهو نوع من الإذن والإجازة في الإخبار بهذا السند فتأمله واتفاقهم عليه وتجويز التخريج لسائر الأحاديث به يصحح صحة التحدث بالإجازة
وشدد في ذلك بعض محدثى أهل الشرق وأبى من الحديث بهذا على هذا الوجه ورآه دلسه حتى سمع كل حديث بسنده كله فإذا احتاج إلى التخريج لما لم يأخذه كذلك اضطر أن يبين فيقول حدثنا فلان قال أخبرنا فلان ويذكر السند ثم يقول بجزء كذا أو بحديث فلان أو نسخة
عن فلان منها حديث كذا أو يقول حدثنا فلان عن فلان بأحاديث منها وكذا ذكر مسلم في نسخة حديث همام عن أبى هريرة في صحيحه فيقول بعد ذكر سنده إلى همام قال هذا ما حدثنا أبو هريرة وذكر أحاديث منها ويذكر الحديث الذى يريد تخريجه منها في الباب
وكذلك فعل كثير من المصنفين
ومنهم من أخذ بالرسم الأول وهو الجمهور وأصول أهل خراسان كثيرا ما تجد فيها تجديد الأسانيد في أول كل حديث
وحدثنا أبو بحر سفيان بن العاص الأسدى قال حدثنى أبو الليث نصر بن الحسن الشاشى قال أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسى قال أخبرنا أبو أحمد بن عمرويه قال أخبرنا إبراهيم بن سفيان قال أخبرنا مسلم ابن الحجاج حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام ابن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة أن يقول له تمن فيتمنى ويتمنى فيقول له
هل تمنيت فيقول نعم فيقول له فإن لك ما تمنيت ومثله معه
قرأت بخط الشيخ أبى عمر بن عبد البر الحافظ مما نسبه للقعنبى
( إذا لم يكن خبر صحيح ... عن الأشياخ متضح الطريق )
( فلا ترفع به رأسا ودعه ... فإنى ناصح لك يا صديق )
( وإسقاط المشايخ من حديث ... أشد على من ثكل الشقيق )
( وما في الأرض خير من حديث ... له نور بإسناد وثيق )
باب متى يستحب الجلوس للإسماع وسن المحدث ومتى يمتنع
قال الفقيه القاضى أبو الفضل عياض المؤلف رضى الله عنه
إعلم أن السماع من المسلم البالغ العدل العاقل الضابط لما سمعه العارف به حين أدائه صحيح متفق عليه لكنه اختلف اختيارات أهل هذا الشأن متى يستحب الإنتصاب لهذا والتصدر له إما لأجل كمال عقله وإجتماع أشده وانتهاء كهولته ووقت سمته أو لتوفى أشياخه ومزاحمته من أخذ عنه كما
أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ من كتابه قال أخبرنا أبو الحسن الصيرفى البغدادى قال أخبرنا أبو الحسن الفالى أخبرنا ابن خربان أخبرنا ابن خلاد أخبرنا أبى أخبرنا إبراهيم بن أبى العنبس أخبرنا الحسين بن قتيبة قال قال سفيان الثورى لسفيان بن عيينة مالك لا تحدث فقال أما وأنت حى فلا
قال ومر الثورى على شاب يحدث فقال اللهم لا تقل حياتى
قال القاضى أبو محمد بن خلاد والذى يصح عندى من طريق الأثر والنظر في الحد الذى إذا بلغه الناقل حسن به أن يحدث استيفاء الخمسين لأنها انتهاء الكهولة وفيها مجتمع الأشد قال الشاعر
( أخو خمسين مجتمع أشدى ... ونجذنى محاولة الشئون )
قال وليس ينكر أن يحدث عند استيفاء الأربعين لأنها حد الاستواء ومنتهى الكمال وفيها بعث النبى صلى الله عليه و سلم
قال القاضى الإمام المؤلف رضى الله عنه
واستحسانه هذا لا يقوم له حجة بما قال وكم من السلف المتقدمين
ومن بعدهم من المحدثين من لم ينته إلى هذا السن ولا استوفى هذا العمر ومات قبله وقد نشر من الحديث والعلم مالا يحصى
هذا عمر بن عبد العزيز توفى ولم يكمل الأربعين
وسعيد بن جبير لم يبلغ الخمسين
وكذلك ابراهيم النخعى
وهذا مالك بن أنس قد جلس للناس ابن نيف وعشرين وقيل
2 - ونافع ومحمد بن المنكدر وغيرهم
وقد سمع منه ابن شهاب حديث الفريعة
وتوفى ابن شهاب سنة أربع وعشرين ومائة وسن مالك حين موته نحو الثلاثين وحديث ابن شهاب عنه قبل هذا
وكذلك محمد بن إدريس الشافعى قد أخذ عنه العلم في سن الحداثة
وانتصب لذلك في آخرين من أئمة المتقدمين والمتأخرين
وقد أنشد بعض البغدادين
( إن الحداثة ... لا تقصر بالفتى المرزوق ذهنا )
( لكن تذكى قلبه ... فيفوق أكبرمنه سنا )
وقال القاضى أبو محمد فإذا تناهى العمر فأحب إلى أن يمسك في الثمانين لأنه حد الهرم والتسبيح والذكر وتلاوة القرآن أولى بأبناء الثمانين إلا من كان ثابت العقل مجتمع الرأي محتسبا في الحديث فأرجو له خيرا
قال القاضى الإمام المؤلف رضى الله عنه
والحد في ترك الشيخ التحديث التغير وخوف الخرف وإلا فأنس ابن مالك وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قد حمل
عنهم وحدثوا وقد تيقوا على هذا العدد وقارب كثير منهم المائة وبلغها بعضهم ونيف عليها كعبد الله بن أبى أوفى وواثلة بن الأسقع وسهل بن سعد الساعدى وأبى الطفيل الكنانى
وكذلك من بعدهم من التابعين وأئمة المسلمين قد بلغ كثير منهم الثمانين وأكثر من ذلك وماتوا وهم يحدثون وكانوا يرون ذلك من أفضل أعمالهم والناس من أقطار الأرض يرحلون إليهم من المتقدمين
والمتأخرين كمالك بن أنس توفى وهو ابن نحو من سبع وثمانين وقيل أكثر من هذا
وعطاء بن أبى رباح توفى وهو ابن ثمان وثمانين
والليث بن سعد نيف على ثمانين
وكذلك عطاء الخراسانى ومجاهد والسبيعى وابن عيينة و سليمان بن حرب و أبو عمرو بن العلاء في عدد كثير
وشريك بن عبد الله توفى وقد نيف على المائة
وكذلك القاضى شريح و على بن الجعد توفى وهو ابن ست وتسعين
والأصمعى و معمر بن المثنى توفيا وقد قاربا المائة
و أبو القاسم البغوى توفى وهو ابن نحو مائة سنة
وأبو إسحاق الهجيمى حدث وهو ابن مائة سنة وثلاث سنين
فيمن لا يتعد من أهل الشرق والغرب وهلم جرا إلى من عاصرناه ولقيناه ممن بلغ هذه الأعمار ولم تنقطع الرحلة إليه من الأقطار
حدثنا أبو عامر بن إسماعيل أخبرنا أبن قاسم أخبرنا ابن عباس أخبرنا أبو القاسم الغافقى أخبرنا الذهلى أبو طاهر أخبرنا جعفر أخبرنا أبو قدامة عبيد الله بن سعيد قال سمعت عبد الرحمن بن مهدى يقول
ما أدركت أحدا إلا وهو يخاف هذا الحديث إلا مالك بن أنس وحماد بن سلمة فإنهما كانا يجعلانه من أعمال البر
وقال مالك إنما يخرف الكذابون
وكان أبو إسحاق الهجيمى رأى في منامه أنه قد تعمم ودور على رأسه مائة وثلاث دورات فعبر له أنه يعيش سنين بعددها فحدث بعد بلوغه المائة وقرأ عليه القارىء يوما
( إن الجبان حتفه من فوقه ... كالكلب يحمى جلده بروقه )
وأراد اختبار حسه وصحة ذهنه فقال له الهجيمى قل الثور يا ثور فإن الكلب لا روق له ففرح الناس بصحة عقله وجودة حسه
وإنما كره من كره لأصحاب الثمانين الحديث لأن الغالب على من بلغ هذا السن اختلال الجسم والذكر وضعف الحال وتغير الفهم وحلول الخرف فحذر المتحرى من الحديث في هذا السن مخافة أن يبدأ به التغير والإختلال فلا يفطن له إلا بعد أن جازت عليه أشياء
وكان قاسم بن أصبغ محدث قرطبة وراويتها وشيخها يحدث وقد أسن وخنق التسعين ولا ينكر شيء من حاله فمر يوما في أصحابه ولقيهم حمل حطب على دابة فقال لأصحابه تنحوا بنا عن طريق الفيل فكان أول ما عرف من اختلال ذهنه وذلك قبل موته بنحو ثلاث سنين
وقد قال الشاعر
( إن الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعى إلى ترجمان )
( وبدلتنى بالشطاط الحنى ... وكنت كالصعدة نحت السنان )
( ولم تدع في لمستمتع ... إلا لسانى وبحسبى لسان )
وليست هذه الحالة باللازمة لكل من بلغها وقد اعترى ذلك من لم يبلغها
أنشدنا أبو الحسن على بن أحمد المقدسى قال أنشدنى الأمير
أبوالفتيان بن حيوس الدمشقى لنفسه
( وقد قالت السبعون للهو والصبا ... دعا لي أسيرى وانهضا حيث شئتما )
هذه أكرمك الله فصول وأبواب انتخبناها في هذا الكتاب وأتينا منها بالمحض اللباب مما يحتاج إليه طالب علم الحديث في طلبه ويلتزمه من وظائفه وآدابه ويضطر إليه في علم مآخذه ومبادئه وأتينا في ذلك من المعقول والمنقول ما يعترف المنصف بالإجابة فيه
وها نحن نختم الكتاب بباب جامع لفوائد من الحديث وشوارد من سير أهله ونوادر من الآثار تتعلق بالحديث وعلمه ومحاسن من آداب المشايخ في سماع الحديث ونقله
باب جامع لآثار مفيدة وآداب حميدة
حدثنا القاضى أبو عبد الله التميمى أخبرنا ابن سعدون أخبرنا المطوعى أخبرنا الحاكم أخبرنا أبو على الحسين بن على الحافظ أخبرنا محمد بن سعيد بن بكر الرازى أخبرنا محمد بن عبد الله المدينى أخبرنا معن بن عيسى أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب قال
إن هذا العلم أدب الله الذى أدب به نبيه عليه السلام وأدب به النبى صلى الله عليه و سلم أمته أمانة الله إلى رسوله ليؤديه على ما أدى إليه فمن سمع علما فليجعله إمامه وحجة فيما بينه وبين الله تعالى
أخبرنا القاضى أبو على الصدفى أخبرنا محمد بن يحيى بن هاشم قال أخبرنا أبو القاسم بن مفرج الصدفي وأبو العباس بن نفيس المصرى قالا أخبرنا أبو القاسم الجوهرى أخبرنا أحمد بن محمد المدنى أخبرنا
يونس أخبرنا سفيان عن خالد بن أبى كريمة عن عبد الله بن المسور أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أتيتك لتعلمنى من غرائب العلم فقال له النبى صلى الله عليه و سلم ما صنعت في رأس العلم قال وما رأس العلم قال هل عرفت الرب قال نعم قال فما صنعت في حقه قال ما شاء الله قال هل عرفت الموت قال نعم قال فما أعددت له قال ما شاء الله قال فاذهب فأحكم ما هنالك وتعال نعلمك من غرائب العلم
وحدثنا به عن سفيان عن السدى بن إسماعيل عن الشعبى أن على بن أبى طالب قال
خذوا عنى هؤلاء الكلمات فلو رحلتم فيهن المطى حتى تنضوه لم تبلغوه أن لا يرجو العبد إلا ربه ولا يخشى إلا ذنبه ولا يستحى إذا كان لا يعلم أن يتعلم ولا يستحى إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم واعلموا أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا خير في جسد لا رأس له
وأخبرنا رحمه الله قال أخبرنا الحميدى أخبرنا أبو الحسين ابن المهتدى أخبرنا أبو حفص بن شاهين أخبرنا الحسن بن صدقة أخبرنا احمد بن أبى خيثمة قال أخبرنا على بن المدينى حدثنى أيوب ابن المتوكل عن عبد الرحمن بن مهدى قال
لا يكون إماما أبدا من أخذ بالشاذ من العلم ولا يكون إماما في العلم من روى عن كل أحد ولا يكون إماما في العلم من روى عن كل ما سمع قال والحفظ الإتقان
وحدثنا القاضى أبو على أخبرنا حمد بن أحمد أخبرنا أبو نعيم أخبرنا محمد بن على بن حبيش أخبرنا حيان بن إسحاق البلخى أخبرنا محمد بن الفضل أخبرنا أصرم بن حوشب أخبرنا الخزرج بن أشيم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال
كانوا يؤمرون أو كنا نؤمر أن نتعلم القرآن ثم السنة
ثم الفرائض ثم العربية الحروف الثلاثة يعنى الجر والنصب والرفع
أخبرنا أحمد بن محمد من كتابه أخبرنا أبو الحسن أخبرنا على ابن أحمد أخبرنا أحمد بن إسحاق أخبرنا الحسن بن عبد الرحمن قال أخبرنا أبو عمر بن سهيل الفقيه أخبرنا محمد بن إسماعيل أبو عبد الله الأصبهانى أخبرنا مصعب الزبيرى قال
سمعت مالك بن أنس وقد قال لابنى أخته أبي بكر وإسماعيل ابنى أبى أويس
أرا كما تحبان هذا الشأن وتطلبانه يعنى الحديث قالا نعم قال إن أحببتما أن تنتفعا وينفع الله بكما فأقلا منه وتفقها
قال ونزل ابن لمالك بن أنس من فوق ومعه حمام قد غطاه فعلم مالك أنه قد فهمه الناس فقال
الأدب أدب الله لا أدب الآباء والأمهات والخير خير الله لا خير الآباء والآمهات
قال الحسن وأخبرنا أبو عبد الله بن البرى أخبرنا عبد الله بن جعفر ابن يحيى بن خالد البرمكى الرجل الصالح أخبرنا معن بن عيسى عن مالك ابن أنس أراه عن عبد الله بن إدريس عن شعبة بن الحجاج عن سعد بن إبراهيم عن أبيه
أن عمر بن الخطاب حبس بعض أصحاب النبى صلى الله عليه و سلم فيهم ابن مسعود وأبو الدرداء فقال قد أكثرتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال أبو عبد الله بن البرى يعنى بحبسهم منعهم الحديث ولم يكن لعمر حبس
حدثنا محمد بن إسماعيل أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن قاسم عن أبى محمد عبد الرحمن بن محمد بن عباس عن أبى القاسم عبد الرحمن ابن عبد الله الغافقى أخبرنا محمد بن زريق أخبرنا الحارث أخبرنا ابن القاسم قال
سمعت مالكا يقول ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم نور يضعه الله في القلوب
قال وأخبرنا أحمد بن الحسن النجيرمى أخبرنا العتبى
أخبرنا الربيع قال سمعت الشافعى يقول كان مالك إذا شك في بعض الحديث طرحه كله
حدثنا القاضىالشهيد قال أخبرنا أحمد بن أحمد أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال أخبرنا حبيب بن الحسن أخبرنا محمد بن سعيد الصيرفى أخبرنا زهير بن قمير أخبرنا قبيصة أخبرنا سفيان عن سيف عن مجاهد قال
أنقص من الحديث أحب إلى من أن أزيد فيه
قال وأخبرنا محمد بن على بن حبيش أخبرنا إسحاق بن عبد الله ابن سلمة أخبرنا محمد بن سهل بن عسكر أخبرنا أبو صالح الفراء قال سمعت ابن المبارك يقول
ما انتخبت على عالم قط إلا ندمت ومن بخل بالعلم ابتلى بثلاث إما أن يموت فيذهب علمه أو ينساه أو يتبع سلطانا
قال وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عثمان أخبرنا ابن أبى داود أخبرنا أحمد بن الفتح قال سمعت بشر بن الحارث يقول
إذا أردت أن تلقن العلم فلا تعص
حدثنا أحمد بن محمد أبو طاهر الحافظ من كتابه أخبرنا أبو الحسين الطيورى أخبرنا أبو الحسن الفالى أخبرنا القاضى النهاوندى أخبرنا
أبو محمد بن خلاد أخبرنا عمر بن محمد بن نصر الكاغدى أخبرنا أبو سعيد الأشج حدثنى يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن الزهرى قال
إن للحديث آفة ونكدا وهجنة فآفنه نسيانه ونكده الكذب وهجنته نشره عند غير أهله
حدثنا القاضى أبو عبد الله التميمى والشيخ أبو على التاهرتي قالا أخبرنا ابن سعدون القروى أخبرنا أبو بكر المطوعى أخبرنا أبو عبد الله الحاكم قال سمعت أبا محمد الثقفى يقول سمعت جدى يقول
جالست أبا عبد الله المروزى أربع سنين فلم أسمعه طول تلك المدة يتكلم في غير العلم إلا أنى حضرته يوما وقيل له عن ابنه إسماعيل وما كان يتعاطاه لو وعظته أو زجرته فرفع رأسه ثم قال أنا لا أفسد مروءتى بصلاحه
حدثنا القاضى الشهيد أخبرنا المبارك بن عبدالجبار وأحمد بن خيرون قالا أخبرنا أبو يعلى البغدادى قال أخبرنا أبو على السنجى أخبرنا أبو العباس بن محبوب أخبرنا أبو عيسى الترمذى أخبرنا أبو على بن خشرم أخبرنا حفص بن عتاب عن عاصم الأحول
قلت لأبى عثمان النهدى إنك تحدثنا بالحديث ثم تحدثنا به ثانية على غير ما حدثتنا
قال عليك بالسماع الأول
وحدثنا به عن أبى عيسى قال أخبرنا الحسن بن مهدى أخبرنا عبد الرزاق وأخبرنا معمر قال قتادة
ما سمعت أذناى شيئا قط إلا وعاه قلبى
أخبرنا أبو محمد بن عتاب قال أخبرنا يوسف بن عبد الله أخبرنا محمد بن رشيق أخبرنا أبو علي الحسن بن على بن داود بمصر أخبرنا على بن أحمد بن سليمان أخبرنا إبراهيم بن يعقوب أخبرنا يحيى ابن يحيى أخبرنا ابن وهب عن يونس بن يزيد قال قال لى ابن شهاب
يا يونس لا تكابد العلم فإن العلم أودية فإيها أخذت فيه قطع بك قبل أن تبلغه ولكن خذه مع الأيام والليالى ولا تأخذ العلم جملة فإن من رام أخذه جملة ذهب عنه جملة ولكن الشيء بعد الشيء مع الليالى والأيام
قال وأخبرنا عبد الوارث أخبرنا قاسم أخبرنا أحمد بن زهير أخبرنا أبو الفتح نصر بن المغيرة قال قال سفيان
أول العلم الاستماع ثم الإنصات ثم الحفظ ثم العمل ثم النشر
أخبرنا أبو عبد الله بن محمد أخبرنا محمد بن أحمد بن يحيى أخبرنا أبو الحسن بن بهز أن الربيع بن سليمان قال
سمعت الشافعى يقول من حفظ القرآن عظمت حرمته ومن طلب الفقه نبل قدره ومن وعى الحديث قويت حجته ومن نظر في النحو رق طبعه ومن لم يصن نفسه لم يصنه العلم
حدثنا عيسى بن سعيد المقرى عن ابن مقسم قال سمعت أحمد بن نائل الزعفرانى يقول سمعت على بن عبد العزيز يقول سمعت أبا عبيد يقول
ما ناظرنى رجل قط وكان مفننا في العلوم إلا غلبته ولا ناظرنى ذو فن واحد إلا غلبنى في فنه ذلك
قال القاضى
ونقلت من خط القاضي أبي عبدالله بن أبى نصر الحميدى وأجازنى عنه
الإمام أبو نصر بن أبى مسلم النهاوندى مكاتبة من مكة حرسها الله والقاضى أبو عبد الله الصدقى وغيرهما قال أخبرنا الشريف أبو إبراهيم أحمد بن القاسم بن ميمون الحسينى قال أخبرنا جدنا الميمون بن حمزة أخبرنا أبو جعفر الطحاوى أخبرنا أحمد بن أبى عمران أخبرنا عاصم ابن على أخبرنا المسعودى عن عون بن عبد الله قال
كان الفقهاء يتواصون بثلاث ويكتب بعضهم إلى بعض أنه من أصلح سريرته أصلح الله علانيته
ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس
ومن عمل للآخرة كفاه الله الدنيا
وبخطه أخبرنا أبو محمد بن عبد العزيز بن أحمد الكنانى إملاء أخبرنا القاضى أبو عبد الله الحسين بن سلمة الآمدى أخبرنا الأمير أبو محمد عبد الله بن عثمان الثقفى قال سمعت جدى أبا القاسم محمد بن عبد الرحمن قال
تقدم إلى إسماعيل بن إسحاق القاضى رجلان من أصحاب الحديث فادعى أحدهما على الآخر سماعا في كتابه وأنه يلتمسه لينسخه فأبى عليه فسأل القاضى المدعى عليه فأقر فقال القاضى إن كان سماعه في كتابك بخطك لزمك بالحكم وإن كان سماعه في كتابك بخطه فأنت
بالخيار في دفعه ومنعه وقال للآخر إذا أعارك أخوك كتبه لتنسخها فلا تعذبه فإنك تطرق على نفسك منعك مما تستحق فرضيا وقاما
وقد روينا مثل هذه الحكاية والفتيا عن غير إسماعيل
أخبرنا أحمد بن محمد مكاتبة أخبرنا الصيرفى أخبرنا الفالى أخبرنا ابن خربان أخبرنا ابن خلاد أخبرنا الحسن بن عثمان التسترى أخبرنا أبو زرعة الرازى قال
ادعى رجل على رجل بالكوفة سماعا منه إياه فتحا كما إلى حفص ابن غياث وكان على قضائها فقال لصاحب الكتاب أخرج إلينا كتبك فما كان من سماع هذا الرجل بخطك ألزمناك وما كان بخطه أعفيناك منه
قال ابن خلاد سألت أبا عبد الله الزبيرى عن هذا فقال لا يجىء في هذا الباب حكم أحسن من هذا لأن خط صاحب الكتاب دال على رضاه وقال غيره ليس بشيء
قال القاضى المؤلف رضى الله عنه
لا فرق بين كون سماعه في كتابه هذا بخط صاحب الكتاب أو بخطه
إذا كان الكتاب فيه بمعرفته وإذنه إذا جعل رضاه بذلك دليلا على إباحته للإنتساخ فإن كان العرف عندهم هذا فيهما أوفى أحدهما فنعم وإلا فالقول ما قال غيرهما إذ لا يحكم لكتب السماع في الكتاب بأكثر من شهادته بصحة سماعه وأما زائد على ذلك فلا إلا أن يضاف إلى ذلك عرف فيحكم به على ما تقدم والله أعلم
حدثنا القاضى الشهيد قراءة عليه أخبرنا أبو الفضل الأصبهانى أخبرنا أبو نعيم الأصبهانى أخبرنا عبد الله بن محمد بن عثمان أخبرنا عبد الله بن محمد الزطني أخبرنا أبو الأصبغ بن شبيب بن حفص البصرى أخبرنا أيوب بن يزيد حدثنى يونس بن يزيد قال
قال لى ابن شهاب يا يونس إياك وغلول الكتب قلت وما غلولها قال حبسها
سمعت شيخنا سفيان بن العاصى الأسدى يحكى عن شيخه القاضى أبى الوليد الكنانى فيما يغلب على ظنى أنه كان إذا أعار كتابا لأحد إنما يتركه عنده بعدد ورقاته أياما ثم لا يسامحه بعد ويقول هذه الغاية إن كنت أخذته للدرس والقراءة فلن يغلب أحدا حفظ ورقة في كل يوم
وإن أردته للنسخ فكذلك وإن لم يكن هذا ولا هذا فأنا أحوط بكتابى وأولى برفعه منك
وحدثنا القاضى أبو على حدثنا الأصبهانى قال قال أبو نعيم سمعت أبا على بن الصواف يقول سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول
ما رأيت أبى على حفظه حدث من غير كتاب إلا أقل من مائة حديث
قال وأخبرنا أبو بكر بن خلاد أخبرنا محمد بن يونس قال سمعت عبد الله بن داود يقول
سمعت الأعمش يقول السكوت جواب
قال وأخبرنا عبد الله بن جعفر أخبرنا إسماعيل بن عبد الله أخبرنا الحسن بن واقع أخبرنا ضمرة عن ابن شؤذب عن مطر قال
العلم أكثر من مطر السماء ومثل الذى يروى عن عالم واحد كرجل له امرأة واحدة فإذا حاضت بقى
قرأت على أبى بحر رحمه الله حدثكم أبو العباس أخبرنا أبو العباس أحمد بن الحسين الرازى أخبرنا أبو أحمد بن عدى الجرجانى
قال سمعت أحمد بن عمر بن بسطام يقول سمعت أحمد بن سيار يقول كنت أنا ومحمد بن يحيى عند على بن حجر نسأله فأنشأ يقول
( الغاية القصوى التى تأملانها ... أتقومي عليها نقوم فننهض )
قال وسمعت الحسن بن سفيان يقول سأل أصحاب الحديث على ابن حجر الزيادة فأنشأ يقول
( لكم مائة في كل يوم أعدها ... حديثا حديثا لست زائدكم حرفا )
( وما طال منها من حديث فإننى ... به طالب منكم على قدره صرفا )
( فإن أقنعتكم فاسمعوها صريحة ... وإلا فجيئوا من يحدثكم ألفا )
قال الحسن وسمعت على بن حجر يقول
( وظيفتنا مائة للغريب ... في كل يوم سوى ما يفاد )
( شريكيه أو هشيمية ... أحاديث فقه صحاح جياد )
حدثنا القاضى أبو على الصدفي قال سمعت شيخنا أبا محمد التميمى الحنبلى يقول
يقبح بكم أن تستفيدوا بنا ثم تذكرونا ولا تترحموا علينا
حدثنا الشيخ أبو على الجيانى مكاتبة قال أخبرنا أبو عمر ابن عبد البر النمرى أخبرنا أحمد بن قاسم المقرى أخبرنا ابن حبابة أخبرنا ابو القاسم البغوى أخبرنا عبد الله بن عمر القواريرى سمعت يحيى ابن سعيد القطان يقول
قال شعبة كل من كتبت عنه حديثا فأنا له عبد
وحدثنا القاضى الشهيد قراءة أخبرنا أحمد الحداد أخبرنا أحمد ابن عبد الله أخبرنا سليمان بن أحمد أخبرنا أنس بن سلم أبو عقيل الخولانى أخبرنا عتبة بن رزين الألهانى سمعت إسماعيل بن عياش يقول حدثنى محمد بن زياد الألهانى عن أبى أمامة الباهلى قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من علم عبدا آية من كتاب الله تعالى فهو مولاه ينبغى له ألا يخذله ولا يستأثر عليه
وحدثنا محمد بن إسماعيل أخبرنا ابن قاسم أخبرنا ابن عباس أخبرنا الغافقى أو القاسم قال أخبرنا أبو إسحاق يعنى ابن شعبان حدثنى محمد ابن أحمد عن يونس عن ابن وهب قال قال لى مالك
يا عبد الله أد ما سمعت ولا تحمل لأحد على ظهرك فقد كان يقال أخسر الناس من باع آخرته بدنياه وأخسر منه من باع آخرته بدنيا غيره
قال وأخبرنا أبو طالب عمر بن الربيع الخشاب أخبرنا هشام ابن صالح أخبرنا محمد بن كثير أخبرنا سلم الخواص قال يقتدى من قول العالم ما يقتدى من فعله
وينشد في هذا
( اسمع لقولى ولا تنظر إلى عملى ... ينفعك علمى ولا يضررك تقصيرى )
أخبرنا القاضى أبو على أخبرنا بن أبى نصر قال قرأت على
أبى البركات الحسين بن إبراهيم بن الفرات قال أخبرنا أبو محمد عبد الغنى ابن سعيد قال
حمل إلى عمر بن داود النيسابورى كتاب المدخل إلى معرفة الصحيح الذي صنعه أبو عبد الله بن البيع النيسابورى فوجدت فيه أغلاط فأعلمت عليها وأوضحتها في كتاب فلما وصل الكتاب إليه أجابنى على ذلك بأحسن جواب وشكر عليه أتم شكر وذكر في كتابه إلى أنه لا يذكر ما استفاده من ذلك أبدا إلا عنى وذكر في كتابه إلى أن أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم حدثهم قال أخبرنا العباس بن محمد الدورى قال سمعت أبا عبيد يقول
من شكر العلم أن تستفيد الشىء فإذا ذكر قلت خفى على كذا وكذا ولم يكن لى به علم حتى أفادنى فلان فيه كذا وكذا فهذا شكر العلم
وأخبرنا قال أخبرنا الحميدى قال أخبرنا ابو الحسين بن المهتدى
أخبرنا أبو حفص بن شاهين قال أخبرنا إسماعيل بن على بن إسماعيل قال
بلغنى أن ابن المبارك حضر عند حماد بن زيد مسلما عليه فقال أصحاب الحديث لحماد بن زيد يا أبا اسماعيل تسأل أبا عبد الرحمن يحدثنا فقال لى يا أبا عبد الرحمن حدثهم فقلت سبحان الله يا أبا اسماعيل أحدث وأنت حاضر قال أقسمت لنفعلن أو نحوه فقال ابن المبارك خذوا أخبرنا أبو إسماعيل حماد بن زيد فما حدث بحرف إلا عن حماد يعنى في ذلك المجلس أدبا
وناهيك من فعل حماد أيضا ومن أدب الحاضرين في رغبتهم لحماد
أخبرنا احمد بن محمد عن أبى عمر بن عبد البر إجازة أخبرنا خلف ابن قاسم أخبرنا سعيد بن عثمان بن السكن أخبرنا أبو العباس أحمد ابن عبد الله الفرائضى أخبرنا محمد بن مالك اخبرنا عباس الدورى أخبرنا ابن نوح قال سمعت شعبة يقول
إذا رأيت المحبرة في بيت إنسان فارحمه فإن كان في كمك شيء فأطعمه
قرأت بخط أبى عبد الله بن أبى نصر فيما كتبه مفيدا للقاضى أبى بكر بن عمران وحدثنا غير واحد عنه قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عقيل الخراسانى أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد أخبرنا
230
الخرائطى قال أخبرنا العباس بن عبد الله الترقفى قال أخبرنا أبو يزيد الفيض بن إسحاق عن الفضيل بن عياض قال قال عبد الله ابن سلام لكعب
ما يذهب العلم من قلوب العلماء بعد إذ وعوه وعقلوه
قال الطمع وشره النفس وطلب الحوائج
قلت لفضيل فسر لى قول كعب
قال يطمع الرجل في الشيء فيطلبه فيذهب عليه دينه
وأما الشره فشره النفس في هذا وفى هذا حتى لا يحب أن يفوته شيء وتكون لك إلى هذا حاجة وإلى هذا حاجة فإذا قضاها لك خرم أنفك وقادك حيث شاء واستمكن منك وخضعت له فمن حبك للدنيا سلمت عليه إذا مررت به وعدته إذا مرض لم تسلم عليه لله ولم تعده لله فلو لم تكن لك إليه حاجة كان خيرا لك ثم قال هذا خير لك من مائة حديث عن فلان وفلان
وحدثنا التاهرتى بقراءتي عليه أخبرنا ابن سعدون أخبرنا
المطوعى أخبرنا ابن البيع قال سمعت أحمد بن الخضر الشافعى يقول سمعت جعفر بن أحمد الحافظ يقول
كنا في مجلس محمد بن رافع في منزله قعودا تحت الشجرة وهو مستند إليها يقرأ علينا وكان إذا رفع في المجلس أحد صوته أو تبسم قام فلم يقدر أحد منا على مراجعته قال فوقع ذرق طائر على يدى وقلمى وكتابى فضحك خادم من خدم طاهر بن عبد الله وأولاده معنا في المجلس فنظر إليه محمد بن رافع فوضع الكتاب فانتهى ذلك الخبر إلى السلطان فجاءنى الخادم عند السحر ومعه حمال على ظهره بيت سامان فقال والله ما أملك في الوقت شيئا أحمله إليك غير هذا وهو هدية لك فإن سئلت عنى فقل لا أدرى من تبسم فقلت افعل فلما كان من الغد حملت إلى باب السلطان فبرأت
الخادم ثم بعث السامان بثلاثين دينارا فاستغنيت به في الخروج إلى العراق
حدثنا القاضى الشهيد أخبرنا حمد بن أحمد أخبرنا أبو نعيم الحافظ أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز أخبرنا عبيد الله العيشى أخبرنا هشام بن زياد أخبرنا محمد بن كعب القرظى عن ابن عباس قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
إن عيسى عليه السلام قام في بنى إسرائيل فقال يا بنى إسرائيل لا تتكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها ولا تضعوها عند غير أهلها فتكتموها وفى غير هذه الرواية ولا تمنعوها من أهلها فتظلموهم
أخبرنا أبو على الجيانى من كتابه قال أنشدنى بعض شيوخى
( صن العلم وارفع قدره وارع حقه ... ولا تلقه إلا إلى كل منصف )
( وخطه يحطك الله من كل آفة ... فأنت به من حيث يممت تكتف )
أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ من كتابه قال أخبرنا أبو الحسين الطيورى قال أخبرنا أبو الحسن الفالى قال أخبرنا القاضى ابن خربان قال أخبرنا القاضى ابن خلاد قال أخبرنا محمد بن خالد الراسبى أخبرنا بندار أخبرنا عبد الرحمن عن مالك عن الزهرى عن سعيد بن المسيب قال إن كنت لأسير ثلاثا في الحديث الواحد
حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد الخشنى قال أخبرنا أبو على الحسين بن على الطبرى وحدثنا أبو بحر بن العاصى الأسدى قال أخبرنا أبو الفتح السمرقندى قالا أخبرنا عبد الغافر الفارسى أخبرنا أبو أحمد الجلودى أخبرنا ابن سفيان أخبرنا مسلم بن الحجاج أخبرنا يحيى بن يحيى أخبرنا عبد الله بن يحيى بن أبى كثير عن أبيه قال
لا يستطاع العلم براحة الجسم
وحدثنى القاضى أبو على عن المبارك بن عبد الجبار عن أبى الحسن على بن أحمد عن أبى عبد الله النهاوندى عن أبى محمد الحسن بن عبد الرحمن عن الساجى قال أخبرنا الربيع أو حدثت عنه أن الشافعى يجزىء الليل ثلاثة أجزاء الثلث الأول يكتب والثانى يصلى والثالث ينام
حدثنا القاضى أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن ابن عبد الرحيم بن أحمد الكتامى بلفظه قال حدثنى أبى محمد قال حدثنى أبى عبد الرحمن قال حدثنى أبى عبد الرحيم قال أخبرنا
أبو محمد بن أبى زيد الفقيه بالقيروان قال حدثنى أبو بكر محمد بن محمد بن اللباد أن محمد بن عبدوس صلى الصبح بوضوء العتمة ثلاثين سنة خمس عشرة من دراسة وخمس عشرة من عبادة
قال القاضى
ذكرت هذا الخبر للقاضى الشهيد شيخنا أبى على رحمه الله فاستغربه وقال لى سمعت أبا محمد عبد الله بن محمد بن إسماعيل يعرف بابن فورتش قاضى سرقسطه يقول
رأى ابن عبدوس في النوم قائلا يقول له مخضت فجبن فقصها على عابر وقته فقال له ندبت للعمل فقال أي عمل أفضل من اشتغالى بتأليف المجموعة فقال له العابر ما أراك ندبت إلا لما هو أنفع لك أو نحو هذا فانفرد بالمنستير سنة وتوفى رحمه الله بعد سنة
وأخبرنا أبو الحسن على بن أحمد الشافعى وأبو عبد الله محمد ابن قطرى النحوى عن أبى بكر أحمد بن ثابت الخطيب البغدادى من ناشيده لأبى القاسم بن نباته السعدى بن عمر أبى نصر
( أعاذلتى على إتعاب نفسى ... ورعيى في السرى روض السهاد )
( إذا شام الفتى برق المعالى ... فأهون فائت طيب الرقاد )
قرأت بخط الشيخ ابن أبى نصر الحافظ نزيل بغداد فيما حدثنى به القاضى أبو على عنه من قوله
( الفقه في الدين بالآثار مقترن ... فاشغل زمانك في فقه وفى أثر )
( فالشغل بالفقه والآثار مرتفع ... بقاصد الله فوق الشمس والقمر )
أخبرنا أحمد بن محمد من كتابه أخبرنا الطيورى أخبرنا الفالى أخبرنا ابن خربان أخبرنا ابن خلاد حدثنى عبد الرحمن المازنى حدثني هارون بن إسحاق أخبرنا محمد بن عبد الوهاب القناد قال سمعت سفيان الثورى يقول
لو علمت أن أحدا يطلب الحديث لله لصرت إليه في بيته فحدثته
قال ابن خلاد وأخبرنا عبد الله بن أحمد بن سعدان أخبرنا سعيد ابن رحمة الأصبحى قال
كنت أسبق إلى حلقة عبد الله بن المبارك بليل مع أقرانى لا يسبقنى أحد ويجىء هو مع الأشياخ فقيل له قد غلبنا عليك هؤلاء الصبيان فقال
هؤلاء أرجى عندى منكم أنتم كم تعيشون وهؤلاء عسى الله أن يبلغ بهم
قال وأخبرنا موسى بن زكريا أخبرنا زياد بن عبيد الله بن خزاعى سمعت سفيان بن عيينة يقول
كان أبى صيرفيا بالكوفة فركبه الدين فحملنا إلى مكة فلما رحنا إلى المسجد لصلاة الظهر وصرت إلى باب المسجد إذا شيخ على حمار فقال لى يا غلام أمسك على هذا الحمار حتى أدخل المسجد فاركع فيه فقلت لا والله ما أنا بفاعل حتى تحدثنى فقال وما تصنع بالحديث واستصغرنى فقال حدثنى بن جابر عبد الله وأخبرنا ابن عباس فحدثنى بثمانية أحاديث فأمسكت حماره وجعلت أتحفظ ما حدثنى به فلما صلى وخرج قال ما نفعك ما حدثتك به حبستنى فقلت حدثتنى بكذا وحدثتني بكذا فرددت عليه جميع ما حدثنى به فقال بارك الله فيك تعالى غدا إلى المجلس فإذا هو عمرو بن دينار
قال وأخبرنا همام بن محمد العبدى وأخبرنا إبراهيم بن الحسن العلاف حدثنى العلاء بن الحسين أخبرنا سفيان بن عيينة بحديث فقلت له ليس هو يا أبا عبد الله كما حدثت قال وما علمك يا قصير قال فسكت عنه هنية ثم قلت يا أبا عبد الله أنت معلمنا وسيدنا فإن كنت أوهمت فلا تؤاخذنى فسكت هنية ثم قال يا أبا عبد الرحمن الحديث كما ذكرت أنت وأنا أوهمت
قال وأخبرنا على بن محمد بن الحسين أخبرنا محمد بن هارون الموصلى أخبرنا عبيد الله بن جناد قال
عرضت لابن المبارك فقلت له أمل على فقال أقرأت القرآن فقلت نعم فقرأت عشرا
فقال هل علمت ما اختلف الناس فيه من الوقوف والابتداء
قلت أبصر الناس بالوقف والابتداء فقال مدهامتان قلت آية
قال فالحديث سمعته من أحد غيرى قلت نعم قال فحدثنى قال فحدثته في المناسك بأحاديث فقال أحسنت هات ألواحك فأخرجت
ثم قال لي من أين أنت قلت من بغداد
قال قم قلت هل رأيت إلا خيرا قال قم
قلت امرأته طالق ثلاثا إن قمت أو تملى على وتفتيني وتغنينى أقولها أربعا
قال اكتب
( أيا القارىء الذى لبس الصوف ... وأمسى بعد في الزهاد )
( الزم الثغر والتواضع فيه ... ليس بغداد منزل العباد )
( إن بغداد للملوك محل ... ومناخ للقارىء الصياد )
قلت من الناس قال العلماء
قلت من الملوك قال الزهاد
قلت من الغوغاء قال هرنمة وخزيمة بن خازم
قلت من السفلة قال من باع دينه بدنيا غيره
قال وأخبرنا أبو جعفر الحضرمى أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلى أخبرنا الفضل بن موسى عن محمد بن عبيد الله عن أبى إسحاق قال
كان يختلف شيخ معنا إلى مسروق وكان يسأله فيخبره فلا يفهم فقال أتدرى ما مثلك مثلك مثل بغل هرم حطم جرب دفع إلى رائض فقيل له علمه الهملجة
قال وأخبرنا إبراهيم بن محمد أخبرنا عبد الله بن شبيب أخبرنا يعقوب بن حميد بن كاسب حدثنى عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون قال
حضرت مالكا وأتاه رجل من الصوفية فسأله عن ثلاثة أحاديث يحدثه بها فقال مالك إعرضها إن كانت لك حاجة
فقال يا أبا عبد الله إن العرض لا يجوز عندنا
فقال له مالك أنت أعلم فأتاه مرارا كل ذلك يقول له إعرضها إن كانت لك حاجة فيقول له العرض لا يجوز عندنا فلما أراد أن يقوم وثب إليه الصوفى فلزم مضربة كانت تحته ثم قال ورب هذا القبر لا أدعها أو تحدثنى بثلاثة أحاديث
فقال مالك لرجل من جلسائه ليتك يا أبا طلحة دخلت بينى وبينه فإنى أرى به لمما
فقال أبو طلحة ما أرى بالرجل لمما يا أبا عبد الله إن رأيت أن تحدثه بهذه الأحاديث الثلاثة
فقال مالك هات فسأله فحدثه واختصرته
حدثنا محمد بن إسماعيل القاضى أخبرنا أبو القاسم بن قاسم عن محمد
ابن عباس عن أبى القاسم الجوهرى قال أخبرنا أبو الحسن على ابن شعبان أخبرنا أحمد بن مروان أخبرنا عمير بن مرداس أخبرنا مطرف ابن عبد الله قال
كان مالك إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم اغتسل وتطيب ولبس ثيابا جددا ثم يحدث قال غيره إجلالا لحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ويقول ليلينى منكم أولو الأحلام والنهى
أخبرنا أحمد بن محمد أخبرنا المبارك أخبرنا على بن أحمد أخبرنا أحمد بن إسحاق أخبرنا ابن خلاد قال أخبرنا إبراهيم بن عبد الوهاب الأبزارى قال سمعت أحمد بن القاسم صاحب أبى عبيد قال سمعت الحسن ابن أبى الربيع يقول
كنا على باب مالك بن أنس فخرج مناد فنادى ليدخل أهل الحجاز فما دخل إلا أهل الحجاز ثم خرج فنادى ليدخل أهل الشام فما دخل إلا أهل الشام ثم خرج فنادى ليدخل أخل العراق فكنا آخر من دخل وكان فينا حماد بن أبى حنيفة فلما دخل قال السلام عليكم ورحمة الله وإذا مالك بن أنس جالس على الفرش والخدم قيام بأيديهم المقارع قال فأومأ
الناس بأيديهم إليه أسكت فقال ويحكم أفى الصلاة نحن فلا نتكلم
قال فسمعت مالكا يقول أستخير الله ثلاثا ثم قال أخبرنى نافع عن ابن عمر فحدثهم بعشرين حديثا
قال في غير هذه الرواية ثم أخذتنا المقارع فأخرجنا
حدثنا القاضى الشهيد أخبرنا أبو بكر بن الخاضبة البغدادى أخبرنا أبو الفتح الجوهرى أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمى سمعت عبد الرحمن ابن محمد المعدل يقول سمعت محمد بن عبد الله الحيرى يقول سمعت قطن ابن إبراهيم يقول سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلى يقول
جاء فتى إلى سفيان بن عيينة من خلفه فجبذه فقال يا سفيان حدثنى فالتفت سفيان فقال يا فتى إنه من جهل أقدار الناس فهو بقدر نفسه أجهل
أخبرنا أحمد بن محمد أخبرنا أبو الحسين الصيرفى أخبرنا أبو الحسن الفالىأخبرنا ابن خربان أخبرنا ابن خلاد أخبرنا إسحاق بن أبى حسان الأنماطى أخبرنا هشام بن عمار أخبرنا الوليد عن سعيد
أن هشام بن عبد الملك سأل الزهرى أن يملى على بعض أولاده شيئا من الحديث فدعا بكاتب وأملى عليه أربعمائة حديث فخرج الزهرى من عند هشام فقال اين أنتم يا أصحاب الحديث فحدثهم بها أراه والله
أعلم لئلا يخص أهل الدنيا دونهم ثم لقى هشاما بعد شهر أو نحوه فقال للزهرى يريد اختباره إن ذلك الكتاب قد ضاع قال لا عليك فدعا بكاتب فأملاها عليه ثم قابل هشام بالكتاب الأول فلم يغادر حرفا واحدا
أخبرنا القاضى أبو عبد الله التميمى بقراءتى عليه وأبو الحسين سراج ابن عبد الملك الحافظ قالا أخبرنا أبو مروان بن سراج عن أبى القاسم الزهرى عن أبى زكريا بن عابد أخبرنا أحمد بن خالد أخبرنا على بن عبد العزيز أخبرنا أبو عبيد القاسم بن سلام أخبرنا ابن علية ومعاذ عن ابن عون عن ابن سيرين عن الأحنف بن قيس عن عمر بن الخطاب قال
تفقهوا قبل أن تسودوا
قال أبو عبيد يقول ما دمتم صغارا قبل أن تصيروا سادة رؤساء منظورا إليكم فتستحيوا من الطلب فتبقوا جهلاء
وقد قال مجاهد لن ينال العلم مستحى ولا مستكبر
وقال غير أبى عبيد معناه قبل أن تتزوجوا فتشغلكم بيوتكم وأزواجكم عن ذلك
وفى مثل هذا قال أبو الفرج بن هندو الكاتب فيما حدثنى به الشيخ الأديب أبو عبد الله الزبيدى عن أبى بكر أحمد بن ثابت الحافظ مما أنشده له
( ما للمعيل وللمعالى إنما ... يسمو إليهن الوحيد الفارد )
( فالشمس تجتاب السماء وحيدة ... وأبو بنات النعش فيها راكد )
حدثنا القاضى أبو على الصدفى أخبرنا الفضل الأصبهانى أخبرنا أحمد بن عبد الله الأصبهانى أخبرنا أحمد إجازة أخبرنا الصوفى أخبرنا أحمد بن جناب أخبرنا عيسى بن يونس عن الأعمش قال
كنت آتى إبراهيم فيحدثنا وكانت العلامة فيما بيننا وبينه أن يمس أنفه فإذا مس أنفه لم يطمع أحد منا أن يسأله عن شيء
أخبرنا ابو طاهر الأصبهانى مكاتبة قال أخبرنا أبو الحسين البغدادى الطيورى أخبرنا أبو الحسن الفالى أخبرنا أبو عبد الله النهاوندى أخبرنا أبو محمد بن خلاد الرامهرمزى أخبرنا سهل بن موسى أخبرنا عبد الله بن الصباح العطار أخبرنا أبو على الحنفى أخبرنا قرة بن خالد قال
كان الحسن يظهر عند السكتة يعنى إذا سكت عن الحديث فيكون هجيراه سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
وكان هجيرى ابن سيرين إذا سكت عن الحديث أن يقول اللهم لك الشكر
وكان الضحاك يقول عند سكوته لا حول ولا قوة إلابالله
وكان هجيرى قتادة إذا سكت ( ألا إلى الله تصير الأمور )
قال وأخبرنا عبد الله بن معدان أخبرنا أحمد بن حرب أخبرنا
حسن الجعفى قال ذكر طعمة ابن غيلان قال
كان الحسن إذا أراد أن يفارق أصحابه قال اللهم بارك لنا فيما تقلبنا إليه من قول أو عمل ومال وأهل اللهم اجعلها نعمة مشكورة مشهورة مبلغة إلى رضوانك والجنة وأجعله متاع وإيمان وزاد إيمان
حدثنا القاضى الشهيد سماعا من لفظه أخبرنا العذرى أبو العباس أخبرنا أبو ذر الهروى سمعت أبا زرعة عبيد الله بن عثمان يقول
سمعت أبا بكر النقاش يدعو بهذا الدعاء إذا فرغنا وانصرفنا
عمر الله قلوبكم بذكره وألسنتكم بشكره وجواركم بخدمته ولا جعل على قلوبكم ربانية لأحد من خليقته
وحدثنا رحمه الله قال أخبرنا أبو الفضل الأصبهانى قال أخبرنا
أبو نعيم الحافظ أخبرنا أبو عمر العثمانى أخبرنا بن مكرم أخبرنا محمد بن سهل أخبرنا عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا بكر بن مضر عن عبيد عن خالد بن أبى عمران عن نافع قال
كان ابن عمر إذا جلس مجلسا لم يقم حتى يدعو لجلسائه بهذه الكلمات وزعم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يدعو بهن لجلسائه
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك
ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا
اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أبقيتنا واجعله اللهم الوارث منا واجعل ثارنا على من ظلمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا
وكان شيخنا القاضى الشهيد رحمه الله يستعمل هذا الدعاء في آخر مجالسه إذا فرغنا ولا يكاد يغبه
قال القاضى المؤلف رضى الله عنه وأبقى لنا مدته وحرس علينا بركته
هذا منتهى ما علقناه من غرضك المطلوب وأودعناه من الفوائد ما يصور الأسماع والقلوب
وسألت جامع
الناس ليوم لا ريب فيه أن يجمع أهواءنا المتفرقة في أودية الدنيا على ما يزلف لديه
ويرضيه ويخلص أعمالنا لوجهه ومالم يكن منها له فيصرفه لذلك بلطفه وتلافيه ويختم
لجميعنا بالحسنى قبل انخرام الأجل وفراق الدنيا ويستعملنا بما علمنا ما دام العمل
يمكننا
وكتبه
لنفسه بخط يده موسى بن عمران بن موسى بن عياض اليحصبى عنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق